فِي الْبِدَايَةِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ. وَكَانَتِ الْأَرْضُ بِلَا شَكْلٍ وَخَالِيَةً، وَالظَّلَامُ يُغَطِّي الْمِيَاهَ الْعَمِيقَةَ، وَرُوحُ اللهِ يُرَفْرِفُ عَلَى سَطْحِ الْمِيَاهِ. وَقَالَ اللهُ: ”لِيَكُنْ نُورٌ.“ فَصَارَ نُورٌ. وَرَأَى اللهُ أَنَّ النُّورَ حَسَنٌ. وَفَصَلَ اللهُ بَيْنَ النُّورِ وَالظَّلَامِ. وَسَمَّى اللهُ النُّورَ نَهَارًا، وَسَمَّى الظَّلَامَ لَيْلًا. وَمَضَى الْمَسَاءُ وَجَاءَ بَعْدَهُ الصُّبْحُ، هَذَا هُوَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ. وَقَالَ اللهُ: ”لِتَكُنْ هُنَاكَ قُبَّةُ السَّمَاءِ، لِتَفْصِلَ بَيْنَ مِيَاهٍ وَمِيَاهٍ.“ فَصَنَعَ اللهُ قُبَّةَ السَّمَاءِ وَفَصَلَ الْمِيَاهَ الَّتِي تَحْتَهَا عَنِ الْمِيَاهِ الَّتِي فَوْقَهَا. فَكَانَ كَذَلِكَ. وَسَمَّى اللهُ الْقُبَّةَ سَمَاءً. وَمَضَى الْمَسَاءُ وَجَاءَ بَعْدَهُ الصُّبْحُ، هَذَا هُوَ الْيَوْمُ الثَّانِي. وَقَالَ اللهُ: ”لِتَجْتَمِعِ الْمِيَاهُ الَّتِي تَحْتَ السَّمَاءِ إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَلْتَظْهَرِ الْيَابِسَةُ.“ فَكَانَ كَذَلِكَ. وَسَمَّى اللهُ الْيَابِسَةَ أَرْضًا، وَالْمِيَاهُ الْمُجْتَمِعَةُ سَمَّاهَا بِحَارًا. وَرَأَى اللهُ أَنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ. ثُمَّ قَالَ اللهُ: ”لِتُنْبِتِ الْأَرْضُ خُضْرَةً: نَبَاتَاتٍ تَحْمِلُ بُزُورًا وَشَجَرًا عَلَى الْأَرْضِ يَحْمِلُ ثِمَارًا فِيهَا بُزُورٌ حَسَبَ أَنْوَاعِهَا.“ فَكَانَ كَذَلِكَ. أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ خُضْرَةً: نَبَاتَاتٍ تَحْمِلُ بُزُورًا حَسَبَ أَنْوَاعِهَا، وَشَجَرًا يَحْمِلُ ثِمَارًا فِيهَا بُزُورٌ حَسَبَ أَنْوَاعِهَا. وَرَأَى اللهُ أَنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ. وَمَضَى الْمَسَاءُ وَجَاءَ بَعْدَهُ الصُّبْحُ، هَذَا هُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ. وَقَالَ اللهُ: ”لِتَكُنْ أَنْوَارٌ فِي قُبَّةِ السَّمَاءِ تَفْصِلُ بَيْنَ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، وَتَكُونُ بِمَثَابَةِ عَلَامَاتٍ تُحَدِّدُ الْفُصُولَ وَالْأَيَّامَ وَالسِّنِينَ. وَتَكُونُ أَيْضًا أَنْوَارًا فِي قُبَّةِ السَّمَاءِ لِتُضِيءَ الْأَرْضَ.“ فَكَانَ كَذَلِكَ. فَقَدْ خَلَقَ اللهُ نُورَيْنِ عَظِيمَيْنِ، النُّورَ الْأَكْبَرَ لِحُكْمِ النَّهَارِ وَالنُّورَ الْأَصْغَرَ لِحُكْمِ اللَّيْلِ، وَخَلَقَ النُّجُومَ أَيْضًا. وَوَضَعَهَا اللهُ فِي قُبَّةِ السَّمَاءِ لِتُضِيءَ الْأَرْضَ، وَلِتَحْكُمَ النَّهَارَ وَاللَّيْلَ وَتَفْصِلَ بَيْنَ النُّورِ وَالظَّلَامِ. وَرَأَى اللهُ أَنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ. وَمَضَى الْمَسَاءُ وَجَاءَ بَعْدَهُ الصُّبْحُ، هَذَا هُوَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ. وَقَالَ اللهُ: ”لِتَمْتَلِئِ الْمِيَاهُ بِالْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ، وَلْتَكُنْ هُنَاكَ طُيُورٌ تَطِيرُ فِي الْأَرْضِ عَبْرَ قُبَّةِ السَّمَاءِ.“ فَخَلَقَ اللهُ الْكَائِنَاتِ الْبَحْرِيَّةَ الضَّخْمَةَ، وَكُلَّ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ الْمُتَحَرِّكَةِ الَّتِي امْتَلَأَتْ بِهَا الْمِيَاهُ، حَسَبَ أَنْوَاعِهَا، وَأَيْضًا الطُّيُورَ الَّتِي لَهَا أَجْنِحَةٌ، حَسَبَ أَنْوَاعِهَا. وَرَأَى اللهُ أَنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ. وَبَارَكَهَا اللهُ وَقَالَ: ”أَثْمِرِي وَاكْثُرِي وَامْلَأِي مِيَاهَ الْبِحَارِ، وَلْتَكْثُرِ الطُّيُورُ فِي الْأَرْضِ.“ وَمَضَى الْمَسَاءُ وَجَاءَ بَعْدَهُ الصُّبْحُ، هَذَا هُوَ الْيَوْمُ الْخَامِسُ. وَقَالَ اللهُ: ”لِتُخْرِجِ الْأَرْضُ كَائِنَاتٍ حَيَّةً حَسَبَ أَنْوَاعِهَا: مِنْ بَهَائِمَ وَزَوَاحِفَ وَوُحُوشٍ، كُلِّهَا حَسَبَ أَنْوَاعِهَا.“ فَكَانَ كَذَلِكَ، خَلَقَ اللهُ الْوُحُوشَ وَالْبَهَائِمَ وَالزَّوَاحِفَ، حَسَبَ أَنْوَاعِهَا. وَرَأَى اللهُ أَنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ. ثُمَّ قَالَ اللهُ: ”لِنَصْنَعِ الْإِنْسَانَ لِيُعَبِّرَ عَنَّا وَعَنْ صِفَاتِنَا، فَيَتَسَلَّطَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طُيُورِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الْأَرْضِ، وَعَلَى كُلِّ الزَّوَاحِفِ الَّتِي عَلَيْهَا.“ فَخَلَقَ اللهُ الْإِنْسَانَ لِيُعَبِّرَ عَنْهُ، أَيْ لِيُعَبِّرَ عَنِ اللهِ، فَخَلَقَهُمْ ذَكَرًا وَأُنْثَى. وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: ”أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلَأُوا الْأَرْضَ وَأَخْضِعُوهَا. وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ، وَعَلَى طُيُورِ السَّمَاءِ، وَعَلَى كُلِّ كَائِنٍ حَيٍّ يَتَحَرَّكُ عَلَى الْأَرْضِ.“ ثُمَّ قَالَ اللهُ: ”أَنَا أَعْطَيْتُكُمْ كُلَّ نَبَاتٍ يَحْمِلُ بُزُورًا عَلَى سَطْحِ كُلِّ الْأَرْضِ، وَكُلَّ شَجَرَةٍ تَحْمِلُ ثَمَرًا فِيهِ بُزُورٌ، لِتَكُونَ طَعَامًا لَكُمْ، وَلِجَمِيعِ وُحُوشِ الْأَرْضِ، وَكُلِّ طُيُورِ السَّمَاءِ، وَكُلِّ الْكَائِنَاتِ الَّتِي تَتَحَرَّكُ عَلَى الْأَرْضِ، كُلِّ مَا فِيهِ نَفْسٌ حَيَّةٌ، أَعْطَيْتُهَا كُلَّ نَبَاتٍ أَخْضَرَ طَعَامًا.“ فَكَانَ كَذَلِكَ. وَرَأَى اللهُ أَنَّ كُلَّ مَا عَمِلَهُ حَسَنٌ جِدًّا. وَمَضَى الْمَسَاءُ وَجَاءَ بَعْدَهُ الصُّبْحُ، هَذَا هُوَ الْيَوْمُ السَّادِسُ. وَبِهَذَا أُكْمِلَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَكُلُّ مَا فِيهَا. وَلَمَّا جَاءَ الْيَوْمُ السَّابِعُ كَانَ اللهُ قَدْ أَتَمَّ عَمَلَهُ الَّذِي قَامَ بِهِ، فَلَمْ يَعْمَلْ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ. وَبَارَكَ اللهُ الْيَوْمَ السَّابِعَ وَجَعَلَهُ يَوْمًا مُخَصَّصًا لَهُ، لِأَنَّهُ تَوَقَّفَ فِيهِ عَنِ الْخَلْقِ. هَذِهِ هِيَ قِصَّةُ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. لَمَّا صَنَعَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، لَمْ يَكُنْ قَدْ نَبَتَ بَعْدُ فِي الْأَرْضِ شَجَرٌ وَلَا عُشْبٌ. لِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَرْسَلَ مَطَرًا عَلَى الْأَرْضِ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إِنْسَانٌ لِيَفْلَحَهَا. إِنَّمَا كَانَ الضَّبَابُ يَتَصَاعَدُ مِنَ الْأَرْضِ فَيَسْقِي كُلَّ سَطْحِهَا. وَكَوَّنَ اللهُ الْإِنْسَانَ مِنْ تُرَابِ الْأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ، فَصَارَ الْإِنْسَانُ كَائِنًا حَيًّا. وَغَرَسَ اللهُ جَنَّةً فِي الشَّرْقِ، فِي عَدْنٍ، وَوَضَعَ فِيهَا الْإِنْسَانَ الَّذِي كَوَّنَهُ. وَجَعَلَ اللهُ كُلَّ أَنْوَاعِ الشَّجَرِ تَنْمُو مِنَ الْأَرْضِ، مَا هُوَ حَسَنٌ لِلنَّظَرِ، وَمَا هُوَ طَيِّبٌ لِلْأَكْلِ. وَفِي وَسَطِ الْجَنَّةِ شَجَرَةُ الْحَيَاةِ وَشَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. وَكَانَ نَهْرٌ يَجْرِي مِنْ عَدْنٍ فَيَسْقِي الْجَنَّةَ ثُمَّ يَتَفَرَّعُ إِلَى 4 أَنْهَارٍ. اِسْمُ الْأَوَّلِ فِيشُونُ، وَهُوَ يُحِيطُ بِكُلِّ أَرْضِ الْحَوِيلَةِ حَيْثُ يُوجَدُ الذَّهَبُ. وَذَهَبُ تِلْكَ الْأَرْضِ جَيِّدٌ. وَفِيهَا أَيْضًا الْعِطْرُ الْجَيِّدُ وَالْحِجَارَةُ الْكَرِيمَةُ. وَاسْمُ النَّهْرِ الثَّانِي جِيحُونُ، وَهُوَ يُحِيطُ بِكُلِّ أَرْضِ كُوشَ. وَاسْمُ الثَّالِثِ دِجْلَةُ، وَهُوَ يَجْرِي شَرْقَ أَشُّورَ. وَالنَّهْرُ الرَّابِعُ هُوَ الْفُرَاتُ. وَأَخَذَ اللهُ الْإِنْسَانَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَفْلَحَهَا وَيَعْتَنِيَ بِهَا. وَأَمَرَ اللهُ الْإِنْسَانَ وَقَالَ: ”لَكَ الْحُرِّيَّةُ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ أَيِّ شَجَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ، إِلَّا شَجَرَةَ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَأْكُلَ مِنْهَا، لِأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا تَمُوتُ.“ وَقَالَ اللهُ: ”لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ وَحِيدًا. سَأَصْنَعُ لَهُ مُعِينًا مُنَاسِبًا لَهُ.“ وَكَانَ اللهُ قَدْ كَوَّنَ مِنَ الْأَرْضِ كُلَّ الْوُحُوشِ، وَكُلَّ طُيُورِ السَّمَاءِ، وَأَحْضَرَهَا إِلَى الْإِنْسَانِ لِيَرَى مَاذَا يُسَمِّيهَا. فَالِاسْمُ الَّذِي أَطْلَقَهُ الْإِنْسَانُ عَلَى كُلِّ كَائِنٍ حَيٍّ، صَارَ هُوَ اسْمَ ذَلِكَ الْكَائِنِ. فَأَطْلَقَ الْإِنْسَانُ أَسْمَاءً عَلَى كُلِّ الْبَهَائِمِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ وَالْوُحُوشِ. أَمَّا الْإِنْسَانُ فَلَمْ يُوجَدْ مُعِينٌ مُنَاسِبٌ لَهُ. وَجَعَلَ اللهُ الْإِنْسَانَ يَنَامُ نَوْمًا عَمِيقًا. وَبَيْنَمَا هُوَ نَائِمٌ، أَخَذَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ، وَسَدَّ مَكَانَهَا بِلَحْمٍ. ثُمَّ صَنَعَ مِنْ هَذِهِ الضِّلْعِ امْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى الْإِنْسَانِ. فَقَالَ آدَمُ: ”هَذِهِ الْآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي، وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. فَهِيَ اسْمُهَا امْرَأَةٌ لِأَنَّهَا مِنِ امْرِئٍ أُخِذَتْ.“ لِهَذَا السَّبَبِ، يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَقْتَرِنُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَصِيرُ الِاثْنَانِ وَاحِدًا. وَكَانَ آدَمُ وَامْرَأَتُهُ عُرْيَانَيْنِ وَلَا يَخْجَلَانِ مِنْ ذَلِكَ. وَكَانَتِ الْحَيَّةُ أَمْكَرَ الْوُحُوشِ الَّتِي صَنَعَهَا اللهُ. فَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ: ”هَلْ صَحِيحٌ أَنَّ اللهَ قَالَ: ’لَا تَأْكُلَا مِنْ أَيِّ شَجَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ‘؟“ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لِلْحَيَّةِ: ”بَلْ نَأْكُلُ مِنْ ثَمَرِ شَجَرِ الْجَنَّةِ، أَمَّا ثَمَرُ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ، فَقَالَ اللهُ: ’لَا تَأْكُلَا مِنْهُ، وَلَا تَلْمِسَاهُ، وَإِلَّا تَمُوتَا.‘“ فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْأَةِ: ”لَنْ تَمُوتَا! فَإِنَّ اللهَ يَعْرِفُ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلَانِ مِنْهُ، تَنْفَتِحُ عُيُونُكُمَا فَتَصِيرَانِ مِثْلَ اللهِ تَعْرِفَانِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ.“ وَنَظَرَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى الشَّجَرَةِ، فَرَأَتْ أَنَّ ثَمَرَهَا جَيِّدٌ لِلْأَكْلِ وَشَهِيٌّ لِلْعَيْنِ وَمَرْغُوبٌ فِيهِ لِأَنَّهُ يُعْطِي الْمَعْرِفَةَ، فَأَخَذَتْ مِنْهُ وَأَكَلَتْ وَأَعْطَتْ زَوْجَهَا مِنْهُ أَيْضًا فَأَكَلَ مَعَهَا. فَانْفَتَحَتْ عُيُونُهُمَا، وَعَرَفَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ فَخَاطَا بَعْضَ وَرَقِ التِّينِ مَعًا وَصَنَعَا لَهُمَا مَلَابِسَ. وَسَمِعَ آدَمُ وَامْرَأَتُهُ صَوْتَ اللهِ وَهُوَ يَتَمَشَّى فِي الْجَنَّةِ وَقْتَ هُبُوبِ نَسِيمِ الْعَشِيَّةِ. فَاخْتَبَآ مِنَ اللهِ وَسْطَ الشَّجَرِ. فَنَادَى اللهُ آدَمَ وَقَالَ: ”أَيْنَ أَنْتَ؟“ فَأَجَابَ: ”سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ، فَخِفْتُ وَاخْتَبَأْتُ لِأَنِّي عُرْيَانٌ.“ فَقَالَ لَهُ: ”مَنْ عَرَّفَكَ أَنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَيْتُكَ عَنْهَا؟“ أَجَابَ آدَمُ: ”الْمَرْأَةُ الَّتِي وَضَعْتَهَا هُنَا مَعِي، هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ.“ فَقَالَ اللهُ لِلْمَرْأَةِ: ”مَاذَا فَعَلْتِ؟“ أَجَابَتْ: ”الْحَيَّةُ خَدَعَتْنِي فَأَكَلْتُ.“ فَقَالَ اللهُ لِلْحَيَّةِ: ”لِأَنَّكِ فَعَلْتِ هَذَا، مَلْعُونَةٌ أَنْتِ مِنْ بَيْنِ كُلِّ الْبَهَائِمِ وَكُلِّ الْوُحُوشِ، عَلَى بَطْنِكِ تَزْحَفِينَ وَتُرَابًا تَأْكُلِينَ طُولَ عُمْرِكِ. وَأَجْعَلُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا، هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَلْدَغِينَ كَعْبَهُ.“ ثُمَّ قَالَ لِلْمَرْأَةِ: ”سَأَجْعَلُكِ تَتَأَلَّمِينَ جِدًّا فِي الْحَمْلِ، وَتَتَوَجَّعِينَ فِي وِلَادَةِ الْأَوْلَادِ. إِلَى زَوْجِكِ تَشْتَاقِينَ، وَهُوَ يَتَسَلَّطُ عَلَيْكِ.“ وَقَالَ لِآدَمَ: ”لِأَنَّكَ سَمِعْتَ لِزَوْجَتِكَ، وَأَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَيْتُكَ عَنْهَا، مَلْعُونَةٌ الْأَرْضُ بِسَبَبِكَ، بِالْمَشَقَّةِ تَأْكُلُ مِنْهَا طُولَ عُمْرِكَ، وَتُنْبِتُ لَكَ شَوْكًا وَحَسَكًا. مِنْ نَبَاتِ الْحَقْلِ تَأْكُلُ، وَبِعَرَقِ جَبِينِكَ تَكْسِبُ رِزْقَكَ، حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا، لِأَنَّكَ تُرَابٌ وَإِلَى تُرَابٍ تَرْجِعُ.“ وَسَمَّى آدَمُ زَوْجَتَهُ حَوَّاءَ، لِأَنَّهَا أُمُّ كُلِّ حَيٍّ. وَصَنَعَ اللهُ لِآدَمَ وَامْرَأَتِهِ ثَوْبَيْنِ مِنْ جِلْدٍ وَكَسَاهُمَا. ثُمَّ قَالَ اللهُ: ”الْآنَ، صَارَ الْإِنْسَانُ كَوَاحِدٍ مِنَّا يَعْرِفُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ. وَرُبَّمَا يَمُدُّ يَدَهُ وَيَأْخُذُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ أَيْضًا، وَيَأْكُلُ فَيَحْيَا إِلَى الْأَبَدِ.“ فَطَرَدَهُ اللهُ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَفْلَحَ الْأَرْضَ الَّتِي أُخِذَ مِنْهَا. وَبَعْدَمَا أَخْرَجَهُ وَضَعَهُ شَرْقَ جَنَّةِ عَدْنٍ لِيُقِيمَ هُنَاكَ، ثُمَّ وَضَعَ الْمَلَائِكَةَ الْمُقَرَّبِينَ وَسَيْفًا يَدُورُ وَيُبْرُقُ لِحِرَاسَةِ الطَّرِيقِ إِلَى شَجَرَةِ الْحَيَاةِ. وَعَاشَرَ آدَمُ زَوْجَتَهُ حَوَّاءَ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ قَابِيلَ وَقَالَتْ: ”بِمَعُونَةِ اللهِ اقْتَنَيْتُ رَجُلًا.“ وَبَعْدَ ذَلِكَ وَلَدَتْ أَخَاهُ هَابِيلَ. وَكَانَ هَابِيلُ رَاعِيَ غَنَمٍ، أَمَّا قَابِيلُ فَكَانَ يَعْمَلُ فِي فِلَاحَةِ الْأَرْضِ. وَفِي وَقْتٍ مَا، قَدَّمَ قَابِيلُ للهِ قُرْبَانًا مِنْ ثِمَارِ الْأَرْضِ. أَمَّا هَابِيلُ فَقَدَّمَ أَفْضَلَ أَبْكَارِ غَنَمِهِ. فَرَضِيَ اللهُ عَنْ هَابِيلَ وَقُرْبَانِهِ. لَكِنَّهُ لَمْ يَرْضَ عَنْ قَابِيلَ وَقُرْبَانِهِ. فَغَضِبَ قَابِيلُ جِدًّا، وَكَانَ وَجْهُهُ عَابِسًا. فَقَالَ اللهُ لِقَابِيلَ: ”لِمَاذَا غَضِبْتَ؟ لِمَاذَا وَجْهُكَ عَابِسٌ؟ إِنْ أَحْسَنْتَ التَّصَرُّفَ يُشْرِقُ وَجْهُكَ، وَإِنْ لَمْ تُحْسِنِ التَّصَرُّفَ، فَالْخَطِيئَةُ رَابِضَةٌ لَكَ عِنْدَ الْبَابِ لِتَهْجُمَ عَلَيْكَ وَتَتَحَكَّمَ فِيكَ، فَلَا تَسْمَحْ لَهَا.“ وَقَالَ قَابِيلُ لِأَخِيهِ هَابِيلَ: ”تَعَالَ نَخْرُجُ لِلْخَلَاءِ.“ وَبَيْنَمَا هُمَا هُنَاكَ، هَجَمَ قَابِيلُ عَلَى أَخِيهِ وَقَتَلَهُ. فَقَالَ اللهُ لِقَابِيلَ: ”أَيْنَ أَخُوكَ هَابِيلُ؟“ فَأَجَابَ: ”لَا أَعْرِفُ. هَلْ أَنَا حَارِسٌ لِأَخِي؟“ فَقَالَ اللهُ لَهُ: ”مَاذَا فَعَلْتَ؟ دَمُ أَخِيكَ يَصْرُخُ إِلَيَّ مِنَ الْأَرْضِ. مِنَ الْآنَ أَنْتَ مَلْعُونٌ، وَتَكُونُ طَرِيدًا مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي فَتَحَتْ فَمَهَا لِتَقْبَلَ دَمَ أَخِيكَ الَّذِي سَفَكَتْهُ يَدُكَ. حِينَ تَفْلَحُ الْأَرْضَ، لَنْ تُعْطِيَكَ مَحْصُولَهَا. وَتَكُونُ تَائِهًا وَمُشَرَّدًا فِي الدُّنْيَا.“ فَقَالَ قَابِيلُ للهِ: ”عِقَابِي أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُحْتَمَلَ. أَنْتَ الْيَوْمَ تَطْرُدُنِي مِنَ الْأَرْضِ، فَأَخْتَفِي مِنْ حَضْرَتِكَ وَأَكُونُ تَائِهًا وَمُشَرَّدًا فِي الدُّنْيَا، فَأَيُّ وَاحِدٍ يَرَانِي يَقْتُلُنِي.“ فَقَالَ اللهُ لَهُ: ”لَا، بَلْ مَنْ يَقْتُلُكَ أُعَاقِبُهُ بِـ7 أَضْعَافِ عِقَابِكَ.“ وَوَضَعَ اللهُ عَلَامَةً عَلَى قَابِيلَ حَتَّى لَا يَقْتُلَهُ مَنْ يَلْقَاهُ. فَخَرَجَ قَابِيلُ مِنْ مَحْضَرِ اللهِ وَسَكَنَ فِي أَرْضِ نُودَ شَرْقَ عَدْنٍ. وَعَاشَرَ قَابِيلُ زَوْجَتَهُ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ حَنُوكَ. وَكَانَ قَابِيلُ وَقْتَهَا يَبْنِي مَدِينَةً، فَسَمَّاهَا حَنُوكَ عَلَى اسْمِ ابْنِهِ. وَحَنُوكُ أَنْجَبَ عِيرَادَ، وَعِيرَادُ أَنْجَبَ مَحُويِلَ، وَمَحُويِلُ أَنْجَبَ مَتُوشِيلَ، وَمَتُوشِيلُ أَنْجَبَ لَامِكَ. وَتَزَوَّجَ لَامِكُ بِامْرَأَتَيْنِ، وَاحِدَةٌ اسْمُهَا عَادَةُ، وَالْأُخْرَى اسْمُهَا صِلَّةُ. وَوَلَدَتْ عَادَةُ يَابَالَ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سَكَنَ الْخِيَامَ وَرَعَى الْمَوَاشِيَ. وَاسْمُ أَخِيهِ يُوبَالُ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ عَزَفَ عَلَى الْعُودِ وَالْمِزْمَارِ. وَصِلَّةُ وَلَدَتْ تُوبَالَ قَابِيلَ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ صَنَعَ آلَاتِ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ. وَأُخْتُهُ هِيَ نِعْمَةُ. وَقَالَ لَامِكُ لِامْرَأَتَيْهِ عَادَةَ وَصِلَّةَ: ”يَا عَادَةُ وَصِلَّةُ، اِسْمَعَا قَوْلِي، يَا امرَأَتَيْ لَامِكَ، أَصْغِيَا لِكَلَامِي، أَنَا قَتَلْتُ رَجُلًا جَرَحَنِي، شَابًّا ضَرَبَنِي. فَإِنْ كَانَ يُنْتَقَمُ لِقَابِيلَ 7 أَضْعَافٍ، فَإِنَّهُ يُنْتَقَمُ لِلَامِكَ 77 مَرَّةً.“ وَعَاشَرَ آدَمُ حَوَّاءَ أَيْضًا فَوَلَدَتِ ابْنًا وَسَمَّتْهُ شِيثَ وَقَالَتْ: ”أَعْطَانِي اللهُ ابْنًا آخَرَ بَدَلَ هَابِيلَ الَّذِي قَتَلَهُ قَابِيلُ.“ وَأَنْجَبَ شِيثُ ابْنًا وَسَمَّاهُ أَنُوشَ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بَدَأَ النَّاسُ يَدْعُونَ بِاسْمِ اللهِ. هَذَا سِجِلُّ مَوَالِيدِ آدَمَ: يَوْمَ خَلَقَ اللهُ الْإِنْسَانَ، صَنَعَهُ اللهُ عَلَى مِثَالِهِ. وَقَدْ خَلَقَهُ ذَكَرًا وَأُنْثَى. وَيَوْمَ خَلَقَهُ بَارَكَهُ وَسَمَّاهُ 'الْإِنْسَانَ.' وَلَمَّا كَانَ عُمْرُ آدَمَ 130 سَنَةً، أَنْجَبَ ابْنًا يُشْبِهُهُ تَمَامَ الشَّبَهِ وَسَمَّاهُ شِيثَ. وَعَاشَ آدَمُ بَعْدَ وِلَادَةِ شِيثَ 800 سَنَةٍ أَنْجَبَ خِلَالَهَا بَنِينَ آخَرِينَ وَبَنَاتٍ. فَكَانَ عُمْرُ آدَمَ 930 سَنَةً وَمَاتَ. وَلَمَّا كَانَ عُمْرُ شِيثَ 105 سِنِينَ أَنْجَبَ أَنُوشَ. وَعَاشَ شِيثُ بَعْدَ ذَلِكَ 807 سِنِينَ أَنْجَبَ خِلَالَهَا بَنِينَ آخَرِينَ وَبَنَاتٍ. فَكَانَ عُمْرُ شِيثَ 912 سَنَةً وَمَاتَ. وَلَمَّا كَانَ عُمْرُ أَنُوشَ 90 سَنَةً أَنْجَبَ قِينَانَ. وَعَاشَ أَنُوشُ بَعْدَ ذَلِكَ 815 سَنَةً أَنْجَبَ خِلَالَهَا بَنِينَ آخَرِينَ وَبَنَاتٍ. فَكَانَ عُمْرُ أَنُوشَ 905 سِنِينَ وَمَاتَ. وَلَمَّا كَانَ عُمْرُ قِينَانَ 70 سَنَةً أَنْجَبَ مَهْلَلْئِيلَ. وَعَاشَ قِينَانُ بَعْدَ ذَلِكَ 840 سَنَةً أَنْجَبَ خِلَالَهَا بَنِينَ آخَرِينَ وَبَنَاتٍ. فَكَانَ عُمْرُ قِينَانَ 910 سِنِينَ وَمَاتَ. وَلَمَّا كَانَ عُمْرُ مَهْلَلْئِيلَ 65 سَنَةً أَنْجَبَ يَارَدَ. وَعَاشَ مَهْلَلْئِيلُ بَعْدَ ذَلِكَ 830 سَنَةً أَنْجَبَ خِلَالَهَا بَنِينَ آخَرِينَ وَبَنَاتٍ. فَكَانَ عُمْرُ مَهْلَلْئِيلَ 895 سَنَةً وَمَاتَ. وَلَمَّا كَانَ عُمْرُ يَارَدَ 162 سَنَةً أَنْجَبَ إِدْرِيسَ. وَعَاشَ يَارَدُ بَعْدَ ذَلِكَ 800 سَنَةٍ أَنْجَبَ خِلَالَهَا بَنِينَ آخَرِينَ وَبَنَاتٍ. فَكَانَ عُمْرُ يَارَدَ 962 سَنَةً وَمَاتَ. وَلَمَّا كَانَ عُمْرُ إِدْرِيسَ 65 سَنَةً أَنْجَبَ مَتُوشَالَحَ. وَعَاشَ إِدْرِيسُ بَعْدَ ذَلِكَ 300 سَنَةٍ سَارَ فِيهَا مَعَ اللهِ، وَأَنْجَبَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ. فَكَانَ عُمْرُ إِدْرِيسَ 365 سَنَةً. وَسَارَ إِدْرِيسُ مَعَ اللهِ، ثُمَّ اخْتَفَى لِأَنَّ اللهَ أَخَذَهُ. وَلَمَّا كَانَ عُمْرُ مَتُوشَالَحَ 187 سَنَةً أَنْجَبَ لَامِكَ. وَعَاشَ مَتُوشَالَحُ بَعْدَ ذَلِكَ 782 سَنَةً أَنْجَبَ خِلَالَهَا بَنِينَ آخَرِينَ وَبَنَاتٍ. فَكَانَ عُمْرُ مَتُوشَالَحَ 969 سَنَةً وَمَاتَ. وَلَمَّا كَانَ عُمْرُ لَامِكَ 182 سَنَةً أَنْجَبَ ابْنًا وَسَمَّاهُ نُوحَ وَقَالَ: ”هَذَا يُعَزِّينَا فِي تَعَبِنَا وَفِي الْمَشَقَّاتِ الَّتِي نُعَانِيهَا فِي الْأَرْضِ الَّتِي لَعَنَهَا اللهُ.“ وَعَاشَ لَامِكُ بَعْدَ وِلَادَةِ نُوحَ 595 سَنَةً أَنْجَبَ خِلَالَهَا بَنِينَ آخَرِينَ وَبَنَاتٍ. فَكَانَ عُمْرُ لَامِكَ 777 سَنَةً وَمَاتَ. وَلَمَّا كَانَ عُمْرُ نُوحَ 500 سَنَةٍ أَنْجَبَ سَامَ وَحَامَ وَيَافَثَ. لَمَّا بَدَأَ النَّاسُ يَكْثُرُونَ عَلَى الْأَرْضِ، وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ. رَأَى الْحُكَّامُ أَنَّ بَنَاتِ الْعَامَّةِ جَمِيلَاتٌ فَاتَّخَذُوا مِنْهُنَّ زَوْجَاتٍ كَمَا طَابَ لَهُمْ. فَقَالَ اللهُ: ”لَا يَدُومُ رُوحِي فِي إِنْسَانٍ إِلَى الْأَبَدِ، لِأَنَّهُ بَشَرٌ زَائِلٌ، وَمِنَ الْآنَ لَا يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْ 120 سَنَةً.“ وَمُنْذُ ذَلِكَ الْوَقْتِ، صَارَ فِي الْأَرْضِ مُحَارِبُونَ. لِأَنَّ الْحُكَّامَ دَخَلُوا عَلَى بَنَاتِ الْعَامَّةِ فَوَلَدْنَ لَهُمْ أَوْلَادًا. فَكَانَ هَؤُلَاءِ هُمُ الْمُحَارِبِينَ الْمَعْرُوفِينَ مُنْذُ الْقَدِيمِ. فَلَمَّا رَأَى اللهُ أَنَّ شَرَّ الْإِنْسَانِ زَادَ جِدًّا فِي الْأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ مُيُولِهِ وَأَفْكَارِ قَلْبِهِ دَائِمًا شِرِّيرَةٌ، حَزِنَ اللهُ وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ لِأَنَّهُ صَنَعَ الْإِنْسَانَ عَلَى الْأَرْضِ. فَقَالَ اللهُ: ”أَمْحُو الْإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ مِنْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، النَّاسَ مَعَ الْحَيَوَانَاتِ وَالزَّوَاحِفِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، لِأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي خَلَقْتُهُمْ.“ أَمَّا نُوحُ فَرَضِيَ عَنْهُ اللهُ. هَذِهِ هِيَ قِصَّةُ نُوحَ: كَانَ نُوحُ صَالِحًا وَكَامِلًا مِنْ بَيْنِ أَهْلِ جِيلِهِ، وَسَارَ مَعَ اللهِ. وَأَنْجَبَ 3 أَبْنَاءٍ هُمْ سَامُ وَحَامُ وَيَافَثُ. وَأَصْبَحَتِ الدُّنْيَا فَاسِدَةً فِي نَظَرِ اللهِ وَمَمْلُوءَةً بِالظُّلْمِ. فَلَمَّا رَأَى اللهُ هَذَا الْفَسَادَ، لِأَنَّ حَيَاةَ كُلِّ وَاحِدٍ فَسَدَتْ، قَالَ لِنُوحَ: ”جَاءَتِ النِّهَايَةُ، سَأُزِيلُ كُلَّ الْبَشَرِ مِنَ الْوُجُودِ، لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِمِ امْتَلَأَتِ الدُّنْيَا بِالظُّلْمِ. سَأُبِيدُهُمْ وَأُبِيدُ الْأَرْضَ مَعَهُمْ. فَاصْنَعْ لِنَفْسِكَ فُلْكًا مِنْ خَشَبٍ جَيِّدٍ، وَتَصْنَعُ فِيهِ غُرَفًا، وَتَطْلِيهِ بِالزِّفْتِ مِنَ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ. وَتَبْنِيهِ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ: طُولُ الْفُلْكِ يَكُونُ 150 مِتْرًا، وَعَرْضُهُ يَكُونُ 25 مِتْرًا، وَارْتِفَاعُهُ يَكُونُ 15 مِتْرًا. وَتَعْمَلُ فِيهِ نَافِذَةً يَكُونُ أَعْلَاهَا عَلَى مَسَافَةِ 50 سَنْتِيمِتْرًا مِنَ السَّقْفِ. وَتَعْمَلُ بَابًا فِي جَانِبِهِ. وَيَكُونُ لَهُ 3 طَوَابِقَ: الطَّابِقُ السُّفْلِيُّ وَالْأَوْسَطُ وَالْعُلْوِيُّ. فَسَأَجْلِبُ طُوفَانَ مِيَاهٍ عَلَى الْأَرْضِ لِأُبِيدَ كُلَّ كَائِنٍ حَيٍّ مَوْجُودٍ تَحْتَ السَّمَاءِ. كُلُّ مَا عَلَى الْأَرْضِ يَهْلِكُ. وَلَكِنِّي أَعْقِدُ عَهْدِي مَعَكَ، فَتَدْخُلُ الْفُلْكَ، أَنْتَ وَأَوْلَادُكَ وَزَوْجَتُكَ وَزَوْجَاتُ أَوْلَادِكَ مَعَكَ. وَتَأْخُذُ مَعَكَ فِي الْفُلْكِ اثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ كَائِنٍ حَيٍّ: ذَكَرًا وَأُنْثَى، لِتَبْقَى عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ مَعَكَ. اِثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الطُّيُورِ وَمِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ وَمِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الزَّوَاحِفِ تَأْتِي إِلَيْكَ لِتَحْيَا. وَأَنْتَ تَأْخُذُ مَعَكَ مِنْ كُلِّ طَعَامٍ يُؤْكَلُ وَتَخْزِنُهُ لِيَكُونَ غِذَاءً لَكَ وَلَهَا.“ فَعَمِلَ نُوحُ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِنُوحَ: ”اُدْخُلِ الْفُلْكَ أَنْتَ وَكُلُّ أَهْلِكَ، لِأَنِّي وَجَدْتُكَ وَحْدَكَ صَالِحًا فِي هَذَا الْجِيلِ. خُذْ مَعَكَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ 7 ذُكُورٍ وَ7 إِنَاثٍ، أَمَّا الْحَيَوَانَاتُ غَيْرُ الطَّاهِرَةِ فَتَأْخُذُ اثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا، ذَكَرًا وَأُنْثَى. وَكَذَلِكَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الطُّيُورِ 7 ذُكُورٍ وَ7 إِنَاثٍ لِيَبْقَى جِنْسُهَا عَلَى وَجْهِ كُلِّ الْأَرْضِ. لِأَنِّي بَعْدَ 7 أَيَّامٍ أُرْسِلُ مَطَرًا عَلَى الْأَرْضِ يَدُومُ 40 يَوْمًا لَيْلًا وَنَهَارًا، فَأَمْحُو مِنْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ كُلَّ كَائِنٍ حَيٍّ صَنَعْتُهُ.“ فَعَمِلَ نُوحُ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ. وَكَانَ نُوحُ ابْنَ 600 سَنَةٍ لَمَّا جَاءَ طُوفَانُ الْمِيَاهِ عَلَى الْأَرْضِ. فَدَخَلَ نُوحُ إِلَى الْفُلْكِ هُوَ وَأَوْلَادُهُ وَزَوْجَتُهُ وَزَوْجَاتُ أَوْلَادِهِ لِيَنْجُوا مِنْ مِيَاهِ الطُّوفَانِ. وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانَاتُ الطَّاهِرَةُ وَغَيْرُ الطَّاهِرَةِ وَالطُّيُورُ وَالزَّوَاحِفُ، جَاءَتْ إِلَى نُوحَ وَدَخَلَتِ الْفُلْكَ أَزْوَاجًا، ذَكَرًا وَأُنْثَى، كَمَا أَمَرَ اللهُ نُوحَ. وَبَعْدَ 7 أَيَّامٍ، جَاءَتْ مِيَاهُ الطُّوفَانِ عَلَى الْأَرْضِ. فَفِي سَنَةِ 600 مِنْ عُمْرِ نُوحَ، فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، فِي الْيَوْمِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ، اِنْفَجَرَتْ يَنَابِيعُ الْمِيَاهِ الْعَمِيقَةِ، وَانْفَتَحَتْ بَوَّابَاتُ السَّمَاءِ. وَهَطَلَ الْمَطَرُ عَلَى الْأَرْضِ لَيْلًا وَنَهَارًا مُدَّةَ 40 يَوْمًا. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ نَفْسِهِ دَخَلَ نُوحُ إِلَى الْفُلْكِ، هُوَ وَأَوْلَادُهُ سَامُ وَحَامُ وَيَافَثُ وَزَوْجَةُ نُوحَ وَ3 زَوْجَاتِ أَوْلَادِهِ. وَكَانَ مَعَهُمْ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْوُحُوشِ وَالْبَهَائِمِ وَالزَّوَاحِفِ وَالطُّيُورِ. مِنْ كُلِّ الْمَخْلُوقَاتِ الْحَيَّةِ جَاءَتْ إِلَى نُوحَ وَدَخَلَتِ الْفُلْكَ أَزْوَاجًا. ذَكَرًا وَأُنْثَى مِنْ كُلِّ كَائِنٍ حَيٍّ، كَمَا أَمَرَ اللهُ نُوحَ. ثُمَّ أَغْلَقَ اللهُ بَابَ الْفُلْكِ. وَاسْتَمَرَّ الطُّوفَانُ يَتَدَفَّقُ عَلَى الْأَرْضِ 40 يَوْمًا، فَرَفَعَتِ الْمِيَاهُ الْغَزِيرَةُ الْفُلْكَ فَوْقَ الْأَرْضِ. فَكَانَ الْفُلْكُ يَطْفُو عَلَى سَطْحِ الْمِيَاهِ الْغَزِيرَةِ وَهِيَ تَهْطِلُ عَلَى الْأَرْضِ. وَزَادَتِ الْمِيَاهُ أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ حَتَّى غَطَّتْ كُلَّ الْجِبَالِ الْعَالِيَةِ الَّتِي تَحْتَ السَّمَاءِ كُلِّهَا. وَاسْتَمَرَّتِ الْمِيَاهُ تَزِيدُ حَتَّى بَلَغَ ارْتِفَاعُهَا 7 أَمْتَارٍ فَوْقَ أَعْلَى الْجِبَالِ. فَمَاتَ كُلُّ كَائِنٍ حَيٍّ كَانَ مَوْجُودًا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ طُيُورٍ وَبَهَائِمَ وَوُحُوشٍ وَزَوَاحِفَ وَكُلُّ الْبَشَرِ. مَاتَ كُلُّ حَيٍّ كَانَ مَوْجُودًا عَلَى الْأَرْضِ الْيَابِسَةِ. مَحَا اللهُ مِنْ عَلَى سَطْحِ الْأَرْضِ كُلَّ كَائِنٍ حَيٍّ سَوَاءً مِنَ النَّاسِ أَوِ الْحَيَوَانَاتِ أَوِ الزَّوَاحِفِ أَوْ طُيُورِ السَّمَاءِ، كُلُّهَا مُحِيَتْ مِنَ الْأَرْضِ، وَلَمْ يَبْقَ غَيْرُ نُوحَ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ. وَغَمَرَتِ الْمِيَاهُ الْأَرْضَ مُدَّةَ 150 يَوْمًا. وَذَكَرَ اللهُ نُوحَ وَكُلَّ الْوُحُوشِ وَالْبَهَائِمِ الَّتِي مَعَهُ فِي الْفُلْكِ. فَأَرْسَلَ رِيحًا عَلَى الْأَرْضِ، فَهَبَطَ مُسْتَوَى الْمِيَاهِ. وَكَانَتْ يَنَابِيعُ الْمِيَاهِ الْعَمِيقَةِ وَبَوَّابَاتُ السَّمَاءِ قَدْ أُغْلِقَتْ، وَتَوَقَّفَ الْمَطَرُ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ. وَتَرَاجَعَتِ الْمِيَاهُ عَنِ الْأَرْضِ بِالتَّدْرِيجِ. فَبَعْدَ 150 يَوْمًا نَقَصَتِ الْمِيَاهُ. وَاسْتَقَرَّ الْفُلْكُ عَلَى جِبَالِ أَرَارَاطَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ. وَظَلَّتِ الْمِيَاهُ تَتَرَاجَعُ حَتَّى الشَّهْرِ الْعَاشِرِ. وَفِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الْعَاشِرِ ظَهَرَتْ قِمَمُ الْجِبَالِ. وَبَعْدَ 40 يَوْمًا، فَتَحَ نُوحُ النَّافِذَةَ الَّتِي عَمِلَهَا فِي الْفُلْكِ. وَأَرْسَلَ غُرَابًا، فَظَلَّ يَحُومُ مُتَرَدِّدًا حَتَّى جَفَّتِ الْمِيَاهُ عَنِ الْأَرْضِ. ثُمَّ أَرْسَلَ نُوحُ حَمَامَةً لِيَرَى إِنْ كَانَتِ الْمِيَاهُ قَدْ نَزَلَتْ عَنْ سَطْحِ الْأَرْضِ. فَلَمْ تَجِدِ الْحَمَامَةُ مَكَانًا تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْمِيَاهَ كَانَتْ مَا زَالَتْ تُغَطِّي كُلَّ الْأَرْضِ. فَرَجَعَتْ إِلَى نُوحَ فِي الْفُلْكِ. فَمَدَّ يَدَهُ وَأَمْسَكَهَا وَأَدْخَلَهَا عِنْدَهُ فِي الْفُلْكِ. وَانْتَظَرَ 7 أَيَّامٍ أُخْرَى، وَعَادَ فَأَرْسَلَ الْحَمَامَةَ مِنَ الْفُلْكِ. فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ عِنْدَ الْمَسَاءِ تَحْمِلُ فِي مِنْقَارِهَا وَرَقَةَ زَيْتُونٍ قُطِفَتْ حَدِيثًا! فَعَرَفَ نُوحُ أَنَّ الْمِيَاهَ نَزَلَتْ عَنْ سَطْحِ الْأَرْضِ. وَانْتَظَرَ 7 أَيَّامٍ أُخْرَى ثُمَّ أَرْسَلَ الْحَمَامَةَ فَلَمْ تَرْجِعْ إِلَيْهِ هَذِهِ الْمَرَّةَ. وَفِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ 601 مِنْ عُمْرِ نُوحَ كَانَتِ الْمِيَاهُ قَدْ جَفَّتْ عَنِ الْأَرْضِ. وَرَفَعَ نُوحُ غِطَاءَ الْفُلْكِ، فَرَأَى أَنَّ سَطْحَ الْأَرْضِ أَخَذَ يَجِفُّ. وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي كَانَتِ الْأَرْضُ قَدْ جَفَّتْ تَمَامًا. وَكَلَّمَ اللهُ نُوحَ وَقَالَ: ”اُخْرُجْ مِنَ الْفُلْكِ أَنْتَ وَزَوْجَتُكَ وَأَوْلَادُكَ وَزَوْجَاتُ أَوْلَادِكَ. وَأَخْرِجْ كُلَّ أَنْوَاعِ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ الَّتِي مَعَكَ، مِنْ طُيُورٍ وَحَيَوَانَاتٍ وَزَوَاحِفَ، كَيْ تَتَوَالَدَ فِي الْأَرْضِ وَتَكْثُرَ وَتَزِيدَ.“ فَخَرَجَ نُوحُ وَأَوْلَادُهُ وَزَوْجَتُهُ وَزَوْجَاتُ أَوْلَادِهِ. وَكُلُّ الْحَيَوَانَاتِ وَالزَّوَاحِفِ وَالطُّيُورِ، وَكُلُّ الْكَائِنَاتِ الَّتِي تَتَحَرَّكُ عَلَى الْأَرْضِ خَرَجَتْ مِنَ الْفُلْكِ بِأَنْوَاعِهَا. وَبَنَى نُوحُ مَنَصَّةَ قُرْبَانٍ للهِ، وَأَخَذَ بَعْضًا مِنْ كُلِّ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ وَالطُّيُورِ الطَّاهِرَةِ، وَقَدَّمَهَا عَلَيْهَا ضَحِيَّةً. فَقَبِلَهَا اللهُ بِرِضًى، وَقَالَ فِي نَفْسِهِ: ”لَنْ أَلْعَنَ الْأَرْضَ مَرَّةً أُخْرَى بِسَبَبِ الْإِنْسَانِ، مَعَ أَنَّ مُيُولَ قَلْبِهِ شِرِّيرَةٌ مُنْذُ الطُّفُولَةِ. وَلَنْ أَعُودَ أُهْلِكُ كُلَّ حَيٍّ كَمَا فَعَلْتُ. بَلْ مَا دَامَتِ الْأَرْضُ مَوْجُودَةً، تَكُونُ مَوَاسِمُ زَرْعٍ وَحَصَادٍ، بَرْدٍ وَحَرٍّ، صَيْفٍ وَشِتَاءٍ، نَهَارٍ وَلَيْلٍ، لَا تَبْطُلُ.“ ثُمَّ بَارَكَ اللهُ نُوحَ وَأَوْلَادَهُ وَقَالَ لَهُمْ: ”أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلَأُوا الْأَرْضَ. كُلُّ وُحُوشِ الْأَرْضِ، وَكُلُّ طُيُورِ السَّمَاءِ، وَكُلُّ الزَّوَاحِفِ، وَكُلُّ سَمَكِ الْبَحْرِ، تَخَافُ مِنْكُمْ وَتَرْهَبُكُمْ وَتَخْضَعُ لَكُمْ. وَيَكُونُ كُلُّ حَيٍّ يَتَحَرَّكُ طَعَامًا لَكُمْ. فَكَمَا أَعْطَيْتُكُمُ النَّبَاتَ الْأَخْضَرَ طَعَامًا، الْآنَ أُعْطِيكُمْ كُلَّ شَيْءٍ. وَلَكِنْ لَا تَأْكُلُوا لَحْمًا مَا زَالَ دَمُهُ فِيهِ. أَمَّا دَمُكُمْ أَنْتُمْ فَإِنِّي أُحَاسِبُ عَلَيْهِ. أُحَاسِبُ عَلَيْهِ كُلَّ حَيَوَانٍ، وَأَيْضًا كُلُّ إِنْسَانٍ أُحَاسِبُهُ عَلَى حَيَاةِ أَخِيهِ الْإِنْسَانِ. فَمَنْ يَسْفِكُ دَمَ الْإِنْسَانِ، يُسْفَكُ دَمُهُ، لِأَنَّ اللهَ صَنَعَ الْإِنْسَانَ لِيُعَبِّرَ عَنِ اللهِ. أَمَّا أَنْتُمْ فَاكْثُرُوا وَزِيدُوا، تَوَالَدُوا فِي الْأَرْضِ وَانْمُوا فِيهَا.“ وَكَلَّمَ اللهُ نُوحَ وَأَوْلَادَهُ مَعَهُ وَقَالَ: ”أَنَا الْآنَ أَعْمَلُ عَهْدِي مَعَكُمْ وَمَعَ نَسْلِكُمْ مِنْ بَعْدِكُمْ، وَمَعَ كُلِّ كَائِنٍ حَيٍّ مَعَكُمْ، مِنْ طُيُورٍ وَبَهَائِمَ وَكُلِّ الْوُحُوشِ، كُلِّ مَا خَرَجَ مَعَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ، كُلِّ كَائِنٍ حَيٍّ عَلَى الْأَرْضِ. أَعْمَلُ عَهْدِي مَعَكُمْ فَلَنْ تُبِيدَ مِيَاهُ الطُّوفَانِ كُلَّ حَيٍّ مَرَّةً أُخْرَى، وَلَنْ يَكُونَ طُوفَانٌ آخَرُ لِيُخْرِبَ الْأَرْضَ.“ وَقَالَ اللهُ: ”وَهَذِهِ هِيَ عَلَامَةُ الْعَهْدِ الَّذِي أَعْمَلُهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَكُلِّ كَائِنٍ حَيٍّ مَعَكُمْ، فِي كُلِّ الْأَجْيَالِ: أَضَعُ قَوْسِي فِي السَّحَابِ، فَتَكُونُ عَلَامَةَ الْعَهْدِ بَيْنِي وَبَيْنَ الْأَرْضِ. فَعِنْدَمَا أَجْلِبُ السَّحَابَ فَوْقَ الْأَرْضِ، وَتَظْهَرُ الْقَوْسُ فِي السَّحَابِ، أَحْفَظُ عَهْدِيَ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَكُلِّ كَائِنٍ حَيٍّ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ. فَلَا تَتَحَوَّلُ الْمِيَاهُ إِلَى طُوفَانٍ يُبِيدُ كُلَّ حَيٍّ. مَتَى ظَهَرَتِ الْقَوْسُ فِي السَّحَابِ، أَرَاهَا وَأَحْفَظُ الْعَهْدَ الَّذِي يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ بَيْنِي وَبَيْنَ كُلِّ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ الَّتِي عَلَى الْأَرْضِ.“ وَقَالَ اللهُ لِنُوحَ: ”هَذِهِ هِيَ عَلَامَةُ الْعَهْدِ الَّذِي عَمِلْتُهُ مَعَ كُلِّ حَيٍّ عَلَى الْأَرْضِ.“ هَؤُلَاءِ هُمْ أَوْلَادُ نُوحَ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنَ الْفُلْكِ: سَامُ وَحَامُ وَيَافَثُ. وَحَامُ هُوَ أَبُو كَنْعَانَ. فَهُمْ أَوْلَادُ نُوحَ الـ3 وَنَسْلُهُمْ هُوَ الَّذِي انْتَشَرَ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْأَرْضِ. وَاشْتَغَلَ نُوحُ بِالْفِلَاحَةِ، وَغَرَسَ كَرْمًا. وَشَرِبَ مِنَ الْخَمْرِ، فَسَكِرَ وَرَقَدَ عُرْيَانًا فِي خَيْمَتِهِ. فَرَأَى حَامُ أَبُو كَنْعَانَ عُرْيَ أَبِيهِ، فَخَرَجَ وَأَخْبَرَ أَخَوَيْهِ. فَأَخَذَ سَامُ وَيَافَثُ رِدَاءً وَوَضَعَاهُ عَلَى أَكْتَافِهِمَا وَدَخَلَا الْخَيْمَةَ وَهُمَا يَمْشِيَانِ لِلْوَرَاءِ، وَسَتَرَا عُرْيَ أَبِيهِمَا، وَكَانَ وَجْهَاهُمَا مُتَّجِهَيْنِ إِلَى النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى لِكَيْ لَا يَرَيَا عُرْيَ أَبِيهِمَا. فَلَمَّا أَفَاقَ نُوحُ مِنْ سُكْرِهِ، وَعَلِمَ مَا فَعَلَهُ بِهِ ابْنُهُ الصَّغِيرُ، قَالَ: ”مَلْعُونٌ كَنْعَانُ. فَيَكُونُ أَحْقَرَ عَبِيدِ إِخْوَتِهِ.“ ثُمَّ قَالَ: ”يَا رَبِّي وَإِلَهِي بَارِكْ سَامَ وَلْيَكُنْ كَنْعَانُ عَبْدًا لَهُ. لِيُوَسِّعِ اللهُ حُدُودَ يَافَثَ، فَيَسْكُنَ فِي خِيَامِ سَامَ وَلْيَكُنْ كَنْعَانُ عَبْدًا لَهُ.“ وَعَاشَ نُوحُ بَعْدَ الطُّوفَانِ 350 سَنَةً، فَكَانَ عُمْرُهُ 950 سَنَةً ثُمَّ مَاتَ. هَذَا سِجِلُّ مَوَالِيدِ سَامَ وَحَامَ وَيَافَثَ أَبْنَاءِ نُوحَ، فَقَدْ أَنْجَبُوا أَوْلَادًا بَعْدَ الطُّوفَانِ. بَنُو يَافَثَ: جُومَرُ وَمَاجُوجُ وَمَادَايُ وَيَاوَانُ وَتُوبَالُ وَمَاشِكُ وَتِيرَاسُ. بَنُو جُومَرَ: أَشْكَنَازُ وَرِيفَاتُ وَتُوجَرْمَةُ. بَنُو يَاوَانَ: أَلِيشَةُ وَتَرْشِيشُ وَكَتِّيمُ وَرُودَانِيمُ. وَتَفَرَّعَ مِنْ هَؤُلَاءِ سُكَّانَ الشَّوَاطِئِ وَالْجَزَائِرِ فِي بِلَادِهِمْ حَسَبَ قَبَائِلِهِمْ وَشُعُوبِهِمْ وَلُغَاتِهِمْ. بَنُو حَامَ: كُوشُ وَمِصْرَايِمُ وَفُوطُ وَكَنْعَانُ. بَنُو كُوشَ: سَبَا وَحَوِيلَةُ وَسَبْتَةُ وَرَعْمَةُ وَسَبْتَكَا. بَنُو رَعْمَةَ: شَبَا وَدَدَانُ. كُوشُ أَنْجَبَ نِمْرُودَ الَّذِي أَصْبَحَ مُحَارِبًا بَاسِلًا فِي الْأَرْضِ، وَكَانَ صَيَّادًا قَدِيرًا بِعَوْنِ اللهِ، لِذَلِكَ يَقُولُ الْمَثَلُ: ”صَيَّادٌ قَدِيرٌ بِعَوْنِ اللهِ كَنِمْرُودَ.“ وَقَدْ تَكَوَّنَتْ مَمْلَكَتُهُ أَوَّلَ الْأَمْرِ مِنْ مُدُنِ بَابِلَ وَأَرَكَ وَأَكَّدَ وَكَلْنَةَ فِي الْبِلَادِ الْبَابِلِيَّةِ. ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى أَشُّورَ وَبَنَى نِينَوَى وَرَحُوبُوتَ عَيْرَ وَكَالَحَ، وَرَسَنَ الَّتِي هِيَ مَدِينَةٌ عَظِيمَةٌ تَقَعُ بَيْنَ نِينَوَى وَكَالَحَ. وَمِصْرَايِمُ أَنْجَبَ قَبَائِلَ لُودَ وَعَنَامَ وَلَهَابَ وَنَفْتُوحَ وَفَتْرُوسَ وَكَسْلُوحَ وَكَفْتُورَ، وَهُمُ الَّذِينَ انْحَدَرَ مِنْهُمُ الْفِلِسْطِيُّونَ. وَكَنْعَانُ أَنْجَبَ صَيْدُونَ ابْنَهُ الْبِكْرَ ثُمَّ حِثَّا. وَكَنْعَانُ هُوَ أَيْضًا أَبُو الْيَبُوسِيِّينَ وَالْأَمُورِيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْعَرْقِيِّينَ وَالسِّينِيِّينَ. وَالْأَرْوَادِيِّينَ وَالصَّمَارِيِّينَ وَالْحَمَاثِيِّينَ. بَعْدَ ذَلِكَ انْتَشَرَتْ قَبَائِلُ الْكَنْعَانِيِّينَ. فَامْتَدَّتْ حُدُودُ كَنْعَانَ مِنْ صَيْدَا إِلَى غَزَّةَ مُرُورًا بِجَرَارَ، ثُمَّ إِلَى لَاشَعَ مُرُورًا بِسَدُومَ وَعَمُورَةَ وَأَدَمَةَ وَصَبُويِمَ. كُلُّ هَؤُلَاءِ هُمْ أَوْلَادُ حَامَ حَسَبَ قَبَائِلِهِمْ وَلُغَاتِهِمْ وَبِلَادِهِمْ وَشُعُوبِهِمْ. سَامُ هُوَ أَخُو يَافَثَ الْأَكْبَرُ، وَهُوَ أَيْضًا أَنْجَبَ أَوْلَادًا. وَهُوَ أَبُو كُلِّ بَنِي عَابِرَ. بَنُو سَامَ: عِيلَامُ وَأَشُّورُ وَأَرْفَكْشَادُ وَلُودُ وَآرَامُ. بَنُو آرَامَ: عُوصُ وَحُولُ وَجَاثَرُ وَمَاشُ. أَرْفَكْشَادُ أَنْجَبَ شَالَحَ، وَشَالَحُ أَنْجَبَ عَابِرَ. وَعَابِرُ أَنْجَبَ وَلَدَيْنِ، وَاحِدٌ اسْمُهُ فَالِقُ، لِأَنَّ فِي أَيَّامِهِ انْقَسَمَتِ الْأَرْضُ، وَأَخُوهُ اسْمُهُ يَقْطَانُ. وَيَقْطَانُ أَنْجَبَ أَلْمُودَادَ وَشَالَفَ وَحَضَرْمَوْتَ وَيَارَحَ وَهَدُورَامَ وَأُوزَالَ وَدِقْلَةَ وَعُوبَالَ وَأَبِيمَايِلَ وَشَبَا وَأُوفِيرَ وَحَوِيلَةَ وَيُوبَابَ. كُلُّ هَؤُلَاءِ أَوْلَادُ يَقْطَانَ. وَسَكَنُوا فِي مِنْطَقَةِ الْجِبَالِ الشَّرْقِيَّةِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ مِيشَعَ وَسَفَارَ. كُلُّ هَؤُلَاءِ أَوْلَادُ سَامَ حَسَبَ قَبَائِلِهِمْ وَلُغَاتِهِمْ وَبِلَادِهِمْ وَشُعُوبِهِمْ. فَهَذِهِ هِيَ قَبَائِلُ أَوْلَادِ نُوحَ حَسَبَ سُلَالَاتِهِمْ وَشُعُوبِهِمْ. وَمِنْهُمْ تَفَرَّقَتِ الشُّعُوبُ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ الطُّوفَانِ. وَكَانَ الْعَالَمُ كُلُّهُ يَتَكَلَّمُ لُغَةً وَاحِدَةً وَيَسْتَعْمِلُ كَلِمَاتٍ يَعْرِفُهَا الْجَمِيعُ. وَحَدَثَ لَمَّا رَحَلُوا شَرْقًا، أَنَّهُمْ وَجَدُوا سَهْلًا فِي بِلَادِ بَابِلَ فَاسْتَقَرُّوا هُنَاكَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ”تَعَالَوْا نَصْنَعُ طُوبًا وَنَشْوِيهِ بِالنَّارِ.“ فَاسْتَخْدَمُوا الطُّوبَ بَدَلَ الْحِجَارَةِ، وَالزِّفْتَ بَدَلَ الطِّينِ. ثُمَّ قَالُوا: ”تَعَالَوْا نَبْنِي لِأَنْفُسِنَا مَدِينَةً وَبُرْجًا تَصِلُ قِمَّتُهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَنَصْنَعَ لَنَا اسْمًا لِئَلَّا نَتَشَتَّتَ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْأَرْضِ.“ وَنَزَلَ الْمَوْلَى لِيَرَى الْمَدِينَةَ وَالْبُرْجَ اللَّذَيْنِ كَانَ النَّاسُ يَبْنُونَهُمَا. فَقَالَ اللهُ: ”إِنْ كَانُوا وَهُمْ شَعْبٌ وَاحِدٌ يَتَكَلَّمُ لُغَةً وَاحِدَةً، قَدْ بَدَأُوا بِعَمَلِ هَذَا، إِذَنْ فَلَنْ يَصْعُبَ عَلَيْهِمْ عَمَلُ أَيِّ شَيْءٍ آخَرَ يَنْوُونَ عَمَلَهُ. تَعَالَوْا نَنْزِلُ وَنُبَلْبِلُ لُغَتَهُمْ لِكَيْ لَا يَفْهَمَ بَعْضُهُمْ كَلَامَ بَعْضٍ.“ فَشَتَّتَهُمُ اللهُ مِنْ هُنَاكَ فِي كُلِّ الْأَرْضِ، فَتَوَقَّفُوا عَنْ بِنَاءِ الْمَدِينَةِ. لِذَلِكَ سُمِّيَتْ 'بَابِلَ' لِأَنَّ اللهَ بَلْبَلَ لُغَةَ الْعَالَمِ كُلِّهِ هُنَاكَ. وَمِنْ هُنَاكَ شَتَّتَهُمْ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْأَرْضِ. هَذَا سِجِلُّ مَوَالِيدِ سَامَ: لَمَّا كَانَ عُمْرُ سَامَ 100 سَنَةٍ أَنْجَبَ أَرْفَكْشَادَ بَعْدَ الطُّوفَانِ بِسَنَتَيْنِ. وَعَاشَ سَامُ بَعْدَ ذَلِكَ 500 سَنَةٍ أَنْجَبَ خِلَالَهَا بَنِينَ آخَرِينَ وَبَنَاتٍ. وَلَمَّا كَانَ عُمْرُ أَرْفَكْشَادَ 35 سَنَةً أَنْجَبَ شَالَحَ. وَعَاشَ أَرْفَكْشَادُ بَعْدَ ذَلِكَ 403 سِنِينَ أَنْجَبَ خِلَالَهَا بَنِينَ آخَرِينَ وَبَنَاتٍ. وَلَمَّا كَانَ عُمْرُ شَالَحَ 30 سَنَةً أَنْجَبَ عَابِرَ. وَعَاشَ شَالَحُ بَعْدَ ذَلِكَ 403 سِنِينَ أَنْجَبَ خِلَالَهَا بَنِينَ آخَرِينَ وَبَنَاتٍ. وَلَمَّا كَانَ عُمْرُ عَابِرَ 34 سَنَةً أَنْجَبَ فَالِقَ. وَعَاشَ عَابِرُ بَعْدَ ذَلِكَ 430 سَنَةً أَنْجَبَ خِلَالَهَا بَنِينَ آخَرِينَ وَبَنَاتٍ. وَلَمَّا كَانَ عُمْرُ فَالِقَ 30 سَنَةً أَنْجَبَ رَعُوَ. وَعَاشَ فَالِقُ بَعْدَ ذَلِكَ 209 سِنِينَ أَنْجَبَ خِلَالَهَا بَنِينَ آخَرِينَ وَبَنَاتٍ. وَلَمَّا كَانَ عُمْرُ رَعُوَ 32 سَنَةً أَنْجَبَ سَرُوجَ. وَعَاشَ رَعُو بَعْدَ ذَلِكَ 207 سِنِينَ أَنْجَبَ خِلَالَهَا بَنِينَ آخَرِينَ وَبَنَاتٍ. وَلَمَّا كَانَ عُمْرُ سَرُوجَ 30 سَنَةً أَنْجَبَ نَاحُورَ. وَعَاشَ سَرُوجُ بَعْدَ ذَلِكَ 200 سَنَةٍ أَنْجَبَ خِلَالَهَا بَنِينَ آخَرِينَ وَبَنَاتٍ. وَلَمَّا كَانَ عُمْرُ نَاحُورَ 29 سَنَةً أَنْجَبَ تَارَحَ. وَعَاشَ نَاحُورُ بَعْدَ ذَلِكَ 119 سَنَةً أَنْجَبَ خِلَالَهَا بَنِينَ آخَرِينَ وَبَنَاتٍ. وَبَعْدَمَا بَلَغَ تَارَحُ 70 سَنَةً أَنْجَبَ أَبْرَامَ وَنَاحُورَ وَهَارَانَ. هَذَا سِجِلُّ مَوَالِيدِ تَارَحَ: تَارَحُ أَنْجَبَ أَبْرَامَ وَنَاحُورَ وَهَارَانَ. هَارَانُ أَنْجَبَ لُوطَ. وَمَاتَ هَارَانُ قَبْلَ تَارَحَ أَبِيهِ فِي أَرْضِ مِيلَادِهِ فِي أُورَ الْكَلْدَانِيِّينَ. وَتَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْ أَبْرَامَ وَنَاحُورَ. وَكَانَ اسْمُ زَوْجَةِ أَبْرَامَ سَارَايَ، وَاسْمُ زَوْجَةِ نَاحُورَ مِلْكَةَ بِنْتِ هَارَانَ الَّذِي أَنْجَبَ مِلْكَةَ وَيِسْكَةَ. وَكَانَتْ سَارَايُ عَاقِرًا لَا تُنْجِبُ أَطْفَالًا. وَأَخَذَ تَارَحُ ابْنَهُ أَبْرَامَ وَحَفِيدَهُ لُوطَ بْنَ هَارَانَ، وَسَارَايَ زَوْجَةَ ابْنِهِ أَبْرَامَ، وَخَرَجُوا مَعًا مِنْ أُورَ الْكَلْدَانِيِّينَ لِيَذْهَبُوا إِلَى بِلَادِ كَنْعَانَ. لَكِنَّهُمْ لَمَّا وَصَلُوا إِلَى حَارَانَ، اِسْتَقَرُّوا فِيهَا. وَمَاتَ تَارَحُ فِي حَارَانَ لَمَّا كَانَ عُمْرُهُ 205 سِنِينَ. وَكَانَ اللهُ قَدْ قَالَ لِأَبْرَامَ: ”اِذْهَبْ مِنْ بَلَدِكَ وَأَهْلِكَ وَبَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً، وَأُبَارِكَكَ، وَأَجْعَلَ اسْمَكَ عَظِيمًا، وَتَكُونَ بَرَكَةً. وَالَّذِينَ يُبَارِكُونَكَ أُبَارِكُهُمْ، وَالَّذِي يَلْعَنُكَ أَلْعَنُهُ. وَبِوَاسِطَتِكَ أُبَارِكُ كُلَّ شُعُوبِ الْأَرْضِ.“ فَذَهَبَ أَبْرَامُ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ، وَذَهَبَ لُوطُ مَعَهُ. وَكَانَ عُمْرُ أَبْرَامَ 75 سَنَةً لَمَّا رَحَلَ مِنْ حَارَانَ. وَأَخَذَ مَعَهُ سَارَايَ زَوْجَتَهُ، وَلُوطَ ابْنَ أَخِيهِ، وَكُلَّ مَا جَمَعَاهُ مِنْ مُقْتَنَيَاتٍ، وَكُلَّ مَا امْتَلَكَاهُ مِنْ نُفُوسٍ فِي حَارَانَ. وَرَحَلُوا إِلَى بِلَادِ كَنْعَانَ وَوَصَلُوا إِلَيْهَا. فَأَخَذَ أَبْرَامُ يُسَافِرُ فِي الْبِلَادِ حَتَّى وَصَلَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ بَلُّوطَةُ مُورَةَ فِي شَكِيمَ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ الْكَنْعَانِيُّونَ مَوْجُودِينَ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ. وَظَهَرَ اللهُ لِأَبْرَامَ وَقَالَ لَهُ: ”سَأُعْطِي هَذِهِ الْأَرْضَ لِنَسْلِكَ.“ فَبَنَى أَبْرَامُ مَنَصَّةَ قُرْبَانٍ للهِ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ. وَانْتَقَلَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى الْجَبَلِ شَرْقَ بَيْتَ إِيلَ، وَنَصَبَ خَيْمَتَهُ بَيْنَ بَيْتَ إِيلَ فِي الْغَرْبِ وَعَايَ فِي الشَّرْقِ. وَبَنَى هُنَاكَ مَنَصَّةَ قُرْبَانٍ للهِ وَابْتَهَلَ إِلَيْهِ. ثُمَّ تَابَعَ أَبْرَامُ سَفَرَهُ نَحْوَ النَّقَبِ. وَحَدَثَتْ مَجَاعَةٌ فِي الْبِلَادِ، فَنَزَلَ أَبْرَامُ إِلَى مِصْرَ لِيَعِيشَ فِيهَا بَعْضَ الْوَقْتِ لِأَنَّ الْمَجَاعَةَ كَانَتْ شَدِيدَةً. وَلَمَّا قَرُبَ مِنْ مِصْرَ قَالَ لِسَارَايَ زَوْجَتِهِ: ”أَنَا عَارِفٌ أَنَّكِ امْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ. لَمَّا يَرَاكِ الْمِصْرِيُّونَ يَقُولُونَ: ’هَذِهِ هِيَ زَوْجَتُهُ‘ فَيَقْتُلُونِي وَيُبْقُونَكِ أَنْتِ. لِذَلِكَ قُولِي إِنَّكِ أُخْتِي، فَيُحْسِنُونَ مُعَامَلَتِي بِسَبَبِكِ وَأَنْجُو بِحَيَاتِي.“ فَلَمَّا وَصَلَ أَبْرَامُ إِلَى مِصْرَ، رَأَى الْمِصْرِيُّونَ أَنَّ سَارَايَ جَمِيلَةٌ جِدًّا. وَرَآهَا أَيْضًا بَعْضُ حَاشِيَةِ فِرْعَوْنَ، وَمَدَحُوهَا لِفِرْعَوْنَ، فَأُخِذَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى قَصْرِهِ. فَأَحْسَنَ إِلَى أَبْرَامَ بِسَبَبِهَا. وَحَصَلَ أَبْرَامُ عَلَى غَنَمٍ وَبَقَرٍ وَحَمِيرٍ وَعَبِيدٍ وَجَوَارٍ وَأُتُنٍ وَجِمَالٍ. لَكِنَّ اللهَ ضَرَبَ فِرْعَوْنَ وَعَائِلَتَهُ بِأَمْرَاضٍ خَطِيرَةٍ بِسَبَبِ سَارَايَ زَوْجَةِ أَبْرَامَ. فَاسْتَدْعَى فِرْعَوْنُ أَبْرَامَ وَقَالَ لَهُ: ”لِمَاذَا فَعَلْتَ هَذَا مَعِي؟ وَلِمَاذَا لَمْ تُخْبِرْنِي أَنَّهَا زَوْجَتُكَ؟ لِمَاذَا قُلْتَ إِنَّهَا أُخْتُكَ حَتَّى أَخَذْتُهَا لِتَكُونَ زَوْجَةً لِي؟ وَالْآنَ، هَذِهِ هِيَ زَوْجَتُكَ، خُذْهَا وَاذْهَبْ مِنْ هُنَا.“ فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ رِجَالَهُ، فَشَيَّعُوا أَبْرَامَ وَزَوْجَتَهُ وَكُلَّ مَا كَانَ لَهُ. فَرَحَلَ أَبْرَامُ مِنْ مِصْرَ وَتَوَجَّهَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ وَكُلُّ مَا كَانَ لَهُ إِلَى النَّقَبِ، وَكَانَ لُوطُ مَعَهُ. وَكَانَ أَبْرَامُ قَدْ أَصْبَحَ غَنِيًّا جِدًّا يَمْلِكُ الْمَوَاشِيَ وَالْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ. وَمِنَ النَّقَبِ تَنَقَّلَ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ فِي اتِّجَاهِ بَيْتَ إِيلَ حَتَّى وَصَلَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَيْنَ بَيْتَ إِيلَ وَعَايَ، حَيْثُ كَانَ قَدْ نَصَبَ خَيْمَتَهُ مِنْ قَبْلُ، وَحَيْثُ كَانَ قَدْ بَنَى مَنَصَّةَ الْقُرْبَانِ أَوَّلًا. هُنَاكَ دَعَا أَبْرَامُ بِاسْمِ اللهِ. وَلُوطُ الَّذِي كَانَ مُسَافِرًا مَعَ أَبْرَامَ، هُوَ أَيْضًا كَانَ عِنْدَهُ غَنَمٌ وَبَقَرٌ وَخِيَامٌ. فَضَاقَتْ عَلَيْهِمَا الْأَرْضُ، لِأَنَّ أَمْلَاكَهُمَا كَانَتْ كَثِيرَةً، فَلَمْ يُمْكِنْهُمَا أَنْ يَسْكُنَا مَعًا. وَنَشَبَ نِزَاعٌ بَيْنَ رُعَاةِ مَوَاشِي أَبْرَامَ وَرُعَاةِ مَوَاشِي لُوطَ. وَكَانَ الْكَنْعَانِيُّونَ وَالْفِرِزِّيُّونَ أَيْضًا يُقِيمُونَ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ. فَقَالَ أَبْرَامُ لِلُوطَ: ”لَا يَكُنْ نِزَاعٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَلَا بَيْنَ رُعَاتِي وَرُعَاتِكَ، لِأَنَّنَا أَخَوَانِ. أَلَيْسَتِ الْأَرْضُ كُلُّهَا أَمَامَكَ؟ اِعْتَزِلْ عَنِّي، إِمَّا تَذْهَبُ شِمَالًا فَأَذْهَبُ أَنَا يَمِينًا، أَوْ تَذْهَبُ يَمِينًا فَأَذْهَبُ أَنَا شِمَالًا.“ وَتَلَفَّتَ لُوطُ حَوْلَهُ فَرَأَى أَنَّ سَهْلَ الْأُرْدُنِّ يَمْتَدُّ إِلَى مَدِينَةِ صُوغَرَ وَكُلَّهُ رَيَّانٌ، وَكَأَنَّهُ جَنَّةُ اللهِ كَبِلَادِ مِصْرَ. كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ مَا أَخْرَبَ اللهُ سَدُومَ وَعَمُورَةَ. فَأَخَذَ لُوطُ لِنَفْسِهِ سَهْلَ الْأُرْدُنِّ كُلَّهُ وَرَحَلَ شَرْقًا. فَاعْتَزَلَ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ. أَبْرَامُ سَكَنَ فِي بِلَادِ كَنْعَانَ، وَلُوطُ سَكَنَ فِي مُدُنِ السَّهْلِ، وَنَصَبَ خِيَامَهُ بِجِوَارِ سَدُومَ. وَكَانَ أَهْلُ سَدُومَ أَشْرَارًا يَرْتَكِبُونَ فَظَائِعَ الْخَطِيئَةِ ضِدَّ اللهِ. وَقَالَ اللهُ لِأَبْرَامَ بَعْدَمَا اعْتَزَلَ عَنْ لُوطَ: ”تَطَلَّعْ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ، وَانْظُرْ شَمَالًا وَجَنُوبًا وَشَرْقًا وَغَرْبًا. كُلُّ هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي تَرَاهَا سَأُعْطِيهَا لَكَ وَلِنَسْلِكَ إِلَى الْأَبَدِ. وَأَجْعَلُ نَسْلَكَ كَتُرَابِ الْأَرْضِ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّ تُرَابَ الْأَرْضِ، فَإِنَّ نَسْلَكَ أَيْضًا يُعَدُّ. قُمْ وَامْشِ فِي الْأَرْضِ بِطُولِهَا وَعَرْضِهَا لِأَنِّي أُعْطِيهَا لَكَ.“ فَنَقَلَ أَبْرَامُ خِيَامَهُ وَذَهَبَ وَسَكَنَ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا فِي حَبْرُونَ وَهُنَاكَ بَنَى مَنَصَّةَ قُرْبَانٍ للهِ. وَحَدَثَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَنَّ أَمْرَافِلَ مَلِكَ بَابِلَ، وَأَرْيُوكَ مَلِكَ أَلَاسَارَ، وَكَدْرَلَعُومَرَ مَلِكَ عِيلَامَ، وَتِدْعَالَ مَلِكَ جُويِمَ، حَارَبُوا بَارَعَ مَلِكَ سَدُومَ، وَبَرْشَاعَ مَلِكَ عَمُورَةَ، وَشِنْآبَ مَلِكَ أَدَمَةَ، وَشَمِيبِرَ مَلِكَ صَبُويِمَ، وَمَلِكَ بَالَعَ أَيْ صُوغَرَ. كُلُّ هَؤُلَاءِ جَمَعُوا قُوَّاتِهِمْ فِي وَادِي السَّدِيمِ أَيِ الْبَحْرِ الْمَيِّتِ. وَكَانَ كَدْرَلَعُومَرُ قَدِ اسْتَعْبَدَهُمُ 12 سَنَةً، وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ تَمَرَّدُوا عَلَيْهِ. وَفِي السَّنَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ ذَهَبَ كَدْرَلَعُومَرُ وَحُلَفَاؤُهُ الْمُلُوكُ، وَهَزَمُوا الرَّفَائِيِّينَ فِي عَشْتَرُوتَ قَرْنَايِمَ، وَالزُّوزِيِّينَ فِي هَامَ، وَالْإِيمِيِّينَ فِي سَهْلِ قَرْيَاتِمَ، وَالْحُورِيِّينَ فِي جَبَلِهِمْ سَعِيرَ حَتَّى إِيلَ فَارَانَ عَلَى حُدُودِ الصَّحْرَاءِ. ثُمَّ رَجَعُوا وَجَاءُوا إِلَى عَيْنَ مِشْفَاطَ أَيْ قَادِشَ. فَهَزَمُوا كُلَّ بِلَادِ الْعَمَالِقَةِ وَأَيْضًا الْأَمُورِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي حَزَازُونَ تَامَارَ. فَخَرَجَ مَلِكُ سَدُومَ وَمَلِكُ عَمُورَةَ وَمَلِكُ أَدَمَةَ وَمَلِكُ صَبُويِمَ وَمَلِكُ بَالَعَ، أَيْ صُوغَرَ، وَبَدَأُوا الْحَرْبَ فِي وَادِي السَّدِيمِ، ضِدَّ كَدْرَلَعُومَرَ مَلِكِ عِيلَامَ، وَتِدْعَالَ مَلِكِ جُويِمَ، وَأَمْرَافِلَ مَلِكِ بَابِلَ، وَأَرْيُوكَ مَلِكِ أَلَاسَارَ فَكَانُوا 4 مُلُوكٍ ضِدَّ 5. وَكَانَ وَادِي السَّدِيمِ مَمْلُوْءًا بِآبَارِ الزِّفْتِ، فَلَمَّا حَاوَلَ مَلِكُ سَدُومَ وَمَلِكُ عَمُورَةَ الْهَرَبَ، سَقَطَا فِي تِلْكَ الْآبَارِ، وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَهَرَبُوا إِلَى الْجِبَالِ. فَأَخَذَ الْمُلُوكُ الْـ4 الْمُنْتَصِرُونَ كُلَّ مَا فِي سَدُومَ وَعَمُورَةَ مِنْ أَمْلَاكٍ وَطَعَامٍ وَذَهَبُوا. وَأَسَرُوا لُوطَ ابْنَ أَخِي أَبْرَامَ حَيْثُ إِنَّهُ كَانَ يَسْكُنُ فِي سَدُومَ، وَأَخَذُوا مُمْتَلَكَاتِهِ. فَجَاءَ مَنْ نَجَا وَأَخْبَرَ أَبْرَامَ الْعِبْرَانِيَّ بِمَا حَدَثَ. وَكَانَ أَبْرَامُ سَاكِنًا عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا. وَمَمْرَا الْأَمُورِيُّ هُوَ أَخُو أَشْكُولَ وَعَانِرَ، وَكُلُّهُمْ حُلَفَاءُ أَبْرَامَ. فَلَمَّا سَمِعَ أَبْرَامُ أَنَّ ابْنَ أَخِيهِ أُسِرَ، جَمَعَ رِجَالَهُ الْمُدَرَّبِينَ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي دَارِهِ وَكَانُوا 318، وَأَخَذَ يَتْبَعُ الْعَدُوَّ حَتَّى وَصَلَ إِلَى مَدِينَةِ دَانَ. وَفِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ، قَسَمَ أَبْرَامُ رِجَالَهُ وَهَجَمَ عَلَيْهِمْ وَهَزَمَهُمْ، وَأَخَذَ يُطَارِدُهُمْ حَتَّى حُوبَةَ شَمَالَ دِمَشْقَ. وَاسْتَرَدَّ كُلَّ الْأَمْلَاكِ وَالنِّسَاءَ وَبَاقِيَ الْأَسْرَى، وَأَرْجَعَ لُوطَ ابْنَ أَخِيهِ وَمُمْتَلَكَاتِهِ. وَرَجَعَ أَبْرَامُ بَعْدَمَا هَزَمَ الْمَلِكَ كَدْرَلَعُومَرَ وَالْمُلُوكَ حُلَفَاءَهُ. فَخَرَجَ مَلِكُ سَدُومَ لِاسْتِقْبَالِهِ فِي وَادِي شَوَّى أَيْ وَادِي الْمَلِكِ. وَكَانَ الْمَلِكُ صَادِقُ، مَلِكُ سَالِيمَ، حَبْرًا للهِ الْعَلِيِّ. فَقَدَّمَ خُبْزًا وَخَمْرًا، وَبَارَكَ أَبْرَامَ وَقَالَ: ”مُبَارَكٌ أَبْرَامُ مِنَ اللهِ الْعَلِيِّ، خَالِقِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. وَتَبَارَكَ اللهُ الْعَلِيُّ الَّذِي نَصَرَكَ عَلَى أَعْدَائِكَ.“ فَأَعْطَاهُ أَبْرَامُ الْعُشْرَ مِنْ كُلِّ الْغَنِيمَةِ. وَقَالَ مَلِكُ سَدُومَ لِأَبْرَامَ: ”أَعْطِنِي النَّاسَ، وَخُذْ أَنْتَ الْأَمْلَاكَ.“ فَقَالَ أَبْرَامُ لِمَلِكِ سَدُومَ: ”أَرْفَعُ يَدِي قَسَمًا بِاللهِ الْعَلِيِّ، خَالِقِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، لَا آخُذُ شَيْئًا مِمَّا هُوَ لَكَ، وَلَوْ كَانَ خَيْطًا أَوْ رِبَاطَ حِذَاءٍ، لِئَلَّا تَقُولَ: ’أَنَا أَغْنَيْتُ أَبْرَامَ.‘ فَلَنْ أَقْبَلَ شَيْئًا غَيْرَ مَا أَكَلَهُ رِجَالِي. أَمَّا الرِّجَالُ الَّذِينَ ذَهَبُوا مَعِي، عَانِرُ وَأَشْكُولُ وَمَمْرَا، فَهُمْ يَأْخُذُونَ نَصِيبَهُمْ.“ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ اللهُ لِأَبْرَامَ فِي رُؤْيَا: ”لَا تَخَفْ يَا أَبْرَامُ. أَنَا حَامِيكَ، أَجْرُكَ عَظِيمٌ جِدًّا.“ فَقَالَ أَبْرَامُ: ”اللَّهُمَّ يَا رَبِّي، أَيُّ مَنْفَعَةٍ فِي مَا تُعْطِينِي، وَأَنَا ذَاهِبٌ عَقِيمًا، وَالَّذِي يَرِثُ بَيْتِي هُوَ أَلِيعَازَرُ الدِّمَشْقِيُّ؟“ وَقَالَ أَبْرَامُ أَيْضًا: ”أَنْتَ لَمْ تُعْطِنِي نَسْلًا، فَالْعَبْدُ الَّذِي فِي دَارِي يَرِثُنِي.“ فَقَالَ اللهُ لَهُ: ”لَنْ يَرِثَكَ هَذَا، بَلِ ابْنُكَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِكَ يَرِثُكَ.“ وَأَخْرَجَهُ اللهُ إِلَى الْخَارِجِ وَقَالَ لَهُ: ”اُنْظُرْ إِلَى السَّمَاءِ وَعُدَّ النُّجُومَ إِنِ اسْتَطَعْتَ.“ ثُمَّ قَالَ لَهُ: ”هَكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ.“ فَآمَنَ أَبْرَامُ بِاللهِ فَاعْتَبَرَهُ لَهُ صَلَاحًا. وَقَالَ اللهُ لَهُ: ”أَنَا اللهُ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أُورَ الْكَلْدَانِيِّينَ لِأُعْطِيَكَ هَذِهِ الْأَرْضَ لِتَمْلِكَهَا.“ فَقَالَ أَبْرَامُ: ”اللَّهُمَّ يَا رَبِّي، كَيْفَ أَعْلَمُ أَنِّي سَأَمْلِكُهَا؟“ فَأَجَابَهُ اللهُ: ”أَحْضِرْ لِي بَقَرَةً وَعَنْزَةً وَكَبْشًا عُمْرُ كُلٍّ مِنْهَا 3 سِنِينَ، وَيَمَامَةً وَحَمَامَةً.“ فَأَحْضَرَهَا أَبْرَامُ لَهُ، وَشَقَّهَا مِنَ الْوَسَطِ إِلَى نِصْفَيْنِ، وَرَتَّبَ كُلَّ نِصْفٍ مِنْهَا مُقَابِلَ النِّصْفِ الْآخَرِ. أَمَّا الطَّيْرُ فَلَمْ يَشُقَّهُ. فَنَزَلَتِ الطُّيُورُ الْجَارِحَةُ عَلَى الْجُـثَثِ، لَكِنَّ أَبْرَامَ كَانَ يَزْجُرُهَا. وَلَمَّا مَالَتِ الشَّمْسُ إِلَى الْمَغِيبِ، وَقَعَ أَبْرَامُ فِي نَوْمٍ عَمِيقٍ، وَجَاءَ عَلَيْهِ ظَلَامٌ كَثِيفٌ مُخِيفٌ. فَقَالَ اللهُ لَهُ: ”اِعْلَمْ بِكُلِّ يَقِينٍ أَنَّ نَسْلَكَ سَيَتَغَرَّبُ فِي بِلَادٍ لَيْسَتْ لَهُمْ، فَيَسْتَعْبِدُهُمْ أَهْلُهَا وَيُذِلُّونَهُمْ 400 سَنَةٍ. وَلَكِنِّي سَأُعَاقِبُ تِلْكَ الْأُمَّةَ الَّتِي تَسْتَعْبِدُهُمْ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَخْرُجُونَ بِأَمْلَاكٍ جَزِيلَةٍ. أَمَّا أَنْتَ فَإِنَّكَ بَعْدَ عُمْرٍ طَوِيلٍ صَالِحٍ تَذْهَبُ إِلَى آبَائِكَ بِسَلَامٍ وَتُدْفَنُ. وَفِي الْجِيلِ الرَّابِعِ يَرْجِعُ نَسْلُكَ إِلَى هُنَا! فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَكُونُ شَرُّ الْأَمُورِيِّينَ قَدْ بَلَغَ حَدَّهُ.“ وَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ وَحَلَّ الظَّلَامُ، ظَهَرَ كَانُونٌ بِهِ دُخَانٌ وَمِشْعَلُ نَارٍ يَسِيرَانِ بَيْنَ تِلْكَ الْقِطَعِ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَقَدَ اللهُ عَهْدًا مَعَ أَبْرَامَ وَقَالَ: ”سَأُعْطِي لِنَسْلِكَ هَذِهِ الْأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْعَظِيمِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ، بِلَادَ الْقِينِيِّينَ وَالْقَنْزِيِّينَ وَالْقَدْمُونِيِّينَ، وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالرَّفَائِيِّينَ وَالْأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ.“ وَأَمَّا سَارَايُ زَوْجَةُ أَبْرَامَ فَلَمْ تَلِدْ لَهُ أَطْفَالًا. وَكَانَتْ لَهَا جَارِيَةٌ مِصْرِيَّةٌ اسْمُهَا هَاجِرُ. فَقَالَتْ سَارَايُ لِأَبْرَامَ: ”الْمَوْلَى حَرَمَنِي مِنَ الْوِلَادَةِ. اُدْخُلْ عَلَى جَارِيَتِي لَعَلِّي أُرْزَقُ مِنْهَا بَنِينَ.“ فَسَمِعَ أَبْرَامُ لِكَلَامِ سَارَايَ. وَفِعْلًا تَمَّ هَذَا. بَعْدَمَا سَكَنَ أَبْرَامُ فِي بِلَادِ كَنْعَانَ 10 سِنِينَ، أَخَذَتْ سَارَايُ جَارِيَتَهَا الْمِصْرِيَّةَ هَاجِرَ، وَأَعْطَتْهَا لِزَوْجِهَا أَبْرَامَ لِتَكُونَ زَوْجَةً لَهُ. فَعَاشَرَ أَبْرَامُ هَاجِرَ فَحَبِلَتْ. وَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهَا حُبْلَى، بَدَأَتْ تَحْتَقِرُ سَيِّدَتَهَا. فَقَالَتْ سَارَايُ لِأَبْرَامَ: ”أَنَا مَظْلُومَةٌ وَأَنْتَ الْمَسْئُولُ عَنْ هَذَا. أَنَا أَعْطَيْتُكَ جَارِيَتِي فِي حِضْنِكَ. فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهَا حَبِلَتْ، بَدَأَتْ تَحْتَقِرُنِي. يَقْضِي اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ.“ فَقَالَ لَهَا أَبْرَامُ: ”جَارِيَتُكِ تَحْتَ تَصَرُّفِكِ. اِفْعَلِي بِهَا مَا شِئْتِ.“ فَأَذَلَّتْهَا سَارَايُ حَتَّى هَرَبَتْ مِنْهَا. فَوَجَدَهَا مَلَاكُ اللهِ بِالْقُرْبِ مِنْ عَيْنِ مَاءٍ فِي الصَّحْرَاءِ، عِنْدَ الطَّرِيقِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى شُورَ. فَقَالَ لَهَا: ”يَا هَاجِرُ جَارِيَةَ سَارَايَ، مِنْ أَيْنَ جِئْتِ وَإِلَى أَيْنَ تَذْهَبِينَ؟“ فَقَالَتْ: ”أَنَا هَارِبَةٌ مِنْ سَيِّدَتِي سَارَايَ.“ فَقَالَ لَهَا الْمَلَاكُ: ”اِرْجِعِي إِلَى سَيِّدَتِكِ وَاخْضَعِي لَهَا.“ وَقَالَ لَهَا أَيْضًا: ”أَنَا سَأُكَثِّرُ نَسْلَكِ، فَلَا يُعَدُّ مِنَ الْكَثْرَةِ.“ ثُمَّ قَالَ الْمَلَاكُ: ”أَنْتِ الْآنَ حُبْلَى وَسَوْفَ تَلِدِينَ ابْنًا، وَتُسَمِّينَهُ إِسْمَاعِيلَ، لِأَنَّ اللهَ سَمِعَ عَنْ شَقَائِكِ. وَسَيَكُونُ إِسْمَاعِيلُ إِنْسَانًا وَحْشِيًّا، يُعَادِي الْجَمِيعَ وَالْجَمِيعُ يُعَادُونَهُ، وَيَعِيشُ فِي خِلَافٍ مَعَ كُلِّ إِخْوَتِهِ.“ فَدَعَتِ اسْمَ اللهِ الَّذِي كَلَّمَهَا 'أَنْتَ اللهُ الَّذِي يَرَانِي' لِأَنَّهَا قَالَتْ: ”أَنَا الْآنَ رَأَيْتُ الَّذِي يَرَانِي.“ وَلِهَذَا السَّبَبِ سُمِّيَتِ الْبِئْرُ 'بِئْرَ الْحَيِّ الَّذِي يَرَانِي.' وَهِيَ مَا زَالَتْ هُنَاكَ بَيْنَ قَادِشَ وَبَرَدَ. ثُمَّ وَلَدَتْ هَاجِرُ لِأَبْرَامَ ابْنًا، فَهَذَا الِابْنُ الَّذِي وَلَدَتْهُ هَاجِرُ سَمَّاهُ أَبْرَامُ إِسْمَاعِيلَ. وَكَانَ عُمْرُ أَبْرَامَ 86 سَنَةً لَمَّا وَلَدَتْ لَهُ هَاجِرُ إِسْمَاعِيلَ. وَلَمَّا كَانَ عُمْرُ أَبْرَامَ 99 سَنَةً، ظَهَرَ اللهُ لَهُ وَقَالَ: ”أَنَا اللهُ الْقَدِيرُ. سِرْ فِي مَحْضَرِي وَكُنْ كَامِلًا. فَأُعْطِيَكَ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَأُكَثِّرَ نَسْلَكَ جِدًّا.“ فَسَجَدَ أَبْرَامُ للهِ. فَقَالَ اللهُ لَهُ: ”هَذَا هُوَ عَهْدِي مَعَكَ، سَتَكُونُ أَبًا لِأُمَمٍ كَثِيرَةٍ. فَلَا يَكُونُ اسْمُكَ بَعْدَ الْآنَ أَبْرَامَ، بَلْ إِبْرَاهِيمَ. لِأَنِّي أَجْعَلُكَ أَبًا لِأُمَمٍ كَثِيرَةٍ. وَأَجْعَلُكَ مُثْمِرًا جِدًّا، فَأَصْنَعُ مِنْكَ أُمَمًا، وَيَأْتِي مِنْكَ مُلُوكٌ. وَأُعْطِيكَ عَهْدِيَ الَّذِي يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَنْتَ وَنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ، جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. فَأَكُونُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ. وَأُعْطِيكَ كُلَّ بِلَادِ كَنْعَانَ، الَّتِي أَنْتَ غَرِيبٌ فِيهَا الْآنَ، لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ مِلْكًا أَبَدِيًّا. وَأَكُونُ إِلَهَهُمْ.“ ثُمَّ قَالَ اللهُ لِإِبْرَاهِيمَ: ”وَأَنْتَ يَجِبُ أَنْ تَحْفَظَ عَهْدِي، أَنْتَ وَنَسْلُكَ مِنْ بَعْدِكَ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. هَذَا هُوَ عَهْدِي مَعَكَ أَنْتَ وَنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ، الْعَهْدُ الَّذِي يَجِبُ أَنْ تَحْفَظُوهُ، أَنْ يُخْتَنَ كُلُّ ذَكَرٍ مِنْكُمْ. تُخْتَنُونَ فِي جِسْمِكُمْ، فَيَكُونُ هَذَا عَلَامَةَ الْعَهْدِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ. جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ يُخْتَنُ كُلُّ ذَكَرٍ مِنْكُمْ وَهُوَ ابْنُ 8 أَيَّامٍ، سَوَاءٌ كَانَ مَوْلُودًا فِي بَيْتِكَ، أَوْ مِنْ غَيْرِ نَسْلِكَ، أَيِ اشْتَرَيْتَهُ بِمَالِكَ مِنْ غَرِيبٍ. الْكُلُّ يُخْتَنُ، الْمَوْلُودُ فِي بَيْتِكَ أَوِ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ بِمَالِكَ فَيَكُونُ عَهْدِي فِي جِسْمِكُمْ عَهْدًا يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. أَمَّا الذَّكَرُ غَيْرُ الْمَخْتُونِ أَيِ الْأَغْلَفُ، يُبَادُ مِنْ شَعْبِهِ، لِأَنَّهُ نَقَضَ عَهْدِي.“ وَقَالَ اللهُ أَيْضًا لِإِبْرَاهِيمَ: ”أَمَّا سَارَايُ زَوْجَتُكَ، فَلَا تَدْعُو اسْمَهَا سَارَايَ بَعْدَ الْآنَ، بَلْ يَكُونُ اسْمُهَا سَارَةَ. وَأُبَارِكُهَا وَأُعْطِيكَ ابْنًا مِنْهَا، وَأُبَارِكُهَا فَتَكُونُ أُمًّا لِأُمَمٍ، وَيَأْتِي مِنْهَا مُلُوكُ شُعُوبٍ.“ فَسَجَدَ إِبْرَاهِيمُ للهِ وَضَحِكَ وَقَالَ فِي نَفْسِهِ: ”هَلْ أُنْجِبُ ابْنًا وَأَنَا عُمْرِي 100 سَنَةٍ؟ وَهَلْ تَلِدُ سَارَةُ ابْنًا وَهِيَ قَدْ بَلَغَتْ 90 سَنَةً؟“ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ للهِ: ”لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَحْيَا فِي رِضَاكَ.“ فَقَالَ لَهُ اللهُ: ”سَارَةُ سَتَلِدُ لَكَ ابْنًا وَأَنْتَ تُسَمِّيهِ إِسْحَاقَ. وَأُعْطِيهِ عَهْدِيَ الَّذِي يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ لَهُ وَلِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ. أَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ سُؤَالَكَ مِنْ أَجْلِهِ، سَأُبَارِكُهُ وَأَجْعَلُهُ مُثْمِرًا وَأُكَثِّرُهُ جِدًّا، فَيَكُونُ أَبًا لِـ12 رَئِيسًا، وَيُصْبِحُ أُمَّةً كَبِيرَةً. وَلَكِنَّ عَهْدِي أَعْقِدُهُ مَعَ إِسْحَاقَ الَّذِي تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ فِي هَذَا الْوَقْتِ مِنَ الْعَامِ الْقَادِمِ.“ وَلَمَّا أَنْهَى اللهُ كَلَامَهُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ، ذَهَبَ مِنْ عِنْدِهِ. فِي نَفْسِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، أَخَذَ إِبْرَاهِيمُ ابْنَهُ إِسْمَاعِيلَ وَكُلَّ الْمَوْلُودِينَ فِي بَيْتِهِ وَكُلَّ مَنِ اشْتَرَاهُمْ بِمَالِهِ كُلَّ ذَكَرٍ فِي دَارِهِ، وَخَتَنَهُمْ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ. وَكَانَ عُمْرُ إِبْرَاهِيمَ 99 سَنَةً لَمَّا خُتِنَ. وَكَانَ عُمْرُ إِسْمَاعِيلَ ابْنِهِ 13 سَنَةً. فَخُتِنَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ ابْنُهُ فِي نَفْسِ ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَكَذَلِكَ خُتِنَ مَعَهُ كُلُّ ذَكَرٍ فِي دَارِ إِبْرَاهِيمَ سَوَاءٌ الْمَوْلُودُونَ فِي بَيْتِهِ أَوِ الَّذِينَ اشْتَرَاهُمْ مِنْ غَرِيبٍ. وَظَهَرَ اللهُ لِإِبْرَاهِيمَ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا، وَهُوَ جَالِسٌ فِي مَدْخَلِ خَيْمَتِهِ فِي أَحَرِّ سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ. فَنَظَرَ إِبْرَاهِيمُ وَرَأَى 3 رِجَالٍ وَاقِفِينَ عِنْدَهُ. فَلَمَّا رَآهُمْ، قَامَ بِسُرْعَةٍ مِنْ مَدْخَلِ خَيْمَتِهِ لِاسْتِقْبَالِهِمْ. وَسَجَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَقَالَ: ”يَا مَوْلَايَ، إِنْ كُنْتَ تَرْضَى عَنِّي، فَلَا تَذْهَبْ عَنْ عَبْدِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَزُورَنِي. بَلِ اسْمَحْ لِي أَنْ أُقَدِّمَ لَكُمْ قَلِيلًا مِنَ الْمَاءِ تَغْسِلُونَ بِهِ أَرْجُلَكُمْ، ثُمَّ تَسْتَرِيحُونَ تَحْتَ هَذَا الشَّجَرِ، فَأُقَدِّمُ لَكُمْ لُقْمَةَ خُبْزٍ تَسْنُدُونَ بِهَا قُلُوبَكُمْ، وَبَعْدَ ذَلِكَ تُوَاصِلُونَ رِحْلَتَكُمُ الَّتِي جَعَلَتْكُمْ تَمُرُّونَ عَلَى عَبْدِكُمْ.“ فَأَجَابُوهُ: ”حَسَنًا، اِفْعَلْ كَمَا قُلْتَ.“ فَأَسْرَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى الْخَيْمَةِ إِلَى سَارَةَ وَقَالَ لَهَا: ”أَسْرِعِي وَاعْجِنِي 3 كَيْلَاتٍ مِنْ أَفْضَلِ الدَّقِيقِ وَاخْبِزِيهَا.“ ثُمَّ جَرَى إِبْرَاهِيمُ إِلَى الْقَطِيعِ، وَاخْتَارَ عِجْلًا غَضًّا وَجَيِّدًا، وَأَعْطَاهُ لِوَاحِدٍ مِنَ الْخَدَمِ، فَأَسْرَعَ لِيُجَهِّزَهُ. ثُمَّ أَحْضَرَ بَعْضَ الزُّبْدِ وَالْحَلِيبِ وَالْعِجْلَ الَّذِي جَهَّزَهُ، وَوَضَعَهَا قُدَّامَهُمْ. وَبَيْنَمَا هُمْ يَأْكُلُونَ، كَانَ هُوَ وَاقِفًا يَخْدِمُهُمْ تَحْتَ الشَّجَرَةِ. ثُمَّ سَأَلُوهُ: ”أَيْنَ زَوْجَتُكَ سَارَةُ؟“ فَقَالَ: ”فِي الْخَيْمَةِ.“ فَقَالَ اللهُ: ”سَأَرْجِعُ إِلَيْكَ فِي نَفْسِ هَذَا الْوَقْتِ مِنَ الْعَامِ الْقَادِمِ، وَسَارَةُ زَوْجَتُكَ يَكُونُ مَعَهَا ابْنٌ.“ وَكَانَتْ سَارَةُ تُنْصِتُ لِلْحَدِيثِ وَهِيَ فِي مَدْخَلِ الْخَيْمَةِ وَرَاءَهُ. وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ عَجُوزَيْنِ، تَقَدَّمَتْ بِهِمَا الْأَيَّامُ، وَقَدْ تَجَاوَزَتْ سَارَةُ سِنَّ الْحَمْلِ. فَضَحِكَتْ فِي نَفْسِهَا وَقَالَتْ: ”هَلْ أَتَنَعَّمُ وَقَدْ فَنِيَتْ أَيَّامِي وَسَيِّدِي عَجُوزٌ؟“ فَقَالَ اللهُ لِإِبْرَاهِيمَ: ”لِمَاذَا ضَحِكَتْ سَارَةُ وَقَالَتْ: ’هَلْ أَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ؟‘ هَلْ يَسْتَحِيلُ عَلَى اللهِ شَيْءٌ؟ سَأَرْجِعُ إِلَيْكَ فِي نَفْسِ هَذَا الْوَقْتِ فِي الْعَامِ الْقَادِمِ، وَسَارَةُ يَكُونُ مَعَهَا ابْنٌ.“ فَخَافَتْ سَارَةُ وَأَنْكَرَتْ وَقَالَتْ: ”لَمْ أَضْحَكْ.“ فَقَالَ: ”لَا، بَلْ ضَحِكْتِ!“ ثُمَّ قَامَ الرِّجَالُ لِيَنْصَرِفُوا نَحْوَ سَدُومَ. وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ مَاشِيًا مَعَهُمْ لِيُوَدِّعَهُمْ. فَقَالَ اللهُ: ”أَنَا لَا أُخْفِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ مَا سَأَفْعَلُهُ، فَإِنَّهُ سَيَكُونُ أُمَّةً عَظِيمَةً وَقَوِيَّةً، وَبِوَاسِطَتِهِ أُبَارِكُ كُلَّ شُعُوبِ الْأَرْضِ. لِأَنِّي اخْتَرْتُهُ لِكَيْ يُوصِيَ بَنِيهِ وَعَائِلَتَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ يَحْفَظُوا طَرِيقَ اللهِ فَيَعْمَلُوا الصَّلَاحَ وَالْعَدْلَ، حَتَّى يُحَقِّقَ اللهُ لَهُ مَا وَعَدَهُ بِهِ.“ ثُمَّ قَالَ اللهُ: ”تُوجَدُ شَكْوَى مُرَّةٌ ضِدَّ سَدُومَ وَعَمُورَةَ. إِنَّ شَرَّهُمْ رَهِيبٌ جِدًّا. فَالْآنَ أَنْزِلُ لِأَرَى إِنْ كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ هِيَ فِعْلًا حَسَبَ الشَّكْوَى الَّتِي بَلَغَتْنِي. لَا بُدَّ أَنْ أَعْلَمَ.“ وَانْصَرَفَ الرِّجَالُ مِنْ هُنَاكَ وَذَهَبُوا نَحْوَ سَدُومَ. وَأَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَبَقِيَ وَاقِفًا أَمَامَ الْمَوْلَى. وَاقْتَرَبَ إِبْرَاهِيمُ مِنَ الْمَوْلَى وَقَالَ: ”هَلْ تُهْلِكُ الصَّالِحَ مَعَ الشِّرِّيرِ؟ لَوْ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ 50 شَخْصًا صَالِحًا، هَلْ تُهْلِكُ الْمَكَانَ وَلَا تَصْفَحُ عَنْهُ مِنْ أَجْلِ الْـ50 صَالِحًا الَّذِينَ فِيهَا؟ مُنَزَّهٌ أَنْتَ عَنْ فِعْلِ مِثْلِ هَذَا، أَنْ تُمِيتَ الصَّالِحَ مَعَ الشَّرِّيرِ، فَتُعَامِلَ الصَّالِحَ كَالشِّرِّيرِ. مُنَزَّهٌ أَنْتَ عَنْ هَذَا! هَلْ دَيَّانُ الْأَرْضِ كُلِّهَا لَا يَعْمَلُ بِالْعَدْلِ؟“ فَقَالَ اللهُ: ”إِنْ وَجَدْتُ 50 شَخْصًا صَالِحًا فِي سَدُومَ فَإِنِّي أَصْفَحُ عَنِ الْمَكَانِ كُلِّهِ مِنْ أَجْلِهِمْ.“ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: ”إِنِّي أَتَجَاسَرُ فَأُكَلِّمُ الْمَوْلَى، مَعَ أَنِّي مُجَرَّدُ تُرَابٍ وَرَمَادٍ. مَاذَا لَوْ نَقَصَ الْـ50 صَالِحًا 5؟ هَلْ تُهْلِكُ الْمَدِينَةَ كُلَّهَا بِسَبَبِ الْـ5؟“ فَأَجَابَهُ: ”إِنْ وَجَدْتُ 45 صَالِحًا لَا أُهْلِكُهَا.“ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: ”لِنَفْرِضْ أَنَّكَ وَجَدْتَ 40 فَقَطْ!“ فَأَجَابَهُ: ”لَا أُهْلِكُهَا مِنْ أَجْلِ الْـ40.“ فَقَالَ: ”لَا يَغْضَبِ الْمَوْلَى، بَلِ اسْمَحْ لِي أَنْ أَتَكَلَّمَ، لِنَفْرِضْ أَنَّكَ وَجَدْتَ 30 فَقَطْ!“ فَأَجَابَ: ”لَا أُهْلِكُهَا مِنْ أَجْلِ الـ30.“ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: ”إِنِّي أَتَجَاسَرُ فَأُكَلِّمُ الْمَوْلَى! لِنَفْرِضْ أَنَّكَ وَجَدْتَ 20 فَقَطْ!“ فَأَجَابَ: ”لَا أُهْلِكُهَا مِنْ أَجْلِ الْـ20.“ فَقَالَ: ”لَا يَغْضَبِ الْمَوْلَى، بَلِ اسْمَحْ لِي أَنْ أَتَكَلَّمَ هَذِهِ الْمَرَّةَ فَقَطْ. لِنَفْرِضْ أَنَّكَ وَجَدْتَ 10 فَقَطْ!“ فَأَجَابَ: ”لا أُهْلِكُهَا مِنْ أَجْلِ الْـ10.“ وَلَمَّا أَنْهَى الْمَوْلَى كَلَامَهُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ مَضَى، وَرَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى دَارِهِ. وَجَاءَ الْمَلَاكَانِ إِلَى سَدُومَ فِي الْمَسَاءِ، وَكَانَ لُوطُ جَالِسًا عِنْدَ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ. فَلَمَّا رَآهُمَا، قَامَ لِاسْتِقْبَالِهِمَا، وَسَجَدَ وَوَجْهُهُ نَحْوَ الْأَرْضِ. وَقَالَ: ”يَا سَيِّدَيَّ، أَرْجُو أَنْ تَنْزِلَا فِي بَيْتِ عَبْدِكُمَا، حَيْثُ تَغْسِلَانِ أَرْجُلَكُمَا، وَتَقْضِيَانِ اللَّيْلَةَ وَفِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ تَمْضِيَانِ فِي طَرِيقِكُمَا.“ لَكِنَّهُمَا قَالَا: ”بَلْ نَبِيتُ فِي السَّاحَةِ.“ فَأَصَرَّ لُوطُ جِدًّا حَتَّى ذَهَبَا مَعَهُ وَدَخَلَا إِلَى دَارِهِ. فَعَمِلَ لَهُمَا وَلِيمَةً وَخَبَزَ فَطِيرًا فَأَكَلَا. وَقَبْلَ أَنْ يَنَامَا، جَاءَ كُلُّ رِجَالِ سَدُومَ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ فِي الْمَدِينَةِ، مِنْ شَبَابٍ وَشُيُوخٍ، وَأَحَاطُوا بِالدَّارِ، وَنَادَوْا لُوطَ: ”أَيْنَ الرَّجُلَانِ اللَّذَانِ جَاءَا عِنْدَكَ اللَّيْلَةَ؟ أَخْرِجْهُمَا إِلَيْنَا لِكَيْ نُعَاشِرَهُمَا.“ فَخَرَجَ لُوطُ إِلَيْهِمْ، وَأَغْلَقَ الْبَابَ وَرَاءَهُ، وَقَالَ: ”لَا يَا إِخْوَتِي، لَا تَرْتَكِبُوا هَذَا الشَّرَّ. اُنْظُرُوا إِنَّ لِي بِنْتَيْنِ عَذْرَاوَيْنِ، أُخْرِجُهُمَا لَكُمْ، فَافْعَلُوا بِهِمَا مَا تَشَاءُونَ. أَمَّا هَذَانِ الرَّجُلَانِ فَلَا تَفْعَلُوا بِهِمَا شَيْئًا، لِأَنَّهُمَا الْآنَ فِي حِمَايَتِي.“ فَأَجَابُوهُ: ”اُبْعُدْ مِنْ هُنَا!“ ثُمَّ قَالُوا: ”هَذَا الشَّخْصُ جَاءَ مُهَاجِرًا بَيْنَنَا، وَهُوَ الْآنَ يَتَحَكَّمُ فِينَا. الْآنَ نَفْعَلُ بِكَ شَرًّا أَكْثَرَ مِنْهُمَا.“ وَانْدَفَعُوا إِلَى لُوطَ، وَتَقَدَّمُوا لِيَكْسِرُوا الْبَابَ. فَمَدَّ الرَّجُلَانِ أَيْدِيَهُمَا مِنْ دَاخِلِ الْبَابِ وَأَدْخَلَا لُوطَ إِلَى الدَّارِ وَأَغْلَقَا الْبَابَ. ثُمَّ ضَرَبَا الرِّجَالَ الَّذِينَ عِنْدَ الْبَابِ شَبَابًا وَشُيُوخًا بِالْعَمَى، فَلَمْ يُمْكِنْهُمْ أَنْ يَجِدُوا الْبَابَ. فَقَالَ الرَّجُلَانِ لِلُوطَ: ”هَلْ لَكَ أَقْرِبَاءُ هُنَا فِي الْمَدِينَةِ؟ أَصْهَارٌ وَأَبْنَاءٌ وَبَنَاتٌ أَوْ أَيُّ شَخْصٍ آخَرَ يَمُتُّ إِلَيْكَ بِصِلَةٍ؟ أَخْرِجْهُمْ مِنْ هُنَا، لِأَنَّنَا سَنُخْرِبُ الْمَكَانَ. فَقَدْ بَلَغَتِ اللهَ شَكْوَى مُرَّةٌ ضِدَّ أَهْلِ هَذَا الْمَكَانِ فَأَرْسَلَنَا لِنُخْرِبَهُ.“ فَرَاحَ لُوطُ إِلَى أَصْهَارِهِ أَزْوَاجِ بَنَاتِهِ وَكَلَّمَهُمْ وَقَالَ: ”تَعَالَوْا بِسُرْعَةٍ وَاخْرُجُوا مِنْ هَذَا الْمَكَانِ، لِأَنَّ اللهَ سَيُخْرِبُ الْمَدِينَةَ.“ فَظَنَّ أَصْهَارُهُ أَنَّهُ يَمْزَحُ. فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ، أَلَحَّ الْمَلَاكَانِ عَلَى لُوطَ وَقَالَا: ”أَسْرِعْ وَخُذْ زَوْجَتَكَ وَبِنْتَيْكَ اللَّتَيْنِ هُنَا، لِئَلَّا تَهْلِكَ عِنْدَمَا يَحِلُّ الْعِقَابُ عَلَى الْمَدِينَةِ.“ فَلَمَّا أَبْطَأَ لُوطُ، أَمْسَكَ الرَّجُلَانِ بِيَدِهِ وَأَيْدِي زَوْجَتِهِ وَبِنْتَيْهِ، وَأَخْرَجَاهُمْ سَالِمِينَ مِنَ الْمَدِينَةِ، لِأَنَّ اللهَ أَشْفَقَ عَلَيْهِمْ. وَبَعْدَمَا أَخْرَجَاهُمْ قَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا: ”اُهْرُبُوا وَانْجُوا، لَا تَنْظُرُوا وَرَاءَكُمْ وَلَا تَتَوَقَّفُوا فِي كُلِّ مِنْطَقَةِ السَّهْلِ. اُهْرُبُوا إِلَى الْجَبَلِ لِئَلَّا تَهْلِكُوا.“ فَقَالَ لُوطُ: ”لَا يَا سَيِّدِي. أَنْتَ رَضِيتَ عَنْ عَبْدِكَ وَعَمِلْتَ مَعِي مَعْرُوفًا عَظِيمًا فَأَنْقَذْتَ حَيَاتِي. وَأَنَا لَا أَقْدِرُ أَنْ أَهْرُبَ إِلَى الْجَبَلِ، فَقَدْ يُصِيبُنِي مَكْرُوهٌ فَأَمُوتُ. اُنْظُرْ هَذِهِ الْمَدِينَةَ، فَهِيَ قَرِيبَةٌ، وَيُمْكِنُنِي أَنْ أَهْرُبَ إِلَيْهَا وَهِيَ أَيْضًا صَغِيرَةٌ فَاسْمَحْ لِي أَنْ أَهْرُبَ إِلَى هَذَا الْمَكَانِ الصَّغِيرِ وَأَنْجُوَ بِحَيَاتِي.“ فَقَالَ لَهُ الْمَلَاكُ: ”حَسَنًا، سَأَمْنَحُكَ طَلَبَكَ فَلَا أُدَمِّرُ الْمَدِينَةَ الَّتِي ذَكَرْتَهَا. لَكِنْ عَلَيْكَ أَنْ تَهْرُبَ إِلَيْهَا بِسُرْعَةٍ لِأَنِّي لَا أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ شَيْئًا حَتَّى تَصِلَ إِلَيْهَا.“ هَذَا هُوَ السَّبَبُ أَنَّ الْمَدِينَةَ دُعِيَتْ صُوغَرَ. وَلَمَّا وَصَلَ لُوطُ إِلَى صُوغَرَ، كَانَتِ الشَّمْسُ قَدْ أَشْرَقَتْ عَلَى الْأَرْضِ. فَأَمْطَرَ اللهُ مِنْ عِنْدِهِ، مِنَ السَّمَاءِ، كِبْرِيتًا وَنَارًا عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ. وَأَهْلَكَ تِلْكَ الْمُدُنَ وَكُلَّ سُكَّانِهَا، وَالسَّهْلَ وَنَبَاتَاتِ الْأَرْضِ. وَنَظَرَتْ زَوْجَةُ لُوطَ وَرَاءَهَا، فَتَحَوَّلَتْ إِلَى عَمُودِ مِلْحٍ. وَقَامَ إِبْرَاهِيمُ فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، وَرَاحَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ أَمَامَ الْمَوْلَى. وَنَظَرَ نَحْوَ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، وَبَاقِي أَرْضِ السَّهْلِ، فَرَأَى الدُّخَانَ الْكَثِيفَ يَتَصَاعَدُ مِنْهَا مِثْلَ دُخَانِ الْكَانُونِ. فَالَّذِي حَدَثَ هُوَ أَنَّهُ لَمَّا أَخْرَبَ اللهُ مُدُنَ السَّهْلِ، اِسْتَجَابَ لِطَلَبِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَخْرَجَ لُوطَ قَبْلَ حُلُولِ الْكَارِثَةِ الَّتِي أَهْلَكَتِ الْمُدُنَ الَّتِي سَكَنَ فِيهَا. وَخَافَ لُوطُ أَنْ يُقِيمَ فِي صُوغَرَ، فَتَرَكَهَا هُوَ وَبِنْتَاهُ وَذَهَبُوا إِلَى الْجَبَلِ وَسَكَنُوا فِي كَهْفٍ. وَذَاتَ يَوْمٍ قَالَتِ الْبِنْتُ الْكُبْرَى لِأُخْتِهَا الصُّغْرَى: ”أَبُونَا عَجُوزٌ، وَلَيْسَ حَوْلَنَا هُنَا رَجُلٌ يَتَزَوَّجُنَا، كَعَادَةِ كُلِّ النَّاسِ. تَعَالَيْ نَسْقِيهِ خَمْرًا، وَنُعَاشِرُهُ فَيَكُونَ لَنَا نَسْلٌ مِنْ أَبِينَا.“ فَسَقَتَا أَبَاهُمَا خَمْرًا تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَدَخَلَتِ الْبِنْتُ الْكُبْرَى وَعَاشَرَتْهُ. لَكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ لَمَّا رَقَدَتْ مَعَهُ وَلَمَّا قَامَتْ. وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي قَالَتِ الْبِنْتُ الْكُبْرَى لِأُخْتِهَا الصُّغْرَى: ”لَيْلَةَ أَمْسِ عَاشَرْتُ أَبِي. تَعَالَيْ نَسْقِيهِ خَمْرًا اللَّيْلَةَ أَيْضًا ثُمَّ ادْخُلِي وَعَاشِرِيهِ، فَيَكُونَ لَنَا نَسْلٌ مِنْ أَبِينَا.“ فَسَقَتَا أَبَاهُمَا خَمْرًا تِلْكَ اللَّيْلَةَ أَيْضًا وَدَخَلَتِ الْبِنْتُ الصُّغْرَى وَعَاشَرَتْهُ، لَكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ لَمَّا رَقَدَتْ مَعَهُ وَلَمَّا قَامَتْ. وَبِهَذَا حَبِلَتِ الْبِنْتَانِ مِنْ أَبِيهِمَا. فَوَلَدَتِ الْكُبْرَى ابْنًا وَسَمَّتْهُ مُوآبَ، وَهُوَ أَبُو الْمُوآبِيِّينَ الْمَوْجُودِينَ فِي الْوَقْتِ الْحَالِيِّ. وَالصَّغِيرَةُ أَيْضًا وَلَدَتِ ابْنًا، وَسَمَّتْهُ بِنْ عَمِّي، وَهُوَ أَبُو بَنِي عَمُّونَ الْمَوْجُودِينَ فِي الْوَقْتِ الْحَالِيِّ. وَرَحَلَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ هُنَاكَ إِلَى مِنْطَقَةِ النَّقَبِ، وَسَكَنَ بَيْنَ قَادِشَ وَشُورَ. وَقَضَى بَعْضَ الْوَقْتِ فِي مَدِينَةِ جَرَارَ. وَهُنَاكَ قَالَ عَنْ سَارَةَ زَوْجَتِهِ إِنَّهَا أُخْتُهُ. فَأَرْسَلَ أَبِيمَلِكُ مَلِكُ جَرَارَ وَأَخَذَ سَارَةَ. لَكِنَّ اللهَ جَاءَ لِأَبِيمَلِكَ فِي حُلْمٍ فِي اللَّيْلِ وَقَالَ لَهُ: ”أَنْتَ سَتَمُوتُ بِسَبَبِ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَخَذْتَهَا، لِأَنَّهَا مُتَزَوِّجَةٌ.“ وَلَمْ يَكُنْ أَبِيمَلِكُ قَدْ مَسَّهَا، فَقَالَ: ”هَلْ تُمِيتُ أُمَّةً بَرِيئَةً؟ هُوَ قَالَ لِي إِنَّهَا أُخْتُهُ، وَهِيَ نَفْسُهَا قَالَتْ إِنَّهُ أَخُوهَا! أَنَا فَعَلْتُ هَذَا بِضَمِيرٍ سَلِيمٍ وَبِكُلِّ بَرَاءَةٍ.“ فَأَجَابَهُ اللهُ فِي الْحُلْمِ: ”نَعَمْ، أَنَا عَارِفٌ أَنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا بِضَمِيرٍ سَلِيمٍ، لِذَلِكَ مَنَعْتُكَ مِنْ أَنْ تُخْطِئَ إِلَيَّ، فَلَمْ أَدَعْكَ تَمَسُّهَا. وَالْآنَ رُدَّ لِلرَّجُلِ زَوْجَتَهُ، فَهُوَ نَبِيٌّ، فَيَبْتَهِلَ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لَا تَمُوتَ. أَمَّا إِنْ كُنْتَ لَا تَرُدُّهَا، فَعِقَابُكَ الْمَوْتُ، أَنْتَ وَكُلُّ مَنْ لَكَ.“ وَفِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ نَادَى أَبِيمَلِكُ كُلَّ حَاشِيَتِهِ، وَأَخْبَرَهُمْ بِكُلِّ مَا حَدَثَ. فَخَافُوا جِدًّا. ثُمَّ اسْتَدْعَى أَبِيمَلِكُ إِبْرَاهِيمَ وَقَالَ لَهُ: ”مَاذَا فَعَلْتَ بِنَا؟ هَلْ أَسَأْتُ إِلَيْكَ فِي شَيْءٍ حَتَّى جَلَبْتَ عَلَيَّ وَعَلَى مَمْلَكَتِي هَذَا الذَّنْبَ الْعَظِيمَ؟ أَنْتَ فَعَلْتَ بِي أُمُورًا لَا يَصِحُّ فِعْلُهَا.“ وَسَأَلَ أَبِيمَلِكُ إِبْرَاهِيمَ: ”لِمَاذَا ارْتَكَبْتَ هَذَا الْفِعْلَ؟“ فَأَجَابَهُ إِبْرَاهِيمُ: ”أَنَا قُلْتُ فِي نَفْسِي: ’النَّاسُ هُنَا لَا يَخَافُونَ اللهَ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَقْتُلُونِي لِأَنَّهَا زَوْجَتِي.‘ وَفِي الْحَقِيقَةِ هِيَ أُخْتِي بِنْتُ أَبِي، لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِنْتَ أُمِّي فَتَزَوَّجْتُهَا. فَلَمَّا أَمَرَنِي اللهُ بِأَنْ أَتْرُكَ بَيْتَ أَبِي لِأَكُونَ غَرِيبًا هُنَا وَهُنَاكَ، قُلْتُ لَهَا: ’اِعْمَلِي مَعِي هَذَا الْمَعْرُوفَ، حَيْثُمَا نَذْهَبُ قُولِي إِنِّي أَخُوكِ.‘“ فَأَحْضَرَ أَبِيمَلِكُ غَنَمًا وَبَقَرًا وَعَبِيدًا وَجَوَارِيَ وَأَعْطَاهَا لِإِبْرَاهِيمَ. وَرَدَّ لَهُ سَارَةَ زَوْجَتَهُ. وَقَالَ أَبِيمَلِكُ: ”بَلَدِي قُدَّامَكَ، اُسْكُنْ حَيْثُ تَشَاءُ.“ ثُمَّ قَالَ لِسَارَةَ: ”أَنَا أَعْطَيْتُ أَخَاكِ 1000 عُمْلَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ، تَعْوِيضًا لَكِ عَمَّا أَصَابَكِ أَمَامَ الْجَمِيعِ. فَأَنْتِ بَرِيئَةٌ.“ فَدَعَا إِبْرَاهِيمُ اللهَ، فَشَفَى أَبِيمَلِكَ وَزَوْجَتَهُ وَجَوَارِيَهُ فَوَلَدْنَ. لِأَنَّ اللهَ كَانَ قَدْ أَصَابَ كُلَّ نِسَاءِ بَيْتِ أَبِيمَلِكَ بِالْعُقْمِ، بِسَبَبِ سَارَةَ زَوْجَةِ إِبْرَاهِيمَ. وَأَنْعَمَ اللهُ عَلَى سَارَةَ كَمَا قَالَ، وَحَقَّقَ وَعْدَهُ لَهَا. فَحَبِلَتْ سَارَةُ وَوَلَدَتِ ابْنًا لِإِبْرَاهِيمَ وَهُوَ كَبِيرُ السِّنِّ. وَتَمَّ هَذَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللهُ. فَسَمَّى إِبْرَاهِيمُ ابْنَهُ الَّذِي وَلَدَتْهُ لَهُ سَارَةُ إِسْحَاقَ. وَخَتَنَهُ إِبْرَاهِيمُ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ. وَكَانَ عُمْرُ إِبْرَاهِيمَ 100 سَنَةٍ لَمَّا وُلِدَ لَهُ إِسْحَاقُ. وَقَالَتْ سَارَةُ: ”الْمَوْلَى جَعَلَنِي أَضْحَكُ. وَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ عَنْ هَذَا يَضْحَكُ مَعِي.“ وَقَالَتْ أَيْضًا: ”مَنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ لِإِبْرَاهِيمَ إِنَّ سَارَةَ سَتُرْضِعُ بَنِينَ؟ وَمَعَ ذَلِكَ وَلَدْتُ لَهُ ابْنًا وَهُوَ كَبِيرُ السِّنِّ.“ وَكَبِرَ الْوَلَدُ وَفَطَمُوهُ. وَعَمِلَ إِبْرَاهِيمُ فِي يَوْمِ فِطَامِهِ وَلِيمَةً عَظِيمَةً. وَرَأَتْ سَارَةُ أَنَّ ابْنَ هَاجِرَ الْمِصْرِيَّةِ الَّذِي وَلَدَتْهُ لِإِبْرَاهِيمَ يَسْخَرُ مِنِ ابْنِهَا إِسْحَاقَ، فَقَالَتْ لِإِبْرَاهِيمَ: ”اُطْرُدْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا، لِأَنَّ ابْنَ الْجَارِيَةِ لَنْ يَرِثَ مَعَ ابْنِي إِسْحَاقَ.“ فَانْزَعَجَ إِبْرَاهِيمُ جِدًّا مِنْ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ أَجْلِ ابْنِهِ إِسْمَاعِيلَ. فَقَالَ لَهُ اللهُ: ”لَا تَنْزَعِجْ بِشَأْنِ الْوَلَدِ وَبِشَأْنِ جَارِيَتِكَ. اِعْمَلْ كَمَا تَقُولُ سَارَةُ، لِأَنَّهُ عَنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ يَكُونُ نَسْلُكَ. وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضًا سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لِأَنَّهُ ابْنُكَ.“ وَفِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ أَخَذَ إِبْرَاهِيمُ خُبْزًا وَقِرْبَةَ مَاءٍ وَأَعْطَاهُمَا لِهَاجِرَ، وَوَضَعَهُمَا عَلَى كَتِفِهَا وَصَرَفَهَا هِيَ وَالْوَلَدَ. فَذَهَبَتْ وَتَاهَتْ فِي بَرِّيَّةِ بِئْرَ سَبْعَ. وَعِنْدَمَا فَرَغَ الْمَاءُ مِنَ الْقِرْبَةِ، تَرَكَتِ الْوَلَدَ تَحْتَ شَجَرَةٍ، وَرَاحَتْ وَجَلَسَتْ مُقَابِلَهُ عَلَى بُعْدِ حَوَالَيْ 100 مِتْرٍ، لِأَنَّهَا قَالَتْ فِي نَفْسِهَا: ”لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُرَاقِبَ الْوَلَدَ وَهُوَ يَمُوتُ.“ وَجَلَسَتْ مُقَابِلَهُ وَأَخَذَتْ تَبْكِي بِحُرْقَةٍ. وَسَمِعَ اللهُ بُكَاءَ الْوَلَدِ، فَنَادَى هَاجِرَ مَلَاكُ اللهِ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ لَهَا: ”مَا لَكِ يَا هَاجِرُ؟ لَا تَخَافِي، لِأَنَّ اللهَ سَمِعَ بُكَاءَ الْوَلَدِ هُنَاكَ. قُومِي وَخُذِي الْوَلَدَ، وَشِدِّي بِيَدِهِ، لِأَنِّي سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً عَظِيمَةً.“ ثُمَّ فَتَحَ اللهُ عَيْنَيْهَا، فَرَأَتْ بِئْرَ مَاءٍ، فَذَهَبَتْ وَمَلَأَتِ الْقِرْبَةَ وَسَقَتِ الْوَلَدَ. وَكَانَ اللهُ مَعَ الْوَلَدِ وَهُوَ يَكْبَرُ، وَسَكَنَ فِي صَحْرَاءِ فَارَانَ وَتَعَلَّمَ رَمْيَ الْقَوْسِ. وَأَخَذَتْ لَهُ أُمُّهُ زَوْجَةً مِنْ مِصْرَ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَالَ أَبِيمَلِكُ وَفِيكُولُ قَائِدُ جَيْشِهِ لِإِبْرَاهِيمَ: ”اللهُ مَعَكَ فِي كُلِّ مَا تَعْمَلُ. فَاحْلِفْ لِي بِاللهِ هُنَا وَالْآنَ أَنَّكَ لَا تَغْدُرُ بِي وَلَا بِأَوْلَادِي وَذُرِّيَّتِي، بَلْ تَعْمَلُ مَعِي مَعْرُوفًا وَمَعَ الْبَلَدِ الَّتِي أَضَافَتْكَ، كَالْمَعْرُوفِ الَّذِي صَنَعْتُهُ مَعَكَ.“ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: ”أَحْلِفُ لَكَ.“ وَكَانَ عَبِيدُ أَبِيمَلِكَ قَدِ اغْتَصَبُوا بِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ، فَعَاتَبَ إِبْرَاهِيمُ أَبِيمَلِكَ. فَقَالَ أَبِيمَلِكُ: ”أَنَا لَا أَعْلَمُ مَنِ ارْتَكَبَ هَذَا. أَنْتَ لَمْ تُخْبِرْنِي، وَلَمْ أَسْمَعْ إِلَّا الْآنَ.“ فَأَعْطَى إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيمَلِكَ غَنَمًا وَبَقَرًا وَعَقَدَا مُعَاهَدَةً مَعًا. وَفَرَزَ إِبْرَاهِيمُ 7 نِعَاجٍ مِنَ الْغَنَمِ وَحْدَهَا. فَقَالَ لَهُ أَبِيمَلِكُ: ”لِمَاذَا فَرَزْتَ هَذِهِ النِّعَاجَ الـ7 وَحْدَهَا؟“ أَجَابَ: ”اِقْبَلْ مِنِّي هَذِهِ النِّعَاجَ الـ7 كَشَهَادَةٍ لِي أَنِّي حَفَرْتُ هَذِهِ الْبِئْرَ.“ لِهَذَا دُعِيَ ذَلِكَ الْمَكَانُ بِئْرَ سَبْعَ لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَأَبِيمَلِكَ حَلَفَا كِلَاهُمَا هُنَاكَ. وَبَعْدَمَا عَقَدَا الْمُعَاهَدَةَ فِي بِئْرَ سَبْعَ، رَجَعَ أَبِيمَلِكُ وَفِيكُولُ قَائِدُ جَيْشِهِ إِلَى بِلَادِ الْفِلِسْطِيِّينَ. وَغَرَسَ إِبْرَاهِيمُ شَجَرَةَ أَثَلَةٍ فِي بِئْرَ سَبْعَ، وَدَعَا هُنَاكَ بِاسْمِ اللهِ الْأَزَلِيِّ. وَسَكَنَ إِبْرَاهِيمُ كَغَرِيبٍ فِي بِلَادِ الْفِلِسْطِيِّينَ فَتْرَةً طَوِيلَةً. وَبَعْدَ فَتْرَةٍ مِنَ الْوَقْتِ، اِخْتَبَرَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ فَنَادَاهُ: ”يَا إِبْرَاهِيمُ.“ أَجَابَهُ: ”لَبَّيْكَ!“ فَقَالَ لَهُ: ”خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، إِسْحَاقَ الَّذِي تُحِبُّهُ، وَاذْهَبْ إِلَى مِنْطَقَةِ الْمُرَيَّا، وَقَدِّمْهُ ضَحِيَّةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ عَنْهُ.“ فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ وَأَسْرَجَ حِمَارَهُ، وَأَخَذَ اثْنَيْنِ مِنْ خُدَّامِهِ وَابْنَهُ إِسْحَاقَ. وَبَعْدَمَا قَطَعَ حَطَبًا لِإِحْرَاقِ الضَّحِيَّةِ، ذَهَبَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي قَالَ لَهُ اللهُ عَنْهُ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، تَطَلَّعَ إِبْرَاهِيمُ فَرَأَى الْمَكَانَ مِنْ بَعِيدٍ. فَقَالَ لِخَادِمَيْهِ: ”اِنْتَظِرَا هُنَا مَعَ الْحِمَارِ، بَيْنَمَا أَذْهَبُ أَنَا وَالْوَلَدُ إِلَى هُنَاكَ لِنَعْبُدَ اللهَ ثُمَّ نَرْجِعُ إِلَيْكُمَا.“ وَأَخَذَ إِبْرَاهِيمُ الْحَطَبَ لِلضَّحِيَّةِ وَوَضَعَهُ عَلَى كَتِفِ ابْنِهِ إِسْحَاقَ، أَمَّا هُوَ فَحَمَلَ النَّارَ وَالسِّكِّينَ. وَبَيْنَمَا هُمَا ذَاهِبَانِ مَعًا، تَكَلَّمَ إِسْحَاقُ وَقَالَ لِأَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ: ”يَا أَبِي!“ فَأَجَابَهُ إِبْرَاهِيمُ: ”نَعَمْ يَا ابْنِي!“ قَالَ إِسْحَاقُ: ”مَعَنَا النَّارُ وَالْحَطَبُ، وَلَكِنْ أَيْنَ الْحَمَلُ لِلضَّحِيَّةِ؟“ أَجَابَهُ إِبْرَاهِيمُ: ”اللهُ يُدَبِّرُ لِنَفْسِهِ الْحَمَلَ لِلضَّحِيَّةِ يَا ابْنِي.“ وَتَابَعَ الِاثْنَانِ سَيْرَهُمَا مَعًا. وَلَمَّا وَصَلَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي قَالَ لَهُ اللهُ عَنْهُ، بَنَى إِبْرَاهِيمُ هُنَاكَ مَنَصَّةً لِتَقْدِيمِ الضَّحِيَّةِ، وَرَتَّبَ الْحَطَبَ ثُمَّ رَبَطَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى الْمَنَصَّةِ فَوْقَ الْحَطَبِ. وَمَدَّ إِبْرَاهِيمُ يَدَهُ وَأَخَذَ السِّكِّينَ لِيَذْبَحَ ابْنَهُ. فَنَادَاهُ مَلَاكُ اللهِ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ: ”إِبْرَاهِيمُ! إِبْرَاهِيمُ!“ فَأَجَابَ: ”لَبَّيْكَ!“ فَقَالَ: ”لَا تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى الْوَلَدِ، وَلَا تَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا! الْآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَتَّقِي اللهَ، فَلَمْ تَمْنَعِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي.“ وَنَظَرَ إِبْرَاهِيمُ فَرَأَى كَبْشًا اشْتَبَكَ بِقَرْنَيْهِ فِي شَجَرِ الْغَابَةِ. فَذَهَبَ وَأَخَذَهُ وَقَدَّمَهُ ضَحِيَّةً بَدَلَ ابْنِهِ. فَدَعَا إِبْرَاهِيمُ اسْمَ ذَاكَ الْمَكَانِ: 'اللهُ يُدَبِّرُ.' وَحَتَّى الْيَوْمِ يُوجَدُ مَثَلٌ يَقُولُ: ”فِي جَبَلِ اللهِ، هُوَ يُدَبِّرُ.“ وَنَادَى الْمَلَاكُ إِبْرَاهِيمَ مِنَ السَّمَاءِ مَرَّةً ثَانِيَةً. وَقَالَ: ”قَالَ اللهُ: ’أُقْسِمُ بِذَاتِي لِأَنَّكَ عَمِلْتَ هَذَا، وَلَمْ تَمْنَعِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي، سَأُبَارِكُكَ وَأَجْعَلُ نَسْلَكَ كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَكَرَمْلِ الْبَحْرِ فِي الْكَثْرَةِ، وَيَمْلِكُ نَسْلُكَ مُدُنَ أَعْدَائِهِمْ، وَبِوَاسِطَةِ نَسْلِكَ أُبَارِكُ كُلَّ شُعُوبِ الْأَرْضِ، لِأَنَّكَ أَطَعْتَنِي.‘“ ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى خَادِمَيْهِ، وَعَادُوا كُلُّهُمْ إِلَى بِئْرَ سَبْعَ، حَيْثُ سَكَنَ إِبْرَاهِيمُ. وَبَعْدَ هَذَا وَصَلَتِ الْأَخْبَارُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ أَنَّ مِلْكَةَ أَيْضًا وَلَدَتْ بَنِينَ لِأَخِيهِ نَاحُورَ. الْبِكْرُ هُوَ عُوصُ، وَأَخُوهُ بُوزُ، ثُمَّ قَمُوئِيلُ وَهُوَ أَبُو آرَامَ، وَكَاسَدُ وَحَزُو وَفِلْدَاشُ وَيَدْلَافُ وَبَتُوئِيلُ. وَأَنْجَبَ بَتُوئِيلُ رِفْقَةَ. فَهَؤُلَاءِ الـ8 وَلَدَتْهُمْ مِلْكَةُ لِنَاحُورَ أَخِي إِبْرَاهِيمَ. وكَانَ لِنَاحُورَ جَارِيَةٌ اسْمُهَا رَؤُومَةُ وَلَدَتْ لَهُ أَيْضًا بَنِينَ: طَابَحَ وَجَاحَمَ وَتَاحَشَ وَمَعْكَةَ. وَعَاشَتْ سَارَةُ 127 سَنَةً. وَمَاتَتْ فِي قَرْيَةِ أَرْبَعَ، أَيْ حَبْرُونَ فِي بِلَادِ كَنْعَانَ. وَدَخَلَ إِبْرَاهِيمُ لِيَنُوحَ وَيَبْكِيَ عَلَى سَارَةَ. ثُمَّ قَامَ مِنْ عِنْدِ زَوْجَتِهِ الْمَيِّتَةِ، وَذَهَبَ لِيُكَلِّمَ الْحِثِّيِّينَ فَقَالَ: ”أَنَا غَرِيبٌ وَضَيْفٌ عِنْدَكُمْ، اِسْمَحُوا لِي أَنْ أَمْتَلِكَ بَيْنَكُم قَبْرًا لِأَدْفِنَ زَوْجَتِيَ الَّتِي مَاتَتْ.“ فَأَجَابَهُ الْحِثِّيُّونَ: ”اِسْمَعْ يَا سَيِّدُ، الْمَوْلَى جَعَلَكَ زَعِيمًا بَيْنَنَا، اِدْفِنْ زَوْجَتَكَ فِي أَحْسَنِ قُبُورِنَا. لَا يَمْنَعُ أَحَدٌ مِنَّا قَبْرَهُ عَنْكَ لِتَدْفِنَ زَوْجَتَكَ.“ فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ وَانْحَنَى أَمَامَ الْحِثِّيِّينَ أَهْلِ الْبِلَادِ، وَقَالَ لَهُمْ: ”إِنْ رَضِيتُمْ أَنْ أَدْفِنَ زَوْجَتِيَ الَّتِي مَاتَتْ فَاسْمَعُوا لِي وَالْتَمِسُوا لِي مِنْ عَفْرُونَ بْنِ صُوحَرَ. لِكَيْ يَبِيعَنِي مَغَارَةَ الْمَكْفِيلَةِ الَّتِي يَمْلِكُهَا، وَهِيَ فِي طَرَفِ أَرْضِهِ. يَبِيعُهَا لِي بِثَمَنٍ كَامِلٍ، فَتَكُونُ مَدْفَنًا لِي فِي وَسَطِكُمْ.“ وَكَانَ عَفْرُونُ جَالِسًا مَعَ بَاقِي الْحِثِّيِّينَ، فَقَالَ لِإِبْرَاهِيمَ بِمَسْمَعٍ مِنْ كُلِّ الْحِثِّيِّينَ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا عِنْدَ بَابِ الْمَدِينَةِ: ”لَا يَا سَيِّدِي، بَلِ اسْمَعْ لِي، فَإِنِّي أُعْطِيكَ الْحَقْلَ وَالْمَغَارَةَ الَّتِي فِيهِ هَدِيَّةً مِنِّي، وَذَلِكَ عَلَى مَشْهَدٍ مِنْ بَنِي شَعْبِي. فَادْفِنْ زَوْجَتَكَ.“ فَانْحَنَى إِبْرَاهِيمُ أَمَامَ أَهْلِ الْبِلَادِ مَرَّةً أُخْرَى، وَقَالَ لِعَفْرُونَ بِمَسْمَعٍ مِنْهُمْ: ”مِنْ فَضْلِكَ اسْمَعْ لِي، أَنَا أَدْفَعُ ثَمَنَ الْحَقْلِ، فَاقْبَلْ مِنِّي لِكَيْ أَدْفِنَ زَوْجَتِي هُنَاكَ.“ فَأَجَابَهُ عَفْرُونُ وَقَالَ: ”اِسْمَعْ لِي يَا سَيِّدِي، الْأَرْضُ تُسَاوِي 5 كِيلُوجْرَامَاتٍ مِنَ الْفِضِّةِ، مَبْلَغًا لَا قِيمَةَ لَهُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، اِدْفِنْ زَوْجَتَكَ.“ فَقَبِلَ إِبْرَاهِيمُ عَرْضَ عَفْرُونَ، وَوَزَنَ لَهُ الْفِضَّةَ الَّتِي ذَكَرَهَا بِمَسْمَعٍ مِنَ الْحِثِّيِّينَ 5 كِيلُوجْرَامَاتٍ، حَسَبَ الْوَزْنِ الْمُتَعَارَفِ عَلَيْهِ بَيْنَ التُّجَّارِ. فَأَصْبَحَ حَقْلُ عَفْرُونَ الَّذِي فِي الْمَكْفِيلَةِ بِالْقُرْبِ مِنْ مَمْرَا، وَالْمَغَارَةُ الَّتِي فِيهِ، وَكُلُّ الشَّجَرِ الْمَوْجُودِ فِي حُدُودِ الْحَقْلِ، مِلْكًا لِإِبْرَاهِيمَ، وَذَلِكَ عَلَى مَشْهَدٍ مِنْ كُلِّ الْحِثِّيِّينَ، الَّذِينَ اجْتَمَعُوا عِنْدَ بَابِ الْمَدِينَةِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ دَفَنَ إِبْرَاهِيمُ زَوْجَتَهُ سَارَةَ فِي مَغَارَةِ الْمَكْفِيلَةِ، بِالْقُرْبِ مِنْ مَمْرَا الَّتِي هِيَ حَبْرُونُ فِي بِلَادِ كَنْعَانَ. فَامْتَلَكَ إِبْرَاهِيمُ مِنَ الْحِثِّيِّينَ الْحَقْلَ وَالْمَغَارَةَ الَّتِي فِيهِ لِيَكُونَا مَدْفَنًا لَهُ. وَشَاخَ إِبْرَاهِيمُ وَتَقَدَّمَ بِهِ الْعُمْرُ، وَبَارَكَهُ اللهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِرَئِيسِ خُدَّامِهِ، وَهُوَ الْوَكِيلُ عَلَى كُلِّ أَمْلَاكِهِ: ”اِحْلِفْ لِي قَسَمًا بِاللهِ رَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَنْ لَا تَأْخُذَ لِابْنِي زَوْجَةً مِنْ بَنَاتِ الْكَنْعَانِيِّينَ الَّذِينَ أَنَا سَاكِنٌ بَيْنَهُمْ. بَلْ تَذْهَبَ إِلَى بَلَدِي وَإِلَى أَقَارِبِي، وَتَأْخُذَ زَوْجَةً لِابْنِي إِسْحَاقَ.“ فَقَالَ لَهُ الْخَادِمُ: ”رُبَّمَا لَا تَشَاءُ الْمَرْأَةُ أَنْ تَأْتِيَ مَعِي إِلَى هَذِهِ الْبِلَادِ. هَلْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَرْجِعُ بِابْنِكَ إِلَى الْبَلَدِ الَّتِي خَرَجْتَ مِنْهَا؟“ فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: ”إِيَّاكَ أَنْ تَرْجِعَ بِابْنِي إِلَى هُنَاكَ. اللهُ رَبُّ السَّمَاءِ الَّذِي أَخَذَنِي مِنْ دَارِ أَبِي وَمِنْ وَطَنِي، وَكَلَّمَنِي وَحَلَفَ لِي وَقَالَ: ’سَأُعْطِي هَذِهِ الْبِلَادَ لِنَسْلِكَ‘ هُوَ يُرْسِلُ مَلَاكَهُ قُدَّامَكَ لِتَأْخُذَ زَوْجَةً لِابْنِي مِنْ هُنَاكَ. فَإِنْ رَفَضَتِ الْمَرْأَةُ أَنْ تَأْتِيَ مَعَكَ، تَكُونُ أَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ قَسَمِي هَذَا، لَكِنْ لَا تَرْجِعْ بِابْنِي إِلَى هُنَاكَ.“ فَحَلَفَ الْخَادِمُ يَمِينًا لِإِبْرَاهِيمَ سَيِّدِهِ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ. ثُمَّ أَخَذَ الْخَادِمُ 10 مِنْ جِمَالِ سَيِّدِهِ، وَأَخَذَ أَيْضًا مَعَهُ مِنْ جَمِيعِ خَيْرَاتِ سَيِّدِهِ، وَسَافَرَ إِلَى آرَامَ النَّهْرَيْنِ إِلَى الْمَدِينَةِ الَّتِي فِيهَا نَاحُورُ. وَأَنَاخَ الْجِمَالَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ عِنْدَ بِئْرِ الْمَاءِ. وَكَانَ الْمَسَاءُ قَدِ اقْتَرَبَ، وَحَانَ وَقْتُ خُرُوجِ النِّسَاءِ لِيَأْخُذْنَ الْمَاءَ. وَقَالَ: ”اللَّهُمَّ يَا رَبَّ سَيِّدِي إِبْرَاهِيمَ، يَسِّرْ لِي أَمْرِيَ الْيَوْمَ، وَاعْمَلْ مَعْرُوفًا مَعَ سَيِّدِي إِبْرَاهِيمَ. أَنَا وَاقِفٌ عِنْدَ عَيْنِ الْمَاءِ، وَبَنَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَخْرُجْنَ لِيَأْخُذْنَ الْمَاءَ. فَالْفَتَاةُ الَّتِي أَقُولُ لَهَا: ’أَمِيلِي جَرَّتَكِ لِأَشْرَبَ.‘ فَتَقُولُ: ’اِشْرَبْ، وَأَنَا أَسْقِي جِمَالَكَ أَيْضًا‘ تَكُونُ هِيَ الَّتِي اخْتَرْتَهَا لِعَبْدِكَ إِسْحَاقَ. وَبِهَذَا أَعْرِفُ أَنَّكَ عَمِلْتَ مَعْرُوفًا مَعَ سَيِّدِي.“ وَقَبْلَ أَنْ يَنْتَهِيَ مِنْ هَذَا الدُّعَاءِ، جَاءَتْ رِفْقَةُ بِنْتُ بَتُوئِيلَ ابْنِ مِلْكَةَ زَوْجَةِ نَاحُورَ أَخِي إِبْرَاهِيمَ، وَجَرَّتُهَا عَلَى كَتِفِهَا. وَكَانَتْ فَتَاةً جَمِيلَةً جِدًّا، وَعَذْرَاءَ لَمْ يَمَسَّهَا رَجُلٌ. فَنَزَلَتْ إِلَى الْعَيْنِ وَمَلَأَتْ جَرَّتَهَا وَطَلَعَتْ. فَأَسْرَعَ خَادِمُ إِبْرَاهِيمَ لِيُقَابِلَهَا، وَقَالَ: ”اِسْقِينِي قَلِيلَ مَاءٍ مِنْ جَرَّتِكِ.“ فَقَالَتْ: ”اِشْرَبْ يَا سَيِّدِي.“ وَأَنْزَلَتْ جَرَّتَهَا بِسُرْعَةٍ عَلَى يَدَيْهَا وَسَقَتْهُ. وَبَعْدَمَا شَرِبَ، قَالَتْ: ”سَأُحْضِرُ مَاءً لِجِمَالِكَ أَيْضًا حَتَّى تَرْتَوِيَ.“ وَأَفْرَغَتْ جَرَّتَهَا بِسُرْعَةٍ فِي حَوْضِ الْمَاءِ وَجَرَتْ إِلَى الْبِئْرِ وَأَخَذَتْ تُحْضِرُ الْمَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ كُلُّ جِمَالِهِ. وَظَلَّ الرَّجُلُ يُرَاقِبُهَا وَهُوَ صَامِتٌ، لِيَعْلَمَ إِنْ كَانَ اللهُ قَدْ وَفَّقَهُ فِي مُهِمَّتِهِ أَمْ لَا. فَلَمَّا شَرِبَتِ الْجِمَالُ، أَخْرَجَ الرَّجُلُ خِزَامَةً مِنَ الذَّهَبِ وَزْنُهَا حَوَالَيْ 6 جِرَامَاتٍ، وَسِوَارَيْنِ مِنَ الذَّهَبِ وَزْنُهُمَا حَوَالَيْ 120 جِرَامًا، وَسَأَلَهَا: ”بِنْتُ مَنْ أَنْتِ؟ أَخْبِرِينِي، هَلْ فِي دَارِ أَبِيكِ مَكَانٌ نَبِيتُ فِيهِ؟“ فَأَجَابَتْهُ: ”أَنَا بِنْتُ بَتُوئِيلَ ابْنِ مِلْكَةَ وَنَاحُورَ.“ ثُمَّ قَالَتْ: ”عِنْدَنَا تِبْنٌ وَعَلَفٌ كَثِيرٌ، وَمَكَانٌ لِتَبِيتُوا أَيْضًا.“ فَرَكَعَ الرَّجُلُ وَسَجَدَ للهِ. وَقَالَ: ”تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ سَيِّدِي إِبْرَاهِيمَ الَّذِي لَمْ يَمْنَعْ مَعْرُوفَهُ وَوَفَاءَهُ عَنْ سَيِّدِي. الْمَوْلَى هَدَانِي فِي الطَّرِيقِ إِلَى دَارِ إِخْوَةِ سَيِّدِي.“ وَجَرَتِ الْفَتَاةُ إِلَى دَارِ أُمِّهَا وَأَخْبَرَتْ بِهَذِهِ الْأُمُورِ. وَكَانَ لِرِفْقَةَ أَخٌ اسْمُهُ لَابَانُ، فَخَرَجَ لَابَانُ إِلَى الرَّجُلِ عِنْدَ الْعَيْنِ. لِأَنَّهُ رَأَى الْخِزَامَةَ، وَالسِّوَارَيْنِ عَلَى يَدَيْ أُخْتِهِ، وَسَمِعَ حَدِيثَ رِفْقَةَ عَنْ كَلَامِ الرَّجُلِ مَعَهَا. فَوَجَدَهُ وَاقِفًا عِنْدَ الْجِمَالِ بِالْقُرْبِ مِنَ الْعَيْنِ. فَقَالَ: ”تَفَضَّلْ يَا مَنْ بَارَكَهُ اللهُ، لِمَاذَا تَقِفُ خَارِجًا؟ إِنِّي أَعْدَدْتُ الدَّارَ وَمَكَانًا لِلْجِمَالِ.“ فَذَهَبَ الرَّجُلُ إِلَى الدَّارِ، وَأَنْزَلُوا الْأَحْمَالَ عَنِ الْجِمَالِ. ثُمَّ قَدَّمُوا لِلْجِمَالِ تِبْنًا وَعَلَفًا، وَأَحْضَرُوا مَاءً لَهُ وَلِلرِّجَالِ الَّذِينَ مَعَهُ لِيَغْسِلُوا أَرْجُلَهُمْ. ثُمَّ وَضَعُوا قُدَّامَهُ طَعَامًا لِيَأْكُلَ لَكِنَّهُ قَالَ: ”لَا آكُلُ حَتَّى أُخْبِرَكُمْ بِالْكَلَامِ الَّذِي عِنْدِي.“ فَقَالَ لَابَانُ: ”تَكَلَّمْ.“ فَقَالَ: ”أَنَا خَادِمُ إِبْرَاهِيمَ. وَالْمَوْلَى بَارَكَ سَيِّدِي جِدًّا فَصَارَ عَظِيمًا، فَإِنَّهُ أَعْطَاهُ غَنَمًا وَبَقَرًا وَفِضَّةً وَذَهَبًا وَعَبِيدًا وَجَوَارِيَ وَجِمَالًا وَحَمِيرًا. وَوَلَدَتْ سَارَةُ زَوْجَةُ سَيِّدِي ابْنًا لِسَيِّدِي بَعْدَمَا شَاخَتْ. وَأَعْطَاهُ أَبُوهُ كُلَّ مَا يَمْلِكُ. ثُمَّ حَلَّفَنِي سَيِّدِي وَقَالَ: ’لَا تَأْخُذْ زَوْجَةً لِابْنِي مِنْ بَنَاتِ الْكَنْعَانِيِّينَ الَّذِينَ أَنَا سَاكِنٌ فِي بِلَادِهِمْ. بَلِ اذْهَبْ إِلَى أَهْلِ أَبِي وَإِلَى عَائِلَتِي، وَخُذْ زَوْجَةً لِابْنِي.‘ فَقُلْتُ لِسَيِّدِي: ’رُبَّمَا لَا تَأْتِي الْمَرْأَةُ مَعِي!‘ فَقَالَ: ’الْمَوْلَى الَّذِي سِرْتُ فِي مَحْضَرِهِ، يُرْسِلُ مَلَاكَهُ وَيُوَفِّقُكَ فِي مُهِمَّتِكَ، لِتَأْخُذَ زَوْجَةً لِابْنِي مِنْ عَائِلَتِي وَمِنْ أَهْلِ أَبِي. فَإِنْ ذَهَبْتَ إِلَى عَائِلَتِي، وَرَفَضُوا أَنْ يُعْطُوكَ، تَكُونُ فِي حِلٍّ مِنْ قَسَمِي.‘ فَلَمَّا وَصَلْتُ الْيَوْمَ إِلَى الْعَيْنِ وَقُلْتُ: ’اللَّهُمَّ يَا رَبَّ سَيِّدِي إِبْرَاهِيمَ. أَرْجُوكَ أَنْ تُوَفِّقَنِي فِي الْمُهِمَّةِ الَّتِي جِئْتُ مِنْ أَجْلِهَا. أَنَا وَاقِفٌ عِنْدَ عَيْنِ الْمَاءِ، فَإِنْ جَاءَتْ فَتَاةٌ لِتَأْخُذَ الْمَاءَ وَقُلْتُ لَهَا: ”اِسْقِينِي قَلِيلَ مَاءٍ مِنْ جَرَّتِكِ.“ فَتَقُولُ لِي: ”اِشْرَبْ وَأَنَا أُحْضِرُ مَاءً لِجِمَالِكَ أَيْضًا“ فَهِيَ الَّتِي اخْتَارَهَا اللهُ لِابْنِ سَيِّدِي.‘ وَقَبْلَ أَنْ أَنْتَهِيَ مِنْ هَذَا الدُّعَاءِ فِي قَلْبِي، جَاءَتْ رِفْقَةُ وَجَرَّتُهَا عَلَى كَتِفِهَا، وَنَزَلَتْ إِلَى الْعَيْنِ وَمَلَأَتِ الْجَرَّةَ. فَقُلْتُ لَهَا: ’اِسْقِينِي.‘ فَأَنْزَلَتْ جَرَّتَهَا بِسُرْعَةٍ عَنْ كَتِفِهَا، وَقَالَتْ: ’اِشْرَبْ، وَأَنَا أَسْقِي جِمَالَكَ أَيْضًا.‘ فَشَرِبْتُ وَسَقَتْ هِيَ الْجِمَالَ أَيْضًا. فَسَأَلْتُهَا: ’بِنْتُ مَنْ أَنْتِ؟‘ فَقَالَتْ: ’بِنْتُ بَتُوئِيلَ ابْنِ مِلْكَةَ وَنَاحُورَ.‘ فَوَضَعْتُ الْخِزَامَةَ فِي أَنْفِهَا وَالسِّوَارَيْنِ عَلَى يَدَيْهَا. ثُمَّ رَكَعْتُ وَسَجَدْتُ للهِ، وَبَارَكْتُ اللهَ رَبَّ سَيِّدِي إِبْرَاهِيمَ الَّذِي هَدَانِي فِي الطَّرِيقِ السَّوِيِّ لِآخُذَ حَفِيدَةَ أَخِي سَيِّدِي لِابْنِهِ. فَالْآنَ أَخْبِرُونِي إِنْ كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ مَعْرُوفًا مَعَ سَيِّدِي إِبْرَاهِيمَ وَتُظْهِرُونَ لَهُ الْوَفَاءَ. وَإِنْ كَانَ لَا، فَأَخْبِرُونِي لِأَذْهَبَ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ.“ فَأَجَابَ لَابَانُ وَبَتُوئِيلُ: ”هَذَا الْأَمْرُ هُوَ مِنَ اللهِ، وَنَحْنُ لَا نَقْدِرُ أَنْ نَقُولَ نَعَمْ أَوْ لَا. هَذِهِ رِفْقَةُ قُدَّامَكَ، خُذْهَا وَاذْهَبْ لِتَكُونَ زَوْجَةً لِابْنِ سَيِّدِكَ كَمَا أَمَرَ اللهُ.“ فَلَمَّا سَمِعَ خَادِمُ إِبْرَاهِيمَ كَلَامَهُمْ سَجَدَ للهِ إِلَى الْأَرْضِ. ثُمَّ أَخْرَجَ جَوَاهِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَثِيَابًا وَأَعْطَاهَا لِرِفْقَةَ، وَأَعْطَى أَخَاهَا وَأُمَّهَا أَيْضًا هَدَايَا ثَمِينَةً وَأَكَلَ وَشَرِبَ هُوَ وَالرِّجَالُ الَّذِينَ مَعَهُ وَقَضَوْا لَيْلَتَهُمْ هُنَاكَ. فَلَمَّا قَامُوا فِي الصَّبَاحِ قَالَ: ”اِسْمَحُوا لِي بِأَنْ أَرْجِعَ إِلَى سَيِّدِي.“ أَجَابَهُ أَخُوهَا وَأُمُّهَا: ”خَلِّ الْفَتَاةَ تَنْتَظِرُ مَعَنَا وَلَوْ 10 أَيَّامٍ، ثُمَّ تَذْهَبُ.“ فَقَالَ لَهُمْ: ”لَا تُؤَخِّرُونِي وَالْمَوْلَى وَفَّقَنِي فِي مُهِمَّتِي. اِسْمَحُوا لِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَى سَيِّدِي.“ فَقَالُوا: ”نَدْعُو الْفَتَاةَ وَنَسْأَلُهَا عَنْ رَأْيِهَا.“ فَدَعَوْا رِفْقَةَ وَسَأَلُوهَا: ”هَلْ تَذْهَبِينَ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ؟“ فَقَالَتْ: ”أَذْهَبُ.“ فَأَرْسَلُوا رِفْقَةَ أُخْتَهُمْ وَمُرَبِّيَتَهَا وَخَادِمَ إِبْرَاهِيمَ وَرِجَالَهُ. وَبَارَكُوا رِفْقَةَ وَقَالُوا لَهَا: ”يَا أُخْتَنَا، زِيدِي وَصِيرِي أُلُوفًا مُؤَلَّفَةً، وَلَيْتَ نَسْلَكِ يَسْتَوْلِي عَلَى بَابِ أَعْدَائِهِ.“ فَقَامَتْ رِفْقَةُ وَخَادِمَاتُهَا، وَرَكِبْنَ الْجِمَالَ، وَذَهَبْنَ مَعَ الرَّجُلِ. فَأَخَذَ الْخَادِمُ رِفْقَةَ وَذَهَبَ. وَكَانَ إِسْحَاقُ قَدْ رَجَعَ مِنْ عِنْدِ بِئْرِ 'الْحَيِّ الَّذِي يَرَانِي' لِأَنَّهُ كَانَ مُقِيمًا فِي مِنْطَقَةِ النَّقَبِ. وَذَاتَ مَسَاءٍ خَرَجَ إِلَى الْحَقْلِ لِيَتَأَمَّلَ، فَنَظَرَ وَرَأَى جِمَالًا مُقْبِلَةً. وَرِفْقَةُ أَيْضًا نَظَرَتْ فَرَأَتْ إِسْحَاقَ. فَنَزَلَتْ عَنِ الْجَمَلِ. وَسَأَلَتِ الْخَادِمَ: ”مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الْقَادِمُ فِي الْحَقْلِ لِيَسْتَقْبِلَنَا؟“ فَقَالَ الْخَادِمُ: ”هُوَ سَيِّدِي.“ فَأَخَذَتِ الْحِجَابَ وَتَغَطَّتْ. ثُمَّ أَخْبَرَ الْخَادِمُ إِسْحَاقَ بِكُلِّ مَا عَمِلَ. فَأَخَذَ إِسْحَاقُ رِفْقَةَ إِلَى خَيْمَةِ أُمِّهِ سَارَةَ، وَتَزَوَّجَهَا وَأَحَبَّهَا وَتَعَزَّى بِهَا بَعْدَ مَوْتِ أُمِّهِ. وَتَزَوَّجَ إِبْرَاهِيمُ بِامْرَأَةٍ اسْمُهَا قَطُورَةُ. فَوَلَدَتْ لَهُ زِمْرَانَ وَيَقْشَانَ وَمَدَانَ وَمِدْيَانَ وَيِشْبَاقَ وَشُوحَا. وَيَقْشَانُ أَنْجَبَ شَبَا وَدَدَانَ. وَبَنُو دَدَانَ هُمْ أَشُورِيمُ وَلَطُوشِيمُ وَلَأُمِّيمُ. وَبَنُو مِدْيَانَ هُمْ عِيفَةُ وَعِفْرُ وَحَنُوكُ وَأَبِيدَاعُ وَأَلْدَعَةُ، كُلُّ هَؤُلَاءِ بَنُو قَطُورَةَ. وَأَعْطَى إِبْرَاهِيمُ كُلَّ مَا لَهُ لِإِسْحَاقَ. أَمَّا أَوْلَادُهُ مِنْ جَوَارِيهِ، فَأَعْطَاهُمْ إِبْرَاهِيمُ هَدَايَا وَهُوَ مَا زَالَ حَيًّا، وَأَرْسَلَهُمْ إِلَى بِلَادِ الشَّرْقِ بَعِيدًا عَنِ ابْنِهِ إِسْحَاقَ. وَعَاشَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى بَلَغَ 175 سَنَةً. وَمَاتَ بَعْدَ عُمْرٍ طَوِيلٍ صَالِحٍ، شَيْخًا وَقَدْ شَبِعَ مِنَ الْحَيَاةِ، وَانْضَمَّ إِلَى أَسْلَافِهِ. فَدَفَنَهُ ابْنَاهُ إِسْحَاقُ وَإِسْمَاعِيلُ فِي مَغَارَةِ الْمَكْفِيلَةِ بِالْقُرْبِ مِنْ مَمْرَا، فِي حَقْلِ عَفْرُونَ بْنِ صُوحَرَ الْحِثِّيِّ، وَهُوَ الْحَقْلُ الَّذِي اشْتَرَاهُ إِبْرَاهِيمُ مِنَ الْحِثِّيِّينَ. فَهُنَاكَ دُفِنَ إِبْرَاهِيمُ مَعَ سَارَةَ زَوْجَتِهِ. وَبَعْدَ مَوْتِ إِبْرَاهِيمَ، بَارَكَ اللهُ إِسْحَاقَ ابْنَهُ. وَسَكَنَ إِسْحَاقُ بِالْقُرْبِ مِنْ بِئْرِ 'الْحَيِّ الَّذِي يَرَانِي.' هَذَا سِجِلُّ مَوَالِيدِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَلَدَتْهُ هَاجِرُ الْمِصْرِيَّةُ جَارِيَةُ سَارَةَ لِإِبْرَاهِيمَ. هَذِهِ أَسْمَاءُ أَبْنَاءِ إِسْمَاعِيلَ حَسَبَ تَرْتِيبِ وِلَادَتِهِمْ: نَبَايُوتُ بِكْرُ إِسْمَاعِيلَ، وَقِيدَارُ وَأَدَبْئِيلُ وَمِبْسَامُ وَمِشْمَاعُ وَدُومَةُ وَمَسَّا وَحَدَدُ وَتِيمَاءُ وَيَطُورُ وَنَافِيشُ وَقِدْمَةُ. كُلُّ هَؤُلَاءِ كَانُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، وَأُطْلِقَتْ أَسْمَاؤُهُمْ عَلَى قَبَائِلِهِمْ، فَكَانُوا 12 رَئِيسًا لِـ12 قَبِيلَةً. وَعَاشَ إِسْمَاعِيلُ حَتَّى بَلَغَ 137 سَنَةً، ثُمَّ مَاتَ وَانْضَمَّ إِلَى أَسْلَافِهِ. وَسَكَنَ نَسْلُهُ فِي الْمِنْطَقَةِ الَّتِي بَيْنَ حَوِيلَةَ وَشُورَ عَلَى حُدُودِ مِصْرَ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ شَرْقًا إِلَى أَشُّورَ، وَكَانُوا عَلَى عَدَاءٍ مَعَ أَوْلَادِ عَمِّهِمْ. هَذَا سِجِلُّ مَوَالِيدِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: إِبْرَاهِيمُ أَنْجَبَ إِسْحَاقَ. وَكَانَ عُمْرُ إِسْحَاقَ 40 سَنَةً لَمَّا تَزَوَّجَ رِفْقَةَ بِنْتَ بَتُوئِيلَ الْأَرَامِيَّةَ مِنْ سَهْلِ آرَامَ، وَأُخْتَ لَابَانَ الْأَرَامِيِّ. وَصَلَّى إِسْحَاقُ إِلَى اللهِ مِنْ أَجْلِ زَوْجَتِهِ لِأَنَّهَا كَانَتْ عَاقِرًا، فَاسْتَجَابَ لَهُ اللهُ وَحَبِلَتْ رِفْقَةُ زَوْجَتُهُ. وَتَصَارَعَ الْوَلَدَانِ فِي بَطْنِهَا فَقَالَتْ: ”لِمَاذَا يَحْدُثُ هَذَا لِي؟“ وَذَهَبَتْ لِتَسْأَلَ اللهَ. فَقَالَ لَهَا اللهُ: ”فِي بَطْنِكِ أُمَّتَانِ، وَمِنْكِ يَتَفَرَّعُ شَعْبَانِ، شَعْبٌ يَقْوَى عَلَى الْآخَرِ، وَالْكَبِيرُ يُسْتَعْبَدُ لِلصَّغِيرِ.“ فَلَمَّا حَانَ وَقْتُهَا لِتَلِدَ، كَانَ فِي بَطْنِهَا تَوْأَمَانِ. فَخَرَجَ الْأَوَّلُ أَحْمَرَ، وَكُلُّ جِسْمِهِ كَفَرْوَةِ شَعْرٍ، فَسَمَّوْهُ الْعِيصَ. ثُمَّ خَرَجَ أَخُوهُ وَيَدُهُ قَابِضَةٌ عَلَى كَعْبِ الْعِيصَ، فَسَمَّوْهُ يَعْقُوبَ، وَكَانَ عُمْرُ إِسْحَاقَ 60 سَنَةً لَمَّا وَلَدَتْهُمَا رِفْقَةُ. وَكَبِرَ الْوَلَدَانِ، وَكَانَ الْعِيصُ صَيَّادًا مَاهِرًا يُحِبُّ الْخَلَاءَ، وَيَعْقُوبُ رَجُلًا هَادِئًا يُقِيمُ فِي الْخِيَامِ. وَكَانَ إِسْحَاقُ يُفَضِّلُ الْعِيصَ لِأَنَّهُ كَانَ يَأْتِي إِلَيْهِ بِمَا يَصِيدُ، أَمَّا رِفْقَةُ فَكَانَتْ تُفَضِّلُ يَعْقُوبَ. وَذَاتَ مَرَّةٍ كَانَ يَعْقُوبُ يَطْبُخُ طَعَامًا، وَجَاءَ الْعِيصُ مِنَ الْخَلَاءِ جَائِعًا. فَقَالَ الْعِيصُ لِيَعْقُوبَ: ”أَطْعِمْنِي مِنْ هَذَا الطَّبِيخِ الْأَحْمَرِ، لِأَنِّي جَائِعٌ.“ هَذَا هُوَ السَّبَبُ أَنَّهُ سُمِّيَ أَدُومَ. فَقَالَ يَعْقُوبُ: ”إِنْ كُنْتَ تَبِيعُ لِي حَقَّكَ كَالِابْنِ الْبِكْرِ، أُعْطِيكَ مِنْ هَذَا الطَّبِيخِ.“ فَقَالَ الْعِيصُ: ”أَنَا عَلَى وَشْكِ الْمَوْتِ، بِمَاذَا يَنْفَعُنِي حَقُّ الِابْنِ الْبِكْرِ.“ فَقَالَ يَعْقُوبُ: ”اِحْلِفْ لِي أَوَّلًا.“ فَحَلَفَ لَهُ، وَبَاعَ حَقَّ الِابْنِ الْبِكْرِ لِيَعْقُوبَ. فَأَعْطَى يَعْقُوبُ الْعِيصَ خُبْزًا وَطَبِيخَ عَدَسٍ، فَأَكَلَ وَشَرِبَ ثُمَّ قَامَ وَمَضَى. فَاحْتَقَرَ الْعِيصُ حَقَّ الِابْنِ الْبِكْرِ. وَحَدَثَتْ مَجَاعَةٌ فِي الْبِلَادِ، غَيْرُ الْمَجَاعَةِ الْأُولَى الَّتِي حَدَثَتْ فِي أَيَّامِ إِبْرَاهِيمَ. فَرَاحَ إِسْحَاقُ إِلَى أَبِيمَلِكَ مَلِكِ الْفِلِسْطِيِّينَ فِي مَدِينَةِ جَرَارَ. وَظَهَرَ اللهُ لِإِسْحَاقَ وَقَالَ لَهُ: ”لَا تَنْزِلْ إِلَى مِصْرَ. اُسْكُنْ فِي الْبِلَادِ الَّتِي أَقُولُ لَكَ عَنْهَا. أَقِمْ فِي هَذِهِ الْبَلَدِ بَعْضَ الْوَقْتِ، فَأَكُونَ مَعَكَ وَأُبَارِكَكَ، لِأَنِّي سَأُعْطِيكَ أَنْتَ وَنَسْلَكَ كُلَّ هَذِهِ الْبِلَادِ وَفَاءً بِالْقَسَمِ الَّذِي أَقْسَمْتُ لِإِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ. وَأَجْعَلُ نَسْلَكَ كَنُجُومِ السَّمَاءِ فِي الْكَثْرَةِ، وَأُعْطِيهِمْ كُلَّ هَذِهِ الْبِلَادِ، وَبِوَاسِطَةِ نَسْلِكَ أُبَارِكُ كُلَّ شُعُوبِ الْأَرْضِ. لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ أَطَاعَنِي وَعَمِلَ بِوَصَايَايَ وَأَوَامِرِي وَأَحْكَامِي وَشَرَائِعِي.“ فَأَقَامَ إِسْحَاقُ فِي جَرَارَ. وَلَمَّا سَأَلَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَنْ زَوْجَتِهِ، قَالَ إِنَّهَا أُخْتُهُ، لِأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَقُولَ إِنَّهَا زَوْجَتُهُ، لِئَلَّا يَقْتُلَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِسَبَبِ رِفْقَةَ، لِأَنَّهَا كَانَتْ جَمِيلَةً. وَحَدَثَ بَعْدَمَا أَقَامَ إِسْحَاقُ هُنَاكَ وَقْتًا طَوِيلًا، أَنَّ أَبِيمَلِكَ مَلِكَ الْفِلِسْطِيِّينَ أَطَلَّ مِنَ النَّافِذَةِ فَرَأَى إِسْحَاقَ يُدَاعِبُ زَوْجَتَهُ رِفْقَةَ. فَاسْتَدْعَاهُ إِلَيْهِ وَقَالَ: ”هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ زَوْجَتُكَ، فَلِمَاذَا قُلْتَ إِنَّهَا أُخْتُكَ؟“ فَأَجَابَ إِسْحَاقُ: ”لِأَنِّي قُلْتُ لِئَلَّا يَقْتُلُونِي بِسَبَبِهَا.“ فَقَالَ أَبِيمَلِكُ: ”مَا هَذَا الَّذِي فَعَلْتَهُ بِنَا؟ كَانَ مِنَ السَّهْلِ عَلَى أَيِّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّعْبِ أَنْ يُعَاشِرَ زَوْجَتَكَ، فَتَجْلِبَ عَلَيْنَا الذَّنْبَ.“ وَأَمَرَ أَبِيمَلِكُ كُلَّ الشَّعْبِ وَقَالَ: ”مَنْ يَمَسُّ هَذَا الرَّجُلَ أَوْ زَوْجَتَهُ يُقْتَلُ.“ وَزَرَعَ إِسْحَاقُ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ، فَحَصَدَ فِي نَفْسِ السَّنَةِ 100 ضِعْفٍ لِأَنَّ اللهَ بَارَكَهُ. وَعَظُمَ شَأْنُ الرَّجُلِ وَزَادَتْ ثَرْوَتُهُ حَتَّى صَارَ غَنِيًّا جِدًّا. فَكَانَ عِنْدَهُ الْكَثِيرُ مِنَ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْعَبِيدِ حَتَّى حَسَدَهُ الْفِلِسْطِيُّونَ. فَكُلُّ الْآبَارِ الَّتِي حَفَرَهَا عَبِيدُ أَبِيهِ فِي أَيَّامِ إِبْرَاهِيمَ أَبِيهِ، رَدَمَهَا الْفِلِسْطِيُّونَ وَمَلَأُوهَا بِالتُّرَابِ. وَقَالَ أَبِيمَلِكُ لِإِسْحَاقَ: ”اِرْحَلْ عَنَّا لِأَنَّكَ أَصْبَحْتَ أَقْوَى مِنَّا جِدًّا.“ فَمَضَى إِسْحَاقُ مِنْ هُنَاكَ وَنَزَلَ فِي وَادِي جَرَارَ وَأَقَامَ هُنَاكَ. وَأَعَادَ إِسْحَاقُ حَفْرَ آبَارِ الْمِيَاهِ الَّتِي تَمَّ حَفْرُهَا فِي أَيَّامِ إِبْرَاهِيمَ أَبِيهِ وَرَدَمَهَا الْفِلِسْطِيُّونَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ، وَدَعَاهَا بِالْأَسْمَاءِ الَّتِي أَطْلَقَهَا عَلَيْهَا أَبُوهُ. وَحَفَرَ عَبِيدُ إِسْحَاقَ بِئْرًا فِي الْوَادِي فَوَجَدُوا مَاءً عَذْبًا. فَخَاصَمَ رُعَاةُ مَدِينَةِ جَرَارَ رُعَاةَ إِسْحَاقَ وَقَالُوا: ”الْمَاءُ لَنَا.“ فَسَمَّى إِسْحَاقُ الْبِئْرَ 'النِّزَاعَ' لِأَنَّهُمْ نَازَعُوهُ عَلَيْهَا. ثُمَّ حَفَرُوا بِئْرًا أُخْرَى وَتَخَاصَمُوا عَلَيْهَا أَيْضًا، فَسَمَّاهَا 'الْعَدَاوَةَ'. فَرَحَلَ مِنْ هُنَاكَ، وَحَفَرَ بِئْرًا أُخْرَى، وَلَمْ يَتَنَازَعُوا عَلَيْهَا، فَسَمَّاهَا 'الرَّحْبَةَ' لِأَنَّهُ قَالَ: ”أَرْحَبَ اللهُ لَنَا، فَنُثْمِرُ فِي الْأَرْضِ.“ ثُمَّ ذَهَبَ إِسْحَاقُ مِنْ هُنَاكَ إِلَى مِنْطَقَةِ بِئْرَ سَبْعَ. فَظَهَرَ لَهُ اللهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَقَالَ: ”أَنَا رَبُّ إِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ، لَا تَخَفْ لِأَنِّي مَعَكَ، سَأُبَارِكُكَ وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ مِنْ أَجْلِ عَبْدِي إِبْرَاهِيمَ.“ فَبَنَى إِسْحَاقُ هُنَاكَ مَنَصَّةً لِتَقْدِيمِ الْقُرْبَانِ، وَابْتَهَلَ إِلَى اللهِ، ثُمَّ نَصَبَ خَيْمَتَهُ هُنَاكَ، وَحَفَرَ عَبِيدُهُ بِئْرًا. وَجَاءَ إِلَيْهِ مِنْ جَرَارَ أَبِيمَلِكُ، وَأَحُزَّاتُ مُسْتَشَارُهُ الْخَاصُّ، وَفِيكُولُ قَائِدُ جَيْشِهِ. فَقَالَ لَهُمْ إِسْحَاقُ: ”لِمَاذَا جِئْتُمْ إِلَيَّ وَأَنْتُمْ كَرِهْتُمُونِي وَأَبْعَدْتُمُونِي عَنْكُمْ؟“ فَقَالُوا: ”تَبَيَّنَ لَنَا أَنَّ اللهَ مَعَكَ، فَقُلْنَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ اتِّفَاقِيَّةٌ، فَنَعْقِدُ مَعَكَ مُعَاهَدَةً، فلَا تَصْنَعُ بِنَا سُوءًا كَمَا لَمْ نَمَسَّكَ بِشَرٍّ، إِنَّمَا عَامَلْنَاكَ دَائِمًا بِالْحُسْنَى، وَصَرَفْنَاكَ بِسَلَامٍ، أَنْتَ الْآنَ مُبَارَكٌ مِنَ اللهِ.“ فَعَمِلَ لَهُمْ إِسْحَاقُ وَلِيمَةً، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا. وَفِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، حَلَفُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَوَدَّعَهُمْ إِسْحَاقُ، فَمَضَوْا مِنْ عِنْدِهِ بِسَلَامٍ. وَفِي نَفْسِ ذَلِكَ الْيَوْمِ جَاءَ عَبِيدُ إِسْحَاقَ وَأَخْبَرُوهُ عَنِ الْبِئْرِ الَّتِي حَفَرُوهَا وَقَالُوا وَجَدْنَا مَاءً. فَسَمَّاهَا 'الشَّبَعَ.' لِذَلِكَ فَإِنَّ اسْمَ الْمَدِينَةِ 'بِئْرُ سَبْعَ' إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. وَلَمَّا بَلَغَ الْعِيصُ 40 سَنَةً، تَزَوَّجَ مِنْ يَهُودِيتَ بِنْتِ بِيرِي الْحِثِّيِّ، وَمِنْ بَسْمَةَ بِنْتِ أَيْلُونَ الْحِثِّيِّ. فَكَانَتَا سَبَبَ تَعَاسَةٍ لِإِسْحَاقَ وَرِفْقَةَ. وَلَمَّا شَاخَ إِسْحَاقُ وَضَعُفَ نَظَرُهُ، اِسْتَدْعَى ابْنَهُ الْأَكْبَرَ الْعِيصَ وَقَالَ لَهُ: ”يَا ابْنِي“ فَقَالَ: ”نَعَمْ.“ فَقَالَ: ”أَنَا شِخْتُ، وَلَا أَعْرِفُ مَتَى يَحِينُ يَوْمُ وَفَاتِي. خُذْ أَدَوَاتِ الصَّيْدِ؛ سِهَامَكَ وَقَوْسَكَ، وَاخْرُجْ إِلَى الْخَلَاءِ وَصِدْ لِي صَيْدًا. وَاعْمَلْ لِي أَنْوَاعًا مِنَ الطَّعَامِ الشَّهِيِّ الَّذِي أُحِبُّهُ، وَأَحْضِرْهُ لِآكُلَ، فَأُبَارِكَكَ قَبْلَ مَا أَمُوتُ.“ وَكَانَتْ رِفْقَةُ تُنْصِتُ لِكَلَامِ إِسْحَاقَ مَعَ ابْنِهِ الْعِيصَ. فَلَمَّا رَاحَ الْعِيصُ إِلَى الْخَلَاءِ لِيَصِيدَ صَيْدًا وَيَأْتِيَ بِهِ، قَالَتْ رِفْقَةُ لِابْنِهَا يَعْقُوبَ: ”سَمِعْتُ أَبَاكَ يَقُولُ لِأَخِيكَ الْعِيصَ: ’أَحْضِرْ لِي صَيْدًا وَاعْمَلْ لِي أَنْوَاعًا مِنَ الطَّعَامِ الشَّهِيِّ لِآكُلَ فَأُبَارِكَكَ فِي مَحْضَرِ اللهِ قَبْلَ مَا أَمُوتُ.‘ فَالْآنَ يَا ابْنِي اسْمَعْ لِي وَاعْمَلْ كَمَا أَقُولُ لَكَ. اِذْهَبْ إِلَى الْغَنَمِ وَأَحْضِرْ لِي جَدْيَيْنِ، لِأَعْمَلَ لِأَبِيكَ أَنْوَاعًا مِنَ الطَّعَامِ الشَّهِيِّ الَّذِي يُحِبُّهُ. وَتُقَدِّمُهُ لِأَبِيكَ لِيَأْكُلَ فَيُبَارِكَكَ قَبْلَ مَا يَمُوتُ.“ فَقَالَ يَعْقُوبُ لِرِفْقَةَ أُمِّهِ: ”الْعِيصُ أَخِي رَجُلٌ أَشْعَرُ وَأَنَا رَجُلٌ أَمْلَسُ. رُبَّمَا يَجِسُّنِي أَبِي، فَيَعْرِفُ أَنِّي أُحَاوِلُ أَنْ أَخْدَعَهُ، فَأَجْلِبَ عَلَى نَفْسِي لَعْنَةً لَا بَرَكَةً.“ فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: ”خَلِّ اللَّعْنَةَ تَحِلُّ عَلَيَّ أَنَا يَا ابْنِي، إِنَّمَا اعْمَلْ كَمَا أَقُولُ، اِذْهَبْ وَأَحْضِرْ لِيَ الْجَدْيَيْنِ.“ فَذَهَبَ وَأَخَذَهُمَا وَأَحْضَرَهُمَا إِلَى أُمِّهِ. فَعَمِلَتْ رِفْقَةُ الطَّعَامَ الشَّهِيَّ الَّذِي يُحِبُّهُ أَبُوهُ. ثُمَّ أَخَذَتْ رِفْقَةُ أَفْخَرَ الثِّيَابِ الَّتِي عِنْدَ الْعِيصَ ابْنِهَا الْبِكْرِ، الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهَا فِي الدَّارِ، وَأَلْبَسَتْ يَعْقُوبَ ابْنَهَا الْأَصْغَرَ. وَأَيْضًا غَطَّتْ يَدَيْهِ وَرَقَبَتَهُ الْمَلْسَاءَ بِجِلْدِ الْجَدْيَيْنِ. وَأَعْطَتْهُ مَا عَمِلَتْهُ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّعَامِ الشَّهِيِّ وَالْخُبْزِ. فَدَخَلَ إِلَى أَبِيهِ وَقَالَ: ”يَا أَبِي.“ فَأَجَابَهُ: ”نَعَمْ يَا ابْنِي، مَنْ أَنْتَ؟“ قَالَ يَعْقُوبُ لِأَبِيهِ: ”أَنَا الْعِيصُ بِكْرُكَ، وَقَدْ فَعَلْتُ كَمَا طَلَبْتَ، قُمِ اجْلِسْ وَكُلْ مِنْ صَيْدِي لِكَيْ تُبَارِكَنِي.“ فَقَالَ إِسْحَاقُ: ”كَيْفَ وَجَدْتَ صَيْدًا بِهَذِهِ السُّرْعَةِ يَا ابْنِي؟“ أَجَابَهُ: ”الْمَوْلَى إِلَهُكَ يَسَّرَ لِي.“ فَقَالَ إِسْحَاقُ لِيَعْقُوبَ: ”تَعَالَ، اِقْتَرِبْ مِنِّي لِأَجِسَّكَ يَا ابْنِي، فَأَعْرِفَ إِنْ كُنْتَ فِعْلًا الْعِيصَ ابْنِي أَمْ لَا.“ فَاقْتَرَبَ يَعْقُوبُ مِنْ أَبِيهِ إِسْحَاقَ، فَجَسَّهُ وَقَالَ لَهُ: ”الصَّوْتُ صَوْتُ يَعْقُوبَ، لَكِنَّ الْيَدَيْنِ يَدَا الْعِيصَ.“ وَلَمْ يَعْرِفْهُ لِأَنَّ يَدَيْهِ كَانَتَا مُشْعِرَتَيْنِ مِثْلَ يَدَيْ أَخِيهِ الْعِيصَ، فَبَارَكَهُ. وَقَالَ: ”هَلْ أَنْتَ حَقًّا الْعِيصُ ابْنِي؟“ فَأَجَابَ: ”نَعَمْ.“ ثُمَّ قَالَ: ”إِذَنْ قَدِّمْ لِي يَا ابْنِي مِنْ صَيْدِكَ لِآكُلَ فَأُبَارِكَكَ.“ فَقَدَّمَ لَهُ فَأَكَلَ، وَأَعْطَاهُ خَمْرًا فَشَرِبَ. فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ أَبُوهُ: ”تَعَالَ قَبِّلْنِي يَا ابْنِي.“ فَرَاحَ وَقَبَّلَهُ. فَشَمَّ إِسْحَاقُ رَائِحَةَ ثِيَابِهِ وَبَارَكَهُ وَقَالَ: ”إِنَّ رَائِحَةَ ابْنِي كَرَائِحَةِ حَقْلٍ بَارَكَهُ اللهُ. يُعْطِيكَ اللهُ مِنْ نَدَى السَّمَاءِ وَمِنْ خَيْرِ الْأَرْضِ قَمْحًا وَخَمْرًا بِكَثْرَةٍ. شُعُوبٌ تَخْدِمُكَ، وَقَبَائِلُ تَنْحَنِي أَمَامَكَ، كُنْ سَيِّدًا عَلَى إِخْوَتِكَ، فَيَنْحَنِيَ أَمَامَكَ بَنُو أُمِّكَ، مَنْ يَلْعَنُكَ يَكُونُ مَلْعُونًا، وَمَنْ يُبَارِكُكَ يَكُونُ مُبَارَكًا.“ وَلَمَّا انْتَهَى إِسْحَاقُ مِنْ مُبَارَكَةِ يَعْقُوبَ، خَرَجَ يَعْقُوبُ مِنْ عِنْدِ أَبِيهِ. ثُمَّ رَجَعَ الْعِيصُ مِنْ صَيْدِهِ. وَعَمِلَ هُوَ أَيْضًا أَنْوَاعًا مِنَ الطَّعَامِ الشَّهِيِّ، وَأَحْضَرَهُ إِلَى أَبِيهِ، وَقَالَ: ”يَا أَبِي، قُمْ وَكُلْ مِنْ صَيْدِي لِكَيْ تُبَارِكَنِي.“ فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ أَبُوهُ: ”مَنْ أَنْتَ؟“ فَقَالَ: ”أَنَا الْعِيصُ بِكْرُكَ.“ فَارْتَعَشَ إِسْحَاقُ ارْتِعَاشًا شَدِيدًا جِدًّا وَقَالَ: ”مَنْ هُوَ إِذَنِ الَّذِي صَادَ صَيْدًا، وَأَحْضَرَ لِي، فَأَكَلْتُ مِنَ الْكُلِّ قَبْلَ مَا تَجِيءُ؟ لَقَدْ بَارَكْتُهُ! وَحَقًّا يَكُونُ مُبَارَكًا.“ فَلَمَّا سَمِعَ الْعِيصُ كَلَامَ أَبِيهِ، صَرَخَ صَرْخَةً عَالِيَةً وَمُرَّةً جِدًّا وَقَالَ لِأَبِيهِ: ”بَارِكْنِي أَنَا أَيْضًا يَا أَبِي“ لَكِنَّهُ قَالَ: ”جَاءَ أَخُوكَ وَمَكَرَ بِي وَأَخَذَ بَرَكَتَكَ.“ فَقَالَ الْعِيصُ: ”يَعْقُوبُ! هُوَ اسْمٌ عَلَى مُسَمَّى! أَخَذَ مَكَانِي بِالْخِدَاعِ مَرَّتَيْنِ. أَوَّلًا أَخَذَ حَقِّي كَالِابْنِ الْبِكْرِ، وَالْآنَ أَخَذَ بَرَكَتِي.“ ثُمَّ قَالَ: ”هَلْ أَبْقَيْتَ لِي أَيَّ بَرَكَةٍ؟“ فَأَجَابَهُ إِسْحَاقُ: ”إِنِّي جَعَلْتُهُ سَيِّدًا لَكَ، وَصَيَّرْتُ كُلَّ إِخْوَتِهِ عَبِيدًا لَهُ، وَأَمْدَدْتُهُ بِالْقَمْحِ وَالْخَمْرِ، فَمَاذَا أَفْعَلُ لَكَ الْآنَ يَا ابْنِي؟“ فَقَالَ الْعِيصُ لِأَبِيهِ: ”أَعِنْدَكَ بَرَكَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ يَا أَبِي؟ بَارِكْنِي أَنَا أَيْضًا يَا أَبِي!“ وَبَكَى الْعِيصُ بِصَوْتٍ عَالٍ. فَقَالَ إِسْحَاقُ أَبُوهُ: ”يَكُونُ مَسْكَنُكَ فِي أَرْضٍ مُجْدِبَةٍ لَا يَأْتِي عَلَيْهَا نَدَى السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ. وَتَعِيشُ بِسَيْفِكَ، وَتَكُونُ عَبْدًا لِأَخِيكَ، وَلَكِنْ حِينَ تَثُورُ عَلَيْهِ تَكْسِرُ نِيرَهُ عَنْ رَقَبَتِكَ.“ فَحَقَدَ الْعِيصُ عَلَى يَعْقُوبَ، بِسَبَبِ الْبَرَكَةِ الَّتِي بَارَكَهُ أَبُوهُ بِهَا. وَقَالَ الْعِيصُ فِي نَفْسِهِ: ”قَرِيبًا يَمُوتُ أَبِي، فَأَقْتُلُ أَخِي يَعْقُوبَ.“ فَبَلَغَ رِفْقَةَ كَلَامُ الْعِيصَ ابْنِهَا الْأَكْبَرِ، فَأَرْسَلَتْ وَاسْتَدْعَتْ يَعْقُوبَ ابْنَهَا الْأَصْغَرَ، وَقَالَتْ لَهُ: ”أَخُوكَ الْعِيصُ يَنْوِي أَنْ يَقْتُلَكَ. فَالْآنَ يَا ابْنِي اسْمَعْ كَلَامِي، اُهْرُبْ حَالًا إِلَى لَابَانَ أَخِي فِي حَارَانَ، وَأَقِمْ عِنْدَهُ بَعْضَ الْوَقْتِ حَتَّى يَهْدَأَ غَضَبُ أَخِيكَ. وَمَتَى سَكَنَ غَضَبُهُ وَنَسِيَ مَا فَعَلْتَهُ بِهِ، أَبْعَثُ إِلَيْكَ لِتَرْجِعَ مِنْ هُنَاكَ. فَلِمَاذَا أَفْقِدُكُمَا أَنْتُمَا الِاثْنَيْنِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ؟“ وَقَالَتْ رِفْقَةُ لِإِسْحَاقَ: ”كَرِهْتُ حَيَاتِي بِسَبَبِ الْبَنَاتِ الْحِثِّيَّاتِ، إِنْ كَانَ يَعْقُوبُ يَأْخُذُ زَوْجَةً مِنْ بَنَاتِ هَذِهِ الْبِلَادِ، حِثِّيَّةً مِثْلَ امْرَأَتَيِ الْعِيصَ، فَأَحْسَنُ لِي أَنْ أَمُوتَ.“ فَاسْتَدْعَى إِسْحَاقُ يَعْقُوبَ وَبَارَكَهُ وَأَوْصَاهُ فَقَالَ لَهُ: ”لَا تَأْخُذْ زَوْجَةً مِنْ بَنَاتِ كَنْعَانَ. بَلِ اذْهَبْ إِلَى سَهْلِ آرَامَ إِلَى دَارِ جَدِّكَ بَتُوئِيلَ، وَخُذْ زَوْجَةً مِنْ هُنَاكَ، مِنْ بَنَاتِ خَالِكَ لَابَانَ. اللهُ الْقَدِيرُ يُبَارِكُكَ وَيَجْعَلُكَ مُثْمِرًا وَيُكَثِّرُكَ فَتَكُونُ جَمَاعَةَ شُعُوبٍ. وَيُعْطِيكَ أَنْتَ وَنَسْلَكَ الْبَرَكَةَ الَّتِي أُعْطِيَتْ لِإِبْرَاهِيمَ، لِتَمْلِكَ الْبِلَادَ الَّتِي تَعِيشُ فِيهَا الْآنَ كَغَرِيبٍ، الْبَلَدَ الَّتِي أَعْطَاهَا اللهُ لِإِبْرَاهِيمَ.“ وَأَرْسَلَ إِسْحَاقُ يَعْقُوبَ، فَذَهَبَ إِلَى سَهْلِ آرَامَ إِلَى لَابَانَ بْنِ بَتُوئِيلَ الْأَرَامِيِّ، أَخِي رِفْقَةَ أُمِّ يَعْقُوبَ وَالْعِيصَ. وَبَلَغَ الْعِيصَ أَنَّ إِسْحَاقَ بَارَكَ يَعْقُوبَ وَأَرْسَلَهُ إِلَى سَهْلِ آرَامَ لِيَأْخُذَ زَوْجَةً مِنْ هُنَاكَ، وَأَنَّهُ لَمَّا بَارَكَهُ أَوْصَاهُ وَقَالَ لَهُ: ”لَا تَأْخُذْ زَوْجَةً مِنْ بَنَاتِ كَنْعَانَ.“ وَأَنَّ يَعْقُوبَ أَطَاعَ وَالِدَيْهِ وَذَهَبَ إِلَى سَهْلِ آرَامَ. فَلَمَّا رَأَى الْعِيصُ أَنَّ أَبَاهُ إِسْحَاقَ يَسْتَاءُ مِنْ بَنَاتِ كَنْعَانَ. ذَهَبَ إِلَى إِسْمَاعِيلَ عَمِّهِ، وَأَخَذَ زَوْجَةً أُخْرَى عَلَى نِسَائِهِ، وَهِيَ مَحْلَةُ بِنْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَأُخْتُ نَبَايُوتَ. وَخَرَجَ يَعْقُوبُ مِنْ بِئْرَ سَبْعَ، وَاتَّجَهَ إِلَى حَارَانَ. فَصَادَفَ مَكَانًا، قَضَى فِيهِ لَيْلَتَهُ لِأَنَّ الشَّمْسَ كَانَتْ قَدْ غَابَتْ. فَأَخَذَ حَجَرًا مِنْ هُنَاكَ، وَوَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ وَرَقَدَ لِيَنَامَ. فَرَأَى حُلْمًا، وَفِيهِ سُلَّمٌ قَائِمَةٌ عَلَى الْأَرْضِ، وَرَأْسُهَا يَصِلُ إِلَى السَّمَاءِ، وَمَلَائِكَةُ اللهِ تَصْعَدُ وَتَنْزِلُ عَلَيْهَا. وَالْمَوْلَى وَاقِفٌ فَوْقَهَا يَقُولُ: ”أَنَا الْمَوْلَى رَبُّ أَبِيكَ إِبْرَاهِيمَ وَرَبُّ إِسْحَاقَ. الْأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ رَاقِدٌ عَلَيْهَا سَأُعْطِيهَا لَكَ وَلِنَسْلِكَ. وَيَكُونُ نَسْلُكَ كَتُرَابِ الْأَرْضِ، يَمْتَدُّ غَرْبًا وَشَرْقًا وَشَمَالًا وَجَنُوبًا. وَبِوَاسِطَتِكَ أَنْتَ وَنَسْلِكَ أُبَارِكُ كُلَّ شُعُوبِ الْأَرْضِ. أَنَا مَعَكَ أَحْرُسُكَ فِي كُلِّ مَكَانٍ تَذْهَبُ إِلَيْهِ، وَسَأَرُدُّكَ إِلَى هَذِهِ الْأَرْضِ وَلَنْ أَتْرُكَكَ حَتَّى أَفْعَلَ كُلَّ مَا وَعَدْتُكَ بِهِ.“ ثُمَّ أَفَاقَ يَعْقُوبُ مِنْ نَوْمِهِ وَقَالَ: ”حَقًّا إِنَّ اللهَ فِي هَذَا الْمَكَانِ، وَأَنَا لَمْ أَعْلَمْ!“ وَخَافَ وَقَالَ: ”هَذَا مَكَانٌ رَهِيَبٌ! هَذَا بَيْتُ اللهِ وَهُوَ بَابُ السَّمَاءِ.“ وَفِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ أَخَذَ يَعْقُوبُ الْحَجَرَ الَّذِي وَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ، وَأَقَامَهُ عَمُودًا وَصَبَّ عَلَيْهِ زَيْتًا وَسَمَّى الْمَكَانَ 'بَيْتَ إِيلَ' وَكَانَ اسْمُ الْمَدِينَةِ أَوَّلًا 'لُوزَ.' وَنَذَرَ يَعْقُوبُ نَذْرًا وَقَالَ: ”إِنْ كَانَ اللهُ مَعِي وَحَرَسَنِي فِي هَذِهِ الرِّحْلَةِ الَّتِي أَنَا فِيهَا، وَرَزَقَنِي خُبْزًا آكُلُهُ وَثَوْبًا أَلْبَسُهُ، فَأَعُودُ بِالسَّلَامَةِ إِلَى دَارِ أَبِي، يَكُونُ الْمَوْلَى إِلَهًا لِي. وَهَذَا الْحَجَرُ الَّذِي أَقَمْتُهُ عَمُودًا يَكُونُ بَيْتَ اللهِ. وَأُعْطِيكَ عُشْرَ كُلِّ مَا تَرْزُقُنِي بِهِ.“ وَتَابَعَ يَعْقُوبُ رِحْلَتَهُ حَتَّى وَصَلَ إِلَى بِلَادِ الْقَبَائِلِ الشَّرْقِيَّةِ. وَنَظَرَ فَرَأَى بِئْرًا فِي الْخَلَاءِ، وَ3 قُطْعَانِ غَنَمٍ رَابِضَةٍ عِنْدَهَا. لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْقُونَ الْقُطْعَانَ مِنْ تِلْكَ الْبِئْرِ. وَكَانَ عَلَى فَمِ الْبِئْرِ حَجَرٌ كَبِيرٌ. فَمَتَى اجْتَمَعَتْ كُلُّ الْقُطْعَانِ، يُدَحْرِجُ الرُّعَاةُ الْحَجَرَ عَنْ فَمِ الْبِئْرِ وَيَسْقُونَ الْغَنَمَ، ثُمَّ يَرُدُّونَ الْحَجَرَ إِلَى مَكَانِهِ عَلَى فَمِ الْبِئْرِ. فَسَأَلَ يَعْقُوبُ الرُّعَاةَ وَقَالَ: ”مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ يَا إِخْوَتِي؟“ فَقَالُوا: ”مِنْ حَارَانَ.“ فَقَالَ لَهُمْ: ”هَلْ تَعْرِفُونَ لَابَانَ حَفِيدَ نَاحُورَ؟“ فَقَالُوا: ”نَعَمْ، نَعْرِفُهُ.“ فَقَالَ لَهُمْ: ”هَلْ هُوَ بِخَيْرٍ؟“ فَقَالُوا: ”نَعَمْ، بِخَيْرٍ، وَهَذِهِ رَاحِيلُ بِنْتُهُ آتِيَةٌ مَعَ الْغَنَمِ.“ فَقَالَ: ”مَا زَالَ الْوَقْتُ نَهَارًا، وَلَنْ تَجْتَمِعَ الْقُطْعَانُ الْآنَ، اِسْقُوا الْغَنَمَ وَخُذُوهَا لِتَرْعَى.“ فَقَالُوا لَهُ: ”لَا نَقْدِرُ حَتَّى تَجْتَمِعَ كُلُّ الْقُطْعَانِ فَنُدَحْرِجُ الْحَجَرَ عَنْ فَمِ الْبِئْرِ وَنَسْقِي الْغَنَمَ.“ وَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُمْ، وَصَلَتْ رَاحِيلُ مَعَ غَنَمِ أَبِيهَا، لِأَنَّهَا كَانَتْ رَاعِيَةً. فَلَمَّا رَأَى يَعْقُوبُ رَاحِيلَ بِنْتَ خَالِهِ لَابَانَ وَمَعَهَا غَنَمُ خَالِهِ، ذَهَبَ وَدَحْرَجَ الْحَجَرَ عَنْ فَمِ الْبِئْرِ وَسَقَى غَنَمَ خَالِهِ. ثُمَّ قَبَّلَ يَعْقُوبُ رَاحِيلَ وَأَخَذَ يَبْكِي بِصَوْتٍ عَالٍ، بَعْدَمَا أَخْبَرَهَا أَنَّهُ قَرِيبُ أَبِيهَا وَأَنَّهُ ابْنُ رِفْقَةَ. فَجَرَتْ وَأَخْبَرَتْ أَبَاهَا. وَلَمَّا سَمِعَ لَابَانُ خَبَرَ يَعْقُوبَ ابْنِ أُخْتِهِ، ذَهَبَ بِسُرْعَةٍ لِيُقَابِلَهُ، وَعَانَقَهُ وَقَبَّلَهُ وَأَحْضَرَهُ إِلَى دَارِهِ. وَأَخْبَرَهُ يَعْقُوبُ بِكُلِّ هَذِهِ الْأُمُورِ. وَقَالَ لَابَانُ لِيَعْقُوبَ: ”أَنْتَ مِنْ لَحْمِي وَدَمِي.“ وَأَقَامَ يَعْقُوبُ عِنْدَهُ شَهْرًا. ثُمَّ قَالَ لَابَانُ لِيَعْقُوبَ: ”هَلْ لِأَنَّكَ قَرِيبِي تَخْدِمُنِي مَجَّانًا؟ أَخْبِرْنِي مَا أُجْرَتُكَ؟“ وَكَانَ لِلَابَانَ بِنْتَانِ، الْكُبْرَى اسْمُهَا لِيئَةُ وَالصُّغْرَى اسْمُهَا رَاحِيلُ. وَكَانَتْ لِيئَةُ ضَعِيفَةَ النَّظَرِ، وَأَمَّا رَاحِيلُ فَكَانَتْ جَمِيلَةَ الشَّكْلِ وَحَسْنَاءَ. وَأَحَبَّ يَعْقُوبُ رَاحِيلَ، فَقَالَ لِخَالِهِ: ”أَخْدِمُكَ 7 سِنِينَ إِنْ كُنْتَ تُزَوِّجُنِي رَاحِيلَ بِنْتَكَ الصُّغْرَى.“ فَقَالَ لَابَانُ: ”أَنْ أُعْطِيَهَا لَكَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ أُعْطِيَهَا لِرَجُلٍ آخَرَ. أَقِمْ عِنْدِي.“ فَخَدَمَ يَعْقُوبُ 7 سِنِينَ لِيَأْخُذَ رَاحِيلَ، لَكِنَّهَا بَدَتْ لَهُ كَأَيَّامٍ قَلِيلَةٍ مِنْ مَحَبَّتِهِ لَهَا. ثُمَّ قَالَ يَعْقُوبُ لِلَابَانَ: ”أَعْطِنِي زَوْجَتِي لِأَدْخُلَ عَلَيْهَا لِأَنِّي أَكْمَلْتُ خِدْمَتِي.“ فَجَمَعَ لَابَانُ كُلَّ أَهْلِ الْمَكَانِ، وَعَمِلَ لَهُمْ وَلِيمَةً. وَفِي الْمَسَاءِ أَخَذَ لِيئَةَ بِنْتَهُ، وَأَعْطَاهَا لِيَعْقُوبَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا. وَأَعْطَى لَابَانُ زِلْفَةَ جَارِيَتَهُ لِتَكُونَ جَارِيَةً لِبِنْتِهِ لِيئَةَ. فَلَمَّا طَلَعَ الصُّبْحُ، اِكْتَشَفَ يَعْقُوبُ أَنَّهَا لِيئَةُ! فَقَالَ لِلَابَانَ: ”مَاذَا فَعَلْتَ بِي؟ أَنَا خَدَمْتُكَ لِأَتَزَوَّجَ رَاحِيلَ، لِمَاذَا خَدَعْتَنِي؟“ فَقَالَ لَابَانُ: ”لَيْسَ مِنْ عَادَةِ بِلَادِنَا أَنْ نُزَوِّجَ الصَّغِيرَةَ قَبْلَ الْكَبِيرَةِ. أَكْمِلْ أُسْبُوعَ الْعُرْسِ هَذَا، ثُمَّ نُزَوِّجُكَ الصَّغِيرَةَ أَيْضًا بِشَرْطِ أَنْ تَخْدِمَنِي 7 سِنِينَ أُخَرَ.“ فَوَافَقَ يَعْقُوبُ، وَأَكْمَلَ أُسْبُوعَ عُرْسِهِ مَعَ لِيئَةَ. فَأَعْطَاهُ لَابَانُ بِنْتَهُ رَاحِيلَ زَوْجَةً. وَأَعْطَى لَابَانُ بِلْهَةَ جَارِيَتَهُ لِتَكُونَ جَارِيَةً لِبِنْتِهِ رَاحِيلَ. فَدَخَلَ يَعْقُوبُ عَلَى رَاحِيلَ أَيْضًا، وَأَحَبَّهَا أَكْثَرَ مِنْ لِيئَةَ. وَخَدَمَ خَالَهُ 7 سِنِينَ أُخَرَ. وَلَمَّا رَأَى اللهُ أَنَّ لِيئَةَ غَيْرُ مَحْبُوبَةٍ، جَعَلَهَا تُنْجِبُ. أَمَّا رَاحِيلُ فَكَانَتْ عَاقِرًا. فَحَبِلَتْ لِيئَةُ وَوَلَدَتِ ابْنًا وَسَمَّتْهُ رَأُوبِينَ، لِأَنَّهَا قَالَتْ: ”رَأَى اللهُ ذُلِّي، فَالْآنَ سَيُحِبُّنِي زَوْجِي.“ ثُمَّ حَبِلَتْ مَرَّةً أُخْرَى وَوَلَدَتِ ابْنًا وَقَالَتْ: ”سَمِعَ اللهُ أَنِّي غَيْرُ مَحْبُوبَةٍ، فَرَزَقَنِي هَذَا الِابْنَ أَيْضًا.“ وَسَمَّتْهُ شَمْعُونَ. ثُمَّ حَبِلَتْ مَرَّةً ثَالِثَةً وَوَلَدَتِ ابْنًا فَقَالَتْ: ”الْآنَ أَخِيرًا يَقْتَرِنُ بِي زَوْجِي، لِأَنِّي وَلَدْتُ لَهُ 3 بَنِينَ.“ وَسَمَّتْهُ لَاوِي. ثُمَّ حَبِلَتْ مَرَّةً رَابِعَةً وَوَلَدَتِ ابْنًا فَقَالَتْ: ”هَذِهِ الْمَرَّةَ أَحْمَدُ اللهَ.“ وَسَمَّتْهُ يَهُوذَا. ثُمَّ تَوَقَّفَتْ عَنِ الْوِلَادَةِ. فَلَمَّا رَأَتْ رَاحِيلُ أَنَّهَا لَمْ تَلِدْ لِيَعْقُوبَ غَارَتْ مِنْ أُخْتِهَا، وَقَالَتْ لِيَعْقُوبَ: ”أَعْطِنِي أَوْلَادًا وَإِلَّا أَمُوتُ.“ فَغَضِبَ يَعْقُوبُ مِنْهَا وَقَالَ: ”هَلْ أَنَا مَكَانُ اللهِ الَّذِي حَرَمَكِ مِنَ الْوِلَادَةِ؟“ فَقَالَتْ لَهُ: ”هَذِهِ هِيَ بِلْهَةُ جَارِيَتِي، عَاشِرْهَا فَتَلِدَ لِي، وَعَنْ طَرِيقِهَا يَكُونُ لِي أَنَا أَيْضًا أَوْلَادٌ.“ فَأَعْطَتْهُ بِلْهَةَ كَزَوْجَةٍ. فَعَاشَرَهَا يَعْقُوبُ، فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ لَهُ ابْنًا. فَقَالَتْ رَاحِيلُ: ”حَكَمَ اللهُ لِصَالِحِي. إِنَّهُ سَمِعَ طَلَبِي وَأَعْطَانِي ابْنًا.“ وَسَمَّتْهُ دَانَ. ثُمَّ حَبِلَتْ بِلْهَةُ جَارِيَةُ رَاحِيلَ مَرَّةً أُخْرَى، وَوَلَدَتْ لِيَعْقُوبَ ابْنًا ثَانِيًا. فَقَالَتْ رَاحِيلُ: ”صَارَعْتُ أُخْتِي صِرَاعًا عَنِيفًا وَغَلَبْتُ.“ وَسَمَّتْهُ نَفْتَالِي. فَلَمَّا رَأَتْ لِيئَةُ أَنَّهَا تَوَقَّفَتْ عَنِ الْوِلَادَةِ، أَخَذَتْ زِلْفَةَ جَارِيَتَهَا وَأَعْطَتْهَا لِيَعْقُوبَ كَزَوْجَةٍ. فَوَلَدَتْ زِلْفَةُ جَارِيَةُ لِيئَةَ لِيَعْقُوبَ ابْنًا. فَقَالَتْ لِيئَةُ: ”حَظٌّ سَعِيدٌ.“ وَسَمَّتْهُ جَادَ. وَوَلَدَتْ زِلْفَةُ جَارِيَةُ لِيئَةَ لِيَعْقُوبَ ابْنًا ثَانِيًا. فَقَالَتْ لِيئَةُ: ”أَنَا سَعِيدَةٌ، وَتَدْعُونِي النِّسَاءُ سَعِيدَةً.“ وَسَمَّتْهُ أَشِيرَ. وَفِي مَوْسِمِ حَصَادِ الْقَمْحِ خَرَجَ رَأُوبِينُ إِلَى الْحُقُولِ، فَوَجَدَ بَعْضَ نَبَاتِ اللُّفَّاحِ، وَأَحْضَرَهُ إِلَى أُمِّهِ لِيئَةَ. فَقَالَتْ لَهَا رَاحِيلُ: ”أَعْطِينِي مِنْ لُفَّاحِ ابْنِكِ.“ فَقَالَتْ لِيئَةُ: ”كَفَاكِ أَنَّكِ أَخَذْتِ زَوْجِي مِنِّي! هَلْ تَأْخُذِينَ أَيْضًا لُفَّاحَ ابْنِي؟“ فَقَالَتْ رَاحِيلُ: ”إِذَنْ يَنَامُ عِنْدَكِ اللَّيْلَةَ بَدَلَ لُفَّاحِ ابْنِكِ.“ فَلَمَّا رَجَعَ يَعْقُوبُ مِنَ الْحَقْلِ فِي الْمَسَاءِ، خَرَجَتْ لِيئَةُ لِلِقَائِهِ وَقَالَتْ لَهُ: ”تَنَامُ عِنْدِيَ اللَّيْلَةَ، لِأَنِّي اسْتَأْجَرْتُكَ بِلُفَّاحِ ابْنِي.“ فَنَامَ عِنْدَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ. وَاسْتَجَابَ اللهُ لِلِيئَةَ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ لِيَعْقُوبَ ابْنًا خَامِسًا. فَقَالَتْ لِيئَةُ: ”أَعْطَانِي اللهُ أُجْرَتِي، لِأَنِّي أَعْطَيْتُ جَارِيَتِي لِزَوْجِي.“ وَسَمَّتْهُ يَسَّاكَرَ. وَحَبِلَتْ لِيئَةُ مَرَّةً أُخْرَى وَوَلَدَتْ لِيَعْقُوبَ ابْنًا سَادِسًا، فَقَالَتْ: ”أَهْدَانِي اللهُ هَدِيَّةً ثَمِينَةً. الْآنَ يُكْرِمُنِي زَوْجِي لِأَنِّي وَلَدْتُ لَهُ 6 بَنِينَ.“ وَسَمَّتْهُ زَبُولُونَ. ثُمَّ وَلَدَتْ بِنْتًا وَسَمَّتْهَا دِينَةَ. وَذَكَرَ اللهُ رَاحِيلَ، وَاسْتَجَابَ لَهَا وَجَعَلَهَا تُنْجِبُ. فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتِ ابْنًا وَقَالَتْ: ”أَبْعَدَ اللهُ الْعَارَ عَنِّي.“ وَسَمَّتْهُ يُوسِفَ وَقَالَتْ: ”الْمَوْلَى يَزِيدُنِي ابْنًا آخَرَ.“ وَلَمَّا وَلَدَتْ رَاحِيلُ يُوسِفَ، قَالَ يَعْقُوبُ لِلَابَانَ: ”خَلِّنِي أَذْهَبُ مِنْ هُنَا وَأَرْجِعُ إِلَى وَطَنِي وَبَلَدِي. أَعْطِنِي زَوْجَاتِي وَأَوْلَادِيَ الَّذِينَ خَدَمْتُكَ بِهِمْ فَأَذْهَبَ، لِأَنَّكَ تَعْلَمُ نَوْعَ خِدْمَتِي لَكَ.“ فَقَالَ لَهُ لَابَانُ: ”إِنْ كُنْتَ تَرْضَى عَنِّي، فَأَرْجُوكَ أَنْ تُقِيمَ عِنْدِي، لِأَنِّي عَرَفْتُ عَنْ طَرِيقِ الْعِلْمِ بِالْغَيْبِ أَنَّ اللهَ بَارَكَنِي بِسَبَبِكَ.“ وَقَالَ: ”عَيِّنْ لِي أُجْرَتَكَ فَأُعْطِيَكَ.“ فَقَالَ لَهُ يَعْقُوبُ: ”أَنْتَ تَعْلَمُ كَيْفَ خَدَمْتُكَ وَكَيْفَ أَصْبَحَتْ مَوَاشِيكَ تَحْتَ رِعَايَتِي. فَالْقَلِيلُ الَّذِي كَانَ لَكَ لَمَّا جِئْتُ صَارَ كَثِيرًا جِدًّا، وَالْمَوْلَى بَارَكَكَ بِسَبَبِي. وَالْآنَ حَانَ الْوَقْتُ لِأَعْمَلَ شَيْئًا لِعَائِلَتِي.“ فَقَالَ لَابَانُ: ”مَاذَا أُعْطِيكَ؟“ فَأَجَابَهُ يَعْقُوبُ: ”لَا تُعْطِنِي شَيْئًا، وَلَكِنْ إِنْ صَنَعْتَ لِي هَذَا الْأَمْرَ، أَذْهَبُ وَأَرْعَى غَنَمَكَ وَأَحْرُسُهَا: أَمُرُّ الْيَوْمَ بَيْنَ مَوَاشِيكَ كُلِّهَا، وَأَعْزِلُ مِنْهَا كُلَّ مَا فِيهِ نُقَطٌ أَوْ بُقَعٌ أَوْ أَسْوَدُ مِنَ الْخِرْفَانِ، وَكُلَّ مَا فِيهِ بُقَعٌ أَوْ نُقَطٌ مِنَ الْمَعْزِ، فَتَكُونُ هَذِهِ أُجْرَتِي. وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ يُمْكِنُكَ أَنْ تَعْرِفَ أَنِّي أَمِينٌ، فَمَتَى جِئْتَ لِتَفْحَصَ أُجْرَتِيَ الَّتِي أَعْطَيْتَنِي، وَوَجَدْتَ عِنْدِي مَا لَيْسَ فِيهِ نُقَطٌ أَوْ بُقَعٌ مِنَ الْمَعْزِ وَأَسْوَدُ مِنَ الْخِرْفَانِ، فَهُوَ مَسْرُوقٌ.“ فَقَالَ لَابَانُ: ”اِتَّفَقْنَا، لِيَكُنْ كَمَا قُلْتَ.“ وَلَكِنْ فِي نَفْسِ الْيَوْمِ عَزَلَ لَابَانُ التُّيُوسَ الَّتِي فِيهَا خُطُوطٌ أَوْ بُقَعٌ، وَكُلَّ عَنْزٍ فِيهَا نُقَطٌ أَوْ بُقَعٌ، أَيْ كُلَّ مَا فِيهِ بَيَاضٌ، وَكُلَّ خَرُوفٍ أَسْوَدَ، وَأَعْطَاهَا لِبَنِيهِ. وَجَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَعْقُوبَ مَسَافَةَ 3 أَيَّامِ سَفَرٍ. وَاسْتَمَرَّ يَعْقُوبُ يَرْعَى بَقِيَّةَ مَوَاشِي لَابَانَ. فَأَخَذَ يَعْقُوبُ أَغْصَانًا خَضْرَاءَ مِنْ شَجَرِ لُبْنَى وَلَوْزٍ وَدُلْبٍ، وَقَشَّرَ فِيهَا خُطُوطًا بَيْضَاءَ، فَكَشَفَ عَمَّا تَحْتَ الْقِشْرَةِ مِنْ بَيَاضٍ. ثُمَّ أَوْقَفَ هَذِهِ الْأَغْصَانَ الَّتِي قَشَّرَهَا فِي مَسَاقِي الْمَاءِ، لِتَكُونَ قُدَّامَ الْغَنَمِ عِنْدَمَا تَأْتِي لِتَشْرَبَ. وَكَانَتِ الْغَنَمُ تَتَزَاوَجُ عِنْدَمَا تَأْتِي لِتَشْرَبَ، فَكَانَتْ تَتَزَاوَجُ قُدَّامَ الْأَغْصَانِ، وَتَلِدُ غَنَمًا فِيهَا خُطُوطٌ وَنُقَطٌ وَبُقَعٌ. وَكَانَ يَعْقُوبُ يَعْزِلُ هَذِهِ عَنْ قَطِيعِ لَابَانَ وَيُضِيفُهَا إِلَى قَطِيعِهِ. ثُمَّ فِي وَقْتِ التَّزَاوُجِ كَانَ يَجْعَلُ مَا فِيهِ خُطُوطٌ أَوْ أَسْوَدُ يَتَزَاوَجُ مَعَ غَنَمِ لَابَانَ. وَبِهَذَا كَوَّنَ لِنَفْسِهِ قَطِيعًا. وَلَمَّا كَانَتِ الْغَنَمُ الْقَوِيَّةُ تَتَزَاوَجُ، كَانَ يَعْقُوبُ يُوقِفُ الْأَغْصَانَ فِي الْمَسَاقِي قُدَّامَ الْغَنَمِ، لِتَتَزَاوَجَ عِنْدَهَا. وَإِذَا كَانَتِ الْغَنَمُ ضَعِيفَةً، لَا يَضَعُ الْأَغْصَانَ قُدَّامَهَا. فَصَارَتِ الضَّعِيفَةُ لِلَابَانَ وَالْقَوِيَّةُ لِيَعْقُوبَ. فَاغْتَنَى يَعْقُوبُ جِدًّا، وَكَثُرَتْ غَنَمُهُ وَجَوَارِيهِ وَعَبِيدُهُ وَجِمَالُهُ وَحَمِيرُهُ. وَسَمِعَ يَعْقُوبُ أَنَّ بَنِي لَابَانَ يَقُولُونَ: ”أَخَذَ يَعْقُوبُ كُلَّ مَا لِأَبِينَا، وَجَمَعَ كُلَّ هَذِهِ الثَّرْوَةِ مِنْ أَمْلَاكِ أَبِينَا.“ وَلَاحَظَ يَعْقُوبُ أَنَّ مُعَامَلَةَ لَابَانَ لَهُ تَغَيَّرَتْ وَلَيْسَتْ كَمَا كَانَتْ مِنْ قَبْلُ. فَقَالَ اللهُ لِيَعْقُوبَ: ”اِرْجِعْ إِلَى بَلَدِ آبَائِكَ وَإِلَى أَهْلِكَ وَأَنَا أَكُونُ مَعَكَ.“ فَأَرْسَلَ يَعْقُوبُ وَاسْتَدْعَى رَاحِيلَ وَلِيئَةَ إِلَى الْحَقْلِ حَيْثُ يَرْعَى الْمَاشِيَةَ. وَقَالَ لَهُمَا: ”لَاحَظْتُ أَنَّ مُعَامَلَةَ أَبِيكُمَا لِي تَغَيَّرَتْ، وَلَيْسَتْ كَمَا كَانَتْ مِنْ قَبْلُ. وَلَكِنَّ إِلَهَ أَبِي مَعِي. أَنْتُمَا تَعْلَمَانِ أَنِّي خَدَمْتُ أَبَاكُمَا بِكُلِّ قُوَّتِي. أَمَّا هُوَ فَغَدَرَ بِي وَغَيَّرَ أُجْرَتِي 10 مَرَّاتٍ. لَكِنَّ اللهَ لَمْ يَسْمَحْ لَهُ بِأَنْ يُسِيءَ إِلَيَّ. فَإِنْ قَالَ: ’أُجْرَتُكَ هِيَ الْغَنَمُ الَّتِي فِيهَا نُقَطٌ‘ وَلَدَتْ كُلُّهَا غَنَمًا فِيهَا نُقَطٌ. وَإِنْ قَالَ: ’أُجْرَتُكَ هِيَ الْغَنَمُ الَّتِي فِيهَا خُطُوطٌ‘ وَلَدَتْ كُلُّهَا غَنَمًا فِيهَا خُطُوطٌ. أَخَذَ اللهُ مَوَاشِيَ أَبِيكُمَا وَأَعْطَاهَا لِي. وَفِي وَقْتِ تَزَاوُجِ الْغَنَمِ، رَأَيْتُ فِي حُلْمٍ أَنَّ كُلَّ الذُّكُورِ الَّتِي تَتَزَاوَجُ مَعَ الْغَنَمِ فِيهَا خُطُوطٌ وَنُقَطٌ وَبُقَعٌ. وَقَالَ لِي مَلَاكُ اللهِ فِي الْحُلْمِ: ’يَا يَعْقُوبُ!‘ فَقُلْتُ: ’لَبَّيْكَ!‘ فَقَالَ: ’اُنْظُرْ فَتَرَى أَنَّ كُلَّ الذُّكُورِ الَّتِي تَتَزَاوَجُ مَعَ الْغَنَمِ فِيهَا خُطُوطٌ وَنُقَطٌ وَبُقَعٌ، لِأَنِّي رَأَيْتُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ لَابَانُ مَعَكَ. أَنَا اللهُ الَّذِي ظَهَرَ لَكَ فِي بَيْتَ إِيلَ، حَيْثُ مَسَحْتَ الْعَمُودَ وَنَذَرْتَ لِي نَذْرًا. الْآنَ قُمْ وَاذْهَبْ مِنْ هَذِهِ الْبَلَدِ وَارْجِعْ إِلَى بَلَدِكَ.‘“ فَقَالَتْ رَاحِيلُ وَلِيئَةُ: ”نَحْنُ لَيْسَ لَنَا مِيرَاثٌ فِي أَمْلَاكِ أَبِينَا. وَهُوَ يُعَامِلُنَا كَغَرِيبَتَيْنِ، بَاعَنَا وَأَكَلَ ثَمَنَنَا. كُلُّ الثَّرْوَةِ الَّتِي أَخَذَهَا اللهُ مِنْ أَبِينَا هِيَ لَنَا وَلِأَوْلَادِنَا. إِذَنِ اعْمَلْ كُلَّ مَا قَالَهُ اللهُ لَكَ.“ فَوَضَعَ يَعْقُوبُ أَوْلَادَهُ وَزَوْجَاتِهِ عَلَى الْجِمَالِ، وَسَاقَ كُلَّ مَوَاشِيهِ أَمَامَهُ، وَكُلَّ الْأَشْيَاءِ الَّتِي اقْتَنَاهَا فِي سَهْلِ آرَامَ، وَاتَّجَهَ إِلَى أَبِيهِ إِسْحَاقَ فِي بِلَادِ كَنْعَانَ. وَكَانَ لَابَانُ قَدْ ذَهَبَ لِيَجُزَّ غَنَمَهُ، فَسَرَقَتْ رَاحِيلُ أَصْنَامَ أَبِيهَا. وَأَيْضًا خَدَعَ يَعْقُوبُ لَابَانَ الْأَرَامِيَّ فَلَمْ يُخْبِرْهُ بِأَنَّهُ رَاحِلٌ. فَهَرَبَ بِكُلِّ مَا لَهُ، وَعَبَرَ نَهْرَ الْفُرَاتِ وَاتَّجَهَ نَحْوَ جَبَلِ جِلْعَادَ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، أُخْبِرَ لَابَانُ بِأَنَّ يَعْقُوبَ هَرَبَ. فَأَخَذَ أَقَارِبَهُ مَعَهُ، وَتَابَعَ يَعْقُوبَ مُدَّةَ 7 أَيَّامٍ حَتَّى لَحِقَ بِهِ فِي جَبَلِ جِلْعَادَ. فَجَاءَ اللهُ إِلَى لَابَانَ الْأَرَامِيِّ فِي حُلْمٍ فِي اللَّيْلِ وَقَالَ لَهُ: ”إِيَّاكَ أَنْ تُكَلِّمَ يَعْقُوبَ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ.“ وَلَحِقَ لَابَانُ بِيَعْقُوبَ، وَكَانَ يَعْقُوبُ قَدْ نَصَبَ خَيْمَتَهُ فِي الْجَبَلِ، فَنَصَبَ لَابَانُ وَأَقَارِبُهُ خَيْمَتَهُمْ هُنَاكَ أَيْضًا. وَقَالَ لَابَانُ لِيَعْقُوبَ: ”مَاذَا فَعَلْتَ؟ أَنْتَ خَدَعْتَنِي وَسُقْتَ بِنْتَيَّ مِثْلَ أَسْرَى الْحَرْبِ. لِمَاذَا هَرَبْتَ سِرًّا وَخَدَعْتَنِي؟ لِمَاذَا لَمْ تُخْبِرْنِي، فَكُنْتُ أُوَدِّعُكَ فِي احْتِفَالٍ بِأَغَانٍ وَمُوسِيقَى بِالدُّفِّ وَالْعُودِ؟ ثُمَّ إِنَّكَ لَمْ تَدَعْنِي أُقَبِّلُ أَحْفَادِي وَبِنْتَيَّ. أَنْتَ تَصَرَّفْتَ بِغَبَاوَةٍ. فِي إِمْكَانِي أَنْ أُسِيءَ إِلَيْكَ، وَلَكِنَّ إِلَهَ أَبِيكَ قَالَ لِي لَيْلَةَ أَمْسِ: ’إِيَّاكَ أَنْ تُكَلِّمَ يَعْقُوبَ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ.‘ وَالْآنَ، أَنْتَ ذَهَبْتَ لِأَنَّكَ اشْتَقْتَ إِلَى بَيْتِ أَبِيكَ، لَكِنْ لِمَاذَا سَرَقْتَ آلِهَتِي؟“ فَقَالَ يَعْقُوبُ لِلَابَانَ: ”إِنِّي خِفْتُ أَنْ تَأْخُذَ بِنْتَيْكَ مِنِّي غَصْبًا. أَمَّا آلِهَتُكَ فَإِنْ وَجَدْتَهَا مَعَ أَيِّ وَاحِدٍ، يَكُونُ عِقَابُهُ الْمَوْتَ. فَتِّشْ أَمَامَ أَقَارِبِنَا، فَإِنْ وَجَدْتَ عِنْدِي شَيْئًا لَكَ خُذْهُ.“ وَلَمْ يَكُنْ يَعْقُوبُ يَعْلَمُ أَنَّ رَاحِيلَ سَرَقَتِ الْآلِهَةَ. فَدَخَلَ لَابَانُ خَيْمَةَ يَعْقُوبَ وَخَيْمَةَ لِيئَةَ وَخَيْمَةَ الْجَارِيَتَيْنِ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا. وَخَرَجَ مِنْ خَيْمَةِ لِيئَةَ وَدَخَلَ خَيْمَةَ رَاحِيلَ. وَكَانَتْ رَاحِيلُ قَدْ أَخَذَتِ الْأَصْنَامَ وَأَخْفَتْهَا فِي سَرْجِ الْجَمَلِ وَجَلَسَتْ عَلَيْهَا. وَفَتَّشَ لَابَانُ كُلَّ الْخَيْمَةِ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا. فَقَالَتْ لِأَبِيهَا: ”لَا تَغْضَبْ مِنِّي يَا أَبِي فَإِنِّي لَا أَقْدِرُ أَنْ أَقُومَ أَمَامَكَ، لِأَنَّ الْعَادَةَ الشَّهْرِيَّةَ جَاءَتْنِي.“ وَبَعْدَمَا فَتَّشَ لَابَانُ كُلَّ شَيْءٍ، لَمْ يَجِدِ الْأَصْنَامَ. فَاغْتَاظَ يَعْقُوبُ وَوَبَّخَ لَابَانَ وَقَالَ: ”مَا ذَنْبِي، وَمَا خَطِيئَتِي حَتَّى تَابَعْتَنِي؟ أَنْتَ فَتَّشْتَ كُلَّ مَا عِنْدِي، فَمَاذَا وَجَدْتَ مِمَّا هُوَ لَكَ؟ ضَعْهُ هُنَا أَمَامَ أَقَارِبِي وَأَقَارِبِكَ فَيَحْكُمُوا بَيْنَنَا. طُولَ الْـ20 سَنَةً الَّتِي أَقَمْتُهَا عِنْدَكَ، لَمْ تُسْقِطْ نِعَاجُكَ وَعِنَازُكَ وَلَا مَرَّةً، وَلَمْ آكُلْ مِنْ كِبَاشِ غَنَمِكَ أَبَدًا، وَلَا أَحْضَرْتُ لَكَ فَرِيسَةً مَزَّقَتْهَا الْوُحُوشُ. أَنَا كُنْتُ أَتَحَمَّلُ الْخَسَارَةَ. وَكُنْتَ دَائِمًا تَطْلُبُ مِنِّي تَعْوِيضًا عَنْ أَيِّ شَيْءٍ يُسْرَقُ بِالنَّهَارِ أَوْ يُسْرَقُ بِاللَّيْلِ. كُنْتُ فِي النَّهَارِ يَأْكُلُنِي الْحَرُّ وَفِي اللَّيْلِ الْجَلِيدُ، وَهَرَبَ النَّوْمُ عَنْ عَيْنَيَّ. أَقَمْتُ عِنْدَكَ 20 سَنَةً. خَدَمْتُكَ 14 سَنَةً مُقَابِلَ بِنْتَيْكَ، وَ6 سِنِينَ مُقَابِلَ غَنَمِكَ. وَأَنْتَ غَيَّرْتَ أُجْرَتِي 10 مَرَّاتٍ. وَلَوْلَا أَنَّ رَبَّ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، الْإِلَهَ الَّذِي يَتَّقِيهِ إِسْحَاقُ كَانَ مَعِي، لَكُنْتَ أَرْسَلْتَنِي فَارِغَ الْيَدَيْنِ. لَكِنَّ اللهَ رَأَى تَعَبِي وَعَنَائِي فَوَبَّخَكَ لَيْلَةَ أَمْسِ.“ فَقَالَ لَابَانُ لِيَعْقُوبَ: ”الْبَنَاتُ بَنَاتِي، وَالْأَوْلَادُ أَوْلَادِي، وَالْغَنَمُ غَنَمِي. كُلُّ مَا تَرَاهُ هُوَ لِي. وَلَكِنْ مَاذَا أَعْمَلُ الْيَوْمَ بِبَنَاتِي أَوْ بِأَوْلَادِهِنَّ؟ تَعَالَ الْآنَ نَعْقِدُ مُعَاهَدَةً أَنَا وَأَنْتَ، فَتَكُونَ كَشَاهِدٍ بَيْنَنَا.“ فَأَخَذَ يَعْقُوبُ حَجَرًا وَنَصَبَهُ عَمُودًا. وَقَالَ لِأَقَارِبِهِ: ”اِجْمَعُوا حِجَارَةً.“ فَجَمَعُوا حِجَارَةً، وَجَعَلُوهَا كُومَةً، ثُمَّ أَكَلُوا هُنَاكَ بِالْقُرْبِ مِنَ الْكُومَةِ. وَسَمَّاهَا لَابَانُ وَيَعْقُوبُ كُومَةَ الشَّهَادَةِ، كُلٌّ حَسَبَ لُغَتِهِ. وَقَالَ لَابَانُ: ”هَذِهِ الْكُومَةُ تَشْهَدُ الْيَوْمَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ.“ لِهَذَا فَإِنَّ اسْمَهَا كُومَةُ الشَّهَادَةِ. وَسُمِّيَتْ أَيْضًا الْمِصْفَاةَ لِأَنَّ لَابَانَ قَالَ: ”لِيَكُنِ اللهُ رَقِيبًا بَيْنِي وَبَيْنَكَ، حِينَ نَكُونُ بَعِيدَيْنِ الْوَاحِدُ عَنِ الْآخَرِ. إِنْ أَسَأْتَ مُعَامَلَةَ بِنْتَيَّ، أَوْ تَزَوَّجْتَ نِسَاءً عَلَيْهِمَا، حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إِنْسَانٌ لِيَشْهَدَ، يَكُونُ اللهُ هُوَ الشَّاهِدَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ.“ وَقَالَ لَابَانُ أَيْضًا: ”هَذِهِ هِيَ الْكُومَةُ وَهَذَا هُوَ الْعَمُودُ الَّذِي نَصَبْتُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ. تَكُونُ الْكُومَةُ شَاهِدًا، وَيَكُونُ الْعَمُودُ شَاهِدًا، أَنِّي لَا أَتَجَاوَزُ هَذِهِ الْكُومَةَ لِأُسِيءَ إِلَيْكَ، وَأَنْتَ لَا تَتَجَاوَزُ هَذِهِ الْكُومَةَ وَهَذَا الْعَمُودَ لِتُسِيءَ إِلَيَّ. وَليَكُنْ رَبُّ إِبْرَاهِيمَ وَرَبُّ نَاحُورَ وَرَبُّ أَبِيهِمَا حَاكِمًا بَيْنَنَا.“ فَحَلَفَ يَعْقُوبُ بِالْإِلَهِ الَّذِي يَتَّقِيهِ أَبُوهُ إِسْحَاقُ، وَقَدَّمَ هُنَاكَ ضَحِيَّةً فِي الْجَبَلِ وَدَعَا أَقَارِبَهُ لِيَأْكُلُوا. فَأَكَلُوا وَبَاتُوا فِي الْجَبَلِ. وَقَامَ لَابَانُ فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، وَقَبَّلَ أَحْفَادَهُ وَبِنْتَيْهِ وَبَارَكَهُمْ. ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى دَارِهِ. وَذَهَبَ يَعْقُوبُ فِي طَرِيقِهِ، فَقَابَلَتْهُ مَلَائِكَةُ اللهِ. فَلَمَّا رَآهُمْ قَالَ: ”هَذَا جَيْشُ اللهِ“ وَسَمَّى ذَلِكَ الْمَكَانَ 'فِرْقَتَيْنِ.' وَأَرْسَلَ يَعْقُوبُ رُسُلًا قُدَّامَهُ إِلَى أَخِيهِ الْعِيصَ فِي بِلَادِ سَعِيرَ أَيْ مِنْطَقَةِ أَدُومَ. وَأَوْصَاهُمْ وَقَالَ: ”قُولُوا لِسَيِّدِي الْعِيصَ: ’عَبْدُكَ يَعْقُوبُ يَقُولُ: ”أَنَا ذَهَبْتُ إِلَى لَابَانَ وَأَقَمْتُ عِنْدَهُ لِحَدِّ الْآنَ. وَعِنْدِي بَقَرٌ وَحَمِيرٌ وَغَنَمٌ وَعَبِيدٌ وَجَوَارٍ. وَأَرْسَلْتُ لِأُعَرِّفَ سَيِّدِي لَعَلَّكَ تَرْضَى عَنِّي.“‘“ وَرَجَعَ الرُّسُلُ إِلَى يَعْقُوبَ وَقَالُوا: ”رُحْنَا إِلَى أَخِيكَ الْعِيصَ، وَهُوَ الْآنَ قَادِمٌ لِيُقَابِلَكَ وَمَعَهُ 400 رَجُلٍ.“ فَخَافَ يَعْقُوبُ جِدًّا وَتَضَايَقَ، وَقَسَمَ الْقَوْمَ الَّذِينَ مَعَهُ وَالْغَنَمَ وَالْبَقَرَ وَالْجِمَالَ إِلَى فِرْقَتَيْنِ. وَقَالَ: ”إِنْ جَاءَ الْعِيصُ وَهَجَمَ عَلَى فِرْقَةٍ، رُبَّمَا تَنْجُو الْفِرْقَةُ الْأُخْرَى.“ وَصَلَّى يَعْقُوبُ وَقَالَ: ”يَا رَبَّ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَرَبَّ أَبِي إِسْحَاقَ، أَيُّهَا الْمَوْلَى يَا مَنْ قُلْتَ لِي: ’اِرْجِعْ إِلَى بَلَدِكَ وَأَهْلِكَ فَأُحْسِنَ إِلَيْكَ‘ أَنَا لَا أَسْتَحِقُّ كُلَّ الْمَعْرُوفِ الَّذِي عَمِلْتَهُ مَعِي وَالْوَفَاءَ الَّذِي أَظْهَرْتَهُ لِي أَنَا عَبْدَكَ. لَمَّا عَبَرْتُ نَهْرَ الْأُرْدُنِّ هَذَا، لَمْ يَكُنْ مَعِي غَيْرُ عَصَايَ، أَمَّا الْآنَ فَصِرْتُ فِرْقَتَيْنِ. مِنْ فَضْلِكَ نَجِّنِي مِنْ يَدِ أَخِي الْعِيصَ، لِأَنِّي خَائِفٌ أَنْ يَأْتِيَ وَيَقْتُلَنِي وَلَا يُبْقِيَ أُمًّا وَلَا طِفْلًا. بَيْنَمَا أَنْتَ قُلْتَ: ’إِنِّي أُحْسِنُ إِلَيْكَ، وَأَجْعَلُ نَسْلَكَ كَرَمْلِ الْبَحْرِ فَلَا يُعَدُّ مِنَ الْكَثْرَةِ.‘“ وَبَاتَ هُنَاكَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَاخْتَارَ مِمَّا مَعَهُ هَدِيَّةً لِأَخِيهِ الْعِيصَ. 200 عَنْزٍ وَ20 تَيْسًا، 200 نَعْجَةٍ وَ20 كَبْشًا، 30 نَاقَةً مُرْضِعَةً مَعَ أَوْلَادِهَا، 40 بَقَرَةً وَ10 ثِيرَانٍ، 20 أَتَانًا وَ10 حَمِيرٍ. وَعَهَدَ بِهَا إِلَى عَبِيدِهِ، كُلِّ قَطِيعٍ عَلَى حِدَةٍ. وَقَالَ لَهُمْ: ”اِذْهَبُوا قُدَّامِي، وَاجْعَلُوا مَسَافَةً بَيْنَ كُلِّ قَطِيعٍ وَقَطِيعٍ.“ وَأَوْصَى الْأَوَّلَ وَقَالَ: ”عِنْدَمَا يُلَاقِيكَ الْعِيصُ أَخِي وَيَسْأَلُكَ: ’لِمَنْ أَنْتَ وَإِلَى أَيْنَ أَنْتَ ذَاهِبٌ؟ وَمَنْ هُوَ صَاحِبُ الْقَطِيعِ الَّذِي أَمَامَكَ؟‘ فَتَقُولُ لَهُ: ’عَبْدُكَ يَعْقُوبُ هُوَ صَاحِبُ هَذَا، وَقَدْ أَرْسَلَهُ هَدِيَّةً لِسَيِّدِي الْعِيصَ، وَهُوَ نَفْسُهُ قَادِمٌ وَرَاءَنَا.‘“ وَأَوْصَى الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ وَبَاقِيَ السَّائِرِينَ وَرَاءَ الْقُطْعَانِ بِنَفْسِ الشَّيْءِ وَقَالَ لَهُمْ: ”قُولُوا نَفْسَ هَذَا الْكَلَامِ لِلْعِيصَ. وَلَا تَنْسُوا أَنْ تَقُولُوا لَهُ: ’عَبْدُكَ يَعْقُوبُ قَادِمٌ وَرَاءَنَا.‘“ لِأَنَّ يَعْقُوبَ قَالَ فِي نَفْسِهِ: ”أُهَدِّئُهُ بِالْهَدَايَا الَّتِي تَذْهَبُ قُدَّامِي، فَعِنْدَمَا نَتَقَابَلُ لَعَلَّهُ يَرْضَى عَنِّي.“ فَذَهَبَتْ هَدَايَا يَعْقُوبَ أَوَّلًا، أَمَّا هُوَ فَقَضَى لَيْلَتَهُ فِي الْمُخَيَّمِ. ثُمَّ قَامَ يَعْقُوبُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَأَخَذَ مَعَهُ زَوْجَتَيْهِ وَجَارِيَتَيْهِ وَأَوْلَادَهُ الْـ11 وَعَبَرَ نَهْرَ يَبُّوقَ. وَبَعْدَمَا أَرْسَلَهُمْ هُمْ وَكُلَّ مَا لَهُ إِلَى الضَّفَّةِ الْأُخْرَى مِنَ النَّهْرِ، بَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ، فَصَارَعَهُ رَجُلٌ هُنَاكَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ. وَلَمَّا رَأَى الرَّجُلُ أَنَّهُ لَمْ يَغْلِبْ يَعْقُوبَ، ضَرَبَهُ عَلَى فَخْذِهِ، فَانْخَلَعَ مِفْصَلُ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَ الرَّجُلِ. فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: ”اُتْرُكْنِي أَذْهَبُ فَقَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ.“ فَقَالَ لَهُ يَعْقُوبُ: ”لَا أَتْرُكُكَ تَذْهَبُ حَتَّى تُبَارِكَنِي.“ فَسَأَلَهُ الرَّجُلُ: ”مَا اسْمُكَ؟“ فَقَالَ: ”يَعْقُوبُ.“ فَقَالَ الرَّجُلُ: ”لَا يَكُونُ اسْمُكَ يَعْقُوبَ فِيمَا بَعْدُ، بَلْ إِسْرَائِيلَ، لِأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَغَلَبْتَ.“ فَقَالَ يَعْقُوبُ: ”مِنْ فَضْلِكَ، قُلْ لِي مَا اسْمُكَ؟“ فَقَالَ: ”لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي؟“ وَبَارَكَهُ هُنَاكَ. فَدَعَا يَعْقُوبُ اسْمَ الْمَكَانِ 'فَنِيئِيلَ' وَقَالَ: ”لِأَنِّي رَأَيْتُ اللهَ وَجْهًا لِوَجْهٍ، وَمَعَ ذَلِكَ نَجَوْتُ بِحَيَاتِي.“ ثُمَّ أَشْرَقَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَهُوَ يَعْبُرُ فَنِيئِيلَ، وَكَانَ يَعْرُجُ بِسَبَبِ فَخْذِهِ. لِذَلِكَ لِحَدِّ الْيَوْمِ لَا يَأْكُلُ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْعَصَبَ الَّذِي عَلَى مِفْصَلِ الْفَخْذِ، لِأَنَّ الرَّجُلَ ضَرَبَ يَعْقُوبَ عَلَى ذَلِكَ الْعَصَبِ. وَنَظَرَ يَعْقُوبُ فَرَأَى الْعِيصَ آتِيًا وَمَعَهُ 400 رَجُلٍ، فَقَسَمَ الْأَوْلَادَ عَلَى لِيئَةَ وَرَاحِيلَ وَالْجَارِيَتَيْنِ. وَوَضَعَ الْجَارِيَتَيْنِ وَأَوْلَادَهُمَا أَوَّلًا، وَبَعْدَهُمْ لِيئَةُ وَأَوْلَادُهَا، وَأَخِيرًا رَاحِيلُ وَيُوسِفُ. أَمَّا هُوَ فَذَهَبَ قُدَّامَهُمْ، وَانْحَنَى إِلَى الْأَرْضِ 7 مَرَّاتٍ حَتَّى اقْتَرَبَ مِنْ أَخِيهِ. فَجَرَى الْعِيصُ لِلِقَائِهِ وَعَانَقَهُ وَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ وَقَبَّلَهُ، وَبَكَى الِاثْنَانِ. وَلَمَّا رَأَى الْعِيصُ النِّسَاءَ وَالْأَوْلَادَ قَالَ: ”مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ مَعَكَ؟“ فَأَجَابَ يَعْقُوبُ: ”هُمُ الْأَوْلَادُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ بِهِمْ عَلَى عَبْدِكَ.“ فَجَاءَتِ الْجَارِيَتَانِ وَأَوْلَادُهُمَا وَانْحَنَوْا. ثُمَّ جَاءَتْ لِيئَةُ وَأَوْلَادُهَا وَانْحَنَوْا. وَأَخِيرًا جَاءَ يُوسِفُ وَرَاحِيلُ وَانْحَنَيَا. وَقَالَ لَهُ الْعِيصُ: ”مَا هُوَ قَصْدُكَ مِنْ كُلِّ هَذَا الْجَيْشِ الَّذِي قَابَلْتُهُ؟“ فَقَالَ يَعْقُوبُ: ”لِكَيْ تَرْضَى عَنِّي يَا سَيِّدِي.“ فَقَالَ الْعِيصُ: ”عِنْدِي كَثِيرٌ يَا أَخِي، فَمَا لَكَ يَبْقَى لَكَ.“ فَأَجَابَ يَعْقُوبُ: ”لَا، بَلْ إِنْ كُنْتَ تَرْضَى عَنِّي، فَمِنْ فَضْلِكَ اقْبَلْ هَذِهِ الْهَدِيَّةَ مِنِّي، لِأَنِّي رَأَيْتُ وَجْهَكَ وَكَأَنِّي رَأَيْتُ وَجْهَ اللهِ وَأَنْتَ رَضِيتَ عَنِّي. أَرْجُوكَ أَنْ تَقْبَلَ مِنِّي هَذِهِ الْبَرَكَةَ الَّتِي جِئْتُ بِهَا إِلَيْكَ، لِأَنَّ اللهَ قَدْ رَزَقَنِي بِالْكَثِيرِ، وَعِنْدِي كُلُّ شَيْءٍ.“ وَأَلَحَّ عَلَيْهِ حَتَّى قَبِلَ. ثُمَّ قَالَ الْعِيصُ: ”تَعَالَ نَرْحَلُ وَأَذْهَبُ أَنَا مَعَكَ.“ فَقَالَ يَعْقُوبُ: ”أَنْتَ تَعْلَمُ يَا سَيِّدِي أَنَّ الْأَوْلَادَ صِغَارٌ، وَالْغَنَمَ وَالْبَقَرَ الَّتِي عِنْدِي مُرْضِعَةٌ، فَإِنْ أَجْهَدْنَاهَا يَوْمًا وَاحِدًا تَمُوتُ كُلُّ الْغَنَمِ. اِذْهَبْ أَنْتَ أَمَامِي يَا سَيِّدِي، وَأَنَا أَتَقَدَّمُ عَلَى مَهْلِي حَسَبَ طَاقَةِ الْمَاشِيَةِ وَحَسَبَ طَاقَةِ الْأَوْلَادِ أَيْضًا، حَتَّى أَصِلَ عِنْدَكَ فِي سَعِيرَ يَا سَيِّدِي.“ فَقَالَ الْعِيصُ: ”إِذَنْ أَتْرُكُ مَعَكَ بَعْضَ رِجَالِي.“ فَأَجَابَهُ يَعْقُوبُ: ”لِمَاذَا؟ بَلْ كُلُّ طَلَبِي هُوَ أَنْ تَرْضَى عَنِّي يَا سَيِّدِي.“ فَمَضَى الْعِيصُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِيَرْجِعَ إِلَى سَعِيرَ. أَمَّا يَعْقُوبُ فَذَهَبَ إِلَى سُكُّوتَ، وَبَنَى لِنَفْسِهِ دَارًا وَصَنَعَ لِمَوَاشِيهِ مَظَلَّاتٍ. لِهَذَا اسْمُ الْمَكَانِ سُكُّوتُ. فَوَصَلَ يَعْقُوبُ بِالسَّلَامَةِ مِنْ سَهْلِ آرَامَ إِلَى مَدِينَةِ شَكِيمَ فِي كَنْعَانَ، وَنَصَبَ خِيَامَهُ بِالْقُرْبِ مِنَ الْمَدِينَةِ. وَاشْتَرَى قِطْعَةَ الْأَرْضِ الَّتِي نَصَبَ فِيهَا خَيْمَتَهُ، مِنْ أَوْلَادِ حَمُورَ أَبِي شَكِيمَ بِـ100 عُمْلَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ. وَأَقَامَ هُنَاكَ مَنَصَّةً لِتَقْدِيمِ الْقُرْبَانِ وَسَمَّاهَا 'اللهُ هُوَ رَبُّ إِسْرَائِيلَ.' وَخَرَجَتْ دِينَةُ، الْبِنْتُ الَّتِي وَلَدَتْهَا لِيئَةُ لِيَعْقُوبَ، لِتَزُورَ بَنَاتِ الْبَلَدِ. فَرَآهَا شَكِيمُ بْنُ حَمُورَ الْحِوِّيِّ، حَاكِمِ الْمِنْطَقَةِ، فَأَخَذَهَا وَاغْتَصَبَهَا. وَأُغْرِمَ قَلْبُهُ بِدِينَةَ بِنْتِ يَعْقُوبَ، وَأَحَبَّ الْفَتَاةَ وَلَاطَفَهَا. وَقَالَ شَكِيمُ لِحَمُورَ أَبِيهِ: ”خُذْ لِي هَذِهِ الْفَتَاةَ زَوْجَةً.“ وَسَمِعَ يَعْقُوبُ أَنَّهُ لَوَّثَ شَرَفَ بِنْتِهِ دِينَةَ. وَكَانَ أَوْلَادُهُ وَقْتَهَا فِي الْحَقْلِ مَعَ مَوَاشِيهِ، فَسَكَتَ حَتَّى رَجَعُوا. فَخَرَجَ حَمُورُ أَبُو شَكِيمَ إِلَى يَعْقُوبَ لِيُكَلِّمَهُ فِي الْمَوْضُوعِ. وَلَمَّا سَمِعَ أَوْلَادُ يَعْقُوبَ بِمَا حَدَثَ، رَجَعُوا مِنَ الْحَقْلِ وَقَدْ ثَارَ غَضَبُهُمْ وَغَيْظُهُمْ، لِأَنَّ شَكِيمَ ارْتَكَبَ قَبَاحَةً فِي حَقِّ إِسْرَائِيلَ بِأَنْ عَاشَرَ بِنْتَ يَعْقُوبَ، وَهُوَ مَا لَا يَصِحُّ عَمَلُهُ. فَقَالَ لَهُمْ حَمُورُ: ”اِبْنِي شَكِيمُ قَلْبُهُ مُغْرَمٌ بِابْنَتِكُمْ. فَأَرْجُوكُمْ أَنْ تُزَوِّجُوهَا لَهُ. صَاهِرُونَا؛ أَعْطُونَا بَنَاتِكُمْ وَخُذُوا بَنَاتِنَا. وَاسْكُنُوا مَعَنَا، الْأَرْضُ كُلُّهَا تَحْتَ تَصَرُّفِكُمْ، أَقِيمُوا بِهَا وَتَاجِرُوا وَاقْتَنُوا فِيهَا أَمْلَاكًا.“ وَقَالَ شَكِيمُ لِأَبِيهَا وَإِخْوَتِهَا: ”لَيْتَكُمْ تَرْضَوْنَ عَنِّي وَكُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ أُعْطِيهِ. مَهْمَا كَانَ الْمَهْرُ غَالِيًا وَالْهَدَايَا، أَنَا أُعْطِي كُلَّ مَا تَطْلُبُونَهُ. إِنَّمَا أَعْطُونِي الْفَتَاةَ زَوْجَةً.“ فَاحْتَالَ أَوْلَادُ يَعْقُوبَ عَلَى شَكِيمَ وَأَبِيهِ حَمُورَ، لِأَنَّ شَكِيمَ لَوَّثَ شَرَفَ أُخْتِهِمْ، وَقَالُوا لَهُمَا: ”لَا يُمْكِنُ أَنْ نَعْمَلَ هَذَا، أَنْ نُعْطِيَ أُخْتَنَا لِرَجُلٍ غَيْرِ مَخْتُونٍ. هَذَا عَيْبٌ عِنْدَنَا. غَيْرَ أَنَّنَا نُوَافِقُ عَلَى طَلَبِكُمْ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنْ تَصِيرُوا مِثْلَنَا فَيُخْتَنَ كُلُّ ذَكَرٍ مِنْكُمْ. وَعِنْدَ ذَلِكَ نُعْطِيكُمْ بَنَاتِنَا، وَنَأْخُذُ بَنَاتِكُمْ، وَنَسْكُنُ مَعَكُمْ، وَنُصْبِحُ شَعْبًا وَاحِدًا. وَإِنْ لَمْ تُوَافِقُوا عَلَى أَنْ تُخْتَنُوا، نَأْخُذُ بِنْتَنَا وَنَمْضِي.“ فَرَأَى حَمُورُ وَابْنُهُ شَكِيمُ أَنَّ اقْتِرَاحَهُمْ مَعْقُولٌ. وَلَمْ يَتَأَخَّرِ الشَّابُّ عَنْ تَنْفِيذِ كَلَامِهِمْ، لِأَنَّهُ كَانَ فَرْحَانًا بِبِنْتِ يَعْقُوبَ، وَكَانَ مُكَرَّمًا جِدًّا فِي عَائِلَةِ أَبِيهِ. فَجَاءَ حَمُورُ وَابْنُهُ شَكِيمُ إِلَى بَابِ مَدِينَتِهِمَا لِيُكَلِّمَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَقَالَا: ”هَؤُلَاءِ النَّاسُ مُسَالِمُونَ لَنَا، فَلْيَسْكُنُوا فِي أَرْضِنَا وَيُتَاجِرُوا فِيهَا، الْأَرْضُ وَاسِعَةُ الْأَطْرَافِ أَمَامَهُمْ. وَبِذَلِكَ نَتَزَوَّجُ بَنَاتِهِمْ وَهُمْ يَتَزَوَّجُونَ بَنَاتِنَا. لَكِنَّهُمْ وَضَعُوا شَرْطًا لِكَيْ يَسْكُنُوا مَعَنَا وَنَصِيرَ شَعْبًا وَاحِدًا، وَهُوَ أَنْ نَخْتِنَ كُلَّ ذَكَرٍ مِنَّا مِثْلَهُمْ. وَبِذَلِكَ تَصِيرُ مَوَاشِيهِمْ وَأَمْلَاكُهُمْ وَكُلُّ بَهَائِمِهِمْ لَنَا. تَعَالَوْا نَتَّفِقُ مَعَهُمْ فَيُقِيمُوا عِنْدَنَا.“ فَوَافَقَ كُلُّ الْمَوْجُودِينَ عِنْدَ بَابِ الْمَدِينَةِ عَلَى كَلَامِ حَمُورَ وَابْنِهِ شَكِيمَ، وَخَتَنُوا كُلَّ ذَكَرٍ فِي الْمَدِينَةِ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ بَيْنَمَا هُمْ مُتَوَجِّعُونَ، قَامَ اثْنَانِ مِنْ أَوْلَادِ يَعْقُوبَ، هُمَا شَمْعُونُ وَلَاوِي أَخَوَا دِينَةَ، وَأَخَذَا سَيْفَيْهِمَا وَهَجَمَا عَلَى الْمَدِينَةِ الْآمِنَةِ وَقَتَلَا كُلَّ ذَكَرٍ فِيهَا. حَتَّى حَمُورَ وَابْنَهُ شَكِيمَ قَتَلَاهُمَا بِالسَّيْفِ. وَأَخَذَا دِينَةَ مِنْ بَيْتِ شَكِيمَ وَخَرَجَا. ثُمَّ جَاءَ أَوْلَادُ يَعْقُوبَ عَلَى الْقَتْلَى وَنَهَبُوا الْمَدِينَةَ الَّتِي لَوَّثَتْ شَرَفَ أُخْتِهِمْ، وَاسْتَوْلَوْا عَلَى غَنَمِهِمْ وَبَقَرِهِمْ وَحَمِيرِهِمْ، وَعَلَى كُلِّ مَا فِي الْمَدِينَةِ وَفِي الْحُقُولِ، كُلِّ ثَرْوَتِهِمْ. وَأَسَرُوا كُلَّ أَطْفَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ، وَنَهَبُوا كُلَّ مَا فِي الدِّيَارِ. فَقَالَ يَعْقُوبُ لِشَمْعُونَ وَلَاوِي: ”جَلَبْتُمَا عَلَيَّ الشَّقَاءَ وَجَعَلْتُمَانِي مَكْرُوهًا عِنْدَ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ سُكَّانِ هَذِهِ الْبِلَادِ. نَحْنُ عَدَدٌ قَلِيلٌ، فَإِنِ اجْتَمَعُوا ضِدِّي وَهَجَمُوا عَلَيَّ، أَهْلِكُ أَنَا وَبَيْتِي.“ فَقَالَا: ”هَلْ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُعَامِلَ أُخْتَنَا كَعَاهِرَةٍ؟“ ثُمَّ قَالَ اللهُ لِيَعْقُوبَ: ”قُمِ اذْهَبْ إِلَى بَيْتَ إِيلَ وَاسْكُنْ هُنَاكَ، وَابْنِ هُنَاكَ مَنَصَّةَ قُرْبَانٍ للهِ الَّذِي ظَهَرَ لَكَ لَمَّا كُنْتَ هَارِبًا مِنْ أَخِيكَ الْعِيصَ.“ فَقَالَ يَعْقُوبُ لِأَهْلِ بَيْتِهِ وَكُلِّ الَّذِينَ مَعَهُ: ”أَزِيلُوا الْآلِهَةَ الْغَرِيبَةَ الَّتِي عِنْدَكُمْ، وَتَطَهَّرُوا وَغَيِّرُوا مَلَابِسَكُمْ. ثُمَّ تَعَالَوْا نَذْهَبُ إِلَى بَيْتَ إِيلَ، فَأَبْنِيَ هُنَاكَ مَنَصَّةَ قُرْبَانٍ للهِ الَّذِي اسْتَجَابَ لِي فِي وَقْتِ ضِيقِي، وَكَانَ مَعِي فِي كُلِّ مَكَانٍ ذَهَبْتُ إِلَيْهِ.“ فَأَعْطَوْا يَعْقُوبَ كُلَّ الْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُمْ، وَالْأَقْرَاطَ الَّتِي فِي آذَانِهِمْ. فَطَمَرَهَا يَعْقُوبُ تَحْتَ الْبَلُّوطَةِ الَّتِي فِي شَكِيمَ. ثُمَّ رَحَلُوا. وَأَرْعَبَ اللهُ أَهَالِيَ الْمُدُنِ الَّتِي حَوْلَهُمْ، فَلَمْ يَقْتَفُوا أَثَرَهُمْ. وَجَاءَ يَعْقُوبُ هُوَ وَكُلُّ الَّذِينَ مَعَهُ إِلَى لُوزَ، أَيْ بَيْتَ إِيلَ، فِي بِلَادِ كَنْعَانَ. فَبَنَى هُنَاكَ مَنَصَّةَ قُرْبَانٍ، وَدَعَا الْمَكَانَ 'إِلَهَ بَيْتَ إِيلَ' لِأَنَّ اللهَ أَظْهَرَ نَفْسَهُ لَهُ هُنَاكَ لَمَّا كَانَ هَارِبًا مِنْ أَخِيهِ. وَمَاتَتْ دَبُورَةُ مُرْضِعَةُ رِفْقَةَ هُنَاكَ، وَدُفِنَتْ تَحْتَ الْبَلُّوطَةِ الَّتِي فِي مُنْخَفَضِ بَيْتَ إِيلَ. فَسُمِّيَتْ 'بَلُّوطَةَ الْبُكَاءِ.' وَبَعْدَمَا رَجَعَ يَعْقُوبُ مِنْ سَهْلِ آرَامَ، ظَهَرَ اللهُ لَهُ مَرَّةً أُخْرَى وَبَارَكَهُ، وَقَالَ لَهُ: ”اِسْمُكَ يَعْقُوبُ، لَكِنَّهُ لَا يَكُونُ يَعْقُوبَ فِيمَا بَعْدُ، بَلْ إِسْرَائِيلَ.“ فَسَمَّاهُ إِسْرَائِيلَ. وَقَالَ اللهُ لَهُ: ”أَنَا اللهُ الْقَدِيرُ، أَثْمِرْ وَاكْثُرْ، فَتَأْتِيَ مِنْكَ أُمَّةٌ وَجَمَاعَةُ أُمَمٍ، وَمِنْ صُلْبِكَ يَأْتِي مُلُوكٌ. وَالْأَرْضُ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لِإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ، أُعْطِيهَا لَكَ أَنْتَ أَيْضًا، وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ.“ ثُمَّ ذَهَبَ اللهُ مِنْ عِنْدِهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي كَلَّمَهُ فِيهِ. فَأَقَامَ يَعْقُوبُ عَمُودًا مِنْ حَجَرٍ فِي الْمَكَانِ الَّذِي كَلَّمَهُ اللهُ فِيهِ، وَصَبَّ عَلَيْهِ قُرْبَانَ شَرَابٍ وَزَيْتًا. وَدَعَا يَعْقُوبُ الْمَكَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ اللهُ فِيهِ بَيْتَ إِيلَ. ثُمَّ رَحَلُوا مِنْ بَيْتَ إِيلَ. وَلَمَّا كَانُوا عَلَى مَسَافَةٍ مِنْ أَفْرَاتَةَ، بَدَأَتْ رَاحِيلُ تَلِدُ وَتَعَسَّرَتْ وِلَادَتُهَا. وَبَيْنَمَا هِيَ مُتَعَسِّرَةٌ، قَالَتْ لَهَا الْمُوَلِّدَةُ: ”لَا تَخَافِي، هَذَا وَلَدٌ آخَرُ.“ وَبَيْنَمَا هِيَ تَلْفِظُ أَنْفَاسَهَا الْأَخِيرَةَ لِأَنَّهَا مَاتَتْ، دَعَتِ اسْمَهُ بِنْ أُونِي، أَمَّا أَبُوهُ فَدَعَاهُ بِنْيَمِينَ. فَمَاتَتْ رَاحِيلُ وَدُفِنَتْ فِي الطَّرِيقِ إِلَى أَفْرَاتَةَ أَيْ بَيْتَ لَحْمَ. وَأَقَامَ يَعْقُوبُ عَمُودًا عَلَى قَبْرِهَا، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ لِحَدِّ الْيَوْمِ بِاسْمِ 'عَمُودِ قَبْرِ رَاحِيلَ.' وَتَابَعَ إِسْرَائِيلُ رِحْلَتَهُ وَنَصَبَ خَيْمَتَهُ فِي النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى مِنْ بُرْجِ عِدْرٍ. وَلَمَّا كَانَ إِسْرَائِيلُ سَاكِنًا فِي تِلْكَ الْمِنْطَقَةِ، ذَهَبَ رَأُوبِينُ وَعَاشَرَ بِلْهَةَ جَارِيَةَ أَبِيهِ، وَسَمِعَ إِسْرَائِيلُ بِالْأَمْرِ. أَبْنَاءُ لِيئَةَ: رَأُوبِينُ بِكْرُ يَعْقُوبَ، وَشَمْعُونُ وَلَاوِي وَيَهُوذَا وَيَسَّاكَرُ وَزَبُولُونُ. اِبْنَا رَاحِيلَ: يُوسِفُ وَبِنْيَمِينُ. اِبْنَا بِلْهَةَ جَارِيَةِ رَاحِيلَ: دَانُ وَنَفْتَالِي. اِبْنَا زِلْفَةَ جَارِيَةِ لِيئَةَ: جَادُ وَأَشِيرُ. فَهَؤُلَاءِ هُمْ أَبْنَاءُ يَعْقُوبَ الَّذِينَ وُلِدُوا لَهُ فِي سَهْلِ آرَامَ. وَجَاءَ يَعْقُوبُ إِلَى أَبِيهِ إِسْحَاقَ فِي مَمْرَا بِالْقُرْبِ مِنْ قَرْيَةِ أَرْبَعَ، أَيْ حَبْرُونَ، حَيْثُ سَكَنَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْحَاقُ. وَعَاشَ إِسْحَاقُ 180 سَنَةً، وَانْضَمَّ إِلَى أَسْلَافِهِ شَيْخًا وَقَدْ شَبِعَ مِنَ الْحَيَاةِ. وَدَفَنَهُ ابْنَاهُ الْعِيصُ وَيَعْقُوبُ. هَذَا سِجِلُّ مَوَالِيدِ الْعِيصَ، أَيْ أَدُومَ. أَخَذَ الْعِيصُ زَوْجَاتِهِ مِنْ بَنَاتِ كَنْعَانَ: عَدَّةَ بِنْتَ أَيْلُونَ الْحِثِّيِّ، وَأَهُولِيبَامَةَ بِنْتَ عَنَى وَحَفِيدَةَ صِبْعُونَ الْحِوِّيِّ. وَأَيْضًا بَسْمَةَ بِنْتَ إِسْمَاعِيلَ وَأُخْتَ نَبَايُوتَ. وَوَلَدَتْ عَدَّةُ لِلْعِيصَ أَلِيفَازَ، وَوَلَدَتْ بَسْمَةُ رَعُوئِيلَ، وَوَلَدَتْ أَهُولِيبَامَةُ يَعُوشَ وَيَعْلَامَ وَقُورَحَ. فَهَؤُلَاءِ هُمْ بَنُو الْعِيصَ الَّذِينَ وُلِدُوا لَهُ فِي كَنْعَانَ. وَأَخَذَ الْعِيصُ زَوْجَاتِهِ وَبَنِيهِ وَبَنَاتِهِ وَكُلَّ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَمَوَاشِيَهُ وَكُلَّ بَهَائِمِهِ وَكُلَّ الْأَشْيَاءِ الَّتِي اقْتَنَاهَا فِي كَنْعَانَ، وَرَحَلَ إِلَى أَرْضٍ أُخْرَى بَعِيدًا عَنْ أَخِيهِ يَعْقُوبَ. فَقَدْ كَانَتْ أَمْلَاكُهُمَا كَثِيرَةً جِدًّا، وَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَسْكُنَا مَعًا. لِأَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي كَانَا فِيهَا، لَمْ تَكُنْ كَافِيَةً لِإِعَالَةِ مَوَاشِيهِمَا. فَسَكَنَ الْعِيصُ، أَيْ أَدُومُ، فِي جَبَلِ سَعِيرَ. هَذَا سِجِلُّ مَوَالِيدِ الْعِيصَ أَبِي الْأَدُومِيِّينَ الَّذِي فِي جَبَلِ سَعِيرَ. هَذِهِ أَسْمَاءُ أَبْنَاءِ الْعِيصَ: أَلِيفَازُ ابْنُ عَدَّةَ، وَرَعُوئِيلُ ابْنُ بَسْمَةَ. بَنُو أَلِيفَازَ: تِيمَانُ وَأُومَارُ وَصَفُو وَجَعْثَامُ وَقَنَازُ. وَكَانَ أَلِيفَازُ بْنُ الْعِيصَ لَهُ أَيْضًا جَارِيَةٌ اسْمُهَا تِمْنَاعُ فَوَلَدَتْ لَهُ عَمَالِيقَ. فَهَؤُلَاءِ هُمْ أَحْفَادُ عَدَّةَ زَوْجَةِ الْعِيصَ. بَنُو رَعُوئِيلَ: نَحَثُ وَزَارَحُ وَشَمَّةُ وَمِزَّةُ. فَهُمْ أَحْفَادُ بَسْمَةَ زَوْجَةِ الْعِيصَ. بَنُو أَهُولِيبَامَةَ بِنْتِ عَنَى وَحَفِيدَةِ صِبْعُونَ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ لِلْعِيصَ هُمْ: يَعُوشُ وَيَعْلَامُ وَقُورَحُ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ قَبَائِلِ بَنِي الْعِيصَ، أَبْنَاءُ أَلِيفَازَ بِكْرِ الْعِيصَ: الرُّؤَسَاءُ هُمْ تِيمَانُ وَأُومَارُ وَصَفُو وَقَنَازُ وَقُورَحُ وَجَعْثَامُ وَعَمَالِيقُ. وَهُمْ رُؤَسَاءُ الْقَبَائِلِ مِنْ نَسْلِ أَلِيفَازَ فِي بِلَادِ أَدُومَ. وَهُمْ أَحْفَادُ عَدَّةَ. وَأَبْنَاءُ رَعُوئِيلَ بْنِ الْعِيصَ: الرُّؤَسَاءُ هُمْ نَحَثُ وَزَارَحُ وَشَمَّةُ وَمِزَّةُ. وَهُمْ رُؤَسَاءُ الْقَبَائِلِ مِنْ نَسْلِ رَعُوئِيلَ فِي بِلَادِ أَدُومَ. وَهُمْ أَحْفَادُ بَسْمَةَ. وَأَبْنَاءُ أَهُولِيبَامَةَ زَوْجَةِ الْعِيصَ: الرُّؤَسَاءُ هُمْ يَعُوشُ وَيَعْلَامُ وَقُورَحُ. وَهُمْ رُؤَسَاءُ الْقَبَائِلِ مِنْ نَسْلِ أَهُولِيبَامَةَ بِنْتِ عَنَى زَوْجَةِ الْعِيصَ. فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ أَبْنَاءُ الْعِيصَ، أَيْ أَدُومَ، وَهَؤُلَاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ قَبَائِلِهِمْ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ أَبْنَاءُ سَعِيرَ الْحُورِيِّ، الَّذِينَ سَكَنُوا فِي الْمِنْطَقَةِ: لُوطَانُ وَشُوبَالُ وَصِبْعُونُ وَعَنَى. وَدِيشُونُ وَإِيصَرُ وَدِيشَانُ. هَؤُلَاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ قَبَائِلِ الْحُورِيِّينَ مِنْ بَنِي سَعِيرَ فِي بِلَادِ أَدُومَ. اِبْنَا لُوطَانَ: حُورِي وَهُمَامُ، وَتِمْنَاعُ هِيَ أُخْتُ لُوطَانَ. بَنُو شُوبَالَ: عَلْوَانُ وَمَنَاحَةُ وَعِيبَالُ وَشَفُو وَأُونَامُ. اِبْنَا صِبْعُونَ: أَيَّةُ وَعَنَى. هَذَا هُوَ عَنَى الَّذِي عَثَرَ عَلَى يَنَابِيعِ الْمِيَاهِ الْحَارَّةِ فِي الصَّحْرَاءِ لَمَّا كَانَ يَرْعَى حَمِيرَ أَبِيهِ صِبْعُونَ. وَأَنْجَبَ عَنَى ابْنَهُ دِيشُونَ وَابْنَتَهُ أَهُولِيبَامَةَ. بَنُو دِيشُونَ: حَمْدَانُ وَأَشْبَانُ وَيَثْرَانُ وَكَرَانُ. بَنُو إِيصَرَ: بَلْهَانُ وَزَعْوَانُ وَعَقَانُ. اِبْنَا دِيشَانَ: عُوصُ وَأَرَانُ. فَهَؤُلَاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ قَبَائِلِ الْحُورِيِّينَ: لُوطَانُ وَشُوبَالُ وَصِبْعُونُ وَعَنَى وَدِيشُونُ وَإِيصَرُ وَدِيشَانُ. هُمْ رُؤَسَاءُ قَبَائِلِ الْحُورِيِّينَ حَسَبَ أَقْسَامِهِمْ فِي أَرْضِ سَعِيرَ. هَؤُلَاءِ هُمُ الْمُلُوكُ الَّذِينَ حَكَمُوا فِي بِلَادِ أَدُومَ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ أَيُّ مَلِكٍ فِي بِلَادِ إِسْرَائِيلَ: بَالَعُ بْنُ بَعُورَ كَانَ مَلِكًا فِي أَدُومَ، فِي مَدِينَةِ دِنْهَابَةَ. وَلَمَّا مَاتَ بَالَعُ، مَلَكَ مَكَانَهُ يُوبَابُ بْنُ زَارَحَ مِنْ بُصْرَةَ. وَلَمَّا مَاتَ يُوبَابُ، مَلَكَ مَكَانَهُ حُوشَامُ مِنْ أَرْضِ التِّيمَانِيِّينَ. وَلَمَّا مَاتَ حُوشَامُ، مَلَكَ مَكَانَهُ هَدَدُ بْنُ بَدَدَ الَّذِي هَزَمَ مِدْيَانَ فِي بِلَادِ مُوآبَ، وَاسْمُ مَدِينَتِهِ عَوِيتُ. وَلَمَّا مَاتَ هَدَدُ، مَلَكَ مَكَانَهُ سَمْلَةُ مِنْ مَسْرِيقَةَ. وَلَمَّا مَاتَ سَمْلَةُ، مَلَكَ مَكَانَهُ شَاوُلُ مِنْ رَحُوبُوتَ الَّتِي عَلَى النَّهْرِ. وَلَمَّا مَاتَ شَاوُلُ، مَلَكَ مَكَانَهُ بَعْلُ حَانَانَ بْنُ عَكْبُورَ. وَلَمَّا مَاتَ بَعْلُ حَانَانَ، مَلَكَ مَكَانَهُ هَدَدُ، وَاسْمُ مَدِينَتِهِ فَاعُو، وَزَوْجَتُهُ هِيَ مَهْطَبِيلُ بِنْتُ مَطْرِدَ بِنْتِ مَاءَ ذَهَبَ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ الْقَبَائِلِ الَّتِي مِنْ نَسْلِ الْعِيصَ، حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ وَمَنَاطِقِهِمْ: تِمْنَاعُ وَعَلْوَةُ وَيَتِيتُ وَأَهُولِيبَامَةُ وَأَيْلَةُ وَفِينُونُ وَقَنَازُ وَتِيمَانُ وَمِبْصَارُ وَمَجْدِيلُ وَعِيرَامُ. فَهَؤُلَاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ أَدُومَ حَسَبَ الْأَمَاكِنِ الَّتِي اسْتَوْطَنُوا فِيهَا فِي الْبِلَادِ الَّتِي امْتَلَكُوهَا. فَهَذَا هُوَ الْعِيصُ أَبُو الْأَدُومِيِّينَ. وَسَكَنَ يَعْقُوبُ فِي بِلَادِ كَنْعَانَ، حَيْثُ عَاشَ أَبُوهُ مِنْ قَبْلُ. وَهَذِهِ هِيَ قِصَّةُ يَعْقُوبَ: لَمَّا كَانَ يُوسِفُ شَابًّا ابْنَ 17 سَنَةً، كَانَ يَرْعَى الْغَنَمَ مَعَ إِخْوَتِهِ، أَبْنَاءِ بِلْهَةَ وَزِلْفَةَ زَوْجَتَيْ أَبِيهِ، وَحَكَى لِأَبِيهِ عَنْ أَعْمَالِهِمِ السَّيِّئَةِ. وَكَانَ إِسْرَائِيلُ يُحِبُّ يُوسِفَ أَكْثَرَ مِنْ بَاقِي إِخْوَتِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ ابْنَ شَيْخُوخَتِهِ. فَصَنَعَ لَهُ رِدَاءً مُلَوَّنًا. فَلَمَّا رَأَى إِخْوَتُهُ أَنَّ أَبَاهُمْ يُحِبُّهُ أَكْثَرَ مِنْهُمْ، كَرِهُوا يُوسِفَ وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَقُولُوا لَهُ كَلِمَةً طَيِّبَةً. وَحَلَمَ يُوسِفُ حُلْمًا، وَلَمَّا حَكَاهُ لِإِخْوَتِهِ، كَرِهُوهُ أَكْثَرَ. قَالَ لَهُمْ: ”اِسْمَعُوا هَذَا الْحُلْمَ الَّذِي حَلَمْتُهُ: رَأَيْتُ وَكُنَّا نَحْزِمُ حُزَمًا فِي الْحَقْلِ، وَفَجْأَةً قَامَتْ حُزْمَتِي وَانْتَصَبَتْ، فَالْتَفَّتْ حَوْلَهَا حُزَمُكُمْ وَانْحَنَتْ لَهَا.“ فَقَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ: ”هَلْ تَظُنُّ أَنَّكَ سَتَمْلِكُ عَلَيْنَا وَتَحْكُمُنَا؟“ وَكَرِهُوهُ أَكْثَرَ بِسَبَبِ أَحْلَامِهِ وَكَلَامِهِ. ثُمَّ حَلَمَ حُلْمًا آخَرَ، وَحَكَاهُ لِإِخْوَتِهِ. قَالَ لَهُمْ: ”اِسْمَعُوا، حَلَمْتُ حُلْمًا آخَرَ: رَأَيْتُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَ11 كَوْكَبًا سَاجِدَةً لِي.“ فَلَمَّا حَكَاهُ لِأَبِيهِ كَمَا حَكَاهُ لِإِخْوَتِهِ، وَبَّخَهُ أَبُوهُ وَقَالَ: ”مَا هُوَ هَذَا الْحُلْمُ الَّذِي حَلَمْتَهُ؟ هَلْ نَأْتِي أَنَا وَأُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ فِعْلًا وَنَنْحَنِي لَكَ إِلَى الْأَرْضِ؟“ وَغَارَ مِنْهُ إِخْوَتُهُ. أَمَّا أَبُوهُ فَاحْتَفَظَ بِالْأَمْرِ فِي فِكْرِهِ. وَذَهَبَ إِخْوَتُهُ لِيَرْعَوْا غَنَمَ أَبِيهِمْ بِالْقُرْبِ مِنْ شَكِيمَ. وَقَالَ إِسْرَائِيلُ لِيُوسِفَ: ”أَنْتَ عَارِفٌ أَنَّ إِخْوَتَكَ يَرْعَوْنَ الْغَنَمَ عِنْدَ شَكِيمَ. تَعَالَ أُرْسِلُكَ لَهُمْ.“ فَأَجَابَ يُوسِفُ: ”حَسَنًا يَا أَبِي.“ فَقَالَ لَهُ: ”اِذْهَبْ وَاطْمَئِنَّ عَلَى إِخْوَتِكَ وَعَلَى الْغَنَمِ وَارْجِعْ وَأَخْبِرْنِي.“ وَأَرْسَلَهُ مِنْ حَبْرُونَ. فَلَمَّا جَاءَ إِلَى شَكِيمَ، وَجَدَهُ رَجُلٌ وَهُوَ تَائِهٌ فِي الْحُقُولِ فَسَأَلَهُ: ”عَمَّا تَبْحَثُ؟“ أَجَابَ: ”أَبْحَثُ عَنْ إِخْوَتِي. أَرْجُوكَ أَنْ تُخْبِرَنِي أَيْنَ يَرْعَوْنَ غَنَمَهُمْ؟“ فَقَالَ الرَّجُلُ: ”إِنَّهُمْ رَحَلُوا مِنْ هُنَا، وَسَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ: ’تَعَالَوْا نَذْهَبُ إِلَى دُوثَانَ.‘“ فَذَهَبَ يُوسِفُ يَبْحَثُ عَنْ إِخْوَتِهِ، وَوَجَدَهُمْ بِالْقُرْبِ مِنْ دُوثَانَ. فَرَأَوْهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَقَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِمْ، تَآمَرُوا عَلَيْهِ لِيَقْتُلُوهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ”هَذَا هُوَ صَاحِبُ الْأَحْلَامِ قَادِمٌ. تَعَالَوْا نَقْتُلُهُ وَنَرْمِيهِ فِي إِحْدَى الْآبَارِ، وَنَقُولُ إِنَّ وَحْشًا ضَارِيًا افْتَرَسَهُ. فَنَرَى إِنْ كَانَتْ أَحْلَامُهُ تَنْفَعُهُ.“ فَلَمَّا سَمِعَ رَأُوبِينُ هَذَا، أَرَادَ أَنْ يُنْقِذَهُ مِنْهُمْ فَقَالَ: ”لَا نَقْتُلُهُ، لَا تَسْفِكُوا دَمًا. اِرْمُوهُ فِي هَذِهِ الْبِئْرِ فِي الصَّحْرَاءِ وَلَا تُؤْذُوهُ.“ وَقَصَدَ رَأُوبِينُ بِهَذَا أَنْ يُنْقِذَهُ مِنْهُمْ وَيُرْجِعَهُ لِأَبِيهِ. فَلَمَّا وَصَلَ يُوسِفُ عِنْدَ إِخْوَتِهِ، نَزَعُوا عَنْهُ رِدَاءَهُ الْمُلَوَّنَ الَّذِي كَانَ يَلْبَسُهُ، وَأَخَذُوهُ وَرَمَوْهُ فِي الْبِئْرِ. وَكَانَتِ الْبِئْرُ فَارِغَةً مِنَ الْمَاءِ. وَلَمَّا جَلَسُوا لِيَأْكُلُوا طَعَامَهُمْ، نَظَرُوا فَرَأَوْا قَافِلَةً مِنَ الْإِسْمَاعِيلِيِّينَ قَادِمِينَ مِنْ جِلْعَادَ، وَجِمَالُهُمْ مُحَمَّلَةٌ بِالتَّوَابِلِ وَالْبَلْسَمِ وَالْمُرِّ، وَهُمْ فِي طَرِيقِهِمْ إِلَى مِصْرَ. فَقَالَ يَهُوذَا لِإِخْوَتِهِ: ”مَاذَا نَرْبَحُ إِنْ قَتَلْنَا أَخَانَا وَأَخْفَيْنَا مَوْتَهُ؟ تَعَالَوْا نَبِيعُهُ لِلْإِسْمَاعِيلِيِّينَ، وَلَا نُؤْذِيهِ لِأَنَّهُ أَخُونَا مِنْ لَحْمِنَا وَدَمِنَا.“ فَوَافَقَ إِخْوَتُهُ. فَلَمَّا وَصَلَ التُّجَّارُ الْمِدْيَانِيُّونَ، سَحَبَ الْإِخْوَةُ يُوسِفَ مِنَ الْبِئْرِ، وَبَاعُوهُ بِـ20 عُمْلَةً مِنَ الْفِضَّةِ لِلْإِسْمَاعِيلِيِّينَ، فَأَخَذُوهُ إِلَى مِصْرَ. وَرَجَعَ رَأُوبِينُ إِلَى الْبِئْرِ، فَلَمْ يَجِدْ يُوسِفَ هُنَاكَ، فَشَقَّ مَلَابِسَهُ، وَذَهَبَ إِلَى إِخْوَتِهِ وَقَالَ: ”الْوَلَدُ لَيْسَ هُنَاكَ، وَأَنَا أَيْنَ أَذْهَبُ الْآنَ؟“ فَأَخَذُوا قَمِيصَ يُوسِفَ، وَذَبَحُوا جَدْيًا وَغَمَسُوا الْقَمِيصَ فِي الدَّمِ. وَأَخَذُوا الْقَمِيصَ إِلَى أَبِيهِمْ وَقَالُوا: ”وَجَدْنَا هَذَا، تَحَقَّقْ مِنْهُ، هَلْ هُوَ قَمِيصُ ابْنِكَ أَمْ لَا؟“ فَعَرَفَهُ يَعْقُوبُ وَقَالَ: ”هُوَ قَمِيصُ ابْنِي. وَحْشٌ ضَارٍ افْتَرَسَهُ. إِنَّهُ مَزَّقَ يُوسِفَ تَمْزِيقًا.“ فَشَقَّ يَعْقُوبُ مَلَابِسَهُ وَلَبِسَ الْخَيْشَ، وَنَاحَ عَلَى ابْنِهِ أَيَّامًا كَثِيرَةً. وَجَاءَ كُلُّ أَوْلَادِهِ وَبَنَاتِهِ لِيُعَزُّوهُ، وَلَكِنَّهُ رَفَضَ أَنْ يَتَعَزَّى وَقَالَ: ”سَأَمُوتُ مِنَ الْبُكَاءِ عَلَى ابْنِي.“ وَبَكَى عَلَيْهِ أَبُوهُ. وَبَاعَ الْمِدْيَانِيُّونَ يُوسِفَ فِي مِصْرَ لِفُوطِيفَارَ، وَهُوَ أَحَدُ أَعْوَانِ فِرْعَوْنَ وَقَائِدُ الْحَرَسِ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ افْتَرَقَ يَهُوذَا عَنْ إِخْوَتِهِ، وَأَقَامَ عِنْدَ رَجُلٍ عَدْلَامِيٍّ اسْمُهُ حِيرَا. وَرَأَى هُنَاكَ بِنْتَ وَاحِدٍ كَنْعَانِيٍّ اسْمُهُ شُوعُ فَأَخَذَهَا وَتَزَوَّجَهَا، فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتِ ابْنًا فَسَمَّاهُ عِيرَ. ثُمَّ حَبِلَتْ مَرَّةً أُخْرَى وَوَلَدَتِ ابْنًا وَسَمَّتْهُ أُونَانَ. ثُمَّ وَلَدَتِ ابْنًا آخَرَ فِي كَزِيبَ وَسَمَّتْهُ شِيلَةَ. وَأَخَذَ يَهُوذَا لِعِيرَ بِكْرِهِ زَوْجَةً اسْمُهَا تَامَارُ. وَكَانَ عِيرُ بِكْرُ يَهُوذَا شِرِّيرًا فِي نَظَرِ اللهِ، فَأَمَاتَهُ اللهُ. فَقَالَ يَهُوذَا لِأُونَانَ: ”خُذْ زَوْجَةَ أَخِيكَ وَتَزَوَّجْهَا، وَأَقِمْ نَسْلًا لِأَخِيكَ.“ وَعَرَفَ أُونَانُ أَنَّ النَّسْلَ لَا يَكُونُ لَهُ، فَكَانَ كُلَّمَا عَاشَرَ زَوْجَةَ أَخِيهِ، يُفْرِغُ زَرْعَهُ عَلَى الْأَرْضِ لِكَيْ لَا يُقِيمَ نَسْلًا لِأَخِيهِ. وَكَانَ هَذَا التَّصَرُّفُ رَدِيئًا فِي نَظَرِ اللهِ، فَأَمَاتَهُ هُوَ أَيْضًا. فَقَالَ يَهُوذَا لِتَامَارَ زَوْجَةِ ابْنِهِ: ”أَقِيمِي أَرْمَلَةً فِي دَارِ أَبِيكِ حَتَّى يَكْبَرَ شِيلَةُ ابْنِي.“ لِأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَمُوتَ شِيلَةُ كَمَا مَاتَ أَخَوَاهُ. فَذَهَبَتْ تَامَارُ وَأَقَامَتْ فِي دَارِ أَبِيهَا. وَمَضَى الْوَقْتُ، وَمَاتَتْ بِنْتُ شُوعَ زَوْجَةُ يَهُوذَا. وَلَمَّا انْتَهَتْ أَيَّامُ الْجِنَازَةِ، ذَهَبَ يَهُوذَا إِلَى الَّذِينَ كَانُوا يَجُزُّونَ غَنَمَهُ فِي تِمْنَةَ، وَذَهَبَ مَعَهُ حِيرَا صَاحِبُهُ الْعَدْلَامِيُّ. فَقَالُوا لِتَامَارَ: ”أَبُو زَوْجِكِ ذَاهِبٌ إِلَى تِمْنَةَ لِيَجُزَّ غَنَمَهُ.“ فَخَلَعَتْ عَنْهَا مَلَابِسَ الْأَرْمَلَةِ، وَغَطَّتْ وَجْهَهَا بِبُرْقُعٍ لِتُخْفِيَ مَلَامِحَهَا، ثُمَّ جَلَسَتْ عِنْدَ مَدْخَلِ عَيْنَايِمَ الَّتِي عَلَى الطَّرِيقِ إِلَى تِمْنَةَ. لِأَنَّهَا رَأَتْ أَنَّ شِيلَةَ كَبِرَ وَلَمْ يُزَوِّجُوهَا لَهُ. فَلَمَّا رَآهَا يَهُوذَا، ظَنَّ أَنَّهَا عَاهِرَةٌ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُغَطِّي وَجْهَهَا. وَلَمْ يَعْرِفْ أَنَّهَا زَوْجَةُ ابْنِهِ، فَذَهَبَ إِلَيْهَا عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ وَقَالَ لَهَا: ”تَعَالَيْ أُعَاشِرُكِ.“ فَقَالَتْ: ”مَاذَا تُعْطِينِي لِتُعَاشِرَنِي؟“ فَقَالَ: ”أُرْسِلُ لَكِ جَدْيًا مِنَ الْمَعْزِ مِنْ غَنَمِي.“ فَقَالَتْ: ”هَلْ تُعْطِينِي رَهْنًا لِحَدِّ مَا تُرْسِلُهُ؟“ فَقَالَ: ”مَاذَا أُعْطِيكِ كَرَهْنٍ؟“ أَجَابَتْ: ”خَاتِمَكَ وَعِصَابَتَكَ وَعَصَاكَ الَّتِي فِي يَدِكَ.“ فَأَعْطَاهَا لَهَا، وَعَاشَرَهَا فَحَبِلَتْ مِنْهُ. وَلَمَّا قَامَتْ وَرَجَعَتْ إِلَى دَارِهَا، خَلَعَتْ بُرْقُعَهَا وَلَبِسَتْ مَلَابِسَ الْأَرْمَلَةِ مَرَّةً أُخْرَى. وَأَرْسَلَ يَهُوذَا الْجَدْيَ مَعَ صَاحِبِهِ الْعَدْلَامِيِّ، لِيَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ مِنَ الْمَرْأَةِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَجِدْهَا. فَسَأَلَ أَهْلَ الْمَكَانِ: ”أَيْنَ الْعَاهِرَةُ الَّتِي كَانَتْ تَجْلِسُ عَلَى الطَّرِيقِ فِي عَيْنَايِمَ؟“ فَقَالُوا: ”لَا تُوجَدُ عَاهِرَةٌ هُنَا!“ فَرَجَعَ إِلَى يَهُوذَا وَقَالَ: ”لَمْ أَجِدْهَا. زِدْ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْمَكَانِ قَالُوا: ’لَا تُوجَدُ عَاهِرَةٌ هُنَا!‘“ فَقَالَ يَهُوذَا: ”لِتَذْهَبْ هِيَ وَالرَّهْنُ! نَحْنُ لَسْنَا أُضْحُوكَةً! أَنَا أَرْسَلْتُ الْجَدْيَ وَأَنْتَ لَمْ تَجِدْهَا.“ وَبَعْدَ حَوَالَيْ 3 أَشْهُرٍ، قَالُوا لِيَهُوذَا: ”تَامَارُ زَوْجَةُ ابْنِكَ زَنَتْ، وَحَبِلَتْ مَنْ زِنَاهَا.“ فَقَالَ يَهُوذَا: ”هَاتُوهَا وَاحْرِقُوهَا.“ فَلَمَّا ذَهَبُوا إِلَيْهَا، أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي زَوْجِهَا تَقُولُ: ”أَنَا حُبْلَى مِنْ صَاحِبِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. اُنْظُرْ، إِنْ كُنْتَ تَعْرِفُ مَنْ صَاحِبُ هَذَا الْخَاتِمِ وَالْعِصَابَةِ وَالْعَصَا!“ فَتَعَرَّفَ يَهُوذَا عَلَى الْأَشْيَاءِ وَقَالَ: ”هِيَ صَالِحَةٌ أَكْثَرُ مِنِّي. لِأَنِّي لَمْ أُزَوِّجْهَا لِابْنِي شِيلَةَ.“ وَلَمْ يُعَاشِرْهَا بَعْدَ ذَلِكَ. وَلَمَّا حَانَ وَقْتُهَا لِتَلِدَ، وَجَدُوا أَنَّ فِي بَطْنِهَا تَوْأَمَيْنِ. وَبَيْنَمَا هِيَ تَلِدُ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا يَدَهُ، فَرَبَطَتِ الْمُوَلِّدَةُ خَيْطًا أَحْمَرَ عَلَى يَدِهِ وَقَالَتْ: ”هَذَا خَرَجَ أَوَّلًا.“ وَلَكِنَّهُ سَحَبَ يَدَهُ، فَخَرَجَ أَخُوهُ، فَقَالَتْ: ”أَنْتَ اقْتَحَمْتَ!“ وَسَمَّوْهُ فَارِصَ. ثُمَّ خَرَجَ أَخُوهُ وَالْخَيْطُ الْأَحْمَرُ مَرْبُوطٌ عَلَى يَدِهِ، فَسَمَّوْهُ زَارَحَ. أَمَّا يُوسِفُ فَأَخَذَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّونَ إِلَى مِصْرَ. وَاشْتَرَاهُ مِنْهُمْ مِصْرِيٌّ اسْمُهُ فُوطِيفَارُ، وَهُوَ أَحَدُ أَعْوَانِ فِرْعَوْنَ وَقَائِدُ الْحَرَسِ. وَكَانَ اللهُ مَعَ يُوسِفَ فَنَجَحَ، وَكَانَ مُقِيمًا فِي دَارِ سَيِّدِهِ الْمِصْرِيِّ. وَرَأَى سَيِّدُهُ أَنَّ اللهَ مَعَهُ، وَأَنَّهُ أَعْطَاهُ النَّجَاحَ فِي كُلِّ مَا يَعْمَلُهُ. فَنَالَ يُوسِفُ رِضَى سَيِّدِهِ، فَجَعَلَهُ وَكِيلَهُ الْخَاصَّ، وَعَهَدَ إِلَيْهِ بِتَدْبِيرِ شُؤُونِ دَارِهِ، وَاسْتَأْمَنَهُ عَلَى كُلِّ مَا يَمْلِكُ. وَمُنْذُ عَهَدَ إِلَيْهِ بِتَدْبِيرِ شُؤُونِ دَارِهِ وَكُلِّ مَا يَمْلِكُ، بَارَكَ اللهُ دَارَ الْمِصْرِيِّ بِسَبَبِ يُوسِفَ. فَحَلَّتْ بَرَكَةُ اللهِ عَلَى كُلِّ مَا لِفُوطِيفَارَ سَوَاءٌ فِي الدَّارِ أَوْ فِي الْحَقْلِ. فَتَرَكَ كُلَّ مَا عِنْدَهُ تَحْتَ تَصَرُّفِ يُوسِفَ، وَلَمْ يَشْغَلْ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ إِلَّا بِأَنْ يَأْكُلَ. وَكَانَ يُوسِفُ حَسَنَ الْهَيْئَةِ وَجَمِيلَ الْوَجْهِ. وَبَعْدَ فَتْرَةٍ مِنَ الْوَقْتِ أَصْبَحَتْ زَوْجَةُ فُوطِيفَارَ مُغْرَمَةً بِيُوسِفَ، وَطَلَبَتْ مِنْهُ أَنْ يُعَاشِرَهَا. فَرَفَضَ وَقَالَ لَهَا: ”سَيِّدِي لَمْ يَشْغَلْ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدَّارِ، بَلِ اسْتَأْمَنَنِي عَلَى كُلِّ مَا يَمْلِكُ. وَلَا يُوجَدُ فِي هَذِهِ الدَّارِ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ مِنِّي. وَسَيِّدِي لَمْ يَمْنَعْ عَنِّي شَيْئًا غَيْرَكِ، لِأَنَّكِ زَوْجَتُهُ. إِذَنْ كَيْفَ أَرْتَكِبُ هَذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟“ وَكَانَتْ تُحَاوِلُ مَعَهُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، لَكِنَّهُ رَفَضَ أَنْ يُعَاشِرَهَا أَوْ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا. وَذَاتَ يَوْمٍ، دَخَلَ يُوسِفُ الدَّارَ لِيَقُومَ بِعَمَلِهِ. وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْخَدَمِ فِي الْمَنْزِلِ. فَأَمْسَكَتْهُ مِنْ رِدَائِهِ وَطَلَبَتْ مِنْهُ أَنْ يُعَاشِرَهَا. فَتَرَكَ رِدَاءَهُ فِي يَدِهَا، وَهَرَبَ إِلَى خَارِجِ الدَّارِ. فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهُ تَرَكَ رِدَاءَهُ فِي يَدِهَا وَهَرَبَ إِلَى خَارِجِ الدَّارِ، نَادَتِ الْخَدَمَ وَقَالَتْ: ”اُنْظُرُوا! هَذَا الْعِبْرَانِيُّ الَّذِي أَحْضَرَهُ زَوْجِي لَنَا تَعَدَّى عَلَى شَرَفِي! دَخَلَ إِلَى غُرْفَتِي وَحَاوَلَ أَنْ يَغْتَصِبَنِي، فَصَرَخْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي. وَلَمَّا سَمِعَنِي أَصْرُخُ، تَرَكَ رِدَاءَهُ هُنَا وَهَرَبَ إِلَى خَارِجِ الدَّارِ.“ وَاحْتَفَظَتْ بِرِدَائِهِ بِجِوَارِهَا حَتَّى جَاءَ سَيِّدُهُ. وَحَكَتْ لَهُ نَفْسَ الْحِكَايَةِ وَقَالَتْ: ”الْعَبْدُ الْعِبْرَانِيُّ الَّذِي أَحْضَرْتَهُ لَنَا، دَخَلَ إِلَى غُرْفَتِي وَتَعَدَّى عَلَى شَرَفِي! فَلَمَّا صَرَخْتُ، تَرَكَ رِدَاءَهُ هُنَا وَهَرَبَ إِلَى خَارِجِ الدَّارِ.“ فَلَمَّا سَمِعَ سَيِّدُهُ حِكَايَةَ زَوْجَتِهِ وَكَلَامَهَا وَكَيْفَ أَنَّ الْعَبْدَ عَامَلَهَا بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، غَضِبَ جِدًّا. وَقَبَضَ عَلَيْهِ، وَوَضَعَهُ فِي السِّجْنِ الَّذِي كَانَ أَسْرَى الْمَلِكِ مَحْبُوسِينَ فِيهِ. فَأَصْبَحَ يُوسِفُ مَسْجُونًا. وَلَكِنَّ اللهَ كَانَ مَعَ يُوسِفَ، وَعَمِلَ مَعَهُ مَعْرُوفًا، فَجَعَلَ قَائِدَ السِّجْنِ يَرْضَى عَنْهُ. وَعَهَدَ قَائِدُ السِّجْنِ إِلَى يُوسِفَ بِكُلِّ الْمَسْجُونِينَ، وَجَعَلَهُ مَسْئُولًا عَنْ كُلِّ مَا يَجْرِي هُنَاكَ. وَلَمْ يَهْتَمَّ قَائِدُ السِّجْنِ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ تَحْتَ تَصَرُّفِ يُوسِفَ، لِأَنَّ اللهَ كَانَ مَعَ يُوسِفَ، وَأَعْطَاهُ النَّجَاحَ فِي كُلِّ مَا عَمِلَهُ. وَمَضَى بَعْضُ الْوَقْتِ، ثُمَّ أَخْطَأَ سَاقِي مَلِكِ مِصْرَ وَالْخَبَّازُ فِي حَقِّ سَيِّدِهِمَا مَلِكِ مِصْرَ. فَغَضِبَ فِرْعَوْنُ عَلَى هَذَيْنِ الْمُوَظَّفَيْنِ، رَئِيسِ السُّقَاةِ وَرَئِيسِ الْخَبَّازِينَ، وَاعْتَقَلَهُمَا فِي دَارِ قَائِدِ الْحَرَسِ، فِي نَفْسِ السِّجْنِ الَّذِي كَانَ يُوسِفُ مَحْبُوسًا فِيهِ. فَجَعَلَ قَائِدُ الْحَرَسِ يُوسِفَ مَسْئُولًا عَنْهُمَا، فَقَامَ بِخِدْمَتِهِمَا. وَكَانَا فِي الْمُعْتَقَلِ فَتْرَةً مِنَ الْوَقْتِ. وَحَلَمَ كُلٌّ مِنْ سَاقِي مَلِكِ مِصْرَ وَالْخَبَّازِ الْمَحْبُوسَيْنِ حُلْمًا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ. وَكَانَ لِكُلٍّ مِنَ الْحُلْمَيْنِ مَعْنَاهُ الْخَاصُّ. وَلَمَّا جَاءَ يُوسِفُ إِلَيْهِمَا فِي الصَّبَاحِ، وَجَدَهُمَا مُكْتَئِبَيْنِ. فَسَأَلَ يُوسِفُ هَذَيْنِ الْمُوَظَّفَيْنِ الْمَحْبُوسَيْنِ مَعَهُ فِي دَارِ سَيِّدِهِ: ”لِمَاذَا وَجْهَاكُمَا حَزِينَانِ الْيَوْمَ؟“ فَأَجَابَاهُ: ”كُلٌّ مِنَّا حَلَمَ حُلْمًا، وَلَا يُوجَدُ مَنْ يُفَسِّرُهُ لَنَا.“ فَقَالَ يُوسِفُ: ”اللهُ قَادِرٌ أَنْ يُفَسِّرَ لَكُمَا الْحُلْمَيْنِ، فَأَخْبِرَانِي بِهِمَا.“ فَحَكَى رَئِيسُ السُّقَاةِ حُلْمَهُ لِيُوسِفَ، وَقَالَ: ”رَأَيْتُ فِي حُلْمِي شَجَرَةَ عِنَبٍ قُدَّامِي، فِيهَا 3 أَغْصَانٍ. وَلَمَّا طَلَعَ وَرَقُهَا، ظَهَرَتِ الْبَرَاعِمُ، وَنَضِجَتِ الْعَنَاقِيدُ. وَكَانَتْ كَأْسُ فِرْعَوْنَ فِي يَدِي، فَأَخَذْتُ الْعِنَبَ وَعَصَرْتُهُ فِيهَا، وَأَعْطَيْتُ فِرْعَوْنَ الْكَأْسَ فِي يَدِهِ.“ فَقَالَ لَهُ يُوسِفُ: ”هَذَا هُوَ تَفْسِيرُهُ: الْأَغْصَانُ الـ3 هِيَ 3 أَيَّامٍ. بَعْدَ 3 أَيَّامٍ، يُكْرِمُكَ فِرْعَوْنُ وَيَرُدُّكَ إِلَى وَظِيفَتِكَ، فَتُعْطِيهِ كَأْسَهُ فِي يَدِهِ، كَمَا كُنْتَ تَفْعَلُ مِنْ قَبْلُ لَمَّا كُنْتَ سَاقِيَهُ. فَعِنْدَمَا يَأْتِيكَ هَذَا الْخَيْرُ، أَرْجُوكَ أَنْ تَتَذَكَّرَنِي وَتَعْمَلَ مَعِي مَعْرُوفًا، فَتَذْكُرَنِي لِفِرْعَوْنَ، وَتُخْرِجَنِي مِنْ هَذَا السِّجْنِ. لِأَنَّهُمْ أَخَذُونِي غَصْبًا مِنْ أَرْضِ الْعِبْرَانِيِّينَ، وَهُنَا أَيْضًا لَمْ أَعْمَلْ أَيَّ شَيْءٍ يَسْتَحِقُّ أَنْ أُسْجَنَ بِسَبَبِهِ.“ فَلَمَّا رَأَى رَئِيسُ الْخَبَّازِينَ أَنَّ يُوسِفَ فَسَّرَ الْحُلْمَ بِمَا فِيهِ الْخَيْرُ، قَالَ لِيُوسِفَ: ”وَأَنَا أَيْضًا حَلَمْتُ حُلْمًا، كَانَ عَلَى رَأْسِي 3 سِلَالٍ فِيهَا خُبْزٌ. وَالسَّلُّ الْأَعْلَى فِيهِ مِنْ كُلِّ الْأَصْنَافِ الَّتِي يَعْمَلُهَا الْخَبَّازُ لِفِرْعَوْنَ، لَكِنْ كَانَتِ الطُّيُورُ تَأْكُلُهَا مِنَ السَّلِّ الَّذِي عَلَى رَأْسِي.“ فَقَالَ يُوسِفُ: ”هَذَا هُوَ تَفْسِيرُهُ: السِّلَالُ الـ3 هِيَ 3 أَيَّامٍ. بَعْدَ 3 أَيَّامٍ، يَقْطَعُ فِرْعَوْنُ رَأْسَكَ، وَيُعَلِّقُكَ عَلَى خَشَبَةٍ، فَتَأْكُلُ الطُّيُورُ لَحْمَكَ.“ وَبَعْدَ 3 أَيَّامٍ كَانَ عِيدُ مِيلَادِ فِرْعَوْنَ، فَعَمِلَ وَلِيمَةً لِكُلِّ أَعْوَانِهِ، وَأَمَرَ بِإِحْضَارِ رَئِيسِ السُّقَاةِ وَرَئِيسِ الْخَبَّازِينَ مِنَ السِّجْنِ أَمَامَ كُلِّ الْحَاضِرِينَ. وَرَدَّ رَئِيسَ السُّقَاةِ إِلَى وَظِيفَتِهِ، فَأَصْبَحَ يُعْطِي فِرْعَوْنَ كَأْسَهُ فِي يَدِهِ. وَأَعْدَمَ رَئِيسَ الْخَبَّازِينَ، كَمَا قَالَ يُوسِفُ لَهُمَا فِي تَفْسِيرِهِ. أَمَّا رَئِيسُ السُّقَاةِ فَلَمْ يَتَذَكَّرْ يُوسِفَ، بَلْ نَسِيَهُ. وَبَعْدَ سَنَتَيْنِ كَامِلَتَيْنِ، رَأَى فِرْعَوْنُ حُلْمًا: كَانَ يَقِفُ عِنْدَ نَهْرِ النِّيلِ، فَطَلَعَتْ مِنَ النَّهْرِ 7 بَقَرَاتٍ حَسَنَةٍ وَسَمِينَةٍ، وَأَخَذَتْ تَرْعَى فِي الرَّوْضَةِ. ثُمَّ بَعْدَهَا طَلَعَتْ مِنَ النَّهْرِ 7 بَقَرَاتٍ أُخْرَى قَبِيحَةٍ وَهَزِيلَةٍ، وَوَقَفَتْ بِجِوَارِ الْبَقَرَاتِ الْأُولَى عَلَى ضَفَّةِ النَّهْرِ. وَهَذِهِ الْبَقَرَاتُ الْقَبِيحَةُ الْهَزِيلَةُ الْتَهَمَتِ الْبَقَرَاتِ الـ7 الْحَسَنَةَ السَّمِينَةَ. وَصَحَا فِرْعَوْنُ مِنْ نَوْمِهِ. ثُمَّ نَعِسَ مَرَّةً أُخْرَى، وَرَأَى حُلْمًا ثَانِيًا: 7 سَنَابِلَ نَاضِجَةٍ وَجَيِّدَةٍ وَنَابِتَةٍ مِنْ سَاقٍ وَاحِدَةٍ. وَبَعْدَهَا نَبَتَتْ 7 سَنَابِلَ أُخْرَى ضَامِرَةٍ أَحْرَقَتْهَا الرِّيحُ الشَّرْقِيَّةُ. وَهَذِهِ السَّنَابِلُ الضَّامِرَةُ ابْتَلَعَتِ السَّنَابِلَ الـ7 النَّاضِجَةَ الْمُمْتَلِئَةَ. وَأَفَاقَ فِرْعَوْنُ مِنْ نَوْمِهِ، وَأَدْرَكَ أَنَّهُ حُلْمٌ. وَفِي الصَّبَاحِ انْزَعَجَ فِرْعَوْنُ، فَأَرْسَلَ وَاسْتَدْعَى كُلَّ سَحَرَةِ مِصْرَ وَحُكَمَائِهَا، وَحَكَى لَهُمْ حُلْمَهُ، فَلَمْ يُمْكِنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُفَسِّرَهُ لَهُ. فَقَالَ رَئِيسُ السُّقَاةِ لِفِرْعَوْنَ: ”الْيَوْمَ أَتَذَكَّرُ عُيُوبِي. فِرْعَوْنُ غَضِبَ عَلَى عَبْدَيْهِ، فَحَبَسَنِي أَنَا وَرَئِيسَ الْخَبَّازِينَ فِي دَارِ قَائِدِ الْحَرَسِ. وَحَلَمَ كُلٌّ مِنَّا حُلْمًا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَانَ لِكُلٍّ مِنَ الْحُلْمَيْنِ مَعْنَاهُ الْخَاصُّ. وَكَانَ مَعَنَا هُنَاكَ شَابٌّ عِبْرَانِيٌّ، عَبْدٌ لِقَائِدِ الْحَرَسِ، فَحَكَيْنَا حُلْمَيْنَا لَهُ، فَفَسَّرَهُمَا لَنَا، لِكُلٍّ مِنَّا التَّفْسِيرُ الْخَاصُّ بِحُلْمِهِ. وَفِعْلًا تَمَّ مَا قَالَهُ فِي تَفْسِيرِهِ لَنَا، رَجَعْتُ أَنَا إِلَى وَظِيفَتِي، وَالرَّجُلُ الْآخَرُ أُعْدِمَ.“ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ وَاسْتَدْعَى يُوسِفَ، فَأَحْضَرُوهُ عَلَى الْفَوْرِ مِنَ السِّجْنِ. وَبَعْدَمَا حَلَقَ وَغَيَّرَ مَلَابِسَهُ، مَثَلَ أَمَامَ فِرْعَوْنَ. فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسِفَ: ”حَلَمْتُ حُلْمًا، وَلَا يُوجَدُ مَنْ يُفَسِّرُهُ. وَقَدْ سَمِعْتُ مَا يَقُولُونَهُ عَنْكَ إِنَّكَ تُفَسِّرُ أَيَّ حُلْمٍ تَسْمَعُهُ.“ فَأَجَابَ يُوسِفُ فِرْعَوْنَ وَقَالَ: ”أَنَا لَا فَضْلَ لِي فِي ذَلِكَ، اللهُ هُوَ الَّذِي يُعْطِي فِرْعَوْنَ جَوَابًا يُطَمْئِنُهُ.“ فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسِفَ: ”فِي حُلْمِي كُنْتُ وَاقِفًا عَلَى ضَفَّةِ النِّيلِ، فَطَلَعَتْ مِنَ النَّهْرِ 7 بَقَرَاتٍ سَمِينَةٍ وَحَسَنَةٍ، وَأَخَذَتْ تَرْعَى فِي الرَّوْضَةِ. ثُمَّ بَعْدَهَا طَلَعَتْ 7 بَقَرَاتٍ أُخْرَى هَزِيلَةٍ وَقَبِيحَةٍ جِدًّا وَنَاحِلَةٍ، لَمْ أَرَ فِي كُلِّ مِصْرَ مِثْلَهَا فِي الْقَبَاحَةِ. وَهَذِهِ الْبَقَرَاتُ النَّاحِلَةُ الْقَبِيحَةُ الْتَهَمَتِ الْبَقَرَاتِ الـ7 الْأُولَى السَّمِينَةَ. وَمَعَ أَنَّهَا أَكَلَتْهَا، لَمْ يَتَغَيَّرْ مَنْظَرُهَا، بَلْ ظَلَّتْ قَبِيحَةً كَمَا كَانَتْ. ثُمَّ صَحَوْتُ مِنْ نَوْمِي. ”ثُمَّ رَأَيْتُ فِي حُلْمِي 7 سَنَابِلَ مُمْتَلِئَةٍ وَجَيِّدَةٍ وَنَابِتَةٍ مِنْ سَاقٍ وَاحِدَةٍ. وَبَعْدَهَا نَبَتَتْ 7 سَنَابِلَ أُخْرَى ذَابِلَةٍ وَضَامِرَةٍ أَحْرَقَتْهَا الرِّيحُ الشَّرْقِيَّةُ. وَهَذِهِ السَّنَابِلُ الضَّامِرَةُ، اِبْتَلَعَتِ السَّنَابِلَ الـ7 الْجَيِّدَةَ. وَقَدْ حَكَيْتُ هَذَا لِلسَّحَرَةِ، وَلَمْ أَجِدْ مَنْ يُفَسِّرُهُ لِي.“ فَقَالَ يُوسِفُ لِفِرْعَوْنَ: ”حُلْمَا فِرْعَوْنَ هُمَا وَاحِدٌ. كَشَفَ اللهُ لِفِرْعَوْنَ مَا سَيَعْمَلُهُ. الْبَقَرَاتُ الـ7 الْحَسَنَةُ هِيَ 7 سِنِينَ، وَالسَّنَابِلُ الـ7 الْجَيِّدَةُ هِيَ 7 سِنِينَ. الْحُلْمَانِ وَاحِدٌ. وَالْبَقَرَاتُ الـ7 النَّاحِلَةُ الْقَبِيحَةُ الَّتِي خَرَجَتْ بَعْدَهَا هِيَ 7 سِنِينَ، وَكَذَلِكَ السَّنَابِلُ الـ7 الْفَارِغَةُ الَّتِي أَحْرَقَتْهَا الرِّيحُ الشَّرْقِيَّةُ، هِيَ 7 سِنِي جُوعٍ. ”فَكَمَا قُلْتُ لِفِرْعَوْنَ، أَظْهَرَ اللهُ لِفِرْعَوْنَ مَا سَيَعْمَلُهُ. سَتَأْتِي فِي مِصْرَ كُلِّهَا 7 سِنِي رَخَاءٍ عَظِيمٍ، ثُمَّ تَأْتِي بَعْدَهَا 7 سِنِي مَجَاعَةٍ، فَيَنْسَى النَّاسُ كُلَّ رَخَاءِ مِصْرَ، وَيُتْلِفُ الْجُوعُ الْبِلَادَ. فَلَا يَتَذَكَّرُ أَحَدٌ رَخَاءَ الْبِلَادِ، لِأَنَّ الْمَجَاعَةَ الَّتِي تَأْتِي بَعْدَهُ شَدِيدَةٌ جِدًّا. وَالسَّبَبُ فِي تِكْرَارِ الْحُلْمِ لِفِرْعَوْنَ مَرَّتَيْنِ، هُوَ أَنَّ الْأَمْرَ تَقَرَّرَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ سَوْفَ يُنَفِّذُهُ عَلَى الْفَوْرِ. ”إِذَنْ، لِيَبْحَثْ فِرْعَوْنُ عَنْ رَجُلٍ بَصِيرٍ حَكِيمٍ يَعْهَدُ إِلَيْهِ بِتَدْبِيرِ شُؤُونِ مِصْرَ. وَيُعَيِّنْ فِرْعَوْنُ وُكَلَاءَ عَلَى مِصْرَ لِيَأْخُذُوا خُمْسَ مَحْصُولِ الْبِلَادِ فِي سَنَوَاتِ الرَّخَاءِ الـ7، وَيَجْمَعُوا كُلَّ طَعَامِ سَنَوَاتِ الْخَيْرِ الْمُقْبِلَةِ، وَيَخْزِنُوا الْقَمْحَ تَحْتَ سُلْطَةِ فِرْعَوْنَ، فَيَكُونَ فِي الْمُدُنِ طَعَامٌ مَحْفُوظٌ. هَذَا الطَّعَامُ يَكُونُ مَؤُونَةً لِلْبِلَادِ فِي سَنَوَاتِ الْمَجَاعَةِ الَّتِي سَتَأْتِي عَلَى مِصْرَ، فَلَا تَهْلِكُ الْبِلَادُ مِنَ الْجُوعِ.“ فَرَأَى فِرْعَوْنُ وَكُلُّ أَعْوَانِهِ أَنَّ الْفِكْرَةَ طَيِّبَةٌ. فَقَالَ لَهُمْ فِرْعَوْنُ: ”هَلْ نَجِدُ مَنْ هُوَ مِثْلُ هَذَا الرَّجُلِ فِيهِ رُوحُ اللهِ؟“ وَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسِفَ: ”بِمَا أَنَّ اللهَ عَرَّفَكَ كُلَّ هَذَا، فَلَيْسَ هُنَاكَ بَصِيرٌ وَحَكِيمٌ مِثْلُكَ. أَنْتَ تَكُونُ مُدَبِّرًا لِشُؤُونِ قَصْرِي، وَيَخْضَعُ كُلُّ شَعْبِي لِأَوَامِرِكَ. وَلَا يَكُونُ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْكَ غَيْرِي أَنَا صَاحِبِ الْعَرْشِ.“ ثُمَّ قَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسِفَ: ”إِنِّي جَعَلْتُكَ وَالِيًا عَلَى كُلِّ مِصْرَ.“ ثُمَّ خَلَعَ فِرْعَوْنُ خَاتِمَهُ مِنْ يَدِهِ وَوَضَعَهُ فِي يَدِ يُوسِفَ، وَأَلْبَسَهُ ثِيَابَ كَتَّانٍ فَاخِرَةً، وَوَضَعَ سِلْسِلَةً مِنْ ذَهَبٍ حَوْلَ رَقَبَتِهِ، وَأَرْكَبَهُ مَرْكَبَةً كَنَائِبِ فِرْعَوْنَ، وَكَانَ الْمُنَادِي يُنَادِي قُدَّامَهُ وَيَقُولُ: ”أَفْسِحُوا الطَّرِيقَ!“ فَجَعَلَهُ وَالِيًا عَلَى كُلِّ مِصْرَ. وَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسِفَ: ”أَنَا فِرْعَوْنُ وَمِنْ غَيْرِ إِذْنِكَ أَنْتَ، لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ فِي كُلِّ مِصْرَ أَنْ يُحَرِّكَ يَدًا أَوْ رِجْلًا.“ وَدَعَا فِرْعَوْنُ اسْمَ يُوسِفَ صَفْنَاتَ فَعْنِيحَ، وَأَعْطَاهُ أَسْنَاتَ بِنْتَ فُوطِي فَارَعَ كَاهِنِ أُونَ زَوْجَةً. وَامْتَدَّتْ سُلْطَةُ يُوسِفَ فِي كُلِّ مِصْرَ. وَكَانَ يُوسِفُ ابْنَ 30 سَنَةً لَمَّا دَخَلَ فِي خِدْمَةِ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ. وَخَرَجَ يُوسِفُ مِنْ مَحْضَرِ فِرْعَوْنَ وَأَخَذَ يُسَافِرُ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ مِصْرَ. وَأَنْتَجَتِ الْأَرْضُ مَحَاصِيلَ وَفِيرَةً فِي أَثْنَاءِ سَنَوَاتِ الرَّخَاءِ الـ7. فَجَمَعَ يُوسِفُ كُلَّ الطَّعَامِ الَّذِي أَنْتَجَتْهُ مِصْرُ فِي تِلْكَ السِّنِينَ الـ7، وَخَزَنَهُ فِي الْمُدُنِ. فَوَضَعَ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ مَحَاصِيلَ الْحُقُولِ الَّتِي حَوْلَهَا. فَخَزَنَ يُوسِفُ كَمِّيَّاتٍ ضَخْمَةً مِنَ الْقَمْحِ، كَرَمْلِ الْبَحْرِ، حَتَّى إِنَّهُ كَفَّ عَنْ حِسَابِهَا، لِأَنَّهَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْسَبَ. وَوَلَدَتْ أَسْنَاتُ بِنْتُ فُوطِي فَارَعَ كَاهِنِ أُونَ ابْنَيْنِ لِيُوسِفَ قَبْلَ حُلُولِ سَنَوَاتِ الْمَجَاعَةِ. فَدَعَا يُوسِفُ بِكْرَهُ مَنَسَّى، لِأَنَّهُ قَالَ: ”جَعَلَنِي اللهُ أَنْسَى كُلَّ تَعَبِي وَكُلَّ عَائِلَةِ أَبِي.“ وَدَعَا الثَّانِيَ أَفْرَايِمَ، لِأَنَّهُ قَالَ: ”جَعَلَنِي اللهُ مُثْمِرًا فِي الْبَلَدِ الَّتِي تَأَلَّمْتُ فِيهَا.“ وَانْتَهَتْ سَنَوَاتُ الرَّخَاءِ الـ7 فِي مِصْرَ، وَبَدَأَتْ سَنَوَاتُ الْمَجَاعَةِ، كَمَا قَالَ يُوسِفُ. وَكَانَتْ مَجَاعَةٌ فِي كُلِّ الْبِلَادِ الْأُخْرَى. أَمَّا مِصْرُ فَكَانَ فِيهَا طَعَامٌ. فَلَمَّا بَدَأَتْ مِصْرُ تُحِسُّ بِالْمَجَاعَةِ، صَرَخَ الشَّعْبُ إِلَى فِرْعَوْنَ طَالِبًا طَعَامًا، فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِكُلِّ الْمِصْرِيِّينَ: ”اِذْهَبُوا إِلَى يُوسِفَ، وَاعْمَلُوا كَمَا يَقُولُ لَكُمْ.“ وَلَمَّا انْتَشَرَتِ الْمَجَاعَةُ فِي كُلِّ الْبَلَدِ، فَتَحَ يُوسِفُ الْمَخَازِنَ وَبَاعَ الْقَمْحَ لِلْمِصْرِيِّينَ، لِأَنَّ الْمَجَاعَةَ كَانَتْ شَدِيدَةً. وَجَاءَ النَّاسُ مِنْ كُلِّ الْبِلَادِ الْأُخْرَى إِلَى مِصْرَ لِيَشْتَرُوا قَمْحًا مِنْ يُوسِفَ، لِأَنَّ الْمَجَاعَةَ كَانَتْ شَدِيدَةً فِي كُلِّ مَكَانٍ. وَلَمَّا عَرَفَ يَعْقُوبُ أَنَّ مِصْرَ فِيهَا قَمْحٌ، قَالَ لِأَبْنَائِهِ: ”لِمَاذَا تَنْظُرُونَ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ؟ أَنَا سَمِعْتُ أَنَّ مِصْرَ فِيهَا قَمْحٌ. اِنْزِلُوا إِلَى هُنَاكَ وَاشْتَرُوا لَنَا قَمْحًا، فَنَحْيَا وَلَا نَمُوتَ.“ فَنَزَلَ 10 مِنْ إِخْوَةِ يُوسِفَ لِيَشْتَرُوا قَمْحًا مِنْ مِصْرَ. أَمَّا بِنْيَمِينُ أَخُو يُوسِفَ، فَلَمْ يُرْسِلْهُ يَعْقُوبُ مَعَ إِخْوَتِهِ لِأَنَّهُ خَافَ أَنْ يُصِيبَهُ أَذًى. فَذَهَبَ أَبْنَاءُ إِسْرَائِيلَ إِلَى مِصْرَ مَعَ الذَّاهِبِينَ لِيَشْتَرُوا قَمْحًا، لِأَنَّ بِلَادَ كَنْعَانَ أَيْضًا كَانَتْ فِيهَا مَجَاعَةٌ. وَكَانَ يُوسِفُ هُوَ حَاكِمَ الْبِلَادِ، وَالْمُشْرِفَ عَلَى بَيْعِ الْقَمْحِ لِكُلِّ أَهْلِهَا. فَلَمَّا جَاءَ إِخْوَةُ يُوسِفَ، اِنْحَنَوْا لَهُ وَوُجُوهُهُمْ نَحْوَ الْأَرْضِ. فَلَمَّا رَأَى يُوسِفُ إِخْوَتَهُ عَرَفَهُمْ، لَكِنَّهُ تَظَاهَرَ بِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُمْ وَكَلَّمَهُمْ بِخُشُونَةٍ وَسَأَلَهُمْ: ”مِنْ أَيْنَ أَتَيْتُمْ؟“ فَقَالُوا: ”مِنْ كَنْعَانَ، جِئْنَا لِنَشْتَرِيَ طَعَامًا.“ وَمَعَ أَنَّ يُوسِفَ عَرَفَ إِخْوَتَهُ، إِلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوهُ. ثُمَّ تَذَكَّرَ يُوسِفُ أَحْلَامَهُ بِشَأْنِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: ”أَنْتُمْ جَوَاسِيسُ! أَنْتُمْ جِئْتُمْ لِتَرَوْا الْأَمَاكِنَ غَيْرَ الْمَحْمِيَّةِ فِي بِلَادِنَا.“ فَقَالُوا: ”لَا يَا سَيِّدُ، بَلْ عَبِيدُكَ جِئْنَا لِنَشْتَرِيَ طَعَامًا. نَحْنُ كُلُّنَا أَبْنَاءُ رَجُلٍ وَاحِدٍ. نَحْنُ أُمَنَاءُ وَلَيْسَ عَبِيدُكَ جَوَاسِيسَ.“ فَقَالَ لَهُمْ: ”لَا! بَلْ جِئْتُمْ لِتَرَوْا الْأَمَاكِنَ غَيْرَ الْمَحْمِيَّةِ فِي بِلَادِنَا.“ فَقَالُوا: ”نَحْنُ عَبِيدُكَ 12 أَخًا، أَبْنَاءُ رَجُلٍ وَاحِدٍ سَاكِنٍ فِي بِلَادِ كَنْعَانَ. وَأَصْغَرُ وَاحِدٍ فِينَا مَعَ أَبِينَا، وَوَاحِدٌ مَفْقُودٌ.“ فَقَالَ يُوسِفُ لَهُمْ: ”مَا قُلْتُهُ لَكُمْ صَحِيحٌ، أَنْتُمْ جَوَاسِيسُ. وَبِهَذَا أَخْتَبِرُكُمْ: وَحَيَاةِ فِرْعَوْنَ، لَنْ تَخْرُجُوا مِنْ هُنَا حَتَّى يَأْتِيَ أَخُوكُمُ الْأَصْغَرُ. أَرْسِلُوا وَاحِدًا مِنْكُمْ لِيُحْضِرَهُ، وَالْبَاقُونَ يُحْفَظُونَ فِي السِّجْنِ، فَأَخْتَبِرَ صِحَّةَ كَلَامِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. فَإِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ صَادِقِينَ، إِذَنْ وَحَيَاةِ فِرْعَوْنَ أَنْتُمْ جَوَاسِيسُ.“ وَوَضَعَهُمْ كُلَّهُمْ فِي الْحَبْسِ 3 أَيَّامٍ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ قَالَ يُوسِفُ لَهُمْ: ”اِعْمَلُوا مَا أَطْلُبُهُ مِنْكُمْ، فَتَنْجُوا بِحَيَاتِكُمْ، لِأَنِّي أَتَّقِي اللهَ. إِنْ كُنْتُمْ فِعْلًا أُمَنَاءَ، خَلُّوا وَاحِدًا مِنْكُمْ يَبْقَى هُنَا فِي السِّجْنِ، وَالْبَاقُونَ يَذْهَبُونَ وَيَأْخُذُونَ مَعَهُمُ الْقَمْحَ لِعَائِلَاتِكُمُ الْجَائِعَةِ. وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ تُحْضِرُوا لِي أَخَاكُمُ الْأَصْغَرَ، فَأَتَحَقَّقَ مِنْ صِدْقِ كَلَامِكُمْ، فَلَا تَمُوتُوا.“ فَوَافَقُوا عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ”لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا عِقَابٌ لَنَا بِسَبَبِ أَخِينَا. فَقَدْ رَأَيْنَاهُ فِي ضِيقٍ وَهُوَ يَتَوَسَّلُ إِلَيْنَا مِنْ أَجْلِ حَيَاتِهِ، وَلَمْ نَسْمَعْ لَهُ، لِهَذَا نَحْنُ الْآنَ فِي ضِيقٍ.“ فَقَالَ رَأُوبِينُ: ”أَنَا قُلْتُ لَكُمْ لَا تُخْطِئُوا فِي حَقِّ الْوَلَدِ، فَلَمْ تَسْمَعُوا. نَحْنُ مَسْئُولُونَ عَنْ قَتْلِهِ، وَالْآنَ نَدْفَعُ الْحِسَابَ.“ وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ يُوسِفَ فَهِمَ حَدِيثَهُمْ، لِأَنَّهُ كَانَ يُكَلِّمُهُمْ عَنْ طَرِيقِ مُتَرْجِمٍ. فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِمْ وَأَخَذَ يَبْكِي، ثُمَّ رَجَعَ وَتَكَلَّمَ مَعَهُمْ، وَأَخَذَ مِنْهُمْ شَمْعُونَ وَقَيَّدَهُ أَمَامَ عُيُونِهِمْ. وَأَمَرَ يُوسِفُ عَبِيدَهُ أَنْ يَمْلَأُوا أَوْعِيَةَ إِخْوَتِهِ بِالْقَمْحِ، وَأَنْ يَرُدُّوا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِضَّتَهُ فِي كِيسِهِ، وَأَنْ يُعْطُوهُمْ زَادًا لِلطَّرِيقِ. فَفَعَلُوا ذَلِكَ. ثُمَّ وَضَعَ الْإِخْوَةُ الْقَمْحَ عَلَى حَمِيرِهِمْ وَذَهَبُوا. وَلَمَّا وَقَفُوا لِيَبِيتُوا، فَتَحَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ كِيسَهُ لِيَعْلِفَ حِمَارَهُ، فَرَأَى فِضَّتَهُ فِي فَمِ كِيسِهِ. فَقَالَ لِإِخْوَتِهِ: ”رَدُّوا لِي فِضَّتِي، إِنَّهَا فِي كِيسِي.“ فَغَاصَتْ قُلُوبُهُمْ، وَنَظَرُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَهُمْ مُرْتَعِدُونَ وَقَالُوا: ”مَاذَا فَعَلَ اللهُ بِنَا؟“ وَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ يَعْقُوبَ فِي بِلَادِ كَنْعَانَ، حَكَوْا لَهُ كُلَّ مَا جَرَى مَعَهُمْ. وَقَالُوا: ”الرَّجُلُ الَّذِي هُوَ سَيِّدُ الْبِلَادِ كَلَّمَنَا بِخُشُونَةٍ وَاتَّهَمَنَا بِأَنَّنَا جَوَاسِيسُ عَلَى الْبِلَادِ. فَقُلْنَا لَهُ: نَحْنُ أُمَنَاءُ وَلَسْنَا جَوَاسِيسَ. نَحْنُ 12 أَخًا أَبْنَاءُ أَبِينَا، وَاحِدٌ مَفْقُودٌ، وَأَصْغَرُ وَاحِدٍ فِينَا مَعَ أَبِينَا فِي كَنْعَانَ. فَقَالَ الرَّجُلُ الَّذِي هُوَ سَيِّدُ الْبِلَادِ: ’بِهَذَا أَعْرِفُ إِنْ كُنْتُمْ أُمَنَاءَ، اُتْرُكُوا وَاحِدًا مِنْكُمْ عِنْدِي هُنَا، وَخُذُوا الطَّعَامَ لِعَائِلَاتِكُمُ الْجَائِعَةِ وَاذْهَبُوا. ثُمَّ أَحْضِرُوا لِي أَخَاكُمُ الْأَصْغَرَ، فَأَعْرِفَ أَنَّكُمْ أُمَنَاءُ وَلَسْتُمْ جَوَاسِيسَ. ثُمَّ أُعْطِيكُمْ أَخَاكُمْ وَتُسَافِرُونَ فِي الْبِلَادِ بِحُرِّيَّةٍ.‘“ وَلَمَّا أَخَذُوا يُفْرِغُونَ أَكْيَاسَهُمْ، وَجَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَحْفَظَتَهُ وَالْفِضَّةَ فِيهَا. فَلَمَّا رَأَوْا هُمْ وَأَبُوهُمْ مَحَافِظَ النُّقُودِ، خَافُوا جِدًّا. فَقَالَ لَهُمْ أَبُوهُمْ: ”حَرَمْتُمُونِي مِنْ أَوْلَادِي. يُوسِفُ مَفْقُودٌ، وَشَمْعُونُ مَفْقُودٌ، وَالْآنَ تُرِيدُونَ أَنْ تَأْخُذُوا بِنْيَمِينَ. كُلُّ الْمَصَائِبِ حَلَّتْ بِي!“ فَقَالَ لَهُ رَأُوبِينُ: ”اُقْتُلْ وَلَدَيَّ الِاثْنَيْنِ إِنْ لَمْ أُرْجِعْهُ إِلَيْكَ. سَلِّمْهُ لِي، وَأَنَا أُرْجِعُهُ إِلَيْكَ.“ فَقَالَ يَعْقُوبُ: ”لَنْ يَنْزِلَ ابْنِي مَعَكُمْ إِلَى هُنَاكَ. أَخُوهُ مَاتَ، وَهُوَ الْوَحِيدُ الَّذِي بَقِيَ. إِنْ أَصَابَهُ أَذًى فِي الطَّرِيقِ الَّتِي تَسْلُكُونَهَا، تَجْعَلُونِي أَمُوتُ فِي شَيْبَتِي بِحَسْرَةٍ.“ وَكَانَتِ الْمَجَاعَةُ شَدِيدَةً فِي الْبِلَادِ. فَلَمَّا أَكَلُوا كُلَّ الْقَمْحِ الَّذِي أَحْضَرُوهُ مِنْ مِصْرَ، قَالَ لَهُمْ أَبُوهُمْ: ”اِرْجِعُوا وَاشْتَرُوا لَنَا طَعَامًا.“ فَقَالَ يَهُوذَا: ”الرَّجُلُ حَذَّرَنَا بِشِدَّةٍ وَقَالَ: ’لَنْ تَرَوْا وَجْهِي إِنْ لَمْ يَكُنْ أَخُوكُمْ مَعَكُمْ.‘ فَإِنْ كُنْتَ تُرْسِلُ أَخَانَا مَعَنَا، نَنْزِلُ وَنَشْتَرِي لَكَ طَعَامًا. وَإِنْ كُنْتَ لَا تُرْسِلُهُ، لَنْ نَذْهَبَ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَالَ لَنَا: ’لَنْ تَرَوْا وَجْهِي إِنْ لَمْ يَكُنْ أَخُوكُمْ مَعَكُمْ.‘“ فَقَالَ إِسْرَائِيلُ: ”لِمَاذَا سَبَّبْتُمْ لِي هَذِهِ الْمُشْكِلَةَ وَقُلْتُمْ لِلرَّجُلِ إِنَّ لَكُمْ أَخًا آخَرَ؟“ فَأَجَابُوا: ”الرَّجُلُ سَأَلَنَا بِالتَّدْقِيقِ عَنْ أَنْفُسِنَا وَعَنْ عَائِلَتِنَا وَقَالَ: ’هَلْ أَبُوكُمْ مَا زَالَ حَيًّا؟ هَلْ لَكُمْ أَخٌ آخَرُ؟‘ وَنَحْنُ جَاوَبْنَاهُ بِبَسَاطَةٍ عَلَى أَسْئِلَتِهِ. هَلْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَقُولُ: ’أَحْضِرُوا أَخَاكُمْ إِلَى هُنَا‘؟“ ثُمَّ قَالَ يَهُوذَا لِإِسْرَائِيلَ أَبِيهِ: ”أَرْسِلِ الْوَلَدَ مَعِي، فَنَذْهَبَ عَلَى الْفَوْرِ فَنَحْيَا نَحْنُ وَأَنْتَ وَأَوْلَادُنَا كُلُّنَا وَلَا نَمُوتُ. أَنَا أَضْمَنُهُ وَأَكُونُ مَسْئُولًا عَنْهُ شَخْصِيًّا. وَإِنْ لَمْ أُرْجِعْهُ إِلَيْكَ، وَأُوقِفْهُ أَمَامَكَ، أَكُنْ مُذْنِبًا فِي حَقِّكَ طُولَ عُمْرِي. فَلَوْ لَمْ نَتَأَخَّرْ فِي الذَّهَابِ لَكُنَّا سَافَرْنَا مَرَّتَيْنِ.“ فَقَالَ لَهُمْ أَبُوهُمْ: ”إِنْ كَانَ لَا بُدَّ أَنْ تَذْهَبُوا فَافْعَلُوا هَذَا: خُذُوا مَعَكُمْ هَدِيَّةً لِلرَّجُلِ، ضَعُوا فِي أَوْعِيَتِكُمْ مِنْ أَحْسَنِ مَا تُنْتِجُهُ أَرْضُنَا، قَلِيلًا مِنَ الْبَلْسَمِ وَالْعَسَلِ، وَبَعْضَ التَّوَابِلِ وَالْمُرِّ وَالْفُسْتُقِ وَاللَّوْزِ. وَخُذُوا مَعَكُمْ ضِعْفَ الْفِضَّةِ، فَتَرُدُّونَ لَهُمُ الْفِضَّةَ الَّتِي كَانَتْ فِي أَفْوَاهِ أَكْيَاسِكُمْ. لَعَلَّهُ كَانَ خَطَأً. وَخُذُوا أَخَاكُمْ أَيْضًا مَعَكُمْ، وَارْجِعُوا إِلَى الرَّجُلِ بِسُرْعَةٍ. لَيْتَ اللهَ الْقَدِيرَ يَجْعَلُهُ رَحِيمًا بِكُمْ، فَيَسْمَحَ لِأَخِيكُمُ الْآخَرِ وَبِنْيَمِينَ أَنْ يَرْجِعَا مَعَكُمْ. وَأَنَا إِنْ كَانَ لَا بُدَّ أَنْ أَفْقِدَ أَوْلَادِي، أَفْقِدُهُمْ.“ فَأَخَذَ الرِّجَالُ الْهَدَايَا وَضِعْفَ الْفِضَّةِ وَبِنْيَمِينَ، وَنَزَلُوا بِسُرْعَةٍ إِلَى مِصْرَ وَمَثَلُوا أَمَامَ يُوسِفَ. فَلَمَّا رَأَى يُوسِفُ بِنْيَمِينَ مَعَهُمْ، قَالَ لِوَكِيلِ دَارِهِ: ”خُذْ هَؤُلَاءِ الرِّجَالَ إِلَى دَارِي، وَاذْبَحْ ذَبِيحَةً وَأَعِدَّ الطَّعَامَ، لِأَنَّهُمْ سَيَأْكُلُونَ مَعِي فِي الْغَدَاءِ.“ فَفَعَلَ الرَّجُلُ كَمَا قَالَ يُوسِفُ، وَأَخَذَ الرِّجَالَ إِلَى دَارِ يُوسِفَ. فَلَمَّا أَخَذَهُمْ إِلَى الدَّارِ، خَافُوا جِدًّا وَقَالُوا فِي أَنْفُسِهِمْ: ”أَحْضَرُونَا إِلَى هُنَا بِسَبَبِ الْفِضَّةِ الَّتِي رَجَعَتْ فِي أَكْيَاسِنَا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى. إِنَّهُ سَيَهْجُمُ عَلَيْنَا وَيَغْلِبُنَا وَيَأْخُذُنَا عَبِيدًا وَيَسْتَوْلِي عَلَى حَمِيرِنَا.“ فَذَهَبُوا إِلَى وَكِيلِ يُوسِفَ وَكَلَّمُوهُ عِنْدَ مَدْخَلِ الدَّارِ وَقَالُوا: ”مِنْ فَضْلِكَ يَا سَيِّدُ، نَحْنُ نَزَلْنَا إِلَى هُنَا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى لِنَشْتَرِيَ طَعَامًا، وَلَكِنْ لَمَّا وَقَفْنَا لِنَبِيتَ، وَفَتَحْنَا أَكْيَاسَنَا، وَجَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا فِضَّتَهُ بِكَامِلِ وَزْنِهَا فِي فَمِ كِيسِهِ، فَأَحْضَرْنَاهَا مَعَنَا هُنَا. وَأَحْضَرْنَا مَعَنَا أَيْضًا فِضَّةً أُخْرَى لِنَشْتَرِيَ طَعَامًا. وَلَا نَعْرِفُ مَنْ وَضَعَ فِضَّتَنَا فِي أَكْيَاسِنَا.“ فَقَالَ: ”اِطْمَئِنُّوا. لَا تَخَافُوا. إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ أَبِيكُمْ أَعْطَاكُمْ كَنْزًا فِي أَكْيَاسِكُمْ. فِضَّتُكُمْ وَصَلَتْنِي.“ ثُمَّ أَخْرَجَ شَمْعُونَ لَهُمْ. فَأَدْخَلَ الْوَكِيلُ الرِّجَالَ إِلَى دَارِ يُوسِفَ، وَقَدَّمَ لَهُمْ مَاءً لِيَغْسِلُوا أَرْجُلَهُمْ، وَعَلَفًا لِحَمِيرِهِمْ. وَأَعَدُّوا هَدَايَاهُمْ فِي انْتِظَارِ مَجِيءِ يُوسِفَ عِنْدَ الظُّهْرِ، لِأَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَّهُمْ سَيَأْكُلُونَ هُنَاكَ. فَلَمَّا جَاءَ يُوسِفُ إِلَى الدَّارِ، قَدَّمُوا لَهُ الْهَدَايَا الَّتِي أَحْضَرُوهَا إِلَى الدَّارِ، وَانْحَنَوْا لَهُ إِلَى الْأَرْضِ. فَسَأَلَهُمْ عَنْ أَحْوَالِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: ”أَبُوكُمُ الشَّيْخُ الَّذِي قُلْتُمْ لِي عَنْهُ، كَيْفَ حَالُهُ؟ هَلْ مَا زَالَ حَيًّا؟“ فَقَالُوا: ”عَبْدُكَ أَبُونَا مَا زَالَ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ، وَهُوَ بِخَيْرٍ.“ وَانْحَنَوْا احْتِرَامًا لَهُ. وَتَلَفَّتَ فَرَأَى أَخَاهُ شَقِيقَهُ بِنْيَمِينَ فَقَالَ: ”هَلْ هَذَا هُوَ أَخُوكُمُ الْأَصْغَرُ الَّذِي قُلْتُمْ لِي عَنْهُ؟“ ثُمَّ قَالَ: ”اللهُ يُبَارِكُكَ يَا ابْنِي.“ وَأَسْرَعَ يُوسِفُ إِلَى مَكَانٍ يَبْكِي فِيهِ لِأَنَّ مَشَاعِرَهُ تَحَرَّكَتْ فِيهِ لَمَّا رَأَى أَخَاهُ. فَذَهَبَ إِلَى غُرْفَتِهِ الْخَاصَّةِ وَبَكَى هُنَاكَ. ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، وَخَرَجَ وَأَمْسَكَ نَفْسَهُ عَنِ الْبُكَاءِ وَقَالَ: ”هَاتُوا الْأَكْلَ.“ فَقَدَّمُوا لَهُ وَحْدَهُ، وَلِإِخْوَتِهِ وَحْدَهُمْ، وَلِلْمِصْرِيِّينَ الْمَدْعُوِّينَ لِلْوَلِيمَةِ وَحْدَهُمْ، لِأَنَّ الْمِصْرِيِّينَ كَانُوا يَعْتَبِرُونَ أَنَّهُ حَرَامٌ أَنْ يَأْكُلُوا مَعَ الْعِبْرَانِيِّينَ. وَأُجْلِسَ إِخْوَةُ يُوسِفَ قُدَّامَهُ حَسَبَ أَعْمَارِهِمْ، مِنَ الْبِكْرِ إِلَى أَصْغَرِ وَاحِدٍ. فَنَظَرُوا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ مُتَعَجِّبِينَ. وَقَدَّمُوا لَهُمْ أَنْصِبَةً مِنْ مَائِدَةِ يُوسِفَ، فَكَانَ نَصِيبُ بِنْيَمِينَ 5 أَضْعَافِ أَيِّ وَاحِدٍ فِيهِمْ. فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا مَعَهُ. وَأَمَرَ يُوسِفُ وَكِيلَ دَارِهِ وَقَالَ لَهُ: ”اِمْلَأْ أَكْيَاسَ الرِّجَالِ طَعَامًا إِلَى آخِرِهَا، وَضَعْ فِضَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ فِي فَمِ كِيسِهِ. وَضَعْ كَأْسِيَ الْفِضِّيَّةَ فِي فَمِ كِيسِ الصَّغِيرِ مَعَ فِضَّتِهِ ثَمَنِ الْقَمْحِ.“ فَفَعَلَ كَمَا قَالَ يُوسِفُ. وَلَمَّا طَلَعَ الصُّبْحُ، سَمَحُوا لِلرِّجَالِ أَنْ يَأْخُذُوا حَمِيرَهُمْ وَيَذْهَبُوا. وَلَكِنْ بِمُجَرَّدِ مَا خَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ، قَالَ يُوسِفُ لِوَكِيلِهِ: ”اِذْهَبْ وَرَاءَ الرِّجَالِ بِسُرْعَةٍ، وَعِنْدَمَا تَلْحَقُ بِهِمْ قُلْ لَهُمْ: ’لِمَاذَا كَافَأْتُمُ الْخَيْرَ بِالشَّرِّ؟ لِمَاذَا سَرَقْتُمُ الْكَأْسَ الَّتِي يَشْرَبُ فِيهَا سَيِّدِي وَالَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا فِي الْعِلْمِ بِالْغَيْبِ؟ هَذَا شَرٌّ ارْتَكَبْتُمُوهُ.‘“ فَلَمَّا لَحِقَ بِهِمْ، قَالَ لَهُمْ نَفْسَ هَذَا الْكَلَامِ. فَقَالُوا لَهُ: ”لِمَاذَا يَقُولُ سَيِّدِي مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ؟ لَا سَمَحَ اللهُ أَنْ يَفْعَلَ عَبِيدُكَ هَذَا! بَلْ إِنَّ الْفِضَّةَ الَّتِي وَجَدْنَاهَا فِي أَفْوَاهِ أَكْيَاسِنَا، أَرْجَعْنَاهَا لَكَ مِنْ بِلَادِ كَنْعَانَ. فَلِمَاذَا نَسْرِقُ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا مِنْ دَارِ سَيِّدِكَ؟ أَيُّ وَاحِدٍ مِنَّا تَجِدُ مَعَهُ الْكَأْسَ يَمُوتُ، وَنَحْنُ أَيْضًا نُصْبِحُ عَبِيدًا لِسَيِّدِي.“ فَقَالَ: ”اِتَّفَقْنَا! لِيَكُنْ كَمَا قُلْتُمْ. الَّذِي أَجِدُ الْكَأْسَ مَعَهُ يُصْبِحُ عَبْدًا لِي، وَالْبَاقُونَ يَكُونُونَ أَبْرِيَاءَ.“ فَأَنْزَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كِيسَهُ بِسُرْعَةٍ عَلَى الْأَرْضِ وَفَتَحَهُ. فَأَخَذَ الْوَكِيلُ يُفَتِّشُ، وَابْتَدَأَ بِكِيسِ الْكَبِيرِ وَانْتَهَى بِكِيسِ الصَّغِيرِ، فَوَجَدَ الْكَأْسَ فِي كِيسِ بِنْيَمِينَ. فَشَقُّوا مَلَابِسَهُمْ، وَوَضَعُوا أَكْيَاسَهُمْ عَلَى حَمِيرِهِمْ وَرَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ. وَكَانَ يُوسِفُ مَا زَالَ فِي الدَّارِ لَمَّا رَجَعَ يَهُوذَا وَإِخْوَتُهُ، فَرَمَوْا أَنْفُسَهُمْ أَمَامَهُ عَلَى الْأَرْضِ. فَقَالَ لَهُمْ يُوسِفُ: ”مَا هَذَا الَّذِي فَعَلْتُمْ؟ أَلَا تَعْلَمُونَ أَنَّ رَجُلًا مِثْلِي يُمْكِنُهُ أَنْ يَكْتَشِفَ مَا حَدَثَ عَنْ طَرِيقِ الْعِلْمِ بِالْغَيْبِ؟“ فَقَالَ يَهُوذَا: ”مَاذَا نَقُولُ لِسَيِّدِي؟ وَكَيْفَ نَتَكَلَّمُ؟ وَكَيْفَ نُبْرِئُ أَنْفُسَنَا؟ اللهُ فَضَحَ جَرِيمَتَنَا. فَنَحْنُ الْآنَ وَمَنْ وَجَدْتُمُ الْكَأْسَ مَعَهُ، عَبِيدٌ لِسَيِّدِي.“ فَقَالَ يُوسِفُ: ”لَا سَمَحَ اللهُ أَنْ أَفْعَلَ هَذَا! بَلِ الرَّجُلُ الَّذِي وَجَدْنَا الْكَأْسَ مَعَهُ، هُوَ وَحْدَهُ يَكُونُ عَبْدًا لِي. أَمَّا أَنْتُمْ، فَاذْهَبُوا إِلَى أَبِيكُمْ بِسَلَامٍ.“ فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ يَهُوذَا وَقَالَ: ”مِنْ فَضْلِكَ يَا سَيِّدِي، مَعَ أَنَّكَ مِثْلُ فِرْعَوْنَ نَفْسِهِ، لَكِنِ اسْمَحْ لِعَبْدِكَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَةً لَكَ يَا سَيِّدِي، وَلَا تَغْضَبْ عَلَى عَبْدِكَ. سَيِّدِي سَأَلَ عَبِيدَهُ: ’هَلْ لَكُمْ أَبٌ أَوْ أَخٌ؟‘ فَقُلْنَا: ’لَنَا أَبٌ شَيْخٌ، عِنْدَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ أَنْجَبَهُ فِي شَيْخُوخَتِهِ، وَقَدْ مَاتَ أَخُوهُ، فَهُوَ الْوَحِيدُ الَّذِي بَقِيَ مِنْ أُمِّهِ، وَأَبُوهُ يُحِبُّهُ.‘ ثُمَّ قُلْتَ لِعَبِيدِكَ: ’أَحْضِرُوهُ لِأَرَاهُ بِعَيْنَيَّ.‘ فَقُلْنَا لِسَيِّدِي: ’لَا يَقْدِرُ الْوَلَدُ أَنْ يَتْرُكَ أَبَاهُ. إِنْ تَرَكَهُ يَمُوتُ أَبُوهُ.‘ فَقُلْتَ لِعَبِيدِكَ: ’إِنْ لَمْ يَحْضُرْ أَخُوكُمُ الْأَصْغَرُ مَعَكُمْ، لَنْ تَرَوْا وَجْهِي مَرَّةً أُخْرَى.‘ فَلَمَّا رَجَعْنَا إِلَى عَبْدِكَ أَبِي، أَخْبَرْنَاهُ بِكَلَامِ سَيِّدِي. فَقَالَ أَبُونَا: ’اِرْجِعُوا وَاشْتَرُوا بَعْضَ الطَّعَامِ.‘ فَقُلْنَا لَهُ: ’لَا نَقْدِرُ أَنْ نَذْهَبَ إِلَى هُنَاكَ إِلَّا إِذَا كَانَ أَخُونَا الْأَصْغَرُ مَعَنَا. لِأَنَّنَا لَا نَقْدِرُ أَنْ نَرَى وَجْهَ الرَّجُلِ إِلَّا إِذَا كَانَ أَخُونَا مَعَنَا.‘ فَقَالَ لَنَا عَبْدُكَ أَبُونَا: ’أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ زَوْجَتِي وَلَدَتْ لِيَ ابْنَيْنِ، فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا مِنْ عِنْدِي، وَقُلْتُ: ”إِنَّهُ مُزِّقَ تَمْزِيقًا“ وَلَمْ أَرَهُ لِحَدِّ الْآنَ. فَإِنْ أَخَذْتُمْ هَذَا مِنِّي وَأَصَابَهُ أَذًى، تَجْعَلُونِي أَمُوتُ فِي شَيْبَتِي تَعِيسًا.‘ فَإِنْ رَجَعْتُ الْآنَ إِلَى عَبْدِكَ أَبِي وَالْوَلَدُ لَيْسَ مَعَنَا، وَقَدِ ارْتَبَطَتْ حَيَاةُ أَبِينَا بِهَذَا الْوَلَدِ، وَيَرَى أَبِي أَنَّ الْوَلَدَ غَيْرُ مَوْجُودٍ، يَمُوتُ. فَنَحْنُ عَبِيدُكَ نَجْعَلُ عَبْدَكَ أَبَانَا يَمُوتُ فِي شَيْبَتِهِ بِحَسْرَةٍ. لِأَنَّ عَبْدَكَ ضَمِنَ الْوَلَدَ لِأَبِي وَقُلْتُ لَهُ: ’إِنْ لَمْ أُرْجِعْهُ إِلَيْكَ، أَكُنْ مُذْنِبًا فِي حَقِّكَ طُولَ عُمْرِي يَا أَبِي.‘ فَأَرْجُو مِنْ سَيِّدِي أَنْ يَسْمَحَ لِي أَنْ أَنْتَظِرَ أَنَا هُنَا وَأَكُونَ عَبْدًا لِسَيِّدِي بَدَلَ الْوَلَدِ، وَاسْمَحْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَعَ إِخْوَتِهِ. فَكَيْفَ أَرْجِعُ إِلَى أَبِي وَالْوَلَدُ لَيْسَ مَعِي؟ أَنَا لَا أَحْتَمِلُ أَنْ أَرَى أَبِي تَعِيسًا.“ فَلَمْ يَقْدِرْ يُوسِفُ أَنْ يُمْسِكَ نَفْسَهُ عَنِ الْبُكَاءِ أَمَامَ كُلِّ خُدَّامِهِ، فَصَرَخَ: ”أَخْرِجُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هُنَا!“ فَلَمْ يَكُنْ مَعَ يُوسِفَ أَيُّ وَاحِدٍ لَمَّا عَرَّفَ إِخْوَتَهُ بِنَفْسِهِ. وَبَكَى بِصَوْتٍ عَالٍ، فَسَمِعَهُ الْمِصْرِيُّونَ وَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى دَارِ فِرْعَوْنَ. وَقَالَ يُوسِفُ لِإِخْوَتِهِ: ”أَنَا يُوسِفُ! هَلْ أَبِي مَا زَالَ حَيًّا؟“ فَارْتَعَبُوا لِأَنَّهُمْ وَجَدُوا أَنْفُسَهُمْ وَجْهًا لِوَجْهٍ مَعَ يُوسِفَ، حَتَّى إِنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ. فَقَالَ يُوسِفُ لَهُمْ: ”تَعَالَوْا، اِقْتَرِبُوا مِنِّي“ فَاقْتَرَبُوا مِنْهُ، فَقَالَ لَهُمْ: ”أَنَا أَخُوكُمْ يُوسِفُ الَّذِي بِعْتُمُوهُ إِلَى مِصْرَ! لَا تَتَأَسَّفُوا وَلَا تَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ أَنَّكُمْ بِعْتُمُونِي إِلَى هُنَا، لِأَنَّ اللهَ أَرْسَلَنِي قُدَّامَكُمْ لِأُنْقِذَ حَيَاةَ النَّاسِ. فَالْمَجَاعَةُ لَهَا سَنَتَانِ فِي الْبِلَادِ، وَبَقِيَتْ 5 سَنَوَاتٍ لَا يَكُونُ فِيهَا فِلَاحَةٌ وَلَا حَصَادٌ. وَقَدْ أَرْسَلَنِي اللهُ قُدَّامَكُمْ، لِيَحْفَظَ لَكُمْ بَقِيَّةً فِي الْأَرْضِ، وَيُنْقِذَ حَيَاتَكُمْ بِنَجَاةٍ عَظِيمَةٍ. إِذَنْ، لَسْتُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ أَرْسَلْتُمُونِي إِلَى هُنَا بَلِ اللهُ، وَهُوَ جَعَلَنِي أَكْبَرَ مُسْتَشَارٍ لِفِرْعَوْنَ، وَسَيِّدًا عَلَى كُلِّ دَارِهِ، وَوَالِيًا عَلَى كُلِّ مِصْرَ. فَاذْهَبُوا الْآنَ بِسُرْعَةٍ إِلَى أَبِي وَقُولُوا لَهُ: ’اِبْنُكَ يُوسِفُ يَقُولُ: ”جَعَلَنِي اللهُ سَيِّدًا عَلَى كُلِّ مِصْرَ، تَعَالَ عِنْدِي وَلَا تَتَأَخَّرْ. فَتَسْكُنَ فِي مِنْطَقَةِ جَاسَانَ لِتَكُونَ قَرِيبًا مِنِّي، أَنْتَ وَأَوْلَادُكَ وَأَحْفَادُكَ وَغَنَمُكَ وَبَقَرُكَ وُكُلُّ مَا لَكَ. وَأَنَا أَعُولُكَ هُنَاكَ، لِأَنَّ الْمَجَاعَةَ سَتَسْتَمِرُّ 5 سَنَوَاتٍ أُخْرَى، لِئَلَّا تَفْتَقِرَ أَنْتَ وَعَائِلَتُكَ وَكُلُّ مَنْ لَكَ.“‘ أَنْتُمْ تَرَوْنَ بِعُيُونِكُمْ، وَأَخِي بِنْيَمِينُ أَيْضًا يَرَى أَنِّي أَنَا نَفْسِيَ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ. قُولُوا لِأَبِي عَنْ كُلِّ الْمَجْدِ الَّذِي أَتَمَتَّعُ بِهِ هُنَا فِي مِصْرَ، وَعَنْ كُلِّ شَيْءٍ رَأَيْتُمُوهُ، وَأَحْضِرُوا أَبِي إِلَى هُنَا بِسُرْعَةٍ.“ ثُمَّ ضَمَّ يُوسِفُ أَخَاهُ بِنْيَمِينَ إِلَى صَدْرِهِ وَبَكَى، وَضَمَّهُ بِنْيَمِينُ وَهُوَ يَبْكِي. وَقَبَّلَ يُوسِفُ كُلَّ إِخْوَتِهِ وَبَكَوْا كُلُّهُمْ، وَعِنْدَ ذَلِكَ أَمْكَنَ لِإِخْوَتِهِ أَنْ يَتَكَلَّمُوا مَعَهُ. وَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى قَصْرِ فِرْعَوْنَ أَنَّ إِخْوَةَ يُوسِفَ جَاءُوا، فَفَرِحَ فِرْعَوْنُ وَكُلُّ أَعْوَانِهِ. وَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسِفَ: ”قُلْ لِإِخْوَتِكَ أَنْ يُحَمِّلُوا دَوَابَّهُمْ وَيَرْجِعُوا إِلَى بِلَادِ كَنْعَانَ. وَيُحْضِرُوا أَبَاكُمْ وَعَائِلَاتِكُمْ وَيَأْتُوا إِلَيَّ، فَأُعْطِيَكُمْ أَحْسَنَ أَرْضٍ فِي مِصْرَ، وَيَتَمَتَّعُوا بِخَيْرِ الْبَلَدِ. وَقَدْ أَمَرْتُكَ أَيْضًا أَنْ تَقُولَ لَهُمْ: ’خُذُوا مَرْكَبَاتٍ مِنْ مِصْرَ لِتَنْقُلُوا عَلَيْهَا أَوْلَادَكُمْ وَزَوْجَاتِكُمْ، وَأَحْضِرُوا أَبَاكُمْ وَتَعَالَوْا. وَلَا يَهُمَّكُمْ أَنْ تَتْرُكُوا أَمْلَاكَكُمْ هُنَاكَ، لِأَنَّ أَحْسَنَ مَا فِي مِصْرَ كُلِّهَا يَكُونُ لَكُمْ.‘“ فَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ كَمَا قَالَ، وَأَعْطَاهُمْ يُوسِفُ مَرْكَبَاتٍ كَمَا أَمَرَ فِرْعَوْنُ، وَأَعْطَاهُمْ أَيْضًا زَادًا لِلطَّرِيقِ. وَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَوْبًا جَدِيدًا، أَمَّا بِنْيَمِينُ فَأَعْطَاهُ 300 عُمْلَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ وَ5 ثِيَابٍ جَدِيدَةٍ. وَأَرْسَلَ لِأَبِيهِ 10 حَمِيرٍ مُحَمَّلَةٍ بِأَحْسَنِ مَا فِي مِصْرَ، وَ10 أُتُنٍ مُحَمَّلَةٍ بِالْقَمْحِ وَالْخُبْزِ وَالطَّعَامِ اللَّازِمِ لِأَبِيهِ لِلطَّرِيقِ. وَصَرَفَ إِخْوَتَهُ وَهُوَ يَقُولُ لَهُمْ: ”لَا تَتَخَاصَمُوا فِي الطَّرِيقِ.“ فَذَهَبُوا مِنْ مِصْرَ، وَجَاءُوا إِلَى أَبِيهِمْ يَعْقُوبَ فِي بِلَادِ كَنْعَانَ. وَقَالُوا لَهُ: ”يُوسِفُ مَا زَالَ حَيًّا! وَهُوَ وَالِي مِصْرَ كُلِّهَا“ فَغَشِيَ عَلَى قَلْبِ يَعْقُوبَ وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ. لَكِنْ لَمَّا قَالُوا لَهُ كُلَّ كَلَامِ يُوسِفَ الَّذِي كَلَّمَهُمْ بِهِ، وَرَأَى الْمَرْكَبَاتِ الَّتِي أَرْسَلَهَا يُوسِفُ لِتَنْقُلَهُ، اِنْتَعَشَتْ رُوحُ يَعْقُوبَ أَبِيهِمْ. وَقَالَ: ”كَفَى! يُوسِفُ ابْنِي مَا زَالَ حَيًّا، أَذْهَبُ وَأَرَاهُ قَبْلَ مَا أَمُوتُ.“ وَرَحَلَ إِسْرَائِيلُ وَكُلُّ مَا لَهُ، وَلَمَّا وَصَلَ إِلَى بِئْرَ سَبْعَ قَدَّمَ ضَحَايَا للهِ إِلَهِ أَبِيهِ إِسْحَاقَ. وَنَادَى اللهُ إِسْرَائِيلَ فِي رُؤْيَا فِي اللَّيْلِ وَقَالَ: ”يَعْقُوبُ، يَعْقُوبُ.“ فَأَجَابَ: ”لَبَّيْكَ!“ فَقَالَ: ”أَنَا اللهُ إِلَهُ أَبِيكَ، لَا تَخَفْ مِنَ الذَّهَابِ إِلَى مِصْرَ، لِأَنِّي أَجْعَلُكَ أُمَّةً عَظِيمَةً هُنَاكَ. أَنَا أَذْهَبُ مَعَكَ إِلَى مِصْرَ وَأَنَا أُرْجِعُ نَسْلَكَ مِنْهَا، وَحِينَ تَمُوتُ يُغْمِضُ يُوسِفُ عَيْنَيْكَ بِيَدَيْهِ.“ فَخَرَجَ يَعْقُوبُ مِنْ بِئْرَ سَبْعَ، وَأَخَذَ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَبَاهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ وَزَوْجَاتِهِمْ فِي الْمَرْكَبَاتِ الَّتِي أَرْسَلَهَا فِرْعَوْنُ لِنَقْلِهِ. وَأَخَذُوا مَعَهُمْ مَوَاشِيَهُمْ وَالْمُمْتَلَكَاتِ الَّتِي اقْتَنَوْهَا فِي كَنْعَانَ، فَذَهَبَ يَعْقُوبُ وَكُلُّ نَسْلِهِ إِلَى مِصْرَ. بَنُوهُ وَأَحْفَادُهُ وَبَنَاتُهُ وَحَفِيدَاتُهُ، أَخَذَ كُلَّ نَسْلِهِ مَعَهُ إِلَى مِصْرَ. وَهَذِهِ أَسْمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى مِصْرَ. يَعْقُوبُ وَأَبْنَاؤُهُ: رَأُوبِينُ بِكْرُ يَعْقُوبَ. بَنُو رَأُوبِينَ: حَنُوكُ وَفَلُّو وَحَاصِرُ وَكَرْمِي. بَنُو شَمْعُونَ: يَمُوئِيلُ وَيَامِينُ وَأُوهَدُ وَيَاكِينُ وَصُوحَرُ وَشَاوُلُ ابْنُ الْكَنْعَانِيَّةِ. بَنُو لَاوِي: جَرْشُونُ وَقَهَاتُ وَمَرَارِي. بَنُو يَهُوذَا: عِيرُ وَأُونَانُ وَشِيلَةُ وَفَارِصُ وَزَارَحُ. وَمَاتَ عِيرُ وَأُونَانُ فِي بِلَادِ كَنْعَانَ، وَأَمَّا ابْنَا فَارِصُ فَهُمَا حَاصِرُ وَحَامُولُ. بَنُو يَسَّاكَرَ: تُولَاعُ وَفُوَّةُ وَيُوبُ وَشَمْرُونُ. بَنُو زَبُولُونَ: سَارِدُ وَأَيْلُونُ وَيَاحَلْئِيلُ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ أَبْنَاءُ لِيئَةَ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ لِيَعْقُوبَ فِي سَهْلِ آرَامَ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى دِينَةَ بِنْتِهِ. فَكَانَ عَدَدُ بَنِيهِ وَبَنَاتِهِ مِنْ لِيئَةَ 33. بَنُو جَادَ: صِفُونُ وَحَجِّي وَشُونِي وَأَصْبُونُ وَعِيرِي وَأَرُودِي وَأَرْئِيلِي. بَنُو أَشِيرَ: يَمْنَةُ وَيِشْوَةُ وَيِشْوِي وَبَرِيعَةُ وَأُخْتُهُمْ سَارَحُ، أَمَّا ابْنَا بَرِيعَةَ فَهُمَا حَابِرُ وَمَلْكِيلُ. هَؤُلَاءِ هُمْ أَوْلَادُ يَعْقُوبَ مِنْ زِلْفَةَ الَّتِي أَعْطَاهَا لَابَانُ لِبِنْتِهِ لِيئَةَ، وَعَدَدُهُمْ 16. اِبْنَا رَاحِيلَ زَوْجَةِ يَعْقُوبَ هُمَا يُوسِفُ وَبِنْيَمِينُ. وَأَنْجَبَ يُوسِفُ فِي مِصْرَ مَنَسَّى وَأَفْرَايِمَ مِنْ أَسْنَاتَ بِنْتِ فُوطِي فَارَعَ كَاهِنِ أُونَ. بَنُو بِنْيَمِينَ: بَالَعُ وَبَاكَرُ وَأَشْبِيلُ وَجِيرَا وَنُعْمَانُ وَإِيْحِي وَرُوشُ وَمَفِيمُ وَصَفَدِيمُ وَأَرَدُ. هَؤُلَاءِ هُمْ بَنُو رَاحِيلَ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ لِيَعْقُوبَ، وَعَدَدُهُمْ 14. وَابْنُ دَانَ هُوَ حُوشِيمُ. بَنُو نَفْتَالِي: يَحْصِئِيلُ وَجُونِي وَيِصِرُ وَشَلِيمُ. هَؤُلَاءِ هُمْ بَنُو يَعْقُوبَ مِنْ بِلْهَةَ الَّتِي أَعْطَاهَا لَابَانُ لِبِنْتِهِ رَاحِيلَ وَعَدَدُهُمْ 7. فَكَانَ عَدَدُ الْخَارِجِينَ مِنْ صُلْبِ يَعْقُوبَ الَّذِينَ ذَهَبُوا مَعَهُ إِلَى مِصْرَ 66 شَخْصًا مَا عَدَا زَوْجَاتِ أَبْنَائِهِ. بِالْإِضَافَةِ إِلَى الِابْنَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنْجَبَهُمَا يُوسِفُ فِي مِصْرَ، فَيَكُونُ عَدَدُ أَفْرَادِ أُسْرَةِ يَعْقُوبَ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى مِصْرَ 70 شَخْصًا. وَأَرْسَلَ يَعْقُوبُ يَهُوذَا أَمَامَهُ إِلَى يُوسِفَ لِيُرْشِدَهُ إِلَى الطَّرِيقِ إِلَى جَاسَانَ، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى مِنْطَقَةِ جَاسَانَ، أَعَدَّ يُوسِفُ مَرْكَبَتَهُ وَذَهَبَ إِلَى جَاسَانَ لِاسْتِقْبَالِ إِسْرَائِيلَ أَبِيهِ، فَلَمَّا رَآهُ ضَمَّهُ يُوسِفُ إِلَى صَدْرِهِ، وَبَكَى وَقْتًا طَوِيلًا. وَقَالَ إِسْرَائِيلُ لِيُوسِفَ: ”أَنَا الْآنَ مُسْتَعِدٌّ أَنْ أَمُوتَ بَعْدَمَا رَأَيْتُ بِنَفْسِي أَنَّكَ حَيٌّ.“ ثُمَّ قَالَ يُوسِفُ لِإِخْوَتِهِ، وَعَائِلَةِ أَبِيهِ: ”سَأَذْهَبُ الْآنَ وَأُخْبِرُ فِرْعَوْنَ وَأَقُولُ لَهُ: ’إِخْوَتِي وَعَائِلَةُ أَبِي الَّذِينَ كَانُوا مُقِيمِينَ فِي بِلَادِ كَنْعَانَ جَاءُوا إِلَيَّ. وَالرِّجَالُ رُعَاةُ غَنَمٍ وَرُعَاةُ مَوَاشٍ وَأَحْضَرُوا مَعَهُمْ غَنَمَهُمْ وَبَقَرَهُمْ وَكُلَّ مَا لَهُمْ.‘ فَعِنْدَمَا يَدْعُوكُمْ فِرْعَوْنُ وَيَسْأَلُكُمْ: ’مَا حِرْفَتُكُمْ؟‘ قُولُوا: ’عَبِيدُكَ رُعَاةُ مَوَاشٍ مِنْ صِغَرِنَا، كَمَا كَانَ آبَاؤُنَا‘ لِكَيْ تَسْكُنُوا فِي مِنْطَقَةِ جَاسَانَ، لِأَنَّ الْمِصْرِيِّينَ يَكْرَهُونَ رُعَاةَ الْغَنَمِ.“ وَذَهَبَ يُوسِفُ وَقَالَ لِفِرْعَوْنَ: ”أَبِي وَإِخْوَتِي جَاءُوا مِنْ بِلَادِ كَنْعَانَ هُمْ وَغَنَمُهُمْ وَبَقَرُهُمْ وَكُلُّ مَا لَهُمْ، وَهُمُ الْآنَ فِي جَاسَانَ.“ وَاخْتَارَ 5 مِنْ إِخْوَتِهِ وَقَدَّمَهُمْ إِلَى فِرْعَوْنَ. فَسَأَلَهُمْ فِرْعَوْنُ: ”مَا حِرْفَتُكُمْ؟“ فَأَجَابُوا: ”عَبِيدُكَ رُعَاةُ غَنَمٍ كَمَا كَانَ آبَاؤُنَا. وَقَدْ جِئْنَا لِنُقِيمَ هُنَا بَعْضَ الْوَقْتِ، لِأَنَّ الْمَجَاعَةَ قَاسِيَةٌ فِي كَنْعَانَ، وَلَا يُوجَدُ مَرْعًى لِغَنَمِ عَبِيدِكَ، فَمِنْ فَضْلِكَ اسْمَحْ لِعَبِيدِكَ أَنْ نَسْكُنَ فِي جَاسَانَ.“ فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسِفَ: ”أَبُوكَ وَإِخْوَتُكَ جَاءُوا إِلَيْكَ. كُلُّ أَرْضِ مِصْرَ تَحْتَ تَصَرُّفِكَ. أَسْكِنْهُمْ فِي أَحْسَنِ مَكَانٍ، أَسْكِنْهُمْ فِي جَاسَانَ. وَإِنْ كُنْتَ تَعْرِفُ أَنَّ بَيْنَهُمْ ذَوِي مَهَارَةٍ فَاعْهَدْ إِلَيْهِمْ بِمَوَاشِيَّ.“ ثُمَّ أَحْضَرَ يُوسِفُ أَبَاهُ يَعْقُوبَ وَقَدَّمَهُ لِفِرْعَوْنَ، فَبَارَكَ يَعْقُوبُ فِرْعَوْنَ. وَسَأَلَ فِرْعَوْنُ يَعْقُوبَ: ”كَمْ عُمْرُكَ؟“ فَقَالَ يَعْقُوبُ لِفِرْعَوْنَ: ”عَدَدُ سِنِي سِيَاحَتِي 130 سَنَةً، قَلِيلَةٌ وَشَاقَّةٌ وَلَمْ يَصِلْ إِلَى عَدَدِ سِنِي سِيَاحَةِ آبَائِي.“ ثُمَّ بَارَكَ يَعْقُوبُ فِرْعَوْنَ وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ. فَأَسْكَنَ يُوسِفُ أَبَاهُ وَإِخْوَتَهُ فِي مِصْرَ، وَأَعْطَاهُمْ أَمْلَاكًا فِي أَحْسَنِ مَكَانٍ، فِي مِنْطَقَةِ رَعَمْسِيسَ كَمَا أَمَرَ فِرْعَوْنُ. وَأَمَدَّ يُوسِفُ أَبَاهُ وَإِخْوَتَهُ وَكُلَّ أَهْلِ بَيْتِ أَبِيهِ بِالطَّعَامِ حَسَبَ عَدَدِ أَوْلَادِهِمْ. وَنَفِدَ الْخُبْزُ فِي كُلِّ الْبِلَادِ، لِأَنَّ الْمَجَاعَةَ كَانَتْ شَدِيدَةً. وَأَصْبَحَتْ مِصْرُ وَكَنْعَانُ قَفْرًا بِسَبَبِ الْمَجَاعَةِ. وَجَمَعَ يُوسِفُ كُلَّ الْمَالِ الْمَوْجُودِ فِي مِصْرَ وَكَنْعَانَ مُقَابِلَ الْقَمْحِ الَّذِي اشْتَرَاهُ النَّاسُ، وَوَضَعَ الْمَالَ فِي خَزِينَةِ فِرْعَوْنَ. فَلَمَّا نَفِدَ الْمَالُ مِنَ النَّاسِ فِي مِصْرَ وَكَنْعَانَ، جَاءَ كُلُّ الْمِصْرِيِّينَ إِلَى يُوسِفَ وَقَالُوا: ”أَعْطِنَا خُبْزًا، لِمَاذَا نَمُوتُ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ؟ فَقَدْ نَفِدَ الْمَالُ مِنْ عِنْدِنَا.“ فَقَالَ يُوسِفُ: ”إِنْ كَانَ الْمَالُ نَفِدَ مِنْ عِنْدِكُمْ هَاتُوا مَوَاشِيَكُمْ، فَأَبِيعَ لَكُمْ طَعَامًا مُقَابِلَ مَوَاشِيكُمْ.“ فَأَحْضَرُوا مَوَاشِيَهُمْ إِلَى يُوسِفَ، فَأَعْطَاهُمْ طَعَامًا مُقَابِلَ الْخَيْلِ وَالْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْحَمِيرِ. فَأَمَدَّهُمْ بِالطَّعَامِ تِلْكَ السَّنَةَ مُقَابِلَ كُلِّ مَوَاشِيهِمْ. وَلَمَّا انْقَضَتِ السَّنَةُ، جَاءُوا إِلَيْهِ فِي السَّنَةِ التَّالِيَةِ وَقَالُوا: ”يَا سَيِّدَنَا، لَا نُخْفِي عَنْكَ أَنَّ مَالَنَا نَفِدَ، وَأَنَّ مَوَاشِيَنَا أَصْبَحَتْ لَكَ، وَلَمْ يَبْقَ لِسَيِّدِنَا غَيْرَ أَبْدَانِنَا وَأَرْضِنَا، لِمَاذَا نَهْلِكُ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ، نَحْنُ وَأَرْضُنَا أَيْضًا؟ اِشْتَرِنَا نَحْنُ وَأَرْضَنَا مُقَابِلَ الْخُبْزِ فَنُصْبِحَ نَحْنُ وَأَرْضُنَا عَبِيدًا لِفِرْعَوْنَ، وَأَعْطِنَا بُزُورًا لِنَزْرَعَهَا وَنَحْيَا وَلَا نَمُوتَ وَلَا تُصْبِحَ أَرْضُنَا مُقْفِرَةً.“ فَاشْتَرَى يُوسِفُ لِفِرْعَوْنَ كُلَّ الْأَرْضِ فِي مِصْرَ، لِأَنَّ الْمِصْرِيِّينَ بَاعُوا كُلَّ حُقُولِهِمْ، لِأَنَّ الْمَجَاعَةَ كَانَتْ شَدِيدَةً عَلَيْهِمْ، فَأَصْبَحَتِ الْأَرْضُ مِلْكًا لِفِرْعَوْنَ. وَجَعَلَ يُوسِفُ النَّاسَ عَبِيدًا مِنْ أَوَّلِ مِصْرَ إِلَى آخِرِهَا. لَكِنَّهُ لَمْ يَشْتَرِ أَرْضَ الْكَهَنَةِ لِأَنَّ الْكَهَنَةَ كَانُوا يَحْصُلُونَ عَلَى دَخْلٍ مُعَيَّنٍ مِنْ فِرْعَوْنَ، فَكَانُوا يَعِيشُونَ عَلَى هَذَا الدَّخْلِ. وَلِهَذَا لَمْ يَبِيعُوا أَرْضَهُمْ. ثُمَّ قَالَ يُوسِفُ لِلشَّعْبِ: ”بِمَا أَنِّي اشْتَرَيْتُكُمْ أَنْتُمْ وَأَرْضَكُمْ لِفِرْعَوْنَ، فَخُذُوا الْبُزُورَ لِتَزْرَعُوا الْأَرْضَ. وَعِنْدَمَا يَخْرُجُ الْمَحْصُولُ تُعْطُونَ الْخُمْسَ لِفِرْعَوْنَ، وَتَحْتَفِظُونَ بِالْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ لِتَكُونَ بُزُورًا لِلْحُقُولِ وَطَعَامًا لَكُمْ وَلِأَهْلِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ.“ فَقَالُوا: ”أَنْقَذْتَ حَيَاتَنَا! لَيْتَكَ تَرْضَى عَنَّا يَا سَيِّدَنَا، وَنَكُونُ عَبِيدًا لِفِرْعَوْنَ.“ فَجَعَلَ يُوسِفُ هَذَا قَانُونًا فِي مِصْرَ يَسْرِي حَتَّى الْيَوْمِ، أَنَّ خُمْسَ الْغَلَّةِ يَكُونُ لِفِرْعَوْنَ، فِيمَا عَدَا أَرْضَ الْكَهَنَةِ لِأَنَّهَا لَمْ تُصْبِحْ مِلْكًا لِفِرْعَوْنَ. فَسَكَنَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي مِصْرَ فِي مِنْطَقَةِ جَاسَانَ، وَاقْتَنَوْا فِيهَا أَمْلَاكًا، وَأَثْمَرُوا وَكَثُرَ عَدَدُهُمْ جِدًّا. وَعَاشَ يَعْقُوبُ فِي مِصْرَ 17 سَنَةً، وَبَلَغَ مِنَ الْعُمْرِ 147 سَنَةً. وَلَمَّا قَرُبَ وَقْتُ وَفَاتِهِ، اِسْتَدْعَى ابْنَهُ يُوسِفَ وَقَالَ لَهُ: ”لِي طَلَبٌ عِنْدَكَ. اِحْلِفْ لِي أَنَّكَ تَعْمَلُ مَعِي مَعْرُوفًا وَتُظْهِرُ لِيَ الْوَفَاءَ: لَا تَدْفِنِّي فِي مِصْرَ، بَلْ حِينَ أَمُوتُ، خُذْنِي مِنْ مِصْرَ، وَادْفِنِّي مَعَ آبَائِي فِي قُبُورِهِمْ.“ فَقَالَ يُوسِفُ: ”سَأَعْمَلُ كَمَا قُلْتَ.“ فَقَالَ أَبُوهُ: ”اِحْلِفْ لِي.“ فَحَلَفَ يُوسِفُ لَهُ، فَسَجَدَ إِسْرَائِيلُ مُتَعَبِّدًا عِنْدَ رَأْسِ سَرِيرِهِ. وَبَعْدَ فَتْرَةٍ مِنَ الْوَقْتِ قَالُوا لِيُوسِفَ: ”أَبُوكَ مَرِيضٌ.“ فَأَخَذَ مَعَهُ ابْنَيْهِ مَنَسَّى وَأَفْرَايِمَ. وَلَمَّا بَلَغَ يَعْقُوبَ الْخَبَرُ أَنَّ ابْنَهُ يُوسِفَ قَادِمٌ إِلَيْهِ، اِسْتَجْمَعَ قُوَاهُ وَجَلَسَ عَلَى السَّرِيرِ. وَقَالَ يَعْقُوبُ لِيُوسِفَ: ”اللهُ الْقَدِيرُ ظَهَرَ لِي فِي لُوزَ فِي بِلَادِ كَنْعَانَ وَبَارَكَنِي. وَقَالَ لِي: ’سَأَجْعَلُكَ مُثْمِرًا وَأُكَثِّرُكَ، وَأَجْعَلُكَ جُمْهُورًا مِنَ الشُّعُوبِ، وَأُعْطِي هَذِهِ الْأَرْضَ لِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ مِلْكًا إِلَى الْأَبَدِ.‘ وَالْآنَ، فَابْنَاكَ اللَّذَانِ أَنْجَبْتَهُمَا فِي مِصْرَ قَبْلَ مَا جِئْتُ إِلَيْكَ هُنَا يُحْسَبَانِ ابْنَيَّ. فَيَكُونُ أَفْرَايِمُ وَمَنَسَّى لِي كَرَأُوبِينَ وَشَمْعُونَ. وَإِنْ أَنْجَبْتَ أَوْلَادًا آخَرِينَ بَعْدَهُمَا يَكُونُونَ لَكَ، وَأَرْضُهُمُ الَّتِي يَرِثُونَهَا تَكُونُ بِاسْمِ أَفْرَايِمَ وَمَنَسَّى. أَمَّا أَنَا فَلَمَّا كُنْتُ رَاجِعًا مِنْ سَهْلِ آرَامَ، لِلْأَسَفِ مَاتَتْ رَاحِيلُ فِي بِلَادِ كَنْعَانَ وَنَحْنُ فِي الطَّرِيقِ بِالْقُرْبِ مِنْ أَفْرَاتَةَ، فَدَفَنْتُهَا هُنَاكَ عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ إِلَى أَفْرَاتَةَ أَيْ بَيْتَ لَحْمَ.“ وَرَأَى إِسْرَائِيلُ ابْنَيْ يُوسِفَ، فَسَأَلَ: ”مَنْ هَذَانِ؟“ فَقَالَ يُوسِفُ لِأَبِيهِ: ”هُمَا الِابْنَانِ اللَّذَانِ رَزَقَنِي اللهُ بِهِمَا هُنَا.“ فَقَالَ إِسْرَائِيلُ: ”قَرِّبْهُمَا لِي لِكَيْ أُبَارِكَهُمَا.“ وَكَانَ نَظَرُ إِسْرَائِيلَ قَدْ ضَعُفَ مِنَ الشَّيْخُوخَةِ، فَقَرَّبَ يُوسِفُ ابْنَيْهِ لَهُ فَقَبَّلَهُمَا وَحَضَنَهُمَا. وَقَالَ إِسْرَائِيلُ لِيُوسِفَ: ”لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنِّي سَأَرَى وَجْهَكَ لَكِنَّ اللهَ أَرَانِي أَوْلَادَكَ أَيْضًا.“ ثُمَّ أَخْرَجَهُمَا يُوسِفُ مِنْ بَيْنِ رُكْبَتَيْ أَبِيهِ وَانْحَنَى وَوَجْهُهُ نَحْوَ الْأَرْضِ. وَأَخَذَ يُوسِفُ أَفْرَايِمَ بِيَمِينِهِ وَأَوْقَفَهُ إِلَى شِمَالِ إِسْرَائِيلَ، وَأَخَذَ مَنَسَّى بِشِمَالِهِ وَأَوْقَفَهُ إِلَى يَمِينِ إِسْرَائِيلَ. فَمَدَّ إِسْرَائِيلُ يَدَهُ الْيُمْنَى وَوَضَعَهَا عَلَى رَأْسِ أَفْرَايِمَ، مَعَ أَنَّهُ الصَّغِيرُ، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رَأْسِ مَنَسَّى، مَعَ أَنَّ مَنَسَّى هُوَ الْبِكْرُ. أَيْ تَقَاطَعَتْ ذِرَاعَاهُ. وَبَارَكَ يُوسِفَ وَقَالَ: ”لَيْتَ اللهَ الَّذِي سَارَ فِي مَحْضَرِهِ أَبَوَايَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْحَاقُ، لَيْتَ اللهَ الَّذِي رَعَانِي مُنْذُ وُجُودِي لِحَدِّ هَذَا الْيَوْمِ، لَيْتَ الْمَلَاكَ الَّذِي أَنْقَذَنِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ، يُبَارِكُ هَذَيْنِ الْوَلَدَيْنِ، فَيُدْعَيَانِ بِاسْمِي وَبِاسْمِ أَبَوَيَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ، وَيَكْثُرَانِ جِدًّا فِي الْأَرْضِ.“ فَلَمَّا رَأَى يُوسِفُ أَنَّ أَبَاهُ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِ أَفْرَايِمَ سَاءَهُ ذَلِكَ، فَأَمْسَكَ بِيَدِ أَبِيهِ لِيَنْقُلَهَا مِنْ رَأْسِ أَفْرَايِمَ إِلَى رَأْسِ مَنَسَّى. وَقَالَ يُوسِفُ لِأَبِيهِ: ”لَا يَا أَبِي، بَلْ هَذَا هُوَ الْبِكْرُ، ضَعْ يَمِينَكَ عَلَى رَأْسِهِ.“ فَرَفَضَ أَبُوهُ وَقَالَ: ”أَنَا عَارِفٌ يَا ابْنِي، أَنَا عَارِفٌ. هُوَ أَيْضًا يَكُونُ شَعْبًا، هُوَ أَيْضًا يَكُونُ عَظِيمًا. إِنَّمَا أَخُوهُ الصَّغِيرُ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنْهُ، وَيَكُونُ نَسْلُهُ جَمَاعَةَ أُمَمٍ.“ وَبَارَكَهُمَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَقَالَ: ”يَسْتَعْمِلُ بَنُو إِسْرَائِيلَ اسْمَيْكُمَا لِلْبَرَكَةِ فَيَقُولُونَ: ’يَجْعَلُكَ اللهُ كَأَفْرَايِمَ وَكَمَنَسَّى‘“ فَقَدَّمَ أَفْرَايِمَ عَلَى مَنَسَّى. ثُمَّ قَالَ إِسْرَائِيلُ لِيُوسِفَ: ”قَرِيبًا سَأَمُوتُ، وَلَكِنَّ اللهَ سَيَكُونُ مَعَكُمْ وَيُرْجِعُكُمْ إِلَى أَرْضِ آبَائِكُمْ. وَبِاعْتِبَارِ أَنَّكَ فَوْقَ إِخْوَتِكَ، فَإِنِّي أُعْطِيكَ مِنْطَقَةَ شَكِيمَ الْخِصْبَةَ الَّتِي أَخَذْتُهَا مِنَ الْأَمُورِيِّينَ بِسَيْفِي وَقَوْسِي.“ ثُمَّ اسْتَدْعَى يَعْقُوبُ أَبْنَاءَهُ وَقَالَ: ”اِلْتَفُّوا حَوْلِي لِكَيْ أُخْبِرَكُمْ بِمَا سَيَحْدُثُ لَكُمْ فِي الْأَيَّامِ الْمُقْبِلَةِ. اِجْتَمِعُوا وَاسْمَعُوا يَا بَنِي يَعْقُوبَ، اِسْمَعُوا إِسْرَائِيلَ أَبَاكُمْ. رَأُوبِينُ أَنْتَ بِكْرِي وَقُوَّتِي وَأَوَّلُ ثِمَارِ عُنْفُوَانِي، أَنْتَ فَائِقُ الْكَرَامَةِ وَفَائِقُ الْقُوَّةِ. لَكِنَّكَ تَهِيجُ كَالْأَمْوَاجِ، فَلَنْ تَظَلَّ فَائِقًا، لِأَنَّكَ رَقَدْتَ فِي فِرَاشِ أَبِيكَ، طَلَعْتَ إِلَى سَرِيرِي فَنَجَّسْتَهُ. شَمْعُونُ وَلَاوِي أَخَوَانِ، سُيُوفُهُمَا آلَاتُ ظُلْمٍ. لَا أَدْخُلُ فِي مَجْلِسِهِمَا، وَلَا أَنْضَمُّ إِلَى مَجْمَعِهِمَا، لِأَنَّهُمَا يَغْضَبَانِ فَيَقْتُلَانِ النَّاسَ، وَيَعْبَثَانِ فَيُكَسِّرَانِ مَفَاصِلَ الثِّيرَانِ. مَلْعُونٌ غَضَبُهُمَا فَإِنَّهُ عَنِيفٌ، وَغَيْظُهُمَا فَإِنَّهُ شَدِيدٌ، أُبَدِّدُهُمَا فِي يَعْقُوبَ، وَأُشَتِّتُهُمَا فِي إِسْرَائِيلَ. يَهُوذَا، إِخْوَتُكَ يَحْمَدُونَكَ. يَدُكَ تَكُونُ عَلَى رَقَبَةِ أَعْدَائِكَ، يَنْحَنِي لَكَ بَنُو أَبِيكَ. يَهُوذَا شِبْلُ أَسَدٍ. أَنْتَ قُمْتَ عَنْ فَرِيسَةٍ يَا ابْنِي، إِنَّهُ يَتَمَدَّدُ وَيَرْبِضُ كَأَسَدٍ أَوْ كَلَبْوَةٍ، فَمَنْ يَجْرُؤُ عَلَى إِثَارَتِهِ؟ مِنْ يَهُوذَا يَكُونُ الْمُلُوكُ، مِنْ يَهُوذَا يَكُونُ الْحُكَّامُ، حَتَّى يَأْتِيَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِي الْعَرْشِ، فَتُطِيعُهُ الْأُمَمُ. يَرْبِطُ جَحْشَهُ بِالْكَرْمَةِ، وَحِمَارَهُ بِأَفْضَلِ أَغْصَانِهَا. يَغْسِلُ ثِيَابَهُ بِالْخَمْرِ، وَمَلَابِسَهُ بِدَمِ الْعِنَبِ. عَيْنَاهُ أَكْثَرُ سَوَادًا مِنَ الْخَمْرِ، وَأَسْنَانُهُ أَكْثَرُ بَيَاضًا مِنَ الْحَلِيبِ. زَبُولُونُ يَسْكُنُ عِنْدَ الْبَحْرِ، وَيَكُونُ شَاطِئُهُ مِينَاءً لِلسُّفُنِ، وَتَمْتَدُّ أَمْلَاكُهُ إِلَى صَيْدَا. يَسَّاكَرُ حِمَارٌ قَوِيٌّ رَابِضٌ بَيْنَ الْحَظَائِرِ. حِينَ يَرَى أَنَّ مَكَانَهُ حَسَنٌ وَأَرْضَهُ طَيِّبَةٌ، يَحْنِي كَتِفَهُ لِلْحِمْلِ، وَيَخْضَعُ لِلْعَمَلِ الشَّاقِّ. دَانُ يَحْكُمُ شَعْبَهُ كَبَاقِي قَبَائِلِ إِسْرَائِيلَ. دَانُ يَكُونُ ثُعْبَانًا عَلَى الطَّرِيقِ وَأُفْعُوَانًا عَلَى السَّبِيلِ، يَلْدَغُ كَعْبَيِ الْفَرَسِ فَيَسْقُطُ رَاكِبُهُ إِلَى الْوَرَاءِ. أَنْتَظِرُ نَجَاتَكَ يَا رَبُّ. جَادُ يَهْجُمُ عَلَيْهِ الْغُزَاةُ، وَلَكِنَّهُ يُطَارِدُهُمْ وَيَتْبَعُهُمْ. طَعَامُ أَشِيرَ دَسِمٌ، وَهُوَ يُقَدِّمُ طَيِّبَاتٍ تَصْلُحُ لِمَائِدَةِ الْمَلِكِ. نَفْتَالِي غَزَالَةٌ طَلِيقَةٌ صِغَارُهَا حِسَانٌ. يُوسِفُ شَجَرَةٌ مُثْمِرَةٌ، شَجَرَةٌ مُثْمِرَةٌ عَلَى عَيْنٍ، فَتَسَلَّقَتْ أَغْصَانُهَا الْحَائِطَ. هَجَمَ عَلَيْهِ الرُّمَاةُ بِوَحْشِيَّةٍ، أَطْلَقُوا السِّهَامَ عَلَيْهِ بِضَرَاوَةٍ. لَكِنْ ظَلَّتْ قَوْسُهُ ثَابِتَةً، وَذِرَاعُهُ وَيَدَاهُ شَدِيدَةً، بِفَضْلِ قُوَّةِ الْقَدِيرِ رَبِّ يَعْقُوبَ، بِفَضْلِ الرَّاعِي حَامِي إِسْرَائِيلَ. بِفَضْلِ إِلَهِ أَبِيكَ الَّذِي يُعِينُكَ، بِفَضْلِ الْقَدِيرِ الَّذِي يُبَارِكُكَ بِبَرَكَاتِ الْمَطَرِ مِنْ فَوْقُ، وَبَرَكَاتِ مَاءِ الْأَعْمَاقِ مِنْ تَحْتِ الْأَرْضِ، وَبَرَكَاتِ أَوْلَادٍ وَغَنَمٍ بِكَثْرَةٍ. بَرَكَاتُ أَبِيكَ أَعْظَمُ مِنْ بَرَكَاتِ الْجِبَالِ الْقَدِيمَةِ، وَأَعْظَمُ مِنْ جُودِ التِّلَالِ الْعَتِيقَةِ. لِتَحِلَّ كُلُّ هَذِهِ عَلَى رَأْسِ يُوسِفَ، عَلَى جَبِينِ الْأَمِيرِ بَيْنَ إِخْوَتِهِ. بِنْيَمِينُ ذِئْبٌ مُفْتَرِسٌ، فِي الصَّبَاحِ يَلْتَهِمُ الْفَرِيسَةَ، وَفِي الْمَسَاءِ يُوَزِّعُ الْغَنِيمَةَ.“ كُلُّ هَؤُلَاءِ هُمْ قَبَائِلُ إِسْرَائِيلَ الِـ12، وَهَذَا هُوَ كَلَامُ أَبِيهِمْ لَهُمْ لَمَّا بَارَكَهُمْ، كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَرَكَةً مُنَاسِبَةً لَهُ. ثُمَّ أَوْصَاهُمْ وَقَالَ: ”قَرِيبًا أَنْضَمُّ إِلَى أَسْلَافِي، فَادْفِنُونِي مَعَ آبَائِي فِي الْمَغَارَةِ الَّتِي فِي حَقْلِ عَفْرُونَ الْحِثِّيِّ، أَيِ الَّتِي فِي حَقْلِ الْمَكْفِيلَةِ بِالْقُرْبِ مِنْ مَمْرَا فِي كَنْعَانَ، الَّتِي اشْتَرَاهَا إِبْرَاهِيمُ مَعَ الْحَقْلِ مِنْ عَفْرُونَ الْحِثِّيِّ لِتَكُونَ مَدْفَنًا. فِيهَا دُفِنَ إِبْرَاهِيمُ وَزَوْجَتُهُ سَارَةُ، وَفِيهَا دُفِنَ إِسْحَاقُ وَزَوْجَتُهُ رِفْقَةُ وَفِيهَا دَفَنْتُ لِيئَةَ. وَتَمَّ شِرَاءُ الْحَقْلِ وَالْمَغَارَةِ الَّتِي فِيهِ مِنَ الْحِثِّيِّينَ.“ وَلَمَّا انْتَهَى يَعْقُوبُ مِنْ تَوْصِيَةِ أَبْنَائِهِ، رَفَعَ رِجْلَيْهِ إِلَى السَّرِيرِ، وَلَفَظَ أَنْفَاسَهُ الْأَخِيرَةَ، وَانْضَمَّ إِلَى أَسْلَافِهِ. فَرَمَى يُوسِفُ نَفْسَهُ عَلَى أَبِيهِ وَبَكَى عَلَيْهِ وَقَبَّلَهُ. ثُمَّ أَمَرَ يُوسِفُ الْأَطِبَّاءَ الَّذِينَ فِي خِدْمَتِهِ أَنْ يُحَنِّطُوا أَبَاهُ، فَحَنَّطَ الْأَطِبَّاءُ يَعْقُوبَ. وَاسْتَغْرَقَ ذَلِكَ 40 يَوْمًا، وَهِيَ الْأَيَّامُ الْمَطْلُوبَةُ لِإِتْمَامِ عَمَلِيَّةِ التَّحْنِيطِ. وَعَمِلَ الْمِصْرِيُّونَ لَهُ حِدَادًا 70 يَوْمًا. وَلَمَّا انْتَهَتْ أَيَّامُ الْحِدَادِ قَالَ يُوسِفُ لِلَّذِينَ فِي قَصْرِ فِرْعَوْنَ: ”لِي طَلَبٌ عِنْدَكُمْ، كَلِّمُوا فِرْعَوْنَ وَقُولُوا لَهُ: ’أَبِي حَلَّفَنِي وَقَالَ لِي: ”قَرِيبًا سَأَمُوتُ، فَادْفِنِّي فِي الْقَبْرِ الَّذِي حَفَرْتُهُ لِنَفْسِي فِي بِلَادِ كَنْعَانَ.“ فَاسْمَحْ لِي أَنْ أَذْهَبَ وَأَدْفِنَ أَبِي ثُمَّ أَرْجِعَ.‘“ فَقَالَ فِرْعَوْنُ: ”اِذْهَبْ وَادْفِنْ أَبَاكَ كَمَا حَلَّفَكَ.“ فَذَهَبَ يُوسِفُ لِيَدْفِنَ أَبَاهُ وَرَافَقَتْهُ كُلُّ حَاشِيَةِ فِرْعَوْنَ مِنْ وُجَهَاءِ الْقَصْرِ وَأَعْيَانِ مِصْرَ. وَأَيْضًا كُلُّ بَيْتِ يُوسِفَ، وَإِخْوَتُهُ وَبَيْتُ أَبِيهِ، فَلَمْ يَتْرُكُوا فِي جَاسَانَ غَيْرَ أَطْفَالِهِمْ وَغَنَمِهِمْ وَبَقَرِهِمْ. وَذَهَبَتْ مَعَهُ أَيْضًا مَرْكَبَاتٌ وَفُرْسَانٌ، فَكَانَ الْمَوْكِبُ كَبِيرًا جِدًّا. وَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى بَيْدَرِ أَطَادَ بِالْقُرْبِ مِنْ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ نَاحُوا عَلَيْهِ نَوْحًا عَظِيمًا بِمَرَارَةٍ، وَعَمِلَ يُوسِفُ لِأَبِيهِ جِنَازَةً 7 أَيَّامٍ. فَلَمَّا رَأَى الْكَنْعَانِيُّونَ السَّاكِنُونَ هُنَاكَ الْجِنَازَةَ فِي بَيْدَرِ أَطَادَ، قَالُوا: ”هَذِهِ جِنَازَةٌ كَبِيرَةٌ لِلْمِصْرِيِّينَ.“ وَسَمَّوْا ذَلِكَ الْمَكَانَ بِالْقُرْبِ مِنَ الْأُرْدُنِّ 'جِنَازَةَ الْمِصْرِيِّينَ.' فَنَفَّذَ بَنُو يَعْقُوبَ وَصِيَّةَ أَبِيهِمْ: أَخَذُوهُ إِلَى بِلَادِ كَنْعَانَ وَدَفَنُوهُ فِي الْمَغَارَةِ الَّتِي فِي حَقْلِ الْمَكْفِيلَةِ بِالْقُرْبِ مِنْ مَمْرَا، الَّتِي اشْتَرَاهَا إِبْرَاهِيمُ مَعَ الْحَقْلِ مِنْ عَفْرُونَ الْحِثِّيِّ لِتَكُونَ مَدْفَنًا. وَبَعْدَمَا دَفَنَ يُوسِفُ أَبَاهُ رَجَعَ إِلَى مِصْرَ هُوَ وَإِخْوَتُهُ وَكُلُّ الَّذِينَ ذَهَبُوا مَعَهُ لِدَفْنِ أَبِيهِ. وَلَمَّا رَأَى إِخْوَةُ يُوسِفَ أَنَّ أَبَاهُمْ مَاتَ، قَالُوا: ”رُبَّمَا يُوسِفُ يَحْقِدُ الْآنَ عَلَيْنَا وَيَنْتَقِمُ مِنَّا عَلَى الشَّرِّ الَّذِي عَمِلْنَاهُ بِهِ.“ فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ وَقَالُوا: ”أَبُوكَ أَوْصَى قَبْلَ مَوْتِهِ وَقَالَ: ’بَلِّغُوا هَذَا الْكَلَامَ لِيُوسِفَ: ”مِنْ فَضْلِكَ سَامِحْ إِخْوَتَكَ عَلَى ذَنْبِهِمْ وَخَطِيئَتِهِمْ، فَإِنَّهُمْ أَسَاءُوا إِلَيْكَ جِدًّا.“‘ فَالْآنَ نَرْجُو أَنْ تُسَامِحَنَا عَلَى ذَنْبِنَا، فَنَحْنُ عَبِيدُ رَبِّ أَبِيكَ.“ فَلَمَّا بَلَغَهُ هَذَا الْكَلَامُ بَكَى. ثُمَّ جَاءَ إِخْوَتُهُ وَرَمَوْا أَنْفُسَهُمْ قُدَّامَهُ وَقَالُوا: ”نَحْنُ عَبِيدُكَ.“ فَقَالَ يُوسِفُ: ”لَا تَخَافُوا، هَلْ أَنَا مَكَانَ اللهِ؟ أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرًّا، لَكِنَّ اللهَ قَصَدَ بِهِ خَيْرًا، لِكَيْ يَعْمَلَ مَا يَتِمُّ الْيَوْمَ لِإِنْقَاذِ نُفُوسٍ كَثِيرَةٍ. فَلَا تَخَافُوا، أَنَا أَعُولُكُمْ أَنْتُمْ وَأَوْلَادَكُمْ.“ فَطَمْأَنَهُمْ وَهَدَّأَ قُلُوبَهُمْ. وَأَقَامَ يُوسِفُ فِي مِصْرَ هُوَ وَكُلُّ عَائِلَةِ أَبِيهِ. وَعَاشَ يُوسِفُ 110 سِنِينَ. وَرَأَى الْجِيلَ الثَّالِثَ مِنْ نَسْلِ أَفْرَايِمَ. وَأَيْضًا أَوْلَادَ حَفِيدِهِ مَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى كَانُوا يَجْلِسُونَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَهُمْ صِغَارٌ. ثُمَّ قَالَ يُوسِفُ لِإِخْوَتِهِ: ”قَرِيبًا أَمُوتُ، لَكِنَّ اللهَ سَيَأْتِي لِعَوْنِكُمْ، وَيُخْرِجُكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي وَعَدَ بِهَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ بِقَسَمٍ.“ وَحَلَّفَ يُوسِفُ أَبْنَاءَ إِسْرَائِيلَ وَقَالَ: ”اللهُ سَيَأْتِي لِعَوْنِكُمْ، فَانْقُلُوا عِظَامِي مِنْ هُنَا.“ وَمَاتَ يُوسِفُ وَهُوَ ابْنُ 110 سِنِينَ، فَحَنَّطُوهُ وَوَضَعُوهُ فِي تَابُوتٍ فِي مِصْرَ. وَهَذِهِ هِيَ أَسْمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ رَاحُوا إِلَى مِصْرَ مَعَ يَعْقُوبَ. كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ عَائِلَتِهِ: رَأُوبِينُ وَشَمْعُونُ وَلَاوِي وَيَهُوذَا وَيَسَّاكَرُ وَزَبُولُونُ وَبِنْيَمِينُ وَدَانُ وَنَفْتَالِي وَجَادُ وَأَشِيرُ. وَكَانَ كُلُّ نَسْلِ يَعْقُوبَ 70 نَفْسًا، وَأَمَّا يُوسِفُ فَكَانَ فِي مِصْرَ. وَمَاتَ يُوسِفُ وَكُلُّ إِخْوَتِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ الْجِيلِ. وَلَكِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ نَمَوْا وَتَوَالَدُوا وَكَثُرُوا جِدًّا حَتَّى امْتَلَأَتْ مِصْرُ مِنْهُمْ. وَقَامَ مَلِكٌ جَدِيدٌ عَلَى مِصْرَ، وَكَانَ لَا يَعْرِفُ يُوسِفَ. فَقَالَ لِشَعْبِهِ: ”اُنْظُرُوا، إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ صَارُوا أَكْثَرَ وَأَعْظَمَ مِنَّا. تَعَالَوْا نَحْتَالُ عَلَيْهِمْ لِكَيْ لَا يَزِيدُوا أَكْثَرَ. لِئَلَّا إِنْ قَامَتْ حَرْبٌ، يَنْضَمُّوا إِلَى أَعْدَائِنَا وَيُحَارِبُونَا وَيَخْرُجُوا مِنَ الْبِلَادِ.“ فَأَقَامَ الْمِصْرِيُّونَ عَلَيْهِمْ مُسَخِّرِينَ، لِكَيْ يُذِلُّوهُمْ بِأَعْمَالٍ شَاقَّةٍ. فَبَنَوْا مَدِينَتَيْ فِيثُومَ وَرَعَمْسِيسَ لِتَكُونَا مَخَازِنَ لِفِرْعَوْنَ. وَلَكِنْ كُلَّمَا أَذَلُّوهُمْ، كَثُرُوا وَزَادُوا. فَخَافَ الْمِصْرِيُّونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَاسْتَعْبَدُوهُمْ بِلَا رَحْمَةٍ، وَأَذَاقُوهُمُ الْمُرَّ بِالْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ فِي الطِّينِ وَالطُّوبِ وَكُلِّ عَمَلٍ فِي الْحَقْلِ. فَاسْتَخْدَمُوهُمْ بِلَا رَحْمَةٍ فِي كُلِّ عَمَلٍ. وَقَالَ مَلِكُ مِصْرَ لِشِفْرَةَ وَفُوعَةَ الْمُوَلِّدَتَيْنِ الْعِبْرَانِيَّتَيْنِ: ”حِينَ تُوَلِّدَانِ النِّسَاءَ الْعِبْرَانِيَّاتِ، اُنْظُرَا إِلَى الطِّفْلِ عِنْدَ خُرُوجِهِ، فَإِنْ كَانَ وَلَدًا اقْتُلَاهُ، وَإِنْ كَانَ بِنْتًا تَحْيَا.“ لَكِنَّ الْمُوَلِّدَتَيْنِ كَانَتَا تَخَافَانِ اللهَ، فَلَمْ تَعْمَلَا كَمَا قَالَ الْمَلِكُ، بَلْ تَرَكَتَا الْأَوْلَادَ أَحْيَاءً. فَاسْتَدْعَى مَلِكُ مِصْرَ الْمُوَلِّدَتَيْنِ وَسَأَلَهُمَا: ”لِمَاذَا فَعَلْتُمَا هَذَا، وَتَرَكْتُمَا الْأَوْلَادَ أَحْيَاءً؟“ فَقَالَتَا لِفِرْعَوْنَ: ”النِّسَاءُ الْعِبْرَانِيَّاتُ غَيْرُ النِّسَاءِ الْمِصْرِيَّاتِ، فَهُنَّ قَوِيَّاتٌ يَلِدْنَ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ الْمُوَلِّدَةُ.“ وَنَمَا الشَّعْبُ وَكَثُرَ جِدًّا. وَأَحْسَنَ اللهُ إِلَى الْمُوَلِّدَتَيْنِ، لِأَنَّهُمَا كَانَتَا تَخَافَانِهِ، وَرَزَقَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَائِلَتَهَا الْخَاصَّةَ. فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ كُلَّ شَعْبِهِ وَقَالَ: ”كُلُّ ابْنٍ عِبْرَانِيٍّ يُولَدُ اطْرَحُوهُ فِي النَّهْرِ، وَكُلُّ بِنْتٍ اتْرُكُوهَا تَحْيَا.“ وَتَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنْ نَسْلِ لَاوِي بِفَتَاةٍ مِنْ نَسْلِ لَاوِي. فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتِ ابْنًا. وَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهُ حَسَنُ الْمَنْظَرِ، خَبَّأَتْهُ 3 أَشْهُرٍ. وَلَمَّا لَمْ تَقْدِرْ أَنْ تُخْفِيَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، أَخَذَتْ لَهُ سَلَّةً مِنَ الْبَرْدِيِّ، وَطَلَتْهَا بِالْقَطْرَانِ وَالزِّفْتِ، وَوَضَعَتِ الطِّفْلَ فِيهَا، وَوَضَعَتْهَا بَيْنَ الْحَلْفَاءِ عَلَى ضَفَّةِ نَهْرِ النِّيلِ. وَوَقَفَتْ أُخْتُهُ مِنْ بَعِيدٍ، لِتَرَى مَا يَحْدُثُ لَهُ. وَنَزَلَتْ بِنْتُ فِرْعَوْنَ إِلَى النَّهْرِ لِتَسْتَحِمَّ، وَكَانَتْ وَصِيفَاتُهَا يَمْشِينَ عَلَى ضَفَّةِ النَّهْرِ. فَرَأَتْ بِنْتُ فِرْعَوْنَ السَّلَّةَ بَيْنَ الْحَلْفَاءِ، فَأَرْسَلَتْ خَادِمَتَهَا لِتَأْخُذَهَا. وَلَمَّا فَتَحَتْهَا، وَجَدَتِ الطِّفْلَ وَكَانَ يَبْكِي. فَأَشْفَقَتْ عَلَيْهِ وَقَالَتْ: ”هَذَا مِنْ أَوْلَادِ الْعِبْرَانِيِّينَ.“ فَقَالَتْ أُخْتُهُ لِبِنْتِ فِرْعَوْنَ: ”هَلْ أَذْهَبُ وَأُحْضِرُ لَكِ امْرَأَةً مِنَ الْعِبْرَانِيَّاتِ لِتُرْضِعَ لَكِ الْوَلَدَ؟“ فَأَجَابَتْهَا بِنْتُ فِرْعَوْنَ: ”اِذْهَبِي.“ فَذَهَبَتِ الْفَتَاةُ وَأَحْضَرَتْ أُمَّ الْوَلَدِ. فَقَالَتْ لَهَا بِنْتُ فِرْعَوْنَ: ”خُذِي هَذَا الْوَلَدَ وَأَرْضِعِيهِ لِي، وَأَنَا أُعْطِيكِ أُجْرَتَكِ.“ فَأَخَذَتْهُ الْمَرْأَةُ وَأَرْضَعَتْهُ. وَلَمَّا كَبِرَ الْوَلَدُ، أَخَذَتْهُ إِلَى بِنْتِ فِرْعَوْنَ، فَتَبَنَّتْهُ وَسَمَّتْهُ مُوسَى وَقَالَتْ: ”إِنِّي انْتَشَلْتُهُ مِنَ الْمَاءِ.“ وَفِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ، وَكَانَ مُوسَى قَدْ كَبِرَ، حَدَثَ أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى إِخْوَتِهِ وَرَأَى الْأَعْمَالَ الشَّاقَّةَ الَّتِي يَقُومُونَ بِهَا. فَرَأَى رَجُلًا مِصْرِيًّا يَضْرِبُ رَجُلًا عِبْرَانِيًّا مِنْ إِخْوَتِهِ. فَتَلَفَّتَ حَوْلَهُ، وَرَأَى أَنَّهُ لَا يُوجَدُ أَحَدٌ، فَقَتَلَ الْمِصْرِيَّ وَدَفَنَهُ فِي الرَّمْلِ. وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، خَرَجَ فَرَأَى رَجُلَيْنِ عِبْرَانِيَّيْنِ يَتَشَاجَرَانِ. فَقَالَ لِلْمُعْتَدِي: ”لِمَاذَا تَضْرِبُ أَخَاكَ؟“ فَأَجَابَهُ: ”مَنْ جَعَلَكَ رَئِيسًا وَقَاضِيًا عَلَيْنَا؟ هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ الْمِصْرِيَّ؟“ فَخَافَ مُوسَى وَقَالَ فِي نَفْسِهِ: ”ذَاعَ الْخَبَرُ.“ وَسَمِعَ فِرْعَوْنُ بِهَذَا، فَحَاوَلَ أَنْ يَقْتُلَ مُوسَى، لَكِنَّ مُوسَى هَرَبَ مِنْ فِرْعَوْنَ إِلَى مِدْيَانَ. وَلَمَّا وَصَلَ إِلَى هُنَاكَ قَعَدَ عِنْدَ الْبِئْرِ. وَكَانَ لِحَبْرِ مِدْيَانَ 7 بَنَاتٍ، فَأَتَيْنَ إِلَى الْبِئْرِ، وَأَخَذْنَ مَاءً وَمَلَأْنَ الْمَسَاقِيَ لِيَسْقِينَ غَنَمَ أَبِيهِنَّ. وَلَكِنْ جَاءَ بَعْضُ الرُّعَاةِ وَطَرَدُوهُنَّ. فَقَامَ مُوسَى وَسَاعَدَ الْفَتَيَاتِ وَسَقَى غَنَمَهُنَّ. فَلَمَّا رَجَعْنَ إِلَى رَعُوئِيلَ أَبِيهِنَّ قَالَ: ”كَيْفَ رَجَعْتُنَّ بِسُرْعَةٍ الْيَوْمَ؟“ فَقُلْنَ: ”رَجُلٌ مِصْرِيٌّ أَنْقَذَنَا مِنَ الرُّعَاةِ، وَأَيْضًا أَخْرَجَ لَنَا مَاءً مِنَ الْبِئْرِ وَسَقَى الْغَنَمَ!“ فَقَالَ لِبَنَاتِهِ: ”وَأَيْنَ هُوَ؟ لِمَاذَا تَرَكْتُنَّ الرَّجُلَ؟ اُدْعُونَهُ لِيَأْكُلَ شَيْئًا.“ وَقَبِلَ مُوسَى أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ الرَّجُلِ، فَزَوَّجَهُ مِنْ بِنْتِهِ صِفُّورَةَ. فَوَلَدَتِ ابْنًا، فَدَعَا مُوسَى اسْمَهُ 'جَرْشُومَ' وَقَالَ: ”أَنَا ضَيْفٌ فِي بَلَدٍ غَرِيبَةٍ.“ وَبَعْدَ وَقْتٍ طَوِيلٍ مَاتَ مَلِكُ مِصْرَ. وَكَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَئِنُّونَ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ. وَصَرَخُوا إِلَى اللهِ، فَصَعِدَ صُرَاخُهُمْ إِلَيْهِ. وَسَمِعَ اللهُ أَنِينَهُمْ، وَلَمْ يَنْسَ عَهْدَهُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. وَنَظَرَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَرَقَّ لِحَالِهِمْ. وَكَانَ مُوسَى يَرْعَى غَنَمَ يَثْرُونَ حَمِيهِ حَبْرِ مِدْيَانَ. فَسَاقَ الْغَنَمَ إِلَى جِهَةٍ بَعِيدَةٍ فِي الصَّحْرَاءِ، حَتَّى وَصَلَ إِلَى حُورِيبَ جَبَلِ اللهِ. فَظَهَرَ لَهُ مَلَاكُ اللهِ فِي لَهِيبِ نَارٍ مِنْ وَسْطِ عُلَّيْقَةٍ. وَرَأَى مُوسَى الْعُلَّيْقَةَ مُشْتَعِلَةً بِالنَّارِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَحْتَرِقَ. فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: ”أَقْتَرِبُ لِأَرَى هَذَا الْمَنْظَرَ الْعَجِيبَ! لِمَاذَا لَا تَحْتَرِقُ الْعُلَّيْقَةُ؟“ فَلَمَّا رَأَى اللهُ أَنَّهُ اقْتَرَبَ لِيَنْظُرَ، نَادَاهُ اللهُ مِنْ وَسْطِ الْعُلَّيْقَةِ وَقَالَ: ”مُوسَى! مُوسَى!“ فَقَالَ: ”لَبَّيْكَ!“ فَقَالَ: ”لَا تَقْتَرِبْ إِلَى هُنَا. اِخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ، لِأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ فِيهِ هُوَ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ.“ ثُمَّ قَالَ: ”أَنَا رَبُّ آبَائِكَ، رَبُّ إِبْرَاهِيمَ وَرَبُّ إِسْحَاقَ وَرَبُّ يَعْقُوبَ.“ فَغَطَّى مُوسَى وَجْهَهُ، لِأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى اللهِ. فَقَالَ اللهُ لَهُ: ”رَأَيْتُ شَقَاءَ شَعْبِي فِي مِصْرَ، وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ بِسَبَبِ مُسَخِّرِيهِمْ وَعَلِمْتُ بِآلَامِهِمْ. فَنَزَلْتُ لِأُنْقِذَهُمْ مِنْ يَدِ الْمِصْرِيِّينَ، وَأُخْرِجَهُمْ مِنْ تِلْكَ الْأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ طَيِّبَةٍ وَاسِعَةٍ، أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، إِلَى بِلَادِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ. إِنَّ صُرَاخَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَصَلَ إِلَيَّ، وَرَأَيْتُ ظُلْمَ الْمِصْرِيِّينَ لَهُمْ. فَتَعَالَ أُرْسِلُكَ إِلَى فِرْعَوْنَ، لِتُخْرِجَ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ.“ فَقَالَ مُوسَى للهِ: ”مَنْ أَنَا حَتَّى أَذْهَبَ إِلَى فِرعَوْنَ وَأُخْرِجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ؟“ فَقَالَ اللهُ: ”أَنَا أَكُونُ مَعَكَ. وَهَذِهِ عَلَامَةٌ لَكَ عَلَى أَنِّي أَنَا أَرْسَلْتُكَ: مَتَى أَخْرَجْتَ الشَّعْبَ مِنْ مِصْرَ، تَعْبُدُونِي عَلَى هَذَا الْجَبَلِ.“ فَقَالَ مُوسَى للهِ: ”لِنَفْرِضْ أَنِّي ذَهَبْتُ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْتُ لَهُمْ: ’إِلَهُ آبَائِكُمْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ.‘ فَيَسْأَلُونِي: ’مَا اسْمُهُ؟‘ فَمَاذَا أَقُولُ لَهُمْ؟“ فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”أَنَا اللهُ الَّذِي اسْمِي: أَنَا هُوَ. تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’اللهُ الَّذِي اسْمُهُ: أَنَا هُوَ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ.‘“ وَقَالَ اللهُ أَيْضًا لِمُوسَى: ”تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’اللهُ الَّذِي اسْمُهُ: الدَّائِمُ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. هُوَ رَبُّ آبَائِكُمْ، رَبُّ إِبْرَاهِيمَ وَرَبُّ إِسْحَاقَ وَرَبُّ يَعْقُوبَ.‘ هَذَا اسْمِي إِلَى الْأَبَدِ، الِاسْمُ الَّذِي أُدْعَى بِهِ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. اِذْهَبْ وَاجْمَعْ شُيُوخَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: ’اللهُ رَبُّ آبَائِكُمْ، رَبُّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، ظَهَرَ لِي وَقَالَ: ”إِنِّي جِئْتُ لِأَنْظُرَ حَالَكُمْ وَمَا فَعَلَهُ الْمِصْرِيُّونَ بِكُمْ.“ فَصَمَّمْتُ أَنْ أُخْرِجَكُمْ مِنْ شَقَائِكُمْ فِي مِصْرَ إِلَى أَرْضِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ، إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا.‘ فَيَسْمَعُ الشُّيُوخُ لَكَ، فَتَذْهَبُ أَنْتَ وَالشُّيُوخُ إِلَى مَلِكِ مِصْرَ وَتَقُولُونَ لَهُ: ’اللهُ رَبُّ الْعِبْرَانِيِّينَ قَابَلَنَا. فَاتْرُكْنَا نَذْهَبُ عَلَى بُعْدِ 3 أَيَّامِ سَفَرٍ فِي الصَّحْرَاءِ، لِنُقَدِّمَ ضَحَايَا لِلْمَوْلَى إِلَهِنَا.‘ وَأَنَا عَارِفٌ أَنَّ مَلِكَ مِصْرَ لَنْ يَتْرُكَكُمْ تَذْهَبُونَ، إِلَّا إِذَا أَجْبَرَتْهُ يَدٌ قَوِيَّةٌ. لِذَلِكَ أَمُدُّ يَدِي وَأَضْرِبُ مِصْرَ بِكُلِّ الْعَجَائِبِ الَّتِي أَعْمَلُهَا مَعَهُمْ. وَبَعْدَ ذَلِكَ يُطْلِقُ سَرَاحَكُمْ. وَأَجْعَلُ هَذَا الشَّعْبَ يَنَالُ رِضَى الْمِصْرِيِّينَ، حَتَّى إِنَّكُمْ عِنْدَمَا تَخْرُجُونَ لَا تَكُونُ أَيْدِيكُمْ فَارِغَةً، بَلْ تَطْلُبُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ جَارَتِهَا أَوْ سَاكِنَةِ دَارِهَا، جَوَاهِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَثِيَابًا، فَتُلْبِسُونَهَا أَوْلَادَكُمْ وَبَنَاتِكُمْ، وَبِهَذَا تَنْهَبُونَ الْمِصْرِيِّينَ.“ فَقَالَ مُوسَى: ”وَلَكِنَّهُمْ لَا يُصَدِّقُونِي وَلَا يَسْمَعُونَ لِكَلَامِي، بَلْ يَقُولُونَ: ’لَمْ يَظْهَرِ اللهُ لَكَ.‘“ فَقَالَ اللهُ لَهُ: ”مَا هَذِهِ الَّتِي فِي يَدِكَ؟“ فَأَجَابَ: ”عَصًا.“ فَقَالَ اللهُ: ”اِرْمِهَا عَلَى الْأَرْضِ.“ فَرَمَاهَا عَلَى الْأَرْضِ، فَصَارَتْ حَيَّةً، فَهَرَبَ مُوسَى مِنْهَا. ثُمَّ قَالَ اللهُ لَهُ: ”مُدَّ يَدَكَ وَأَمْسِكْ ذَيْلَهَا.“ فَمَدَّ مُوسَى يَدَهُ وَأَمْسَكَهَا، فَعَادَتْ عَصًا فِي يَدِهِ. وَقَالَ اللهُ: ”تَفْعَلُ هَذَا لِكَيْ يُصَدِّقُوا أَنَّ الْمَوْلَى رَبَّ آبَائِهِمْ، رَبَّ إِبْرَاهِيمَ وَرَبَّ إِسْحَاقَ وَرَبَّ يَعْقُوبَ، ظَهَرَ لَكَ.“ ثُمَّ قَالَ اللهُ أَيْضًا: ”أَدْخِلْ يَدَكَ فِي صَدْرِ ثَوْبِكَ.“ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي صَدْرِ ثَوْبِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا فَوَجَدَهَا بَرْصَاءَ كَالثَّلْجِ. فَقَالَ لَهُ: ”رُدَّ يَدَكَ إِلَى صَدْرِ ثَوْبِكَ.“ فَرَدَّهَا إِلَى صَدْرِ ثَوْبِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا فَوَجَدَ أَنَّهَا عَادَتْ كَبَاقِي جِسْمِهِ. وَقَالَ اللهُ: ”فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقُوكَ وَلَمْ يَقْتَنِعُوا بِالْآيَةِ الْأُولَى، فَإِنَّهُمْ يُصَدِّقُونَ الثَّانِيَةَ. وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقُوا هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، وَلَمْ يَسْمَعُوا لَكَ، فَخُذْ مَاءً مِنَ النَّهْرِ وَكُبَّهُ عَلَى الْأَرْضِ، فَيَتَحَوَّلَ الْمَاءُ الَّذِي مِنَ النَّهْرِ إِلَى دَمٍ عَلَى الْأَرْضِ.“ فَقَالَ مُوسَى للهِ: ”عَفْوًا يَا رَبُّ، أَنَا لَسْتُ فَصِيحًا. لَا كُنْتُ فِي الْمَاضِي، وَلَا الْآنَ مُنْذُ بَدَأْتَ تُكَلِّمُنِي أَنَا عَبْدَكَ. بَلْ أَنَا بَطِيءُ النُّطْقِ وَثَقِيلُ اللِّسَانِ.“ فَقَالَ اللهُ لَهُ: ”مَنْ خَلَقَ الْفَمَ لِلْإِنْسَانِ؟ وَمَنِ الَّذِي يَخْلُقُ الْوَاحِدَ أَخْرَسَ أَوْ أَطْرَشَ أَوْ بَصِيرًا أَوْ أَعْمَى؟ أَنَا اللهُ صَانِعُ هَذَا. فَاذْهَبْ وَأَنَا أُعِينُكَ عَلَى الْكَلَامِ، وَأُعَلِّمُكَ مَا تَقُولُ.“ فَقَالَ مُوسَى: ”مِنْ فَضْلِكَ يَا رَبُّ، أَرْسِلْ وَاحِدًا غَيْرِي.“ فَغَضِبَ اللهُ جِدًّا عَلَى مُوسَى وَقَالَ لَهُ: ”عِنْدَنَا هَارُونُ اللَّاوِيُّ أَخُوكَ. أَنَا عَارِفٌ أَنَّهُ فَصِيحٌ، وَهُوَ الْآنَ فِي الطَّرِيقِ قَادِمٌ لِلِقَائِكَ، وَحِينَ يَرَاكَ يَفْرَحُ قَلْبُهُ. فَتُخَاطِبُهُ وَتُلَقِّنُهُ كَلَامًا، وَأَنَا أَكُونُ مَعَكَ وَمَعَهُ حِينَ تَتَكَلَّمَانِ، وَأُخْبِرُكُمَا بِمَا يَجِبُ أَنْ تَعْمَلَاهُ. فَيُخَاطِبُ الشَّعْبَ نِيَابَةً عَنْكَ فَيَكُونُ كَفَمٍ لَكَ، وَكَأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ تُلَقِّنُهُ. وَخُذْ هَذِهِ الْعَصَا فِي يَدِكَ، لِأَنَّكَ تَصْنَعُ الْآيَاتِ بِهَا.“ فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى يَثْرُونَ حَمِيهِ وَقَالَ لَهُ: ”خَلِّنِي أَرْجِعُ إِلَى شَعْبِي فِي مِصْرَ، لِأَرَى إِنْ كَانُوا مَا زَالُوا أَحْيَاءً.“ فَأَجَابَهُ يَثْرُونُ: ”اِذْهَبْ بِسَلَامٍ.“ وَكَانَ اللهُ قَدْ قَالَ لِمُوسَى فِي مِدْيَانَ: ”اِرْجِعْ إِلَى مِصْرَ لِأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَقْتُلُوكَ مَاتُوا.“ فَأَخَذَ مُوسَى امْرَأَتَهُ وَوَلَدَيْهِ، وَأَرْكَبَهُمْ عَلَى الْحَمِيرِ وَرَجَعَ إِلَى مِصْرَ. وَأَخَذَ عَصَا اللهِ فِي يَدِهِ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”أَنْتَ الْآنَ رَاجِعٌ إِلَى مِصْرَ، فَتَذَكَّرْ أَنْ تَعْمَلَ أَمَامَ فِرْعَوْنَ كُلَّ الْعَجَائِبِ الَّتِي جَعَلْتُكَ قَادِرًا أَنْ تَعْمَلَهَا. وَلَكِنِّي أُقَسِّي قَلْبَهُ فَلَا يُطْلِقُ سَرَاحَ الشَّعْبِ. وَتَقُولُ لِفِرْعَوْنَ: ’قَالَ اللهُ: ”هَذَا الشَّعْبُ هُوَ ابْنِيَ الْبِكْرُ، فَأَنَا قُلْتُ لَكَ أَنْ تُطْلِقَ ابْنِي لِيَعْبُدَنِي، وَلَكِنَّكَ رَفَضْتَ. لِذَلِكَ سَأَقْتُلُ ابْنَكَ الْبِكْرَ.“‘“ وَفِي الطَّرِيقِ، لَمَّا تَوَقَّفُوا لِلْمَبِيتِ، تَقَابَلَ الْمَوْلَى مَعَ مُوسَى وَحَاوَلَ أَنْ يَقْتُلَهُ. فَأَخَذَتْ صِفُّورَةُ سِكِّينًا مِنْ صَوَّانٍ، وَخَتَنَتِ ابْنَهَا وَمَسَّتْ بِهَا قَدَمَيْ مُوسَى. وَقَالَتْ: ”أَنْتَ مَحْمِيٌّ بِالدَّمِ.“ قَالَتْ هَذَا إِشَارَةً إِلَى الْخِتَانِ. فَعَفَا اللهُ عَنْهُ. وَكَانَ اللهُ قَدْ قَالَ لِهَارُونَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الصَّحْرَاءِ لِاسْتِقْبَالِ مُوسَى. فَرَاحَ وَقَابَلَهُ فِي جَبَلِ اللهِ وَقَبَّلَهُ. فَأَخْبَرَ مُوسَى هَارُونَ بِكُلِّ مَا قَالَهُ اللهُ لَهُ حِينَ أَرْسَلَهُ، وَبِكُلِّ الْآيَاتِ الَّتِي أَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَهَا. فَذَهَبَ مُوسَى وَهَارُونُ، وَجَمَعَا كُلَّ شُيُوخِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَأَخْبَرَهُمْ هَارُونُ بِكُلِّ مَا قَالَهُ اللهُ لِمُوسَى. وَصَنَعَ مُوسَى الْآيَاتِ أَمَامَ الشَّعْبِ فَآمَنُوا. وَلَمَّا سَمِعُوا أَنَّ اللهَ جَاءَ لِمَعُونَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنَّهُ رَأَى شَقَاءَهُمْ، رَكَعُوا وَسَجَدُوا. وَبَعْدَ ذَلِكَ ذَهَبَ مُوسَى وَهَارُونُ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَالَا لَهُ: ”الْمَوْلَى رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ: ’أَطْلِقْ شَعْبِي لِيُعَيِّدُوا لِي فِي الصَّحْرَاءِ.‘“ فَقَالَ فِرْعَوْنُ: ”مَنْ هُوَ اللهُ حَتَّى أَسْمَعَ لَهُ وَأُطْلِقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ أَنَا لَا أَعْرِفُ اللهَ، وَلَنْ أُطْلِقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ.“ فَقَالَا: ”رَبُّ الْعِبْرَانِيِّينَ قَابَلَنَا. فَالْآنَ اتْرُكْنَا نَذْهَبُ عَلَى بُعْدِ 3 أَيَّامِ سَفَرٍ فِي الصَّحْرَاءِ، لِنُقَدِّمَ ضَحَايَا لِلْمَوْلَى إِلَهِنَا، لِئَلَّا يَضْرِبَنَا بِوَبَأٍ أَوْ بِحَرْبٍ.“ فَقَالَ لَهُمَا مَلِكُ مِصْرَ: ”لِمَاذَا يَا مُوسَى وَهَارُونُ، تُعَطِّلَانِ الشَّعْبَ عَنْ عَمَلِهِ؟ اِرْجِعَا إِلَى شُغْلِكُمَا!“ وَقَالَ فِرْعَوْنُ: ”هَذَا شَعْبٌ كَثِيرٌ، وَأَنْتُمَا تُعَطِّلَانِهِمْ عَنِ الْعَمَلِ.“ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَمَرَ فِرْعَوْنُ مُسَخِّرِي الشَّعْبِ وَرُؤَسَاءَ الْعُمَّالِ وَقَالَ: ”مِنَ الْآنَ لَا تُعْطُوا الشَّعْبَ تِبْنًا لِعَمَلِ الطُّوبِ، كَمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ سَابِقًا، بَلْ لِيَذْهَبُوا هُمْ وَيَجْمَعُوا لَهُمْ تِبْنًا. وَطَالِبُوهُمْ بِعَمَلِ نَفْسِ كَمِّيَّةِ الطُّوبِ الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَهَا مِنْ قَبْلُ، لَا تُنَقِّصُوا مِنْهَا، فَإِنَّهُمْ كَسَالَى، لِذَلِكَ يَصْرُخُونَ وَيَقُولُونَ: ’اُتْرُكْنَا نَذْهَبُ وَنُقَدِّمُ ضَحَايَا لِإِلَهِنَا.‘ ثَقِّلُوا الْعَمَلَ عَلَى النَّاسِ، فَيَنْشَغِلُوا بِهِ وَلَا يَلْتَفِتُوا إِلَى الْكَلَامِ الْفَارِغِ.“ فَخَرَجَ مُسَخِّرُو الشَّعْبِ وَرُؤَسَاءُ الْعُمَّالِ وَقَالُوا لِلشَّعْبِ: ”أَمَرَ فِرْعَوْنُ بِأَنْ لَا نُعْطِيَكُمْ تِبْنًا. اِذْهَبُوا وَاجْمَعُوا لَكُمُ التِّبْنَ حَيْثُ تَجِدُونَهُ، وَكَمِّيَّةُ الطُّوبِ لَا يَنْقُصُ مِنْهَا شَيْءٌ.“ فَتَفَرَّقَ الشَّعْبُ فِي كُلِّ مِصْرَ، لِيَجْمَعُوا قَشًّا بَدَلَ التِّبْنِ. وَكَانَ الْمُسَخِّرُونَ يَسْتَعْجِلُونَهُمْ وَيَقُولُونَ: ”كَمِّلُوا الْعَمَلَ الْمَطْلُوبَ مِنْكُمْ لِكُلِّ يَوْمٍ، كَمَا لَمَّا أَعْطَيْنَاكُمُ التِّبْنَ.“ وَاعْتَبَرَ الْمُسَخِّرُونَ رُؤَسَاءَ عُمَّالِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَسْئُولِينَ، وَضَرَبُوهُمْ وَقَالُوا لَهُمْ: ”لِمَاذَا لَمْ تَعْمَلُوا كَمِّيَّةَ الطُّوبِ الْمَطْلُوبَةَ كَمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ مِنْ قَبْلُ؟“ فَجَاءَ رُؤَسَاءُ عُمَّالِ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَتَوَسَّلُوا إِلَيْهِ وَقَالُوا: ”لِمَاذَا تُعَامِلُنَا نَحْنُ عَبِيدَكَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ؟ لَا يُعْطُونَا تِبْنًا وَيَقُولُونَ لَنَا: ’اِعْمَلُوا الطُّوبَ‘ وَيَضْرِبُونَا بَيْنَمَا الذَّنْبُ عَلَيْهِمْ!“ فَقَالَ فِرْعَوْنُ: ”أَنْتُمْ كَسَالَى، لِذَلِكَ تَقُولُونَ: ’اُتْرُكْنَا نَذْهَبُ وَنُقَدِّمُ ضَحَايَا للهِ.‘ رُوحُوا إِلَى شُغْلِكُمْ. لَا نُعْطِيكُمُ التِّبْنَ، وَتَعْمَلُونَ نَفْسَ كَمِّيَّةِ الطُّوبِ.“ فَرَأَى رُؤَسَاءُ عُمَّالِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُمْ فِي مُشْكِلَةٍ عَوِيصَةٍ، لِأَنَّهُمْ أُمِرُوا أَنْ لَا يُنَقِّصُوا كَمِّيَّةَ الطُّوبِ الْمَطْلُوبَةَ مِنْهُمْ لِكُلِّ يَوْمٍ. فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِ فِرْعَوْنَ، صَادَفُوا مُوسَى وَهَارُونَ وَاقِفَيْنِ فِي انْتِظَارِهِمْ. فَقَالُوا لَهُمَا: ”لَيْتَ اللهَ يَنْظُرُ وَيُعَاقِبُكُمَا، لِأَنَّكُمَا جَعَلْتُمَا فِرْعَوْنَ وَحَاشِيَتَهُ يَكْرَهُونَا، وَأَعْطَيْتُمَاهُمْ سَيْفًا لِيَقْتُلُونَا.“ فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى اللهِ وَقَالَ: ”لِمَاذَا يَا رَبُّ، أَسَأْتَ إِلَى هَذَا الشَّعْبِ؟ لِمَاذَا أَرْسَلْتَنِي؟ فَمُنْذُ ذَهَبْتُ إِلَى فِرْعَوْنَ لِأَتَكَلَّمَ بِاسْمِكَ، أَخَذَ يُسِيءُ إِلَى الشَّعْبِ، وَأَنْتَ لَمْ تَعْمَلْ شَيْئًا لِتُنْقِذَ شَعْبَكَ!“ فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قَرِيبًا سَتَرَى مَا سَأَفْعَلُهُ بِفِرْعَوْنَ. فَإِنِّي بِيَدِيَ الْقَدِيرَةِ أُجْبِرُهُ أَنْ يُطْلِقَهُمْ، بَلْ وَيَطْرُدَهُمْ مِنْ بِلَادِهِ.“ ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”أَنَا اللهُ. وَأَنَا ظَهَرْتُ لِإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ بِأَنِّي أَنَا الْإِلَهُ الْقَدِيرُ، أَمَّا اسْمِيَ اللهُ الدَّائِمُ، فَلَمْ أُعْلِنْهُ لَهُمْ. وَأَيْضًا عَمِلْتُ مَعَهُمْ عَهْدِي لِأُعْطِيَهُمْ أَرْضَ كَنْعَانَ، الَّتِي عَاشُوا فِيهَا كَغُرَبَاءَ. ثُمَّ إِنِّي سَمِعْتُ أَنِينَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، الَّذِينَ يَسْتَعْبِدُهُمُ الْمِصْرِيُّونَ، وَسَأَفِي بِعَهْدِي. لِذَلِكَ قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’أَنَا اللهُ. وَأَنَا أُخْرِجُكُمْ مِنْ تَحْتِ نِيرِ الْمِصْرِيِّينَ، وَأُحَرِّرُكُمْ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ لَهُمْ، وَأُنْقِذُكُمْ بِذِرَاعٍ قَدِيرَةٍ، وَأُنْزِلُ بِهِمْ أَحْكَامًا رَهِيبَةً. وَأَجْعَلُكُمْ شَعْبِي، وَأَكُونُ إِلَهَكُمْ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمُ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ تَحْتِ نِيرِ الْمِصْرِيِّينَ. وَأُدْخِلُكُمْ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي حَلَفْتُ يَمِينًا أَنْ أُعْطِيَهَا لِإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، فَأُعْطِيهَا لَكُمْ مِلْكًا. أَنَا هُوَ اللهُ.‘“ فَأَخْبَرَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِهَذَا الْكَلَامِ، فَلَمْ يَسْمَعُوا لَهُ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَائِسِينَ بِسَبَبِ الْعُبُودِيَّةِ الْقَاسِيَةِ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”اِذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقُلْ لَهُ أَنْ يُطْلِقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بِلَادِهِ.“ فَقَالَ مُوسَى للهِ: ”إِنْ كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَسْمَعُوا لِي، فَكَيْفَ يَسْمَعُ لِي فِرْعَوْنُ وَأَنَا ثَقِيلُ اللِّسَانِ؟“ فَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى وَهَارُونَ بِشَأْنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَفِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ، وَأَوْصَاهُمَا أَنْ يُخْرِجَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ. هَؤُلَاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ الْعَشَائِرِ: بَنُو رَأُوبِينَ بِكْرِ إِسْرَائِيلَ: حَنُوكُ وَفَلُّو وَحَاصِرُ وَكَرْمِي. هَذِهِ عَشَائِرُ رَأُوبِينَ. وَبَنُو شَمْعُونَ: يَمُوئِيلُ وَيَامِينُ وَأُوهَدُ وَيَاكِينُ وَصُوحَرُ وَشَاوُلُ ابْنُ الْكَنْعَانِيَّةِ. هَذِهِ عَشَائِرُ شَمْعُونَ. وَهَذِهِ أَسْمَاءُ بَنِي لَاوِي وَنَسْلِهِمْ: جَرْشُونُ وَقَهَاتُ وَمَرَارِي. وَعَاشَ لَاوِي 137 سَنَةً. اِبْنَا جَرْشُونَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمَا هُمَا لِبْنِي وَشَمْعِي. وَبَنُو قَهَاتَ هُمْ عَمْرَامُ وَيِصْهَارُ وَحَبْرُونُ وَعُزِّيلُ. وَعَاشَ قَهَاتُ 133 سَنَةً. وَابْنَا مَرَارِي هُمَا مَحْلِي وَمُوشِي. فَهَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ لَاوِي حَسَبَ نَسْلِهِمْ. وَتَزَوَّجَ عَمْرَامُ عَمَّتَهُ يُوكَابَدَ، فَوَلَدَتْ لَهُ هَارُونَ وَمُوسَى. وَعَاشَ عَمْرَامُ 137 سَنَةً. وَبَنُو يِصْهَارَ هُمْ قُورَحُ وَنَافَجُ وَذِكْرِي. وَبَنُو عُزِّيلَ مِيشَائِيلُ وَأَلْصَافَانُ وَسِتْرِي. وَتَزَوَّجَ هَارُونُ أَلِيشَبَعَ بِنْتَ عَمِينَادَابَ أُخْتَ نَاحِشَ، فَوَلَدَتْ لَهُ نَادَابَ وَأَبِيهُو وَأَلِعَازَارَ وَإِيتَامَارَ. وَبَنُو قُورَحَ أَسِّيرُ وَأَلْقَانَةُ وَأَبِيأَسَافُ. هَذِهِ عَشَائِرُ الْقُورَحِيِّينَ. وَتَزَوَّجَ أَلِعَازَارُ بْنُ هَارُونَ مِنْ إِحْدَى بَنَاتِ فُوطِيلَ، فَوَلَدَتْ لَهُ فِينْحَاسَ. هَؤُلَاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ عَشَائِرِ اللَّاوِيِّينَ حَسَبَ أَقْسَامِهِمْ. هَذَانِ هُمَا هَارُونُ وَمُوسَى اللَّذَانِ قَالَ اللهُ لَهُمَا: ”أَخْرِجَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ بِكُلِّ فِرَقِهِمْ.“ وَهَمَا هَارُونُ وَمُوسَى نَفْسُهُمَا اللَّذَانِ كَلَّمَا فِرْعَوْنَ مَلِكَ مِصْرَ لِيُطْلِقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ. فَلَمَّا كَلَّمَ اللهُ مُوسَى فِي مِصْرَ، قَالَ لَهُ: ”أَنَا اللهُ. بَلِّغْ فِرْعَوْنَ مَلِكَ مِصْرَ كُلَّ مَا أَقُولُهُ لَكَ.“ لَكِنَّ مُوسَى قَالَ: ”كَيْفَ يَسْمَعُ لِي فِرْعَوْنُ وَأَنَا ثَقِيلُ اللِّسَانِ؟“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”اِنْتَبِهْ! إِنِّي سَأَجْعَلُكَ كَأَنَّكَ إِلَهٌ لِفِرْعَوْنَ، وهَارُونُ أَخُوكَ كَنَبِيٍّ لَكَ. أَنْتَ تُبَلِّغُهُ كُلَّ مَا آمُرُكَ بِهِ، وَهَارُونُ أَخُوكَ يُكَلِّمُ فِرْعَوْنَ لِيُطْلِقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ. وَلَكِنِّي أُقَسِّي قَلْبَ فِرْعَوْنَ. وَمَعَ أَنِّي سَأَصْنَعُ الْكَثِيرَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْعَجَائِبِ فِي مِصْرَ، فَلَنْ يَسْمَعَ لَكُمَا. فَأَضْرِبُ مِصْرَ وَأُنْزِلُ بِهَا أَحْكَامًا رَهِيبَةً، وَأُخْرِجُ مِنْ هُنَاكَ فِرَقَ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَيَعْرِفُ الْمِصْرِيُّونَ أَنِّي أَنَا اللهُ، حِينَ أَضْرِبُ مِصْرَ وَأُخْرِجُ مِنْهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ.“ فَأَطَاعَ مُوسَى وَهَارُونُ اللهَ وَفَعَلَا كَمَا أَمَرَهُمَا. وَكَانَ مُوسَى ابْنَ 80 سَنَةً، وَهَارُونُ ابْنَ 83 سَنَةً حِينَ كَلَّمَا فِرْعَوْنَ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: ”عِنْدَمَا يَطْلُبُ فِرْعَوْنُ مِنْكُمَا أَنْ تَصْنَعَا لَهُ مُعْجِزَةً، فَقُلْ لِهَارُونَ أَنْ يَأْخُذَ عَصَاهُ وَيَرْمِيَهَا أَمَامَ فِرْعَوْنَ فَتَصِيرَ حَيَّةً.“ فَذَهَبَ مُوسَى وَهَارُونُ إِلَى فِرْعَوْنَ وَفَعَلَا كَمَا أَمَرَ اللهُ. رَمَى هَارُونُ عَصَاهُ أَمَامَ فِرْعَوْنَ وَحَاشِيَتِهِ، فَصَارَتْ حَيَّةً. فَاسْتَدْعَى فِرْعَوْنُ الْحُكَمَاءَ وَالسَّحَرَةَ، فَعَمِلَ سَحَرَةُ مِصْرَ نَفْسَ الشَّيْءِ. رَمَى كُلُّ وَاحِدٍ عَصَاهُ، فَصَارَتْ حَيَّةً. وَلَكِنَّ عَصَا هَارُونَ بَلَعَتْ عِصِيَّهُمْ. وَمَعَ ذَلِكَ تَقَسَّى قَلْبُ فِرْعَوْنَ وَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمَا. وَذَلِكَ كَمَا قَالَ اللهُ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قَلْبُ فِرْعَوْنَ عَنِيدٌ. وَهُوَ يَرْفُضُ أَنْ يُطْلِقَ شَعْبِي. فَاذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ فِي الصَّبَاحِ، وَهُوَ خَارِجٌ إِلَى الْمَاءِ، وَانْتَظِرْهُ عَلَى ضَفَّةِ النَّهْرِ، وَخُذْ فِي يَدِكَ الْعَصَا الَّتِي تَحَوَّلَتْ إِلَى حَيَّةٍ. وَقُلْ لَهُ: ’اللهُ رَبُّ الْعِبْرَانِيِّينَ أَرْسَلَنِي لِأَطْلُبَ مِنْكَ أَنْ تُطْلِقَ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي فِي الصَّحْرَاءِ. وَلَكِنَّكَ لِحَدِّ الْآنَ لَمْ تَسْمَعْ. لِذَلِكَ يَقُولُ اللهُ: ”بِهَذَا تَعْرِفُ أَنِّي أَنَا اللهُ: سَأَضْرِبُ مَاءَ النَّهْرِ بِالْعَصَا الَّتِي فِي يَدِي، فَيَتَحَوَّلُ إِلَى دَمٍ. فَيَمُوتُ السَّمَكُ الَّذِي فِي النَّهْرِ، وَيَتَعَفَّنُ النَّهْرُ، وَلَا يَقْدِرُ الْمِصْرِيُّونَ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ مَائِهِ.“‘“ ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِهَارُونَ: ’خُذْ عَصَاكَ وَمُدَّ يَدَكَ عَلَى مِيَاهِ الْمِصْرِيِّينَ، عَلَى الْأَنْهَارِ وَالتُّرَعِ وَالْبِرَكِ وَكُلِّ مَكَانٍ يَتَجَمَّعُ فِيهِ الْمَاءُ، فَتَصِيرَ دَمًا. وَيَكُونُ الدَّمُ فِي كُلِّ مَكَانٍ فِي مِصْرَ، حَتَّى فِي الْأَوَانِيَ الَّتِي مِنْ خَشَبٍ وَالَّتِي مِنْ حِجَارَةٍ.‘“ وَفَعَلَ مُوسَى وَهَارُونُ تَمَامًا كَمَا أَمَرَ اللهُ، فَرَفَعَ هَارُونُ الْعَصَا وَضَرَبَ الْمَاءَ الَّذِي فِي النَّهْرِ عَلَى مَشْهَدٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَحَاشِيَتِهِ. فَتَحَوَّلَ كُلُّ مَاءِ النَّهْرِ إِلَى دَمٍ. وَمَاتَ السَّمَكُ الَّذِي فِي النَّهْرِ، وَتَعَفَّنَ النَّهْرُ، فَلَمْ يَقْدِرِ الْمِصْرِيُّونَ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ مَائِهِ. وَكَانَ الدَّمُ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ. وَفَعَلَ كَذَلِكَ سَحَرَةُ مِصْرَ بِسِحْرِهِمْ. وَتَقَسَّى قَلْبُ فِرْعَوْنَ وَلَمْ يَسْمَعْ لِمُوسَى وَهَارُونَ. وَذَلِكَ كَمَا قَالَ اللهُ. وَانْصَرَفَ فِرْعَوْنُ، وَدَخَلَ إِلَى قَصْرِهِ، وَلَمْ يَتَّعِظْ قَلْبُهُ مِنْ هَذَا أَيْضًا. وَحَفَرَ كُلُّ الْمِصْرِيِّينَ حَوْلَ النَّهْرِ لِيَحْصُلُوا عَلَى مَاءٍ لِلشُّرْبِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ مَاءِ النَّهْرِ. وَاسْتَمَرَّ الْوَضْعُ عَلَى هَذَا الْحَالِ 7 أَيَّامٍ بَعْدَمَا ضَرَبَ اللهُ النَّهْرَ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”اِذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقُلْ لَهُ: ’قَالَ اللهُ: ”أَطْلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي. فَإِنْ رَفَضْتَ أَنْ تُطْلِقَهُمْ، أَضْرِبُ كُلَّ بِلَادِكَ بِالضَّفَادِعِ. فَيَمْتَلِئُ النَّهْرُ بِالضَّفَادِعِ، فَتَأْتِي وَتَدْخُلُ إِلَى قَصْرِكَ، وَإِلَى غُرْفَةِ نَوْمِكَ وَإِلَى فِرَاشِكَ، وَإِلَى دِيَارِ حَاشِيَتِكَ وَشَعْبِكَ، وَإِلَى أَفْرَانِكَ وَمَعَاجِنِكَ. فَتَصْعَدُ الضَّفَادِعُ عَلَيْكَ وَعَلَى شَعْبِكَ وَكُلِّ حَاشِيَتِكَ.“‘“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِهَارُونَ: ’مُدَّ يَدَكَ بِعَصَاكَ عَلَى الْأَنْهَارِ وَالتُّرَعِ وَالْبِرَكِ وَاجْعَلِ الضَّفَادِعَ تَصْعَدُ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ.‘“ فَمَدَّ هَارُونُ يَدَهُ عَلَى مِيَاهِ مِصْرَ، فَصَعِدَتِ الضَّفَادِعُ وَغَطَّتِ الْأَرْضَ. وَفَعَلَ كَذَلِكَ السَّحَرَةُ بِسِحْرِهِمْ، وَجَعَلُوا الضَّفَادِعَ تَصْعَدُ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ. فَاسْتَدْعَى فِرْعَوْنُ مُوسَى وَهَارُونَ وَقَالَ: ”تَضَرَّعَا إِلَى اللهِ لِيَرْفَعَ الضَّفَادِعَ عَنِّي وَعَنْ شَعْبِي، فَأُطْلِقَ شَعْبَكُمَا لِيُقَدِّمُوا الضَّحَايَا للهِ.“ فَقَالَ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ: ”حَدِّدْ لِي وَقْتًا أَتَضَرَّعُ فِيهِ مِنْ أَجْلِكَ أَنْتَ وَحَاشِيَتِكَ وَشَعْبِكَ، فَتَذْهَبَ الضَّفَادِعُ عَنْكَ وَعَنْ دِيَارِكَ وَتَبْقَى فِي النَّهْرِ فَقَطْ.“ فَقَالَ فِرْعَوْنُ: ”غَدًا.“ فَأَجَابَهُ مُوسَى: ”لِيَكُنْ كَمَا قُلْتَ، لِتَعْرِفَ أَنَّ اللهَ إِلَهَنَا لَا مَثِيلَ لَهُ. فَتَذْهَبَ الضَّفَادِعُ عَنْكَ وَعَنْ دِيَارِكَ وَعَنْ حَاشِيَتِكَ وَشَعْبِكَ وَتَبْقَى فِي النَّهْرِ فَقَطْ.“ ثُمَّ خَرَجَ مُوسَى وَهَارُونُ مِنْ عِنْدِ فِرْعَوْنَ، وَتَضَرَّعَ مُوسَى إِلَى اللهِ مِنْ أَجْلِ الضَّفَادِعِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى فِرْعَوْنَ. فَفَعَلَ اللهُ كَمَا طَلَبَ مُوسَى، وَمَاتَتِ الضَّفَادِعُ فِي الدِّيَارِ وَالسَّاحَاتِ وَالْحُقُولِ. فَجَمَعُوهَا أَكْوَامًا كَثِيرَةً حَتَّى أَنْتَنَتِ الْأَرْضُ مِنْهَا. فَلَمَّا رَأَى فِرْعَوْنُ أَنَّ الْفَرَجَ جَاءَ، قَسَّى قَلْبَهُ وَلَمْ يَسْمَعْ لِمُوسَى وَهَارُونَ. وَذَلِكَ كَمَا قَالَ اللهُ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِهَارُونَ: ’مُدَّ عَصَاكَ وَاضْرِبْ تُرَابَ الْأَرْضِ، فَيَصِيرَ التُّرَابُ بَعُوضًا فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ مِصْرَ.‘“ فَفَعَلَا كَذَلِكَ. مَدَّ هَارُونُ يَدَهُ بِعَصَاهُ، وَضَرَبَ تُرَابَ الْأَرْضِ، فَجَاءَ الْبَعُوضُ عَلَى النَّاسِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ. صَارَ كُلُّ تُرَابِ مِصْرَ بَعُوضًا. وَكَذَلِكَ حَاوَلَ السَّحَرَةُ بِسِحْرِهِمْ أَنْ يُخْرِجُوا الْبَعُوضَ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا. وَكَانَ الْبَعُوضُ عَلَى النَّاسِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ. فَقَالَ السَّحَرَةُ لِفِرْعَوْنَ: ”هَذَا إِصْبَعُ اللهِ.“ وَلَكِنْ تَقَسَّى قَلْبُ فِرْعَوْنَ وَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمَا. وَذَلِكَ كَمَا قَالَ اللهُ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُمْ فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، وَقَابِلْ فِرْعَوْنَ وَهُوَ خَارِجٌ إِلَى الْمَاءِ، وَقُلْ لَهُ: ’قَالَ اللهُ: ”أَطْلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي. فَإِنْ كُنْتَ لَا تُطْلِقُ شَعْبِي، أُرْسِلُ الذُّبَابَ عَلَيْكَ وَعَلَى حَاشِيَتِكَ وَعَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى دِيَارِكَ، فَتَمْتَلِئُ دِيَارُ الْمِصْرِيِّينَ بِالذُّبَابِ، وَالْأَرْضُ الَّتِي هُمْ عَلَيْهَا. وَلَكِنِّي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَسْتَثْنِي أَرْضَ جَاسَانَ حَيْثُ يُقِيمُ شَعْبِي، فَلَا يَكُونُ فِيهَا ذُبَابٌ، لِكَيْ تَعْرِفَ أَنِّي أَنَا اللهُ، مَوْجُودٌ هُنَا فِي الْأَرْضِ. وَأُمَيِّزُ بَيْنَ شَعْبِي وَشَعْبِكَ. وَهَذِهِ الْآيَةُ تَتِمُّ غَدًا.“‘“ وَفَعَلَ اللهُ هَذَا. فَجَاءَ ذُبَابٌ كَثِيرٌ إِلَى دَارِ فِرْعَوْنَ وَدِيَارِ حَاشِيَتِهِ وَفِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ مِصْرَ، حَتَّى خَرِبَتِ الْبِلَادُ مِنَ الذُّبَابِ. فَاسْتَدْعَى فِرْعَوْنُ مُوسَى وَهَارُونَ وَقَالَ: ”اِذْهَبُوا، قَدِّمُوا الضَّحَايَا لِإِلَهِكُمْ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ.“ فَقَالَ مُوسَى: ”هَذَا لَا يَصِحُّ. لِأَنَّ الضَّحَايَا الَّتِي نُقَدِّمُهَا لِلْمَوْلَى إِلَهِنَا، يَعْتَبِرُهَا الْمِصْرِيُّونَ كَرِيهَةً. فَإِنْ كُنَّا نُقَدِّمُ ضَحَايَا يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا كَأَنَّهَا شَيْءٌ كَرِيهٌ، أَلَا يَرْجُمُونَا؟ بَلْ نَذْهَبُ عَلَى بُعْدِ 3 أَيَّامِ سَفَرٍ فِي الصَّحْرَاءِ، لِنُقَدِّمَ ضَحَايَا لِلْمَوْلَى إِلَهِنَا كَمَا يَأْمُرُنَا.“ فَقَالَ فِرْعَوْنُ: ”أَنَا أُطْلِقُكُمْ لِتُقَدِّمُوا ضَحَايَا لِلْمَوْلَى إِلَهِكُمْ فِي الصَّحْرَاءِ، وَلَكِنْ لَا تَذْهَبُوا بَعِيدًا. فَالْآنَ صَلِّيَا لِأَجْلِي.“ فَأَجَابَ مُوسَى: ”عِنْدَمَا أَخْرُجُ الْآنَ مِنْ عِنْدِكَ، سَأُصَلِّي إِلَى اللهِ، فَيَرْفَعُ الذُّبَابَ عَنْكَ وَعَنْ حَاشِيَتِكَ وَعَنْ شَعْبِكَ غَدًا. وَلَكِنْ لَا تَخْدَعْنَا مَرَّةً أُخْرَى فَتَرْفُضَ أَنْ تُطْلِقَ الشَّعْبَ، لِيُقَدِّمُوا الضَّحَايَا للهِ.“ فَخَرَجَ مُوسَى مِنْ عِنْدِ فِرْعَوْنَ، وَتَضَرَّعَ إِلَى اللهِ. فَفَعَلَ اللهُ كَمَا طَلَبَ مُوسَى، وَرَفَعَ الذُّبَابَ عَنْ فِرْعَوْنَ وَحَاشِيَتِهِ وَشَعْبِهِ. وَلَمْ تَبْقَ وَاحِدَةٌ. وَلَكِنَّ فِرْعَوْنَ قَسَّى قَلْبَهُ هَذِهِ الْمَرَّةَ أَيْضًا، فَلَمْ يُطْلِقِ الشَّعْبَ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”اِذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقُلْ لَهُ: ’قَالَ اللهُ رَبُّ الْعِبْرَانِيِّينَ: ”أَطْلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي. فَإِنْ رَفَضْتَ أَنْ تُطْلِقَهُمْ وَكُنْتَ تُصِرُّ عَلَى حَجْزِهِمْ، تَضْرِبُ يَدُ اللهِ مَوَاشِيَكَ الَّتِي فِي الْحَقْلِ، الْخَيْلَ وَالْحَمِيرَ وَالْجِمَالَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ، بِوَبَأٍ شَدِيدٍ جِدًّا. وَيُمَيِّزُ اللهُ بَيْنَ مَوَاشِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمَوَاشِي الْمِصْرِيِّينَ، فَلَا يَمُوتُ شَيْءٌ مِنْ كُلِّ مَا هُوَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ.“‘“ وَحَدَّدَ اللهُ وَقْتًا وَقَالَ: ”غَدًا أَفْعَلُ هَذَا فِي الْأَرْضِ.“ وَفِي الْغَدِ فَعَلَ اللهُ هَذَا. فَمَاتَتْ كُلُّ مَوَاشِي الْمِصْرِيِّينَ، وَأَمَّا مَوَاشِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمْ يَمُتْ مِنْهَا وَاحِدٌ. وَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ لِيَتَحَقَّقَ الْأَمْرَ، وَعَلِمَ أَنَّ مَوَاشِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَمُتْ مِنْهَا وَاحِدٌ. وَلَكِنْ كَانَ قَلْبُهُ عَنِيدًا فَلَمْ يُطْلِقِ الشَّعْبَ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: ”خُذَا مِلْءَ أَيْدِيكُمَا مِنْ رَمَادِ الْكَانُونِ، وَلْيُذَرِّهِ مُوسَى فِي الْهَوَاءِ عَلَى مَشْهَدٍ مِنْ فِرْعَوْنَ. فَيَصِيرَ غُبَارًا عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ، وَتَطْلَعَ قُرُوحٌ وَدَمَامِلُ فِي النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ فِي مِصْرَ كُلِّهَا.“ فَأَخَذَ مُوسَى وَهَارُونُ رَمَادًا مِنَ الْكَانُونِ، وَوَقَفَا أَمَامَ فِرْعَوْنَ، وَذَرَّاهُ مُوسَى فِي الْهَوَاءِ، فَطَلَعَتْ قُرُوحٌ وَدَمَامِلُ فِي النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ. وَلَمْ يَقْدِرِ السَّحَرَةُ أَنْ يَقِفُوا أَمَامَ مُوسَى، بِسَبَبِ الْقُرُوحِ الَّتِي طَلَعَتْ فِيهِمْ وَفِي كُلِّ الْمِصْرِيِّينَ. وَلَكِنَّ اللهَ قَسَّى قَلْبَ فِرْعَوْنَ، فَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمَا. وَذَلِكَ كَمَا قَالَ اللهُ لِمُوسَى. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُمْ فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، وَقَابِلْ فِرْعَوْنَ وَقُلْ لَهُ: ’قَالَ اللهُ رَبُّ الْعِبْرَانِيِّينَ: ”أَطْلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي. لِأَنِّي هَذِهِ الْمَرَّةَ أُنْزِلُ ضَرَبَاتِي بِكُلِّ شِدَّةٍ عَلَيْكَ أَنْتَ وَعَلَى حَاشِيَتِكَ وَشَعْبِكَ، لِكَيْ تَعْرِفَ أَنَّهُ لَا مَثِيلَ لِي فِي كُلِّ الْأَرْضِ. فَإِنَّهُ كَانَ بِإِمْكَانِي أَنْ أَمُدَّ يَدِي وَأَضْرِبَكَ بِوَبَأٍ أَنْتَ وَشَعْبَكَ، فَتَزُولَ مِنَ الْأَرْضِ. وَلَكِنِّي أَبْقَيْتُكَ بِهَدَفِ أَنْ أُرِيَكَ قُوَّتِي، وَيُذَاعَ اسْمِي فِي كُلِّ الْأَرْضِ. أَنْتَ مَا زِلْتَ تُقَاوِمُ شَعْبِي وَلَا تُطْلِقُهُ. لِذَلِكَ غَدًا فِي نَفْسِ هَذِهِ السَّاعَةِ، أُمْطِرُ بَرَدًا عَظِيمًا جِدًّا لَمْ يَحْدُثْ مِثْلُهُ فِي مِصْرَ مِنْ يَوْمِ تَأْسِيسِهَا حَتَّى الْآنَ. فَأَرْسِلِ الْآنَ وَاجْمَعْ مَوَاشِيَكَ وَكُلَّ مَا لَكَ فِي الْحَقْلِ. لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَبْقَى فِي الْحَقْلِ مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ، وَلَا يَلْجَأُ إِلَى مَأْوًى، يَسْقُطُ عَلَيْهِ الْبَرَدُ فَيَمُوتُ.“‘“ فَكُلُّ مَنْ خَافَ كَلِمَةَ اللهِ مِنْ حَاشِيَةِ فِرْعَوْنَ، هَرَبَ بِعَبِيدِهِ وَمَوَاشِيهِ إِلَى الدِّيَارِ. أَمَّا مَنِ اسْتَخَفَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، تَرَكَ عَبِيدَهُ وَمَوَاشِيَهُ فِي الْحَقْلِ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”مُدَّ يَدَكَ نَحْوَ السَّمَاءِ، لِكَيْ يَسْقُطَ الْبَرَدُ فِي كُلِّ مِصْرَ، عَلَى النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ وَكُلِّ نَبَاتٍ فِي حُقُولِ مِصْرَ.“ فَمَدَّ مُوسَى عَصَاهُ نَحْوَ السَّمَاءِ، فَأَرْسَلَ اللهُ رَعْدًا وَبَرَدًا، وَنَزَلَ بَرْقٌ عَلَى الْأَرْضِ. فَأَمْطَرَ اللهُ بَرَدًا عَلَى أَرْضِ مِصْرَ. فَكَانَ الْبَرَدُ وَمَعَهُ الْبَرْقُ الْمُتَوَاصِلُ، أَسْوَأَ عَاصِفَةٍ حَدَثَتْ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ مُنْذُ صَارَتْ أُمَّةً. وَفِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ مِصْرَ، أَصَابَ الْبَرَدُ كُلَّ مَا فِي الْحُقُولِ مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ، وَأَتْلَفَ كُلَّ نَبَاتٍ فِي الْحُقُولِ، وَكَسَّرَ كُلَّ الْأَشْجَارِ. وَالْمَكَانُ الْوَحِيدُ الَّذِي لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ الْبَرَدُ هُوَ أَرْضُ جَاسَانَ، الَّتِي فِيهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ. فَاسْتَدْعَى فِرْعَوْنُ مُوسَى وَهَارُونَ وَقَالَ لَهُمَا: ”هَذِهِ الْمَرَّةَ أَخْطَأْتُ! اللهُ صَالِحٌ، وَأَنَا وَشَعْبِي أَشْرَارٌ. اِبْتَهِلَا إِلَى اللهِ. كَفَانَا مِنَ الرَّعْدِ وَالْبَرَدِ. سَأُطْلِقُكُمْ فَلَا تَبْقَوْنَ هُنَا.“ فَقَالَ لَهُ مُوسَى: ”عِنْدَمَا أَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ، أَبْسُطُ يَدَيَّ إِلَى اللهِ، فَيَتَوَقَّفُ الرَّعْدُ وَيَنْقَطِعُ الْبَرَدُ، لِكَيْ تَعْرِفَ أَنَّ الْأَرْضَ للهِ. لَكِنِّي عَارِفٌ أَنَّكَ أَنْتَ وَحَاشِيَتَكَ مَا زِلْتُمْ لَا تَخَافُونَ مِنَ الْمَوْلَى الْإِلَهِ.“ فَتَلِفَ الْكَتَّانُ وَالشَّعِيرُ، لِأَنَّ الشَّعِيرَ كَانَ قَدْ أَصْبَحَ سَنَابِلَ، وَالْكَتَّانَ قَدْ أَزْهَرَ. أَمَّا الْقَمْحُ بِأَنْوَاعِهِ فَلَمْ يَتْلَفْ لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ. فَخَرَجَ مُوسَى مِنْ عِنْدِ فِرْعَوْنَ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ، وَبَسَطَ يَدَيْهِ إِلَى اللهِ، فَتَوَقَّفَ الرَّعْدُ وَالْبَرَدُ وَكَفَّ الْمَطَرُ عَنِ النُّزُولِ. فَلَمَّا رَأَى فِرْعَوْنُ أَنَّهُ قَدْ تَوَقَّفَ الْمَطَرُ وَالْبَرَدُ وَالرَّعْدُ، أَخْطَأَ مَرَّةً أُخْرَى، وَقَسَّى قَلْبَهُ هُوَ وَحَاشِيَتُهُ. فَتَقَسَّى قَلْبُ فِرْعَوْنَ، وَلَمْ يُطْلِقْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَذَلِكَ كَمَا قَالَ اللهُ بِوَاسِطَةِ مُوسَى. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”اِذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ لِأَنِّي قَسَّيْتُ قَلْبَهُ وَقُلُوبَ حَاشِيَتِهِ، لِكَيْ أَعْمَلَ آيَاتِي هَذِهِ بَيْنَهُمْ. لِكَيْ تُخْبِرَ أَوْلَادَكَ وَأَحْفَادَكَ كَيْفَ أَنِّي سَخِرْتُ مِنَ الْمِصْرِيِّينَ وَصَنَعْتُ آيَاتِي بَيْنَهُمْ، فَتَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ.“ فَذَهَبَ مُوسَى وَهَارُونُ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَالَا لَهُ: ”قَالَ اللهُ رَبُّ الْعِبْرَانِيِّينَ: ’إِلَى مَتَى تَرْفُضُ أَنْ تَخْضَعَ لِي؟ أَطْلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي. فَإِنْ رَفَضْتَ أَنْ تُطْلِقَهُمْ، أَجْلِبُ الْجَرَادَ عَلَى بِلَادِكَ غَدًا. فَيُغَطِّي الْجَرَادُ وَجْهَ الْأَرْضِ حَتَّى لَا يَقْدِرَ أَحَدٌ أَنْ يَرَاهَا. وَيَأْكُلُ مَا بَقِيَ لَكُمْ وَسَلِمَ مِنَ الْبَرَدِ، وَيَأْكُلُ كُلَّ شَجَرَةٍ طَالِعَةٍ فِي الْحَقْلِ. وَيَمْلَأُ دِيَارَكَ وَدِيَارَ كُلِّ حَاشِيَتِكَ وَدِيَارَ كُلِّ الْمِصْرِيِّينَ، فَلَا آبَاؤُكَ وَلَا أَجْدَادُكَ رَأَوْا مِثْلَ هَذَا مُنْذُ سَكَنُوا فِي هَذِهِ الْبِلَادِ لِحَدِّ الْآنَ.‘“ ثُمَّ أَدَارَ مُوسَى وَجْهَهُ وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ فِرْعَوْنَ. فَقَالَ رِجَالُ الْحَاشِيَةِ لِفِرْعَوْنَ: ”إِلَى مَتَى يَكُونُ هَذَا الرَّجُلُ فَخًّا لَنَا؟ أَطْلِقِ الشَّعْبَ لِيَعْبُدُوا الْمَوْلَى إِلَهَهُمْ. أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ مِصْرَ خَرِبَتْ؟“ فَأَرْجَعُوا مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ، فَقَالَ لَهُمَا: ”اِذْهَبُوا اعْبُدُوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ، وَلَكِنْ مَنْ هُمُ الَّذِينَ يَذْهَبُونَ؟“ فَقَالَ مُوسَى: ”نَذْهَبُ بِصِغَارِنَا وَكِبَارِنَا، بِأَوْلَادِنَا وَبَنَاتِنَا، بِغَنَمِنَا وَبَقَرِنَا، لِأَنَّنَا سَنَحْتَفِلُ بِعِيدٍ للهِ.“ فَقَالَ فِرْعَوْنُ: ”لِأَنَّ اللهَ مَعَكُمْ، تَظُنُّونَ أَنِّي أَتْرُكُ نِسَاءَكُمْ وَأَوْلَادَكُمْ يَذْهَبُونَ مَعَكُمْ! إِنِّي أَرَى الشَّرَّ وَاضِحًا عَلَى وُجُوهِكُمْ! لَا! لَا! بَلْ يَذْهَبُ الرِّجَالُ فَقَطْ لِيَعْبُدُوا اللهَ، لِأَنَّ هَذَا طَلَبُكُمْ.“ ثُمَّ طَرَدَهُمَا فِرْعَوْنُ مِنْ عِنْدِهِ. فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”مُدَّ يَدَكَ عَلَى مِصْرَ، لِكَيْ يَأْتِيَ الْجَرَادُ عَلَى الْبِلَادِ، وَيَأْكُلَ كُلَّ نَبَاتٍ فِي الْحُقُولِ، وَكُلَّ مَا تَرَكَهُ الْبَرَدُ.“ فَمَدَّ مُوسَى عَصَاهُ عَلَى مِصْرَ، فَأَرْسَلَ اللهُ رِيحًا شَرْقِيَّةً هَبَّتْ عَلَى كُلِّ الْبِلَادِ طُولَ ذَلِكَ النَّهَارِ وَطُولَ اللَّيْلِ. وَلَمَّا طَلَعَ الصُّبْحُ، حَمَلَتِ الرِّيحُ الشَّرْقِيَّةُ الْجَرَادَ. فَهَجَمَ عَلَى كُلِّ مِصْرَ، وَحَلَّ فِي كُلِّ مَكَانٍ فِي الْبِلَادِ، عَدَدٌ كَبِيرٌ جِدًّا، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَثِيلٌ مِنْ قَبْلُ، وَلَنْ يَأْتِيَ مِثْلُهُ فِيمَا بَعْدُ. وَغَطَّى وَجْهَ كُلِّ الْأَرْضِ، حَتَّى أَظْلَمَتِ الْبِلَادُ. وَأَكَلَ كُلَّ مَا تَرَكَهُ الْبَرَدُ، كُلَّ نَبَاتٍ فِي الْحُقُولِ، وَكُلَّ ثَمَرٍ فِي الشَّجَرِ. فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ أَخْضَرُ لَا عَلَى شَجَرَةٍ وَلَا نَبَاتٍ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ. فَأَسْرَعَ فِرْعَوْنُ وَاسْتَدْعَى مُوسَى وَهَارُونَ وَقَالَ: ”أَخْطَأْتُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى إِلَهِكُمَا وَفِي حَقِّكُمَا. اِصْفَحَا عَنْ ذَنْبِي هَذِهِ الْمَرَّةَ فَقَطْ، وَتَضَرَّعَا إِلَى الْمَوْلَى إِلَهِكُمَا لِيُبْعِدَ عَنِّي هَذِهِ الْمُصِيبَةَ الْقَاتِلَةَ.“ فَخَرَجَ مُوسَى مِنْ عِنْدِ فِرْعَوْنَ، وَتَضَرَّعَ إِلَى اللهِ. فَغَيَّرَ اللهُ اتِّجَاهَ الرِّيحِ إِلَى غَرْبِيَّةٍ شَدِيدَةٍ جِدًّا، فَحَمَلَتِ الْجَرَادَ وَطَرَحَتْهُ فِي الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ. وَلَا جَرَادَةٌ وَاحِدَةٌ بَقِيَتْ فِي كُلِّ مِصْرَ. وَلَكِنَّ اللهَ قَسَّى قَلْبَ فِرْعَوْنَ، فَلَمْ يُطْلِقْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”مُدَّ يَدَكَ نَحْوَ السَّمَاءِ، فَيَأْتِيَ ظَلَامٌ عَلَى مِصْرَ، ظَلَامٌ شَدِيدٌ يُمْكِنُ لَمْسُهُ!“ فَمَدَّ مُوسَى يَدَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ، فَجَاءَ ظَلَامٌ حَالِكٌ عَلَى كُلِّ مِصْرَ 3 أَيَّامٍ. فَلَمْ يُمْكِنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَرَى الْآخَرِينَ، وَلَا تَرَكَ أَحَدٌ مَكَانَهُ 3 أَيَّامٍ. أَمَّا كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَكَانَ عِنْدَهُمْ نُورٌ فِي مَسَاكِنِهِمْ. فَاسْتَدْعَى فِرْعَوْنُ مُوسَى وَقَالَ: ”اِذْهَبُوا اعْبُدُوا اللهَ، أَنْتُمْ وَنِسَاؤُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ. أَمَّا غَنَمُكُمْ وَبَقَرُكُمْ فَتَتْرُكُونَهَا هُنَا.“ فَقَالَ مُوسَى: ”كَيْفَ هَذَا؟ فَهَلْ تُعْطِينَا أَنْتَ ضَحَايَا وَقَرَابِينَ لِنُقَدِّمَهَا لِلْمَوْلَى إِلَهِنَا؟ لَا! بَلْ تَذْهَبُ كُلُّ مَوَاشِينَا مَعَنَا أَيْضًا. لَا يَبْقَى مِنْهَا وَلَا ظِلْفٌ هُنَا. لِأَنَّنَا سَنُقَدِّمُ بَعْضَهَا لِنَعْبُدَ الْمَوْلَى إِلَهَنَا، وَلَا نَعْرِفُ مَاذَا نُقَدِّمُ لِنَعْبُدَهُ حَتَّى نَصِلَ إِلَى هُنَاكَ.“ وَلَكِنَّ اللهَ قَسَّى قَلْبَ فِرْعَوْنَ، فَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُطْلِقَهُمْ. فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِمُوسَى: ”اِذْهَبْ عَنِّي! إِيَّاكَ أَنْ تَرَى وَجْهِي مَرَّةً أُخْرَى! يَوْمَ تَرَى وَجْهِي تَمُوتُ.“ فَقَالَ مُوسَى: ”كَمَا قُلْتَ! لَنْ أَرَى وَجْهَكَ مَرَّةً أُخْرَى.“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”بَقِيَتْ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ أُنْزِلُهَا عَلَى فِرْعَوْنَ وَعَلَى مِصْرَ. بَعْدَ ذَلِكَ يُطْلِقُكُمْ مِنْ هُنَا. وَعِنْدَمَا يُطْلِقُكُمْ يَطْرُدُكُمْ نِهَائِيًّا مِنْ هُنَا. فَقُلْ لِلشَّعْبِ أَنْ يَطْلُبَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْ جَارِهِ وَكُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ جَارَتِهَا جَوَاهِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَمِنْ ذَهَبٍ.“ وَجَعَلَ اللهُ الشَّعْبَ يَنَالُ رِضَى الْمِصْرِيِّينَ. وَمُوسَى نَفْسُهُ كَانَ عَظِيمًا جِدًّا فِي مِصْرَ، عِنْدَ حَاشِيَةِ فِرْعَوْنَ وَعِنْدَ عَامَّةِ الشَّعْبِ. وَكَانَ مُوسَى قَدْ قَالَ لِفِرْعَوْنَ: ”قَالَ اللهُ: ’سَأَخْرُجُ عِنْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ فِي كُلِّ مِصْرَ، فَيَمُوتُ كُلُّ بِكْرٍ فِيهَا، مِنْ بِكْرِ فِرْعَوْنَ الْجَالِسِ عَلَى عَرْشِهِ إِلَى بِكْرِ الْجَارِيَةِ الَّتِي تَعْمَلُ فِي الطَّاحُونَةِ، وَكَذَلِكَ بِكْرُ كُلِّ بَهِيمَةٍ. وَيَعْلُو صُرَاخٌ عَظِيمٌ فِي كُلِّ مِصْرَ، لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مِنْ قَبْلُ وَلَا يَكُونُ مِثْلُهُ فِيمَا بَعْدُ. أَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَلَا يَنْبَحُ كَلْبٌ عَلَى إِنْسَانٍ مِنْهُمْ أَوْ حَيَوَانٍ. فَتَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْمِصْرِيِّينَ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ.‘ وَيَأْتِي إِلَيَّ كُلُّ أَفْرَادِ حَاشِيَتِكَ هَؤُلَاءِ، وَيَنْحَنُونَ أَمَامِي وَيَقُولُونَ: ’اُخْرُجْ أَنْتَ وَكُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي يَتْبَعُكَ!‘ وَبَعْدَ ذَلِكَ أَخْرُجُ.“ ثُمَّ خَرَجَ مُوسَى وَهُوَ غَاضِبٌ جِدًّا مِنْ عِنْدِ فِرْعَوْنَ. وَكَانَ اللهُ قَدْ قَالَ لِمُوسَى: ”سَيَرْفُضُ فِرْعَوْنُ أَنْ يَسْمَعَ لَكُمَا لِكَيْ تَكْثُرَ عَجَائِبِي فِي مِصْرَ.“ وَصَنَعَ مُوسَى وَهَارُونُ كُلَّ هَذِهِ الْعَجَائِبِ أَمَامَ فِرْعَوْنَ، وَلَكِنَّ اللهَ قَسَّى قَلْبَهُ، فَلَمْ يُطْلِقْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بِلَادِهِ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ فِي مِصْرَ: ”مِنَ الْآنَ، يَكُونُ هَذَا الشَّهْرُ لَكُمْ رَأْسَ الشُّهُورِ وَأَوَّلَ شَهْرٍ فِي السَّنَةِ. أَخْبِرَا كُلَّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ، أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ، حَمَلًا عَنْ عَائِلَتِهِ، حَمَلًا وَاحِدًا عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ. وَإِنْ كَانَ أَهْلُ بَيْتِهِ أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَأْكُلُوا حَمَلًا، يَتَقَاسَمُهُ مَعَ جَارِهِ الْقَرِيبِ مِنْ دَارِهِ، حَتَّى يَكُونَ هُنَاكَ عَدَدٌ مِنَ الْأَشْخَاصِ يَكْفِي لِأَكْلِ حَمَلٍ. وَيَكُونُ الْحَمَلُ ذَكَرًا ابْنَ سَنَةٍ بِلَا عَيْبٍ، وَتَأْخُذُونَهُ مِنَ الْخِرَافِ أَوِ الْمَعْزِ. وَتَحْفَظُونَهُ عِنْدَكُمْ إِلَى الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ، ثُمَّ يَذْبَحُهُ كُلُّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ فِي الْعَشِيَّةِ. وَيَأْخُذُونَ مِنْ دَمِهِ وَيَرُشُّونَهُ عَلَى قَائِمَتَيِ الْبَابِ وَالْعَتَبَةِ الْعُلْيَا فِي الدِّيَارِ الَّتِي يَأْكُلُونَهُ فِيهَا. وَيَأْكُلُونَ لَحْمَهُ فِي نَفْسِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، مَشْوِيًّا بِالنَّارِ، وَمَعَ أَعْشَابٍ مُرَّةٍ وَخُبْزٍ بِلَا خَمِيرٍ. لَا تَأْكُلُوا شَيْئًا مِنْهُ نَيِّئًا وَلَا مَطْبُوخًا بِالْمَاءِ، بَلْ مَشْوِيًّا بِالنَّارِ، مَعَ رَأْسِهِ وَأَرْجُلِهِ وَأَمْعَائِهِ. وَلَا تُبْقُوا شَيْئًا مِنْهُ إِلَى الْغَدِ. لَكِنْ إِنْ بَقِيَ مِنْهُ إِلَى الْغَدِ، فَاحْرِقُوهُ بِالنَّارِ. وَتَأْكُلُونَهُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ: كُونُوا مُسْتَعِدِّينَ، لَابِسِينَ وَأَحْذِيَتُكُمْ فِي أَرْجُلِكُمْ وَعِصِيُّكُمْ فِي أَيْدِيكُمْ. وَكُلُوهُ بِسُرْعَةٍ فَهُوَ فِصْحٌ للهِ. ”وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، أَعْبُرُ فِي مِصْرَ، وَأَقْتُلُ كُلَّ بِكْرٍ فِيهَا مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ، وَبِذَلِكَ أُنَفِّذُ حُكْمِي ضِدَّ كُلِّ آلِهَةِ الْمِصْرِيِّينَ. أَنَا هُوَ اللهُ. وَيَكُونُ الدَّمُ عَلَى الدِّيَارِ الَّتِي أَنْتُمْ فِيهَا، عَلَامَةً تُمَيِّزُكُمْ. فَأَرَى الدَّمَ وَأَعْبُرُ عَنْكُمْ، فَلَا أَضْرِبُكُمْ وَلَا أُهْلِكُكُمْ حِينَ أَضْرِبُ مِصْرَ. وَيَكُونُ هَذَا الْيَوْمُ تَذْكَارًا لَكُمْ، فَتَحْتَفِلُونَ بِهِ عِيدًا للهِ، فَرِيضَةً تَدُومُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. ”وَتَأْكُلُونَ خُبْزًا بِلَا خَمِيرٍ 7 أَيَّامٍ. فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ تُزِيلُونَ الْخَمِيرَ مِنْ دِيَارِكُمْ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَكَلَ خَمِيرًا مِنَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ إِلَى الْيَوْمِ السَّابِعِ، يُبَادُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَفِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ تَعْمَلُونَ احْتِفَالًا خَاصًّا لِلْعِبَادَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ. وَفِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ لَا تَعْمَلُوا شَيْئًا، غَيْرَ أَنْ تُجَهِّزُوا طَعَامَ الْأَكْلِ. هَذَا كُلُّ مَا تَعْمَلُونَهُ. ”وَتَحْتَفِلُونَ بِعِيدِ الْفَطِيرِ، لِأَنِّي فِي نَفْسِ هَذَا الْيَوْمِ أَخْرَجْتُ فِرَقَكُمْ مِنْ مِصْرَ. فَاحْتَفِلُوا بِهَذَا الْيَوْمِ فَرِيضَةً تَدُومُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. تَأْكُلُونَ خُبْزًا بِلَا خَمِيرٍ مِنْ مَسَاءِ الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ إِلَى مَسَاءِ الْيَوْمِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ. 7 أَيَّامٍ لَا يَكُونُ خَمِيرٌ فِي دِيَارِكُمْ. كُلُّ مَنْ أَكَلَ شَيْئًا فِيهِ خَمِيرٌ، يُبَادُ مِنْ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ، سَوَاءٌ كَانَ غَرِيبًا أَوْ مُوَاطِنًا. إِذَنْ لَا تَأْكُلُوا شَيْئًا فِيهِ خَمِيرٌ، بَلْ فِي كُلِّ بِلَادِكُمْ تَأْكُلُونَ فَطِيرًا.“ ثُمَّ اسْتَدْعَى مُوسَى كُلَّ شُيُوخِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَالَ لَهُمْ: ”اِذْهَبُوا وَخُذُوا غَنَمًا عَنْ عَائِلَاتِكُمْ، وَاذْبَحُوا حَمَلَ الْفِصْحِ. ثُمَّ خُذُوا حُزْمَةً مِنْ نَبَاتِ السَّعْتَرِ، وَاغْمِسُوهَا فِي الدَّمِ الَّذِي فِي الْوِعَاءِ، وَرُشُّوا مِنْهُ عَلَى عَتَبَةِ الْبَابِ الْعُلْيَا وَالْقَائِمَتَيْنِ. وَلَا يَخْرُجْ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ بَابِ دَارِهِ حَتَّى الصَّبَاحِ. لِأَنَّ اللهَ يَعْبُرُ وَيَقْتُلُ الْمِصْرِيِّينَ. فَعِنْدَمَا يَرَى الدَّمَ عَلَى الْعَتَبَةِ الْعُلْيَا وَالْقَائِمَتَيْنِ، يَعْبُرُ اللهُ عَنْ ذَلِكَ الْبَابِ، وَلَا يَسْمَحُ لِلْمُهْلِكِ أَنْ يَدْخُلَ دِيَارَكُمْ وَيَقْتُلَكُمْ. اِعْمَلُوا هَذَا أَنْتُمْ وَأَوْلَادُكُمْ، فَرِيضَةً تَدُومُ. وَعِنْدَمَا تَدْخُلُونَ الْأَرْضَ الَّتِي يُعْطِيهَا اللهُ لَكُمْ كَمَا وَعَدَ، تُمَارِسُونَ هَذِهِ الْفَرِيضَةَ. وَإِنْ قَالَ لَكُمْ أَوْلَادُكُمْ: ’مَا مَعْنَى هَذِهِ الْفَرِيضَةِ؟‘ فَقُولُوا: ’إِنَّهَا ضَحِيَّةُ الْفِصْحِ نُقَدِّمُهَا للهِ الَّذِي عَبَرَ عَنْ دِيَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي مِصْرَ. فَقَدْ أَهْلَكَ الْمِصْرِيِّينَ وَأَنْقَذَ دِيَارَنَا‘“ فَرَكَعَ الشَّعْبُ وَسَجَدُوا. وَذَهَبَ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَعَمِلُوا كَمَا أَوْصَى اللهُ مُوسَى وَهَارُونَ. وَفِي نِصْفِ اللَّيْلِ، قَتَلَ اللهُ كُلَّ بِكْرٍ فِي مِصْرَ، مِنْ بِكْرِ فِرْعَوْنَ الْجَالِسِ عَلَى عَرْشِهِ إِلَى بِكْرِ السَّجِينِ الَّذِي فِي الْحَبْسِ، وَكَذَلِكَ بِكْرِ كُلِّ بَهِيمَةٍ. فَقَامَ فِرْعَوْنُ فِي اللَّيْلِ، هُوَ وَكُلُّ أَفْرَادِ حَاشِيَتِهِ وَكُلُّ الْمِصْرِيِّينَ. وَكَانَ صُرَاخٌ عَظِيمٌ فِي مِصْرَ. لَمْ تَكُنْ دَارٌ إِلَّا وَفِيهَا مَيِّتٌ. فَاسْتَدْعَى فِرْعَوْنُ مُوسَى وَهَارُونَ فِي اللَّيْلِ وَقَالَ: ”قُومُوا وَاخْرُجُوا مِنْ بَيْنِ شَعْبِي، أَنْتُمَا وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ! اِذْهَبُوا وَاعْبُدُوا اللهَ كَمَا طَلَبْتُمْ. وَخُذُوا أَيْضًا غَنَمَكُمْ وَبَقَرَكُمْ كَمَا قُلْتُمْ وَاذْهَبُوا. وَأَيْضًا بَارِكُونِي.“ وَأَلَحَّ الْمِصْرِيُّونَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ لِيُسْرِعُوا فِي الرَّحِيلِ عَنِ الْبِلَادِ وَقَالُوا: ”لِئَلَّا نَمُوتَ كُلُّنَا.“ وَأَخَذَ الشَّعْبُ عَجِينَهُمْ مِنْ غَيْرِ خَمِيرٍ، وَحَمَلُوهُ عَلَى أَكْتَافِهِمْ فِي أَوْعِيَةٍ مَلْفُوفَةٍ فِي ثِيَابٍ. وَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ كَمَا قَالَ لَهُمْ مُوسَى، فَطَلَبُوا مِنَ الْمِصْرِيِّينَ جَوَاهِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَمِنْ ذَهَبٍ وَثِيَابًا. وَجَعَلَ اللهُ الشَّعْبَ يَنَالُ رِضَى الْمِصْرِيِّينَ، فَأَعْطَوْهُمْ مَا طَلَبُوهُ، فَنَهَبُوا الْمِصْرِيِّينَ. وَرَحَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ رَعَمْسِيسَ إِلَى سُكُّوتَ، وَكَانُوا حَوَالَيْ 600000 مِنَ الرِّجَالِ الْمُشَاةِ، وَأَضِفْ إِلَى ذَلِكَ النِّسَاءَ وَالْأَطْفَالَ. وَخَرَجَ مَعَهُمْ أَيْضًا خَلِيطٌ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، مَعَ غَنَمٍ وَبَقَرٍ وَمَوَاشٍ كَثِيرَةٍ. وَخَبَزُوا الْعَجِينَ الَّذِي خَرَجُوا بِهِ مِنْ مِصْرَ فَطِيرًا بِلَا خَمِيرٍ. لِأَنَّهُمْ طُرِدُوا مِنْ مِصْرَ وَلَمْ يَكُنْ لَدَيْهِمُ الْوَقْتُ لِيُجَهِّزُوا لِأَنْفُسِهِمْ زَادًا. وَكَانَتْ مُدَّةُ إِقَامَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي مِصْرَ 430 سَنَةً. وَفِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ بِالذَّاتِ، فِي نِهَايَةِ 430 سَنَةً، خَرَجَتْ كُلُّ فِرَقِ شَعْبِ اللهِ مِنْ مِصْرَ. فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ سَهِرَ اللهُ لِيُخْرِجَهُمْ مِنْ مِصْرَ، لِذَلِكَ فِي نَفْسِ اللَّيْلَةِ يَسْهَرُ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِكْرَامًا للهِ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: ”هَذِهِ هِيَ تَعْلِيمَاتُ الْفِصْحِ: لَا يَأْكُلُ مِنْهُ غَرِيبٌ. أَيُّ عَبْدٍ تَشْتَرِيهِ يَأْكُلُ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ تَخْتِنَهُ. وَالضَّيْفُ وَالْأَجِيرُ لَا يَأْكُلَانِ مِنْهُ. يُؤْكَلُ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا تُخْرِجُ مِنَ اللَّحْمِ إِلَى خَارِجِ الدَّارِ. وَلَا تَكْسِرُوا مِنْهُ عَظْمًا. عَلَى كُلِّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ أَنْ تَحْتَفِلَ بِالْفِصْحِ. ”إِنْ أَرَادَ غَرِيبٌ مُقِيمٌ بَيْنَكُمْ أَنْ يَحْتَفِلَ بِفِصْحِ اللهِ، فَيَجِبُ أَنْ يُخْتَنَ كُلُّ ذَكَرٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَحْتَفِلُ بِهِ كَوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْبِلَادِ. لَا يَأْكُلُ مِنْهُ أَيُّ ذَكَرٍ غَيْرِ مَخْتُونٍ. هَذِهِ الشَّرِيعَةُ تَنْطَبِقُ هِيَ نَفْسُهَا عَلَى الْمُوَاطِنِ وَعَلَى الْغَرِيبِ الْمُقِيمِ بَيْنَكُمْ.“ وَعَمِلَ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمَا أَوْصَى اللهُ مُوسَى وَهَارُونَ. وَفِي نَفْسِ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَخْرَجَ اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ بِفِرَقِهِمْ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”كَرِّسْ لِي كُلَّ بِكْرٍ ذَكَرٍ، أَوَّلَ وَاحِدٍ يَخْرُجُ مِنَ الرَّحِمِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، سَوَاءً مِنَ النَّاسِ أَوِ الْبَهَائِمِ.“ فَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: ”اُذْكُرُوا هَذَا الْيَوْمَ الَّذِي خَرَجْتُمْ فِيهِ مِنْ مِصْرَ، مِنْ سِجْنِ الْعُبُودِيَّةِ، لِأَنَّ اللهَ أَخْرَجَكُمْ مِنْ هُنَا بِيَدٍ قَدِيرَةٍ، فَلَا تَأْكُلُوا شَيْئًا فِيهِ خَمِيرٌ. الْيَوْمَ، أَنْتُمْ خَارِجُونَ فِي شَهْرِ أَبِيبَ. وَحِينَ يُدْخِلُكُمُ اللهُ إِلَى أَرْضِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْأَمُورِيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ، الَّتِي حَلَفَ لِآبَائِكُمْ أَنْ يُعْطِيَهَا لَكُمْ، إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، تُمَارِسُونَ هَذِهِ الْعِبَادَةَ فِي هَذَا الشَّهْرِ. 7 أَيَّامٍ تَأْكُلُونَ خُبْزًا بِلَا خَمِيرٍ، وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ تَعْمَلُونَ عِيدًا للهِ. فَفِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الـ7 تَأْكُلُونَ فَطِيرًا، وَلَا يُرَى عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مُخْتَمِرٌ وَلَا خَمِيرٌ فِي كُلِّ بِلَادِكُمْ. ”وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَقُولُ لِابْنِكَ: ’أَنَا أَعْمَلُ هَذَا بِسَبَبِ مَا صَنَعَهُ اللهُ مَعِي لَمَّا أَخْرَجَنِي مِنْ مِصْرَ.‘ فَتَكُونُ هَذِهِ الْفَرِيضَةُ لَكَ كَعَلَامَةٍ عَلَى يَدِكَ وَتَذْكَارٍ عَلَى جَبْهَتِكَ، لِتَكُونَ شَرِيعَةُ اللهِ فِي فَمِكَ، لِأَنَّ اللهَ أَخْرَجَكَ مِنْ مِصْرَ بِيَدٍ قَدِيرَةٍ. فَتُمَارِسُ هَذِهِ الْفَرِيضَةَ فِي وَقْتِهَا سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ. ”وَمَتَى أَدْخَلَكُمُ اللهُ إِلَى أَرْضِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَأَعْطَاهَا لَكُمْ، كَمَا وَعَدَكُمْ أَنْتُمْ وَآبَاءَكُمْ بِقَسَمٍ، تُقَدِّمُونَ للهِ كُلَّ أَوَّلِ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ الرَّحِمِ، وَكَذَلِكَ كُلَّ أَوَّلِ ذَكَرٍ تَلِدُهُ بَهَائِمُكُمْ. وَلَكِنَّ كُلَّ بِكْرِ حِمَارٍ تَفْدُونَهُ بِحَمَلٍ، وَإِنْ لَمْ تَفْدُوهُ فَاكْسِرُوا رَقَبَتَهُ. وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ تَفْدُوا كُلَّ بِكْرٍ مِنْ أَوْلَادِكُمْ. ”وَإِنْ قَالَ لَكُمْ أَوْلَادُكُمْ غَدًا: ’مَا مَعْنَى هَذَا؟‘ فَقُولُوا: ’أَخْرَجَنَا اللهُ بِيَدٍ قَدِيرَةٍ مِنْ مِصْرَ، مِنْ سِجْنِ الْعُبُودِيَّةِ. فَلَمَّا رَفَضَ فِرْعَوْنُ أَنْ يُطْلِقَنَا، قَتَلَ اللهُ كُلَّ بِكْرٍ فِي مِصْرَ، مِنْ بِكْرِ النَّاسِ إِلَى بِكْرِ الْبَهَائِمِ. لِهَذَا فَنَحْنُ نَذْبَحُ للهِ كُلَّ أَوَّلِ ذَكَرٍ يَخْرُجُ مِنَ الرَّحِمِ، وَنَفْدِي كُلَّ بِكْرٍ مِنْ أَوْلَادِنَا.‘ فَتَكُونُ هَذِهِ الْفَرِيضَةُ كَعَلَامَةٍ عَلَى يَدِكَ وَرَمْزٍ عَلَى جَبْهَتِكَ، أَنَّ اللهَ أَخْرَجَكَ مِنْ مِصْرَ بِيَدٍ قَدِيرَةٍ.“ وَلَمَّا أَطْلَقَ فِرْعَوْنُ الشَّعْبَ، لَمْ يَقُدْهُمُ اللهُ فِي طَرِيقِ بِلَادِ الْفِلِسْطِيِّينَ، مَعَ أَنَّهَا قَصِيرَةٌ. لِأَنَّ اللهَ قَالَ: ”لِئَلَّا يَنْدَمَ الشَّعْبُ إِذَا تَعَرَّضَ لِلْحَرْبِ فَيَرْجِعَ إِلَى مِصْرَ.“ إِنَّمَا قَادَ اللهُ الشَّعْبَ فِي طَرِيقِ الصَّحْرَاءِ نَحْوَ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ. وَكَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَدْ خَرَجُوا مِنْ مِصْرَ مُسَلَّحِينَ لِلْقِتَالِ. وَأَخَذَ مُوسَى عِظَامَ يُوسِفَ مَعَهُ، لِأَنَّ يُوسِفَ كَانَ قَدْ جَعَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَحْلِفُونَ لَهُ وَيَعِدُونَهُ بِذَلِكَ لَمَّا قَالَ لَهُمْ: ”اللهُ سَيَأْتِي لِعَوْنِكُمْ، فَانْقُلُوا عِظَامِي مَعَكُمْ مِنْ هُنَا.“ وَرَحَلُوا مِنْ سُكُّوتَ وَنَزَلُوا فِي إِيثَامَ فِي طَرَفِ الصَّحْرَاءِ. وَكَانَ الْمَوْلَى يَسِيرُ أَمَامَهُمْ نَهَارًا فِي عَمُودِ سَحَابٍ لِيَهْدِيَهُمْ فِي الطَّرِيقِ، وَلَيْلًا فِي عَمُودِ نَارٍ لِيُنِيرَ لَهُمْ، فَوَاصَلُوا السَّيْرَ نَهَارًا وَلَيْلًا. وَلَمْ يَخْتَفِ عَمُودُ السَّحَابِ نَهَارًا وَعَمُودُ النَّارِ لَيْلًا مِنْ أَمَامِ الشَّعْبِ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَرْجِعُوا وَيَنْزِلُوا أَمَامَ فَمِ الْحِيرُوثَ بَيْنَ مَجْدَلَ وَالْبَحْرِ، تَنْزِلُونَ مُقَابِلَ بَعْلَ صِفُّونَ عَلَى الْبَحْرِ. فَيَقُولُ فِرْعَوْنُ: ’إِنَّهُمْ تَاهُوا فِي الْأَرْضِ، وَأَصْبَحَتِ الصَّحْرَاءُ مَصْيَدَةً لَهُمْ.‘ وَأُقَسِّي قَلْبَ فِرْعَوْنَ فَيَتْبَعُهُمْ، فَأَتَمَجَّدُ بِوَاسِطَةِ فِرْعَوْنَ وَكُلِّ جَيْشِهِ، وَيَعْرِفُ الْمِصْرِيُّونَ أَنِّي أَنَا اللهُ.“ فَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ هَذَا. فَلَمَّا سَمِعَ فِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ بِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ هَرَبُوا وَلَنْ يَرْجِعُوا، تَغَيَّرَ فِكْرُهُ هُوَ وَحَاشِيَتِهِ ضِدَّهُمْ وَقَالُوا: ”مَاذَا عَمِلْنَا، فَأَطْلَقْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ خِدْمَتِنَا؟“ فَأَعَدَّ مَرْكَبَتَهُ، وَأَخَذَ جَيْشَهُ مَعَهُ. وَأَخَذَ 600 مَرْكَبَةٍ مُخْتَارَةٍ وَبَاقِيَ مَرْكَبَاتِ مِصْرَ وَعَلَى كُلٍّ مِنْهَا ضُبَّاطٌ. وَقَسَّى اللهُ قَلْبَ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ، فَتَبِعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُمْ خَارِجُونَ بِكُلِّ شَجَاعَةٍ. فَتَبِعَهُمُ الْمِصْرِيُّونَ بِكُلِّ خَيْلِ فِرْعَوْنَ وَمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ وَجَيْشِهِ، وَلَحِقُوهُمْ وَهُمْ نَازِلُونَ عِنْدَ الْبَحْرِ بِالْقُرْبِ مِنْ فَمِ الْحِيرُوثَ مُقَابِلَ بَعْلَ صِفُّونَ. فَلَمَّا قَرُبَ فِرْعَوْنُ، نَظَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَرَأَوْا الْمِصْرِيِّينَ قَادِمِينَ وَرَاءَهُمْ، فَخَافُوا وَصَرَخُوا إِلَى اللهِ. وَقَالُوا لِمُوسَى: ”هَلْ لِأَنَّهُ لَا تُوجَدُ قُبُورٌ فِي مِصْرَ، أَخْرَجْتَنَا إِلَى الصَّحْرَاءِ لِنَمُوتَ فِيهَا؟ مَاذَا فَعَلْتَ بِنَا حَتَّى أَخْرَجْتَنَا مِنْ مِصْرَ؟ نَحْنُ قُلْنَا لَكَ فِي مِصْرَ: ’اُتْرُكْنَا فِي حَالِنَا، لِنَخْدِمَ الْمِصْرِيِّينَ.‘ فَكَانَ أَحْسَنَ لَنَا أَنْ نَخْدِمَ الْمِصْرِيِّينَ مِنْ أَنْ نَمُوتَ فِي الصَّحْرَاءِ!“ فَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: ”لَا تَخَافُوا، اُثْبُتُوا فَتَرَوْا كَيْفَ سَيُنْقِذُكُمُ اللهُ الْيَوْمَ، لِأَنَّ الْمِصْرِيِّينَ الَّذِينَ تَرَوْنَهُمُ الْيَوْمَ، لَنْ تَرَوْهُمْ فِيمَا بَعْدُ إِلَى الْأَبَدِ. اللهُ يُحَارِبُ عَنْكُمْ، وَأَنْتُمْ سَاكِتُونَ.“ فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”مَا لَكَ تَصْرُخُ إِلَيَّ؟ قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَرْحَلُوا. وَأَنْتَ ارْفَعْ عَصَاكَ وَمُدَّ يَدَكَ عَلَى الْبَحْرِ وَشُقَّهُ، فَيَدْخُلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ عَلَى الْأَرْضِ الْيَابِسَةِ. وَأَنَا أُقَسِّي قُلُوبَ الْمِصْرِيِّينَ فَيَدْخُلُونَ وَرَاءَهُمْ. فَأَتَمَجَّدُ بِوَاسِطَةِ فِرْعَوْنَ وَكُلِّ جَيْشِهِ وَمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ. فَيَعْرِفُ الْمِصْرِيُّونَ أَنِّي أَنَا اللهُ، حِينَ أَتَمَجَّدُ بِوَاسِطَةِ فِرْعَوْنَ وَمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ.“ فَانْتَقَلَ الْمَلَاكُ الَّذِي كَانَ يَسِيرُ أَمَامَ جَيْشِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَسَارَ وَرَاءَهُمْ. وَانْتَقَلَ عَمُودُ السَّحَابِ مِنْ أَمَامِهِمْ وَوَقَفَ وَرَاءَهُمْ. فَدَخَلَ بَيْنَ جَيْشِ الْمِصْرِيِّينَ، وَجَيْشِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَصَارَ عَمُودُ السَّحَابِ مُظْلِمًا عَلَى جَانِبٍ، وَمُنِيرًا عَلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَلَمْ يَقْتَرِبْ جَيْشٌ مِنَ الْآخَرِ طُولَ اللَّيْلِ. وَمَدَّ مُوسَى يَدَهُ عَلَى الْبَحْرِ، فَأَرْسَلَ اللهُ عَلَى الْبَحْرِ رِيحًا شَرْقِيَّةً شَدِيدَةً طُولَ اللَّيْلِ، جَعَلَتِ الْبَحْرَ يَتَرَاجَعُ وَيَصِيرُ يَابِسَةً. وَبِذَلِكَ انْشَقَّ الْمَاءُ. فَدَخَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ عَلَى الْأَرْضِ الْيَابِسَةِ، وَالْمَاءُ سُورٌ لَهُمْ عَنْ يَمِينِهِمْ وَعَنْ شِمَالِهِمْ. وَتَبِعَهُمُ الْمِصْرِيُّونَ وَدَخَلُوا وَرَاءَهُمْ إِلَى وَسَطِ الْبَحْرِ، بِكُلِّ خَيْلِ فِرْعَوْنَ وَمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ. وَعِنْدَ طُلُوعِ الصُّبْحِ أَشْرَفَ اللهُ مِنْ عَمُودِ النَّارِ وَالسَّحَابِ، عَلَى جَيْشِ الْمِصْرِيِّينَ وَجَعَلَهُمْ يَرْتَبِكُونَ. وَعَطَّلَ عَجَلَاتِ مَرْكَبَاتِهِمْ فَسَاقُوهَا بِصُعُوبَةٍ. وَقَالَ الْمِصْرِيُّونَ: ”نَهْرُبُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِأَنَّ اللهَ يُحَارِبُ عَنْهُمْ ضِدَّنَا.“ فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”مُدَّ يَدَكَ عَلَى الْبَحْرِ، لِيَرْجِعَ الْمَاءُ عَلَى الْمِصْرِيِّينَ وَعَلَى مَرْكَبَاتِهِمْ وَفُرْسَانِهِمْ.“ فَمَدَّ مُوسَى يَدَهُ عَلَى الْبَحْرِ، وَعِنْدَ طُلُوعِ الصُّبْحِ رَجَعَ الْبَحْرُ إِلَى حَالَتِهِ الْعَادِيَّةِ. وَكَانَ الْمِصْرِيُّونَ هَارِبِينَ مِنْ مِيَاهِهِ، لَكِنَّ اللهَ طَرَحَهُمْ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ. وَرَجَعَتِ الْمِيَاهُ، فَغَطَّتِ الْمَرْكَبَاتِ وَالْفُرْسَانَ وَكُلَّ جَيْشِ فِرْعَوْنَ الَّذِي تَبِعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْبَحْرِ. وَلَا وَاحِدٌ نَجَا. وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ فَمَشَوْا عَلَى الْأَرْضِ الْيَابِسَةِ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ، وَالْمَاءُ سُورٌ لَهُمْ عَنْ يَمِينِهِمْ وَعَنْ شِمَالِهِمْ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنْقَذَ اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ قَبْضَةِ الْمِصْرِيِّينَ. وَرَأَى بَنُو إِسْرَائِيلَ الْمِصْرِيِّينَ أَمْوَاتًا عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ. وَرَأَى بَنُو إِسْرَائِيلَ الْفِعْلَ الْعَظِيمَ الَّذِي فَعَلَهُ اللهُ بِالْمِصْرِيِّينَ، فَخَافَ الشَّعْبُ اللهَ وَآمَنُوا بِهِ وَبِمُوسَى عَبْدِهِ. عِنْدَ ذَلِكَ غَنَّى مُوسَى وَبَنُو إِسْرَائِيلَ هَذِهِ الْأُغْنِيَةَ للهِ: ”أُغَنِّي للهِ لِأَنَّهُ عَلِيٌّ عَظِيمٌ، الْفَرَسُ وَرَاكِبُهُ رَمَاهُمَا فِي الْبَحْرِ. اللهُ قُوَّتِي وَأُغْنِيَتِي، وَقَدْ صَارَ نَجَاتِي. هُوَ رَبِّي فَأُسَبِّحُهُ، رَبُّ أَبِي فَأُعَظِّمُهُ. الْمَوْلَى يُحَارِبُ عَنَّا، الْمَوْلَى اسْمُهُ. مَرْكَبَاتُ فِرْعَوْنَ وَجَيْشُهُ رَمَاهُمْ فِي الْبَحْرِ. أَحْسَنُ قَادَةِ فِرْعَوْنَ غَرِقُوا فِي الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ. غَطَّتْهُمُ الْمِيَاهُ الْعَمِيقَةُ، غَاصُوا إِلَى الْأَعْمَاقِ كَالْحِجَارَةِ. ”يَمِينُكَ يَا رَبُّ قَوِيَّةٌ قَدِيرَةٌ، يَمِينُكَ يَا رَبُّ تُحَطِّمُ الْعَدُوَّ. بِعَظَمَةِ جَلَالِكَ تَصْرَعُ الَّذِينَ يُقَاوِمُونَكَ، تُرْسِلُ غَضَبَكَ فَيَأْكُلُهُمْ كَالْقَشِّ. بِنَفْخَةِ أَنْفِكَ تَرَاكَمَتِ الْمِيَاهُ، الْمِيَاهُ الْجَارِفَةُ انْتَصَبَتْ كَالْحَائِطِ، الْمِيَاهُ الْعَمِيقَةُ تَجَمَّدَتْ فِي قَلْبِ الْبَحْرِ. ”قَالَ الْعَدُوُّ: ’أَتْبَعُهُمْ وَأَلْحَقُهُمْ. أُقَسِّمُ الْغَنِيمَةَ وَأَشْبَعُ مِنْهَا جِدًّا. أَسْتَلُّ سَيْفِي فَتُفْنِيهِمْ يَدِي.‘ لَكِنَّكَ نَفَخْتَ نَفْخَةً فَغَطَّاهُمُ الْبَحْرُ، غَاصُوا كَالرَّصَاصِ فِي الْمِيَاهِ الْغَزِيرَةِ. ”مَنْ مِثْلُكَ بَيْنَ الْآلِهَةِ يَا رَبُّ؟ مَنْ مِثْلُكَ أَيُّهَا الْقُدُّوسُ الْجَلِيلُ، أَيُّهَا الْمَهُوبُ الْمَجِيدُ، يَا صَانِعَ الْعَجَائِبِ؟ مَدَدْتَ يَمِينَكَ، فَبَلَعَتْهُمُ الْأَرْضُ. بِرَحْمَتِكَ تَقُودُ الشَّعْبَ الَّذِي فَدَيْتَهُ، بِقُوَّتِكَ تَهْدِيهِمْ إِلَى أَرْضِكَ الْمُقَدَّسَةِ. تَسْمَعُ الشُّعُوبُ فَتَرْتَعِدُ. يَسْتَوْلِي الْخَوْفُ عَلَى سُكَّانِ فِلِسْطَةَ. يَرْتَعِبُ أُمَرَاءُ أَدُومَ. يَسْتَوْلِي الْهَلَعُ عَلَى قَادَةِ مُوآبَ. يَذُوبُ كُلُّ سُكَّانِ كَنْعَانَ. يَحِلُّ بِهِمُ الرُّعْبُ وَالْخَوْفُ. بِقُوَّةِ ذِرَاعِكَ يَصْمُتُونَ كَالْحِجَارَةِ، حَتَّى يَعْبُرَ شَعْبُكَ يَا رَبُّ، حَتَّى يَعْبُرَ الشَّعْبُ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ. تَأْتِي بِهِمْ وَتَغْرِسُهُمْ فِي جَبَلِكَ، فِي الْأَرْضِ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَسْكَنًا لَكَ يَا رَبُّ، فِي الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ الَّذِي أَسَّسَتْهُ يَدَاكَ يَا رَبُّ. اللهُ يَمْلِكُ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ.“ فَلَمَّا دَخَلَتْ خَيْلُ فِرْعَوْنَ وَمَرْكَبَاتُهُ وَفُرْسَانُهُ إِلَى الْبَحْرِ، رَدَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِيَاهَ الْبَحْرِ، وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ فَمَشَوْا عَلَى الْأَرْضِ الْيَابِسَةِ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ. فَأَخَذَتْ مَرْيَمُ النَّبِيَّةُ أُخْتُ هَارُونَ، الدُّفَّ فِي يَدِهَا، وَخَرَجَتْ كُلُّ النِّسَاءِ وَرَاءَهَا بِالدُّفُوفِ وَالرَّقْصِ. وَكَانَتْ مَرْيَمُ تُغَنِّي لَهُنَّ: غَنُّوا للهِ لِأَنَّهُ عَلِيٌّ عَظِيمٌ، الْفَرَسُ وَرَاكِبُهُ رَمَاهُمَا فِي الْبَحْرِ. وَقَادَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ، وَخَرَجُوا إِلَى صَحْرَاءِ شُورَ. وَسَارُوا 3 أَيَّامٍ فِي الصَّحْرَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِدُوا مَاءً. فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى مَارَّةَ، لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَشْرَبُوا مَاءَهَا لِأَنَّهُ مُرٌّ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ مَارَّةَ. فَتَذَمَّرَ الشَّعْبُ عَلَى مُوسَى وَقَالُوا: ”مَاذَا نَشْرَبُ؟“ فَتَضَرَّعَ مُوسَى إِلَى اللهِ، فَأَرَاهُ اللهُ شَجَرَةً، فَرَمَاهَا فِي الْمَاءِ، فَصَارَ الْمَاءُ عَذْبًا. هُنَاكَ وَضَعَ اللهُ لِلشَّعْبِ فَرِيضَةً وَشَرِيعَةً، وَهُنَاكَ امْتَحَنَهُمْ، وَقَالَ: ”إِنْ سَمِعْتَ لِصَوْتِ الْمَوْلَى إِلَهِكَ، وَفَعَلْتَ مَا هُوَ صَالِحٌ فِي نَظَرِهِ، وَانْتَبَهْتَ إِلَى وَصَايَاهُ، وَعَمِلْتَ بِكُلِّ فَرَائِضِهِ، فَلَا أَجْعَلُكَ تَمْرَضُ بِأَيٍّ مِنَ الْأَمْرَاضِ الَّتِي أَنْزَلْتُهَا عَلَى الْمِصْرِيِّينَ، فَإِنِّي أَنَا اللهُ شَافِيكَ.“ ثُمَّ جَاءُوا إِلَى إِيلِيمَ، وَكَانَتْ هُنَاكَ 12 عَيْنَ مَاءٍ وَ70 نَخْلَةً، فَنَصَبُوا خِيَامَهُمْ بِالْقُرْبِ مِنَ الْمَاءِ. وَرَحَلَتْ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ إِيلِيمَ، وَجَاءُوا إِلَى صَحْرَاءِ سِينَ الَّتِي بَيْنَ إِيلِيمَ وَسِينَاءَ، فِي الْيَوْمِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ مِصْرَ. فَتَذَمَّرَتْ كُلُّ الْجَمَاعَةِ فِي الصَّحْرَاءِ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ، وَقَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَهُمَا: ”لَيْتَنَا مُتْنَا بِيَدِ اللهِ فِي مِصْرَ! فَهُنَاكَ كُنَّا نَجْلِسُ حَوْلَ قُدُورِ اللَّحْمِ، وَنَأْكُلُ مِنَ الطَّعَامِ حَتَّى نَشْبَعَ، لَكِنَّكُمَا أَخْرَجْتُمَانَا إِلَى هَذِهِ الصَّحْرَاءِ لِتُمِيتَا هَذِهِ الْجَمَاعَةَ كُلَّهَا مِنَ الْجُوعِ.“ فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”سَأُمْطِرُ لَكُمْ خُبْزًا مِنَ السَّمَاءِ. فَيَخْرُجُ النَّاسُ كُلَّ يَوْمٍ لِيَجْمَعُوا مَا يَكْفِي لِذَلِكَ الْيَوْمِ. وَسَأَمْتَحِنُهُمْ، لِأَرَى إِنْ كَانُوا يُطِيعُونَ كَلَامِي أَمْ لَا، فَفِي الْيَوْمِ السَّادِسِ عِنْدَمَا يُجَهِّزُونَ مَا يَأْتُونَ بِهِ، يَكُونُ ضِعْفَ مَا يَجْمَعُونَهُ فِي الْأَيَّامِ الْأُخْرَى.“ فَقَالَ مُوسَى وَهَارُونُ لِكُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ”فِي الْمَسَاءِ، تَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ مِصْرَ، وَفِي الصُّبْحِ تَرَوْنَ جَلَالَهُ، لِأَنَّهُ سَمِعَ تَذَمُّرَكُمْ عَلَيْهِ. وَلَكِنْ مَنْ نَحْنُ حَتَّى تَتَذَمَّرُوا عَلَيْنَا؟“ وَقَالَ مُوسَى أَيْضًا: ”سَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ هُوَ اللهُ، حِينَ يُعْطِيكُمْ لَحْمًا فِي الْمَسَاءِ لِتَأْكُلُوا، وَخُبْزًا فِي الصَّبَاحِ لِتَشْبَعُوا، لِأَنَّهُ سَمِعَ تَذَمُّرَكُمْ عَلَيْهِ. وَلَكِنْ مَنْ نَحْنُ؟ فَأَنْتُمْ تَتَذَمَّرُونَ عَلَى اللهِ لَا عَلَيْنَا.“ وَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: ”قُلْ لِكُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَنْ يَقْتَرِبُوا أَمَامَ اللهِ لِأَنَّهُ سَمِعَ تَذَمُّرَهُمْ.“ وَبَيْنَمَا كَانَ هَارُونُ يُكَلِّمُ كُلَّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، اِلْتَفَتُوا نَحْوَ الصَّحْرَاءِ، فَرَأَوْا جَلَالَ اللهِ قَدْ ظَهَرَ فِي السَّحَابِ. فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”سَمِعْتُ تَذَمُّرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقُلْ لَهُم: ’فِي الْمَسَاءِ تَأْكُلُونَ لَحْمًا، وَفِي الصُّبْحِ تَشْبَعُونَ خُبْزًا، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ.‘“ فِي ذَلِكَ الْمَسَاءِ جَاءَتْ طُيُورُ السَّلْوَى وَغَطَّتِ الْمُخَيَّمَ، وَفِي الصُّبْحِ كَانَتْ طَبَقَةٌ مِنَ النَّدَى عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي حَوْلَ الْمُخَيَّمِ. وَلَمَّا رَاحَ النَّدَى، ظَهَرَ شَيْءٌ رَقِيقٌ عَلَى وَجْهِ الصَّحْرَاءِ كَأَنَّهُ قُشُورٌ، رَقِيقٌ كَأَنَّهُ جَلِيدٌ عَلَى الْأَرْضِ. فَلَمَّا رَآهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ”مَنْ هُوَ؟“ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا مَا هُوَ. فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: ”هُوَ الْخُبْزُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ لَكُمْ لِتَأْكُلُوهُ. وَهَذَا هُوَ أَمْرُ اللهِ: أَنْ يَجْمَعَ مِنْهُ كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ حَاجَتِهِ. فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَدَدِ النَّاسِ الَّذِينَ فِي خَيْمَتِهِ، لِكُلِّ شَخْصٍ عُمِرًا.“ فَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ هَذَا، فَمِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ كَثِيرًا، وَمِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ قَلِيلًا. وَلَمَّا كَالُوهُ بِالْعُمِرِ، وَجَدُوا أَنَّ الَّذِي جَمَعَ كَثِيرًا لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ، وَالَّذِي جَمَعَ قَلِيلًا لَمْ يَنْقُصْهُ شَيْءٌ. فَجَمَعَ كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ حَاجَتِهِ. وَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: ”لَا تُبْقُوا مِنْهُ شَيْئًا إِلَى الصُّبْحِ.“ وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ لَمْ يَسْمَعْ لِمُوسَى، بَلْ أَبْقَوْا مِنْهُ إِلَى الصُّبْحِ، فَدَوَّدَ وَتَعَفَّنَ. فَغَضِبَ مُوسَى عَلَيْهِمْ. فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَجْمَعُ مِنْهُ حَسَبَ حَاجَتِهِ كُلَّ صُبْحٍ. وَمَتَى حَمِيَتِ الشَّمْسُ كَانَ يَذُوبُ. وَفِي الْيَوْمِ السَّادِسِ جَمَعُوا الضِّعْفَ أَيْ عُمِرَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ. فَجَاءَ كُلُّ رُؤَسَاءِ الْجَمَاعَةِ وَأَخْبَرُوا مُوسَى. فَقَالَ لَهُمْ: ”هَذَا هُوَ مَا أَمَرَ بِهِ اللهُ: ’غَدًا يَوْمُ رَاحَةٍ، سَبْتٌ مُخَصَّصٌ للهِ. اِخْبِزُوا مَا تُرِيدُونَ أَنْ تَخْبِزُوهُ وَاطْبُخُوا مَا تُرِيدُونَ أَنْ تَطْبُخُوهُ، وَاحْفَظُوا مَا يَفْضُلُ إِلَى الصُّبْحِ.‘“ فَأَبْقَوْهُ إِلَى الصُّبْحِ كَمَا أَمَرَ مُوسَى، فَلَمْ يَتَعَفَّنْ وَلَمْ يُدَوِّدْ. فَقَالَ مُوسَى: ”كُلُوهُ الْيَوْمَ، لِأَنَّكُمْ لَنْ تَجِدُوهُ عَلَى الْأَرْضِ، لِأَنَّ الْيَوْمَ سَبْتٌ للهِ. 6 أَيَّامٍ تَجْمَعُونَهُ، أَمَّا فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ فَلَنْ تَجِدُوهُ، لِأَنَّهُ سَبْتٌ.“ وَمَعَ ذَلِكَ خَرَجَ بَعْضُ النَّاسِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ لِيَجْمَعُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا. فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”إِلَى مَتَى تَرْفُضُونَ أَنْ تَعْمَلُوا بِوَصَايَايَ وَشَرَائِعِي؟ اِعْلَمُوا أَنِّي أَنَا وَضَعْتُ لَكُمُ السَّبْتَ لِلرَّاحَةِ، لِذَلِكَ أُعْطِيكُمْ فِي الْيَوْمِ السَّادِسِ طَعَامَ يَوْمَيْنِ. فَكُلُّ وَاحِدٍ يَبْقَى فِي مَكَانِهِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ.“ فَامْتَنَعُوا عَنِ الْعَمَلِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ. وَسَمَّى بَنُو إِسْرَائِيلَ ذَلِكَ الْخُبْزَ مَنًّا. وَكَانَ أَبْيَضَ كَبِزْرِ الْكُزْبَرَةِ، وَطَعْمُهُ كَرِقَاقٍ بِعَسَلٍ. وَقَالَ مُوسَى: ”هَذَا هُوَ أَمْرُ اللهِ: ’اِحْفَظُوا مِلْءَ الْعُمِرِ مِنَ الْمَنِّ لِلْأَجْيَالِ الْقَادِمَةِ، لِكَيْ يَرَوْا الْخُبْزَ الَّذِي أَطْعَمْتُكُمْ بِهِ فِي الصَّحْرَاءِ، لَمَّا أَخْرَجْتُكُمْ مِنْ مِصْرَ.‘“ وَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: ”خُذْ وِعَاءً وَضَعْ فِيهِ مِلْءَ الْعُمِرِ مِنَ الْمَنِّ، وَضَعْهُ فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ لِيَظَلَّ مَحْفُوظًا لِلْأَجْيَالِ الْقَادِمَةِ.“ فَوَضَعَهُ هَارُونُ فِيمَا بَعْدُ أَمَامَ كَلِمَاتِ الْعَهْدِ، لِيُحْفَظَ كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. وَأَكَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْمَنَّ 40 سَنَةً، إِلَى أَنْ وَصَلُوا إِلَى أَرْضٍ عَامِرَةٍ، أَيْ أَكَلُوا الْمَنَّ إِلَى أَنْ وَصَلُوا إِلَى حُدُودِ كَنْعَانَ. وَالْعُمِرُ هُوَ عُشْرُ الْإِيفَةِ. وَرَحَلَتْ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ صَحْرَاءِ سِينَ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ حَسَبَ أَمْرِ اللهِ. وَنَزَلُوا فِي رَفِيدِيمَ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَاءٌ لِيَشْرَبَ النَّاسُ. فَخَاصَمُوا مُوسَى وَقَالُوا: ”أَعْطُونَا مَاءً لِنَشْرَبَ.“ فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: ”لِمَاذَا تُخَاصِمُونِي؟ وَلِمَاذَا تَتَحَدَّوْنَ اللهَ؟“ وَلَكِنَّ الشَّعْبَ كَانَ عَطْشَانًا لِلْمَاءِ هُنَاكَ، فَتَذَمَّرُوا عَلَى مُوسَى وَقَالُوا: ”لِمَاذَا أَخْرَجْتَنَا مِنْ مِصْرَ لِتُمِيتَنَا نَحْنُ وَأَوْلَادَنَا وَمَوَاشِيَنَا بِالْعَطَشِ؟“ فَصَرَخَ مُوسَى إِلَى اللهِ: ”مَاذَا أَفْعَلُ بِهَذَا الشَّعْبِ؟ إِنَّهُمْ عَلَى وَشْكِ أَنْ يَرْجُمُونِي!“ فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”سِرْ فِي مُقَدِّمَةِ الشَّعْبِ، وَخُذْ مَعَكَ بَعْضَ شُيُوخِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَخُذْ عَصَاكَ الَّتِي ضَرَبْتَ بِهَا النَّهْرَ، وَاذْهَبْ. وَأَنَا أُلَاقِيكَ هُنَاكَ عِنْدَ الصَّخْرَةِ فِي حُورِيبَ، فَتَضْرِبُ الصَّخْرَةَ، فَيَخْرُجُ مِنْهَا مَاءٌ لِيَشْرَبَ النَّاسُ.“ فَفَعَلَ مُوسَى هَذَا أَمَامَ عُيُونِ شُيُوخِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَسَمَّى ذَلِكَ الْمَكَانَ مَسَّةَ وَمَرِيبَةَ، لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَخَاصَمُوا وَاخْتَبَرُوا اللهَ وَقَالُوا: ”هَلِ اللهُ مَوْجُودٌ مَعَنَا أَمْ لَا؟“ وَجَاءَ الْعَمَالِقَةُ وَحَارَبُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي رَفِيدِيمَ. فَقَالَ مُوسَى لِيَشُوعَ: ”اِنْتَخِبْ بَعْضَ رِجَالِنَا وَاذْهَبْ غَدًا وَحَارِبِ الْعَمَالِقَةَ. وَأَنَا سَأَقِفُ عَلَى قِمَّةِ التَّلِّ وَعَصَا اللهِ فِي يَدِي.“ فَحَارَبَ يَشُوعُ الْعَمَالِقَةَ كَمَا أَمَرَ مُوسَى. وَصَعِدَ مُوسَى وَهَارُونُ وَحُورُ إِلَى قِمَّةِ التَّلِّ. فَكَانَ إِذَا رَفَعَ مُوسَى يَدَهُ يَنْتَصِرُ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَإِذَا أَنْزَلَ يَدَهُ يَنْتَصِرُ الْعَمَالِقَةُ. فَلَمَّا تَعِبَتْ يَدَا مُوسَى، أَخَذَ هَارُونُ وَحُورُ حَجَرًا وَوَضَعَاهُ تَحْتَهُ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ. وَسَنَدَ هَارُونُ وَحُورُ يَدَيْهِ، وَاحِدًا مِنْ هُنَا وَالْآخَرُ مِنْ هُنَاكَ، فَبَقِيَتْ يَدَاهُ ثَابِتَتَيْنِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ. فَهَزَمَ يَشُوعُ جَيْشَ الْعَمَالِقَةِ بِالسَّيْفِ. فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”اُكْتُبْ هَذَا النَّصْرَ فِي كِتَابٍ لِلذِّكْرَى، وَاقْرَأْهُ عَلَى يَشُوعَ، لِأَنِّي سَأَمْسَحُ ذِكْرَ عَمَالِيقَ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ.“ وَبَنَى مُوسَى مَنَصَّةَ قُرْبَانٍ وَسَمَّاهَا: 'اللهُ رَايَتِي.' وَقَالَ: ”رَفَعَ الْعَمَالِقَةُ أَيْدِيَهُمْ ضِدَّ عَرْشِ اللهِ، فَيُحَارِبُهُمُ اللهُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ.“ وَسَمِعَ يَثْرُونُ حَبْرُ مِدْيَانَ وَهُوَ حَمُو مُوسَى، بِكُلِّ مَا عَمِلَهُ اللهُ مَعَ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ شَعْبِهِ، وَكَيْفَ أَنَّهُ أَخْرَجَهُمْ مِنْ مِصْرَ. وَكَانَ مُوسَى قَدْ صَرَفَ صِفُّورَةَ زَوْجَتَهُ إِلَى يَثْرُونَ حَمِيهِ، وَمَعَهَا ابْنَيْهَا اللَّذَيْنِ اسْمُ أَحَدِهِمَا جَرْشُومُ، لِأَنَّ مُوسَى قَالَ: ”أَنَا ضَيْفٌ فِي بَلَدٍ غَرِيبَةٍ.“ وَاسْمُ الْآخَرِ أَلِيعَازَارُ، لِأَنَّهُ قَالَ: ”إِلَهُ أَبِي كَانَ عَوْنِي، وَأَنْقَذَنِي مِنْ سَيْفِ فِرْعَوْنَ.“ فَجَاءَ يَثْرُونُ حَمُو مُوسَى وَابْنَاهُ وَزَوْجَتُهُ إِلَى مُوسَى وَهُوَ فِي الصَّحْرَاءِ حَيْثُ كَانَ نَازِلًا بِالْقُرْبِ مِنْ جَبَلِ اللهِ. وَأَرْسَلَ إِلَى مُوسَى يَقُولُ لَهُ: ”أَنَا حَمُوكَ يَثْرُونُ قَادِمٌ إِلَيْكَ وَمَعِي زَوْجَتُكَ وَابْنَاهَا.“ فَخَرَجَ لِاسْتِقْبَالِ حَمِيهِ، وَانْحَنَى لَهُ وَقَبَّلَهُ. وَسَأَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ عَنْ سَلَامَتِهِ، ثُمَّ دَخَلَا إِلَى الْخَيْمَةِ. وَقَصَّ مُوسَى عَلَى حَمِيهِ كُلَّ مَا صَنَعَهُ اللهُ بِفِرْعَوْنَ وَالْمِصْرِيِّينَ مِنْ أَجْلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكُلَّ مَا تَعَرَّضُوا لَهُ مِنْ مَشَقَّاتِ الطَّرِيقِ، وَكَيْفَ أَنْقَذَهُمُ اللهُ. فَفَرِحَ يَثْرُونُ بِكُلِّ الْخَيْرِ الَّذِي صَنَعَهُ اللهُ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، حَيْثُ أَنْقَذَهُمْ مِنْ يَدِ الْمِصْرِيِّينَ. وَقَالَ يَثْرُونُ: ”تَبَارَكَ اللهُ الَّذِي أَنْقَذَكُمْ مِنْ يَدِ الْمِصْرِيِّينَ وَمِنْ يَدِ فِرْعَوْنَ! تَبَارَكَ اللهُ الَّذِي أَنْقَذَ شَعْبَهُ مِنْ قَبْضَةِ الْمِصْرِيِّينَ. الْآنَ عَلِمْتُ أَنَّ اللهَ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ الْآلِهَةِ، لِأَنَّهُ صَنَعَ هَذَا بِالَّذِينَ ظَلَمُوكُمْ.“ وَقَدَّمَ يَثْرُونُ حَمُو مُوسَى قُرْبَانًا وَضَحَايَا للهِ. وَجَاءَ هَارُونُ وَكُلُّ شُيُوخِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِيَأْكُلُوا طَعَامًا مَعَ حَمِي مُوسَى فِي مَحْضَرِ اللهِ. وَفِي الْغَدِ جَلَسَ مُوسَى لِيَقْضِيَ لِلشَّعْبِ، وَظَلَّ الشَّعْبُ وَاقِفًا عِنْدَهُ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الْمَسَاءِ. فَلَمَّا رَأَى يَثْرُونُ كُلَّ مَا كَانَ مُوسَى يَصْنَعُهُ لِلشَّعْبِ، قَالَ لِمُوسَى: ”مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعُهُ لِلشَّعْبِ؟ لِمَاذَا تَجْلِسُ وَحْدَكَ قَاضِيًا، وَكُلُّ الشَّعْبِ وَاقِفٌ عِنْدَكَ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الْمَسَاءِ؟“ فَأَجَابَهُ مُوسَى: ”لِأَنَّ كُلَّ الشَّعْبِ يَأْتِي إِلَيَّ لِيَعرِفُوا إِرَادَةَ اللهِ. حِينَ تَكُونُ لَهُمْ دَعْوَى يَأْتُونَ إِلَيَّ، فَأَقْضِي بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْآخَرِ، وَأُعَرِّفُهُمْ فَرَائِضَ اللهِ وَشَرَائِعَهُ.“ فَقَالَ يَثْرُونُ لِمُوسَى: ”مَا تَعْمَلُهُ لَيْسَ حَسَنًا! فَأَنْتَ تُتْعِبُ نَفْسَكَ وَتُتْعِبُ هَذَا الشَّعْبَ مَعَكَ، لِأَنَّ الْأَمْرَ فَوْقَ طَاقَتِكَ، وَلَا تَقْدِرُ أَنْ تَقُومَ بِهِ وَحْدَكَ. اِسْمَعْ كَلَامِي وَنَصِيحَتِي، وَلْيَكُنِ اللهُ مَعَكَ. كُنْ أَنْتَ مُمَثِّلًا لِلشَّعْبِ أَمَامَ اللهِ، لِتَرْفَعَ دَعَاوِيَهُمْ إِلَيْهِ. وَعَلِّمْهُمُ الْفَرَائِضَ وَالشَّرَائِعَ، وَعَرِّفْهُمُ الطَّرِيقَ الَّذِي يَسْلُكُونَهُ، وَالْوَاجِبَاتِ الَّتِي عَلَيْهِمْ. إِنَّمَا انْتَخِبْ مِنْ بَيْنِ كُلِّ الشَّعْبِ رِجَالًا عِنْدَهُمُ الْكَفَاءَةُ، يَخَافُونَ اللهَ، أُمَنَاءَ، يَكْرَهُونَ الرَّشْوَةَ، وَتُقِيمُهُمْ عَلَى الشَّعْبِ رُؤَسَاءَ أُلُوفٍ وَمِئَاتٍ وَخَمَاسِينَ وَعَشَرَاتٍ. لِيَقْضُوا لِلشَّعْبِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَيَفْصِلُوا فِي الْقَضَايَا الْبَسِيطَةِ. أَمَّا الْقَضَايَا الصَّعْبَةُ فَيَأْتُونَ بِهَا إِلَيْكَ. بِذَلِكَ تُخَفِّفُ عَنْ نَفْسِكَ، لِأَنَّهُمْ يَحْمِلُونَ الْحِمْلَ مَعَكَ. إِنْ فَعَلْتَ هَذَا، وَأَمَرَكَ اللهُ بِهِ، تَقْدِرُ أَنْ تَحْتَمِلَ، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ النَّاسِ يَذْهَبُونَ إِلَى دِيَارِهِمْ مُرْتَاحِينَ.“ فَسَمِعَ مُوسَى كَلَامَ حَمِيهِ، وَعَمِلَ كُلَّ مَا قَالَهُ. وَاخْتَارَ رِجَالًا عِنْدَهُمُ الْكَفَاءَةُ مِنْ كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَجَعَلَهُمْ قَادَةً لِلشَّعْبِ، رُؤَسَاءَ أُلُوفٍ وَرُؤَسَاءَ مِئَاتٍ وَرُؤَسَاءَ خَمَاسِينَ وَرُؤَسَاءَ عَشَرَاتٍ. فَكَانُوا يَقْضُونَ لِلشَّعْبِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَيَفْصِلُونَ فِي الْقَضَايَا الْبَسِيطَةِ. أَمَّا الْقَضَايَا الصَّعْبَةُ فَكَانُوا يَأْتُونَ بِهَا إِلَى مُوسَى. ثُمَّ وَدَّعَ مُوسَى حَمَاهُ، فَرَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ. وَفِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الثَّالِثِ لِخُرُوجِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ، وَصَلُوا إِلَى صَحْرَاءِ سِينَاءَ. فَبَعْدَمَا رَحَلُوا مِنْ رَفِيدِيمَ، جَاءُوا إِلَى الصَّحْرَاءِ، وَنَزَلُوا هُنَاكَ مُقَابِلَ الْجَبَلِ فِي الصَّحْرَاءِ. فَصَعِدَ مُوسَى لِيَمْثُلَ أَمَامَ اللهِ. وَنَادَاهُ اللهُ مِنَ الْجَبَلِ وَقَالَ: ”تَقُولُ هَذَا لِبَيْتِ يَعْقُوبَ، وَتُخْبِرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ’أَنْتُمْ رَأَيْتُمْ مَا فَعَلْتُهُ بِالْمِصْرِيِّينَ، وَكَيْفَ حَمَلْتُكُمْ عَلَى أَجْنِحَةِ النُّسُورِ وَجِئْتُ بِكُمْ إِلَيَّ. فَالْآنَ إِنْ سَمِعْتُمْ كَلَامِي وَحَفِظْتُمْ عَهْدِي، تَكُونُونَ لِي شَعْبًا خَاصًّا مِنْ بَيْنِ كُلِّ الشُّعُوبِ. لِأَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا لِي. فَتَكُونُونَ لِي مَمْلَكَةَ أَحْبَارٍ وَأُمَّةً صَالِحَةً.‘ هَذَا هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي تَقُولُهُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ.“ وَرَجَعَ مُوسَى، وَاسْتَدْعَى شُيُوخَ الشَّعْبِ، وَأَعْطَاهُمْ كُلَّ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي أَوْصَاهُ اللهُ بِهِ. فَأَجَابُوا كُلُّهُمْ مَعًا وَقَالُوا: ”نَعْمَلُ كُلَّ مَا قَالَهُ اللهُ.“ وَنَقَلَ مُوسَى جَوَابَهُمْ إِلَى اللهِ، فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”سَأَجِيءُ إِلَيْكَ فِي سَحَابَةٍ كَثِيفَةٍ، لِكَيْ يَسْمَعَنِي الشَّعْبُ عِنْدَمَا أُكَلِّمُكَ فَيُؤْمِنُوا بِكَ إِلَى الْأَبَدِ.“ فَلَمَّا أَخْبَرَ مُوسَى اللهَ بِكَلَامِ الشَّعْبِ، قَالَ اللهُ لَهُ: ”اِذْهَبْ إِلَى الشَّعْبِ وَطَهِّرْهُمُ الْيَوْمَ وَغَدًا. وَلْيَغْسِلُوا ثِيَابَهُمْ، وَيَسْتَعِدُّوا لِلْيَوْمِ الثَّالِثِ، لِأَنَّهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَنْزِلُ جَلَالُ اللهِ أَمَامَ كُلِّ الشَّعْبِ عَلَى جَبَلِ سِينَاءَ. وَضَعْ حُدُودًا لِلشَّعْبِ حَوْلَ الْجَبَلِ وَقُلْ لَهُمْ: ’إِيَّاكُمْ أَنْ تَصْعَدُوا الْجَبَلَ أَوْ تَمَسُّوا طَرَفَهُ. فَكُلُّ مَنْ مَسَّ الْجَبَلَ يُقْتَلُ قَتْلًا. وَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمَسَّهُ يَدُ أَحَدٍ، بَلْ يُرْجَمُ رَجْمًا أَوْ يُرْمَى بِالسِّهَامِ وَلَا يَحْيَا، سَوَاءٌ كَانَ بَهِيمَةً أَوْ إِنْسَانًا.‘ وَلَكِنْ عِنْدَمَا يُدَوِّي صَوْتُ الْبُوقِ، يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَصْعَدُوا إِلَى الْجَبَلِ.“ فَنَزَلَ مُوسَى مِنَ الْجَبَلِ إِلَى الشَّعْبِ، وَطَهَّرَهُمْ وَغَسَلُوا ثِيَابَهُمْ. وَقَالَ لِلشَّعْبِ: ”اِسْتَعِدُّوا لِلْيَوْمِ الثَّالِثِ. لَا تُعَاشِرُوا نِسَاءَكُمْ.“ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، لَمَّا طَلَعَ الصُّبْحُ، حَدَثَ بَرْقٌ وَرَعْدٌ، وَسَحَابَةٌ كَثِيفَةٌ عَلَى الْجَبَلِ، وَصَوْتُ بُوقٍ شَدِيدٌ جِدًّا. فَارْتَعَدَ كُلُّ الَّذِينَ فِي الْمُخَيَّمِ. فَأَخْرَجَ مُوسَى الشَّعْبَ مِنَ الْمُخَيَّمِ لِمُلَاقَاةِ اللهِ. فَوَقَفُوا عِنْدَ سَفْحِ الْجَبَلِ. وَكَانَ جَبَلُ سِينَاءَ مُغَطًّى بِدُخَانٍ، لِأَنَّ الْمَوْلَى نَزَلَ عَلَيْهِ بِالنَّارِ. وَصَعِدَ دُخَانُهُ كَدُخَانِ الْأَتُونِ، وَاهْتَزَّ الْجَبَلُ كُلُّهُ بِعُنْفٍ. وَارْتَفَعَ صَوْتُ الْبُوقِ أَكْثَرَ جِدًّا، بَيْنَمَا كَانَ مُوسَى يَتَكَلَّمُ وَاللهُ يُجِيبُهُ بِصَوْتِ الرَّعْدِ. وَنَزَلَ الْمَوْلَى عَلَى قِمَّةِ جَبَلِ سِينَاءَ، وَنَادَى مُوسَى لِيَصْعَدَ إِلَى قِمَّةِ الْجَبَلِ، فَصَعِدَ مُوسَى، فَقَالَ اللهُ لَهُ: ”اِنْزِلْ وَحَذِّرِ الشَّعْبَ لِئَلَّا يَقْتَحِمُوا الْجَبَلَ لِيَرَوْا الْمَوْلَى، فَيَهْلِكَ مِنْهُمْ كَثِيرُونَ. وَقُلْ لِلْأَحْبَارِ الَّذِينَ يَقْتَرِبُونَ إِلَيَّ أَنْ يَتَطَهَّرُوا لِئَلَّا أَبْطُشَ بِهِمْ.“ فَقَالَ مُوسَى للهِ: ”لَا يَقْدِرُ الشَّعْبُ أَنْ يَصْعَدَ إِلَى جَبَلِ سِينَاءَ، لِأَنَّكَ أَنْتَ حَذَّرْتَنَا وَقُلْتَ لَنَا أَنْ نَضَعَ حُدُودًا حَوْلَ الْجَبَلِ وَنَعْتَبِرَهُ مُقَدَّسًا.“ فَقَالَ اللهُ لَهُ: ”اِنْزِلْ ثُمَّ اصْعَدْ أَنْتَ وَهَارُونُ. أَمَّا الْأَحْبَارُ وَالشَّعْبُ فَلَا يَقْتَحِمُوا لِيَأْتُوا إِلَيَّ، لِئَلَّا أَبْطُشَ بِهِمْ.“ فَنَزَلَ مُوسَى إِلَى الشَّعْبِ وَأَخْبَرَهُمْ. ثُمَّ قَالَ اللهُ كُلَّ هَذَا الْكَلَامِ لِلشَّعْبِ: ”أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ مِصْرَ، مِنْ سِجْنِ الْعُبُودِيَّةِ. لَا يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى مَعِي. لَا تَصْنَعْ لَكَ صَنَمًا عَلَى شَكْلِ أَيِّ شَيْءٍ سَوَاءً فِي السَّمَاءِ، أَوْ عَلَى الْأَرْضِ، أَوْ فِي الْمَاءِ. لَا تَسْجُدْ لِأَيِّ صَنَمٍ وَلَا تَعْبُدْهُ، لِأَنِّي أَنَا الْمَوْلَى إِلَهَكَ إِلَهٌ غَيُورٌ، أُعَاقِبُ ذُنُوبَ الْآبَاءِ فِي أَبْنَائِهِمْ إِلَى الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مِنَ الَّذِينَ يَكْرَهُونِي. وَأُحْسِنُ إِلَى الَّذِينَ يُحِبُّونِي وَيَعْمَلُونَ بِوَصَايَايَ إِلَى 1000 جِيلٍ. لَا تَنْطِقْ بِاسْمِ الْمَوْلَى إِلَهِكَ بِعَبَثٍ، لِأَنَّ اللهَ لَا يُبْرِئُ مَنْ يَنْطِقُ بِاسْمِهِ بِعَبَثٍ. اُذْكُرْ يَوْمَ السَّبْتِ وَاجْعَلْهُ مُخَصَّصًا للهِ. 6 أَيَّامٍ فِيهَا تَشْتَغِلُ وَتَعْمَلُ كُلَّ أَعْمَالِكَ. أَمَّا الْيَوْمُ السَّابِعُ فَهُوَ سَبْتٌ لِلْمَوْلَى إِلَهِكَ. لَا تَعْمَلْ فِيهِ أَيَّ عَمَلٍ، لَا أَنْتَ وَلَا ابْنُكَ وَلَا بِنْتُكَ وَلَا عَبْدُكَ وَلَا جَارِيَتُكَ وَلَا بَهَائِمُكَ وَلَا الْغَرِيبُ الْمَوْجُودُ فِي مَدِينَتِكَ. لِأَنَّ اللهَ فِي 6 أَيَّامٍ صَنَعَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، وَلَمْ يَعْمَلْ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ. لِذَلِكَ بَارَكَ اللهُ يَوْمَ السَّبْتِ وَجَعَلَهُ مُخَصَّصًا لَهُ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، لِكَيْ يَطُولَ عُمْرُكَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكَ الْمَوْلَى إِلَهُكَ. لَا تَقْتُلْ. لَا تَزْنِ. لَا تَسْرِقْ. لَا تَشْهَدْ عَلَى أَحَدٍ شَهَادَةَ زُورٍ. لَا تَشْتَهِ دَارَ غَيْرِكَ. وَلَا تَشْتَهِ زَوْجَتَهُ وَلَا عَبْدَهُ وَلَا جَارِيَتَهُ وَلَا ثَوْرَهُ وَلَا حِمَارَهُ وَلَا أَيَّ شَيْءٍ مِمَّا لِغَيْرِكَ.“ فَلَمَّا رَأَى الشَّعْبُ الرَّعْدَ وَالْبَرْقَ وَسَمِعُوا صَوْتَ الْبُوقِ وَرَأَوْا الْجَبَلَ يُدَخِّنُ، اِرْتَعَبُوا وَوَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ. وَقَالُوا لِمُوسَى: ”كَلِّمْنَا أَنْتَ فَنَسَمَعَ، وَلَا يَظَلَّ اللهُ يُكَلِّمُنَا لِئَلَّا نَمُوتَ.“ فَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: ”لَا تَخَافُوا، لِأَنَّ اللهَ جَاءَ لِيَمْتَحِنَكُمْ لِكَيْ تَتَّقُوهُ وَلَا تُخْطِئُوا.“ وَظَلَّ الشَّعْبُ وَاقِفًا مِنْ بَعِيدٍ، أَمَّا مُوسَى فَاقْتَرَبَ إِلَى الضَّبَابِ حَيْثُ كَانَ اللهُ. فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’أَنْتُمْ رَأَيْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ أَنِّي كَلَّمْتُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ. لَا تَصْنَعُوا لَكُمْ آلِهَةً أُخْرَى مَعِي، لَا مِنْ فِضَّةٍ وَلَا مِنْ ذَهَبٍ. اِصْنَعْ لِي مَنَصَّةَ قُرْبَانٍ مِنَ التُّرَابِ، وَاذْبَحْ عَلَيْهَا قَرَابِينَكَ وَضَحَايَا الصُّحْبَةِ مِنْ غَنَمِكَ وَبَقَرِكَ. وَأَنَا آتِي وَأُبَارِكُكَ فِي كُلِّ مَكَانٍ يُكْرَمُ فِيهِ اسْمِي. وَإِنْ صَنَعْتَ لِي مَنَصَّةَ قُرْبَانٍ مِنْ حِجَارَةٍ، فَلَا تَبْنِهَا مِنْ حِجَارَةٍ مَنْحُوتَةٍ، لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْإِزْمِيلِ يُنِجِّسُهَا. وَلَا تَصْعَدْ إِلَى الْمَنَصَّةِ بِدَرَجٍ، لِئَلَّا يَنْكَشِفَ عُرْيُكَ عَلَيْهَا.‘ ”وَهَذِهِ هِيَ الْأَحْكَامُ الَّتِي تُعْطِيهَا لَهُمْ: إِنِ اشْتَرَيْتَ عَبْدًا عِبْرَانِيًّا، فَيَخْدِمُكَ 6 سِنِينَ وَفِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ يَخْرُجُ حُرًّا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْفَعَ لَكَ شَيْئًا. إِنْ جَاءَ إِلَيْكَ وَحْدَهُ، فَيَخْرُجُ وَحْدَهُ. أَمَّا إِنْ جَاءَ وَمَعَهُ زَوْجَةٌ، فَهِيَ تَخْرُجُ مَعَهُ. إِنْ أَعْطَاهُ سَيِّدُهُ زَوْجَةً وَوَلَدَتْ لَهُ بَنِينَ أَوْ بَنَاتٍ، فَالْمَرْأَةُ وَأَوْلَادُهَا يَكُونُونَ لِسَيِّدِهِ وَهُوَ يَخْرُجُ وَحْدَهُ. فَإِنْ قَالَ الْعَبْدُ: ’أُحِبُّ سَيِّدِي وَزَوْجَتِي وَأَوْلَادِي، وَلَا أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ حُرًّا.‘ يَأْخُذُهُ سَيِّدُهُ أَمَامَ الْقُضَاةِ، وَيُقَرِّبُهُ إِلَى الْبَابِ أَوْ قَائِمَتِهِ وَيَثْقُبُ أُذُنَهُ بِالْمِثْقَبِ، فَيَخْدِمُهُ إِلَى الْأَبَدِ. ”إِنْ بَاعَ رَجُلٌ بِنْتَهُ جَارِيَةً، فَإِنَّهَا لَا تُطْلَقُ حُرَّةً كَمَا يَحْدُثُ مَعَ الْعَبْدِ الذَّكَرِ. إِنْ لَمْ تُعْجِبْ سَيِّدَهَا الَّذِي اخْتَارَهَا لِنَفْسِهِ، لَا يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا لِأَجَانِبَ لِأَنَّهُ غَدَرَ بِهَا، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَسْمَحَ لَهَا بِأَنْ يَفْدِيَهَا أَحَدُ أَقَارِبِهَا. وَإِنِ اخْتَارَهَا لِابْنِهِ، فَيَجِبُ أَنْ يُعَامِلَهَا كَابْنَتِهِ. وَإِنْ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ أُخْرَى، فَلَا يُنْقِصُ طَعَامَهَا وَكِسْوَتَهَا وَمُعَاشَرَتَهَا. فَإِنْ قَصَّرَ مَعَهَا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الـ3، تَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِ حُرَّةً مِنْ غَيْرِ أَنْ تَدْفَعَ لَهُ شَيْئًا. ”مَنْ ضَرَبَ إِنْسَانًا فَمَاتَ يَجِبُ أَنْ يُقْتَلَ. إِنْ كَانَ قَدْ قَتَلَهُ عَنْ غَيْرِ عَمْدٍ، إِنَّمَا حَدَثَ هَذَا بِقَضَاءِ اللهِ، فَأَنَا سَأُعَيِّنُ لَكَ مَكَانًا يَهْرُبُ إِلَيْهِ. وَلَكِنْ إِنْ تَآمَرَ وَاحِدٌ عَلَى آخَرَ وَقَتَلَهُ عَمْدًا، خُذْهُ إِلَى الْمَوْتِ حَتَّى وَلَوْ لَجَأَ إِلَى مَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ فِي بَيْتِي. ”مَنْ ضَرَبَ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ يُقْتَلُ. مَنْ خَطَفَ إِنْسَانًا وَبَاعَهُ، أَوْ ضُبِطَ وَالْمَخْطُوفُ عِنْدَهُ، فَالْخَاطِفُ يُقْتَلُ. مَنْ سَبَّ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ يُقْتَلُ. إِنْ تَشَاجَرَ رَجُلَانِ، فَضَرَبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِحَجَرٍ أَوْ لَكَمَهُ، وَلَمْ يَمُتْ بَلْ لَازَمَ الْفِرَاشَ. ثُمَّ قَامَ وَتَمَشَّى فِي الْخَارِجِ عَلَى عُكَّازِهِ، فَالضَّارِبُ لَا يُعَاقَبُ، لَكِنَّهُ يَدْفَعُ لَهُ تَعْوِيضًا لِتَعَطُّلِهِ عَنِ الْعَمَلِ، وَيُنْفِقُ عَلَى عِلَاجِهِ. إِنْ ضَرَبَ وَاحِدٌ عَبْدَهُ أَوْ جَارِيَتَهُ بِالْعَصَا، فَمَاتَ، يُعَاقَبُ. لَكِنْ إِنْ قَامَ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، فَلَا يُعَاقَبُ الضَّارِبُ لِأَنَّ الْعَبْدَ مِلْكُهُ. إِنْ تَشَاجَرَ بَعْضُ النَّاسِ، وَصَدَمُوا امْرَأَةً حُبْلَى، فَخَرَجَ الْجَنِينُ وَلَمْ يَحْصُلْ ضَرَرٌ، فَالَّذِي صَدَمَهَا يَدْفَعُ الْغَرَامَةَ الَّتِي يَفْرِضُهَا عَلَيْهِ زَوْجُ الْمَرْأَةِ، بِمُوَافَقَةِ الْقُضَاةِ. لَكِنْ إِنْ حَصَلَ ضَرَرٌ، تَأْخُذُ نَفْسًا بِنَفْسٍ، وَعَيْنًا بِعَيْنٍ، وَسِنًّا بِسِنٍّ، وَيَدًا بِيَدٍ، وَرِجْلًا بِرِجْلٍ، وَحَرْقًا بِحَرْقٍ، وَجُرْحًا بِجُرْحٍ، وَرَضًّا بِرَضٍّ. وَإِنْ ضَرَبَ وَاحِدٌ عَيْنَ عَبْدِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ فَأَتْلَفَهَا، فَإِنَّهُ يُطْلِقُهُ حُرًّا تَعْوِيضًا لَهُ عَنْ عَيْنِهِ. وَإِنْ أَسْقَطَ سِنَّ عَبْدِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ، فَإِنَّهُ يُطْلِقُهُ حُرًّا تَعْوِيضًا لَهُ عَنْ سِنِّهِ. ”إِنْ نَطَحَ ثَوْرٌ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً فَمَاتَ، يُرْجَمُ الثَّوْرُ وَلَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ. وَيَكُونُ صَاحِبُ الثَّوْرِ بَرِيئًا. وَلَكِنْ إِنْ كَانَ ثَوْرًا نَطَّاحًا مِنْ قَبْلُ، وَسَبَقَ إِنْذَارُ صَاحِبِهِ وَلَمْ يَضْبِطْهُ، فَقَتَلَ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً، فَالثَّوْرُ يُرْجَمُ وَصَاحِبُهُ يُقْتَلُ. وَإِنْ طَالَبْتَهُ بِغَرَامَةٍ لِيَفْدِيَ بِهَا نَفْسَهُ، فَيَدْفَعُ كُلَّ مَا تَطْلُبُهُ مِنْهُ. وَنَفْسُ هَذَا الْحُكْمِ يَنْطَبِقُ إِذَا نَطَحَ الثَّوْرُ وَلَدًا أَوْ بِنْتًا. فَإِنْ نَطَحَ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً، يَدْفَعُ صَاحِبُ الثَّوْرِ إِلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ أَوِ الْجَارِيَةِ 30 عُمْلَةً مِنَ الْفِضَّةِ وَالثَّوْرُ يُرْجَمُ. ”إِنْ فَتَحَ وَاحِدٌ غِطَاءَ بِئْرٍ، أَوْ إِنْ حَفَرَ بِئْرًا وَتَرَكَهَا مَفْتُوحَةً، فَوَقَعَ فِيهَا ثَوْرٌ أَوْ حِمَارٌ، فَصَاحِبُ الْبِئْرِ يَدْفَعُ ثَمَنَ الثَّوْرِ أَوِ الْحِمَارِ لِصَاحِبِهِ، وَالْمَيِّتُ يَكُونُ لَهُ. إِنْ نَطَحَ ثَوْرٌ ثَوْرًا آخَرَ، فَصَاحِبَاهُمَا يَبِيعَانِ الثَّوْرَ الْحَيَّ وَيَقْتَسِمَانِ ثَمَنَهُ، وَكَذَلِكَ يَقْتَسِمَانِ الثَّوْرَ الْمَيِّتَ. فَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا أَنَّهُ ثَوْرٌ نَطَّاحٌ مِنْ قَبْلُ، وَلَمْ يَضْبِطْهُ صَاحِبُهُ، فَإِنَّهُ يُعَوِّضُ ثَوْرًا بِثَوْرٍ، وَالْمَيِّتُ يَكُونُ لَهُ. ”إِنْ سَرَقَ وَاحِدٌ ثَوْرًا أَوْ خَرُوفًا وَذَبَحَهُ أَوْ بَاعَهُ، فَإِنَّهُ يُعَوِّضُ بَدَلَ الثَّوْرِ 5، وَبَدَلَ الْخَرُوفِ 4. وَإِنْ ضُبِطَ السَّارِقُ وَهُوَ يَسْرِقُ فَضُرِبَ وَمَاتَ، فَهَذِهِ الْحَالَةُ لَيْسَتْ جَرِيمَةَ قَتْلٍ. وَلَكِنْ إِنْ حَدَثَ هَذَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَهِيَ جَرِيمَةُ قَتْلٍ. يَجِبُ أَنْ يَدْفَعَ السَّارِقُ تَعْوِيضًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ، يُبَاعُ لِيُعَوِّضَ عَنِ السَّرِقَةِ. إِنْ وَجَدْتُمُ الْحَيَوَانَ الْمَسْرُوقَ عِنْدَهُ حَيًّا، سَوَاءً كَانَ ثَوْرًا أَوْ حِمَارًا أَوْ خَرُوفًا، فَإِنَّهُ يُعَوِّضُ بَدَلَ الْوَاحِدِ اثْنَيْنِ. ”إِذَا سَرَّحَ وَاحِدٌ مَوَاشِيَهُ لِتَرْعَى فِي حَقْلٍ أَوْ كَرْمٍ، فَرَعَتْ فِي حَقْلِ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يُعَوِّضُ بِأَحْسَنِ مَا عِنْدَهُ فِي حَقْلِهِ أَوْ كَرْمِهِ. إِنْ شَبَّتْ نَارٌ وَامْتَدَّتْ فِي الشَّوْكِ ثُمَّ أَحْرَقَتْ أَكْوَامَ الْقَمْحِ أَوِ الْقَمْحَ الْمَزْرُوعَ أَوْ أَيَّ شَيْءٍ آخَرَ فِي الْحَقْلِ، فَالَّذِي أَشْعَلَ النَّارَ يُعَوِّضُ. إِنْ أَوْدَعَ وَاحِدٌ عِنْدَ آخَرَ فِضَّةً أَوْ أَمْتِعَةً، فَسُرِقَتْ مِنْ دَارِهِ، فَإِنْ وُجِدَ السَّارِقُ يُعَوِّضُ الضِّعْفَ. وَإِنْ لَمْ يُوجَدِ السَّارِقُ، يَأْتِي صَاحِبُ الدَّارِ أَمَامَ الْقُضَاةِ، لِيَحْكُمُوا إِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي مَدَّ يَدَهُ إِلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ. كُلُّ قَضِيَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِأَمْلَاكٍ مُتَنَازَعٍ عَلَيْهَا، مِثْلِ ثَوْرٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ خَرُوفٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ شَيْءٍ مَفْقُودٍ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ: ’هَذَا لِي‘ وَالْآخَرُ: ’هَذَا لِي.‘ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، يَأْتِي الطَّرَفَانِ الْمُتَنَازِعَانِ إِلَى الْقُضَاةِ، وَمَنْ يَحْكُمُ الْقُضَاةُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُذْنِبٌ، يُعَوِّضُ الْآخَرَ الضِّعْفَ. إِنْ أَوْدَعَ وَاحِدٌ عِنْدَ آخَرَ حِمَارًا أَوْ ثَوْرًا أَوْ خَرُوفًا أَوْ أَيَّ بَهِيمَةٍ أُخْرَى، فَمَاتَتْ أَوْ أُصِيبَتْ أَوْ هَرَبَتْ مِنْهُ دُونَ أَنْ يَرَاهَا أَحَدٌ، يُسَوَّى الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُقْسِمَ ذَلِكَ الشَّخْصُ أَمَامَ اللهِ أَنَّهُ لَمْ يَمُدَّ يَدَهُ إِلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ. فَيَقْبَلُ الْآخَرُ هَذَا، وَلَا يُطَالِبُ بِتَعْوِيضٍ. وَلَكِنْ إِنْ سُرِقَتْ مِنْ عِنْدِهِ، فَيَجِبُ أَنْ يُعَوِّضَ صَاحِبَهَا. أَمَّا إِنْ كَانَتْ قَدِ افْتُرِسَتْ، فَيَجِبُ أَنْ يَأْتِيَ بِبَقَايَاهَا شَهَادَةً عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَدْفَعُ تَعْوِيضًا عَنْهَا. إِنِ اسْتَعَارَ وَاحِدٌ مِنْ آخَرَ بَهِيمَةً فَأُصِيبَتْ أَوْ مَاتَتْ فِي غِيَابِ صَاحِبِهَا، يُعَوِّضُ صَاحِبَهَا. وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا مَوْجُودًا فَلَا يُعَوِّضُهُ. وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَأْجَرَةً، فَالْأُجْرَةُ تُغَطِّي الْخَسَارَةَ. ”إِنْ أَغْرَى رَجُلٌ عَذْرَاءَ غَيْرَ مَخْطُوبَةٍ وَعَاشَرَهَا، فَإِنَّهُ يَدْفَعُ مَهْرَهَا وَيَتَزَوَّجُهَا. فَإِنْ رَفَضَ أَبُوهَا أَنْ يُعْطِيَهَا لَهُ، فَالْمُعْتَدِي يُعْطِي الْأَبَ مَهْرَ الْعَذَارَى مِنْ فِضَّةٍ. لَا تَدَعْ سَاحِرَةً تَعِيشُ. كُلُّ مَنْ عَاشَرَ بَهِيمَةً يُقْتَلُ. مَنْ قَدَّمَ ضَحَايَا لِأَيِّ إِلَهٍ غَيْرِ الْمَوْلَى وَحْدَهُ يَهْلِكُ. ”لَا تَضْطَهِدِ الْغَرِيبَ وَلَا تُضَايِقْهُ، لِأَنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي مِصْرَ. لَا تَظْلِمْ أَرْمَلَةً أَوْ يَتِيمًا. إِنْ فَعَلْتَ هَذَا، فَإِنِّي أَسْمَعُ صُرَاخَ الْأَرَامِلِ وَالْأَيْتَامِ حِينَ يَصْرُخُونَ إِلَيَّ. فَأَغْضَبُ عَلَيْكُمْ جِدًّا، وَأَقْتُلُكُمْ بِالسَّيْفِ، فَتَصِيرُ نِسَاؤُكُمْ أَرَامِلَ، وَأَوْلَادُكُمْ يَتَامَى. إِنْ أَقْرَضْتَ مَالًا لِوَاحِدٍ مِنْ فُقَرَاءِ شَعْبِيَ الَّذِينَ بَيْنَكُمْ، فَلَا تَكُنْ كَالْمُرَابِي. لَا تَفْرِضْ عَلَيْهِ رِبًا. إِنْ أَخَذْتَ ثَوْبَ شَخْصٍ كَرَهْنٍ، رُدَّهُ إِلَيْهِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْغِطَاءُ الْوَحِيدُ الَّذِي عِنْدَهُ، وَالَّذِي يُغَطِّي بِهِ جِسْمَهُ. وَإِلَّا فِي أَيِّ شَيْءٍ يَنَامُ؟ فَإِنْ صَرَخَ إِلَيَّ أَسْمَعُهُ، لِأَنِّي حَنُونٌ. ”لَا تَسُبَّ اللهَ، وَلَا تَلْعَنْ رَئِيسَ شَعْبِكَ. لَا تُؤَخِّرْ تَقْدِيمَ أَوَائِلِ مَحْصُولِكَ مِنَ الْبَيْدَرِ وَالْمَعْصَرَةِ لِي. أَعْطِنِي الْبِكْرَ مِنْ أَوْلَادِكَ. وَكَذَلِكَ الْبِكْرَ مِنْ بَقَرِكَ وَغَنَمِكَ. 7 أَيَّامٍ تُبْقِي الْبِكْرَ مَعَ أُمِّهِ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ تُقَدِّمُهُ لِي. كُونُوا شَعْبِيَ الْمُخَصَّصَ لِي. لَا تَأْكُلُوا لَحْمَ فَرِيسَةٍ مَزَّقَهَا وَحْشٌ، بَلِ ارْمُوهُ لِلْكِلَابِ. ”لَا تَنْقُلْ خَبَرًا كَاذِبًا. وَلَا تَتَعَاوَنْ مَعَ وَاحِدٍ شِرِّيرٍ لِتَكُونَ شَاهِدَ زُورٍ. لَا تَتْبَعِ الْأَغْلَبِيَّةَ إِلَى فِعْلِ الشَّرِّ. وَلَا تُحَرِّفْ شَهَادَتَكَ فِي قَضِيَّةٍ لِتَتَّفِقَ مَعَ الْأَغْلَبِيَّةِ. وَلَا تَتَحَيَّزْ مَعَ الْمِسْكِينِ فِي دَعْوَاهُ. إِذَا صَادَفْتَ ثَوْرَ عَدُوِّكَ أَوْ حِمَارَهُ شَارِدًا، فَرُدَّهُ إِلَيْهِ. وَإِذَا رَأَيْتَ حِمَارَ مَنْ يُبْغِضُكَ وَاقِعًا تَحْتَ حِمْلِهِ، فَلَا تَتْرُكْهُ وَتَمْضِي، بَلِ ارْفَعْهُ مَعَهُ. لَا تَحْرِمِ الْفَقِيرَ مِنَ الْعَدْلِ فِي دَعْوَاهُ. اِبْتَعِدْ عَنْ الِاتِّهَامِ الْبَاطِلِ. وَلَا تَحْكُمْ بِالْمَوْتِ عَلَى شَخْصٍ بَرِيءٍ أَوْ صَالِحٍ، لِأَنِّي لَا أُبْرِئُ الْمُذْنِبَ. وَلَا تَقْبَلْ رَشْوَةً، لِأَنَّ الرَّشْوَةَ تُعْمِي الْمُبْصِرِينَ وَتُعَوِّجُ كَلَامَ الصَّالِحِينَ. لَا تُضَايِقِ الْغَرِيبَ، فَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَ مَا يَشْعُرُ بِهِ الْغَرِيبُ، لِأَنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي مِصْرَ. ”6 سِنِينَ تَزْرَعُ أَرْضَكَ وَتَحْصُدُ غَلَّتَهَا. وَفِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ تُرِيحُهَا وَتَتْرُكُهَا لِيَأْكُلَ مِنْهَا فُقَرَاءُ شَعْبِكَ. وَمَا يَفْضُلُ عَنْهُمْ تَأْكُلُهُ الْوُحُوشُ. وَتَفْعَلُ نَفْسَ الشَّيْءِ بِكَرْمِكَ وَزَيْتُونِكَ. 6 أَيَّامٍ فِيهَا تَعْمَلُ عَمَلَكَ، وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ تَرْتَاحُ، لِكَيْ يَرْتَاحَ أَيْضًا ثَوْرُكَ وَحِمَارُكَ، وَيَتَنَفَّسَ عَبْدُكَ وَالْغَرِيبُ الَّذِي عِنْدَكَ. اِعْمَلُوا بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ. وَلَا تَذْكُرُوا اسْمَ آلِهَةٍ أُخْرَى، وَلَا يُسْمَعْ مِنْ فَمِكُمْ. ”عَيِّدُوا لِي 3 مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ. فَتَحْتَفِلُونَ بِعِيدِ الْفَطِيرِ، 7 أَيَّامٍ تَأْكُلُونَ خُبْزًا بِلَا خَمِيرٍ، كَمَا أَمَرْتُكُمْ، وَذَلِكَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ فِي شَهْرِ أَبِيبَ، لِأَنَّكُمْ فِيهِ خَرَجْتُمْ مِنْ مِصْرَ. لَا تَحْضُرُوا أَمَامِي وَأَيْدِيكُمْ فَارِغَةٌ. ثُمَّ عِيدُ الْحَصَادِ، فَتُقَدِّمُونَ لِي أَوَّلَ الْغَلَّةِ الَّتِي أَنْتَجَهَا الْحَقْلُ. ثُمَّ عِيدُ الْجَمْعِ، فِي نِهَايَةِ السَّنَةِ، حِينَ تَجْمَعُونَ غَلَّتَكُمْ مِنَ الْحَقْلِ. 3 مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ، يَحْضُرُ كُلُّ ذُكُورِكُمْ أَمَامِي لِيَعْبُدُونِي. لَا تُقَدِّمُوا لِي دَمَ ضَحِيَّةٍ مَعَ أَيِّ شَيْءٍ فِيهِ خَمِيرٌ. وَلَا تَحْتَفِظُوا بِشَحْمِ ضَحِيَّةِ الْعِيدِ إِلَى الْغَدِ. أَحْضِرُوا أَوَّلَ غَلَّةِ أَرْضِكُمْ إِلَى بَيْتِ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ. لَا تَطْبُخُوا جَدْيًا فِي لَبَنِ أُمِّهِ. ”اُنْظُرُوا، إِنِّي أُرْسِلُ أَمَامَكُمْ مَلَاكًا لِيَحْفَظَكُمْ فِي الطَّرِيقِ، وَيَأْتِيَ بِكُمْ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَعْدَدْتُهُ. فَانْتَبِهُوا لَهُ وَأَطِيعُوهُ وَلَا تَتَمَرَّدُوا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يَصْفَحُ عَنْ ذُنُوبِكُمْ لِأَنَّ فِيهِ قُوَّةَ اسْمِي. وَلَكِنْ إِنْ أَطَعْتُمُوهُ وَعَمِلْتُمْ بِكُلِّ كَلَامِي، أُعَادِي مَنْ يُعَادِيكُمْ وَأُضَايِقُ مَنْ يُضَايِقُكُمْ. وَيَسِيرُ مَلَاكِي أَمَامَكُمْ، وَيُدْخِلُكُمْ بِلَادَ الْأَمُورِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ فَأُبِيدُهُمْ. لَا تَسْجُدُوا لِآلِهَتِهِمْ وَلَا تَعْبُدُوهَا، وَلَا تَعْمَلُوا كَأَعْمَالِهِمْ، بَلْ أَبِيدُوهُمْ وَحَطِّمُوا تَمَاثِيلَهُمْ. اُعْبُدُوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ، فَيُبَارِكَ خُبْزَكُمْ وَمَاءَكُمْ، وَيُزِيلَ الْمَرَضَ مِنْ بَيْنِكُمْ. وَلَا تَكُونَ فِي بِلَادِكُمْ وَاحِدَةٌ تُسْقِطُ وَلَا عَاقِرٌ، وَأُمَتِّعَكُمْ بِعُمْرٍ طَوِيلٍ. ”وَأُرْسِلُ رُعْبِي أَمَامَكُمْ، وَأُزْعِجُ كُلَّ أُمَّةٍ تَقِفُ فِي وَجْهِكُمْ، وَأَجْعَلُ كُلَّ أَعْدَائِكُمْ يَهْرُبُونَ مِنْكُمْ. وَأُرْسِلُ الزَّنَابِيرَ أَمَامَكُمْ، لِتَطْرُدَ الْحِوِّيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ مِنْ أَمَامِكُمْ. لَكِنِّي لَا أَطْرُدُهُمْ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، لِئَلَّا تَصِيرَ الْأَرْضُ خَرَابًا، فَتَكْثُرَ عَلَيْكُمُ الْوُحُوشُ. إِنَّمَا أَطْرُدُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ بِالتَّدْرِيجِ، إِلَى أَنْ تَكْثُرُوا وَتَمْلِكُوا الْأَرْضَ. ”وَأَجْعَلُ حُدُودَكُمْ تَمْتَدُّ مِنَ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ إِلَى الْبَحْرِ الْمُتَوَسِّطِ، وَمِنَ الصَّحْرَاءِ إِلَى نَهْرِ الْفُرَاتِ، وَأُسَلِّمُ لَكُمْ سُكَّانَ الْبِلَادِ، فَتَطْرُدُونَهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ. لَا تَعْمَلُوا مَعَهُمْ عَهْدًا وَلَا مَعَ آلِهَتِهِمْ. لَا يَسْكُنُوا فِي أَرْضِكُمْ لِئَلَّا يَجْعَلُوكُمْ تُخْطِئُونَ إِلَيَّ، لِأَنَّكُمْ إِنْ عَبَدْتُمْ آلِهَتَهُمْ، يَكُونُ ذَلِكَ فَخًّا لَكُمْ.“ ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”اِصْعَدْ إِلَيَّ أَنْتَ وَهَارُونُ وَنَادَابُ وَأَبِيهُو وَ70 مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ، وَاسْجُدُوا مِنْ بَعِيدٍ. ثُمَّ يَقْتَرِبُ إِلَيَّ مُوسَى وَحْدَهُ، وَالْآخَرُونَ لَا يَقْتَرِبُونَ. وَأَمَّا الشَّعْبُ فَلَا يَصْعَدْ مَعَكَ.“ فَجَاءَ مُوسَى وَأَخْبَرَ الشَّعْبَ بِكُلِّ كَلَامِ اللهِ وَأَحْكَامِهِ. فَأَجَابَ الشَّعْبُ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ، وَقَالُوا: ”كُلُّ مَا قَالَهُ اللهُ نَعْمَلُ بِهِ.“ فَكَتَبَ مُوسَى كُلَّ مَا قَالَهُ اللهُ. ثُمَّ قَامَ فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، وَبَنَى مَنَصَّةَ قُرْبَانٍ عِنْدَ سَفْحِ الْجَبَلِ وَأَقَامَ 12 عَمُودًا عَلَى عَدَدِ قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الِـ12. وَأَرْسَلَ شُبَّانًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَدَّمُوا قَرَابِينَ، وَذَبَحُوا ضَحَايَا صُحْبَةٍ مِنَ الثِّيرَانِ للهِ. فَأَخَذَ مُوسَى نِصْفَ الدَّمِ وَوَضَعَهُ فِي أَوْعِيَةٍ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ رَشَّهُ عَلَى الْمَنَصَّةِ. ثُمَّ أَخَذَ كِتَابَ الْعَهْدِ وَقَرَأَهُ عَلَى مَسَامِعِ الشَّعْبِ، فَقَالُوا: ”كُلُّ مَا قَالَهُ اللهُ نَعْمَلُهُ وَنُطِيعُهُ.“ وَأَخَذَ مُوسَى الدَّمَ وَرَشَّهُ عَلَى الشَّعْبِ وَقَالَ: ”هَذَا هُوَ دَمُ الْعَهْدِ الَّذِي عَمِلَهُ اللهُ مَعَكُمْ عَلَى كُلِّ هَذَا الْكَلَامِ.“ ثُمَّ صَعِدَ مُوسَى وَهَارُونُ وَنَادَابُ وَأَبِيهُو وَ70 مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ، وَرَأَوْا رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَتَحْتَ قَدَمَيْهِ مَا يُشْبِهُ أَرْضِيَّةً مِنَ الْيَاقُوتِ الْأَزْرَقِ الشَّفَافِ، كَأَنَّهَا السَّمَاءُ فِي نَقَائِهَا. وَلَكِنَّهُ لَمْ يَمُدَّ يَدَهُ لِيُهْلِكَ قَادَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَرَأَوْا اللهَ ثُمَّ أَكَلُوا وَشَرِبُوا. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”اِصْعَدِ الْجَبَلَ إِلَيَّ، وَانْتَظِرْ هُنَاكَ فَأُعْطِيَكَ لَوْحَيْنِ مِنَ الْحَجَرِ وَعَلَيْهِمَا الشَّرِيعَةُ وَالْوَصَايَا الَّتِي كَتَبْتُهَا لِتَعْلِيمِهِمْ.“ فَقَامَ مُوسَى وَأَخَذَ مَعَهُ يَشُوعَ مُسَاعِدَهُ وَصَعِدَ إِلَى جَبَلِ اللهِ. وَقَالَ لِلشُّيُوخِ: ”اِنْتَظِرُونَا هُنَا حَتَّى نَرْجِعَ إِلَيْكُمْ. هَارُونُ وَحُورُ مَعَكُمْ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ دَعْوَى يَذْهَبُ إِلَيْهِمَا.“ فَصَعِدَ مُوسَى إِلَى الْجَبَلِ، فَغَطَّى السَّحَابُ الْجَبَلَ. وَحَلَّ جَلَالُ اللهِ عَلَى جَبَلِ سِينَاءَ. وَغَطَّى السَّحَابُ الْجَبَلَ 6 أَيَّامٍ، وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ، نَادَى اللهُ مُوسَى مِنْ وَسَطِ السَّحَابِ. وَكَانَ مَنْظَرُ جَلَالِ اللهِ كَنَارٍ آكِلَةٍ عَلَى قِمَّةِ الْجَبَلِ، أَمَامَ عُيُونِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَدَخَلَ مُوسَى فِي وَسَطِ السَّحَابِ وَهُوَ يَصْعَدُ الْجَبَلَ. وَأَقَامَ فِي الْجَبَلِ 40 نَهَارًا وَ40 لَيْلَةً. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُقَدِّمُوا لِي هَدِيَّةً، كُلُّ وَاحِدٍ وَمَا يَجُودُ بِهِ قَلْبُهُ. وَهَذِهِ هِيَ الْهَدَايَا الَّتِي تَقْبَلُونَهَا مِنْهُمْ: ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَنُحَاسٌ، وَقُمَاشٌ أَزْرَقُ وَبَنَفْسَجِيٌّ وَأَحْمَرُ، وَكَتَّانٌ وَشَعْرُ مَعْزٍ. وَجُلُودُ كِبَاشٍ مَصْبُوغَةٌ بِاللَّوْنِ الْأَحْمَرِ، وَجُلُودُ دُلْفِينٍ وَخَشَبُ سَنْطٍ، وَزَيْتٌ لِلْإِنَارَةِ، وَأَطْيَابٌ لِزَيْتِ الْمَسْحَةِ وَلِلْبَخُورِ الْعَطِرِ، وَحِجَارَةُ جَزْعٍ وَحِجَارَةٌ كَرِيمَةٌ أُخْرَى لِتَرْصِيعِ رِدَاءِ الْحَبْرِ وَصُدْرَتِهِ. فَيَصْنَعُونَ لِي مَسْكَنًا مُقَدَّسًا لِأُقِيمَ بَيْنَهُمْ. وَاصْنَعُوا هَذِهِ الْخَيْمَةَ وَكُلَّ أَثَاثِهَا حَسَبَ الْمِثَالِ الَّذِي أُرِيهِ لَكَ. ”يَصْنَعُونَ صُنْدُوقًا مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ طُولُهُ مِتْرٌ وَعَشَرَةُ سَنْتِيمِتْرَاتٍ، وَعَرْضُهُ 70 سَنْتِيمِتْرًا، وَارْتِفَاعُهُ 70 سَنْتِيمِتْرًا. وَتُغَشِّيهِ بِذَهَبٍ نَقِيٍّ مِنَ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ. وَتَصْنَعُ لَهُ إِطَارًا مِنَ الذَّهَبِ يُحِيطُ بِهِ. وَتَسْبِكُ لَهُ 4 حَلَقَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ تُثَبِّتُهَا عَلَى قَوَائِمِهِ الْـ4، حَلَقَتَيْنِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. وَتَصْنَعُ عَصَوَيْنِ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ وَتُغَشِّيهِمَا بِالذَّهَبِ. ثُمَّ تُدْخِلُهُمَا فِي الْحَلَقَاتِ الَّتِي عَلَى جَانِبَيِ الصُّنْدُوقِ لِيُحْمَلَ بِهِمَا. وَتَبْقَى الْعَصَوَانِ فِي الْحَلَقَاتِ، لَا تُنْزَعَانِ مِنْهَا. وَتَضَعُ فِي الصُّنْدُوقِ كَلِمَاتِ الْعَهْدِ الَّتِي أُعْطِيهَا لَكَ. ”وَتَصْنَعُ غِطَاءً لِلصُّنْدُوقِ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ، طُولُهُ مِتْرٌ وَعَشَرَةُ سَنْتِيمِتْرَاتٍ، وَعَرْضُهُ 70 سَنْتِيمِتْرًا. وَتَصْنَعُ عَلَى طَرَفَيِ الْغِطَاءِ مَلَاكَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ مَطْرُوقٍ. فَيَكُونُ عَلَى كُلِّ طَرَفٍ مَلَاكٌ، أَيْ وَاحِدٌ مِنْ هُنَا وَالْآخَرُ مِنْ هُنَاكَ، كَجُزْءٍ مِنَ الْغِطَاءِ. وَيَكُونُ الْمَلَاكَانِ بَاسِطَيْنِ أَجْنِحَتَهُمَا إِلَى فَوْقُ، يُظَلِّلَانِ بِهِمَا الْغِطَاءَ، وَوَجْهُ الْوَاحِدِ إِلَى الْآخَرِ وَإِلَى الْغِطَاءِ. وَتَضَعُ الْغِطَاءَ فَوْقَ الصُّنْدُوقِ، أَمَّا فِي دَاخِلِ الصُّنْدُوقِ فَتَضَعُ كَلِمَاتِ الْعَهْدِ الَّتِي أُعْطِيهَا لَكَ. فَهُنَاكَ فَوْقَ الْغِطَاءِ، بَيْنَ الْمَلَاكَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَى صُنْدُوقِ الْعَهْدِ، أَتَقَابَلُ مَعَكَ وَأُكَلِّمُكَ بِكُلِّ وَصَايَايَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. ”وَتَصْنَعُ مَائِدَةً مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ طُولُهَا 90 سَنْتِيمِتْرًا، وَعَرْضُهَا 50 سَنْتِيمِتْرًا، وَارْتِفَاعُهَا 70 سَنْتِيمِتْرًا. وَتُغَشِّيهَا بِذَهَبٍ نَقِيٍّ، وَتَصْنَعُ لَهَا إِطَارًا مِنَ الذَّهَبِ يُحِيطُ بِهَا. وَتَصْنَعُ لَهَا حَافَّةً حَوْلَهَا عَرْضُهَا شِبْرٌ، وَتَصْنَعُ لِلْحَافَّةِ إِطَارًا مِنَ الذَّهَبِ يُحِيطُ بِهَا. وَتَصْنَعُ لِلْمَائِدَةِ 4 حَلَقَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ تُثَبِّتُهَا عَلَى زَوَايَاهَا الْـ4 حَيْثُ تُوجَدُ قَوَائِمُهَا. وَتَكُونُ الْحَلَقَاتُ قَرِيبَةً مِنَ الْحَافَّةِ، وَبِذَلِكَ يُمْكِنُ إِدْخَالُ عَصَوَيْنِ فِيهَا لِحَمْلِ الْمَائِدَةِ. وَتَصْنَعُ الْعَصَوَيْنِ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ وَتُغَشِّيهِمَا بِالذَّهَبِ، لِتُحْمَلَ بِهِمَا الْمَائِدَةُ. وَتَصْنَعُ أَطْبَاقَ الْمَائِدَةِ وَصُحُونَهَا مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ، وَكَذَلِكَ كُؤُوسَهَا وَأَوْعِيَتَهَا الَّتِي تُسْكَبُ بِهَا الْقَرَابِينُ. وَتَضَعُ عَلَى هَذِهِ الْمَائِدَةِ الْخُبْزَ الْمُقَدَّسَ فِي مَحْضَرِ اللهِ، لِيَكُونَ أَمَامِي دَائِمًا. ”وَتَصْنَعُ مَنَارَةً مَطْرُوقَةً مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ، هِيَ وَقَاعِدَتَهَا وَسَاقَهَا. فَتَكُونُ هِيَ وَكَاسَاتُهَا وَبَرَاعِمُهَا وَأَوْرَاقُهَا قِطْعَةً وَاحِدَةً. وَيَتَفَرَّعُ مِنْ جَانِبَيْهَا 6 شُعَبٍ، 3 شُعَبٍ مِنْ جَانِبٍ، وَ3 شُعَبٍ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ. وَيَكُونُ لِكُلِّ شُعْبَةٍ مِنَ الشُّعَبِ الـ6، 3 كَاسَاتٍ عَلَى شَكْلِ زَهْرَةِ اللَّوْزِ بِبَرَاعِمَ وَأَوْرَاقٍ. وَفِي سَاقِ الْمَنَارَةِ نَفْسِهَا، 4 كَاسَاتٍ عَلَى شَكْلِ زَهْرَةِ اللَّوْزِ بِبَرَاعِمَ وَأَوْرَاقٍ. فَيَكُونُ بُرْعُمٌ تَحْتَ كُلِّ شُعْبَتَيْنِ مِنَ الشُّعَبِ الـ6 الْمُتَفَرِّعَةِ مِنَ الْمَنَارَةِ. وَتَكُونُ الْبَرَاعِمُ وَالشُّعَبُ كُلُّهَا قِطْعَةً وَاحِدَةً مَطْرُوقَةً مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ. ”ثُمَّ تَصْنَعُ 7 مَصَابِيحَ لِلْمَنَارَةِ، وَتَضَعُهَا عَلَيْهَا بِحَيْثُ تُضِيءُ الْمَكَانَ الَّذِي أَمَامَهَا. وَتَصْنَعُ طَفَّايَاتِهَا وَمَنَافِضَهَا مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ. وَتَكُونُ كَمِّيَّةُ الذَّهَبِ النَّقِيِّ الَّتِي تَسْتَخْدِمُهَا لِصُنْعِ الْمَنَارَةِ وَكُلِّ أَدَوَاتِهَا 34 كِيلُوجْرَامًا. اِنْتَبِهْ! يَجِبُ أَنْ تَعْمَلَ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ الْمِثَالِ الَّذِي أَرَيْتُهُ لَكَ عَلَى الْجَبَلِ. ”وَتَصْنَعُ الْخَيْمَةَ مِنْ 10 قِطَعٍ مِنْ كَتَّانٍ مَبْرُومٍ وَقُمَاشٍ أَزْرَقَ وَبَنَفْسَجِيٍّ وَأَحْمَرَ، وَعَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ، صَنْعَةَ خَيَّاطٍ مَاهِرٍ. وَتَكُونُ كُلُّ الْقِطَعِ قِيَاسًا وَاحِدًا، طُولُ الْوَاحِدَةِ اثْنَا عَشَرَ مِتْرًا وَنِصْفٌ، وَعَرْضُهَا مِتْرٌ وَثَمَانُونَ سَنْتِيمِتْرًا. وَتُوصِلُ 5 قِطَعٍ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ، وَكَذَلِكَ الْـ5 الْأُخْرَى. وَتَصْنَعُ عُرًى مِنْ قُمَاشٍ أَزْرَقَ عَلَى حَاشِيَةِ الْقِطْعَةِ الطَّرَفِيَّةِ مِنْ كُلِّ مَجْمُوعَةٍ مُوَصَّلَةٍ بِبَعْضِهَا. فَتَصْنَعُ 50 عُرْوَةً فِي طَرَفِ الْمَجْمُوعَةِ الْأُولَى مِنَ الْقِطَعِ، وَ50 عُرْوَةً فِي طَرَفِ الْمَجْمُوعَةِ الثَّانِيَةِ. وَتَكُونُ الْعُرَى مُتَقَابِلَةً. وَتَصْنَعُ 50 مَشْبَكًا مِنَ الذَّهَبِ وَتَضُمُّ بِهَا الْمَجْمُوعَتَيْنِ مَعًا، فَتَصِيرَانِ خَيْمَةً وَاحِدَةً. ”وَتَصْنَعُ غِطَاءً فَوْقَ الْخَيْمَةِ، مِنْ 11 قِطْعَةً مَنْسُوجَةً مِنْ شَعْرِ الْمَعْزِ. وَتَكُونُ كُلُّ الْقِطَعِ قِيَاسًا وَاحِدًا، طُولُ الْوَاحِدَةِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِتْرًا وَنِصْفٌ، وَعَرْضُهَا مِتْرٌ وَثَمَانُونَ سَنْتِيمِتْرًا. وَتُوصِلُ 5 قِطَعٍ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ، ثُمَّ الـ6 الْأُخْرَى بَعْضَهَا بِبَعْضٍ. وَتَثْنِي الْقِطْعَةَ السَّادِسَةَ فَوْقَ وَاجِهَةِ الْخَيْمَةِ. وَتَصْنَعُ 50 عُرْوَةً عَلَى حَاشِيَةِ الْقِطْعَةِ الطَّرَفِيَّةِ مِنْ كُلٍّ مِنَ الْمَجْمُوعَتَيْنِ. وَتَصْنَعُ 50 مَشْبَكًا مِنْ نُحَاسٍ، وَتُدْخِلُهَا فِي الْعُرَى، وَتَضُمُّ الْغِطَاءَ مَعًا فَيَصِيرُ وَاحِدًا. وَالزَّائِدُ فِي طُولِ الْغِطَاءِ تُدَلِّيهِ فِي مُؤَخَّرِ الْخَيْمَةِ. وَالزَّائِدُ فِي عَرْضِ الْغِطَاءِ تُدَلِّيهِ عَلَى جَانِبَيِ الْخَيْمَةِ، نِصْفُ مِتْرٍ مِنْ هُنَا وَنِصْفُ مِتْرٍ مِنْ هُنَاكَ. وَتَصْنَعُ غِطَاءً آخَرَ فَوْقَ هَذَا مِنْ جُلُودِ كِبَاشٍ مَصْبُوغَةٍ بِاللَّوْنِ الْأَحْمَرِ، وَغِطَاءً ثَالِثًا فَوْقَهُ مِنْ جُلُودِ الدُّلْفِينِ. ”أَمَّا جِدَارُ الْخَيْمَةِ فَتَصْنَعُهُ مِنْ أَلْوَاحٍ قَائِمَةٍ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ. طُولُ الْوَاحِدِ مِنْهَا أَرْبَعَةُ أَمْتَارٍ وَنِصْفٌ، وَعَرْضُهُ 70 سَنْتِيمِتْرًا. وَلِكُلِّ لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ الْخَيْمَةِ تَصْنَعُ رِجْلَيْنِ مُتَّصِلَتَيْنِ الْوَاحِدَةَ بِالْأُخْرَى. فَتَصْنَعُ 20 لَوْحًا لِلْجَانِبِ الْجَنُوبِيِّ مِنَ الْخَيْمَةِ. وَتَصْنَعُ 40 قَاعِدَةً مِنْ فِضَّةٍ تَحْتَ الْـ20 لَوْحًا. لِكُلِّ لَوْحٍ قَاعِدَتَانِ تَحْتَ رِجْلَيْهِ. وَتَصْنَعُ 20 لَوْحًا لِلْجَانِبِ الْآخَرِ، مِنْ جِهَةِ الشَّمَالِ، وَ40 قَاعِدَةً لَهَا مِنْ فِضَّةٍ، أَيْ قَاعِدَتَيْنِ تَحْتَ كُلِّ لَوْحٍ. وَتَصْنَعُ 6 أَلْوَاحٍ لِمُؤَخَّرِ الْخَيْمَةِ، مِنْ جِهَةِ الْغَرْبِ. وَتَصْنَعُ لَوْحَيْنِ لِلزَّاوِيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي الْمُؤَخَّرِ. وَيَتَكَوَّنُ كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ اللَّوْحَيْنِ مِنْ لَوْحَيْنِ مُتَّصِلَيْنِ مِنْ تَحْتُ إِلَى فَوْقُ، وَتُثَبِّتُ حَلَقَةً فِي الْقِمَّةِ. يَكُونُ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلزَّاوِيَتَيْنِ الْخَلْفِيَّتَيْنِ. بِذَلِكَ يَكُونُ هُنَاكَ 8 أَلْوَاحٍ لَهَا 16 قَاعِدَةً مِنْ فِضَّةٍ، تَحْتَ كُلِّ لَوْحٍ قَاعِدَتَانِ. ”وَتَصْنَعُ عَوَارِضَ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ، 5 لِأَلْوَاحِ الْجَانِبِ الْجَنُوبِيِّ، وَ5 لِأَلْوَاحِ الْجَانِبِ الشَّمَالِيِّ، ثُمَّ 5 لِأَلْوَاحِ الْمُؤَخَّرِ أَيِ الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ. وَالْعَارِضَةُ الْوُسْطَى فِي مُنْتَصَفِ الْأَلْوَاحِ مِنَ الطَّرَفِ إِلَى الطَّرَفِ. وَتُغَشِّي الْأَلْوَاحَ بِذَهَبٍ. وَتَصْنَعُ لَهَا حَلَقَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ، لِتَدْخُلَ فِيهَا الْعَوَارِضُ. وَتُغَشِّي الْعَوَارِضَ بِذَهَبٍ. وَتُقِيمُ الْخَيْمَةَ حَسَبَ الشَّكْلِ الَّذِي أَرَيْتُهُ لَكَ عَلَى الْجَبَلِ. ”وَتَصْنَعُ سِتَارَةً مِنْ قُمَاشٍ أَزْرَقَ وَبَنَفْسَجِيٍّ وَأَحْمَرَ وَكَتَّانٍ مَبْرُومٍ، وَعَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ، صَنْعَةَ خَيَّاطٍ مَاهِرٍ. وَتُعَلِّقُهَا عَلَى خَطَاطِيفَ مِنْ ذَهَبٍ، مُثَبَّتَةٍ فِي 4 أَعْمِدَةٍ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ وَمُغَشَّاةٍ بِذَهَبٍ، وَلَهَا 4 قَوَاعِدَ مِنْ فِضَّةٍ. فَتُعَلِّقُ السِّتَارَةَ هُنَاكَ بِمَشَابِكَ. ثُمَّ تَضَعُ صُنْدُوقَ الْعَهْدِ وَرَاءَ السِّتَارَةِ. وَبِذَلِكَ تَفْصِلُ السِّتَارَةُ بَيْنَ الْمَقْدِسِ وَالْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ. وَتَضَعُ الْغِطَاءَ فَوْقَ صُنْدُوقِ الْعَهْدِ فِي الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ. ثُمَّ خَارِجَ السِّتَارَةِ تَضَعُ الْمَائِدَةَ فِي الْجَانِبِ الشَّمَالِيِّ مِنَ الْخَيْمَةِ، وَالْمَنَارَةَ مُقَابِلَهَا فِي الْجَانِبِ الْجَنُوبِيِّ. ”وَتَصْنَعُ سِتَارَةً لِمَدْخَلِ الْخَيْمَةِ مِنْ قُمَاشٍ أَزْرَقَ وَبَنَفْسَجِيٍّ وَأَحْمَرَ وَكَتَّانٍ مَبْرُومٍ، صَنْعَةَ طَرَّازٍ. وَتَصْنَعُ لِهَذِهِ السِّتَارَةِ خَطَاطِيفَ مِنْ ذَهَبٍ، وَ5 أَعْمِدَةٍ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ وَتُغَشِّيهَا بِذَهَبٍ، وَتَسْبِكُ لَهَا 5 قَوَاعِدَ مِنْ نُحَاسٍ. ”وَتَصْنَعُ مَنَصَّةَ الْقُرْبَانِ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ مُرَبَّعَةً، طُولُهَا مِتْرَانِ وَثَلَاثُونَ سَنْتِيمِتْرًا، وَعَرْضُهَا مِتْرَانِ وَثَلَاثُونَ سَنْتِيمِتْرًا، وَارْتِفَاعُهَا مِتْرٌ وَثَلَاثُونَ سَنْتِيمِتْرًا. وَتَصْنَعُ لَهَا قَرْنًا عَلَى كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا الْـ4. وَتَكُونُ الْمَنَصَّةُ وَالْقُرُونُ قِطْعَةً وَاحِدَةً. ثُمَّ تُغَشِّيهَا بِنُحَاسٍ. وَتَصْنَعُ كُلَّ أَدَوَاتِهَا مِنْ نُحَاسٍ، الْأَوْعِيَةَ الَّتِي يُرْفَعُ فِيهَا الرَّمَادُ، وَالْمَجَارِفَ وَكُؤُوسَ رَشِّ الدَّمِ وَمَنَاشِلَ اللَّحْمِ وَالْمَجَامِرَ. وَتَصْنَعُ لِلْمَنَصَّةِ شَبَكَةً مِنْ نُحَاسٍ لَهَا 4 حَلَقَاتٍ مِنْ نُحَاسٍ فِي أَطْرَافِهَا الْـ4. وَتَضَعُ الشَّبَكَةَ تَحْتَ حَافَّةِ الْمَنَصَّةِ مِنْ أَسْفَلُ، بِحَيْثُ تَرْتَفِعُ إِلَى نِصْفِهَا. وَتَصْنَعُ عَصَوَيْنِ لِلْمَنَصَّةِ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ وَتُغَشِّيهِمَا بِنُحَاسٍ. وَتُدْخِلُ الْعَصَوَيْنِ فِي الْحَلَقَاتِ الَّتِي عَلَى جَانِبَيِ الْمَنَصَّةِ لِتُحْمَلَ بِهِمَا. وَتَكُونُ الْمَنَصَّةُ مُجَوَّفَةً، وَتَصْنَعُهَا مِنْ أَلْوَاحٍ، حَسَبَ مَا أَرَيْتُكَ عَلَى الْجَبَلِ. ”وَتَصْنَعُ سَاحَةً لِلْخَيْمَةِ. فَيَكُونُ طُولُ الْجَانِبِ الْجَنُوبِيِّ 46 مِتْرًا، وَلَهُ سَتَائِرُ مِنْ كَتَّانٍ مَبْرُومٍ، وَ20 عَمُودًا، وَ20 قَاعِدَةً مِنْ نُحَاسٍ، وَخَطَاطِيفُ وَقُضْبَانُ الْأَعْمِدَةِ مِنْ فِضَّةٍ. وَيَكُونُ الْجَانِبُ الشَّمَالِيُّ أَيْضًا 46 مِتْرًا، وَلَهُ سَتَائِرُ، وَ20 عَمُودًا، وَ20 قَاعِدَةً مِنْ نُحَاسٍ، وَخَطَاطِيفُ وَقُضْبَانُ الْأَعْمِدَةِ مِنْ فِضَّةٍ. أَمَّا الْجَانِبُ الْغَرْبِيُّ مِنَ السَّاحَةِ فَيَكُونُ طُولُهُ 23 مِتْرًا، وَلَهُ سَتَائِرُ وَ10 أَعْمِدَةٍ وَ10 قَوَاعِدَ. وَالْجَانِبُ الشَّرْقِيُّ الَّذِي هُوَ نَاحِيَةُ شُرُوقِ الشَّمْسِ، يَكُونُ طُولُهُ 23 مِتْرًا أَيْضًا. وَعَلَى جَانِبِ الْمَدْخَلِ مِنْ هُنَا، سَتَائِرُ طُولُهَا 7 أَمْتَارٍ، وَ3 أَعْمِدَةٍ، وَ3 قَوَاعِدَ. وَعَلَى جَانِبِ الْمَدْخَلِ مِنْ هُنَاكَ، سَتَائِرُ طُولُهَا 7 أَمْتَارٍ، وَ3 أَعْمِدَةٍ، وَ3 قَوَاعِدَ. ”أَمَّا مَدْخَلُ السَّاحَةِ فَتَضَعُ عَلَيْهِ سِتَارَةً طُولُهَا 9 أَمْتَارٍ مِنْ قُمَاشٍ أَزْرَقَ وَبَنَفْسَجِيٍّ وَأَحْمَرَ وَكَتَّانٍ مَبْرُومٍ، صَنْعَةَ طَرَّازٍ، وَلَهُ 4 أَعْمِدَةٍ وَ4 قَوَاعِدَ. كُلُّ الْأَعْمِدَةِ الَّتِي حَوْلَ السَّاحَةِ يَكُونُ لَهَا قُضْبَانٌ وَخَطَاطِيفُ مِنْ فِضَّةٍ، وَقَوَاعِدُ مِنْ نُحَاسٍ. فَيَكُونُ طُولُ السَّاحَةِ 46 مِتْرًا، وَعَرْضُهَا 23 مِتْرًا، وَارْتِفَاعُهَا مِتْرَيْنِ وَثَلَاثِينَ سَنْتِيمِتْرًا، وَسَتَائِرُهَا مِنْ كَتَّانٍ مَبْرُومٍ، وَقَوَاعِدُهَا مِنْ نُحَاسٍ. وَكُلُّ الْآنِيَةِ الْأُخْرَى الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي خِدْمَةِ الْخَيْمَةِ، وَكُلُّ أَوْتَادِ الْخَيْمَةِ وَأَوْتَادِ السَّاحَةِ، تَكُونُ مِنْ نُحَاسٍ. ”وَتَأْمُرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُحْضِرُوا لَكَ زَيْتَ زَيْتُونٍ مَعْصُورٍ نَقِيًّا، لِلْإِنَارَةِ لِكَيْ تَكُونَ الْمَصَابِيحُ مُشْتَعِلَةً دَائِمًا. هَارُونُ وَبَنُوهُ يَحْفَظُونَهَا مُشْتَعِلَةً أَمَامَ اللهِ، فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ خَارِجَ السِّتَارَةِ الَّتِي أَمَامَ صُنْدُوقِ الْعَهْدِ، وَذَلِكَ مِنَ الْمَسَاءِ إِلَى الصَّبَاحِ. هَذِهِ فَرِيضَةٌ تَدُومُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. ”وَخُذْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ هَارُونَ أَخَاكَ وَبَنِيهِ نَادَابَ وَأَبِيهُو وَأَلِعَازَارَ وَإِيتَامَارَ، لِيَكُونُوا أَحْبَارًا لِي. وَاصْنَعْ لِهَارُونَ أَخِيكَ ثِيَابًا طَاهِرَةً تُعْطِيهِ كَرَامَةً وَجَلَالًا. وَقُلْ لِكُلِّ الْعُمَّالِ الْمَهَرَةِ الَّذِينَ أَعْطَيْتُهُمْ مَهَارَةً فِي هَذِهِ الْأُمُورِ، أَنْ يَصْنَعُوا ثِيَابًا لِهَارُونَ لِتَكْرِيسِهِ لِيَكُونَ حَبْرًا لِي. فَهَذِهِ هِيَ الثِّيَابُ الَّتِي يَصْنَعُونَهَا: صُدْرَةٌ وَرِدَاءٌ وَجُبَّةٌ وَقَمِيصٌ مُطَرَّزٌ وَعِمَامَةٌ وَحِزَامٌ. فَيَصْنَعُونَ ثِيَابًا طَاهِرَةً لِهَارُونَ أَخِيكَ وَلِبَنِيهِ لِيَكُونُوا أَحْبَارًا لِي. وَيَسْتَعْمِلُونَ فِي صُنْعِهَا ذَهَبًا وَقُمَاشًا أَزْرَقَ وَبَنَفْسَجِيًّا وَأَحْمَرَ وَكَتَّانًا. ”يَصْنَعُونَ الرِّدَاءَ مِنْ ذَهَبٍ وَقُمَاشٍ أَزْرَقَ وَبَنَفْسَجِيٍّ وَأَحْمَرَ وَكَتَّانٍ مَبْرُومٍ، صَنْعَةَ خَيَّاطٍ مَاهِرٍ. وَيَكُونُ لَهُ كَتِفَانِ مُتَّصِلَانِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ لِيُثَبَّتَ بِهِمَا. وَالْحِزَامُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ يَكُونُ جُزْءًا مِنْهُ، وَيُصْنَعُ هُوَ أَيْضًا مِنْ ذَهَبٍ وَقُمَاشٍ أَزْرَقَ وَبَنَفْسَجِيٍّ وَأَحْمَرَ وَكَتَّانٍ مَبْرُومٍ. ثُمَّ خُذْ حَجَرَيْ جَزْعٍ، وَانْقُشْ عَلَيْهِمَا أَسْمَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الِـ12، حَسَبَ تَرْتِيبِ مِيلَادِهِمْ. تَكْتُبُ 6 أَسْمَاءٍ عَلَى حَجَرٍ، وَالـ6 الْبَاقِيَةَ عَلَى الْحَجَرِ الْآخَرِ. تَنْقُشُ أَسْمَاءَهُمْ عَلَى الْحَجَرَيْنِ حَسَبَ صَنْعَةِ الصَّائِغِ نَقَّاشِ الْخَوَاتِمِ. ثُمَّ ثَبِّتِ الْحَجَرَيْنِ فِي طَوْقَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، وَضَعْهُمَا عَلَى كَتِفَيِ الرِّدَاءِ، لِيَكُونَا حَجَرَيْ تَذْكَارٍ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. فَيَحْمِلُ هَارُونُ أَسْمَاءَهُمْ عَلَى كَتِفَيْهِ تَذْكَارًا أَمَامَ اللهِ. وَتَصْنَعُ طَوْقَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ. وَسِلْسِلَتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ مَجْدُولَتَيْنِ كَالْحَبْلِ، وَتُعَلِّقُهُمَا بِالطَّوْقَيْنِ. ”وَتَصْنَعُ صُدْرَةَ الْقَرَارِ كَالرِّدَاءِ، مِنْ ذَهَبٍ وَقُمَاشٍ أَزْرَقَ وَبَنَفْسَجِيٍّ وَأَحْمَرَ وَكَتَّانٍ مَبْرُومٍ، صَنْعَةَ خَيَّاطٍ مَاهِرٍ. وَتَكُونُ مُرَبَّعَةً، طُولُهَا شِبْرٌ وَعَرْضُهَا شِبْرٌ، وَمَثْنِيَّةً إِلَى طَبَقَتَيْنِ. وَتُرَصِّعُ فِيهَا 4 صُفُوفٍ مِنَ الْحِجَارَةِ الْكَرِيمَةِ. الصَّفُّ الْأَوَّلُ: عَقِيقٌ أَحْمَرُ وَيَاقُوتٌ أَصْفَرُ وَزُمُرُّدٌ. وَالصَّفُّ الثَّانِي: بَهْرَمَانٌ وَيَاقُوتٌ أَزْرَقُ وَعَقِيقٌ أَبْيَضُ. وَالصَّفُّ الثَّالِثُ: فَيْرُوزٌ وَيَاقُوتٌ أَحْمَرُ وَجَمَشْتٌ. وَالصَّفُّ الرَّابِعُ: زَبَرْجَدٌ وَجَزْعٌ وَالْمَاسٌ. وَتَكُونُ هَذِهِ الْحِجَارَةُ مُرَصَّعَةً فِي أَطْوَاقٍ مِنْ ذَهَبٍ. وَهِيَ بِعَدَدِ قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الِـ12، فَتَنْقُشُ اسْمَ كُلِّ وَاحِدَةٍ عَلَى حَجَرٍ كَنَقْشِ الْخَاتِمِ. ”وَتَصْنَعُ لِلصُّدْرَةِ سَلَاسِلَ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ مَجْدُولَةً كَالْحَبْلِ. وَتَصْنَعُ أَيْضًا حَلَقَتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ وَتُثَبِّتُهُمَا فِي طَرَفَيِ الصُّدْرَةِ مِنْ فَوْقُ. وَتُدْخِلُ سِلْسِلَتَيِ الذَّهَبِ مِنْ طَرَفٍ فِي حَلَقَتَيِ الصُّدْرَةِ، وَمِنَ الطَّرَفِ الْآخَرِ فِي الطَّوْقَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَى كَتِفَيِ الرِّدَاءِ، مِنَ الْأَمَامِ. ثُمَّ تَصْنَعُ حَلَقَتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ لِطَرَفَيِ الصُّدْرَةِ مِنْ تَحْتُ، وَتَضَعُهُمَا مِنَ الدَّاخِلِ أَيْ مِنْ نَاحِيَةِ الرِّدَاءِ. ثُمَّ تَصْنَعُ أَيْضًا حَلَقَتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، وَتَضَعُهُمَا فِي كَتِفَيِ الرِّدَاءِ مِنْ تَحْتُ وَمِنَ الْأَمَامِ بِالْقُرْبِ مِنْ حِزَامِ الرِّدَاءِ. وَتَرْبِطُ حَلَقَتَيِ الصُّدْرَةِ بِحَلَقَتَيِ الرِّدَاءِ بِشَرِيطٍ أَزْرَقَ، فَتَكُونُ الصُّدْرَةُ فَوْقَ الْحِزَامِ، وَلَا تَتَأَرْجَحُ عَنِ الرِّدَاءِ. ”وَبِذَلِكَ عِنْدَمَا يَدْخُلُ هَارُونُ إِلَى الْمَقْدِسِ، يَحْمِلُ أَسْمَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى قَلْبِهِ فِي الصُّدْرَةِ، تَذْكَارًا دَائِمًا أَمَامَ اللهِ. وَتَضَعُ النُّورَ وَالْأَمَانَ فِي الصُّدْرَةِ، فَيَكُونَا عَلَى قَلْبِ هَارُونَ عِنْدَمَا يَدْخُلُ إِلَى مَحْضَرِ اللهِ. وَبِذَلِكَ يَحْمِلُ هَارُونُ دَائِمًا عَلَى قَلْبِهِ أَمَامَ اللهِ، هَذِهِ الْوَسِيلَةَ لِعَمَلِ الْقَرَارَاتِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. ”وَتَصْنَعُ جُبَّةَ الرِّدَاءِ كُلَّهَا مِنْ قُمَاشٍ أَزْرَقَ. وَيَكُونُ فِي وَسَطِهَا فَتْحَةٌ لِلرَّأْسِ، تُحِيطُ بِهَا يَاقَةٌ مُقَوَّاةٌ بِالْخِيَاطَةِ، فَلَا تَتَمَزَّقُ. وَتَصْنَعُ لِأَذْيَالِهَا رُمَّانَاتٍ مِنْ قُمَاشٍ أَزْرَقَ وَبَنَفْسَجِيٍّ وَأَحْمَرَ، وَأَجْرَاسًا مِنْ ذَهَبٍ بَيْنَ الرُّمَّانَاتِ. فَيَكُونُ بَيْنَ كُلِّ رُمَّانَتَيْنِ جَرَسٌ مِنْ ذَهَبٍ حَوْلَ أَذْيَالِ الْجُبَّةِ. فَيَلْبَسُ هَارُونُ الْجُبَّةَ عِنْدَمَا يَخْدِمُ، فَيُسْمَعُ صَوْتُ الْأَجْرَاسِ عِنْدَمَا يَدْخُلُ إِلَى الْمَقْدِسِ أَمَامَ اللهِ، وَعِنْدَمَا يَخْرُجُ، لِئَلَّا يَمُوتَ. ”وَتَصْنَعُ إِكْلِيلًا، أَيْ صَفِيحَةً مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ وَتَنْقُشُ عَلَيْهَا بِطَرِيقَةِ النَّقْشِ عَلَى الْخَاتِمِ عِبَارَةَ: ’خَاصٌّ للهِ.‘ وَتُثَبِّتُهَا بِشَرِيطٍ أَزْرَقَ فِي الْعِمَامَةِ مِنَ الْأَمَامِ. فَتَكُونُ عَلَى جَبْهَةِ هَارُونَ. وَبِذَلِكَ يَكُونُ هَارُونُ مَسْئُولًا عَنْ ذَنْبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي تَقْصِيرِهِمْ فِي الْقَرَابِينِ الْمُقَدَّسَةِ الَّتِي يُقَدِّمُونَهَا للهِ، مَهْمَا كَانَتْ هَذِهِ الْقَرَابِينُ. فَتَكُونُ الصَّفِيحَةُ عَلَى جَبْهَةِ هَارُونَ دَائِمًا، لِكَيْ يَرْضَى اللهُ عَنْهُمْ. وَتَصْنَعُ الْقَمِيصَ الْمُطَرَّزَ مِنْ كَتَّانٍ، وَالْعِمَامَةَ مِنْ كَتَّانٍ، وَالْحِزَامُ يَصْنَعُهُ طَرَّازٌ. ”وَتَصْنَعُ قُمْصَانًا لِبَنِي هَارُونَ وَأَحْزِمَةً وَعَمَائِمَ تُعْطِيهِمْ كَرَامَةً وَجَلَالًا. وَبَعْدَ أَنْ تُلْبِسَ هَارُونَ وَبَنِيهِ هَذِهِ الثِّيَابَ، تَمْسَحُهُمْ وَتُكَرِّسُهُمْ وَتُطَهِّرُهُمْ لِيَكُونُوا أَحْبَارًا لِي. وَتَصْنَعُ لَهُمْ سَرَاوِيلَ مِنْ كَتَّانٍ لِسَتْرِ الْعُرْيِ، تَصِلُ مِنَ الْوَسَطِ إِلَى الْفَخْذَيْنِ. فَيَلْبَسُهَا هَارُونُ وَبَنُوهُ عِنْدَ دُخُولِهِمْ إِلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، أَوْ عِنْدَ اقْتِرَابِهِمْ مِنْ مَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ لِيَخْدِمُوا فِي الْمَقْدِسِ. لِئَلَّا يُذْنِبُوا فَيَمُوتُوا. هَذِهِ فَرِيضَةٌ تَدُومُ لِهَارُونَ وَنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ. ”وَتَصْنَعُ هَذَا لِتُكَرِّسَهُمْ لِيَكُونُوا أَحْبَارًا لِي: تَأْخُذُ عِجْلًا مِنَ الْبَقَرِ وَكَبْشَيْنِ بِلَا عَيْبٍ. وَتَعْمَلُ خُبْزًا بِلَا خَمِيرٍ مِنْ دَقِيقِ الْقَمْحِ، وَفَطِيرًا مَعْمُولًا بِالزَّيْتِ وَرِقَاقًا مَدْهُونًا بِالزَّيْتِ. وَتَضَعُ كُلَّ هَذَا فِي سَلَّةٍ، وَتُقَدِّمُهُ فِي السَّلَّةِ مَعَ الْعِجْلِ وَالْكَبْشَيْنِ. ”ثُمَّ تُحْضِرُ هَارُونَ وَبَنِيهِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ وَتَغْسِلُهُمْ بِمَاءٍ. وَتَأْخُذُ الثِّيَابَ وَتُلْبِسُ هَارُونَ الْقَمِيصَ وَالْجُبَّةَ وَالرِّدَاءَ وَالصُّدْرَةَ وَتَشُدُّهُ بِالْحِزَامِ. وَتَضَعُ الْعِمَامَةَ عَلَى رَأْسِهِ، وَتُثَبِّتُ عَلَيْهَا الْإِكْلِيلَ الطَّاهِرَ. وَتَأْخُذُ زَيْتَ الْمَسْحَةِ، وَتَصُبُّهُ عَلَى رَأْسِهِ وَتَمْسَحُهُ. وَتُحْضِرُ بَنِيهِ وَتُلْبِسُهُمْ قُمْصَانًا، وَتَشُدُّهُمْ بِالْأَحْزِمَةِ، وَتُلْبِسُهُمْ عَمَائِمَ، فَتَكُونُ خِدْمَةُ الْحَبْرِ لَهُمْ فَرِيضَةً تَدُومُ. وَبِذَلِكَ تُكَرِّسُ هَارُونَ وَبَنِيهِ. ”ثُمَّ تُحْضِرُ الْعِجْلَ أَمَامَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، فَيَضَعُ هَارُونُ وَبَنُوهُ أَيْدِيَهُمْ عَلَى رَأْسِهِ. وَتَذْبَحُ الْعِجْلَ فِي مَحْضَرِ اللهِ، عِنْدَ بَابِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَتَأْخُذُ مِنْ دَمِ الْعِجْلِ بِإِصْبَعِكَ وَتَضَعُهُ عَلَى قُرُونِ مَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ، وَتَسْكُبُ بَاقِيَ الدَّمِ عِنْدَ قَاعِدَةِ الْمَنَصَّةِ. ثُمَّ تَأْخُذُ كُلَّ الشَّحْمِ الَّذِي يُغَشِّي الْأَمْعَاءَ وَالَّذِي يُغَشِّي الْكَبِدَ، وَكَذَلِكَ الْكُلْيَتَيْنِ وَمَا عَلَيْهِمَا مِنْ شَحْمٍ، وَتَحْرِقُهَا عَلَى الْمَنَصَّةِ. وَأَمَّا لَحْمُ الْعِجْلِ وَجِلْدُهُ وَرَوْثُهُ، فَتَحْرِقُهَا خَارِجَ الْمُخَيَّمِ، لِأَنَّ هَذَا قُرْبَانٌ لِلتَّكْفِيرِ عَنِ الْخَطِيئَةِ. ”وَتَأْخُذُ أَحَدَ الْكَبْشَيْنِ، فَيَضَعُ هَارُونُ وَبَنُوهُ أَيْدِيَهُمْ عَلَى رَأْسِهِ. ثُمَّ تَذْبَحُ الْكَبْشَ، وَتَأْخُذُ دَمَهُ وَتَرُشُّهُ عَلَى الْمَنَصَّةِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ. وَتُقَطِّعُ الْكَبْشَ إِلَى قِطَعٍ، وَتَغْسِلُ أَمْعَاءَهُ وَأَرْجُلَهُ وَتَضَعُهَا مَعَ الرَّأْسِ وَالْقِطَعِ الْأُخْرَى، وَتَحْرِقُ الْكَبْشَ كُلَّهُ عَلَى الْمَنَصَّةِ. لِأَنَّ هَذَا قُرْبَانٌ يُحْرَقُ للهِ، وَرَائِحَتُهُ تَسُرُّ، إِنَّهُ قُرْبَانٌ يُشْعَلُ للهِ. ”وَتَأْخُذُ الْكَبْشَ الثَّانِيَ، فَيَضَعُ هَارُونُ وَبَنُوهُ أَيْدِيَهُمْ عَلَى رَأْسِهِ. ثُمَّ تَذْبَحُ الْكَبْشَ، وَتَأْخُذُ مِنْ دَمِهِ وَتَضَعُهُ عَلَى شَحْمَاتِ آذَانِ هَارُونَ وَبَنِيهِ الْيُمْنَى، وَعَلَى أَبَاهِمِ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمِ الْيُمْنَى. ثُمَّ تَرُشُّ بَاقِيَ الدَّمِ عَلَى الْمَنَصَّةِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ. ثُمَّ تَأْخُذُ مِنَ الدَّمِ الَّذِي عَلَى الْمَنَصَّةِ، وَمِنْ زَيْتِ الْمَسْحَةِ، وَتُقَطِّرُ مِنْهُ عَلَى هَارُونَ وَثِيَابِهِ وَعَلَى بَنِيهِ وَثِيَابِهِمْ، فَيَتَكَرَّسُ هُوَ وَبَنُوهُ وَثِيَابُهُمْ. ”ثُمَّ تَأْخُذُ الشَّحْمَ مِنْ هَذَا الْكَبْشِ، الْإِلْيَةَ وَالشَّحْمَ الَّذِي يُغَشِّي الْأَمْعَاءَ وَالَّذِي يُغَشِّي الْكَبِدَ، وَكَذَلِكَ الْكُلْيَتَيْنِ وَمَا عَلَيْهِمَا مِنْ شَحْمٍ، وَالْفَخْذَ الْيُمْنَى، لِأَنَّ هَذَا هُوَ كَبْشُ التَّكْرِيسِ. وَتَأْخُذُ مِنْ سَلَّةِ الْفَطِيرِ الَّتِي أَمَامَ اللهِ، رَغِيفًا وَاحِدًا مِنَ الْخُبْزِ وَفَطِيرَةً وَاحِدَةً مَعْمُولَةً بِالزَّيْتِ وَرِقَاقَةً وَاحِدَةً، وَتَضَعُهَا كُلَّهَا فِي أَيْدِي هَارُونَ وَبَنِيهِ لِيُقَدِّمُوهَا هَدِيَّةً أَمَامَ اللهِ. ثُمَّ تَأْخُذُهَا مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَتَحْرِقُهَا عَلَى الْمَنَصَّةِ فَوْقَ الْقُرْبَانِ الْمَحْرُوقِ، إِنَّهَا قُرْبَانٌ يُشْعَلُ للهِ وَرَائِحَتُهَا تَسُرُّهُ. ”ثُمَّ تَأْخُذُ الصَّدْرَ مِنَ الْكَبْشِ الَّذِي لِتَكْرِيسِ هَارُونَ، وَتُقَدِّمُهُ هَدِيَّةً للهِ، فَيَكُونُ هَذَا نَصِيبَكَ. وَهَذِهِ الْأَجْزَاءُ تُخَصِّصُهَا لِي مِنَ الْكَبْشِ الَّذِي لِتَكْرِيسِ هَارُونَ وَبَنِيهِ: الصَّدْرُ الَّذِي قَدَّمْتَهُ هَدِيَّةً، وَالْفَخْذُ الَّتِي قَدَّمْتَهَا تَبَرُّعًا. فَيَكُونَانِ نَصِيبَ هَارُونَ وَبَنِيهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَيِ الْجُزْءَ الَّذِي يَتَبَرَّعُ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ للهِ مِنْ ضَحَايَا الصُّحْبَةِ، وَيَكُونُ هَذَا فَرِيضَةً دَائِمَةً. ”وَتَحْفَظُونَ ثِيَابَ هَارُونَ الطَّاهِرَةَ لِكَيْ يُمْسَحَ فِيهَا وَيُكَرَّسَ مَنْ يَخْلِفُهُ مِنْ بَنِيهِ. فَالِابْنُ الَّذِي يَخْلِفُهُ كَرَئِيسِ أَحْبَارٍ، يَلْبَسُهَا 7 أَيَّامٍ عِنْدَمَا يَدْخُلُ إِلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ لِيَخْدِمَ فِي الْمَقْدِسِ. ”وَأَمَّا كَبْشُ التَّكْرِيسِ، فَتَأْخُذُهُ وَتَطْبُخُ لَحْمَهُ فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ. وَيَأْكُلُ هَارُونُ وَبَنُوهُ، لَحْمَ الْكَبْشِ وَالْخُبْزَ الَّذِي فِي السَّلَّةِ، عِنْدَ بَابِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. هُمْ وَحْدَهُمْ يَأْكُلُونَهُ، لِأَنَّهُ كُفِّرَ عَنْهُمْ بِوَاسِطَتِهِ لَمَّا تَكَرَّسُوا وَتَطَهَّرُوا. وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ أَحَدٌ آخَرُ، لِأَنَّهُ طَاهِرٌ. وَإِنْ بَقِيَ إِلَى الْغَدِ شَيْءٌ مِنْ لَحْمِ كَبْشِ التَّكْرِيسِ، أَوْ مِنَ الْخُبْزِ، تَحْرِقُهُ بِالنَّارِ، وَلَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ. ”فَتَصْنَعُ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ. وَيَسْتَغْرِقُ تَكْرِيسُهُمْ 7 أَيَّامٍ. وَتُقَدِّمُ عِجْلًا فِي كُلِّ يَوْمٍ، كَقُرْبَانٍ عَنِ الْخَطِيئَةِ، لِلتَّكْفِيرِ عَنْهَا. وَتُطَهِّرُ الْمَنَصَّةَ بِالتَّكْفِيرِ عَلَيْهَا، وَتَمْسَحُهَا لِتَكُونَ طَاهِرَةً. 7 أَيَّامٍ تُكَفِّرُ عَلَى الْمَنَصَّةِ وَتُطَهِّرُهَا فَتَكُونُ طَاهِرَةً جِدًّا، وَكُلُّ مَا يَمَسُّ الْمَنَصَّةَ يَكُونُ طَاهِرًا. ”وَدَائِمًا تُقَدِّمُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى الْمَنَصَّةِ خَرُوفَيْنِ ابْنَيْ سَنَةٍ. أَحَدُهُمَا تُقَدِّمُهُ فِي الصُّبْحِ، وَالْآخَرُ فِي الْعَشِيَّةِ. وَتُقَدِّمُ مَعَ الْخَرُوفِ الْأَوَّلِ، كِيلُوجْرَامَيْنِ مِنَ الدَّقِيقِ الْمَخْلُوطِ بِلِتْرٍ مِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ الْمَعْصُورِ، وَأَيْضًا لِتْرًا مِنَ الْخَمْرِ قُرْبَانَ شَرَابٍ. وَالْخَرُوفُ الثَّانِي تُقَدِّمُهُ فِي الْعَشِيَّةِ، وَمَعَهُ قُرْبَانُ دَقِيقٍ، وَقُرْبَانُ شَرَابٍ، كَمَا فَعَلْتَ فِي الصُّبْحِ. إِنَّهُ قُرْبَانٌ يُشْعَلُ للهِ، وَرَائِحَتُهُ تَسُرُّهُ. جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، تُقَدِّمُونَ دَائِمًا هَذَا الْقُرْبَانَ الْمَحْرُوقَ، عِنْدَ بَابِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ أَمَامَ اللهِ، حَيْثُ أَتَقَابَلُ مَعَكَ لِأُكَلِّمَكَ. وَهُنَاكَ أَيْضًا أَتَقَابَلُ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَيَتَقَدَّسُ الْمَكَانُ بِجَلَالِي. بِذَلِكَ أُقَدِّسُ خَيْمَةَ الِاجْتِمَاعِ وَمَنَصَّةَ الْقُرْبَانِ. وَأُكَرِّسُ هَارُونَ وَبَنِيهِ لِيَكُونُوا أَحْبَارًا لِي. وَأَسْكُنُ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَكُونُ إِلَهَهُمْ. فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُهُمُ الَّذِي أَخْرَجَهُمْ مِنْ مِصْرَ، لِأَسْكُنَ بَيْنَهُمْ. أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُهُمْ. ”وَتَصْنَعُ مَنَصَّةً مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ لِإِحْرَاقِ الْبَخُورِ. تَكُونُ مُرَبَّعَةً، طُولُهَا نِصْفُ مِتْرٍ، وَعَرْضُهَا نِصْفُ مِتْرٍ، وَارْتِفَاعُهَا 90 سَنْتِيمِتْرًا. وَتَكُونُ هِيَ وَقُرُونُهَا قِطْعَةً وَاحِدَةً. وَتُغَشِّي سَطْحَهَا وَجَوَانِبَهَا مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَقُرُونَهَا بِذَهَبٍ نَقِيٍّ. وَتَصْنَعُ لَهَا إِطَارًا مِنَ الذَّهَبِ يُحِيطُ بِهَا، وَحَلَقَتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ تَحْتَ الْإِطَارِ عَلَى هَذَا الْجَانِبِ، وَحَلَقَتَيْنِ عَلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَبِذَلِكَ يُمْكِنُ إِدْخَالُ عَصَوَيْنِ فِيهَا لِحَمْلِ الْمَنَصَّةِ. وَتَصْنَعُ عَصَوَيْنِ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ وَتُغَشِّيهِمَا بِالذَّهَبِ. وَتَضَعُ هَذِهِ الْمَنَصَّةَ خَارِجَ السِّتَارَةِ الَّتِي أَمَامَ صُنْدُوقِ الْعَهْدِ، مُقَابِلَ غِطَاءِ الصُّنْدُوقِ، حَيْثُ أَتَقَابَلُ مَعَكَ. فَيَحْرِقُ عَلَيْهَا هَارُونُ بَخُورًا عَطِرًا كُلَّ صُبْحٍ، حِينَ يُنَظِّفُ الْمَنَارَةَ، وَأَيْضًا فِي الْعَشِيَّةِ، حِينَ يُشْعِلُ الْمَنَارَةَ. فَيَظَلُّ الْبَخُورُ يَحْتَرِقُ دَائِمًا أَمَامَ اللهِ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. لَا تُقَدِّمُوا عَلَى هَذِهِ الْمَنَصَّةِ بَخُورًا غَرِيبًا، وَلَا قُرْبَانًا مَحْرُوقًا، وَلَا قُرْبَانَ دَقِيقٍ، وَلَا تَسْكُبُوا عَلَيْهَا قُرْبَانَ شَرَابٍ. وَيُكَفِّرُ هَارُونُ عَلَى قُرُونِهَا مَرَّةً فِي السَّنَةِ، وَذَلِكَ بِدَمِ قُرْبَانِ التَّكْفِيرِ عَنِ الْخَطِيئَةِ. هَذِهِ كَفَّارَةٌ سَنَوِيَّةٌ تَسْتَمِرُّ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. هَذِهِ مَنَصَّةٌ مُكَرَّسَةٌ تَمَامًا للهِ.“ ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”عِنْدَمَا تَعْمَلُ إِحْصَاءً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ لِتَعُدَّهُمْ، فَعَلَى كُلِّ رَجُلٍ أَنْ يُقَدِّمَ فِدْيَةً عَنْ نَفْسِهِ للهِ، لِئَلَّا يُصِيبَهُمْ وَبَأٌ عِنْدَ إِحْصَائِهِمْ. فَكُلُّ وَاحِدٍ عِنْدَمَا يَعْبُرُ إِلَى نَاحِيَةِ الْمَعْدُودِينَ، يُعْطِي نِصْفَ شَاقِلٍ قُرْبَانًا للهِ، وَذَلِكَ حَسَبَ الْوَزْنِ الرَّسْمِيِّ لِلشَّاقِلِ وَهُوَ 20 جِيرَةً. فَكُلُّ مَنْ يَعْبُرُ إِلَى نَاحِيَةِ الْمَعْدُودِينَ، مِنِ ابْنِ 20 سَنَةً وَمَا فَوْقُ، يُعْطِي قُرْبَانًا للهِ. الْغَنِيُّ لَا يُعْطِي أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الشَّاقِلِ، وَالْفَقِيرُ لَا يُعْطِي أَقَلَّ. لِأَنَّهُ قُرْبَانٌ للهِ لِتُكَفِّرُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ. وَتَأْخُذُ فِضَّةَ الْكَفَّارَةِ هَذِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَتُنْفِقُهَا فِي خِدْمَةِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. فَتَكُونُ كَفَّارَةً عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبِسَبَبِهَا يَذْكُرُهُمُ اللهُ.“ ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”اِصْنَعْ حَوْضًا مِنْ نُحَاسٍ لِلِاغْتِسَالِ، وَتَكُونُ لَهُ قَاعِدَةٌ مِنْ نُحَاسٍ، وَتَضَعُهُ بَيْنَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ وَمَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ، وَتَضَعُ فِيهِ مَاءً. فَيَغْسِلُ هَارُونُ وَبَنُوهُ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ بِهَذَا الْمَاءِ. فَعِنْدَمَا يَدْخُلُونَ خَيْمَةَ الِاجْتِمَاعِ، يَغْسِلُونَ بِمَاءٍ لِئَلَّا يَمُوتُوا، وَأَيْضًا عِنْدَمَا يَقْتَرِبُونَ مِنَ الْمَنَصَّةِ لِيُقَدِّمُوا للهِ قُرْبَانًا يُحْرَقُ. فَيَغْسِلُونَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ لِئَلَّا يَمُوتُوا. وَيَكُونُ هَذَا فَرِيضَةً تَدُومُ لِهَارُونَ وَنَسْلِهِ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ.“ ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”خُذْ لَكَ أَطْيَبَ الْعُطُورِ: 6 كِيلُوجْرَامَاتٍ مِنَ الْمُرِّ السَّائِلِ، وَ3 كِيلُوجْرَامَاتٍ مِنَ الْقِرْفَةِ، وَ3 كِيلُوجْرَامَاتٍ مِنَ الْعُودِ، وَ3 كِيلُوجْرَامَاتٍ مِنَ الطِّيبِ، كُلُّ ذَلِكَ حَسَبَ الْوَزْنِ الرَّسْمِيِّ. وَأَيْضًا 4 لِتْرَاتٍ مِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ. وَاصْنَعْ هَذَا كُلَّهُ زَيْتًا طَاهِرًا لِلْمَسْحَةِ، مَزِيجًا عَطِرًا، كَإِنْتَاجِ صَانِعِ الْعُطُورِ. فَيَكُونَ زَيْتًا طَاهِرًا لِلْمَسْحَةِ. فَتَمْسَحُ بِهِ خَيْمَةَ الِاجْتِمَاعِ، وَصُنْدُوقَ الْعَهْدِ، وَالْمَائِدَةَ وَكُلَّ أَدَوَاتِهَا، وَالْمَنَارَةَ وَأَدَوَاتِهَا، وَمَنَصَّةَ الْبَخُورِ، وَمَنَصَّةَ الْقُرْبَانِ وَكُلَّ أَدَوَاتِهَا، وَالْحَوْضَ وَقَاعِدَتَهُ، وَتُطَهِّرُهَا فَتَكُونُ طَاهِرَةً جِدًّا. وَكُلُّ مَا يَمَسُّهَا يَكُونُ طَاهِرًا. ”وَتَمْسَحُ هَارُونَ وَبَنِيهِ وَتُكَرِّسُهُمْ لِيَكُونُوا أَحْبَارًا لِي. وَتَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’هَذَا يَكُونُ لِي زَيْتًا طَاهِرًا لِلْمَسْحَةِ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. فَلَا تَصُبُّوهُ عَلَى جِسْمِ إِنْسَانٍ، وَلَا تَصْنَعُوا مِثْلَهُ. هُوَ طَاهِرٌ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا عِنْدَكُمْ. كُلُّ مَنْ رَكَّبَ مِثْلَهُ أَوْ مَسَحَ بِهِ وَاحِدًا مِنْ غَيْرِ الْأَحْبَارِ، يُبَادُ مِنْ شَعْبِهِ.‘“ ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”خُذْ لَكَ أَطْيَابًا، أَجْزَاءً مُتَسَاوِيَةً مِنَ الصَّمْغِ وَالْمَيْعَةِ وَالْقِنَّةِ الْعَطِرَةِ وَاللُّبَانِ النَّقِيِّ، وَاصْنَعْ مِنْهَا بَخُورًا عَطِرًا كَإِنْتَاجِ صَانِعِ الْعُطُورِ، مُمَلَّحًا نَقِيًّا طَاهِرًا. وَاسْحَقْ بَعْضًا مِنْهُ نَاعِمًا، وَضَعْهُ أَمَامَ صُنْدُوقِ الْعَهْدِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ حَيْثُ أَتَقَابَلُ مَعَكَ، فَيَكُونَ طَاهِرًا جِدًّا عِنْدَكُمْ. وَلَا تَصْنَعُوا مِثْلَ هَذَا الْبَخُورِ لِأَنْفُسِكُمْ، بَلْ تَعْتَبِرُونَهُ طَاهِرًا للهِ. كُلُّ مَنْ صَنَعَ مِثْلَهُ لِيَشُمَّهُ يُبَادُ مِنْ شَعْبِهِ.“ ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”اُنْظُرْ، إِنِّي اخْتَرْتُ بَصَلْئِيلَ بْنَ أُورِي بْنِ حُورَ مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا. وَمَلَأْتُهُ بِرُوحِ اللهِ فَأَعْطَيْتُهُ مَهَارَةً وَمَقْدِرَةً وَمَعْرِفَةً فِي كُلِّ أَنْوَاعِ الْحِرَفِ. لِيَبْتَكِرَ تَصْمِيمَاتٍ يَعْمَلُهَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ، وَيَنْحَتَ الْجَوَاهِرَ وَيُرَصِّعَهَا، وَيَعْمَلَ فِي نِجَارَةِ الْخَشَبِ وَفِي كُلِّ أَنْوَاعِ الْحِرَفِ. كَمَا عَيَّنْتُ أَهُولِيآبَ بْنَ أَخِيسَامَاكَ مِنْ قَبِيلَةِ دَانَ، مُسَاعِدًا لَهُ. وَأَيْضًا أَعْطَيْتُ مَهَارَةً خَاصَّةً لِكُلِّ الصُّنَّاعِ لِيَعْمَلُوا كُلَّ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ: خَيْمَةَ الِاجْتِمَاعِ، وَصُنْدُوقَ الْعَهْدِ، وَالْغِطَاءَ الَّذِي عَلَيْهِ، وَكُلَّ أَثَاثِ الْخَيْمَةِ، وَالْمَائِدَةَ وَأَدَوَاتِهَا، وَالْمَنَارَةَ الَّتِي مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ وَكُلَّ أَدَوَاتِهَا، وَمَنَصَّةَ الْبَخُورِ، وَمَنَصَّةَ الْقُرْبَانِ وَكُلَّ أَدَوَاتِهَا، وَالْحَوْضَ وَقَاعِدَتَهُ، وَثِيَابَ الْخِدْمَةِ، الثِّيَابَ الطَّاهِرَةَ لِهَارُونَ الْحَبْرِ، وَثِيَابَ بَنِيهِ حِينَ يَخْدِمُونَ كَأَحْبَارٍ. وَزَيْتَ الْمَسْحَةِ، وَالْبَخُورَ الْعَطِرَ لِلْمَقْدِسِ. يَصْنَعُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كَمَا أَمَرْتُكَ.“ ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’اِحْفَظُوا وَصِيَّةَ يَوْمِ السَّبْتِ، لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، لِكَيْ تَعْرِفُوا أَنِّي أَنَا اللهُ الَّذِي أَجْعَلُكُمْ شَعْبًا خَاصًّا لِي. فَاحْفَظُوا يَوْمَ السَّبْتِ، لِأَنَّهُ يَوْمٌ خَاصٌّ لَكُمْ. مَنْ يَعْتَبِرُهُ كَالْأَيَّامِ الْأُخْرَى يُقْتَلُ، مَنْ يَعْمَلُ أَيَّ عَمَلٍ فِي هَذَا الْيَوْمِ يُبَادُ مِنْ شَعْبِهِ. 6 أَيَّامٍ تَعْمَلُونَ فِيهَا عَمَلَكُمْ، أَمَّا الْيَوْمُ السَّابِعُ فَهُوَ سَبْتُ رَاحَةٍ مُخَصَّصٌ للهِ. مَنْ يَعْمَلُ أَيَّ عَمَلٍ فِي يَوْمِ السَّبْتِ يَجِبُ أَنْ يُقْتَلَ. فَيَحْفَظُ بَنُو إِسْرَائِيلَ السَّبْتَ، وَيَحْتَفِلُونَ بِهِ مِنْ جِيلٍ إِلَى جِيلٍ، كَعَهْدٍ دَائِمٍ. هُوَ عَلَامَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الْأَبَدِ. لِأَنِّي فِي 6 أَيَّامٍ صَنَعْتُ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ، وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ امْتَنَعْتُ عَنِ الْعَمَلِ وَارْتَحْتُ.‘“ وَلَمَّا أَنْهَى اللهُ كَلَامَهُ مَعَ مُوسَى فِي جَبَلِ سِينَاءَ، أَعْطَى مُوسَى لَوْحَيِ الْعَهْدِ، لَوْحَيْنِ مِنَ الْحَجَرِ مَكْتُوبًا عَلَيْهِمَا بِإِصْبَعِ اللهِ. وَلَمَّا رَأَى الشَّعْبُ أَنَّ مُوسَى أَبْطَأَ فِي النُّزُولِ مِنَ الْجَبَلِ، اِجْتَمَعُوا عَلَى هَارُونَ وَقَالُوا لَهُ: ”قُمِ اصْنَعْ لَنَا مَعْبُودًا يَهْدِينَا فِي سَيْرِنَا، لِأَنَّ مُوسَى، هَذَا الشَّخْصَ الَّذِي أَخْرَجَنَا مِنْ مِصْرَ، لَا نَعْلَمُ مَاذَا جَرَى لَهُ.“ فَقَالَ لَهُمْ هَارُونُ: ”اِنْزِعُوا حَلَقَ الذَّهَبِ الَّتِي فِي آذَانِ زَوْجَاتِكُمْ وَبَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ، وَهَاتُوهَا لِي.“ فَنَزَعَ كُلُّ الشَّعْبِ حَلَقَ الذَّهَبِ الَّتِي فِي آذَانِهِمْ وَأَعْطَوْهَا لِهَارُونَ. فَأَخَذَهَا مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَصَهَرَهَا وَصَبَّهَا فِي قَالِبٍ عَلَى شَكْلِ عِجْلٍ، وَصَنَعَ مِنْهَا صَنَمًا. فَقَالُوا: ”يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، هَذَا رَبُّكُمُ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ مِصْرَ!“ فَلَمَّا رَأَى هَارُونُ ذَلِكَ، بَنَى مَنَصَّةً أَمَامَ الْعِجْلِ وَنَادَى وَقَالَ: ”غَدًا عِيدٌ لِرَبِّنَا.“ وَقَامُوا بَاكِرًا وَقَدَّمُوا قَرَابِينَ وَضَحَايَا صُحْبَةٍ. وَبَعْدَ ذَلِكَ جَلَسَ الشَّعْبُ لِيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ، ثُمَّ قَامَ لِيَمْرَحَ. فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُمِ انْزِلْ، فَقَدْ فَسَدَ شَعْبُكَ الَّذِي أَخْرَجْتَهُ مِنْ مِصْرَ. ضَلُّوا بِسُرْعَةٍ عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي أَمَرْتُهُمْ بِهَا، فَصَنَعُوا لَهُمْ صَنَمًا مَسْبُوكًا عَلَى شَكْلِ عِجْلٍ، وَسَجَدُوا لَهُ وَقَدَّمُوا الضَّحَايَا وَقَالُوا: ’يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، هَذَا رَبُّكُمُ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ مِصْرَ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”تَأَمَّلْتُ هَذَا الشَّعْبَ، وَرَأَيْتُ أَنَّهُ شَعْبٌ عَنِيدٌ. فَاتْرُكْنِي لِيَشْتَدَّ غَضَبِي عَلَيْهِمْ وَأُفْنِيَهُمْ، وَأَجْعَلَكَ أَنْتَ أُمَّةً عَظِيمَةً.“ فَتَضَرَّعَ مُوسَى إِلَى الْمَوْلَى إِلَهِهِ وَقَالَ: ”يَا رَبُّ، لِمَاذَا يَشْتَدُّ غَضَبُكَ عَلَى شَعْبِكَ الَّذِي أَخْرَجْتَهُ مِنْ مِصْرَ بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ وَيَدٍ قَوِيَّةٍ؟ لِمَاذَا يَشْمَتُ الْمِصْرِيُّونَ فِينَا وَيَقُولُونَ: ’اِحْتَالَ إِلَهُهُمْ عَلَيْهِمْ، وَأَخْرَجَهُمْ مِنْ هُنَا، لِيَقْتُلَهُمْ فِي الْجِبَالِ، وَيُفْنِيَهُمْ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ‘؟ تَرَاجَعْ عَنْ غَضَبِكَ الشَّدِيدِ، وَارْجِعْ وَلَا تُرْسِلِ الْمَصَائِبَ عَلَى شَعْبِكَ. وَاذْكُرْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَإِسْرَائِيلَ عَبِيدَكَ الَّذِينَ أَقْسَمْتَ لَهُمْ بِذَاتِكَ وَقُلْتَ: ’أَجْعَلُ نَسْلَكُمْ كَنُجُومِ السَّمَاءِ فِي الْكَثْرَةِ، وَأُعْطِيهِمْ كُلَّ هَذِهِ الْبِلَادِ الَّتِي وَعَدْتُهُمْ بِهَا، فَتَكُونُ نَصِيبَهُمْ إِلَى الْأَبَدِ.‘“ فَرَجَعَ اللهُ وَلَمْ يُرْسِلْ عَلَى شَعْبِهِ الْمَصَائِبَ الَّتِي هَدَّدَهُمْ بِهَا. فَانْصَرَفَ مُوسَى وَنَزَلَ مِنَ الْجَبَلِ وَلَوْحَا الْعَهْدِ فِي يَدِهِ. وَكَانَتِ الْكِتَابَةُ عَلَيْهِمَا مِنَ النَّاحِيَتَيْنِ. وَاللَّوْحَانِ هُمَا مِنْ صُنْعِ اللهِ، وَالْكِتَابَةُ هِيَ كِتَابَةُ اللهِ مَنْقُوشَةٌ عَلَيْهِمَا. وَسَمِعَ يَشُوعُ صَوْتَ هُتَافِ الشَّعْبِ، فَقَالَ لِمُوسَى: ”صَوْتُ حَرْبٍ فِي الْمُخَيَّمِ!“ فَأَجَابَ مُوسَى: ”لَا هَذَا هُتَافُ نَصْرٍ وَلَا صُرَاخُ هَزِيمَةٍ، بَلْ مَا أَسْمَعُهُ هُوَ صَوْتُ غِنَاءٍ!“ فَلَمَّا اقْتَرَبَ مُوسَى مِنَ الْمُخَيَّمِ، وَرَأَى الْعِجْلَ وَالرَّقْصَ، غَضِبَ جِدًّا، وَرَمَى اللَّوْحَيْنِ مِنْ يَدَيْهِ وَكَسَّرَهُمَا عِنْدَ سَفْحِ الْجَبَلِ. ثُمَّ أَخَذَ الْعِجْلَ الَّذِي صَنَعُوهُ، وَأَحْرَقَهُ بِالنَّارِ وَطَحَنَهُ حَتَّى صَارَ نَاعِمًا، وَذَرَّاهُ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، وَأَرْغَمَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْهُ. وَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: ”مَاذَا فَعَلَ بِكَ هَذَا الشَّعْبُ، حَتَّى جَلَبْتَ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْخَطِيئَةَ الْعَظِيمَةَ؟“ فَأَجَابَ هَارُونُ: ”لَا يَشْتَدَّ غَضَبُكَ يَا سَيِّدِي، أَنْتَ عَارِفٌ أَنَّ هَذَا شَعْبٌ شِرِّيرٌ، فَقَالُوا لِي: ’اِصْنَعْ لَنَا مَعْبُودًا يَهْدِينَا فِي سَيْرِنَا، لِأَنَّ مُوسَى، هَذَا الشَّخْصَ الَّذِي أَخْرَجَنَا مِنْ مِصْرَ، لَا نَعْلَمُ مَاذَا جَرَى لَهُ.‘ فَقُلْتُ لَهُمْ: ’مَنْ عِنْدَهُ ذَهَبٌ فَلْيَنْزِعْهُ.‘ فَأَعْطَوْنِي الذَّهَبَ، فَرَمَيْتُهُ فِي النَّارِ، فَخَرَجَ هَذَا الْعِجْلُ!“ وَرَأَى مُوسَى أَنَّ زِمَامَ الشَّعْبِ أَفْلَتَ، لِأَنَّ هَارُونَ سَيَّبَ لَهُمُ الزِّمَامَ، فَأَخَذَ أَعْدَاؤُهُمْ يَضْحَكُونَ عَلَيْهِمْ. فَوَقَفَ عِنْدَ مَدْخَلِ الْمُخَيَّمِ وَقَالَ: ”مَنْ مِنْكُمْ فِي صَفِّ اللهِ يَأْتِي إِلَيَّ.“ فَاجْتَمَعَ حَوْلَهُ كُلُّ اللَّاوِيِّينَ. فَقَالَ لَهُمْ: ”قَالَ اللهُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ’لِيَحْمِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ سَيْفَهُ، وَيَذْهَبْ فِي الْمُخَيَّمِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، وَيَقْتُلْ حَتَّى أَخَاهُ وَصَاحِبَهُ وَجَارَهُ.‘“ فَفَعَلَ اللَّاوِيُّونَ كَمَا أَمَرَ مُوسَى. وَقُتِلَ مِنَ الشَّعْبِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ حَوَالَيْ 3000 رَجُلٍ. وَقَالَ مُوسَى لِلَّاوِيِّينَ: ”أَنْتُمُ الْيَوْمَ خَصَّصْتُمْ أَنْفُسَكُمْ للهِ، لِأَنَّكُمْ قُمْتُمْ كُلُّ وَاحِدٍ ضِدَّ ابْنِهِ وَضِدَّ أَخِيهِ، فَأَعْطَاكُمُ اللهُ بَرَكَةً.“ وَفِي الْغَدِ قَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: ”أَنْتُمُ ارْتَكَبْتُمْ خَطِيئَةً عَظِيمَةً، فَالْآنَ أَذْهَبُ إِلَى اللهِ، لَعَلِّي أُكَفِّرُ عَنْ خَطِيئَتِكُمْ.“ فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى اللهِ وَقَالَ: ”آهِ يَا رَبُّ، اِرْتَكَبَ هَذَا الشَّعْبُ خَطِيئَةً عَظِيمَةً، وَصَنَعُوا لَهُمْ مَعْبُودًا مِنْ ذَهَبٍ. فَمِنْ فَضْلِكَ اغْفِرْ لَهُمْ، أَوِ امْسَحْنِي مِنْ كِتَابِكَ الَّذِي كَتَبْتَهُ.“ فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”مَنْ أَخْطَأَ إِلَيَّ أَمْسَحُهُ مِنْ كِتَابِي. فَالْآنَ اذْهَبْ وَقُدِ الشَّعْبَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي قُلْتُ لَكَ عَنْهُ، وَمَلَاكِي يَهْدِيكَ فِي سَيْرِكَ. وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ فِيهِ أُعَاقِبُهُمْ عَلَى خَطِيئَتِهِمْ.“ وَضَرَبَ اللهُ الشَّعْبَ بِوَبَأٍ، لِأَنَّهُمْ عَبَدُوا الْعِجْلَ الَّذِي صَنَعَهُ هَارُونُ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”اِذْهَبْ مِنْ هُنَا، أَنْتَ وَالشَّعْبُ الَّذِي أَخْرَجْتَهُ مِنْ مِصْرَ، وَاصْعَدُوا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي وَعَدْتُ بِهَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ بِقَسَمٍ، لَمَّا قُلْتُ: ’سَأُعْطِيهَا لِنَسْلِكُمْ.‘ وَأَنَا أُرْسِلُ أَمَامَكَ مَلَاكًا وَأَطْرُدُ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْأَمُورِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ. إِنَّهَا أَرْضٌ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا. لَكِنِّي لَا أَذْهَبُ مَعَكُمْ، لِئَلَّا أُفْنِيَكُمْ فِي الطَّرِيقِ، لِأَنَّكُمْ شَعْبٌ عَنِيدٌ.“ فَلَمَّا سَمِعَ الشَّعْبُ هَذَا الْكَلَامَ الْقَاسِيَ، أَخَذُوا يَنُوحُونَ وَلَمْ يَلْبَسْ أَحَدٌ مِنْهُمْ زِينَتَهُ. لِأَنَّ اللهَ كَانَ قَدْ قَالَ لِمُوسَى: ”قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’أَنْتُمْ شَعْبٌ عَنِيدٌ، إِنْ ذَهَبْتُ مَعَكُمْ وَلَوْ لَحْظَةً وَاحِدَةً، أُفْنِيكُمْ. فَالْآنَ انْزِعُوا عَنْكُمْ زِينَتَكُمْ، وَسَأَرَى مَا أَفْعَلُ بِكُمْ.‘“ فَخَلَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ زِينَتَهُمْ عِنْدَ جَبَلِ حُورِيبَ. وَكَانَ كُلَّمَا نَزَلَ الشَّعْبُ فِي مَكَانٍ، يَأْخُذُ مُوسَى خَيْمَةً وَيَنْصُبُهَا خَارِجَ الْمُخَيَّمِ بَعِيدًا، وَسَمَّاهَا خَيْمَةَ الِاجْتِمَاعِ. وَكَانَ كُلُّ مَنْ يَطْلُبُ مَشُورَةَ اللهِ، يَذْهَبُ إِلَيْهَا خَارِجَ الْمُخَيَّمِ. وَكَانَ كُلَّمَا خَرَجَ مُوسَى إِلَى الْخَيْمَةِ، يَقُومُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّعْبِ وَيَقِفُ عَلَى بَابِ خَيْمَتِهِ وَيَنْظُرُ إِلَى مُوسَى حَتَّى يَدْخُلَ الْخَيْمَةَ. فَعِنْدَمَا يَدْخُلُ إِلَى الْخَيْمَةِ، يَنْزِلُ عَمُودُ السَّحَابِ وَيَقِفُ عَلَى بَابِ الْخَيْمَةِ، فَيُكَلِّمُ اللهُ مُوسَى. وَكَانَ عِنْدَمَا يَرَى الشَّعْبُ عَمُودَ السَّحَابِ وَاقِفًا عَلَى بَابِ الْخَيْمَةِ، يَقُومُونَ كُلُّهُمْ وَيَسْجُدُونَ كُلُّ وَاحِدٍ عِنْدَ بَابِ خَيْمَتِهِ. وَكَانَ اللهُ يُكَلِّمُ مُوسَى وَجْهًا لِوَجْهٍ كَمَا يُكَلِّمُ الْوَاحِدُ صَاحِبَهُ. وَإِذَا رَجَعَ مُوسَى إِلَى الْمُخَيَّمِ كَانَ مُسَاعِدُهُ الشَّابُّ يَشُوعُ بْنُ نُونَ، لَا يُفَارِقُ الْخَيْمَةَ. وَقَالَ مُوسَى للهِ: ”أَنْتَ طَلَبْتَ مِنِّي أَنْ أَقُودَ هَذَا الشَّعْبَ، وَلَكِنَّكَ لَمْ تُعَرِّفْنِي مَنْ سَتُرْسِلُ مَعِي! ثُمَّ قُلْتَ: ’أَنَا عَرَفْتُكَ بِاسْمِكَ، وَرَضِيتُ عَنْكَ.‘ فَإِنْ كُنْتَ فِعْلًا رَضِيتَ عَنِّي، عَلِّمْنِي طَرِيقَكَ، لِكَيْ أَعْرِفَكَ وَتَرْضَى عَنِّي دَائِمًا. وَاذْكُرْ أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ هِيَ شَعْبُكَ.“ فَقَالَ اللهُ: ”أَنَا نَفْسِي أَسِيرُ أَمَامَكَ فَأُرِيحُكَ.“ فَقَالَ مُوسَى: ”إِنْ لَمْ تَذْهَبْ أَنْتَ نَفْسُكَ مَعَنَا، فَلَا تُصْعِدْنَا مِنْ هُنَا. فَكَيْفَ يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّكَ رَضِيتَ عَنِّي وَعَنْ شَعْبِكَ، إِنْ لَمْ تَذْهَبْ أَنْتَ مَعَنَا؟ وَكَيْفَ نَتَمَيَّزُ أَنَا وَشَعْبُكَ عَنْ كُلِّ النَّاسِ الْآخَرِينَ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ إِلَّا بِهَذَا؟“ فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”هَذَا الْأَمْرُ الَّذِي طَلَبْتَهُ أَفْعَلُهُ، لِأَنِّي رَضِيتُ عَنْكَ وَعَرَفْتُكَ بِاسْمِكَ.“ فَقَالَ مُوسَى: ”أَرِنِي جَلَالَكَ.“ فَقَالَ اللهُ: ”أَمُرُّ أَمَامَكَ بِكُلِّ جُودِي، وَأُعْلِنُ لَكَ اسْمِي وَهُوَ ’الدَّائِمُ‘ وَأَرْأَفُ بِمَنْ أَرْأَفُ وَأَرْحَمُ مَنْ أَرْحَمُ.“ وَقَالَ أَيْضًا: ”أَنْتَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تَرَى كُلَّ جَلَالِي، لِأَنَّهُ إِنْ رَآنِي إِنْسَانٌ لَا يَعِيشُ.“ ثُمَّ قَالَ اللهُ: ”يُوجَدُ مَكَانٌ بِالْقُرْبِ مِنِّي تَقِفُ فِيهِ عَلَى صَخْرَةٍ. فَعِنْدَمَا يَعْبُرُ جَلَالِي، أَضَعُكَ فِي فَجْوَةِ الصَّخْرَةِ وَأُغَطِّيكَ بِيَدِي حَتَّى أَعْبُرَ. ثُمَّ أَرْفَعُ يَدِي، فَتَرَى قَبَسًا مِنْ جَلَالِي، وَأَمَّا كُلُّ جَلَالِي فَلَا يَرَاهُ أَحَدٌ.“ ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”اِنْحَتْ لَوْحَيْنِ مِنْ حَجَرٍ كَاللَّوْحَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، فَأَكْتُبُ أَنَا عَلَيْهِمَا الْوَصَايَا الَّتِي كَانَتْ عَلَى اللَّوْحَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ اللَّذَيْنِ كَسَّرْتَهُمَا. وَكُنْ مُسْتَعِدًّا فِي الصُّبْحِ، وَاصْعَدْ إِلَى جَبَلِ سِينَاءَ، وَتَعَالَ عِنْدِي عَلَى قِمَّةِ الْجَبَلِ. وَلَا يَصْعَدْ أَحَدٌ مَعَكَ، وَلَا يُشَاهَدْ إِنْسَانٌ عَلَى الْجَبَلِ، وَالْغَنَمُ وَالْبَقَرُ أَيْضًا لَا تَرْعَ بِاتِّجَاهِ هَذَا الْجَبَلِ.“ فَنَحَتَ مُوسَى لَوْحَيْنِ مِنْ حَجَرٍ كَالْأَوَّلَيْنِ، وَفِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، صَعِدَ إِلَى جَبَلِ سِينَاءَ وَأَخَذَ مَعَهُ لَوْحَيِ الْحَجَرِ فِي يَدَيْهِ. فَنَزَلَ اللهُ فِي السَّحَابَةِ حَيْثُ كَانَ مُوسَى وَاقِفًا، وَأَعْلَنَ اسْمَهُ وَهُوَ 'الدَّائِمُ.' وَعَبَرَ اللهُ أَمَامَ مُوسَى وَنَادَى: ”أَنَا الْمَوْلَى. الْمَوْلَى هُوَ اللهُ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ الْحَلِيمُ، هُوَ مُحِبٌّ وَوَفِيٌّ جِدًّا. يَحْفَظُ الْإِحْسَانَ لِأُلُوفٍ، وَيَغْفِرُ الْإِثْمَ وَالْمَعْصِيَةَ وَالْخَطِيئَةَ. وَلَكِنَّهُ لَا يَتْرُكُ الْمُذْنِبَ بِلَا عِقَابٍ، بَلْ يُعَاقِبُ الْأَبْنَاءَ وَالْأَحْفَادَ عَلَى ذُنُوبِ الْآبَاءِ إِلَى الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ.“ وَفِي الْحَالِ، اِنْحَنَى مُوسَى إِلَى الْأَرْضِ وَسَجَدَ، وَقَالَ: ”اللَّهُمَّ، إِنْ كُنْتَ رَضِيتَ عَنِّي، فَسِرْ مَعَنَا يَا رَبَّنَا. وَمَعَ أَنَّ هَذَا شَعْبٌ عَنِيدٌ، اِغْفِرْ لَنَا إِثْمَنَا وَخَطِيئَتَنَا، وَاجْعَلْنَا نَصِيبَكَ.“ فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”هَا أَنَا أَعْمَلُ مَعَكُمْ عَهْدًا: أَصْنَعُ أَمَامَ كُلِّ شَعْبِكَ عَجَائِبَ لَمْ تَحْدُثْ فِي أُمَّةٍ فِي الْعَالَمِ كُلِّهِ. فَيَرَى كُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي أَنْتَ فِي وَسَطِهِ، الْفِعْلَ الرَّهِيبَ الَّذِي يَصْنَعُهُ اللهُ مَعَكَ. اِعْمَلْ بِمَا أُوصِيكَ بِهِ الْيَوْمَ. فَإِنِّي أَطْرُدُ مِنْ أَمَامِكَ الْأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ. إِيَّاكَ أَنْ تَعْمَلَ مُعَاهَدَةً مَعَ سُكَّانِ الْبِلَادِ الَّتِي أَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَيْهَا، لِئَلَّا يَصِيرُوا فَخًّا لَكَ. بَلِ اهْدِمُوا مَعَابِدَهُمْ، وَحَطِّمُوا تَمَاثِيلَهُمْ، وَأَزِيلُوا الْأَعْمِدَةَ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا. لَا تَعْبُدْ إِلَهًا غَيْرِي، لِأَنَّ اسْمَ اللهِ هُوَ ’الْغَيُورُ‘ فَهُوَ إِلَهٌ غَيُورٌ. إِيَّاكَ أَنْ تَعْقِدَ مُعَاهَدَةً مَعَ سُكَّانِ الْبِلَادِ، لِأَنَّهُمْ حِينَ يَفْجُرُونَ وَيَعْبُدُونَ آلِهَتَهُمْ وَيُقَدِّمُونَ لَهَا الضَّحَايَا، يَدْعُونَكُمْ فَتَأْكُلُونَ مِنْ ضَحِيَّتِهِمْ. ثُمَّ تَأْخُذُونَ مِنْ بَنَاتِهِمْ لِبَنِيكُمْ، وَتَفْجُرُ بَنَاتُهُمْ وَيَعْبُدْنَ آلِهَتَهُنَّ وَيَجْعَلْنَ بَنِيكُمْ يَعْمَلُونَ نَفْسَ الشَّيْءِ. لَا تَصْنَعُوا لَكُمْ آلِهَةً مَسْبُوكَةً. اِحْتَفِلُوا بِعِيدِ الْفَطِيرِ، 7 أَيَّامٍ تَأْكُلُونَ خُبْزًا بِلَا خَمِيرٍ، كَمَا أَمَرْتُكُمْ، وَذَلِكَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ فِي شَهْرِ أَبِيبَ، لِأَنَّكُمْ فِيهِ خَرَجْتُمْ مِنْ مِصْرَ. ”أَوَّلُ وَاحِدٍ يَخْرُجُ مِنَ الرَّحِمِ هُوَ لِي. وَأَيْضًا كُلُّ بِكْرٍ ذَكَرٍ مِنَ الْبَهَائِمِ، مِنْ بَقَرٍ وَغَنَمٍ. وَلَكِنْ كُلُّ بِكْرِ حِمَارٍ تَفْدُونَهُ بِحَمَلٍ، وَإِنْ لَمْ تَفْدُوهُ فَاكْسِرُوا رَقَبَتَهُ. تَفْدُونَ كُلَّ بِكْرٍ مِنْ أَوْلَادِكُمْ. لَا تَحْضُرُوا أَمَامِي وَأَيْدِيكُمْ فَارِغَةٌ. 6 أَيَّامٍ فِيهَا تَشْتَغِلُ، وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ تَرْتَاحُ. حَتَّى فِي وَقْتِ الْفِلَاحَةِ أَوِ الْحَصَادِ، تَرْتَاحُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ. ”اِحْتَفِلُوا بِعِيدِ الْحَصَادِ، فَتُقَدِّمُونَ لِي أَوَّلَ حَصَادِ الْغَلَّةِ. ثُمَّ عِيدِ الْجَمْعِ، فِي نِهَايَةِ السَّنَةِ. 3 مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ، يَحْضُرُ كُلُّ ذُكُورِكُمْ أَمَامِي أَنَا الْمَوْلَى رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَإِنِّي أَطْرُدُ الْأُمَمَ مِنْ أَمَامِكُمْ وَأُوَسِّعُ بِلَادَكُمْ، وَلَا يَطْمَعُ أَحَدٌ فِي أَرْضِكُمْ، حِينَ تَصْعَدُونَ لِتَحْضُرُوا أَمَامَ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ 3 مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ. لَا تُقَدِّمُوا لِي دَمَ ضَحِيَّةٍ مَعَ أَيِّ شَيْءٍ فِيهِ خَمِيرٌ. وَلَا تَحْتَفِظُوا بِشَيْءٍ مِنْ ضَحِيَّةِ عِيدِ الْفِصْحِ إِلَى الْغَدِ. أَحْضِرُوا أَوَّلَ غَلَّةِ أَرْضِكُمْ إِلَى بَيْتِ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ. لَا تَطْبُخُوا جَدْيًا فِي لَبَنِ أُمِّهِ.“ ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”اُكْتُبْ هَذَا الْكَلَامَ، لِأَنِّي بِمُوجِبِهِ عَمِلْتُ عَهْدًا مَعَكَ وَمَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ.“ وَكَانَ مُوسَى هُنَاكَ عِنْدَ اللهِ 40 يَوْمًا وَ40 لَيْلَةً، لَا يَأْكُلُ خُبْزًا وَلَا يَشْرَبُ مَاءً. وَكَتَبَ كَلَامَ الْعَهْدِ، أَيِ الْوَصَايَا الْـ10، عَلَى اللَّوْحَيْنِ. وَلَمَّا نَزَلَ مُوسَى مِنْ جَبَلِ سِينَاءَ، وَمَعَهُ لَوْحَا الْعَهْدِ فِي يَدَيْهِ، لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ أَنَّ وَجْهَهُ صَارَ يَلْمَعُ لِأَنَّ اللهَ تَكَلَّمَ مَعَهُ. فَلَمَّا نَظَرَ هَارُونُ وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى مُوسَى، وَرَأَوْا وَجْهَهُ يَلْمَعُ، خَافُوا أَنْ يَقْتَرِبُوا مِنْهُ. لَكِنَّ مُوسَى نَادَاهُمْ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ هَارُونُ وَكُلُّ رُؤَسَاءِ الْجَمَاعَةِ، فَكَلَّمَهُمْ مُوسَى. وَبَعْدَ ذَلِكَ اقْتَرَبَ مِنْهُ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَوْصَاهُمْ بِكُلِّ مَا قَالَهُ اللهُ لَهُ فِي جَبَلِ سِينَاءَ. وَلَمَّا انْتَهَى مُوسَى مِنَ الْكَلَامِ مَعَهُمْ، وَضَعَ غِطَاءً عَلَى وَجْهِهِ. فَكَانَ عِنْدَمَا يَدْخُلُ مُوسَى إِلَى مَحْضَرِ اللهِ لِيَتَكَلَّمَ مَعَهُ، يَرْفَعُ الْغِطَاءَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ عِنْدِهِ. فَمَتَى خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ لِيُكَلِّمَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا أَوْصَاهُ بِهِ اللهُ، كَانُوا يَرَوْنَ وَجْهَهُ يَلْمَعُ. فَيَرُدُّ مُوسَى الْغِطَاءَ عَلَى وَجْهِهِ، إِلَى حِينِ يَدْخُلُ لِيُكَلِّمَ اللهَ. وَجَمَعَ مُوسَى كُلَّ شَعْبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَالَ لَهُمْ: ”هَذِهِ هِيَ الْوَصَايَا الَّتِي أَمَرَ اللهُ أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا: 6 أَيَّامٍ تَعْمَلُونَ فِيهَا عَمَلَكُمْ، أَمَّا الْيَوْمُ السَّابِعُ فَهُوَ سَبْتُ رَاحَةٍ للهِ، يَوْمٌ خَاصٌّ لَكُمْ. مَنْ يَعْمَلُ أَيَّ عَمَلٍ فِيهِ يُقْتَلُ. لَا تُشْعِلُوا نَارًا فِي كُلِّ مَسَاكِنِكُمْ يَوْمَ السَّبْتِ.“ وَقَالَ مُوسَى لِكُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ”هَذَا هُوَ أَمْرُ اللهِ: قَدِّمُوا مِمَّا عِنْدَكُمْ هَدِيَّةً للهِ. كُلُّ مَنْ كَانَتْ نَفْسُهُ سَخِيَّةً، يُحْضِرُ للهِ هَدِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَنُحَاسٍ، وَقُمَاشٍ أَزْرَقَ وَبَنَفْسَجِيٍّ وَأَحْمَرَ، وَكَتَّانٍ وَشَعْرِ مَعْزٍ، وَجُلُودِ كِبَاشٍ مَصْبُوغَةٍ بِاللَّوْنِ الْأَحْمَرِ، وَجُلُودِ دُلْفِينٍ وَخَشَبِ سَنْطٍ. وَزَيْتٍ لِلْإِنَارَةِ، وَأَطْيَابٍ لِزَيْتِ الْمَسْحَةِ وَلِلْبَخُورِ الْعَطِرِ، وَحِجَارَةِ جَزْعٍ وَحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ أُخْرَى لِتَرْصِيعِ رِدَاءِ الْحَبْرِ وَصُدْرَتِهِ. ”وَيَأْتِي كُلُّ الْمَاهِرِينَ فِيكُمْ لِيَصْنَعُوا كُلَّ مَا أَمَرَ بِهِ اللهُ: الْخَيْمَةَ مِنَ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ وَغِطَاءَهَا وَمَشَابِكَهَا وَأَلْوَاحَهَا وَعَوَارِضَهَا وَأَعْمِدَتَهَا وَقَوَاعِدَهَا. وَالصُّنْدُوقَ وَعَصَوَيْهِ وَالْغِطَاءَ وَالسِّتَارَةَ الَّتِي تَحْجُبُ الصُّنْدُوقَ. وَالْمَائِدَةَ وَعَصَوَيْهَا وَكُلَّ أَدَوَاتِهَا وَالْخُبْزَ الْمُقَدَّسَ الَّذِي يُوضَعُ فِي مَحْضَرِ اللهِ. وَمَنَارَةَ الْإِضَاءَةِ وَأَدَوَاتِهَا وَمَصَابِيحَهَا وَزَيْتَهَا. وَمَنَصَّةَ الْبَخُورِ وَعَصَوَيْهَا، وَزَيْتَ الْمَسْحَةِ، وَالْبَخُورَ الْعَطِرَ، وَسِتَارَةَ الْبَابِ لِمَدْخَلِ الْخَيْمَةِ، وَمَنَصَّةَ الْقُرْبَانِ وَشَبَكَةَ النُّحَاسِ الَّتِي لَهَا وَعَصَوَيْهَا وَكُلَّ أَدَوَاتِهَا، وَالْحَوْضَ وَقَاعِدَتَهُ، وَسَتَائِرَ السَّاحَةِ وَأَعْمِدَتَهَا وَقَوَاعِدَهَا وَسِتَارَةَ مَدْخَلِ السَّاحَةِ، وَأَوْتَادَ الْخَيْمَةِ وَأَوْتَادَ السَّاحَةِ وَحِبَالَهُمَا. وَثِيَابَ الْخِدْمَةِ، الثِّيَابَ الطَّاهِرَةَ لِهَارُونَ الْحَبْرِ، وَثِيَابَ بَنِيهِ حِينَ يَخْدِمُونَ كَأَحْبَارٍ.“ ثُمَّ انْصَرَفَتْ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عِنْدِ مُوسَى. وَكُلُّ مَنْ كَانَتْ نَفْسُهُ سَخِيَّةً، وَحَثَّهُ قَلْبُهُ، جَاءَ وَأَحْضَرَ هَدِيَّةً للهِ لِعَمَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَكُلِّ أَدَوَاتِ الْخِدْمَةِ فِيهَا، وَالثِّيَابِ الطَّاهِرَةِ. وَجَاءَ النَّاسُ رِجَالًا وَنِسَاءً، وَتَبَرَّعُوا بِنَفْسٍ سَخِيَّةٍ بِأَسَاوِرَ وَحَلَقٍ وَخَوَاتِمَ وَقَلَائِدَ وَأَشْيَاءَ أُخْرَى مِنَ الذَّهَبِ. كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدَّمَ هَدِيَّةً مِنَ الذَّهَبِ للهِ. وَكُلُّ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ قُمَاشٌ أَزْرَقُ أَوْ بَنَفْسَجِيٌّ أَوْ أَحْمَرُ، أَوْ كَتَّانٌ، أَوْ شَعْرُ مَعْزٍ، أَوْ جُلُودُ كِبَاشٍ مَصْبُوغَةٌ بِاللَّوْنِ الْأَحْمَرِ، أَوْ جُلُودُ دُلْفِينٍ، تَبَرَّعَ بِهَا. وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّمَ هَدِيَّةً مِنْ فِضَّةٍ أَوْ نُحَاسٍ وَأَحْضَرَهُ للهِ. وَكُلُّ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ خَشَبُ سَنْطٍ يَصْلُحُ لِعَمَلِ شَيْءٍ مَا، تَبَرَّعَ بِهِ. وَكُلُّ امْرَأَةٍ مَاهِرَةٍ غَزَلَتْ بِيَدِهَا وَتَبَرَّعَتْ بِمَا صَنَعَتْهُ مِنْ نَسِيجٍ أَزْرَقَ أَوْ بَنَفْسَجِيٍّ أَوْ أَحْمَرَ أَوْ كَتَّانٍ. وَكُلُّ امْرَأَةٍ حَثَّهَا قَلْبُهَا وَكَانَتْ مَاهِرَةً، غَزَلَتْ شَعْرَ مَعْزٍ. وَتَبَرَّعَ قَادَةُ الشَّعْبِ بِحِجَارَةِ جَزْعٍ وَحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ أُخْرَى لِتَرْصِيعِ رِدَاءِ الْحَبْرِ وَصُدْرَتِهِ. وَتَبَرَّعُوا أَيْضًا بِأَطْيَابٍ وَزَيْتٍ لِلْإِنَارَةِ وَلِلْمَسْحَةِ وَلِلْبَخُورِ الْعَطِرِ. فَكُلُّ مَنْ كَانَتْ نَفْسُهُ سَخِيَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً، تَبَرَّعَ بِشَيْءٍ لِلْعَمَلِ الَّذِي أَمَرَهُمُ اللهُ بِهِ بِوَاسِطَةِ مُوسَى. وَقَالَ مُوسَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ”اُنْظُرُوا، قَدِ اخْتَارَ اللهُ بَصَلْئِيلَ بْنَ أُورِي بْنِ حُورَ مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا. وَمَلَأَهُ بِرُوحِ اللهِ فَأَعْطَاهُ مَهَارَةً وَمَقْدِرَةً وَمَعْرِفَةً فِي كُلِّ أَنْوَاعِ الْحِرَفِ. لِيَبْتَكِرَ تَصْمِيمَاتٍ يَعْمَلُهَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ. وَيَنْحَتَ الْجَوَاهِرَ وَيُرَصِّعَهَا، وَيَعْمَلَ فِي نِجَارَةِ الْخَشَبِ وَفِي كُلِّ أَنْوَاعِ الْحِرَفِ وَالْفُنُونِ. وَمَنَحَهُ اللهُ، هُوَ وَأَهُولِيآبَ بْنَ أَخِيسَامَاكَ مِنْ قَبِيلَةِ دَانَ، الْقُدْرَةَ عَلَى تَعْلِيمِ الْآخَرِينَ. وَمَلَأَهُمَا بِالْمَهَارَةِ لِيَعْمَلَا كُلَّ مَا يَعْمَلُهُ الصَّانِعُ وَالْفَنَّانُ، وَالطَّرَّازُ فِي الْقُمَاشِ الْأَزْرَقِ وَالْبَنَفْسَجِيِّ وَالْأَحْمَرِ وَالْكَتَّانِ، وَسَائِرِ حِرَفِ النَّسَّاجِ، وَكُلُّ صَاحِبِ صَنْعَةٍ وَحِرْفَةٍ. ”فَكَمَا أَمَرَ اللهُ، يَقُومُ بِتَنْفِيذِ عَمَلِيَّةِ بِنَاءِ خَيْمَةِ الْعِبَادَةِ، بَصَلْئِيلُ وَأَهُولِيآبُ، وَكُلُّ شَخْصٍ مَاهِرٍ أَعْطَاهُ اللهُ مَهَارَةً وَمَقْدِرَةً لِيَعْرِفَ أَنْ يَصْنَعَ صَنْعَةً مَا.“ فَدَعَا مُوسَى بَصَلْئِيلَ وَأَهُولِيآبَ وَكُلَّ شَخْصٍ مَاهِرٍ أَعْطَاهُ اللهُ مَقْدِرَةً وَحَثَّهُ قَلْبُهُ أَنْ يَأْتِيَ وَيَقُومَ بِالْعَمَلِ. فَتَسَلَّمُوا مِنْ مُوسَى كُلَّ الْهَدَايَا الَّتِي تَبَرَّعَ بِهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لِتَنْفِيذِ عَمَلِيَّةِ بِنَاءِ الْخَيْمَةِ. وَظَلَّ النَّاسُ يَأْتُونَ كُلَّ صُبْحٍ بِتَبَرُّعَاتٍ أُخْرَى. فَجَاءَ الْعُمَّالُ الْمَهَرَةُ الْقَائِمُونَ بِبِنَاءِ الْخَيْمَةِ وَتَجْهِيزِهَا، كُلُّ وَاحِدٍ جَاءَ مِنْ مَحَلِّ عَمَلِهِ، وَقَالُوا لِمُوسَى: ”الشَّعْبُ يُعْطِي أَكْثَرَ مِمَّا يَكْفِي لِتَنْفِيذِ الْعَمَلِ الَّذِي أَمَرَ اللهُ بِهِ.“ فَأَمَرَ مُوسَى بِأَنْ يُنَادَى فِي الْمُخَيَّمِ بِأَنْ يَكُفَّ النَّاسُ، رِجَالًا وَنِسَاءً، عَنِ التَّبَرُّعِ لِخَيْمَةِ الْعِبَادَةِ. فَتَوَقَّفَ الشَّعْبُ عَنِ التَّبَرُّعِ. وَكَانَ مَا تَبَرَّعُوا بِهِ كَافِيًا لِإِتْمَامِ كُلِّ الْعَمَلِ وَأَكْثَرَ. وَقَامَ كُلُّ الْمَهَرَةِ مِنَ الْعُمَّالِ، بِصِنَاعَةِ الْخَيْمَةِ مِنْ 10 قِطَعٍ مِنْ كَتَّانٍ مَبْرُومٍ وَقُمَاشٍ أَزْرَقَ وَبَنَفْسَجِيٍّ وَأَحْمَرَ، وَعَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ، صَنْعَةَ خَيَّاطٍ مَاهِرٍ. وَكَانَتْ كُلُّ الْقِطَعِ قِيَاسًا وَاحِدًا، طُولُ الْوَاحِدَةِ اثْنَا عَشَرَ مِتْرًا وَنِصْفٌ، وَعَرْضُهَا مِتْرٌ وَثَمَانُونَ سَنْتِيمِتْرًا. وَوَصَلُوا 5 قِطَعٍ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ، ثُمَّ الْـ5 الْأُخْرَى بَعْضَهَا بِبَعْضٍ. ثُمَّ صَنَعُوا عُرًى مِنْ قُمَاشٍ أَزْرَقَ عَلَى حَاشِيَةِ الْقِطْعَةِ الطَّرَفِيَّةِ مِنْ كُلِّ مَجْمُوعَةٍ مُوَصَّلَةٍ بِبَعْضِهَا. فَصَنَعُوا 50 عُرْوَةً فِي طَرَفِ الْمَجْمُوعَةِ الْأُولَى مِنَ الْقِطَعِ، وَ50 عُرْوَةً فِي طَرَفِ الْمَجْمُوعَةِ الثَّانِيَةِ. وَكَانَتِ الْعُرَى مُتَقَابِلَةً. ثُمَّ صَنَعُوا 50 مَشْبَكًا مِنَ الذَّهَبِ، وَضَمُّوا بِهَا الْمَجْمُوعَتَيْنِ مَعًا، فَصَارَتَا خَيْمَةً وَاحِدَةً. وَصَنَعُوا غِطَاءً فَوْقَ الْخَيمَةِ، مِنْ 11 قِطْعَةً مَنْسُوجَةً مِنْ شَعْرِ الْمَعْزِ. وَكَانَتْ كُلُّ الْقِطَعِ قِيَاسًا وَاحِدًا، طُولُ الْوَاحِدَةِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِتْرًا وَنِصْفٌ، وَعَرْضُهَا مِتْرٌ وَثَمَانُونَ سَنْتِيمِتْرًا. وَوَصَلُوا 5 قِطَعٍ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ، ثُمَّ الـ6 الْأُخْرَى بَعْضَهَا بِبَعْضٍ. وَصَنَعُوا 50 عُرْوَةً عَلَى حَاشِيَةِ الْقِطْعَةِ الطَّرَفِيَّةِ مِنْ كُلٍّ مِنَ الْمَجْمُوعَتَيْنِ. وَصَنَعُوا 50 مَشْبَكًا مِنْ نُحَاسٍ، لِتَضُمَّ الْغِطَاءَ مَعًا فَيَصِيرَ وَاحِدًا. وَصَنَعُوا غِطَاءً آخَرَ فَوْقَ هَذَا مِنْ جُلُودِ كِبَاشٍ مَصْبُوغَةٍ بِاللَّوْنِ الْأَحْمَرِ، وَغِطَاءً ثَالِثًا فَوْقَهُ مِنْ جُلُودِ الدُّلْفِينِ. أَمَّا جِدَارُ الْخَيْمَةِ فَصَنَعُوهُ مِنْ أَلْوَاحٍ قَائِمَةٍ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ. طُولُ الْوَاحِدِ مِنْهَا أَرْبَعَةُ أَمْتَارٍ وَنِصْفٌ، وَعَرْضُهُ 70 سَنْتِيمِتْرًا. وَلِكُلِّ لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ الْخَيْمَةِ صَنَعُوا رِجْلَيْنِ مُتَّصِلَتَيْنِ الْوَاحِدَةَ بِالْأُخْرَى. فَصَنَعُوا 20 لَوْحًا لِلْجَانِبِ الْجَنُوبِيِّ مِنَ الْخَيْمَةِ. وَصَنَعُوا 40 قَاعِدَةً مِنْ فِضَّةٍ تَحْتَ الْـ20 لَوْحًا. لِكُلِّ لَوْحٍ قَاعِدَتَانِ تَحْتَ رِجْلَيْهِ. وَصَنَعُوا 20 لَوْحًا لِلْجَانِبِ الْآخَرِ، مِنْ جِهَةِ الشَّمَالِ، وَ40 قَاعِدَةً لَهَا مِنْ فِضَّةٍ، أَيْ قَاعِدَتَيْنِ تَحْتَ كُلِّ لَوْحٍ. وَصَنَعُوا 6 أَلْوَاحٍ لِمُؤَخَّرِ الْخَيْمَةِ، مِنْ جِهَةِ الْغَرْبِ. وَصَنَعُوا لَوْحَيْنِ لِلزَّاوِيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي الْمُؤَخَّرِ. وَيَتَكَوَّنُ كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ اللَّوْحَيْنِ مِنْ لَوْحَيْنِ مُتَّصِلَيْنِ مِنْ تَحْتُ إِلَى فَوْقُ، وَثَبَّتُوا حَلَقَةً فِي الْقِمَّةِ. هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلزَّاوِيَتَيْنِ الْخَلْفِيَّتَيْنِ. بِذَلِكَ هُنَاكَ 8 أَلْوَاحٍ لَهَا 16 قَاعِدَةً مِنْ فِضَّةٍ، تَحْتَ كُلِّ لَوْحٍ قَاعِدَتَانِ. وَصَنَعُوا عَوَارِضَ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ، 5 لِأَلْوَاحِ الْجَانِبِ الْجَنُوبِيِّ، وَ5 لِأَلْوَاحِ الْجَانِبِ الشَّمَالِيِّ، ثُمَّ 5 لِأَلْوَاحِ الْمُؤَخَّرِ أَيِ الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ. وَالْعَارِضَةُ الْوُسْطَى فِي مُنْتَصَفِ الْأَلْوَاحِ مِنَ الطَّرَفِ إِلَى الطَّرَفِ. وَغَشَّوْا الْأَلْوَاحَ بِذَهَبٍ. وَصَنَعُوا لَهَا حَلَقَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ، لِتَدْخُلَ فِيهَا الْعَوَارِضُ. وَغَشَّوْا الْعَوَارِضَ أَيْضًا بِذَهَبٍ. وَصَنَعُوا السِّتَارَةَ مِنْ قُمَاشٍ أَزْرَقَ وَبَنَفْسَجِيٍّ وَأَحْمَرَ وَكَتَّانٍ مَبْرُومٍ، وَعَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ، صَنْعَةَ خَيَّاطٍ مَاهِرٍ. وَصَنَعُوا 4 أَعْمِدَةٍ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ وَغَشَّوْهَا بِذَهَبٍ، وَسَبَكُوا لَهَا 4 قَوَاعِدَ مِنْ فِضَّةٍ، وَصَنَعُوا لَهَا خَطَاطِيفَ مِنْ ذَهَبٍ. وَصَنَعُوا سِتَارَةً لِمَدْخَلِ الْخَيْمَةِ مِنْ قُمَاشٍ أَزْرَقَ وَبَنَفْسَجِيٍّ وَأَحْمَرَ وَكَتَّانٍ مَبْرُومٍ، صَنْعَةَ طَرَّازٍ. وَصَنَعُوا لَهَا خَطَاطِيفَ مِنْ ذَهَبٍ، وَ5 أَعْمِدَةٍ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ، وَغَشَّوْا رُؤُوسَ الْأَعْمِدَةِ وَقُضْبَانَهَا بِذَهَبٍ. وَصَنَعُوا لِلْأَعْمِدَةِ 5 قَوَاعِدَ مِنْ نُحَاسٍ. وَصَنَعَ بَصَلْئِيلُ الصُّنْدُوقَ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ طُولُهُ مِتْرٌ وَعَشَرَةُ سَنْتِيمِتْرَاتٍ، وَعَرْضُهُ 70 سَنْتِيمِتْرًا، وَارْتِفَاعُهُ 70 سَنْتِيمِتْرًا. وَغَشَّاهُ بِذَهَبٍ نَقِيٍّ مِنَ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ. وَصَنَعَ لَهُ إِطَارًا مِنَ الذَّهَبِ يُحِيطُ بِهِ. وَسَبَكَ لَهُ 4 حَلَقَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ وَثَبَّتَهَا عَلَى قَوَائِمِهِ الْـ4، حَلَقَتَيْنِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. وَصَنَعَ عَصَوَيْنِ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ وَغَشَّاهُمَا بِالذَّهَبِ. ثُمَّ أَدْخَلَهُمَا فِي الْحَلَقَاتِ الَّتِي عَلَى جَانِبَيِ الصُّنْدُوقِ لِيُحْمَلَ بِهِمَا. وَصَنَعَ غِطَاءً لِلصُّنْدُوقِ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ، طُولُهُ مِتْرٌ وَعَشَرَةُ سَنْتِيمِتْرَاتٍ، وَعَرْضُهُ 70 سَنْتِيمِتْرًا. وَصَنَعَ عَلَى طَرَفَيِ الْغِطَاءِ مَلَاكَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ مَطْرُوقٍ. فَكَانَ عَلَى كُلِّ طَرَفٍ مَلَاكٌ، أَيْ وَاحِدٌ مِنْ هُنَا وَالْآخَرُ مِنْ هُنَاكَ، كَجُزْءٍ مِنَ الْغِطَاءِ. وَكَانَ الْمَلَاكَانِ بَاسِطَيْنِ أَجْنِحَتَهُمَا إِلَى فَوْقُ، يُظَلِّلَانِ بِهِمَا الْغِطَاءَ، وَوَجْهُ الْوَاحِدِ إِلَى الْآخَرِ وَإِلَى الْغِطَاءِ. وَصَنَعَ الْمَائِدَةَ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ طُولُهَا 90 سَنْتِيمِتْرًا، وَعَرْضُهَا 50 سَنْتِيمِتْرًا، وَارْتِفَاعُهَا 70 سَنْتِيمِتْرًا. وَغَشَّاهَا بِذَهَبٍ نَقِيٍّ، وَصَنَعَ لَهَا إِطَارًا مِنَ الذَّهَبِ يُحِيطُ بِهَا. وَصَنَعَ لَهَا حَافَّةً حَوْلَهَا عَرْضُهَا شِبْرٌ، وَصَنَعَ لِلْحَافَّةِ إِطَارًا مِنَ الذَّهَبِ يُحِيطُ بِهَا. وَسَبَكَ لِلْمَائِدَةِ 4 حَلَقَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ وَثَبَّتَهَا عَلَى زَوَايَاهَا الْـ4 حَيْثُ تُوجَدُ قَوَائِمُهَا. وَكَانَتِ الْحَلَقَاتُ قَرِيبَةً مِنَ الْحَافَّةِ، وَبِذَلِكَ يُمْكِنُ إِدْخَالُ عَصَوَيْنِ فِيهَا لِحَمْلِ الْمَائِدَةِ. وَصَنَعَ الْعَصَوَيْنِ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ وَغَشَّاهُمَا بِالذَّهَبِ، لِتُحْمَلَ بِهِمَا الْمَائِدَةُ. وَصَنَعَ أَدَوَاتِ الْمَائِدَةِ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ، أَطْبَاقَهَا وَصُحُونَهَا وَأَوْعِيَتَهَا وَكُؤُوسَهَا الَّتِي تُسْكَبُ بِهَا الْقَرَابِينُ. وَصَنَعَ الْمَنَارَةَ مَطْرُوقَةً مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ، هِيَ وَقَاعِدَتَهَا وَسَاقَهَا. فَكَانَتْ هِيَ وَكَاسَاتُهَا وَبَرَاعِمُهَا وَأَوْرَاقُهَا قِطْعَةً وَاحِدَةً. وَتَفَرَّعَتْ مِنْ جَانِبَيْهَا 6 شُعَبٍ، 3 شُعَبٍ مِنْ جَانِبٍ، وَ3 شُعَبٍ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ. وَكَانَ لِكُلِّ شُعْبَةٍ مِنَ الشُّعَبِ الـ6، 3 كَاسَاتٍ عَلَى شَكْلِ زَهْرَةِ اللَّوْزِ بِبَرَاعِمَ وَأَوْرَاقٍ. وَفِي سَاقِ الْمَنَارَةِ نَفْسِهَا، 4 كَاسَاتٍ عَلَى شَكْلِ زَهْرَةِ اللَّوْزِ بِبَرَاعِمَ وَأَوْرَاقٍ. فَكَانَ بُرْعُمٌ تَحْتَ كُلِّ شُعْبَتَيْنِ مِنَ الشُّعَبِ الـ6 الْمُتَفَرِّعَةِ مِنَ الْمَنَارَةِ. وَكَانَتِ الْبَرَاعِمُ وَالشُّعَبُ كُلُّهَا قِطْعَةً وَاحِدَةً مَطْرُوقَةً مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ. وَصَنَعَ 7 مَصَابِيحَ لِلْمَنَارَةِ وَطَفَّايَاتِهَا وَمَنَافِضَهَا مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ. وَكَانَتْ كَمِّيَّةُ الذَّهَبِ النَّقِيِّ الَّتِي اسْتَخْدَمَهَا لِصُنْعِ الْمَنَارَةِ وَكُلِّ أَدَوَاتِهَا 34 كِيلُوجْرَامًا. وَصَنَعَ مَنَصَّةَ الْبَخُورِ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ. كَانَتْ مُرَبَّعَةً، طُولُهَا نِصْفُ مِتْرٍ، وَعَرْضُهَا نِصْفُ مِتْرٍ، وَارْتِفَاعُهَا 90 سَنْتِيمِتْرًا. وَكَانَتْ هِيَ وَقُرُونُهَا قِطْعَةً وَاحِدَةً. وَغَشَّى سَطْحَهَا وَجَوَانِبَهَا مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَقُرُونَهَا بِذَهَبٍ نَقِيٍّ. وَصَنَعَ لَهَا إِطَارًا مِنَ الذَّهَبِ يُحِيطُ بِهَا، وَحَلَقَتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ تَحْتَ الْإِطَارِ عَلَى هَذَا الْجَانِبِ، وَحَلَقَتَيْنِ عَلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَبِذَلِكَ يُمْكِنُ إِدْخَالُ عَصَوَيْنِ فِيهَا لِحَمْلِ الْمَنَصَّةِ. وَصَنَعَ الْعَصَوَيْنِ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ وَغَشَّاهُمَا بِالذَّهَبِ. وَصَنَعَ أَيْضًا زَيْتَ الْمَسْحَةِ الطَّاهِرَ وَالْبَخُورَ الْعَطِرَ، كَإِنْتَاجِ صَانِعِ الْعُطُورِ. وَصَنَعَ مَنَصَّةَ الْقُرْبَانِ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ مُرَبَّعَةً، طُولُهَا مِتْرَانِ وَثَلَاثُونَ سَنْتِيمِتْرًا، وَعَرْضُهَا مِتْرَانِ وَثَلَاثُونَ سَنْتِيمِتْرًا، وَارْتِفَاعُهَا مِتْرٌ وَثَلَاثُونَ سَنْتِيمِتْرًا. وَصَنَعَ لَهَا قَرْنًا عَلَى كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا الْـ4. وَكَانَتِ الْمَنَصَّةُ وَالْقُرُونُ قِطْعَةً وَاحِدَةً. وَغَشَّاهَا بِنُحَاسٍ. وَصَنَعَ كُلَّ أَدَوَاتِهَا مِنْ نُحَاسٍ، الْأَوْعِيَةَ وَالْمَجَارِفَ وَكُؤُوسَ رَشِّ الدَّمِ وَمَنَاشِلَ اللَّحْمِ وَالْمَجَامِرَ. وَصَنَعَ لِلْمَنَصَّةِ شَبَكَةً مِنْ نُحَاسٍ تَحْتَ حَافَّتِهَا مِنْ أَسْفَلُ، بِحَيْثُ ارْتَفَعَتْ إِلَى نِصْفِهَا. وَسَبَكَ 4 حَلَقَاتٍ مِنْ نُحَاسٍ لِأَطْرَافِ الشَّبَكَةِ الْـ4، لِإِدْخَالِ الْعَصَوَيْنِ فِيهَا. وَصَنَعَ عَصَوَيْنِ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ وَغَشَّاهُمَا بِنُحَاسٍ. وَأَدْخَلَ الْعَصَوَيْنِ فِي الْحَلَقَاتِ الَّتِي عَلَى جَانِبَيِ الْمَنَصَّةِ لِتُحْمَلَ بِهِمَا. وَصَنَعَ الْمَنَصَّةَ مُجَوَّفَةً، مِنْ أَلْوَاحٍ. وَصَنَعَ الْحَوْضَ وَقَاعِدَتَهُ مِنْ نُحَاسٍ، وَاسْتَخْدَمَ فِي ذَلِكَ الْمَرَايَا النُّحَاسِيَّةَ الَّتِي تَبَرَّعَتْ بِهَا النِّسَاءُ اللَّوَاتِي كُنَّ يَخْدِمْنَ عِنْدَ بَابِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَصَنَعَ السَّاحَةَ. فَكَانَ طُولُ الْجَانِبِ الْجَنُوبِيِّ 46 مِتْرًا، وَلَهُ سَتَائِرُ مِنْ كَتَّانٍ مَبْرُومٍ، وَ20 عَمُودًا، وَ20 قَاعِدَةً مِنْ نُحَاسٍ، وَخَطَاطِيفُ وَقُضْبَانُ الْأَعْمِدَةِ مِنْ فِضَّةٍ. وَكَانَ الْجَانِبُ الشَّمَالِيُّ أَيْضًا 46 مِتْرًا، وَلَهُ سَتَائِرُ، وَ20 عَمُودًا، وَ20 قَاعِدَةً مِنْ نُحَاسٍ، وَخَطَاطِيفُ وَقُضْبَانُ الْأَعْمِدَةِ مِنْ فِضَّةٍ. أَمَّا الْجَانِبُ الْغَرْبِيُّ فَكَانَ طُولُهُ 23 مِتْرًا، وَلَهُ سَتَائِرُ وَ10 أَعْمِدَةٍ وَ10 قَوَاعِدَ، وَخَطَاطِيفُ وَقُضْبَانُ الْأَعْمِدَةِ مِنْ فِضَّةٍ. وَالْجَانِبُ الشَّرْقِيُّ الَّذِي هُوَ نَاحِيَةُ شُرُوقِ الشَّمْسِ، كَانَ طُولُهُ 23 مِتْرًا أَيْضًا. وَعَلَى جَانِبِ الْمَدْخَلِ مِنْ هُنَا، سَتَائِرُ طُولُهَا 7 أَمْتَارٍ، وَ3 أَعْمِدَةٍ، وَ3 قَوَاعِدَ. وَعَلَى جَانِبِ الْمَدْخَلِ مِنْ هُنَاكَ، سَتَائِرُ طُولُهَا 7 أَمْتَارٍ، وَ3 أَعْمِدَةٍ، وَ3 قَوَاعِدَ. وَكُلُّ السَّتَائِرِ حَوْلَ السَّاحَةِ كَانَتْ مِنْ كَتَّانٍ مَبْرُومٍ، وَقَوَاعِدُ الْأَعْمِدَةِ مِنْ نُحَاسٍ، وَخَطَاطِيفُ الْأَعْمِدَةِ وَقُضْبَانُهَا مِنْ فِضَّةٍ، وَرُؤُوسُ الْأَعْمِدَةِ مُغَشَّاةٌ بِفِضَّةٍ، وَكَانَتْ كُلُّ أَعْمِدَةِ السَّاحَةِ مَوْصُولَةً بِقُضْبَانٍ مِنْ فِضَّةٍ. وَمَدْخَلُ السَّاحَةِ عَلَيْهِ سِتَارَةٌ مِنْ قُمَاشٍ أَزْرَقَ وَبَنَفْسَجِيٍّ وَأَحْمَرَ وَكَتَّانٍ مَبْرُومٍ، صَنْعَةَ طَرَّازٍ، طُولُهَا 9 أَمْتَارٍ، وَعَرْضُهَا أَيِ ارْتِفَاعُهَا مِتْرَانِ وَثَلَاثُونَ سَنْتِيمِتْرًا، أَيْ نَفْسُ قِيَاسِ سَتَائِرِ السَّاحَةِ. وَالْمَدْخَلُ لَهُ 4 أَعْمِدَةٍ وَ4 قَوَاعِدَ. وَخَطَاطِيفُ الْأَعْمِدَةِ وَقُضْبَانُهَا مِنْ فِضَّةٍ، وَرُؤُوسُ الْأَعْمِدَةِ مُغَشَّاةٌ بِفِضَّةٍ. وَكُلُّ أَوْتَادِ الْخَيْمَةِ وَأَوْتَادِ السَّاحَةِ الَّتِي حَوْلَهَا كَانَتْ مِنْ نُحَاسٍ. وَهَذِهِ هِيَ كَمِّيَّةُ الْمَعَادِنِ الَّتِي اسْتُعْمِلَتْ فِي بِنَاءِ الْخَيْمَةِ، أَيْ خَيْمَةِ الْعَهْدِ. فَقَدْ أَمَرَ مُوسَى بِأَنْ يُسَجِّلَهَا اللَّاوِيُّونَ تَحْتَ إِشْرَافِ إِيتَامَارَ بْنِ هَارُونَ الْحَبْرِ. وَصَنَعَ بَصَلْئِيلُ بْنُ أُورِي بْنِ حُورَ مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا كُلَّ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ مُوسَى. وَكَانَ مَعَهُ أَهُولِيآبُ بْنُ أَخِيسَامَاكَ مِنْ قَبِيلَةِ دَانَ، وَهُوَ خَيَّاطٌ وَمُصَمِّمٌ وَطَرَّازٌ يَعْمَلُ فِي الْقُمَاشِ الْأَزْرَقِ وَالْبَنَفْسَجِيِّ وَالْأَحْمَرِ وَالْكَتَّانِ. فَكَانَتْ كَمِّيَّةُ الذَّهَبِ الَّتِي تَبَرَّعَ بِهَا النَّاسُ وَاسْتُعْمِلَتْ فِي كُلِّ الْعَمَلِ لِبِنَاءِ خَيْمَةِ الْعِبَادَةِ 1000 كِيلُوجْرَامٍ، وَذَلِكَ حَسَبَ الْوَزْنِ الرَّسْمِيِّ. وَكَانَتِ الْفِضَّةُ الَّتِي تَبَرَّعَتْ بِهَا الْجَمَاعَةُ لَمَّا تَمَّ إِحْصَاؤُهُمْ، 3400 كِيلُوجْرَامٍ. وَذَلِكَ حَسَبَ الْوَزْنِ الرَّسْمِيِّ. لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنِ ابْنِ 20 سَنَةً وَمَا فَوْقُ، عَبَرَ إِلَى نَاحِيَةِ الْمَعْدُودِينَ، أَعْطَى نِصْفَ شَاقِلٍ حَسَبَ الْوَزْنِ الرَّسْمِيِّ لِلشَّاقِلِ. وَكَانَتْ جُمْلَةُ الْمَعْدُودِينَ 603550 رَجُلًا. وَكَانَ وَزْنُ الْفِضَّةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي صَبِّ الْـ100 قَاعِدَةٍ لِلْخَيْمَةِ وَلِلسَّتَائِرِ، 3400 كِيلُوجْرَامٍ، أَيْ 34 كِيلُوجْرَامًا لِلْقَاعِدَةِ. وَفَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ حَوَالَيْ 20 كِيلُوجْرَامًا، اِسْتُعْمِلَتْ لِصِنَاعَةِ خَطَاطِيفِ الْأَعْمِدَةِ وَقُضْبَانِهَا وَلِتَغْشِيَةِ رُؤُوسِ الْأَعْمِدَةِ. وَكَانَ النُّحَاسُ الَّذِي تَبَرَّعُوا بِهِ 2400 كِيلُوجْرَامٍ. اِسْتُعْمِلَتْ لِصِنَاعَةِ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَمَنَصَّةِ النُّحَاسِ وَشَبَكَتِهَا النُّحَاسِيَّةِ وَكُلِّ أَدَوَاتِهَا، وَقَوَاعِدِ السَّاحَةِ الَّتِي حَوْلَ الْخَيْمَةِ، وَقَوَاعِدِ مَدْخَلِ السَّاحَةِ، وَكُلِّ أَوْتَادِ الْخَيْمَةِ وَأَوْتَادِ السَّاحَةِ الَّتِي حَوْلَهَا. وَمِنَ الْقُمَاشِ الْأَزْرَقِ وَالْبَنَفْسَجِيِّ وَالْأَحْمَرِ صَنَعُوا ثِيَابًا لِلْخِدْمَةِ فِي خَيْمَةِ الْعِبَادَةِ، كَمَا صَنَعُوا ثِيَابًا طَاهِرَةً لِهَارُونَ، كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. فَصَنَعُوا الرِّدَاءَ مِنْ ذَهَبٍ وَقُمَاشٍ أَزْرَقَ وَبَنَفْسَجِيٍّ وَأَحْمَرَ وَكَتَّانٍ مَبْرُومٍ. وَطَرَقُوا الذَّهَبَ إِلَى صَفَائِحَ رَقِيقَةٍ، وَقَصُّوهَا إِلَى خُيُوطٍ، لِيَنْسِجُوهَا فِي الْقُمَاشِ الْأَزْرَقِ وَالْبَنَفْسَجِيِّ وَالْأَحْمَرِ وَالْكَتَّانِ، صَنْعَةَ خَيَّاطٍ مَاهِرٍ. وَصَنَعُوا لِلرِّدَاءِ كَتِفَيْنِ مُتَّصِلَيْنِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ لِيُثَبَّتَ بِهِمَا. وَالْحِزَامُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ كَانَ جُزْءًا مِنْهُ، وَصَنَعُوهُ هُوَ أَيْضًا مِنْ ذَهَبٍ وَقُمَاشٍ أَزْرَقَ وَبَنَفْسَجِيٍّ وَأَحْمَرَ وَكَتَّانٍ مَبْرُومٍ، كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. ثُمَّ ثَبَّتُوا حَجَرَيِ الْجَزْعِ فِي طَوْقَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، وَنَقَشُوا عَلَيْهِمَا أَسْمَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الِـ12 كَنَقْشِ الْخَاتِمِ. وَوَضَعُوهُمَا عَلَى كَتِفَيِ الرِّدَاءِ، لِيَكُونَا حَجَرَيْ تَذْكَارٍ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. وَصَنَعُوا الصُّدْرَةَ كَالرِّدَاءِ، مِنْ ذَهَبٍ وَقُمَاشٍ أَزْرَقَ وَبَنَفْسَجِيٍّ وَأَحْمَرَ وَكَتَّانٍ مَبْرُومٍ، صَنْعَةَ خَيَّاطٍ مَاهِرٍ. كَانَتْ مُرَبَّعَةً، طُولُهَا شِبْرٌ وَعَرْضُهَا شِبْرٌ، وَمَثْنِيَّةً إِلَى طَبَقَتَيْنِ. وَرَصَّعُوا فِيهَا 4 صُفُوفٍ مِنَ الْحِجَارَةِ الْكَرِيمَةِ. الصَّفُّ الْأَوَّلُ: عَقِيقٌ أَحْمَرُ وَيَاقُوتٌ أَصْفَرُ وَزُمُرُّدٌ. وَالصَّفُّ الثَّانِي: بَهْرَمَانٌ وَيَاقُوتٌ أَزْرَقُ وَعَقِيقٌ أَبْيَضُ. وَالصَّفُّ الثَّالِثُ: فَيْرُوزٌ وَيَاقُوتٌ أَحْمَرُ وَجَمَشْتٌ. وَالصَّفُّ الرَّابِعُ: زَبَرْجَدٌ وَجَزْعٌ وَالْمَاسٌ. كَانَتْ هَذِهِ الْحِجَارَةُ مُرَصَّعَةً فِي أَطْوَاقٍ مِنْ ذَهَبٍ. وَهِيَ بِعَدَدِ قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الِـ12، فَنَقَشُوا اسْمَ كُلِّ وَاحِدَةٍ عَلَى حَجَرٍ كَنَقْشِ الْخَاتِمِ. وَصَنَعُوا لِلصُّدْرَةِ سَلَاسِلَ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ مَجْدُولَةً كَالْحَبْلِ. وَصَنَعُوا طَوْقَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ وَحَلَقَتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، وَثَبَّتُوا الْحَلَقَتَيْنِ فِي طَرَفَيِ الصُّدْرَةِ مِنْ فَوْقُ. وَأَدْخَلُوا سِلْسِلَتَيِ الذَّهَبِ مِنْ طَرَفٍ فِي حَلَقَتَيِ الصُّدْرَةِ، وَمِنَ الطَّرَفِ الْآخَرِ فِي الطَّوْقَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَى كَتِفَيِ الرِّدَاءِ، مِنَ الْأَمَامِ. ثُمَّ صَنَعُوا حَلَقَتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ لِطَرَفَيِ الصُّدْرَةِ مِنْ تَحْتُ، وَوَضَعُوهُمَا مِنَ الدَّاخِلِ أَيْ مِنْ نَاحِيَةِ الرِّدَاءِ. ثُمَّ صَنَعُوا أَيْضًا حَلَقَتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، وَوَضَعُوهُمَا فِي كَتِفَيِ الرِّدَاءِ مِنْ تَحْتُ وَمِنَ الْأَمَامِ بِالْقُرْبِ مِنْ حِزَامِ الرِّدَاءِ. وَرَبَطُوا حَلَقَتَيِ الصُّدْرَةِ بِحَلَقَتَيِ الرِّدَاءِ بِشَرِيطٍ أَزْرَقَ، فَكَانَتِ الصُّدْرَةُ فَوْقَ الْحِزَامِ، لَا تَتَأَرْجَحُ عَنِ الرِّدَاءِ، كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. وَصَنَعُوا جُبَّةَ الرِّدَاءِ كُلَّهَا مِنْ قُمَاشٍ أَزْرَقَ، صَنْعَةَ نَسَّاجٍ. وَكَانَ فِي وَسَطِهَا فَتْحَةٌ، تُحِيطُ بِهَا يَاقَةٌ مُقَوَّاةٌ بِالْخِيَاطَةِ، فلَا تَتَمَزَّقُ. وَصَنَعُوا لِأَذْيَالِ الْجُبَّةِ رُمَّانَاتٍ مِنْ قُمَاشٍ أَزْرَقَ وَبَنَفْسَجِيٍّ وَأَحْمَرَ وَكَتَّانٍ مَبْرُومٍ. وَصَنَعُوا أَجْرَاسًا مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ، وَثَبَّتُوهَا حَوْلَ أَذْيَالِ الْجُبَّةِ بَيْنَ الرُّمَّانَاتِ. فَكَانَ بَيْنَ كُلِّ رُمَّانَتَيْنِ جَرَسٌ حَوْلَ أَذْيَالِ الْجُبَّةِ الَّتِي تُلْبَسُ لِلْخِدْمَةِ، كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. وَصَنَعُوا لِهَارُونَ وَبَنِيهِ قُمْصَانًا مِنْ كَتَّانٍ، صَنْعَةَ نَسَّاجٍ، وَعَمَائِمَ مِنْ كَتَّانٍ، وَعَصَائِبَ الْعَمَائِمِ مِنْ كَتَّانٍ، وَسَرَاوِيلَ مِنْ كَتَّانٍ مَبْرُومٍ، وَأَحْزِمَةً مِنْ كَتَّانٍ مَبْرُومٍ وَقُمَاشٍ أَزْرَقَ وَبَنَفْسَجِيٍّ وَأَحْمَرَ، صَنْعَةَ طَرَّازٍ، كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. وَصَنَعُوا الصَّفِيحَةَ أَيِ الْإِكْلِيلَ الطَّاهِرَ، مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ، وَنَقَشُوا عَلَيْهَا كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْخَاتِمِ عِبَارَةَ: 'خَاصٌّ للهِ.' ثُمَّ ثَبَّتُوهَا بِشَرِيطٍ أَزْرَقَ فِي الْعِمَامَةِ، كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. فَتَمَّ كُلُّ الْعَمَلِ لِبِنَاءِ مَكَانِ الْعِبَادَةِ، أَيْ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ كُلَّ شَيْءٍ تَمَامًا كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. ثُمَّ أَحْضَرُوهَا إِلَى مُوسَى: الْخَيْمَةَ وَكُلَّ أَثَاثِهَا مِنْ مَشَابِكَ وَأَلْوَاحٍ وَعَوَارِضَ وَأَعْمِدَةٍ وَقَوَاعِدَ، وَالْغِطَاءَ الَّذِي مِنْ جُلُودِ الْكِبَاشِ الْمَصْبُوغَةِ بِاللَّوْنِ الْأَحْمَرِ، وَالْغِطَاءَ الَّذِي مِنْ جُلُودِ الدُّلْفِينِ، وَالسِّتَارَةَ الَّتِي تَحْجُبُ الصُّنْدُوقَ، وَصُنْدُوقَ الْعَهْدِ وَعَصَوَيْهِ وَغِطَاءَهُ، وَالْمَائِدَةَ وَكُلَّ أَدَوَاتِهَا وَالْخُبْزَ الْمُقَدَّسَ الَّذِي يُوضَعُ فِي مَحْضَرِ اللهِ. وَالْمَنَارَةَ الَّتِي مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ، وَمَصَابِيحَهَا مُرَتَّبَةً عَلَيْهَا، وَكُلَّ أَدَوَاتِهَا، وَزَيْتَ الْإِنَارَةِ، وَالْمَنَصَّةَ الَّتِي مِنْ ذَهَبٍ، وَزَيْتَ الْمَسْحَةِ، وَالْبَخُورَ الْعَطِرَ، وَسِتَارَةَ مَدْخَلِ الْخَيْمَةِ، وَالْمَنَصَّةَ الَّتِي مِنْ نُحَاسٍ، وَشَبَكَتَهَا النُّحَاسِيَّةَ وَعَصَوَيْهَا وَكُلَّ أَدَوَاتِهَا، وَالْحَوْضَ وَقَاعِدَتَهُ، وَسَتَائِرَ السَّاحَةِ وَأَعْمِدَتَهَا وَقَوَاعِدَهَا، وَسِتَارَةَ مَدْخَلِ السَّاحَةِ، وَحِبَالَ السَّاحَةِ وَأَوْتَادَهَا، وَكُلَّ الْأَدَوَاتِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ لِلْخِدْمَةِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَثِيَابَ الْخِدْمَةِ، الثِّيَابَ الطَّاهِرَةَ لِهَارُونَ الْحَبْرِ، وَثِيَابَ بَنِيهِ عِنْدَمَا يَخْدِمُونَ كَأَحْبَارٍ. فَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ كُلَّ الشُّغْلِ تَمَامًا كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. وَفَحَصَ مُوسَى الْعَمَلَ، وَرَأَى أَنَّهُمْ عَمِلُوا كُلَّ شَيْءٍ كَمَا أَمْرَ اللهُ، فَبَارَكَهُمْ مُوسَى. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”تُقِيمُ الْخَيْمَةَ، خَيْمَةَ الِاجْتِمَاعِ، فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ. فَتَضَعُ فِيهَا صُنْدُوقَ الْعَهْدِ وَتَحْجُبُهُ بِالسِّتَارَةِ. وَتُدْخِلُ الْمَائِدَةَ، وَتُرَتِّبُ عَلَيْهَا أَدَوَاتِهَا. وَتُدْخِلُ الْمَنَارَةَ، وَتَضَعُ عَلَيْهَا مَصَابِيحَهَا. وَتَضَعُ الْمَنَصَّةَ الَّتِي مِنْ ذَهَبٍ أَمَامَ صُنْدُوقِ الْعَهْدِ، وَتَضَعُ السِّتَارَةَ عَلَى مَدْخَلِ الْخَيْمَةِ. ”ثُمَّ تَضَعُ مَنَصَّةَ الْقُرْبَانِ أَمَامَ بَابِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَتَضَعُ الْحَوْضَ بَيْنَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالْمَنَصَّةِ، وَتَضَعُ فِيهِ مَاءً. وَتُقِيمُ السَّاحَةَ حَوْلَهَا، وَتَضَعُ السِّتَارَةَ عَلَى مَدْخَلِ السَّاحَةِ. ”وَتَأْخُذُ زَيْتَ الْمَسْحَةِ وَتَمْسَحُ الْخَيْمَةَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، وَتُطَهِّرُهَا وَكُلَّ أَدَوَاتِهَا فَتَكُونُ طَاهِرَةً. ثُمَّ تَمْسَحُ مَنَصَّةَ الْقُرْبَانِ وَكُلَّ أَدَوَاتِهَا، وَتُطَهِّرُ الْمَنَصَّةَ فَتَكُونُ طَاهِرَةً جِدًّا. وَتَمْسَحُ الْحَوْضَ وَقَاعِدَتَهُ وَتُطَهِّرُهُمَا. ”وَتُحْضِرُ هَارُونَ وَبَنِيهِ إِلَى مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ وَتَغْسِلُهُمْ بِمَاءٍ. ثُمَّ تُلْبِسُ هَارُونَ الثِّيَابَ الطَّاهِرَةَ وَتَمْسَحُهُ وَتُطَهِّرُهُ، لِيَكُونَ حَبْرًا لِي. وَتُحْضِرُ بَنِيهِ وَتُلْبِسُهُمْ قُمْصَانًا، وَتَمْسَحُهُمْ كَمَا مَسَحْتَ أَبَاهُمْ، لِيَكُونُوا أَحْبَارًا لِي. فَتَكُونُ هَذِهِ الْمَسْحَةُ لِخِدْمَةٍ تَسْتَمِرُّ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ.“ فَعَمِلَ مُوسَى كُلَّ شَيْءٍ تَمَامًا كَمَا أَمَرَهُ اللهُ. وَأُقِيمَتِ الْخَيْمَةُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ. فَأَقَامَ مُوسَى الْخَيْمَةَ، وَوَضَعَ قَوَاعِدَهَا فِي أَمَاكِنِهَا وَرَكَّبَ أَلْوَاحَهَا وَعَوَارِضَهَا وَأَقَامَ أَعْمِدَتَهَا. وَبَسَطَ الْغِطَاءَ فَوْقَ الْخَيْمَةِ، ثُمَّ الْغِطَاءَ الْآخَرَ فَوْقَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ. وَأَخَذَ كَلِمَاتِ الْعَهْدِ وَوَضَعَهَا فِي الصُّنْدُوقِ، وَأَدْخَلَ الْعَصَوَيْنِ فِي مَكَانِهِمَا، وَوَضَعَ الْغِطَاءَ فَوْقَ الصُّنْدُوقِ. ثُمَّ أَدْخَلَ الصُّنْدُوقَ إِلَى الْخَيْمَةِ، وَعَلَّقَ السِّتَارَةَ وَحَجَبَ بِهَا صُنْدُوقَ الْعَهْدِ، كَمَا أَمَرَهُ اللهُ. ثُمَّ وَضَعَ مُوسَى الْمَائِدَةَ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، فِي الْجَانِبِ الشَّمَالِيِّ مِنَ الْخَيْمَةِ خَارِجَ السِّتَارَةِ. وَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْخُبْزَ أَمَامَ اللهِ كَمَا أَمَرَهُ. وَوَضَعَ الْمَنَارَةَ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، فِي الْجَانِبِ الْجَنُوبِيِّ مِنَ الْخَيْمَةِ مُقَابِلَ الْمَائِدَةِ. وَوَضَعَ عَلَيْهَا مَصَابِيحَهَا أَمَامَ اللهِ كَمَا أَمَرَهُ. وَوَضَعَ مُوسَى الْمَنَصَّةَ الَّتِي مِنْ ذَهَبٍ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ أَمَامَ السِّتَارَةِ. وَأَحْرَقَ عَلَيْهَا بَخُورًا عَطِرًا، كَمَا أَمَرَهُ اللهُ. وَوَضَعَ السِّتَارَةَ عَلَى مَدْخَلِ الْخَيْمَةِ. وَوَضَعَ مَنَصَّةَ الْقُرْبَانِ عِنْدَ بَابِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَقَدَّمَ عَلَيْهَا قَرَابِينَ مَحْرُوقَةً وَقَرَابِينَ دَقِيقٍ، كَمَا أَمَرَهُ اللهُ. وَوَضَعَ الْحَوْضَ بَيْنَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالْمَنَصَّةِ، وَوَضَعَ فِيهِ مَاءً لِلِاغْتِسَالِ. لِيَغْسِلَ مِنْهُ مُوسَى وَهَارُونُ وَبَنُوهُ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، حِينَ يَدْخُلُونَ إِلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ وَعِنْدَ اقْتِرَابِهِمْ إِلَى الْمَنَصَّةِ، كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. وَأَقَامَ مُوسَى السَّاحَةَ حَوْلَ الْخَيْمَةِ، وَوَضَعَ السِّتَارَةَ عَلَى مَدْخَلِ السَّاحَةِ. وَبِهَذَا أَتَمَّ مُوسَى الْعَمَلَ. ثُمَّ غَطَّتِ السَّحَابَةُ خَيْمَةَ الِاجْتِمَاعِ، وَمَلَأَ جَلَالُ اللهِ الْخَيْمَةَ. فَلَمْ يَقْدِرْ مُوسَى أَنْ يَدْخُلَ خَيْمَةَ الِاجْتِمَاعِ، لِأَنَّ السَّحَابَةَ حَلَّتْ عَلَيْهَا، وَجَلَالُ اللهِ مَلَأَ الْخَيْمَةَ. فَفِي كُلِّ أَسْفَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَانَ إِذَا ارْتَفَعَتِ السَّحَابَةُ عَنِ الْخَيْمَةِ يُتَابِعُونَ سَفَرَهُمْ. وَإِنْ لَمْ تَرْتَفِعْ، يَلْزَمُونَ مَكَانَهُمْ، إِلَى يَوْمِ ارْتِفَاعِهَا. فَكَانَتْ سَحَابَةُ اللهِ عَلَى الْخَيْمَةِ فِي النَّهَارِ، وَكَانَ فِي السَّحَابَةِ نَارٌ فِي اللَّيْلِ، وَرَأَى كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ هَذَا فِي كُلِّ أَسْفَارِهِمْ. وَنَادَى اللهُ مُوسَى وَكَلَّمَهُ مِنْ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ وَقَالَ لَهُ: ”قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’إِذَا قَدَّمَ أَحَدُكُمْ قُرْبَانًا للهِ مِنَ الْبَهَائِمِ، فَلْيَكُنْ ذَلِكَ مِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. فَإِنْ كَانَ قُرْبَانًا يُحْرَقُ مِنَ الْبَقَرِ، فَيُقَدِّمُ ذَكَرًا بِلَا عَيْبٍ، يُحْضِرُهُ إِلَى مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ لِكَيْ يَرْضَى اللهُ عَنْهُ. وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ الضَّحِيَّةِ، فَيَقْبَلُهَا اللهُ مِنْهُ لِلتَّكْفِيرِ عَنْهُ. وَيَذْبَحُ الْعِجْلَ أَمَامَ اللهِ، وَيُقَدِّمُ بَنُو هَارُونَ الْأَحْبَارُ الدَّمَ وَيَرُشُّونَهُ عَلَى كُلِّ جَوَانِبِ مَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ الَّتِي عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَيَسْلُخُ الضَّحِيَّةَ وَيُقَطِّعُهَا إِلَى قِطَعٍ. وَيَضَعُ بَنُو هَارُونَ الْحَبْرِ نَارًا عَلَى الْمَنَصَّةِ وَيُرَتِّبُونَ خَشَبًا عَلَى النَّارِ. ثُمَّ يُرَتِّبُونَ قِطَعَ اللَّحْمِ مَعَ الرَّأْسِ وَالشَّحْمِ فَوْقَ الْخَشَبِ الْمُشْتَعِلِ عَلَى الْمَنَصَّةِ. أَمَّا الْأَمْعَاءُ وَالْأَرْجُلُ فَيَغْسِلُهَا الرَّجُلُ بِمَاءٍ، وَيَحْرِقُ الْحَبْرُ كُلَّ هَذَا عَلَى الْمَنَصَّةِ. إِنَّهُ قُرْبَانٌ يُحْرَقُ، يُشْعَلُ وَرَائِحَتُهُ تَسُرُّ اللهَ. ”’وَإِنْ كَانَ قُرْبَانُهُ مِنَ الْغَنَمِ، سَوَاءً مِنَ الضَّأْنِ أَوِ الْمَعْزِ، فَيُقَدِّمُ ذَكَرًا بِلَا عَيْبٍ. وَيَذْبَحُهُ أَمَامَ اللهِ عِنْدَ الْجَانِبِ الشَّمَالِيِّ لِلْمَنَصَّةِ. وَيَرُشُّ بَنُو هَارُونَ الْأَحْبَارُ دَمَهُ عَلَى كُلِّ جَوَانِبِ الْمَنَصَّةِ. وَيُقَطِّعُهُ إِلَى قِطَعٍ، ثُمَّ يُرَتِّبُ الْحَبْرُ الْقِطَعَ مَعَ الرَّأْسِ وَالشَّحْمِ فَوْقَ الْخَشَبِ الْمُشْتَعِلِ عَلَى الْمَنَصَّةِ. أَمَّا الْأَمْعَاءُ وَالْأَرْجُلُ فَيَغْسِلُهَا الرَّجُلُ بِمَاءٍ، وَيَحْرِقُ الْحَبْرُ كُلَّ هَذَا عَلَى الْمَنَصَّةِ. إِنَّهُ قُرْبَانٌ يُحْرَقُ، يُشْعَلُ وَرَائِحَتُهُ تَسُرُّ اللهَ. ”’وَإِنْ كَانَ قُرْبَانُهُ الَّذِي يَحْرِقُهُ للهِ هُوَ مِنَ الطَّيْرِ، فَلْيَكُنْ ذَلِكَ مِنَ الْيَمَامِ أَوْ مِنْ فِرَاخِ الْحَمَامِ. فَيُقَدِّمُ الْحَبْرُ الْقُرْبَانَ إِلَى الْمَنَصَّةِ، وَيَحُزُّ رَأْسَهُ وَيَحْرِقُهَا عَلَى الْمَنَصَّةِ. ثُمَّ يُصَفِّي دَمَهُ عَلَى حَائِطِ الْمَنَصَّةِ. وَيَنْزِعُ حَوْصَلَتَهُ بِمَا فِيهَا وَيَطْرَحُهَا إِلَى جَانِبِ الْمَنَصَّةِ الشَّرْقِيِّ، حَيْثُ يُوضَعُ الرَّمَادُ. وَيَشُقُّهُ بَيْنَ جَنَاحَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْصِلَهُ إِلَى قِطْعَتَيْنِ. ثُمَّ يَحْرِقُهُ الْحَبْرُ عَلَى الْمَنَصَّةِ فَوْقَ الْخَشَبِ الَّذِي عَلَى النَّارِ. إِنَّهُ قُرْبَانٌ يُحْرَقُ، يُشْعَلُ وَرَائِحَتُهُ تَسُرُّ اللهَ. ”’وَإِذَا قَدَّمَ أَحَدُكُمْ قُرْبَانًا للهِ مِنَ الْحُبُوبِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنَ الدَّقِيقِ. وَيَصُبُّ عَلَيْهِ زَيْتًا، وَيَضَعُ عَلَيْهِ بَخُورًا. وَيَأْخُذُهُ إِلَى بَنِي هَارُونَ الْأَحْبَارِ، فَيَأْخُذُ الْحَبْرُ مِلْءَ يَدِهِ مِنَ الدَّقِيقِ وَالزَّيْتِ وَمَعَهُمَا كُلَّ الْبَخُورِ وَيَحْرِقُ هَذَا الْجُزْءَ كَتَذْكَارٍ عَلَى الْمَنَصَّةِ. هُوَ قُرْبَانٌ يُشْعَلُ وَرَائِحَتُهُ تَسُرُّ اللهَ. وَالْبَاقِي مِنَ الْقُرْبَانِ يَكُونُ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ، وَهُوَ مُقَدَّسٌ جِدًّا لِأَنَّهُ قُرْبَانٌ يُشْعَلُ للهِ. ”’وَإِذَا قَدَّمْتَ قُرْبَانًا مَخْبُوزًا فِي الْفُرْنِ، فَيَكُونُ مِنَ الدَّقِيقِ، فَطِيرًا مَعْمُولًا بِالزَّيْتِ أَوْ رِقَاقًا مَدْهُونًا بِالزَّيْتِ. وَإِنْ كَانَ قُرْبَانُكَ مَخْبُوزًا عَلَى الصَّاجِ، فَيَكُونُ مِنَ الدَّقِيقِ، فَطِيرًا مَعْمُولًا بِالزَّيْتِ. تُقَطِّعُهُ إِلَى فُتَاتٍ وَتَصُبُّ عَلَيْهِ زَيْتًا. إِنَّهُ قُرْبَانُ دَقِيقٍ. وَإِنْ كَانَ قُرْبَانُكَ مَقْلِيًّا، فَتَعْمَلُهُ مِنْ دَقِيقٍ بِزَيْتٍ. فَتُحْضِرُ الْقُرْبَانَ الَّذِي تَصْنَعُهُ مِنْ أَيٍّ مِنْ هَذِهِ، إِلَى اللهِ وَتُقَدِّمُهُ إِلَى الْحَبْرِ، فَيَأْخُذُهُ إِلَى الْمَنَصَّةِ. وَيَأْخُذُ الْحَبْرُ جُزْءًا مِنْهُ كَتَذْكَارٍ، وَيَحْرِقُهُ عَلَى الْمَنَصَّةِ. هُوَ قُرْبَانٌ يُشْعَلُ وَرَائِحَتُهُ تَسُرُّ اللهَ. وَالْبَاقِي مِنَ الْقُرْبَانِ يَكُونُ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ، وَهُوَ مُقَدَّسٌ جِدًّا لِأَنَّهُ قُرْبَانٌ يُشْعَلُ للهِ. ”’كُلُّ قُرْبَانِ دَقِيقٍ تُقَدِّمُهُ للهِ يَجِبُ أَنْ يُعْمَلَ بِلَا خَمِيرٍ. لَا تَحْرِقُوا خَمِيرًا أَوْ عَسَلًا كَقُرْبَانٍ يُشْعَلُ للهِ. يُمْكِنُكُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا للهِ خَمِيرًا أَوْ عَسَلًا كَقُرْبَانِ أَوَّلِ الْحَصَادِ، لَكِنْ لَا تَحْرِقُوهُ عَلَى الْمَنَصَّةِ كَرَائِحَةٍ تَسُرُّ. وَيَجِبُ أَنْ تُمَلِّحَ كُلَّ قَرَابِينِ الدَّقِيقِ بِمِلْحٍ، فَالْمِلْحُ هُوَ رَمْزُ عَهْدِ إِلَهِكَ مَعَكَ. إِيَّاكَ أَنْ يَخْلُوَ قُرْبَانٌ مِنَ الْمِلْحِ، بَلْ تَضَعُهُ فِي كُلِّ قَرَابِينِكَ. ”’وَإِنْ قَدَّمْتَ للهِ قُرْبَانًا مِنْ أَوَّلِ الْحَصَادِ، فَتُحْضِرُ فَرِيكًا مَشْوِيًّا بِالنَّارِ. أَيْ تَنْزِعُ الْحَبَّ مِنَ السَّنَابِلِ الطَّرِيَّةِ وَتَجْرُشُهُ وَتَشْوِيهِ وَتُقَدِّمُهُ قُرْبَانًا مِنْ أَوَائِلِ حَصَادِكَ. وَتَضَعُ عَلَيْهِ زَيْتًا وَأَيْضًا بَخُورًا. إِنَّهُ قُرْبَانٌ مِنَ الْحُبُوبِ. فَيَحْرِقُ الْحَبْرُ جُزْءًا مِنْهُ كَتَذْكَارٍ، مِنَ الْفَرِيكِ وَالزَّيْتِ وَمَعَهُمَا كُلُّ الْبَخُورِ. هُوَ قُربَانٌ يُشْعَلُ للهِ. ”’وَإِنْ قَدَّمَ الشَّخْصُ للهِ ضَحِيَّةً لِلصُّحْبَةِ مِنَ الْبَقَرِ سَوَاءً ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، فَمَا يُقَدِّمُهُ أَمَامَ اللهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِلَا عَيْبٍ. فَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ قُرْبَانِهِ، وَيَذْبَحُهُ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. ثُمَّ يَرُشُّ بَنُو هَارُونَ الْأَحْبَارُ الدَّمَ عَلَى كُلِّ جَوَانِبِ الْمَنَصَّةِ. وَيُقَدِّمُ للهِ مِنْ ضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ قُرْبَانًا يُشْعَلُ: الشَّحْمَ الَّذِي يُغَشِّي الْأَمْعَاءَ وَكُلَّ الشَّحْمِ الْمُتَّصِلِ بِهَا. وَالْكُلْيَتَيْنِ وَالشَّحْمَ الَّذِي عَلَيْهِمَا الَّذِي عَلَى الْجَانِبَيْنِ وَالشَّحْمَ الَّذِي يُغَشِّي الْكَبِدَ، فَيَنْزِعُهُ مَعَ الْكُلْيَتَيْنِ. وَيَحْرِقُهَا بَنُو هَارُونَ عَلَى الْمَنَصَّةِ فَوْقَ الْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ، الَّذِي عَلَى الْخَشَبِ الْمُشْتَعِلِ. إِنَّهُ قُرْبَانٌ يُشْعَلُ وَرَائِحَتُهُ تَسُرُّ اللهَ. ”’وَإِنْ قَدَّمَ الشَّخْصُ للهِ ضَحِيَّةً لِلصُّحْبَةِ مِنَ الْغَنَمِ، سَوَاءً ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، فَمَا يُقَدِّمُهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِلَا عَيْبٍ. فَإِنْ كَانَ مِنَ الضَّأْنِ يُقَدِّمُهُ أَمَامَ اللهِ. فَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ قُرْبَانِهِ، وَيَذْبَحُهُ قُدَّامَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. ثُمَّ يَرُشُّ بَنُو هَارُونَ دَمَهُ عَلَى كُلِّ جَوَانِبِ الْمَنَصَّةِ. وَيُقَدِّمُ للهِ مِنْ ضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ شَحْمَهَا قُرْبَانًا يُشْعَلُ: فَيَنْزِعُ الْإِلْيَةَ كُلَّهَا مِنْ عِنْدِ الْعُصْعُصِ، وَالشَّحْمَ الَّذِي يُغَشِّي الْأَمْعَاءَ وَكُلَّ الشَّحْمِ الْمُتَّصِلِ بِهَا. وَالْكُلْيَتَيْنِ وَالشَّحْمَ الَّذِي عَلَيْهِمَا، الَّذِي عَلَى الْجَانِبَيْنِ وَالشَّحْمَ الَّذِي يُغَشِّي الْكَبِدَ، فَيَنْزِعُهُ مَعَ الْكُلْيَتَيْنِ. وَيَحْرِقُهَا الْحَبْرُ عَلَى الْمَنَصَّةِ كَطَعَامٍ، هُوَ قُرْبَانٌ يُشْعَلُ للهِ. ”’وَإِنْ كَانَ قُرْبَانُهُ مِنَ الْمَعْزِ، يُقَدِّمُهُ أَمَامَ اللهِ. فَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ قُرْبَانِهِ، وَيَذْبَحُهُ قُدَّامَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. ثُمَّ يَرُشُّ بَنُو هَارُونَ دَمَهُ عَلَى كُلِّ جَوَانِبِ الْمَنَصَّةِ. وَيُقَدِّمُ للهِ مِنْ هَذِهِ الضَّحِيَّةِ قُرْبَانًا يُشْعَلُ: الشَّحْمَ الَّذِي يُغَشِّي الْأَمْعَاءَ وَكُلَّ الشَّحْمِ الْمُتَّصِلِ بِهَا. وَالْكُلْيَتَيْنِ وَالشَّحْمَ الَّذِي عَلَيْهِمَا، الَّذِي عَلَى الْجَانِبَيْنِ وَالشَّحْمَ الَّذِي يُغَشِّي الْكَبِدَ، فَيَنْزِعُهُ مَعَ الْكُلْيَتَيْنِ. وَيَحْرِقُهَا الْحَبْرُ عَلَى الْمَنَصَّةِ كَطَعَامٍ، هُوَ قُرْبَانٌ يُشْعَلُ، وَرَائِحَتُهُ تَسُرُّ. فَكُلُّ الشَّحْمِ هُوَ للهِ. هَذِهِ فَرِيضَةٌ تَدُومُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ فِي كُلِّ بِلَادِكُمْ، لَا تَأْكُلُوا الشَّحْمَ وَلَا الدَّمَ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’هَذِهِ هِيَ شَرِيعَةُ مَنْ يُخْطِئُ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَيَعْمَلُ شَيْئًا حَرَّمَهُ اللهُ وَلَا يَجِبُ عَمَلُهُ: ”’إِنْ كَانَ الَّذِي أَخْطَأَ هُوَ الْحَبْرُ الْمَمْسُوحُ، فَهُوَ يَجْلِبُ الذَّنْبَ عَلَى الشَّعْبِ، لِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يُقَدِّمَ للهِ عِجْلًا مِنَ الْبَقَرِ بِلَا عَيْبٍ ضَحِيَّةً لِلتَّكْفِيرِ عَنْ خَطِيئَتِهِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا. يُقَدِّمُ الْعِجْلَ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ أَمَامَ اللهِ، وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْعِجْلِ وَيَذْبَحُهُ أَمَامَ اللهِ. ثُمَّ يَأْخُذُ الْحَبْرُ الْمَمْسُوحُ مِنْ دَمِ الْعِجْلِ، وَيَدْخُلُ بِهِ إِلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَيَغْمِسُ إِصْبَعَهُ فِي الدَّمِ وَيَرُشُّ مِنْهُ 7 مَرَّاتٍ أَمَامَ اللهِ عِنْدَ سِتَارَةِ الْمَقْدِسِ. وَيَضَعُ مِنَ الدَّمِ عَلَى قُرُونِ مَنَصَّةِ الْبَخُورِ الْعَطِرِ الَّتِي أَمَامَ اللهِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَبَاقِي دَمِ الْعِجْلِ يَكُبُّهُ عِنْدَ قَاعِدَةِ مَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ الَّتِي عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَيَنْزِعُ كُلَّ الشَّحْمِ مِنْ عِجْلِ ضَحِيَّةِ التَّكْفِيرِ عَنِ الْخَطِيئَةِ: الشَّحْمَ الَّذِي يُغَشِّي الْأَمْعَاءَ وَكُلَّ الشَّحْمِ الْمُتَّصِلِ بِهَا. وَالْكُلْيَتَيْنِ وَالشَّحْمَ الَّذِي عَلَيْهِمَا، الَّذِي عَلَى الْجَانِبَيْنِ وَالشَّحْمَ الَّذِي يُغَشِّي الْكَبِدَ، فَيَنْزِعُهُ مَعَ الْكُلْيَتَيْنِ. كَمَا تُنْزَعُ مِنْ عِجْلِ ضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ. ثُمَّ يَحْرِقُهَا الْحَبْرُ عَلَى مَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ. أَمَّا جِلْدُ الْعِجْلِ وَكُلُّ لَحْمِهِ مَعَ رَأْسِهِ وَأَرْجُلِهِ وَأَمْعَائِهِ وَرَوْثِهِ، فَيُخْرِجُهَا كُلَّهَا إِلَى خَارِجِ الْمُخَيَّمِ، إِلَى مَكَانٍ طَاهِرٍ، حَيْثُ يُطْرَحُ الرَّمَادُ، وَيَحْرِقُهَا عَلَى خَشَبٍ مُشْتَعِلٍ فَوْقَ كُومِ الرَّمَادِ. ”’وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَخْطَأَ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ هُوَ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَعَمِلُوا شَيْئًا حَرَّمَهُ اللهُ وَلَا يَجِبُ عَمَلُهُ وَأَذْنَبُوا، وَهُمْ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ بِالْمَوْضُوعِ، فَعِنْدَمَا تُكْتَشَفُ الْخَطِيئَةُ الَّتِي ارْتَكَبُوهَا، تَأْتِي الْجَمَاعَةُ بِعِجْلٍ لِضَحِيَّةِ التَّكْفِيرِ عَنِ الْخَطِيئَةِ، وَيُقَدِّمُونَهُ أَمَامَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَيَضَعُ شُيُوخُ الْجَمَاعَةِ أَيْدِيَهُمْ عَلَى رَأْسِ الْعِجْلِ أَمَامَ اللهِ، وَيَذْبَحُونَهُ هُنَاكَ. ثُمَّ يَأْخُذُ الْحَبْرُ الْمَمْسُوحُ مِنْ دَمِ الْعِجْلِ، وَيَدْخُلُ بِهِ إِلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَيَغْمِسُ إِصْبَعَهُ فِي الدَّمِ وَيَرُشُّ 7 مَرَّاتٍ أَمَامَ اللهِ عِنْدَ السِّتَارَةِ. وَيَضَعُ مِنَ الدَّمِ عَلَى قُرُونِ الْمَنَصَّةِ الَّتِي أَمَامَ اللهِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَبَاقِي الدَّمِ يَكُبُّهُ عِنْدَ قَاعِدَةِ مَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ الَّتِي عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَيَنْزِعُ كُلَّ الشَّحْمِ عَنِ الْعِجْلِ وَيَحْرِقُهُ عَلَى الْمَنَصَّةِ. وَيَفْعَلُ بِهَذَا الْعِجْلِ كَمَا فَعَلَ بِعِجْلِ ضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ. وَبِهَذَا يُكَفِّرُ الْحَبْرُ عَنْهُمْ، فَيَغْفِرُ اللهُ لَهُمْ. ثُمَّ يُخْرِجُ الْعِجْلَ إِلَى خَارِجِ الْمُخَيَّمِ، وَيَحْرِقُهُ كَمَا أَحْرَقَ الْعِجْلَ الْأَوَّلَ. إِنَّهُ ضَحِيَّةٌ عَنْ خَطِيئَةِ الْجَمَاعَةِ. ”’وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَخْطَأَ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ هُوَ وَاحِدٌ مِنْ قَادَةِ الشَّعْبِ، فَعَمِلَ شَيْئًا حَرَّمَهُ الْمَوْلَى إِلَهُهُ وَلَا يَجِبُ عَمَلُهُ وَأَذْنَبَ. ثُمَّ أُعْلِمَ بِخَطِيئَتِهِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا، يُحْضِرُ قُرْبَانَهُ جَدْيًا مِنَ الْمَعْزِ ذَكَرًا بِلَا عَيْبٍ. وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ الْجَدْيِ، وَيَذْبَحُهُ أَمَامَ اللهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يُذْبَحُ فِيهِ الْقُرْبَانُ الَّذِي يُحْرَقُ. إِنَّهُ ضَحِيَّةٌ عَنِ الْخَطِيئَةِ. وَيَأْخُذُ الْحَبْرُ مِنْ دَمِ ضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ بِإِصْبَعِهِ، وَيَضَعُهُ عَلَى قُرُونِ مَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ، ثُمَّ يَكُبُّ بَاقِيَ دَمِهِ عِنْدَ قَاعِدَةِ الْمَنَصَّةِ. وَيَحْرِقُ كُلَّ شَحْمِهِ عَلَى الْمَنَصَّةِ، كَمَا يَفْعَلُ بِشَحْمِ ضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ. وَبِهَذَا يُكَفِّرُ الْحَبْرُ عَنْ خَطِيئَةِ الرَّجُلِ، فَيَغْفِرُ اللهُ لَهُ. ”’وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَخْطَأَ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ هُوَ وَاحِدٌ مِنْ عَامَّةِ الشَّعْبِ، فَعَمِلَ شَيْئًا حَرَّمَهُ اللهُ وَلَا يَجِبُ عَمَلُهُ وَأَذْنَبَ، ثُمَّ أُعْلِمَ بِخَطِيئَتِهِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا، يُحْضِرُ قُرْبَانَهُ عَنْزًا مِنَ الْمَعْزِ أُنْثَى بِلَا عَيْبٍ، لِلتَّكْفِيرِ عَنْ خَطِيئَتِهِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا. وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ ضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ، وَيَذْبَحُهَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي يُذْبَحُ فِيهِ الْقُرْبَانُ الَّذِي يُحْرَقُ. وَيَأْخُذُ الْحَبْرُ مِنْ دَمِهَا بِإِصْبَعِهِ، وَيَضَعُهُ عَلَى قُرُونِ مَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ، ثُمَّ يَكُبُّ بَاقِيَ دَمِهَا عِنْدَ قَاعِدَةِ الْمَنَصَّةِ. وَيَنْزِعُ كُلَّ شَحْمِهَا كَمَا نُزِعَ الشَّحْمُ مِنْ ضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ. ثُمَّ يَحْرِقُهَا الْحَبْرُ عَلَى الْمَنَصَّةِ. إِنَّ رَائِحَتَهَا تَسُرُّ اللهَ. وَبِهَذَا يُكَفِّرُ الْحَبْرُ عَنِ الرَّجُلِ، فَيَغْفِرُ اللهُ لَهُ. ”’وَإِنْ أَحْضَرَ قُرْبَانَهُ مِنَ الضَّأْنِ لِيَكُونَ ضَحِيَّةً عَنِ الْخَطِيئَةِ، فَلْتَكُنْ أُنْثَى بِلَا عَيْبٍ. وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ ضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ، وَيَذْبَحُهَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي يُذْبَحُ فِيهِ الْقُرْبَانُ الَّذِي يُحْرَقُ. وَيَأْخُذُ الْحَبْرُ مِنْ دَمِ ضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ، وَيَضَعُهُ عَلَى قُرُونِ مَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ، ثُمَّ يَكُبُّ بَاقِيَ الدَّمِ عِنْدَ قَاعِدَةِ الْمَنَصَّةِ. وَيَنْزِعُ كُلَّ شَحْمِهَا كَمَا يَنْزِعُ شَحْمَ الضَّأْنِ مِنْ ضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ. ثُمَّ يَحْرِقُهَا الْحَبْرُ عَلَى الْمَنَصَّةِ فَوْقَ الْقُرْبَانِ الَّذِي يُشْعَلُ للهِ. وَبِهَذَا يُكَفِّرُ الْحَبْرُ عَنْ خَطِيئَةِ الرَّجُلِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا، فَيَغْفِرُ اللهُ لَهُ. ”’إِنْ رَأَى شَخْصٌ حَادِثَةً مَا أَوْ عَرَفَ عَنْهَا، ثُمَّ اسْتُدْعِيَ لِلشَّهَادَةِ، وَلَمْ يُخْبِرْ بِذَلِكَ، يَكُونُ مُذْنِبًا. إِنْ كَانَ شَخْصٌ يَمَسُّ شَيْئًا نَجِسًا، سَوَاءً جُثَّةُ وَحْشٍ نَجِسٍ، أَوْ جُثَّةُ بَهِيمَةٍ نَجِسَةٍ، أَوْ جُثَّةُ شَيْءٍ نَجِسٍ مِمَّا يَزْحَفُ عَلَى الْأَرْضِ، حَتَّى إِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مَسَّهَا، فَهُوَ نَجِسٌ وَمُذْنِبٌ. وَإِنْ مَسَّ إِحْدَى نَجَاسَاتِ الْإِنْسَانِ، أَيَّ شَيْءٍ يَجْعَلُهُ يَتَنَجَّسُ، حَتَّى إِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ، ثُمَّ عَرَفَ، فَهُوَ مُذْنِبٌ. إِنْ حَلَفَ شَخْصٌ مِنْ غَيْرِ تَرَوٍّ، لِعَمَلِ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، مَهْمَا كَانَتِ الْيَمِينُ الَّتِي لَمْ يَتَرَوَّ فِيهَا، حَتَّى إِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ، ثُمَّ عَرَفَ، فَهُوَ مُذْنِبٌ عَلَى أَيِّ حَالٍ. ”’فَإِنْ أَذْنَبَ الشَّخْصُ فِي أَيٍّ مِنْ هَذِهِ الْحَالَاتِ، فَيَجِبُ أَنْ يَعْتَرِفَ بِخَطِيئَتِهِ. وَكَتَعْوِيضٍ عَنْ خَطِيئَتِهِ، يُحْضِرُ للهِ أُنْثَى مِنَ الْغَنَمِ؛ نَعْجَةً أَوْ عَنْزًا، كَضَحِيَّةٍ عَنِ الْخَطِيئَةِ، فَيُكَفِّرُ الْحَبْرُ لَهُ عَنْ خَطِيئَتِهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي إِمْكَانِهِ أَنْ يُقَدِّمَ نَعْجَةً أَوْ عَنْزًا، فَيُحْضِرُ للهِ كَتَعْوِيضٍ عَنْ خَطِيئَتِهِ، يَمَامَتَيْنِ أَوْ حَمَامَتَيْنِ صَغِيرَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا ضَحِيَّةُ تَكْفِيرٍ عَنِ الْخَطِيئَةِ وَالْأُخْرَى قُرْبَانٌ يُحْرَقُ. فَيُحْضِرُهُمَا إِلَى الْحَبْرِ فَيُقَدِّمُ ضَحِيَّةَ الْخَطِيئَةِ أَوَّلًا: يَحُزُّ الرَّقَبَةَ وَلَكِنْ لَا يَفْصِلُ الرَّأْسَ، وَيَرُشُّ مِنْ دَمِ هَذِهِ الضَّحِيَّةِ عَلَى حَائِطِ الْمَنَصَّةِ. وَبَاقِي الدَّمِ يُصَفِّيهِ عِنْدَ قَاعِدَةِ الْمَنَصَّةِ، إِنَّهَا ضَحِيَّةٌ عَنِ الْخَطِيئَةِ. ثُمَّ يُقَدِّمُ الثَّانِيَةَ قُرْبَانًا يَحْرِقُهُ كَالْعَادَةِ. وَبِهَذَا يُكَفِّرُ الْحَبْرُ عَنْ خَطِيئَةِ الشَّخْصِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا، فَيَغْفِرُ اللهُ لَهُ. ”’فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي إِمْكَانِهِ أَنْ يُقَدِّمَ يَمَامَتَيْنِ أَوْ حَمَامَتَيْنِ صَغِيرَتَيْنِ، يُقَدِّمُ قُرْبَانًا عَنْ خَطِيئَتِهِ كِيلُوجْرَامَيْنِ مِنَ الدَّقِيقِ، لَا يَضَعُ عَلَيْهِ زَيْتًا وَلَا بَخُورًا لِأَنَّهُ قُرْبَانٌ عَنِ الْخَطِيئَةِ. فَيُحْضِرُهُ إِلَى الْحَبْرِ، فَيَأْخُذُ الْحَبْرُ مِلْءَ يَدِهِ مِنْهُ، وَيَحْرِقُ هَذَا الْجُزْءَ كَتَذْكَارٍ عَلَى الْمَنَصَّةِ فَوْقَ الْقَرَابِينِ الَّتِي تُشْعَلُ للهِ. إِنَّهُ قُرْبَانٌ عَنِ الْخَطِيئَةِ. وَبِذَلِكَ يُكَفِّرُ الْحَبْرُ عَنْ خَطِيئَةِ الشَّخْصِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا فِي الْحَالَاتِ الَّتِي ذُكِرَتْ، فَيَغْفِرُ اللهُ لَهُ. وَبَاقِي الْقُرْبَانِ يَكُونُ مِنْ حَقِّ الْحَبْرِ، كَمَا فِي حَالَةِ قُرْبَانِ الدَّقِيقِ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”إِنْ أَخْطَأَ شَخْصٌ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَتَعَدَّى عَلَى حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ اللهِ الْمُقَدَّسَةِ، فَيَجِبُ أَنْ يُحْضِرَ للهِ كَتَعْوِيضٍ كَبْشًا مِنَ الْغَنَمِ بِلَا عَيْبٍ، تُقَدِّرُ أَنْتَ قِيمَتَهُ بِالْفِضَّةِ حَسَبَ الْوَزْنِ الرَّسْمِيِّ لِلشَّاقِلِ. إِنَّهُ قُرْبَانٌ عَنِ الذَّنْبِ. وَيَقُومُ بِتَأْدِيَةِ الْوَاجِبِ الْمُقَدَّسِ الَّذِي أَخْطَأَ فِيهِ، وَيَزِيدُ عَلَيْهِ خُمْسَهُ، وَيَدْفَعُهُ إِلَى الْحَبْرِ. فَيُكَفِّرُ الْحَبْرُ عَنْهُ بِكَبْشِ قُرْبَانِ الذَّنْبِ، فَيَغْفِرُ اللهُ لَهُ. ”إِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَعَمِلَ شَيْئًا حَرَّمَهُ اللهُ وَلَا يَجِبُ عَمَلُهُ، حَتَّى إِنْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنْهُ، فَهُوَ مُذْنِبٌ وَمَسْئُولٌ عَنْ ذَنْبِهِ. فَيَجِبُ أَنْ يُحْضِرَ إِلَى الْحَبْرِ كَبْشًا مِنَ الْغَنَمِ بِلَا عَيْبٍ، تُقَدِّرُ أَنْتَ قِيمَتَهُ. إِنَّهُ قُرْبَانٌ عَنِ الذَّنْبِ. فَيُكَفِّرُ عَنْهُ الْحَبْرُ مِنَ السَّهْوَةِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنْهُ، فَيَغْفِرُ اللهُ لَهُ. إِنَّهُ قُرْبَانٌ عَنِ الذَّنْبِ، لِأَنَّهُ أَذْنَبَ فِي حَقِّ اللهِ.“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”إِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ وَخَانَ اللهَ بِأَنْ خَدَعَ صَاحِبَهُ بِشَأْنِ وَدِيعَةٍ أَوْ أَمَانَةٍ، أَوْ سَلَبَهُ أَوِ اغْتَصَبَ مِنْهُ شَيْئًا، أَوْ وَجَدَ شَيْئًا كَانَ ضَائِعًا وَأَنْكَرَ أَنَّهُ وَجَدَهُ. وَحَلَفَ بِالْكِذْبِ عَلَى أَيِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا يَرْتَكِبُهَا الْإِنْسَانُ. إِنِ ارْتَكَبَ هَذَا الذَّنْبَ، يَجِبُ أَنْ يَرُدَّ الشَّيْءَ الَّذِي سَلَبَهُ أَوِ اغْتَصَبَهُ أَوِ الْوَدِيعَةَ أَوْ مَا كَانَ ضَائِعًا وَوَجَدَهُ، أَوْ كُلَّ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ بِالْكِذْبِ، وَيَزِيدُ عَلَيْهِ خُمْسَهُ، وَيَدْفَعُهُ إِلَى صَاحِبِهِ يَوْمَ يُقَدِّمُ عَنْ نَفْسِهِ قُرْبَانَ الذَّنْبِ. وَيَكُونُ قُرْبَانُ الذَّنْبِ الَّذِي يُقَدِّمُهُ للهِ، كَبْشًا مِنَ الْغَنَمِ بِلَا عَيْبٍ، تُقَدِّرُ أَنْتَ قِيمَتَهُ، وَيَأْتِي بِهِ إِلَى الْحَبْرِ، فَيُكَفِّرُ الْحَبْرُ عَنْهُ أَمَامَ اللهِ، فَيَغْفِرُ اللهُ لَهُ كُلَّ مَا ارْتَكَبَهُ مِنْ ذَنْبٍ.“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”أَوْصِ هَارُونَ وَبَنِيهِ بِشَأْنِ تَعْلِيمَاتِ الْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ، وَقُلْ لَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا الْقُرْبَانَ يَحْتَرِقُ فِي النَّارِ الَّتِي فَوْقَ الْمَنَصَّةِ طُولَ اللَّيْلِ حَتَّى يَطْلَعَ الصُّبْحُ. فَتَبْقَى النَّارُ الَّتِي فَوْقَ الْمَنَصَّةِ مُتَّقِدَةً. وَيَلْبَسُ الْحَبْرُ ثَوْبًا مِنَ الْكَتَّانِ، وَسِرْوَالًا مِنَ الْكَتَّانِ عَلَى بَدَنِهِ. وَيَرْفَعُ الرَّمَادَ الَّذِي خَلَّفَتْهُ نَارُ الْقُرْبَانِ عَلَى الْمَنَصَّةِ، وَيَضَعُهُ بِجَانِبِ الْمَنَصَّةِ. ثُمَّ يَخْلَعُ ثِيَابَهُ وَيَلْبَسُ ثِيَابًا أُخْرَى، وَيُخْرِجُ الرَّمَادَ إِلَى خَارِجِ الْمُخَيَّمِ، إِلَى مَكَانٍ طَاهِرٍ. وَتَبْقَى النَّارُ الَّتِي فَوْقَ الْمَنَصَّةِ مُتَّقِدَةً لَا تُطْفَأُ. فِي كُلِّ صَبَاحٍ يُضِيفُ الْحَبْرُ إِلَيْهَا حَطَبًا، وَيُرَتِّبُ عَلَيْهَا الْقُرْبَانَ الَّذِي يُحْرَقُ، وَيُوقِدُ شَحْمَ ضَحَايَا الصُّحْبَةِ. فَتَبْقَى النَّارُ مُتَّقِدَةً دَائِمًا عَلَى الْمَنَصَّةِ لَا تُطْفَأُ. ”وَهَذِهِ هِيَ تَعْلِيمَاتُ قُرْبَانِ الدَّقِيقِ: يُقَدِّمُهُ بَنُو هَارُونَ إِلَى اللهِ قُدَّامَ الْمَنَصَّةِ. وَيَأْخُذُ الْحَبْرُ مِلْءَ يَدِهِ مِنَ الدَّقِيقِ وَالزَّيْتِ وَمَعَهُمَا كُلُّ الْبَخُورِ الَّذِي عَلَى الْقُرْبَانِ، وَيَحْرِقُ هَذَا الْجُزْءَ كَتَذْكَارٍ عَلَى الْمَنَصَّةِ، وَرَائِحَتُهُ تَسُرُّ اللهَ. وَالْبَاقِي مِنْهُ يَأْكُلُهُ هَارُونُ وَبَنُوهُ، يَأْكُلُونَهُ بِلَا خَمِيرٍ فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ، فِي سَاحَةِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. فَلَا يَخْبِزُونَهُ بِخَمِيرٍ، فَإِنِّي أَعْطَيْتُهُ لَهُمْ نَصِيبًا مِنَ الْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ. وَهُوَ مُقَدَّسٌ جِدًّا مِثْلُ قُرْبَانِ الْخَطِيئَةِ وَقُرْبَانِ الذَّنْبِ. أَيُّ ذَكَرٍ مِنْ بَنِي هَارُونَ يَأْكُلُ مِنْهُ. وَيَكُونُ فَرِيضَةً دَائِمَةً جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ مِنَ الْقُرْبَانِ الَّذِي يُشْعَلُ للهِ. كُلُّ مَنْ مَسَّهُ يَكُونُ طَاهِرًا.“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”هَذَا هُوَ الْقُرْبَانُ الَّذِي يُقَدِّمُهُ هَارُونُ وَبَنُوهُ للهِ يَوْمَ يُمْسَحُونَ: كِيلُوجْرَامَانِ مِنَ الدَّقِيقِ قُرْبَانًا دَائِمًا، نِصْفُهُ فِي الصُّبْحِ وَنِصْفُهُ فِي الْمَسَاءِ. تَعْمَلُهُ بِزَيْتٍ وَتَخْبِزُهُ عَلَى الصَّاجِ وَتُقَطِّعُهُ إِلَى فُتَاتٍ، ثُمَّ تُقَدِّمُهُ. إِنَّ رَائِحَتَهُ تَسُرُّ اللهَ. وَالْحَبْرُ الْمَمْسُوحُ مِنْ بَنِيهِ بَعْدَهُ، يُقَدِّمُ هَذَا الْقُرْبَانَ للهِ، فَرِيضَةً دَائِمَةً، وَتُحْرَقُ بِأَكْمَلِهَا. كُلُّ قُرْبَانٍ عَنِ الْحَبْرِ يُحْرَقُ بِأَكْمَلِهِ وَلَا يُؤْكَلُ.“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ: ’هَذِهِ هِيَ تَعْلِيمَاتُ ضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ. تُذْبَحُ ضَحِيَّةُ التَّكْفِيرِ عَنِ الْخَطِيئَةِ أَمَامَ اللهِ، فِي الْمَكَانِ الَّذِي يُذْبَحُ فِيهِ الْقُرْبَانُ الَّذِي يُحْرَقُ. إِنَّهَا طَاهِرَةٌ جِدًّا. وَالْحَبْرُ الَّذِي يُقَدِّمُهَا يَأْكُلُهَا فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ فِي سَاحَةِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَكُلُّ مَنْ مَسَّ لَحْمَهَا يَكُونُ طَاهِرًا. وَإِنْ تَطَايَرَ مِنْ دَمِهَا عَلَى ثَوْبٍ، تَغْسِلُ الثَّوْبَ فِي مَكَانٍ طَاهِرٍ. أَمَّا إِنَاءُ الْخَزَفِ الَّذِي تُطْبَخُ فِيهِ فَيُكْسَرُ، وَإِنْ طُبِخَتْ فِي إِنَاءٍ مِنْ نُحَاسٍ، يُجْلَى وَيُشْطَفُ بِمَاءٍ. أَيُّ ذَكَرٍ مِنْ عَائِلَةِ الْأَحْبَارِ يَأْكُلُ مِنْهَا. إِنَّهَا طَاهِرَةٌ جِدًّا. أَمَّا كُلُّ ضَحِيَّةٍ يُؤْخَذُ مِنْ دَمِهَا إِلَى قُدْسِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ لِلتَّكْفِيرِ عَنِ الْخَطِيئَةِ، فَلَا تُؤْكَلُ بَلْ تُحْرَقُ بِالنَّارِ. ”’وَهَذِهِ هِيَ تَعْلِيمَاتُ ضَحِيَّةِ الذَّنْبِ. إِنَّهَا طَاهِرَةٌ جِدًّا، تُذْبَحُ ضَحِيَّةُ التَّكْفِيرِ عَنِ الذَّنْبِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يُذْبَحُ فِيهِ الْقُرْبَانُ الَّذِي يُحْرَقُ. وَيُرَشُّ دَمُهَا عَلَى كُلِّ جَوَانِبِ الْمَنَصَّةِ. وَيُقَدَّمُ كُلُّ شَحْمِهَا، الْإِلْيَةُ وَالشَّحْمُ الَّذِي يُغَشِّي الْأَمْعَاءَ، وَالْكُلْيَتَانِ وَالشَّحْمُ الَّذِي عَلَيْهِمَا الَّذِي عَلَى الْجَانِبَيْنِ وَالشَّحْمُ الَّذِي يُغَشِّي الْكَبِدَ، فَيُنْزَعُ مَعَ الْكُلْيَتَيْنِ. وَيَحْرِقُهَا الْحَبْرُ عَلَى الْمَنَصَّةِ قُرْبَانًا يُشْعَلُ للهِ. إِنَّهَا ضَحِيَّةٌ عَنِ الذَّنْبِ. أَيُّ ذَكَرٍ مِنْ عَائِلَةِ الْأَحْبَارِ يَأْكُلُ مِنْهَا. لَكِنْ يَجِبُ أَنْ تُؤْكَلَ فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ. إِنَّهَا طَاهِرَةٌ جِدًّا. ”’وَشَرِيعَةُ ضَحِيَّةِ الذَّنْبِ هِيَ كَشَرِيعَةِ ضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ، فَهُمَا مِنْ حَقِّ الْحَبْرِ الَّذِي يُكَفِّرُ بِهِمَا. وَالْحَبْرُ الَّذِي يُقَدِّمُ عَنْ شَخْصٍ مَا قُرْبَانًا مَحْرُوقًا، يَكُونُ جِلْدُ الضَّحِيَّةِ مِنْ نَصِيبِهِ أَيْضًا. وَكَذَلِكَ كُلُّ قُرْبَانٍ مِنْ دَقِيقٍ يُخْبَزُ فِي الْفُرْنِ أَوْ يُقْلَى أَوْ يُخْبَزُ عَلَى الصَّاجِ، يَكُونُ مِنْ نَصِيبِ الْحَبْرِ الَّذِي يُقَدِّمُهُ. وَكُلُّ قُرْبَانٍ مِنْ دَقِيقٍ سَوَاءٌ مَعْمُولٌ بِالزَّيْتِ أَوْ نَاشِفٌ، يَكُونُ مِنْ نَصِيبِ كُلِّ بَنِي هَارُونَ بِالتَّسَاوِي. ”’وَهَذِهِ هِيَ تَعْلِيمَاتُ ضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ الَّتِي تُقَدَّمُ للهِ: إِنْ قَدَّمَهَا الْوَاحِدُ كَتَعْبِيرٍ عَنِ الشُّكْرِ، فَيُقَدِّمُ مَعَ قُرْبَانِ الشُّكْرِ هَذَا فَطِيرًا مَعْمُولًا بِالزَّيْتِ، وَرِقَاقَ فَطِيرٍ مَدْهُونَةً بِالزَّيْتِ، وَدَقِيقًا مَعْجُونًا وَمَخْلُوطًا بِالزَّيْتِ، وَأَيْضًا أَرْغِفَةَ خُبْزٍ بِخَمِيرٍ. فَيُقَدِّمُ كُلَّ هَذَا مَعَ ضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ الَّتِي هِيَ لِلتَّعْبِيرِ عَنِ الشُّكْرِ. فَيَأْخُذُ وَاحِدًا مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ وَيُقَدِّمُهُ تَبَرُّعًا للهِ، وَالْبَاقِي يَكُونُ مِنْ نَصِيبِ الْحَبْرِ الَّذِي يَرُشُّ دَمَ ضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ. وَلَحْمُ ضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ الَّتِي لِلشُّكْرِ يُؤْكَلُ فِي يَوْمِ تَقْدِيمِهِ، لَا يُبْقِي مِنْهُ شَيْئًا إِلَى الْغَدِ. ”’وَإِنْ كَانَ قُرْبَانُهُ نَذْرًا أَوْ تَبَرُّعًا، تُؤْكَلُ الضَّحِيَّةُ فِي يَوْمِ تَقْدِيمِهَا، وَمَا فَضَلَ مِنْهَا يُؤْكَلُ فِي الْغَدِ. وَلَكِنْ إِنْ فَضَلَ مِنْ لَحْمِهَا إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَإِنَّهُ يُحْرَقُ بِالنَّارِ. وَكُلُّ مَنْ يَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ ضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَكُونُ مُذْنِبًا، لِأَنَّهَا تُصْبِحُ غَيْرَ مَقْبُولَةٍ وَلَا يَحْسِبُهَا اللهُ لِمَنْ قَدَّمَهَا لِأَنَّهَا تَكُونُ نَجِسَةً. وَأَيُّ لَحْمٍ يَمَسُّ شَيْئًا نَجِسًا لَا تَأْكُلُوا مِنْهُ، بَلِ احْرِقُوهُ بِالنَّارِ. لَا يَأْكُلْ مِنَ اللَّحْمِ إِلَّا كُلُّ طَاهِرٍ. فَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ نَجِسًا وَأَكَلَ مِنْ لَحْمِ ضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ الَّتِي للهِ، فَهَذَا الشَّخْصُ يُبَادُ مِنْ شَعْبِهِ. وَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ يَمَسُّ شَيْئًا نَجِسًا، سَوَاءً كَانَ ذَلِكَ نَجَاسَةَ إِنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانًا نَجِسًا أَوْ أَيَّ شَيْءٍ آخَرَ نَجِسٍ وَمَكْرُوهٍ، ثُمَّ أَكَلَ مِنْ لَحْمِ ضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ الَّتِي للهِ، فَهَذَا الشَّخْصُ يُبَادُ مِنْ شَعْبِهِ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’لَا تَأْكُلُوا أَيَّ شَحْمٍ مِنْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ أَوْ مَعْزٍ. وَشَحْمُ الْحَيَوَانِ الْمَيِّتِ وَالْفَرِيسَةِ تَسْتَعْمِلُونَهُ فِي أَغْرَاضِكُمُ الْمُخْتَلِفَةِ، وَلَكِنْ لَا تَأْكُلُوهُ. أَيُّ وَاحِدٍ يَأْكُلُ مِنْ شَحْمِ الْبَهَائِمِ الَّتِي تُقَدَّمُ قُرْبَانًا يُشْعَلُ للهِ، فَهَذَا الشَّخْصُ يُبَادُ مِنْ شَعْبِهِ. وَفِي كُلِّ بِلَادِكُمْ، لَا تَأْكُلُوا أَيَّ دَمٍ، سَوَاءً مِنْ طَيْرٍ أَوْ مِنْ بَهَائِمَ. أَيُّ وَاحِدٍ يَأْكُلُ مِنَ الدَّمِ، فَهَذَا الشَّخْصُ يُبَادُ مِنْ شَعْبِهِ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’مَنْ يُقَدِّمُ ضَحِيَّةَ صُحْبَةٍ للهِ، فَيَجِبُ أَنْ يُقَدِّمَ جُزْءًا مِنْهَا قُرْبَانًا للهِ. وَيَحْمِلَ بِيَدَيْهِ الْقُرْبَانَ الَّذِي يُشْعَلُ للهِ، وَهُوَ الشَّحْمُ وَالصَّدْرُ. فَيُقَدِّمَ الصَّدْرَ هَدِيَّةً للهِ، أَمَّا الشَّحْمُ فَيُشْعِلُهُ الْحَبْرُ عَلَى الْمَنَصَّةِ. وَيَكُونُ الصَّدْرُ مِنْ نَصِيبِ هَارُونَ وَبَنِيهِ. وَتُعْطُونَ الْفَخْذَ الْيُمْنَى مِنْ ضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ تَبَرُّعًا لِلْحَبْرِ. فَالَّذِي يَقُومُ بِتَقْدِيمِ دَمِ ضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ مِنْ بَنِي هَارُونَ، تَكُونُ الْفَخْذُ الْيُمْنَى مِنْ نَصِيبِهِ. لِأَنَّ الصَّدْرَ الَّذِي يُقَدَّمُ هَدِيَّةً وَالْفَخْذَ الَّتِي تُقَدَّمُ تَبَرُّعًا، قَدْ أَخَذْتُهُمَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنْ ضَحَايَا الصُّحْبَةِ الَّتِي يُقَدِّمُونَهَا، وَأَعْطَيْتُهُمَا لِهَارُونَ الْحَبْرِ وَبَنِيهِ. هَذِهِ فَرِيضَةٌ دَائِمَةٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ.‘“ فَهَذَا هُوَ نَصِيبُ هَارُونَ وَبَنِيهِ مِنَ الْقَرَابِينِ الَّتِي تُشْعَلُ للهِ، يَوْمَ يُمْسَحُونَ لِيَكُونُوا أَحْبَارًا لَهُ. وَهُوَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ يَوْمَ مَسْحِهِمْ أَحْبَارًا، فَجَعَلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَرِيضَةً دَائِمَةً تُعْطَى لَهُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. هَذِهِ هِيَ تَعْلِيمَاتُ الْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ وَقُرْبَانِ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانِ الذَّنْبِ وَقُرْبَانِ تَكْرِيسِ الْأَحْبَارِ وَقُرْبَانِ الصُّحْبَةِ، الَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا مُوسَى فِي جَبَلِ سِينَاءَ، لَمَّا أَمَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِتَقْدِيمِ قَرَابِينِهِمْ للهِ فِي صَحْرَاءِ سِينَاءَ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”أَحْضِرْ هَارُونَ وَبَنِيهِ وَثِيَابَهُمْ وَزَيْتَ الْمَسْحَةِ وَالْعِجْلَ لِضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ وَالْكَبْشَيْنِ وَسَلَّةَ الْفَطِيرِ، وَاجْمَعْ كُلَّ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ.“ فَعَمِلَ مُوسَى كَمَا أَمَرَهُ اللهُ، وَاجْتَمَعَتِ الْجَمَاعَةُ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. ثُمَّ قَالَ مُوسَى لِلْجَمَاعَةِ: ”هَذَا هُوَ أَمْرُ اللهِ الَّذِي يَجِبُ أَنْ نَفْعَلَهُ.“ ثُمَّ قَدَّمَ مُوسَى هَارُونَ وَبَنِيهِ وَغَسَلَهُمْ بِمَاءٍ. وَأَلْبَسَ هَارُونَ الْقَمِيصَ وَشَدَّ الْحِزَامَ حَوْلَ وَسَطِهِ، وَأَلْبَسَهُ الْجُبَّةَ وَالرِّدَاءَ، ثُمَّ رَبَطَ الرِّدَاءَ بِحِزَامِهِ. وَوَضَعَ عَلَيْهِ الصُّدْرَةَ وَثَبَّتَ فِيهَا النُّورَ وَالْأَمَانَ. وَوَضَعَ الْعِمَامَةَ عَلَى رَأْسِ هَارُونَ، وَثَبَّتَ فِيهَا مِنَ الْأَمَامِ صَفِيحَةَ الذَّهَبِ أَيِ الْإِكْلِيلَ الطَّاهِرَ، كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. ثُمَّ أَخَذَ مُوسَى زَيْتَ الْمَسْحَةِ وَمَسَحَ الْخَيْمَةَ وَكُلَّ مَا فِيهَا وَطَهَّرَهَا. وَقَطَّرَ مِنَ الزَّيْتِ عَلَى الْمَنَصَّةِ 7 مَرَّاتٍ، وَمَسَحَ الْمَنَصَّةَ وَكُلَّ أَدَوَاتِهَا وَالْحَوْضَ وَقَاعِدَتَهُ وَطَهَّرَهَا. وَصَبَّ مِنْ زَيْتِ الْمَسْحَةِ عَلَى رَأْسِ هَارُونَ وَمَسَحَهُ وَكَرَّسَهُ للهِ. ثُمَّ قَدَّمَ مُوسَى بَنِي هَارُونَ وَأَلْبَسَهُمْ قُمْصَانًا وَشَدَّهُمْ بِأَحْزِمَةٍ وَعَصَبَهُمْ بِقَلَانِسَ، كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. ثُمَّ قَدَّمَ مُوسَى عِجْلَ التَّكْفِيرِ عَنِ الْخَطِيئَةِ، فَوَضَعَ هَارُونُ وَبَنُوهُ أَيْدِيَهُمْ عَلَى رَأْسِهِ. وَذَبَحَهُ مُوسَى وَأَخَذَ الدَّمَ وَوَضَعَهُ بِإِصْبَعِهِ عَلَى قُرُونِ الْمَنَصَّةِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، فَطَهَّرَ الْمَنَصَّةَ. ثُمَّ كَبَّ بَاقِيَ الدَّمِ عِنْدَ قَاعِدَتِهَا وَكَفَّرَ عَنْهَا وَطَهَّرَهَا. وَأَخَذَ مُوسَى كُلَّ الشَّحْمِ الَّذِي يُغَشِّي الْأَمْعَاءَ وَالَّذِي يُغَشِّي الْكَبِدَ، وَكَذَلِكَ الْكُلْيَتَيْنِ وَمَا عَلَيْهِمَا مِنْ شَحْمٍ وَأَحْرَقَهَا عَلَى الْمَنَصَّةِ. أَمَّا الْعِجْلُ بِجِلْدِهِ وَلَحْمِهِ وَرَوْثِهِ، فَأَحْرَقَهُ خَارِجَ الْمُخَيَّمِ، كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. ثُمَّ قَدَّمَ كَبْشَ الْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ، فَوَضَعَ هَارُونُ وَبَنُوهُ أَيْدِيَهُمْ عَلَى رَأْسِهِ. وَذَبَحَهُ مُوسَى وَرَشَّ الدَّمَ عَلَى كُلِّ جَوَانِبِ الْمَنَصَّةِ. وَقَطَّعَ الْكَبْشَ إِلَى قِطَعٍ، وَأَحْرَقَ الرَّأْسَ وَالْقِطَعَ وَالشَّحْمَ. أَمَّا الْأَمْعَاءُ وَالْأَرْجُلُ فَغَسَلَهَا مُوسَى بِمَاءٍ وَأَحْرَقَ كُلَّ الْكَبْشِ عَلَى الْمَنَصَّةِ. هُوَ قُرْبَانٌ يُحْرَقُ وَرَائِحَتُهُ تَسُرُّ، إِنَّهُ يُشْعَلُ للهِ. كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. ثُمَّ قَدَّمَ الْكَبْشَ الثَّانِيَ، كَبْشَ التَّكْرِيسِ، فَوَضَعَ هَارُونُ وَبَنُوهُ أَيْدِيَهُمْ عَلَى رَأْسِهِ. وَذَبَحَهُ مُوسَى وَأَخَذَ مِنْ دَمِهِ وَوَضَعَهُ عَلَى شَحْمَةِ أُذُنِ هَارُونَ الْيُمْنَى، وَعَلَى إِبْهَامِ يَدِهِ الْيُمْنَى وَإِبْهَامِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى. ثُمَّ قَدَّمَ مُوسَى بَنِي هَارُونَ وَوَضَعَ مِنَ الدَّمِ عَلَى شَحْمِ آذَانِهِمِ الْيُمْنَى، وَعَلَى أَبَاهِمِ أَيْدِيهِمِ الْيُمْنَى وَأَبَاهِمِ أَرْجُلِهِمِ الْيُمْنَى. ثُمَّ رَشَّ مُوسَى الدَّمَ عَلَى كُلِّ جَوَانِبِ الْمَنَصَّةِ. ثُمَّ أَخَذَ الشَّحْمَ، أَيِ الْإِلْيَةَ وَالشَّحْمَ الَّذِي يُغَشِّي الْأَمْعَاءَ وَالَّذِي يُغَشِّي الْكَبِدَ، وَكَذَلِكَ الْكُلْيَتَيْنِ وَمَا عَلَيْهِمَا مِنْ شَحْمٍ، وَالْفَخْذَ الْيُمْنَى. وَمِنْ سَلَّةِ الْفَطِيرِ الَّتِي أَمَامَ اللهِ، أَخَذَ فَطِيرَةً وَاحِدَةً وَرَغِيفًا مِنَ الْخُبْزِ الْمَعْمُولِ بِالزَّيْتِ وَرِقَاقَةً وَاحِدَةً، وَوَضَعَهَا عَلَى الشَّحْمِ وَعَلَى السَّاقِ الْيُمْنَى. ثُمَّ وَضَعَ الْكُلَّ فِي أَيْدِي هَارُونَ وَبَنِيهِ وَقَدَّمَهَا هَدِيَّةً للهِ. ثُمَّ أَخَذَهَا مُوسَى مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَأَحْرَقَهَا عَلَى الْمَنَصَّةِ فَوْقَ الْقُرْبَانِ الْمَحْرُوقِ. إِنَّهُ قُرْبَانٌ لِلتَّكْرِيسِ، رَائِحَتُهُ تَسُرُّ، وَهُوَ يُشْعَلُ للهِ. ثُمَّ أَخَذَ مُوسَى الصَّدْرَ مِنْ كَبْشِ التَّكْرِيسِ، وَقَدَّمَهُ هَدِيَّةً للهِ، فَكَانَ هَذَا نَصِيبَ مُوسَى، كَمَا أَمَرَهُ اللهُ. ثُمَّ أَخَذَ مُوسَى مِنْ زَيْتِ الْمَسْحَةِ وَمِنَ الدَّمِ الَّذِي عَلَى الْمَنَصَّةِ، وَقَطَّرَ عَلَى هَارُونَ وَعَلَى ثِيَابِهِ وَعَلَى بَنِيهِ وَعَلَى ثِيَابِهِمْ. وَكَرَّسَ هَارُونَ وَثِيَابَهُ وَبَنِيهِ وَثِيَابَهُمْ. ثُمَّ قَالَ مُوسَى لِهَارُونَ وَبَنِيهِ: ”اُطْبُخُوا اللَّحْمَ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَكُلُوهُ هُنَاكَ مَعَ الْخُبْزِ الَّذِي فِي سَلَّةِ قُرْبَانِ التَّكْرِيسِ، وَذَلِكَ كَمَا أَمَرَ اللهُ وَقَالَ: ’هَارُونُ وَبَنُوهُ يَأْكُلُونَهُ.‘ ثُمَّ احْرِقُوا مَا يَبْقَى مِنَ اللَّحْمِ وَالْخُبْزِ. وَلَا تَتْرُكُوا مَدْخَلَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ 7 أَيَّامٍ، حَتَّى تَتِمَّ أَيَّامُ تَكْرِيسِكُمْ، لِأَنَّ تَكْرِيسَكُمْ يَحْتَاجُ إِلَى 7 أَيَّامٍ. وَمَا عَمِلْنَاهُ الْيَوْمَ هُوَ الَّذِي أَمَرَ اللهُ بِهِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْكُمْ. فَأَقِيمُوا عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ 7 أَيَّامٍ نَهَارًا وَلَيْلًا، وَتَعْمَلُونَ شَعَائِرَ اللهِ، فَلَا تَمُوتُونَ. لِأَنَّ اللهَ أَمَرَنِي بِهَذَا.“ فَعَمِلَ هَارُونُ وَبَنُوهُ كُلَّ مَا أَمَرَ بِهِ اللهُ بِوَاسِطَةِ مُوسَى. وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ، نَادَى مُوسَى هَارُونَ وَبَنِيهِ وَشُيُوخَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَقَالَ لِهَارُونَ: ”خُذْ لَكَ عِجْلًا مِنَ الْبَقَرِ لِقُرْبَانِ الْخَطِيئَةِ، وَكَبْشًا لِلْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ، كُلًّا مِنْهُمَا بِلَا عَيْبٍ، وَقَدِّمْهُمَا أَمَامَ اللهِ. ثُمَّ قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’خُذُوا تَيْسًا مِنَ الْمَعْزِ لِقُرْبَانِ الْخَطِيئَةِ. وَعِجْلًا وَحَمَلًا عُمْرُ كُلٍّ مِنْهُمَا سَنَةٌ وَبِلَا عَيْبٍ لِلْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ. وَثَوْرًا وَكَبْشًا لِقُرْبَانِ الصُّحْبَةِ تَذْبَحُونَهُمَا أَمَامَ اللهِ، مَعَ قُرْبَانٍ مِنْ دَقِيقٍ مَعْمُولٍ بِالزَّيْتِ. لِأَنَّ اللهَ الْيَوْمَ يَظْهَرُ لَكُمْ.‘“ فَأَخَذُوا مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى إِلَى قُدَّامِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَتَقَدَّمَتْ كُلُّ الْجَمَاعَةِ وَوَقَفُوا أَمَامَ اللهِ. فَقَالَ مُوسَى: ”هَذَا هُوَ الَّذِي أَمَرَ اللهُ أَنْ تَعْمَلُوهُ، فَيَظْهَرُ لَكُمْ جَلَالُهُ.“ ثُمَّ قَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: ”تَقَدَّمْ إِلَى الْمَنَصَّةِ، وَاذْبَحْ ضَحِيَّةَ التَّكْفِيرِ عَنْ خَطِيئَتِكَ وَقُرْبَانَكَ الَّذِي يُحْرَقُ، وَكَفِّرْ عَنْ نَفْسِكَ وَعَنِ الشَّعْبِ. وَاذْبَحْ قُرْبَانَ الشَّعْبِ وَكَفِّرْ عَنْهُمْ، كَمَا أَمَرَ اللهُ.“ فَتَقَدَّمَ هَارُونُ إِلَى الْمَنَصَّةِ وَذَبَحَ الْعِجْلَ الَّذِي لِلتَّكْفِيرِ عَنْ خَطِيئَتِهِ. وَقَدَّمَ لَهُ بَنُوهُ الدَّمَ، فَغَمَسَ إِصْبَعَهُ فِيهِ وَوَضَعَهُ عَلَى قُرُونِ الْمَنَصَّةِ، ثُمَّ كَبَّ بَاقِيَ الدَّمِ عِنْدَ قَاعِدَةِ الْمَنَصَّةِ. وَالشَّحْمُ وَالْكُلْيَتَانِ وَالشَّحْمُ الَّذِي يُغَشِّي الْكَبِدَ مِنْ ضَحِيَّةِ التَّكْفِيرِ عَنِ الْخَطِيئَةِ، أَحْرَقَهَا عَلَى الْمَنَصَّةِ، كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. أَمَّا اللَّحْمُ وَالْجِلْدُ فَأَحْرَقَهُمَا خَارِجَ الْمُخَيَّمِ. ثُمَّ ذَبَحَ الْقُرْبَانَ الَّذِي يُحْرَقُ، وَأَعْطَاهُ بَنُوهُ الدَّمَ فَرَشَّهُ عَلَى كُلِّ جَوَانِبِ الْمَنَصَّةِ. ثُمَّ أَعْطَوْهُ الْقُرْبَانَ؛ الْقِطَعَ وَالرَّأْسَ، فَأَحْرَقَهَا عَلَى الْمَنَصَّةِ. وَغَسَلَ الْأَمْعَاءَ وَالْأَرْجُلَ، وَأَحْرَقَهَا فَوْقَ الْقُرْبَانِ الَّذِي عَلَى الْمَنَصَّةِ. ثُمَّ قَدَّمَ هَارُونُ الْقُرْبَانَ الَّذِي عَنِ الشَّعْبِ. فَأَخَذَ التَّيْسَ وَذَبَحَهُ وَقَدَّمَهُ ضَحِيَّةً لِلتَّكْفِيرِ عَنْ خَطِيئَةِ الشَّعْبِ، كَمَا فَعَلَ سَابِقًا عَنْ نَفْسِهِ. ثُمَّ أَحْضَرَ الْقُرْبَانَ الَّذِي يُحْرَقُ، وَقَدَّمَهُ حَسَبَ الْفَرِيضَةِ. وَقَدَّمَ أَيْضًا قُرْبَانَ الدَّقِيقِ، وَمَلَأَ يَدَهُ مِنْهُ وَأَحْرَقَهُ عَلَى الْمَنَصَّةِ. هَذَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْقُرْبَانِ الَّذي يُحْرَقُ فِي الصُّبْحِ. ثُمَّ ذَبَحَ الثَّوْرَ وَالْكَبْشَ لِقُرْبَانِ الصُّحْبَةِ لِلشَّعْبِ. وَأَعْطَاهُ بَنُوهُ الدَّمَ فَرَشَّهُ عَلَى كُلِّ جَوَانِبِ الْمَنَصَّةِ. أَمَّا الشَّحْمُ مِنَ الثَّوْرِ وَمِنَ الْكَبْشِ، مَعَ الْإِلْيَةِ وَمَا يُغَشِّي الْأَمْعَاءَ وَالْكُلْيَتَيْنِ وَمَا يُغَشِّي الْكَبِدَ، فَوَضَعُوهُ عَلَى الصَّدْرَيْنِ. فَأَحْرَقَ هَارُونُ الشَّحْمَ عَلَى الْمَنَصَّةِ. ثُمَّ قَدَّمَ هَارُونُ الصَّدْرَيْنِ وَالْفَخْذَ الْيُمْنَى هَدِيَّةً للهِ، كَمَا أَمَرَ مُوسَى. ثُمَّ رَفَعَ هَارُونُ يَدَيْهِ نَحْوَ الشَّعْبِ وَبَارَكَهُمْ. وَنَزَلَ مِنْ عِنْدِ الْمَنَصَّةِ بَعْدَمَا قَدَّمَ ضَحِيَّةَ التَّكْفِيرِ عَنِ الْخَطِيئَةِ وَالْقُرْبَانَ الَّذِي يُحْرَقُ وَضَحِيَّةَ الصُّحْبَةِ. وَدَخَلَ مُوسَى وَهَارُونُ إِلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، ثُمَّ خَرَجَا وَبَارَكَا الشَّعْبَ فَظَهَرَ جَلَالُ اللهِ لِكُلِّ الشَّعْبِ. فَخَرَجَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَأَحْرَقَتِ الْقُرْبَانَ الَّذِي يُحْرَقُ وَالشَّحْمَ عَلَى الْمَنَصَّةِ. فَلَمَّا رَأَى الشَّعْبُ هَذَا، هَتَفُوا وَسَجَدُوا. وَأَخَذَ ابْنَا هَارُونَ نَادَابُ وَأَبِيهُو كُلٌّ مِنْهُمَا مَبْخَرَتَهُ وَوَضَعَ فِيهَا نَارًا، ثُمَّ بَخُورًا فَوْقَ النَّارِ. وَقَدَّمَا أَمَامَ اللهِ نَارًا غَرِيبَةً لَمْ يَأْمُرْ بِهَا. فَخَرَجَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَأَحْرَقَتْهُمَا، فَمَاتَا أَمَامَ اللهِ. فَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: ”هَذَا كَلَامُ اللهِ: ’بَيْنَ الَّذِينَ يَتَقَرَّبُونَ إِلَيَّ أُظْهِرُ أَنِّي قُدُّوسٌ، وَأَمَامَ كُلِّ الشَّعْبِ أُعْلِنُ جَلَالِي.‘“ فَصَمَتَ هَارُونُ. فَنَادَى مُوسَى مِيشَائِيلَ وَأَلْصَافَانَ ابْنَيْ عُزِّيلَ عَمِّ هَارُونَ، وَقَالَ لَهُمَا: ”تَقَدَّمَا ارْفَعَا أَخَوَيْكُمَا مِنْ قُدَّامِ الْمَقْدِسِ إِلَى خَارِجِ الْمُخَيَّمِ.“ فَتَقَدَّمَا وَرَفَعَاهُمَا وَهُمَا مَا زَالَا فِي قَمِيصَيْهِمَا إِلَى خَارِجِ الْمُخَيَّمِ، كَمَا أَمَرَ مُوسَى. وَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ وَأَلِعَازَارَ وَإِيتَامَارَ ابْنَيْهِ: ”لَا تَكْشِفُوا رُؤُوسَكُمْ وَلَا تَشُقُّوا ثِيَابَكُمْ، لِئَلَّا تَمُوتُوا وَيَغْضَبَ اللهُ عَلَى كُلِّ الْجَمَاعَةِ. أَمَّا بَقِيَّةُ الشَّعْبِ فَيُمْكِنُهُمْ أَنْ يَبْكُوا عَلَى اللَّذَيْنِ أَهْلَكَهُمَا اللهُ بِالنَّارِ. وَلَا تَتْرُكُوا مَدْخَلَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ لِئَلَّا تَمُوتُوا، لِأَنَّ زَيْتَ مَسْحَةِ اللهِ عَلَيْكُمْ.“ فَعَمِلُوا كَمَا قَالَ مُوسَى. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِهَارُونَ: ”عِنْدَ دُخُولِكُمْ إِلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، أَنْتَ وَبَنِيكَ لَا تَشْرَبُوا خَمْرًا وَلَا مُسْكِرًا لِئَلَّا تَمُوتُوا. هَذِهِ فَرِيضَةٌ تَدُومُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. لِكَيْ تُمَيِّزُوا بَيْنَ مَا هُوَ مُخَصَّصٌ للهِ وَمُحَلَّلٌ لِلْعَامَّةِ، وَبَيْنَ مَا هُوَ نَجِسٌ وَطَاهِرٌ. وَلِكَيْ تُعَلِّمُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ كُلَّ الْفَرَائِضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لَهُمْ بِوَاسِطَةِ مُوسَى.“ وَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ وَأَلِعَازَارَ وَإِيتَامَارَ ابْنَيْهِ الْبَاقِيَيْنِ: ”خُذُوا قُرْبَانَ الدَّقِيقِ الَّذِي بَقِيَ مِنَ الْقَرَابِينِ الَّتِي تُشْعَلُ للهِ، وَكُلُوهُ فَطِيرًا بِجِوَارِ الْمَنَصَّةِ، لِأَنَّهُ طَاهِرٌ جِدًّا. كُلُوهُ فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ، لِأَنَّهُ نَصِيبُكَ وَنَصِيبُ بَنِيكَ مِنَ الْقَرَابِينِ الَّتِي تُشْعَلُ للهِ. لِأَنِّي أَمَرْتُ بِهَذَا. أَمَّا الصَّدْرُ الَّذِي يُقَدَّمُ هَدِيَّةً وَالْفَخْذُ الَّتِي تُقَدَّمُ تَبَرُّعًا، فَتَأْكُلُونَهُمَا فِي مَكَانٍ طَاهِرٍ، أَنْتَ وَبَنُوكَ وَبَنَاتُكَ مَعَكَ. لِأَنَّهُمَا نَصِيبُكَ وَنَصِيبُ بَنِيكَ مِنْ ضَحَايَا الصُّحْبَةِ الَّتِي يُقَدِّمُهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ. فَيَأْتُونَ بِالْفَخْذِ الَّتِي تُقَدَّمُ تَبَرُّعًا وَالصَّدْرِ الَّذِي يُقَدَّمُ هَدِيَّةً، مَعَ شَحْمِ الْقَرَابِينِ الَّتِي تُشْعَلُ، فَتُعْطَى للهِ. فَيَكُونَانِ لَكَ وَلِبَنِيكَ. هَذِهِ فَرِيضَةٌ تَدُومُ كَمَا أَمَرَ اللهُ.“ وَلَمَّا طَلَبَ مُوسَى تَيْسَ ضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ، وَجَدَ أَنَّهُ احْتَرَقَ. فَغَضِبَ عَلَى أَلِعَازَارَ وَإِيتَامَارَ ابْنَيْ هَارُونَ الْبَاقِيَيْنِ وَقَالَ: ”قُرْبَانُ التَّكْفِيرِ عَنِ الْخَطِيئَةِ هُوَ طَاهِرٌ جِدًّا، فَلِمَاذَا لَمْ تَأْكُلَاهُ فِي الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ؟ إِنَّ اللهَ أَعْطَاهُ لَكُمَا لِتَحْمِلَا ذَنْبَ الشَّعْبِ وَتُكَفِّرَا عَنْهُمْ أَمَامَ اللهِ. وَمَا دَامَ دَمُ التَّيْسِ لَمْ يُؤْخَذْ إِلَى دَاخِلِ الْمَقْدِسِ، كَانَ يَجِبُ أَنْ تَأْكُلَا التَّيْسَ نَفْسَهُ فِي الْمَقْدِسِ كَمَا أَمَرْتُ.“ فَقَالَ هَارُونُ لِمُوسَى: ”إِنَّهُمَا قَدَّمَا الْيَوْمَ أَمَامَ اللهِ عَنْهُمَا قُرْبَانَ الْخَطِيئَةِ وَالْقُرْبَانَ الَّذِي يُحْرَقُ، وَمَعَ ذَلِكَ أَصَابَنَا مَا أَصَابَنَا. فَلَوْ أَكَلْنَا قُرْبَانَ الْخَطِيئَةِ الْيَوْمَ، هَلْ كَانَ اللهُ يَرْضَى عَنَّا؟“ فَلَمَّا سَمِعَ مُوسَى كَلَامَ هَارُونَ اقْتَنَعَ بِهِ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: ”قُولَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’هَذِهِ هِيَ الْحَيَوَانَاتُ الَّتِي تَأْكُلُونَهَا مِنْ كُلِّ الْبَهَائِمِ الَّتِي عَلَى الْأَرْضِ. كُلُّ بَهِيمَةٍ لَهَا ظِلْفٌ مَشْقُوقٌ وَتَجْتَرُّ، تَأْكُلُونَهَا. أَمَّا الَّتِي تَجْتَرُّ فَقَطْ أَوِ الَّتِي لَهَا ظِلْفٌ مَشْقُوقٌ فَقَطْ، فَلَا تَأْكُلُونَهَا. فَالْجَمَلُ يَجْتَرُّ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ ظِلْفٌ مَشْقُوقٌ، فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ. وَالْوَبْرُ يَجْتَرُّ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ ظِلْفٌ مَشْقُوقٌ، فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ. وَالْأَرْنَبُ يَجْتَرُّ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ ظِلْفٌ مَشْقُوقٌ، فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ. وَالْخِنْزِيرُ لَهُ ظِلْفٌ مَشْقُوقٌ، لَكِنَّهُ لَا يَجْتَرُّ فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ. لَا تَأْكُلُوا مِنْ لَحْمِهَا، وَلَا تَلْمِسُوا جُثَثَهَا. إِنَّهَا نَجِسَةٌ لَكُمْ. ”’أَمَّا مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ، سَوَاءٌ فِي مَاءِ الْبِحَارِ أَوِ الْأَنْهَارِ، فَكُلُوا مِنْ كُلِّ مَا لَهُ زَعَانِفُ وَقُشُورٌ. أَمَّا كُلُّ مَا لَيْسَ لَهُ زَعَانِفُ وَقُشُورٌ، سَوَاءٌ فِي الْبِحَارِ أَوِ الْأَنْهَارِ، مِنْ كُلِّ مَا يَزْحَفُ فِي الْمَاءِ، مِنْ كُلِّ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ الَّتِي فِيهَا، فَهُوَ مَكْرُوهٌ لَكُمْ. وَبِمَا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لَكُمْ، فَلَا تَأْكُلُوا مِنْ لَحْمِهِ وَاكْرَهُوا جُثَّتَهُ. كُلُّ مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ وَلَيْسَ لَهُ زَعَانِفُ وَقُشُورٌ، هُوَ مَكْرُوهٌ لَكُمْ. ”’وَهَذِهِ هِيَ الطُّيُورُ الَّتِي تَكْرَهُونَهَا، لَا تَأْكُلُوا مِنْهَا لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ: النِّسْرُ وَالْأَنُوقُ وَالصَّقْرُ، وَالْحِدْأَةُ الْحَمْرَاءُ وَكُلُّ أَنْوَاعِ الْحِدْأَةِ السَّوْدَاءِ، وَكُلُّ الْغِرْبَانِ بِأَنْوَاعِهَا، وَالنَّعَامَةُ وَالْخَطَّافُ وَالسَّأَفُ وَكُلُّ أَنْوَاعِ الْبَازِ، وَالْبُومُ وَالْغَوَّاصُ وَالْكُرْكِيُّ، وَالْبَجَعُ وَالْقُوقُ وَالرَّخَمُ، وَاللَّقْلَقُ وَالْبَبْغَاءُ بِأَنْوَاعِهِ وَالْهُدْهُدُ وَالْخُفَّاشُ. ”’وَكُلُّ الْحَشَرَاتِ الَّتِي لَهَا أَجْنِحَةٌ وَتَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ هِيَ مَكْرُوهَةٌ لَكُمْ. لَكِنْ تُوجَدُ بَعْضُ الْحَشَرَاتِ الَّتِي لَهَا أَجْنِحَةٌ وَتَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْهَا وَذَلِكَ إِنْ كَانَ لَهَا سَاقَانِ بِمَفَاصِلَ تَقْفِزُ بِهِمَا عَلَى الْأَرْضِ. فَتَأْكُلُونَ مِنْهَا الْجَرَادَ بِأَنْوَاعِهِ وَالدَّبَا بِأَنْوَاعِهِ وَالْحَرْجُوَانَ بِأَنْوَاعِهِ وَالْجُنْدُبَ بِأَنْوَاعِهِ. أَمَّا بَاقِي الْحَشَرَاتِ الَّتِي لَهَا أَجْنِحَةٌ وَتَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ لَكُمْ. فَإِنَّهَا تُنَجِّسُكُمْ، وَكُلُّ مَنْ مَسَّ جُثَثَهَا يَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَكُلُّ مَنْ حَمَلَ جُثَّةً مِنْهَا، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَكُلُّ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَهَا ظِلْفٌ غَيْرُ مَشْقُوقٍ أَوْ لَا تَجْتَرُّ، فَهِيَ نَجِسَةٌ لَكُمْ. كُلُّ مَنْ مَسَّهَا يَكُونُ نَجِسًا. وَكُلُّ مَا يَمْشِي عَلَى كُفُوفِهِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي تَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ، هُوَ نَجِسٌ لَكُمْ. كُلُّ مَنْ مَسَّ جُثَثَهَا يَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَمَنْ حَمَلَ جُثَثَهَا، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. إِنَّهَا نَجِسَةٌ لَكُمْ. ”’وَالْحَيَوَانَاتُ التَّالِيَةُ الَّتِي تَسْعَى عَلَى الْأَرْضِ، هِيَ نَجِسَةٌ لَكُمْ: اِبْنُ عِرْسٍ وَالْفَأْرُ وَالضَّبُّ بِأَنْوَاعِهِ. وَالْحِرْذَوْنُ وَالْوَرَلُ وَالْوَزَغَةُ وَالْعِظَايَةُ وَالْحِرْبَاءُ. هَذِهِ نَجِسَةٌ لَكُمْ مِنْ كُلِّ مَا يَسْعَى عَلَى الْأَرْضِ. كُلُّ مَنْ مَسَّهَا بَعْدَ مَوْتِهَا يَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. إِنْ وَقَعَتْ جُثَّةُ أَحَدِ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ عَلَى شَيْءٍ فَإِنَّهُ يَتَنَجَّسُ، مَهْمَا كَانَ اسْتِعْمَالُهُ، وَسَوَاءً كَانَ مَصْنُوعًا مِنْ خَشَبٍ أَوْ قُمَاشٍ أَوْ جِلْدٍ أَوْ خَيْشٍ. فَيَجِبُ أَنْ يُوضَعَ فِي مَاءٍ وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ ثُمَّ يَطْهُرُ. أَمَّا إِنْ وَقَعَتْ جُثَّةُ أَحَدِهَا فِي إِنَاءٍ مِنْ خَزَفٍ، فَإِنَّ مَا فِي الْإِنَاءِ يَتَنَجَّسُ، وَأَمَّا الْإِنَاءُ فَيُكْسَرُ. وَأَيُّ طَعَامٍ يُؤْكَلُ يَأْتِي عَلَيْهِ مَاءٌ مِنْ هَذَا الْإِنَاءِ يَكُونُ نَجِسًا. وَإِنْ كَانَ فِي الْإِنَاءِ سَائِلٌ يُشْرَبُ فَإِنَّهُ يُصْبِحُ نَجِسًا. أَيُّ شَيْءٍ تَقَعُ فِيهِ جُثَّةُ أَحَدِ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ فَإِنَّهُ يَتَنَجَّسُ. فَإِنْ كَانَ فُرْنًا أَوْ مَوْقِدًا يُهْدَمُ، لِأَنَّهُ نَجِسٌ، فَيَكُونُ نَجِسًا لَكُمْ. أَمَّا إِنْ وَقَعَتْ فِي عَيْنٍ أَوْ فِي بِئْرٍ حَيْثُ يَجْتَمِعُ الْمَاءُ، فَإِنَّهَا تَبْقَى طَاهِرَةً. أَمَّا مَنْ يَمَسُّ الْجُثَّةَ الَّتِي فِيهَا فَإِنَّهُ يَتَنَجَّسُ. وَإِنْ وَقَعَتْ جُثَّةٌ مِنْهَا عَلَى حُبُوبٍ تُبْزَرُ فِي الْحَقْلِ، تَبْقَى الْحُبُوبُ طَاهِرَةً. لَكِنْ إِنْ كَانَتِ الْحُبُوبُ مُبْتَلَّةً بِمَاءٍ، وَوَقَعَتِ الْجُثَّةُ عَلَيْهَا، تَكُونُ الْحُبُوبُ نَجِسَةً. ”’إِنْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الْمُحَلَّلِ أَكْلُهَا لَكُمْ، فَمَنْ مَسَّ جُثَّتَهُ يَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَمَنْ أَكَلَ مِنْ جُثَّتِهِ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ، وَمَنْ حَمَلَ جُثَّتَهُ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. ”’كُلُّ الْحَشَرَاتِ الَّتِي تَزْحَفُ عَلَى الْأَرْضِ هِيَ مَكْرُوهَةٌ، لَا تَأْكُلُوهَا. لَا تَأْكُلُوا أَيَّ شَيْءٍ يَزْحَفُ عَلَى الْأَرْضِ، سَوَاءً كَانَ يَزْحَفُ عَلَى بَطْنِهِ أَوْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ أَوْ لَهُ أَرْجُلٌ كَثِيرَةٌ، لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ. لَا تُنَجِّسُوا أَنْفُسَكُمْ أَبَدًا بِأَيٍّ مِنْ هَذِهِ الْحَشَرَاتِ، فَلَا تَكُونُوا نَجِسِينَ. أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ، كَرِّسُوا أَنْفُسَكُمْ وَكُونُوا صَالِحِينَ لِأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ. لَا تُنَجِّسُوا أَنْفُسَكُمْ بِأَيٍّ مِنَ الْحَشَرَاتِ الَّتِي تَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ. أَنَا هُوَ اللهُ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ مِصْرَ لِيَكُونَ إِلَهَكُمْ. إِذَنْ كُونُوا صَالِحِينَ لِأَنَّي أَنَا قُدُّوسٌ. ”’فَهَذِهِ هِيَ التَّعْلِيمَاتُ الَّتِي بِشَأْنِ الْحَيَوَانَاتِ وَالطُّيُورِ وَكُلِّ كَائِنٍ يَعِيشُ فِي الْمَاءِ وَكُلِّ حَشَرَةٍ تَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ. لِكَيْ تُمَيِّزُوا بَيْنَ مَا هُوَ نَجِسٌ وَطَاهِرٌ، وَبَيْنَ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي أَكْلُهَا مُحَلَّلٌ وَالَّتِي أَكْلُهَا مَمْنُوعٌ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’إِذَا حَبِلَتِ امْرَأَةٌ وَوَلَدَتِ ابْنًا، تَكُونُ نَجِسَةً 7 أَيَّامٍ، كَمَا فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ الشَّهْرِيَّةِ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ يُخْتَنُ الطِّفْلُ. ثُمَّ تَنْتَظِرُ الْأُمُّ 33 يَوْمًا آخَرَ لِتَطْهُرَ مِنْ نَزِيفِهَا، فَلَا تَمَسُّ أَيَّ شَيْءٍ طَاهِرٍ وَلَا تَدْخُلُ الْمَقْدِسَ حَتَّى تَتِمَّ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا. وَإِنْ وَلَدَتْ بِنْتًا، تَكُونُ نَجِسَةً أُسْبُوعَيْنِ كَمَا فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ، ثُمَّ تَنْتَظِرُ 66 يَوْمًا لِتَطْهُرَ مِنْ نَزِيفِهَا. ”’وَمَتَى تَمَّتْ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا لِابْنٍ أَوْ لِبِنْتٍ، تُحْضِرُ لِلْحَبْرِ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، خَرُوفًا ابْنَ سَنَةٍ لِقُرْبَانٍ يُحْرَقُ وَكَذَلِكَ حَمَامَةً صَغِيرَةً أَوْ يَمَامَةً كَضَحِيَّةٍ عَنِ الْخَطِيئَةِ. فَيُقَدِّمُهُمَا الْحَبْرُ أَمَامَ اللهِ وَيُكَفِّرُ عَنْهَا، فَتَطْهُرُ مِنْ نَزِيفِهَا. هَذِهِ هِيَ شَرِيعَةُ الْمَرْأَةِ الَّتِي تَلِدُ وَلَدًا أَوْ بِنْتًا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي إِمْكَانِهَا أَنْ تُقَدِّمَ حَمَلًا، تُحْضِرُ يَمَامَتَيْنِ أَوْ حَمَامَتَيْنِ صَغِيرَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا قُرْبَانٌ يُحْرَقُ وَالْأُخْرَى ضَحِيِّةُ تَكْفِيرٍ عَنِ الْخَطِيئَةِ. فَيُكَفِّرُ الْحَبْرُ عَنْهَا فَتَطْهُرُ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: ”إِذَا أُصِيبَ أَحَدٌ فِي جِلْدِهِ بِوَرَمٍ أَوْ طَفْحٍ أَوْ بُقْعَةٍ لَامِعَةٍ تُشِيرُ إِلَى مَرَضِ الْبَرَصِ، فَيَجِبُ أَنْ يُحْضَرَ إِلَى هَارُونَ الْحَبْرِ أَوْ إِلَى وَاحِدٍ مِنْ بَنِيهِ الْأَحْبَارِ. فَيَفْحَصُ الْحَبْرُ الِالْتِهَابَ الْجِلْدِيَّ، فَإِنْ كَانَ الشَّعْرُ فِيهِ قَدِ ابْيَضَّ، وَهُوَ أَعْمَقُ مِنْ بَاقِي الْجِلْدِ، فَهَذَا مَرَضُ الْبَرَصِ. فَعِنْدَمَا يَفْحَصُهُ الْحَبْرُ، يَحْكُمُ بِأَنَّهُ نَجِسٌ. أَمَّا إِنْ كَانَتِ الْبُقْعَةُ الْجِلْدِيَّةُ بَيْضَاءَ، لَكِنَّهَا لَيْسَتْ أَعْمَقَ مِنْ بَاقِي الْجِلْدِ وَشَعْرُهَا لَمْ يَبْيَضَّ، يَحْجُزُهُ الْحَبْرُ 7 أَيَّامٍ. ثُمَّ يَفْحَصُهُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ. فَإِنْ رَأَى أَنَّ الِالْتِهَابَ بَقِيَ كَمَا هُوَ وَلَمْ يَمْتَدَّ فِي الْجِلْدِ، يَحْجُزُهُ الْحَبْرُ 7 أَيَّامٍ أُخْرَى. ثُمَّ يَفْحَصُهُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ ثَانِيَةً. فَإِنْ وَجَدَ أَنَّ لَوْنَ الِالْتِهَابِ خَفَّ، وَأَنَّ الِالْتِهَابَ لَمْ يَمْتَدَّ فِي الْجِلْدِ، يَحْكُمُ الْحَبْرُ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ، لِأَنَّ هَذَا مُجَرَّدُ طَفْحٍ. فَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ فَيَكُونُ طَاهِرًا. لَكِنْ إِنِ امْتَدَّ الطَّفْحُ فِي جِلْدِهِ، بَعْدَمَا عَرَضَ نَفْسَهُ عَلَى الْحَبْرِ وَحَكَمَ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ، فَيَجِبُ أَنْ يُعْرَضَ عَلَى الْحَبْرِ مَرَّةً ثَانِيَةً. فَيَفْحَصُهُ الْحَبْرُ. فَإِنْ وَجَدَ أَنَّ الطَّفْحَ امْتَدَّ فِي الْجِلْدِ، يَحْكُمُ بِأَنَّهُ نَجِسٌ، لِأَنَّ هَذَا بَرَصٌ. ”إِذَا أُصِيبَ أَحَدٌ بِالْبَرَصِ، يُحْضَرُ إِلَى الْحَبْرِ، فَيَفْحَصُهُ. فَإِنْ وَجَدَ الْحَبْرُ وَرَمًا أَبْيَضَ فِي الْجِلْدِ، وَأَنَّ الشَّعْرَ ابْيَضَّ، وَفِي الْوَرَمِ قُرْحَةٌ، فَهَذَا بَرَصٌ مُزْمِنٌ. فَيَحْكُمُ الْحَبْرُ بِأَنَّهُ نَجِسٌ، وَلَا يَحْجُزُهُ لِأَنَّهُ نَجِسٌ. لَكِنْ إِنْ رَأَى الْحَبْرُ أَنَّ الْبَرَصَ قَدِ انْتَشَرَ فِي كُلِّ جِلْدِ الْمَرِيضِ، مِنْ رَأْسِهِ إِلَى قَدَمَيْهِ، وَأَنَّهُ بَعْدَمَا فَحَصَهُ وَجَدَ أَنَّ الْبَرَصَ قَدْ غَطَّى كُلَّ جِسْمِهِ، فَيَحْكُمُ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ. لِأَنَّهُ أَصْبَحَ كُلُّهُ أَبْيَضَ، فَهُوَ طَاهِرٌ. لَكِنْ إِنْ ظَهَرَتْ فِي جِسْمِهِ قُرْحَةٌ، يَكُونُ نَجِسًا. فَمَتَى رَأَى الْحَبْرُ الْقُرْحَةَ، يَحْكُمُ بِأَنَّهُ نَجِسٌ. لِأَنَّ الْقُرْحَةَ نَجِسَةٌ، فَهُوَ أَبْرَصُ. فَإِنْ تَغَيَّرَتِ الْقُرْحَةُ وَابْيَضَّتْ، يَأْتِي إِلَى الْحَبْرِ، فَيَفْحَصُهُ. فَإِنْ وَجَدَ أَنَّ الْبُقْعَةَ ابْيَضَّتْ، يَحْكُمُ الْحَبْرُ بِأَنَّ الْمَرِيضَ طَاهِرٌ، فَيَكُونُ طَاهِرًا. ”إِنْ كَانَ وَاحِدٌ فِي جِلْدِهِ دُمَّلٌ وَشُفِيَ. فَتَرَكَ فِي مَكَانِهِ وَرَمًا أَبْيَضَ أَوْ بُقْعَةً بَيْضَاءَ مُحْمَرَّةً، فَيَجِبُ أَنْ يُعْرَضَ عَلَى الْحَبْرِ، فَيَفْحَصُهُ. فَإِنْ وَجَدَ الْحَبْرُ أَنَّهَا أَعْمَقُ مِنْ بَاقِي الْجِلْدِ وَقَدِ ابْيَضَّ شَعْرُهَا، يَحْكُمُ بِأَنَّهُ نَجِسٌ. لِأَنَّ هَذَا بَرَصٌ انْتَشَرَ فِي مَكَانِ الدُّمَّلِ. لَكِنْ إِنْ فَحَصَهُ الْحَبْرُ، وَلَمْ يَجِدْ فِيهَا شَعْرًا أَبْيَضَ، وَهِيَ لَيْسَتْ أَعْمَقَ مِنْ بَاقِي الْجِلْدِ، وَأَنَّ لَوْنَهَا خَفَّ، يَحْجُزُهُ الْحَبْرُ 7 أَيَّامٍ. فَإِنْ وَجَدَ أَنَّهَا امْتَدَّتْ فِي الْجِلْدِ، يَحْكُمُ الْحَبْرُ بِأَنَّهُ نَجِسٌ، إِنَّهَا مَرَضٌ. لَكِنْ إِنْ بَقِيَتِ الْبُقْعَةُ كَمَا هِيَ وَلَمْ تَمْتَدَّ، فَهِيَ أَثَرُ الدُّمَّلِ، فَيَحْكُمُ الْحَبْرُ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ. ”إِنْ كَانَ وَاحِدٌ فِي جِلْدِهِ حَرْقُ نَارٍ، وَظَهَرَتْ بُقْعَةٌ بَيْضَاءُ مُحْمَرَّةٌ أَوْ بَيْضَاءُ فِي مَوْضِعِ الْحَرْقِ، يَفْحَصُهُ الْحَبْرُ. فَإِنْ وَجَدَ أَنَّ شَعْرَ الْبُقْعَةِ قَدِ ابْيَضَّ، وَأَنَّهَا أَعْمَقُ مِنْ بَاقِي الْجِلْدِ، فَهَذَا بَرَصٌ انْتَشَرَ فِي الْحَرْقِ. فَيَحْكُمُ الْحَبْرُ بِأَنَّهُ نَجِسٌ. إِنَّهُ مَرَضُ الْبَرَصِ. لَكِنْ إِنْ فَحَصَهُ الْحَبْرُ وَوَجَدَ أَنَّ شَعْرَ الْبُقْعَةِ لَمْ يَبْيَضَّ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ أَعْمَقَ مِنْ بَاقِي الْجِلْدِ، وَأَنَّ لَوْنَهَا خَفَّ، يَحْجُزُهُ الْحَبْرُ 7 أَيَّامٍ. ثُمَّ يَفْحَصُهُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ، فَإِنْ وَجَدَ أَنَّهَا امْتَدَّتْ فِي الْجِلْدِ، يَحْكُمُ الْحَبْرُ بِأَنَّهُ نَجِسٌ. إِنَّهُ مَرَضُ الْبَرَصِ. لَكِنْ إِنْ بَقِيَتِ الْبُقْعَةُ كَمَا هِيَ وَلَمْ تَمْتَدَّ فِي الْجِلْدِ، وَخَفَّ لَوْنُهَا، فَهِيَ وَرَمٌ مِنَ الْحَرْقِ. فَيَحْكُمُ الْحَبْرُ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ، لِأَنَّهَا أَثَرُ الْحَرْقِ. ”إِذَا أُصِيبَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ بِالْتِهَابٍ فِي الرَّأْسِ أَوْ فِي الذَّقْنِ، يَفْحَصُهُ الْحَبْرُ. فَإِنْ وَجَدَ أَنَّ الِالْتِهَابَ أَعْمَقُ مِنْ بَاقِي الْجِلْدِ وَالشَّعْرَ الَّذِي فِيهِ أَصْفَرُ وَدَقِيقٌ، يَحْكُمُ الْحَبْرُ بِأَنَّ ذَلِكَ الشَّخْصَ نَجِسٌ، فَهَذَا قَرَعٌ أَيْ بَرَصُ الرَّأْسِ أَوِ الذَّقْنِ. لَكِنْ إِنْ فَحَصَ الْحَبْرُ الِالْتِهَابَ، وَوَجَدَ أَنَّهُ لَيْسَ أَعْمَقَ مِنْ بَاقِي الْجِلْدِ، وَلَيْسَ فِيهِ شَعْرٌ أَسْوَدُ، يَحْجُزُ الْحَبْرُ الْمَرِيضَ 7 أَيَّامٍ. ثُمَّ يَفْحَصُ الِالْتِهَابَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ، فَإِنْ وَجَدَ أَنَّ الْقَرَعَ لَمْ يَمْتَدَّ، وَلَيْسَ فِيهِ شَعْرٌ أَصْفَرُ، وَهُوَ لَيْسَ أَعْمَقَ مِنْ بَاقِي الْجِلْدِ، فَيَجِبُ أَنْ يَحْلِقَ شَعْرَهُ مَا عَدَا مَوْضِعَ الْقَرَعِ، وَيَحْجُزُهُ الْحَبْرُ 7 أَيَّامٍ أُخْرَى. ثُمَّ يَفْحَصُ الْحَبْرُ الْقَرَعَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدِ امْتَدَّ فِي الْجِلْدِ، وَهُوَ لَيْسَ أَعْمَقَ مِنْ بَاقِي الْجِلْدِ، يَحْكُمُ الْحَبْرُ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ. فَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ فَيَكُونُ طَاهِرًا. لَكِنْ إِنْ كَانَ الْقَرَعُ يَمْتَدُّ فِي الْجِلْدِ، بَعْدَ الْحُكْمِ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ، يَفْحَصُهُ الْحَبْرُ. فَإِنْ وَجَدَ أَنَّ الْقَرَعَ امْتَدَّ فِي الْجِلْدِ، فَلَا يَحْتَاجُ الْحَبْرُ أَنْ يَبْحَثَ عَنْ شَعْرٍ أَصْفَرَ، لِأَنَّ الشَّخْصَ نَجِسٌ. وَلَكِنْ إِنْ كَانَ فِي رَأْيِ الْحَبْرِ أَنَّ الْقَرَعَ بَقِيَ كَمَا هُوَ، وَطَلَعَ فِيهِ شَعْرٌ أَسْوَدُ، يَكُونُ الْقَرَعُ قَدْ شُفِيَ، فَهُوَ طَاهِرٌ وَيَحْكُمُ الْحَبْرُ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ. ”إِنْ كَانَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ فِيهِ بُقَعٌ بَيْضَاءُ فِي جِلْدِهِ، يَفْحَصُهُ الْحَبْرُ. فَإِنْ وَجَدَ أَنَّ لَوْنَ الْبُقَعِ أَبْيَضُ غَامِقٌ، فَهَذَا طَفْحٌ طَلَعَ فِي الْجِلْدِ، فَهُوَ طَاهِرٌ. ”مَنْ سَقَطَ شَعْرُ رَأْسِهِ هُوَ أَصْلَعُ، فَهُوَ طَاهِرٌ. وَإِنْ سَقَطَ شَعْرُ رَأْسِهِ مِنْ قُدَّامُ، فَهُوَ أَصْلَعُ الْجَبْهَةِ. هُوَ طَاهِرٌ. لَكِنْ إِنْ كَانَ فِي الصَّلْعَةِ أَوْ فِي الْجَبْهَةِ الْتِهَابٌ لَوْنُهُ أَبْيَضُ مُحْمَرٌّ، فَهَذَا بَرَصٌ طَلَعَ فِي رَأْسِهِ أَوْ فِي جَبْهَتِهِ. فَيَفْحَصُهُ الْحَبْرُ، فَإِنْ وَجَدَ أَنَّ الِالْتِهَابَ فِي رَأْسِهِ أَوْ جَبْهَتِهِ لَوْنُهُ أَبْيَضُ مُحْمَرٌّ مِثْلُ الْبَرَصِ، فَهُوَ فِعْلًا أَبْرَصُ، فَهُوَ نَجِسٌ، وَيَحْكُمُ الْحَبْرُ بِأَنَّهُ نَجِسٌ بِسَبَبِ الِالْتِهَابِ الَّذِي فِي رَأْسِهِ. ”وَالشَّخْصُ الْمَرِيضُ بِالْبَرَصِ يَلْبَسُ ثِيَابَهُ مَشْقُوقَةً، وَيَكْشِفُ رَأْسَهُ، وَيُغَطِّي شَارِبَيْهِ، وَيُنَادِي: ’نَجِسٌ! نَجِسٌ!‘ وَيَبْقَى نَجِسًا طُولَ فَتْرَةِ مَرَضِهِ. وَيَسْكُنُ وَحْدَهُ خَارِجَ الْمُخَيَّمِ. ”إِنْ ضَرَبَ عَفَنُ الْمَلَابِسِ ثَوْبًا مِنْ صُوفٍ أَوْ كَتَّانٍ، أَوْ قُمَاشًا أَوْ غِطَاءً مِنْ صُوفٍ أَوْ كَتَّانٍ، أَوْ جِلْدًا أَوْ أَيَّ شَيْءٍ مَصْنُوعٍ مِنْ جِلْدٍ. وَكَانَتِ الضَّرْبَةُ الَّتِي فِي الثَّوْبِ أَوِ الْجِلْدِ أَوِ الْقُمَاشِ أَوِ الْغِطَاءِ أَوِ الشَّيْءِ الْمَصْنُوعِ مِنْ جِلْدٍ، لَوْنُهَا يَمِيلُ إِلَى الْأَخْضَرِ أَوِ الْأَحْمَرِ، فَهَذَا عَفَنُ الْمَلَابِسِ وَيَجِبُ أَنْ يُعْرَضَ عَلَى الْحَبْرِ. فَيَفْحَصُ الْحَبْرُ الضَّرْبَةَ، وَيَحْجُزُ الشَّيْءَ الْمَضْرُوبَ 7 أَيَّامٍ. ثُمَّ يَفْحَصُهَا فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ، فَإِنْ كَانَتِ الضَّرْبَةُ قَدِ امْتَدَّتْ فِي الثَّوْبِ أَوِ الْقُمَاشِ أَوِ الْغِطَاءِ أَوِ الْجِلْدِ أَوِ الشَّيْءِ الْمَصْنُوعِ مِنْ جِلْدٍ، مَهْمَا كَانَ، فَالضَّرْبَةُ هِيَ عَفَنٌ مُفْسِدٌ وَهَذَا نَجِسٌ. وَيَجِبُ عَلَى الْحَبْرِ أَنْ يَحْرِقَ مَا فِيهِ الضَّرْبَةُ: الثَّوْبَ أَوِ الْقُمَاشَ أَوِ الْغِطَاءَ الَّذِي مِنْ صُوفٍ أَوْ كَتَّانٍ أَوِ الشَّيْءَ الَّذِي مِنْ جِلْدٍ، لِأَنَّ عَفَنَ الْمَلَابِسِ مُفْسِدٌ، فَيَجِبُ أَنْ يُحْرَقَ بِالنَّارِ. لَكِنْ إِنْ وَجَدَ الْحَبْرُ أَنَّ الضَّرْبَةَ لَمْ تَمْتَدَّ، يَأْمُرُ أَنْ يَغْسِلُوا مَا فِيهِ الضَّرْبَةُ، ثُمَّ يَحْجُزُهُ 7 أَيَّامٍ أُخْرَى، ثُمَّ يُغْسَلُ هَذَا الشَّيْءُ وَيَفْحَصُهُ الْحَبْرُ. فَإِنْ وَجَدَ أَنَّ مَنْظَرَ الضَّرْبَةِ بَقِيَ كَمَا هُوَ، حَتَّى مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَمْتَدَّ، فَإِنَّهُ يَحْرِقُهُ بِالنَّارِ لِأَنَّهُ نَجِسٌ. سَوَاءٌ كَانَ الْعَفَنُ فِي نَاحِيَةٍ أَوْ أُخْرَى. لَكِنْ إِنْ وَجَدَ الْحَبْرُ أَنَّ لَوْنَ الضَّرْبَةِ خَفَّ بَعْدَ غَسْلِ هَذَا الشَّيْءِ، فَإِنَّهُ يُمَزِّقُ الْجُزْءَ الْمَضْرُوبَ مِنَ الثَّوْبِ أَوِ الْجِلْدِ أَوِ الْقُمَاشِ أَوِ الْغِطَاءِ. ثُمَّ إِنْ ظَهَرَتْ مَرَّةً ثَانِيَةً، فَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا تَنْتَشِرُ، وَمَا فِيهِ الضَّرْبَةُ يَجِبُ أَنْ يُحْرَقَ بِالنَّارِ. أَمَّا الثَّوْبُ أَوِ الْقُمَاشُ أَوِ الْغِطَاءُ أَوِ الشَّيْءُ الْمَصْنُوعُ مِنْ جِلْدٍ، الَّذِي تَغْسِلُهُ وَتَزُولُ مِنْهُ الضَّرْبَةُ، فَيُغْسَلُ ثَانِيَةً فَيَكُونُ طَاهِرًا.“ هَذِهِ هِيَ التَّعْلِيمَاتُ بِشَأْنِ ضَرْبَةِ الْعَفَنِ فِي ثَوْبٍ مِنْ صُوفٍ أَوْ كَتَّانٍ أَوْ فِي قُمَاشٍ أَوْ غِطَاءٍ أَوْ شَيْءٍ مَصْنُوعٍ مِنْ جِلْدٍ لِلْحُكْمِ بِأَنَّهَا نَجِسَةٌ أَوْ طَاهِرَةٌ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”هَذِهِ هِيَ التَّعْلِيمَاتُ بِشَأْنِ الْأَبْرَصِ الَّذِي يَطْهُرُ عِنْدَمَا يُحْضَرُ إِلَى الْحَبْرِ: يَخْرُجُ الْحَبْرُ إِلَى خَارِجِ الْمُخَيَّمِ وَيَفْحَصُهُ، فَإِنْ وَجَدَ أَنَّهُ شُفِيَ مِنَ الْبَرَصِ، يَأْمُرُ الْحَبْرُ بِأَنْ يُحْضِرُوا لِلَّذِي شُفِيَ عُصْفُورَيْنِ حَيَّيْنِ طَاهِرَيْنِ، وَخَشَبَ أَرْزٍ، وَخَيْطًا أَحْمَرَ وَغُصْنًا مِنْ نَبَاتِ السَّعْتَرِ. وَيَأْمُرُ الْحَبْرُ بِأَنْ يُذْبَحَ أَحَدُ الْعُصْفُورَيْنِ فِي إِنَاءٍ مِنْ خَزَفٍ عَلَى مَاءٍ عَذْبٍ. ثُمَّ يَأْخُذُ الْعُصْفُورَ الْحَيَّ وَخَشَبَ الْأَرْزِ وَالْخَيْطَ الْأَحْمَرَ وَالسَّعْتَرَ، وَيَغْمِسُهَا كُلَّهَا فِي دَمِ الْعُصْفُورِ الْمَذْبُوحِ عَلَى الْمَاءِ الْعَذْبِ. وَيَرُشُّ عَلَى الْمُتَطَهِّرِ مِنَ الْبَرَصِ 7 مَرَّاتٍ وَيُطَهِّرُهُ. ثُمَّ يُطْلِقُ الْعُصْفُورَ الْحَيَّ فِي الْخَلَاءِ. فَيَغْسِلُ الْمُتَطَهِّرُ ثِيَابَهُ، وَيَحْلِقُ كُلَّ شَعْرِهِ، وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ فَيَطْهُرُ. ثُمَّ يَدْخُلُ الْمُخَيَّمَ، لَكِنْ يُقِيمُ خَارِجَ خَيْمَتِهِ 7 أَيَّامٍ. وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ يَحْلِقُ كُلَّ شَعْرِهِ: رَأْسَهُ وَذَقْنَهُ وَحَوَاجِبَ عَيْنَيْهِ وَكُلَّ شَعْرِهِ، وَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ، وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ فَيَطْهُرُ. ثُمَّ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ يُحْضِرُ خَرُوفَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَنَعْجَةً وَاحِدَةً صَحِيحَةً عُمْرُهَا سَنَةٌ، وَقُرْبَانًا مِنْ 6 كِيلُوجْرَامَاتٍ مِنَ الدَّقِيقِ الْمَخْلُوطِ بِالزَّيْتِ، وَقِنِّينَةَ زَيْتٍ حَوَالَيْ ثُلُثِ لِتْرٍ. وَيُوقِفُ الْحَبْرُ الْمُطَهِّرُ الشَّخْصَ الْمُتَطَهِّرَ وَقَرَابِينَهُ أَمَامَ اللهِ، عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. ثُمَّ يَأْخُذُ الْحَبْرُ أَحَدَ الْخَرُوفَيْنِ، وَيُقَدِّمُهُ قُرْبَانَ ذَنْبٍ مَعَ قِنِّينَةِ الزَّيْتِ، يُقَدِّمُهُمَا هَدِيَّةً أَمَامَ اللهِ. فَيَذْبَحُ الْخَرُوفَ فِي الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ الَّذِي يُذْبَحُ فِيهِ قُرْبَانُ الْخَطِيئَةِ وَالْقُرْبَانُ الَّذِي يُحْرَقُ. لِأَنَّ قُرْبَانَ الذَّنْبِ هُوَ مِثْلُ قُرْبَانِ الْخَطِيئَةِ، يَكُونُ مِنْ نَصِيبِ الْحَبْرِ. إِنَّهُ طَاهِرٌ جِدًّا. وَيَأْخُذُ الْحَبْرُ مِنْ دَمِ قُرْبَانِ الذَّنْبِ، وَيَضَعُهُ عَلَى شَحْمَةِ أُذُنِ الْمُتَطَهِّرِ الْيُمْنَى، وَعَلَى إِبْهَامِ يَدِهِ الْيُمْنَى، وَعَلَى إِبْهَامِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى. ثُمَّ يَأْخُذُ الْحَبْرُ مِنْ قِنِّينَةِ الزَّيْتِ وَيَصُبُّهُ فِي كَفِّهِ الْيُسْرَى، أَيْ كَفِّهِ هُوَ. وَيَغْمِسُ إِصْبَعَهُ الْيُمْنَى فِي الزَّيْتِ الَّذِي فِي كَفِّهِ الْيُسْرَى، وَيَرُشُّ مِنْهُ 7 مَرَّاتٍ أَمَامَ اللهِ. ثُمَّ يَضَعُ الْحَبْرُ مِنَ الزَّيْتِ الْبَاقِي فِي كَفِّهِ، عَلَى شَحْمَةِ أُذُنِ الْمُتَطَهِّرِ الْيُمْنَى، وَعَلَى إِبْهَامِ يَدِهِ الْيُمْنَى، وَعَلَى إِبْهَامِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى، وَذَلِكَ فَوْقَ دَمِ ضَحِيَّةِ الذَّنْبِ. وَالْفَاضِلُ مِنَ الزَّيْتِ الَّذِي فِي كَفِّ الْحَبْرِ، يَضَعُهُ عَلَى رَأْسِ الْمُتَطَهِّرِ، وَيُكَفِّرُ عَنْهُ أَمَامَ اللهِ. ”ثُمَّ يُقَدِّمُ الْحَبْرُ قُرْبَانَ الْخَطِيئَةِ، وَيُكَفِّرُ عَنِ الْمُتَطَهِّرِ مِنْ نَجَاسَتِهِ. ثُمَّ يَذْبَحُ الضَّحِيَّةَ الَّتِي تُحْرَقُ، وَيُقَدِّمُهَا عَلَى الْمَنَصَّةِ مَعَ قُرْبَانِ الدَّقِيقِ، وَيُكَفِّرُ عَنْهُ فَيَطْهُرُ. ”لَكِنْ إِنْ كَانَ فَقِيرًا وَلَيْسَ فِي إِمْكَانِهِ أَنْ يُقَدِّمَ هَذِهِ، فَيَجِبُ أَنْ يُحْضِرَ خَرُوفًا وَاحِدًا كَضَحِيَّةِ ذَنْبٍ يُقَدِّمُهَا الْحَبْرُ هَدِيَّةً للهِ لِيُكَفِّرَ عَنْهُ، وَيُحْضِرَ أَيْضًا قُرْبَانًا مِنْ 6 كِيلُوجْرَامَاتٍ مِنَ الدَّقِيقِ الْمَخْلُوطِ بِالزَّيْتِ، وَقِنِّينَةَ زَيْتٍ حَوَالَيْ ثُلُثِ لِتْرٍ، وَيَمَامَتَيْنِ أَوْ حَمَامَتَيْنِ صَغِيرَتَيْنِ حَسَبَ إِمْكَانِهِ، فَتَكُونُ إِحْدَاهُمَا ضَحِيَّةَ تَكْفِيرٍ عَنِ الْخَطِيئَةِ وَالْأُخْرَى قُرْبَانًا يُحْرَقُ. فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ لِتَطْهِيرِهِ، يُحْضِرُ كُلَّ هَذَا أَمَامَ اللهِ، إِلَى الْحَبْرِ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. فَيَأْخُذُ الْحَبْرُ خَرُوفَ ضَحِيَّةِ الذَّنْبِ وَقِنِّينَةَ الزَّيْتِ وَيُقَدِّمُهُمَا هَدِيَّةً أَمَامَ اللهِ. ثُمَّ يَذْبَحُ خَرُوفَ ضَحِيَّةِ الذَّنْبِ، وَيَأْخُذُ مِنْ دَمِهِ وَيَضَعُهُ عَلَى شَحْمَةِ أُذُنِ الْمُتَطَهِّرِ الْيُمْنَى، وَعَلَى إِبْهَامِ يَدِهِ الْيُمْنَى، وَعَلَى إِبْهَامِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى. ثُمَّ يَصُبُّ الْحَبْرُ مِنَ الزَّيْتِ فِي كَفِّهِ الْيُسْرَى، أَيْ فِي كَفِّهِ هُوَ. وَيَأْخُذُ بِإِصْبَعِهِ الْيُمْنَى مِنَ الزَّيْتِ الَّذِي فِي كَفِّهِ الْيُسْرَى، وَيَرُشُّ مِنْهُ 7 مَرَّاتٍ أَمَامَ اللهِ. ثُمَّ يَضَعُ الْحَبْرُ مِنَ الزَّيْتِ الْبَاقِي فِي كَفِّهِ، عَلَى شَحْمَةِ أُذُنِ الْمُتَطَهِّرِ الْيُمْنَى، وَعَلَى إِبْهَامِ يَدِهِ الْيُمْنَى، وَعَلَى إِبْهَامِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى، وَذَلِكَ فَوْقَ دَمِ ضَحِيَّةِ الذَّنْبِ. وَالْفَاضِلُ مِنَ الزَّيْتِ الَّذِي فِي كَفِّ الْحَبْرِ، يَضَعُهُ عَلَى رَأْسِ الْمُتَطَهِّرِ، وَيُكَفِّرُ عَنْهُ أَمَامَ اللهِ. ثُمَّ يُقَدِّمُ الْيَمَامَتَيْنِ أَوِ الْحَمَامَتَيْنِ الصَّغِيرَتَيْنِ، حَسَبَ إِمْكَانِهِ، إِحْدَاهُمَا ضَحِيَّةَ تَكْفِيرٍ عَنِ الْخَطِيئَةِ وَالْأُخْرَى قُرْبَانًا يُحْرَقُ، مَعَ قُرْبَانِ الدَّقِيقِ. وَبِذَلِكَ يُكَفِّرُ الْحَبْرُ عَنْهُ أَمَامَ اللهِ. هَذِهِ هِيَ التَّعْلِيمَاتُ بِشَأْنِ الْأَبْرَصِ الَّذِي لَيْسَ فِي إِمْكَانِهِ تَقْدِيمُ الْقُرْبَانِ الْعَادِيِّ عِنْدَ تَطْهِيرِهِ.“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: ”مَتَى دَخَلْتُمْ أَرْضَ كَنْعَانَ الَّتِي أُعْطِيهَا لَكُمْ مِلْكًا، فَعِنْدَمَا أَضْرِبُ دَارًا فِي تِلْكَ الْبِلَادِ بِعَفَنِ الْمَلَابِسِ، يَأْتِي صَاحِبُ الدَّارِ وَيُخْبِرُ الْحَبْرَ وَيَقُولُ لَهُ: ’يَبْدُو أَنَّ دَارِي فِيهَا عَفَنُ الْمَلَابِسِ.‘ فَيَأْمُرُ الْحَبْرُ بِإِخْلَاءِ الدَّارِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ لِيَفْحَصَ الْعَفَنَ، وَإِلَّا فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ فِي الدَّارِ يُعْتَبَرُ نَجِسًا. وَبَعْدَ ذَلِكَ يَدْخُلُ الْحَبْرُ لِيَرَى الدَّارَ. وَيَفْحَصُ الضَّرْبَةَ، فَإِنْ وَجَدَ فِي حِيطَانِ الدَّارِ نُقَرًا لَوْنُهَا يَمِيلُ إِلَى الْأَخْضَرِ أَوِ الْأَحْمَرِ، وَمَنْظَرُهَا عَمِيقٌ فِي الْحَائِطِ، يَخْرُجُ الْحَبْرُ مِنَ الدَّارِ وَيُغْلِقُ الْبَابَ 7 أَيَّامٍ. ثُمَّ يَرْجِعُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ لِيَفْحَصَ الدَّارَ، فَإِنْ وَجَدَ أَنَّ الضَّرْبَةَ امْتَدَّتْ فِي الْحِيطَانِ، يَأْمُرُ بِأَنْ تُقْلَعَ الْحِجَارَةُ الْمَضْرُوبَةُ وَتُطْرَحَ فِي مَكَانٍ نَجِسٍ خَارِجَ الْمَدِينَةِ. وَتُقَشَّرُ كُلُّ حِيطَانِ الدَّارِ مِنَ الدَّاخِلِ، وَيُرْمَى التُّرَابُ الْمَقْشُورُ فِي مَكَانٍ نَجِسٍ خَارِجَ الْمَدِينَةِ. وَيَأْخُذُونَ حِجَارَةً أُخْرَى، وَيَضَعُونَهَا مَكَانَ الْحِجَارَةِ الْمَقْلُوعَةِ، وَتُرَابًا آخَرَ وَيُطَيِّنُونَ بِهِ الدَّارَ. فَإِنْ ظَهَرَ الْعَفَنُ فِي الدَّارِ مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ قَلْعِ الْحِجَارَةِ وَقَشْرِ الدَّارِ وَتَطْيِينِهَا، يَأْتِي الْحَبْرُ وَيَفْحَصُهَا، فَإِنْ وَجَدَ أَنَّ الْعَفَنَ امْتَدَّ فِي الدَّارِ، فَهُوَ عَفَنٌ مُفْسِدٌ، وَتَكُونُ الدَّارُ نَجِسَةً. فَيَجِبُ أَنْ تُهْدَمَ الدَّارُ، بِمَا فِيهَا مِنْ حِجَارَةٍ وَأَخْشَابٍ وَتُرَابٍ، وَيُؤْخَذَ الْكُلُّ إِلَى مَكَانٍ نَجِسٍ خَارِجَ الْمَدِينَةِ. وَمَنْ دَخَلَ الدَّارَ طُولَ الْأَيَّامِ الَّتِي تُغْلَقُ فِيهَا، يَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَمَنْ نَامَ فِيهَا أَوْ أَكَلَ فِيهَا، فَيَجِبُ أَنْ يَغْسِلَ ثِيَابَهُ. ”لَكِنْ إِنْ جَاءَ الْحَبْرُ وَفَحَصَهَا، وَوَجَدَ أَنَّ الْعَفَنَ لَمْ يَمْتَدَّ فِي الدَّارِ بَعْدَ تَطْيِينِهَا، يَحْكُمُ الْحَبْرُ بِأَنَّ الدَّارَ طَاهِرَةٌ، لِأَنَّ الضَّرْبَةَ زَالَتْ. فَيَأْخُذُ لِتَطْهِيرِ الدَّارِ عُصْفُورَيْنِ وَخَشَبَ أَرْزٍ وَخَيْطًا أَحْمَرَ وَغُصْنًا مِنْ نَبَاتِ السَّعْتَرِ. وَيَذْبَحُ أَحَدَ الْعُصْفُورَيْنِ فِي إِنَاءٍ مِنْ خَزَفٍ عَلَى مَاءٍ عَذْبٍ. وَيَأْخُذُ خَشَبَ الْأَرْزِ وَالسَّعْتَرَ وَالْخَيْطَ الْأَحْمَرَ وَالْعُصْفُورَ الْحَيَّ، وَيَغْمِسُهَا كُلَّهَا فِي دَمِ الْعُصْفُورِ الْمَذْبُوحِ وَفِي الْمَاءِ الْعَذْبِ، وَيَرُشُّ الدَّارَ 7 مَرَّاتٍ. وَيُطَهِّرُهَا بِدَمِ الْعُصْفُورِ وَبِالْمَاءِ الْعَذْبِ وَبِالْعُصْفُورِ الْحَيِّ وَبِخَشَبِ الْأَرْزِ وَبِالسَّعْتَرِ وَبِالْخَيْطِ الْأَحْمَرِ. ثُمَّ يُطْلِقُ الْعُصْفُورَ الْحَيَّ فِي الْخَلَاءِ خَارِجَ الْمَدِينَةِ. بِذَلِكَ يُكَفِّرُ عَنِ الدَّارِ فَتَكُونُ طَاهِرَةً.“ هَذِهِ هِيَ التَّعْلِيمَاتُ بِشَأْنِ كُلِّ أَمْرَاضِ الْبَرَصِ وَالْقَرَعِ، وَالْعَفَنِ فِي الثِّيَابِ أَوِ الدَّارِ، وَالْوَرَمِ وَالطَّفْحِ وَالْبُقْعَةِ اللَّامِعَةِ، لِتَعْرِفُوا أَنْ تُمَيِّزُوا بَيْنَ مَا هُوَ نَجِسٌ وَمَا هُوَ طَاهِرٌ. فَهَذِهِ هِيَ تَعْلِيمَاتُ الْبَرَصِ وَالْعَفَنِ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: ”قُولَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’أَيُّ رَجُلٍ تَخْرُجُ مِنْ عُضْوِهِ إِفْرَازَاتٌ فَهُوَ نَجِسٌ. سَوَاءٌ كَانَ الْإِفْرَازُ مُسْتَمِرًّا أَوْ تَوَقَّفَ، هُوَ عَلَى كُلِّ حَالٍ نَجِسٌ. لِذَلِكَ كُلُّ فِرَاشٍ يَرْقُدُ عَلَيْهِ هَذَا الشَّخْصُ، وَكُلُّ شَيْءٍ يَجْلِسُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِسًا. وَمَنْ يَمَسُّ فِرَاشَ هَذَا الشَّخْصِ، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَمَنْ يَجْلِسُ عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي يَجْلِسُ عَلَيْهِ هَذَا الشَّخْصُ، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَمَنْ يَمَسُّ جِسْمَ هَذَا الشَّخْصِ، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَإِنْ بَصَقَ مَنْ عِنْدَهُ الْإِفْرَازَاتُ عَلَى وَاحِدٍ طَاهِرٍ، فَالطَّاهِرُ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ، وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَكُلُّ مَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ هَذَا الشَّخْصُ، يَكُونُ نَجِسًا. وَمَنْ مَسَّ شَيْئًا كَانَ تَحْتَهُ، يَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَمَنْ حَمَلَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ، وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. ”’وَأَيُّ وَاحِدٍ يَمَسُّهُ مَنْ عِنْدَهُ الْإِفْرَازَاتُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ، وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَإِنَاءُ الْخَزَفِ الَّذِي يَمَسُّهُ يُكْسَرُ، أَمَّا إِنْ كَانَ الْإِنَاءُ مِنْ خَشَبٍ فَيُغْسَلُ بِمَاءٍ. ”’عِنْدَمَا يَطْهُرُ الشَّخْصُ الَّذِي تَخْرُجُ مِنْهُ الْإِفْرَازَاتُ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ، يَحُسِبُ 7 أَيَّامٍ لِتَطْهِيرِهِ. ثُمَّ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ عَذْبٍ فَيَطْهُرُ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ يَأْخُذُ يَمَامَتَيْنِ أَوْ حَمَامَتَيْنِ صَغِيرَتَيْنِ، وَيَأْتِي أَمَامَ اللهِ، إِلَى مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَيُعْطِيهِمَا لِلْحَبْرِ. فَيُقَدِّمُهُمَا الْحَبْرُ، فَتَكُونُ إِحْدَاهُمَا ضَحِيَّةً عَنِ الْخَطِيئَةِ وَالْأُخْرَى قُرْبَانًا يُحْرَقُ. وَيُكَفِّرُ الْحَبْرُ عَنْهُ أَمَامَ اللهِ مِنْ إِفْرَازَاتِهِ. ”’إِنِ انْطَلَقَ السَّائِلُ الْمَنَوِيُّ مِنْ رَجُلٍ، يَغْسِلُ كُلَّ جِسْمِهِ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَأَيُّ ثَوْبٍ أَوْ جِلْدٍ وَقَعَ عَلَيْهِ مِنَ السَّائِلِ الْمَنَوِيِّ، يُغْسَلُ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَإِنْ عَاشَرَ رَجُلٌ امْرَأَةً، يَسْتَحِمُّ الِاثْنَانِ، وَيَكُونَانِ نَجِسَيْنِ إِلَى الْمَسَاءِ. ”’حِينَ يَسِيلُ دَمُ الْحَيْضِ عِنْدَ امْرَأَةٍ، تَبْقَى 7 أَيَّامٍ فِي نَجَاسَةِ الْعَادَةِ الشَّهْرِيَّةِ. كُلُّ مَنْ مَسَّهَا يَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَكُلُّ مَا تَرْقُدُ عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الْعَادَةِ يَكُونُ نَجِسًا، وَكُلُّ مَا تَجْلِسُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِسًا. وَكُلُّ مَنْ مَسَّ فِرَاشَهَا، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ، وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَكُلُّ مَنْ مَسَّ شَيْئًا تَجْلِسُ عَلَيْهِ، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ، وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَإِنْ كَانَ عَلَى فِرَاشِهَا أَوْ عَلَى مَا تَجْلِسُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، فَمَنْ مَسَّهُ يَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَإِنْ عَاشَرَهَا رَجُلٌ، وَأَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمِهَا، يَكُونُ نَجِسًا 7 أَيَّامٍ. وَكُلُّ فِرَاشٍ يَرْقُدُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِسًا. ”’إِنْ كَانَتِ امْرَأَةٌ يَنْزِفُ مِنْهَا دَمُ الْحَيْضِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْعَادَةِ الشَّهْرِيَّةِ، أَوِ اسْتَمَرَّ بَعْدَ انْتِهَاءِ وَقْتِ الْعَادَةِ، تَكُونُ نَجِسَةً طُولَ فَتْرَةِ سَيَلَانِ الدَّمِ كَمَا فِي وَقْتِ الْعَادَةِ. أَيُّ فِرَاشٍ تَرْقُدُ عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ نَزْفِهَا، يَكُونُ نَجِسًا كَفِرَاشِهَا فِي وَقْتِ الْعَادَةِ الشَّهْرِيَّةِ. وَكُلُّ شَيْءٍ تَجْلِسُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِسًا كَمَا فِي وَقْتِ الْعَادَةِ. وَمَنْ يَمَسُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَكُونُ نَجِسًا، فَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ، وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. ”’وَحِينَ يَتَوَقَّفُ نَزِيفُهَا، تَحْسُبُ 7 أَيَّامٍ، ثُمَّ تَطْهُرُ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ تَأْخُذُ يَمَامَتَيْنِ أَوْ حَمَامَتَيْنِ صَغِيرَتَيْنِ، وَتَأْتِي بِهِمَا إِلَى الْحَبْرِ، عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. فَيُقَدِّمُ الْحَبْرُ إِحْدَاهُمَا ضَحِيَّةً عَنِ الْخَطِيئَةِ، وَالْأُخْرَى قُرْبَانًا يُحْرَقُ. وَيُكَفِّرُ الْحَبْرُ عَنْهَا أَمَامَ اللهِ مِنْ نَجَاسَةِ نَزِيفِهَا. ”’بِهَذَا تَحْفَظَانِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِمَّا يُنَجِّسُهُمْ. لِأَنَّهُمْ إِنْ نَجَّسُوا مَسْكَنِيَ الَّذِي فِي وَسَطِهِمْ، يَمُوتُونَ فِي نَجَاسَتِهِمْ.‘“ هَذِهِ هِيَ التَّعْلِيمَاتُ بِشَأْنِ مَنْ تَخْرُجُ مِنْهُ إِفْرَازَاتٌ، وَمَنْ يَنْطَلِقُ مِنْهُ السَّائِلُ الْمَنَوِيُّ فَيَتَنَجَّسُ بِهِمَا. وَمَنْ عَلَيْهَا الْعَادَةُ الشَّهْرِيَّةُ، وَمَنْ يَسِيلُ مِنْهُ إِفْرَازٌ، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَالرَّجُلِ الَّذِي يُعَاشِرُ نَجِسَةً. وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى بَعْدَ مَوْتِ ابْنَيْ هَارُونَ، لَمَّا اقْتَرَبَا أَمَامَ اللهِ وَمَاتَا. قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِهَارُونَ أَخِيكَ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِي كُلِّ وَقْتٍ إِلَى الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ، إِلَى وَرَاءِ السِّتَارَةِ، أَمَامَ الْغِطَاءِ الَّذِي فَوْقَ الصُّنْدُوقِ، لِئَلَّا يَمُوتَ. لِأَنِّي أَظْهَرُ فِي السَّحَابِ فَوْقَ الْغِطَاءِ. إِنَّمَا يَدْخُلُ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ: يَأْتِي بِعِجْلٍ مِنَ الْبَقَرِ لِضَحِيَّةِ التَّكْفِيرِ عَنِ الْخَطِيئَةِ، وَكَبْشٍ لِلْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ. وَيَلْبَسُ الْقَمِيصَ الطَّاهِرَ الَّذِي مِنْ كَتَّانٍ، وَسِرْوَالَ كَتَّانٍ عَلَى بَدَنِهِ، وَيَشُدُّ حِزَامَ كَتَّانٍ حَوْلَ وَسَطِهِ، وَيَضَعُ عِمَامَةَ كَتَّانٍ عَلَى رَأْسِهِ. إِنَّهَا ثِيَابٌ طَاهِرَةٌ، لِذَلِكَ يَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ قَبْلَ أَنْ يَلْبَسَهَا. وَيَأْخُذُ مِنْ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ تَيْسَيْنِ مِنَ الْمَعْزِ لِضَحِيَّةِ التَّكْفِيرِ عَنِ الْخَطِيئَةِ، وَكَبْشًا لِلْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ. ”فَيُقَدِّمُ هَارُونُ عِجْلَ ضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ عَائِلَتِهِ. وَيَأْخُذُ التَّيْسَيْنِ وَيُوقِفُهُمَا أَمَامَ اللهِ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَيُلْقِي عَلَيْهِمَا قُرْعَةً لِيَكُونَ أَحَدُهُمَا للهِ وَالْآخَرُ لِعَزَازِيلَ. وَيُحْضِرُ هَارُونُ التَّيْسَ الَّذِي وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ للهِ، وَيُقَدِّمُهُ ضَحِيَّةً عَنِ الْخَطِيئَةِ. أَمَّا التَّيْسُ الَّذِي وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ لِعَزَازِيلَ، فَيُوقِفُهُ حَيًّا أَمَامَ اللهِ لِيُكَفِّرَ عَنْهُ، ثُمَّ يُطْلِقُهُ إِلَى الصَّحْرَاءِ فَهُوَ كَبْشُ فِدَاءٍ. ”وَيُقَدِّمُ هَارُونُ عِجْلَ التَّكْفِيرِ عَنْ خَطِيئَتِهِ، وَيُكَفِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ عَائِلَتِهِ وَيَذْبَحُ هَذَا الْعِجْلَ. وَيَمْلَأُ الْمَبْخَرَةَ بِجَمْرٍ مُشْتَعِلٍ مِنْ عَلَى الْمَنَصَّةِ مِنْ أَمَامِ اللهِ، وَيَأْخُذُ مِلْءَ يَدَيْهِ بَخُورًا عَطِرًا نَاعِمًا وَيَدْخُلُ بِهِ إِلَى وَرَاءِ السِّتَارَةِ. وَيَضَعُ الْبَخُورَ عَلَى النَّارِ أَمَامَ اللهِ، فَتُغَطِّي سَحَابَةُ الْبَخُورِ الْغِطَاءَ الَّذِي فَوْقَ صُنْدُوقِ الْعَهْدِ، فَلَا يَمُوتُ. ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْ دَمِ الْعِجْلِ، وَيَرُشُّ بِإِصْبَعِهِ عَلَى الْغِطَاءِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْقِ، وَ7 مَرَّاتٍ قُدَّامَ الْغِطَاءِ. ”ثُمَّ يَذْبَحُ تَيْسَ التَّكْفِيرِ عَنْ خَطِيئَةِ الشَّعْبِ، وَيَدْخُلُ بِدَمِهِ إِلَى وَرَاءِ السِّتَارَةِ. وَيَعْمَلُ بِدَمِهِ كَمَا عَمِلَ بِدَمِ الْعِجْلِ، فَيَرُشُّهُ عَلَى الْغِطَاءِ وَقُدَّامَ الْغِطَاءِ. بِذَلِكَ يُكَفِّرُ عَنِ الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ مِنْ شَرِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمَعَاصِيهِمْ وَكُلِّ ذُنُوبِهِمْ. وَيَعْمَلُ هَذَا لِخَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ الْقَائِمَةِ بَيْنَهُمْ فِي وَسَطِ نَجَاسَتِهِمْ. وَمَمْنُوعٌ وُجُودُ أَيِّ وَاحِدٍ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ مِنْ وَقْتِ دُخُولِ هَارُونَ إِلَى الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ، لِيُكَفِّرَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَائِلَتِهِ وَكُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِلَى وَقْتِ خُرُوجِهِ. ”ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الْمَنَصَّةِ الَّتِي أَمَامَ اللهِ وَيُكَفِّرُ عَنْهَا. فَيَأْخُذُ مِنْ دَمِ الْعِجْلِ وَمِنْ دَمِ التَّيْسِ وَيَضَعُهُ عَلَى قُرُونِ الْمَنَصَّةِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. وَيَرُشُّ عَلَيْهَا مِنَ الدَّمِ بِإِصْبَعِهِ 7 مَرَّاتٍ وَيُطَهِّرُهَا مِنْ ذُنُوبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَيُكَرِّسُهَا للهِ. ”وَمَتَى انْتَهَى هَارُونُ مِنَ التَّكْفِيرِ عَنِ الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ، وَعَنْ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَعَنِ الْمَنَصَّةِ، يُقَدِّمُ التَّيْسَ الْحَيَّ. وَيَضَعُ هَارُونُ يَدَيْهِ عَلَى رَأْسِ التَّيْسِ الْحَيِّ وَيَعْتَرِفُ عَلَيْهِ بِكُلِّ شَرِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمَعْصِيَتِهِمْ، وَكُلِّ ذُنُوبِهِمْ. وَبِذَلِكَ يَضَعُهَا عَلَى رَأْسِ التَّيْسِ. ثُمَّ يُرْسِلُهُ إِلَى الصَّحْرَاءِ مَعَ شَخْصٍ تَمَّ اخْتِيَارُهُ لِهَذِهِ الْمُهِمَّةِ. فَيَحْمِلُ التَّيْسُ كُلَّ ذُنُوبِهِمْ إِلَى مَكَانٍ مُنْعَزِلٍ، ثُمَّ يُطْلِقُ هَذَا الشَّخْصُ التَّيْسَ فِي الْبَرِّيَّةِ. ”ثُمَّ يَدْخُلُ هَارُونُ إِلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَيَخْلَعُ ثِيَابَ الْكَتَّانِ الَّتِي لَبِسَهَا عِنْدَ دُخُولِهِ إِلَى الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ، وَيَضَعُهَا هُنَاكَ. وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ، ثُمَّ يَلْبَسُ ثِيَابَهُ وَيَخْرُجُ، وَيُقَدِّمُ الْقُرْبَانَ الَّذِي يُحْرَقُ عَنْهُ وَالْقُرْبَانَ الَّذِي يُحْرَقُ عَنِ الشَّعْبِ، لِيُكَفِّرَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنِ الشَّعْبِ. وَأَيْضًا يَحْرِقُ عَلَى الْمَنَصَّةِ شَحْمَ ضَحِيَّةِ التَّكْفِيرِ عَنِ الْخَطِيئَةِ. ”وَالشَّخْصُ الَّذِي أَطْلَقَ التَّيْسَ إِلَى عَزَازِيلَ، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ، وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَدْخُلُ إِلَى الْمُخَيَّمِ. أَمَّا عِجْلُ ضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ، وَتَيْسُ ضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ، اللَّذَانِ دَخَلَ هَارُونُ بِدَمِهِمَا لِيُكَفِّرَ فِي الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ، فَيُخْرَجَانِ إِلَى خَارِجِ الْمُخَيَّمِ، وَيَحْرِقُونَ جِلْدَهُمَا وَلَحْمَهُمَا وَرَوْثَهُمَا. وَالَّذِي يَحْرِقُهُمَا يَغْسِلُ ثِيَابَهُ، وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَدْخُلُ إِلَى الْمُخَيَّمِ. ”هَذِهِ لَكُمْ فَرِيضَةٌ تَدُومُ، وَهِيَ أَنَّكُمْ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ تُذَلِّلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَقُومُونَ بِأَيِّ عَمَلٍ. الْمُوَاطِنُ وَالْغَرِيبُ الْمُقِيمُ بَيْنَكُمْ عَلَى السَّوَاءِ. لِأَنَّهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ يَتِمُّ التَّكْفِيرُ عَنْكُمْ لِتَطْهُرُوا فَتَصِيرُونَ طَاهِرِينَ مِنْ كُلِّ ذُنُوبِكُمْ أَمَامَ اللهِ. فَهُوَ سَبْتُ رَاحَةٍ لَكُمْ. فِيهِ تُذَلِّلُونَ أَنْفُسَكُمْ. فَرِيضَةٌ تَدُومُ. وَالْحَبْرُ الْمَمْسُوحُ وَالْمُكَرَّسُ لِيَخْلُفَ أَبَاهُ كَرَئِيسٍ لِلْأَحْبَارِ، يَقُومُ بِفَرَائِضِ التَّكْفِيرِ وَهُوَ لَابِسٌ ثِيَابَ الْكَتَّانِ الطَّاهِرَةَ. وَيُكَفِّرُ عَنِ الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ، وَعَنْ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَعَنِ الْمَنَصَّةِ، وَعَنِ الْأَحْبَارِ، وَعَنِ الْجَمَاعَةِ كُلِّهَا. فَهِيَ لَكُمْ فَرِيضَةٌ تَدُومُ، لِلتَّكْفِيرِ عَنْ كُلِّ ذُنُوبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَرَّةً فِي السَّنَةِ.“ فَتَمَّ كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ وَكُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ’هَذَا هُوَ أَمْرُ اللهِ، أَيُّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَذْبَحُ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا أَوْ مِعْزَى، فِي الْمُخَيَّمِ أَوْ خَارِجَ الْمُخَيَّمِ، وَلَيْسَ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، حَيْثُ يَجِبُ أَنْ يُقَدِّمَهُ قُرْبَانًا للهِ أَمَامَ الْخَيْمَةِ، فَهَذَا الشَّخْصُ يُعْتَبَرُ قَاتِلًا، لِأَنَّهُ سَفَكَ دَمًا، فَيُبَادُ مِنْ شَعْبِهِ. لِذَلِكَ يَجِبُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُحْضِرُوا إِلَى اللهِ ضَحَايَاهُمُ الَّتِي يُقَدِّمُونَهَا فِي الْخَلَاءِ، وَيُقَدِّمُوهَا إِلَى الْحَبْرِ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَيَذْبَحُوهَا للهِ قَرَابِينَ لِلصُّحْبَةِ. وَيَرُشُّ الْحَبْرُ الدَّمَ عَلَى مَنَصَّةِ قُرْبَانِ اللهِ، عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَيَحْرِقُ الشَّحْمَ فَيَكُونُ رَائِحَةً تَسُرُّ اللهَ. فَمِنَ الْآنَ لَا يُقَدِّمُوا ضَحَايَاهُمْ لِأَصْنَامِ التُّيُوسِ الَّتِي هُمْ يَفْجُرُونَ وَيَعْبُدُونَهَا. هَذِهِ لَهُمْ فَرِيضَةٌ تَدُومُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ.‘ ”وَقُلْ لَهُمْ: ’أَيُّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ مِنَ الْغُرَبَاءِ الْمُقِيمِينَ بَيْنَكُمْ، يُقَدِّمُ قُرْبَانًا يُحْرَقُ أَوْ ضَحِيَّةً، وَلَا يَأْتِي بِهَا إِلَى مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، لِيُقَدِّمَهَا للهِ، فَهَذَا الشَّخْصُ يُبَادُ مِنْ شَعْبِهِ. وَأَيُّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ مِنَ الْغُرَبَاءِ الْمُقِيمِينَ بَيْنَكُمْ، يَأْكُلُ دَمًا، أَكُونُ ضِدَّهُ وَأُبِيدُهُ مِنْ شَعْبِهِ. لِأَنَّ حَيَاةَ الْكَائِنِ هِيَ فِي الدَّمِ. فَأَنَا أَعْطَيْتُهُ لَكُمْ لِتُكَفِّرُوا بِهِ عَنْ أَنْفُسِكُمْ عَلَى الْمَنَصَّةِ. لِأَنَّ الدَّمَ يُكَفِّرُ عَنِ النَّفْسِ. لِذَلِكَ قُلْتُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ”لَا يَأْكُلُ أَحَدٌ مِنْكُمْ دَمًا، وَالْغَرِيبُ الْمُقِيمُ بَيْنَكُمْ لَا يَأْكُلُ دَمًا.“ ”’أَيُّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ مِنَ الْغُرَبَاءِ الْمُقِيمِينَ بَيْنَكُمْ، يَصِيدُ حَيَوَانًا أَوْ طَيْرًا مِنَ الْمُحَلَّلِ أَكْلُهُ، فَيَجِبُ أَنْ يُصَفِّيَ دَمَهُ وَيُغَطِّيَهُ بِالتُّرَابِ. لِأَنَّ حَيَاةَ كُلِّ كَائِنٍ هِيَ دَمُهُ. لِذَلِكَ قُلْتُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ”لَا تَأْكُلُوا دَمَ أَيِّ كَائِنٍ، لِأَنَّ حَيَاةَ كُلِّ كَائِنٍ هِيَ دَمُهُ، كُلُّ مَنْ يَأْكُلُهُ يُبَادُ.“ أَيُّ وَاحِدٍ، سَوَاءٌ كَانَ مُوَاطِنًا أَوْ غَرِيبًا، يَأْكُلُ جُثَّةً أَوْ فَرِيسَةً، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ، وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَبْقَى نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ ثُمَّ يَطْهُرُ. فَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ ثِيَابَهُ، وَلَمْ يَسْتَحِمَّ، يَكُونُ مُذْنِبًا.‘“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ، لَا تَعْمَلُوا أَعْمَالَ أَهْلِ مِصْرَ الَّتِي أَقَمْتُمْ فِيهَا، وَلَا تَعْمَلُوا أَعْمَالَ أَهْلِ كَنْعَانَ الَّتِي أُدْخِلُكُمْ إِلَيْهَا، وَلَا تُمَارِسُوا فَرَائِضَهُمْ. بَلْ أَطِيعُوا شَرَائِعِي، وَاحْفَظُوا فَرَائِضِي وَمَارِسُوهَا. أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. اِعْمَلُوا بِفَرَائِضِي وَشَرَائِعِي، لِأَنَّ مَنْ يُطِيعُهَا يَحْيَا بِهَا. أَنَا اللهُ. ”’لَا يَقْرُبْ أَحَدٌ إِلَى قَرِيبِهِ لِيُعَاشِرَهُ. أَنَا اللهُ. لَا تَجْلِبِ الْعَارَ عَلَى أَبِيكَ بِمُعَاشَرَةِ أُمِّكَ، إِنَّهَا أُمُّكَ، لَا تُعَاشِرْهَا. لَا تُعَاشِرِ امْرَأَةَ أَبِيكَ، فَهَذَا يَجْلِبُ الْعَارَ عَلَى أَبِيكَ. لَا تُعَاشِرْ أُخْتَكَ، سَوَاءً كَانَتْ بِنْتَ أَبِيكَ أَوْ بِنْتَ أُمِّكَ، وَسَوَاءً كَانَتْ مَوْلُودَةً فِي نَفْسِ الدَّارِ أَوْ فِي أَيِّ مَكَانٍ آخَرَ. لَا تُعَاشِرْهَا. لَا تُعَاشِرْ بِنْتَ ابْنِكَ أَوْ بِنْتَ بِنْتِكَ. فَهَذَا يَجْلِبُ الْعَارَ عَلَيْكَ. لَا تُعَاشِرْ بِنْتَ امْرَأَةِ أَبِيكَ الْمَوْلُودَةِ مِنْ أَبِيكَ، إِنَّهَا أُخْتُكَ. لَا تُعَاشِرْ عَمَّتَكَ، إِنَّهَا أُخْتُ أَبِيكَ. لَا تُعَاشِرْ خَالَتَكَ، إِنَّهَا أُخْتُ أُمِّكِ. لَا تَجْلِبِ الْعَارَ عَلَى عَمِّكَ. لَا تَقْرُبْ إِلَى امْرَأَتِهِ لِمُعَاشَرَتِهَا، إِنَّهَا عَمَّتُكَ. لَا تُعَاشِرْ كَنَّتَكَ. إِنَّهَا امْرَأَةُ ابْنِكَ، فَلَا تُعَاشِرْهَا. لَا تُعَاشِرِ امْرَأَةَ أَخِيكَ، فَهَذَا يَجْلِبُ الْعَارَ عَلَى أَخِيكَ. لَا تُعَاشِرِ امْرَأَةً وَبِنْتَهَا. وَلَا تُعَاشِرْ بِنْتَ ابْنِهَا وَلَا بِنْتَ بِنْتِهَا. إِنَّهُمَا قَرِيبَتَاهَا وَهَذَا شَرٌّ. لَا تَأْخُذْ أُخْتَ زَوْجَتِكَ لِتَكُونَ ضَرَّتَهَا وَتُعَاشِرَهَا مَعَهَا فِي حَيَاتِهَا. ”’لَا تَقْرُبْ إِلَى امْرَأَةٍ لِتُعَاشِرَهَا وَهِيَ فِي نَجَاسَةِ الْعَادَةِ الشَّهْرِيَّةِ. لَا تُعَاشِرِ امْرَأَةَ وَاحِدٍ آخَرَ فَتَتَنَجَّسَ بِهَا. لَا تُعْطِ مِنْ أَوْلَادِكَ قُرْبَانًا لِلْإِلَهِ مُولَخَ، لِئَلَّا تُنَجِّسَ اسْمَ إِلَهِكَ. أَنَا اللهُ. لَا تُمَارِسِ الْجِنْسَ مَعَ ذَكَرٍ، كَمَا يَحْدُثُ مَعَ الْأُنْثَى، فَهَذَا قَبِيحٌ. لَا تُمَارِسِ الْجِنْسَ مَعَ أَيِّ حَيَوَانٍ فَتَتَنَجَّسَ بِهِ. وَلَا تَقْتَرِبِ امْرَأَةٌ مِنْ حَيَوَانٍ لِتُمَارِسَ الْجِنْسَ مَعَهُ، هَذَا فِسْقٌ. ”’لَا تَتَنَجَّسُوا بِهَذِهِ الْأَعْمَالِ، فَإِنَّ الشُّعُوبَ الَّتِي سَأَطْرُدُهَا مِنْ أَمَامِكُمْ تَنَجَّسَتْ بِهَا كُلِّهَا. حَتَّى الْأَرْضُ تَنَجَّسَتْ، لِذَلِكَ أُعَاقِبُهَا عَلَى ذَنْبِهَا، فَتَتَقَيَّأُ سُكَّانَهَا. أَمَّا أَنْتُمْ فَاعْمَلُوا بِفَرَائِضِي وَشَرَائِعِي، وَلَا تَرْتَكِبُوا شَيْئًا مِنْ كُلِّ هَذِهِ الْأُمُورِ الْقَبِيحَةِ، لَا الْمُوَاطِنُ وَلَا الْغَرِيبُ الْمُقِيمُ بَيْنَكُمْ. لِأَنَّ كُلَّ هَذِهِ ارْتَكَبَهَا أَهْلُ الْأَرْضِ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَجَّسَتِ الْأَرْضُ. فَإِنْ أَنْتُمْ نَجَّسْتُمُ الْأَرْضَ، تَتَقَيَّأُكُمْ كَمَا تَقَيَّأَتِ الشُّعُوبَ الَّتِي قَبْلَكُمْ. لِذَلِكَ كُلُّ مَنْ يَرْتَكِبُ شَيْئًا مِنْ كُلِّ هَذِهِ الْأُمُورِ الْقَبِيحَةِ، يُبَادُ مِنْ شَعْبِهِ. اِعْمَلُوا بِأَوَامِرِي، وَلَا تَرْتَكِبُوا شَيْئًا مِنَ الْعَادَاتِ الْقَبِيحَةِ الَّتِي ارْتَكَبَتْهَا الشُّعُوبُ الَّتِي قَبْلَكُمْ. وَلَا تَتَنَجَّسُوا بِهَا. أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِكُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ’كُونُوا صَالِحِينَ، لِأَنِّي أَنَا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ قُدُّوسٌ. كُلُّ وَاحِدٍ يَجِبُ أَنْ يَحْتَرِمَ أُمَّهُ وَأَبَاهُ. اِحْفَظُوا وَصِيَّةَ يَوْمِ السَّبْتِ. أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. لَا تَعْبُدُوا الْأَصْنَامَ وَلَا تَصْنَعُوا لِأَنْفُسِكُمْ آلِهَةً مَسْبُوكَةً. أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. مَتَى قَدَّمْتُمْ ضَحِيَّةَ صُحْبَةٍ للهِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي بِهَا أَقْبَلُهَا مِنْكُمْ. فَتَأْكُلُونَهَا يَوْمَ تَذْبَحُونَهَا وَفِي الْغَدِ. أَمَّا مَا فَضَلَ لِلْيَوْمِ الثَّالِثِ يُحْرَقُ. وَإِنْ أَكَلْتُمْ مِنْهَا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، أَعْتَبِرُهَا نَجِسَةً وَلَا أَقْبَلُهَا. وَالَّذِي يَأْكُلُ مِنْهَا يَكُونُ مُذْنِبًا، لِأَنَّهُ نَجَّسَ مَا هُوَ مُقَدَّسٌ للهِ، فَيَجِبُ أَنْ يُبَادَ مِنْ شَعْبِهِ. ”’حِينَ تَحْصُدُ مَحْصُولَ أَرْضِكَ، لَا تَجْمَعْ مَا فِي أَطْرَافِ الْحَقْلِ، وَلَا تَلْتَقِطْ مَا يَقَعُ مِنْكَ أَثْنَاءَ الْحَصَادِ. وَلَا تَرْجِعْ لِتَأْخُذَ مَا بَقِيَ مِنْ عَنَاقِيدَ فِي كَرْمِكَ، وَلَا تَلْتَقِطْ مَا يَنْتَثِرُ مِنْهَا. اُتْرُكْهُ لِلْمِسْكِينِ وَالْغَرِيبِ. أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. ”’لَا تَسْرِقْ، وَلَا تَكْذِبْ، وَلَا تَغْدُرْ بِصَاحِبِكَ. لَا تَحْلِفْ بِاسْمِي كَاذِبًا، فَتُنَجِّسَ اسْمَ إِلَهِكَ. أَنَا اللهُ. ”’لَا تَغُشَّ أَحَدًا وَلَا تَسْلُبْ أَحَدًا. لَا تَحْتَفِظْ بِأُجْرَةِ الْأَجِيرِ عِنْدَكَ إِلَى الْغَدِ. لَا تَشْتِمِ الْأَطْرَشَ، وَلَا تَضَعْ عَثْرَةً فِي طَرِيقِ الْأَعْمَى، بَلِ اتَّقِ إِلَهَكَ. أَنَا اللهُ. لَا تَجُورُوا فِي الْحُكْمِ، وَلَا تَتَحَيَّزُوا لَا مَعَ الْمِسْكِينِ وَلَا مَعَ الْعَظِيمِ، بَلِ احْكُمُوا لِلْآخَرِينَ بِالْعَدْلِ. لَا تَنْشُرْ مَا يُشَوِّهُ السُّمْعَةَ بَيْنَ النَّاسِ. وَلَا تَرْتَكِبْ مَا يُعَرِّضُ حَيَاةَ غَيْرِكَ لِلْخَطَرِ. أَنَا اللهُ. لَا تَكْرَهْ أَخَاكَ فِي قَلْبِكَ. عَاتِبْ صَاحِبَكَ بِصَرَاحَةٍ، لِئَلَّا تُشَارِكَهُ فِي ذَنْبِهِ. لَا تَنْتَقِمْ، وَلَا تَحْقِدْ عَلَى أَحَدِ أَفْرَادِ شَعْبِكَ، بَلْ أَحِبَّ الْآخَرِينَ كَمَا تُحِبُّ نَفْسَكَ. أَنَا اللهُ. اِعْمَلُوا بِفَرَائِضِي. لَا تُوَلِّدْ بَهَائِمَكَ مِنْ نَوْعَيْنِ، وَلَا تَزْرَعْ حَقْلَكَ مِنْ صِنْفَيْنِ، وَلَا تَلْبَسْ ثَوْبًا مَنْسُوجًا مَنْ صِنْفَيْنِ. ”’إِنْ عَاشَرَ رَجُلٌ فَتَاةً، وَهِيَ جَارِيَةٌ مَخْطُوبَةٌ لِرَجُلٍ آخَرَ، وَلَكِنَّهَا غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ بِفِدْيَةٍ، وَلَا مَعْتُوقَةٍ، فَعِقَابُ الِاثْنَيْنِ هُنَا هُوَ التَّأْدِيبُ وَلَيْسَ الْقَتْلَ، لِأَنَّهَا غَيْرُ مَعْتُوقَةٍ. فَيُحْضِرُ الرَّجُلُ إِلَى اللهِ كَبْشًا، يُقَدِّمُهُ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، كَقُرْبَانٍ عَنِ الذَّنْبِ. فَيُكَفِّرُ عَنْهُ الْحَبْرُ أَمَامَ اللهِ بِهَذَا الْكَبْشِ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي ارْتَكَبَهُ فَيُغْفَرُ لَهُ. ”’وَمَتَى دَخَلْتُمْ أَرْضَ كَنْعَانَ، وَغَرَسْتُمْ فِيهَا مُخْتَلِفَ أَنْوَاعِ الشَّجَرِ الَّذِي يُنْتِجُ ثَمَرًا يُؤْكَلُ، تَعْتَبِرُونَ ثَمَرَهَا مُحَرَّمًا عَلَيْكُمْ فَتْرَةَ 3 سِنِينَ، فَلَا تَأْكُلُوهُ. ”’وَفِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ يَكُونُ كُلُّ ثَمَرِهَا قُرْبَانًا مُقَدَّسًا لِتَسْبِيحِ اللهِ. وَفِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ تَأْكُلُونَ ثَمَرَهَا. بِهَذَا أَزِيدُ لَكُمْ غَلَّتَهَا. أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. ”’لَا تَأْكُلُوا لَحْمًا مَا زَالَ فِيهِ الدَّمُ. لَا تُمَارِسُوا الْعِلْمَ بِالْغَيْبِ وَلَا السِّحْرَ. لَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ بِشَكْلٍ مُسْتَدِيرٍ، وَلَا تَقُصَّ جَوَانِبَ لِحْيَتِكَ. وَلَا تَجْرَحُوا أَجْسَامَكُمْ حُزْنًا عَلَى مَيِّتٍ، وَلَا تَرْسِمُوا وَشْمًا عَلَيْكُمْ. أَنَا اللهُ. ”’لَا تُنَجِّسْ بِنْتَكَ بِجَعْلِهَا عَاهِرَةً، لِئَلَّا تَفْجُرَ الْبِلَادُ وَتَمْتَلِئَ بِالرَّذِيلَةِ. اِحْفَظُوا وَصِيَّةَ يَوْمِ السَّبْتِ. اِحْتَرِمُوا مَقْدِسِي. أَنَا اللهُ. لَا تَسْتَشِيرُوا مَنْ يَتَعَامَلُونَ مَعَ الْجِنِّ، وَلَا تَسْأَلُوا مَنْ يُحَضِّرُونَ الْأَرْوَاحَ، لِئَلَّا تَتَنَجَّسُوا بِهِمْ. أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. قُمِ احْتِرَامًا لِكِبَارِ السِّنِّ، أَكْرِمِ الشُّيُوخَ، اِتَّقِ إِلَهَكَ. أَنَا اللهُ. ”’إِذَا أَقَامَ عِنْدَكُمْ غَرِيبٌ فِي بِلَادِكُمْ، فَلَا تَضْطَهِدُوهُ. بَلْ يَجِبُ أَنْ تُعَامِلُوا الْغَرِيبَ الْمُقِيمَ عِنْدَكُمْ كَالْمُوَاطِنِ، وَتُحِبَّهُ كَنَفْسِكَ، لِأَنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي مِصْرَ. أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. ”’لَا تَجُورُوا فِي الْحُكْمِ. وَلَا تَغُشُّوا فِي الْقِيَاسِ أَوِ الْوَزْنِ أَوِ الْكَيْلِ. بَلِ اسْتَعْمِلُوا مَوَازِينَ عَادِلَةً، وَأَوْزَانًا عَادِلَةً، وَمَكَايِيلَ عَادِلَةً، وَمَعَايِيرَ عَادِلَةً. أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمُ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ مِصْرَ. اِعْمَلُوا بِكُلِّ فَرَائِضِي وَكُلِّ شَرَائِعِي وَأَطِيعُوهَا. أَنَا اللهُ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’أَيُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ أَوْ مِنَ الْغُرَبَاءِ الْمُقِيمِينَ بَيْنَكُمْ يُعْطِي مِنْ نَسْلِهِ لِلْإِلَهِ مُولَخَ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ. يَرْجُمُهُ شَعْبُ الْبَلَدِ بِالْحِجَارَةِ. وَأَنَا أَكُونُ ضِدَّ هَذَا الشَّخْصِ، وَأُبِيدُهُ مِنْ شَعْبِهِ. لِأَنَّهُ عِنْدَمَا يُعْطِي مِنْ أَوْلَادِهِ لِمُولَخَ، فَهُوَ بِذَلِكَ يُنَجِّسُ مَقْدِسِي وَيُدَنِّسُ اسْمِيَ الْقُدُّوسَ. وَإِنْ غَمَّضَ شَعْبُ الْبَلَدِ عُيُونَهُمْ عَنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ، عِنْدَمَا يُعْطِي مِنْ أَوْلَادِهِ لِمُولَخَ، فَلَمْ يَقْتُلُوهُ. فَأَنَا أَكُونُ ضِدَّ ذَلِكَ الشَّخْصِ وَضِدَّ عَائِلَتِهِ، وَأُبِيدُهُ مِنْ شَعْبِهِ، هُوَ وَكُلَّ الضَّالِّينَ وَرَاءَهُ، الَّذِينَ يَفْجُرُونَ وَيَعْبُدُونَ مُولَخَ. وَالشَّخْصُ الَّذِي يَسْتَشِيرُ مَنْ يَتَعَامَلُونَ مَعَ الْجِنِّ، وَمَنْ يُحَضِّرُونَ الْأَرْوَاحَ، وَيَتْبَعُهُمْ فِي فُجُورِهِمْ، أَكُونُ ضِدَّهُ وَأُبِيدُهُ مِنْ شَعْبِهِ. فَطَهِّرُوا أَنْفُسَكُمْ وَكُونُوا بِلَا عَيْبٍ، لِأَنِّي أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. وَاعْمَلُوا بِفَرَائِضِي وَأَطِيعُوهَا. أَنَا اللهُ الَّذِي يُطَهِّرُكُمْ. ”’أَيُّ وَاحِدٍ يَسُبُّ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ. هُوَ الْمَسْئُولُ عَنْ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ سَبَّ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ. إِنْ زَنَى رَجُلٌ مَعَ امْرَأَةٍ مُتَزَوِّجَةٍ، أَيْ زَوْجَةَ رَجُلٍ آخَرَ، فَاقْتُلُوهُمَا هُمَا الِاثْنَيْنِ، الزَّانِي وَالزَّانِيَةَ. إِنْ عَاشَرَ رَجُلٌ امْرَأَةَ أَبِيهِ، فَقَدْ جَلَبَ الْعَارَ عَلَى أَبِيهِ. اُقْتُلُوهُمَا هُمَا الِاثْنَيْنِ. دَمُهُمَا عَلَيْهِمَا. إِنْ عَاشَرَ رَجُلٌ كَنَّتَهُ، فَاقْتُلُوهُمَا هُمَا الِاثْنَيْنِ، لِأَنَّهُمَا ارْتَكَبَا الْفِسْقَ. دَمُهُمَا عَلَيْهِمَا. إِنْ مَارَسَ رَجُلٌ الْجِنْسَ مَعَ ذَكَرٍ، كَمَا يَحْدُثُ مَعَ الْأُنْثَى، فَاقْتُلُوهُمَا لِأَنَّهُمَا هُمَا الِاثْنَيْنِ فَعَلَا قَبَاحَةً. دَمُهُمَا عَلَيْهِمَا. إِنْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَأُمِّهَا فَهَذَا شَرٌّ. اِحْرِقُوهُ هُوَ وَهُمَا بِالنَّارِ، لِكَيْ لَا يَكُونَ بَيْنَكُمْ شَرٌّ. إِنْ مَارَسَ رَجُلٌ الْجِنْسَ مَعَ أَيِّ حَيَوَانٍ، فَاقْتُلُوهُ، وَالْحَيَوَانُ أَيْضًا يُقْتَلُ. وَإِنِ اقْتَرَبَتِ امْرَأَةٌ مِنْ حَيَوَانٍ لِتُمَارِسَ الْجِنْسَ مَعَهُ، فَاقْتُلُوا الْمَرْأَةَ وَالْحَيَوَانَ. يَمُوتُ الِاثْنَانِ. دَمُهُمَا عَلَيْهِمَا. إِنْ عَاشَرَ رَجُلٌ أُخْتَهُ، سَوَاءً كَانَتْ بِنْتَ أَبِيهِ أَوْ بِنْتَ أُمِّهِ، وَرَأَى عُرْيَهَا وَرَأَتْ عُرْيَهُ، فَهَذَا عَارٌ. اُقْتُلُوهُمَا أَمَامَ الشَّعْبِ. إِنَّهُ كَشَفَ عُرْيَ أُخْتِهِ، فَيَكَونُ مُذْنِبًا. إِنْ عَاشَرَ رَجُلٌ امْرَأَةً عَلَيْهَا الْعَادَةُ الشَّهْرِيَّةُ، وَكَشَفَ عُرْيَهَا وَدَمَهَا وَهِيَ كَشَفَتْ دَمَهَا، اُقْتُلُوهُمَا هُمَا الِاثْنَيْنِ مِنْ شَعْبِهِمَا. لَا تُعَاشِرْ خَالَتَكَ أَوْ عَمَّتَكَ، لِأَنَّكَ بِذَلِكَ تَجْلِبُ الْعَارَ عَلَى قَرِيبَتِكَ. فَتَكُونَانِ مُذْنِبَيْنِ. إِنْ عَاشَرَ وَاحِدٌ امْرَأَةَ عَمِّهِ، فَقَدْ جَلَبَ الْعَارَ عَلَى عَمِّهِ. يَكُونَانِ مُذْنِبَيْنِ، وَيَمُوتَانِ عَقِيمَيْنِ. إِنْ عَاشَرَ رَجُلٌ امْرَأَةَ أَخِيهِ، فَهَذَا شَرٌّ. قَدْ جَلَبَ الْعَارَ عَلَى أَخِيهِ، وَيَكُونَانِ عَقِيمَيْنِ. ”’فَاعْمَلُوا بِكُلِّ فَرَائِضِي وَكُلِّ شَرَائِعِي وَأَطِيعُوهَا، لِكَيْ لَا تَتَقَيَّأَكُمُ الْأَرْضُ الَّتِي سَأُدْخِلُكُمْ إِلَيْهَا لِتُقِيمُوا فِيهَا. لَا تُمَارِسُوا عَادَاتِ الشُّعُوبِ الَّتِي سَأَطْرُدُهَا مِنْ أَمَامِكُمْ. لِأَنَّهُمُ ارْتَكَبُوا كُلَّ هَذِهِ الْقَبَاحَةِ فَكَرِهْتُهُمْ. وَوَعَدْتُكُمْ بِأَنْ تَمْلِكُوا أَرْضَهُمْ. أَنَا أُعْطِيهَا لَكُمْ لِتَمْلِكُوهَا. هِيَ أَرْضٌ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا. أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمُ الَّذِي مَيَّزَكُمْ عَنْ بَاقِي الشُّعُوبِ. فَيَجِبُ أَنْ تُمَيِّزُوا بَيْنَ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ وَالنَّجِسَةِ، وَبَيْنَ الطُّيُورِ النَّجِسَةِ وَالطَّاهِرَةِ. لَا تُنَجِّسُوا أَنْفُسَكُمْ بِالْحَيَوَانَاتِ وَالطُّيُورِ وَالزَّوَاحِفِ الَّتِي أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّهَا نَجِسَةٌ. كُونُوا مُخَصَّصِينَ لِي، لِأَنِّي أَنَا اللهُ قُدُّوسٌ، وَقَدْ مَيَّزْتُكُمْ عَنْ بَاقِي الشُّعُوبِ لِتَكُونُوا لِي. ”’أَيُّ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ يَتَعَامَلُ مَعَ الْجِنِّ، أَوْ يُحَضِّرُ الْأَرْوَاحَ، يَجِبُ أَنْ يُقْتَلَ. اُرْجُمُوهُ بِالْحِجَارَةِ. دَمُهُ عَلَيْهِ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِلْأَحْبَارِ بَنِي هَارُونَ أَنْ لَا يَتَنَجَّسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِمَيِّتٍ مِنَ الشَّعْبِ. إِلَّا إِذَا كَانَ الْمَيِّتُ مِنْ أَقْرَبِ أَقَارِبِهِ، كَالْأُمِّ وَالْأَبِ وَالِابْنِ وَالْبِنْتِ وَالْأَخِ، وَالْأُخْتِ الْعَذْرَاءِ الَّتِي يَعُولُهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَتَزَوَّجْ، فَمِنْ أَجْلِهَا يَتَنَجَّسُ. وَلَا يَتَنَجَّسَ مِنْ أَجْلِ الَّذِينَ هُمْ أَقَارِبُ عَنْ طَرِيقِ النَّسَبِ. ”وَلَا يَحْلِقَ الْأَحْبَارُ رُؤُوسَهُمْ، وَلَا يَقُصُّوا جَوَانِبَ لِحْيَتِهِمْ، وَلَا يَجْرَحُوا أَجْسَامَهُمْ. بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونُوا مُكَرَّسِينَ لِإِلَهِهِمْ، وَلَا يُنَجِّسُوا اسْمَ إِلَهِهِمْ. لِأَنَّهُمْ يُقَدِّمُونَ الْقَرَابِينَ الَّتِي تُشْعَلُ للهِ كَأَنَّهَا طَعَامٌ لِإِلَهِهِمْ. فَيَجِبُ أَنْ يَكُونُوا مُكَرَّسِينَ. ”وَلَا يَتَزَوَّجُوا وَاحِدَةً تَنَجَّسَتْ بِالْعَهَارَةِ، وَلَا مُطَلَّقَةً مِنْ زَوْجِهَا. لِأَنَّهُمْ مُكَرَّسُونَ لِإِلَهِهِمْ. فَتَعْتَبِرُونَهُمْ صَالِحِينَ، لِأَنَّهُمْ يُقَدِّمُونَ الْقَرَابِينَ كَأَنَّهَا طَعَامٌ لِإِلَهِكُمْ. فَيَكُونُونَ صَالِحِينَ عِنْدَكُمْ، لِأَنِّي أَنَا اللهُ الْقُدُّوسُ الَّذِي يُطَهِّرُكُمْ. فَإِنْ تَنَجَّسَتْ بِنْتُ حَبْرٍ بِالزِّنَى، فَهِيَ قَدْ نَجَّسَتْ أَبَاهَا. لِذَلِكَ تُحْرَقُ بِالنَّارِ. ”وَالْحَبْرُ الْأَعْظَمُ بَيْنَ إِخْوَتِهِ، الَّذِي صُبَّ عَلَى رَأْسِهِ زَيْتُ الْمَسْحَةِ، وَتَكَرَّسَ لِيَلْبَسَ الثِّيَابَ الطَّاهِرَةَ، لَا يَكْشِفُ رَأْسَهُ وَلَا يَشُقُّ ثِيَابَهُ حُزْنًا عَلَى مَيِّتٍ. وَلَا يَدْخُلُ إِلَى مَكَانٍ فِيهِ مَيِّتٌ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ لِئَلَّا يَتَنَجَّسَ. وَمَا دَامَ عَلَيْهِ زَيْتُ مَسْحَةِ إِلَهِهِ، فَلَا يَخْرُجُ مِنَ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ، لِئَلَّا يُنَجِّسَ بَيْتَ إِلَهِهِ. أَنَا اللهُ. وَيَتَزَوَّجُ عَذْرَاءَ. لَا أَرْمَلَةً وَلَا مُطَلَّقَةً وَلَا وَاحِدَةً تَنَجَّسَتْ بِالْعَهَارَةِ، بَلْ عَذْرَاءَ مِنْ شَعْبِهِ. فَلَا يُنَجِّسُ نَسْلَهُ بَيْنَ شَعْبِهِ، لِأَنِّي أَنَا اللهُ خَصَّصْتُهُ لِي.“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِهَارُونَ: ’طُولَ الْأَجْيَالِ الْقَادِمَةِ، إِنْ كَانَ وَاحِدٌ مِنْ نَسْلِكَ فِيهِ عَيْبٌ، فَلَا يَقْتَرِبُ لِيُقَدِّمَ طَعَامَ إِلَهِهِ. أَيُّ وَاحِدٍ فِيهِ عَيْبٌ لَا يَقْتَرِبُ، لَا أَعْمَى وَلَا أَعْرَجُ وَلَا مُشَوَّهُ الْوَجْهِ وَلَا مَنْ فِيهِ عُضْوٌ زَائِدٌ، وَلَا مَكْسُورُ الرِّجْلِ وَلَا مَكْسُورُ الْيَدِ، وَلَا مَحْنِيُّ الظَّهْرِ وَلَا قَزَمٌ وَلَا مَنْ فِي عَيْنِهِ عَيْبٌ وَلَا الْأَجْرَبُ وَلَا مَنْ فِيهِ قُرُوحٌ وَلَا مَنْ بِخُصْيَتَيْهِ ضَرَرٌ. أَيُّ وَاحِدٍ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ الْحَبْرِ فِيهِ عَيْبٌ، لَا يَقْتَرِبُ لِيُقَدِّمَ الْقَرَابِينَ الَّتِي تُشْعَلُ للهِ. لِأَنَّهُ بِمَا أَنَّ فِيهِ عَيْبًا، فَيَجِبُ أَنْ لَا يَقْتَرِبَ لِيُقَدِّمَ طَعَامَ إِلَهِهِ. يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ طَعَامِ إِلَهِهِ، سَوَاءٌ مِنَ الْقَرَابِينِ الْمُقَدَّسَةِ أَوْ مِنْ أَقْدَسِ الْقَرَابِينِ الْمُقَدَّسَةِ. لَكِنَّهُ لَا يَدْخُلُ وَرَاءَ السِّتَارَةِ، وَلَا يَقْتَرِبُ مِنَ الْمَنَصَّةِ، لِئَلَّا يُنَجِّسَ بَيْتِي بِمَا أَنَّ فِيهِ عَيْبًا. لِأَنِّي أَنَا اللهُ أُقَدِّسُ بَيْتِي.‘“ فَقَالَ مُوسَى كُلَّ هَذَا لِهَارُونَ وَبَنِيهِ وَكُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ إِنَّهُمْ إِنْ كَانُوا لَا يَحْتَرِمُونَ الْقَرَابِينَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي يُكَرِّسُهَا لِي بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَهُمْ بِذَلِكَ يُنَجِّسُونَ اسْمِيَ الْقُدُّوسَ، أَنَا اللهُ. وَقُلْ لَهُمْ: ’طُولَ الْأَجْيَالِ الْقَادِمَةِ، أَيُّ وَاحِدٍ مِنْ كُلِّ نَسْلِكُمْ يَقْتَرِبُ، وَهُوَ نَجِسٌ، إِلَى الْقَرَابِينِ الْمُقَدَّسَةِ الَّتِي يُكَرِّسُهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ للهِ، فَهَذَا الشَّخْصُ يُبَادُ مِنْ أَمَامِي، أَنَا اللهُ. أَيُّ وَاحِدٍ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ، مُصَابٌ بِالْبَرَصِ أَوْ تَخْرُجُ مِنْ عُضُوِهِ إِفْرَازَاتٌ، لَا يَأْكُلُ مِنَ الْقَرَابِينِ الْمُقَدَّسَةِ حَتَّى يَطْهُرَ. وَكَذَلِكَ مَنْ مَسَّ شَيْئًا تَنَجَّسَ بِمَيِّتٍ أَوْ بِمُعَاشَرَةِ امْرَأَةٍ. أَوْ إِنْ مَسَّ شَيْئًا مِنَ الزَّوَاحِفِ الَّتِي تُنَجِّسُ، أَوْ إِنْسَانًا يُنَجِّسُ لِسَبَبٍ مَا. فَالَّذِي يَمَسُّ، يَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ، فَلَا يَأْكُلُ مِنَ الْقَرَابِينِ الْمُقَدَّسَةِ، بَلْ يَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ. وَمَتَى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، يُصْبِحُ طَاهِرًا، وَعِنْدَ ذَلِكَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنَ الْقَرَابِينِ الْمُقَدَّسَةِ، لِأَنَّهَا طَعَامُهُ. لَا يَأْكُلْ جُثَّةً أَوْ فَرِيسَةً لِئَلَّا يَتَنَجَّسَ بِهَا، أَنَا اللهُ. فَيَعْمَلُ الْأَحْبَارُ بِأَوَامِرِي، لِئَلَّا يُذْنِبُوا وَيَمُوتُوا إِنِ احْتَقَرُوهَا. أَنَا اللهُ الَّذِي أُطَهِّرُهُمْ. ”’مَمْنُوعٌ عَلَى أَيِّ وَاحِدٍ خَارِجَ عَائِلَةِ الْحَبْرِ أَنْ يَأْكُلَ مِنَ الْقَرَابِينِ الْمُقَدَّسَةِ. حَتَّى إِنْ كَانَ ضَيْفًا عِنْدَ الْحَبْرِ أَوْ أَجِيرًا، لَا يَأْكُلْ مِنْهَا. أَمَّا الْعَبْدُ الَّذِي يَشْتَرِيهِ الْحَبْرُ أَوِ الَّذِي يُولَدُ فِي دَارِهِ، فَإِنَّهُ يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِ الْحَبْرِ. وَإِذَا تَزَوَّجَتْ بِنْتُ حَبْرٍ مِنْ وَاحِدٍ لَيْسَ حَبْرًا، فَإِنَّهَا لَا تَأْكُلُ مِنَ الْقَرَابِينِ الْمُقَدَّسَةِ. فَإِنْ صَارَتْ أَرْمَلَةً أَوْ مُطَلَّقَةً، وَلَيْسَ لَهَا نَسْلٌ، فَرَجَعَتْ إِلَى دَارِ أَبِيهَا كَمَا فِي أَيَّامِ صِبَاهَا، فَإِنَّهَا تَأْكُلُ مِنْ طَعَامِ أَبِيهَا. أَمَّا الْغَرِيبُ فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ. ”’مَنْ أَخْطَأَ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَأَكَلَ مِنْ قُرْبَانٍ مُقَدَّسٍ، يَزِيدُ عَلَيْهِ خُمْسَهُ وَيَدْفَعُهُ إِلَى الْحَبْرِ. لِيَحْذَرِ الْأَحْبَارُ مِنْ أَنْ يُنَجِّسُوا الْقَرَابِينَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي يُقَدِّمُهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ للهِ، وَذَلِكَ إِنْ هُمْ سَمَحُوا لِأَيِّ وَاحِدٍ بِأَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، فَيَجْلِبُونَ عَلَيْهِ الذَّنْبَ وَالْعِقَابَ. أَنَا اللهُ الَّذِي أُطَهِّرُهُمْ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ وَكُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ’أَيُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، سَوَاءٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ مِنَ الْغُرَبَاءِ الْمُقِيمِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، يُقَدِّمُ قُرْبَانًا يُحْرَقُ للهِ كَوَفَاءٍ لِنَذْرٍ أَوْ كَتَبَرُّعٍ، فَيَكُونُ ذَكَرًا صَحِيحًا مِنَ الْبَقَرِ أَوِ الْغَنَمِ أَوِ الْمَعْزِ لِكَيْ أَقْبَلَهُ مِنْكُمْ. لَا تُقَدِّمُوا مَا فِيهِ عَيْبٌ، لِأَنِّي لَا أَقْبَلُهُ مِنْكُمْ. وَأَيُّ وَاحِدٍ يُقَدِّمُ للهِ مِنَ الْبَقَرِ أَوِ الْغَنَمِ ضَحِيَّةً لِلصُّحْبَةِ، لِلْوَفَاءِ بِنَذْرٍ أَوْ كَتَبَرُّعٍ، فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً لَا عَيْبَ فِيهَا، لِكَيْ أَقْبَلَهَا. لَا تُقَدِّمُوا للهِ الْأَعْمَى أَوِ الْمَكْسُورَ أَوِ الْمَجْرُوحَ أَوْ مَا فِيهِ بُثُورٌ أَوِ الْأَجْرَبَ أَوْ مَا فِيهِ قُرُوحٌ. وَلَا تَضَعُوا مِنْهَا عَلَى الْمَنَصَّةِ كَقُرْبَانٍ يُشْعَلُ للهِ. وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ تُقَدِّمُوا كَتَبَرُّعٍ مِنَ الْبَقَرِ أَوِ الْغَنَمِ مَا فِيهِ عُضْوٌ زَائِدٌ أَوْ نَاقِصٌ، وَلَكِنِّي لَا أَقْبَلُهُ كَوَفَاءٍ لِنَذْرٍ. وَالْمَخْصِيُّ بِالرَّضِّ أَوِ السَّحْقِ أَوِ الْقَلْعِ أَوِ الْقَطْعِ، لَا تُقَدِّمُوهُ للهِ. لَا تَعْمَلُوا هَذِهِ الْأُمُورَ فِي أَرْضِكُمْ. لَا تَقْبَلُوا هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ مِنْ وَاحِدٍ غَرِيبٍ لِتُقَدِّمُوهَا طَعَامًا لِإِلَهِكُمْ، فَأَنَا لَا أَقْبَلُهَا مِنْكُمْ، لِأَنَّهَا مُشَوَّهَةٌ وَبِهَا عُيُوبٌ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”مَتَى وَلَدَتْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ أَوْ عَنْزَةٌ، يَبْقَى وَلِيدُهَا مَعَهَا 7 أَيَّامٍ. وَمِنَ الْيَوْمِ الثَّامِنِ وَمَا بَعْدَهُ، أَقْبَلُهُ قُرْبَانًا يُشْعَلُ للهِ. لَا تَذْبَحُوا الْبَقَرَةَ أَوِ الشَّاةَ مَعَ ابْنِهَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. مَتَى قَدَّمْتُمْ ضَحِيَّةَ شُكْرٍ للهِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي بِهَا أَقْبَلُهَا مِنْكُمْ. تَأْكُلُونَهَا فِي نَفْسِ الْيَوْمِ، لَا تُبْقُوا مِنْهَا إِلَى الْغَدِ. أَنَا اللهُ. اِعْمَلُوا بِوَصَايَايَ وَأَطِيعُوهَا. أَنَا اللهُ. وَلَا تُنَجِّسُوا اسْمِيَ الْقُدُّوسَ، فَأَكُونَ قُدُّوسًا وَسَطَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. أَنَا اللهُ الَّذِي يُطَهِّرُكُمْ، وَالَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ مِصْرَ لِيَكُونَ إِلَهَكُمْ. أَنَا اللهُ.“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’هَذِهِ هِيَ أَعْيَادِي، أَعْيَادُ اللهِ الَّتِي تَحْتَفِلُونَ بِهَا فِي احْتِفَالَاتٍ خَاصَّةٍ لِلْعِبَادَةِ. ”’6 أَيَّامٍ تَعْمَلُونَ فِيهَا عَمَلَكُمْ، أَمَّا الْيَوْمُ السَّابِعُ فَهُوَ سَبْتُ رَاحَةٍ، يَوْمُ احْتِفَالٍ خَاصٍّ لِلْعِبَادَةِ. لَا تَعْمَلُوا فِيهِ أَيَّ عَمَلٍ فِي كُلِّ بِلَادِكُمْ، فَهُوَ سَبْتٌ للهِ. ”’هَذِهِ هِيَ أَعْيَادُ اللهِ، الِاحْتِفَالَاتُ الخَاصَّةُ لِلْعِبَادَةِ الَّتِي تَحْتَفِلُونَ بِهَا فِي مَوَاعِيدِهَا: فِصْحُ اللهِ يَبْدَأُ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فِي الْعَشِيَّةِ. وَفِي الْيَوْمِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ يَبْدَأُ عِيدُ الْفَطِيرِ للهِ. 7 أَيَّامٍ تَأْكُلُونَ فَطِيرًا. فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ تَعْمَلُونَ احْتِفَالًا خَاصًّا لِلْعِبَادَةِ، وَلَا تَشْتَغِلُوا فِيهِ كَالْأَيَّامِ الْعَادِيَّةِ. وَ7 أَيَّامٍ تُقَدِّمُونَ قُرْبَانًا يُشْعَلُ للهِ. وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ تَعْمَلُونَ احْتِفَالًا خَاصًّا لِلْعِبَادَةِ، وَلَا تَشْتَغِلُوا فِيهِ كَالْأَيَّامِ الْعَادِيَّةِ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’مَتَى دَخَلْتُمُ الْأَرْضَ الَّتِي أُعْطِيهَا لَكُمْ، وَحَصَدْتُمْ مَحْصُولَهَا، أَحْضِرُوا حُزْمَةً مِنْ أَوَّلِ مَحْصُولِكُمْ إِلَى الْحَبْرِ. فَيُقَدِّمُهَا الْحَبْرُ فِي غَدِ السَّبْتِ هَدِيَّةً أَمَامَ اللهِ لِكَيْ يَقْبَلَهَا مِنْكُمْ. وَفِي نَفْسِ الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ تُقَدِّمُونَ الْحُزْمَةَ كَهَدِيَّةٍ، تُقَدِّمُونَ أَيْضًا خَرُوفًا بِلَا عَيْبٍ عُمْرُهُ سَنَةٌ قُرْبَانًا يُحْرَقُ للهِ. وَمَعَهُ قُرْبَانُ دَقِيقٍ، 4 كِيلُوجْرَامَاتٍ مِنَ الدَّقِيقِ الْمَخْلُوطِ بِالزَّيْتِ، قُرْبَانٌ يُشْعَلُ للهِ رَائِحَتُهُ تَسُرُّ. وَمَعَهُ أَيْضًا لِتْرٌ مِنَ الْخَمْرِ قُرْبَانُ شَرَابٍ. فَلَا تَأْكُلُوا مِنَ الْحَصَادِ الْجَدِيدِ، لَا خُبْزًا وَلَا فَرِيكًا وَلَا سُنْبُلًا طَرِيًّا، إِلَى هَذَا الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ تُقَدِّمُونَ قُرْبَانَ إِلَهِكُمْ. هَذِهِ فَرِيضَةٌ تَدُومُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ فِي كُلِّ بِلَادِكُمْ. ”’وَمِنْ غَدِ السَّبْتِ، أَيِ الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ تُقَدِّمُونَ الْحُزْمَةَ كَهَدِيَّةٍ، تَحْسُبُونَ 7 أَسَابِيعَ كَامِلَةٍ. إِلَى غَدِ السَّبْتِ السَّابِعِ، أَيْ تَحْسُبُونَ 50 يَوْمًا. ثُمَّ تُقَدِّمُونَ للهِ قُرْبَانًا مِنَ الدَّقِيقِ الْجَدِيدِ. فَتُحْضِرُونَ مِنْ دِيَارِكُمْ رَغِيفَيْنِ مَخْبُوزَيْنِ مِنْ 4 كِيلُوجْرَامَاتٍ مِنَ الدَّقِيقِ مَعَ خَمِيرٍ، كَهَدِيَّةٍ للهِ مِنْ أَوَّلِ الْحَصَادِ. وَتُقَدِّمُونَ مَعَ الْخُبْزِ 7 خِرَافٍ بِلَا عَيْبٍ عُمْرُهَا سَنَةٌ، وَعِجْلًا مِنَ الْبَقَرِ، وَكَبْشَيْنِ، مَعَ قُرْبَانِ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانِ الشَّرَابِ، فَتَكُونُ كُلُّهَا قُرْبَانًا يُشْعَلُ رَائِحَتُهُ تَسُرُّ اللهَ. وَتُقَدِّمُونَ تَيْسًا وَاحِدًا مِنَ الْمَعْزِ كَضَحِيَّةِ خَطِيئَةٍ، وَخَرُوفَيْنِ عُمْرُ الْوَاحِدِ مِنْهُمَا سَنَةٌ كَضَحِيَّةٍ لِلصُّحْبَةِ. فَيُقَدِّمُ الْحَبْرُ الْخَرُوفَيْنِ مَعَ خُبْزِ أَوَّلِ الْحَصَادِ كَهَدِيَّةٍ أَمَامَ اللهِ. إِنَّهَا قُرْبَانٌ مُقَدَّسٌ للهِ وَتُعْطَى لِلْحَبْرِ. وَفِي نَفْسِ الْيَوْمِ تَعْمَلُونَ احْتِفَالًا خَاصًّا لِلْعِبَادَةِ، وَلَا تَشْتَغِلُوا فِيهِ كَالْأَيَّامِ الْعَادِيَّةِ. هَذِهِ فَرِيضَةٌ تَدُومُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ فِي كُلِّ بِلَادِكُمْ. عِنْدَمَا تَحْصُدُ مَحْصُولَ أَرْضِكَ، لَا تَجْمَعْ مَا فِي أَطْرَافِ الْحَقْلِ، وَلَا تَلْتَقِطْ مَا يَقَعُ مِنْكَ أَثْنَاءَ الْحَصَادِ. اُتْرُكْهُ لِلْمِسْكِينِ وَالْغَرِيبِ. أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’الْيَوْمُ الْأَوَّلُ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ يَكُونُ لَكُمْ يَوْمَ رَاحَةٍ وَتَذْكَارٍ وَاحْتِفَالٍ خَاصٍّ لِلْعِبَادَةِ عَلَى صَوْتِ الْبُوقِ. لَا تَعْمَلُوا فِيهِ أَعْمَالَكُمُ الْيَوْمِيَّةَ، إِنَّمَا تُقَدِّمُونَ قُرْبَانًا يُشْعَلُ للهِ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”وَالْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ السَّابِعِ هُوَ يَوْمُ الْكَفَّارَةِ. فَتَعْمَلَونَ احْتِفَالًا خَاصًّا لِلْعِبَادَةِ، وَتُذَلِّلُونَ أَنْفُسَكُمْ، وَتُقَدِّمُونَ قُرْبَانًا يُشْعَلُ للهِ. لَا تَقُومُوا بِأَيِّ عَمَلٍ فِي هَذَا الْيَوْمِ، لِأَنَّهُ يَوْمُ الْكَفَّارَةِ، حَيْثُ يُكَفِّرُ عَنْكُمُ الْحَبْرُ أَمَامَ اللهِ إِلَهِكُمْ. وَأَيُّ وَاحِدٍ لَا يُذَلِّلُ نَفْسَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ، يُبَادُ مِنْ شَعْبِهِ. وَأَيُّ وَاحِدٍ يَقُومُ بِأَيِّ عَمَلٍ فِي هَذَا الْيَوْمِ، أَنَا أُبِيدُهُ مِنْ شَعْبِهِ. إِذَنْ لَا تَقُومُوا بِأَيِّ عَمَلٍ. هَذِهِ فَرِيضَةٌ تَدُومُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ فِي كُلِّ بِلَادِكُمْ. فَهُوَ سَبْتُ رَاحَةٍ لَكُمْ. فِيهِ تُذَلِّلُونَ أَنْفُسَكُمْ. وَتَرْتَاحُونَ مِنْ مَسَاءِ الْيَوْمِ التَّاسِعِ إِلَى الْمَسَاءِ الَّذِي بَعْدَهُ.“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’فِي الْيَوْمِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ السَّابِعِ يَبْدَأُ عِيدُ الْخِيَامِ للهِ وَيَسْتَمِرُّ 7 أَيَّامٍ. فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ احْتِفَالٌ خَاصٌّ لِلْعِبَادَةِ، لَا تَشْتَغِلُوا فِيهِ كَالْأَيَّامِ الْعَادِيَّةِ. 7 أَيَّامٍ تُقَدِّمُونَ قَرَابِينَ تُشْعَلُ للهِ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ تَعْمَلُونَ احْتِفَالًا خَاصًّا لِلْعِبَادَةِ، وَتُقَدِّمُونَ قُرْبَانًا يُشْعَلُ للهِ. إِنَّهُ احْتِفَالٌ، فَلَا تَشْتَغِلُوا فِيهِ كَالْأَيَّامِ الْعَادِيَّةِ. ”’هَذِهِ هِيَ أَعْيَادُ اللهِ الَّتِي تَحْتَفِلُونَ بِهَا فِي احْتِفَالَاتٍ خَاصَّةٍ لِلْعِبَادَةِ، لِكَيْ تُقَدِّمُوا قَرَابِينَ تُشْعَلُ للهِ، مِنْ قُرْبَانٍ يُحْرَقُ، وَقُرْبَانِ دَقِيقٍ، وَضَحِيَّةٍ، وَقُرْبَانِ شَرَابٍ، كُلَّ يَوْمٍ حَسَبَ نِظَامِهِ. هَذَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْقَرَابِينِ الَّتِي تُقَدَّمُ أَيَّامَ سَبْتِ اللهِ، وَبِالْإِضَافَةِ إِلَى هَدَايَاكُمْ وَكُلِّ نُذُورِكُمْ وَتَبَرُّعَاتِكُمُ الَّتِي تُقَدِّمُونَهَا للهِ. ”’إِذَنِ ابْتِدَاءً مِنَ الْيَوْمِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ، بَعْدَمَا تَجْمَعُونَ غَلَّةَ الْأَرْضِ، تُعَيِّدُونَ للهِ 7 أَيَّامٍ. الْيَوْمُ الْأَوَّلُ هُوَ يَوْمُ رَاحَةٍ، وَالْيَوْمُ الثَّامِنُ أَيْضًا هُوَ يَوْمُ رَاحَةٍ. فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ تَأْخُذُونَ ثَمَرَ شَجَرِ الْبُرْتُقَالِ وَسَعَفَ نَخْلٍ وَأَغْصَانَ شَجَرٍ كَثِيفٍ، وَأَغْصَانَ صَفْصَافٍ نَهْرِيٍّ، وَتَفْرَحُونَ أَمَامَ اللهِ إِلَهِكُمْ 7 أَيَّامٍ. فَتَحْتَفِلُونَ بِهِ عِيدًا للهِ 7 أَيَّامٍ فِي السَّنَةِ، وَذَلِكَ فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ. هَذِهِ فَرِيضَةٌ تَدُومُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. فَيُقِيمُ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي خِيَامٍ 7 أَيَّامٍ. لِكَيْ يَعْلَمَ أَوْلَادُكُمْ أَنِّي جَعَلْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقِيمُونَ فِي خِيَامٍ لَمَّا أَخْرَجْتُهُمْ مِنْ مِصْرَ. أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ.‘“ فَأَخْبَرَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِأَعْيَادِ اللهِ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”تَأْمُرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُحْضِرُوا لَكَ زَيْتَ زَيْتُونٍ مَعْصُورٍ نَقِيًّا لِلْإِنَارَةِ، لِكَيْ تَكُونَ الْمَصَابِيحُ مُشْتَعِلَةً دَائِمًا. فَيَحْفَظُ هَارُونُ الْمَصَابِيحَ مُشْتَعِلَةً أَمَامَ اللهِ، فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ خَارِجَ سِتَارَةِ صُنْدُوقِ الْعَهْدِ، دَائِمًا مِنَ الْمَسَاءِ إِلَى الصَّبَاحِ. هَذِهِ فَرِيضَةٌ تَدُومُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. فَتَكُونُ مَصَابِيحُ الْمَنَارَةِ الَّتِي مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ مُشْتَعِلَةً أَمَامَ اللهِ دَائِمًا. ”وَتَأْخُذُ دَقِيقًا وَتَخْبِزُهُ 12 رَغِيفًا. كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ 4 كِيلُوجْرَامَاتٍ مِنَ الدَّقِيقِ. وَتُرَتِّبُهَا فِي صَفَّيْنِ، كُلُّ صَفٍّ 6، عَلَى الْمَائِدَةِ الَّتِي مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ، أَمَامَ اللهِ. وَتَضَعُ بَخُورًا نَقِيًّا فَوْقَ الْخُبْزِ فِي الصَّفَّيْنِ، فَيَكُونُ بِالنِّسْبَةِ لِلْخُبْزِ كَتَذْكَارٍ، هُوَ قُرْبَانٌ يُشْعَلُ للهِ. فِي كُلِّ يَوْمِ سَبْتٍ تَضَعُ الْخُبْزَ أَمَامَ اللهِ دَائِمًا، عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، هَذَا عَهْدٌ عَلَيْهِمْ إِلَى الْأَبَدِ. هَذَا الْخُبْزُ هُوَ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ، فَيَأْكُلُونَهُ فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ، لِأَنَّهُ أَقْدَسُ مَا يُقَدَّمُ مِنَ الْقَرَابِينِ الَّتِي تُشْعَلُ للهِ. هَذِهِ فَرِيضَةٌ تَدُومُ.“ وَخَرَجَ فِي مُخَيَّمِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَاحِدٌ أُمُّهُ إِسْرَائِيلِيَّةٌ وَأَبُوهُ مِصْرِيٌّ، وَتَعَارَكَ مَعَ وَاحِدٍ إِسْرَائِيلِيٍّ. وَكَفَرَ ابْنُ الْإِسْرَائِيلِيَّةِ بِاللهِ وَلَعَنَهُ. فَأَحْضَرُوهُ إِلَى مُوسَى. وَكَانَ اسْمُ أُمِّهِ شَلُومِيَةَ بِنْتَ دِبْرِي مِنْ قَبِيلَةِ دَانَ. فَوَضَعُوهُ فِي السِّجْنِ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ مَا يُرِيدُ اللهُ. فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”أَخْرِجِ الَّذِي لَعَنَ إِلَى خَارِجِ الْمُخَيَّمِ، فَيَضَعَ كُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوهُ أَيْدِيَهُمْ عَلَى رَأْسِهِ، وَتَرْجُمُهُ كُلُّ الْجَمَاعَةِ. وَقُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’مَنْ يَلْعَنُ اللهَ يَكُونُ مُذْنِبًا. أَيُّ وَاحِدٍ يَكْفُرُ بِاللهِ، يُقْتَلُ. كُلُّ الْجَمَاعَةِ تَرْجُمُهُ. سَوَاءً كَانَ غَرِيبًا أَوْ مُوَاطِنًا، إِنْ كَفَرَ بِاللهِ، يُقْتَلُ. ”’مَنْ قَتَلَ إِنْسَانًا، يَجِبُ أَنْ يُقْتَلَ. وَمَنْ قَتَلَ حَيَوَانًا يُعَوِّضُ عَنْهُ نَفْسًا بِنَفْسٍ. مَنْ يُسَبِّبُ ضَرَرًا لِآخَرَ، يُفْعَلُ بِهِ كَمَا فَعَلَ. كَسْرٌ بِكَسْرٍ، وَعَيْنٌ بِعَيْنٍ، وَسِنٌّ بِسِنٍّ. يُفْعَلُ بِهِ كَالضَّرَرِ الَّذِي سَبَّبَهُ لِلْآخَرِ. مَنْ قَتَلَ حَيَوَانًا يُعَوِّضُ عَنْهُ، وَمَنْ قَتَلَ إِنْسَانًا يُقْتَلُ. نَفْسُ الْحُكْمِ يُطَبَّقُ عَلَيْكُمْ، سَوَاءً كَانَ الْوَاحِدُ غَرِيبًا أَوْ مُوَاطِنًا. أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ.‘“ فَقَالَ مُوسَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُخْرِجُوا الَّذِي لَعَنَ إِلَى خَارِجِ الْمُخَيَّمِ وَيَرْجُمُوهُ بِالْحِجَارَةِ. فَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى فِي جَبَلِ سِينَاءَ: ”قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’مَتَى دَخَلْتُمُ الْأَرْضَ الَّتِي أُعْطِيهَا لَكُمْ، تَرْتَاحُ الْأَرْضُ سَنَةً كَسَبْتٍ للهِ. 6 سِنِينَ تَزْرَعُ حَقْلَكَ، وَ6 سِنِينَ تُقَلِّمُ كَرْمَكَ، وَتَجْمَعُ غَلَّتَهُمَا. أَمَّا السَّنَةُ السَّابِعَةُ فَتَكُونُ سَبْتَ رَاحَةٍ لِلْأَرْضِ، كَسَبْتٍ للهِ. لَا تَزْرَعْ حَقْلَكَ، وَلَا تُقَلِّمْ كَرْمَكَ. لَا تَحْصُدْ مَا يَطْلَعُ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَا تَقْطِفْ عِنَبَ كَرْمِكَ الَّذِي لَمْ يُقَلَّمْ. إِنَّهَا سَنَةُ رَاحَةٍ لِلْأَرْضِ. وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ مَا تُنْتِجُهُ الْأَرْضُ خِلَالَ هَذِهِ السَّنَةِ السَّابِعَةِ، يَكُونُ طَعَامًا لَكُمْ، أَنْتَ وَعَبْدِكَ وَجَارِيَتِكَ وَأَجِيرِكَ وَالْغَرِيبِ الْمُقِيمِ عِنْدَكَ، وَبَهَائِمِكَ وَالْوُحُوشِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْأَرْضِ. ”’وَتَحْسِبُ 7 أَسَابِيعَ سِنِينَ، أَيْ 7 سِنِينَ 7 مَرَّاتٍ، فَتَكُونُ 49 سَنَةً. ثُمَّ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ، فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ، أَيْ فِي يَوْمِ الْكَفَّارَةِ تَنْفُخُونَ فِي الْبُوقِ فِي كُلِّ بِلَادِكُمْ. وَتُكَرِّسُونَ السَّنَةَ الْخَمْسِينَ، وَتُنَادُونَ بِتَحْرِيرِ كُلِّ أَهْلِ الْبِلَادِ. فَتَكُونُ سَنَةَ يُوبِيلٍ لَكُمْ. فَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ إِلَى مِلْكِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ إِلَى عَشِيرَتِهِ. فَتَكُونُ السَّنَةُ الْخَمْسُونَ سَنَةَ يُوبِيلٍ لَكُمْ، لَا تَزْرَعُوا، وَلَا تَحْصُدُوا مَا يَطْلَعُ فِيهَا مِنْ نَفْسِهِ، وَلَا تَقْطِفُوا كَرْمَهَا الَّذِي لَمْ يُقَلَّمْ. إِنَّهَا يُوبِيلٌ. وَتَكُونُ سَنَةً خَاصَّةً لَكُمْ. فَتَأْكُلُونَ فَقَطْ مَا تَأْخُذُونَهُ مُبَاشَرَةً مِنَ الْحُقُولِ. وَفِي سَنَةِ الْيُوبِيلِ هَذِهِ يَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مِلْكِهِ. ”’فَإِنْ بِعْتَ لِقَرِيبِكَ أَرْضًا، أَوِ اشْتَرَيْتَ مِنْهُ، فَلَا يَظْلِمْ أَحَدُكُمَا الْآخَرَ. فَتَشْتَرِي حَسَبَ عَدَدِ السِّنِينَ بَعْدَ الْيُوبِيلِ، وَهُوَ يَبِيعُ حَسَبَ عَدَدِ السِّنِينَ الْبَاقِيَةِ الَّتِي تُجْمَعُ فِيهَا الْغَلَّةُ. فَإِنْ كَانَتِ السَّنَوَاتُ الْبَاقِيَةُ كَثِيرَةً، يَزِيدُ الثَّمَنُ، وَإِنْ كَانَتِ السَّنَوَاتُ الْبَاقِيَةُ قَلِيلَةً، يَقِلُّ الثَّمَنُ، لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ يَبِيعُ عَدَدَ الْمَحَاصِيلِ. فَلَا يَظْلِمْ أَحَدُكُمَا الْآخَرَ. بَلِ اتَّقِ إِلَهَكَ. أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. ”’اِعْمَلُوا بِفَرَائِضِي، وَانْتَبِهُوا وَأَطِيعُوا شَرَائِعِي، لِتَسْكُنُوا فِي الْأَرْضِ آمِنِينَ. وَتُعْطِي الْأَرْضُ ثَمَرَهَا، فَتَأْكُلُونَ حَتَّى تَشْبَعُوا، وَتَسْكُنُونَ فِيهَا آمِنِينَ. وَإِنْ قُلْتُمْ: مَاذَا نَأْكُلُ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ، إِنْ كُنَّا لَا نَزْرَعُ وَلَا نَجْمَعُ غَلَّتَنَا؟ فَأَرُدُّ وَأَقُولُ إِنِّي أُبَارِكُ لَكُمْ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ، فَتُنْتِجُ الْأَرْضُ غَلَّةً لِـ3 سِنِينَ. فَبَيْنَمَا تَزْرَعُونَ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ، تَأْكُلُونَ مِنَ الْغَلَّةِ الْعَتِيقَةِ، وَتَدُومُ لَكُمْ حَتَّى تَحْصُدُوا غَلَّةَ السَّنَةِ التَّاسِعَةِ. ”’وَالْأَرْضُ لَا تُبَاعُ بِطَرِيقَةٍ نِهَائِيَّةٍ. لِأَنَّ الْأَرْضَ لِي، وَأَنْتُمْ غُرَبَاءُ مُقِيمُونَ عِنْدِي. بَلْ فِي كُلِّ الْبِلَادِ، تُعْطُونَ الْمَالِكَ الَّذِي بَاعَ أَرْضًا، الْحَقَّ فِي أَنْ يَسْتَرْجِعَهَا. فَإِنِ افْتَقَرَ أَخُوكَ وَبَاعَ مِنْ أَمْلَاكِهِ، يَأْتِي أَقْرَبُ أَقَارِبِهِ وَيَسْتَرْجِعُ لَهُ مَا بَاعَهُ. وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرِيبٌ، وَلَكِنْ تَيَسَّرَ حَالُهُ وَحَصَلَ عَلَى مَا يَكْفِي لِاسْتِرْجَاعِ الْأَرْضِ، يَحْسُبُ عَدَدَ السِّنِينَ الَّتِي مَضَتْ مُنْذُ تَمَّ الْبَيْعُ، وَيَدْفَعُ لِلْمُشْتَرِي مَا يَحِقُّ لَهُ عَنِ السِّنِينَ الْبَاقِيَةِ إِلَى الْيُوبِيلِ. وَعِنْدَ ذَلِكَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مِلْكِهِ. لَكِنْ إِنْ لَمْ يَحْصُلْ عَلَى مَا يَكْفِي لِيُعَوِّضَ الْمُشْتَرِيَ، يَبْقَى مَا بَاعَهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إِلَى سَنَةِ الْيُوبِيلِ. وَفِي سَنَةِ الْيُوبِيلِ تُرَدُّ الْأَرْضُ لِلْمَالِكِ الْأَصْلِيِّ، فَيَرْجِعُ إِلَى مِلْكِهِ. ”’إِذَا بَاعَ وَاحِدٌ دَارَ سَكَنٍ فِي مَدِينَةٍ لَهَا أَسْوَارٌ، فَيَكُونُ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَسْتَرْجِعَهَا خِلَالَ السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ يَوْمِ بَيْعِهَا. فَإِنْ لَمْ يَسْتَرْجِعْهَا قَبْلَ أَنْ تَتِمَّ السَّنَةُ، تُصْبِحُ الدَّارُ الَّتِي فِي الْمَدِينَةِ ذَاتِ السُّورِ، مِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي وَنَسْلِهِ بِصِفَةٍ نِهَائِيَّةٍ. لَا تُرَدُّ فِي الْيُوبِيلِ. أَمَّا الدَّارُ الَّتِي فِي قَرْيَةٍ لَيْسَ لَهَا سُورٌ، فَهِيَ تُحْسَبُ كَالْحَقْلِ. يَسْتَرْجِعُهَا صَاحِبُهَا فِي الْيُوبِيلِ فَتُرَدُّ لَهُ. أَمَّا فِي مُدُنِ اللَّاوِيِّينَ فَإِنْ بَاعَ لَاوِيٌّ دَارَهُ فِي إِحْدَى هَذِهِ الْمُدُنِ، فَلَهُ الْحَقُّ أَنْ يَسْتَرْجِعَهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ. وَإِنْ كَانَ لَاوِيٌّ لَا يَسْتَرْجِعُ دَارَهُ الَّتِي فِي إِحْدَى هَذِهِ الْمُدُنِ، فَإِنَّهَا تُرَدُّ لَهُ عَلَى أَيِّ حَالٍ فِي سَنَةِ الْيُوبِيلِ، لِأَنَّ الدِّيَارَ الَّتِي فِي مُدُنِ اللَّاوِيِّينَ هِيَ مِلْكُهُمْ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. أَمَّا الْمَزَارِعُ الْمُحِيطَةُ بِمُدُنِهِمْ فَلَا تُبَاعُ، لِأَنَّهَا مِلْكٌ دَائِمٌ لَهُمْ. ”’إِنِ افْتَقَرَ أَخُوكَ، وَعَجَزَ عَنْ إِعَالَةِ نَفْسِهِ عِنْدَكُمْ، فَيَجِبُ أَنْ تُسَاعِدَهُ كَمَا تُسَاعِدُ الْغَرِيبَ أَوِ الضَّيْفَ، لِكَيْ يُقِيمَ عِنْدَكُمْ. لَا تَأْخُذْ مِنْهُ رِبًا وَلَا رِبْحًا، بَلِ اتَّقِ إِلَهَكَ، لِكَيْ يُقِيمَ أَخُوكَ عِنْدَكُمْ. لَا تُقْرِضْهُ مَالَكَ بِرِبًا، وَلَا تَبِعْهُ طَعَامَكَ بِرِبْحٍ. أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمُ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ مِصْرَ، لِيُعْطِيَكُمْ أَرْضَ كَنْعَانَ، وَلِيَكُونَ إِلَهَكُمْ. وَإِنِ افْتَقَرَ أَخُوكَ عِنْدَكُمْ، وَبَاعَ نَفْسَهُ لَكَ كَعَبْدٍ، فَلَا تُعَامِلْهُ كَعَبْدٍ. إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَكَ كَأَجِيرٍ أَوْ ضَيْفٍ، وَيَخْدِمُكَ إِلَى سَنَةِ الْيُوبِيلِ. ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ عِنْدِكَ هُوَ وَأَوْلَادُهُ مَعَهُ، وَيَرْجِعُ إِلَى عَشِيرَتِهِ وَإِلَى مِلْكِ آبَائِهِ. لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ هُمْ عَبِيدِيَ الَّذِينَ أَخْرَجْتُهُمْ مِنْ مِصْرَ، فَلَا يُبَاعُونَ كَالْعَبِيدِ. فَلَا تَتَسَلَّطْ عَلَيْهِمْ بِعُنْفٍ، بَلِ اتَّقِ إِلَهَكَ. ”’فَيَكُونُ عَبِيدُكَ وَجَوَارِيكَ مِنَ الشُّعُوبِ الَّتِي حَوْلَكَ. هَؤُلَاءِ تَأْخُذُ مِنْهُمُ الْعَبِيدَ وَالْجَوَارِيَ. وَأَيْضًا مِنَ الضُّيُوفِ الْمُقِيمِينَ عِنْدَكُمْ، وَمِنْ أَفْرَادِ عَشَائِرِهِمِ الْمَوْلُودِينَ فِي بِلَادِكُمْ، فَيَكُونُونَ مِلْكًا لَكُمْ. وَتُوَرِّثُونَهُمْ لِأَوْلَادِكُمْ مِنْ بَعْدِكُمْ كَمِيرَاثٍ لَهُمْ فَيَكُونُونَ عَبِيدَكُمْ مَدَى الْحَيَاةِ. أَمَّا إِخْوَتُكُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَلَا يَتَسَلَّطُ الْوَاحِدُ عَلَى الْآخَرِ بِعُنْفٍ. ”’وَإِنِ اغْتَنَى غَرِيبٌ أَوْ ضَيْفٌ عِنْدَكُمْ، وَافْتَقَرَ وَاحِدٌ مِنْ إِخْوَتِكُمْ، وَبَاعَ نَفْسَهُ لِلْغَرِيبِ أَوْ لِأَحَدِ أَفْرَادِ عَشِيرَتِهِ، فَحَتَّى بَعْدَمَا بَاعَ نَفْسَهُ، لَهُ الْحَقُّ أَنْ يُفْدَى. يَفْدِيهِ أَحَدُ أَقَارِبِهِ. كَعَمِّهِ مَثَلًا، أَوِ ابْنِ عَمِّهِ، أَوْ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْ أَقَارِبِهِ وَعَشِيرَتِهِ، أَوْ هُوَ نَفْسُهُ إِنْ حَصَلَ عَلَى الْمَالِ الْكَافِي. فَيُحَاسِبُ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنَ السَّنَةِ الَّتِي بَاعَ نَفْسَهُ فِيهَا إِلَى سَنَةِ الْيُوبِيلِ، وَيَكُونُ ثَمَنُ تَحْرِيرِهِ هُوَ أُجْرَةَ الْأَجِيرِ فِي هَذَا الْعَدَدِ مِنَ السِّنِينَ. فَإِنْ بَقِيَتْ سَنَوَاتٌ كَثِيرَةٌ، يَدْفَعُ لِلَّذِي اشْتَرَاهُ جُزْءًا كَبِيرًا مِنْ ثَمَنِ شِرَائِهِ لِيُحَرِّرَهُ. وَإِنْ بَقِيَتْ سَنَوَاتٌ قَلِيلَةٌ إِلَى سَنَةِ الْيُوبِيلِ، يَدْفَعُ لِلَّذِي اشْتَرَاهُ جُزْءًا صَغِيرًا لِيُحَرِّرَهُ. وَيَجِبُ أَنْ يُعَامِلَهُ كَأَجِيرٍ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ. فَانْتَبِهْ لِكَيْ لَا يَتَسَلَّطَ عَلَيْهِ بِعُنْفٍ. فَإِنْ لَمْ يُفْدَ بِإِحْدَى هَذِهِ الْوَسَائِلِ، يُحَرَّرُ هُوَ وَأَوْلَادُهُ فِي سَنَةِ الْيُوبِيلِ. لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ هُمْ عَبِيدٌ لِي. هُمْ عَبِيدِيَ الَّذِينَ أَخْرَجْتُهُمْ مِنْ مِصْرَ. أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. ”’لَا تَصْنَعُوا لَكُمْ أَصْنَامًا، وَلَا تُقِيمُوا لَكُمْ أَشْكَالًا مَنْحُوتَةً، وَلَا تَمَاثِيلَ، وَلَا تَضَعُوا أَوْثَانًا فِي بِلَادِكُمْ لِتَسْجُدُوا لَهَا. لِأَنِّي أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. اِحْفَظُوا وَصِيَّةَ يَوْمِ السَّبْتِ. اِحْتَرِمُوا مَقْدِسِي. أَنَا اللهُ. ”’إِنْ سَلَكْتُمْ فِي فَرَائِضِي، وَحَفِظْتُمْ وَصَايَايَ وَعَمِلْتُمْ بِهَا، أُعْطِيكُمُ الْمَطَرَ فِي أَوَانِهِ، فَتُعْطِي الْأَرْضُ غَلَّتَهَا، وَأَشْجَارُ الْحَقْلِ ثِمَارَهَا. فَيَسْتَمِرُّ دَرْسُ الْقَمْحِ حَتَّى قَطْفِ الْعِنَبِ، وَيَسْتَمِرُّ قَطْفُ الْعِنَبِ حَتَّى مَوْسِمِ الزَّرْعِ. فَتَأْكُلُونَ طَعَامَكُمْ حَتَّى تَشْبَعُوا، وَتَسْكُنُونَ فِي أَرْضِكُمْ آمِنِينَ. وَأَبْعَثُ السَّلَامَ فِي الْبِلَادِ، فَتَنَامُونَ وَلَا يُزْعِجُكُمْ أَحَدٌ، وَأُبِيدُ الْوُحُوشَ الرَّدِيئَةَ مِنْ عِنْدِكُمْ، وَلَا تَكُونُ حَرْبٌ فِي بِلَادِكُمْ. وَتَطْرُدُونَ أَعْدَاءَكُمْ، فَيَمُوتُونَ أَمَامَكُمْ بِالسَّيْفِ. 5 مِنْكُمْ يَطْرُدُونَ 100، وَ100 مِنْكُمْ يَطْرُدُونَ 10000، وَيَمُوتُ أَعْدَاؤُكُمْ أَمَامَكُمْ بِالسَّيْفِ. وَأَنْتَبِهُ إِلَيْكُمْ وَأُثْمِرُكُمْ وَأُكَثِّرُكُمْ، وَأَحْفَظُ عَهْدِي مَعَكُمْ. وَيَكْفِيكُمْ مَحْصُولُ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ وَيَفْضُلُ مِنْهُ، حَتَّى إِنَّكُمْ تُخْرِجُونَهُ لِتُفْسِحُوا مَكَانًا لِلْمَحْصُولِ الْجَدِيدِ. وَأَجْعَلُ مَسْكَنِي فِي وَسَطِكُمْ، وَلَا أَكْرَهُكُمْ. وَأَسِيرُ بَيْنَكُمْ، وَأَكُونُ إِلَهَكُمْ، وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ شَعْبِي. أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمُ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ مِصْرَ، لِكَيْ لَا تَظَلُّوا عَبِيدًا لَهُمْ. أَنَا حَطَّمْتُ قُيُودَ نِيرِكُمْ، وَجَعَلْتُكُمْ تَسِيرُونَ بِرُؤُوسٍ مَرْفُوعَةٍ. ”’لَكِنْ إِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لِي، وَلَمْ تَعْمَلُوا بِكُلِّ هَذِهِ الْوَصَايَا، وَإِنْ رَفَضْتُمْ فَرَائِضِي، وَكَرِهْتُمْ أَحْكَامِي، وَلَمْ تَعْمَلُوا بِكُلِّ وَصَايَايَ، بَلْ نَقَضْتُمْ عَهْدِي، فَإِنِّي أَعْمَلُ بِكُمْ هَذَا: أَجْلِبُ عَلَيْكُمُ الْخَوْفَ، وَالسُّلَّ وَالْحُمَّى وَالْأَمْرَاضَ الَّتِي تُعْمِي الْعَيْنَيْنِ وَتُضَيِّعُ الصِّحَّةَ. تَزْرَعُونَ بِلَا فَائِدَةٍ، وَيَنْهَبُ أَعْدَاؤُكُمْ زَرْعَكُمْ. وَأَكُونُ ضِدَّكُمْ، فَيَهْزِمُكُمْ أَعْدَاؤُكُمْ، وَيَتَسَلَّطُ عَلَيْكُمْ مُبْغِضُوكُمْ، وَتَهْرُبُونَ مِنْ غَيْرِ طَارِدٍ. ”’فَإِنْ كُنْتُمْ مَعَ كُلِّ هَذَا لَا تَسْمَعُونَ لِي، أَزِيدُ عِقَابَكُمْ 7 أَضْعَافٍ بِسَبَبِ ذُنُوبِكُمْ، فَأُحَطِّمُ عِنَادَكُمْ وَكِبْرِيَاءَكُمْ، وَأَجْعَلُ سَمَاءَكُمْ كَالْحَدِيدِ وَأَرْضَكُمْ كَالنُّحَاسِ. فَتَذْهَبُ مَجْهُودَاتُكُمْ بِلَا فَائِدَةٍ، لِأَنَّ أَرْضَكُمْ لَا تُعْطِي غَلَّتَهَا، وَأَشْجَارَ الْحَقْلِ لَا تُعْطِي ثِمَارَهَا. ”’فَإِنْ بَقِيتُمْ عَلَى عِصْيَانِكُمْ، وَرَفَضْتُمْ أَنْ تَسْمَعُوا لِي، أَزِيدُ مَصَائِبَكُمْ 7 أَضْعَافٍ بِسَبَبِ ذُنُوبِكُمْ. أُطْلِقُ عَلَيْكُمُ الْوُحُوشَ، فَتَحْرِمُكُمْ مِنْ أَوْلَادِكُمْ، وَتُهْلِكُ بَهَائِمَكُمْ، وَتُقَلِّلُكُمْ حَتَّى تَصِيرَ شَوَارِعُكُمْ مُوحِشَةً. ”’فَإِنْ لَمْ تَتَأَدَّبُوا مَعَ كُلِّ هَذَا، بَلْ بَقِيتُمْ عَلَى عِصْيَانِكُمْ، فَإِنِّي أُعَادِيكُمْ وَأَبْعَثُ عَلَيْكُمْ 7 أَضْعَافٍ مِنَ الْمَصَائِبِ بِسَبَبِ ذُنُوبِكُمْ. أَجْلِبُ عَلَيْكُمُ الْحَرْبَ، لِأَنْتَقِمَ مِنْكُمْ لِأَنَّكُمْ نَقَضْتُمْ عَهْدِي. فَتَهْرُبُونَ إِلَى الْمُدُنِ، وَهُنَاكَ أُرْسِلُ عَلَيْكُمُ الْوَبَأَ، وَتَقَعُونَ فِي يَدِ الْعَدُوِّ. أَمْنَعُ عَنْكُمْ مَؤُونَةَ الْخُبْزِ، لِدَرَجَةِ أَنَّ كُلَّ خُبْزِكُمْ تَخْبِزُهُ 10 نِسَاءٍ فِي فُرْنٍ وَاحِدٍ، وَيُوَزَّعُ عَلَى النَّاسِ بِالْمِيزَانِ، فَتَأْكُلُونَ وَلَا تَشْبَعُونَ. ”’وَإِنْ كُنْتُمْ مَعَ كُلِّ هَذَا لَا تَسْمَعُونَ لِي، وَبَقِيتُمْ عَلَى عِصْيَانِكُمْ، فَإِنِّي أُعَادِيكُمْ، وَأُعَاقِبُكُمْ بِغَضَبٍ 7 أَضْعَافٍ بِسَبَبِ ذُنُوبِكُمْ. فَتَأْكُلُونَ لَحْمَ بَنِيكُمْ وَلَحْمَ بَنَاتِكُمْ. وَأُخْرِبُ مَعَابِدَكُمْ، وَأُحَطِّمُ الْأَمَاكِنَ الَّتِي تُقَدِّمُونَ فِيهَا الْبَخُورَ، وَأَرْمِي جُثَثَكُمْ فَوْقَ جُثَثِ أَصْنَامِكُمْ، وَأَكْرَهُكُمْ. وَأَجْعَلُ مُدُنَكُمْ خَرَائِبَ، وَأَمَاكِنَكُمُ الْمُقَدَّسَةَ مُقْفِرَةً، وَلَا أُسَرُّ بِرَائِحَةِ قَرَابِينِكُمْ. وَأَجْعَلُ بِلَادَكُمْ مُقْفِرَةً، حَتَّى يَرْتَعِبَ مِنْهَا أَعْدَاؤُكُمُ السَّاكِنُونَ فِيهَا. وَأُشَتِّتُكُمْ بَيْنَ الْأُمَمِ، وَأَسْتَلُّ السَّيْفَ وَأُلَاحِقُكُمْ، فَتَصِيرُ بِلَادُكُمْ مُقْفِرَةً وَمُدُنُكُمْ خَرَائِبَ. بِذَلِكَ تَتَمَتَّعُ الْأَرْضُ بِكُلِّ سِنِي الرَّاحَةِ الَّتِي تَبْقَى فِيهَا مُقْفِرَةً وَأَنْتُمْ فِي بِلَادِ أَعْدَائِكُمْ. فَتَرْتَاحُ الْأَرْضُ وَتَتَمَتَّعُ كَأَنَّهَا فِي يَوْمِ سَبْتٍ. كُلُّ سِنِي الرَّاحَةِ الَّتِي لَمْ تَحْصُلْ عَلَيْهَا الْأَرْضُ لَمَّا سَكَنْتُمْ فِيهَا، تَحْصُلُ عَلَيْهَا وَهِيَ مُقْفِرَةٌ مِنْكُمْ. ”’وَالْبَاقُونَ مِنْكُمْ، أَجْعَلُ قُلُوبَهُمْ خَائِفَةً فِي بِلَادِ أَعْدَائِهِمْ، حَتَّى إِنَّهُمْ يَنْهَزِمُونَ مِنْ صَوْتِ وَرَقَةٍ مُنْدَفِعَةٍ فِي الْهَوَاءِ، وَيَهْرُبُونَ كَأَنَّ السَّيْفَ يُلَاحِقُهُمْ، وَيَسْقُطُونَ مِنْ غَيْرِ طَارِدٍ. وَيَعْثُرُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ كَالْهَارِبِينَ مِنْ أَمَامِ السَّيْفِ، وَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ طَارِدٍ. وَلَا تَثْبُتُونَ أَمَامَ أَعْدَائِكُمْ. فَتَهْلِكُونَ بَيْنَ الْأُمَمِ، وَتَبْلَعُكُمْ أَرْضُ أَعْدَائِكُمْ. وَالْبَاقُونَ مِنْكُمْ يَفْنَوْنَ فِي بِلَادِ أَعْدَائِهِمْ، بِسَبَبِ ذُنُوبِهِمْ، وَيَفْنَوْنَ أَيْضًا بِسَبَبِ ذُنُوبِ آبَائِهِمْ. ”’وَلَكِنْ إِنِ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ وَذُنُوبِ آبَائِهِمْ، وَبِخِيَانَتِهِمْ لِي وَعِصْيَانِهِمْ عَلَيَّ، مِمَّا جَعَلَنِي أُعَادِيهِمْ وَأُرْسِلُهُمْ إِلَى بِلَادِ أَعْدَائِهِمْ، وَإِنْ تَوَاضَعَتْ قُلُوبُهُمُ الْقَاسِيَةُ، وَتَمَّ عِقَابُ ذُنُوبِهِمْ، أَفِي بِعَهْدِي مَعَ يَعْقُوبَ، وَعَهْدِي مَعَ إِسْحَاقَ، وَعَهْدِي مَعَ إِبْرَاهِيمَ، وَأُبَارِكُ الْأَرْضَ. لِأَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَرْضِ، فَتَتَمَتَّعُ بِرَاحَتِهَا وَهِيَ مُقْفِرَةٌ مِنْهُمْ، وَيُعَاقَبُونَ عَلَى ذُنُوبِهِمْ، لِأَنَّهُمْ رَفَضُوا أَحْكَامِي وَكَرِهُوا فَرَائِضِي. وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ كُلِّ هَذَا، بَيْنَمَا هُمْ فِي بِلَادِ أَعْدَائِهِمْ، لَا أَرْفُضُهُمْ وَلَا أَكْرَهُهُمْ لِدَرَجَةِ أَنْ أُبِيدَهُمْ تَمَامًا وَأَنْقُضَ عَهْدِي مَعَهُمْ، لِأَنِّي أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُهُمْ. بَلْ أَفِي بِعَهْدِي مَعَ آبَائِهِمِ الْأَوَّلِينَ، الَّذِينَ أَخْرَجْتُهُمْ مِنْ مِصْرَ أَمَامَ عُيُونِ الْأُمَمِ، لِأَكُونَ إِلَهَهُمْ. أَنَا اللهُ.‘“ هَذِهِ هِيَ الْفَرَائِضُ وَالْأَحْكَامُ وَالتَّعْلِيمَاتُ، الَّتِي وَضَعَهَا اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فِي جَبَلِ سِينَاءَ، بِوَاسِطَةِ مُوسَى. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’إِنْ نَذَرَ أَحَدٌ شَخْصًا للهِ، فَإِنَّ الْفِدَاءَ يَكُونُ حَسَبَ تَقْدِيرِكَ لِلشَّخْصِ بِالطَّرِيقَةِ التَّالِيَةِ: مِنِ ابْنِ 20 سَنَةً إِلَى ابْنِ 60 سَنَةً، يُفْدَى الذَّكَرُ بِـ50 عُمْلَةً مِنَ الْفِضَّةِ، حَسَبَ الْوَزْنِ الرَّسْمِيِّ. وَالْأُنْثَى تُفْدَى بِـ30 عُمْلَةً. وَمِنِ ابْنِ 5 سِنِينَ إِلَى ابْنِ 20 سَنَةً، يُفْدَى الذَّكَرُ بِـ20 عُمْلَةً، وَالْأُنْثَى بِـ10 عُمْلَاتٍ. وَمِنِ ابْنِ شَهْرٍ إِلَى ابْنِ 5 سِنِينَ، يُفْدَى الذَّكَرُ بِـ5 عُمْلَاتٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَالْأُنْثَى بِـ3 عُمْلَاتٍ مِنَ الْفِضَّةِ. وَمِنِ ابْنِ 60 سَنَةً وَمَا فَوْقُ، يُفْدَى الذَّكَرُ بِـ15 عُمْلَةً، وَالْأُنْثَى بِـ10 عُمْلَاتٍ. وَإِنْ كَانَ النَّاذِرُ فَقِيرًا عَنْ أَنْ يُقَدِّمَ الْقِيمَةَ الْمَفْرُوضَةَ، يُحْضِرُ الشَّخْصَ الْمَنْذُورَ إِلَى الْحَبْرِ، وَالْحَبْرُ يُقَدِّرُ فِدَاءَهُ حَسَبَ إِمْكَانِيَّةِ النَّاذِرِ. ”’وَإِنْ كَانَ النَّذْرُ بَهِيمَةً مِمَّا يُقَدَّمُ قُرْبَانًا للهِ، فَهِيَ تُصْبِحُ مُكَرَّسَةً للهِ. لَا يُغَيِّرُهَا وَلَا يُبْدِلُهَا، لَا جَيِّدًا بِرَدِيءٍ وَلَا رَدِيئًا بِجَيِّدٍ. فَإِنْ أَبْدَلَهَا بِبَهِيمَةٍ أُخْرَى، تَكُونُ هِيَ وَبَدِيلُهَا مُكَرَّسَتَيْنِ للهِ. وَإِنْ كَانَ النَّذْرُ بَهِيمَةً نَجِسَةً، مِمَّا لَا يُقَدَّمُ قُرْبَانًا للهِ، يُحْضِرُهَا النَّاذِرُ إِلَى الْحَبْرِ. وَالْحَبْرُ يُقَدِّرُ قِيمَتَهَا، سَوَاءً كَانَتْ جَيِّدَةً أَوْ رَدِيئَةً، وَتَقْدِيرُهُ نِهَائِيٌّ. فَإِنْ أَرَادَ النَّاذِرُ أَنْ يَفْدِيَهَا، يَزِيدُ عَلَى قِيمَتِهَا الْخُمْسَ. ”’وَإِنْ كَرَّسَ أَحَدٌ دَارَهُ لِتَكُونَ مُخَصَّصَةً للهِ، يُقَدِّرُ الْحَبْرُ قِيمَتَهَا، سَوَاءً كَانَتْ جِيِّدَةً أَوْ رَدِيئَةً، وَتَقْدِيرُهُ نِهَائِيٌّ. فَإِنْ أَرَادَ الَّذِي كَرَّسَ دَارَهُ أَنْ يَسْتَرْجِعَهَا، يَزِيدُ عَلَى قِيمَتِهَا الْخُمْسَ، فَتُصْبِحُ الدَّارُ مِنْ حَقِّهِ. ”’وَإِنْ كَرَّسَ أَحَدٌ للهِ جُزْءًا مِنْ حَقْلٍ يَمْلِكُهُ، تَكُونُ قِيمَتُهُ حَسَبَ كَمِّيَّةِ مَا يُزْرَعُ فِيهِ مِنْ بُزُورٍ. كُلُّ 10 كَيْلَاتٍ مِنَ الْبُزُورِ بِـ50 عُمْلَةً مِنَ الْفِضَّةِ. إِنْ كَرَّسَ حَقْلَهُ خِلَالَ سَنَةِ الْيُوبِيلِ، يَكُونُ مُلْزَمًا بِالْقِيمَةِ الَّتِي قَدَّرَهَا الْحَبْرُ. لَكِنْ إِنْ كَرَّسَ حَقْلَهُ بَعْدَ سَنَةِ الْيُوبِيلِ، يَحْسُبُ الْحَبْرُ الْقِيمَةَ عَلَى أَسَاسِ عَدَدِ السِّنِينَ الْبَاقِيَةِ إِلَى الْيُوبِيلِ التَّالِي، وَبِذَلِكَ تَنْقُصُ الْقِيمَةُ. فَإِنْ أَرَادَ الَّذِي كَرَّسَ حَقْلَهُ أَنْ يَسْتَرْجِعَهُ، يَزِيدُ عَلَى قِيمَتِهِ الْخُمْسَ، فَيُصْبِحُ الْحَقْلُ مِنْ حَقِّهِ. لَكِنْ إِنْ قَرَّرَ أَنْ لَا يَسْتَرْجِعَ الْحَقْلَ، وَبَاعَهُ الْحَبْرُ لِشَخْصٍ آخَرَ، فَصَاحِبُهُ الْأَوَّلُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَسْتَرْجِعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَفِي سَنَةِ الْيُوبِيلِ عِنْدَمَا يُرْجِعُهُ الشَّخْصُ الَّذِي اشْتَرَاهُ، يُصْبِحُ الْحَقْلُ مُخَصَّصًا للهِ، كَحَقْلٍ مِنَ الْأَوْقَافِ، فَيَرْجِعُ لِلْحَبْرِ. ”’وَإِنْ كَرَّسَ أَحَدٌ حَقْلًا اشْتَرَاهُ، وَلَمْ يَكُنْ أَصْلًا مِنْ أَمْلَاكِهِ، يَحْسُبُ الْحَبْرُ قِيمَتَهُ عَلَى أَسَاسِ الْفَتْرَةِ الْبَاقِيَةِ إِلَى سَنَةِ الْيُوبِيلِ، فَيَدْفَعُ الرَّجُلُ الْقِيمَةَ فِي نَفْسِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، بِمَا أَنَّ هَذَا شَيْءٌ مُخَصَّصٌ للهِ. وَفِي سَنَةِ الْيُوبِيلِ يَرْجِعُ الْحَقْلُ إِلَى صَاحِبِهِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي بَاعَهُ فِي الْأَوَّلِ. وَتَكُونُ الْقِيمَةُ دَائِمًا حَسَبَ الْوَزْنِ الرَّسْمِيِّ لِلشَّاقِلِ، وَهُوَ 20 جِيرَةً. ”’لَا يَحِقُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُكَرِّسَ بِكْرًا مِنَ الْبَهَائِمِ، لِأَنَّ كُلَّ بِكْرٍ هُوَ للهِ، سَوَاءً مِنَ الْبَقَرِ أَوْ مِنَ الْغَنَمِ هُوَ للهِ. أَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ النَّجِسَةِ، فَيُمْكِنُ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَفْدِيَهُ حَسَبَ الْقِيمَةِ الَّتِي يُقَدِّرُهَا الْحَبْرُ وَيَزِيدُ عَلَيْهَا الْخُمْسَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَفْدِيهِ، يُبَاعُ بِقِيمَتِهِ. ”’كُلُّ مَا يُعْطِيهِ الشَّخْصُ كَأَوْقَافٍ للهِ مِنْ كُلِّ مَا لَهُ، مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْحُقُولِ الَّتِي يَمْلِكُهَا، لَا يُبَاعُ وَلَا يُسْتَرْجَعُ. كُلُّ الْأَوْقَافِ هِيَ مُخَصَّصَةٌ تَمَامًا للهِ. أَيُّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ لَا يُفْدَى، يَجِبُ أَنْ يُقْتَلَ. ”’عُشْرُ كُلِّ مَا تُنْتِجُهُ الْأَرْضُ هُوَ للهِ، سَوَاءٌ مِنْ حُبُوبِهَا أَوْ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرِ، إِنَّهُ مُخَصَّصٌ للهِ. وَإِنْ أَرَادَ شَخْصٌ أَنْ يَحْتَفِظَ بِشَيْءٍ مِنْ عُشْرِهِ، فَيَجِبُ أَنْ يَدْفَعَ قِيمَتَهُ وَيَزِيدَ عَلَيْهَا الْخُمْسَ. أَمَّا الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، فَالْعَاشِرُ مِنْ كُلِّ مَا يَمُرُّ تَحْتَ عَصَا الرَّاعِي، يَكُونُ مُخَصَّصًا للهِ. فَلَا يَفْحَصُهُ وَلَا يُبْدِلُهُ سَوَاءً كَانَ جَيِّدًا أَوْ رَدِيئًا. وَإِنْ أَبْدَلَهُ، يَكُونُ هُوَ وَبَدِيلُهُ مُخَصَّصَيْنِ للهِ، وَلَا يُفْدَيَانِ.‘“ هَذِهِ هِيَ الْوَصَايَا الَّتِي أَوْصَى اللهُ بِهَا مُوسَى فِي جَبَلِ سِينَاءَ، لِيُعْطِيَهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِخُرُوجِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ، كَلَّمَ اللهُ مُوسَى فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ فِي صَحْرَاءِ سِينَاءَ، وَقَالَ لَهُ: ”أَحْصُوا كُلَّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ، وَاكْتُبُوا أَسْمَاءَ الرِّجَالِ، كُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ. فَتَحْسُبُهُمْ أَنْتَ وَهَارُونُ حَسَبَ فِرَقِهِمْ، كُلَّ الرِّجَالِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنِ ابْنِ 20 سَنَةً وَمَا فَوْقُ، الَّذِينَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَخْدِمُوا فِي الْجَيْشِ. وَيَكُونُ مَعَكُمَا رَجُلٌ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ، يَكُونُ هُوَ رَئِيسَ عَائِلَتِهِ. وَهَذِهِ هِيَ أَسْمَاءُ الرِّجَالِ الَّذِينَ يُسَاعِدُونَكُمَا: مِنْ رَأُوبِينَ أَلِيصُورُ بْنُ شَدَيْئُورَ. مِنْ شَمْعُونَ شَلُومِيلُ بْنُ صُورْشَدْيَ. مِنْ يَهُوذَا نَاحِشُ بْنُ عَمِينَادَابَ. مِنْ يَسَّاكَرَ نَثَنْئِيلُ بْنُ صُوغَرَ. مِنْ زَبُولُونَ أَلِيآبُ بْنُ حِيلُونَ. مِنِ ابْنَيْ يُوسِفَ، مِنْ أَفْرَايِمَ أَلِيشَمَعُ بْنُ عَمِّيهُودَ، وَمِنْ مَنَسَّى جَمْلِيلُ بْنُ فَدْصُورَ. مِنْ بِنْيَمِينَ أَبِيدَنُ بْنُ جِدْعُونِي. مِنْ دَانَ أَخِيعَزَرُ بْنُ عَمِيشَدْيَ. مِنْ أَشِيرَ فَجْعِيلُ بْنُ عُكْرَنَ. مِنْ جَادَ أَلِيَاسَافُ بْنُ دَعُوئِيلَ. مِنْ نَفْتَالِي أَخِيرَعُ بْنُ عِينَنَ.“ هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ اخْتَارَتْهُمُ الْجَمَاعَةُ لِيَكُونُوا رُؤَسَاءَ قَبَائِلِ أَهْلِهِمْ، فَهُمْ قَادَةُ عَشَائِرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَأَخَذَ مُوسَى وَهَارُونُ هَؤُلَاءِ الرِّجَالَ الَّذِينَ ذُكِرَتْ أَسْمَاؤُهُمْ. وَجَمَعَا كُلَّ الْجَمَاعَةِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي. وَسَجَّلُوا نَسَبَهُمْ وَعَشَائِرَ أَهْلِهِمْ، مِنِ ابْنِ 20 سَنَةً وَمَا فَوْقُ، وَكَتَبُوا أَسْمَاءَهُمْ، كُلُّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ. كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. فَعَدَّهُمْ فِي صَحْرَاءِ سِينَاءَ. بَنُو رَأُوبِينَ بِكْرِ إِسْرَائِيلَ: تَمَّ إِحْصَاءُ كُلِّ الرِّجَالِ مِنِ ابْنِ 20 سَنَةً وَمَا فَوْقُ الْقَادِرِينَ عَلَى الْخِدْمَةِ فِي الْجَيْشِ، وَسُجِّلَتْ أَسْمَاؤُهُمْ كُلُّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ، حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. فَكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ مِنْ قَبِيلَةِ رَأُوبِينَ 46500. بَنُو شَمْعُونَ: تَمَّ إِحْصَاءُ كُلِّ الرِّجَالِ مِنِ ابْنِ 20 سَنَةً وَمَا فَوْقُ الْقَادِرِينَ عَلَى الْخِدْمَةِ فِي الْجَيْشِ، وَسُجِّلَتْ أَسْمَاؤُهُمْ كُلُّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ، حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. فَكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ مِنْ قَبِيلَةِ شَمْعُونَ 59300. بَنُو جَادَ: كُلُّ الرِّجَالِ مِنِ ابْنِ 20 سَنَةً وَمَا فَوْقُ الْقَادِرِينَ عَلَى الْخِدْمَةِ فِي الْجَيْشِ، سُجِّلَتْ أَسْمَاؤُهُمْ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. فَكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ مِنْ قَبِيلَةِ جَادَ 45650. بَنُو يَهُوذَا: كُلُّ الرِّجَالِ مِنِ ابْنِ 20 سَنَةً وَمَا فَوْقُ الْقَادِرِينَ عَلَى الْخِدْمَةِ فِي الْجَيْشِ، سُجِّلَتْ أَسْمَاؤُهُمْ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. فَكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا 74600. بَنُو يَسَّاكَرَ: كُلُّ الرِّجَالِ مِنِ ابْنِ 20 سَنَةً وَمَا فَوْقُ الْقَادِرِينَ عَلَى الْخِدْمَةِ فِي الْجَيْشِ، سُجِّلَتْ أَسْمَاؤُهُمْ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. فَكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ مِنْ قَبِيلَةِ يَسَّاكَرَ 54400. بَنُو زَبُولُونَ: كُلُّ الرِّجَالِ مِنِ ابْنِ 20 سَنَةً وَمَا فَوْقُ الْقَادِرِينَ عَلَى الْخِدْمَةِ فِي الْجَيْشِ، سُجِّلَتْ أَسْمَاؤُهُمْ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. فَكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ مِنْ قَبِيلَةِ زَبُولُونَ 57400. بَنُو يُوسِفَ، أَوَّلًا مِنْ بَنِي أَفْرَايِمَ: كُلُّ الرِّجَالِ مِنِ ابْنِ 20 سَنَةً وَمَا فَوْقُ الْقَادِرِينَ عَلَى الْخِدْمَةِ فِي الْجَيْشِ، سُجِّلَتْ أَسْمَاؤُهُمْ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. فَكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ مِنْ قَبِيلَةِ أَفْرَايِمَ 40500. بَنُو مَنَسَّى: كُلُّ الرِّجَالِ مِنِ ابْنِ 20 سَنَةً وَمَا فَوْقُ الْقَادِرِينَ عَلَى الْخِدْمَةِ فِي الْجَيْشِ، سُجِّلَتْ أَسْمَاؤُهُمْ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. فَكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ مِنْ قَبِيلَةِ مَنَسَّى 32200. بَنُو بِنْيَمِينَ: كُلُّ الرِّجَالِ مِنِ ابْنِ 20 سَنَةً وَمَا فَوْقُ الْقَادِرِينَ عَلَى الْخِدْمَةِ فِي الْجَيْشِ، سُجِّلَتْ أَسْمَاؤُهُمْ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. فَكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ مِنْ قَبِيلَةِ بِنْيَمِينَ 35400. بَنُو دَانَ: كُلُّ الرِّجَالِ مِنِ ابْنِ 20 سَنَةً وَمَا فَوْقُ الْقَادِرِينَ عَلَى الْخِدْمَةِ فِي الْجَيْشِ، سُجِّلَتْ أَسْمَاؤُهُمْ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. فَكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ مِنْ قَبِيلَةِ دَانَ 62700. بَنُو أَشِيرَ: كُلُّ الرِّجَالِ مِنِ ابْنِ 20 سَنَةً وَمَا فَوْقُ الْقَادِرِينَ عَلَى الْخِدْمَةِ فِي الْجَيْشِ، سُجِّلَتْ أَسْمَاؤُهُمْ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. فَكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ مِنْ قَبِيلَةِ أَشِيرَ 41500. بَنُو نَفْتَالِي: كُلُّ الرِّجَالِ مِنِ ابْنِ 20 سَنَةً وَمَا فَوْقُ الْقَادِرِينَ عَلَى الْخِدْمَةِ فِي الْجَيْشِ، سُجِّلَتْ أَسْمَاؤُهُمْ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. فَكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ مِنْ قَبِيلَةِ نَفْتَالِي 53400. فَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ عَدَّهُمْ مُوسَى وَهَارُونُ وَقَادَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الِـ12، أَيْ رَجُلٌ وَاحِدٌ يُمَثِّلُ عَائِلَتَهُ. فَكَانَ عَدَدُ كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنِ ابْنِ 20 سَنَةً وَمَا فَوْقُ الْقَادِرِينَ عَلَى الْخِدْمَةِ فِي جَيْشِ إِسْرَائِيلَ، وَذَلِكَ حَسَبَ عَائِلَاتِهِمْ، 603550. أَمَّا عَائِلَاتُ قَبِيلَةِ لَاوِي فَلَمْ يُعَدُّوا بَيْنَهُمْ. لِأَنَّ اللهَ قَالَ لِمُوسَى: ”لَا تَحْسِبْ وَلَا تَعُدَّ قَبِيلَةَ لَاوِي مَعَ بَقِيَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. بَلْ وَكِّلِ اللَّاوِيِّينَ عَلَى خَيْمَةِ الْعَهْدِ وَعَلَى كُلِّ أَدَوَاتِهَا وَعَلَى كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا. وَهُمْ يَحْمِلُونَ الْخَيْمَةَ وَكُلَّ أَدَوَاتِهَا، وَيَخْدِمُونَهَا وَيُقِيمُونَ حَوْلَهَا. وَعِنْدَ رَحِيلِ الْخَيْمَةِ، اللَّاوِيُّونَ هُمُ الَّذِينَ يَفُكُّونَهَا. وَعِنْدَ حُلُولِ الْخَيْمَةِ، اللَّاوِيُّونَ هُمُ الَّذِينَ يَنْصُبُونَهَا. وَإِنِ اقْتَرَبَ مِنْهَا وَاحِدٌ غَيْرُهُمْ يُقْتَلُ. وَيَنْزِلُ بَنُو إِسْرَائِيلَ، كُلُّ وَاحِدٍ فِي مُعَسْكَرِهِ وَعِنْدَ رَايَتِهِ بِحَسَبِ فِرَقِهِمْ. وَأَمَّا اللَّاوِيُّونَ فَيَنْزِلُونَ حَوْلَ خَيْمَةِ الْعَهْدِ، لِكَيْ لَا يَنْزِلَ غَضَبُ اللهِ عَلَى جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَيَقُومُ اللَّاوِيُّونَ بِوَاجِبَاتِهِمْ نَحْوَ خَيْمَةِ الْعَهْدِ.“ فَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ كُلَّ هَذَا، كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: ”يَنْزِلُ بَنُو إِسْرَائِيلَ، كُلُّ وَاحِدٍ عِنْدَ رَايَتِهِ، فَتَكُونُ لَهُمْ أَعْلَامٌ تُمَيِّزُ عَائِلَاتِهِمْ. وَيَنْصُبُونَ خِيَامَهُمْ تِجَاهَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ حَوَالَيْهَا. ”مِنَ الشَّرْقِ، أَيْ مِنْ نَاحِيَةِ شُرُوقِ الشَّمْسِ، تَنْزِلُ فِرَقُ مُعَسْكَرِ يَهُوذَا تَحْتَ رَايَتِهِمْ. وَقَائِدُ بَنِي يَهُوذَا هُوَ نَاحِشُ بْنُ عَمِينَادَابَ. وَعَدَدُ أَفْرَادِ فِرْقَتِهِ 74600. وَتَنْزِلُ إِلَى جَانِبِهِ قَبِيلَةُ يَسَّاكَرَ، وَقَائِدُ بَنِي يَسَّاكَرَ هُوَ نَثَنْئِيلُ بْنُ صُوغَرَ. وَعَدَدُ أَفْرَادِ فِرْقَتِهِ 54400. ثُمَّ قَبِيلَةُ زَبُولُونَ، وَقَائِدُ بَنِي زَبُولُونَ هُوَ أَلِيآبُ بْنُ حِيلُونَ. وَعَدَدُ أَفْرَادِ فِرْقَتِهِ 57400. فَيَكُونُ عَدَدُ كُلِّ الَّذِينَ يَنْزِلُونَ فِي مُعَسْكَرِ يَهُوذَا حَسَبَ فِرَقِهِمْ 186400، وَهُمْ يَرْحَلُونَ أَوَّلًا. ”وَمِنَ الْجَنُوبِ، فِرَقُ مُعَسْكَرِ رَأُوبِينَ تَحْتَ رَايَتِهِمْ. وَقَائِدُ بَنِي رَأَوبِينَ هُوَ أَلِيصُورُ بْنُ شَدَيْئُورَ. وَعَدَدُ أَفْرَادِ فِرْقَتِهِ 46500. وَتَنْزِلُ إِلَى جَانِبِهِ قَبِيلَةُ شَمْعُونَ، وَقَائِدُ بَنِي شَمْعُونَ هُوَ شَلُومِيلُ بْنُ صُورْشَدْيَ. وَعَدَدُ أَفْرَادِ فِرْقَتِهِ 59300. ثُمَّ قَبِيلَةُ جَادَ، وَقَائِدُ بَنِي جَادَ هُوَ أَلِيَاسَافُ بْنُ دَعُوئِيلَ. وَعَدَدُ أَفْرَادِ فِرْقَتِهِ 45650. فَيَكُونُ عَدَدُ كُلِّ الَّذِينَ يَنْزِلُونَ فِي مُعَسْكَرِ رَأُوبِينَ حَسَبَ فِرَقِهِمْ 151450، وَهُمْ يَرْحَلُونَ ثَانِيًا. ”ثُمَّ تَرْحَلُ خَيْمَةُ الِاجْتِمَاعِ، وَمَعَهَا مُعَسْكَرُ اللَّاوِيِّينَ فِي وَسَطِ الْمُعَسْكَرَاتِ. ثُمَّ يَنْزِلُونَ بِنَفْسِ التَّرْتِيبِ كَمَا يَرْحَلُونَ، كُلُّ وَاحِدٍ يَكُونُ فِي مَكَانِهِ وَتَحْتَ رَايَتِهِ. ”وَمِنَ الْغَرْبِ، فِرَقُ مُعَسْكَرِ أَفْرَايِمَ تَحْتَ رَايَتِهِمْ. وَقَائِدُ بَنِي أَفْرَايِمَ هُوَ أَلِيشَمَعُ بْنُ عَمِّيهُودَ. وَعَدَدُ أَفْرَادِ فِرْقَتِهِ 40500. وَتَنْزِلُ إِلَى جَانِبِهِ قَبِيلَةُ مَنَسَّى، وَقَائِدُ بَنِي مَنَسَّى هُوَ جَمْلِيلُ بْنُ فَدْصُورَ. وَعَدَدُ أَفْرَادِ فِرْقَتِهِ 32200. ثُمَّ قَبِيلَةُ بِنْيَمِينَ، وَقَائِدُ بَنِي بِنْيَمِينَ هُوَ أَبِيدَنُ بْنُ جِدْعُونِي. وَعَدَدُ أَفْرَادِ فِرْقَتِهِ 35400. فَيَكُونُ عَدَدُ كُلِّ الَّذِينَ يَنْزِلُونَ فِي مُعَسْكَرِ أَفْرَايِمَ حَسَبَ فِرَقِهِمْ 108100، وَهُمْ يَرْحَلُونَ ثَالِثًا. ”وَمِنَ الشَّمَالِ، فِرَقُ مُعَسْكَرِ دَانَ تَحْتَ رَايَتِهِمْ. وَقَائِدُ بَنِي دَانَ هُوَ أَخِيعَزَرُ بْنُ عَمِيشَدْيَ. وَعَدَدُ أَفْرَادِ فِرْقَتِهِ 62700. وَتَنْزِلُ إِلَى جَانِبِهِ قَبِيلَةُ أَشِيرَ، وَقَائِدُ بَنِي أَشِيرَ هُوَ فَجْعِيلُ بْنُ عُكْرَنَ. وَعَدَدُ أَفْرَادِ فِرْقَتِهِ 41500. ثُمَّ قَبِيلَةُ نَفْتَالِي، وَقَائِدُ بَنِي نَفْتَالِي هُوَ أَخِيرَعُ بْنُ عِينَنَ. وَعَدَدُ أَفْرَادِ فِرْقَتِهِ 53400. فَيَكُونُ عَدَدُ كُلِّ الَّذِينَ يَنْزِلُونَ فِي مُعَسْكَرِ دَانَ 157600، وَهُمْ يَرْحَلُونَ أَخِيرًا تَحْتَ رَايَاتِهِمْ.“ فَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمَعْدُودُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَسَبَ عَائِلَاتِهِمْ. فَكُلُّ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْمُعَسْكَرَاتِ حَسَبَ فِرَقِهِمْ، كَانُوا 603550. أَمَّا اللَّاوِيُّونَ فَلَمْ يُعَدُّوا بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. فَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ كُلَّ مَا أَمَرَ بِهِ اللهُ مُوسَى. فَكَانُوا يَنْزِلُونَ تَحْتَ رَايَاتِهِمْ بِهَذَا التَّرْتِيبِ، وَيَرْحَلُونَ بِهَذَا التَّرْتِيبِ، كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ عَشِيرَتِهِ وَعَائِلَتِهِ. هَذِهِ هِيَ عَائِلَةُ هَارُونَ وَمُوسَى يَوْمَ كَلَّمَ اللهُ مُوسَى فِي جَبَلِ سِينَاءَ. هَذِهِ هِيَ أَسْمَاءُ بَنِي هَارُونَ: نَادَابُ الْبِكْرُ، ثُمَّ أَبِيهُو وَأَلِعَازَارُ وَإِيتَامَارُ، الَّذِينَ كَانُوا أَحْبَارًا مَمْسُوحِينَ وَمُكَرَّسِينَ لِلْخِدْمَةِ. وَلَكِنْ مَاتَ نَادَابُ وَأَبِيهُو أَمَامَ اللهِ فِي صَحْرَاءِ سِينَاءَ لَمَّا قَدَّمَا أَمَامَ اللهِ نَارًا غَرِيبَةً لَمْ يَأْمُرْ بِهَا. وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَنُونَ. فَكَانَ أَلِعَازَارُ وَإِيتَامَارُ يَخْدِمَانِ كَأَحْبَارٍ مَعَ هَارُونَ أَبِيهِمَا. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”أَحْضِرْ قَبِيلَةَ لَاوِي، وَقَدِّمْهُمْ لِهَارُونَ لِيَخْدِمُوهُ. وَيَقُومُوا بِوَاجِبَاتِهِمْ نَحْوَهُ وَنَحْوَ كُلِّ الْجَمَاعَةِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَبِالْأَعْمَالِ الْمَطْلُوبَةِ فِي الْخَيْمَةِ. فَيُحَافِظُونَ عَلَى كُلِّ أَدَوَاتِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَيَنُوبُونَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْأَعْمَالِ الْمَطْلُوبَةِ فِي الْخَيْمَةِ. فَتُعْطِي اللَّاوِيِّينَ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ. إِنَّهُمْ مَوْهُوبُونَ لَهُ هِبَةً مِنْ عِنْدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَتُعَيِّنُ هَارُونَ وَبَنِيهِ لِيَخْدِمُوا كَأَحْبَارٍ، وَإِنِ اقْتَرَبَ مِنَ الْمَقْدِسِ وَاحِدٌ غَيْرُهُمْ يُقْتَلُ.“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”إِنِّي أَخَذْتُ اللَّاوِيِّينَ مِنْ بَيْنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَدَلَ كُلِّ بِكْرٍ، أَيْ أَوَّلِ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ الرَّحِمِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَيَكُونُ اللَّاوِيُّونَ لِي. لِأَنَّ كُلَّ بِكْرٍ هُوَ لِي. فَإِنِّي يَوْمَ قَتَلْتُ كُلَّ بِكْرٍ فِي مِصْرَ، خَصَّصْتُ لِنَفْسِي كُلَّ بِكْرٍ فِي إِسْرَائِيلَ مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ، فَيَكُونُونَ لِي، أَنَا اللهُ.“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى فِي صَحْرَاءِ سِينَاءَ: ”عُدَّ بَنِي لَاوِي حَسَبَ عَائِلَاتِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ، كُلَّ ذَكَرٍ مِنِ ابْنِ شَهْرٍ فَمَا فَوْقُ.“ فَعَدَّهُمْ مُوسَى حَسَبَ كَلَامِ اللهِ وَأَمْرِهِ. وَهَذِهِ هِيَ أَسْمَاءُ بَنِي لَاوِي: جَرْشُونُ وَقَهَاتُ وَمَرَارِي. اِبْنَا جَرْشُونَ هُمَا لِبْنِي وَشَمْعِي بِعَشَائِرِهِمَا. بَنُو قَهَاتَ هُمْ عَمْرَامُ وَيِصْهَارُ وَحَبْرُونُ وَعُزِّيلُ بِعَشَائِرِهِمْ. اِبْنَا مَرَارِي هُمَا مَحْلِي وَمُوشِي بِعَشَائِرِهِمَا. فَهَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ اللَّاوِيِّينَ حَسَبَ عَائِلَاتِهِمْ. إِذَنْ مِنْ جَرْشُونَ تُوجَدُ عَشِيرَةُ لِبْنِي وَعَشِيرَةُ شَمْعِي. وَعَدَدُ كُلِّ الذُّكُورِ مِنْهُمْ مِنِ ابْنِ شَهْرٍ فَمَا فَوْقُ، الَّذِينَ تَمَّ عَدُّهُمْ هُوَ 7500. وَتَنْزِلُ عَشَائِرُ جَرْشُونَ إِلَى الْغَرْبِ مِنَ الْخَيْمَةِ، أَيْ وَرَاءَهَا. وَقَائِدُ عَائِلَاتِ جَرْشُونَ هُوَ أَلِيَاسَافُ بْنُ لَايِلَ. وَمَسْئُولِيَّةُ بَنِي جَرْشُونَ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ هِيَ: الْخَيْمَةُ مِنَ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ وَغِطَاؤُهَا وَسَتَائِرُ مَدْخَلِهَا، وَسَتَائِرُ الدَّارِ الَّتِي حَوْلَهَا وَحَوْلَ الْمَنَصَّةِ، وَسِتَارَةُ مَدْخَلِ الدَّارِ، وَالْحِبَالُ، وَكُلُّ مَا يُسْتَعْمَلُ مَعَهَا. وَمِنْ قَهَاتَ تُوجَدُ عَشِيرَةُ عَمْرَامَ وَعَشِيرَةُ يِصْهَارَ وَعَشِيرَةُ حَبْرُونَ وَعَشِيرَةُ عُزِّيلَ. وَعَدَدُ كُلِّ الذُّكُورِ مِنْهُمْ مِنِ ابْنِ شَهْرٍ فَمَا فَوْقُ، هُوَ 8600، وَهُمْ مَسْئُولُونَ عَنِ الْمَقْدِسِ. وَتَنْزِلُ عَشَائِرُ قَهَاتَ إِلَى الْجَنُوبِ مِنَ الْخَيْمَةِ. وَقَائِدُ عَائِلَاتِ وَعَشَائِرِ قَهَاتَ هُوَ أَلِيصَافَانُ بْنُ عُزِّيلَ. وَهُمْ مَسْئُولُونَ عَنِ الصُّنْدُوقِ وَالْمَائِدَةِ وَالْمَنَارَةِ وَالْمَنَصَّتَيْنِ وَأَدَوَاتِ الْمَقْدِسِ الَّتِي يَخْدِمُونَ بِهَا وَالسِّتَارَةِ، وَكُلِّ مَا يُسْتَعْمَلُ مَعَهَا. وَرَئِيسُ قَادَةِ اللَّاوِيِّينَ هُوَ أَلِعَازَارُ بْنُ هَارُونَ الْحَبْرِ. وَهُوَ الْمُشْرِفُ عَلَى الْمَسْئُولِينَ عَنِ الْمَقْدِسِ. وَمِنْ مَرَارِي تُوجَدُ عَشِيرَةُ مَحْلِي وَعَشِيرَةُ مُوشِي. وَعَدَدُ كُلِّ الذُّكُورِ مِنْهُمْ مِنِ ابْنِ شَهْرٍ فَمَا فَوْقُ، الَّذِينَ تَمَّ عَدُّهُمْ هُوَ 6200. وَقَائِدُ عَائِلَاتِ وَعَشَائِرِ مَرَارِي هُوَ صُورِيلُ بْنُ أَبِيحَائِلَ. وَهُمْ يَنْزِلُونَ إِلَى الشَّمَالِ مِنَ الْخَيْمَةِ. وَمَسْئُولِيَّةُ بَنِي مَرَارِي الْمُعَيَّنَةُ لَهُمْ هِيَ: أَلْوَاحُ الْخَيْمَةِ وَعَوَارِضُهَا وَأَعْمِدَتُهَا وَقَوَاعِدُهَا وَكُلُّ أَدَوَاتِهَا، وَكُلُّ مَا يُسْتَعْمَلُ مَعَهَا. وَأَيْضًا أَعْمِدَةُ الدَّارِ الَّتِي حَوْلَهَا وَقَوَاعِدُهَا وَأَوْتَادُهَا وَحِبَالُهَا. وَيَنْزِلُ مُوسَى وَهَارُونُ وَبَنُوهُ إِلَى الشَّرْقِ قُدَّامَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، أَيْ نَاحِيَةَ شُرُوقِ الشَّمْسِ. وَهُمْ مَسْئُولُونَ عَنِ الْمَقْدِسِ، نِيَابَةً عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَإِنِ اقْتَرَبَ مِنَ الْمَقْدِسِ وَاحِدٌ غَيْرُهُمْ يُقْتَلُ. فَكَانَ عَدَدُ كُلِّ اللَّاوِيِّينَ الذُّكُورِ مِنِ ابْنِ شَهْرٍ فَمَا فَوْقُ، الَّذِينَ عَدَّهُمْ مُوسَى وَهَارُونُ حَسَبَ كَلَامِ اللهِ، وَذَلِكَ بِعَشَائِرِهِمْ هُوَ 22000. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”عُدَّ كُلَّ بِكْرٍ ذَكَرٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنِ ابْنِ شَهْرٍ فَمَا فَوْقُ، وَسَجِّلْ أَسْمَاءَهُمْ. فَتَأْخُذُ اللَّاوِيِّينَ لِي، أَنَا اللهُ، بَدَلَ كُلِّ بِكْرٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَيْضًا بَهَائِمَ اللَّاوِيِّينَ بَدَلَ كُلِّ بِكْرٍ فِي بَهَائِمِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.“ فَعَدَّ مُوسَى كُلَّ بِكْرٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَمَا أَمَرَهُ اللهُ. فَكَانَ عَدَدُ كُلِّ الْأَبْكَارِ الذُّكُورِ مِنِ ابْنِ شَهْرٍ فَمَا فَوْقُ، الَّذِينَ سُجِّلَتْ أَسْمَاؤُهُمْ، هُوَ 22273. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”خُذِ اللَّاوِيِّينَ بَدَلَ كُلِّ بِكْرٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبَهَائِمَ اللَّاوِيِّينَ بَدَلَ بَهَائِمِهِمْ، فَيَكُونَ اللَّاوِيُّونَ لِي، أَنَا اللهُ. وَلِفِدَاءِ الْـ273 مِنْ أَبْكَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الزَّائِدِينَ عَلَى اللَّاوِيِّينَ، تَأْخُذُ 5 عُمْلَاتٍ مِنَ الْفِضَّةِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ حَسَبَ الْوَزْنِ الرَّسْمِيِّ لِلْعُمْلَةِ وَهُوَ 20 جِيرَةً. وَتُعْطِي الْفِضَّةَ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ فِدَاءَ الزَّائِدِينَ عَلَيْهِمْ.“ فَأَخَذَ مُوسَى فِضَّةَ الْفِدَاءِ مِنَ الزَّائِدِينَ عَلَى مَنْ فَدَاهُمُ اللَّاوِيُّونَ. فَكَانَتِ الْفِضَّةُ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ أَبْكَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ هِيَ 1365 عُمْلَةً، وَذَلِكَ حَسَبَ الْوَزْنِ الرَّسْمِيِّ. وَأَعْطَى مُوسَى فِضَّةَ الْفِدَاءِ، لِهَارُونَ وَبَنِيهِ، كَمَا أَمَرَ اللهُ فِي كَلَامِهِ لِمُوسَى. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: ”خُذَا عَدَدَ بَنِي قَهَاتَ مِنْ بَنِي لَاوِي حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ، مِنِ ابْنِ 30 سَنَةً إِلَى ابْنِ 50 سَنَةً، وَهُمُ الَّذِينَ يَأْتُونَ لِيَقُومُوا بِالْخِدْمَةِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. ”وَهَذِهِ هِيَ خِدْمَةُ بَنِي قَهَاتَ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ: الْعِنَايَةُ بِالْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ. فَعِنْدَ رَحِيلِ الْمُخَيَّمِ، يَدْخُلُ هَارُونُ وَبَنُوهُ، وَيُنْزِلُونَ السِّتَارَةَ الَّتِي تَحْجُبُ صُنْدُوقَ الْعَهْدِ، وَيُغَطُّونَ الصُّنْدُوقَ بِهَا. وَيَضَعُونَ فَوْقَ هَذَا غِطَاءً مِنْ جِلْدِ الدُّلْفِينِ، وَيَفْرِشُونَ فَوْقَهُ ثَوْبًا كُلُّهُ أَزْرَقُ، وَيَضَعُونَ الْعِصِيَّ فِي مَكَانِهَا. ”وَيَفْرِشُونَ عَلَى مَائِدَةِ الْخُبْزِ الْمُقَدَّسِ ثَوْبًا أَزْرَقَ، وَيَضَعُونَ عَلَيْهِ الْأَطْبَاقَ وَالصُّحُونَ وَالْأَوْعِيَةَ وَالْكُؤُوسَ الَّتِي تُسْكَبُ بِهَا الْقَرَابِينُ. وَيَبْقَى الْخُبْزُ الدَّائِمُ عَلَيْهِ. وَيَفْرِشُونَ عَلَى كُلِّ هَذَا ثَوْبًا أَحْمَرَ، ثُمَّ يَضَعُونَ فَوْقَهُ غِطَاءً مِنْ جِلْدِ الدُّلْفِينِ، وَيَضَعُونَ الْعِصِيَّ فِي مَكَانِهَا. ”وَيَأْخُذُونَ ثَوْبًا أَزْرَقَ، وَيُغَطُّونَ مَنَارَةَ الْإِضَاءَةِ، وَمَصَابِيحَهَا وَطَفَّايَاتِهَا وَمَنَافِضَهَا، وَكُلَّ أَوْعِيَةِ الزَّيْتِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُونَهَا لَهَا. ثُمَّ يَلُفُّونَهَا هِيَ وَكُلَّ أَدَوَاتِهَا فِي غِطَاءٍ مِنْ جِلْدِ الدُّلْفِينِ، وَيَضَعُونَهَا عَلَى شَيْءٍ يَحْمِلُونَهَا بِهِ. ”وَيَفْرِشُونَ عَلَى مَنَصَّةِ الذَّهَبِ ثَوْبًا أَزْرَقَ، ثُمَّ يَضَعُونَ فَوْقَهُ غِطَاءً مِنْ جِلْدِ الدُّلْفِينِ، وَيَضَعُونَ الْعِصِيَّ فِي مَكَانِهَا. وَيَأْخُذُونَ كُلَّ الْأَدَوَاتِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُونَهَا فِي الْخِدْمَةِ فِي الْمَقْدِسِ، وَيَلُفُّونَهَا فِي ثَوْبٍ أَزْرَقَ، ثُمَّ يَضَعُونَ فَوْقَهُ غِطَاءً مِنْ جِلْدِ الدُّلْفِينِ، وَيَضَعُونَهَا عَلَى شَيْءٍ يَحْمِلُونَهَا بِهِ. وَيَرْفَعُونَ الرَّمَادَ مِنْ عَلَى مَنَصَّةِ النُّحَاسِ، وَيَفْرِشُونَ عَلَيْهَا ثَوْبًا بَنَفْسَجِيًّا. ثُمَّ يَضَعُونَ عَلَيْهَا كُلَّ الْأَدَوَاتِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُونَهَا فِي الْخِدْمَةِ عِنْدَ الْمَنَصَّةِ، الْمَجَامِرَ وَمَنَاشِلَ اللَّحْمِ وَالْمَجَارِفَ وَكُؤُوسَ رَشِّ الدَّمِ، وَيَفْرِشُونَ فَوْقَ كُلِّ هَذَا غِطَاءً مِنْ جِلْدِ الدُّلْفِينِ. وَيَضَعُونَ الْعِصِيَّ فِي مَكَانِهَا. ”وَمَتَى فَرَغَ هَارُونُ وَبَنُوهُ مِنْ تَغْطِيَةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ وَكُلِّ أَدَوَاتِ الْمَقْدِسِ، وَمَتَى كَانَ الْمُخَيَّمُ عَلَى اسْتِعْدَادٍ لِلرَّحِيلِ، يَدْخُلُ بَنُو قَهَاتَ لِيَحْمِلُوا. وَلَكِنْ لَا يَمَسُّوا الْأَشْيَاءَ الطَّاهِرَةَ لِئَلَّا يَمُوتُوا. فَهَذِهِ هِيَ مَسْئُولِيَّةُ بَنِي قَهَاتَ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَيَكُونُ أَلِعَازَارُ بْنُ هَارُونَ الْحَبْرِ مَسْئُولًا عَنْ زَيْتِ الْإِنَارَةِ، وَالْبَخُورِ الْعَطِرِ، وَالْقُرْبَانِ الدَّائِمِ، وَزَيْتِ الْمَسْحَةِ، وَعَنْ كُلِّ الْخَيْمَةِ وَكُلِّ مَا فِيهَا مِنْ أَشْيَاءَ وَأَدَوَاتٍ طَاهِرَةٍ.“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: ”اِحْرِصَا لِئَلَّا تَنْقَرِضَ عَشَائِرُ قَبِيلَةِ قَهَاتَ مِنْ بَنِي اللَّاوِيِّينَ. فَعِنْدَمَا يَقْتَرِبُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ، اِفْعَلَا لَهُمْ هَذَا فَيَعِيشُوا وَلَا يَمُوتُوا: يَدْخُلُ هَارُونُ وَبَنُوهُ إِلَى الْمَقْدِسِ، وَيُعَيِّنُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَمَلَهُ وَمَا يَحْمِلُهُ. وَلَكِنْ إِيَّاهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا لِمُشَاهَدَةِ مَا فِي الْمَقْدِسِ، وَلَوْ لِلَحْظَةٍ قَصِيرَةٍ، لِئَلَّا يَمُوتُوا.“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”خُذْ عَدَدَ بَنِي جَرْشُونَ أَيْضًا حَسَبَ عَائِلَاتِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ، مِنِ ابْنِ 30 سَنَةً إِلَى ابْنِ 50 سَنَةً، وَهُمُ الَّذِينَ يَأْتُونَ لِيَقُومُوا بِالْخِدْمَةِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. ”وَهَذِهِ هِيَ خِدْمَةُ عَشَائِرِ بَنِي جَرْشُونَ مِنْ عَمَلٍ وَحَمْلٍ: يَحْمِلُونَ سَتَائِرَ الْخَيْمَةِ، وَالْخَيْمَةَ نَفْسَهَا وَغِطَاءَهَا، وَالْغِطَاءَ الْخَارِجِيَّ الَّذِي مِنْ جِلْدِ الدُّلْفِينِ، وَسَتَائِرَ مَدْخَلِهَا، وَسَتَائِرَ الدَّارِ الَّتِي حَوْلَ الْخَيْمَةِ وَحَوْلَ الْمَنَصَّةِ، وَسِتَارَةَ مَدْخَلِ الدَّارِ، وَالْحِبَالَ، وَكُلَّ الْأَدَوَاتِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ مَعَهَا. وَكُلُّ مَا يَجِبُ عَمَلُهُ بِشَأْنِ هَذِهِ، هُمْ يَعْمَلُونَهُ. وَيَجِبُ أَنْ يَقُومُوا بِخِدْمَتِهِمْ، سَوَاءٌ كَانَتْ حَمْلَ الْأَشْيَاءِ أَوْ أَيَّ عَمَلٍ آخَرَ، تَحْتَ إِشْرَافِ هَارُونَ وَبَنِيهِ. وَعَلَيْكَ أَنْ تُعَيِّنَ لَهُمْ مَا يَجِبُ حَمْلُهُ. هَذِهِ خِدْمَةُ عَشَائِرِ بَنِي جَرْشُونَ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَيَقُومُونَ بِوَاجِبَاتِهِمْ تَحْتَ إِشْرَافِ إِيتَامَارَ بْنِ هَارُونَ الْحَبْرِ. ”وَتَعُدُّ بَنِي مَرَارِي حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ، مِنِ ابْنِ 30 سَنَةً إِلَى ابْنِ 50 سَنَةً، وَهُمُ الَّذِينَ يَأْتُونَ لِيَقُومُوا بِالْخِدْمَةِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَهَذِهِ هِيَ مَسْئُولِيَّتُهُمْ فِي خِدْمَةِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ: يَحْمِلُونَ أَلْوَاحَ الْخَيْمَةِ، وَعَوَارِضَهَا وَأَعْمِدَتَهَا وَقَوَاعِدَهَا، وَأَعْمِدَةَ الدَّارِ الَّتِي حَوْلَهَا، وَقَوَاعِدَهَا وَأَوْتَادَهَا وَحِبَالَهَا، وَكُلَّ أَدَوَاتِهَا، وَكُلَّ مَا يُسْتَعْمَلُ مَعَهَا. وَتُعَيِّنُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِالِاسْمِ مَا يَجِبُ أَنْ يَحْمِلَهُ. هَذِهِ خِدْمَةُ عَشَائِرِ بَنِي مَرَارِي. وَكُلُّ خِدْمَتِهِمْ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ هِيَ تَحْتَ إِشْرَافِ إِيتَامَارَ بْنِ هَارُونَ الْحَبْرِ.“ فَعَدَّ مُوسَى وَهَارُونُ وَقَادَةُ الْجَمَاعَةِ بَنِي قَهَاتَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ، مِنِ ابْنِ 30 سَنَةً إِلَى ابْنِ 50 سَنَةً، وَهُمُ الَّذِينَ يَأْتُونَ لِيَقُومُوا بِالْخِدْمَةِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. فَكَانَ عَدَدُهُمْ 2750. هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ عَدَّهُمْ مُوسَى وَهَارُونُ مِنْ عَشَائِرِ بَنِي قَهَاتَ لِلْخِدْمَةِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، كَمَا أَمَرَ اللهُ بِوَاسِطَةِ مُوسَى. وَعَدُّوا بَنِي جَرْشُونَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ، مِنِ ابْنِ 30 سَنَةً إِلَى ابْنِ 50 سَنَةً، وَهُمُ الَّذِينَ يَأْتُونَ لِيَقُومُوا بِالْخِدْمَةِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. فَكَانَ عَدَدُهُمْ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ 2630. هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ عَدَّهُمْ مُوسَى وَهَارُونُ مِنْ عَشَائِرِ بَنِي جَرْشُونَ لِلْخِدْمَةِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، كَمَا أَمَرَ اللهُ. وَعَدُّوا بَنِي مَرَارِي حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ، مِنِ ابْنِ 30 سَنَةً إِلَى ابْنِ 50 سَنَةً، وَهُمُ الَّذِينَ يَأْتُونَ لِيَقُومُوا بِالْخِدْمَةِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. فَكَانَ عَدَدُهُمْ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ 3200. هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ عَدَّهُمْ مُوسَى وَهَارُونُ مِنْ عَشَائِرِ بَنِي مَرَارِي، كَمَا أَمَرَ اللهُ بِوَاسِطَةِ مُوسَى. بِذَلِكَ عَدَّ مُوسَى وَهَارُونُ وَقَادَةُ إِسْرَائِيلَ، كُلَّ اللَّاوِيِّينَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. مِنِ ابْنِ 30 سَنَةً إِلَى ابْنِ 50 سَنَةً، وَهُمُ الَّذِينَ يَأْتُونَ لِيَقُومُوا بِالْخِدْمَةِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. فَكَانَ عَدَدُهُمْ 8580. فَتَمَّ عَدُّهُمْ كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. وَتَحَدَّدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَمَلُهُ وَمَا يَحْمِلُهُ، أَيْضًا كَمَا أَمَرَ اللهُ بِوَاسِطَةِ مُوسَى. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”أَوْصِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُبْعِدُوا مِنَ الْمُخَيَّمِ كُلَّ أَبْرَصَ وَكُلَّ مَنْ تَخْرُجُ مِنْهُ إِفْرَازَاتٌ وَكُلَّ مَنْ تَنَجَّسَ بِمَيِّتٍ. رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً، تُبْعِدُونَهُمْ إِلَى خَارِجِ الْمُخَيَّمِ، لِئَلَّا يُنَجِّسُوا مُخَيَّمَهُمْ حَيْثُ أَنَا سَاكِنٌ فِي وَسَطِهِمْ.“ فَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ هَذَا، وَأَبْعَدُوهُمْ إِلَى خَارِجِ الْمُخَيَّمِ. فَعَلُوا تَمَامًا كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِبَنِي إِسْرِائِيلَ: ’أَيُّ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ يُخْطِئُ إِلَى آخَرَ فَهُوَ يَخُونُ اللهَ وَهُوَ مُذْنِبٌ. فَيَجِبُ أَنْ يَعْتَرِفَ بِالذَّنْبِ الَّذِي ارْتَكَبَهُ، وَيَرُدَّ نَفْسَ الشَّيْءِ الَّذِي أَخَذَهُ، وَيَزِيدَ عَلَيْهِ خُمْسَهُ، وَيَدْفَعَهُ لِمَنْ أَذْنَبَ فِي حَقِّهِ. فَإِنْ كَانَ هَذَا الشَّخْصُ قَدْ مَاتَ، وَلَيْسَ لَهُ قَرِيبٌ لِيَسْتَلِمَ حَقَّهُ، فَالْمُذْنِبُ يُقَدِّمُهُ للهِ، فَيَأْخُذُهُ الْحَبْرُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى كَبْشِ الْكَفَّارَةِ الَّذِي يُكَفِّرُ بِهِ عَنْهُ. وَكَذَلِكَ كُلُّ تَبَرُّعٍ خَاصٍّ يُقَدِّمُهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ للهِ، يَكُونُ مِنْ حَقِّ الْحَبْرِ. كُلُّ هَدِيَّةٍ خَاصَّةٍ هِيَ مِنْ حَقِّ صَاحِبِهَا، لَكِنْ مَتَى أَعْطَاهَا لِلْحَبْرِ، تُصْبِحُ مِنْ حَقِّ الْحَبْرِ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’إِنْ ضَلَّتْ زَوْجَةٌ وَخَانَتْ زَوْجَهَا. فَعَاشَرَهَا رَجُلٌ آخَرُ، وَكَانَ الْأَمْرُ مَخْفِيًّا عَنْ زَوْجِهَا، وَنَجَاسَتُهَا لَمْ تُكْتَشَفْ، وَلَمْ يَقُمْ شَاهِدٌ عَلَيْهَا، وَلَمْ تُمْسَكْ فِي الْفِعْلِ. فَإِنْ شَعَرَ الزَّوْجُ بِالْغِيرَةِ وَشَكَّ فِي زَوْجَتِهِ وَهِيَ نَجِسَةٌ، أَوْ إِنْ شَعَرَ بِالْغِيرَةِ وَشَكَّ فِي زَوْجَتِهِ وَهِيَ غَيْرُ نَجِسَةٍ، يَأْخُذُ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ إِلَى الْحَبْرِ، وَيَأْخُذُ مَعَهَا قُرْبَانًا لَهَا؛ كِيلُوجْرَامَيْنِ مِنْ دَقِيقِ الشَّعِيرِ، لَا يَصُبُّ عَلَيْهِ زَيْتًا وَلَا يَضَعُ عَلَيْهِ لُبَانًا، لِأَنَّهُ قُرْبَانُ دَقِيقٍ عَنِ الْغِيرَةِ، قُرْبَانُ تَذْكِيرٍ أَيْ يُذَكِّرُ بِالذَّنْبِ. ”’فَيُحْضِرُ الْحَبْرُ الْمَرْأَةَ وَيُوقِفُهَا أَمَامَ اللهِ. ثُمَّ يَأْخُذُ مَاءً طَاهِرًا فِي وِعَاءِ خَزَفٍ، وَيَضَعُ مِنَ الْغُبَارِ الَّذِي فِي أَرْضِ الْخَيْمَةِ فِي الْمَاءِ. وَبَيْنَمَا هِيَ وَاقِفَةٌ أَمَامَ اللهِ، يَكْشِفُ الْحَبْرُ رَأْسَهَا، وَيَضَعُ فِي يَدِهَا قُرْبَانَ التَّذْكِيرِ، أَيْ قُرْبَانَ الْغِيرَةِ، وَيَكُونُ فِي يَدِهِ هُوَ الْمَاءُ الْمُرُّ الَّذِي يَجْلِبُ اللَّعْنَةَ. وَيُحَلِّفُ الْحَبْرُ الْمَرْأَةَ وَيَقُولُ لَهَا: ”إِنْ كَانَ لَمْ يُعَاشِرْكِ رَجُلٌ آخَرُ، وَلَمْ تَضِلِّي، وَلَمْ تَتَنَجَّسِي مَعَ رَجُلٍ غَيْرِ زَوْجِكِ، فَإِنَّ هَذَا الْمَاءَ الْمُرَّ الَّذِي يَجْلِبُ اللَّعْنَةَ لَنْ يَضُرَّكِ. وَلَكِنْ إِنْ كُنْتِ قَدْ ضَلَلْتِ مَعَ رَجُلٍ غَيْرِ زَوْجِكِ، وَعَاشَرَكِ وَتَنَجَّسْتِ“ وَهُنَا يَنْطِقُ الْحَبْرُ بِاللَّعْنَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَيَقُولُ لَهَا: ”يَجْعَلُ اللهُ شَعْبَكِ يَلْعَنُكِ وَيَكْرَهُكِ. يَجْعَلُكِ اللهُ مَرِيضَةً وَعَاقِرًا. فَيَدْخُلُ فِيكِ هَذَا الْمَاءُ الَّذِي يَجْلِبُ اللَّعْنَةَ لِيَجْعَلَكِ مَرِيضَةً وَعَاقِرًا.“ فَتَقُولُ الْمَرْأَةُ: ”آمِينَ. آمِينَ.“ ”’وَيَكْتُبُ الْحَبْرُ هَذِهِ اللَّعَنَاتِ عَلَى وَرَقَةٍ ثُمَّ يَغْسِلُهَا فِي الْمَاءِ الْمُرِّ. وَيَسْقِي الْمَرْأَةَ الْمَاءَ الْمُرَّ الَّذِي يَجْلِبُ اللَّعْنَةَ، فَيَدْخُلُ فِيهَا الْمَاءُ وَيُسَبِّبُ لَهَا الْمَرَارَةَ وَالْأَلَمَ. وَيَأَخُذُ الْحَبْرُ مِنْ يَدِهَا قُرْبَانَ الْغِيرَةِ، وَيُقَدِّمُهُ هَدِيَّةً أَمَامَ اللهِ، وَيُحْضِرُهُ إِلَى الْمَنَصَّةِ. ثُمَّ يَمْلَأُ الْحَبْرُ يَدَهُ مِنَ الْقُرْبَانِ كَتَذْكَارٍ وَيَحْرِقُهُ عَلَى الْمَنَصَّةِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَسْقِي الْمَرْأَةَ الْمَاءَ. فَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَنَجَّسَتْ، وَخَانَتْ زَوْجَهَا فَعِنْدَمَا تَشْرَبُ الْمَاءَ الَّذِي يَجْلِبُ اللَّعْنَةَ، يُسَبِّبُ لَهَا الْمَرَارَةَ وَالْأَلَمَ، وَتَصِيرُ مَرِيضَةً وَعَاقِرًا وَمَلْعُونَةً فِي شَعْبِهَا. وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْمَرْأَةُ تَنَجَّسَتْ، بَلْ كَانَتْ طَاهِرَةً، تَبْرَأُ مِنَ الذَّنْبِ وَتَحْمِلُ بَنِينَ. ”’هَذِهِ إِذَنْ هِيَ شَرِيعَةُ الْغِيرَةِ، إِذَا ضَلَّتِ امْرَأَةٌ وَتَنَجَّسَتْ مَعَ رَجُلٍ غَيْرِ زَوْجِهَا. أَوْ إِنْ شَعَرَ رَجُلٌ بِالْغِيرَةِ وَشَكَّ فِي زَوْجَتِهِ. فَإِنَّ الْحَبْرَ يُوقِفُهَا أَمَامَ اللهِ وَيَعْمَلُ كُلَّ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ. فَيَكُونُ الرَّجُلُ بَرِيئًا مِنَ الْخَطَأِ، وَتَنَالُ الْمَرْأَةُ عِقَابَ ذَنْبِهَا.‘“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’أَيُّ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ يَنْذِرُ نَفْسَهُ للهِ لِيَكُونَ نَذِيرًا مُكَرَّسًا لَهُ، فَيَجِبُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمُسْكِرِ، وَلَا يَشْرَبُ خَلًّا مَصْنُوعًا مِنَ الْخَمْرِ أَوْ مِنَ الْمُسْكِرِ. وَلَا يَشْرَبُ عَصِيرَ الْعِنَبِ، وَلَا يَأْكُلُ عِنَبًا وَلَا زَبِيبًا. كُلَّ أَيَّامِ نَذْرِهِ، لَا يَأْكُلُ شَيْئًا تُنْتِجُهُ كَرْمَةُ الْعِنَبِ، وَلَا حَتَّى الْبُزُورَ وَلَا الْقِشْرَ. وَطُولَ أَيَّامِ نَذْرِهِ وَتَكْرِيسِهِ، لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ بِمُوسَى، بَلْ يَكُونُ مُكَرَّسًا وَيُرَبِّي خُصَلَ شَعْرِ رَأْسِهِ إِلَى أَنْ تَتِمَّ الْفَتْرَةُ الَّتِي نَذَرَ فِيهَا نَفْسَهُ للهِ. وَطُولَ هَذِهِ الْفَتْرَةِ، لَا يَقْتَرِبُ مِنْ جُثَّةِ مَيِّتٍ. حَتَّى إِنْ مَاتَ أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ أَوْ أَخُوهُ، فَلَا يَتَنَجَّسُ مِنْ أَجْلِهِمْ، لِأَنَّ رَمْزَ نَذْرِهِ لِإِلَهِهِ عَلَى رَأْسِهِ. فَهُوَ مُكَرَّسٌ للهِ كُلَّ أَيَّامِ نَذْرِهِ. فَإِنْ مَاتَ شَخْصٌ مَا فَجْأَةً فِي وُجُودِهِ، وَبِذَلِكَ نَجَّسَ شَعْرَهُ الَّذِي كَرَّسَهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِقَ شَعْرَهُ يَوْمَ يَطْهُرُ، أَيْ يَحْلِقَهُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ. ثُمَّ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ يُحْضِرُ يَمَامَتَيْنِ أَوْ حَمَامَتَيْنِ صَغِيرَتَيْنِ إِلَى الْحَبْرِ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. فَيُقَدِّمُ الْحَبْرُ إِحْدَاهُمَا ضَحِيَّةَ تَكْفِيرٍ عَنِ الْخَطِيئَةِ، وَالْأُخْرَى قُرْبَانًا يُحْرَقُ، فَيُكَفِّرُ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَخْطَأَ بِوُجُودِهِ بِالْقُرْبِ مِنَ الْمَيِّتِ، وَيُطَهِّرُ رَأْسَهُ للهِ فِي نَفْسِ ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَيَبْدَأُ مِنْ جَدِيدٍ حِسَابَ فَتْرَةِ تَكْرِيسِهِ للهِ، وَيُحْضِرُ خَرُوفًا ابْنَ سَنَةٍ كَضَحِيَّةِ ذَنْبٍ. وَأَمَّا الْأَيَّامُ السَّابِقَةُ فَلَا تُحْسَبُ لِأَنَّ نَذْرَهُ تَنَجَّسَ. ”’وَهَذِهِ هِيَ شَرِيعَةُ النَّذِيرِ عِنْدَمَا تَتِمُّ أَيَّامُ تَكْرِيسِهِ: يُحْضَرُ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، فَيُقَرِّبُ قُرْبَانَهُ للهِ: خَرُوفًا وَاحِدًا ابْنَ سَنَةٍ بِلَا عَيْبٍ لِلْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ، وَنَعْجَةً وَاحِدَةً عُمْرُهَا سَنَةٌ بِلَا عَيْبٍ لِضَحِيَّةِ التَّكْفِيرِ عَنِ الْخَطِيئَةِ، وَكَبْشًا وَاحِدًا بِلَا عَيْبٍ لِضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ. مَعَ قُرْبَانِ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانِ الشَّرَابِ، وَسَلَّةِ فَطِيرٍ فِيهَا فَطِيرٌ مَعْمُولٌ بِالزَّيْتِ، وَرِقَاقُ فَطِيرٍ مَدْهُونَةٌ بِالزَّيْتِ. فَيُقَدِّمُهَا الْحَبْرُ أَمَامَ اللهِ، وَيَعْمَلُ ضَحِيَّةَ التَّكْفِيرِ عَنِ الذَّنْبِ وَالْقُرْبَانَ الَّذِي يُحْرَقُ. وَيُقَدِّمُ سَلَّةَ الْفَطِيرِ، وَيَذْبَحُ الْكَبْشَ قُرْبَانَ صُحْبَةٍ للهِ، مَعَ قُرْبَانِ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانِ الشَّرَابِ. ”’ثُمَّ يَحْلِقُ النَّذِيرُ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، شَعْرَهُ الَّذِي نَذَرَهُ، وَيَأْخُذُ الشَّعْرَ وَيَضَعُهُ فِي النَّارِ الَّتِي تَحْتَ ضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ. وَبَعْدَ أَنْ يَحْلِقَ النَّذِيرُ شَعْرَهُ الَّذِي نَذَرَهُ، يَضَعُ الْحَبْرُ فِي يَدَيِ النَّذِيرِ كَتِفًا مَسْلُوقَةً مِنَ الْكَبْشِ، وَفَطِيرَةً وَرِقَاقَةَ فَطِيرٍ مِنَ السَّلَّةِ. وَيُقَدِّمُهَا الْحَبْرُ هَدِيَّةً أَمَامَ اللهِ. فَتَكُونُ مُكَرَّسَةً مِنْ حَقِّ الْحَبْرِ، مَعَ الصَّدْرِ الَّذِي قَدَّمَهُ هَدِيَّةً وَالْفَخْذِ الَّتِي قَدَّمَهَا تَبَرُّعًا. وَبَعْدَ ذَلِكَ يَشْرَبُ النَّذِيرُ خَمْرًا. هَذِهِ هِيَ شَرِيعَةُ النَّذِيرِ الَّذِي يَنْذِرُ، وَهَذَا هُوَ الْقُرْبَانُ الَّذِي يُقَدِّمُهُ للهِ عَنْ نَذْرِهِ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا يَتَبَرَّعُ بِهِ. فَيَجِبُ أَنْ يُتَمِّمَ نَذْرَهُ وَيَعْمَلَ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ شَرِيعَةِ النَّذِيرِ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ: ’بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ تُبَارِكُونَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَتَقُولُونَ لَهُمْ: ”يُبَارِكُكَ اللهُ وَيَحْرُسُكَ. يُشْرِقُ اللهُ بِوَجْهِهِ عَلَيْكَ وَيَرْحَمُكَ. يَلْتَفِتُ اللهُ بِوَجْهِهِ إِلَيْكَ وَيُعْطِيكَ سَلَامًا.“‘ وَبِذَلِكَ يَضَعُونَ اسْمِي عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنَا أُبَارِكُهُمْ.“ فَلَمَّا فَرَغَ مُوسَى مِنْ إِقَامَةِ الْخَيْمَةِ، مَسَحَهَا وَطَهَّرَهَا هِيَ وَكُلَّ أَثَاثِهَا. وَكَذَلِكَ مَسَحَ وَطَهَّرَ الْمَنَصَّةَ وَكُلَّ أَدَوَاتِهَا. ثُمَّ قَدَّمَ قَادَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَرَابِينَهُمْ، وَهُمْ رُؤَسَاءُ الْعَائِلَاتِ أَيْ رُؤَسَاءُ الْقَبَائِلِ الَّذِينَ أَشْرَفُوا عَلَى الْإِحْصَاءِ. فَأَحْضَرُوا قَرَابِينَهُمْ أَمَامَ اللهِ 6 عَرَبَاتٍ مُغَطَّاةٍ وَ12 ثَوْرًا، مِنْ كُلِّ رَئِيسَيْنِ عَرَبَةٌ وَمِنْ كُلِّ رَئِيسٍ ثَوْرٌ، وَقَدَّمُوهَا أَمَامَ الْخَيْمَةِ. فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”خُذْهَا مِنْهُمْ لِتُسْتَعْمَلَ فِي خِدْمَةِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَأَعْطِهَا لِلَّاوِيِّينَ، لِكُلِّ وَاحِدٍ حَسَبَ خِدْمَتِهِ.“ فَأَخَذَ مُوسَى الْعَرَبَاتِ وَالثِّيرَانَ وَأَعْطَاهَا لِلَّاوِيِّينَ. فَأَعْطَى عَرَبَتَيْنِ وَ4 ثِيرَانٍ لِبَنِي جَرْشُونَ حَسَبَ خِدْمَتِهِمْ. وَأَعْطَى 4 عَرَبَاتٍ وَ8 ثِيرَانٍ لِبَنِي مَرَارِي حَسَبَ خِدْمَتِهِمْ، تَحْتَ إِشْرَافِ إِيتَامَارَ بْنِ هَارُونَ الْحَبْرِ. أَمَّا بَنُو قَهَاتَ فَلَمْ يُعْطِهِمْ شَيْئًا مِنْهَا، لِأَنَّ خِدْمَتَهُمْ كَانَتْ حَمْلَ الْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ عَلَى أَكْتَافِهِمْ. وَلَمَّا مُسِحَتِ الْمَنَصَّةُ، أَحْضَرَ الرُّؤَسَاءُ قَرَابِينَهُمْ لِتَدْشِينِهَا وَقَدَّمُوهَا أَمَامَ الْمَنَصَّةِ. فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”كُلَّ يَوْمٍ يُحْضِرُ وَاحِدٌ مِنَ الرُّؤَسَاءِ قُرْبَانَهُ لِتَدْشِينِ الْمَنَصَّةِ.“ فَالَّذِي قَدَّمَ قُرْبَانَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ نَاحِشُ بْنُ عَمِينَادَابَ مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا. وَقُرْبَانُهُ هُوَ طَبَقٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهُ كِيلُوجْرَامٌ وَنِصْفٌ، وَكَأْسٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهَا 800 جِرَامٍ، وَالِاثْنَانِ حَسَبَ الْوَزْنِ الرَّسْمِيِّ وَمَمْلُوءَانِ دَقِيقًا مَخْلُوطًا بِالزَّيْتِ لِقُرْبَانِ الدَّقِيقِ. وَصَحْنٌ مِنْ ذَهَبٍ وَزْنُهُ 110 جِرَامَاتٍ، وَمَمْلُوءٌ بَخُورًا. وَثَوْرٌ مِنَ الْبَقَرِ وَكَبْشٌ وَخَرُوفٌ ابْنُ سَنَةٍ، لِلْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ. وَتَيْسٌ مِنَ الْمَعْزِ لِضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ. وَثَوْرَانِ وَ5 كِبَاشٍ وَ5 تُيُوسٍ وَ5 خِرَافٍ عُمْرُ كُلِّ خَرُوفٍ مِنْهَا سَنَةٌ، لِضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ. هَذَا قُرْبَانُ نَاحِشَ بْنِ عَمِينَادَابَ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي قَدَّمَ نَثَنْئِيلُ بْنُ صُوغَرَ رَئِيسُ يَسَّاكَرَ قُرْبَانَهُ. وَقُرْبَانُهُ هُوَ طَبَقٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهُ كِيلُوجْرَامٌ وَنِصْفٌ، وَكَأْسٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهَا 800 جِرَامٍ، وَالِاثْنَانِ حَسَبَ الْوَزْنِ الرَّسْمِيِّ وَمَمْلُوءَانِ دَقِيقًا مَخْلُوطًا بِالزَّيْتِ لِقُرْبَانِ الدَّقِيقِ. وَصَحْنٌ مِنْ ذَهَبٍ وَزْنُهُ 110 جِرَامَاتٍ، وَمَمْلُوءٌ بَخُورًا. وَثَوْرٌ مِنَ الْبَقَرِ وَكَبْشٌ وَخَرُوفٌ ابْنُ سَنَةٍ، لِلْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ. وَتَيْسٌ مِنَ الْمَعْزِ لِضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ. وَثَوْرَانِ وَ5 كِبَاشٍ وَ5 تُيُوسٍ وَ5 خِرَافٍ عُمْرُ كُلِّ خَرُوفٍ مِنْهَا سَنَةٌ، لِضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ. هَذَا قُرْبَانُ نَثَنْئِيلَ بْنِ صُوغَرَ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ قَدَّمَ أَلِيآبُ بْنُ حِيلُونَ رَئِيسُ بَنِي زَبُولُونَ قُرْبَانَهُ. وَقُرْبَانُهُ هُوَ طَبَقٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهُ كِيلُوجْرَامٌ وَنِصْفٌ، وَكَأْسٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهَا 800 جِرَامٍ، وَالِاثْنَانِ حَسَبَ الْوَزْنِ الرَّسْمِيِّ وَمَمْلُوءَانِ دَقِيقًا مَخْلُوطًا بِالزَّيْتِ لِقُرْبَانِ الدَّقِيقِ. وَصَحْنٌ مِنْ ذَهَبٍ وَزْنُهُ 110 جِرَامَاتٍ، وَمَمْلُوءٌ بَخُورًا. وَثَوْرٌ مِنَ الْبَقَرِ وَكَبْشٌ وَخَرُوفٌ ابْنُ سَنَةٍ، لِلْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ. وَتَيْسٌ مِنَ الْمَعْزِ لِضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ. وَثَوْرَانِ وَ5 كِبَاشٍ وَ5 تُيُوسٍ وَ5 خِرَافٍ عُمْرُ كُلِّ خَرُوفٍ مِنْهَا سَنَةٌ، لِضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ. هَذَا قُرْبَانُ أَلِيآبَ بْنِ حِيلُونَ. وَفِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ قَدَّمَ أَلِيصُورُ بْنُ شَدَيْئُورَ رَئِيسُ بَنِي رَأُوبِينَ قُرْبَانَهُ. وَقُرْبَانُهُ هُوَ طَبَقٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهُ كِيلُوجْرَامٌ وَنِصْفٌ، وَكَأْسٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهَا 800 جِرَامٍ، وَالِاثْنَانِ حَسَبَ الْوَزْنِ الرَّسْمِيِّ وَمَمْلُوءَانِ دَقِيقًا مَخْلُوطًا بِالزَّيْتِ لِقُرْبَانِ الدَّقِيقِ. وَصَحْنٌ مِنْ ذَهَبٍ وَزْنُهُ 110 جِرَامَاتٍ، وَمَمْلُوءٌ بَخُورًا. وَثَوْرٌ مِنَ الْبَقَرِ وَكَبْشٌ وَخَرُوفٌ ابْنُ سَنَةٍ، لِلْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ. وَتَيْسٌ مِنَ الْمَعْزِ لِضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ. وَثَوْرَانِ وَ5 كِبَاشٍ وَ5 تُيُوسٍ وَ5 خِرَافٍ عُمْرُ كُلِّ خَرُوفٍ مِنْهَا سَنَةٌ، لِضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ. هَذَا قُرْبَانُ أَلِيصُورَ بْنِ شَدَيْئُورَ. وَفِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ قَدَّمَ شَلُومِيلُ بْنُ صُورْشَدْيَ رَئِيسُ بَنِي شَمْعُونَ قُرْبَانَهُ. وَقُرْبَانُهُ هُوَ طَبَقٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهُ كِيلُوجْرَامٌ وَنِصْفٌ، وَكَأْسٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهَا 800 جِرَامٍ، وَالِاثْنَانِ حَسَبَ الْوَزْنِ الرَّسْمِيِّ وَمَمْلُوءَانِ دَقِيقًا مَخْلُوطًا بِالزَّيْتِ لِقُرْبَانِ الدَّقِيقِ. وَصَحْنٌ مِنْ ذَهَبٍ وَزْنُهُ 110 جِرَامَاتٍ، وَمَمْلُوءٌ بَخُورًا. وَثَوْرٌ مِنَ الْبَقَرِ وَكَبْشٌ وَخَرُوفٌ ابْنُ سَنَةٍ، لِلْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ. وَتَيْسٌ مِنَ الْمَعْزِ لِضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ. وَثَوْرَانِ وَ5 كِبَاشٍ وَ5 تُيُوسٍ وَ5 خِرَافٍ عُمْرُ كُلِّ خَرُوفٍ مِنْهَا سَنَةٌ، لِضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ. هَذَا قُرْبَانُ شَلُومِيلَ بْنِ صُورْشَدْيَ. وَفِي الْيَوْمِ السَّادِسِ قَدَّمَ أَلِيَاسَافُ بْنُ دَعُوئِيلَ رَئِيسُ بَنِي جَادَ قُرْبَانَهُ. وَقُرْبَانُهُ هُوَ طَبَقٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهُ كِيلُوجْرَامٌ وَنِصْفٌ، وَكَأْسٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهَا 800 جِرَامٍ، وَالِاثْنَانِ حَسَبَ الْوَزْنِ الرَّسْمِيِّ وَمَمْلُوءَانِ دَقِيقًا مَخْلُوطًا بِالزَّيْتِ لِقُرْبَانِ الدَّقِيقِ. وَصَحْنٌ مِنْ ذَهَبٍ وَزْنُهُ 110 جِرَامَاتٍ، وَمَمْلُوءٌ بَخُورًا. وَثَوْرٌ مِنَ الْبَقَرِ وَكَبْشٌ وَخَرُوفٌ ابْنُ سَنَةٍ، لِلْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ. وَتَيْسٌ مِنَ الْمَعْزِ لِضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ. وَثَوْرَانِ وَ5 كِبَاشٍ وَ5 تُيُوسٍ وَ5 خِرَافٍ عُمْرُ كُلِّ خَرُوفٍ مِنْهَا سَنَةٌ، لِضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ. هَذَا قُرْبَانُ أَلِيَاسَافَ بْنِ دَعُوئِيلَ. وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ قَدَّمَ أَلِيشَمَعُ بْنُ عَمِّيهُودَ رَئِيسُ بَنِي أَفْرَايِمَ قُرْبَانَهُ. وَقُرْبَانُهُ هُوَ طَبَقٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهُ كِيلُوجْرَامٌ وَنِصْفٌ، وَكَأْسٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهَا 800 جِرَامٍ، وَالِاثْنَانِ حَسَبَ الْوَزْنِ الرَّسْمِيِّ وَمَمْلُوءَانِ دَقِيقًا مَخْلُوطًا بِالزَّيْتِ لِقُرْبَانِ الدَّقِيقِ. وَصَحْنٌ مِنْ ذَهَبٍ وَزْنُهُ 110 جِرَامَاتٍ، وَمَمْلُوءٌ بَخُورًا. وَثَوْرٌ مِنَ الْبَقَرِ وَكَبْشٌ وَخَرُوفٌ ابْنُ سَنَةٍ، لِلْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ. وَتَيْسٌ مِنَ الْمَعْزِ لِضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ. وَثَوْرَانِ وَ5 كِبَاشٍ وَ5 تُيُوسٍ وَ5 خِرَافٍ عُمْرُ كُلِّ خَرُوفٍ مِنْهَا سَنَةٌ، لِضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ. هَذَا قُرْبَانُ أَلِيشَمَعَ بْنِ عَمِّيهُودَ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ قَدَّمَ جَمْلِيلُ بْنُ فَدْصُورَ رَئِيسُ بَنِي مَنَسَّى قُرْبَانَهُ. وَقُرْبَانُهُ هُوَ طَبَقٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهُ كِيلُوجْرَامٌ وَنِصْفٌ، وَكَأْسٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهَا 800 جِرَامٍ، وَالِاثْنَانِ حَسَبَ الْوَزْنِ الرَّسْمِيِّ وَمَمْلُوءَانِ دَقِيقًا مَخْلُوطًا بِالزَّيْتِ لِقُرْبَانِ الدَّقِيقِ. وَصَحْنٌ مِنْ ذَهَبٍ وَزْنُهُ 110 جِرَامَاتٍ، وَمَمْلُوءٌ بَخُورًا. وَثَوْرٌ مِنَ الْبَقَرِ وَكَبْشٌ وَخَرُوفٌ ابْنُ سَنَةٍ، لِلْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ. وَتَيْسٌ مِنَ الْمَعْزِ لِضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ. وَثَوْرَانِ وَ5 كِبَاشٍ وَ5 تُيُوسٍ وَ5 خِرَافٍ عُمْرُ كُلِّ خَرُوفٍ مِنْهَا سَنَةٌ، لِضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ. هَذَا قُرْبَانُ جَمْلِيلَ بْنِ فَدْصُورَ. وَفِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ قَدَّمَ أَبِيدَنُ بْنُ جِدْعُونِي رَئِيسُ بَنِي بِنْيَمِينَ قُرْبَانَهُ. وَقُرْبَانُهُ هُوَ طَبَقٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهُ كِيلُوجْرَامٌ وَنِصْفٌ، وَكَأْسٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهَا 800 جِرَامٍ، وَالِاثْنَانِ حَسَبَ الْوَزْنِ الرَّسْمِيِّ وَمَمْلُوءَانِ دَقِيقًا مَخْلُوطًا بِالزَّيْتِ لِقُرْبَانِ الدَّقِيقِ. وَصَحْنٌ مِنْ ذَهَبٍ وَزْنُهُ 110 جِرَامَاتٍ، وَمَمْلُوءٌ بَخُورًا. وَثَوْرٌ مِنَ الْبَقَرِ وَكَبْشٌ وَخَرُوفٌ ابْنُ سَنَةٍ، لِلْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ. وَتَيْسٌ مِنَ الْمَعْزِ لِضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ. وَثَوْرَانِ وَ5 كِبَاشٍ وَ5 تُيُوسٍ وَ5 خِرَافٍ عُمْرُ كُلِّ خَرُوفٍ مِنْهَا سَنَةٌ، لِضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ. هَذَا قُرْبَانُ أَبِيدَنَ بْنِ جِدْعُونِي. وَفِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ قَدَّمَ أَخِيعَزَرُ بْنُ عَمِيشَدْيَ رَئِيسُ بَنِي دَانَ قُرْبَانَهُ. وَقُرْبَانُهُ هُوَ طَبَقٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهُ كِيلُوجْرَامٌ وَنِصْفٌ، وَكَأْسٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهَا 800 جِرَامٍ، وَالِاثْنَانِ حَسَبَ الْوَزْنِ الرَّسْمِيِّ وَمَمْلُوءَانِ دَقِيقًا مَخْلُوطًا بِالزَّيْتِ لِقُرْبَانِ الدَّقِيقِ. وَصَحْنٌ مِنْ ذَهَبٍ وَزْنُهُ 110 جِرَامَاتٍ، وَمَمْلُوءٌ بَخُورًا. وَثَوْرٌ مِنَ الْبَقَرِ وَكَبْشٌ وَخَرُوفٌ ابْنُ سَنَةٍ، لِلْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ. وَتَيْسٌ مِنَ الْمَعْزِ لِضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ. وَثَوْرَانِ وَ5 كِبَاشٍ وَ5 تُيُوسٍ وَ5 خِرَافٍ عُمْرُ كُلِّ خَرُوفٍ مِنْهَا سَنَةٌ، لِضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ. هَذَا قُرْبَانُ أَخِيعَزَرَ بْنِ عَمِيشَدْيَ. وَفِي الْيَوْمِ الْحَادِيَ عَشَرَ قَدَّمَ فَجْعِيلُ بْنُ عُكْرَنَ رَئِيسُ بَنِي أَشِيرَ قُرْبَانَهُ. وَقُرْبَانُهُ هُوَ طَبَقٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهُ كِيلُوجْرَامٌ وَنِصْفٌ، وَكَأْسٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهَا 800 جِرَامٍ، وَالِاثْنَانِ حَسَبَ الْوَزْنِ الرَّسْمِيِّ وَمَمْلُوءَانِ دَقِيقًا مَخْلُوطًا بِالزَّيْتِ لِقُرْبَانِ الدَّقِيقِ. وَصَحْنٌ مِنْ ذَهَبٍ وَزْنُهُ 110 جِرَامَاتٍ، وَمَمْلُوءٌ بَخُورًا. وَثَوْرٌ مِنَ الْبَقَرِ وَكَبْشٌ وَخَرُوفٌ ابْنُ سَنَةٍ، لِلْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ. وَتَيْسٌ مِنَ الْمَعْزِ لِضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ. وَثَوْرَانِ وَ5 كِبَاشٍ وَ5 تُيُوسٍ وَ5 خِرَافٍ عُمْرُ كُلِّ خَرُوفٍ مِنْهَا سَنَةٌ، لِضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ. هَذَا قُرْبَانُ فَجْعِيلَ بْنِ عُكْرَنَ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِيَ عَشَرَ قَدَّمَ أَخِيرَعُ بْنُ عِينَنَ رَئِيسُ بَنِي نَفْتَالِي قُرْبَانَهُ. وَقُرْبَانُهُ هُوَ طَبَقٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهُ كِيلُوجْرَامٌ وَنِصْفٌ، وَكَأْسٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهَا 800 جِرَامٍ، وَالِاثْنَانِ حَسَبَ الْوَزْنِ الرَّسْمِيِّ وَمَمْلُوءَانِ دَقِيقًا مَخْلُوطًا بِالزَّيْتِ لِقُرْبَانِ الدَّقِيقِ. وَصَحْنٌ مِنْ ذَهَبٍ وَزْنُهُ 110 جِرَامَاتٍ، وَمَمْلُوءٌ بَخُورًا. وَثَوْرٌ مِنَ الْبَقَرِ وَكَبْشٌ وَخَرُوفٌ ابْنُ سَنَةٍ، لِلْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ. وَتَيْسٌ مِنَ الْمَعْزِ لِضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ. وَثَوْرَانِ وَ5 كِبَاشٍ وَ5 تُيُوسٍ وَ5 خِرَافٍ عُمْرُ كُلِّ خَرُوفٍ مِنْهَا سَنَةٌ، لِضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ. هَذَا قُرْبَانُ أَخِيرَعَ بْنِ عِينَنَ. فَهَذِهِ هِيَ قَرَابِينُ رُؤَسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِتَدْشِينِ الْمَنَصَّةِ، لَمَّا مُسِحَتْ: أَطْبَاقُ فِضَّةٍ 12، وَكُؤُوسُ فِضَّةٍ 12، وَصُحُونُ ذَهَبٍ 12. كُلُّ طَبَقٍ وَزْنُهُ كِيلُوجْرَامٌ وَنِصْفٌ مِنَ الْفِضَّةِ، وَكُلُّ كَأْسٍ وَزْنُهَا 800 جِرَامٍ. فَكَانَ مَجْمُوعُ وَزْنِ الْآنِيَةِ 27 كِيلُوجْرَامًا وَ600 جِرَامٍ مِنَ الْفِضَّةِ، حَسَبَ الْوَزْنِ الرَّسْمِيِّ. وَصُحُونُ الذَّهَبِ الْمَمْلُوءَةُ بِالْبَخُورِ 12، كُلُّ وَاحِدٍ وَزْنُهُ 110 جِرَامَاتٍ، حَسَبَ الْوَزْنِ الرَّسْمِيِّ. فَكَانَ مَجْمُوعُ وَزْنِ الصُّحُونِ كِيلُوجْرَامًا وَثَلَاثَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ جِرَامًا مِنَ الذَّهَبِ. وَمَجْمُوعُ الْبَهَائِمِ لِلْقُرْبَانِ الْمَحْرُوقِ: 12 ثَوْرًا، وَ12 كَبْشًا، وَ12 خَرُوفًا ابْنَ سَنَةٍ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى قُرْبَانِ الدَّقِيقِ. وَلِضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ 12 تَيْسًا مِنَ الْمَعْزِ. وَمَجْمُوعُ الْبَهَائِمِ لِضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ: 24 ثَوْرًا، وَ60 كَبْشًا، وَ60 تَيْسًا، وَ60 خَرُوفًا ابْنَ سَنَةٍ. كَانَتْ هَذِهِ هِيَ قَرَابِينَ تَدْشِينِ الْمَنَصَّةِ بَعْدَ مَسْحِهَا. وَكَانَ مُوسَى، إِذَا دَخَلَ خَيْمَةَ الِاجْتِمَاعِ لِيَتَكَلَّمَ مَعَ اللهِ، يَسْمَعُ الصَّوْتَ يُكَلِّمُهُ مِنْ فَوْقِ الْغِطَاءِ الَّذِي عَلَى صُنْدُوقِ الْعَهْدِ، مِنْ بَيْنِ الْمَلَاكَيْنِ، فَكَانَ يُكَلِّمُ اللهَ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِهَارُونَ: ’عِنْدَمَا تَضَعُ الْمَصَابِيحَ الـ7 عَلَى الْمَنَارَةِ، فَاجْعَلِ الْمَصَابِيحَ تُنِيرُ إِلَى الْأَمَامِ.‘“ فَفَعَلَ هَارُونُ هَذَا. وَضَعَ الْمَصَابِيحَ بِحَيْثُ تُنِيرُ إِلَى الْأَمَامِ. كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. وَكَانَتْ هَذِهِ الْمَنَارَةُ مَصْنُوعَةً مِنْ ذَهَبٍ مَطْرُوقٍ، مِنْ قَاعِدَتِهَا إِلَى بَرَاعِمِهَا، وَذَلِكَ حَسَبَ الْمِثَالِ الَّذِي أَرَاهُ اللهُ لِمُوسَى. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”خُذِ اللَّاوِيِّينَ مِنْ بَيْنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَطَهِّرْهُمْ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ: رُشَّ عَلَيْهِمْ مَاءَ التَّطْهِيرِ، وَلْيَحْلِقُوا كُلَّ جِسْمِهِمْ وَيَغْسِلُوا ثِيَابَهُمْ فَيَطْهُرُوا. ثُمَّ يَأْخُذُوا ثَوْرًا مِنَ الْبَقَرِ وَمَعَهُ قُرْبَانُ دَقِيقٍ مَخْلُوطٍ بِالزَّيْتِ، وَتَأْخُذُ ثَوْرًا آخَرَ لِضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ. وَأَحْضِرِ اللَّاوِيِّينَ أَمَامَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَاجْمَعْ كُلَّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَقَدِّمِ اللَّاوِيِّينَ أَمَامَ اللهِ، وَيَضَعُ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى اللَّاوِيِّينَ. وَيُكَرِّسُ هَارُونُ اللَّاوِيِّينَ هَدِيَّةً للهِ مِنْ عِنْدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِيَكُونُوا فِي خِدْمَةِ اللهِ. ثُمَّ يَضَعُ اللَّاوِيُّونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى رَأْسَيِ الثَّوْرَيْنِ، فَتُقَدِّمُ أَحَدَهُمَا ضَحِيَّةً عَنِ الْخَطِيئَةِ، وَالْآخَرَ قُرْبَانًا يُحْرَقُ للهِ لِلتَّكْفِيرِ عَنِ اللَّاوِيِّينَ. فَتُوقِفُ اللَّاوِيِّينَ أَمَامَ هَارُونَ وَبَنِيهِ وَتُقَدِّمُهُمْ هَدِيَّةً للهِ. بِذَلِكَ تُخَصِّصُ اللَّاوِيِّينَ لِيَكُونُوا لِي مِنْ بَيْنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ”وَبَعْدَ أَنْ تُطَهِّرَ اللَّاوِيِّينَ وَتُقَدِّمَهُمْ هَدِيَّةً، يَأْتُونَ لِيَقُومُوا بِخِدْمَتِهِمْ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. لِأَنَّهُمْ هَدِيَّةٌ لِي مِنْ بَيْنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَإِنِّي أَخَذْتُهُمْ لِي بَدَلَ كُلِّ بِكْرٍ، أَيْ أَوَّلِ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ الرَّحِمِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ. لِأَنَّ كُلَّ بِكْرٍ مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ فِي إِسْرَائِيلَ هُوَ لِي، فَإِنِّي خَصَّصْتُهُمْ لِنَفْسِي يَوْمَ قَتَلْتُ كُلَّ بِكْرٍ فِي مِصْرَ. ثُمَّ أَخَذْتُ اللَّاوِيِّينَ بَدَلَ كُلِّ بِكْرٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَمِنْ بَيْنِ كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَعْطَيْتُ اللَّاوِيِّينَ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ لِيَقُومُوا بِالْخِدْمَةِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ نِيَابَةً عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلِيُكَفِّرُوا عَنْهُمْ، لِكَيْ لَا يُصِيبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَأٌ مَتَى اقْتَرَبُوا مِنَ الْمَقْدِسِ.“ فَعَمِلَ مُوسَى وَهَارُونُ وَكُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِلَّاوِيِّينَ، حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ مُوسَى. فَطَهَّرَ اللَّاوِيُّونَ أَنْفُسَهُمْ، وَغَسَلُوا ثِيَابَهُمْ. ثُمَّ قَدَّمَهُمْ هَارُونُ هَدِيَّةً أَمَامَ اللهِ، وَكَفَّرَ عَنْهُمْ لِيَكُونُوا طَاهِرِينَ. وَبَعْدَ ذَلِكَ جَاءَ اللَّاوِيُّونَ لِيَقُومُوا بِخِدْمَتِهِمْ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ تَحْتَ إِشْرَافِ هَارُونَ وَبَنِيهِ. فَعَمِلُوا لِلَّاوِيِّينَ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ مُوسَى. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”هَذَا هُوَ وَاجِبُ اللَّاوِيِّينَ: مِنِ ابْنِ 25 سَنَةً وَمَا فَوْقُ، يَأْتُونَ لِيَقُومُوا بِنَصِيبِهِمْ فِي خِدْمَةِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَفِي سِنِّ الْـ50 يَتَقَاعَدُونَ عَنِ الْخِدْمَةِ، فَلَا يَعْمَلُونَ. إِنَّمَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يُسَاعِدُوا إِخْوَتَهُمْ فِي بَعْضِ وَاجِبَاتِهِمْ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، لَكِنَّهُمْ لَا يُطْلَبُ مِنْهُمُ الْقِيَامُ بِالْخِدْمَةِ. هَذِهِ هِيَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي تُعَيِّنُ بِهَا مَسْئُولِيَّاتِ اللَّاوِيِّينَ.“ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى فِي صَحْرَاءِ سِينَاءَ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِخُرُوجِهِمْ مِنْ مِصْرَ، فَقَالَ: ”عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَحْتَفِلُوا بِالْفِصْحِ فِي وَقْتِهِ، فِي الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ، فِي الْعَشِيَّةِ. تَحْتَفِلُونَ بِهِ فِي وَقْتِهِ، حَسَبَ كُلِّ فَرَائِضِهِ وَأَحْكَامِهِ.“ فَقَالَ مُوسَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَحْتَفِلُوا بِالْفِصْحِ. فَاحْتَفَلُوا بِهِ فِي صَحْرَاءِ سِينَاءَ، فِي الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، فِي الْعَشِيَّةِ. وَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ مُوسَى. لَكِنْ تَنَجَّسَ الْبَعْضُ بِسَبَبِ مَيِّتٍ، فَلَمْ يَحِلَّ لَهُمْ أَنْ يَحْتَفِلُوا بِالْفِصْحِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَجَاءُوا إِلَى مُوسَى وَهَارُونَ فِي نَفْسِ الْيَوْمِ، وَقَالُوا: ”نَحْنُ تَنَجَّسْنَا بِسَبَبِ مَيِّتٍ، فَلِمَاذَا نُحْرَمُ مِنْ تَقْدِيمِ قُرْبَانِ اللهِ فِي وَقْتِهِ مَعَ بَاقِي بَنِي إِسْرَائِيلَ؟“ فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: ”اِنْتَظِرُوا حَتَّى أَسْمَعَ مَا يَأْمُرُ اللهُ بِهِ بِشَأْنِكُمْ.“ فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’أَيُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ أَوْ مِنْ نَسْلِكُمْ، يَتَنَجَّسُ بِسَبَبِ مَيِّتٍ، أَوْ يَكُونُ بَعِيدًا فِي سَفَرٍ، يُمْكِنُهُ هُوَ أَيْضًا أَنْ يَحْتَفِلَ بِالْفِصْحِ. لَكِنَّهُمْ يَحْتَفِلُونَ بِهِ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي، فِي الْعَشِيَّةِ أَيْضًا، وَيَأْكُلُونَ الْحَمَلَ مَعَ فَطِيرٍ وَأَعْشَابٍ مُرَّةٍ. وَلَا يُبْقُوا شَيْئًا مِنْهُ إِلَى الْغَدِ، وَلَا يَكْسِرُوا عَظْمًا مِنْهُ، وَيَحْتَفِلُونَ بِهِ حَسَبَ كُلِّ فَرَائِضِ الْفِصْحِ. لَكِنْ مَنْ كَانَ طَاهِرًا وَلَيْسَ فِي سَفَرٍ، وَأَهْمَلَ أَنْ يَحْتَفِلَ بِالْفِصْحِ، فَهَذَا الشَّخْصُ يُبَادُ مِنْ شَعْبِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّمْ قُرْبَانَ اللهِ فِي وَقْتِهِ. هَذَا الشَّخْصُ يَنَالُ عِقَابَ ذَنْبِهِ. وَإِنْ أَرَادَ غَرِيبٌ مُقِيمٌ بَيْنَكُمْ أَنْ يَحْتَفِلَ بِفِصْحِ اللهِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَسَبَ فَرَائِضِ الْفِصْحِ وَأَحْكَامِهِ. نَفْسُ الْفَرَائِضِ تَنْطَبِقُ عَلَى الْغَرِيبِ وَالْمُوَاطِنِ.‘“ وَفِي يَوْمِ إِقَامَةِ الْخَيْمَةِ، أَيْ خَيْمَةِ الْعَهْدِ، غَطَّتْهَا السَّحَابَةُ. وَمِنَ الْمَسَاءِ إِلَى الصُّبْحِ، كَانَ مَنْظَرُ السَّحَابَةِ عَلَيْهَا كَالنَّارِ. فَكَانَتِ السَّحَابَةُ تُغَطِّي الْخَيْمَةَ دَائِمًا، وَفِي اللَّيْلِ كَانَ مَنْظَرُهَا كَالنَّارِ. وَكَانَ مَتَى ارْتَفَعَتِ السَّحَابَةُ عَنِ الْخَيْمَةِ يَرْحَلُ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَحَيْثُ حَلَّتِ السَّحَابَةُ كَانُوا يَنْزِلُونَ. فَكَانُوا يَرْحَلُونَ حَسَبَ أَمْرِ اللهِ، وَيَنْزِلُونَ حَسَبَ أَمْرِ اللهِ، وَمَا دَامَتِ السَّحَابَةُ مَوْجُودَةً عَلَى الْخَيْمَةِ كَانُوا يَبْقَوْنَ هُنَاكَ. وَإِنْ بَقِيَتِ السَّحَابَةُ عَلَى الْخَيْمَةِ وَقْتًا طَوِيلًا، كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يُطِيعُونَ أَمْرَ اللهِ وَلَا يَرْحَلُونَ. وَإِنْ بَقِيَتْ عَلَى الْخَيْمَةِ أَيَّامًا قَلِيلَةً، كَانُوا يَنْزِلُونَ حَسَبَ أَمْرِ اللهِ، وَيَرْحَلُونَ حَسَبَ أَمْرِ اللهِ. وَإِنْ بَقِيَتْ مِنَ الْمَسَاءِ إِلَى الصَّبَاحِ فَقَطْ، وَارْتَفَعَتْ فِي الصَّبَاحِ، كَانُوا يَرْحَلُونَ. أَوْ إِنْ بَقِيَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً، أَوْ يَوْمَيْنِ، أَوْ شَهْرًا، أَوْ سَنَةً، مَا دَامَتِ السَّحَابَةُ عَلَى الْخَيْمَةِ، كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَنْزِلُونَ وَلَا يَرْحَلُونَ. وَمَتَى ارْتَفَعَتْ، كَانُوا يَرْحَلُونَ. فَكَانُوا يَنْزِلُونَ حَسَبَ أَمْرِ اللهِ، وَيَرْحَلُونَ حَسَبَ أَمْرِ اللهِ. وَكَانُوا يُطِيعُونَ أَمْرَ اللهِ حَسَبَ كَلَامِهِ لِمُوسَى. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”اِعْمَلْ بُوقَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ مَطْرُوقَةٍ، وَاسْتَعْمِلْهُمَا لِتُنَادِيَ الشَّعْبَ لِيَجْتَمِعُوا أَوْ لِيَرْحَلُوا. فَإِذَا نَفَخُوا فِي الِاثْنَيْنِ، يَجْتَمِعُ إِلَيْكَ كُلُّ الشَّعْبِ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَإِذَا نَفَخُوا فِي وَاحِدٍ فَقَطْ، يَجْتَمِعُ إِلَيْكَ الْقَادَةُ، أَيْ رُؤَسَاءُ عَشَائِرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَإِذَا نَفَخُوا بِهُتَافٍ مَرَّةً وَاحِدَةً، تَرْحَلُ الْعَشَائِرُ النَّازِلَةُ فِي الشَّرْقِ. وَإِذَا نَفَخُوا بِهُتَافٍ مَرَّةً ثَانِيَةً، تَرْحَلُ الْعَشَائِرُ النَّازِلَةُ فِي الْجَنُوبِ. فَيَكُونُ الْهُتَافُ هُوَ الْعَلَامَةَ لِلرَّحِيلِ. إِذَنْ عِنْدَمَا تَجْمَعُونَ الشَّعْبَ تَنْفُخُونَ وَلَا تَهْتِفُونَ. وَبَنُو هَارُونَ الْأَحْبَارُ هُمُ الَّذِينَ يَنْفُخُونَ فِي الْأَبْوَاقِ. فَيَكُونُ هَذَا فَرِيضَةً لَكُمْ تَدُومُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. وَعِنْدَمَا تَذْهَبُونَ لِلْحَرْبِ فِي أَرْضِكُمْ ضِدَّ عَدُوٍّ يُضَايِقُكُمْ، اُنْفُخُوا فِي الْأَبْوَاقِ بِهُتَافٍ، فَيَسْمَعَ اللهُ إِلَهُكُمْ وَيُنْقِذَكُمْ مِنْ أَعْدَائِكُمْ. وَكَذَلِكَ فِي أَيَّامِ فَرَحِكُمْ وَفِي أَعْيَادِكُمْ وَفِي احْتِفَالَاتِكُمْ بِرَأْسِ الشَّهْرِ، اُنْفُخُوا فِي الْأَبْوَاقِ عِنْدَمَا تُقَدِّمُونَ الْقَرَابِينَ الَّتِي تُحْرَقُ وَضَحَايَا الصُّحْبَةِ، فَتُذَكِّرَكُمْ بِاللهِ. أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ.“ وَفِي الْيَوْمِ الْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، اِرْتَفَعَتِ السَّحَابَةُ عَنْ خَيْمَةِ الْعَهْدِ. فَرَحَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ صَحْرَاءِ سِينَاءَ وَسَارُوا حَتَّى حَلَّتِ السَّحَابَةُ فِي صَحْرَاءِ فَارَانَ. وَكَانَتْ هَذِهِ أَوَّلَ رِحْلَةٍ يَسِيرُونَ فِيهَا بِالنِّظَامِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ اللهُ بِوَاسِطَةِ مُوسَى. فَرَحَلَتْ أَوَّلًا فِرَقُ مُعَسْكَرِ يَهُوذَا تَحْتَ رَايَتِهِمْ، وَقَائِدُهُمْ هُوَ نَاحِشُ بْنُ عَمِينَادَابَ. وَقَائِدُ فِرْقَةِ قَبِيلَةِ يَسَّاكَرَ هُوَ نَثَنْئِيلُ بْنُ صُوغَرَ. وَقَائِدُ فِرْقَةِ قَبِيلَةِ زَبُولُونَ هُوَ أَلِيآبُ بْنُ حِيلُونَ. ثُمَّ فَكُّوا الْخَيْمَةَ، فَرَحَلَ بَنُو جَرْشُونَ وَبَنُو مَرَارِي حَامِلِينَ الْخَيْمَةَ. ثُمَّ رَحَلَتْ فِرَقُ مُعَسْكَرِ رَأُوبِينَ تَحْتَ رَايَتِهِمْ، وَقَائِدُهُمْ هُوَ أَلِيصُورُ بْنُ شَدَيْئُورَ. وَقَائِدُ فِرْقَةِ قَبِيلَةِ شَمْعُونَ هُوَ شَلُومِيلُ بْنُ صُورْشَدْيَ. وَقَائِدُ فِرْقَةِ قَبِيلَةِ جَادَ هُوَ أَلِيَاسَافُ بْنُ دَعُوئِيلَ. ثُمَّ رَحَلَ بَنُو قَهَاتَ حَامِلِينَ الْأَشْيَاءَ الطَّاهِرَةَ، وَنُصِبَتِ الْخَيْمَةُ قَبْلَ وُصُولِهِمْ. ثُمَّ رَحَلَتْ فِرَقُ مُعَسْكَرِ أَفْرَايِمَ تَحْتَ رَايَتِهِمْ، وَقَائِدُهُمْ هُوَ أَلِيشَمَعُ بْنُ عَمِّيهُودَ. وَقَائِدُ فِرْقَةِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى هُوَ جَمْلِيلُ بْنُ فَدْصُورَ. وَقَائِدُ فِرْقَةِ قَبِيلَةِ بِنْيَمِينَ هُوَ أَبِيدَنُ بْنُ جِدْعُونِي. وَآخِرَ الْكُلِّ، رَحَلَتْ فِرَقُ مُعَسْكَرِ دَانَ تَحْتَ رَايَتِهِمْ، وَقَائِدُهُمْ هُوَ أَخِيعَزَرُ بْنُ عَمِيشَدْيَ. وَقَائِدُ فِرْقَةِ قَبِيلَةِ أَشِيرَ هُوَ فَجْعِيلُ بْنُ عُكْرَنَ. وَقَائِدُ فِرْقَةِ قَبِيلَةِ نَفْتَالِي هُوَ أَخِيرَعُ بْنُ عِينَنَ. هَذَا هُوَ النِّظَامُ الَّذِي يَتْبَعُهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي سَيْرِهِمْ. وَقَالَ مُوسَى لِحَمِيهِ حُوبَابَ بْنِ رَعُوئِيلَ الْمِدْيَانِيِّ: ”نَحْنُ رَاحِلُونَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَعَدَ اللهُ أَنْ يُعْطِيَهُ لَنَا، فَتَعَالَ مَعَنَا، فَنُحْسِنَ إِلَيْكَ، لِأَنَّ اللهَ وَعَدَ أَنْ يُحْسِنَ إِلَى إِسْرَائِيلَ.“ فَأَجَابَهُ: ”لَا أَذْهَبُ مَعَكُمْ، بَلْ أَرْجِعُ إِلَى بَلَدِي وَشَعْبِي.“ فَقَالَ مُوسَى: ”مِنْ فَضْلِكَ لَا تَتْرُكْنَا، لِأَنَّكَ تَعْرِفُ أَيْنَ يَجِبُ أَنْ نُقِيمَ فِي الصَّحْرَاءِ، فَتَكُونَ لَنَا دَلِيلًا. وَإِنْ ذَهَبْتَ مَعَنَا، فَإِنَّنَا نُشْرِكُكَ مَعَنَا فِي كُلِّ الْخَيْرِ الَّذِي يُحْسِنُ اللهُ بِهِ إِلَيْنَا.“ فَرَحَلُوا مِنْ جَبَلِ اللهِ، وَسَافَرُوا 3 أَيَّامٍ. وَكَانَ صُنْدُوقُ عَهْدِ اللهِ يَتَقَدَّمُهُمْ لِيَخْتَارَ لَهُمْ مَكَانًا يَرْتَاحُونَ فِيهِ. وَكَانَتْ سَحَابَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ فِي النَّهَارِ، لَمَّا رَحَلُوا مِنَ الْمُخَيَّمِ. وَعِنْدَ رَحِيلِ الصُّنْدُوقِ، كَانَ مُوسَى يَقُولُ: ”تَقَدَّمْ يَا رَبُّ وَبَدِّدْ أَعْدَاءَكَ، اِجْعَلْ خُصُومَكَ يَهْرُبُونَ مِنْ أَمَامِكَ.“ وَعِنْدَ حُلُولِ الصُّنْدُوقِ، كَانَ يَقُولُ: ”تَعَالَ يَا رَبُّ إِلَى مَلَايِينِ شَعْبِكَ.“ وَاشْتَكَى الشَّعْبُ بِسَبَبِ الْمَصَاعِبِ الَّتِي يُقَابِلُونَهَا. وَوَصَلَتْ شَكْوَاهُمْ إِلَى أُذُنَيِ اللهِ وَسَمِعَ. فَغَضِبَ جِدًّا وَاشْتَعَلَتْ نَارُهُ فِيهِمْ، وَأَحْرَقَتْ بَعْضَهُمْ فِي طَرَفِ الْمُخَيَّمِ. فَصَرَخَ الشَّعْبُ إِلَى مُوسَى، فَصَلَّى مُوسَى إِلَى اللهِ، فَخَمَدَتِ النَّارُ. فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَكَانُ تَبْعِيرَةَ، أَيِ اشْتِعَالٌ، لِأَنَّ نَارَ اللهِ اشْتَعَلَتْ فِيهِمْ. وَكَانَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ خَلِيطٌ مِنَ الْغُرَبَاءِ اشْتَهَوْا اللَّحْمَ، فَأَخَذَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَبْكُونَ هُمْ أَيْضًا وَيَقُولُونَ: ”مَنْ يُطْعِمُنَا لَحْمًا؟ قَدْ تَذَكَّرْنَا السَّمَكَ الَّذِي كُنَّا نَأْكُلُهُ فِي مِصْرَ مَجَّانًا، وَالْخِيَارَ وَالْبَطِّيخَ وَالْكُرَّاثَ وَالْبَصَلَ وَالثُّومَ. وَالْآنَ فَقَدْنَا شَهِيَّتَنَا، لَا شَيْءَ أَمَامَ عُيُونِنَا غَيْرُ هَذَا الْمَنِّ!“ وَكَانَ الْمَنُّ كَبِزْرِ الْكُزْبَرَةِ وَشَكْلُهُ كَصَمْغِ الشَّجَرِ. وَكَانَ الشَّعْبُ يَطُوفُونَ لِيَجْمَعُوهُ، ثُمَّ يَطْحَنُونَهُ فِي الطَّاحُونَةِ أَوْ يَدُقُّونَهُ فِي الْهَاوُنِ. وَكَانُوا يَطْبُخُونَهُ فِي الْقُدُورِ أَوْ يَخْبِزُونَهُ أَقْرَاصًا. وَكَانَ طَعْمُهُ كَطَعْمِ فَطِيرٍ بِزَيْتٍ. وَمَتَى نَزَلَ النَّدَى عَلَى الْمُخَيَّمِ فِي اللَّيْلِ، كَانَ يَنْزِلُ الْمَنُّ مَعَهُ. وَسَمِعَ مُوسَى كُلَّ الشَّعْبِ يَبْكِي، وَهُمْ وَاقِفُونَ بِعَائِلَاتِهِمْ عِنْدَ أَبْوَابِ خِيَامِهِمْ. وَثَارَ غَضَبُ اللهِ أَكْثَرَ، فَاضْطَرَبَ مُوسَى، وَقَالَ للهِ: ”لِمَاذَا جَلَبْتَ عَلَيَّ هَذِهِ الْمَشَاكِلَ وَأَنَا عَبْدُكَ؟ هَلْ أَسَأْتُ إِلَيْكَ حَتَّى تُحَمِّلَنِي مَسْئُولِيَّةَ هَذَا الشَّعْبِ؟ هَلْ أَنَا حَبِلْتُ بِهِمْ كُلِّهِمْ أَوْ وَلَدْتُهُمْ؟ فَلِمَاذَا تَطْلُبُ مِنِّي أَنْ أَحْمِلَهُمْ فِي حِضْنِي، كَمَا تَحْمِلُ الْأُمُّ الرَّضِيعَ، وَآخُذَهُمْ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي وَعَدْتَ بِهَا آبَاءَهُمْ بِقَسَمٍ؟ مِنْ أَيْنَ لِي لَحْمٌ لِأُعْطِيَ كُلَّ هَذَا الشَّعْبِ؟ إِنَّهُمْ يَبْكُونَ إِلَيَّ وَيَقُولُونَ: ’أَعْطِنَا لَحْمًا لِنَأْكُلَ!‘ لَا أَقْدِرُ أَنَا وَحْدِي أَنْ أَحْمِلَ كُلَّ هَذَا الشَّعْبِ، لِأَنَّهُ ثَقِيلٌ عَلَيَّ. فَإِنْ كُنْتَ تُعَامِلُنِي بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، فَاشْفِقْ عَلَيَّ وَاقْتُلْنِي الْآنَ، فَلَا أُوَاجِهَ مُصِيبَتِي.“ فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”اِجْمَعْ إِلَيَّ 70 رَجُلًا مِنْ شُيُوخِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ تَعْرِفُ أَنَّهُمْ قَادَةٌ وَرُقَبَاءُ فِي الشَّعْبِ، وَأَحْضِرْهُمْ إِلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، فَيَقِفُوا هُنَاكَ مَعَكَ. فَأَنْزِلَ أَنَا وَأَتَكَلَّمَ مَعَكَ هُنَاكَ، وَآخُذَ مِنَ الرُّوحِ الَّذِي عَلَيْكَ وَأَضَعَهُ عَلَيْهِمْ، فَيَحْمِلُونَ مَعَكَ مَسْئُولِيَّةَ الشَّعْبِ، فَلَا تَحْمِلُهَا أَنْتَ وَحْدَكَ. وَقُلْ لِلشَّعْبِ: ’طَهِّرُوا أَنْفُسَكُمُ اسْتِعْدَادًا لِلْغَدِ، لِأَنَّكُمْ سَتَأْكُلُونَ لَحْمًا. الْمَوْلَى سَمِعَكُمْ لَمَّا بَكَيْتُمْ وَطَلَبْتُمْ لَحْمًا وَقُلْتُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ فِي خَيْرٍ فِي مِصْرَ. الْمَوْلَى سَيُعْطِيكُمْ لَحْمًا فَتَأْكُلُونَ. وَسَتَأْكُلُونَهُ لَا يَوْمًا وَاحِدًا، وَلَا يَوْمَيْنِ، وَلَا 5 أَيَّامٍ، وَلَا 10 أَيَّامٍ، وَلَا 20 يَوْمًا. بَلْ شَهْرًا كَامِلًا حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ أُنُوفِكُمْ وَتَكْرَهُوهُ، لِأَنَّكُمْ رَفَضْتُمُ اللهَ الَّذِي بَيْنَكُمْ، وَبَكَيْتُمْ أَمَامَهُ وَقُلْتُمْ: ”لِمَاذَا خَرَجْنَا مِنْ مِصْرَ؟“‘“ فَقَالَ مُوسَى: ”أَنَا هُنَا وَسَطَ 600000 رَجُلٍ مِنَ الْمُشَاةِ، وَأَنْتَ تَقُولُ إِنَّكَ سَتُعْطِيهِمْ لَحْمًا لِيَأْكُلُوا شَهْرًا كَامِلًا! هَلْ نَجِدُ مَا يَكْفِيهِمْ مِنْ غَنَمٍ وَبَقَرٍ لِنَذْبَحَهَا لَهُمْ؟ أَوْ هَلْ يَكْفِيهِمْ كُلُّ سَمَكِ الْبَحْرِ إِنْ جَمَعْنَاهُ؟“ فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”يَدُ اللهِ لَيْسَتْ قَاصِرَةً! سَتَرَى الْآنَ إِنْ كَانَ يَتَحَقَّقُ كَلَامِي أَمْ لَا.“ فَخَرَجَ مُوسَى وَأَخْبَرَ الشَّعْبَ بِكَلَامِ اللهِ، وَجَمَعَ 70 رَجُلًا مِنْ شُيُوخِ الشَّعْبِ وَأَوْقَفَهُمْ حَوْلَ الْخَيْمَةِ. فَنَزَلَ اللهُ فِي السَّحَابَةِ وَكَلَّمَهُ وَأَخَذَ مِنَ الرُّوحِ الَّذِي عَلَيْهِ، وَوَضَعَهُ عَلَى الشُّيُوخِ الـ70. فَلَمَّا حَلَّ عَلَيْهِمُ الرُّوحُ تَنَبَّأُوا، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَتَنَبَّأُوا بَعْدَ ذَلِكَ. وَلَكِنَّ أَلْدَادَ وَمِيدَادَ، وَهُمَا مِنَ الشُّيُوخِ الـ70 الْمُسَجَّلِينَ، كَانَا فِي الْمُخَيَّمِ. وَمَعَ أَنَّهُمَا لَمْ يَخْرُجَا إِلَى الْخَيْمَةِ، إِلَّا أَنَّ الرُّوحَ حَلَّ عَلَيْهِمَا هُمَا أَيْضًا، فَتَنَبَّآ فِي الْمُخَيَّمِ. فَجَرَى شَابٌّ، وَأَخْبَرَ مُوسَى بِأَنَّ أَلْدَادَ وَمِيدَادَ يَتَنَبَّآنِ فِي الْمُخَيَّمِ. فَقَالَ يَشُوعُ بْنُ نُونَ، وَهُوَ مُسَاعِدُ مُوسَى مُنْذُ حَدَاثَتِهِ: ”يَا سَيِّدِي مُوسَى، اِمْنَعْهُمَا!“ فَأَجَابَهُ مُوسَى: ”هَل تَغِيرُ لِي؟ لَيْتَ كُلَّ شَعْبِ اللهِ أَنْبِيَاءُ، فَيَضَعُ اللهُ رُوحَهُ عَلَيْهِمْ.“ وَرَجَعَ مُوسَى وَشُيُوخُ إِسْرَائِيلَ إِلَى الْمُخَيَّمِ. وَهَبَّتْ رِيحٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَسَاقَتْ طُيُورَ السَّلْوَى مِنَ الْبَحْرِ، وَأَلْقَتْهَا عَلَى الْمُخَيَّمِ. فَكَانَتْ حَوْلَ الْمُخَيَّمِ مَسَافَةَ عِدَّةِ كِيلُومِتْرَاتٍ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَعَلَى ارْتِفَاعِ مِتْرٍ. فَخَرَجَ الشَّعْبُ وَجَمَعَ السَّلْوَى، طُولَ ذَلِكَ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ وَطُولَ الْيَوْمِ الثَّانِي. فَجَمَعَ أَقَلُّ وَاحِدٍ فِيهِمْ 60 كِيسًا. وَسَطَّحُوهَا حَوْلَ الْمُخَيَّمِ لِتَجِفَّ. وَلَكِنْ، بَيْنَمَا كَانَ اللَّحْمُ مَا زَالَ بَيْنَ أَسْنَانِهِمْ وَقَبْلَ أَنْ يَنْتَهُوا مِنْ أَكْلِهِ، ثَارَ غَضَبُ اللهِ عَلَى الشَّعْبِ، فَضَرَبَهُمْ بِوَبَأٍ شَدِيدٍ. فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَكَانُ قَبْرُوتَ هَتَّأَوَةَ، أَيْ قُبُورُ الشَّهْوَةِ، لِأَنَّهُمْ هُنَاكَ دَفَنُوا الَّذِينَ اشْتَهَوْا اللَّحْمَ. ثُمَّ رَحَلَ الشَّعْبُ مِنْ قَبْرُوتَ هَتَّأَوَةَ إِلَى حَضِيرُوتَ وَأَقَامُوا هُنَاكَ. وَتَكَلَّمَتْ مَرْيَمُ وَهَارُونُ ضِدَّ مُوسَى، بِسَبَبِ الْمَرْأَةِ الْحَبَشِيَّةِ الَّتِي تَزَوَّجَهَا. وَقَالَا: ”هَلْ مُوسَى وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي كَلَّمَهُ اللهُ؟ إِنَّهُ كَلَّمَنَا نَحْنُ أَيْضًا!“ فَسَمِعَ اللهُ هَذَا. وَكَانَ مُوسَى رَجُلًا مُتَوَاضِعًا جِدًّا، أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ النَّاسِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. وَفِي الْحَالِ، قَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ وَمَرْيَمَ: ”اُخْرُجُوا أَنْتُمُ الـ3 إِلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ.“ فَخَرَجُوا هُمُ الـ3. فَنَزَلَ اللهُ فِي عَمُودِ سَحَابٍ، وَوَقَفَ فِي مَدْخَلِ الْخَيْمَةِ، وَنَادَى هَارُونَ وَمَرْيَمَ، فَخَرَجَا هُمَا الِاثْنَانِ. فَقَالَ: ”اِسْمَعَا كَلَامِي: عِنْدَمَا يَكُونُ بَيْنَكُمْ نَبِيٌّ للهِ، فَإِنِّي أُعْلِنُ نَفْسِي لَهُ فِي رُؤْيَا، أَوْ أُكَلِّمُهُ فِي حُلْمٍ. أَمَّا عَبْدِي مُوسَى، فَالْأَمْرُ يَخْتَلِفُ مَعَهُ، فَهُوَ أَمِينٌ فِي كُلِّ بَيْتِي، وَأَنَا أُكَلِّمُهُ وَجْهًا لِوَجْهٍ، وَبِوُضُوحٍ وَبِغَيْرِ أَلْغَازٍ، وَهُوَ يَرَى هَيْئَةَ اللهِ. فَلِمَاذَا لَا تَخَافَانِ مِنَ الْكَلَامِ ضِدَّ عَبْدِي مُوسَى؟“ وَثَارَ غَضَبُ اللهِ عَلَيْهِمَا وَتَرَكَهُمَا. فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ السَّحَابَةُ عَنِ الْخَيْمَةِ، فَجْأَةً أَصْبَحَتْ مَرْيَمُ بَرْصَاءَ وَلَوْنُهَا كَالثَّلْجِ. فَالْتَفَتَ هَارُونُ إِلَى مَرْيَمَ وَرَأَى أَنَّهَا بَرْصَاءُ. فَقَالَ هَارُونُ لِمُوسَى: ”مِنْ فَضْلِكَ يَا سَيِّدِي، لَا تَجْعَلْنَا نُعَاقَبُ عَلَى هَذَا الذَّنْبِ الَّذِي ارْتَكَبْنَاهُ بِغَبَاءٍ. وَلَا تَتْرُكْهَا عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، كَالْجَنِينِ الَّذِي يَخْرُجُ مَيِّتًا مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ وَقَدْ تَآكَلَ نِصْفُ لَحْمِهِ.“ فَصَرَخَ مُوسَى إِلَى اللهِ وَقَالَ: ”اللَّهُمَّ اشْفِهَا، مِنْ فَضْلِكَ!“ فَقَالَ اللهُ: ”لَوْ بَصَقَ أَبُوهَا فِي وَجْهِهَا، أَمَا كَانَتْ تَحْتَجِبُ خَجْلَانَةً 7 أَيَّامٍ؟ إِذَنِ احْجِزُوهَا 7 أَيَّامٍ خَارِجَ الْمُخَيَّمِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ تَرْجِعُ.“ فَحُجِزَتْ مَرْيَمُ خَارِجَ الْمُخَيَّمِ 7 أَيَّامٍ، وَلَمْ يَرْحَلِ الشَّعْبُ حَتَّى رَجَعَتْ. وَبَعْدَ ذَلِكَ رَحَلَ الشَّعْبُ مِنْ حَضِيرُوتَ وَنَزَلُوا فِي صَحْرَاءِ فَارَانَ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”أَرْسِلْ بَعْضَ الرِّجَالِ لِيَتَجَسَّسُوا أَرْضَ كَنْعَانَ الَّتِي أُعْطِيهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ تُرْسِلُ وَاحِدًا مِنَ الْقَادَةِ الَّذِينَ فِي الْقَبِيلَةِ.“ فَكَمَا أَمَرَ اللهُ، أَرْسَلَهُمْ مُوسَى مِنْ صَحْرَاءِ فَارَانَ. وَكَانُوا كُلُّهُمْ قَادَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَهَذِهِ أَسْمَاؤُهُمْ: مِنْ قَبِيلَةِ رَأُوبِينَ، شَمُّوعُ بْنُ زَكُّورَ. مِنْ قَبِيلَةِ شَمْعُونَ، شَافَاطُ بْنُ حُورِي. مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا، كَالِبُ بْنُ يَفُنَّةَ. مِنْ قَبِيلَةِ يَسَّاكَرَ، يَجْآلُ بْنُ يُوسِفَ. مِنْ قَبِيلَةِ أَفْرَايِمَ، هُوشَعُ بْنُ نُونَ. مِنْ قَبِيلَةِ بِنْيَمِينَ، فَلْطِي بْنُ رَافُو. مِنْ قَبِيلَةِ زَبُولُونَ، جَدِّيلُ بْنُ سُودِي. مِنْ قَبِيلَةِ يُوسِفَ، أَيْ مِنْ مَنَسَّى، جِدِّي بْنُ سُوسِي. مِنْ قَبيِلَةِ دَانَ، عَمِّئِيلُ بْنُ جَمَلِّي. مِنْ قَبِيلَةِ أَشِيرَ، سَتُورُ بْنُ مِيخَائِيلَ. مِنْ قَبِيلَةِ نَفْتَالِي، نَاحِبُ بْنُ وَافِي. مِنْ قَبِيلَةِ جَادَ، جَأُوئِيلُ بْنُ مَاكِي. هَذِهِ هِيَ أَسْمَاءُ الرِّجَالِ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ مُوسَى لِيَتَجَسَّسُوا الْأَرْضَ. وَسَمَّى مُوسَى هُوشَعَ بْنَ نُونَ يَشُوعَ. وَلَمَّا أَرْسَلَهُمْ مُوسَى لِيَتَجَسَّسُوا أَرْضَ كَنْعَانَ، قَالَ لَهُمْ: ”اِذْهَبُوا مِنْ هُنَا إِلَى الْجَنُوبِ، وَاطْلَعُوا الْجَبَلَ، وَانْظُرُوا حَالَةَ الْبِلَادِ، وَالشَّعْبَ الْمَوْجُودَ فِيهَا، هَلْ هُوَ قَوِيٌّ أَمْ ضَعِيفٌ؟ قَلِيلٌ أَمْ كَثِيرٌ؟ وَمَا هُوَ نَوْعُ الْأَرْضِ الَّتِي يَعِيشُ فِيهَا، هَلْ هِيَ جَيِّدَةٌ أَمْ رَدِيئَةٌ؟ وَمَا هُوَ نَوْعُ الْمُدُنِ الَّتِي يَسْكُنُ فِيهَا، هَلْ هِيَ مُخَيَّمَاتٌ أَمْ حُصُونٌ؟ وَكَيْفَ حَالَةُ التُّرْبَةِ، هَلْ غَنِيَّةٌ أَمْ فَقِيرَةٌ؟ وَهَلْ فِيهَا شَجَرٌ أَمْ لَا؟ تَشَجَّعُوا وَأَحْضِرُوا مَعَكُمْ بَعْضَ ثَمَرِ الْأَرْضِ.“ وَكَانَ الْوَقْتُ هُوَ مَوْسِمَ الْعِنَبِ الْمُبَكِّرِ. فَذَهَبُوا وَتَجَسَّسُوا الْأَرْضَ مِنْ صَحْرَاءِ صِينَ، إِلَى رَحُوبَ عِنْدَ مَدْخَلِ حَمَاةَ. اِتَّجَهُوا أَوَّلًا إِلَى الْجَنُوبِ، ثُمَّ ذَهَبُوا إِلَى حَبْرُونَ. وَكَانَ هُنَاكَ أَخِيمَانُ وَشِيشَايُ وَتَلْمَايُ بَنُو عَنَاقَ. وَكَانَتْ حَبْرُونُ قَدْ بُنِيَتْ قَبْلَ مَدِينَةِ صُوعَنَ الْمِصْرِيَّةِ بِـ7 سِنِينَ. ثُمَّ وَصَلُوا إِلَى وَادِي أَشْكُولَ، وَقَطَعُوا مِنْ هُنَاكَ فَرْعًا مِنْ كَرْمَةِ عِنَبٍ فِيهِ عُنْقُودٌ وَاحِدٌ، وَحَمَلُوهُ بِعَصًا بَيْنَ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ، وَأَخَذُوا أَيْضًا بَعْضَ الرُّمَّانِ وَالتِّينِ. فَأَصْبَحَ ذَلِكَ الْمَكَانُ يُسَمَّى وَادِيَ أَشْكُولَ، أَيْ وَادِيَ الْعُنْقُودِ، بِسَبَبِ الْعُنْقُودِ الَّذِي قَطَعَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ هُنَاكَ. ثُمَّ رَجَعُوا مِنْ تَجَسُّسِ الْأَرْضِ بَعْدَ 40 يَوْمًا. وَسَارُوا حَتَّى جَاءُوا إِلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَكُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُمْ فِي قَادِشَ فِي صَحْرَاءِ فَارَانَ. وَبَلَّغُوا مُوسَى وَهَارُونَ وَكُلَّ الْجَمَاعَةِ خَبَرَ الرِّحْلَةِ، وَأَرَوْهُمْ ثَمَرَ الْأَرْضِ. وَقَالُوا لِمُوسَى: ”رُحْنَا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرْسَلْتَنَا إِلَيْهَا، وَحَقًّا إِنَّهَا تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، وَهَذَا ثَمَرُهَا. غَيْرَ أَنَّ الشَّعْبَ السَّاكِنَ فِيهَا قَوِيٌّ، وَالْمُدُنَ حَصِينَةٌ وَعَظِيمَةٌ جِدًّا. فَالْعَمَالِقَةُ سَاكِنُونَ فِي النَّقَبِ، وَالْحِثِّيُّونَ وَالْيَبُوسِيُّونَ وَالْأَمُورِيُّونَ سَاكِنُونَ فِي الْجَبَلِ، وَالْكَنْعَانِيُّونَ سَاكِنُونَ عِنْدَ الْبَحْرِ وَعَلَى جَانِبِ الْأُرْدُنِّ.“ أَمَّا كَالِبُ فَهَدَّأَ الشَّعْبَ أَمَامَ مُوسَى وَقَالَ: ”يَجِبُ أَنْ نَصْعَدَ وَنَمْتَلِكَ الْأَرْضَ لِأَنَّنَا قَادِرُونَ عَلَى ذَلِكَ.“ أَمَّا الرِّجَالُ الَّذِينَ ذَهَبُوا مَعَهُ فَقَالُوا: ”لَا نَقْدِرُ أَنْ نَغْلِبَ هَذَا الشَّعْبَ، لِأَنَّهُمْ أَقْوَى مِنَّا.“ وَأَشَاعُوا بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، تَقْرِيرًا رَدِيئًا عَنِ الْأَرْضِ الَّتِي تَجَسَّسُوهَا وَقَالُوا: ”الْأَرْضُ الَّتِي تَجَسَّسْنَاهَا تَبْلَعُ سُكَّانَهَا، وَكُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي رَأَيْنَاهُ فِيهَا قَامَتُهُمْ طَوِيلَةٌ. وَرَأَيْنَا هُنَاكَ الْجَبَابِرَةَ. بَنُو عَنَاقَ هُمْ مِنَ الْجَبَابِرَةِ. فَكُنَّا فِي نَظَرِنَا كَالْجَرَادِ، وَكَذَلِكَ فِي نَظَرِهِمْ.“ فَرَفَعَتْ كُلُّ الْجَمَاعَةِ صَوْتَهَا وَصَرَخَتْ وَبَكَتْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ. وَتَذَمَّرَ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ، وَقَالَتْ كُلُّ الْجَمَاعَةِ لَهُمَا: ”لَيْتَنَا مُتْنَا فِي مِصْرَ! أَوْ لَيْتَنَا مُتْنَا فِي هَذِهِ الصَّحْرَاءِ! لِمَاذَا جَاءَ بِنَا اللهُ إِلَى هَذِهِ الْأَرْضِ لِنَمُوتَ بِالسَّيْفِ، وَتَصِيرَ نِسَاؤُنَا وَأَطْفَالُنَا غَنِيمَةً لِلْعَدُوِّ؟ أَحْسَنُ لَنَا أَنْ نَرْجِعَ إِلَى مِصْرَ!“ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ”نَخْتَارُ لَنَا قَائِدًا وَنَرْجِعُ إِلَى مِصْرَ.“ فَوَقَعَ مُوسَى وَهَارُونُ عَلَى وَجْهَيْهِمَا أَمَامَ كُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْمُجْتَمِعَةِ. وَمَزَّقَ يَشُوعُ بْنُ نُونَ وَكَالِبُ بْنُ يَفُنَّةَ ثِيَابَهُمَا، وَهُمَا مِنَ الَّذِينَ تَجَسَّسُوا الْأَرْضَ. وَقَالَا لِكُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ”الْأَرْضُ الَّتِي رُحْنَا إِلَيْهَا وَتَجَسَّسْنَاهَا، هِيَ أَرْضٌ جِيِّدَةٌ جِدًّا جِدًّا. إِنْ كَانَ اللهُ يَرْضَى عَنَّا، يُدْخِلُنَا إِلَى هَذِهِ الْأَرْضِ وَيُعْطِيهَا لَنَا، فَهِيَ أَرْضٌ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا. إِنَّمَا لَا تَتَمَرَّدُوا عَلَى اللهِ، وَلَا تَخَافُوا مِنْ شَعْبِ الْأَرْضِ، لِأَنَّنَا سَنَأْكُلُهُمْ كَالْخُبْزِ. إِنَّ اللهَ مَعَنَا وَقَدْ هَزَمَ آلِهَتَهُمُ الَّتِي تَحْمِيهِمْ، فَلَا تَخَافُوا مِنْهُمْ.“ وَلَكِنْ قَالَتْ كُلُّ الْجَمَاعَةِ: ”تَعَالَوْا نَرْجُمُهُمَا بِالْحِجَارَةِ.“ فَظَهَرَ جَلَالُ اللهِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ لِكُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”إِلَى مَتَى يَحْتَقِرُنِي هَذَا الشَّعْبُ؟ وَإِلَى مَتَى لَا يُؤْمِنُونَ بِي، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ كُلِّ الْآيَاتِ الَّتِي عَمِلْتُهَا بَيْنَهُمْ؟ إِنِّي أَضْرِبُهُمْ بِالْوَبَأِ وَأُبِيدُهُمْ، وَأَجْعَلُكَ أَنْتَ أُمَّةً أَعْظَمَ وَأَقْوَى مِنْهُمْ.“ فَقَالَ مُوسَى للهِ: ”فَيَسْمَعُ الْمِصْرِيُّونَ بِهَذَا! وَأَنْتَ الَّذِي بِقُوَّتِكَ أَخْرَجْتَ هَذَا الشَّعْبَ مِنْ وَسَطِهِمْ، وَيُخْبِرُونَ أَهْلَ هَذِهِ الْبِلَادِ، الَّذِينَ سَمِعُوا أَنَّكَ يَا رَبُّ فِي وَسَطِ هَذَا الشَّعْبِ، وَأَنَّكَ يَا رَبُّ ظَهَرْتَ لَهُمْ وَجْهًا لِوَجْهٍ، وَأَنَّ سَحَابَتَكَ وَاقِفَةٌ فَوْقَهُمْ، وَأَنَّكَ تَتَقَدَّمُهُمْ فِي عَمُودِ سَحَابٍ نَهَارًا، وَفِي عَمُودِ نَارٍ لَيْلًا. فَإِنْ قَتَلْتَ هَذَا الشَّعْبَ دُفْعَةً وَاحِدَةً، تَقُولُ الْأُمَمُ الَّتِي تَسْمَعُ هَذَا الْخَبَرَ: ’الْمَوْلَى لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُدْخِلَ هَذَا الشَّعْبَ، إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي وَعَدَهُمْ بِهَا بِقَسَمٍ، لِذَلِكَ قَتَلَهُمْ فِي الصَّحْرَاءِ.‘ فَالْآنَ أَظْهِرْ عَظَمَةَ قُدْرَتِكَ يَا رَبَّنَا، كَمَا أَعْلَنْتَ مِنْ قَبْلُ وَقُلْتَ: ’الْمَوْلَى حَلِيمٌ، هُوَ مُحِبٌّ جِدًّا، يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَالْمَعْصِيَةَ، لَكِنَّهُ لَا يَتْرُكُ الْمُذْنِبَ بِلَا عِقَابٍ، بَلْ يُعَاقِبُ الْأَبْنَاءَ عَلَى ذُنُوبِ الْآبَاءِ إِلَى الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ.‘ فَحَسَبَ نِعْمَتِكَ الْعَظِيمَةِ، اِغْفِرْ ذَنْبَ هَذَا الشَّعْبِ، كَمَا غَفَرْتَ لَهُمْ مُنْذُ أَنْ خَرَجُوا مِنْ مِصْرَ إِلَى الْآنَ.“ فَقَالَ اللهُ: ”قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ كَمَا طَلَبْتَ. وَلَكِنِّي أُقْسِمُ بِذَاتِي وَبِجَلَالِيَ الَّذِي يَمْلَأُ كُلَّ الْأَرْضِ، فَإِنَّ كُلَّ الرِّجَالِ الَّذِينَ رَأَوْا جَلَالِي وَآيَاتِيَ الَّتِي عَمِلْتُهَا فِي مِصْرَ وَفِي الصَّحْرَاءِ، وَجَرَّبُونِي 10 مَرَّاتٍ وَلَمْ يَسْمَعُوا كَلَامِي، لَنْ يَرَوْا الْأَرْضَ الَّتِي وَعَدْتُ بِهَا آبَاءَهُمْ بِقَسَمٍ. وَلَا وَاحِدٌ مِنَ الَّذِينَ احْتَقَرُونِي سَيَرَاهَا. أَمَّا عَبْدِي كَالِبُ الَّذِي أَظْهَرَ رُوحًا أُخْرَى، وَتَبِعَنِي مِنْ قَلْبِهِ، فَإِنِّي أُدْخِلُهُ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي ذَهَبَ إِلَيْهَا وَنَسْلُهُ يَرِثُهَا. وَبِمَا أَنَّ الْعَمَالِقَةَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ سَاكِنُونَ فِي الْوَادِي، اِنْصَرِفُوا غَدًا وَارْجِعُوا إِلَى الصَّحْرَاءِ عَلَى طَرِيقِ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ.“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: ”إِلَى مَتَى أَحْتَمِلُ هَذِهِ الْجَمَاعَةَ الشِّرِّيرَةَ الْمُتَذَمِّرَةَ عَلَيَّ؟ إِنِّي سَمِعْتُ تَذَمُّرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي يَتَذَمَّرُونَهُ عَلَيَّ. قُلْ لَهُمْ: ’هَذَا كَلَامُ اللهِ: أُقْسِمُ بِذَاتِي، إِنِّي أَعْمَلُ فِيكُمُ الْأَشْيَاءَ الَّتِي سَمِعْتُهَا مِنْكُمْ. تَسْقُطُونَ مَيِّتِينَ فِي هَذِهِ الصَّحْرَاءِ كُلُّ وَاحِدٍ فِيكُمْ تَذَمَّرَ عَلَيَّ، مِنِ ابْنِ 20 سَنَةً وَمَا فَوْقُ مِنَ الْمَعْدُودِينَ فِي الْإِحْصَاءِ. وَلَا وَاحِدٌ فِيكُمْ يَدْخُلُ الْأَرْضَ الَّتِي حَلَفْتُ يَمِينًا أَنْ أُسْكِنَكُمْ فِيهَا، غَيْرَ كَالِبَ بْنِ يَفُنَّةَ وَيَشُوعَ بْنِ نُونَ. أَمَّا أَطْفَالُكُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ إِنَّهُمْ يَصِيرُونَ غَنِيمَةً لِلْعَدُوِّ، فَإِنِّي أُدْخِلُهُمُ الْأَرْضَ الَّتِي رَفَضْتُمُوهَا فَيَتَمَتَّعُونَ بِهَا. وَأَنْتُمْ تَسْقُطُونَ مَيِّتِينَ فِي هَذِهِ الصَّحْرَاءِ. وَيَتَسَكَّعُ بَنُوكُمْ هُنَا 40 سَنَةً، وَيُقَاسُونَ عِقَابَ خِيَانَتِكُمْ، حَتَّى يَسْقُطَ آخِرُ وَاحِدٍ فِيكُمْ مَيِّتًا. فَتُقَاسُونَ عِقَابَ ذُنُوبِكُمْ 40 سَنَةً، كُلَّ يَوْمٍ بِسَنَةٍ، عَلَى عَدَدِ الْأَيَّامِ الَّتِي تَجَسَّسْتُمْ فِيهَا الْأَرْضَ وَهِيَ 40 يَوْمًا. فَتَعْرِفُونَ مَعْنَى عَدَائِي لَكُمْ.‘ أَنَا اللهُ قَدْ حَكَمْتُ، وَسَأَعْمَلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فِي كُلِّ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ الشِّرِّيرَةِ الَّتِي اتَّفَقَتْ ضِدِّي. فِي هَذِهِ الصَّحْرَاءِ يَفْنَوْنَ، وَهُنَا يَمُوتُونَ.“ أَمَّا الرِّجَالُ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ مُوسَى لِيَتَجَسَّسُوا الْأَرْضَ، وَرَجَعُوا وَأَثَارُوا عَلَيْهِ كُلَّ الْجَمَاعَةِ، لَمَّا أَشَاعُوا تَقْرِيرًا رَدِيئًا عَنِ الْأَرْضِ، هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ مَاتُوا بِالْوَبَأِ أَمَامَ اللهِ، لِأَنَّهُمْ أَشَاعُوا تَقْرِيرًا رَدِيئًا جِدًّا عَنِ الْأَرْضِ. وَمِنْ بَيْنِ كُلِّ الَّذِينَ ذَهَبُوا لِيَتَجَسَّسُوا الْأَرْضَ، سَلِمَ مِنَ الْمَوْتِ يَشُوعُ بْنُ نُونَ وَكَالِبُ بْنُ يَفُنَّةَ فَقَطْ. وَلَمَّا أَخْبَرَ مُوسَى كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِهَذَا الْكَلَامِ، بَكَوْا بُكَاءً شَدِيدًا. وَقَامُوا فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، وَصَعِدُوا الْجَبَلَ الْعَالِيَ وَقَالُوا: ”نَحْنُ أَخْطَأْنَا، الْآنَ سَنَذْهَبُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَعَدَنَا اللهُ بِهِ.“ فَقَالَ مُوسَى: ”لِمَاذَا تُخَالِفُونَ أَمْرَ اللهِ؟ إِنَّكُمْ لَنْ تَنْجَحُوا فِي هَذَا! لَا تَصْعَدُوا، لِئَلَّا تَنْهَزِمُوا أَمَامَ أَعْدَائِكُمْ، لِأَنَّ اللهَ لَيْسَ مَعَكُمْ. الْعَمَالِقَةُ وَالْكَنْعَانِيُّونَ هُنَاكَ أَمَامَكُمْ، لِذَلِكَ تَمُوتُونَ بِالسَّيْفِ. أَنْتُمُ ارْتَدَدْتُمْ عَنِ اللهِ، فَهُوَ لَا يَكُونُ مَعَكُمْ.“ لَكِنَّهُمْ تَجَاسَرُوا وَصَعِدُوا الْجَبَلَ الْعَالِيَ. أَمَّا صُنْدُوقُ عَهْدِ اللهِ وَمُوسَى فَلَمْ يَنْتَقِلَا مِنْ وَسَطِ الْمُخَيَّمِ. فَنَزَلَ الْعَمَالِقَةُ وَالْكَنْعَانِيُّونَ السَّاكِنُونَ فِي ذَلِكَ الْجَبَلِ وَضَرَبُوهُمْ وَهَزَمُوهُمْ طُولَ الطَّرِيقِ إِلَى حُرْمَةَ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’مَتَى دَخَلْتُمُ الْأَرْضَ الَّتِي أُعْطِيهَا مَسْكَنًا لَكُمْ، وَقَدَّمْتُمْ للهِ مِنَ الْبَقَرِ أَوِ الْغَنَمِ، قُرْبَانًا يُشْعَلُ وَرَائِحَتُهُ تَسُرُّ اللهَ، فَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قُرْبَانًا يُحْرَقُ أَوْ ضَحِيَّةً، لِلْوَفَاءِ بِنَذْرٍ أَوْ كَتَبَرُّعٍ أَوْ لِعِيدٍ، فَالَّذِي يُقَدِّمُ قُرْبَانَهُ، يُقَدِّمُ أَيْضًا قُرْبَانَ دَقِيقٍ: كِيلُوجْرَامَيْنِ مِنَ الدَّقِيقِ الْمَخْلُوطِ بِلِتْرٍ مِنَ الزَّيْتِ، وَأَيْضًا لِتْرًا مِنَ الْخَمْرِ قُرْبَانَ شَرَابٍ. هَذَا مَعَ كُلِّ خَرُوفٍ يُقَدَّمُ قُرْبَانًا أَوْ ضَحِيَّةً. ”’أَمَّا مَعَ الْكَبْشِ فَتُقَدِّمُ قُرْبَانَ دَقِيقٍ: 4 كِيلُوجْرَامَاتٍ مِنَ الدَّقِيقِ الْمَخْلُوطِ بِلِتْرٍ وَرُبْعٍ مِنَ الزَّيْتِ. وَتُقَدِّمُ أَيْضًا لِتْرًا وَرُبْعًا مِنَ الْخَمْرِ قُرْبَانَ شَرَابٍ رَائِحَتُهُ تَسُرُّ اللهَ. ”’وَإِنْ قَدَّمْتَ عِجْلًا مِنَ الْبَقَرِ، سَوَاءً كَانَ ذَلِكَ قُرْبَانًا يُحْرَقُ أَوْ ضَحِيَّةً، لِلْوَفَاءِ بِنَذْرٍ أَوْ ضَحِيَّةً لِلصُّحْبَةِ للهِ، فَتُقَدِّمُ مَعَ الْعِجْلِ قُرْبَانَ دَقِيقٍ: 6 كِيلُوجْرَامَاتٍ مِنَ الدَّقِيقِ الْمَخْلُوطِ بِلِتْرَيْنِ مِنَ الزَّيْتِ. وَتُقَدِّمُ أَيْضًا لِتْرَيْنِ مِنَ الْخَمْرِ قُرْبَانَ شَرَابٍ يُشْعَلُ وَرَائِحَتُهُ تَسُرُّ اللهَ. كُلُّ عِجْلٍ أَوْ كَبْشٍ أَوْ خَرُوفٍ أَوْ تَيْسٍ، يُقَدَّمُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ. فَتَعْمَلُونَ هَذَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، مَهْمَا كَانَ عَدَدُهَا. ”’كُلُّ مُوَاطِنٍ يَعْمَلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، عِنْدَمَا يُقَدِّمُ قُرْبَانًا يُشْعَلُ وَرَائِحَتُهُ تَسُرُّ اللهَ. وَكَذَلِكَ الْغَرِيبُ الْمُقِيمُ بَيْنَكُمْ، أَوْ أَيُّ وَاحِدٍ آخَرَ مُقِيمٌ بَيْنَكُمْ، جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، عِنْدَمَا يُقَدِّمُ قُرْبَانًا يُشْعَلُ وَرَائِحَتُهُ تَسُرُّ اللهَ، يَعْمَلُ تَمَامًا كَمَا تَعْمَلُونَ. فَلِلْجَمَاعَةِ فَرِيضَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُومُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، لَكُمْ أَنْتُمْ وَلِلْغَرِيبِ الْمُقِيمِ بَيْنَكُمْ، فَتَكُونُونَ أَنْتُمْ وَالْغَرِيبُ مُتَسَاوِينَ أَمَامَ اللهِ. وَنَفْسُ الشَّرِيعَةِ وَنَفْسُ الْأَحْكَامِ تَنْطَبِقُ عَلَيْكُمْ أَنْتُمْ وَعَلَى الْغَرِيبِ الْمُقِيمِ بَيْنَكُمْ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’مَتَى دَخَلْتُمُ الْأَرْضَ الَّتِي سَآخُذُكُمْ إِلَيْهَا، فَعِنْدَمَا تَأْكُلُونَ مِنْ خُبْزِ الْأَرْضِ، قَدِّمُوا مِنْهُ هَدِيَّةً للهِ. فَتُقَدِّمُونَ مِنْ أَوَّلِ عَجِينِكُمْ رَغِيفًا هَدِيَّةً، كَالْهَدِيَّةِ الَّتِي تُقَدِّمُونَهَا مِنَ الْبَيْدَرِ. جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، تُقَدِّمُونَ هَذِهِ الْهَدِيَّةَ للهِ مِنْ أَوَّلِ عَجِينِكُمْ. ”’وَإِنْ أَخْطَأْتُمْ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ، فَلَمْ تَعْمَلُوا بِكُلِّ هَذِهِ الْوَصَايَا الَّتِي أَمَرَ اللهُ مُوسَى بِهَا، كُلِّ مَا أَمَرَكُمْ بِهِ اللهُ بِوَاسِطَةِ مُوسَى، مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ وَفِي كُلِّ أَجْيَالِكُمْ، فَإِنْ كَانَ هَذَا عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَبِغَيْرِ عِلْمِ الْجَمَاعَةِ، تُقَدِّمُ كُلُّ الْجَمَاعَةِ عِجْلًا لِقُرْبَانٍ يُحْرَقُ وَرَائِحَتُهُ تَسُرُّ اللهَ، مَعَ مَا يَلْزَمُ مِنْ قُرْبَانِ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانِ الشَّرَابِ وَتَيْسًا وَاحِدًا ضَحِيَّةً عَنِ الْخَطِيئَةِ. فَيُكَفِّرُ الْحَبْرُ عَنْ كُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَيَغْفِرُ اللهُ لَهُمْ، لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَلِأَنَّهُمْ قَدَّمُوا للهِ عَنْ سَهْوِهِمْ قُرْبَانًا يُشْعَلُ وَضَحِيَّةً عَنِ الْخَطِيئَةِ. وَيَغْفِرُ اللهُ لِكُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلِلْغُرَبَاءِ الْمُقِيمِينَ بَيْنَهُمْ، لِأَنَّ الْكُلَّ مَسْئُولُونَ عَنْ هَذَا السَّهْوِ غَيْرِ الْمَقْصُودِ. ”’وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَخْطَأَ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ هُوَ شَخْصٌ وَاحِدٌ، فَيُقَدِّمُ عَنْزًا عُمْرُهَا سَنَةٌ ضَحِيَّةً عَنِ الْخَطِيئَةِ. فَيُكَفِّرُ الْحَبْرُ أَمَامَ اللهِ، عَنِ الشَّخْصِ الَّذِي أَخْطَأَ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ. وَعِنْدَمَا يُكَفِّرُ عَنْهُ يَغْفِرُ اللهُ لَهُ. وَنَفْسُ الشَّرِيعَةِ تَنْطَبِقُ عَلَى كُلِّ مَنْ يُخْطِئُ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ، سَوَاءً كَانَ مُوَاطِنًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَوْ غَرِيبًا مُقِيمًا بَيْنَهُمْ. ”’أَمَّا مَنْ يُخْطِئُ عَمْدًا، فَهُوَ يَكْفُرُ بِاللهِ، وَسَوَاءً كَانَ هَذَا الشَّخْصُ مُوَاطِنًا أَوْ غَرِيبًا، يُبَادُ مِنْ شَعْبِهِ. لِأَنَّهُ احْتَقَرَ كَلَامَ اللهِ، وَخَالَفَ وَصِيَّتَهُ. نَعَمْ، هَذَا الشَّخْصُ يُبَادُ تَمَامًا، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ ذَنْبِهِ.‘“ وَلَمَّا كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الصَّحْرَاءِ، وَجَدُوا رَجُلًا يَجْمَعُ حَطَبًا فِي يَوْمِ السَّبْتِ. فَأَخَذَهُ الَّذِينَ وَجَدُوهُ إِلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَكُلِّ الْجَمَاعَةِ. فَوَضَعُوهُ فِي السِّجْنِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا مَا يَجِبُ عَمَلُهُ بِشَأْنِهِ. فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”يَجِبُ أَنْ يُقْتَلَ هَذَا الرَّجُلُ. تَرْجُمُهُ كُلُّ الْجَمَاعَةِ بِحِجَارَةٍ خَارِجَ الْمُخَيَّمِ.“ فَأَخْرَجَتْهُ كُلُّ الْجَمَاعَةِ إِلَى خَارِجِ الْمُخَيَّمِ، وَرَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ فَمَاتَ، كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’اِصْنَعُوا لَكُمْ أَهْدَابًا فِي أَطْرَافِ ثِيَابِكُمْ، جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، وَضَعُوا عَلَى كُلِّ هُدْبٍ خَيْطًا أَزْرَقَ. فَمَتَى رَأَيْتُمْ هَذِهِ الْأَهْدَابَ، تَذْكُرُونَ كُلَّ وَصَايَا اللهِ لِتَعْمَلُوا بِهَا، فَلَا تَضِلُّونَ بِاتِّبَاعِ شَهَوَاتِ قُلُوبِكُمْ وَعُيُونِكُمْ. فَتَذْكُرُونَ وَتَعْمَلُونَ كُلَّ وَصَايَايَ، لِكَيْ تَكُونُوا مُكَرَّسِينَ لِإِلَهِكُمْ. أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمُ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ مِصْرَ، لِيَكُونَ إِلَهَكُمْ. أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ.‘“ وَتَطَاوَلَ قُورَحُ بْنُ يِصْهَارَ بْنِ قَهَاتَ بْنِ لَاوِي، وَبَعْضُ بَنِي رَأُوبِينَ: دَاثَانُ وَأَبِيرَامُ ابْنَا أَلِيآبَ، وَأُونُ بْنُ فَالَتَ، عَلَى مُوسَى. وَقَامُوا عَلَيْهِ وَمَعَهَمْ 250 رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، هُمْ قَادَةٌ مَعْرُوفُونَ فِي الْجَمَاعَةِ وَأَعْضَاءٌ فِي الْمَجْلِسِ. فَاجْتَمَعُوا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَقَالُوا لَهُمَا: ”كَفَاكُمَا! إِنَّ كُلَّ الْجَمَاعَةِ طَاهِرَةٌ، كُلَّ وَاحِدٍ فِيهَا، وَاللهُ مَعَهُمْ. فَمَا لَكُمَا تَتَكَبَّرَانِ عَلَى جَمَاعَةِ اللهِ؟“ فَلَمَّا سَمِعَ مُوسَى هَذَا الْكَلَامَ، وَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ. ثُمَّ قَالَ لِقُورَحَ وَكُلِّ جَمَاعَتِهِ: ”غَدًا يُعْلِنُ اللهُ مَنْ يَنْتَمِي لَهُ، وَمَنْ هُوَ طَاهِرٌ فِعْلًا، فَيُقَرِّبُ هَذَا الشَّخْصَ إِلَيْهِ. فَالَّذِي يَخْتَارُهُ اللهُ يُقَرِّبُهُ إِلَيْهِ. فَافْعَلُوا هَذَا، أَنْتَ يَا قُورَحُ وَكُلُّ جَمَاعَتِكَ: خُذُوا لَكُمْ مَبَاخِرَ، وَغَدًا ضَعُوا فِيهَا نَارًا وَبَخُورًا أَمَامَ اللهِ. فَالرَّجُلُ الَّذِي يَخْتَارُهُ اللهُ هُوَ الطَّاهِرُ. كَفَاكُمْ يَا بَنِي لَاوِي!“ ثُمَّ قَالَ مُوسَى لِقُورَحَ: ”اِسْمَعُوا يَا بَنِي لَاوِي، أَلَا يَكْفِيكُمْ أَنَّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ فَرَزَكُمْ مِنْ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَرَّبَكُمْ إِلَيْهِ لِتَقُومُوا بِخِدْمَةِ مَسْكَنِ اللهِ، وَتَقِفُوا أَمَامَ الْجَمَاعَةِ وَتَخْدِمُوهُمْ؟ فَقَرَّبَكَ إِلَيْهِ أَنْتَ وَكُلَّ إِخْوَتِكَ مِنْ بَنِي لَاوِي، وَلَكِنَّكُمُ الْآنَ تُرِيدُونَ أَنْ تَكُونُوا أَحْبَارًا أَيْضًا! إِذَنْ أَنْتَ وَكُلُّ جَمَاعَتِكَ اتَّفَقْتُمْ ضِدَّ اللهِ! أَمَّا هَارُونُ فَمَنْ هُوَ حَتَّى تَتَذَمَّرُوا عَلَيْهِ؟“ ثُمَّ أَرْسَلَ مُوسَى يَسْتَدْعِي دَاثَانَ وَأَبِيرَامَ ابْنَيْ أَلِيآبَ، فَقَالَا: ”لَنْ نَذْهَبَ! أَلَا يَكْفِيكَ أَنَّكَ أَخْرَجْتَنَا مِنْ أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، لِتُمِيتَنَا فِي الصَّحْرَاءِ؟ وَالْآنَ تُرِيدُ أَنْ تَتَسَيَّدَ عَلَيْنَا؟ ثُمَّ إِنَّكَ لَمْ تُدْخِلْنَا إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، وَلَا أَعْطَيْتَنَا نَصِيبًا مِنْ حُقُولٍ وَكُرُومٍ! هَلْ تَظُنُّ أَنَّكَ تَقْدِرُ أَنْ تَخْدَعَ قَوْمًا مِثْلَنَا؟ لَا! لَنْ نَذْهَبَ!“ فَغَضِبَ مُوسَى جِدًّا وَقَالَ للهِ: ”لَا تَقْبَلْ قُرْبَانَهُمَا، فَأَنَا لَمْ آخُذْ وَلَا حَتَّى حِمَارًا وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلَا أَسَأْتُ إِلَى أَحَدٍ مِنْهُمَا.“ وَقَالَ مُوسَى لِقُورَحَ: ”اِحْضَرْ أَنْتَ وَكُلُّ جَمَاعَتِكَ أَمَامَ اللهِ غَدًا، أَنْتَ وَهُمْ وَهَارُونُ. وَكُلُّ وَاحِدٍ يَأْخُذُ مَبْخَرَتَهُ، وَيَضَعُ فِيهَا بَخُورًا، وَيُقَدِّمُهُ أَمَامَ اللهِ. 250 مَبْخَرَةً بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَبْخَرَتِكَ وَمَبْخَرَةِ هَارُونَ.“ فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مَبْخَرَتَهُ، وَوَضَعُوا فِيهَا نَارًا وَبَخُورًا، وَوَقَفُوا مَعَ مُوسَى وَهَارُونَ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَجَمَعَ قُورَحُ عَلَيْهِمَا كُلَّ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ بَابِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، فَظَهَرَ جَلَالُ اللهِ لِكُلِّ الْجَمَاعَةِ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: ”اُخْرُجَا مِنْ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ، فَأُفْنِيَهُمْ فِي لَحْظَةٍ.“ فَوَقَعَ مُوسَى وَهَارُونُ عَلَى وَجْهَيْهِمَا وَقَالَا: ”اللَّهُمَّ، يَا إِلَهَ أَرْوَاحِ كُلِّ الْبَشَرِ. هَلْ تَغْضَبُ عَلَى كُلِّ الْجَمَاعَةِ وَالَّذِي أَخْطَأَ هُوَ رَجُلٌ وَاحِدٌ؟“ فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِلْجَمَاعَةِ أَنْ يَبْتَعِدُوا مِنْ حَوَالَيْ مَسْكَنِ قُورَحَ وَدَاثَانَ وَأَبِيرَامَ.“ فَقَامَ مُوسَى وَذَهَبَ إِلَى دَاثَانَ وَأَبِيرَامَ، وَذَهَبَ وَرَاءَهُ شُيُوخُ إِسْرَائِيلَ. فَقَالَ لِلْجَمَاعَةِ: ”اِبْتَعِدُوا عَنْ خِيَامِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْأَشْرَارِ، وَلَا تَمَسُّوا شَيْئًا مِمَّا لَهُمْ، لِئَلَّا تَهْلِكُوا بِسَبَبِ كُلِّ ذُنُوبِهِمْ.“ فَابْتَعَدُوا مِنْ حَوَالَيْ مَسْكَنِ قُورَحَ وَدَاثَانَ وَأَبِيرَامَ. وَخَرَجَ دَاثَانُ وَأَبِيرَامُ وَوَقَفَا فِي مَدْخَلِ خَيْمَتَيْهِمَا مَعَ نِسَائِهِمَا وَبَنِيهِمَا وَأَطْفَالِهِمَا. فَقَالَ مُوسَى: ”بِهَذَا تَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَنِي لِأَعْمَلَ كُلَّ هَذِهِ الْأَعْمَالِ، وَأَنِّي لَا أَعْمَلُهَا مِنْ نَفْسِي. إِنْ مَاتَ هَؤُلَاءِ مَوْتًا طَبِيعِيًّا، وَحَدَثَ مَعَهُمْ مَا يَحْدُثُ مَعَ النَّاسِ عَادَةً، فَلَا يَكُونُ اللهُ أَرْسَلَنِي. وَلَكِنْ إِنْ عَمِلَ اللهُ شَيْئًا لَمْ يَحْدُثْ مِنْ قَبْلُ، وَفَتَحَتِ الْأَرْضُ فَمَهَا وَبَلَعَتْهُمْ وَكُلَّ مَا لَهُمْ، فَدُفِنُوا فِي الْقَبْرِ أَحْيَاءً، فَتَعْلَمُونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ احْتَقَرُوا اللهَ.“ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ كَلَامِهِ هَذَا، اِنْشَقَّتِ الْأَرْضُ الَّتِي تَحْتَهُمْ، وَفَتَحَتِ الْأَرْضُ فَمَهَا، وَبَلَعَتْهُمْ هُمْ وَبُيُوتَهُمْ وَكُلَّ جَمَاعَةِ قُورَحَ وَكُلَّ مَا يَمْلِكُونَ. فَدُفِنُوا فِي الْقَبْرِ أَحْيَاءً مَعَ كُلِّ مَا لَهُمْ، وَانْطَبَقَتِ الْأَرْضُ عَلَيْهِمْ، وَبَادُوا مِنْ بَيْنِ الْجَمَاعَةِ. وَبِسَبَبِ صُرَاخِهِمْ، هَرَبَ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ حَوْلَهُمْ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا: ”الْأَرْضُ سَتَبْلَعُنَا نَحْنُ أَيْضًا!“ وَخَرَجَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَأَحْرَقَتِ الْـ250 رَجُلًا الَّذِينَ قَدَّمُوا الْبَخُورَ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِأَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ الْحَبْرِ أَنْ يَرْفَعَ الْمَبَاخِرَ مِنَ الْحَرِيقِ، لِأَنَّهَا أَصْبَحَتْ مُكَرَّسَةً للهِ، وَيُذَرِّي النَّارَ بَعِيدًا. وَاطْرُقُوا مَبَاخِرَ الَّذِينَ أَخْطَأُوا ضِدَّ أَنْفُسِهِمْ، وَاعْمَلُوهَا صَفَائِحَ لِتَكُونَ غِشَاءً لِلْمَنَصَّةِ، لِأَنَّهُمْ قَدَّمُوهَا للهِ فَأَصْبَحَتْ مُكَرَّسَةً لَهُ. فَتَكُونُ عِبْرَةً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ.“ فَأَخَذَ أَلِعَازَارُ الْحَبْرُ، مَبَاخِرَ النُّحَاسِ الَّتِي قَدَّمَهَا الَّذِينَ احْتَرَقُوا، وَطَرَقُوهَا غِشَاءً لِلْمَنَصَّةِ، كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. لِتُذَكِّرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَنْ لَا يَقْتَرِبَ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ نَسْلِ هَارُونَ لِيُبَخِّرَ بَخُورًا أَمَامَ اللهِ، لِئَلَّا يُصِيبَهُ مَا أَصَابَ قُورَحَ وَجَمَاعَتَهُ. وَفِي الْغَدِ تَذَمَّرَ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَقَالُوا لَهُمَا: ”أَنْتُمَا قَتَلْتُمَا شَعْبَ اللهِ.“ فَلَمَّا اجْتَمَعَتِ الْجَمَاعَةُ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ، ذَهَبَا نَحْوَ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. فَغَطَّتْهَا السَّحَابَةُ، وَظَهَرَ مَجْدُ اللهِ. فَذَهَبَ مُوسَى وَهَارُونُ إِلَى أَمَامِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”اُخْرُجَا مِنْ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ، فَأُفْنِيَهُمْ فِي لَحْظَةٍ.“ فَوَقَعَا عَلَى وَجْهَيْهِمَا. ثُمَّ قَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: ”خُذْ مَبْخَرَتَكَ، وَضَعْ فِيهَا نَارًا مِنْ عَلَى الْمَنَصَّةِ، وَضَعْ بَخُورًا، وَاذْهَبْ بِهَا مُسْرِعًا إِلَى الْجَمَاعَةِ وَكَفِّرْ عَنْهُمْ. لِأَنَّ الْغَضَبَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَبَدَأَ الْوَبَأُ.“ فَعَمِلَ هَارُونُ كَمَا قَالَ مُوسَى، وَجَرَى إِلَى وَسَطِ الْجَمَاعَةِ، وَكَانَ الْوَبَأُ قَدْ بَدَأَ فِي الشَّعْبِ. فَقَدَّمَ الْبَخُورَ وَكَفَّرَ عَنِ الشَّعْبِ. وَوَقَفَ بَيْنَ الْمَوْتَى وَالْأَحْيَاءِ، فَتَوَقَّفَ الْوَبَأُ. لَكِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ مِنَ الْوَبَأِ 14700، مَا عَدَا الَّذِينَ مَاتُوا بِسَبَبِ قُورَحَ. ثُمَّ رَجَعَ هَارُونُ إِلَى مُوسَى عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، لِأَنَّ الْوَبَأَ تَوَقَّفَ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخُذْ مِنْهُمُ 12 عَصًا، أَيْ عَصًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ رُؤَسَاءِ قَبَائِلِ أَهْلِهِمْ، وَاكْتُبِ اسْمَ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى عَصَاهُ، وَاكْتُبِ اسْمَ هَارُونَ عَلَى عَصَا لَاوِي، لِأَنَّ لِكُلِّ رَئِيسِ قَبِيلَةٍ عَصًا وَاحِدَةً. وَضَعِ الْعِصِيَّ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ أَمَامَ صُنْدُوقِ الْعَهْدِ، حَيْثُ أَتَقَابَلُ مَعَكُمْ. فَالرَّجُلُ الَّذِي أَخْتَارُهُ تُزْهِرُ عَصَاهُ، بِذَلِكَ أَتَخَلَّصُ مِنْ تَذَمُّرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَيْكُمَا.“ فَكَلَّمَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَعْطَاهُ رُؤَسَاؤُهُمُ 12 عَصًا، أَيْ عَصًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ رُؤَسَاءِ قَبَائِلِ أَهْلِهِمْ. وَعَصَا هَارُونَ بَيْنَ عِصِيِّهِمْ. فَوَضَعَ مُوسَى الْعِصِيَّ أَمَامَ اللهِ فِي خَيْمَةِ الْعَهْدِ. وَفِي الْغَدِ دَخَلَ مُوسَى خَيْمَةَ الْعَهْدِ، فَوَجَدَ أَنَّ عَصَا هَارُونَ الَّتِي لِبَيْتِ لَاوِي، قَدْ أَزْهَرَتْ، فَأَخْرَجَتْ وَرَقًا وَبَرَاعِمَ وَلَوْزًا نَاضِجًا. فَأَخْرَجَ مُوسَى كُلَّ الْعِصِيِّ مِنْ مَحْضَرِ اللهِ، إِلَى جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَفَحَصُوهَا وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ عَصَاهُ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”رُدَّ عَصَا هَارُونَ إِلَى أَمَامِ صُنْدُوقِ الْعَهْدِ، لِتُحْفَظَ لِتَكُونَ عِبْرَةً لِلْمُتَمَرِّدِينَ، لِكَيْ يَكُفَّ تَذَمُّرُهُمْ عَلَيَّ، فَلَا يَمُوتُوا.“ فَعَمِلَ مُوسَى تَمَامًا كَمَا أَمَرَهُ اللهُ. فَقَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: ”نَحْنُ فَنَيْنَا وَهَلَكْنَا! قَدْ هَلَكْنَا كُلُّنَا! كُلُّ مَنْ يَقْتَرِبُ مِنْ مَسْكَنِ اللهِ يَمُوتُ. تُرَى هَلْ نَفْنَى كُلُّنَا؟“ وَقَالَ اللهُ لِهَارُونَ: ”أَنْتَ وَأَوْلَادُكَ وَأَهْلُ أَبِيكَ مَسْئُولُونَ عَنْ أَيِّ إِسَاءَةٍ ضِدَّ الْمَقْدِسِ، وَأَنْتَ وَأَوْلَادُكَ وَحْدَكُمْ مَسْئُولُونَ عَنْ أَيِّ إِسَاءَةٍ ضِدَّ عَمَلِ الْحَبْرِ. وَأَحْضِرْ إِخْوَتَكَ بَنِي لَاوِي، قَبِيلَةَ أَبِيكَ، لِيَنْضَمُّوا إِلَيْكَ وَيُسَاعِدُوكَ أَنْتَ وَأَوْلَادَكَ فِي الْخِدْمَةِ أَمَامَ خَيْمَةِ الْعَهْدِ. وَيَكُونُوا مَسْئُولِينَ عَنْكَ وَعَنِ الْخَيْمَةِ كُلِّهَا، وَلَكِنْ إِيَّاهُمْ أَنْ يَقْتَرِبُوا إِلَى أَدَوَاتِ الْمَقْدِسِ وَلَا إِلَى الْمَنَصَّةِ، لِئَلَّا يَمُوتُوا هُمْ وَأَنْتُمْ مَعَهُمْ. يَنْضَمُّونَ إِلَيْكَ وَيَكُونُونَ مَسْئُولِينَ عَنْ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَكُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِخِدْمَتِهَا. وَلَا أَحَدَ غَيْرَهُمْ يَقْتَرِبُ مِنْكُمْ. إِنَّمَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ مَسْئُولِينَ عَنِ الْمَقْدِسِ وَعَنِ الْمَنَصَّةِ، لِكَيْ لَا يَعُودَ اللهُ فَيَغْضَبَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. إِنِّي أَخَذْتُ إِخْوَتَكُمُ اللَّاوِيِّينَ مِنْ بَيْنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَعْطَيْتُهُمْ لَكُمْ، لِيَكُونُوا مُكَرَّسِينَ للهِ لِيَقُومُوا بِالْخِدْمَةِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. لَكِنَّكَ أَنْتَ وَأَوْلَادَكَ وَحْدَكُمْ، تَخْدِمُونَ كَأَحْبَارٍ فِي كُلِّ مَا لَهُ عَلَاقَةٌ بِالْمَنَصَّةِ وَمَا هُوَ دَاخِلَ السِّتَارَةِ. فَإِنِّي أَعْطَيْتُكُمْ خِدْمَةَ الْحَبْرِ كَهَدِيَّةٍ. فَإِنِ اقْتَرَبَ مِنَ الْمَقْدِسِ وَاحِدٌ غَيْرُكُمْ يُقْتَلُ.“ وَقَالَ اللهُ لِهَارُونَ: ”إِنِّي جَعَلْتُكَ مَسْئُولًا عَنِ الْقَرَابِينِ الَّتِي تُقَدَّمُ لِي. فَكُلُّ الْقَرَابِينِ الْمُقَدَّسَةِ الَّتِي يُقَدِّمُهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لِي، أَعْطَيْتُهَا لَكَ وَلِأَوْلَادِكَ نَصِيبًا مِنْ حَقِّكُمْ دَائِمًا. فَمِنَ الْقَرَابِينِ الْمُقَدَّسَةِ جِدًّا، يَكُونُ مِنْ نَصِيبِكَ الْجُزْءُ الَّذِي لَا يُحْرَقُ عَلَى الْمَنَصَّةِ مِنْ قُرْبَانِ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانِ الْخَطِيئَةِ وَقُرْبَانِ الذَّنْبِ. هَذَا يَكُونُ لَكَ وَلِأَوْلَادِكَ مِنَ الْقَرَابِينِ الْمُقَدَّسَةِ جِدًّا الَّتِي يُحْضِرُونَهَا لِي. كُلُوهُ فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ جِدًّا، كُلُّ ذَكَرٍ يَأْكُلُ مِنْهُ. إِنَّهُ طَعَامٌ طَاهِرٌ. وَهَذَا أَيْضًا يَكُونُ لَكَ: كُلُّ الْقَرَابِينِ الْخَاصَّةِ الَّتِي يَتَبَرَّعُ بِهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ. أَنَا أَعْطَيْتُهَا لَكَ وَلِأَوْلَادِكَ وَبَنَاتِكَ حَقًّا دَائِمًا. أَيُّ وَاحِدٍ طَاهِرٍ فِي دَارِكَ، يَأْكُلُ مِنْهَا. وَأَيْضًا أَعْطَيْتُكَ أَوَّلَ الثِّمَارِ الَّتِي يُعْطُونَهَا للهِ: أَفْضَلَ الزَّيْتِ وَأَفْضَلَ الْخَمْرِ وَالْقَمْحِ. وَلَكَ أَيْضًا أَوَّلُ ثِمَارِ الْأَرْضِ الَّتِي يُقَدِّمُونَهَا للهِ. أَيُّ وَاحِدٍ طَاهِرٍ فِي دَارِكَ، يَأْكُلُ مِنْهَا. كُلُّ مَا يُعْطِيهِ أَحَدٌ كَأَوْقَافٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَكُونُ لَكَ. أَوَّلُ وَاحِدٍ يَخْرُجُ مِنَ الرَّحِمِ، وَيُقَدِّمُونَهُ للهِ، سَوَاءً مِنَ النَّاسِ أَوِ الْبَهَائِمِ، هُوَ لَكَ. مَا عَدَا بِكْرَ الْإِنْسَانِ، وَبِكْرَ الْبَهِيمَةِ النَّجِسَةِ فَإِنَّكَ تَقْبَلُ فِدَاءَهُمَا. وَفِدَاءُ بِكْرِ الْإِنْسَانِ، مِنِ ابْنِ شَهْرٍ، لَهُ قِيمَةٌ مُحَدَّدَةٌ وَهُوَ 5 عُمْلَاتٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَذَلِكَ حَسَبَ الْوَزْنِ الرَّسْمِيِّ لِلْعُمْلَةِ وَهُوَ 20 جِيرَةً. لَكِنْ لَا تَقْبَلْ فِدَاءَ بِكْرِ الْبَقَرِ أَوْ بِكْرِ الضَّأْنِ أَوْ بِكْرِ الْمَعْزِ. إِنَّه خَاصٌّ للهِ. بَلْ تَرُشُّ دَمَهُ عَلَى الْمَنَصَّةِ، وَتَحْرِقُ شَحْمَهُ كَقُرْبَانٍ يُشْعَلُ وَرَائِحَتُهُ تَسُرُّ اللهَ. وَلَحْمُهُ يَكُونُ لَكَ. وَلَكَ أَيْضًا الصَّدْرُ الَّذِي يُقَدَّمُ هَدِيَّةً، وَالْفَخْذُ الْيُمْنَى. فَكُلُّ الْقَرَابِينِ الْمُقَدَّسَةِ الَّتِي يُقَدِّمُهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ للهِ، أَعْطَيْتُهَا لَكَ وَلِأَوْلَادِكَ وَبَنَاتِكَ حَقًّا دَائِمًا. هَذَا عَهْدٌ لَا يُنْقَضُ، بَلْ يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ أَمَامَ اللهِ لَكَ وَلِنَسْلِكَ.“ وَقَالَ اللهُ لِهَارُونَ: ”لَا يَكُونُ لَكَ مِيرَاثٌ فِي أَرْضِهِمْ، وَلَا نَصِيبٌ بَيْنَهُمْ. أَنَا نَصِيبُكَ وَمِيرَاثُكَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ”أَمَّا بَنُو لَاوِي، فَأَنَا أَعْطَيْتُهُمْ كُلَّ عُشْرٍ فِي إِسْرَائِيلَ نَصِيبًا، مُقَابِلَ عَمَلِهِمِ الَّذِي يَقُومُونَ بِهِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. فَمِنَ الْآنَ، يَجِبُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ لَا يَقْتَرِبُوا إِلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، لِئَلَّا يَمُوتُوا عِقَابًا لِذَنْبِهِمْ. إِنَّمَا اللَّاوِيُّونَ هُمُ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِالْخِدْمَةِ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَهُمْ مَسْئُولُونَ عَنْهَا تَمَامًا. هَذِهِ فَرِيضَةٌ تَدُومُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. وَلَا يَنَالُونَ نَصِيبًا بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. إِنَّمَا عُشُورُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّتِي يُقَدِّمُونَهَا تَبَرُّعًا للهِ، أَنَا أَعْطَيْتُهَا نَصِيبًا لِلَّاوِيِّينَ. لِذَلِكَ قُلْتُ إِنَّهُمْ لَا يَنَالُونَ نَصِيبًا بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ.“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِلَّاوِيِّينَ: ’مَتَى أَخَذْتُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْعُشْرَ الَّذِي أَعْطَيْتُكُمْ إِيَّاهُ نَصِيبًا، فَيَجِبُ أَنْ تُقَدِّمُوا عُشْرَ هَذَا الْعُشْرِ تَبَرُّعًا للهِ. فَيُحْسَبُ قُرْبَانًا مِنْكُمْ. وَمِثْلَ الْقَمْحِ الَّذِي يَأْتُونَ بِهِ مِنَ الْبَيْدَرِ، وَمِثْلَ الْخَمْرِ الَّتِي يَأْتُونَ بِهَا مِنَ الْمَعْصَرَةِ، تُقَدِّمُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا، تَبَرُّعًا للهِ مِنْ كُلِّ الْعُشُورِ الَّتِي تَأْخُذُونَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَتُعْطُونَ نَصِيبَ اللهِ هَذَا لِهَارُونَ الْحَبْرِ. وَيَكُونُ كُلُّ تَبَرُّعٍ تُقَدِّمُونَهُ للهِ، هُوَ أَفْضَلَ وَأَقْدَسَ مَا يُعْطَى لَكُمْ.‘ ”وَقُلْ لِلَّاوِيِّينَ أَيْضًا: ’مَتَى قَدَّمْتُمْ للهِ أَفْضَلَ مَا يُعْطَى لَكُمْ، يَكُونُ الْبَاقِي لَكُمْ، كَمَحْصُولِ الْبَيْدَرِ وَالْمَعْصَرَةِ. فَتَأْكُلُونَهُ أَنْتُمْ وَعَائِلَاتُكُمْ فِي أَيِّ مَكَانٍ. لِأَنَّهُ أُجْرَتُكُمْ مُقَابِلَ خِدْمَتِكُمْ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَلَا يَكُونُ عَلَيْكُمْ ذَنْبٌ، مَا دُمْتُمْ قَدْ قَدَّمْتُمْ للهِ أَفْضَلَ مَا يُعْطَى لَكُمْ. بِذَلِكَ لَا تُنَجِّسُونَ قَرَابِينَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْمُقَدَّسَةَ، لِئَلَّا تَمُوتُوا.‘“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: ”هَذِهِ إِحْدَى فَرَائِضِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا، قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُحْضِرُوا لَكَ بَقَرَةً حَمْرَاءَ صَحِيحَةً بِلَا عَيْبٍ، وَلَمْ تَحْمِلْ نِيرًا. وَأَعْطُوهَا لِأَلِعَازَارَ الْحَبْرِ، فَيَأْخُذَهَا خَارِجَ الْمُخَيَّمِ وَتُذْبَحُ أَمَامَهُ. ثُمَّ يَأْخُذُ أَلِعَازَارُ الْحَبْرُ مِنْ دَمِهَا بِإِصْبَعِهِ، وَيَرُشُّهُ 7 مَرَّاتٍ نَحْوَ وَاجِهَةِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَتُحْرَقُ الْبَقَرَةُ أَمَامَ عَيْنَيْهِ، بِجِلْدِهَا وَلَحْمِهَا وَدَمِهَا وَرَوْثِهَا. وَيَأْخُذُ الْحَبْرُ خَشَبَ أَرْزٍ وَغُصْنًا مِنْ نَبَاتِ السَّعْتَرِ وَخَيْطًا أَحْمَرَ، وَيَرْمِيهَا فِي وَسَطِ حَرِيقِ الْبَقَرَةِ. ثُمَّ يَغْسِلُ الْحَبْرُ ثِيَابَهُ، وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَدْخُلُ إِلَى الْمُخَيَّمِ، لَكِنَّهُ يَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَالرَّجُلُ الَّذِي أَحْرَقَ الْبَقَرَةَ أَيْضًا، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. ”وَيَجْمَعُ رَجُلٌ طَاهِرٌ رَمَادَ الْبَقَرَةِ، وَيَضَعُهُ فِي مَكَانٍ طَاهِرٍ خَارِجَ الْمُخَيَّمِ. فَيَكُونُ مَحْفُوظًا لِجَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي مَاءِ التَّطْهِيرِ. إِنَّهَا ضَحِيَّةٌ عَنِ الْخَطِيئَةِ. وَالَّذِي جَمَعَ رَمَادَ الْبَقَرَةِ، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَتَكُونُ هَذِهِ فَرِيضَةً دَائِمَةً، لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَلِلْغُرَبَاءِ الْمُقِيمِينَ بَيْنَهُمْ. ”مَنْ مَسَّ إِنْسَانًا مَيِّتًا، يَكُونُ نَجِسًا 7 أَيَّامٍ. فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُطَهِّرَ نَفْسَهُ بِمَاءِ التَّطْهِيرِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ، فَيَطْهُرُ. وَإِنْ لَمْ يُطَهِّرْ نَفْسَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ، لَا يَطْهُرُ. وَمَنْ مَسَّ إِنْسَانًا مَيِّتًا، وَلَمْ يُطَهِّرْ نَفْسَهُ، يُنَجِّسُ خَيْمَةَ اللهِ. هَذَا الشَّخْصُ يَجِبُ أَنْ يُبَادَ مِنْ إِسْرَائِيلَ، لِأَنَّهُ نَجِسٌ، لِأَنَّ مَاءَ التَّطْهِيرِ لَمْ يُرَشَّ عَلَيْهِ، وَنَجَاسَتُهُ بَاقِيَةٌ فِيهِ. ”وَهَذِهِ شَرِيعَةُ مَنْ مَاتَ فِي خَيْمَةٍ: أَيُّ وَاحِدٍ يَدْخُلُ الْخَيْمَةَ، وَأَيُّ وَاحِدٍ مَوْجُودٍ فِي الْخَيْمَةِ، يَكُونُ نَجِسًا 7 أَيَّامٍ. وَكُلُّ إِنَاءٍ مَفْتُوحٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ مُحْكَمٌ، يَكُونُ نَجِسًا. كُلُّ مَنْ مَسَّ مَيِّتًا فِي الْخَلَاءِ، سَوَاءً كَانَ قَدْ قُتِلَ بِالسَّيْفِ، أَوْ مَاتَ مَوْتًا طَبِيعِيًّا، أَوْ إِنْ مَسَّ عَظْمَ إِنْسَانٍ أَوْ قَبْرًا، يَكُونُ نَجِسًا 7 أَيَّامٍ. ”فَخُذُوا لِلنَّجِسِ مِنْ رَمَادِ حَرِيقِ ضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ، وَضَعُوهُ فِي إِنَاءٍ، وَصُبُّوا عَلَيْهِ مَاءً عَذْبًا. وَيَأْخُذُ رَجُلٌ طَاهِرٌ غُصْنًا مِنْ نَبَاتِ السَّعْتَرِ، وَيَغْمِسُهُ فِي الْمَاءِ وَيَرُشُّهُ عَلَى الْخَيْمَةِ وَعَلَى كُلِّ الْأَثَاثِ، وَعَلَى الَّذِينَ كَانُوا هُنَاكَ، وَأَيْضًا عَلَى مَنْ مَسَّ الْعَظْمَ أَوِ الْقَتِيلَ أَوِ الْمَيِّتَ أَوِ الْقَبْرَ. فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَالْيَوْمِ السَّابِعِ يَرُشُّ الطَّاهِرُ عَلَى النَّجِسِينَ، فَيَطْهُرُونَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ، وَيَغْسِلُونَ ثِيَابَهُمْ، وَيَسْتَحِمُّونَ بِمَاءٍ، وَيَكُونُونَ طَاهِرِينَ فِي الْمَسَاءِ. أَمَّا الشَّخْصُ الَّذِي يَتَنَجَّسُ وَلَا يُطَهِّرُ نَفْسَهُ، فَيُبَادُ مِنْ بَيْنِ الْجَمَاعَةِ، لِأَنَّهُ نَجَّسَ مَقْدِسَ اللهِ، وَمَاءُ التَّطْهِيرِ لَمْ يُرَشَّ عَلَيْهِ، فَهُوَ نَجِسٌ. هَذِهِ لَكُمْ فَرِيضَةٌ تَدُومُ. وَالَّذِي رَشَّ مَاءَ التَّطْهِيرِ، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ. وَمَنْ مَسَّ مَاءَ التَّطْهِيرِ يَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. وَكُلُّ مَا يَمَسُّهُ النَّجِسُ يَتَنَجَّسُ، وَكُلُّ مَنْ يَمَسُّ النَّجِسَ يَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ.“ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَصَلَتْ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى صَحْرَاءِ صِينَ، وَأَقَامُوا فِي قَادِشَ. وَهُنَاكَ مَاتَتْ مَرْيَمُ وَدُفِنَتْ. وَلَمْ يَكُنْ مَاءٌ لِلْجَمَاعَةِ، فَاجْتَمَعُوا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ. وَخَاصَمَ الشَّعْبُ مُوسَى وَقَالُوا لَهُ: ”لَيْتَنَا مُتْنَا كَمَا مَاتَ إِخْوَتُنَا أَمَامَ اللهِ! لِمَاذَا أَتَيْتُمَا بِجَمَاعَةِ اللهِ إِلَى هَذِهِ الصَّحْرَاءِ، لِنَمُوتَ فِيهَا نَحْنُ وَمَوَاشِينَا؟ وَلِمَاذَا أَخْرَجْتُمَانَا مِنْ مِصْرَ إِلَى هَذَا الْمَكَانِ الرَّدِيءِ، الَّذِي لَا زَرْعَ فِيهِ، وَلَا تِينَ، وَلَا كَرْمَ، وَلَا رُمَّانَ، وَلَا مَاءَ لِلشُّرْبِ؟“ فَذَهَبَ مُوسَى وَهَارُونُ مِنْ أَمَامِ الْجَمَاعَةِ، إِلَى مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ وَوَقَعَا عَلَى وَجْهَيْهِمَا. فَظَهَرَ لَهُمَا جَلَالُ اللهِ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”خُذِ الْعَصَا، وَاجْمَعِ الْجَمَاعَةَ، أَنْتَ وَهَارُونُ أَخُوكَ، وَكَلِّمَا الصَّخْرَةَ أَمَامَ عُيُونِهِمْ لِتُعْطِيَ مَاءَهَا. فَتُخْرِجَ مَاءً مِنَ الصَّخْرَةِ لِلْجَمَاعَةِ، فَيَشْرَبُوا هُمْ وَمَوَاشِيهِمْ.“ فَأَخَذَ مُوسَى الْعَصَا مِنْ أَمَامِ اللهِ، كَمَا أَمَرَهُ. وَجَمَعَ مُوسَى وَهَارُونُ الشَّعْبَ أَمَامَ الصَّخْرَةِ، وَقَالَ لَهُمْ: ”اِسْمَعُوا أَيُّهَا الْمُتَمَرِّدُونَ، أَنُخْرِجُ لَكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ مَاءً؟“ وَرَفَعَ مُوسَى يَدَهُ، وَضَرَبَ الصَّخْرَةَ بِعَصَاهُ مَرَّتَيْنِ، فَخَرَجَ مَاءٌ غَزِيرٌ، فَشَرِبَتِ الْجَمَاعَةُ وَمَوَاشِيهَا. فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: ”أَنْتُمَا لَمْ تُؤْمِنَا بِي وَلَمْ تُظْهِرَا أَمَامَ الشَّعْبِ أَنِّي قُدُّوسٌ! لِذَلِكَ لَا تُدْخِلَانِ هَذِهِ الْجَمَاعَةَ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أُعْطِيهَا لَهُمْ.“ هَذَا هُوَ مَاءُ مَرِيبَةَ (أَيْ مَاءُ الْخِصَامِ) حَيْثُ خَاصَمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ اللهَ، وَمَعَ ذَلِكَ أَظْهَرَ لَهُمْ أَنَّهُ قُدُّوسٌ. وَأَرْسَلَ مُوسَى رُسُلًا مِنْ قَادِشَ إِلَى مَلِكِ أَدُومَ يَقُولُ: ”أَخُوكَ إِسْرَائِيلُ يَقُولُ: ’قَدْ بَلَغَكَ كُلُّ مَا أَصَابَنَا مِنْ مَشَقَّةٍ، فَقَدْ نَزَلَ آبَاؤُنَا إِلَى مِصْرَ، وَعِشْنَا فِيهَا سِنِينَ طَوِيلَةً. وَأَسَاءَ الْمِصْرِيُّونَ إِلَيْنَا وَإِلَى آبَائِنَا. فَصَرَخْنَا إِلَى اللهِ، وَسَمِعَ اللهُ صُرَاخَنَا، وَأَرْسَلَ مَلَاكًا وَأَخْرَجَنَا مِنْ مِصْرَ. وَنَحْنُ الْآنَ هُنَا فِي مَدِينَةِ قَادِشَ فِي طَرَفِ أَرْضِكَ. فَمِنْ فَضْلِكَ، اِسْمَحْ لَنَا أَنْ نَمُرَّ فِي بِلَادِكَ. وَنَعِدُكَ بِأَنْ لَا نَمُرَّ فِي حَقْلٍ وَلَا فِي كَرْمٍ، وَلَا نَشْرَبَ مَاءَ بِئْرٍ. إِنَّمَا نَمْشِي فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ، لَا نَنْحَرِفُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا إِلَى أَنْ نَتْرُكَ أَرْضَكَ.‘“ فَرَدَّ عَلَيْهِ أَدُومُ وَقَالَ: ”إِيَّاكُمْ أَنْ تَمُرُّوا مِنْ هُنَا! فَإِنْ حَاوَلْتُمْ، أَخْرُجُ وَأَهْجُمُ عَلَيْكُمْ بِالسَّيْفِ.“ فَقَالَ لَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ: ”نَذْهَبُ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ فَقَطْ. وَإِنْ شَرِبْنَا نَحْنُ وَمَوَاشِينَا مِنْ مَائِكَ نَدْفَعُ ثَمَنَهُ. فَنَحْنُ لَا نَطْلُبُ شَيْئًا، غَيْرَ أَنْ نَمُرَّ بِأَرْجُلِنَا فَقَطْ.“ فَقَالَ لَهُمْ: ”إِيَّاكُمْ أَنْ تَمُرُّوا!“ وَخَرَجَ أَدُومُ بِجَيْشٍ كَبِيرٍ قَوِيٍّ لِيَهْجُمَ عَلَيْهِمْ. وَرَفَضَ مَلِكُ أَدُومَ أَنْ يَسْمَحَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ بِالْمُرُورِ فِي بِلَادِهِ، فَتَحَوَّلُوا عَنْهُ. وَرَحَلَتْ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ قَادِشَ وَأَتَوْا إِلَى جَبَلِ هُورَ. وَفِي جَبَلِ هُورَ، بِالْقُرْبِ مِنْ حُدُودِ أَدُومَ، قَالَ اللهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: ”يَنْضَمُّ هَارُونُ إِلَى أَسْلَافِهِ، لِأَنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ الْأَرْضَ الَّتِي أُعْطِيهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، لِأَنَّكُمَا عَصَيْتُمَا كَلَامِي عِنْدَ مَاءِ مَرِيبَةَ. إِذَنْ خُذْ هَارُونَ وَأَلِعَازَارَ ابْنَهُ، وَاصْعَدْ بِهِمَا إِلَى جَبَلِ هُورَ. وَاخْلَعْ عَنْ هَارُونَ ثِيَابَهُ، وَأَلْبِسْهَا أَلِعَازَارَ ابْنَهُ، فَيُضَمُّ هَارُونُ إِلَى أَسْلَافِهِ وَيَمُوتُ هُنَاكَ.“ فَعَمِلَ مُوسَى كَمَا أَمَرَ اللهُ: صَعِدُوا إِلَى جَبَلِ هُورَ عَلَى مَشْهَدٍ مِنْ كُلِّ الْجَمَاعَةِ. وَخَلَعَ مُوسَى عَنْ هَارُونَ ثِيَابَهُ، وَأَلْبَسَهَا أَلِعَازَارَ ابْنَهُ. وَمَاتَ هَارُونُ هُنَاكَ عَلَى قِمَّةِ الْجَبَلِ. ثُمَّ نَزَلَ مُوسَى وَأَلِعَازَارُ مِنَ الْجَبَلِ. فَلَمَّا رَأَتْ كُلُّ الْجَمَاعَةِ أَنَّ هَارُونَ مَاتَ، عَمِلَ لَهُ كُلُّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ جِنَازَةً 30 يَوْمًا. وَسَمِعَ مَلِكُ عَرَادَ الْكَنْعَانِيُّ الْمُقِيمُ فِي النَّقَبِ، أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَادِمُونَ فِي طَرِيقِ أَتَارِيمَ، فَحَارَبَهُمْ وَأَسَرَ بَعْضَهُمْ. فَنَذَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ نَذْرًا للهِ وَقَالُوا: ”إِنْ نَصَرْتَنَا عَلَى هَؤُلَاءِ النَّاسِ، نَخْرِبُ مُدُنَهُمْ تَمَامًا.“ فَسَمِعَ اللهُ تَضَرُّعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَنَصَرَهُمْ عَلَى الْكَنْعَانِيِّينَ، فَأَهْلَكُوهُمْ وَخَرَبُوا مُدُنَهُمْ، فَدُعِيَ اسْمُ الْمَكَانِ حُرْمَةَ وَتَعْنِي: خَرَابٌ. وَرَحَلُوا مِنْ جَبَلِ هُورَ عَنْ طَرِيقِ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ، لِيَدُورُوا بِأَرْضِ أَدُومَ. وَنَفِدَ صَبْرُ الشَّعْبِ فِي الطَّرِيقِ. وَتَكَلَّمُوا ضِدَّ اللهِ وَضِدَّ مُوسَى وَقَالُوا: ”لِمَاذَا أَخْرَجْتُمَانَا مِنْ مِصْرَ، لِنَمُوتَ فِي الصَّحْرَاءِ؟ لَا يُوجَدُ خُبْزٌ، وَلَا يُوجَدُ مَاءٌ! وَقَدْ كَرِهْنَا هَذَا الطَّعَامَ التَّافِهَ.“ فَأَرْسَلَ اللهُ عَلَى الشَّعْبِ حَيَّاتٍ سَامَّةً، فَلَدَغَتِ النَّاسَ، فَمَاتَ كَثِيرُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَجَاءَ الشَّعْبُ إِلَى مُوسَى وَقَالُوا: ”أَخْطَأْنَا بِأَنْ تَكَلَّمْنَا ضِدَّ اللهِ وَضِدَّكَ. تَضَرَّعْ إِلَى اللهِ لِيُبْعِدَ عَنَّا الْحَيَّاتِ.“ فَتَضَرَّعَ مُوسَى مِنْ أَجْلِ الشَّعْبِ. فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”اِصْنَعْ حَيَّةً، وَارْفَعْهَا عَلَى عَمُودٍ، فَكُلُّ مَنْ لُدِغَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا يَحْيَا.“ فَصَنَعَ مُوسَى حَيَّةً مِنْ نُحَاسٍ، وَرَفَعَهَا عَلَى عَمُودٍ. فَأَيُّ وَاحِدٍ لَدَغَتْهُ حَيَّةٌ وَنَظَرَ إِلَى الْحَيَّةِ النُّحَاسِيَّةِ، كَانَ يَحْيَا. وَرَحَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَنَزَلُوا فِي أُوبُوتَ. وَرَحَلُوا مِنْ أُوبُوتَ وَنَزَلُوا فِي عَيَّ عَبَارِيمَ فِي الصَّحْرَاءِ الَّتِي مُقَابِلَ مُوآبَ، نَاحِيَةَ شُرُوقِ الشَّمْسِ. وَمِنْ هُنَاكَ رَحَلُوا وَنَزَلُوا فِي وَادِي زَارَدَ. وَمِنْ هُنَاكَ رَحَلُوا وَنَزَلُوا عَلَى الْجَانِبِ الشَّمَالِيِّ مِنْ نَهْرِ أَرْنُونَ، الَّذِي فِي الصَّحْرَاءِ خَارِجَ حُدُودِ الْأَمُورِيِّينَ. لِأَنَّ نَهْرَ أَرْنُونَ هُوَ الْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَ الْمُوآبِيِّينَ وَالْأَمُورِيِّينَ. لِذَلِكَ يَتَحَدَّثُ كِتَابُ حُرُوبِ اللهِ عَنْ: ”مَدِينَةِ وَاهِبَ وَجَدَاوِلِهَا فِي أَرْضِ سُوفَةَ، وَنَهْرِ أَرْنُونَ الْمُنْحَدِرِ إِلَى جَدَاوِلَ عَلَى حُدُودِ مُوآبَ وَحَتَّى إِلَى مَدِينَةِ عَارَ.“ وَمِنْ هُنَاكَ رَحَلُوا إِلَى الْبِئْرِ الَّتِي عِنْدَهَا قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”اِجْمَعِ الشَّعْبَ فَأُعْطِيَهُمْ مَاءً.“ عِنْدَ ذَلِكَ غَنَّى بَنُو إِسْرَائِيلَ هَذِهِ الْأُغْنِيَةَ: ”لِيَتَدَفَّقْ مَاؤُكِ يَا بِئْرُ. غَنُّوا لَهَا. بِئْرٌ حَفَرَهَا الرُّؤَسَاءُ، حَفَرَهَا شُرَفَاءُ الشَّعْبِ بِعَصًا وَأَغْصَانٍ.“ ثُمَّ رَحَلُوا مِنَ الصَّحْرَاءِ إِلَى مَتَّانَةَ. وَمِنْ مَتَّانَةَ إِلَى نَحْلِئِيلَ، وَمِنْ نَحْلِئِيلَ إِلَى بَامُوتَ. وَمِنْ بَامُوتَ إِلَى الْوَادِي الَّذِي فِي مُوآبَ عِنْدَ قِمَّةِ الْفِسْجَةِ الَّتِي تُشْرِفُ عَلَى الْقَفْرِ. وَأَرْسَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ رُسُلًا إِلَى سِيحُونَ، مَلِكِ الْأَمُورِيِّينَ، يَقُولُونَ لَهُ: ”اِسْمَحْ لَنَا أَنْ نَمُرَّ فِي بِلَادِكَ، وَنَعِدُكَ بِأَنْ لَا نَنْحَرِفَ إِلَى حَقْلٍ وَلَا إِلَى كَرْمٍ، وَلَا نَشْرَبَ مَاءَ بِئْرٍ. إِنَّمَا نَمْشِي فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ، إِلَى أَنْ نَتْرُكَ أَرْضَكَ.“ فَلَمْ يَسْمَحْ سِيحُونُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ بِالْمُرُورِ فِي أَرْضِهِ، بَلْ جَمَعَ كُلَّ جَيْشِهِ وَخَرَجَ إِلَى الصَّحْرَاءِ لِيَهْجُمَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَذَهَبَ إِلَى يَاهَصَ وَحَارَبَهُمْ. فَقَتَلُوهُ بِالسَّيْفِ، وَأَخَذُوا أَرْضَهُ مِنْ أَرْنُونَ إِلَى يَبُّوقَ، إِلَى حُدُودِ بَنِي عَمُّونَ فَقَطْ، لِأَنَّ حُدُودَ بَنِي عَمُّونَ كَانَتْ مُحَصَّنَةً. فَأَخَذَ بَنُو إِسْرَائِيلَ كُلَّ مُدُنِ الْأَمُورِيِّينَ وَاحْتَلُّوهَا، بِمَا فِي ذَلِكَ مَدِينَةُ حَشْبُونَ وَكُلُّ الْقُرَى الَّتِي حَوَالَيْهَا. لِأَنَّ حَشْبُونَ كَانَتْ مَدِينَةَ سِيحُونَ مَلِكِ الْأَمُورِيِّينَ، الَّذِي كَانَ قَدْ حَارَبَ مَلِكَ مُوآبَ السَّابِقَ، وَأَخَذَ مِنْهُ كُلَّ أَرْضِهِ إِلَى أَرْنُونَ. لِذَلِكَ يَقُولُ الشُّعَرَاءُ: ”تَعَالَوْا إِلَى حَشْبُونَ لِتُبْنَى، مَدِينَةُ سِيحُونَ تُشَيَّدُ، نَارٌ خَرَجَتْ مِنْ حَشْبُونَ، لَهِيبٌ مِنْ مَدِينَةِ سِيحُونَ، أَحْرَقَتْ مَدِينَةَ عَارَ فِي مُوآبَ، وَأَهَالِيَ مُرْتَفَعَاتِ أَرْنُونَ. الْوَيْلُ لَكَ يَا شَعْبَ مُوآبَ، هَلَكْتُمْ يَا مَنْ تَعْبُدُونَ كَمُوشَ، الَّذِي جَعَلَ بَنِيهِ مُشَرَّدِينَ، وَبَنَاتِهِ أَسِيرَاتٍ عِنْدَ سِيحُونَ مَلِكِ الْأَمُورِيِّينَ. لَكِنَّنَا هَزَمْنَاهُمْ، هَلَكَتْ حَشْبُونُ حَتَّى إِلَى دِيبُونَ، أَفْنَيْنَاهُمْ حَتَّى إِلَى نُوفَحَ الَّتِي تَمْتَدُّ إِلَى مِيدَبَا.“ فَأَقَامَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي أَرْضِ الْأَمُورِيِّينَ. وَأَرْسَلَ مُوسَى جَوَاسِيسَ إِلَى يَعْزِيرَ، وَاسْتَوْلَوْا عَلَى الْقُرَى الَّتِي حَوَالَيْهَا، وَطَرَدُوا الْأَمُورِيِّينَ الَّذِينَ هُنَاكَ. ثُمَّ دَارُوا وَصَعِدُوا فِي الطَّرِيقِ الْمُتَّجِهَةِ إِلَى بَاشَانَ، فَخَرَجَ عُوجُ مَلِكُ بَاشَانَ هُوَ وَكُلُّ جَيْشِهِ لِيُحَارِبَهُمْ فِي إِذْرَعِي. فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”لَا تَخَفْ مِنْهُ لِأَنِّي أَعْطَيْتُهُ لَكَ هُوَ وَكُلَّ جَيْشِهِ وَبِلَادِهِ. فَافْعَلْ بِهِ مَا فَعَلْتَ بِسِيحُونَ مَلِكِ الْأَمُورِيِّينَ الَّذِي كَانَ فِي حَشْبُونَ.“ فَقَتَلُوهُ هُوَ وَبَنِيهِ وَكُلَّ جَيْشِهِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَمَلَكُوا أَرْضَهُ. وَرَحَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَنَزَلُوا فِي سُهُولِ مُوآبَ عَلَى شَاطِئِ الْأُرْدُنِّ، مُقَابِلَ أَرِيحَا. وَلَمَّا رَأَى بَالَاقُ بْنُ صِفُّورَ كُلَّ مَا فَعَلَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالْأَمُورِيِّينَ، فَزِعَ الْمُوآبِيُّونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ، وَخَافُوا مِنْهُمْ جِدًّا. فَقَالَ الْمُوآبِيُّونَ لِشُيُوخِ مِدْيَانَ: ”هَذِهِ الْجَمَاعَةُ تَبْلَعُ كُلَّ مَا حَوْلَنَا، كَمَا يَبْلَعُ الثَّوْرُ عُشْبَ الْحَقْلِ.“ وَكَانَ بَالَاقُ بْنُ صِفُّورَ هُوَ مَلِكَ مُوآبَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَأَرْسَلَ رُسُلًا لِيَسْتَدْعِيَ بَلْعَامَ بْنَ بَعُورَ، وَهُوَ مُقِيمٌ بَيْنَ شَعْبِهِ فِي فَتُورَ الَّتِي عَلَى نَهْرِ الْفُرَاتِ. وَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ: ”يُوجَدُ شَعْبٌ خَرَجَ مِنْ مِصْرَ وَغَطَّى وَجْهَ الْأَرْضِ، وَقَدْ جَاءَ لِيُقِيمَ بِجِوَارِي. فَتَعَالَ الْآنَ وَالْعَنْهُمْ لِي، لِأَنَّهُمْ أَقْوَى مِنَّا. رُبَّمَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَغْلِبَهُمْ وَنَطْرُدَهُمْ مِنْ هُنَا. فَأَنَا عَارِفٌ أَنَّ مَنْ تُبَارِكُهُ يَكُونُ مُبَارَكًا، وَمَنْ تَلْعَنُهُ يَكُونُ مَلْعُونًا.“ فَذَهَبَ شُيُوخُ مُوآبَ وَشُيُوخُ مِدْيَانَ، وَمَعَهُمُ الْأُجْرَةُ الَّتِي سَيُعْطُونَهَا لِبَلْعَامَ لِيَعْلَمَ لَهُمُ الْغَيْبَ. وَجَاءُوا إِلَى بَلْعَامَ، وَأَخْبَرُوهُ بِكَلَامِ بَالَاقَ. فَقَالَ لَهُمْ بَلْعَامُ: ”بِيتُوا هُنَا، فَأَرُدَّ عَلَيْكُمْ كَمَا يَقُولُ لِيَ اللهُ.“ فَأَقَامَ رُؤَسَاءُ مُوآبَ عِنْدَ بَلْعَامَ. وَجَاءَ اللهُ إِلَى بَلْعَامَ وَقَالَ: ”مَنْ هُمْ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ الَّذِينَ عِنْدَكَ؟“ فَقَالَ بَلْعَامُ: ”أَرْسَلَ بَالَاقُ بْنُ صِفُّورَ إِلَيَّ يَقُولُ: ’الشَّعْبُ الَّذِي خَرَجَ مِنْ مِصْرَ غَطَّى وَجْهَ الْأَرْضِ. تَعَالَ الْآنَ وَالْعَنْهُمْ لِي، رُبَّمَا أَقْدِرُ أَنْ أُحَارِبَهُمْ وَأَطْرُدَهُمْ.‘“ فَقَالَ اللهُ لِبَلْعَامَ: ”لَا تَذْهَبْ مَعَهُمْ، وَلَا تَلْعَنِ الشَّعْبَ لِأَنَّهُ مُبَارَكٌ.“ فَقَامَ بَلْعَامُ فِي الصُّبْحِ، وَقَالَ لِرُؤَسَاءِ بَالَاقَ: ”اِرْجِعُوا إِلَى بَلَدِكُمْ لِأَنَّ اللهَ رَفَضَ أَنْ يَسْمَحَ لِي بِالذَّهَابِ مَعَكُمْ.“ فَانْصَرَفَ رُؤَسَاءُ مُوآبَ، وَرَجَعُوا إِلَى بَالَاقَ وَقَالُوا: ”رَفَضَ بَلْعَامُ أَنْ يَأْتِيَ مَعَنَا.“ فَأَرْسَلَ بَالَاقُ رُؤَسَاءَ آخَرِينَ أَكْثَرَ عَدَدًا وَأَعْلَى مَكَانَةً مِنَ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ فِي الْأَوَّلِ. فَجَاءُوا إِلَى بَلْعَامَ وَقَالُوا لَهُ: ”يَقُولُ بَالَاقُ بْنُ صِفُّورَ: ’لَا تَرْفُضْ أَنْ تَأْتِيَ إِلَيَّ، لِأَنِّي سَأُكْرِمُكَ جِدًّا، وَكُلُّ مَا تَقُولُهُ أَفْعَلُهُ. تَعَالَ وَالْعَنْ لِي هَذَا الشَّعْبَ.‘“ فَأَجَابَهُمْ بَلْعَامُ: ”لَوْ أَعْطَانِي بَالَاقُ مِلْءَ بَيْتِهِ فِضَّةً وَذَهَبًا، لَا أَقْدِرُ أَنْ أُخَالِفَ كَلَامَ اللهِ إِلَهِي فَأَعْمَلَ شَيْئًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا. فَانْتَظِرُوا أَنْتُمْ أَيْضًا هَذِهِ اللَّيْلَةَ هُنَا، لِأَرَى مَا يَقُولُهُ اللهُ لِي هَذِهِ الْمَرَّةَ.“ وَجَاءَ اللهُ إِلَى بَلْعَامَ فِي اللَّيْلِ وَقَالَ لَهُ: ”إِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ جَاءُوا لِيَسْتَدْعُوكَ، قُمْ وَاذْهَبْ مَعَهُمْ، إِنَّمَا تَعْمَلُ فَقَطْ مَا أَقُولُهُ لَكَ.“ فَقَامَ بَلْعَامُ فِي الصُّبْحِ، وَأَسْرَجَ حِمَارَتَهُ، وَذَهَبَ مَعَ رُؤَسَاءِ مُوآبَ. فَغَضِبَ اللهُ جِدًّا، لِأَنَّهُ ذَهَبَ مَعَهُمْ. وَوَقَفَ مَلَاكُ اللهِ فِي الطَّرِيقِ لِيُقَاوِمَهُ، وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى حِمَارَتِهِ وَمَعَهُ خَادِمَاهُ. فَرَأَتِ الْحِمَارَةُ الْمَلَاكَ وَاقِفًا فِي الطَّرِيقِ، وَقَدِ اسْتَلَّ سَيْفَهُ فِي يَدِهِ. فَانْحَرَفَتِ الْحِمَارَةُ عَنِ الطَّرِيقِ وَمَشَتْ فِي الْحَقْلِ. فَضَرَبَ بَلْعَامُ الْحِمَارَةَ لِيَرُدَّهَا إِلَى الطَّرِيقِ. ثُمَّ وَقَفَ الْمَلَاكُ فِي مَمَرٍّ ضَيِّقٍ بَيْنَ الْكُرُومِ، لَهُ حَائِطٌ مِنْ هُنَا وَحَائِطٌ مِنْ هُنَاكَ. فَلَمَّا رَأَتِ الْحِمَارَةُ الْمَلَاكَ، مَشَتْ مُلْتَصِقَةً بِالْحَائِطِ وَضَغَطَتْ رِجْلَ بَلْعَامَ بِالْحَائِطِ، فَضَرَبَهَا مَرَّةً ثَانِيَةً. فَتَقَدَّمَ الْمَلَاكُ وَوَقَفَ فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ، حَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْعُبُورُ عَنِ الْيَمِينِ أَوْ عَنِ الشِّمَالِ. فَلَمَّا رَأَتِ الْحِمَارَةُ الْمَلَاكَ، وَقَفَتْ تَمَامًا وَبَلْعَامُ رَاكِبٌ عَلَيْهَا. فَغَضِبَ بَلْعَامُ جِدًّا وَضَرَبَ الْحِمَارَةَ بِعَصَاهُ. فَجَعَلَ اللهُ الْحِمَارَةَ تَنْطِقُ، فَقَالَتْ لِبَلْعَامَ: ”مَاذَا صَنَعْتُ بِكَ، حَتَّى تَضْرِبَنِي 3 مَرَّاتٍ؟“ فَقَالَ بَلْعَامُ لِلْحِمَارَةِ: ”لِأَنَّكِ سَخِرْتِ مِنِّي. وَلَوْ كَانَ بِيَدِي سَيْفٌ، لَكُنْتُ قَدْ قَتَلْتُكِ الْآنَ!“ فَقَالَتِ الْحِمَارَةُ لِبَلْعَامَ: ”أَلَسْتُ أَنَا حِمَارَتَكَ الَّتِي رَكِبْتَ عَلَيْهَا طُولَ عُمْرِكَ إِلَى الْيَوْمِ؟ هَلْ تَعَوَّدْتُ أَنْ أَفْعَلَ بِكَ هَذَا؟“ فَقَالَ: ”لَا.“ ثُمَّ كَشَفَ اللهُ عَنْ عَيْنَيْ بَلْعَامَ، فَرَأَى مَلَاكَ اللهِ وَاقِفًا فِي الطَّرِيقِ، وَقَدِ اسْتَلَّ سَيْفَهُ فِي يَدِهِ. فَسَجَدَ بَلْعَامُ إِلَى الْأَرْضِ وَوَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ. فَقَالَ لَهُ الْمَلَاكُ: ”لِمَاذَا ضَرَبْتَ حِمَارَتَكَ 3 مَرَّاتٍ؟ إِنِّي جِئْتُ لِأُقَاوِمَكَ لِأَنَّ طَرِيقَكَ مُلْتَوِيَةٌ فِي نَظَرِي. فَرَأَتْنِي الْحِمَارَةُ وَابْتَعَدَتْ عَنِّي 3 مَرَّاتٍ. وَلَوْلَا أَنَّهَا ابْتَعَدَتْ، لَكُنْتُ قَدْ قَتَلْتُكَ وَأَبْقَيْتُهَا.“ فَقَالَ بَلْعَامُ لِلْمَلَاكِ: ”أَخْطَأْتُ. إِنِّي لَمْ أَعْلَمْ أَنَّكَ وَاقِفٌ فِي الطَّرِيقِ لِتُقَاوِمَنِي. فَإِنْ كَانَ هَذَا لَا يُرْضِيكَ، أَرْجِعُ.“ فَقَالَ الْمَلَاكُ لِبَلْعَامَ: ”اِذْهَبْ مَعَ الرِّجَالِ، إِنَّمَا تَتَكَلَّمُ بِالْكَلَامِ الَّذِي أَقُولُهُ لَكَ فَقَطْ.“ فَذَهَبَ بَلْعَامُ مَعَ رُؤَسَاءِ بَالَاقَ. فَلَمَّا سَمِعَ بَالَاقُ أَنَّ بَلْعَامَ قَادِمٌ، خَرَجَ لِاسْتِقْبَالِهِ إِلَى مَدِينَةِ مُوآبَ الَّتِي عَلَى حُدُودِ أَرْنُونَ فِي طَرَفِ بِلَادِهِ. فَقَالَ بَالَاقُ لِبَلْعَامَ: ”أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ لِأَسْتَدْعِيَكَ، فَلِمَاذَا لَمْ تَحْضُرْ؟ هَلْ تَظُنُّ أَنِّي لَا أَقْدِرُ أَنْ أُكْرِمَكَ؟“ فَقَالَ بَلْعَامُ لِبَالَاقَ: ”وَمَعَ أَنِّي جِئْتُ إِلَيْكَ، هَلْ تَظُنُّ أَنِّي أَقْدِرُ أَنْ أَقُولَ كَلَامًا مِنْ نَفْسِي؟ بَلِ الْكَلَامُ الَّذِي يَضَعُهُ اللهُ فِي فَمِي، هُوَ الَّذِي أَتَكَلَّمُ بِهِ.“ فَذَهَبَ بَلْعَامُ مَعَ بَالَاقَ إِلَى قَرْيَةِ حَصُوتَ. فَذَبَحَ بَالَاقُ بَقَرًا وَغَنَمًا، وَأَرْسَلَ مِنْهَا إِلَى بَلْعَامَ وَالرُّؤَسَاءِ الَّذِينَ مَعَهُ. وَفِي الصُّبْحِ أَخَذَ بَالَاقُ بَلْعَامَ وَصَعِدَ بِهِ إِلَى مُرْتَفَعَاتِ بَعْلَ، فَرَأَى مِنْ هُنَاكَ طَرَفَ الشَّعْبِ. فَقَالَ بَلْعَامُ لِبَالَاقَ: ”اِبْنِ لِي هُنَا 7 مَنَصَّاتٍ، وَأَعِدَّ لِي هُنَا 7 ثِيرَانٍ، وَ7 كِبَاشٍ.“ فَعَمِلَ بَالَاقُ كَمَا قَالَ بَلْعَامُ. وَقَدَّمَ بَالَاقُ وَبَلْعَامُ ثَوْرًا وَكَبْشًا عَلَى كُلِّ مَنَصَّةٍ. فَقَالَ بَلْعَامُ لِبَالَاقَ: ”قِفْ أَنْتَ عِنْدَ قُرْبَانِكَ، أَمَّا أَنَا فَأَذْهَبُ لِوَحْدِي، لَعَلَّ اللهَ يَأْتِي لِيُقَابِلَنِي. وَمَهْمَا يُعْلِنْ لِي، أُخْبِرْكَ بِهِ.“ ثُمَّ صَعِدَ إِلَى صَخْرَةٍ. فَجَاءَ اللهُ إِلَى بَلْعَامَ. فَقَالَ لَهُ بَلْعَامُ: ”أَعْدَدْتُ 7 مَنَصَّاتٍ، وَقَدَّمْتُ ثَوْرًا وَكَبْشًا عَلَى كُلِّ مَنَصَّةٍ.“ فَوَضَعَ اللهُ رِسَالَةً فِي فَمِ بَلْعَامَ وَقَالَ لَهُ: ”اِرْجِعْ إِلَى بَالَاقَ وَبَلِّغْهُ هَذَا الْكَلَامَ.“ فَرَجَعَ بَلْعَامُ إِلَيْهِ، وَوَجَدَهُ وَاقِفًا عِنْدَ قُرْبَانِهِ هُوَ وَكُلَّ رُؤَسَاءِ مُوآبَ. فَنَطَقَ بِرِسَالَتِهِ وَقَالَ: ”مِنْ آرَامَ أَحْضَرَنِي بَالَاقُ مَلِكُ مُوآبَ، مِنَ الْجِبَالِ الشَّرْقِيَّةِ. وَقَالَ لِي: ’تَعَالَ الْعَنْ لِي يَعْقُوبَ، تَعَالَ اشْتِمْ إِسْرَائِيلَ.‘ كَيْفَ أَلْعَنُ مَنْ لَمْ يَلْعَنْهُ اللهُ؟ وَكَيْفَ أَشْتِمُ مَنْ لَمْ يَشْتِمْهُ الْمَوْلَى؟ مِنْ قِمَمِ الْجِبَالِ أَرَاهُ، وَمِنَ التِّلَالِ أُشَاهِدُهُ. هُوَ شَعْبٌ فَرِيدٌ، لَا يُحْسَبُ بَيْنَ الْأُمَمِ الْأُخْرَى. بَنُو يَعْقُوبَ هُمْ كَالتُّرَابِ فِي الْكَثْرَةِ، مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَعُدَّهُمْ، مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يُحْصِيَ وَلَوْ رُبْعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ لَيْتَنِي أَمُوتُ مَوْتَ الصَّالِحِينَ، وَتَكُونُ آخِرَتِي كَآخِرَتِهِمْ.“ فَقَالَ بَالَاقُ لِبَلْعَامَ: ”مَاذَا فَعَلْتَ بِي؟ أَحْضَرْتُكَ لِتَلْعَنَ أَعْدَائِي، وَلَكِنَّكَ بَارَكْتَهُمْ!“ فَأَجَابَهُ بَلْعَامُ: ”أَقُولُ فَقَطْ مَا يَضَعُهُ اللهُ فِي فَمِي.“ فَقَالَ لَهُ بَالَاقُ: ”تَعَالَ مَعِي إِلَى مَكَانٍ آخَرَ تَرَاهُمْ مِنْهُ. فَهُنَاكَ تَرَى جُزْءًا فَقَطْ مِنَ الشَّعْبِ، لَا كُلَّ الشَّعْبِ. فَالْعَنْهُ لِي مِنْ هُنَاكَ.“ وَأَخَذَهُ إِلَى حَقْلِ صُوفِيمَ، عَلَى قِمَّةِ الْفِسْجَةِ، وَبَنَى 7 مَنَصَّاتٍ، وَقَدَّمَ ثَوْرًا وَكَبْشًا عَلَى كُلِّ مَنَصَّةٍ. وَقَالَ لِبَالَاقَ: ”قِفْ أَنْتَ عِنْدَ قُرْبَانِكَ، وَأَنَا أُقَابِلُهُ هُنَاكَ.“ فَجَاءَ اللهُ إِلَى بَلْعَامَ، وَوَضَعَ رِسَالَةً فِي فَمِهِ، وَقَالَ لَهُ: ”اِرْجِعْ إِلَى بَالَاقَ وَبَلِّغْهُ هَذَا الْكَلَامَ.“ فَأَتَى إِلَيْهِ، فَوَجَدَهُ وَاقِفًا عِنْدَ قُرْبَانِهِ وَمَعَهُ رُؤَسَاءُ مُوآبَ. فَسَأَلَهُ بَالَاقُ: ”مَاذَا قَالَ اللهُ؟“ فَنَطَقَ بِرِسَالَتِهِ وَقَالَ: ”قُمْ يَا بَالَاقُ وَاسْمَعْ. أَصْغِ إِلَيَّ يَا ابْنَ صِفُّورَ. لَيْسَ اللهُ إِنْسَانًا فَيَكْذِبُ، وَلَا كَبَنِي آدَمَ فَيُغَيِّرُ فِكْرَهُ. هَلْ يَقُولُ وَلَا يَفْعَلُ، أَوْ يَعِدُ وَلَا يَفِي؟ إِنَّهُ بَارَكَ، وَأَنَا تَلَقَّيْتُ الْأَمْرَ بِأَنْ أُبَارِكَ، وَلَا أَقْدِرُ أَنْ أُغَيِّرَ هَذَا! لَمْ يَجِدْ إِثْمًا فِي بَنِي يَعْقُوبَ، وَلَا رَأَى سُوءًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ. الْمَوْلَى إِلَهُهُمْ مَعَهُمْ، يَهْتِفُونَ لَهُ لِأَنَّهُ مَلِكُهُمْ. اللهُ أَخْرَجَهُمْ مِنْ مِصْرَ. هُمْ أَقْوِيَاءُ كَالثَّوْرِ الْوَحْشِيِّ. لَا يَنْفَعُ السِّحْرُ ضِدَّ بَنِي يَعْقُوبَ، وَلَا الْعِلْمُ بِالْغَيْبِ ضِدَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. مُنْذُ الْآنَ يَقُولُ النَّاسُ عَنْ بَنِي يَعْقُوبَ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’اُنْظُرُوا مَا صَنَعَ اللهُ!‘ إِنَّهُ شَعْبٌ يَقُومُ كَلَبْوَةٍ، وَيَنْهَضُ كَأَسَدٍ. لَا يَنَامُ حَتَّى يَأْكُلَ فَرِيسَةً، وَيَشْرَبَ دَمَ ضَحَايَا.“ فَقَالَ بَالَاقُ لِبَلْعَامَ: ”إِذَنْ إِنْ كُنْتَ لَا تَلْعَنُهُمْ، فَلَا تُبَارِكْهُمْ!“ فَأَجَابَهُ بَلْعَامُ: ”قُلْتُ لَكَ، إِنِّي أَفْعَلُ كُلَّ مَا يَقُولُهُ اللهُ.“ فَقَالَ بَالَاقُ لِبَلْعَامَ: ”تَعَالَ آخُذُكَ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ. رُبَّمَا يَرْضَى اللهُ أَنْ تَلْعَنَهُمْ لِي مِنْ هُنَاكَ.“ فَأَخَذَ بَالَاقُ بَلْعَامَ إِلَى قِمَّةِ جَبَلِ فَغُورَ الَّذِي يُشْرِفُ عَلَى الْقَفْرِ. فَقَالَ بَلْعَامُ لِبَالَاقَ: ”اِبْنِ لِي هُنَا 7 مَنَصَّاتٍ، وَأَعِدَّ لِي هُنَا 7 ثِيرَانٍ، وَ7 كِبَاشٍ.“ فَعَمِلَ بَالَاقُ كَمَا قَالَ بَلْعَامُ، وَقَدَّمَ ثَوْرًا وَكَبْشًا عَلَى كُلِّ مَنَصَّةٍ. فَلَمَّا رَأَى بَلْعَامُ أَنَّ اللهَ يُرِيدُ أَنْ يُبَارِكَ إِسْرَائِيلَ، لَمْ يَذْهَبْ لِيُمَارِسَ الْعِلْمَ بِالْغَيْبِ كَالْمَرَّةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، بَلْ أَدَارَ وَجْهَهُ نَحْوَ الصَّحْرَاءِ. وَلَمَّا نَظَرَ بَلْعَامُ وَرَأَى بَنِي إِسْرَائِيلَ نَازِلِينَ فِي خِيَامِهِمْ حَسَبَ قَبَائِلِهِمْ، جَاءَ عَلَيْهِ رُوحُ اللهِ. فَنَطَقَ بِرِسَالَتِهِ وَقَالَ: ”هَذَا كَلَامُ بَلْعَامَ بْنِ بَعُورَ، كَلَامُ الرَّجُلِ الَّذِي يَرَى بِوُضُوحٍ. كَلَامُ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ اللهِ، مَنْ يَقَعُ فِي غَيْبُوبَةٍ فَتَنْفَتِحُ عَيْنَاهُ لِيَرَى رُؤْيَا مِنَ الْقَدِيرِ. مَا أَحْسَنَ خِيَامَكُمْ يَا بَنِي يَعْقُوبَ! وَمَسَاكِنَكُمْ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ. تَمْتَدُّ كَالْوَادِي، كَجَنَّاتٍ عَلَى جَانِبِ النَّهْرِ، كَصَبَّارٍ غَرَسَهُ اللهُ، كَأَرْزٍ عَلَى الْمِيَاهِ. يَفِيضُ الْمَاءُ مِنْ دَلْوِهِمْ، وَمَاءٌ غَزِيرٌ لِزَرْعِهِمْ، وَيَكُونُ مَلِكُهُمْ أَعْظَمَ مِنْ أَجَاجَ، وَتَسْمُو مَمْلَكَتُهُمْ. اللهُ أَخْرَجَهُمْ مِنْ مِصْرَ. هُمْ أَقْوِيَاءُ كَالثَّوْرِ الْوَحْشِيِّ، يَفْتَرِسُونَ الْأُمَمَ الَّتِي تُعَادِيهِمْ، وَيُحَطِّمُونَ عِظَامَهُمْ، وَيُكَسِّرُونَ ظُهُورَهُمْ. يَجْلِسُونَ كَأَسَدٍ، يَرْبِضُونَ كَلَبْوَةٍ، فَمَنْ يَتَجَاسَرُ وَيُثِيرُهُمْ؟ مَنْ يُبَارِكُكُمْ يَكُونُ مُبَارَكًا وَمَنْ يَلْعَنُكُمْ يَكُونُ مَلْعُونًا.“ فَغَضِبَ بَالَاقُ عَلَى بَلْعَامَ جِدًّا، وَصَفَّقَ بِيَدَيْهِ وَقَالَ لِبَلْعَامَ: ”أَحْضَرْتُكَ لِتَلْعَنَ أَعْدَائِي، وَلَكِنَّكَ بَارَكْتَهُمُ الْآنَ 3 مَرَّاتٍ! فَاذْهَبِ الْآنَ مِنْ هُنَا وَارْجِعْ إِلَى دَارِكَ. عَزَمْتُ أَنْ أُكْرِمَكَ جِدًّا، وَلَكِنَّ اللهَ حَرَمَكَ مِنَ الْكَرَامَةِ.“ فَقَالَ بَلْعَامُ لِبَالَاقَ: ”أَنَا قُلْتُ لِرُسُلِكَ الَّذِينَ بَعَثْتَهُمْ لِي: ’لَوْ أَعْطَانِي بَالَاقُ مِلْءَ بَيْتِهِ فِضَّةً وَذَهَبًا، لَا أَقْدِرُ أَنْ أُخَالِفَ كَلَامَ اللهِ فَأَعْمَلَ خَيْرًا أَوْ شَرًّا مِنْ نَفْسِي. بَلْ أَتَكَلَّمُ بِمَا يَقُولُهُ اللهُ.‘ وَالْآنَ أَنَا رَاجِعٌ إِلَى شَعْبِي، لَكِنْ تَعَالَ أُخْبِرُكَ بِمَا يَفْعَلُهُ هَذَا الشَّعْبُ بِشَعْبِكَ فِي الْأَيَّامِ الْمُقْبِلَةِ.“ فَنَطَقَ بِرِسَالَتِهِ وَقَالَ: ”هَذَا كَلَامُ بَلْعَامَ بْنِ بَعُورَ، كَلَامُ الرَّجُلِ الَّذِي يَرَى بِوُضُوحٍ. كَلَامُ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ اللهِ، وَعِنْدَهُ مَعْرِفَةٌ مِنَ الْعَلِيِّ. كَلَامُ مَنْ يَقَعُ فِي غَيْبُوبَةٍ فَتَنْفَتِحُ عَيْنَاهُ لِيَرَى رُؤْيَا مِنَ الْقَدِيرِ. أَرَاهُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَاضِرِ، أُشَاهِدُهُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ قَرِيبًا، يَطْلَعُ نَجْمٌ مِنْ بَنِي يَعْقُوبَ، وَيَقُومُ مَلِكٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَسْحَقُ جَبِينَ مُوآبَ، وَيُحَطِّمُ رُؤُوسَ كُلِّ بَنِي شِيثَ. وَيَهْزِمُ أَدُومَ، نَعَمْ يَهْزِمُ عَدُوَّهُ سَعِيرَ وَتَشْتَدُّ قُوَّةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. يَأْتِي سَيِّدٌ مِنْ بَنِي يَعْقُوبَ، وَيُهْلِكُ كُلَّ مَنْ يَنْجُو مِنْ مَدِينَةِ الْعَدُوِّ.“ ثُمَّ رَأَى بَلْعَامُ عَمَالِيقَ، فَنَطَقَ بِرِسَالَتِهِ وَقَالَ: ”أَوَّلُ الْأُمَمِ عَمَالِيقُ، وَآخِرَتُهُ إِلَى الْهَلَاكِ.“ ثُمَّ رَأَى الْقِينِيِّينَ فَنَطَقَ بِرِسَالَتِهِ وَقَالَ: ”مَسْكَنُكُمْ مَنِيعٌ، وَعُشُّكُمْ فِي الصَّخْرِ، لَكِنْ مَتَى أَسَرَكُمْ أَشُّورُ، تَصِيرُونَ خَرَابًا.“ ثُمَّ نَطَقَ بِرِسَالَتِهِ وَقَالَ: ”مَنْ هَؤُلَاءِ الْقَادِمُونَ مِنَ الشَّمَالِ؟ وَالسُّفُنُ الْآتِيَةُ مِنْ كَتِّيمَ؟ إِنَّهَا تُخْضِعُ أَشُّورَ وَتُخْضِعُ عَابِرَ. كُلُّهُمْ يَهْلِكُونَ.“ ثُمَّ قَامَ بَلْعَامُ وَرَجَعَ إِلَى دَارِهِ. وَبَالَاقُ أَيْضًا مَضَى فِي سَبِيلِهِ. وَبَيْنَمَا كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي شِطِّيمَ، أَخَذَ الشَّعْبُ يَزْنِي مَعَ نِسَاءِ مُوآبَ. فَدَعَتِ الْمُوآبِيَّاتُ الشَّعْبَ إِلَى حُضُورِ تَقْدِيمِ الضَّحَايَا لِآلِهَةِ مُوآبَ. فَأَكَلَ الشَّعْبُ وَسَجَدُوا لِتِلْكَ الْآلِهَةِ. وَتَعَلَّقَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِعِبَادَةِ بَعْلَ فَغُورَ، فَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ جِدًّا. فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”خُذْ كُلَّ قَادَةِ الشَّعْبِ وَاقْتُلْهُمْ وَعَلِّقْهُمْ فِي نُورِ النَّهَارِ أَمَامَ اللهِ، فَيَهْدَأَ غَضَبُهُ الشَّدِيدُ ضِدَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ.“ فَقَالَ مُوسَى لِقُضَاةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ”كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يَقْتُلُ مَنْ تَعَلَّقَ بِعِبَادَةِ بَعْلَ فَغُورَ مِنْ جَمَاعَتِهِ.“ وَبَيْنَمَا كَانَ مُوسَى وَكُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَبْكُونَ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَدَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ امْرَأَةً مِدْيَانِيَّةً، قُدَّامَ الْجَمِيعِ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ فِينْحَاسُ بْنُ أَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ الْحَبْرِ، قَامَ مِنْ وَسَطِ الْجَمَاعَةِ، وَأَخَذَ رُمْحًا فِي يَدِهِ. وَدَخَلَ الْخَيْمَةَ وَرَاءَ الرَّجُلِ الْإِسْرَائِيلِيِّ، وَطَعَنَهُ فِي بَطْنِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ الرُّمْحُ إِلَى بَطْنِ الْمَرْأَةِ أَيْضًا. فَتَوَقَّفَ الْوَبَأُ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَكَانَ الَّذِينَ مَاتُوا بِالْوَبَأِ 24000. فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”فِينْحَاسُ بْنُ أَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ الْحَبْرِ، رَدَّ غَضَبِي عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي مِنْ بَيْنِهِمْ جَمِيعًا غَارَ عَلَى كَرَامَتِي، حَتَّى لَا أُفْنِيَهُمْ فِي غِيرَتِي عَلَيْهِمْ. لِذَلِكَ قُلْ لَهُ إِنِّي أَعْمَلُ مَعَهُ عَهْدًا يَضْمَنُ لَهُ السَّلَامَ. فَيَكُونُ لَهُ وَلِنَسْلِهِ عَهْدًا يَحْفَظُ لَهُمْ خِدْمَةَ الْحَبْرِ إِلَى الْأَبَدِ، لِأَنَّهُ غَارَ عَلَى كَرَامَةِ اللهِ وَكَفَّرَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ.“ وَكَانَ اسْمُ الرَّجُلِ الْإِسْرَائِيلِيِّ الَّذِي قُتِلَ مَعَ الْمَرْأَةِ الْمِدْيَانِيَّةِ زِمْرِي بْنَ سَالُو، وَهُوَ رَئِيسُ إِحْدَى عَائِلَاتِ شَمْعُونَ. وَاسْمُ الْمَرْأَةِ الْمِدْيَانِيَّةِ الْمَقْتُولَةِ كُزْبِي بِنْتُ صُورَ، وَهُوَ رَئِيسُ قَبِيلَةٍ مِنْ قَبَائِلِ مِدْيَانَ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”عَامِلُوا الْمِدْيَانِيِّينَ كَأَعْدَاءٍ وَاقْتُلُوهُمْ، لِأَنَّهُمْ عَامَلُوكُمْ كَأَعْدَاءٍ، فَأَضَلُّوكُمْ بِمَا جَرَى فِي فَغُورَ، وَمَا جَرَى بِسَبَبِ أُخْتِهِمْ كُزْبِي بِنْتِ أَحَدِ رُؤَسَائِهِمِ الَّتِي قُتِلَتْ فِي فَغُورَ يَوْمَ الْوَبَأِ.“ وَبَعْدَ الْوَبَأِ قَالَ اللهُ لِمُوسَى وَأَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ الْحَبْرِ: ”خُذْ عَدَدَ كُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَسَبَ عَائِلَاتِهِمْ، مِنِ ابْنِ 20 سَنَةً وَمَا فَوْقُ، الَّذِينَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَخْدِمُوا فِي جَيْشِ إِسْرَائِيلَ.“ فَكَلَّمَهُمْ مُوسَى وَأَلِعَازَارُ الْحَبْرُ فِي سُهُولِ مُوآبَ عَلَى شَاطِئِ الْأُرْدُنِّ، مُقَابِلَ أَرِيحَا، وَقَالَا لَهُمْ: ”أَحْصُوا الرِّجَالَ مِنِ ابْنِ 20 سَنَةً وَمَا فَوْقُ، كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ مِصْرَ.“ هَؤُلَاءِ بَنُو رَأُوبِينَ بِكْرِ إِسْرَائِيلَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَهُ عَشِيرَةٌ بِاسْمِهِ: حَنُوكُ وَفَلُّو، وَحَاصِرُ وَكَرْمِي. هَذِهِ عَشَائِرُ بَنِي رَأُوبِينَ. وَالْمَعْدُودُونَ 43730. وَابْنُ فَلُّو أَلِيآبُ. وَبَنُو أَلِيآبَ نَمُوئِيلُ وَدَاثَانُ وَأَبِيرَامُ. وَهُمَا دَاثَانُ وَأَبِيرَامُ اللَّذَانِ جَمَعَا الشَّعْبَ وَخَاصَمَا مُوسَى وَهَارُونَ، أَيْ مِنْ جَمَاعَةِ قُورَحَ الَّذِينَ خَاصَمُوا اللهَ. فَفَتَحَتِ الْأَرْضُ فَمَهَا، وَبَلَعَتْهُمَا مَعَ قُورَحَ، وَأَحْرَقَتِ النَّارُ 250 رَجُلًا، فَصَارُوا عِبْرَةً. أَمَّا بَنُو قُورَحَ فَلَمْ يَمُوتُوا. هَؤُلَاءِ بَنُو شَمْعُونَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَهُ عَشِيرَةٌ بِاسْمِهِ: نَمُوئِيلُ وَيَامِينُ وَيَاكِينُ، وَزَارَحُ وَشَاوُلُ. هَذِهِ عَشَائِرُ بَنِي شَمْعُونَ، وَالْمَعْدُودُونَ 22200. هَؤُلَاءِ بَنُو جَادَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَهُ عَشِيرَةٌ بِاسْمِهِ: صِفُونُ وَحَجِّي وَشُونِي، وَأُزْنِي وَعِيرِي، وَأَرُودِي وَأَرْئِيلِي. هَذِهِ عَشَائِرُ بَنِي جَادَ، وَالْمَعْدُودونَ 40500. بَنُو يَهُوذَا: مَاتَ عِيرُ وَأُونَانُ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. فَهَؤُلَاءِ بَنُو يَهُوذَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَهُ عَشِيرَةٌ بِاسْمِهِ: شِيلَةُ وَفَارِصُ وَزَارَحُ. وَابْنَا فَارِصَ لَهُمَا عَشِيرَتَانِ بِاسْمَيْهِمَا: حَاصِرُ وَحَامُولُ. هَذِهِ عَشَائِرُ يَهُوذَا، وَالْمَعْدُودُونَ 76500. هَؤُلَاءِ بَنُو يَسَّاكَرَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَهُ عَشِيرَةٌ بِاسْمِهِ: تُولَاعُ وَفُوَّةُ، وَيَاشُوبُ وَشَمْرُونُ. هَذِهِ عَشَائِرُ يَسَّاكَرَ، وَالْمَعْدُودُونَ 64300. هَؤُلَاءِ بَنُو زَبُولُونَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَهُ عَشِيرَةٌ بِاسْمِهِ: سَارِدُ وَأَيْلُونُ وَيَاحَلْئِيلُ. هَذِهِ عَشَائِرُ بَنِي زَبُولُونَ، وَالْمَعْدُودُونَ 60500. اِبْنَا يُوسِفَ مَنَسَّى وَأَفْرَايِمُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِيهِمَا لَهُ عَشِيرَةٌ بِاسْمِهِ: اِبْنُ مَنَسَّى مَاكِيرُ. وَمَاكِيرُ وَلَدَ جِلْعَادَ وَلَهُ عَشِيرَةٌ بِاسْمِهِ. ثُمَّ بَنُو جِلْعَادَ لَهُمْ عَشَائِرُ بِأَسْمَائِهِمْ: إِيعَزَرُ وَحَلَقُ، وَأَسْرِيلُ وَشَكَمُ، وَشَمِيدَاعُ وَحَافَرُ. وَأَمَّا صَلُفْحَادُ بْنُ حَافَرَ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَنُونَ بَلْ بَنَاتٌ وَهُنَّ مَحْلَةُ وَنُوعَةُ وَحُجْلَةُ وَمِلْكَةُ وَتِرْصَةُ. هَذِهِ عَشَائِرُ مَنَسَّى، وَالْمَعْدُودُونَ 52700. هَؤُلَاءِ بَنُو أَفْرَايِمَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَهُ عَشِيرَةٌ بِاسْمِهِ: شُوتَالَحُ وَبَاكَرُ وَتَاحَنُ. وَابْنُ شُوتَالَحَ عِيرَانُ وَلَهُ عَشِيرَةٌ بِاسْمِهِ. هَذِهِ عَشَائِرُ بَنِي أَفْرَايِمَ، وَالْمَعْدُودُونَ 32500. كُلُّ هَؤُلَاءِ بَنُو يُوسِفَ وَعَشَائِرُهُمْ. هَؤُلَاءِ بَنُو بِنْيَمِينَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَهُ عَشِيرَةٌ بِاسْمِهِ: بَالَعُ وَأَشْبِيلُ وَأَحِيرَامُ، وَشَفُوفَامُ وَحُوفَامُ. وَابْنَا بَالَعَ أَرَدُ وَنُعْمَانُ وَلَهُمَا عَشِيرَتَانِ بِاسْمَيْهِمَا. هَؤُلَاءِ بَنُو بِنْيَمِينَ وَعَشَائِرُهُمْ، وَالْمَعْدُودُونَ 45600. وَابْنُ دَانَ، وَلَهُ عَشِيرَةٌ بِاسْمِهِ هُوَ شُوحَامُ، وَالْمَعْدُودُونَ 64400. هَؤُلَاءِ بَنُو أَشِيرَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَهُ عَشِيرَةٌ بِاسْمِهِ: يَمْنَةُ وَيِشْوِي وَبَرِيعَةُ. وَابْنَا بَرِيعَةَ حَابِرُ وَمَلْكِيلُ وَلَهُمَا عَشِيرَتَانِ بِاسْمَيْهِمَا. وَكَانَ لِأَشِيرَ بِنْتٌ اسْمُهَا سَارَحُ. هَذِهِ عَشَائِرُ بَنِي أَشِيرَ وَالْمَعْدُودُونَ 53400. هَؤُلَاءِ بَنُو نَفْتَالِي وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَهُ عَشِيرَةٌ بِاسْمِهِ: يَحْصِئِيلُ وَجُونِي، وَيِصِرُ وَشَلِيمُ. هَذِهِ قَبَائِلُ نَفْتَالِي وَالْمَعْدُودُونَ 45400. هَؤُلَاءِ هُمُ الْمَعْدُودُونَ مِنْ كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ 601730. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”تَقْسِمُ الْأَرْضَ نَصِيبًا لِهَؤُلَاءِ حَسَبَ عَدَدِ الْأَسْمَاءِ. الْجَمَاعَةُ الْكَبِيرَةُ تُعْطِيهَا نَصِيبًا كَبِيرًا، وَالْجَمَاعَةُ الصَّغِيرَةُ تُعْطِيهَا نَصِيبًا صَغِيرًا. كُلُّ جَمَاعَةٍ تَنَالُ نَصِيبًا حَسَبَ الْمَعْدُودِينَ مِنْهَا. وَيَجِبُ أَنْ تَقْسِمَ الْأَرْضَ بِالْقُرْعَةِ. وَكُلُّ جَمَاعَةٍ يَكُونُ لَهَا نَصِيبٌ حَسَبَ عَشَائِرِهَا وَعَائِلَاتِهَا. وَكُلُّ نَصِيبٍ يُوَزَّعُ بِالْقُرْعَةِ سَوَاءٌ كَبِيرٌ أَوْ صَغِيرٌ.“ وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمَعْدُودُونَ مِنْ بَنِي لَاوِي، وَلَهُمْ عَشَائِرُ بِأَسْمَائِهِمْ: جَرْشُونُ وَقَهَاتُ وَمَرَارِي. وَهَؤُلَاءِ أَيْضًا مِنْ عَشَائِرِ لَاوِي: اللِّبْنِيُّونَ وَالْحَبْرُونِيُّونَ وَالْمَحْلِيُّونَ وَالْمُوشِيُّونَ وَالْقُورَحِيُّونَ. وَعَمْرَامُ هُوَ مِنْ نَسْلِ قَهَاتَ. وَاسْمُ امْرَأَةِ عَمْرَامَ يُوكَابَدُ وَهِيَ أَيْضًا مِنْ نَسْلِ لَاوِي، وُلِدَتْ لِعَائِلَةِ لَاوِي فِي مِصْرَ. فَوَلَدَتْ لِعَمْرَامَ هَارُونَ وَمُوسَى وَمَرْيَمَ أُخْتَهُمَا. وَأَنْجَبَ هَارُونُ نَادَابَ وَأَبِيهُو وَأَلِعَازَارَ وَإِيتَامَارَ. وَأَمَّا نَادَابُ وَأَبِيهُو فَمَاتَا لَمَّا قَدَّمَا أَمَامَ اللهِ نَارًا غَرِيبَةً لَمْ يَأْمُرْ بِهَا. وَكَانَ الْمَعْدُودُونَ مِنْ بَنِي لَاوِي، كُلُّ الذُّكُورِ مِنِ ابْنِ شَهْرٍ فَمَا فَوْقُ 23000. وَهُمْ لَمْ يُعَدُّوا مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَنَالُوا نَصِيبًا بَيْنَهُمْ. فَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ عَدَّهُمْ مُوسَى وَأَلِعَازَارُ الْحَبْرُ لَمَّا قَامَا بِإِحْصَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي سُهُولِ مُوآبَ عَلَى شَاطِئِ الْأُرْدُنِّ، مُقَابِلَ أَرِيحَا. وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَيُّ وَاحِدٍ مِنَ الَّذِينَ عَدَّهُمْ مُوسَى وَهَارُونُ الْحَبْرُ لَمَّا قَامَا بِإِحْصَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي صَحْرَاءِ سِينَاءَ. لِأَنَّ اللهَ كَانَ قَدْ قَالَ لَهُمْ، إِنَّهُمْ جَمِيعًا يَمُوتُونَ فِي الصَّحْرَاءِ. فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ غَيْرُ كَالِبَ بْنِ يَفُنَّةَ وَيَشُوعَ بْنِ نُونَ. وَجَاءَتْ مَحْلَةُ وَنُوعَةُ وَحُجْلَةُ وَمِلْكَةُ وَتِرْصَةُ بَنَاتُ صَلُفْحَادَ بْنِ حَافَرَ بْنِ جِلْعَادَ بْنِ مَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى، وَهُنَّ مِنْ عَشَائِرِ مَنَسَّى بْنِ يُوسِفَ، وَوَقَفْنَ عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، أَمَامَ مُوسَى وَأَلِعَازَارَ الْحَبْرِ وَقَادَةِ كُلِّ الْجَمَاعَةِ وَقُلْنَ: ”أَبُونَا مَاتَ فِي الصَّحْرَاءِ. لَمْ يَكُنْ مِنْ ضِمْنِ جَمَاعَةِ قُورَحَ الَّتِي اتَّفَقَتْ ضِدَّ اللهِ، بَلْ مَاتَ بِخَطِيئَتِهِ، وَلَمْ يَتْرُكْ بَنِينَ. فَلِمَاذَا يُحْذَفُ اسْمُ أَبِينَا مِنْ بَيْنِ عَشِيرَتِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ابْنٌ؟ أَعْطِنَا مِلْكًا بَيْنَ أَعْمَامِنَا.“ فَرَفَعَ مُوسَى دَعْوَاهُنَّ إِلَى اللهِ. فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”كَلَامُ بَنَاتِ صَلُفْحَادَ هُوَ بِحَقٍّ. أَعْطِهِنَّ مِلْكًا كَنَصِيبٍ بَيْنَ أَعْمَامِهِنَّ، وَانْقُلْ إِلَيْهِنَّ نَصِيبَ أَبِيهِنَّ. وَقُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’أَيُّ رَجُلٍ يَمُوتُ وَلَيْسَ لَهُ ابْنٌ، اُنْقُلُوا مِلْكَهُ إِلَى بِنْتِهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِنْتٌ، أَعْطُوا مِلْكَهُ لِإِخْوَتِهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِخْوَةٌ، أَعْطُوا مِلْكَهُ لِأَعْمَامِهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَامٌ، أَعْطُوا مِلْكَهُ لِأَقْرَبِ أَقَارِبِهِ مِنْ عَشِيرَتِهِ فَيَرِثُهُ. وَلْتَكُنْ هَذِهِ فَرِيضَةً شَرْعِيَّةً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى.‘“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”اِصْعَدْ إِلَى جَبَلِ عَبَارِيمَ هَذَا، وَانْظُرِ الْأَرْضَ الَّتِي أَنَا أَعْطَيْتُهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. وَمَتَى نَظَرْتَهَا، تَنْضَمُّ إِلَى أَسْلَافِكَ أَنْتَ أَيْضًا، كَمَا انْضَمَّ هَارُونُ أَخُوكَ. لِأَنَّهُ لَمَّا خَاصَمَتْنِي الْجَمَاعَةُ فِي صَحْرَاءِ صِينَ، عَصَيْتُمَا كَلَامِي وَلَمْ تُظْهِرَا أَمَامَهُمْ أَنِّي قُدُّوسٌ، فِي مَوْضُوعِ الْمَاءِ، أَيْ مَاءِ مَرِيبَةَ قَادِشَ فِي صَحْرَاءِ صِينَ.“ فَقَالَ مُوسَى للهِ: ”يَا رَبُّ، يَا إِلَهَ أَرْوَاحِ كُلِّ الْبَشَرِ، وَكِّلْ عَلَى الْجَمَاعَةِ رَجُلًا يَقُودُهُمْ وَيُدَبِّرُ أُمُورَهُمْ، فَلَا تَكُونُ جَمَاعَةُ اللهِ كَغَنَمٍ لَا رَاعِيَ لَهَا.“ فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”خُذْ يَشُوعَ بْنَ نُونَ فَهُوَ رَجُلٌ فِيهِ رُوحُ اللهِ، وَضَعْ يَدَكَ عَلَيْهِ، وَأَوْقِفْهُ أَمَامَ أَلِعَازَارَ الْحَبْرِ، وَأَمَامَ كُلِّ الْجَمَاعَةِ، وَأَوْصِهِ قُدَّامَهُمْ. وَاعْهَدْ إِلَيْهِ بِبَعْضِ سُلْطَاتِكَ، لِكَيْ تُطِيعَهُ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَلَكِنَّهُ يَأْتِي إِلَى أَلِعَازَارَ الْحَبْرِ، لِيَحْصُلَ لَهُ عَلَى الْقَرَارَاتِ بِسُؤَالِ النُّورِ أَمَامَ اللهِ. فَحَسَبَ كَلَامِ أَلِعَازَارَ، يَعْمَلُ يَشُوعُ وَكُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ هَذَا الْأَمْرَ أَوْ ذَلِكَ الْأَمْرَ.“ فَعَمِلَ مُوسَى كَمَا أَمَرَهُ اللهُ. أَخَذَ يَشُوعَ وَأَوْقَفَهُ أَمَامَ أَلِعَازَارَ الْحَبْرِ وَكُلِّ الْجَمَاعَةِ. ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ، وَأَوْصَاهُ كَمَا قَالَ اللهُ بِوَاسِطَةِ مُوسَى. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”أَوْصِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: ’يَجِبُ أَنْ تُقَدِّمُوا لِي فِي الْمَوَاعِيدِ الْمُحَدَّدَةِ، الطَّعَامَ لِقَرَابِينِيَ الَّتِي تُشْعَلُ وَرَائِحَتُهَا تَسُرُّنِي.‘ وَقُلْ لَهُم: ’هَذَا هُوَ الْقُرْبَانُ الَّذِي يُشْعَلُ، الَّذِي تُقَدِّمُونَهُ للهِ: خَرُوفَانِ ابْنَا سَنَةٍ بِلَا عَيْبٍ، قُرْبَانٌ يُحْرَقُ دَائِمًا كُلَّ يَوْمٍ. أَحَدُ الْخَرُوفَيْنِ تَعْمَلُهُ فِي الصُّبْحِ، وَالْآخَرُ فِي الْعَشِيَّةِ. وَقُرْبَانُ الدَّقِيقِ يَكُونُ كِيلُوجْرَامَيْنِ مِنَ الدَّقِيقِ الْمَخْلُوطِ بِلِتْرٍ مِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ الْمَعْصُورِ. هَذَا هُوَ الْقُرْبَانُ الَّذِي يُحْرَقُ دَائِمًا، وَتَأَسَّسَ الْعَمَلُ بِهِ فِي جَبَلِ سِينَاءَ، هُوَ قُرْبَانٌ يُشْعَلُ للهِ وَرَائِحَتُهُ تَسُرُّ. وَقُرْبَانُ الشَّرَابِ مَعَ هَذَا هُوَ لِتْرٌ مِنَ الْخَمْرِ مَعَ كُلِّ خَرُوفٍ، تَسْكُبُهُ للهِ فِي الْمَقْدِسِ. وَتَعْمَلُ الْخَرُوفَ الثَّانِيَ فِي الْعَشِيَّةِ، مَعَ قُرْبَانِ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانِ الشَّرَابِ، كَمَا عَمِلْتَ فِي الصُّبْحِ، فَيَكُونُ قُرْبَانًا يُشْعَلُ وَرَائِحَتُهُ تَسُرُّ اللهَ. ”’وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ تُقَدِّمُونَ خَرُوفَيْنِ ابْنَيْ سَنَةٍ بِلَا عَيْبٍ، وَمَعَهُمَا قُرْبَانَ الدَّقِيقِ 4 كِيلُوجْرَامَاتٍ مِنَ الدَّقِيقِ الْمَخْلُوطِ بِالزَّيْتِ، وَقُرْبَانَ الشَّرَابِ. فَيَكُونُ هَذَا قُرْبَانًا يُحْرَقُ كُلَّ يَوْمِ سَبْتٍ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ دَائِمًا وَمَعَهُ قُرْبَانُ الشَّرَابِ. ”’وَفِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ تُقَدِّمُونَ قُرْبَانًا يُحْرَقُ للهِ: عِجْلَيْنِ مِنَ الْبَقَرِ وَكَبْشًا وَ7 خِرَافٍ عُمْرُهَا سَنَةٌ، بِلَا عَيْبٍ. وَمَعَ كُلِّ عِجْلٍ قُرْبَانُ دَقِيقٍ 6 كِيلُوجْرَامَاتٍ مِنَ الدَّقِيقِ الْمَخْلُوطِ بِالزَّيْتِ، وَمَعَ الْكَبْشِ قُرْبَانُ دَقِيقٍ 4 كِيلُوجْرَامَاتٍ مِنَ الدَّقِيقِ الْمَخْلُوطِ بِالزَّيْتِ، وَمَعَ كُلِّ خَرُوفٍ قُرْبَانُ دَقِيقٍ كِيلُوجْرَامَانِ مِنَ الدَّقِيقِ الْمَخْلُوطِ بِالزَّيْتِ. هُوَ قُرْبَانٌ يُحْرَقُ وَرَائِحَتُهُ تَسُرُّ، إِنَّهُ يُشْعَلُ للهِ. وَقُرْبَانُ الشَّرَابِ الَّذِي يُقَدَّمُ مَعَ هَذِهِ هُوَ: مَعَ كُلِّ عِجْلٍ لِتْرَانِ مِنَ الْخَمْرِ، وَمَعَ الْكَبْشِ لِتْرٌ وَرُبْعٌ وَمَعَ كُلِّ خَرُوفٍ لِتْرٌ. هَذَا هُوَ الْقُرْبَانُ الَّذِي يُحْرَقُ كُلَّ شَهْرٍ مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ. وَتُقَدِّمُونَ للهِ أَيْضًا تَيْسًا مِنَ الْمَعْزِ مَعَ قُرْبَانِ الشَّرَابِ ضَحِيَّةً عَنِ الْخَطِيئَةِ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ دَائِمًا. ”’وَفِي الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فِصْحٌ للهِ. وَفِي الْيَوْمِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ نَفْسِ الشَّهْرِ عِيدٌ، وَتَأْكُلُونَ فَطِيرًا 7 أَيَّامٍ. فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْهَا يَكُونُ لَكُمُ احْتِفَالٌ خَاصٌّ لِلْعِبَادَةِ، فَلَا تَعْمَلُوا فِيهِ أَعْمَالَكُمُ الْيَوْمِيَّةَ. وَتُقَدِّمُونَ للهِ قُرْبَانًا يُحْرَقُ، عِجْلَيْنِ مِنَ الْبَقَرِ وَكَبْشًا وَ7 خِرَافٍ عُمْرُهَا سَنَةٌ، بِلَا عَيْبٍ، فَتَكُونُ قُرْبَانًا يُشْعَلُ. وَمَعَ كُلِّ عِجْلٍ قُرْبَانُ دَقِيقٍ 6 كِيلُوجْرَامَاتٍ مِنَ الدَّقِيقِ الْمَخْلُوطِ بِالزَّيْتِ، وَمَعَ الْكَبْشِ 4 كِيلُوجْرَامَاتٍ، وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْخِرَافِ الـ7 كِيلُوجْرَامَانِ. وَمَعَهَا أَيْضًا تَيْسٌ ضَحِيَّةٌ عَنِ الْخَطِيئَةِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْكُمْ. تَعْمَلُونَ هَذَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ فِي الصَّبَاحِ دَائِمًا. وَتُقَدِّمُونَ مِثْلَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ الـ7، إِنَّهَا طَعَامٌ لِقُرْبَانٍ يُشْعَلُ وَرَائِحَتُهُ تَسُرُّ اللهَ، وَذَلِكَ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ دَائِمًا وَمَعَهُ قُرْبَانُ الشَّرَابِ. وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ يَكُونُ لَكُمُ احْتِفَالٌ خَاصٌّ لِلْعِبَادَةِ، فَلَا تَعْمَلُوا فِيهِ أَعْمَالَكُمُ الْيَوْمِيَّةَ. ”’يَكُونُ لَكُمُ احْتِفَالٌ خَاصٌّ لِلْعِبَادَةِ فِي يَوْمِ أَوَّلِ الثِّمَارِ، فِي أَثْنَاءِ عِيدِ الْأَسَابِيعِ، عِنْدَمَا تُقَدِّمُونَ للهِ قُرْبَانًا مِنَ الدَّقِيقِ الْجَدِيدِ، فَلَا تَعْمَلُوا فِيهِ أَعْمَالَكُمُ الْيَوْمِيَّةَ. وَتُقَدِّمُونَ قُرْبَانًا يُحْرَقُ وَرَائِحَتُهُ تَسُرُّ اللهَ: عِجْلَيْنِ مِنَ الْبَقَرِ وَكَبْشًا وَ7 خِرَافٍ عُمْرُهَا سَنَةٌ. وَمَعَ كُلِّ عِجْلٍ قُرْبَانُ دَقِيقٍ 6 كِيلُوجْرَامَاتٍ مِنَ الدَّقِيقِ الْمَخْلُوطِ بِالزَّيْتِ، وَمَعَ الْكَبْشِ 4 كِيلُوجْرَامَاتٍ، وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْخِرَافِ الـ7 كِيلُوجْرَامَانِ. وَمَعَهَا أَيْضًا تَيْسٌ مِنَ الْمَعْزِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْكُمْ. تَعْمَلُونَ هَذَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ دَائِمًا وَمَعَهُ قُرْبَانُ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانُ الشَّرَابِ. وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْبَهَائِمُ بِلَا عَيْبٍ. ”’فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ تَعْمَلُونَ احْتِفَالًا خَاصًّا لِلْعِبَادَةِ، وَلَا تَشْتَغِلُوا فِيهِ كَالْأَيَّامِ الْعَادِيَّةِ. فِي هَذَا الْيَوْمِ تَنْفُخُونَ فِي الْأَبْوَاقِ. وَتَعْمَلُونَ قُرْبَانًا يُحْرَقُ وَرَائِحَتُهُ تَسُرُّ اللهَ: عِجْلًا مِنَ الْبَقَرِ وَكَبْشًا وَ7 خِرَافٍ عُمْرُهَا سَنَةٌ، بِلَا عَيْبٍ. وَمَعَ كُلِّ عِجْلٍ قُرْبَانُ دَقِيقٍ 6 كِيلُوجْرَامَاتٍ مِنَ الدَّقِيقِ الْمَخْلُوطِ بِالزَّيْتِ، وَمَعَ الْكَبْشِ 4 كِيلُوجْرَامَاتٍ، وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْخِرَافِ الـ7 كِيلُوجْرَامَانِ. وَمَعَهَا أَيْضًا تَيْسٌ مِنَ الْمَعْزِ ضَحِيَّةٌ عَنِ الْخَطِيئَةِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْكُمْ. هَذَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ كُلَّ شَهْرٍ، وَكُلَّ يَوْمٍ، مَعَ قُرْبَانِ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانِ الشَّرَابِ حَسَبَ الْمَرْسُومِ. وَيَكُونُ كُلُّ هَذَا قُرْبَانًا يُشْعَلُ للهِ وَرَائِحَتُهُ تَسُرُّ. ”’وَفِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ السَّابِعِ تَعْمَلُونَ احْتِفَالًا خَاصًّا لِلْعِبَادَةِ، وَتُذَلِّلُونَ أَنْفُسَكُمْ. لَا تَشْتَغِلُوا فِيهِ كَالْأَيَّامِ الْعَادِيَّةِ. وَتُقَدِّمُونَ قُرْبَانًا يُحْرَقُ للهِ وَرَائِحَتُهُ تَسُرُّ: عِجْلًا مِنَ الْبَقَرِ وَكَبْشًا وَ7 خِرَافٍ عُمْرُهَا سَنَةٌ، بِلَا عَيْبٍ. وَمَعَ كُلِّ عِجْلٍ قُرْبَانُ دَقِيقٍ 6 كِيلُوجْرَامَاتٍ مِنَ الدَّقِيقِ الْمَخْلُوطِ بِالزَّيْتِ، وَمَعَ الْكَبْشِ 4 كِيلُوجْرَامَاتٍ، وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْخِرَافِ الـ7 كِيلُوجْرَامَانِ. وَمَعَهَا أَيْضًا تَيْسٌ مِنَ الْمَعْزِ ضَحِيَّةٌ عَنِ الْخَطِيئَةِ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى ضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ فِي يَوْمِ الْكَفَّارَةِ، وَالْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ دَائِمًا وَمَعَهُ قُرْبَانُ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانُ الشَّرَابِ. ”’وَفِي الْيَوْمِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ تَعْمَلُونَ احْتِفَالًا خَاصًّا لِلْعِبَادَةِ. لَا تَشْتَغِلُوا فِيهِ كَالْأَيَّامِ الْعَادِيَّةِ، بَلْ تَحْتَفِلُونَ بِعِيدٍ للهِ 7 أَيَّامٍ. وَتُقَدِّمُونَ قُرْبَانًا يُحْرَقُ، 13 عِجْلًا مِنَ الْبَقَرِ وَكَبْشَيْنِ وَ14 خَرُوفًا عُمْرُهَا سَنَةٌ، بِلَا عَيْبٍ، فَتَكُونُ قُرْبَانًا يُشْعَلُ وَرَائِحَتُهُ تَسُرُّ اللهَ. وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الـ13 عِجْلًا، قُرْبَانُ دَقِيقٍ 6 كِيلُوجْرَامَاتٍ مِنَ الدَّقِيقِ الْمَخْلُوطِ بِالزَّيْتِ، وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْكَبْشَيْنِ 4 كِيلُوجْرَامَاتٍ، وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْخِرَافِ الْـ14 كِيلُوجْرَامَانِ. وَمَعَهَا أَيْضًا تَيْسٌ مِنَ الْمَعْزِ ضَحِيَّةٌ عَنِ الْخَطِيئَةِ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ دَائِمًا وَمَعَهُ قُرْبَانُ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانُ الشَّرَابِ. ”’وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي، تُقَدِّمُونَ 12 عِجْلًا مِنَ الْبَقَرِ وَكَبْشَيْنِ وَ14 خَرُوفًا عُمْرُهَا سَنَةٌ، بِلَا عَيْبٍ. وَمَعَ كُلِّ عِجْلٍ وَكَبْشٍ وَخَرُوفٍ، قُرْبَانُ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانُ الشَّرَابِ بِعَدَدِهَا وَحَسَبَ الْمَرْسُومِ. وَمَعَهَا أَيْضًا تَيْسٌ مِنَ الْمَعْزِ ضَحِيَّةٌ عَنِ الْخَطِيئَةِ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ دَائِمًا وَمَعَهُ قُرْبَانُ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانُ الشَّرَابِ. ”’وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، تُقَدِّمُونَ 11 عِجْلًا وَكَبْشَيْنِ وَ14 خَرُوفًا عُمْرُهَا سَنَةٌ، بِلَا عَيْبٍ. وَمَعَ كُلِّ عِجْلٍ وَكَبْشٍ وَخَرُوفٍ، قُرْبَانُ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانُ الشَّرَابِ بِعَدَدِهَا وَحَسَبَ الْمَرْسُومِ. وَمَعَهَا أَيْضًا تَيْسٌ لِضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ دَائِمًا وَمَعَهُ قُرْبَانُ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانُ الشَّرَابِ. ”’وَفِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ، تُقَدِّمُونَ 10 عُجُولٍ وَكَبْشَيْنِ وَ14 خَرُوفًا عُمْرُهَا سَنَةٌ، بِلَا عَيْبٍ. وَمَعَ كُلِّ عِجْلٍ وَكَبْشٍ وَخَرُوفٍ، قُرْبَانُ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانُ الشَّرَابِ بِعَدَدِهَا وَحَسَبَ الْمَرْسُومِ. وَمَعَهَا أَيْضًا تَيْسٌ مِنَ الْمَعْزِ لِضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ دَائِمًا وَمَعَهُ قُرْبَانُ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانُ الشَّرَابِ. ”’وَفِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ، تُقَدِّمُونَ 9 عُجُولٍ وَكَبْشَيْنِ وَ14 خَرُوفًا عُمْرُهَا سَنَةٌ، بِلَا عَيْبٍ. وَمَعَ كُلِّ عِجْلٍ وَكَبْشٍ وَخَرُوفٍ، قُرْبَانُ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانُ الشَّرَابِ بِعَدَدِهَا وَحَسَبَ الْمَرْسُومِ. وَمَعَهَا أَيْضًا تَيْسٌ مِنَ الْمَعْزِ لِضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ دَائِمًا وَمَعَهُ قُرْبَانُ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانُ الشَّرَابِ. ”’وَفِي الْيَوْمِ السَّادِسِ، تُقَدِّمُونَ 8 عُجُولٍ وَكَبْشَيْنِ وَ14 خَرُوفًا عُمْرُهَا سَنَةٌ، بِلَا عَيْبٍ. وَمَعَ كُلِّ عِجْلٍ وَكَبْشٍ وَخَرُوفٍ، قُرْبَانُ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانُ الشَّرَابِ بِعَدَدِهَا وَحَسَبَ الْمَرْسُومِ. وَمَعَهَا أَيْضًا تَيْسٌ لِضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ دَائِمًا وَمَعَهُ قُرْبَانُ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانُ الشَّرَابِ. ”’وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ، تُقَدِّمُونَ 7 عُجُولٍ وَكَبْشَيْنِ وَ14 خَرُوفًا عُمْرُهَا سَنَةٌ، بِلَا عَيْبٍ. وَمَعَ كُلِّ عِجْلٍ وَكَبْشٍ وَخَرُوفٍ، قُرْبَانُ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانُ الشَّرَابِ بِعَدَدِهَا وَحَسَبَ الْمَرْسُومِ. وَمَعَهَا أَيْضًا تَيْسٌ لِضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ دَائِمًا وَمَعَهُ قُرْبَانُ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانُ الشَّرَابِ. ”’وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ تَحْتَفِلُونَ، وَلَا تَشْتَغِلُوا فِيهِ كَالْأَيَّامِ الْعَادِيَّةِ. وَتُقَدِّمُونَ قُرْبَانًا يُحْرَقُ، عِجْلًا وَكَبْشًا وَ7 خِرَافٍ عُمْرُهَا سَنَةٌ، بِلَا عَيْبٍ. وَمَعَ الْعِجْلِ وَالْكَبْشِ وَكُلِّ خَرُوفٍ، قُرْبَانُ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانُ الشَّرَابِ بِعَدَدِهَا وَحَسَبَ الْمَرْسُومِ. وَمَعَهَا أَيْضًا تَيْسٌ لِضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ دَائِمًا وَمَعَهُ قُرْبَانُ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانُ الشَّرَابِ. ”’فَبِالْإِضَافَةِ إِلَى نُذُورِكُمْ وَهَدَايَاكُمْ، تُقَدِّمُونَ هَذِهِ للهِ فِي أَعْيَادِكُمْ: قُرْبَانًا يُحْرَقُ وَقُرْبَانَ دَقِيقٍ وَقُرْبَانَ شَرَابٍ وَقُرْبَانَ صُحْبَةٍ.‘“ فَأَخْبَرَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِكُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ اللهُ. وَقَالَ مُوسَى لِرُؤَسَاءِ قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ”هَذَا هُوَ أَمْرُ اللهِ: إِذَا نَذَرَ رَجُلٌ نَذْرًا للهِ، أَوْ حَلَفَ وَتَعَهَّدَ أَنْ يَقُومَ بِشَيْءٍ، فَلَا يَنْقُضْ كَلَامَهُ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَعْمَلَ كُلَّ مَا قَالَهُ. أَمَّا الْمَرْأَةُ، فَإِنْ كَانَتْ صَبِيَّةً مَا زَالَتْ فِي دَارِ أَبِيهَا، وَنَذَرَتْ نَذْرًا للهِ وَتَعَهَّدَتْ أَنْ تَقُومَ بِشَيْءٍ، وَسَمِعَ أَبُوهَا عَنْ نَذْرِهَا وَتَعَهُّدِهَا، وَسَكَتَ لَهَا، تَكُونُ مُلْزَمَةً أَنْ تُنَفِّذَ كُلَّ مَا نَذَرَتْهُ، وَكُلَّ مَا تَعَهَّدَتْ بِهِ. وَلَكِنْ إِنْ مَنَعَهَا أَبُوهَا لَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ، فَهِيَ لَيْسَتْ مُلْزَمَةً أَنْ تُنَفِّذَ أَيَّ شَيْءٍ مِمَّا نَذَرَتْهُ وَتَعَهَّدَتْ بِهِ، وَاللهُ يُسَامِحُهَا لِأَنَّ أَبَاهَا مَنَعَهَا. فَإِنْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَمَا نَذَرَتْ نَذْرًا، أَوْ نَطَقَ فَمُهَا بِتَعَهُّدٍ، وَسَمِعَ زَوْجُهَا بِذَلِكَ، وَسَكَتَ لَهَا، تَكُونُ مُلْزَمَةً أَنْ تُنَفِّذَ مَا نَذَرَتْهُ وَتَعَهَّدَتْ بِهِ. أَمَّا إِنْ مَنَعَهَا زَوْجُهَا لَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ، فَهَذَا يُلْغِي النَّذْرَ الَّذِي نَذَرَتْهُ وَالتَّعَهُّدَ الَّذِي نَطَقَتْ بِهِ، وَاللهُ يُسَامِحُهَا. أَمَّا الْأَرْمَلَةُ أَوِ الْمُطَلَّقَةُ فَهِيَ مُلْزَمَةٌ أَنْ تُنَفِّذَ نَذْرَهَا وَكُلَّ مَا تَعَهَّدَتْ بِهِ. ”إِنْ نَذَرَتِ امْرَأَةٌ مُتَزَوِّجَةٌ، أَوْ تَعَهَّدَتْ بِشَيْءٍ وَحَلَفَتْ أَنْ تَقُومَ بِهِ، وَسَمِعَ زَوْجُهَا بِذَلِكَ، وَسَكَتَ لَهَا، وَلَمْ يَمْنَعْهَا، تَكُونُ مُلْزَمَةً أَنْ تُنَفِّذَ كُلَّ مَا نَذَرَتْهُ، وَكُلَّ مَا تَعَهَّدَتْ بِهِ. أَمَّا إِنْ أَلْغَى زَوْجُهَا لَمَّا سَمِعَ، فَهِيَ لَيْسَتْ مُلْزَمَةً أَنْ تُنَفِّذَ أَيَّ شَيْءٍ مِمَّا نَطَقَتْ بِهِ، مِنْ نُذُورٍ أَوْ تَعَهُّدَاتٍ، لِأَنَّ زَوْجَهَا أَلْغَاهَا لَهَا، وَاللهُ يُسَامِحُهَا. فَكُلُّ نَذْرٍ وَكُلُّ تَعَهُّدٍ تَحْلِفُ بِهِ أَنْ تُذَلِّلَ نَفْسَهَا، زَوْجُهَا يُثْبِتُهُ وَزَوْجُهَا يُلْغِيهِ. وَإِنْ سَكَتَ لَهَا زَوْجُهَا يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، فَقَدْ أَثْبَتَ كُلَّ مَا نَذَرَتْهُ، وَكُلَّ مَا تَعَهَّدَتْ بِهِ. أَثْبَتَ لِأَنَّهُ سَكَتَ لَمَّا سَمِعَ. فَإِنْ سَمِعَ وَمَضَى بَعْضُ الْوَقْتِ، ثُمَّ أَلْغَى، فَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ ذَنْبِهَا.“ هَذِهِ هِيَ الْفَرَائِضُ الَّتِي أَعْطَاهَا اللهُ لِمُوسَى، بِشَأْنِ الزَّوْجِ وَزَوْجَتِهِ، وَالْأَبِ وَبِنْتِهِ وَهِيَ صَبِيَّةٌ مَا زَالَتْ فِي دَارِ أَبِيهَا. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”اِنْتَقِمْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْمِدْيَانِيِّينَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ تَنْضَمُّ إِلَى أَسْلَافِكَ.“ فَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: ”جَنِّدُوا بَعْضَ رِجَالِكُمْ لِيُحَارِبُوا الْمِدْيَانِيِّينَ وَيَنْتَقِمُوا للهِ مِنْهُمْ. تُرْسِلُونَ 1000 لِلْحَرْبِ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.“ فَاخْتَارُوا 1000 مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَيِ 12000 مُسَلَّحِينَ لِلْقِتَالِ. وَأَرْسَلَ مُوسَى هَذَا الْجَيْشَ لِلْحَرْبِ، 1000 مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ، وَمَعَهُمْ فِينْحَاسُ بْنُ أَلِعَازَارَ الْحَبْرِ، الَّذِي أَخَذَ مَعَهُ أَدَوَاتِ الْمَقْدِسِ وَأَبْوَاقَ الْهُتَافِ. فَحَارَبُوا الْمِدْيَانِيِّينَ كَمَا أَمَرَ اللهُ وَقَتَلُوا كُلَّ ذَكَرٍ. وَقَتَلُوا مُلُوكَ الْمِدْيَانِيِّينَ الْـ5: أَوِي وَرَاقَمَ وَصُورَ وَحُورَ وَرَابِعَ. وَأَيْضًا قَتَلُوا بَلْعَامَ بْنَ بَعُورَ بِالسَّيْفِ. وَأَسَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ نِسَاءَ الْمِدْيَانِيِّينَ وَأَطْفَالَهُمْ، وَأَخَذُوا كُلَّ بَهَائِمِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ وَجَمِيعَ أَمْلَاكِهِمْ. وَأَحْرَقُوا بِالنَّارِ كُلَّ مُدُنِهِمْ وَدِيَارِهِمْ وَكُلَّ حُصُونِهِمْ. وَأَخَذُوا كُلَّ الْأَسْلَابِ وَالْغَنَائِمِ مِنْ نَاسٍ وَبَهَائِمَ، وَأَحْضَرُوا الْأَسْرَى وَالْغَنَائِمَ وَالْأَسْلَابَ، إِلَى مُوسَى وَأَلِعَازَارَ الْحَبْرِ وَجَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فِي الْمُخَيَّمِ، فِي سُهُولِ مُوآبَ عَلَى شَاطِئِ الْأُرْدُنِّ، مُقَابِلَ أَرِيحَا. فَخَرَجَ مُوسَى وَأَلِعَازَارُ الْحَبْرُ وَكُلُّ قَادَةِ الْجَمَاعَةِ لِاسْتِقْبَالِهِمْ خَارِجَ الْمُخَيَّمِ. فَغَضِبَ مُوسَى عَلَى قَادَةِ الْجَيْشِ، رُؤَسَاءِ الْأُلُوفِ وَرُؤَسَاءِ الْمِئَاتِ الرَّاجِعِينَ مِنَ الْحَرْبِ. وَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: ”لِمَاذَا أَبْقَيْتُمْ كُلَّ النِّسَاءِ؟ هَؤُلَاءِ هُنَّ اللَّاتِي عَمِلْنَ بِنَصِيحَةِ بَلْعَامَ، وَجَعَلْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَضِلُّونَ عَنِ اللهِ بِمَا جَرَى فِي فَغُورَ، مِمَّا جَلَبَ الْوَبَأَ عَلَى جَمَاعَةِ اللهِ. فَالْآنَ اقْتُلُوا كُلَّ الْأَوْلَادِ، وَكُلَّ امْرَأَةٍ عَاشَرَتْ رَجُلًا. وَأَبْقُوا لَكُمْ كُلَّ بِنْتٍ لَمْ تُعَاشِرْ رَجُلًا. وَأَمَّا أَنْتُمْ، كُلُّ مَنْ قَتَلَ شَخْصًا أَوْ مَسَّ قَتِيلًا، فَانْتَظِرُوا خَارِجَ الْمُخَيَّمِ 7 أَيَّامٍ، وَطَهِّرُوا أَنْفُسَكُمْ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَالْيَوْمِ السَّابِعِ، أَنْتُمْ وَالْأَسْرَى الَّذِينَ مَعَكُمْ. وَطَهِّرُوا كُلَّ ثَوْبٍ وَكُلَّ شَيْءٍ مَصْنُوعٍ مِنَ الْجِلْدِ أَوْ مِنْ شَعْرِ الْمَعْزِ أَوْ مِنَ الْخَشَبِ.“ وَقَالَ أَلِعَازَارُ الْحَبْرُ لِرِجَالِ الْجَيْشِ الَّذِينَ ذَهَبُوا لِلْحَرْبِ: ”هَذِهِ فَرِيضَةُ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَعْطَاهَا اللهُ لِمُوسَى: الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالنُّحَاسُ وَالْحَدِيدُ وَالْقَصْدِيرُ وَالرَّصَاصُ، وَكُلُّ مَا يَتَحَمَّلُ النَّارَ، تُطَهِّرُونَهُ بِأَنْ تَضَعُوهُ فِي النَّارِ، ثُمَّ أَيْضًا بِمَاءِ التَّطْهِيرِ. وَأَمَّا كُلُّ مَا لَا يَتَحَمَّلُ النَّارَ، فَتُطَهِّرُونَهُ بِمَاءِ التَّطْهِيرِ فَقَطْ. وَتَغْسِلُونَ ثِيَابَكُمْ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ فَتَطْهُرُونَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ تَدْخُلُونَ الْمُخَيَّمَ.“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”أَنْتَ وَأَلِعَازَارُ الْحَبْرُ وَرُؤَسَاءُ عَائِلَاتِ الْجَمَاعَةِ، تَعُدُّونَ الْغَنَائِمَ الَّتِي أَخَذُوهَا مِنْ نَاسٍ وَبَهَائِمَ. وَأَعْطِ النِّصْفَ لِلَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى الْحَرْبِ، وَالنِّصْفَ الْآخَرَ لِبَاقِي الْجَمَاعَةِ. وَأَعْطِ ضَرِيبَةً للهِ مِنْ نَصِيبِ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى الْحَرْبِ، رَأْسًا وَاحِدًا مِنْ كُلِّ 500، مِنَ النَّاسِ وَالْبَقَرِ وَالْحَمِيرِ وَالْغَنَمِ. تَأْخُذُ هَذَا مِنَ النِّصْفِ الَّذِي يَنَالُونَهُ، وَتُعْطِيهِ لِأَلِعَازَارَ الْحَبْرِ هَدِيَّةً للهِ. وَمِنَ النِّصْفِ الَّذِي يَنَالُهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ، تَأْخُذُ وَاحِدًا مِنْ كُلِّ 50، مِنَ النَّاسِ وَالْبَقَرِ وَالْحَمِيرِ وَالْغَنَمِ، وَأَيِّ بَهَائِمَ أُخْرَى، وَتُعْطِيهَا لِلَّاوِيِّينَ الْمَسْئُولِينَ عَنْ خِدْمَةِ خَيْمَةِ اللهِ.“ فَفَعَلَ مُوسَى وَأَلِعَازَارُ الْحَبْرُ كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. وَكَانَتْ جُمْلَةُ الْأَسْلَابِ وَالْغَنَائِمِ الَّتِي أَخَذَهَا رِجَالُ الْجَيْشِ: مِنَ الْغَنَمِ 675000. وَمِنَ الْبَقَرِ 72000. وَمِنَ الْحَمِيرِ 61000. وَمِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَمْ يُعَاشِرْنَ رَجُلًا 32000. فَكَانَ نِصْفُ ذَلِكَ وَهُوَ نَصِيبُ الَّذِينَ ذَهَبُوا لِلْحَرْبِ: مِنَ الْغَنَمِ 337500. وَكَانَتْ ضَرِيبَةُ اللهِ مِنْهَا 675. وَمِنَ الْبَقَرِ 36000، وَضَرِيبَتُهَا للهِ 72. وَمِنَ الْحَمِيرِ 30500، وَضَرِيبَتُهَا للهِ 61. وَمِنَ النِّسَاءِ 16000، وَضَرِيبَتُهَا للهِ 32. فَأَعْطَى مُوسَى الضَّرِيبَةَ هَدِيَّةَ اللهِ لِأَلِعَازَارَ الْحَبْرِ، كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. وَالنِّصْفُ الَّذِي أَعْطَاهُ مُوسَى لِبَاقِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَانَ مُسَاوِيًا لِنَصِيبِ مَنْ ذَهَبُوا لِلْحَرْبِ. فَكَانَ نَصِيبُ الْجَمَاعَةِ: مِنَ الْغَنَمِ 337500. وَمِنَ الْبَقَرِ 36000. وَمِنَ الْحَمِيرِ 30500. وَمِنَ النِّسَاءِ 16000. فَأَخَذَ مُوسَى مِنَ النِّصْفِ الَّذِي نَالَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَاحِدًا مِنْ كُلِّ 50، مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ، وَأَعْطَاهَا لِلَّاوِيِّينَ الْمَسْئُولِينَ عَنْ خِدْمَةِ خَيْمَةِ اللهِ، وَذَلِكَ كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. ثُمَّ جَاءَ إِلَى مُوسَى قَادَةُ وَحْدَاتِ الْجَيْشِ، رُؤَسَاءُ الْأُلُوفِ وَرُؤَسَاءُ الْمِئَاتِ، وَقَالُوا لَهُ: ”نَحْنُ عَبِيدَكَ حَسَبْنَا عَدَدَ الْجُنُودِ الَّذِينَ حَارَبُوا تَحْتَ قِيَادَتِنَا، فَوَجَدْنَا أَنَّهُ لَمْ يُفْقَدْ أَحَدٌ. لِذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا أَحْضَرَ مَا وَجَدَهُ مِنْ أَشْيَاءَ مَصْنُوعَةٍ مِنَ الذَّهَبِ، مِنْ سَلَاسِلَ لِلْمِعْصَمِ وَأَسَاوِرَ وَخَوَاتِمَ وَحَلَقٍ وَقَلَائِدَ، لِنُقَدِّمَهَا قُرْبَانًا للهِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْ أَنْفُسِنَا أَمَامَ اللهِ.“ فَقَبِلَ مُوسَى وَأَلِعَازَارُ الْحَبْرُ مِنْهُمْ كُلَّ الْأَشْيَاءِ الْمَصْنُوعَةِ مِنَ الذَّهَبِ. فَكَانَتْ جُمْلَةُ ذَهَبِ الْهَدِيَّةِ الَّتِي قَدَّمَهَا للهِ رُؤَسَاءُ الْأُلُوفِ وَرُؤَسَاءُ الْمِئَاتِ، 190 كِيلُوجْرَامًا. أَمَّا الْجُنُودُ، فَأَخَذَ كُلٌّ مِنْهُمْ غَنِيمَتَهُ لِنَفْسِهِ. وَأَخَذَ مُوسَى وَأَلِعَازَارُ الْحَبْرُ الذَّهَبَ مِنْ رُؤَسَاءِ الْأُلُوفِ وَرُؤَسَاءِ الْمِئَاتِ، وَأَدْخَلَاهُ إِلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، لِيُذَكِّرَ اللهَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ. وَكَانَ لِبَنِي رَأُوبِينَ وَبَنِي جَادَ مَوَاشٍ كَثِيرَةٌ جِدًّا. فَلَمَّا جَاءُوا إِلَى أَرْضِ يَعْزِيرَ وَأَرْضِ جِلْعَادَ، رَأَوْا أَنَّ الْمَكَانَ يَصْلُحُ لِلْمَوَاشِي. فَذَهَبَ بَنُو جَادَ وَبَنُو رَأُوبِينَ إِلَى مُوسَى وَأَلِعَازَارَ الْحَبْرِ وَقَادَةِ الْجَمَاعَةِ وَقَالُوا لَهُمْ: ”أَرْضُ عَطَارُوتَ وَدِيبُونَ وَيَعْزِيرَ وَنِمْرَةَ وَحَشْبُونَ وَأَلِعَالَةَ وَشَبَامَ وَنَبْوَ وَبَعُونَ، هَذِهِ الْأَرْضُ الَّتِي أَخْضَعَهَا اللهُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، تَصْلُحُ لِلْمَوَاشِي، وَنَحْنُ عَبِيدُكَ لَنَا مَوَاشٍ. فَإِنْ رَضِيتَ عَنَّا، أَعْطِنَا نَحْنُ عَبِيدَكَ هَذِهِ الْأَرْضَ، وَلَا تَجْعَلْنَا نَعْبُرُ الْأُرْدُنَّ.“ فَقَالَ مُوسَى لِبَنِي جَادَ وَبَنِي رَأُوبِينَ: ”هَلْ يَذْهَبُ إِخْوَتُكُمْ إِلَى الْحَرْبِ، وَأَنْتُمْ تَقْعُدُونَ هُنَا؟ لِمَاذَا تُضْعِفُونَ عَزِيمَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنِ الْعُبُورِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَاهَا اللهُ لَهُمْ؟ آبَاؤُكُمْ فَعَلُوا هَذَا لَمَّا أَرْسَلْتُهُمْ مِنْ قَادِشَ بَرْنِيعَ لِيَنْظُرُوا الْأَرْضَ. فَبَعْدَمَا صَعِدُوا إِلَى وَادِي أَشْكُولَ وَنَظَرُوهَا، أَضْعَفُوا عَزِيمَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْ دُخُولِ الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَاهَا اللهُ لَهُمْ. فَغَضِبَ اللهُ جِدًّا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَحَلَفَ وَقَالَ: ’كُلُّ الرِّجَالِ الَّذِينَ طَلَعُوا مِنْ مِصْرَ، مِنِ ابْنِ 20 سَنَةً وَمَا فَوْقُ، لَنْ يَرَوْا الْأَرْضَ الَّتِي وَعَدْتُ بِهَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ بِقَسَمٍ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتْبَعُونِي مِنَ الْقَلْبِ، غَيْرَ كَالِبَ بْنِ يَفُنَّةَ الْقَنْزِيِّ وَيَشُوعَ بْنِ نُونَ لِأَنَّهُمَا تَبِعَا اللهَ مِنَ الْقَلْبِ.‘ وَغَضِبَ اللهُ جِدًّا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَجَعَلَهُمْ يَتِيهُونَ فِي الصَّحْرَاءِ 40 سَنَةً، حَتَّى انْقَرَضَ كُلُّ الْجِيلِ الَّذِي فَعَلَ الشَّرَّ فِي نَظَرِهِ. وَالْآنَ أَنْتُمْ قُمْتُمْ مَكَانَ آبَائِكُمْ، يَا أَوْلَادَ الْأَشْرَارِ! أَنْتُمْ تَزِيدُونَ اشْتِعَالَ غَضَبِ اللهِ ضِدَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. لِأَنَّكُمْ إِنْ ضَلَلْتُمْ عَنْهُ وَلَمْ تَتْبَعُوهُ، يَعُودُ وَيَتْرُكُهُمْ فِي الصَّحْرَاءِ، وَتَكُونُونَ أَنْتُمُ السَّبَبَ فِي هَلَاكِ كُلِّ هَذَا الشَّعْبِ.“ فَاقْتَرَبُوا إِلَيْهِ وَقَالُوا: ”نَبْنِي حَظَائِرَ لِمَوَاشِينَا وَمُدُنًا لِعِيَالِنَا هُنَا، أَمَّا نَحْنُ فَنَحْمِلُ السِّلَاحَ وَنَذْهَبُ أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، حَتَّى نَأْتِيَ بِهِمْ إِلَى مَكَانِهِمْ. وَبِذَلِكَ يُقِيمُ عِيَالُنَا فِي مُدُنٍ مُحَصَّنَةٍ تَحْمِيهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِلَادِ. وَلَا نَرْجِعُ إِلَى دِيَارِنَا، حَتَّى يَحْصُلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى نَصِيبِهِ. وَلَا نَمْلِكُ مَعَهُمْ شَيْئًا غَرْبَ الْأُرْدُنِّ، لِأَنَّنَا أَخَذْنَا نَصِيبَنَا هُنَا فِي الشَّرْقِ.“ فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: ”إِنْ عَمِلْتُمْ كَمَا قُلْتُمْ، وَحَمَلْتُمُ السِّلَاحَ لِلْحَرْبِ فِي مَحْضَرِ اللهِ، وَعَبَرْتُمُ الْأُرْدُنَّ إِلَى أَنْ يَطْرُدَ اللهُ أَعْدَاءَهُ عَنْ وَجْهِهِ، وَتَخْضَعَ الْأَرْضُ أَمَامَهُ، تَكُونُونَ قَدْ أَتْمَمْتُمْ مَسْئُولِيَّتَكُمْ للهِ وَلِبَنِي إِسْرَائِيلَ، فَتَرْجِعُونَ إِلَى هُنَا وَتَكُونُ هَذِهِ الْأَرْضُ مِلْكًا لَكُمْ مِنَ اللهِ. ”وَلَكِنْ إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا هَذَا، فَإِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ إِلَى اللهِ، وَسَتَنَالُونَ عِقَابَ خَطِيئَتِكُمْ. إِذَنِ ابْنُوا مُدُنًا لِعِيَالِكُمْ وَحَظَائِرَ لِغَنَمِكُمْ، وَلَكِنِ اعْمَلُوا كَمَا قُلْتُمْ.“ فَقَالَ بَنُو جَادَ وَبَنُو رَأُوبِينَ لِمُوسَى: ”نَحْنُ عَبِيدَكَ سَنَعْمَلُ كَمَا أَمَرَ سَيِّدُنَا. يَبْقَى أَطْفَالُنَا وَنِسَاؤُنَا وَمَوَاشِينَا وَكُلُّ بَهَائِمِنَا هُنَا فِي مُدُنِ جِلْعَادَ، وَنَحْنُ عَبِيدَكَ، الرِّجَالَ الْمُسَلَّحِينَ، نَعْبُرُ لِنُحَارِبَ فِي مَحْضَرِ اللهِ، كَمَا قُلْتَ يَا سَيِّدُ.“ فَأَوْصَى بِهِمْ مُوسَى أَلِعَازَارَ الْحَبْرَ وَيَشُوعَ بْنَ نُونَ وَرُؤَسَاءَ عَائِلَاتِ وَقَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: ”إِنْ عَبَرَ بَنُو جَادَ وَبَنُو رَأُوبِينَ مَعَكُمُ الْأُرْدُنَّ، وَهُمْ مُسَلَّحُونَ لِيُحَارِبُوا فِي مَحْضَرِ اللهِ، فَمَتَى خَضَعَتِ الْأَرْضُ أَمَامَكُمْ، تُعْطُونَهُمْ أَرْضَ جِلْعَادَ مِلْكًا. وَلَكِنْ إِنْ لَمْ يَعْبُرُوا حَامِلِينَ السِّلَاحَ مَعَكُمْ، فَيَجِبُ أَنْ يَمْلِكُوا بَيْنَكُمْ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ.“ فَقَالَ بَنُو جَادَ وَبَنُو رَأُوبِينَ: ”نَحْنُ عَبِيدَكَ نَعْمَلُ كَمَا قَالَ اللهُ لَنَا. فَنَعْبُرُ حَامِلِينَ السِّلَاحَ فِي مَحْضَرِ اللهِ إِلَى كَنْعَانَ، وَلَكِنْ نَأْخُذُ نَصِيبَنَا هُنَا فِي شَرْقِ الْأُرْدُنِّ.“ فَأَعْطَى مُوسَى لِبَنِي جَادَ وَبَنِي رَأُوبِينَ وَنِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى بْنِ يُوسِفَ، مَمْلَكَةَ سِيحُونَ مَلِكِ الْأَمُورِيِّينَ، وَمَمْلَكَةَ عُوجَ مَلِكِ بَاشَانَ، كُلَّ الْأَرْضِ مَعَ مُدُنِهَا وَالْمَنَاطِقِ الْمُحِيطَةِ بِهَا. فَبَنَى بَنُو جَادَ دِيبُونَ وَعَطَارُوتَ وَعَرُوعِيرَ، وَعَطْرُوتَ شُوفَانَ وَيَعْزِيرَ وَيُجْبَهَةَ، وَبَيْتَ نِمْرَةَ وَبَيْتَ هَارَانَ، وَجَعَلُوهَا مُدُنًا مُحَصَّنَةً، وَبَنَوْا أَيْضًا حَظَائِرَ غَنَمٍ. وَبَنَى بَنُو رَأُوبِينَ أَيْضًا حَشْبُونَ وَأَلِعَالَةَ وَقَرْيَاتِمَ، وَنَبْوَ وَبَعْلَ مَعُونَ اللَّتَيْنِ تَغَيَّرَ اسْمَهُمَا، وَسَبْمَةَ. وَأَعْطَوْا أَسْمَاءً لِلْمُدُنِ الَّتِي بَنَوْهَا. وَذَهَبَ بَنُو مَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى إِلَى جِلْعَادَ وَأَخَذُوهَا وَطَرَدُوا الْأَمُورِيِّينَ الَّذِينَ فِيهَا. فَأَعْطَى مُوسَى جِلْعَادَ لِبَنِي مَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى، فَسَكَنُوا فِيهَا. وَاسْتَوْلَى يَائِرُ بْنُ مَنَسَّى عَلَى مَزَارِعِ جِلْعَادَ وَسَمَّاهَا قُرَى يَائِرَ. وَاسْتَوْلَى نُوبَحُ عَلَى قَنَاةَ وَالْقُرَى الَّتِي حَوَالَيْهَا وَدَعَاهَا نُوبَحَ بِاسْمِهِ. هَذِهِ مَحَطَّاتُ رِحْلَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ مِصْرَ بِفِرَقِهِمْ تَحْتَ قِيَادَةِ مُوسَى وَهَارُونَ. وَبِأَمْرِ اللهِ، سَجَّلَ مُوسَى مَحَطَّاتِ رِحْلَتِهِمْ وَهِيَ الْمَحَطَّاتُ التَّالِيَةُ: رَحَل بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ رَعَمْسِيسَ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، أَيْ فِي غَدِ الْفِصْحِ. خَرَجُوا مُنْتَصِرِينَ أَمَامَ عُيُونِ كُلِّ الْمِصْرِيِّينَ، بَيْنَمَا كَانَ الْمِصْرِيُّونَ يَدْفِنُونَ أَبْكَارَهُمُ الَّذِينَ قَتَلَهُمُ اللهُ، فَهُوَ أَنْزَلَ الْعِقَابَ بِآلِهَتِهِمْ. وَرَحَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ رَعَمْسِيسَ وَنَزَلُوا فِي سُكُّوتَ. ثُمَّ رَحَلُوا مِنْ سُكُّوتَ وَنَزَلُوا فِي إِيثَامَ الَّتِي فِي طَرَفِ الصَّحْرَاءِ. وَرَحَلُوا مِنْ إِيثَامَ وَرَجَعُوا إِلَى فَمِ الْحِيرُوثَ مُقَابِلَ بَعْلَ صِفُّونَ، وَنَزَلُوا بِالْقُرْبِ مِنْ مَجْدَلَ. وَرَحَلُوا مِنْ فَمِ الْحِيرُوثَ وَعَبَرُوا فِي وَسَطِ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ إِلَى الصَّحْرَاءِ، وَسَافَرُوا 3 أَيَّامٍ فِي صَحْرَاءِ إِيثَامَ ثُمَّ نَزَلُوا فِي مَارَّةَ. وَرَحَلُوا مِنْ مَارَّةَ وَذَهَبُوا إِلَى إِيلِيمَ. وَكَانَ فِي إِيلِيمَ 12 عَيْنَ مَاءٍ وَ70 نَخْلَةً، فَنَزَلُوا هُنَاكَ. وَرَحَلُوا مِنْ إِيلِيمَ وَنَزَلُوا عَلَى الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ. وَرَحَلُوا مِنَ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ وَنَزَلُوا فِي صَحْرَاءِ سِينَ. وَرَحَلُوا مِنْ صَحْرَاءِ سِينَ وَنَزَلُوا فِي دُفْقَةَ. وَرَحَلُوا مِنْ دُفْقَةَ وَنَزَلُوا فِي أَلُوشَ. وَرَحَلُوا مِنْ أَلُوشَ وَنَزَلُوا فِي رَفِيدِيمَ. وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَاءٌ لِلشَّعْبِ لِيَشْرَبَ. وَرَحَلُوا مِنْ رَفِيدِيمَ وَنَزَلُوا فِي صَحْرَاءِ سِينَاءَ. وَرَحَلُوا مِنْ صَحْرَاءِ سِينَاءَ وَنَزَلُوا فِي قَبْرُوتَ هَتَّأَوَةَ. وَرَحَلُوا مِنْ قَبْرُوتَ هَتَّأَوَةَ وَنَزَلُوا فِي حَضِيرُوتَ. وَرَحَلُوا مِنْ حَضِيرُوتَ وَنَزَلُوا فِي رِثْمَةَ. وَرَحَلُوا مِنْ رِثْمَةَ وَنَزَلُوا فِي رِمُّونَ فَارِصَ. وَرَحَلُوا مِنْ رِمُّونَ فَارِصَ وَنَزَلُوا فِي لِبْنَةَ. وَرَحَلُوا مِنْ لِبْنَةَ وَنَزَلُوا فِي رِسَّةَ. وَرَحَلُوا مِنْ رِسَّةَ وَنَزَلُوا فِي قُهَيْلَاتَةَ. وَرَحَلُوا مِنْ قُهَيْلَاتَةَ وَنَزَلُوا فِي جَبَلِ شَافَرَ. وَرَحَلُوا مِنْ جَبَلِ شَافَرَ وَنَزَلُوا فِي حَرَادَةَ. وَرَحَلُوا مِنْ حَرَادَةَ وَنَزَلُوا فِي مَقْهَيْلُوتَ. وَرَحَلُوا مِنْ مَقْهَيْلُوتَ وَنَزَلُوا فِي تَاحَتَ. وَرَحَلُوا مِنْ تَاحَتَ وَنَزَلُوا فِي تَارَحَ. وَرَحَلُوا مِنْ تَارَحَ وَنَزَلُوا فِي مِثْقَةَ. وَرَحَلُوا مِنْ مِثْقَةَ وَنَزَلُوا فِي حَشْمُونَةَ. وَرَحَلُوا مِنْ حَشْمُونَةَ وَنَزَلُوا فِي مُسِيرُوتَ. وَرَحَلُوا مِنْ مُسِيرُوتَ وَنَزَلُوا فِي بَنِي يَعْقَانَ. وَرَحَلُوا مِنْ بَنِي يَعْقَانَ وَنَزَلُوا فِي حُورَ الْجِدْجَادِ. وَرَحَلُوا مِنْ حُورَ الْجِدْجَادِ وَنَزَلُوا فِي يُطْبَاتَ. وَرَحَلُوا مِنْ يُطْبَاتَ وَنَزَلُوا فِي عَبْرُونَةَ. وَرَحَلُوا مِنْ عَبْرُونَةَ وَنَزَلُوا فِي عِصْيُونَ جَابِرَ. وَرَحَلُوا مِنْ عِصْيُونَ جَابِرَ وَنَزَلُوا فِي قَادِشَ فِي صَحْرَاءِ صِينَ. وَرَحَلُوا مِنْ قَادِشَ وَنَزَلُوا فِي جَبَلِ هُورَ فِي طَرَفِ أَرْضِ أَدُومَ. وَصَعِدَ هَارُونُ الْحَبْرُ إِلَى جَبَلِ هُورَ، كَمَا أَمَرَ اللهُ، وَمَاتَ هُنَاكَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الْخَامِسِ مِنَ السَّنَةِ الْأَرْبَعِينَ لِخُرُوجِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ. وَكَانَ هَارُونُ ابْنَ 123 سَنَةً، لَمَّا مَاتَ فِي جَبَلِ هُورَ. وَسَمِعَ مَلِكُ عَرَادَ الْكَنْعَانِيُّ الْمُقِيمُ فِي النَّقَبِ فِي كَنْعَانَ، أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَادِمُونَ. وَرَحَلُوا مِنْ جَبَلِ هُورَ وَنَزَلُوا فِي صَلْمُونَةَ. وَرَحَلُوا مِنْ صَلْمُونَةَ وَنَزَلُوا فِي فُونُونَ. وَرَحَلُوا مِنْ فُونُونَ وَنَزَلُوا فِي أُوبُوتَ. وَرَحَلُوا مِنْ أُوبُوتَ وَنَزَلُوا فِي عَيَّ عَبَارِيمَ عَلَى حُدُودِ مُوآبَ. وَرَحَلُوا مِنْ عَيِّيمَ وَنَزَلُوا فِي دِيبُونَ جَادَ. وَرَحَلُوا مِنْ دِيبُونَ جَادَ وَنَزَلُوا فِي عَلْمُونَ دِبْلَتَايِمَ. وَرَحَلُوا مِنْ عَلْمُونَ دِبْلَتَايِمَ وَنَزَلُوا فِي جِبَالِ عَبَارِيمَ مُقَابِلَ نَبْوَ. وَرَحَلُوا مِنْ جِبَالِ عَبَارِيمَ وَنَزَلُوا فِي سُهُولِ مُوآبَ عَلَى شَاطِئِ الْأُرْدُنِّ، مُقَابِلَ أَرِيحَا. فَنَصَبُوا خِيَامَهُمْ هُنَاكَ عَلَى شَاطِئِ الْأُرْدُنِّ، فِي سُهُولِ مُوآبَ مِنْ بَيْتَ يَشِيمُوتَ إِلَى آبَلَ شِطِّيمَ. وَهُنَاكَ فِي سُهُولِ مُوآبَ عَلَى شَاطِئِ الْأُرْدُنِّ، مُقَابِلَ أَرِيحَا، قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’أَنْتُمْ سَتَعْبُرُونَ الْأُرْدُنَّ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. فَيَجِبُ أَنْ تَطْرُدُوا كُلَّ سُكَّانِهَا مِنْ أَمَامِكُمْ، وَتُفْنُوا كُلَّ تَمَاثِيلِهِمِ الْمَنْحُوتَةِ، وَتُبِيدُوا كُلَّ آلِهَتِهِمِ الْمَسْبُوكَةِ، وَتُخْرِبُوا كُلَّ أَمَاكِنِ عِبَادَتِهِمْ. اِمْلِكُوا الْأَرْضَ وَاسْكُنُوا فِيهَا، لِأَنِّي أَعْطَيْتُهَا لَكُمْ لِتَمْلِكُوهَا. فَاقْتَسِمُوا الْأَرْضَ بِالْقُرْعَةِ حَسَبَ عَشَائِرِكُمْ. الْجَمَاعَةُ الْكَبِيرَةُ تُعْطُونَهَا نَصِيبًا كَبِيرًا، وَالْجَمَاعَةُ الصَّغِيرَةُ تُعْطُونَهَا نَصِيبًا صَغِيرًا. وَكُلُّ وَاحِدٍ يُقِيمُ حَيْثُ يُعْطَى بِالْقُرْعَةِ. فَتَقْتَسِمُونَ الْأَرْضَ حَسَبَ عَشَائِرِكُمْ وَعَائِلَاتِكُمْ. وَلَكِنْ إِنْ لَمْ تَطْرُدُوا سُكَّانَ الْأَرْضِ مِنْ أَمَامِكُمْ، فَالَّذِينَ تَسْمَحُونَ لَهُمْ بِالْبَقَاءِ مَعَكُمْ، يَكُونُونَ شَوْكَةً فِي عَيْنِكُمْ وَمِخْرَزًا فِي جَنْبِكُمْ، وَيُضَايِقُونَكُمْ فِي الْأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمْ سَاكِنُونَ فِيهَا وَأَفْعَلُ بِكُمْ مَا نَوَيْتُ أَنْ أَفْعَلَهُ بِهِمْ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”أَوْصِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: ’أَنْتُمْ دَاخِلُونَ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. فَهَذِهِ هِيَ حُدُودُ الْأَرْضِ الَّتِي تَكُونُ نَصِيبًا لَكُمْ بِالْقُرْعَةِ: نَاحِيَةُ الْجَنُوبِ تَكُونُ صَحْرَاءَ صِينَ عَلَى حُدُودِ أَدُومَ. وَيَكُونُ الْحَدُّ الْجَنُوبِيُّ مِنْ طَرَفِ الْبَحْرِ الْمَيِّتِ شَرْقًا، وَيَدُورُ جَنُوبَ مَمَرِّ الْعَقَارِبِ، وَيَعْبُرُ إِلَى صِينَ، وَيَذْهَبُ جَنُوبَ قَادِشَ بَرْنِيعَ، وَيَتَّجِهُ إِلَى حَصَرَ أَدَّارَ، وَيَعْبُرُ إِلَى عَصْمُونَ. ثُمَّ يَدُورُ مِنْ عَصْمُونَ إِلَى نَهْرِ مِصْرَ، وَيَنْتَهِي عِنْدَ الْبَحْرِ الْأَبْيَضِ الْمُتَوَسِّطِ. وَأَمَّا الْحَدُّ الْغَرْبِيُّ فَيَكُونُ الْبَحْرَ الْأَبْيَضَ الْمُتَوَسِّطَ. هَذَا يَكُونُ حَدَّكُمْ مِنَ الْغَرْبِ. وَالْحَدُّ الشَّمَالِيُّ يَبْدَأُ مِنَ الْبَحْرِ الْأَبْيَضِ الْمُتَوَسِّطِ وَيَكُونُ كَأَنَّهُ خَطٌّ يَمْتَدُّ إِلَى جَبَلِ هُورَ، وَمِنْ جَبَلِ هُورَ إِلَى مَدْخَلِ حَمَاةَ، ثُمَّ يَذْهَبُ إِلَى صَدَدَ، وَيَمْتَدُّ إِلَى زِفْرُونَ، وَيَنْتَهِي عِنْدَ حَصْرَعِينَانَ. هَذَا يَكُونُ حَدَّكُمْ مِنَ الشَّمَالِ. وَالْحَدُّ الشَّرْقِيُّ يَكُونُ كَأَنَّهُ خَطٌّ يَمْتَدُّ مِنْ حَصْرَعِينَانَ إِلَى شَفَامَ. وَيَنْزِلُ مِنْ شَفَامَ إِلَى رَبْلَةَ شَرْقَ عَيْنَ، وَيَنْزِلُ أَيْضًا وَيُلَامِسُ جَانِبَ بُحَيْرَةِ الْجَلِيلِ شَرْقًا. وَمِنْ هُنَاكَ يَنْزِلُ إِلَى الْأُرْدُنِّ، وَيَنْتَهِي عِنْدَ الْبَحْرِ الْمَيِّتِ. هَذِهِ هِيَ أَرْضُكُمْ وَحُدُودُهَا مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ.‘“ فَقَالَ مُوسَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ”هَذِهِ هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي تَقْتَسِمُونَهَا بِالْقُرْعَةِ. وَقَدْ أَمَرَ اللهُ أَنْ تُعْطَى لِلتِّسْعِ قَبَائِلَ وَالنِّصْفِ. لِأَنَّ عَائِلَاتِ قَبِيلَةِ رَأُوبِينَ وَقَبِيلَةِ جَادَ وَنِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى، أَخَذُوا نَصِيبَهُمْ. الْقَبِيلَتَانِ وَالنِّصْفُ أَخَذُوا نَصِيبَهُمْ فِي شَرْقِ الْأُرْدُنِّ عِنْدَ أَرِيحَا أَيْ نَاحِيَةِ شُرُوقِ الشَّمْسِ.“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”هَذَانِ الرَّجُلَانِ يَقْسِمَانِ لَكُمُ الْأَرْضَ: أَلِعَازَارُ الْحَبْرُ وَيَشُوعُ بْنُ نُونَ. وَمَعَهُمَا قَائِدٌ وَاحِدٌ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ تَأْخُذُونَهُ لِقِسْمَةِ الْأَرْضِ، وَهَذِهِ أَسْمَاؤُهُمْ: مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا، كَالِبُ بْنُ يَفُنَّةَ. وَمِنْ قَبِيلَةِ شَمْعُونَ، شَمُوئِيلُ بْنُ عَمِّيهُودَ. وَمِنْ قَبِيلَةِ بَنْيَمِينَ، أَلِيدَادُ بْنُ كَسْلُونَ. وَمِنْ قَبِيلَةِ دَانَ، الْقَائِدُ بُقِّي بْنُ يُجْلِي. وَمِنْ قَبِيلَةِ مَنَسَّى بْنِ يُوسِفَ، الْقَائِدُ حَنَنْئِيلُ بْنُ إِيفُودَ. وَمِنْ قَبِيلَةِ أَفْرَايِمَ، الْقَائِدُ قَمُوئِيلُ بْنُ شِفْطَانَ. وَمِنْ قَبِيلَةِ زَبُولُونَ، الْقَائِدُ أَلِيصَافَانُ بْنُ فَرْنَاخَ. وَمِنْ قَبِيلَةِ يَسَّاكَرَ، الْقَائِدُ فَلْطِيئِيلُ بْنُ عَزَّانَ. وَمِنْ قَبِيلَةِ أَشِيرَ، الْقَائِدُ أَخِيهُودُ بْنُ شَلُومِي. وَمِنْ قَبِيلَةِ نَفْتَالِي، الْقَائِدُ فَدَهْئِيلُ بْنُ عَمِّيهُودَ.“ هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ أَمَرَهُمُ اللهُ أَنْ يَقْسِمُوا أَرْضَ كَنْعَانَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِمُوسَى فِي سُهُولِ مُوآبَ عَلَى شَاطِئِ الْأُرْدُنِّ، مُقَابِلَ أَرِيحَا: ”أَوْصِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُعْطُوا مِنْ نَصِيبِهِمِ الَّذِي يَمْلِكُونَهُ، لِلَّاوِيِّينَ مُدُنًا لِيَسْكُنُوا فِيهَا، وَمَرَاعِيَ حَوْلَهَا. فَتَكُونُ الْمُدُنُ لِلسَّكَنِ وَالْمَرَاعِي لِبَهَائِمِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ وَكُلِّ حَيَوَانَاتِهِمْ. وَهَذِهِ الْمَرَاعِي الَّتِي تُعْطُونَهَا لِلَّاوِيِّينَ، تَمْتَدُّ نِصْفَ كِيلُومِتْرٍ مِنْ سُورِ الْمَدِينَةِ إِلَى الْخَارِجِ، فِي كُلِّ اتِّجَاهٍ. وَبِذَلِكَ يَكُونُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ مُرَبَّعٌ مِنْ أَرْضِ الْمَرَاعِي طُولُهُ كِيلُومِتْرٌ مِنَ الشَّرْقِ وَكِيلُومِتْرٌ مِنَ الْجَنُوبِ وَكِيلُومِتْرٌ مِنَ الْغَرْبِ وَكِيلُومِتْرٌ مِنَ الشَّمَالِ، وَالْمَدِينَةُ فِي الْوَسَطِ. فَتُعْطُونَ اللَّاوِيِّينَ 6 مُدُنٍ لِلْمَلْجَأِ، لِيَهْرُبَ إِلَيْهَا الْقَاتِلُ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى 42 مَدِينَةً أَيْضًا. فَتَكُونُ جُمْلَةُ الْمُدُنِ الَّتِي تُعْطُونَهَا لِلَّاوِيِّينَ 48 مَدِينَةً مَعَ مَرَاعِيهَا. وَهَذِهِ الْمُدُنُ الَّتِي تُعْطُونَهَا لِلَّاوِيِّينَ مِنْ نَصِيبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، تَأْخُذُونَهَا حَسَبَ نَصِيبِ كُلِّ قَبِيلَةٍ. مِنَ الَّذِي لَهُ مُدُنٌ كَثِيرَةٌ، تَأْخُذُونَ كَثِيرًا. وَمِنَ الَّذِي لَهُ مُدُنٌ أَقَلُّ، تَأْخُذُونَ قَلِيلًا.“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’مَتَى عَبَرْتُمُ الْأُرْدُنَّ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. فَاخْتَارُوا لَكُمْ مُدُنًا تَكُونُ مُدُنَ مَلْجَأٍ لِيَهْرُبَ إِلَيْهَا مَنْ قَتَلَ شَخْصًا عَنْ غَيْرِ عَمْدٍ. فَتَكُونَ هَذِهِ الْمُدُنُ مَلْجَأً لَكُمْ مِنْ طَالِبِ الثَّأْرِ، لِكَيْ لَا يَمُوتَ الْقَاتِلُ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ أَمَامَ الْقَضَاءِ لِلْمُحَاكَمَةِ. فَلِهَذَا تُعْطُونَ 6 مُدُنٍ لِلْمَلْجَأِ. 3 مِنْهَا فِي شَرْقِ الْأُرْدُنِّ، وَ3 فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. لِتَكُونَ مُدُنَ مَلْجَأٍ. فَيَهْرُبَ إِلَيْهَا كُلُّ مَنْ قَتَلَ شَخْصًا عَنْ غَيْرِ عَمْدٍ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ غَرِيبًا أَوْ ضَيْفًا بَيْنَهُمْ، فَتَكُونَ هَذِهِ الْمُدُنُ الـ6 لِلْمَلْجَأِ. ”’فَمَثَلًا إِنْ ضَرَبَ وَاحِدٌ شَخْصًا فَمَاتَ، فَهُوَ قَاتِلٌ، وَالْقَاتِلُ يُقْتَلُ. أَوْ إِنْ كَانَ وَاحِدٌ فِي يَدِهِ حَجَرٌ وَضَرَبَ بِهِ شَخْصًا فَمَاتَ، فَهُوَ قَاتِلٌ، وَالْقَاتِلُ يُقْتَلُ. أَوْ إِنْ كَانَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنَ الْخَشَبِ، وَضَرَبَهُ فَمَاتَ، فَهُوَ قَاتِلٌ، وَالْقَاتِلُ يُقْتَلُ. طَالِبُ الثَّأْرِ هُوَ الَّذِي يَقْتُلُ الْقَاتِلَ حِينَ يُصَادِفُهُ. وَإِنْ دَفَعَ أَحَدٌ شَخْصًا بِكَرَاهِيَةٍ، أَوْ إِنْ رَمَى عَلَيْهِ شَيْئًا عَنْ قَصْدٍ فَمَاتَ، أَوْ إِنْ ضَرَبَهُ بِيَدِهِ بِعَدَاوَةٍ فَمَاتَ، فَهُوَ قَاتِلٌ، وَالْقَاتِلُ يُقْتَلُ. طَالِبُ الثَّأْرِ يَقْتُلُهُ حِينَ يُصَادِفُهُ. ”’وَلَكِنْ إِنْ دَفَعَ وَاحِدٌ شَخْصًا صُدْفَةً وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ، أَوْ إِنْ رَمَى عَلَيْهِ شَيْئًا عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ، أَوْ حَجَرًا قَاتِلًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَاهُ، فَمَاتَ. إِذَنْ بِمَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَدُوَّهُ، فَهُوَ لَمْ يَقْصِدْ أَنْ يُؤْذِيَهُ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ، يَحْكُمُ الْقَضَاءُ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَطَالِبِ الثَّأْرِ حَسَبَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ. وَتُنْقِذُ الْجَمَاعَةُ الْقَاتِلَ مِنْ يَدِ طَالِبِ الثَّأْرِ، وَيَرُدُّونَهُ إِلَى مَدِينَةِ الْمَلْجَأِ الَّتِي هَرَبَ إِلَيْهَا، وَيُقِيمُ فِيهَا إِلَى أَنْ يَمُوتَ الْحَبْرُ الْعَظِيمُ الَّذِي مُسِحَ بِالزَّيْتِ الْمُقَدَّسِ. وَلَكِنْ إِنْ خَرَجَ الْقَاتِلُ مِنْ حُدُودِ مَدِينَةِ الْمَلْجَأِ الَّتِي هَرَبَ إِلَيْهَا، فَوَجَدَهُ طَالِبُ الثَّأْرِ خَارِجَ حُدُودِ الْمَدِينَةِ وَقَتَلَهُ، فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُعَاقَبُ طَالِبُ الثَّأْرِ. فَإِنَّ الْقَاتِلَ يَجِبُ أَنْ يُقِيمَ فِي مَدِينَةِ مَلْجَأِهِ إِلَى أَنْ يَمُوتَ الْحَبْرُ الْعَظِيمُ، وَبَعْدَ مَوْتِ الْحَبْرِ الْعَظِيمِ يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مِلْكِهِ. ”’إِذَنْ لِتَكُنْ هَذِهِ الْفَرِيضَةُ شَرِيعَةً لَكُمْ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، فِي كُلِّ بِلَادِكُمْ. كُلُّ مَنْ يَقْتُلُ شَخْصًا، يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ. وَلَكِنْ لَا يُحْكَمُ عَلَى أَحَدٍ بِالْمَوْتِ بِشَهَادَةٍ مِنْ وَاحِدٍ فَقَطْ. لَا تَقْبَلُوا فِدْيَةً عَنْ قَاتِلٍ مَحْكُومٍ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يُقْتَلَ. لَا تَقْبَلُوا فِدْيَةً مِنْ وَاحِدٍ هَرَبَ إِلَى مَدِينَةِ الْمَلْجَأِ، وَيُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ لِيُقِيمَ فِي أَرْضِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْحَبْرِ. لَا تُنَجِّسُوا الْأَرْضَ الَّتِي أَنْتُمْ فِيهَا، لِأَنَّ سَفْكَ الدَّمِ يُنَجِّسُ الْأَرْضَ، وَلَا يُمْكِنُ التَّكْفِيرُ عَنِ الْأَرْضِ الَّتِي سُفِكَ فِيهَا الدَّمُ إِلَّا بِسَفْكِ دَمِ الْقَاتِلِ. إِذَنْ لَا تُنَجِّسُوا الْأَرْضَ الَّتِي أَنْتُمْ مُقِيمُونَ فِيهَا، وَالَّتِي أَنَا سَاكِنٌ فِيهَا، لِأَنِّي أَنَا اللهُ سَاكِنٌ فِي وَسَطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.‘“ وَجَاءَ رُؤَسَاءُ عَائِلَاتِ عَشِيرَةِ جِلْعَادَ بْنِ مَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى، وَهُمْ مِنْ عَشَائِرِ بَنِي يُوسِفَ، وَتَكَلَّمُوا أَمَامَ مُوسَى وَالْقَادَةِ رُؤَسَاءِ عَائِلَاتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَالُوا: ”أَمَرَ اللهُ سَيِّدَنَا مُوسَى، أَنْ يُعْطِيَ الْأَرْضَ نَصِيبًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ بِالْقُرْعَةِ. وَأَمَرَهُ أَيْضًا أَنْ يُعْطِيَ نَصِيبَ صَلُفْحَادَ أَخِينَا لِبَنَاتِهِ. فَإِذَا حَدَثَ وَتَزَوَّجْنَ خَارِجَ قَبِيلَتِنَا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُنَّ مِنْ عَشِيرَتِنَا وَيُضَافُ إِلَى عَشَائِرِ الزَّوْجِ. بِذَلِكَ يَضِيعُ مِنَّا جُزْءٌ مِنْ نَصِيبِنَا. وَمَتَى حَلَّتْ سَنَةُ الْيُوبِيلِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، يُضَافُ نَصِيبُهُنَّ إِلَى نَصِيبِ الْقَبِيلَةِ الَّتِي تَزَوَّجْنَ فِيهَا، وَيَضِيعُ هَذَا الْجُزْءُ مِنْ نَصِيبِ قَبِيلَتِنَا وَعَائِلَتِنَا.“ فَقَالَ مُوسَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ حَسَبَ أَمْرِ اللهِ: ”كَلَامُ قَبِيلَةِ بَنِي يُوسِفَ هُوَ بِحَقٍّ. فَهَذَا هُوَ أَمْرُ اللهِ بِشَأْنِ بَنَاتِ صَلُفْحَادَ: لِتَتَزَوَّجْ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِالزَّوْجِ الَّذِي يُعْجِبُهَا، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلَةِ وَعَشِيرَةِ أَبِيهَا. فَلَا يَنْتَقِلُ نَصِيبٌ فِي إِسْرَائِيلَ مِنْ قَبِيلَةٍ إِلَى أُخْرَى، بَلْ يَحْتَفِظُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِنَصِيبِ آبَائِهِ فِي نَفْسِ الْقَبِيلَةِ. فَكُلُّ بِنْتٍ وَرِثَتْ أَرْضًا فِي أَيِّ قَبِيلَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَجِبُ أَنْ تَتَزَوَّجَ وَاحِدًا مِنْ قَبِيلَةِ وَعَشِيرَةِ أَبِيهَا. لِكَيْ يَرِثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ نَصِيبَ آبَائِهِ. فَلَا يَنْتَقِلُ نَصِيبٌ مِنْ قَبِيلَةٍ إِلَى أُخْرَى، بَلْ تَحْتَفِظُ كُلُّ قَبِيلَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِنَصِيبِهَا.“ فَفَعَلَتْ بَنَاتُ صَلُفْحَادَ كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. فَصَارَتْ مَحْلَةُ وَتِرْصَةُ وَحُجْلَةُ وَمِلْكَةُ وَنُوعَةُ بَنَاتُ صَلُفْحَادَ، زَوْجَاتٍ لِبَنِي أَعْمَامِهِنَّ. أَيْ تَزَوَّجْنَ رِجَالًا مِنْ عَشَائِرِ بَنِي مَنَسَّى بْنِ يُوسِفَ، فَبَقِيَ نَصِيبُهُنَّ فِي قَبِيلَةِ وَعَشِيرَةِ أَبِيهِنَّ. هَذِهِ هِيَ الْوَصَايَا وَالْأَحْكَامُ الَّتِي أَوْصَى بِهَا اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِوَاسِطَةِ مُوسَى، فِي سُهُولِ مُوآبَ عَلَى شَاطِئِ الْأُرْدُنِّ، مُقَابِلَ أَرِيحَا. هَذَا هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي كَلَّمَ بِهِ مُوسَى كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي صَحْرَاءِ الْعَرَبَةِ شَرْقَ الْأُرْدُنِّ، مُقَابِلَ سُوفَ، بَيْنَ فَارَانَ وَتُوفَلَ وَلَابَانَ وَحَضِيرُوتَ وَذِي ذَهَبٍ. وَكَانَتِ الرِّحْلَةُ مِنْ حُورِيبَ إِلَى قَادِشَ بَرْنِيعَ تَسْتَغْرِقُ 11 يَوْمًا عَنْ طَرِيقِ جَبَلِ سَعِيرَ. فِي سَنَةِ 40، فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ الْحَادِيَ عَشَرَ، أَخْبَرَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِكُلِّ مَا أَمَرَهُ اللهُ بِهِ بِشَأْنِهِمْ. وَذَلِكَ بَعْدَمَا هَزَمَ مُوسَى سِيحُونَ مَلِكَ الْأَمُورِيِّينَ الَّذِي كَانَ فِي حَشْبُونَ، وَعُوجَ مَلِكَ بَاشَانَ الَّذِي كَانَ فِي عَشْتَرُوتَ وَإِذْرَعِي. وَأَخَذَ مُوسَى يَشْرَحُ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ، فِي شَرْقِ الْأُرْدُنِّ فِي بِلَادِ مُوآبَ، فَقَالَ: ”الْمَوْلَى إِلَهُنَا قَالَ لَنَا فِي حُورِيبَ: ’أَنْتُمْ أَقَمْتُمْ مَا يَكْفِي فِي هَذَا الْجَبَلِ. قُومُوا ارْحَلُوا وَادْخُلُوا جَبَلَ الْأَمُورِيِّينَ وَكُلَّ مَا يُجَاوِرُهُ مِنَ الْوَادِي وَالْجَبَلِ وَالسَّهْلِ وَالنَّقَبِ وَسَاحِلِ الْبَحْرِ، أَيْ كُلِّ كَنْعَانَ وَلُبْنَانَ، إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ. فَأَنَا اللهُ أَعْطَيْتُكُمْ هَذِهِ الْأَرْضَ. فَادْخُلُوا وَامْلِكُوهَا لِأَنِّي حَلَفْتُ أَنْ أُعْطِيَهَا لِآبَائِكُمْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، وَلِنَسْلِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ.‘“ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قُلْتُ لَكُمْ: ”أَنَا لَا أَقْدِرُ أَنْ أَحْمِلَ مَسْئُولِيَّتَكُمْ وَحْدِي. فَالْمَوْلَى إِلَهُكُمْ زَادَ عَدَدَكُمْ حَتَّى إِنَّكُمُ الْيَوْمَ كَنُجُومِ السَّمَاءِ فِي الْكَثْرَةِ. لَيْتَ الْمَوْلَى إِلَهَ آبَائِكُمْ يَزِيدُ عَلَيْكُمْ مِثْلَكُمْ 1000 مَرَّةٍ، وَيُبَارِكُكُمْ كَمَا وَعَدَكُمْ. وَلَكِنْ كَيْفَ أَحْمِلُ وَحْدِي مَشَاكِلَكُمْ وَأَثْقَالَكُمْ وَنِزَاعَكُمْ؟ فَاخْتَارُوا مِنْ قَبَائِلِكُمْ رِجَالًا حُكَمَاءَ وَعُقَلَاءَ وَمَعْرُوفِينَ، فَأَجْعَلَهُمْ رُؤَسَاءَ عَلَيْكُمْ.“ فَأَجَبْتُمْ وَقُلْتُمْ لِي: ”إِنَّ هَذَا كَلَامٌ مَعْقُولٌ وَمِنَ الْخَيْرِ أَنْ نَعْمَلَ بِهِ.“ فَاخْتَرْتُ مِنْ رُؤَسَاءِ قَبَائِلِكُمْ رِجَالًا حُكَمَاءَ وَمَعْرُوفِينَ، وَعَيَّنْتُهُمْ قَادَةً عَلَيْكُمْ، فَكَانُوا رُؤَسَاءَ جَمَاعَاتٍ مِنْ 1000 أَوْ 100 أَوْ 50 أَوْ 10، وَرُقَبَاءَ عَلَى قَبَائِلِكُمْ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْصَيْتُ قُضَاتَكُمْ وَقُلْتُ لَهُمْ: ”اِسْمَعُوا الدَّعَاوَى بَيْنَ إِخْوَتِكُمْ، وَاقْضُوا بِالْعَدْلِ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْقَضِيَّةُ بَيْنَ إِخْوَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَوْ بَيْنَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَشَخْصٍ أَجْنَبِيٍّ. لَا تَتَحَيَّزُوا لِأَحَدٍ فِي الْقَضَاءِ، اِسْمَعُوا لِلصَّغِيرِ كَمَا لِلْكَبِيرِ. لَا تَخَافُوا مِنْ أَيِّ إِنْسَانٍ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ للهِ. وَإِنْ كَانَتْ هُنَاكَ قَضِيَّةٌ صَعْبَةٌ عَلَيْكُمْ، هَاتُوهَا لِي فَأَنْظُرَ فِيهَا.“ وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَخْبَرْتُكُمْ بِكُلِّ مَا يَجِبُ أَنْ تَعْمَلُوهُ. وَكَمَا أَمَرَنَا الْمَوْلَى إِلَهُنَا، رَحَلْنَا مِنْ حُورِيبَ وَاتَّجَهْنَا إِلَى جَبَلِ الْأَمُورِيِّينَ. فَعَبَرْنَا كُلَّ تِلْكَ الصَّحْرَاءِ الشَّاسِعَةِ الْمُخِيفَةِ الَّتِي رَأَيْتُمُوهَا، حَتَّى وَصَلْنَا إِلَى قَادِشَ بَرْنِيعَ. ثُمَّ قُلْتُ لَكُمْ: ”أَنْتُمْ وَصَلْتُمْ إِلَى جَبَلِ الْأَمُورِيِّينَ، الَّذِي يُعْطِيهِ لَنَا الْمَوْلَى إِلَهُنَا. اُنْظُرُوا! إِنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ أَعْطَاكُمُ الْأَرْضَ. فَاصْعَدُوا وَامْلِكُوهَا كَمَا وَعَدَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُ آبَائِكُمْ، لَا تَخَافُوا وَلَا تَرْتَعِبُوا.“ فَجِئْتُمْ كُلُّكُمْ إِلَيَّ وَقُلْتُمْ: ”نُرْسِلُ قُدَّامَنَا بَعْضَ الرِّجَالِ لِيَتَجَسَّسُوا الْبِلَادَ لَنَا، وَيَأْتُوا بِتَقْرِيرٍ عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي سَنَسِيرُ فِيهَا وَالْمُدُنِ الَّتِي سَنَأْتِي إِلَيْهَا.“ فَرَأَيْتُ أَنَّهَا فِكْرَةٌ حَسَنَةٌ، وَاخْتَرْتُ مِنْكُمُ 12 رَجُلًا، وَاحِدًا مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ. فَرَاحُوا وَصَعِدُوا إِلَى الْجَبَلِ، وَوَصَلُوا إِلَى وَادِي أَشْكُولَ وَاسْتَكْشَفُوهُ. وَأَخَذُوا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ ثَمَرِ الْأَرْضِ وَحَمَلُوهُ إِلَيْنَا، وَأَخْبَرُونَا بِأَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي أَعْطَاهَا لَنَا الْمَوْلَى إِلَهُنَا هِيَ أَرْضٌ جَيِّدَةٌ. لَكِنَّكُمْ رَفَضْتُمْ أَنْ تَصْعَدُوا، وَخَالَفْتُمْ أَمْرَ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ. وَتَذَمَّرْتُمْ فِي خِيَامِكُمْ وَقُلْتُمْ: ”اللهُ يَكْرَهُنَا، لِذَلِكَ أَخْرَجَنَا مِنْ مِصْرَ لِيُوقِعَنَا فِي أَيْدِي الْأَمُورِيِّينَ وَيُهْلِكَنَا. فَأَيْنَ نَذْهَبُ؟ لِأَنَّ إِخْوَتَنَا أَخَافُونَا وَقَالُوا: ’ذَلِكَ الشَّعْبُ أَقْوَى وَأَطْوَلُ مِنَّا، وَمُدُنُهُمْ عَظِيمَةٌ، وَأَسْوَارُهَا تَكَادُ تَصِلُ إِلَى السَّمَاءِ. وَقَدْ رَأَيْنَا هُنَاكَ أَيْضًا بَنِي عَنَاقَ.‘“ فَقُلْتُ لَكُمْ: ”لَا تَرْتَعِبُوا وَلَا تَخَافُوا مِنْهُمْ. الْمَوْلَى إِلَهُكُمُ الَّذِي يَسِيرُ قُدَّامَكُمْ هُوَ يُحَارِبُ عَنْكُمْ، كَمَا فَعَلَ مَعَكُمْ فِي مِصْرَ قُدَّامَ عُيُونِكُمْ. وَقَدْ رَأَيْتُمْ فِي الصَّحْرَاءِ هُنَاكَ كَيْفَ حَمَلَكُمْ كَأَبٍ يَحْمِلُ ابْنَهُ، طُولَ الطَّرِيقِ الَّتِي سِرْتُمْ فِيهَا حَتَّى وَصَلْتُمْ إِلَى هَذَا الْمَكَانِ.“ وَمَعَ كُلِّ ذَلِكَ لَمْ تَثِقُوا فِي الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، الَّذِي سَارَ قُدَّامَكُمْ فِي رِحْلَتِكُمْ، فِي نَارٍ بِاللَّيْلِ، وَفِي سَحَابَةٍ بِالنَّهَارِ، لِيَبْحَثَ لَكُمْ عَنْ مَكَانٍ تَنْزِلُونَ فِيهِ وَيُرِيَكُمُ الطَّرِيقَ الَّتِي تَسِيرُونَ فِيهَا. فَلَمَّا سَمِعَ اللهُ كَلَامَكُمْ غَضِبَ وَأَقْسَمَ وَقَالَ: ”وَلَا وَاحِدٌ مِنْ هَذَا الْجِيلِ الشِّرِّيرِ يَرَى الْأَرْضَ الطَّيِّبَةَ الَّتِي حَلَفْتُ أَنْ أُعْطِيَهَا لِآبَائِكُمْ. غَيْرَ كَالِبَ بْنِ يَفُنَّةَ، فَهُوَ يَرَاهَا، لِأَنَّهُ تَبِعَ اللهَ مِنَ الْقَلْبِ. فَأَنَا أُعْطِيهِ الْأَرْضَ الَّتِي دَاسَتْهَا قَدَمَاهُ، لَهُ وَلِنَسْلِهِ.“ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيَّ أَنَا أَيْضًا بِسَبَبِكُمْ وَقَالَ: ”وَأَنْتَ أَيْضًا لَنْ تَدْخُلَ الْأَرْضَ. بَلْ يَشُوعُ بْنُ نُونَ خَادِمُكَ هُوَ يَدْخُلُهَا. فَشَجِّعْهُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَقُودُ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِيَمْتَلِكُوهَا. أَمَّا أَطْفَالُكُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ سَيَأْخُذُهُمُ الْأَعْدَاءُ أَسْرَى، صِغَارُكُمُ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ الْيَوْمَ الْخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ، فَهُمْ يَدْخُلُونَ الْأَرْضَ. أَنَا أُعْطِيهَا لَهُمْ، وَهُمْ يَمْلِكُونَهَا. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَحَوَّلُوا، وَارْحَلُوا إِلَى الصَّحْرَاءِ عَلَى طَرِيقِ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ.“ فَأَجَبْتُمْ وَقُلْتُمْ: ”أَخْطَأْنَا فِي حَقِّ اللهِ، سَنَصْعَدُ وَنُحَارِبُ كَمَا أَمَرَنَا الْمَوْلَى إِلَهُنَا.“ وَحَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ سِلَاحَهُ، وَتَخَيَّلْتُمْ أَنَّهُ مِنَ السَّهْلِ صُعُودُ الْجَبَلِ. فَقَالَ اللهُ لِي: ”قُلْ لَهُمْ: ’لَا تَصْعَدُوا وَلَا تُحَارِبُوا، لِأَنِّي لَسْتُ مَعَكُمْ، وَلِذَلِكَ يَهْزِمُكُمْ أَعْدَاؤُكُمْ.‘“ فَقُلْتُ لَكُمْ ذَلِكَ وَلَكِنَّكُمْ لَمْ تَسْمَعُوا. بَلْ تَمَرَّدْتُمْ عَلَى كَلَامِ اللهِ وَتَجَبَّرْتُمْ وَصَعِدْتُمُ الْجَبَلَ. فَخَرَجَ عَلَيْكُمُ الْأَمُورِيُّونَ سُكَّانُ ذَلِكَ الْجَبَلِ، وَطَارَدُوكُمْ كَمَا يَفْعَلُ النَّحْلُ، وَضَرَبُوكُمْ مِنْ سَعِيرَ إِلَى حُرْمَةَ. فَرَجَعْتُمْ وَبَكَيْتُمْ أَمَامَ الْمَوْلَى، لَكِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ لِصَوْتِكُمْ وَلَمْ يَنْتَبِهْ لَكُمْ. وَأَقَمْتُمْ فِي قَادِشَ وَقْتًا طَوِيلًا، أَيْ كُلَّ الْوَقْتِ الَّذِي قَضَيْتُمُوهُ هُنَاكَ. ثُمَّ رَجَعْنَا وَرَحَلْنَا نَحْوَ الصَّحْرَاءِ، عَلَى طَرِيقِ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ، كَمَا أَمَرَنِي اللهُ، وَدُرْنَا حَوْلَ جَبَلِ سَعِيرَ وَقْتًا طَوِيلًا. وَقَالَ اللهُ لِي: ”كَفَاكُمْ دَوَرَانٌ حَوْلَ هَذَا الْجَبَلِ. اِذْهَبُوا شَمَالًا. وَقُلْ لِلشَّعْبِ: ’أَنْتُمْ سَتَعْبُرُونَ فِي بِلَادِ إِخْوَتِكُمْ بَنِي الْعِيصَ السَّاكِنِينَ فِي سَعِيرَ. وَهُمْ سَيَخَافُونَ مِنْكُمْ، فَاحْذَرُوا! لَا تُهَاجِمُوهُمْ لِأَنِّي لَنْ أُعْطِيَكُمْ مِنْ أَرْضِهِمْ شَيْئًا، وَلَا حَتَّى نِصْفَ مِتْرٍ. فَأَنَا أَعْطَيْتُ جَبَلَ سَعِيرَ مِلْكًا لِلْعِيصَ. بَلْ تَدْفَعُونَ لَهُمْ ثَمَنَ الطَّعَامِ الَّذِي تَأْكُلُونَهُ، وَالْمَاءِ الَّذِي تَشْرَبُونَهُ.‘“ لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ قَدْ بَارَكَكُمْ فِي كُلِّ مَا تَعْمَلُونَ، وَكَانَ حَارِسًا لَكُمْ فِي رِحْلَتِكُمْ فِي هَذِهِ الصَّحْرَاءِ الشَّاسِعَةِ. طُولَ هَذِهِ الْـ40 سَنَةً كَانَ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ مَعَكُمْ، فَلَمْ تَفْتَقِرُوا إِلَى شَيْءٍ. فَمَرَرْنَا بَعِيدًا عَنْ إِخْوَتِنَا بَنِي الْعِيصَ السَّاكِنِينَ فِي سَعِيرَ. وَتَرَكْنَا طَرِيقَ الْوَادِي وَإِيلَاتَ وَعِصْيُونَ جَابِرَ، ثُمَّ دُرْنَا وَاتَّجَهْنَا نَحْوَ صَحْرَاءِ مُوآبَ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِي: ”لَا تُضَايِقِ الْمُوآبِيِّينَ وَلَا تُحَارِبْهُمْ، لِأَنِّي لَنْ أُعْطِيَكَ مِنْ أَرْضِهِمْ نَصِيبًا، بَلْ أَعْطَيْتُ عَارَ مِلْكًا لِبَنِي لُوطَ.“ كَانَ الْإِيمِيُّونَ يَسْكُنُونَ فِيهَا مِنْ قَبْلُ، وَهُمْ شَعْبٌ قَوِيٌّ وَكَثِيرٌ وَقَامَتُهُمْ طَوِيلَةٌ كَالْعَنَاقِيِّينَ. وَهُمْ كَالْعَنَاقِيِّينَ أَيْضًا يُعْتَبَرُونَ رَفَائِيِّينَ، لَكِنَّ الْمُوآبِيِّينَ يُسَمُّونَهُمْ إِيمِيِّينَ. وَكَانَ الْحُورِيُّونَ يَسْكُنُونَ فِي سَعِيرَ مِنْ قَبْلُ، فَطَرَدَهُمْ بَنُو الْعِيصَ وَأَبَادُوهُمْ مِنْ أَمَامِهِمْ وَسَكَنُوا مَكَانَهُمْ، كَمَا فَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَاهَا اللهُ لَهُمْ. وَقَالَ اللهُ: ”الْآنَ قُومُوا وَاعْبُرُوا وَادِيَ زَارَدَ.“ فَعَبَرْنَا وَادِيَ زَارَدَ. وَاسْتَغْرَقَ مَسِيرُنَا مِنْ قَادِشَ بَرْنِيعَ حَتَّى عَبَرْنَا وَادِيَ زَارَدَ، 38 سَنَةً، فِي أَثْنَائِهَا انْقَرَضَ كُلُّ الرِّجَالِ الْقَادِرِينَ عَلَى الْحَرْبِ، كَمَا حَلَفَ اللهُ لَهُمْ. وَضَرَبَهُمُ اللهُ حَتَّى أَفْنَاهُمْ إِلَى آخِرِهِمْ مِنَ الْمُخَيَّمِ. فَلَمَّا مَاتَ كُلُّ الْقَادِرِينَ عَلَى الْحَرْبِ وَانْقَرَضُوا مِنْ بَيْنِ الشَّعْبِ، قَالَ اللهُ لِي: ”أَنْتَ الْيَوْمَ سَتَعْبُرُ حُدُودَ أَرْضِ مُوآبَ عِنْدَ عَارَ. فَعِنْدَمَا تَأْتِي إِلَى الْعَمُّونِيِّينَ، لَا تُضَايِقْهُمْ وَلَا تُحَارِبْهُمْ، لِأَنِّي لَنْ أُعْطِيَكَ مِنْ أَرْضِهِمْ نَصِيبًا بَلْ أَعْطَيْتُهَا مِلْكًا لِبَنِي لُوطَ.“ وَهِيَ أَيْضًا تُعْتَبَرُ أَرْضَ رَفَائِيِّينَ، لِأَنَّ الرَّفَائِيِّينَ كَانُوا يَسْكُنُونَ فِيهَا مِنْ قَبْلُ، لَكِنَّ الْعَمُّونِيِّينَ يُسَمُّونَهُمْ زَمْزَمِيِّينَ. وَهُمْ شَعْبٌ قَوِيٌّ وَكَثِيرٌ، وَقَامَتُهُمْ طَوِيلَةٌ كَالْعَنَاقِيِّينَ، وَأَبَادَهُمُ اللهُ مِنْ أَمَامِ الْعَمُّونِيِّينَ، فَطَرَدُوهُمْ وَسَكَنُوا مَكَانَهُمْ. وَذَلِكَ كَمَا فَعَلَ اللهُ مَعَ بَنِي الْعِيصَ الَّذِينَ كَانُوا يَسْكُنُونَ فِي سَعِيرَ، لَمَّا أَهْلَكَ الْحُورِيِّينَ مِنْ أَمَامِهِمْ. فَطَرَدُوهُمْ وَسَكَنُوا مَكَانَهُمْ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. وَكَمَا فَعَلَ مَعَ الْعَوِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا يَسْكُنُونَ فِي الْقُرَى الْمُمْتَدَّةِ حَتَّى إِلَى غَزَّةَ، فَقَدْ أَبَادَهُمُ الْكَفْتُورِيُّونَ الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ كَفْتُورَ، وَسَكَنُوا مَكَانَهُمْ. ”فَقُومُوا وَارْحَلُوا وَاعْبُرُوا وَادِيَ نَهْرِ أَرْنُونَ، فَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ فِي يَدِكَ سِيحُونَ الْأَمُورِيَّ مَلِكَ حَشْبُونَ وَبِلَادَهُ. فَابْدَأْ فِي امْتِلَاكِ الْأَرْضِ وَحَارِبْهُ. هَذَا الْيَوْمَ أَبْدَأُ بِأَنْ أَجْعَلَ كُلَّ الْأُمَمِ الَّتِي تَحْتَ السَّمَاءِ تَخَافُكَ وَتَهَابُكَ. فَعِنْدَمَا يَسْمَعُونَ عَنْكَ، يَرْتَعِبُونَ وَيَفْزَعُونَ مِنْكَ.“ وَأَرْسَلْتُ رُسُلًا مِنْ صَحْرَاءِ قَدِيمُوتَ إِلَى سِيحُونَ مَلِكِ حَشْبُونَ بِرِسَالَةِ سَلَامٍ وَقُلْتُ لَهُ: ”اِسْمَحْ لَنَا أَنْ نَمُرَّ فِي بِلَادِكَ، فَنَسِيرَ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ، وَلَا نَنْحَرِفَ عَنْهُ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا. وَنَدْفَعَ لَكَ ثَمَنَ الطَّعَامِ الَّذِي نَأْكُلُهُ، وَالْمَاءِ الَّذِي نَشْرَبُهُ. نَمُرُّ بِأَرْجُلِنَا فَقَطْ. كَمَا فَعَلَ مَعَنَا بَنُو الْعِيصَ السَّاكِنُونَ فِي سَعِيرَ، وَالْمُوآبِيُّونَ السَّاكِنُونَ فِي عَارَ، حَتَّى نَعْبُرَ الْأُرْدُنَّ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَنَا الْمَوْلَى إِلَهُنَا.“ فَرَفَضَ سِيحُونُ مَلِكُ حَشْبُونَ أَنْ يَسْمَحَ لَنَا بِالْمُرُورِ فِي بِلَادِهِ، لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ جَعَلَهُ قَاسِيًا وَعَنِيدًا لِكَيْ يَهْزِمَهُ عَلَى يَدِكُمْ، كَمَا حَدَثَ فِعْلًا. وَقَالَ اللهُ لِي: ”اُنْظُرْ! إِنِّي بَدَأْتُ أُعْطِيكَ سِيحُونَ وَبِلَادَهُ. فَابْدَأُوا فِي الِاسْتِيلَاءِ عَلَى الْأَرْضِ وَامْتِلَاكِهَا.“ فَخَرَجَ سِيحُونُ هُوَ وَكُلُّ جَيْشِهِ لِمُحَارَبَتِنَا فِي يَاهَصَ. فَنَصَرَنَا اللهُ عَلَيْهِ، وَقَتَلْنَاهُ وَبَنِيهِ وَكُلَّ جَيْشِهِ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَخَذْنَا كُلَّ مُدُنِهِ، وَقَتَلْنَا الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالْأَطْفَالَ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ. أَمَّا الْبَهَائِمُ وَغَنِيمَةُ الْمُدُنِ الَّتِي اسْتَوْلَيْنَا عَلَيْهَا، فَأَخَذْنَاهَا لِأَنْفُسِنَا. وَلَمْ تَقِفْ ضِدَّنَا مَدِينَةٌ، مِنْ عَرُوعِيرَ الَّتِي عَلَى حَافَّةِ وَادِي أَرْنُونَ، إِلَى الْمَدِينَةِ الَّتِي فِي الْوَادِي، حَتَّى إِلَى جِلْعَادَ. الْمَوْلَى إِلَهُنَا نَصَرَنَا عَلَيْهَا كُلِّهَا. لَكِنْ حَسَبَ أَمْرِ اللهِ، لَمْ نَقْرُبْ بِلَادَ الْعَمُّونِيِّينَ، وَلَا الْأَرْضَ الَّتِي عَلَى شَاطِئِ نَهْرِ يَبُّوقَ، وَلَا مُدُنَ الْجَبَلِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ دُرْنَا وَصَعِدْنَا فِي الطَّرِيقِ الْمُتَّجِهَةِ إِلَى بَاشَانَ، فَخَرَجَ عُوجُ مَلِكُ بَاشَانَ هُوَ وَكُلُّ جَيْشِهِ لِيُحَارِبَنَا فِي إِذْرَعِي. فَقَالَ اللهُ لِي: ”لَا تَخَفْ مِنْهُ، لِأَنِّي أَعْطَيْتُهُ لَكَ هُوَ وَكُلَّ جَيْشِهِ وَبِلَادِهِ، فَافْعَلْ بِهِ مَا فَعَلْتَ بِسِيحُونَ مَلِكِ الْأَمُورِيِّينَ الَّذِي كَانَ فِي حَشْبُونَ.“ فَأَعْطَانَا الْمَوْلَى إِلَهُنَا فِي يَدِنَا أَيْضًا عُوجَ مَلِكَ بَاشَانَ وَكُلَّ جَيْشِهِ. فَقَتَلْنَاهُمْ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَخَذْنَا كُلَّ مُدُنِهِ. وَلَا وَاحِدَةٌ مِنَ الْمُدُنِ الـ60 إِلَّا وَأَخَذْنَاهَا مِنْهُمْ، أَيْ كُلَّ مِنْطَقَةِ أَرْجُوبَ الَّتِي هِيَ مَمْلَكَةُ عُوجَ فِي بَاشَانَ. وَكَانَتْ كُلُّهَا مُدُنًا مُحَصَّنَةً لَهَا أَسْوَارٌ عَالِيَةٌ وَأَبْوَابٌ وَأَقْفَالٌ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى عَدَدٍ كَبِيرٍ مِنَ الْقُرَى الَّتِي لَمْ تَكُنْ لَهَا أَسْوَارٌ. فَأَفْنَيْنَاهُمْ تَمَامًا كَمَا فَعَلْنَا بِسِيحُونَ مَلِكِ حَشْبُونَ، وَحَطَّمْنَا مُدُنَهُمْ وَقَتَلْنَا الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالْأَطْفَالَ. أَمَّا الْبَهَائِمُ وَغَنِيمَةُ الْمُدُنِ، فَأَخَذْنَاهَا لِأَنْفُسِنَا. وَبِهَذَا أَخَذْنَا مِنْ مَلِكَيِ الْأَمُورِيِّينَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الْأَرْضَ الَّتِي شَرْقَ الْأُرْدُنِّ، مِنْ وَادِي أَرْنُونَ إِلَى جَبَلِ حَرْمُونَ. وَحَرْمُونُ يُسَمِّيهِ الصَّيْدُونِيُّونَ سِرْيُونَ، أَمَّا الْأَمُورِيُّونَ فَيُسَمُّونَهُ سَنِيرَ. أَخَذْنَا كُلَّ مُدُنِ السَّهْلِ وَكُلَّ جِلْعَادَ وَبَاشَانَ إِلَى سَلْكَةَ وَإِذْرَعِي مَدِينَتَيْ عُوجَ فِي بَاشَانَ. وَكَانَ عُوجُ هُوَ آخِرَ مَنْ بَقِيَ مِنَ الرَّفَائِيِّينَ، وَسَرِيرُهُ الَّذِي مِنْ حَدِيدٍ لَا يَزَالُ فِي مَدِينَةِ رَبَّةَ الَّتِي لِبَنِي عَمُّونَ، وَطُولُهُ حَوَالَيْ أَرْبَعَةِ أَمْتَارٍ وَنِصْفٍ وَعَرْضُهُ حَوَالَيْ مِتْرَيْنِ. فَلَمَّا مَلَكْنَا تِلْكَ الْأَرْضَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَعْطَيْتُ بَنِي رَأُوبِينَ وَبَنِي جَادَ بِلَادَ عَرُوعِيرَ الَّتِي عَلَى وَادِي أَرْنُونَ، وَنِصْفَ جَبَلِ جِلْعَادَ مَعَ مُدُنِهِ. وَأَعْطَيْتُ نِصْفَ قَبِيلَةِ مَنَسَّى، بَاقِيَ جِلْعَادَ وَكُلَّ بَاشَانَ أَيْ مَمْلَكَةَ عُوجَ. وَكَانَتْ كُلُّ مِنْطَقَةِ أَرْجُوبَ مَعَ بَاشَانَ تُسَمَّى فِي الْمَاضِي بِلَادَ الرَّفَائِيِّينَ. فَلَمَّا أَخَذَ يَائِرُ بْنُ مَنَسَّى كُلَّ مِنْطَقَةِ أَرْجُوبَ حَتَّى إِلَى حُدُودِ الْجَشُورِيِّينَ وَالْمَعْكِيِّينَ، سُمِّيَتْ بِاسْمِهِ. لِذَلِكَ فَإِنَّ بَاشَانَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ اسْمُهَا قُرَى يَائِرَ. وَأَعْطَيْتُ جِلْعَادَ لِمَاكِيرَ. وَأَعْطَيْتُ بَنِي رَأُوبِينَ وَبَنِي جَادَ مِنْ جِلْعَادَ حَتَّى إِلَى وَادِي أَرْنُونَ. فَكَانَتْ حُدُودُهُمْ مِنْ نِصْفِ الْوَادِي إِلَى نَهْرِ يَبُّوقَ الَّذِي هُوَ حُدُودُ بَنِي عَمُّونَ. وَأَعْطَيْتُهُمْ أَيْضًا السَّهْلَ وَالْأُرْدُنَّ مِنْ بُحَيْرَةِ الْجَلِيلِ إِلَى الْبَحْرِ الْمَيِّتِ، تَحْتَ سُفُوحِ جَبَلِ فِسْجَةَ شَرْقًا. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْصَيْتُكُمْ وَقُلْتُ لَكُمْ: ”الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ أَعْطَاكُمْ هَذِهِ الْأَرْضَ لِتَمْلِكُوهَا. فَيَذْهَبُ إِلَيْهَا كُلُّ الْأَقْوِيَاءِ مِنْكُمْ مُسَلَّحِينَ لِلْقِتَالِ قُدَّامَ بَاقِي إِخْوَتِكُمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. أَمَّا نِسَاؤُكُمْ وَأَطْفَالُكُمْ وَمَوَاشِيكُمْ، أَنَا عَارِفٌ أَنَّ لَكُمْ مَوَاشِيَ كَثِيرَةً، فَيُقِيمُونَ فِي الْمُدُنِ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لَكُمْ. إِلَى أَنْ يُرِيحَ اللهُ إِخْوَتَكُمْ مِثْلَكُمْ، وَيَسْتَوْلُوا هُمْ أَيْضًا عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَاهَا لَهُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ فِي غَرْبِ الْأُرْدُنِّ. وَبَعْدَ ذَلِكَ يَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ إِلَى مِلْكِهِ الَّذِي أَعْطَيْتُهُ لَهُ.“ وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْصَيْتُ يَشُوعَ وَقُلْتُ لَهُ: ”أَنْتَ رَأَيْتَ بِعَيْنَيْكَ كُلَّ مَا فَعَلَهُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ بِهَذَيْنِ الْمَلِكَيْنِ. سَيَفْعَلُ اللهُ نَفْسَ الشَّيْءِ بِكُلِّ الْمَمَالِكِ الَّتِي أَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَيْهَا. لَا تَخَافُوا مِنْهُمْ، الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ نَفْسُهُ يُحَارِبُ عَنْكُمْ.“ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تَضَرَّعْتُ لِلْمَوْلَى وَقُلْتُ: ”اللَّهُمَّ يَا رَبِّي، أَنْتَ بَدَأْتَ تُرِي عَبْدَكَ عَظَمَتَكَ وَيَدَكَ الْقَوِيَّةَ. لَا إِلَهَ فِي السَّمَاءِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَ أَعْمَالِكَ وَأَفْعَالِكَ الْقَدِيرَةِ! اِسْمَحْ لِي أَنْ أَعْبُرَ وَأَرَى الْأَرْضَ الطَّيِّبَةَ الَّتِي غَرْبَ الْأُرْدُنِّ، وَالْجَبَلَ الْجَمِيلَ وَلُبْنَانَ.“ لَكِنَّ اللهَ غَضِبَ عَلَيَّ بِسَبَبِكُمْ، وَلَمْ يَسْمَعْ لِي بَلْ قَالَ: ”كَفَى! لَا تَعُدْ تُكَلِّمُنِي فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ. اِطْلَعْ إِلَى قِمَّةِ جَبَلِ فِسْجَةَ، وَانْظُرْ غَرْبًا وَشَمَالًا وَجَنُوبًا وَشَرْقًا، لِتَرَى الْأَرْضَ بِعَيْنَيْكَ لِأَنَّكَ لَنْ تَعْبُرَ هَذَا الْأُرْدُنَّ. إِنَّمَا أَوْصِ يَشُوعَ وَشَجِّعْهُ وَشَدِّدْهُ، لِأَنَّهُ هُوَ يَقُودُ هَذَا الشَّعْبَ وَيَعْبُرُ بِهِمْ وَيَقْسِمُ لَهُمُ الْأَرْضَ الَّتِي تَرَاهَا.“ ثُمَّ أَقَمْنَا فِي الْوَادِي مُقَابِلَ بَيْتَ فَغُورَ. اِسْمَعِ الْآنَ يَا إِسْرَائِيلُ الْفَرَائِضَ وَالشَّرَائِعَ الَّتِي أُعَلِّمُكُمْ إِيَّاهَا. اِعْمَلُوا بِهَا لِكَيْ تَحْيَوْا وَتَدْخُلُوا وَتَمْلِكُوا الْأَرْضَ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُ آبَائِكُمْ. لَا تَزِيدُوا عَلَى مَا آمُرُكُمْ بِهِ وَلَا تُنَقِّصُوا مِنْهُ، بَلْ أَطِيعُوا وَصَايَا الْمَوْلَى إِلَهِكُمُ الَّتِي أُوصِيكُمْ بِهَا. أَنْتُمْ رَأَيْتُمْ بِعُيُونِكُمْ مَا عَمِلَهُ اللهُ فِي بَعْلَ فَغُورَ. إِنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ أَفْنَى مِنْ بَيْنِكُمْ كُلَّ مَنْ ذَهَبَ وَرَاءَ بَعْلَ فَغُورَ. أَمَّا أَنْتُمُ الَّذِينَ تَمَسَّكْتُمْ بِالْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، فَكُلُّكُمْ أَحْيَاءٌ الْيَوْمَ. اُنْظُرُوا إِنَّي عَلَّمْتُكُمْ فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ، كَمَا أَمَرَنِي الْمَوْلَى إِلَهِي، لِتَعْمَلُوا بِهَا فِي الْأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمْ ذَاهِبُونَ إِلَيْهَا لِتَمْلِكُوهَا. فَأَطِيعُوهَا وَاعْمَلُوا بِهَا، لِأَنَّهَا تُبَيِّنُ لِلشُّعُوبِ الْأُخْرَى أَنَّكُمْ حُكَمَاءُ وَفُهَمَاءُ. فَعِنْدَمَا يَسْمَعُونَ بِكُلِّ هَذِهِ الْفَرَائِضِ يَقُولُونَ: ”هَذَا الشَّعْبُ الْعَظِيمُ هُوَ شَعْبٌ حَكِيمٌ وَفَهِيمٌ.“ لِأَنَّهُ أَيُّ شَعْبٍ، مَهْمَا كَانَ عَظِيمًا، لَهُ إِلَهٌ قَرِيبٌ مِنْهُ مِثْلُ الْمَوْلَى إِلَهِنَا فِي كُلِّ صَلَاتِنَا لَهُ؟ وَأَيُّ شَعْبٍ، مَهْمَا كَانَ عَظِيمًا، لَهُ فَرَائِضُ وَشَرَائِعُ صَالِحَةٌ مِثْلُ كُلِّ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَضَعُهَا الْيَوْمَ أَمَامَكُمْ؟ اِنْتَبِهُوا وَاحْذَرُوا جِدًّا، لِكَيْ لَا تَنْسُوا الْأَشْيَاءَ الَّتِي رَأَتْهَا عُيُونُكُمْ، وَلَا تَجْعَلُوهَا تَزُولُ مِنْ قُلُوبِكُمْ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكُمْ، بَلْ عَلِّمُوهَا لِأَوْلَادِكُمْ وَأَحْفَادِكُمْ. تَذَكَّرِ الْيَوْمَ الَّذِي فِيهِ وَقَفْتَ أَمَامَ الْمَوْلَى إِلَهِكَ فِي حُورِيبَ لَمَّا قَالَ لِي: ”اِجْمَعْ لِيَ الشَّعْبَ، لِأُسْمِعَهُمْ كَلَامِي، لِكَيْ يَتَعَلَّمُوا أَنْ يَخَافُونِي طُولَ حَيَاتِهِمْ فِي الْأَرْضِ وَلِكَيْ يُعَلِّمُوا أَوْلَادَهُمْ نَفْسَ الشَّيْءِ.“ فَاقْتَرَبْتُمْ وَوَقَفْتُمْ عِنْدَ سَفْحِ الْجَبَلِ، وَالْجَبَلُ مُشْتَعِلٌ بِنَارٍ امْتَدَّتْ إِلَى أَعَالِي السَّمَاءِ، وَعَلَيْهِ سَحَابٌ أَسْوَدُ وَظَلَامٌ شَدِيدٌ. وَكَلَّمَكُمُ اللهُ مِنْ وَسَطِ النَّارِ. أَنْتُمْ سَمِعْتُمْ صَوْتَ كَلَامِهِ، لَكِنْ لَمْ تَرَوْا صُورَةً. كَانَ هُنَاكَ صَوْتٌ فَقَطْ. وَأَخْبَرَكُمْ بِعَهْدِهِ، أَيِ الْوَصَايَا الْـ10 الَّتِي أَوْصَاكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا، ثُمَّ كَتَبَهَا عَلَى لَوْحَيْنِ مِنْ حَجَرٍ. وَأَمَرَنِي اللهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَنْ أُعَلِّمَكُمُ الْفَرَائِضَ وَالشَّرَائِعَ الَّتِي يَجِبُ أَنْ تَعْمَلُوهَا فِي الْأَرْضِ الَّتِي سَتَعْبُرُونَ الْأُرْدُنَّ لِتَمْلِكُوهَا. فَانْتَبِهُوا جِدًّا لِأَنَّهُ لَمَّا كَلَّمَكُمُ اللهُ مِنْ وَسَطِ النَّارِ فِي حُورِيبَ، لَمْ تَرَوْا لَهُ صُورَةً، لِئَلَّا تَفْسُدُوا وَتَصْنَعُوا لَكُمْ صَنَمًا عَلَى شَكْلِ تِمْثَالٍ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ: تِمْثَالٍ لِرَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ، أَوْ حَيَوَانٍ عَلَى الْأَرْضِ، أَوْ طَيْرٍ يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ، أَوْ شَيْءٍ يَزْحَفُ عَلَى الْأَرْضِ، أَوْ سَمَكٍ فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتُ. وَلِئَلَّا تَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ وَتَرَوْا الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ وَالْكَائِنَاتِ السَّمَائِيَّةَ الَّتِي وَزَّعَهَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَمِ الَّتِي تَحْتَ السَّمَاءِ، فَتُخْدَعُوا وَتَسْجُدُوا لَهَا وَتَعْبُدُوهَا. فَقَدِ اخْتَارَكُمُ اللهُ وَأَخْرَجَكُمْ مِنْ مِصْرَ، ذَلِكَ الْأَتُونِ الَّذِي يَصْهَرُ الْحَدِيدَ، لِتَكُونُوا شَعْبَهُ وَنَصِيبَهُ كَمَا أَنْتُمُ الْيَوْمَ. وَغَضِبَ اللهُ عَلَيَّ بِسَبَبِكُمْ، وَحَلَفَ إِنِّي لَا أَعْبُرُ الْأُرْدُنَّ وَلَا أَدْخُلُ الْأَرْضَ الطَّيِّبَةَ الَّتِي أَعْطَاهَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ نَصِيبًا لَكُمْ. فَأَمُوتُ أَنَا فِي هَذِهِ الْأَرْضِ وَلَا أَعْبُرُ الْأُرْدُنَّ، أَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْبُرُونَهُ وَتَمْلِكُونَ تِلْكَ الْأَرْضَ الطَّيِّبَةَ. إِيَّاكُمْ أَنْ تَنْسُوا عَهْدَ الْمَوْلَى إِلَهِكُمُ الَّذِي عَمِلَهُ مَعَكُمْ. لَا تَصْنَعُوا لَكُمْ صَنَمًا عَلَى أَيِّ شَكْلٍ مِمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ هُوَ نَارٌ آكِلَةٌ، هُوَ إِلَهٌ غَيُورٌ. إِنْ أَنْجَبْتُمْ بَنِينَ وَأَحْفَادًا وَأَقَمْتُمْ فِي الْأَرْضِ طَوِيلًا، ثُمَّ فَسَدْتُمْ وَعَمِلْتُمْ صَنَمًا عَلَى أَيِّ شَكْلٍ، وَعَمِلْتُمْ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ وَأَغْضَبْتُمُوهُ، فَإِنِّي الْيَوْمَ أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ، بِأَنَّكُمْ تَبِيدُونَ سَرِيعًا مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي سَتَعْبُرُونَ الْأُرْدُنَّ لِتَمْلِكُوهَا، فَلَنْ تَعِيشُوا فِيهَا طَوِيلًا بَلْ لَا بُدَّ تَفْنَوْنَ. وَيُشَتِّتُكُمُ اللهُ بَيْنَ الشُّعُوبِ، فَتُصْبِحُونَ أَقَلِيَّةً بَيْنَ الشُّعُوبِ الَّتِي يَسُوقُكُمُ اللهُ إِلَيْهَا. وَهُنَاكَ تَعْبُدُونَ آلِهَةً يَعْمَلُهَا النَّاسُ مِنْ خَشَبٍ وَحَجَرٍ، لَا تَرَى وَلَا تَسْمَعُ وَلَا تَأْكُلُ وَلَا تَشُمُّ. لَكِنْ إِنْ طَلَبْتُمُ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ مِنْ هُنَاكَ، إِنْ كُنْتُمْ تَلْتَمِسُونَهُ بِكُلِّ قَلْبِكُمْ وَكُلِّ نَفْسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ تَجِدُونَهُ. وَعِنْدَمَا يَحِلُّ بِكُمْ ضِيقٌ وَتَأْتِي عَلَيْكُمْ كُلُّ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي الْأَيَّامِ الْمُقْبِلَةِ، عِنْدَ ذَلِكَ تَرْجِعُونَ إِلَى الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ وَتُطِيعُونَهُ. لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ إِلَهٌ رَحِيمٌ، لَا يَتْرُكُكُمْ وَلَا يُهْلِكُكُمْ وَلَا يَنْسَى عَهْدَهُ مَعَ آبَائِكُمْ، فَقَدْ حَلَفَ لَهُمْ عَلَيْهِ. اِسْأَلُوا عَنِ الْأَيَّامِ الْأُولَى الَّتِي كَانَتْ قَبْلَكُمْ، مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي خَلَقَ اللهُ فِيهِ الْإِنْسَانَ عَلَى الْأَرْضِ. اِسْأَلُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ تَحْتَ السَّمَاءِ. هَلْ جَرَى مِثْلُ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ، أَوْ هَلْ سَمِعَ أَحَدٌ بِمِثْلِهِ؟ هَلْ سَمِعَ شَعْبٌ صَوْتَ اللهِ يَتَكَلَّمُ مِنْ وَسَطِ النَّارِ كَمَا سَمِعْتُمْ أَنْتُمْ، وَبَقِيَ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ؟ هَلْ حَاوَلَ إِلَهٌ غَيْرِي أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ شَعْبًا مِنْ وَسَطِ شَعْبٍ آخَرَ، وَذَلِكَ بِمِحَنٍ وَآيَاتٍ وَعَجَائِبَ وَحُرُوبٍ وَيَدٍ شَدِيدَةٍ وَذِرَاعٍ قَدِيرَةٍ وَأَعْمَالٍ عَظِيمَةٍ مُخِيفَةٍ، مِثْلَ كُلِّ مَا فَعَلَهُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ فِي مِصْرَ أَمَامَ عُيُونِكُمْ؟ إِنَّهُ أَرَاكُمْ هَذَا لِتَعْلَمُوا أَنَّ الْمَوْلَى هُوَ اللهُ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ. مِنَ السَّمَاءِ أَسْمَعَكُمْ صَوْتَهُ لِيُعَلِّمَكُمْ، وَعَلَى الْأَرْضِ أَرَاكُمْ نَارَهُ الْعَظِيمَةَ، وَسَمِعْتُمْ كَلَامَهُ مِنْ وَسَطِ النَّارِ. وَلِأَنَّهُ أَحَبَّ آبَاءَكُمْ، وَاخْتَارَ نَسْلَهُمْ مِنْ بَعْدِهِمْ، لِذَلِكَ هُوَ بِنَفْسِهِ أَخْرَجَكُمْ مِنْ مِصْرَ بِقُدْرَتِهِ الْعَظِيمَةِ. لِيَطْرُدَ أَمَامَكُمْ أُمَمًا أَعْظَمَ وَأَقْوَى مِنْكُمْ، وَيَأْتِيَ بِكُمْ إِلَى أَرْضِهِمْ، وَيُعْطِيَهَا لَكُمْ نَصِيبًا كَمَا تَرَوْنَ الْيَوْمَ. فَاعْلَمُوا الْيَوْمَ وَتَأَمَّلُوا فِي قُلُوبِكُمْ، أَنَّ الْمَوْلَى هُوَ اللهُ فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَعَلَى الْأَرْضِ مِنْ تَحْتُ. لَا إِلَهَ غَيْرُهُ. اِعْمَلُوا بِفَرَائِضِهِ وَوَصَايَاهُ الَّتِي أُوصِيكُمْ بِهَا الْيَوْمَ، لِكَيْ تَنْجَحُوا أَنْتُمْ وَأَوْلَادُكُمْ مِنْ بَعْدِكُمْ، وَيَطُولَ عُمْرُكُمْ فِي الْأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ إِلَى الْأَبَدِ. وَخَصَّصَ مُوسَى 3 مُدُنٍ فِي شَرْقِ الْأُرْدُنِّ، لِيَهْرُبَ إِلَيْهَا كُلُّ مَنْ قَتَلَ شَخْصًا عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَكَانَ لَا يَكْرَهُهُ مِنْ قَبْلُ. فَيَهْرُبُ إِلَى إِحْدَى هَذِهِ الْمُدُنِ وَيَنْجُو بِحَيَاتِهِ. وَهَذِهِ هِيَ الْمُدُنُ: بَاصِرُ فِي سَهْلِ الصَّحْرَاءِ لِلرَّأُوبِينِيِّينَ، وَرَامُوتُ فِي جِلْعَادَ لِلْجَادِيِّينَ، وَجُولَانُ فِي بَاشَانَ لِلْمَنَسِّيِّينَ. هَذِهِ هِيَ الشَّرِيعَةُ الَّتِي أَعْطَاهَا مُوسَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. هَذِهِ هِيَ الشُّرُوطُ وَالْفَرَائِضُ وَالشَّرَائِعُ الَّتِي أَعْطَاهَا مُوسَى لَهُمْ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ مِصْرَ. وَكَانُوا فِي شَرْقِ الْأُرْدُنِّ، فِي الْوَادِي مُقَابِلَ بَيْتَ فَغُورَ، فِي أَرْضِ سِيحُونَ مَلِكِ الْأَمُورِيِّينَ الَّذِي كَانَ فِي حَشْبُونَ وَهَزَمَهُ مُوسَى وَبَنُو إِسْرَائِيلَ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ مِصْرَ. وَمَلَكُوا أَرْضَهُ وَأَرْضَ عُوجَ مَلِكِ بَاشَانَ، مَلِكَيِ الْأَمُورِيِّينَ اللَّذَيْنِ كَانَا فِي شَرْقِ الْأُرْدُنِّ. وَامْتَدَّتْ هَذِهِ الْأَرْضُ مِنْ عَرُوعِيرَ الَّتِي عَلَى حَافَّةِ وَادِي أَرْنُونَ إِلَى جَبَلِ سِرْيُونَ، وَتَشْمَلُ كُلَّ وَادِي الْعَرَبَةِ فِي شَرْقِ الْأُرْدُنِّ، إِلَى الْبَحْرِ الْمَيِّتِ تَحْتَ سُفُوحِ جَبَلِ فِسْجَةَ. وَنَادَى مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَالَ لَهُمْ: ”اِسْمَعْ يَا شَعْبِيَ الْفَرَائِضَ وَالشَّرَائِعَ الَّتِي أَتْلُوهَا عَلَى مَسَامِعِكُمُ الْيَوْمَ، وَتَعَلَّمُوهَا وَاحْرِصُوا أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا. الْمَوْلَى إِلَهُنَا عَمِلَ مَعَنَا عَهْدًا فِي حُورِيبَ. إِنَّهُ عَمِلَ هَذَا الْعَهْدَ لَا مَعَ آبَائِنَا، بَلْ مَعَنَا نَحْنُ الْمَوْجُودِينَ أَحْيَاءً هُنَا الْيَوْمَ. اللهُ كَلَّمَكُمْ فِي الْجَبَلِ وَجْهًا لِوَجْهٍ مِنْ وَسَطِ النَّارِ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقَفْتُ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَكُمْ، لِأُبَلِّغَكُمْ كَلَامَهُ، لِأَنَّكُمْ كُنْتُمْ خَائِفِينَ مِنَ النَّارِ، فَلَمْ تَصْعَدُوا إِلَى الْجَبَلِ. فَقَالَ اللهُ: ’أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ مِصْرَ، مِنْ سِجْنِ الْعُبُودِيَّةِ. لَا يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى مَعِي. لَا تَصْنَعْ لَكَ صَنَمًا عَلَى شَكْلِ أَيِّ شَيْءٍ سَوَاءً فِي السَّمَاءِ، أَوْ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، أَوْ فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الْأَرْضِ. لَا تَسْجُدْ لِأَيِّ صَنَمٍ وَلَا تَعْبُدْهُ، لِأَنِّي أَنَا الْمَوْلَى إِلَهَكَ إِلَهٌ غَيُورٌ، أُعَاقِبُ ذُنُوبَ الْآبَاءِ فِي أَبْنَائِهِمْ إِلَى الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مِنَ الَّذِينَ يَكْرَهُونِي. وَأُحْسِنُ إِلَى الَّذِينَ يُحِبُّونِي وَيَعْمَلُونَ بِوَصَايَايَ إِلَى 1000 جِيلٍ. لَا تَنْطِقْ بِاسْمِ الْمَوْلَى إِلَهِكَ بِعَبَثٍ، لِأَنَّ اللهَ لَا يُبْرِئُ مَنْ يَنْطِقُ بِاسْمِهِ بِعَبَثٍ. اِحْفَظْ يَوْمَ السَّبْتِ وَاجْعَلْهُ يَوْمًا خَاصًّا للهِ كَمَا أَوْصَاكَ. 6 أَيَّامٍ فِيهَا تَشْتَغِلُ وَتَعْمَلُ كُلَّ أَعْمَالِكَ. أَمَّا الْيَوْمُ السَّابِعُ فَهُوَ سَبْتٌ لِلْمَوْلَى إِلَهِكَ. لَا تَعْمَلْ فِيهِ أَيَّ عَمَلٍ، لَا أَنْتَ وَلَا ابْنُكَ وَلَا بِنْتُكَ وَلَا عَبْدُكَ وَلَا جَارِيَتُكَ وَلَا ثَوْرُكَ وَلَا حِمَارُكَ وَلَا بَهَائِمُكَ الْأُخْرَى وَلَا الْغَرِيبُ الْمَوْجُودُ فِي مَدِينَتِكَ، بِذَلِكَ يَرْتَاحُ عَبْدُكَ وَجَارِيَتُكَ مِثْلَكَ. وَتَذَكَّرْ أَنَّكَ كُنْتَ عَبْدًا فِي مِصْرَ، وَأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكَ أَخْرَجَكَ مِنْ هُنَاكَ بِيَدٍ شَدِيدَةٍ وَذِرَاعٍ قَدِيرَةٍ، لِذَلِكَ أَوْصَاكَ الْمَوْلَى إِلَهُكَ أَنْ تَحْفَظَ يَوْمَ السَّبْتِ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، كَمَا أَوْصَاكَ الْمَوْلَى إِلَهُكَ، لِكَيْ يَطُولَ عُمْرُكَ، وَتَنْجَحَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكَ الْمَوْلَى إِلَهُكَ. لَا تَقْتُلْ. لَا تَزْنِ. لَا تَسْرِقْ. لَا تَشْهَدْ عَلَى أَحَدٍ شَهَادَةَ زُورٍ. لَا تَشْتَهِ زَوْجَةَ غَيْرِكَ. وَلَا تَشْتَهِ دَارَهُ وَلَا حَقْلَهُ وَلَا عَبْدَهُ وَلَا جَارِيَتَهُ وَلَا ثَوْرَهُ وَلَا حِمَارَهُ وَلَا أَيَّ شَيْءٍ مِمَّا لِغَيْرِكَ.‘ هَذِهِ هِيَ الْوَصَايَا الَّتِي كَلَّمَ اللهُ بِهَا كُلَّ جَمَاعَتِكُمْ فِي الْجَبَلِ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ مِنْ وَسَطِ النَّارِ وَالسَّحَابِ وَالظَّلَامِ. هَذِهِ لَا أَكْثَرَ. وَكَتَبَهَا عَلَى لَوْحَيْنِ مِنْ حَجَرٍ وَأَعْطَاهُمَا لِي. فَلَمَّا سَمِعْتُمُ الصَّوْتَ مِنْ وَسَطِ الظَّلَامِ، وَكَانَ الْجَبَلُ مُشْتَعِلًا بِالنَّارِ، جَاءَ إِلَيَّ كُلُّ رُؤَسَاءِ قَبَائِلِكُمْ وَشُيُوخِكُمْ، وَقُلْتُمْ: ’الْمَوْلَى إِلَهُنَا أَرَانَا جَلَالَهُ وَعَظَمَتَهُ، وَسَمِعْنَا صَوْتَهُ مِنْ وَسَطِ النَّارِ. الْيَوْمَ رَأَيْنَا أَنَّ اللهَ يُكَلِّمُ النَّاسَ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَمُوتُونَ. وَلَكِنْ إِنْ كُنَّا نَسْمَعُ صَوْتَ الْمَوْلَى إِلَهِنَا مَرَّةً أُخْرَى، فَهَذِهِ النَّارُ الْعَظِيمَةُ تَحْرِقُنَا وَنَمُوتُ. فَهَلْ يُوجَدُ مَخْلُوقٌ سَمِعَ صَوْتَ اللهِ الْحَيِّ يَتَكَلَّمُ مِنْ وَسَطِ النَّارِ مِثْلَنَا، وَبَقِيَ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ؟ تَقَدَّمْ أَنْتَ وَاسْمَعْ كُلَّ مَا يَقُولُهُ الْمَوْلَى إِلَهُنَا، ثُمَّ كَلِّمْنَا بِكُلِّ مَا يَقُولُهُ لَكَ الْمَوْلَى إِلَهُنَا، فَنَسْمَعَ وَنُطِيعَ.‘ فَسَمِعَ اللهُ كَلَامَكُمْ لَمَّا قُلْتُمْ هَذَا، وَقَالَ لِي: ’سَمِعْتُ مَا قَالَهُ هَذَا الشَّعْبُ لَكَ. إِنَّ كُلَّ كَلَامِهِمْ حَسَنٌ. لَيْتَ قَلْبَهُمْ يَبْقَى دَائِمًا كَهَذَا، فَيَتَّقُونِي وَيَعْمَلُوا بِوَصَايَايَ، لِكَيْ أُحْسِنَ إِلَيْهِمْ، هُمْ وَأَوْلَادِهِمْ إِلَى الْأَبَدِ. اِذْهَبْ وَقُلْ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى خِيَامِهِمْ. أَمَّا أَنْتَ فَتَبْقَى هُنَا مَعِي، فَأُكَلِّمُكَ بِكُلِّ الْوَصَايَا وَالْفَرَائِضِ وَالشَّرَائِعِ لِتُعَلِّمَهَا لَهُمْ، فَيَعْمَلُوا بِهَا فِي الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لَهُمْ لِيَمْلِكُوهَا.‘ فَاحْرِصُوا أَنْ تَعْمَلُوا كَمَا أَمَرَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ، لَا تَنْحَرِفُوا يَمِينًا أَوْ شِمَالًا. بَلِ اسْلُكُوا فِي كُلِّ الطَّرِيقِ الَّتِي أَوْصَاكُمْ بِهَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ، لِكَيْ تَحْيَوْا وَتَنْجَحُوا وَيَطُولَ عُمْرُكُمْ فِي الْأَرْضِ الَّتِي تَمْلِكُونَهَا.“ وَهَذِهِ هِيَ الْوَصَايَا وَالْفَرَائِضُ وَالشَّرَائِعُ الَّتِي أَمَرَنِي الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ أَنْ أُعَلِّمَهَا لَكُمْ، لِتَعْمَلُوا بِهَا فِي الْأَرْضِ الَّتِي سَتَعْبُرُونَ الْأُرْدُنَّ لِتَمْلِكُوهَا. لِكَيْ تَتَّقُوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكُمْ، أَنْتُمْ وَأَوْلَادُكُمْ وَأَحْفَادُكُمْ، وَتَحْفَظُوا كُلَّ فَرَائِضِهِ وَوَصَايَاهُ الَّتِي أُوصِيكُمْ بِهَا فَيَطُولَ عُمْرُكُمْ. اِسْمَعْ يَا شَعْبِي وَانْتَبِهْ وَأَطِعْ لِكَيْ تَنْجَحَ وَتَكْثُرَ جِدًّا فِي أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، كَمَا وَعَدَكَ الْمَوْلَى إِلَهُ آبَائِكَ. اِسْمَعْ يَا شَعْبِي، الْمَوْلَى إِلَهُنَا هُوَ اللهُ الْأَحَدُ. فَأَحِبَّ الْمَوْلَى إِلَهَكَ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَكُلِّ نَفْسِكَ وَكُلِّ قُدْرَتِكَ. هَذِهِ الْوَصَايَا الَّتِي أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ، اِحْفَظْهَا فِي قَلْبِكَ. حَدِّثْ بِهَا أَوْلَادَكَ، تَكَلَّمْ بِهَا حِينَ تَجْلِسُ فِي دَارِكَ، وَحِينَ تَمْشِي فِي الطَّرِيقِ، وَحِينَ تَنَامُ، وَحِينَ تَقُومُ. اِرْبِطْهَا كَعَلَامَةٍ عَلَى يَدِكَ، وَكَعِصَابَةٍ عَلَى جَبْهَتِكَ. اُكْتُبْهَا عَلَى قَوَائِمِ بَابِ دَارِكَ، وَعَلَى بَوَّابَاتِ مُدُنِكَ. عِنْدَمَا يُدْخِلُكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي حَلَفَ لِآبَائِكُمْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أَنْ يُعْطِيَهَا لَكُمْ، تَجِدُونَ مُدُنًا عَظِيمَةً حَسَنَةً لَمْ تَبْنُوهَا، وَدِيَارًا مَمْلُوءَةً كُلَّ خَيْرٍ لَمْ تَمْلَأُوهَا، وَآبَارًا مَحْفُورَةً لَمْ تَحْفِرُوهَا، وَأَشْجَارَ عِنَبٍ وَزَيْتُونٍ لَمْ تَغْرِسُوهَا. فَحِينَ تَأْكُلُونَ وَتَشْبَعُونَ، اِحْذَرُوا مِنْ أَنْ تَنْسُوا اللهَ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ مِصْرَ، مِنْ سِجْنِ الْعُبُودِيَّةِ. اِتَّقُوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ، اُعْبُدُوهُ هُوَ وَحْدَهُ، وَاحْلِفُوا بِاسْمِهِ. لَا تَتْبَعُوا آلِهَةً أُخْرَى مِنْ آلِهَةِ الشُّعُوبِ الَّتِي حَوْلَكُمْ. لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمُ الَّذِي فِي وَسَطِكُمْ هُوَ إِلَهٌ غَيُورٌ، فَإِنْ غَضِبَ عَلَيْكُمْ جِدًّا، يُبِيدُكُمْ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ. لَا تَمْتَحِنُوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ كَمَا فَعَلْتُمْ فِي مَسَّةَ. بَلِ اعْمَلُوا بِوَصَايَا الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ وَشُرُوطِهِ وَفَرَائِضِهِ الَّتِي أَوْصَاكُمْ بِهَا. اِعْمَلُوا مَا هُوَ صَالِحٌ وَحَسَنٌ فِي نَظَرِ اللهِ، لِكَيْ تَنْجَحُوا وَتَدْخُلُوا وَتَمْلِكُوا الْأَرْضَ الطَّيِّبَةَ الَّتِي وَعَدَ اللهُ بِهَا آبَاءَكُمْ بِقَسَمٍ. وَلِكَيْ يَطْرُدَ كُلَّ أَعْدَائِكُمْ مِنْ قُدَّامِكُمْ كَمَا قَالَ اللهُ. فِي الْمُسْتَقْبَلِ، إِنْ سَأَلَكُمْ أَوْلَادُكُمْ: ”مَا مَعْنَى الشُّرُوطِ وَالْفَرَائِضِ وَالشَّرَائِعِ الَّتِي أَوْصَاكُمْ بِهَا الْمَوْلَى إِلَهُنَا؟“ تَقُولُونَ لَهُمْ: ”كُنَّا عَبِيدًا لِفِرْعَوْنَ فِي مِصْرَ، لَكِنَّ اللهَ أَخْرَجَنَا مِنْ هُنَاكَ بِيَدٍ شَدِيدَةٍ. وَعَمِلَ اللهُ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ، عَظِيمَةً وَمُخِيفَةً، بِمِصْرَ وَفِرْعَوْنَ وَكُلِّ أَهْلِ دَارِهِ، وَرَأَيْنَا هَذَا بِعُيُونِنَا. وَأَخْرَجَنَا مِنْ هُنَاكَ لِيُدْخِلَنَا وَيُعْطِيَنَا الْأَرْضَ الَّتِي وَعَدَ بِهَا آبَاءَنَا بِقَسَمٍ. فَأَمَرَنَا اللهُ أَنْ نَعْمَلَ بِكُلِّ هَذِهِ الْفَرَائِضِ، وَأَنْ نَتَّقِيَ الْمَوْلَى إِلَهَنَا، لِكَيْ نَنَالَ الْخَيْرَ دَائِمًا، وَنَحْيَا كَمَا هُوَ الْحَالُ الْيَوْمَ. إِذَنْ لِكَيْ نَكُونَ صَالِحِينَ، يَجِبُ أَنْ نَعْمَلَ بِكُلِّ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ أَمَامَ الْمَوْلَى إِلَهِنَا، كَمَا أَوْصَانَا.“ مَتَى أَدْخَلَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمْ ذَاهِبُونَ لِتَمْلِكُوهَا، وَطَرَدَ مِنْ أَمَامِكُمْ أُمَمًا كَثِيرَةً كَالْحِثِّيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالْأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ، الَّتِي هِيَ 7 أُمَمٍ أَكْبَرَ وَأَقْوَى مِنْكُمْ، وَمَتَى أَسْلَمَهُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ لَكُمْ وَهَزَمْتُمُوهُمْ، فَيَجِبُ أَنْ تُفْنُوهُمْ تَمَامًا. لَا تَعْمَلُوا مَعَهُمْ عَهْدًا، وَلَا تَرْأَفُوا بِهِمْ. وَلَا تُصَاهِرُوهُمْ، فَلَا تُعْطُوا بَنَاتِكُمْ لِأَبْنَائِهِمْ، وَلَا تَأْخُذُوا بَنَاتِهِمْ لِأَبْنَائِكُمْ. لِأَنَّهُمْ يُبْعِدُونَ أَبْنَاءَكُمْ عَنِّي لِيَعْبُدُوا آلِهَةً أُخْرَى. فَيَغْضَبُ اللهُ عَلَيْكُمْ جِدًّا وَيُهْلِكُكُمْ سَرِيعًا. بَلِ افْعَلُوا بِهِمْ هَذَا: اِهْدِمُوا مَعَابِدَهُمْ، وَحَطِّمُوا تَمَاثِيلَهُمْ، وَأَزِيلُوا الْأَعْمِدَةَ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا، وَاحْرِقُوا أَصْنَامَهُمْ بِالنَّارِ، لِأَنَّكُمْ شَعْبٌ خَاصٌّ لِلْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، وَهُوَ قَدِ اخْتَارَكُمْ لَهُ مِنْ بَيْنِ كُلِّ الشُّعُوبِ الَّتِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لِتَكُونُوا شَعْبَهُ الْخَاصَّ. إِنَّ اللهَ فَضَّلَكُمْ وَاخْتَارَكُمْ، لَا لِأَنَّكُمْ أَكْثَرُ مِنْ بَاقِي الشُّعُوبِ، بَلْ أَنْتُمْ أَقَلُّ مِنْ كُلِّ الشُّعُوبِ. إِنَّمَا لِأَنَّ اللهَ أَحَبَّكُمْ، وَحَفِظَ الْيَمِينَ الَّتِي أَقْسَمَهَا لِآبَائِكُمْ، لِذَلِكَ أَخْرَجَكُمْ بِيَدٍ شَدِيدَةٍ، وَفَدَاكُمْ مِنْ سِجْنِ الْعُبُودِيَّةِ، مِنْ قَبْضَةِ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ. فَاعْلَمُوا أَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ هُوَ اللهُ الْإِلَهُ الْأَمِينُ، يَحْفَظُ الْعَهْدَ وَيَرْحَمُ مَنْ يُحِبُّونَهُ وَيَعْمَلُونَ بِوَصَايَاهُ إِلَى 1000 جِيلٍ. أَمَّا الَّذِينَ يَكْرَهُونَهُ فَيُجَازِيهِمْ، يُبِيدُهُمْ فِي الْحَالِ، وَلَا يَتَأَخَّرُ عَلَيْهِمْ. فَاعْمَلُوا بِالْوَصَايَا وَالْفَرَائِضِ وَالشَّرَائِعِ الَّتِي أُوصِيكُمْ بِهَا الْيَوْمَ. إِنِ انْتَبَهْتُمْ لِهَذِهِ الشَّرَائِعِ وَحَرِصْتُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا، فَالْمَوْلَى إِلَهُكُمْ يَحْفَظُ عَهْدَهُ مَعَكُمْ وَيَرْحَمُكُمْ كَمَا حَلَفَ لِآبَائِكُمْ. فَيُحِبُّكُمْ وَيُبَارِكُكُمْ وَيُكَثِّرُكُمْ، وَيُبَارِكُ أَوْلَادَكُمْ ثِمَارَ بَطْنِكُمْ، وَمَحَاصِيلَ أَرْضِكُمْ مِنْ قَمْحٍ وَخَمْرٍ وَزَيْتٍ، وَنِتَاجَ بَقَرِكُمْ وَغَنَمِكُمْ، فِي الْأَرْضِ الَّتِي حَلَفَ لِآبَائِكُمْ أَنْ يُعْطِيَهَا لَكُمْ. فَتَكُونُونَ مُبَارَكِينَ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ الشُّعُوبِ الْأُخْرَى. وَلَا يَكُونُ فِيكُمْ رَجُلٌ عَقِيمٌ وَلَا امْرَأَةٌ عَاقِرٌ، وَلَا فِي بَهَائِمِكُمْ. وَيُبْعِدُ الْمَوْلَى عَنْكُمْ كُلَّ مَرَضٍ، وَيَحْفَظُكُمْ مِنْ كُلِّ دَاءٍ خَبِيثٍ عَرَفْتُمُوهُ فِي مِصْرَ، وَلَكِنَّهُ يُصِيبُ بِهِ الَّذِينَ يَكْرَهُونَكُمْ. فَيَجِبُ أَنْ تَقْضُوا عَلَى كُلِّ الشُّعُوبِ الَّتِي يُسَلِّمُهَا لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. لَا تَشْفِقُوا عَلَيْهِمْ. وَلَا تَعْبُدُوا آلِهَتَهُمْ، لِأَنَّ ذَلِكَ فَخٌّ لَكُمْ. لَا تَقُولُوا فِي قَلْبِكُمْ: ”هَذِهِ الْأُمَمُ أَقْوَى مِنَّا، فَكَيْفَ نَقْدِرُ أَنْ نَطْرُدَهُمْ؟“ لَا تَخَافُوا مِنْهُمْ، بَلْ تَذَكَّرُوا مَا فَعَلَهُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ بِفِرْعَوْنَ وَبِكُلِّ مِصْرَ. أَنْتُمْ رَأَيْتُمْ بِعُيُونِكُمُ الْمَصَائِبَ الْعَظِيمَةَ وَالْآيَاتِ وَالْعَجَائِبَ وَالْيَدَ الشَّدِيدَةَ وَالذِّرَاعَ الْقَدِيرَةَ، الَّتِي بِهَا أَخْرَجَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. فَالْمَوْلَى إِلَهُكُمْ سَيَفْعَلُ نَفْسَ الشَّيْءِ بِكُلِّ الشُّعُوبِ الَّتِي أَنْتُمْ خَائِفُونَ مِنْهَا. وَيُرْسِلُ عَلَيْهِمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمُ الزَّنَابِيرَ، وَيُبِيدُ الْبَاقِينَ الْمُخْتَبِئِينَ عَنْكُمْ. لَا تَرْتَعِبُوا مِنْهُمْ، لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمُ الَّذِي هُوَ فِي وَسَطِكُمْ، هُوَ إِلَهٌ عَظِيمٌ رَهِيبٌ. فَالْمَوْلَى إِلَهُكُمْ يَطْرُدُ هَذِهِ الْأُمَمَ مِنْ أَمَامِكُمْ بِالتَّدْرِيجِ. لَنْ تُفْنُوهُمْ مَرَّةً وَاحِدَةً، لِئَلَّا تَكْثُرَ عَلَيْكُمُ الْوُحُوشُ. الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ يُسَلِّمُهُمْ لَكُمْ، وَيَجْعَلُهُمْ يَرْتَبِكُونَ جِدًّا حَتَّى يَفْنَوْا. وَيَدْفَعُ مُلُوكَهُمْ فِي قَبْضَةِ يَدِكُمْ، فَتَمْسَحُونَ اسْمَهُمْ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ. لَنْ يَقْدِرَ أَحَدٌ أَنْ يُقَاوِمَكُمْ حَتَّى تُفْنُوهُمْ. اِحْرِقُوا تَمَاثِيلَ آلِهَتِهِمْ بِالنَّارِ. لَا تَشْتَهُوا مَا عَلَيْهَا مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ، وَلَا تَأْخُذُوهُ لَكُمْ، لِئَلَّا يَكُونَ لَكُمْ فَخًّا، فَإِنَّ اللهَ يَعْتَبِرُهُ نَجِسًا. لَا تُدْخِلُوا شَيْئًا نَجِسًا إِلَى دَارِكُمْ، لِئَلَّا يُصْبِحَ مَصِيرُكُمُ الْهَلَاكَ مِثْلَهُ بَلِ اعْتَبِرُوهُ قَبِيحًا وَاكْرَهُوهُ لِأَنَّ مَصِيرَهُ الْهَلَاكُ. اِحْفَظُوا كُلَّ الْوَصَايَا الَّتِي أُوصِيكُمْ بِهَا الْيَوْمَ، وَاعْمَلُوا بِهَا لِكَيْ تَحْيَوْا وَتَكْثُرُوا وَتَدْخُلُوا وَتَمْلِكُوا الْأَرْضَ الَّتِي وَعَدَ اللهُ بِهَا آبَاءَكُمْ بِقَسَمٍ. تَذَكَّرُوا كَيْفَ قَادَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ طُولَ الطَّرِيقِ فِي الصَّحْرَاءِ هَذِهِ الْـ40 سَنَةً، لِكَيْ يُذِلَّكُمْ وَيَمْتَحِنَكُمْ، فَيَعْرِفَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ، إِنْ كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ بِوَصَايَاهُ أَمْ لَا. فَأَذَلَّكُمْ وَأَجَاعَكُمْ، ثُمَّ أَطْعَمَكُمُ الْمَنَّ، الَّذِي لَمْ تَعْرِفُوهُ وَلَا عَرَفَهُ آبَاؤُكُمْ، لِكَيْ يُعَلِّمَكُمْ أَنَّهُ لَا بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الْإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ. وَطُولَ هَذِهِ الْـ40 سَنَةً، لَمْ تَبْلَ ثِيَابُكُمْ عَلَيْكُمْ، وَلَمْ تَتَوَرَّمْ أَقْدَامُكُمْ. فَاعْلَمُوا فِي قُلُوبِكُمْ، أَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ أَدَّبَكُمْ كَمَا يُؤَدِّبُ الْأَبُ ابْنَهُ. اِعْمَلُوا بِوَصَايَا الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، وَسِيرُوا فِي طُرُقِهِ وَاتَّقُوهُ. لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ يُدْخِلُكُمْ إِلَى أَرْضٍ طَيِّبَةٍ، فِيهَا أَنْهَارٌ وَعُيُونُ مَاءٍ وَيَنَابِيعُ تَجْرِي فِي الْوِدْيَانِ وَالْجِبَالِ. أَرْضِ قَمْحٍ وَشَعِيرٍ، وَعِنَبٍ وَتِينٍ وَرُمَّانٍ، وَزَيْتِ زَيْتُونٍ وَعَسَلٍ. أَرْضٍ لَا يَنْقُصُكَ فِيهَا الْخُبْزُ، وَلَا تَفْتَقِرُ إِلَى شَيْءٍ. أَرْضٍ فِي حِجَارَتِهَا حَدِيدٌ، وَمِنْ جِبَالِهَا تُخْرِجُ نُحَاسًا. فَمَتَى أَكَلْتُمْ وَشَبِعْتُمْ، اِحْمَدُوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ لِأَجْلِ الْأَرْضِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي أَعْطَاهَا لَكُمْ. اِحْذَرُوا مِنْ أَنْ تَنْسُوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ، وَلَا تَعْمَلُوا بِوَصَايَاهُ وَشَرَائِعِهِ وَفَرَائِضِهِ الَّتِي أُوصِيكُمْ بِهَا الْيَوْمَ. فَمَتَى أَكَلْتُمْ وَشَبِعْتُمْ، وَبَنَيْتُمْ بُيُوتًا جَمِيلَةً وَسَكَنْتُمْ، وَكَثُرَ بَقَرُكُمْ وَغَنَمُكُمْ وَفِضَّتُكُمْ وَذَهَبُكُمْ وَكُلُّ مَا لَكُمْ، اِحْذَرُوا مِنْ أَنْ يَتَكَبَّرَ قَلْبُكُمْ وَتَنْسُوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمُ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ مِصْرَ مِنْ سِجْنِ الْعُبُودِيَّةِ، وَالَّذِي قَادَكُمْ فِي الصَّحْرَاءِ الشَّاسِعَةِ الْمُخِيفَةِ، تِلْكَ الْأَرْضِ الْعَطْشَانَةِ الَّتِي لَا مَاءَ فِيهَا، حَيْثُ الثَّعَابِينُ السَّامَّةُ وَالْعَقَارِبُ. وَأَخْرَجَ لَكُمْ مَاءً مِنْ صَخْرِ الصَّوَّانِ، وَأَطْعَمَكُمْ فِي الصَّحْرَاءِ الْمَنَّ، الَّذِي لَمْ يَعْرِفْهُ آبَاؤُكُمْ لِكَيْ يُذِلَّكُمْ وَيَمْتَحِنَكُمْ، فَيُحْسِنَ إِلَيْكُمْ فِي آخِرَتِكُمْ. اِحْذَرُوا مِنْ أَنْ تَقُولُوا فِي قَلْبِكُمْ: ”كُلُّ هَذِهِ الثَّرْوَةِ حَصَلْنَا عَلَيْهَا بِقُوَّتِنَا وَقُدْرَةِ ذِرَاعِنَا.“ بَلْ تَذَكَّرُوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُعْطِي الْقُوَّةَ لِتَحْصِيلِ الثَّرْوَةِ، وَذَلِكَ وَفَاءً بِعَهْدِهِ الَّذِي أَقْسَمَ بِهِ لِآبَائِكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْيَوْمَ. فَإِنْ نَسِيتُمُ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ، وَتَبِعْتُمْ آلِهَةً أُخْرَى، وَعَبَدْتُمُوهَا وَسَجَدْتُمْ لَهَا، فَأَنَا أَشْهَدُ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ أَنَّكُمْ بِلَا شَكٍّ تَفْنَوْنَ. كَالْأُمَمِ الَّتِي يُفْنِيهَا اللهُ مِنْ أَمَامِكُمْ، كَذَلِكَ أَنْتُمْ تَفْنَوْنَ لِأَنَّكُمْ لَمْ تُطِيعُوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ. اِسْمَعْ يَا شَعْبِي أَنْتُمُ الْآنَ سَتَعْبُرُونَ الْأُرْدُنَّ لِتَدْخُلُوا وَتَرِثُوا أُمَمًا أَعْظَمَ وَأَقْوَى مِنْكُمْ، وَمُدُنًا عَظِيمَةً تَكَادُ أَسْوَارُهَا أَنْ تَصِلَ إِلَى السَّمَاءِ. وَشَعْبُهَا قَوِيٌّ وَطَوِيلُ الْقَامَةِ، هُمْ بَنُو عَنَاقَ! أَنْتُمْ تَعْرِفُونَهُمْ وَسَمِعْتُمْ مَنْ قَالَ: ”مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَتَحَدَّى بَنِي عَنَاقَ؟“ فَاعْلَمُوا الْيَوْمَ أَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ هُوَ الَّذِي يَعْبُرُ قُدَّامَكُمْ مِثْلَ نَارٍ آكِلَةٍ. فَيُفْنِيهِمْ وَيُذِلُّهُمْ أَمَامَكُمْ، فَتَطْرُدُونَهُمْ وَتُبِيدُونَهُمْ سَرِيعًا، كَمَا وَعَدَكُمُ اللهُ. وَعِنْدَمَا يَطْرُدُهُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ، لَا تَقُولُوا فِي قَلْبِكُمْ: ”أَدْخَلَنَا اللهُ لِنَمْلِكَ هَذِهِ الْأَرْضَ بِسَبَبِ صَلَاحِنَا.“ لَا! بَلْ بِسَبَبِ شَرِّ تِلْكَ الْأُمَمِ يَطْرُدُهُمُ اللهُ مِنْ أَمَامِكُمْ! فَلَيْسَ بِسَبَبِ صَلَاحِكُمْ وَلَا نَزَاهَتِكُمْ، تَدْخُلُونَ لِتَمْلِكُوا أَرْضَهُمْ. بَلْ بِسَبَبِ شَرِّ تِلْكَ الْأُمَمِ، يَطْرُدُهُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ، وَفَاءً بِكَلَامِهِ الَّذِي أَقْسَمَ بِهِ لِآبَائِكُمْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. إِذَنْ تَأَكَّدُوا أَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبِ صَلَاحِكُمْ، يُعْطِيكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ هَذِهِ الْأَرْضَ الطَّيِّبَةَ لِتَمْلِكُوهَا. فَأَنْتُمْ شَعْبٌ عَنِيدٌ. تَذَكَّرُوا وَلَا تَنْسُوا كَيْفَ أَنَّكُمْ غِظْتُمُ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ فِي الصَّحْرَاءِ. مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي خَرَجْتُمْ فِيهِ مِنْ مِصْرَ حَتَّى وَصَلْتُمْ إِلَى هُنَا وَأَنْتُمْ تَتَمَرَّدُونَ عَلَى اللهِ. وَفِي حُورِيبَ، غِظْتُمُ الْمَوْلَى، فَغَضِبَ جِدًّا حَتَّى كَادَ أَنْ يُبِيدَكُمْ. وَذَلِكَ لَمَّا صَعِدْتُ إِلَى الْجَبَلِ لِكَيْ آخُذَ لَوْحَيْنِ مِنَ الْحَجَرِ، أَيْ لَوْحَيِ الْعَهْدِ الَّذِي عَمِلَهُ اللهُ مَعَكُمْ. وَأَقَمْتُ فِي الْجَبَلِ 40 نَهَارًا وَ40 لَيْلَةً، لَمْ آكُلْ خُبْزًا وَلَمْ أَشْرَبْ مَاءً. وَأَعْطَانِي اللهُ لَوْحَيِ الْحَجَرِ، مَكْتُوبٌ عَلَيْهِمَا بِإِصْبَعِهِ، كُلُّ الْوَصَايَا الَّتِي كَلَّمَكُمُ اللهُ بِهَا فِي الْجَبَلِ مِنْ وَسَطِ النَّارِ فِي يَوْمِ الِاجْتِمَاعِ. وَفِي نِهَايَةِ الْـ40 نَهَارًا وَالْـ40 لَيْلَةً، أَعْطَانِي اللهُ لَوْحَيِ الْحَجَرِ، لَوْحَيِ الْعَهْدِ، وَقَالَ لِي: ”قُمِ انْزِلْ مِنْ هُنَا بِسُرْعَةٍ، لِأَنَّ شَعْبَكَ الَّذِي أَخْرَجْتَهُ مِنْ مِصْرَ فَسَدُوا وَضَلُّوا سَرِيعًا عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي أَوْصَيْتَهُمْ بِهَا، وَصَنَعُوا لَهُمْ تِمْثَالًا مَسْبُوكًا.“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”رَأَيْتُ هَذَا الشَّعْبَ، وَإِذَا هُوَ شَعْبٌ عَنِيدٌ. اُتْرُكْنِي فَأُبِيدَهُمْ وَأَمْسَحَ اسْمَهُمْ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ، وَأَجْعَلَكَ أَنْتَ شَعْبًا أَعْظَمَ وَأَكْثَرَ مِنْهُمْ“ فَرَجَعْتُ وَنَزَلْتُ مِنَ الْجَبَلِ وَهُوَ مُشْتَعِلٌ بِالنَّارِ، وَلَوْحَا الْعَهْدِ فِي يَدَيَّ. وَنَظَرْتُ فَإِذَا بِكُمْ أَخْطَأْتُمْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، وَصَنَعْتُمْ لَكُمْ صَنَمًا مَسْبُوكًا عَلَى شَكْلِ عِجْلٍ، وَضَلَلْتُمْ سَرِيعًا عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي أَوْصَاكُمُ اللهُ بِهَا. فَأَخَذْتُ اللَّوْحَيْنِ، وَرَمَيْتُهُمَا مِنْ يَدَيَّ وَكَسَّرْتُهُمَا أَمَامَ عُيُونِكُمْ. ثُمَّ انْطَرَحْتُ أَمَامَ الْمَوْلَى كَالْمَرَّةِ الْأُولَى 40 نَهَارًا وَ40 لَيْلَةً، لَمْ آكُلْ خُبْزًا وَلَمْ أَشْرَبْ مَاءً بِسَبَبِ كُلِّ ذُنُوبِكُمُ الَّتِي ارْتَكَبْتُمُوهَا بِأَنْ فَعَلْتُمُ الشَّرَّ فِي نَظَرِ اللهِ وَجَعَلْتُمُوهُ يَغْضَبُ. لِأَنِّي خِفْتُ مِنْ غَضَبِ اللهِ وَسَخَطِهِ عَلَيْكُمْ، لِأَنَّهُ اغْتَاظَ حَتَّى أَوْشَكَ أَنْ يُبِيدَكُمْ. فَسَمِعَ اللهُ لِي هَذِهِ الْمَرَّةَ أَيْضًا. وَغَضِبَ اللهُ عَلَى هَارُونَ حَتَّى أَوْشَكَ أَنْ يُبِيدَهُ، فَصَلَّيْتُ أَيْضًا مِنْ أَجْلِ هَارُونَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَأَخَذْتُ ذَلِكَ الشَّيْءَ الَّذِي أَذْنَبْتُمْ بِهِ، أَيِ الْعِجْلَ الَّذِي عَمِلْتُمُوهُ، وَأَحْرَقْتُهُ فِي النَّارِ، وَحَطَّمْتُهُ وَطَحَنْتُهُ حَتَّى صَارَ نَاعِمًا كَالْغُبَارِ، وَرَمَيْتُ غُبَارَهُ فِي النَّهْرِ الْمُنْحَدِرِ مِنَ الْجَبَلِ. وَأَغْضَبْتُمُ اللهَ أَيْضًا فِي تَبْعِيرَةَ وَمَسَّةَ وَقَبْرُوتَ هَتَّأَوَةَ. ثُمَّ أَرْسَلَكُمُ الْمَوْلَى مِنْ قَادِشَ بَرْنِيعَ، وَقَالَ: ”اِصْعَدُوا وَامْلِكُوا الْأَرْضَ الَّتِي أَعْطَيْتُهُا لَكُمْ.“ لَكِنَّكُمْ عَصَيْتُمْ أَمْرَ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، وَلَمْ تَثِقُوا فِيهِ وَلَمْ تُطِيعُوهُ. فَمُنْذُ أَنْ عَرَفْتُكُمْ، وَأَنْتُمْ تَتَمَرَّدُونَ عَلَى اللهِ. فَلَمَّا قَالَ اللهُ إِنَّهُ سَيُهْلِكُكُمْ، اِنْطَرَحْتُ أَمَامَهُ 40 نَهَارًا وَ40 لَيْلَةً. وَصَلَّيْتُ للهِ وَقُلْتُ: ”اللَّهُمَّ يَا رَبِّي، لَا تُهْلِكْ شَعْبَكَ وَنَصِيبَكَ الَّذِي فَدَيْتَهُ بِقُوَّتِكَ الْعَظِيمَةِ، وَأَخْرَجْتَهُ مِنْ مِصْرَ بِيَدٍ شَدِيدَةٍ. فَكِّرْ فِي عَبِيدِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، وَلَا تَلْتَفِتْ إِلَى عِنَادِ هَذَا الشَّعْبِ وَشَرِّهِ وَذَنْبِهِ. لِئَلَّا يَقُولَ أَهْلُ الْبَلَدِ الَّتِي أَخْرَجْتَنَا مِنْهَا: ’الْمَوْلَى لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُدْخِلَهُمْ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي وَعَدَهُمْ بِهَا. إِنَّهُ كَرِهَهُمْ وَأَخْرَجَهُمْ لِكَيْ يُمِيتَهُمْ فِي الصَّحْرَاءِ.‘ وَلَكِنَّهُمْ شَعْبُكَ وَنَصِيبُكَ، الَّذِي أَخْرَجْتَهُ بِقُوَّتِكَ الْعَظِيمَةِ وَذِرَاعِكَ الْقَدِيرَةِ.“ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَالَ اللهُ لِي: ”اِنْحَتْ لَوْحَيْنِ مِنْ حَجَرٍ كَاللَّوْحَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَاصْنَعْ صُنْدُوقًا مِنْ خَشَبٍ. ثُمَّ اصْعَدْ إِلَيَّ إِلَى الْجَبَلِ، فَأَكْتُبَ عَلَى اللَّوْحَيْنِ الْوَصَايَا الَّتِي كَانَتْ عَلَى اللَّوْحَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ اللَّذَيْنِ كَسَّرْتَهُمَا، وَتَضَعُهُمَا فِي الصُّنْدُوقِ.“ فَصَنَعْتُ صُنْدُوقًا مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ، وَنَحَتُّ لَوْحَيْنِ مِنْ حَجَرٍ كَالْأَوَّلَيْنِ، وَصَعِدْتُ إِلَى الْجَبَلِ وَاللَّوْحَانِ فِي يَدَيَّ. فَكَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمَا مَا كَتَبَهُ فِي الْأَوَّلِ، أَيِ الْوَصَايَا الْـ10 الَّتِي كَلَّمَكُمُ اللهُ بِهَا فِي الْجَبَلِ وَسَطَ النَّارِ فِي يَوْمِ الِاجْتِمَاعِ. وَأَعْطَانِي اللهُ اللَّوْحَيْنِ. ثُمَّ انْصَرَفْتُ وَنَزَلْتُ مِنَ الْجَبَلِ، وَوَضَعْتُ اللَّوْحَيْنِ فِي الصُّنْدُوقِ الَّذِي صَنَعْتُهُ كَمَا أَمَرَنِي اللهُ، وَهُمَا هُنَاكَ الْآنَ. ثُمَّ رَحَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ آبَارِ بَنِي يَعْقَانَ إِلَى مُوسِيرَ. هُنَاكَ مَاتَ هَارُونُ وَدُفِنَ، فَأَصْبَحَ أَلِعَازَارُ ابْنُهُ رَئِيسَ الْأَحْبَارِ مَكَانَهُ. وَمِنْ هُنَاكَ، رَحَلُوا إِلَى جَدْجُودَ، وَمِنْهَا إِلَى يُطْبَاتَ، وَهِيَ أَرْضٌ عَامِرَةٌ بِالْأَنْهَارِ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، خَصَّصَ الْمَوْلَى قَبِيلَةَ لَاوِي لِيَحْمِلُوا صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ، وَيَقِفُوا أَمَامَهُ لِيَخْدِمُوهُ، وَيُبَارِكُوا بِاسْمِهِ، كَمَا هُوَ الْحَالُ مَعَهُمْ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. لِذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ بَنُو لَاوِي عَلَى قِسْمٍ أَوْ نَصِيبٍ بَيْنَ بَاقِي إِخْوَتِهِمْ. اللهُ هُوَ نَصِيبُهُمْ، كَمَا وَعَدَهُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. فَلَمَّا أَقَمْتُ فِي الْجَبَلِ 40 نَهَارًا وَ40 لَيْلَةً، كَمَا فَعَلْتُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، سَمِعَ اللهُ لِي هَذِهِ الْمَرَّةَ أَيْضًا، وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُهْلِكَكُمْ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِي: ”قُمْ وَقُدِ الشَّعْبَ فِي الطَّرِيقِ، لِيَدْخُلُوا وَيَمْلِكُوا الْأَرْضَ الَّتِي حَلَفْتُ لِآبَائِهِمْ أَنْ أُعْطِيَهَا لَهُمْ.“ وَالْآنَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، مَاذَا يَطْلُبُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ مِنْكُمْ؟ إِنَّهُ يَطْلُبُ هَذَا فَقَطْ: أَنْ تَتَّقُوهُ وَتَسِيرُوا فِي كُلِّ طُرُقِهِ وَتُحِبُّوهُ وَتَعْبُدُوهُ بِكُلِّ قَلْبِكُمْ وَكُلِّ نَفْسِكُمْ، وَتَعْمَلُوا بِوَصَايَا اللهِ وَفَرَائِضِهِ الَّتِي أُوصِيكُمْ بِهَا الْيَوْمَ لِخَيْرِكُمْ. الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ هُوَ مَالِكُ السَّمَاءِ، بَلْ كُلِّ السَّمَاوَاتِ، وَالْأَرْضِ وَكُلِّ مَا فِيهَا. لَكِنَّ اللهَ تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِآبَائِكُمْ وَأَحَبَّهُمْ وَاخْتَارَ ذُرِّيَّتَهُمْ مِنْ بَعْدِهِمْ، أَيْ أَنْتُمْ، لِتَكُونُوا فَوْقَ كُلِّ الشُّعُوبِ، كَمَا تَرَوْنَ الْيَوْمَ. فَطَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ، وَلَا تُعَانِدُوا. لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ، هُوَ إِلَهُ الْآلِهَةِ وَرَبُّ الْأَرْبَابِ، الْإِلَهُ الْعَظِيمُ الْقَدِيرُ الْمَهُوبُ، لَا يَتَحَيَّزُ لِأَحَدٍ، وَلَا يَقْبَلُ رَشْوَةً. يُدَافِعُ عَنْ حَقِّ الْيَتِيمِ وَالْأَرْمَلَةِ، وَيُحِبُّ الْغَرِيبَ وَيُعْطِيهِ طَعَامًا وَكِسَاءً. فَأَحِبُّوا الْغَرِيبَ، لِأَنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي مِصْرَ. اِتَّقُوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ وَاعْبُدُوهُ. تَمَسَّكُوا بِهِ وَاحْلِفُوا بِاسْمِهِ. هُوَ فَخْرُكُمْ، وَهُوَ إِلَهُكُمُ الَّذِي صَنَعَ مَعَكُمْ هَذِهِ الْعَجَائِبَ الْعَظِيمَةَ الْمُخِيفَةَ الَّتِي رَأَيْتُمُوهَا بِعُيُونِكُمْ. آبَاؤُكُمُ الَّذِينَ نَزَلُوا إِلَى مِصْرَ كَانُوا 70 شَخْصًا، وَالْآنَ جَعَلَكُمُ اللهُ كَثِيرِينَ كَنُجُومِ السَّمَاءِ. أَحِبُّوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ وَاعْمَلُوا بِأَوَامِرِهِ وَفَرَائِضِهِ وَشَرَائِعِهِ وَوَصَايَاهُ دَائِمًا. اِعْلَمُوا الْيَوْمَ أَنَّ كَلَامِي مُوَجَّهٌ لَكُمْ أَنْتُمْ، لَا لِأَوْلَادِكُمُ الَّذِينَ لَمْ يَخْتَبِرُوا وَلَمْ يَرَوْا تَأْدِيبَ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ. أَنْتُمُ الَّذِينَ رَأَيْتُمْ عَظَمَتَهُ وَيَدَهُ الشَّدِيدَةَ وَذِرَاعَهُ الْقَدِيرَةَ، وَالْآيَاتِ الَّتِي صَنَعَهَا، وَمَا عَمِلَهُ فِي مِصْرَ بِفِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ وَبِكُلِّ بِلَادِهِ، وَمَا عَمِلَهُ بِالْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ وَخَيْلِهِمْ وَمَرْكَبَاتِهِمْ، وَكَيْفَ جَعَلَ مَاءَ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ يَغْمُرُهُمْ، لَمَّا حَاوَلُوا أَنْ يَلْحَقُوا بِكُمْ، فَأَبَادَهُمُ اللهُ تَمَامًا، وَمَا عَمِلَهُ لَكُمْ فِي الصَّحْرَاءِ، حَتَّى وَصَلْتُمْ إِلَى هَذَا الْمَكَانِ. وَمَا عَمِلَهُ بِدَاثَانَ وَأَبِيرَامَ، اِبْنَيْ أَلِيآبَ بْنِ رَأُوبِينَ، اللَّذَيْنِ فَتَحَتِ الْأَرْضُ فَمَهَا فِي وَسَطِ كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبَلَعَتْهُمَا هُمَا وَبُيُوتَهُمَا وَخِيَامَهُمَا وَكُلَّ مَا لَهُمَا. عُيُونُكُمْ أَنْتُمْ شَاهَدَتْ كُلَّ هَذِهِ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي صَنَعَهَا اللهُ. فَاعْمَلُوا بِكُلِّ الْوَصَايَا الَّتِي أُوصِيكُمْ بِهَا الْيَوْمَ، لِكَيْ تَكُونَ لَكُمُ الْقُوَّةُ لِتَدْخُلُوا وَتَمْلِكُوا الْأَرْضَ الَّتِي سَتَعْبُرُونَ الْأُرْدُنَّ لِتَمْلِكُوهَا. وَلِكَيْ يَطُولَ عُمْرُكُمْ فِي الْأَرْضِ الَّتِي حَلَفَ اللهُ لِآبَائِكُمْ، أَنْ يُعْطِيَهَا لَهُمْ وَلِنَسْلِهِمْ، أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا. فَالْأَرْضُ الَّتِي أَنْتُمْ دَاخِلُونَ إِلَيْهَا لِتَمْلِكُوهَا، لَيْسَتْ كَأَرْضِ مِصْرَ الَّتِي خَرَجْتُمْ مِنْهَا حَيْثُ كُنْتُمْ تَزْرَعُونَ زَرْعَكُمْ وَتَسْقُونَهُ بِأَرْجُلِكُمْ، كَمَزْرَعَةِ بُقُولٍ. بَلِ الْأَرْضُ الَّتِي سَتَعْبُرُونَ الْأُرْدُنَّ لِتَمْلِكُوهَا، هِيَ أَرْضُ جِبَالٍ وَوِدْيَانٍ تَشْرَبُ مِنْ مَطَرِ السَّمَاءِ. هِيَ أَرْضٌ يَعْتَنِي بِهَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ، فَإِنَّ عَيْنَيِ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ عَلَيْهَا دَائِمًا مِنْ أَوَّلِ السَّنَةِ إِلَى آخِرِهَا. فَإِنْ كُنْتُمْ تُطِيعُونَ الْوَصَايَا الَّتِي أُوصِيكُمْ بِهَا الْيَوْمَ، أَيْ أَنْ تُحِبُّوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ وَتَعْبُدُوهُ بِكُلِّ قَلْبِكُمْ وَكُلِّ نَفْسِكُمْ، يُرْسِلُ اللهُ عَلَى أَرْضِكُمُ الْمَطَرَ فِي أَوَانِهِ، مَطَرَ الْخَرِيفِ وَمَطَرَ الرَّبِيعِ، فَتَجْمَعُونَ قَمْحَكُمْ وَخَمْرَكُمْ وَزَيْتَكُمْ. وَيُعْطِي بَهَائِمَكُمْ عُشْبًا فِي الْحَقْلِ، فَتَأْكُلُونَ وَتَشْبَعُونَ. اِحْذَرُوا مِنْ أَنْ تَنْخَدِعُوا فَتَضِلُّوا وَتَعْبُدُوا آلِهَةً أُخْرَى وَتَسْجُدُوا لَهَا، فَيَغْضَبُ اللهُ عَلَيْكُمْ جِدًّا، وَيُغْلِقُ السَّمَاوَاتِ، فَلَا يَنْزِلُ الْمَطَرُ، وَلَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ ثِمَارَهَا، وَأَنْتُمْ تَبِيدُونَ بِسُرْعَةٍ مِنَ الْأَرْضِ الصَّالِحَةِ الَّتِي يُعْطِيهَا اللهُ لَكُمْ. ضَعُوا كَلَامِي هَذَا فِي قَلْبِكُمْ وَفِي نَفْسِكُمْ. اِرْبِطُوهُ كَعَلَامَةٍ عَلَى أَيْدِيكُمْ، وَكَعِصَابَةٍ عَلَى جِبَاهِكُمْ. وَعَلِّمُوهُ لِأَوْلَادِكُمْ. تَكَلَّمُوا بِهِ حِينَ تَجْلِسُونَ فِي دَارِكُمْ وَحِينَ تَمْشُونَ فِي الطَّرِيقِ، وَحِينَ تَنَامُونَ وَحِينَ تَقُومُونَ. اُكْتُبُوهُ عَلَى قَوَائِمِ أَبْوَابِ دِيَارِكُمْ، وَعَلَى بَوَّابَاتِ مُدُنِكُمْ. لِكَيْ يَطُولَ عُمْرُكُمْ وَعُمْرُ أَوْلَادِكُمْ، فِي الْأَرْضِ الَّتِي حَلَفَ اللهُ أَنْ يُعْطِيَهَا لِآبَائِكُمْ، كَمَا تَدُومُ السَّمَاءُ فَوْقَ الْأَرْضِ. فَإِنْ عَمِلْتُمْ بِكُلِّ هَذِهِ الْوَصَايَا الَّتِي أَوْصَيْتُكُمْ بِهَا لِتُمَارِسُوهَا، أَيْ أَنْ تُحِبُّوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ، وَتَسِيرُوا فِي كُلِّ طُرُقِهِ، وَتَتَمَسَّكُوا بِهِ، يَطْرُدُ اللهُ كُلَّ هَذِهِ الْأُمَمِ مِنْ أَمَامِكُمْ، فَتَرِثُونَ أُمَمًا أَكْبَرَ وَأَقْوَى مِنْكُمْ. كُلُّ مَكَانٍ تَدُوسُهُ أَقْدَامُكُمْ يَكُونُ لَكُمْ، مِنَ الصَّحْرَاءِ إِلَى لُبْنَانَ، وَمِنْ نَهْرِ الْفُرَاتِ إِلَى الْبَحْرِ الْأَبْيَضِ الْمُتَوَسِّطِ. تَكُونُ هَذِهِ حُدُودَكُمْ. لَنْ يَقْدِرَ أَحَدٌ أَنْ يُقَاوِمَكُمْ، لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ يَجْعَلُ كُلَّ الْبِلَادِ الَّتِي تَذْهَبُونَ إِلَيْهَا، تَرْتَعِبُ وَتَخَافُ مِنْكُمْ، كَمَا وَعَدَكُمْ. اُنْظُرُوا، إِنِّي أَضَعُ أَمَامَكُمُ الْيَوْمَ بَرَكَةً وَلَعْنَةً. الْبَرَكَةُ إِنْ كُنْتُمْ تُطِيعُونَ وَصَايَا الْمَوْلَى إِلَهِكُمُ الَّتِي أُوصِيكُمْ بِهَا الْيَوْمَ. وَاللَّعْنَةُ إِنْ عَصَيْتُمْ وَصَايَا الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، وَضَلَلْتُمْ عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي أُوصِيكُمْ بِهَا الْيَوْمَ، وَتَبِعْتُمْ آلِهَةً أُخْرَى لَمْ تَعْرِفُوهَا. وَمَتَى أَدْخَلَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمْ ذَاهِبُونَ لِتَمْلِكُوهَا، فَأَعْلِنُوا الْبَرَكَةَ مِنْ عَلَى جَبَلِ جَرْزِيمَ، وَاللَّعْنَةَ مِنْ عَلَى جَبَلِ عِيبَالَ. وَهُمَا غَرْبَ الْأُرْدُنِّ، وَرَاءَ الطَّرِيقِ الْمُتَّجِهَةِ نَحْوَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فِي أَرْضِ الْكَنْعَانِيِّينَ الَّذِينَ فِي الْوَادِي، مُقَابِلَ الْجِلْجَالِ وَبِالْقُرْبِ مِنْ بَلُّوطَاتِ مُورَةَ. أَنْتُمُ الْآنَ سَتَعْبُرُونَ الْأُرْدُنَّ لِتَدْخُلُوا وَتَمْلِكُوا الْأَرْضَ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. فَامْلِكُوهَا وَاسْكُنُوا فِيهَا، وَأَطِيعُوا كُلَّ الْفَرَائِضِ وَالشَّرَائِعِ الَّتِي أَضَعُهَا الْيَوْمَ أَمَامَكُمْ. هَذِهِ هِيَ الْفَرَائِضُ وَالشَّرَائِعُ الَّتِي يَجِبُ أَنْ تَحْفَظُوهَا وَتَعْمَلُوا بِهَا فِي الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَاهَا لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُ آبَائِكُمْ، لِتَمْلِكُوهَا طُولَ عُمْرِكُمْ فِي الْأَرْضِ. أَخْرِبُوا كُلَّ أَمَاكِنِ الْعِبَادَةِ فِي الْبِلَادِ الَّتِي سَتَمْلِكُونَهَا، حَيْثُ عَبَدَتِ الْأُمَمُ آلِهَتَهَا، سَوَاءً كَانَتْ عَلَى الْجِبَالِ الْعَالِيَةِ أَوْ عَلَى التِّلَالِ أَوْ فِي ظِلِّ كُلِّ شَجَرَةٍ كَبِيرَةٍ. اِهْدِمُوا مَعَابِدَهُمْ، وَحَطِّمُوا تَمَاثِيلَهُمْ، وَاحْرِقُوا بِالنَّارِ الْأَعْمِدَةَ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا، وَأَزِيلُوا أَصْنَامَ آلِهَتِهِمْ، وَامْسَحُوا أَسْمَاءَهُمْ مِنْ تِلْكَ الْأَمَاكِنِ. لَا تَفْعَلُوا مِثْلَهُمْ عِنْدَمَا تَعْبُدُونَ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ. بَلِ اعْبُدُوهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ مِنْ بَيْنِ أَرَاضِي كُلِّ قَبَائِلِكُمْ لِيُعْبَدَ فِيهِ وَيَسْكُنَ فِيهِ. هُنَاكَ تَطْلُبُونَهُ، وَإِلَى هُنَاكَ تَذْهَبُونَ، وَتُقَدِّمُونَ قَرَابِينَكُمْ وَضَحَايَاكُمْ وَعُشُورَكُمْ وَهَدَايَاكُمْ وَنُذُورَكُمْ وَتَبَرُّعَاتِكُمْ وَأَبْكَارَ بَقَرِكُمْ وَغَنَمِكُمْ. وَهُنَاكَ، فِي مَحْضَرِ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، تَأْكُلُونَ أَنْتُمْ وَعَائِلَاتُكُمْ، وَتَفْرَحُونَ بِكُلِّ مَجْهُودِكُمْ، لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ بَارَكَكُمْ. لَا تَعْمَلُوا كَمَا نَعْمَلُ هُنَا الْآنَ، أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ يَفْعَلُ مَا يَسْتَحْسِنُهُ. لِأَنَّكُمْ لَمْ تَدْخُلُوا بَعْدُ إِلَى أَرْضِ الرَّاحَةِ وَالنَّصِيبِ الَّذِي يُعْطِيهِ لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. لَكِنَّكُمْ سَتَعْبُرُونَ الْأُرْدُنَّ، وَتَسْكُنُونَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ نَصِيبًا، حَيْثُ يُرِيحُكُمْ مِنْ كُلِّ أَعْدَائِكُمُ الَّذِينَ حَوْلَكُمْ، وَتَعِيشُونَ فِي أَمَانٍ. وَسَيَخْتَارُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ مَكَانًا لِتَعْبُدُوهُ فِيهِ، فَإِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ تَأْتُونَ بِكُلِّ مَا أُوصِيكُمْ بِهِ، قَرَابِينِكُمْ وَضَحَايَاكُمْ وَعُشُورِكُمْ وَهَدَايَاكُمْ، وَكُلِّ عَطَايَاكُمُ الطَّيِّبَةِ الَّتِي تَنْذِرُونَهَا للهِ. وَهُنَاكَ تَفْرَحُونَ أَمَامَ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، أَنْتُمْ وَأَوْلَادُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَعَبِيدُكُمْ وَجَوَارِيكُمْ، وَاللَّاوِيُّونَ الَّذِينَ فِي مُدُنِكُمْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ قِسْمٌ وَلَا نَصِيبٌ خَاصٌّ بِهِمْ. إِيَّاكُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا قَرَابِينَكُمْ فِي أَيِّ مَكَانٍ يُعْجِبُكُمْ! بَلْ قَدِّمُوهَا فَقَطْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ اللهُ فِي إِحْدَى قَبَائِلِكُمْ، وَهُنَاكَ تَعْمَلُونَ بِكُلِّ مَا أُوصِيكُمْ بِهِ. لَكِنْ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا مَا شِئْتُمْ لِتَأْكُلُوا فِي مُدُنِكُمْ، حَسَبَ بَرَكَةِ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ عَلَيْكُمْ. يَأْكُلُ مِنْهُ مَنْ كَانَ نَجِسًا أَوْ طَاهِرًا، كَمَا لَوْ كَانَ لَحْمَ ظَبْيٍ أَوْ غَزَالٍ. أَمَّا الدَّمُ فَلَا تَأْكُلُوهُ، بَلِ اسْكُبُوهُ عَلَى الْأَرْضِ كَالْمَاءِ. لَا تَأْكُلُوا فِي مُدُنِكُمْ عُشُورَ قَمْحِكُمْ وَخَمْرِكُمْ وَزَيْتِكُمْ، وَلَا أَبْكَارَ بَقَرِكُمْ وَغَنَمِكُمْ، وَلَا أَيَّ شَيْءٍ مِنْ نُذُورِكُمْ وَقَرَابِينِكُمْ وَتَبَرُّعَاتِكُمْ وَهَدَايَاكُمْ. بَلْ تَأْكُلُونَهُ فِي مَحْضَرِ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ، أَنْتُمْ وَأَوْلَادُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَعَبِيدُكُمْ وَجَوَارِيكُمْ، وَاللَّاوِيُّونَ الَّذِينَ فِي مُدُنِكُمْ. وَتَفْرَحُونَ أَمَامَ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ بِكُلِّ مَجْهُودِكُمْ. إِيَّاكُمْ أَنْ تُهْمِلُوا اللَّاوِيِّينَ طُولَ عُمْرِكُمْ فِي الْأَرْضِ. عِنْدَمَا يُوَسِّعُ اللهُ حُدُودَ بِلَادِكُمْ كَمَا وَعَدَكُمْ، وَأَرَدْتُمْ أَنْ تَأْكُلُوا لَحْمًا وَقُلْتُمْ: ”نُرِيدُ لَحْمًا.“ فَكُلُوا مَا اشْتَهَيْتُمْ مِنَ اللَّحْمِ. إِنْ كَانَ الْمَكَانُ الَّذِي يَخْتَارُهُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ لِتَعْبُدُوهُ فِيهِ بَعِيدًا عَنْكُمْ، فَاذْبَحُوا مِمَّا أَعْطَاكُمُ اللهُ مِنْ بَقَرٍ وَغَنَمٍ كَمَا أَوْصَيْتُكُمْ، وَكُلُوا لَحْمًا فِي مُدُنِكُمْ حَسَبَ رَغْبَتِكُمْ. تَأْكُلُونَهُ كَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُ الظَّبْيِ أَوِ الْغَزَالِ، فَيَأْكُلُ مِنْهُ مَنْ كَانَ نَجِسًا أَوْ طَاهِرًا. لَكِنْ لَا تَأْكُلُوا الدَّمَ، لِأَنَّهُ هُوَ النَّفْسُ، فَلَا تَأْكُلُوا النَّفْسَ مَعَ اللَّحْمِ. لَا تَأْكُلُوهُ، بَلِ اسْكُبُوهُ عَلَى الْأَرْضِ كَالْمَاءِ. لَا تَأْكُلُوهُ لِكَيْ تَنْجَحُوا أَنْتُمْ وَأَوْلَادُكُمْ مِنْ بَعْدِكُمْ، لِأَنَّكُمْ تَعْمَلُونَ مَا هُوَ صَالِحٌ فِي نَظَرِ اللهِ. وَأَمَّا الْأَشْيَاءُ الَّتِي تُخَصِّصُونَهَا للهِ وَنُذُورُكُمْ، فَتَحْمِلُونَهَا وَتَذْهَبُونَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ اللهُ. فَتُقَدِّمُونَ قَرَابِينَكُمْ، لَحْمًا وَدَمًا، عَلَى مَنَصَّةِ قُرْبَانِ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ. تَسْكُبُونَ دَمَ الضَّحِيَّةِ عَلَى الْمَنَصَّةِ، وَتَأْكُلُونَ اللَّحْمَ. اِنْتَبِهُوا وَأَطِيعُوا كُلَّ هَذِهِ الْوَصَايَا الَّتِي أُوصِيكُمْ بِهَا، لِكَيْ تَنْجَحُوا أَنْتُمْ وَأَوْلَادُكُمْ مِنْ بَعْدِكُمْ، لِأَنَّكُمْ تَعْمَلُونَ مَا هُوَ طَيِّبٌ وَصَالِحٌ فِي نَظَرِ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ. الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ سَيُفْنِي مِنْ أَمَامِكُمُ الْأُمَمَ الَّتِي أَنْتُمْ ذَاهِبُونَ لِتَرِثُوهَا. فَمَتَى طَرَدْتُمُوهُمْ وَسَكَنْتُمْ فِي بِلَادِهِمْ، وَبَعْدَ أَنْ يَزُولُوا مِنْ أَمَامِكُمْ، اِحْذَرُوا مِنْ أَنْ تَقَعُوا فِي فَخِّهِمْ بِأَنْ تَسْأَلُوا عَنْ آلِهَتِهِمْ وَعِبَادَاتِهِمْ وَتَعْمَلُوا مِثْلَهُمْ. لَا تَعْمَلُوا هَذَا لِلْمَوْلَى إِلَهِكُمْ. فَهُمْ يَعْبُدُونَ آلِهَتَهُمْ بِارْتِكَابِ كُلِّ مَا هُوَ قَبِيحٌ وَمَكْرُوهٌ عِنْدَ اللهِ. لِدَرَجَةِ أَنَّهُمْ يَحْرِقُونَ أَوْلَادَهُمْ وَبَنَاتِهِمْ بِالنَّارِ كَضَحَايَا لِآلِهَتِهِمْ. اِعْمَلُوا بِكُلِّ مَا أُوصِيكُمْ بِهِ، لَا تَزِيدُوا عَلَيْهِ وَلَا تُنَقِّصُوا مِنْهُ. إِذَا ظَهَرَ بَيْنَكُمْ نَبِيٌّ أَوْ مَنْ يَحْلُمُ أَحْلَامًا، وَقَدَّمَ لَكُمْ آيَةً أَوْ أُعْجُوبَةً، وَتَحَقَّقَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَوِ الْأُعْجُوبَةُ الَّتِي تَنَبَّأَ بِهَا، ثُمَّ قَالَ: ”تَعَالَوْا نَتْبَعُ آلِهَةً أُخْرَى لَمْ تَعْرِفُوهَا، فَنَعْبُدَهَا.“ فَلَا تَسْمَعُوا لِكَلَامِ ذَلِكَ النَّبِيِّ أَوْ مَنْ يَحْلُمُ أَحْلَامًا، لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ يَمْتَحِنُكُمْ لِيَرَى إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَهُ بِكُلِّ قَلْبِكُمْ وَكُلِّ نَفْسِكُمْ. بَلِ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ تَتْبَعُونَ وَإِيَّاهُ تَتَّقُونَ. اِعْمَلُوا بِوَصَايَاهُ وَأَطِيعُوهُ. اُعْبُدُوهُ وَتَمَسَّكُوا بِهِ. أَمَّا ذَلِكَ النَّبِيُّ أَوْ مَنْ يَحْلُمُ أَحْلَامًا فَيَجِبُ أَنْ يُقْتَلَ، لِأَنَّهُ قَالَ أَنْ تَتَمَرَّدُوا عَلَى الْمَوْلَى إِلَهِكُمُ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ مِصْرَ، وَفَدَاكُمْ مِنْ سِجْنِ الْعُبُودِيَّةِ. وَلِأَنَّهُ حَاوَلَ أَنْ يُبْعِدَكُمْ عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي أَوْصَاكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ أَنْ تَسْلُكُوا فِيهَا. بِذَلِكَ تُزِيلُونَ الشَّرَّ مِنْ بَيْنِكُمْ. وَإِنْ أَغْرَاكَ فِي السِّرِّ أَخُوكَ ابْنُ أُمِّكَ، أَوِ ابْنُكَ أَوْ بِنْتُكَ، أَوْ زَوْجَتُكَ الَّتِي تُحِبُّهَا، أَوْ صَدِيقُكَ الْحَمِيمُ، وَقَالَ لَكَ: ”تَعَالَ نَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى.“ آلِهَةً لَا تَعْرِفُهَا وَلَا عَرَفَهَا آبَاؤُكَ، مِنْ آلِهَةِ الشُّعُوبِ الَّتِي حَوْلَكَ، الْقَرِيبَةِ أَوِ الْبَعِيدَةِ، مِنْ آخِرِ الْأَرْضِ مِنْ هُنَا إِلَى آخِرِهَا مِنْ هُنَاكَ. فَلَا تَقْبَلْ، وَلَا تَسْمَعْ لَهُ، وَلَا يَشْفِقْ قَلْبُكَ عَلَيْهِ، وَلَا تَرْأَفْ بِهِ، وَلَا تَسْتُرْهُ. بَلِ اقْتُلْهُ وَانْتَهِ مِنْهُ. كُنْ أَنْتَ أَوَّلَ مَنْ يَبْدَأُ قَتْلَهُ، وَبَعْدَكَ بَقِيَّةُ الشَّعْبِ. اُرْجُمْهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ، لِأَنَّهُ حَاوَلَ أَنْ يُبْعِدَكَ عَنِ الْمَوْلَى إِلَهِكَ، الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ مِصْرَ، مِنْ سِجْنِ الْعُبُودِيَّةِ. فَيَسْمَعَ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيَخَافُوا، وَلَا يَعُودُوا لِارْتِكَابِ هَذَا الشَّرِّ بَيْنَكُمْ. إِذَا سَمِعْتُمْ عَنْ إِحْدَى مُدُنِكُمُ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ، لِتَسْكُنُوا فِيهَا، أَنَّ بَعْضَ الْأَشْرَارِ خَرَجُوا مِنْ بَيْنِكُمْ، وَأَضَلُّوا أَهْلَ مَدِينَتِهِمْ، وَقَالُوا: ”تَعَالَوْا نَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى لَمْ تَعْرِفُوهَا.“ فَافْحَصُوا الْأَمْرَ وَابْحَثُوهُ وَتَحَقَّقُوا مِنْهُ. وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَحِيحٌ، وَأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ الْقَبِيحَ جَرَى بَيْنَكُمْ، فَاقْتُلُوا كُلَّ أَهْلِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ بِالسَّيْفِ، وَاقْتُلُوا كُلَّ بَهَائِمِهَا بِالسَّيْفِ، وَأَخْرِبُوهَا تَمَامًا. وَاجْمَعُوا كُلَّ أَمْتِعَتِهَا إِلَى وَسَطِ سَاحَتِهَا، وَاحْرِقُوا الْمَدِينَةَ بِالنَّارِ بِكُلِّ مَا فِيهَا، كَقُرْبَانٍ يُحْرَقُ لِلْمَوْلَى إِلَهِكُمْ. فَتَبْقَى خَرَابًا إِلَى الْأَبَدِ، لَا تُبْنَى فِيمَا بَعْدُ. لَا تَأْخُذُوا شَيْئًا مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ، فَيَرْجِعَ اللهُ عَنْ غَضَبِهِ الشَّدِيدِ، وَيَرْحَمَكُمْ وَيَشْفِقَ عَلَيْكُمْ وَيُكَثِّرَكُمْ كَمَا وَعَدَ آبَاءَكُمْ بِقَسَمٍ، إِنْ سَمِعْتُمْ لِصَوْتِ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، وَعَمِلْتُمْ بِكُلِّ وَصَايَاهُ الَّتِي أُوصِيكُمْ بِهَا الْيَوْمَ، وَفَعَلْتُمْ مَا هُوَ صَالِحٌ فِي نَظَرِهِ. أَنْتُمْ أَوْلَادُ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، فَلَا تَجْرَحُوا جِسْمَكُمْ، وَلَا تَحْلِقُوا مُقَدِّمَةَ رَأْسِكُمْ حُزْنًا عَلَى مَيِّتٍ. لِأَنَّكُمْ شَعْبٌ خَاصٌّ لِلْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، وَهُوَ قَدِ اخْتَارَكُمْ لَهُ مِنْ بَيْنِ كُلِّ الشُّعُوبِ الَّتِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لِتَكُونُوا شَعْبَهُ الْخَاصَّ. لَا تَأْكُلُوا شَيْئًا نَجِسًا. هَذِهِ هِيَ الْبَهَائِمُ الَّتِي تَأْكُلُونَهَا: الْبَقَرُ وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ، وَالْغَزَالُ وَالظَّبْيُ وَالْيَحْمُورُ وَالْوَعْلُ وَالرِّئْمُ وَالثَّيْتَلُ وَالْمَعْزُ الْجَبَليُّ. وَكُلُّ بَهِيمَةٍ مِنَ الْبَهَائِمِ لَهَا ظِلْفٌ مَشْقُوقٌ وَتَجْتَرُّ، تَأْكُلُونَهَا. أَمَّا الَّتِي تَجْتَرُّ فَقَطْ أَوِ الَّتِي لَهَا ظِلْفٌ مَشْقُوقٌ فَقَطْ، فَلَا تَأْكُلُوهَا. فَالْجَمَلُ وَالْأَرْنَبُ وَالْوَبْرُ تَجْتَرُّ، لَكِنْ لَيْسَ لَهَا ظِلْفٌ مَشْقُوقٌ فَهِيَ نَجِسَةٌ لَكُمْ. وَالْخِنْزِيرُ لَهُ ظِلْفٌ مَشْقُوقٌ، لَكِنَّهُ لَا يَجْتَرُّ فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ. لَا تَأْكُلُوا مِنْ لَحْمِهَا، وَلَا تَلْمِسُوا جُثَثَهَا. أَمَّا مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ، فَكُلُوا مِنْ كُلِّ مَا لَهُ زَعَانِفُ وَقُشُورٌ. أَمَّا كُلُّ مَا لَيْسَ لَهُ زَعَانِفُ وَقُشُورٌ فَلَا تَأْكُلُوهُ، لِأَنَّهُ نَجِسٌ لَكُمْ. كُلُوا كُلَّ طَيْرٍ طَاهِرٍ. أَمَّا هَذِهِ فَلَا تَأْكُلُوا مِنْهَا: النِّسْرُ وَالْأَنُوقُ وَالصَّقْرُ، وَالْحِدْأَةُ الْحَمْرَاءُ وَالْحِدْأَةُ السَّوْدَاءُ وَكُلُّ أَنْوَاعِ الْحِدَاءِ، وَكُلُّ الْغِرْبَانِ بِأَنْوَاعِهَا، وَالنَّعَامَةُ وَالْخَطَّافُ وَالسَّأَفُ وَكُلُّ أَنْوَاعِ الْبَازِ، وَالْبُومُ وَالْكُرْكِيُّ وَالْبَجَعُ، وَالْقُوقُ وَالرَّخَمُ وَالْغَوَّاصُ، وَاللَّقْلَقُ وَالْبَبْغَاءُ بِأَنْوَاعِهِ وَالْهُدْهُدُ وَالْخُفَّاشُ، وَكُلُّ الْحَشَرَاتِ الَّتِي لَهَا أَجْنِحَةٌ هِيَ نَجِسَةٌ لَكُمْ، فَلَا تَأْكُلُوهَا. بَلْ تَأْكُلُونَ كُلَّ طَيْرٍ طَاهِرٍ. لَا تَأْكُلُوا أَيَّ شَيْءٍ تَجِدُونَهُ مَيِّتًا، بَلْ أَعْطُوهُ لِلْغَرِيبِ الْمُقِيمِ فِي بِلَادِكُمْ لِيَأْكُلَهُ إِنْ أَرَادَ، أَوْ تَبِيعُونَهُ لِأَجْنَبِيٍّ، لِأَنَّكُمْ شَعْبٌ خَاصٌّ لِلْمَوْلَى إِلَهِكُمْ. لَا تَطْبُخُوا جَدْيًا فِي لَبَنِ أُمِّهِ. كُلَّ سَنَةٍ تُقَدِّمُونَ الْعُشْرَ مِنْ كُلِّ مَحْصُولِ زَرْعِكُمُ الَّذِي يُنْتِجُهُ الْحَقْلُ. وَتَأْكُلُونَهُ فِي مَحْضَرِ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ لِتَعْبُدُوهُ فِيهِ، عُشْرَ قَمْحِكُمْ وَخَمْرِكُمْ وَزَيْتِكُمْ وَأَبْكَارِ بَقَرِكُمْ وَغَنَمِكُمْ، لِتَتَعَلَّمُوا أَنْ تَتَّقُوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ دَائِمًا. وَلَكِنْ إِنْ كَانَ الْمَكَانُ الَّذِي يَخْتَارُهُ اللهُ لِتَعْبُدُوهُ فِيهِ بَعِيدًا، وَالطَّرِيقُ إِلَيْهِ طَوِيلًا، وَمِنَ الصَّعْبِ أَنْ تَحْمِلُوا إِلَيْهِ عُشُورَ مَا بَارَكَكُمُ اللهُ بِهِ، فَبِيعُوا الْعُشُورَ بِنُقُودٍ، وَخُذُوا النُّقُودَ مَعَكُمْ وَاذْهَبُوا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. وَاشْتَرُوا بِالنُّقُودِ مَا يَحْلُو لَكُمْ مِنْ بَقَرٍ وَغَنَمٍ وَخَمْرٍ وَمُسْكِرٍ وَمَا تَرْغَبُونَ فِيهِ. وَكُلُوا وَافْرَحُوا أَنْتُمْ وَعَائِلَاتُكُمْ هُنَاكَ فِي مَحْضَرِ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ. وَلَا تُهْمِلُوا اللَّاوِيِّينَ الَّذِينَ فِي مُدُنِكُمْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ قِسْمٌ وَلَا نَصِيبٌ خَاصٌّ بِهِمْ. فِي آخِرِ كُلِّ 3 سِنِينَ، أَخْرِجُوا كُلَّ عُشْرِ مَحْصُولِكُمْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَضَعُوهُ فِي مُدُنِكُمْ. فَيَأْتِيَ اللَّاوِيُّونَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ قِسْمٌ وَلَا نَصِيبٌ خَاصٌّ بِهِمْ، وَالْغُرَبَاءُ وَالْأَيْتَامُ وَالْأَرَامِلُ، الَّذِينَ فِي مُدُنِكُمْ، وَيَأْكُلُوا وَيَشْبَعُوا، فَيُبَارِكَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ فِي كُلِّ مَا تَعْمَلُونَ. فِي آخِرِ كُلِّ 7 سِنِينَ تُعْفُونَ النَّاسَ مِنَ الدُّيُونِ الَّتِي عَلَيْهِمْ. وَهَذِهِ هِيَ الطَّرِيقَةُ: كُلُّ صَاحِبِ دَيْنٍ يُعْفِي قَرِيبَهُ مِنَ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ، فَلَا يُطَالِبُ قَرِيبَهُ أَوْ أَخَاهُ بِالسَّدَادِ، لِأَنَّ اللهَ قَالَ بِإِلْغَاءِ الدُّيُونِ. أَمَّا الْأَجْنَبِيُّ فَتُطَالِبُهُ بِالسَّدَادِ، وَأَخُوكَ تُعْفِيهِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ لَكَ عَلَيْهِ. يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَكُمْ فَقِيرٌ، لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ يُبَارِكُكُمْ فِي الْأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمْ كَنَصِيبٍ تَمْلِكُونَهُ. فَإِنْ سَمِعْتُمْ لِصَوْتِ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، وَأَطَعْتُمْ كُلَّ هَذِهِ الْوَصَايَا الَّتِي أُوصِيكُمْ بِهَا الْيَوْمَ وَعَمِلْتُمْ بِهَا، يُبَارِكُكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ كَمَا وَعَدَكُمْ، فَتَقْتَرِضُ مِنْكُمْ أُمَمٌ كَثِيرَةٌ وَأَنْتُمْ لَا تَقْتَرِضُونَ، وَتَتَسَلَّطُونَ عَلَى أُمَمٍ كَثِيرَةٍ وَهُمْ عَلَيْكُمْ لَا يَتَسَلَّطُونَ. إِنْ كَانَ بَيْنَكُمْ وَاحِدٌ فَقِيرٌ مِنْ إِخْوَتِكُمْ فِي إِحْدَى الْمُدُنِ، فِي الْأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ، فَلَا تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ وَلَا تَبْخَلُوا عَلَى أَخِيكُمُ الْفَقِيرِ. بَلْ كُونُوا أَسْخِيَاءَ، وَأَقْرِضُوهُ مِقْدَارَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ. إِيَّاكُمْ أَنْ تُحَدِّثُوا قُلُوبَكُمْ بِخُبْثٍ وَتَقُولُوا: ”قَرُبَتِ السَّنَةُ السَّابِعَةُ، سَنَةُ إِلْغَاءِ الدُّيُونِ.“ فَتُسِيئُونَ مُعَامَلَةَ أَخِيكُمُ الْفَقِيرِ وَلَا تُعْطُونَهُ، فَيَصْرُخُ إِلَى اللهِ ضِدَّكُمْ وَتُصْبِحُونَ مُذْنِبِينَ. بَلْ أَعْطُوهُ عَنْ طِيبِ خَاطِرٍ، وَبِذَلِكَ يُبَارِكُكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ فِي كُلِّ أَعْمَالِكُمْ وَكُلِّ مَجْهُودِكُمْ. لَنْ تَخْلُوَ الْأَرْضُ مِنَ الْفُقَرَاءِ، لِذَلِكَ أُوصِيكُمْ أَنْ تَكُونُوا أَسْخِيَاءَ نَحْوَ إِخْوَتِكُمُ الْفُقَرَاءِ وَالْمُحْتَاجِينَ الَّذِينَ فِي أَرْضِكُمْ. إِذَا بَاعَ عِبْرَانِيٌّ نَفْسَهُ لَكَ، رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً، فَيَخْدِمُكَ 6 سِنِينَ، وَفِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ تُطْلِقُهُ حُرَّا مِنْ عِنْدِكَ. لَا تُرْسِلْهُ فَارِغًا بِلَا شَيْءٍ مَعَهُ! بَلْ تُزَوِّدُهُ بِسَخَاءٍ مِنْ غَنَمِكَ وَبَيْدَرِكَ وَمَعْصَرَتِكَ، تُعْطِيهِ حَسَبَ مَا بَارَكَكَ الْمَوْلَى إِلَهُكَ. وَتَذَكَّرْ أَنَّكَ كُنْتَ عَبْدًا فِي مِصْرَ، وَأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكَ فَدَاكَ. لِذَلِكَ أُوصِيكَ الْيَوْمَ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ. لَكِنْ إِنْ قَالَ لَكَ الْعَبْدُ، إِنَّه لَا يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ عِنْدِكَ، لِأَنَّهُ أَحَبَّكَ أَنْتَ وَعَائِلَتَكَ وَتَمَتَّعَ بِالْخَيْرِ عِنْدَكَ، فَخُذِ الْمِخْرَزَ وَضَعْهُ فِي أُذُنِهِ وَفِي الْبَابِ، فَيَكُونَ لَكَ عَبْدًا طُولَ عُمْرِهِ. وَجَارِيَتُكَ أَيْضًا تَعْمَلُ مَعَهَا نَفْسَ الشَّيْءِ. لَا يَصْعُبْ عَلَيْكَ أَنْ تُطْلِقَهُ حُرًّا مِنْ عِنْدِكَ، لِأَنَّهُ خَدَمَكَ 6 سِنِينَ، وَهُوَ مَا يُعَادِلُ ضِعْفَ أُجْرَةِ الْعَامِلِ، فَيُبَارِكَكَ اللهُ فِي كُلِّ مَا تَعْمَلُهُ. خَصِّصْ للهِ كُلَّ بِكْرٍ ذَكَرٍ مِنْ بَقَرِكَ وَمِنْ غَنَمِكَ. لَا تَسْتَخْدِمِ الْبِكْرَ مِنْ بَقَرِكَ، وَلَا تَجُزَّ الْبِكْرَ مِنْ غَنَمِكَ. بَلْ كُلَّ سَنَةٍ تَأْكُلُهُ أَنْتَ وَعَائِلَتُكَ، فِي مَحْضَرِ الْمَوْلَى إِلَهِكَ، فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ. وَلَكِنْ إِنْ كَانَ فِيهِ عَيْبٌ، مِثْلُ عَرَجٍ أَوْ عَمًى أَوْ أَيُّ عَيْبٍ آخَرَ، فَلَا تَذْبَحْهُ لِلْمَوْلَى إِلَهِكَ. بَلْ تَأْكُلُهُ فِي مَدِينَتِكَ. يَأْكُلُ مِنْهُ مَنْ كَانَ نَجِسًا أَوْ طَاهِرًا، كَمَا لَوْ كَانَ لَحْمَ ظَبْيٍ أَوْ غَزَالٍ. أَمَّا الدَّمُ فَلَا تَأْكُلُوهُ، بَلِ اسْكُبُوهُ عَلَى الْأَرْضِ كَالْمَاءِ. اِحفَظُوا شَهْرَ أَبِيبَ، وَاحْتَفِلُوا فِيهِ بِعِيدِ فِصْحِ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، لِأَنَّهُ فِي شَهْرِ أَبِيبَ أَخْرَجَكُمْ مِنْ مِصْرَ لَيْلًا. وَاذْبَحُوا ضَحِيَّةَ الْفِصْحِ للهِ مِنَ الْغَنَمِ أَوِ الْبَقَرِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ اللهُ لِتَعْبُدُوهُ فِيهِ. لَا تَأْكُلُوا مَعَهُ خُبْزًا مُخْتَمِرًا، بَلْ 7 أَيَّامٍ تَأْكُلُونَ مَعَهُ فَطِيرًا. لِأَنَّ هَذَا هُوَ خُبْزُ الضِّيقِ، لِأَنَّكُمْ خَرَجْتُمْ مِنْ مِصْرَ بِعَجَلَةٍ. لِكَيْ تَتَذَكَّرُوا يَوْمَ خُرُوجِكُمْ مِنْ مِصْرَ طُولَ عُمْرِكُمْ. لَا تَسْمَحُوا بِوُجُودِ خَمِيرٍ عِنْدَكُمْ فِي كُلِّ بِلَادِكُمْ 7 أَيَّامٍ. وَلَا تَسْمَحُوا بِأَنْ يَبِيتَ إِلَى الصُّبْحِ شَيْءٌ مِنَ اللَّحْمِ الَّذِي تَذْبَحُونَهُ فِي مَسَاءِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ. لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا الْفِصْحَ فِي أَيِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمُدُنِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ، بَلْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ لِتَعْبُدُوهُ فِيهِ. هُنَاكَ تَذْبَحُونَ الْفِصْحَ فِي الْمَسَاءِ، عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فِي نَفْسِ مِيعَادِ خُرُوجِكُمْ مِنْ مِصْرَ. تَشْوُونَهُ وَتَأْكُلُونَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. وَفِي الصُّبْحِ تَرْجِعُونَ إِلَى خِيَامِكُمْ. 6 أَيَّامٍ تَأْكُلُونَ فَطِيرًا، وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ تَحْتَفِلُونَ بِالْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، وَلَا تَعْمَلُوا فِيهِ أَيَّ عَمَلٍ. اِحْسِبُوا 7 أَسَابِيعَ مِنْ بَدْءِ حَصَادِ الزَّرْعِ، ثُمَّ احْتَفِلُوا بِعِيدِ الْأَسَابِيعِ لِلْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، فَتُقَدِّمُونَ تَبَرُّعًا يَتَنَاسَبُ مَعَ بَرَكَةِ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ عَلَيْكُمْ. وَتَفْرَحُونَ أَمَامَ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ لِتَعْبُدُوهُ فِيهِ، أَنْتُمْ وَأَوْلَادُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَعَبِيدُكُمْ وَجَوارِيكُمْ وَاللَّاوِيُّونَ الَّذِينَ فِي مُدُنِكُمْ، وَالْغُرَبَاءُ وَالْأَيْتَامُ وَالْأَرَامِلُ الْمَوْجُودُونَ بَيْنَكُمْ. وَتَذَكَّرُوا أَنَّكُمْ كُنْتُمْ عَبِيدًا فِي مِصْرَ، فَأَطِيعُوا هَذِهِ الْفَرَائِضَ وَاعْمَلُوا بِهَا. اِحْتَفِلُوا بِعِيدِ الْخِيَامِ 7 أَيَّامٍ، بَعْدَ جَمْعِ غَلَّتِكُمْ مِنَ الْبَيْدَرِ وَخَمْرِكُمْ مِنَ الْمَعْصَرَةِ. اِفْرَحُوا فِي عِيدِكُمْ، أَنْتُمْ وَأَوْلَادُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَعَبِيدُكُمْ وَجَوَارِيكُمْ، وَاللَّاوِيُّونَ وَالْغُرَبَاءُ وَالْأَيْتَامُ وَالْأَرَامِلُ الَّذِينَ فِي مُدُنِكُمْ. فَتَحْتَفِلُونَ بِالْعِيدِ لِلْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، 7 أَيَّامٍ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ اللهُ. لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ يُبَارِكُ لَكُمْ فِي كُلِّ مَحَاصِيلِكُمْ، وَكُلِّ مَا تَعْمَلُونَ، فَلَا تَكُونُونَ إِلَّا فَرِحِينَ. 3 مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ، يَحْضُرُ كُلُّ ذُكُورِكُمْ أَمَامَ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ: فِي عِيدِ الْفَطِيرِ، وَفِي عِيدِ الْأَسَابِيعِ، وَفِي عِيدِ الْخِيَامِ. لَا يَحْضُرُوا أَمَامَ اللهِ وَأَيْدِيهِمْ فَارِغَةٌ. بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يُقَدِّمُ هَدِيَّةً تَتَنَاسَبُ مَعَ بَرَكَةِ اللهِ عَلَيْهِ. أَقِيمُوا لَكُمْ قُضَاةً وَقَادَةً، فِي كُلِّ مُدُنِكُمُ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ، وَحَسَبَ قَبَائِلِكُمْ، فَيَقْضُونَ لِلشَّعْبِ بِالْعَدْلِ. لَا تَجُورُوا فِي الْحُكْمِ، وَلَا تَتَحَيَّزُوا لِأَحَدٍ، وَلَا تَقْبَلُوا رَشْوَةً، لِأَنَّ الرَّشْوَةَ تُعْمِي عُيُونَ الْحُكَمَاءِ، وَتُعَوِّجُ كَلَامَ الصَّالِحِينَ. اِتْبَعُوا الْعَدْلَ وَالْعَدْلَ وَحْدَهُ، لِكَيْ تَحْيَوْا وَتَمْلِكُوا الْأَرْضَ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. لَا تَنْصُبُوا لَكُمْ عَمُودًا لِتَعْبُدُوهُ عِنْدَ الْمَنَصَّةِ الَّتِي تَبْنُونَهَا لِلْمَوْلَى إِلَهِكُمْ. وَلَا تُقِيمُوا تِمْثَالًا، لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ يَكْرَهُ كُلَّ هَذَا. لَا تَذْبَحُوا لِإِلَهِكُمْ ثَوْرًا أَوْ حَمَلًا فِيهِ عَيْبٌ أَوْ شَيْءٌ رَدِيءٌ، لِأَنَّ اللهَ يَكْرَهُ هَذَا. إِنْ وَجَدْتُمْ بَيْنَكُمْ فِي إِحْدَى الْمُدُنِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ، أَنَّ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً، يَعْمَلُ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ، فَيَنْقُضُ عَهْدَهُ، وَيَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى وَيَسْجُدُ لَهَا، أَوْ لِلشَّمْسِ أَوْ لِلْقَمَرِ أَوْ لِنُجُومِ السَّمَاءِ، الْأَمْرَ الَّذِي حَرَّمْتُهُ عَلَيْكُمْ، وَوَصَلَكُمُ الْخَبَرُ، وَتَحَقَّقْتُمْ مِنْهُ جَيِّدًا، وَثَبَتَ فِعْلًا أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ الْكَرِيهَ وَقَعَ فِي إِسْرَائِيلَ، فَأَخْرِجُوا الَّذِي فَعَلَ هَذَا الشَّرَّ، رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً، إِلَى بَابِ الْمَدِينَةِ، وَارْجُمُوهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ. تَقْتُلُونَهُ بِنَاءً عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَوْ 3، لَا تَقْتُلُوا أَحَدًا بِنَاءً عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ. يَكُونُ الشُّهُودُ هُمْ أَوَّلَ مَنْ يَبْدَأُ قَتْلَهُ، وَبَعْدَهُمْ بَقِيَّةُ الشَّعْبِ بِذَلِكَ تُزِيلُونَ الشَّرَّ مِنْ بَيْنِكُمْ. إِذَا تَعَذَّرَ عَلَيْكُمُ الْحُكْمُ فِي قَضِيَّةِ جَرِيمَةِ قَتْلٍ أَوْ دَعْوَى حَقٍّ أَوِ اعْتِدَاءٍ بِالضَّرْبِ، مِمَّا يَجْرِي مِنْ أُمُورِ الْخُصُومَاتِ فِي مُدُنِكُمْ، فَقُومُوا وَاذْهَبُوا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. وَاسْأَلُوا هُنَاكَ الْأَحْبَارَ اللَّاوِيِّينَ وَالْقَاضِيَ الْمَوْجُودَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَيُخْبِرُوكُمْ بِقَرَارِهِمْ فِي الْمَوْضُوعِ. وَيَجِبُ أَنْ تُنَفِّذُوا قَرَارَهُمُ الَّذِي يُصْدِرُونَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ اللهُ. وَاعْمَلُوا حَسَبَ كُلِّ مَا يَقُولُونَهُ لَكُمْ. نَفِّذُوا الشَّرِيعَةَ الَّتِي يُعَلِّمُونَكُمْ إِيَّاهَا، وَالْقَرَارَاتِ الَّتِي يُعْطُونَهَا لَكُمْ. لَا تَنْحَرِفُوا عَنِ الْكَلَامِ الَّذِي يُخْبِرُونَكُمْ بِهِ، لَا يَمِينًا وَلَا شِمَالًا. أَمَّا مَنْ يَتَصَرَّفُ بِغُرُورٍ، وَلَا يَسْمَعُ لِلْحَبْرِ الْمَوْجُودِ هُنَاكَ فِي خِدْمَةِ اللهِ، أَوْ لِلْقَاضِي، فَيَجِبُ أَنْ يُقْتَلَ لِكَيْ تُزِيلُوا الشَّرَّ مِنْ إِسْرَائِيلَ. فَيَسْمَعُ كُلُّ الشَّعْبِ، وَيَخَافُونَ وَلَا يَتَصَرَّفُونَ بِغُرُورٍ. عِنْدَمَا تَدْخُلُونَ الْأَرْضَ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ، وَتَمْلِكُونَهَا وَتَسْكُنُونَ فِيهَا، ثُمَّ تَقُولُونَ: ”نُقِيمُ عَلَيْنَا مَلِكًا كَبَاقِي الْأُمَمِ الَّتِي حَوْلَنَا.“ فَيَجِبُ أَنْ تُقِيمُوا عَلَيْكُمُ الْمَلِكَ الَّذِي يَخْتَارُهُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. فَيَكُونَ مِنْ بَيْنِ شَعْبِكُمْ. أَمَّا الْأَجْنَبِيُّ الَّذِي هُوَ لَيْسَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلَا يَحِلُّ أَنْ تَجْعَلُوهُ مَلِكًا عَلَيْكُمْ. ثُمَّ إِنَّه يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ خَيْلٌ كَثِيرَةٌ، وَلَا يُرْسِلَ النَّاسَ إِلَى مِصْرَ لِيَحْصُلَ عَلَى خَيْلٍ كَثِيرَةٍ، لِأَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ أَنْ لَا تَرْجِعُوا إِلَى هُنَاكَ. وَلَا يَأْخُذَ نِسَاءً كَثِيرَاتٍ، لِئَلَّا يَزِيغَ قَلْبُهُ. وَلَا يَجْمَعَ لِنَفْسِهِ الْكَثِيرَ مِنَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ. وَمَتَى جَلَسَ عَلَى عَرْشِ مَمْلَكَتِهِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكْتُبَ لِنَفْسِهِ نُسْخَةً مِنْ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ فِي كِتَابٍ، يَنْقُلُهَا مِنْ عِنْدِ الْأَحْبَارِ اللَّاوِيِّينَ. فَتَكُونُ عِنْدَهُ، لِيَقْرَأَ فِيهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ، لِكَيْ يَتَعَلَّمَ أَنْ يَتَّقِيَ الْمَوْلَى إِلَهَهُ، وَيُطِيعَ كُلَّ كَلَامِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ وَهَذِهِ الْفَرَائِضِ وَيَعْمَلَ بِهَا. وَلَا يَتَكَبَّرَ عَلَى إِخْوَتِهِ، وَلَا يَنْحَرِفَ عَنِ الشَّرِيعَةِ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا، حَتَّى يَمْلِكَ طَوِيلًا هُوَ وَأَوْلَادُهُ فِي وَسَطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. لَا يَحْصُلُ الْأَحْبَارُ اللَّاوِيُّونَ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةِ لَاوِي، عَلَى قِسْمٍ أَوْ نَصِيبٍ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. بَلْ يَأْكُلُونَ مِنَ الْقَرَابِينِ الَّتِي تُقَدَّمُ للهِ، فَهَذِهِ هِيَ نَصِيبُهُمْ. فَلَا يَحْصُلُونَ عَلَى نَصِيبٍ بَيْنَ بَاقِي إِخْوَتِهِمْ. اللهُ هُوَ نَصِيبُهُمْ كَمَا وَعَدَهُمْ. وَهَذَا هُوَ حَقُّ الْأَحْبَارِ مِنَ الشَّعْبِ. كُلُّ مَنْ يُقَدِّمُ ضَحِيَّةً سَوَاءً مِنَ الْبَقَرِ أَوْ مِنَ الْغَنَمِ، يُعْطِي الْأَحْبَارَ الْكَتِفَ وَالْفَكَّيْنِ وَالْأَمْعَاءَ. كَمَا تُعْطُونَهُمْ أَوَّلَ قَمْحِكُمْ وَخَمْرِكُمْ وَزَيْتِكُمْ، وَأَوَّلَ جِزَازِ غَنَمِكُمْ. لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمُ اخْتَارَهُمْ، مِنْ كُلِّ قَبَائِلِكُمْ، لِكَيْ يَقِفُوا وَيَخْدِمُوا بِاسْمِ اللهِ، هُمْ وَأَوْلَادُهُمْ دَائِمًا. إِنِ انْتَقَلَ لَاوِيٌّ، مِنْ أَيِّ مَدِينَةٍ مِنْ مُدُنِكُمْ فِي كُلِّ إِسْرَائِيلَ، حَيْثُ هُوَ مُقِيمٌ، وَذَهَبَ بِقَلْبٍ صَادِقٍ، إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ اللهُ، وَخَدَمَ بِاسْمِ الْمَوْلَى إِلَهِهِ، مِثْلَ بَاقِي إِخْوَتِهِ اللَّاوِيِّينَ الْمَوْجُودِينَ هُنَاكَ أَمَامَ اللهِ، فَإِنَّهُ يَحْصُلُ عَلَى نَصِيبٍ يُسَاوِي نَصِيبَهُمْ، حَتَّى إِنْ كَانَ لَهُ دَخْلٌ آخَرُ مِنْ أَمْلَاكِ عَائِلَتِهِ. مَتَى دَخَلْتُمُ الْأَرْضَ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ فَلَا تَتَعَلَّمُوا أَنْ تَفْعَلُوا الْأَشْيَاءَ الْقَبِيحَةَ الَّتِي تَفْعَلُهَا تِلْكَ الْأُمَمُ. لَا يَكُنْ بَيْنَكُمْ مَنْ يَحْرِقُ ابْنَهُ أَوْ بِنْتَهُ فِي النَّارِ قُرْبَانًا، وَلَا مَنْ يُمَارِسُ الْعِلْمَ بِالْغَيْبِ، وَلَا السِّحْرَ وَلَا الْفَأْلَ وَلَا الشَّعْوَذَةَ وَلَا التَّعَاوِيذَ، وَلَا مَنْ يَسْأَلُ الْجِنَّ، أَوْ يُحَضِّرُ الْأَرْوَاحَ أَوْ يَسْتَشِيرُ الْمَوْتَى. كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ هَذَا يَعْتَبِرُهُ اللهُ نَجِسًا، وَبِسَبَبِ هَذِهِ الْمُمَارَسَاتِ الْقَبِيحَةِ، يَطْرُدُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ هَذِهِ الْأُمَمَ مِنْ أَمَامِكُمْ. فَكُونُوا كَامِلِينَ أَمَامَ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ. هَذِهِ الْأُمَمُ الَّتِي تَرِثُونَهَا، تَسْمَعُ لِمَنْ يُمَارِسُونَ السِّحْرَ وَالْعِلْمَ بِالْغَيْبِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَإِنَّ اللهَ لَا يَسْمَحُ لَكُمْ بِهَذَا. سَيُقِيمُ لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ مِنْ بَيْنِ شَعْبِكُمْ نَبِيًّا مِثْلِي، فَاسْمَعُوا لَهُ. لِأَنَّكُمْ طَلَبْتُمْ مِنَ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ فِي يَوْمِ الِاجْتِمَاعِ فِي حُورِيبَ أَنْ لَا تَسْمَعُوا صَوْتَهُ، وَلَا تَرَوْا النَّارَ الْعَظِيمَةَ أَيْضًا، لِئَلَّا تَمُوتُوا. فَاسْتَجَابَ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ لَكُمْ، وَقَالَ لِي: ”أَحْسَنُوا فِي مَا قَالُوا. سَأُقِيمُ لَهُمْ مِنْ بَيْنِ شَعْبِهِمْ نَبِيًّا مِثْلَكَ، أَضَعُ كَلَامِي فِي فَمِهِ، فَيُبَلِّغُهُمْ كُلَّ مَا أَقُولُهُ لَهُ. وَمَنْ لَا يَسْمَعُ لِكَلَامِيَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ بِاسْمِي، أَنَا أُحَاسِبُهُ. وَأَمَّا الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ نَبِيٌّ وَيَقُولُ كَلَامًا بِاسْمِي، وَأَنَا لَمْ آمُرْهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ، أَوِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِاسْمِ آلِهَةٍ أُخْرَى، فَيَجِبُ أَنْ يُقْتَلَ.“ وَرُبَّمَا تَقُولُونَ فِي قَلْبِكُمْ: ”كَيْفَ نَعْرِفُ إِنْ كَانَتِ الرِّسَالَةُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهَا اللهُ؟“ وَالْجَوَابُ هُوَ: إِنْ كَانَ الْكَلَامُ الَّذِي يَقُولُهُ النَّبِيُّ بِاسْمِ اللهِ، لَا يَتَحَقَّقُ وَلَا يَنْفُذُ، فَهِيَ رِسَالَةٌ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهَا اللهُ. هَذَا الْإِنْسَانُ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ، فَلَا تَخَافُوا مِنْهُ. سَيُفْنِي الْمَوْلَى إِلَهُكُمُ الْأُمَمَ الَّتِي سَيُعْطِيكُمْ أَرْضَهُمْ، فَتَطْرُدُونَهُمْ وَتَسْكُنُونَ فِي مُدُنِهِمْ وَدِيَارِهِمْ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ افْرِزُوا لَكُمْ 3 مُدُنٍ فِي وَسَطِ الْأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمُ اللهُ لِتَمْلِكُوهَا. وَمَهِّدُوا الطَّرِيقَ إِلَيْهَا، وَاقْسِمُوا الْأَرْضَ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمْ إِلَهُكُمْ نَصِيبًا، إِلَى 3 مَنَاطِقَ، فِي كُلِّ مِنْطَقَةٍ مَدِينَةٌ مِنْ هَذِهِ الْمُدُنِ يَهْرُبُ إِلَيْهَا كُلُّ قَاتِلٍ. وَهَذَا هُوَ الْقَانُونُ بِشَأْنِ الْقَاتِلِ الَّذِي يَهْرُبُ إِلَيْهَا فَيَنْجُو بِحَيَاتِهِ: مَنْ قَتَلَ آخَرَ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَلَمْ يَكُنْ يَكْرَهُهُ مِنْ قَبْلُ. فَمَثَلًا وَاحِدٌ ذَهَبَ إِلَى الْغَابَةِ مَعَ صَاحِبِهِ لِيَقْطَعَ شَجَرَةً، وَبَيْنَمَا هُوَ يَضْرِبُ بِالْفَأْسِ انْفَلَتَ الْحَدِيدُ مِنَ الْخَشَبِ، وَأَصَابَ صَاحِبَهُ وَقَتَلَهُ. فَهَذَا الرَّجُلُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَهْرُبَ إِلَى إِحْدَى هَذِهِ الْمُدُنِ، فَيَنْجُو بِحَيَاتِهِ. فَإِنْ كَانَ لَكُمْ أَقَلُّ مِنْ 3 مُدُنٍ، فَرُبَّمَا يَسْعَى طَالِبُ الثَّأْرِ بِغَضَبٍ شَدِيدٍ وَرَاءَ الْقَاتِلِ، وَلِأَنَّ الطَّرِيقَ طَوِيلٌ، يَلْحَقُ بِهِ وَيَقْتُلُهُ. مَعَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَكْرَهُ الْقَتِيلَ مِنْ قَبْلُ. لِهَذَا السَّبَبِ آمُرُكُمْ أَنْ تَفْرِزُوا لَكُمْ 3 مُدُنٍ. مَتَى وَسَّعَ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ حُدُودَ بِلَادِكُمْ كَمَا وَعَدَ آبَاءَكُمْ بِقَسَمٍ، وَأَعْطَاكُمْ كُلَّ الْأَرْضِ الَّتِي وَعَدَهُمْ بِهَا، وَذَلِكَ إِنْ أَطَعْتُمْ كُلَّ هَذِهِ الْوَصَايَا الَّتِي أَنَا آمُرُكُمْ بِهَا الْيَوْمَ، وَعَمِلْتُمْ بِهَا، وَأَحْبَبْتُمُ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ، وَسِرْتُمْ فِي طُرُقِهِ دَائِمًا، فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَزِيدُونَ لَكُمْ 3 مُدُنٍ أُخْرَى عَلَى هَذِهِ الـ3. حَتَّى لَا يُسْفَكَ دَمٌ بَرِيءٌ فِي وَسَطِ أَرْضِكُمُ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ نَصِيبًا، فَتَكُونُونَ مَسْئُولِينَ عَنْ جَرِيمَةِ قَتْلٍ. وَلَكِنْ إِنْ كَانَ وَاحِدٌ يَكْرَهُ آخَرَ، فَكَمَنَ لَهُ وَقَامَ عَلَيْهِ وَضَرَبَهُ ضَرْبَةً قَاتِلَةً فَمَاتَ، ثُمَّ هَرَبَ إِلَى إِحْدَى هَذِهِ الْمُدُنِ. فَعَلَى شُيُوخِ مَدِينَتِهِ أَنْ يُرْسِلُوا مَنْ يَقْبِضُ عَلَيْهِ وَيُحْضِرُهُ مِنْ هُنَاكَ، ثُمَّ يُسَلِّمُونَهُ إِلَى طَالِبِ الثَّأْرِ لِيَقْتُلَهُ. لَا تَشْفِقُوا عَلَيْهِ، بَلْ أَزِيلُوا جَرِيمَةَ سَفْكِ الدَّمِ الْبَرِيءِ مِنْ إِسْرَائِيلَ لِكَيْ تَنْجَحُوا. حِينَ تَأْتِي إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكَ الْمَوْلَى إِلَهُكَ لِتَمْلِكَهَا، فَلَا تَنْقُلْ حُدُودَ أَرْضِ جَارِكَ الَّتِي وَضَعَهَا الْأَوَّلُونَ، لِتُضِيفَ إِلَى نَصِيبِكَ أَنْتَ. شَاهِدٌ وَاحِدٌ لَا يَكْفِي لِإِدَانَةِ مُتَّهَمٍ بِارْتِكَابِ جَرِيمَةٍ أَوْ خَطَأٍ، بَلْ يَكُونُ الْحُكْمُ فِي الْقَضِيَّةِ بِنَاءً عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَوْ 3. إِنْ قَامَ وَاحِدٌ وَشَهِدَ عَلَى آخَرَ شَهَادَةَ زُورٍ، وَاتَّهَمَهُ بِجَرِيمَةٍ، يَأْتِي الرَّجُلَانِ الْمُتَخَاصِمَانِ فِي مَحْضَرِ اللهِ، أَمَامَ الْأَحْبَارِ وَالْقُضَاةِ الْمُعَيَّنِينَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَيُحَقِّقُ الْقُضَاةُ فِي الْأَمْرِ جَيِّدًا، فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ الشَّاهِدَ شَهِدَ زُورًا ضِدَّ الْآخَرِ وَكَذَبَ، فَافْعَلُوا بِهِ مَا نَوَى أَنْ يَفْعَلَهُ بِالْآخَرِ. لِكَيْ تُزِيلُوا الشَّرَّ مِنْ بَيْنِكُمْ، وَيَسْمَعَ الْبَاقُونَ وَيَخَافُوا، وَلَا يَعُودَ أَحَدٌ يَعْمَلُ مِثْلَ هَذَا الْأَمْرِ الْقَبِيحِ بَيْنَكُمْ. لَا تَشْفِقُوا عَلَيْهِ. نَفْسٌ بِنَفْسٍ، وَعَيْنٌ بِعَيْنٍ، وَسِنٌّ بِسِنٍّ، وَيَدٌ بِيَدٍ، وَرِجْلٌ بِرِجْلٍ. إِذَا خَرَجْتُمْ لِتُحَارِبُوا أَعْدَاءَكُمْ، وَرَأَيْتُمْ خَيْلًا وَمَرْكَبَاتٍ وَجَيْشًا أَكْثَرَ مِنْكُمْ، فَلَا تَخَافُوا مِنْهُمْ، لِأَنَّ مَعَكُمُ اللهَ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ مِصْرَ. وَعِنْدَمَا تَكُونُونَ عَلَى وَشْكِ بَدْءِ الْمَعْرَكَةِ، يَتَقَدَّمُ الْحَبْرُ وَيُخَاطِبُ الْجَيْشَ وَيَقُولُ: ”اِسْمَعُوا يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَنْتُمُ الْيَوْمَ ذَاهِبُونَ لِمُحَارَبَةِ أَعْدَائِكُمْ. لَا تَضْعُفْ قُلُوبُكُمْ، وَلَا تَخَافُوا وَلَا تَرْتَعِبُوا وَلَا تَفْزَعُوا مِنْهُمْ. لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ سَائِرٌ مَعَكُمْ، لِيُحَارِبَ أَعْدَاءَكُمْ عَنْكُمْ، وَيُعْطِيَكُمُ النَّصْرَ.“ ثُمَّ يَقُولُ الْقَادَةُ لِلْجَيْشِ: ”مَنْ مِنْكُمْ بَنَى دَارًا جَدِيدَةً وَلَمْ يُدَشِّنْهَا؟ فَلْيَرْجِعْ إِلَى دَارِهِ، لِئَلَّا يَمُوتَ فِي الْحَرْبِ، فَيُدَشِّنَهَا وَاحِدٌ آخَرُ. وَمَنْ مِنْكُمْ غَرَسَ كَرْمًا وَلَمْ يَقْطِفْ أَوَّلَ مَحْصُولٍ مِنْهُ؟ فَلْيَرْجِعْ إِلَى دَارِهِ، لِئَلَّا يَمُوتَ فِي الْحَرْبِ، فَيَقْطِفَ أَوَّلَ مَحْصُولٍ مِنْهُ وَاحِدٌ آخَرُ. وَمَنْ مِنْكُمْ خَطَبَ امْرَأَةً وَلَمْ يَتَزَوَّجْهَا؟ فَلْيَرْجِعْ إِلَى دَارِهِ، لِئَلَّا يَمُوتَ فِي الْحَرْبِ، فَيَتَزَوَّجَهَا وَاحِدٌ آخَرُ.“ ثُمَّ يَقُولُ الْقَادَةُ أَيْضًا: ”مَنْ مِنْكُمْ خَائِفٌ وَقَلْبُهُ ضَعِيفٌ؟ فَلْيَرْجِعْ إِلَى دَارِهِ لِئَلَّا تَذُوبَ قُلُوبُ إِخْوَتِهِ مِثْلَهُ.“ وَمَتَى انْتَهَى الْقَادَةُ مِنْ مُخَاطَبَةِ الْجَيْشِ، يُعَيِّنُونَ لَهُمْ ضُبَّاطًا. إِذَا تَقَدَّمْتُمْ لِمُحَارَبَةِ مَدِينَةٍ، فَادْعُوهَا لِلصُّلْحِ أَوَّلًا. فَإِذَا قَبِلُوا وَاسْتَسْلَمُوا لَكُمْ، يَكُونُ كُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي فِيهَا عَبِيدًا لَكُمْ وَيَخْدِمُونَكُمْ. أَمَّا إِنْ رَفَضُوا الصُّلْحَ، وَأَصَرُّوا عَلَى الْحَرْبِ، فَحَاصِرُوهَا. وَعِنْدَمَا يَنْصُرُكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ عَلَيْهِمْ، اُقْتُلُوا كُلَّ رَجُلٍ فِيهَا بِالسَّيْفِ. أَمَّا النِّسَاءُ وَالْأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ وَكُلُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ مِنْ غَنِيمَةٍ، فَخُذُوهَا لِأَنْفُسِكُمْ، وَتَمَتَّعُوا بِغَنِيمَةِ أَعْدَائِكُمُ الَّتِي أَعْطَاهَا لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. تَفْعَلُونَ هَذَا بِكُلِّ الْمُدُنِ الْبَعِيدَةِ عَنْكُمْ جِدًّا، وَلَيْسَتْ مِنْ مُدُنِ الْأُمَمِ الَّتِي هُنَا. أَمَّا مُدُنُ الْأُمَمِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ نَصِيبًا، فَلَا تُبْقُوا فِيهَا أَحَدًا حَيًّا. بَلْ أَفْنُوهُمْ تَمَامًا، وَهُمُ الْحِثِّيُّونَ وَالْأَمُورِيُّونَ وَالْكَنْعَانِيُّونَ وَالْفِرِزِّيُّونَ وَالْحِوِّيُّونَ وَالْيَبُوسِيُّونَ، كَمَا أَمَرَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. لِئَلَّا يُعَلِّمُوكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا الْأُمُورَ الْقَبِيحَةَ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا فِي عِبَادَةِ آلِهَتِهِمْ، فَتُخْطِئُوا فِي حَقِّ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ. إِذَا حَارَبْتُمْ مَدِينَةً، وَحَاصَرْتُمُوهَا وَقْتًا طَوِيلًا مُحَاوِلِينَ أَنْ تَهْزِمُوهَا، فَلَا تَقْطَعُوا شَجَرَهَا بِالْفَأْسِ، وَلَا تُتْلِفُوهُ، لِأَنَّكُمْ تَأْكُلُونَ مِنْ ثِمَارِهِ. وَهَلْ شَجَرُ الْحَقْلِ بَشَرٌ حَتَّى تُزِيلُوهُ مِنْ أَمَامِكُمْ فِي الْحِصَارِ؟ أَمَّا الشَّجَرُ الَّذِي تَعْرِفُونَ أَنَّ ثَمَرَهُ لَا يُؤْكَلُ، فَيُمْكِنُكُمْ أَنْ تُتْلِفُوهُ. اِقْطَعُوهُ وَابْنُوا آلَاتِ الْحِصَارِ عَلَى الْمَدِينَةِ الَّتِي تُحَارِبُكُمْ حَتَّى تَسْقُطَ. إِذَا وَجَدْتُمْ قَتِيلًا فِي الْأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ لِتَمْلِكُوهَا، مَطْرُوحًا فِي الْخَلَاءِ، وَلَا يَعْرِفُ أَحَدٌ مَنْ قَتَلَهُ، يَخْرُجُ شُيُوخُكُمْ وَقُضَاتُكُمْ، وَيَقِيسُونَ مِنْ مَكَانِ الْقَتِيلِ إِلَى الْمُدُنِ الَّتِي حَوْلَهُ. فَأَقْرَبُ مَدِينَةٍ إِلَيْهِ، يَأْخُذُ شُيُوخُهَا عِجْلَةً لَمْ يُحْرَثْ عَلَيْهَا وَلَمْ تُجَرَّ بِنِيرٍ، وَيَنْزِلُونَ بِهَا إِلَى وَادٍ لَمْ يُحْرَثْ فِيهِ وَلَمْ يُزْرَعْ، وَفِيهِ مَاءٌ يَجْرِي دَائِمًا، وَيَكْسِرُونَ رَقَبَةَ الْعِجْلَةِ فِي الْوَادِي. وَيَتَقَدَّمُ الْأَحْبَارُ، لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمُ اخْتَارَهُمْ لِيَخْدِمُوهُ وَيُبَارِكُوا بِاسْمِهِ وَيَفْصِلُوا فِي كُلِّ خُصُومَةٍ وَاعْتِدَاءٍ. وَيَغْسِلُ كُلُّ شُيُوخِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ الْقَرِيبَةِ مِنَ الْقَتِيلِ أَيْدِيَهُمْ، عَلَى الْعِجْلَةِ الَّتِي كَسَرُوا رَقَبَتَهَا فِي الْوَادِي. وَيَقُولُونَ: ”لَا أَيْدِينَا سَفَكَتْ هَذَا الدَّمَ، وَلَا عُيُونُنَا رَأَتِ الَّذِي فَعَلَ هَذَا. اِغْفِرْ يَا رَبُّ لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ الَّذِي فَدَيْتَهُ، وَلَا تَحْسِبْ جَرِيمَةَ سَفْكِ هَذَا الدَّمِ الْبَرِيءِ ضِدَّ شَعْبِكَ.“ فَيَغْفِرُ اللهُ لَهُمْ هَذِهِ الْجَرِيمَةَ. بِذَلِكَ تُزِيلُونَ جَرِيمَةَ سَفْكِ الدَّمِ الْبَرِيءِ مِنْ بَيْنِكُمْ، لِأَنَّكُمْ عَمِلْتُمْ مَا هُوَ صَالِحٌ فِي نَظَرِ اللهِ. إِذَا خَرَجْتُمْ لِتُحَارِبُوا أَعْدَاءَكُمْ، وَنَصَرَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ عَلَيْهِمْ، وَأَخَذْتُمْ مِنْهُمْ أَسْرَى، وَرَأَى أَحَدُكُمْ بَيْنَ الْأَسْرَى امْرَأَةً جَمِيلَةً، فَأَحَبَّهَا وَتَزَوَّجَهَا. فَحِينَ يَأْتِي بِهَا إِلَى دَارِهِ، فَإِنَّهُ يَحْلِقُ رَأْسَهَا، وَيُقَلِّمُ أَظَافِرَهَا. وَيَرْمِي الثِّيَابَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا لَمَّا أُسِرَتْ، وَتُقِيمُ فِي دَارِهِ تَبْكِي أَبَاهَا وَأُمَّهَا شَهْرًا كَامِلًا. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُعَاشِرُهَا، وَيُصْبِحُ زَوْجَهَا وَهِيَ زَوْجَتَهُ. فَإِنْ لَمْ تُعْجِبْهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَتْرُكُهَا تَذْهَبُ حَيْثُ تَشَاءُ، وَلَا يَبِيعُهَا بِمَالٍ، وَلَا يَسْتَعْبِدُهَا، لِأَنَّهُ أَذَلَّهَا. إِنْ كَانَ لِرَجُلٍ زَوْجَتَانِ، وَاحِدَةٌ مَحْبُوبَةٌ وَالْأُخْرَى مَكْرُوهَةٌ، فَوَلَدَتْ لَهُ الِاثْنَتَانِ بَنِينَ، وَكَانَ الِابْنُ الْبِكْرُ لِلزَّوْجَةِ الْمَكْرُوهَةِ، فَحِينَ يُوَزِّعُ مِيرَاثَهُ عَلَى أَبْنَائِهِ، لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ابْنَ الْمَحْبُوبَةِ بِكْرًا وَيُفَضِّلَهُ عَلَى الْبِكْرِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ ابْنُ الْمَكْرُوهَةِ. بَلْ يُقِرَّ بِأَنَّ ابْنَ الْمَكْرُوهَةِ هُوَ الْبِكْرُ، وَيُعْطِيهِ نَصِيبَ اثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ مَا يَمْلِكُهُ. لِأَنَّهُ هُوَ أَوَّلُ ثِمَارِ عُنْفُوَانِ أَبِيهِ، وَلَهُ حَقُّ الْبَكُورِيَّةِ. إِنْ كَانَ لِرَجُلٍ ابْنٌ عَنِيدٌ مُتَمَرِّدٌ، لَا يَسْمَعُ لِكَلَامِ أَبِيهِ وَلَا لِكَلَامِ أُمِّهِ، وَهُمَا يُؤَدِّبَانِهِ فَلَا يَسْمَعُ لَهُمَا. يُمْسِكُهُ أَبُوهُ وَأُمُّهُ، وَيَأْخُذَانِهِ إِلَى شُيُوخِ مَدِينَتِهِ فِي اجْتِمَاعِهِمْ عِنْدَ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ. وَيَقُولَانِ لِلشُّيُوخِ: ”اِبْنُنَا هَذَا عَنِيدٌ وَمُتَمَرِّدٌ لَا يَسْمَعُ لِكَلَامِنَا، وَهُوَ مُسْرِفٌ وَسِكِّيرٌ.“ فَيَرْجُمُهُ كُلُّ رِجَالِ مَدِينَتِهِ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ. لِكَيْ تُزِيلُوا الشَّرَّ مِنْ بَيْنِكُمْ، وَيَسْمَعَ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيَخَافُوا. إِنِ ارْتَكَبَ وَاحِدٌ جَرِيمَةً عِقَابُهَا الْإِعْدَامُ، فَأُعْدِمَ وَعُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ، فَلَا تَتْرُكُوا جُثَّتَهُ عَلَى الْخَشَبَةِ إِلَى الْيَوْمِ التَّالِي، بَلِ ادْفِنُوهُ فِي نَفْسِ الْيَوْمِ، لِأَنَّ مَنْ يُعَلَّقُ عَلَى خَشَبَةٍ هُوَ مَلْعُونٌ مِنَ اللهِ. فَلَا تُنَجِّسُوا الْأَرْضَ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ نَصِيبًا. إِنْ رَأَيْتَ ثَوْرَ أَخِيكَ أَوْ خَرُوفَهُ ضَالًّا، فَلَا تُهْمِلْهُ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تُرْجِعَهُ إِلَى صَاحِبِهِ. فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ بَعِيدًا، أَوْ إِنْ لَمْ تَعْرِفْ لَهُ صَاحِبًا، فَاحْتَفِظْ بِهِ فِي دَارِكَ، حَتَّى يَطْلُبَهُ صَاحِبُهُ فَتُرْجِعَهُ إِلَيْهِ. وَاعْمَلْ نَفْسَ الشَّيْءِ، إِنْ وَجَدْتَ حِمَارَ أَخِيكَ أَوْ ثَوْبَهُ، أَوْ أَيَّ شَيْءٍ آخَرَ يَفْقِدُهُ. لَا تُهْمِلْهُ. إِنْ رَأَيْتَ حِمَارَ أَخِيكَ أَوْ ثَوْرَهُ وَاقِعًا فِي الطَّرِيقِ، فَلَا تَتَجَاهَلْهُ، بَلْ سَاعِدْهُ وَأَنْهِضْهُ مَعَهُ. مَمْنُوعٌ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَلْبَسَ ثِيَابَ الرِّجَالِ، وَمَمْنُوعٌ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَلْبَسَ ثِيَابَ النِّسَاءِ. لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكَ يَكْرَهُ كُلَّ مَنْ يَفْعَلُ هَذَا. إِنْ صَادَفْتَ عُشَّ طَائِرٍ بِجِوَارِ الطَّرِيقِ، سَوَاءً فِي شَجَرَةٍ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ، وَفِيهِ أُمٌّ تَحْضِنُ صِغَارًا أَوْ تَرْقُدُ عَلَى بَيْضٍ، فَلَا تَأْخُذِ الْأُمَّ مَعَ الصِّغَارِ. خُذِ الصِّغَارَ وَأَطْلِقِ الْأُمَّ لِكَيْ تَنْجَحَ وَيَطُولَ عُمْرُكَ. مَتَى بَنَيْتَ بَيْتًا جَدِيدًا، فَاعْمَلْ سُورًا لِسَطْحِكَ، لِئَلَّا يَسْقُطَ مِنْهُ أَحَدٌ، فَيَكُونَ بَيْتُكَ سَبَبًا فِي سَفْكِ الدَّمِ. لَا تَزْرَعْ أَيَّ شَيْءٍ آخَرَ فِي كَرْمِكَ. إِنْ فَعَلْتَ، يُحَرَّمُ عَلَيْكَ الْمَحْصُولُ كُلُّهُ، مِنَ الزَّرْعِ الَّذِي تَزْرَعُهُ، وَمِنْ ثِمَارِ الْكَرْمِ. لَا تَحْرُثْ عَلَى ثَوْرٍ وَحِمَارٍ مَعًا. لَا تَلْبَسْ ثَوْبًا مَصْنُوعًا مِنْ صُوفٍ وَكَتَّانٍ مَعًا. اِعْمَلْ لَكَ أَهْدَابًا فِي 4 زَوَايَا الْعَبَايَةِ الَّتِي تَتَغَطَّى بِهَا. لِنَفْرِضْ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ فَتَاةً وَبَعْدَمَا عَاشَرَهَا، أَبْغَضَهَا وَأَشَاعَ عَنْهَا أَشْيَاءَ رَدِيئَةً تُسِيءُ إِلَى سُمْعَتِهَا، وَقَالَ: ”تَزَوَّجْتُ هَذِهِ الْمَرْأَةَ، وَلَمَّا عَاشَرْتُهَا، اِكْتَشَفْتُ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَذْرَاءَ.“ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَأْخُذُهَا أَبُوهَا وَأُمُّهَا إِلَى شُيُوخِ الْمَدِينَةِ فِي اجْتِمَاعِهِمْ عِنْدَ بَابِ الْمَدِينَةِ، وَيُقَدِّمَانِ لَهُمُ الدَّلِيلَ أَنَّهَا كَانَتْ عَذْرَاءَ. وَيَقُولُ أَبُوهَا لِلشُّيُوخِ: ”أَعْطَيْتُ بِنْتِي لِهَذَا الرَّجُلِ زَوْجَةً فَأَبْغَضَهَا. وَهُوَ الْآنَ يُشِيعُ عَنْهَا أَشْيَاءَ رَدِيئَةً، وَيَقُولُ إِنَّ بِنْتِي لَمْ تَكُنْ عَذْرَاءَ، وَلَكِنْ هَذَا هُوَ الدَّلِيلُ أَنَّهَا كَانَتْ فِعْلًا عَذْرَاءَ.“ وَيَبْسُطُ أَبُوهَا وَأُمُّهَا ثَوْبَ نَوْمِهَا أَمَامَ شُيُوخِ الْمَدِينَةِ. فَيَأْخُذُ الشُّيُوخُ الرَّجُلَ وَيُؤَدِّبُونَهُ، وَيُغَرِّمُونَهُ بِـ100 عُمْلَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ يُعْطُونَهَا لِأَبِي الْفَتَاةِ، لِأَنَّهُ أَسَاءَ إِلَى سُمْعَةِ عَذْرَاءَ مِنْ إِسْرَائِيلَ. وَتَكُونُ هَذِهِ الْفَتَاةُ زَوْجَةً لَهُ مَدَى الْحَيَاةِ، لَا يَقْدِرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا. وَلَكِنْ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ صَحِيحًا، وَلَمْ تَكُنِ الْفَتَاةُ عَذْرَاءَ، يَأْخُذُونَهَا إِلَى بَابِ دَارِ أَبِيهَا، وَيَرْجُمُهَا رِجَالُ مَدِينَتِهَا بِالْحِجَارَةِ حَتَّى تَمُوتَ. لِأَنَّهَا ارْتَكَبَتْ أَمْرًا قَبِيحًا فِي إِسْرَائِيلَ، بِفُجُورِهَا فِي دَارِ أَبِيهَا. بِذَلِكَ تُزِيلُونَ الشَّرَّ مِنْ بَيْنِكُمْ. إِنْ ضَبَطْتُمْ رَجُلًا يُعَاشِرُ امْرَأَةً مُتَزَوِّجَةً، فَاقْتُلُوا الِاثْنَيْنِ، الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ، لِكَيْ تُزِيلُوا الشَّرَّ مِنْ بَيْنِكُمْ. إِنْ كَانَتْ فَتَاةٌ عَذْرَاءُ مَخْطُوبَةً لِرَجُلٍ، فَصَادَفَهَا رَجُلٌ فِي الْمَدِينَةِ وَعَاشَرَهَا، فَخُذُوا الِاثْنَيْنِ، إِلَى بَابِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ، وَارْجُمُوهُمَا حَتَّى يَمُوتَا. لِأَنَّ الْفَتَاةَ، مَعَ أَنَّهَا فِي مَدِينَةٍ، لَمْ تَصْرُخْ مُسْتَغِيثَةً. وَلِأَنَّ الرَّجُلَ اعْتَدَى عَلَى فَتَاةٍ مَخْطُوبَةٍ لِوَاحِدٍ آخَرَ. بِذَلِكَ تُزِيلُونَ الشَّرَّ مِنْ بَيْنِكُمْ. وَلَكِنْ إِنْ صَادَفَ الرَّجُلُ الْفَتَاةَ الْمَخْطُوبَةَ فِي الْحَقْلِ، وَأَمْسَكَهَا وَعَاشَرَهَا، فَالرَّجُلُ الَّذِي فَعَلَ هَذَا يُقْتَلُ وَحْدَهُ. لَا تَفْعَلُوا شَيْئًا بِالْفَتَاةِ. لِأَنَّهَا لَمْ تَرْتَكِبْ ذَنْبًا يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ. فَهَذَا مِثْلُ حَالَةِ رَجُلٍ هَاجَمَهُ آخَرُ وَقَتَلَهُ. لِأَنَّ هَذِهِ الْفَتَاةَ الْمَخْطُوبَةَ، كَانَتْ فِي الْحَقْلِ لَمَّا صَادَفَهَا الرَّجُلُ. وَرُبَّمَا صَرَخَتْ وَلَمْ يُنْقِذْهَا أَحَدٌ. إِذَا صَادَفَ رَجُلٌ فَتَاةً عَذْرَاءَ غَيْرَ مَخْطُوبَةٍ، فَأَمْسَكَهَا وَعَاشَرَهَا وَضَبَطَهُمَا أَحَدٌ، يُعْطِي الرَّجُلُ لِأَبِي الْفَتَاةِ 50 عُمْلَةً مِنَ الْفِضَّةِ، وَتَكُونُ هَذِهِ الْفَتَاةُ زَوْجَةً لَهُ مَدَى الْحَيَاةِ، لَا يَقْدِرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، لِأَنَّهُ اعْتَدَى عَلَيْهَا. لَا يَتَزَوَّجْ أَحَدٌ مِنِ امْرَأَةِ أَبِيهِ، لِأَنَّ هَذَا انْتِهَاكٌ لِحُرْمَةِ أَبِيهِ. لَا تَقْبَلُوا فِي جَمَاعَةِ اللهِ مَنْ هُوَ مَخْصِيٌّ بِالرَّضِّ أَوْ مَقْطُوعُ الْعُضْوِ التَّنَاسُلِيِّ. لَا يَدْخُلُ ابْنُ زِنًى، وَلَا أَحَدٌ مِنْ نَسْلِهِ، فِي جَمَاعَةِ اللهِ، وَلَوْ فِي الْجِيلِ الْعَاشِرِ. لَا يَدْخُلُ عَمُّونِيٌّ وَلَا مُوآبِيٌّ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ نَسْلِهِ، فِي جَمَاعَةِ اللهِ، وَلَوْ فِي الْجِيلِ الْعَاشِرِ وَإِلَى الْأَبَدِ. لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَقْبِلُوكُمْ بِالْخُبْزِ وَالْمَاءِ فِي الطَّرِيقِ، لَمَّا خَرَجْتُمْ مِنْ مِصْرَ، وَلِأَنَّهُمُ اسْتَأْجَرُوا عَلَيْكُمْ بَلْعَامَ بْنَ بَعُورَ الَّذِي مِنْ فَتُورَ فِي آرَامَ النَّهْرَيْنِ لِيَلْعَنَكُمْ. وَلَكِنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ رَفَضَ أَنْ يَسْمَعَ لِبَلْعَامَ، بَلْ حَوَّلَ اللَّعْنَةَ إِلَى بَرَكَةٍ لَكُمْ، لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ يُحِبُّكُمْ. لَا تَلْتَمِسُوا سَلَامَتَهُمْ وَلَا خَيْرَهُمْ طُولَ عُمْرِكُمْ وَإِلَى الْأَبَدِ. لَا تَكْرَهُوا الْأَدُومِيِّينَ، لِأَنَّهُمْ إِخْوَتُكُمْ. وَلَا تَكْرَهُوا الْمِصْرِيِّينَ، لِأَنَّكُمْ كُنْتُمْ ضُيُوفًا فِي بِلَادِهِمْ. الْأَوْلَادُ الَّذِينَ يُولَدُونَ لَهُمْ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ، يُقْبَلُونَ فِي جَمَاعَةِ اللهِ. إِذَا خَرَجْتُمْ لِمُحَارَبَةِ أَعْدَائِكُمْ، فَتَجَنَّبُوا كُلَّ نَجَاسَةٍ. إِنْ كَانَ وَاحِدٌ فِيكُمْ غَيْرَ طَاهِرٍ بِسَبَبِ اسْتِحْلَامٍ، فَلْيَخْرُجْ إِلَى خَارِجِ الْمُخَيَّمِ، وَلَا يَرْجِعْ إِلَيْهِ. وَعِنْدَ حُلُولِ الْمَسَاءِ يَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَعِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ يَرْجِعُ إِلَى الْمُخَيَّمِ. يَجِبُ أَنْ تُخَصِّصُوا مَكَانًا خَارِجَ الْمُخَيَّمِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ. وَيَكُونُ مَعَكُمْ وَتَدٌ بَيْنَ عِدَّتِكُمْ، لِتَحْفِرُوا بِهِ حُفْرَةً لِتَقْضُوا فِيهَا حَاجَتَكُمْ، ثُمَّ تُغَطُّونَ الْبِرَازَ بِالتُّرَابِ. لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ يَسِيرُ فِي وَسَطِ مُخَيَّمِكُمْ لِيَحْمِيَكُمْ وَيَنْصُرَكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُخَيَّمُكُمْ طَاهِرًا، لِئَلَّا يَرَى فِيهِ قَذَارَةً فَيَنْصَرِفَ عَنْكُمْ. إِنْ لَجَأَ إِلَيْكُمْ عَبْدٌ، فَلَا تُسَلِّمُوهُ إِلَى سَيِّدِهِ. بَلْ دَعُوهُ يُقِيمُ عِنْدَكُمْ، فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَسْتَحْسِنُهُ، وَفِي الْمَدِينَةِ الَّتِي يَخْتَارُهَا، وَلَا تَظْلِمُوهُ. لَا تَسْمَحُوا لِامْرَأَةٍ مِنْ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ بِأَنْ تَكُونَ عَاهِرَةً فِي الْمَعَابِدِ الْوَثَنِيَّةِ، وَلَا لِرَجُلٍ بِأَنْ يُمَارِسَ الشُّذُوذَ الْجِنْسِيَّ فِي تِلْكَ الْمَعَابِدِ. الْأُجْرَةُ الَّتِي تُحَصَّلُ مِنِ ارْتِكَابِ الزِّنَى لَا تَأْتُوا بِهَا إِلَى بَيْتِ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، كَوَفَاءٍ لِنَذْرٍ مَا، لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ يَكْرَهُ الزِّنَى. لَا تَأْخُذُوا مِنْ إِخْوَتِكُمْ فَائِدَةً عَنْ قَرْضٍ، سَوَاءً كَانَ مِنْ فِضَّةٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ أَيِّ شَيْءٍ آخَرَ مِمَّا يُقْرَضُ بِالْفَائِدَةِ. يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِنَ الْأَجَانِبِ فَائِدَةً عَنِ الْقَرْضِ، أَمَّا إِخْوَتُكُمْ فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُمْ فَائِدَةً، لِكَيْ يُبَارِكَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ، فِي كُلِّ مَجْهُودِكُمْ فِي الْأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمْ ذَاهِبُونَ لِتَمْلِكُوهَا. إِذَا نَذَرْتُمْ نَذْرًا لِإِلَهِكُمْ، فَلَا تُؤَخِّرُوا وَفَاءَهُ، لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ يُطَالِبُكُمْ بِهِ، وَيَحْسِبُ ذَلِكَ ذَنْبًا عَلَيْكُمْ. وَإِنْ لَمْ تَنْذِرُوا، لَا يَكُونُ ذَلِكَ ذَنْبًا عَلَيْكُمْ. نَفِّذُوا كُلَّ مَا نَطَقَ بِهِ فَمُكُمْ، لِأَنَّكُمْ تَطَوُّعًا نَذَرْتُمْ بِفَمِكُمْ لِإِلَهِكُمْ. إِذَا دَخَلْتُمْ كَرْمًا لِشَخْصٍ آخَرَ، فَكُلُوا مِنَ الْعِنَبِ بِقَدْرِ مَا تَشْتَهُونَ حَتَّى تَشْبَعُوا، لَكِنْ لَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا فِي وِعَائِكُمْ. وَإِذَا دَخَلْتُمْ حَقْلَ قَمْحٍ لِشَخْصٍ آخَرَ، فَاقْطِفُوا مِنْ سَنَابِلِهِ بِيَدِكُمْ، وَلَكِنْ لَا تَحْصُدُوا مِنْهُ بِالْمِنْجَلِ. لِنَفْرِضْ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَلَكِنَّهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تُعْجِبْهُ لِعَيْبٍ فِيهَا، فَكَتَبَ لَهَا شَهَادَةَ طَلَاقٍ وَصَرَفَهَا مِنْ دَارِهِ. ثُمَّ بَعْدَمَا خَرَجَتْ مِنْ دَارِهِ، تَزَوَّجَتْ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ، لَكِنَّ زَوْجَهَا الثَّانِيَ أَبْغَضَهَا وَكَتَبَ لَهَا شَهَادَةَ طَلَاقٍ، وَأَعْطَاهَا لَهَا وَصَرَفَهَا مِنْ دَارِهِ. أَوْ إِنْ مَاتَ هَذَا الزَّوْجُ الثَّانِي. فِي هَذِهِ الْحَالَةِ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ الَّذِي طَلَّقَهَا، لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَمَا تَنَجَّسَتْ. هَذَا قَبِيحٌ فِي نَظَرِ اللهِ. إِذَنْ لَا تَجْلِبُوا خَطِيئَةً عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ نَصِيبًا. عِنْدَمَا يَتَزَوَّجُ رَجُلٌ مِنِ امْرَأَةٍ، يُعْفَى مِنْ خِدْمَةِ الْجَيْشِ، وَلَا يَحْمِلُ أَيَّ مَسْئُولِيَّةٍ لِمُدَّةِ سَنَةٍ، يَتَفَرَّغُ فِيهَا لِبَيْتِهِ، وَيَفْرَحُ مَعَ امْرَأَتِهِ الَّتِي تَزَوَّجَهَا. لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ طَاحُونَةً كَرَهْنٍ لِقَرْضٍ، وَلَا حَتَّى حَجَرَهَا الْأَعْلَى، وَإِلَّا فَإِنَّهُ يَأْخُذُ وَسِيلَةَ الرِّزْقِ كَرَهْنٍ. إِنْ وُجِدَ وَاحِدٌ قَدْ خَطَفَ أَحَدَ إِخْوَتِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَاسْتَعْبَدَهُ أَوْ بَاعَهُ، فَاقْتُلُوا الْخَاطِفَ. بِذَلِكَ تُزِيلُونَ الشَّرَّ مِنْ بَيْنِكُمْ. فِي حَالَاتِ مَرَضِ الْبَرَصِ، أَطِيعُوا كُلَّ تَعْلِيمَاتِ الْأَحْبَارِ اللَّاوِيِّينَ وَاعْمَلُوا بِهَا. نَفِّذُوا مَا أَمَرْتُهُمْ بِهِ. اُذْكُرُوا مَا فَعَلَهُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ بِمَرْيَمَ فِي الطَّرِيقِ، بَعْدَمَا خَرَجْتُمْ مِنْ مِصْرَ. إِنْ أَعْطَيْتَ صَاحِبَكَ قَرْضًا مَا، فَلَا تَدْخُلْ دَارَهُ لِتَأْخُذَ مِنْهُ الرَّهْنَ. بَلْ قِفْ فِي الْخَارِجِ، وَالشَّخْصُ الَّذِي أَعْطَيْتَهُ الْقَرْضَ، هُوَ يُخْرِجُ إِلَيْكَ الرَّهْنَ إِلَى الْخَارِجِ. وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا، فَلَا تَجْعَلْ رَهْنَهُ يَبِيتُ اللَّيْلَ عِنْدَكَ. بَلْ تَرُدُّهُ لَهُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، لِيَنَامَ فِي ثَوْبِهِ وَيُبَارِكَكَ، فَيَعْتَبِرَ الْمَوْلَى إِلَهُكَ ذَلِكَ صَلَاحًا لَكَ. لَا تَظْلِمْ أَجِيرًا مِسْكِينًا وَفَقِيرًا، سَوَاءً كَانَ مِنْ إِخْوَتِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَوْ مِنَ الْغُرَبَاءِ الْمُقِيمِينَ فِي بِلَادِكَ. بَلْ أَعْطِهِ أُجْرَتَهُ فِي نَفْسِ الْيَوْمِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، لِأَنَّهُ فَقِيرٌ وَيَعْتَمِدُ عَلَيْهَا. لِئَلَّا يَصْرُخَ إِلَى اللهِ ضِدَّكَ، وَتَصِيرَ مُذْنِبًا. لَا يُقْتَلُ الْآبَاءُ بِسَبَبِ مَا ارْتَكَبَهُ أَوْلَادُهُمْ، وَلَا الْأَوْلَادُ بِسَبَبِ مَا ارْتَكَبَهُ آبَاؤُهُمْ. كُلُّ وَاحِدٍ يَمُوتُ بِذَنْبِهِ. لَا تَحْرِمُوا الْغَرِيبَ أَوِ الْيَتِيمَ مِنْ حَقِّهِ، وَلَا تَأْخُذُوا ثَوْبَ أَرْمَلَةٍ كَرَهْنٍ. وَتَذَكَّرُوا أَنَّكُمْ كُنْتُمْ عَبِيدًا فِي مِصْرَ، وَأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ فَدَاكُمْ مِنْ هُنَاكَ. لِذَلِكَ أُوصِيكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا هَذَا. إِنْ حَصَدْتُمْ حَقْلَكُمْ وَنَسِيتُمْ حُزْمَةً فِي الْحَقْلِ، فَلَا تَرْجِعُوا لِتَأْخُذُوهَا. اُتْرُكُوهَا لِلْغَرِيبِ وَالْيَتِيمِ وَالْأَرْمَلَةِ، فَيُبَارِكَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ فِي كُلِّ مَا تَعْمَلُونَ. وَعِنْدَمَا تَجْمَعُونَ زَيْتُونَكُمْ، فَلَا تُرَاجِعُوا مَا بَقِيَ فِي الْأَغْصَانِ، اُتْرُكُوهُ لِلْغَرِيبِ وَالْيَتِيمِ وَالْأَرْمَلَةِ. وَعِنْدَمَا تَقْطِفُونَ الْعِنَبَ مِنْ كَرْمِكُمْ، لَا تَرْجِعُوا إِلَى قَطْفِهِ مَرَّةً أُخْرَى. اُتْرُكُوا مَا بَقِيَ لِلْغَرِيبِ وَالْيَتِيمِ وَالْأَرْمَلَةِ. تَذَكَّرُوا أَنَّكُمْ كُنْتُمْ عَبِيدًا فِي مِصْرَ. لِذَلِكَ أُوصِيكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا هَذَا. إِنْ وَقَعَ خِلَافٌ بَيْنَ بَعْضِ النَّاسِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَجَاءُوا إِلَى الْمَحْكَمَةِ، فَعَلَى الْقُضَاةِ أَنْ يَحْكُمُوا بَيْنَهُمْ، وَيُبْرِئُوا الْبَرِيءَ وَيَحْكُمُوا عَلَى الْمُذْنِبِ. فَإِنْ كَانَ الْمُذْنِبُ يَسْتَحِقُّ الْجَلْدَ، يَطْرَحُهُ الْقَاضِي وَيَأْمُرُ بِجَلْدِهِ، بِعَدَدٍ مِنَ الْجَلْدَاتِ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا ذَنْبُهُ. وَلَكِنْ لَيْسَ أَكْثَرَ مِنْ 40 جَلْدَةً. لِئَلَّا يُصْبِحَ أَخُوكَ حَقِيرًا فِي نَظَرِكَ إِنْ جَلَدُوهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. لَا تَسُدَّ فَمَ الثَّوْرِ وَهُوَ يَدْرُسُ. إِنْ سَكَنَ إِخْوَةٌ مَعًا، وَمَاتَ أَحَدُهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَلِّفَ ابْنًا، فَلَا تَتَزَوَّجْ أَرْمَلَتُهُ مِنْ وَاحِدٍ غَرِيبٍ. بَلْ أَخُو زَوْجِهَا، يَأْخُذُهَا وَيَتَزَوَّجُهَا وَيَقُومُ نَحْوَهَا بِوَاجِبِ أَخِي الزَّوْجِ. وَالِابْنُ الْبِكْرُ الَّذِي تَلِدُهُ، يَحْمِلُ اسْمَ الْأَخِ الْمَيِّتِ، فَلَا يُمْسَحُ اسْمُهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَإِنْ رَفَضَ الرَّجُلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَخِيهِ، تَذْهَبُ الْمَرْأَةُ إِلَى الشُّيُوخِ عِنْدَ بَابِ الْمَدِينَةِ، وَتَقُولُ: ”رَفَضَ أَخُو زَوْجِي أَنْ يُقِيمَ لِأَخِيهِ اسْمًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ يَقْبَلْ أَنْ يَقُومَ نَحْوِي بِوَاجِبِ أَخِي الزَّوْجِ.“ فَيَدْعُوهُ شُيُوخُ مَدِينَتِهِ وَيُكَلِّمُونَهُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ أَصَرَّ وَقَالَ: ”لَا أَرْغَبُ فِي أَنْ أَتَزَوَّجَهَا.“ تَتَقَدَّمُ إِلَيْهِ امْرَأَةُ أَخِيهِ أَمَامَ الشُّيُوخِ، وَتَخْلَعُ نَعْلَهُ مِنْ رِجْلِهِ، وَتَبْصُقُ فِي وَجْهِهِ وَتَقُولُ: ”هَذَا هُوَ مَا يَحْدُثُ لِمَنْ يَرْفُضُ أَنْ يَبْنِيَ عَائِلَةً لِأَخِيهِ.“ فَيُعْرَفُ نَسْلُ ذَلِكَ الرَّجُلِ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِاسْمِ عَائِلَةِ الْمَخْلُوعِ النَّعْلِ. إِذَا تَشَاجَرَ رَجُلَانِ، وَجَاءَتْ زَوْجَةُ أَحَدِهِمَا لِتُنْقِذَ زَوْجَهَا مِنَ الَّذِي يَضْرِبُهُ، فَمَدَّتْ يَدَهَا وَأَمْسَكَتْ بِأَعْضَائِهِ التَّنَاسُلِيَّةِ، فَاقْطَعُوا يَدَهَا وَلَا تَشْفِقُوا عَلَيْهَا. لَا يَكُنْ فِي كِيسِكَ مِعْيَارَانِ، وَاحِدٌ كَبِيرٌ وَالْآخَرُ صَغِيرٌ. وَلَا يَكُنْ فِي دَارِكَ مِكْيَالَانِ، وَاحِدٌ كَبِيرٌ وَالْآخَرُ صَغِيرٌ. بَلْ يَكُونُ لَكَ مَعَايِيرُ وَمَكَايِيلُ صَحِيحَةٌ وَوَافِيَةٌ، لِكَيْ يَطُولَ عُمْرُكَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكَ الْمَوْلَى إِلَهُكَ. لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكَ يَكْرَهُ مَنْ يَخْدَعُ وَمَنْ يَغُشُّ. تَذَكَّرُوا مَا صَنَعَهُ بِكُمُ الْعَمَالِقَةُ، فِي الطَّرِيقِ لَمَّا خَرَجْتُمْ مِنْ مِصْرَ. كَيْفَ قَابَلُوكُمْ فِي الطَّرِيقِ لَمَّا كُنْتُمْ تَعْبَانِينَ وَمُرْهَقِينَ، وَقَضَوْا عَلَى كُلِّ ضَعِيفٍ فِي مُؤَخَّرَةِ الشَّعْبِ، وَلَمْ يَخَافُوا اللهَ. فَمَتَى أَرَاحَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ مِنْ كُلِّ الْأَعْدَاءِ الَّذِينَ حَوْلَكُمْ، فِي الْأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمْ لِتَمْلِكُوهَا كَنَصِيبٍ، فَإِنَّكُمْ تَمْسَحُونَ ذِكْرَ عَمَالِيقَ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ. لَا تَنْسُوا! وَمَتَى دَخَلْتُمُ الْأَرْضَ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ نَصِيبًا، وَامْتَلَكْتُمُوهَا وَسَكَنْتُمْ فِيهَا، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، يَأْخُذُ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ الثَّمَرِ الَّذِي يَحْصُلُ عَلَيْهِ مِنْ أَرْضِ الْبِلَادِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ، وَيَضَعُهُ فِي سَلَّةٍ، وَيَذْهَبُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ لِتَعْبُدُوهُ فِيهِ. وَيَتَقَدَّمُ إِلَى الْحَبْرِ الَّذِي يَخْدِمُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَيَقُولُ لَهُ: ”أُقِرُّ الْيَوْمَ أَمَامَ الْمَوْلَى إِلَهِكَ بِأَنِّي دَخَلْتُ الْأَرْضَ الَّتِي حَلَفَ اللهُ لِآبَائِنَا أَنْ يُعْطِيَهَا لَنَا.“ فَيَأْخُذُ الْحَبْرُ السَّلَّةَ مِنْ يَدِهِ، وَيَضَعُهَا أَمَامَ مَنَصَّةِ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ. ثُمَّ يُعْلِنُ ذَلِكَ الشَّخْصُ أَمَامَ اللهِ وَيَقُولُ: ”كَانَ أَبِي أَرَامِيًّا تَائِهًا، فَنَزَلَ إِلَى مِصْرَ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ قَلِيلَةٌ، وَعَاشَ هُنَاكَ، وَصَارَ أُمَّةً عَظِيمَةً قَوِيَّةً كَثِيرَةَ الْعَدَدِ. فَأَسَاءَ إِلَيْنَا الْمِصْرِيُّونَ وَأَذَلُّونَا وَاسْتَعْبَدُونَا بِقَسْوَةٍ. فَصَرَخْنَا إِلَى الْمَوْلَى إِلَهِ آبَائِنَا، فَسَمِعَ اللهُ صَوْتَنَا، وَرَأَى ذُلَّنَا وَشَقَاءَنَا وَضِيقَنَا. وَأَخْرَجَنَا مِنْ مِصْرَ بِيَدٍ شَدِيدَةٍ وَذِرَاعٍ قَدِيرَةٍ وَخَوْفٍ عَظِيمٍ وَآيَاتٍ وَعَجَائِبَ. وَأَدْخَلَنَا إِلَى هَذَا الْمَكَانِ، وَأَعْطَانَا هَذِهِ الْأَرْضَ الَّتِي تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا. وَالْآنَ أَنَا أَحْضَرْتُ أَوَّلَ ثَمَرِ الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتَهَا لِي يَا رَبُّ.“ ثُمَّ يَضَعُ ذَلِكَ الشَّخْصُ السَّلَّةَ أَمَامَ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، وَيَسْجُدُ فِي حَضْرَتِهِ. وَيَفْرَحُ بِكُلِّ الْخَيْرِ الَّذِي أَعْطَاهُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ لَهُ وَلِعَائِلَتِهِ، هُوَ وَاللَّاوِيُّ وَالْغَرِيبُ الْمَوْجُودُ بَيْنَكُمْ. مَتَى انْتَهَيْتُمْ مِنْ تَقْدِيمِ كُلِّ عُشُورِ غَلَّتِكُمْ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، سَنَةِ الْعُشُورِ، وَأَعْطَيْتُمُ اللَّاوِيَّ وَالْغَرِيبَ وَالْيَتِيمَ وَالْأَرْمَلَةَ، فَأَكَلُوا فِي مُدُنِكُمْ وَشَبِعُوا، يَقُولُ الْوَاحِدُ مِنْكُمْ أَمَامَ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ: ”أَخْرَجْتُ مِنْ دَارِيَ النَّصِيبَ الْخَاصَّ بِاللهِ، وَأَعْطَيْتُهُ لِلَّاوِيِّ وَالْغَرِيبِ وَالْيَتِيمِ وَالْأَرْمَلَةِ حَسَبَ كُلِّ وَصِيَّتِكَ الَّتِي أَوْصَيْتَنِي بِهَا. فَلَمْ أَتَعَدَّ وَصَايَاكَ وَلَا نَسِيتُهَا. لَمْ آكُلْ مِنْهُ فِي أَثْنَاءِ حُزْنٍ، وَلَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَأَنَا فِي حَالَةِ نَجَاسَةٍ، وَلَا قَدَّمْتُ مِنْهُ لِلْمَوْتَى. بَلْ أَطَعْتُ الْمَوْلَى إِلَهِي، وَعَمِلْتُ بِكُلِّ مَا أَوْصَيْتَنِي بِهِ. فَانْظُرْ مِنْ مَسْكَنِكَ الْمُقَدَّسِ، مِنَ السَّمَاءِ، وَبَارِكْ شَعْبَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْأَرْضَ الَّتِي أَعْطَيْتَهَا لَنَا كَمَا وَعَدْتَ آبَاءَنَا بِقَسَمٍ، الْأَرْضَ الَّتِي تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا.“ فِي هَذَا الْيَوْمِ يُوصِيكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ أَنْ تُطِيعُوا هَذِهِ الْفَرَائِضَ وَالشَّرَائِعَ، وَأَنْ تَعْمَلُوا بِهَا بِكُلِّ قَلْبِكُمْ وَكُلِّ نَفْسِكُمْ. أَنْتُمْ أَعْلَنْتُمُ الْيَوْمَ أَنَّ الْمَوْلَى هُوَ إِلَهُكُمْ، وَأَنَّكُمْ سَتَسِيرُونَ فِي طُرُقِهِ، وَتَعْمَلُونَ بِفَرَائِضِهِ وَوَصَايَاهُ وَشَرَائِعِهِ وَتَسْمَعُونَ كَلَامَهُ. وَالْمَوْلَى أَعْلَنَ الْيَوْمَ أَنَّكُمْ شَعْبُهُ الْخَاصُّ كَمَا وَعَدَكُمْ، وَأَنَّهُ مِنْ وَاجِبِكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِكُلِّ وَصَايَاهُ. كَمَا أَعْلَنَ أَنْ يَجْعَلَكُمْ أَسْمَى مِنْ كُلِّ الْأُمَمِ الَّتِي خَلَقَهَا، فَيَمْدَحُكُمْ وَيُكْرِمُكُمْ وَيُشَرِّفُكُمْ، وَأَنْ تَكُونُوا شَعْبًا خَاصًّا لِإِلَهِكُمْ، كَمَا وَعَدَكُمْ. وَأَوْصَى مُوسَى وَشُيُوخُ إِسْرَائِيلَ الشَّعْبَ وَقَالُوا لَهُمْ: ”اِعْمَلُوا بِكُلِّ هَذِهِ الْوَصَايَا الَّتِي أُوصِيكُمْ بِهَا الْيَوْمَ. عِنْدَمَا تَعْبُرُونَ الْأُرْدُنَّ، إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ، تَنْصُبُونَ لَكُمْ حِجَارَةً كَبِيرَةً وَتَطْلُونَهَا بِالْكِلْسِ. وَتَكْتُبُونَ عَلَيْهَا كُلَّ كَلَامِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ، عِنْدَمَا تَعْبُرُونَ لِتَدْخُلُوا الْأَرْضَ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ، الْأَرْضَ الَّتِي تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، كَمَا وَعَدَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُ آبَائِكُمْ. فَمَتَى عَبَرْتُمُ الْأُرْدُنَّ، تَنْصُبُونَ هَذِهِ الْحِجَارَةَ عَلَى جَبَلِ عِيبَالَ وَتَطْلُونَهَا بِالْكِلْسِ، كَمَا أُوصِيكُمُ الْيَوْمَ. وَتَبْنُونَ هُنَاكَ مَنَصَّةً لِإِلَهِكُمْ، مَنَصَّةً مِنْ حِجَارَةٍ غَيْرِ مَنْحُوتَةٍ بِآلَةٍ مِنْ حَدِيدٍ. بَلْ مِنْ حِجَارَةٍ صَحِيحَةٍ تَبْنُونَهَا، وَتُقَدِّمُونَ عَلَيْهَا قَرَابِينَكُمُ الَّتِي تَحْرِقُونَهَا لِإِلَهِكُمْ. وَتَذْبَحُونَ ضَحَايَا صُحْبَةٍ وَتَأْكُلُونَهَا هُنَاكَ وَتَفْرَحُونَ فِي مَحْضَرِ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ. وَتَكْتُبُونَ عَلَى الْحِجَارَةِ كُلَّ كَلَامِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ كِتَابَةً وَاضِحَةً.“ وَقَالَ مُوسَى وَالْأَحْبَارُ اللَّاوِيُّونَ لِكُلِّ الشَّعْبِ: ”أَصْغُوا وَاسْمَعُوا يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَنْتُمُ الْيَوْمَ أَصْبَحْتُمْ شَعْبًا لِإِلَهِكُمْ، فَأَطِيعُوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ، وَاعْمَلُوا بِوَصَايَاهُ وَفَرَائِضِهِ الَّتِي أُعْطِيهَا لَكُمُ الْيَوْمَ.“ وَفِي نَفْسِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، أَوْصَى مُوسَى الشَّعْبَ وَقَالَ: ”بَعْدَ أَنْ تَعْبُرُوا الْأُرْدُنَّ، تَقِفُ هَذِهِ الْقَبَائِلُ عَلَى جَبَلِ جَرْزِيمَ لِتُبَارِكَ الشَّعْبَ: شَمْعُونُ وَلَاوِي وَيَهُوذَا وَيَسَّاكَرُ وَيُوسِفُ وَبِنْيَمِينُ. وَهَذِهِ الْقَبَائِلُ تَقِفُ عَلَى جَبَلِ عِيبَالَ لِتَنْطِقَ بِاللَّعْنَةِ: رَأُوبِينُ وَجَادُ وَأَشِيرُ وَزَبُولُونُ وَدَانُ وَنَفْتَالِي. فَيُنَادِي اللَّاوِيُّونَ وَيَقُولُونَ بِصَوْتٍ عَالٍ لِكُلِّ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ: ’مَلْعُونٌ مَنْ يَصْنَعُ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا أَوْ مَسْبُوكًا، وَيُقِيمُهُ لِلْعِبَادَةِ سِرًّا. فَهُوَ قَبِيحٌ عِنْدَ اللهِ، لِأَنَّهُ صَنْعَةُ يَدِ الْإِنْسَانِ.‘ فَيُجِيبُ كُلُّ الشَّعْبِ وَيَقُولُونَ: ’آمِينَ.‘ ’مَلْعُونٌ مَنْ يَحْتَقِرُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ.‘ وَيَقُولُ كُلُّ الشَّعْبِ: ’آمِينَ.‘ ’مَلْعُونٌ مَنْ يَنْقُلُ حُدُودَ أَرْضِ جَارِهِ.‘ وَيَقُولُ كُلُّ الشَّعْبِ: ’آمِينَ.‘ ’مَلْعُونٌ مَنْ يُضِلُّ الْأَعْمَى عَنِ الطَّرِيقِ.‘ وَيَقُولُ كُلُّ الشَّعْبِ: ’آمِينَ.‘ ’مَلْعُونٌ مَنْ يَحْرِمُ حَقَّ الْغَرِيبِ أَوِ الْيَتِيمِ أَوِ الْأَرْمَلَةِ.‘ وَيَقُولُ كُلُّ الشَّعْبِ: ’آمِينَ.‘ ’مَلْعُونٌ مَنْ يُعَاشِرُ امْرَأَةَ أَبِيهِ، لِأَنَّهُ يَنْتَهِكُ حُرْمَةَ أَبِيهِ.‘ وَيَقُولُ كُلُّ الشَّعْبِ: ’آمِينَ.‘ ’مَلْعُونٌ مَنْ يُعَاشِرُ حَيَوَانًا.‘ وَيَقُولُ كُلُّ الشَّعْبِ: ’آمِينَ.‘ ’مَلْعُونٌ مَنْ يُعَاشِرُ أُخْتَهُ، بِنْتَ أَبِيهِ أَوْ بِنْتَ أُمِّهِ.‘ وَيَقُولُ كُلُّ الشَّعْبِ: ’آمِينَ.‘ ’مَلْعُونٌ مَنْ يُعَاشِرُ حَمَاتَهُ.‘ وَيَقُولُ كُلُّ الشَّعْبِ: ’آمِينَ.‘ ’مَلْعُونٌ مَنْ يَقْتُلُ أَحَدًا فِي الْخَفَاءِ.‘ وَيَقُولُ كُلُّ الشَّعْبِ: ’آمِينَ.‘ ’مَلْعُونٌ مَنْ يَقْبَلُ رَشْوَةً لِيَقْتُلَ إِنْسَانًا بَرِيئًا.‘ وَيَقُولُ كُلُّ الشَّعْبِ: ’آمِينَ.‘ ’مَلْعُونٌ مَنْ لَا يَحْفَظُ كَلَامَ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ.‘ وَيَقُولُ كُلُّ الشَّعْبِ: ’آمِينَ.‘“ إِنْ سَمِعْتُمْ كَلَامَ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، وَأَطَعْتُمْ كُلَّ وَصَايَاهُ الَّتِي أُوصِيكُمْ بِهَا الْيَوْمَ وَعَمِلْتُمْ بِهَا، يَجْعَلُكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ أَسْمَى مِنْ كُلِّ أُمَمِ الْأَرْضِ. اِسْمَعُوا كَلَامَ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، فَتَحِلَّ عَلَيْكُمْ كُلُّ هَذِهِ الْبَرَكَاتِ وَتُلَازِمَكُمْ. بِذَلِكَ تَكُونُونَ مُبَارَكِينَ فِي الْمَدِينَةِ وَمُبَارَكِينَ فِي الْحَقْلِ. وَيَكُونُ نَسْلُكُمْ مُبَارَكًا، وَكَذَلِكَ مَحَاصِيلُ أَرْضِكُمْ، وَنِتَاجُ بَهَائِمِكُمْ، عُجُولُ بَقَرِكُمْ وَحُمْلَانُ غَنَمِكُمْ. وَمُبَارَكَةً تَكُونُ سِلَالُكُمْ بِالْغَلَّةِ، وَمَعَاجِنُكُمْ بِالْخُبْزِ. وَتَكُونُونَ مُبَارَكِينَ فِي دُخُولِكُمْ، وَمُبَارَكِينَ فِي خُرُوجِكُمْ. وَيَهْزِمُ اللهُ أَمَامَكُمْ أَعْدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَقُومُونَ عَلَيْكُمْ. مِنْ طَرِيقٍ وَاحِدَةٍ يَأْتُونَ عَلَيْكُمْ، وَمِنْ 7 طُرُقٍ يَهْرُبُونَ أَمَامَكُمْ. يَأْمُرُ اللهُ لَكُمْ بِالْبَرَكَةِ فِي مَخَازِنِكُمْ وَفِي مَجْهُودِكُمْ وَيُبَارِكُكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ فِي الْأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمْ. إِذَا أَطَعْتُمْ وَصَايَا الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، وَسِرْتُمْ فِي طُرُقِهِ، يَجْعَلُكُمُ اللهُ شَعْبَهُ الْخَاصَّ، كَمَا وَعَدَكُمْ بِقَسَمٍ. فَتَرَى كُلُّ شُعُوبِ الْأَرْضِ أَنَّ اسْمَ اللهِ أُطْلِقَ عَلَيْكُمْ، فَيَخَافُونَ مِنْكُمْ. وَيَزِيدُكُمُ اللهُ خَيْرًا فِي نَسْلِكُمْ، وَفِي نِتَاجِ بَهَائِمِكُمْ وَمَحَاصِيلِ أَرْضِكُمْ، فِي الْبِلَادِ الَّتِي حَلَفَ لِآبَائِكُمْ أَنْ يُعْطِيَهَا لَكُمْ. وَيَفْتَحُ اللهُ لَكُمْ كُنُوزَ السَّمَاءِ الصَّالِحَةَ الَّتِي عِنْدَهُ، وَيُرْسِلُ الْمَطَرَ عَلَى أَرْضِكُمْ فِي أَوَانِهِ، وَيُبَارِكُ كُلَّ مَجْهُودِكُمْ. فَتَقْتَرِضُ مِنْكُمْ أُمَمٌ كَثِيرَةٌ، وَأَنْتُمْ لَا تَقْتَرِضُونَ. إِنِ انْتَبَهْتُمْ لِوَصَايَا الْمَوْلَى إِلَهِكُمُ الَّتِي أُعْطِيهَا لَكُمُ الْيَوْمَ وَأَطَعْتُمُوهَا وَعَمِلْتُمْ بِهَا، يَجْعَلُكُمُ اللهُ رَأْسًا لَا ذَيْلًا، تَرْتَفِعُونَ وَلَا تَنْخَفِضُونَ. فَلَا تَنْحَرِفُوا يَمِينًا أَوْ شِمَالًا عَنْ كُلِّ الْوَصَايَا الَّتِي أُوصِيكُمْ بِهَا الْيَوْمَ، وَلَا تَتْبَعُوا آلِهَةً أُخْرَى وَلَا تَعْبُدُوهَا. وَلَكِنْ إِنْ لَمْ تَسْمَعُوا كَلَامَ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، وَلَمْ تُطِيعُوا كُلَّ وَصَايَاهُ وَفَرَائِضِهِ الَّتِي أُوصِيكُمْ بِهَا الْيَوْمَ، وَلَمْ تَعْمَلُوا بِهَا، فَإِنَّ كُلَّ هَذِهِ اللَّعَنَاتِ تَحِلُّ عَلَيْكُمْ وَتُلَازِمُكُمْ. تَكُونُونَ مَلْعُونِينَ فِي الْمَدِينَةِ، وَمَلْعُونِينَ فِي الْحَقْلِ. وَمَلْعُونَةً تَكُونُ سِلَالُكُمْ وَمَعَاجِنُكُمْ. وَيَكُونُ نَسْلُكُمْ مَلْعُونًا، وَكَذَلِكَ مَحَاصِيلُ أَرْضِكُمْ، وَعُجُولُ بَقَرِكُمْ وَحُمْلَانُ غَنَمِكُمْ. وَتَكُونُونَ مَلْعُونِينَ فِي دُخُولِكُمْ، وَمَلْعُونِينَ فِي خُرُوجِكُمْ. وَيُرْسِلُ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّعْنَةَ وَالْفَوْضَى وَالْفَشَلَ فِي كُلِّ مَجْهُودِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ، حَتَّى تَهْلِكُوا وَتَفْنَوْا سَرِيعًا بِسَبَبِ الشَّرِّ الَّذِي عَمِلْتُمُوهُ، لِأَنَّكُمْ تَرَكْتُمُونِي. وَيَبْتَلِيكُمُ اللهُ بِالْوَبَأِ، حَتَّى يُبِيدَكُمْ عَنِ الْأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمْ دَاخِلُونَ لِتَمْلِكُوهَا. وَيَضْرِبُكُمُ اللهُ بِأَمْرَاضٍ تُهْزِلُكُمْ وَحُمًّى وَالْتِهَابٍ وَوَرَمٍ وَجَفَافٍ وَحَرٍّ شَدِيدٍ وَذُبُولٍ، فَتُلَازِمُكُمْ حَتَّى تَفْنَوْا. وَتُصْبِحُ السَّمَاءُ مِنْ فَوْقِكُمْ كَالنُّحَاسِ وَالْأَرْضُ مِنْ تَحْتِكُمْ كَالْحَدِيدِ. وَيُحَوِّلُ اللهُ الْمَطَرَ فِي بِلَادِكُمْ إِلَى غُبَارٍ وَتُرَابٍ يَنْزِلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ حَتَّى تَهْلِكُوا. وَيَهْزِمُكُمُ اللهُ أَمَامَ أَعْدَائِكُمْ. مِنْ طَرِيقٍ وَاحِدَةٍ تَأْتُونَ عَلَيْهِمْ، وَمِنْ 7 طُرُقٍ تَهْرُبُونَ أَمَامَهُمْ. وَتَرْتَعِبُ كُلُّ مَمَالِكِ الْأَرْضِ حِينَ تَرَى مَا جَرَى لَكُمْ. وَتَكُونُ جُثَثُكُمْ طَعَامًا لِكُلِّ طُيُورِ السَّمَاءِ وَوُحُوشِ الْأَرْضِ وَلَا يَزْجُرُهَا أَحَدٌ. وَيَضْرِبُكُمُ اللهُ بِقُرُوحِ مِصْرَ وَبِالْوَرَمِ وَالْجَرَبِ وَالْحِكَّةِ، وَلَا تَجِدُونَ لَهَا عِلَاجًا. وَيَضْرِبُكُمُ اللهُ بِالْجُنُونِ وَالْعَمَى وَارْتِبَاكِ الْفِكْرِ، فَتَتَحَسَّسُونَ الطَّرِيقَ فِي الظُّهْرِ، كَمَا يَتَحَسَّسُ الْأَعْمَى فِي الظَّلَامِ. وَتَفْشَلُونَ فِي كُلِّ مَا تَعْمَلُونَهُ، وَكُلَّ أَيَّامِكُمْ تَكُونُونَ مَظْلُومِينَ وَمَسْلُوبِينَ وَلَا يُنْقِذُكُمْ أَحَدٌ. يَخْطُبُ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً، لَكِنَّ آخَرَ يَأْخُذُهَا وَيُعَاشِرُهَا. يَبْنِي دَارًا وَلَا يَسْكُنُ فِيهَا. يَغْرِسُ كَرْمًا وَلَا يَتَمَتَّعُ بِثَمَرِهِ. تُذْبَحُ ثِيرَانُكُمْ أَمَامَ عُيُونِكُمْ وَلَا تَأْكُلُونَ مِنْهَا. تُغْتَصَبُ مِنْكُمْ حَمِيرُكُمْ وَلَا تُرْجَعُ إِلَيْكُمْ. وَتُعْطَى غَنَمُكُمْ لِأَعْدَائِكُمْ، وَلَا يُنْقِذُكُمْ أَحَدٌ. أَوْلَادُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ يُسَلَّمُونَ إِلَى أُمَّةٍ أُخْرَى، وَعُيُونُكُمْ تَنْظُرُ إِلَيْهِمْ طُولَ النَّهَارِ حَتَّى تَكِلَّ، وَمَا بِيَدِكُمْ حِيلَةٌ. مَحْصُولُ أَرْضِكُمْ وَثَمَرُ كُلِّ تَعَبِكُمْ يَأْكُلُهُ شَعْبٌ لَا تَعْرِفُونَهُ، وَتَكُونُونَ مَظْلُومِينَ وَمَسْحُوقِينَ كُلَّ الْأَيَّامِ. وَيُصِيبُكُمُ الْجُنُونُ مِنْ هَوْلِ مَا تَرَوْنَ بِعُيُونِكُمْ. يَضْرِبُكُمُ اللهُ بِقُرُوحٍ خَبِيثَةٍ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ وَعَلَى الرِّجْلَيْنِ، وَتَمْتَدُّ مِنْ بَاطِنِ الْقَدَمِ إِلَى قِمَّةِ الرَّأْسِ، وَلَا تَجِدُونَ لَهَا عِلَاجًا. وَيُشَتِّتُكُمُ اللهُ أَنْتُمْ وَمَلِكَكُمُ الَّذِي تُقِيمُونَهُ عَلَيْكُمْ، إِلَى أُمَّةٍ لَا تَعْرِفُونَهَا وَلَا عَرَفَهَا آبَاؤُكُمْ. وَهُنَاكَ تَعْبُدُونَ آلِهَةً أُخْرَى، آلِهَةً مِنْ خَشَبٍ وَحَجَرٍ. وَالْأُمَمُ الَّتِي يُشَتِّتُكُمُ اللهُ إِلَيْهَا، تَرْتَعِبُ مِمَّا جَرَى لَكُمْ، وَتَهْزَأُ بِكُمْ وَتَسْخَرُ مِنْكُمْ. تَزْرَعُونَ بُزُورًا كَثِيرَةً فِي الْحَقْلِ، وَتَحْصُدُونَ قَلِيلًا، لِأَنَّ الْجَرَادَ يَلْتَهِمُهُ. تَغْرِسُونَ كُرُومًا وَتَفْلَحُونَهَا، وَلَا تَشْرَبُونَ مِنْهَا خَمْرًا وَلَا تَأْكُلُونَ ثَمَرًا، لِأَنَّ الدُّودَ يَأْكُلُهُ. تَكُونُ أَشْجَارُ الزَّيْتُونِ فِي كُلِّ بِلَادِكُمْ، وَلَا تَدَّهِنُونَ بِزَيْتٍ، لِأَنَّ الزَّيْتُونَ يَسْقُطُ قَبْلَ مَا يَنْضَجُ. تَلِدُونَ أَوْلَادًا وَبَنَاتٍ، وَلَا يَبْقَوْنَ لَكُمْ، لِأَنَّهُمْ يُؤْخَذُونَ إِلَى الْأَسْرِ. أَسْرَابُ الْجَرَادِ تَأْكُلُ أَشْجَارَكُمْ وَمَحَاصِيلَ أَرْضِكُمْ. الْغُرَبَاءُ الَّذِينَ بَيْنَكُمْ يَرْتَفِعُونَ فَوْقَكُمْ وَيَعْلُونَ، وَأَنْتُمْ تَنْزِلُونَ وَتَنْحَطُّونَ. أَنْتُمْ تَقْتَرِضُونَ مِنْهُمْ، وَهُمْ لَا يَقْتَرِضُونَ مِنْكُمْ. هُمْ يَكُونُونَ الرَّأْسَ، وَأَنْتُمُ الذَّيْلَ. كُلُّ هَذِهِ اللَّعَنَاتِ تَحِلُّ عَلَيْكُمْ وَتَتْبَعُكُمْ وَتُلَازِمُكُمْ حَتَّى تَهْلِكُوا، لِأَنَّكُمْ لَمْ تَسْمَعُوا كَلَامَ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ وَلَمْ تَعْمَلُوا بِوَصَايَاهُ وَفَرَائِضِهِ الَّتِي أَوْصَاكُمْ بِهَا. فَتَكُونُ هَذِهِ عِبْرَةً وَمَوْعِظَةً لَكُمْ وَلِنَسْلِكُمْ إِلَى الْأَبَدِ. وَلِأَنَّكُمْ لَمْ تَعْبُدُوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ بِفَرَحٍ وَسُرُورٍ فِي زَمَنِ الْخَيْرِ، لِذَلِكَ تُصْبِحُونَ عَبِيدًا لِأَعْدَائِكُمُ الَّذِينَ يُرْسِلُهُمُ اللهُ عَلَيْكُمْ مَعَ جُوعٍ وَعَطَشٍ وَعُرْيٍ وَفَقْرٍ شَدِيدٍ. وَيَضَعُ عَلَى رَقَبَتِكُمْ نِيرًا مِنْ حَدِيدٍ حَتَّى يُهْلِكَكُمْ. وَيَجْلِبُ اللهُ عَلَيْكُمْ أُمَّةً مِنْ بَعِيدٍ، مِنْ آخِرِ الْأَرْضِ، تَنْقَضُّ عَلَيْكُمْ كَالنِّسْرِ، أُمَّةً لَا تَفْهَمُونَ لُغَتَهَا. أُمَّةً شَرِسَةً لَا تَحْتَرِمُ الشَّيْخَ وَلَا تَرْحَمُ الطِّفْلَ. فَيَأْكُلُونَ نِتَاجَ بَهَائِمِكُمْ وَمَحَاصِيلَ أَرْضِكُمْ حَتَّى تَهْلِكُوا. وَلَا يُبْقُونَ لَكُمْ قَمْحًا وَلَا خَمْرًا وَلَا زَيْتًا، وَلَا عُجُولَ بَقَرِكُمْ وَلَا حُمْلَانَ غَنَمِكُمْ، حَتَّى يُبِيدُوكُمْ. وَيُحَاصِرُونَكُمْ فِي كُلِّ الْمُدُنِ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْبِلَادِ، حَتَّى تَسْقُطَ أَسْوَارُكُمُ الْعَالِيَةُ الْمُحَصَّنَةُ الَّتِي تَتَّكِلُونَ عَلَيْهَا. نَعَمْ، يُحَاصِرُونَكُمْ فِي كُلِّ الْمُدُنِ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْبِلَادِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. وَفِي ذَلِكَ الْحِصَارِ وَالضِّيقِ الَّذِي يُضَايِقُكُمْ بِهِ أَعْدَاؤُكُمْ، تَأْكُلُونَ ثِمَارَ بَطْنِكُمْ، لَحْمَ أَوْلَادِكُمْ وَبَنَاتِكُمُ الَّذِينَ يُعْطِيهِمْ لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. حَتَّى أَكْثَرُ الرِّجَالِ فِيكُمْ رِقَّةً وَإِحْسَاسًا، لَا يَشْفِقُ عَلَى أَخِيهِ أَوْ زَوْجَتِهِ الَّتِي يُحِبُّهَا أَوْ أَوْلَادِهِ الْبَاقِينَ، فَلَا يُعْطِي أَحَدًا مِنْهُمْ مِنْ لَحْمِ أَوْلَادِهِ الَّذِينَ يَأْكُلُهُمْ. لِأَنَّ هَذَا هُوَ كُلُّ مَا بَقِيَ لَهُ فِي الْحِصَارِ وَالضِّيقِ الَّذِي يُضَايِقُكُمْ بِهِ أَعْدَاؤُكُمْ فِي كُلِّ مُدُنِكُمْ. وَأَكْثَرُ النِّسَاءِ فِيكُمْ رِقَّةً وَإِحْسَاسًا، الَّتِي مِنْ إِحْسَاسِهَا وَتَنَعُّمِهَا، لَمْ تَجْرُؤْ أَنْ تَلْمِسَ الْأَرْضَ بِبَاطِنِ قَدَمِهَا، تَبْخَلُ عَلَى زَوْجِهَا الَّذِي تُحِبُّهُ وَعَلَى ابْنِهَا وَبِنْتِهَا، فَلَا تُعْطِي أَحَدًا مِنْهُمْ مِنْ مَشِيمَتِهَا الَّتِي تَسْقُطُ مِنْهَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَمِنْ أَوْلَادِهَا الَّذِينَ تَلِدُهُمْ، فَتَأْكُلُهُمْ سِرًّا، فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مِنَ الْعَوَزِ الشَّدِيدِ، فِي الْحِصَارِ وَالضِّيقِ الَّذِي يُضَايِقُكُمْ بِهِ أَعْدَاؤُكُمْ فِي مُدُنِكُمْ. إِنْ لَمْ تُطِيعُوا كُلَّ كَلَامِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ الْمَكْتُوبِ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَلَمْ تَعْمَلُوا بِهِ، وَلَمْ تَخَافُوا هَذَا الِاسْمَ الْجَلِيلَ الرَّهِيبَ، اِسْمَ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، يُرْسِلُ اللهُ عَلَيْكُمْ وَعَلَى نَسْلِكُمْ ضَرَبَاتٍ مُخِيفَةً، وَمَصَائِبَ رَهِيبَةً دَائِمَةً، وَأَمْرَاضًا خَبِيثَةً مُزْمِنَةً. وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ كُلَّ أَمْرَاضِ مِصْرَ الَّتِي فَزِعْتُمْ مِنْهَا، فَتَلْتَصِقُ بِكُمْ. كَمَا يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ كُلَّ أَنْوَاعِ الْأَمْرَاضِ وَالْمَصَائِبِ الَّتِي لَمْ تُذْكَرْ فِي كِتَابِ الشَّرِيعَةِ هَذَا، حَتَّى تَهْلِكُوا. فَتَصِيرُونَ قَلِيلِينَ بَعْدَمَا كُنْتُمْ كَثِيرِينَ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، لِأَنَّكُمْ لَمْ تَسْمَعُوا كَلَامَ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ. وَكَمَا فَرِحَ اللهُ بِأَنْ يُحْسِنَ إِلَيْكُمْ وَيُكَثِّرَكُمْ، فَإِنَّهُ يَفْرَحُ بِأَنْ يُبِيدَكُمْ وَيُهْلِكَكُمْ، فَتُقْلَعُونَ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمْ دَاخِلُونَ إِلَيْهَا لِتَمْلِكُوهَا. ثُمَّ يُشَتِّتُكُمُ اللهُ فِي كُلِّ الْأُمَمِ، مِنْ أَوَّلِ الْأَرْضِ إِلَى آخِرِهَا. وَهُنَاكَ تَعْبُدُونَ آلِهَةً أُخْرَى، آلِهَةً مِنْ خَشَبٍ وَحَجَرٍ، آلِهَةً لَا تَعْرِفُونَهَا وَلَا عَرَفَهَا آبَاؤُكُمْ. وَهُنَاكَ، وَسَطَ تِلْكَ الْأُمَمِ، لَا تَجِدُونَ رَاحَةً وَلَا اسْتِقْرَارًا، بَلْ يُعْطِيكُمُ اللهُ قُلُوبًا مُضْطَرِبَةً، وَعُيُونًا كَلِيلَةً، وَنُفُوسًا يَائِسَةً. وَتَعِيشُونَ فِي قَلَقٍ مُسْتَمِرٍّ، خَائِفِينَ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَلَا تَأْمَنُونَ عَلَى حَيَاتِكُمْ. فِي الصَّبَاحِ تَقُولُونَ: ”يَا لَيْتَهُ الْمَسَاءُ!“ وَفِي الْمَسَاءِ تَقُولُونَ: ”يَا لَيْتَهُ الصَّبَاحُ!“ كُلُّ هَذَا بِسَبَبِ الْخَوْفِ الَّذِي يَمْلَأُ قُلُوبَكُمْ وَالْأَشْيَاءِ الَّتِي تَرَاهَا عُيُونُكُمْ. وَيَرُدُّكُمُ اللهُ إِلَى مِصْرَ فِي سُفُنٍ، فِي الطَّرِيقِ الَّتِي قُلْتُ لَكُمْ لَنْ تَرَوْهَا فِيمَا بَعْدُ. هُنَاكَ تُحَاوِلُونَ أَنْ تَبِيعُوا أَنْفُسَكُمْ، لِتَكُونُوا عَبِيدًا وَجَوَارِيَ لِأَعْدَائِكُمْ، وَلَيْسَ مَنْ يَشْتَرِي. هَذِهِ هِيَ بُنُودُ الْعَهْدِ الَّذِي أَمَرَ اللهُ مُوسَى بِأَنْ يَعْمَلَهُ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي مُوآبَ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْعَهْدِ الَّذِي عَمِلَهُ مَعَهُمْ فِي حُورِيبَ. وَنَادَى مُوسَى كُلَّ بَنِى إِسْرَائِيلَ وَقَالَ لَهُمْ، رَأَيْتُمْ بِعُيُونِكُمْ مَا عَمِلَهُ اللهُ فِي مِصْرَ بِفِرْعَوْنَ وَأَعْوَانِهِ وَكُلِّ بِلَادِهِ. وَبِعُيُونِكُمْ أَنْتُمْ شَاهَدْتُمْ تِلْكَ الْمِحَنَ وَالْآيَاتِ وَالْعَجَائِبَ الْعَظِيمَةَ. وَلَكِنَّ اللهَ لَمْ يُعْطِكُمْ حَتَّى الْآنَ قُلُوبًا تَفْهَمُ، وَعُيُونًا تَرَى، وَآذَانًا تَسْمَعُ. ”أَنَا سِرْتُ بِكُمْ فِي الصَّحْرَاءِ 40 سَنَةً، لَمْ تَبْلَ فِيهَا ثِيَابُكُمُ الَّتِي عَلَيْكُمْ، وَلَا نِعَالُكُمُ الَّتِي فِي أَرْجُلِكُمْ. وَلَمْ تَأْكُلُوا خُبْزًا وَلَمْ تَشْرَبُوا خَمْرًا وَلَا مُسْكِرًا. لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنِّي أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ.“ فَلَمَّا وَصَلْتُمْ إِلَى هُنَا، خَرَجَ سِيحُونُ مَلِكُ حَشْبُونَ وَعُوجُ مَلِكُ بَاشَانَ لِمُحَارَبَتِنَا. فَهَزَمْنَاهُمَا وَأَخَذْنَا بِلَادَهُمَا وَأَعْطَيْنَاهَا نَصِيبًا لِرَأُوبِينَ وَجَادَ وَنِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى. فَاحْفَظُوا بُنُودَ هَذَا الْعَهْدِ وَاعْمَلُوا بِهَا، لِكَيْ تَنْجَحُوا فِي كُلِّ مَا تَعْمَلُونَهُ. أَنْتُمْ كُلُّكُمْ وَاقِفُونَ الْيَوْمَ فِي مَحْضَرِ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، رُؤَسَاءُ الْقَبَائِلِ وَالشُّيُوخُ وَالرُّقَبَاءُ وَكُلُّ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ، وَالْأَطْفَالُ وَالنِّسَاءُ، وَالْغُرَبَاءُ الَّذِينَ بَيْنَكُمُ الَّذِينَ يَجْمَعُونَ لَكُمُ الْحَطَبَ، وَيَحْمِلُونَ لَكُمُ الْمَاءَ، لِتَدْخُلُوا فِي الْعَهْدِ الَّذِي يَعْمَلُهُ مَعَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمُ الْيَوْمَ وَيُقْسِمُ عَلَيْهِ. لِيَجْعَلَكُمُ الْيَوْمَ شَعْبَهُ، وَيَكُونَ إِلَهَكُمْ كَمَا وَعَدَكُمْ وَكَمَا حَلَفَ لِآبَائِكُمْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. وَأَنَا أَعْمَلُ هَذَا الْعَهْدَ وَأُقْسِمُ عَلَيْهِ، لَا مَعَكُمْ أَنْتُمْ وَحْدَكُمْ، الْوَاقِفِينَ مَعَنَا هُنَا الْيَوْمَ فِي مَحْضَرِ الْمَوْلَى إِلَهِنَا، بَلْ أَيْضًا مَعَ الَّذِينَ لَيْسُوا مَعَنَا هُنَا الْيَوْمَ. فَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَ كَيْفَ أَقَمْنَا فِي مِصْرَ، وَكَيْفَ عَبَرْنَا وَسَطَ الْأُمَمِ فِي الطَّرِيقِ، إِلَى هُنَا. وَرَأَيْتُمْ تَمَاثِيلَهُمْ وَأَصْنَامَهُمُ الْقَبِيحَةَ الْمَصْنُوعَةَ مِنْ خَشَبٍ وَحَجَرٍ وَفِضَّةٍ وَذَهَبٍ. فَتَأَكَّدُوا أَنَّهُ لَا يُوجَدُ بَيْنَكُمُ الْيَوْمَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ عَشِيرَةٌ أَوْ قَبِيلَةٌ، اِنْحَرَفَ قَلْبُهُ عَنِ الْمَوْلَى إِلَهِنَا، لِيَذْهَبَ وَيَعْبُدَ آلِهَةَ هَذِهِ الْأُمَمِ، وَتَأَكَّدُوا أَنَّهُ لَا يُوجَدُ بَيْنَكُمْ مَنْ يَكُونُ كَنَبَاتٍ يُثْمِرُ سِمًّا وَمُرًّا. فَمِثْلُ هَذَا الشَّخْصِ إِنْ سَمِعَ كَلَامَ هَذَا الْقَسَمِ، وَبَارَكَ نَفْسَهُ وَقَالَ فِي قَلْبِهِ: ”أَنَا فِي أَمَانٍ، حَتَّى وَلَوْ تَصَرَّفْتُ بِقَلْبٍ عَنِيدٍ.“ فَإِنَّهُ يُسَبِّبُ هَلَاكَ الْأَخْضَرِ وَالْيَابِسِ مَعًا. وَلَا يَشَاءُ اللهُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ، بَلْ يَغْضَبُ عَلَيْهِ جِدًّا وَيَنْتَقِمُ مِنْهُ، فَتَحِلُّ عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ كُلُّ اللَّعَنَاتِ الْمَكْتُوبَةِ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَيَمْسَحُ اللهُ اسْمَهُ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ. وَيَفْرِزُهُ اللهُ مِنْ بَيْنِ كُلِّ قَبَائِلِ إِسْرَائِيلَ، وَيُنْزِلُ بِهِ الشَّرَّ حَسَبَ كُلِّ لَعَنَاتِ الْعَهْدِ الْمَكْتُوبَةِ فِي كِتَابِ الشَّرِيعَةِ هَذَا. فَيَرَى أَوْلَادُكُمُ الَّذِينَ يَأْتُونَ فِي الْأَجْيَالِ الَّتِي بَعْدَكُمْ، وَالْأَجَانِبُ الَّذِينَ يَجِيئُونَ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ، الْمَصَائِبَ الَّتِي حَلَّتْ بِالْبِلَادِ، وَالْأَمْرَاضَ الَّتِي ضَرَبَهَا اللهُ بِهَا. وَتَكُونُ كُلُّ الْأَرْضِ خَرَابًا يَحْرِقُهَا الْمِلْحُ وَالْكِبْرِيتُ، لَا زَرْعَ فِيهَا وَلَا نَبَاتَ وَلَا خُضْرَةَ. بَلْ تَخْرَبُ كَسَدُومَ وَعَمُورَةَ وَأَدَمَةَ وَصَبُويِمَ، الَّتِي أَهْلَكَهَا اللهُ بِغَضَبِهِ وَغَيْظِهِ. فَتَقُولُ كُلُّ الْأُمَمِ: ”لِمَاذَا فَعَلَ اللهُ هَذَا بِهَذِهِ الْأَرْضِ؟ وَلِمَاذَا غَضِبَ عَلَيْهَا هَذَا الْغَضَبَ الشَّدِيدَ؟“ فَيَكُونُ الْجَوَابُ: ”لِأَنَّ هَذَا الشَّعْبَ تَرَكَ عَهْدَ الْمَوْلَى إِلَهِ آبَائِهِمْ، الْعَهْدَ الَّذِي عَمِلَهُ مَعَهُمْ لَمَّا أَخْرَجَهُمْ مِنْ مِصْرَ. فَانْحَرَفُوا وَعَبَدُوا آلِهَةً أُخْرَى، وَسَجَدُوا لَهَا، آلِهَةً لَمْ يَعْرِفُوهَا وَلَمْ يُعْطِهَا اللهُ لَهُمْ. لِذَلِكَ غَضِبَ اللهُ جِدًّا عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ، فَجَلَبَ عَلَيْهَا كُلَّ اللَّعَنَاتِ الْمَكْتُوبَةِ فِي هَذَا الْكِتَابِ. فَقَلَعَهُمُ اللهُ مِنْ أَرْضِهِمْ بِغَضَبٍ شَدِيدٍ وَغَيْظٍ عَظِيمٍ، وَرَمَاهُمْ فِي أَرْضٍ أُخْرَى، كَمَا تَرَوْنَهُمُ الْيَوْمَ.“ الْأُمُورُ الْخَفِيَّةُ هِيَ لِلْمَوْلَى إِلَهِنَا، أَمَّا وَصَايَا هَذِهِ الشَّرِيعَةِ فَقَدْ أَعْلَنَهَا لَنَا وَلِبَنِينَا لِنَعْمَلَ بِهَا كُلِّهَا إِلَى الْأَبَدِ. فَإِذَا حَلَّتْ بِكُمْ كُلُّ هَذِهِ الْبَرَكَاتِ وَاللَّعَنَاتِ الَّتِي قَدَّمْتُهَا لَكُمْ، ثُمَّ رَجَعْتُمْ إِلَى نَفْسِكُمْ، وَأَنْتُمْ فِي كُلِّ الْأُمَمِ حَيْثُ شَتَّتَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ، وَتُبْتُمْ إِلَيْهِ أَنْتُمْ وَأَوْلَادُكُمْ، وَسَمِعْتُمْ كَلَامَهُ بِكُلِّ قَلْبِكُمْ وَكُلِّ نَفْسِكُمْ، حَسَبَ كُلِّ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ الْيَوْمَ، يَرُدُّكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ مِنَ الْأَسْرِ، وَيَرْحَمُكُمْ وَيَعُودُ وَيَجْمَعُكُمْ مِنْ كُلِّ الْأُمَمِ الَّتِي شَتَّتَكُمْ إِلَيْهَا. وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ قَدْ طَرَدَكُمْ إِلَى أَبْعَدِ مَكَانٍ تَحْتَ السَّمَاءِ، فَمِنْ هُنَاكَ يَجْمَعُكُمْ وَيُرْجِعُكُمْ. وَيَأْتِي بِكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أُعْطِيَتْ لِآبَائِكُمْ فَتَمْلِكُونَهَا، وَيُحْسِنُ إِلَيْكُمْ وَيُكَثِّرُكُمْ أَكْثَرَ مِنْ آبَائِكُمْ. وَيُطَهِّرُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ قَلْبَكُمْ وَقَلْبَ نَسْلِكُمْ، لِكَيْ تُحِبُّوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ بِكُلِّ قَلْبِكُمْ وَبِكُلِّ نَفْسِكُمْ فَتَحْيَوْا. وَيَضَعُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ كُلَّ هَذِهِ اللَّعَنَاتِ عَلَى أَعْدَائِكُمُ الَّذِينَ يَكْرَهُونَكُمْ وَيَضْطَهِدُونَكُمْ. أَمَّا أَنْتُمْ فَتَعُودُونَ وَتَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ، وَتَعْمَلُونَ بِكُلِّ وَصَايَاهُ الَّتِي أُوصِيكُمْ بِهَا الْيَوْمَ. وَيَزِيدُكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ خَيْرًا فِي كُلِّ مَجْهُودِكُمْ، وَفِي نَسْلِكُمْ وَفِي نِتَاجِ بَهَائِمِكُمْ وَمَحَاصِيلِ أَرْضِكُمْ. وَيَعُودُ اللهُ فَيَفْرَحُ بِكُمْ وَيُحْسِنُ إِلَيْكُمْ كَمَا فَرِحَ بِآبَائِكُمْ. كُلُّ ذَلِكَ، إِنْ سَمِعْتُمْ كَلَامَ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، وَعَمِلْتُمْ بِوَصَايَاهُ وَفَرَائِضِهِ الْمَكْتُوبَةِ فِي كِتَابِ الشَّرِيعَةِ هَذَا، وَرَجَعْتُمْ إِلَى الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ بِكُلِّ قَلْبِكُمْ وَبِكُلِّ نَفْسِكُمْ. هَذِهِ الْوَصِيَّةُ الَّتِي أُوصِيكُمْ بِهَا الْيَوْمَ، لَيْسَتْ صَعْبَةً عَلَيْكُمْ وَلَا بَعِيدَةً عَنْكُمْ. فَهِيَ لَيْسَتْ فِي السَّمَاءِ حَتَّى تَقُولُوا: ”مَنْ يَصْعَدُ لَنَا إِلَى السَّمَاءِ، وَيَأْتِي بِهَا وَيُسْمِعُنَا إِيَّاهَا فَنَعْمَلَ بِهَا؟“ وَلَا هِيَ فِي عَبْرِ الْبَحْرِ حَتَّى تَقُولُوا: ”مَنْ يَعْبُرُ لَنَا الْبَحْرَ، وَيَأْتِي بِهَا وَيُسْمِعُنَا إِيَّاهَا فَنَعْمَلَ بِهَا؟“ بَلِ الْكَلِمَةُ قَرِيبَةٌ مِنْكُمْ جِدًّا، فِي فَمِكُمْ وَفِي قَلْبِكُمْ لِتَعْمَلُوا بِهَا. اُنْظُرُوا! قَدْ وَضَعْتُ أَمَامَكُمُ الْيَوْمَ الْحَيَاةَ وَالْخَيْرَ، وَالْمَوْتَ وَالشَّرَّ. فَأُوصِيكُمْ أَنْ تُحِبُّوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ، وَتَسِيرُوا فِي طُرُقِهِ، وَتَعْمَلُوا بِوَصَايَاهُ وَفَرَائِضِهِ وَشَرَائِعِهِ، لِتَحْيَوْا وَتَكْثُرُوا وَيُبَارِكَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ فِي الْأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمْ دَاخِلُونَ إِلَيْهَا لِتَمْلِكُوهَا. وَلَكِنْ إِنِ انْحَرَفَ قَلْبُكُمْ وَلَمْ تُطِيعُوا وَضَلَلْتُمْ وَسَجَدْتُمْ لِآلِهَةٍ أُخْرَى وَعَبَدْتُمُوهَا، فَأَنَا أُخْبِرُكُمُ الْيَوْمَ أَنَّكُمْ لَا بُدَّ تَفْنَوْنَ. لَنْ تَعِيشُوا طَوِيلًا فِي الْأَرْضِ الَّتِي سَتَعْبُرُونَ الْأُرْدُنَّ لِتَدْخُلُوهَا وَتَمْلِكُوهَا. الْيَوْمَ أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ، أَنَا وَضَعْتُ أَمَامَكُمُ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ، الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ، فَاخْتَارُوا الْحَيَاةَ لِتَحْيَوْا أَنْتُمْ وَنَسْلُكُمْ. وَأَحِبُّوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ، وَاسْمَعُوا كَلَامَهُ، وَتَمَسَّكُوا بِهِ. لِأَنَّ اللهَ هُوَ حَيَاتُكُمْ، وَهُوَ يُطِيلُ عُمْرَكُمْ فِي الْأَرْضِ الَّتِي حَلَفَ أَنْ يُعْطِيَهَا لِآبَائِكُمْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. وَذَهَبَ مُوسَى وَكَلَّمَ جَمِيعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِهَذَا الْكَلَامِ وَقَالَ: ”أَنَا الْيَوْمَ ابْنُ 120 سَنَةً، وَلَمْ أَعُدْ قَادِرًا أَنْ أَقُودَكُمْ، وَقَدْ قَالَ اللهُ لِي إِنِّي لَنْ أَعْبُرَ هَذَا الْأُرْدُنَّ. فَالْمَوْلَى إِلَهُكُمْ هُوَ يَعْبُرُ أَمَامَكُمْ، وَهُوَ يُبِيدُ هَذِهِ الْأُمَمَ مِنْ أَمَامِكُمْ فَتَرِثُونَ بِلَادَهُمْ، وَيَشُوعُ يَقُودُكُمْ كَمَا قَالَ اللهُ. وَيَفْعَلُ اللهُ بِهِمْ كَمَا فَعَلَ بِسِيحُونَ وَعُوجَ، مَلِكَيِ الْأَمُورِيِّينَ، اللَّذَيْنِ أَهْلَكَهُمَا مَعَ بِلَادِهِمَا. يُسَلِّمُهُمُ اللهُ لَكُمْ، فَافْعَلُوا بِهِمْ حَسَبَ كُلِّ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. كُونُوا أَقْوِيَاءَ وَشُجْعَانًا. لَا تَخَافُوا مِنْهُمْ وَلَا تَرْهَبُوهُمْ، لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ سَائِرٌ مَعَكُمْ. لَنْ يَتْرُكَكُمْ وَلَنْ يَتَخَلَّى عَنْكُمْ.“ ثُمَّ نَادَى مُوسَى يَشُوعَ وَقَالَ لَهُ أَمَامَ كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ”كُنْ قَوِيًّا وَشُجَاعًا، لِأَنَّكَ أَنْتَ تَدْخُلُ مَعَ هَذَا الشَّعْبِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي حَلَفَ اللهُ لِآبَائِهِمْ أَنْ يُعْطِيَهَا لَهُمْ. وَأَنْتَ تَقْسِمُهَا لَهُمْ. الْمَوْلَى سَائِرٌ أَمَامَكُمْ. هُوَ مَعَكُمْ، لَنْ يَتْرُكَكُمْ وَلَنْ يَتَخَلَّى عَنْكُمْ. لَا تَخَافُوا وَلَا تَرْتَعِبُوا.“ وَكَتَبَ مُوسَى هَذِهِ التَّوْرَاةَ، وَسَلَّمَهَا لِلْأَحْبَارِ بَنِي لَاوِي الَّذِينَ يَحْمِلُونَ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ، وَلِكُلِّ شُيُوخِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَأَمَرَهُمْ مُوسَى وَقَالَ: ”فِي آخِرِ كُلِّ 7 سِنِينَ، أَيْ فِي سَنَةِ الْإِعْفَاءِ مِنَ الدُّيُونِ، فِي عِيدِ الْخِيَامِ، حِينَ يَأْتِي كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَمَامَ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ، تَقْرَأُونَ هَذِهِ التَّوْرَاةَ عَلَى مَسَامِعِهِمْ جَمِيعًا. فَتَجْمَعُونَ الشَّعْبَ، رِجَالًا وَنِسَاءً وَأَطْفَالًا، وَالْغُرَبَاءَ الَّذِينَ فِي مُدُنِكُمْ، لِكَيْ يَسْمَعُوا وَيَتَعَلَّمُوا أَنْ يَتَّقُوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ، وَيُطِيعُوا كَلَامَ هَذِهِ التَّوْرَاةِ وَيَعْمَلُوا بِهِ. وَلِكَيْ يَسْمَعَ أَوْلَادُهُمُ الَّذِينَ لَمْ يَعْرِفُوا هَذِهِ التَّوْرَاةَ، لِيَتَعَلَّمُوا أَنْ يَتَّقُوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ، طُولَ حَيَاتِكُمْ فِي الْأَرْضِ الَّتِي سَتَعْبُرُونَ الْأُرْدُنَّ لِتَمْلِكُوهَا.“ وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”قَرُبَ يَوْمُ وَفَاتِكَ، نَادِ يَشُوعَ وَقِفْ مَعَهُ فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، لِكَيْ أُوصِيَهُ.“ فَجَاءَ مُوسَى وَيَشُوعُ وَوَقَفَا فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. وَظَهَرَ الْمَوْلَى فِي الْخَيْمَةِ فِي عَمُودِ سَحَابٍ وَقَفَ عَلَى بَابِ الْخَيْمَةِ. وَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”أَنْتَ سَتَرْقُدُ مَعَ آبَائِكَ، فَيَقُومُ هَذَا الشَّعْبُ وَيَفْجُرُ وَيَتْبَعُ آلِهَةَ الْأَجَانِبِ الَّذِينَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي هُوَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا، وَيَتَخَلَّى عَنِّي وَيَنْقُضُ الْعَهْدَ الَّذِي عَمِلْتُهُ مَعَهُمْ. فَأَغْضَبُ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَأَتَخَلَّى عَنْهُمْ وَأَحْجُبُ وَجْهِي عَنْهُمْ، فَيُصْبِحُونَ فَرِيسَةً وَتَحِلُّ بِهِمْ مَصَائِبُ كَثِيرَةٌ وَمَشَقَّاتٌ. فَيَقُولُونَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: ’حَلَّتْ بِنَا هَذِهِ الْمَصَائِبُ لِأَنَّ إِلَهَنَا لَيْسَ مَعَنَا.‘ فَأَنَا أَحْجُبُ وَجْهِي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِسَبَبِ كُلِّ الشَّرِّ الَّذِي عَمِلُوهُ لِأَنَّهُمِ انْحَرَفُوا إِلَى آلِهَةٍ أُخْرَى. فَالْآنَ اكْتُبُوا لِأَنْفُسِكُمْ هَذَا النَّشِيدَ، وَعَلِّمُوهُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ لِكَيْ يَتَغَنَّوْا بِهِ فَيَكُونَ شَاهِدًا لِي عَلَيْهِمْ. فَمَتَى أَدْخَلْتُهُمْ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، الْأَرْضِ الَّتِي وَعَدْتُ بِهَا آبَاءَهُمْ بِقَسَمٍ، وَمَتَى أَكَلُوا وَشَبِعُوا وَسَمِنُوا فَإِنَّهُمْ يَنْحَرِفُونَ إِلَى آلِهَةٍ أُخْرَى وَيَعْبُدُونَهَا وَيَسْتَهِينُونَ بِي وَيَنْقُضُونَ عَهْدِي. وَعِنْدَمَا تَحِلُّ بِهِمْ مَصَائِبُ كَثِيرَةٌ وَمَشَقَّاتٌ، يَشْهَدُ هَذَا النَّشِيدُ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ نَسْلَهُمْ يَتَغَنَّى بِهِ وَلَا يَنْسَاهُ. فَأَنَا عَارِفٌ مَا يَدُورُ فِي فِكْرِهِمِ الْآنَ، حَتَّى مِنْ قَبْلِ أَنْ أُدْخِلَهُمْ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي وَعَدْتُهُمْ بِهَا بِقَسَمٍ.“ فَكَتَبَ مُوسَى هَذَا النَّشِيدَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَعَلَّمَهُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. وَأَوْصَى اللهُ يَشُوعَ بْنَ نُونَ وَقَالَ لَهُ: ”كُنْ قَوِيًّا وَشُجَاعًا، لِأَنَّكَ أَنْتَ تُدْخِلُ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي وَعَدْتُهُمْ بِهَا بِقَسَمٍ، وَأَنَا أَكُونُ مَعَكَ.“ وَلَمَّا انْتَهَى مُوسَى مِنْ كِتَابَةِ كَلَامِ هَذِهِ التَّوْرَاةِ كُلِّهَا فِي كِتَابٍ، قَالَ لِلَّاوِيِّينَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ: ”خُذُوا كِتَابَ التَّوْرَاةِ هَذَا، وَضَعُوهُ بِجَانِبِ صُنْدُوقِ عَهْدِ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، فَيَكُونَ هُنَاكَ شَاهِدًا عَلَيْكُمْ. لِأَنِّي عَارِفٌ أَنَّكُمْ شَعْبٌ مُتَمَرِّدٌ وَعَنِيدٌ. فَحَتَّى وَأَنَا حَيٌّ وَمَعَكُمْ تَمَرَّدْتُمْ عَلَى اللهِ فَكَمْ بِالْأَكْثَرِ بَعْدَمَا أَمُوتُ؟ اِجْمَعُوا إِلَيَّ كُلَّ شُيُوخِ قَبَائِلِكُمْ وَرُقَبَاءَكُمْ، لِكَيْ أَقُولَ هَذَا الْكَلاَمَ عَلَى مَسَامِعِهِمْ، وَأُشْهِدَ عَلَيْهِمُ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ. لِأَنِّي عَارِفٌ أَنَّكُمْ بَعْدَمَا أَمُوتُ تَفْسُدُونَ وَتَضِلُّونَ عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي أَوْصَيْتُكُمْ بِهَا. فَتَحِلُّ بِكُمُ الْمَصَائِبُ فِي الْأَيَّامِ الْمُقْبِلَةِ، لِأَنَّكُمْ تَفْعَلُونَ الشَّرَّ فِي نَظَرِ اللهِ، وَتُغْضِبُونَهُ بِالْأَصْنَامِ الَّتِي تَعْمَلُهَا أَيْدِيكُمْ.“ وَتَلَا مُوسَى عَلَى مَسَامِعِ كُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَلَامَ هَذَا النَّشِيدِ كُلَّهُ. أَصْغِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ فَأَتَكَلَّمَ، اِسْمَعِي أَيَّتُهَا الْأَرْضُ كَلَامَ فَمِي. يَنْهَمِرُ تَعْلِيمِي كَالْمَطَرِ، وَيَنْزِلُ كَلَامِي كَالنَّدَى، مِثْلَ قَطَرَاتٍ عَلَى الْعُشْبِ، وَكَمَطَرٍ غَزِيرٍ عَلَى الْغُرُوسِ النَّامِيَةِ. أُعْلِنُ اسْمَ الْمَوْلَى. عَظِّمُوا إِلَهَنَا! هُوَ الْمَلْجَأُ، كُلُّ أَعْمَالِهِ كَامِلَةٌ، وَكُلُّ طُرُقِهِ عَادِلَةٌ. هُوَ الْإِلَهُ الْأَمِينُ، لَا ظُلْمَ فِيهِ، صَالِحٌ وَعَادِلٌ هُوَ. فَسَدُوا أَمَامَهُ. يَا لِعَارِهِمْ! إِنَّهُمْ لَيْسُوا أَوْلَادَهُ فِيمَا بَعْدُ، بَلْ شَعْبٌ ضَالٌّ وَفَاسِدٌ. أَبِهَذَا تُكَافِئُونَ اللهَ أَيُّهَا الشَّعْبُ الْغَبِيُّ الْأَحْمَقُ؟ أَلَيْسَ هُوَ أَبُوكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَصَنَعَكُمْ وَأَبْدَعَكُمْ؟ اُذْكُرُوا الْأَيَّامَ الْقَدِيمَةَ، وَتَأَمَّلُوا زَمَنَ الْأَجْيَالِ الْمَاضِيَةِ. اِسْأَلُوا آبَاءَكُمْ فَيُخْبِرُوكُمْ، وَشُيُوخَكُمْ فَيَقُولُوا لَكُمْ. لَمَّا أَعْطَى الْعَلِيُّ لِلْأُمَمِ نَصِيبَهُمْ، وَفَرَّقَ بَنِي آدَمَ، صَنَعَ حُدُودًا لِلشُّعُوبِ حَسَبَ عَدَدِ مَلَائِكَتِهِ. أَمَّا نَصِيبُ اللهِ فَهُوَ شَعْبُهُ، يَعْقُوبُ هُوَ قِسْمُهُ. وَجَدَهُمْ فِي أَرْضٍ صَحْرَاءَ، فِي قَفْرٍ مُوحِشٍ مَهْجُورٍ. فَحَمَاهُمْ وَرَعَاهُمْ وَصَانَهُمْ كَحَدَقَةِ عَيْنِهِ. وَكَمَا يَهُزُّ النِّسْرُ عُشَّهُ، وَيُرَفْرِفُ نَازِلًا إِلَى فِرَاخِهِ، ثُمَّ يَبْسُطُ جَنَاحَيْهِ لِيَرْفَعَهُمْ، وَيَحْمِلَهُمْ عَلَى رِيشِهِ. كَذَلِكَ اللهُ وَحْدَهُ قَادَ شَعْبَهُ، وَلَيْسَ مَعَهُ إِلَهٌ غَرِيبٌ. أَصْعَدَهُمْ عَلَى مُرْتَفَعَاتِ الْأَرْضِ، وَأَطْعَمَهُمْ مِنْ غَلَّةِ الْحُقُولِ. أَرْضَعَهُمْ عَسَلًا مِنَ الصَّخْرِ، وَزَيْتًا مِنْ حَجَرِ الصَّوَّانِ، وَزُبْدَ الْبَقَرِ، وَلَبَنَ الْغَنَمِ، وَأَحْسَنَ الْحُمْلَانِ وَالْكِبَاشِ، وَثِيرَانَ بَاشَانَ وَالتُّيُوسَ، وَأَفْضَلَ أَنْوَاعِ الْقَمْحِ، وَدَمَ الْعِنَبِ خَمْرًا لِلشَّرَابِ. فَسَمِنَ بَنُو شَعْبِي وَرَفَسُوا، سَمِنُوا وَانْتَفَخُوا مِنَ الطَّعَامِ وَاكْتَسَوْا شَحْمًا. فَتَرَكُوا الْإِلَهَ الَّذِي صَنَعَهُمْ وَرَفَضُوا مَلْجَأَهُمْ وَمُنْقِذَهُمْ. أَثَارُوا غِيرَتَهُ بِآلِهَةٍ غَرِيبَةٍ، وَأَغْضَبُوهُ بِأَصْنَامِهِمِ الْقَبِيحَةِ. قَدَّمُوا ضَحَايَا لِلشَّيَاطِينِ الَّتِي لَيْسَتِ اللهَ، لِآلِهَةٍ لَمْ يَعْرِفُوهَا، آلِهَةٍ جَدِيدَةٍ ظَهَرَتْ حَدِيثًا، آبَاؤُكُمْ لَمْ يَخَافُوهَا. تَرَكْتُمُ الْمَلْجَأَ وَهُوَ الَّذِي أَنْجَبَكُمْ. نَسِيتُمُ اللهَ وَهُوَ الَّذِي أَبْدَعَكُمْ. فَرَأَى اللهُ هَذَا وَرَفَضَهُمْ، لِأَنَّ أَوْلَادَهُ وَبَنَاتِهِ أَغْضَبُوهُ. وَقَالَ: ”أَحْجُبُ وَجْهِي عَنْهُمْ، وَأَرَى مَاذَا تَكُونُ آخِرَتُهُمْ.“ لِأَنَّهُمْ شَعْبٌ ضَالٌّ، أَوْلَادٌ غَيْرُ أَوْفِيَاءَ. أَثَارُوا غِيرَتِي بِمَنْ هُمْ لَيْسُوا آلِهَةً، وَغَاظُونِي بِأَصْنَامِهِمِ التَّافِهَةِ، وَأَنَا أَجْعَلُهُمْ يَغَارُونَ بِمَنْ هَمْ لَيْسُوا شَعْبًا، وَبِأُمَّةٍ غَبِيَّةٍ أَغِيظُهُمْ. لِأَنَّ غَضَبِي أَشْعَلَ نَارًا، يَصِلُ لَهِيبُهَا إِلَى عَالَمِ الْأَمْوَاتِ، فَتَأْكُلُ الْأَرْضَ وَمَحَاصِيلَهَا، وَتَحْرِقُ أُسُسَ الْجِبَالِ. أُكَوِّمُ عَلَيْهِمُ الْمَصَائِبَ، وَأُفْرِغُ كُلَّ سِهَامِي فِيهِمْ. يَخُورُونَ مِنَ الْجُوعِ، تَأْكُلُهُمُ الْحُمَّى وَالْوَبَأُ الْفَتَّاكُ، أُرْسِلُ عَلَيْهِمْ أَسْنَانَ الْوُحُوشِ، مَعَ سِمِّ زَوَاحِفِ الْأَرْضِ. فِي الْخَارِجِ يَمُوتُونَ بِالسَّيْفِ، وَدَاخِلَ الدَّارِ بِالرُّعْبِ. يَهْلِكُ الْفَتَى وَالْفَتَاةُ، وَالرَّضِيعُ وَالشَّيْخُ. قُلْتُ: ”أُشَتِّتُهُمْ فِي زَوَايَا الْأَرْضِ، وَأَمْسَحُ ذِكْرَهُمْ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ.“ لَوْلَا خَوْفِي مِنْ أَنْ يَتَبَجَّحَ الْعَدُوُّ، وَيَدَّعِيَ الْخَصْمُ أَنَّهُ انْتَصَرَ عَلَيْهِمْ بِقُوَّتِهِ هُوَ، وَلَيْسَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَذَلَّ إِسْرَائِيلَ. إِنَّهُمْ أُمَّةٌ مَحْرُومَةٌ مِنَ الْمَشُورَةِ الْحُسْنَى، وَلَا فَهْمَ فِيهِمْ. يَا لَيْتَهُمْ كَانُوا حُكَمَاءَ لِيَفْهَمُوا هَذَا، وَيَتَأَمَّلُوا آخِرَتَهُمْ. مَلْجَأُهُمْ بَاعَهُمْ، اللهُ هَجَرَهُمْ. لِذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْ أَعْدَائِهِمْ يَطْرُدُ 1000 مِنْهُمْ، وَاثْنَانِ يَهْزِمَانِ 10000! لَكِنَّ أَعْدَاءَنَا لَيْسَ لَهُمْ مَلْجَأٌ كَمَلْجَأِنَا، وَهُمْ يُقِرُّونَ بِذَلِكَ. إِنَّمَا أَشْجَارُ عِنَبِهِمْ هِيَ مِنْ سَدُومَ وَمِنْ حُقُولِ عَمُورَةَ. عِنَبُهُمْ سَامٌّ. عَنَاقِيدُهُمْ مُرَّةٌ. خَمْرُهُمْ سِمُّ الثَّعَابِينِ، سِمُّ الْأَفَاعِي الْمُمِيتُ. كُلُّ هَذَا مَحْفُوظٌ عِنْدِي، وَمَخْتُومٌ عَلَيْهِ فِي خَزَائِنِي. أَنَا أَنْتَقِمُ، أَنَا أُجَازِي. فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ تَزِلُّ أَقْدَامُهُمْ. يَوْمُ هَلَاكِهِمْ قَرِيبٌ، وَنِهَايَتُهُمْ تَأْتِي سَرِيعًا. سَيُحَاكِمُ اللهُ شَعْبَهُ، وَيَشْفِقُ عَلَى عَبِيدِهِ، لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّ قُوَّتَهُمْ رَاحَتْ، وَلَمْ يَبْقَ عَبْدٌ وَلَا حُرٌّ. فَيَقُولُ: ”أَيْنَ آلِهَتُهُمْ؟ أَيْنَ الْمَلْجَأُ الَّذِي كَانُوا يَحْتَمُونَ بِهِ؟ أَيْنَ الْآلِهَةُ الَّتِي كَانَتْ تَأْكُلُ شَحْمَ ذَبَائِحِهِمْ، وَتَشْرَبُ الْخَمْرَ الَّذِي سَكَبُوهُ قُرْبَانًا؟ خَلُّوهَا تَقُومُ وَتَنْصُرُكُمْ وَتَحْمِيكُمْ! اُنْظُرُوا الْآنَ، أَنَا هُوَ، وَلَا يُوجَدُ إِلَهٌ غَيْرِي. أَنَا أُمِيتُ وَأُحْيِي، أَجْرَحُ وَأَشْفِي، وَلَا مُنْقِذَ مِنْ يَدِي. أَرْفَعُ يَدِي إِلَى السَّمَاءِ، وَأُقْسِمُ بِذَاتِي أَنَا الْحَيُّ إِلَى الْأَبَدِ. حِينَ أَصْقُلُ سَيْفِيَ الْبَرَّاقَ، وَأُمْسِكُهُ بِيَدِي لِلْعِقَابِ، فَإِنِّي أَنْتَقِمُ مِنْ خُصُومِي، وَأُجَازِي الَّذِينَ يَكْرَهُونِي. تَسْكَرُ سِهَامِي مِنَ الدَّمِ، وَسَيْفِي يَأْكُلُ اللَّحْمَ، مِن دَمِ الْقَتْلَى وَالْأَسْرَى، وَرُؤُوسِ قَادَةِ الْعَدُوِّ.“ اِفْرَحُوا أَيُّهَا الْأُمَمُ مَعَ شَعْبِهِ، لِأَنَّهُ يَنْتَقِمُ لِدَمِ عَبِيدِهِ، يَثْأَرُ مِنْ أَعْدَائِهِ، وَيَصْفَحُ عَنْ أَرْضِهِ وَشَعْبِهِ. فَجَاءَ مُوسَى وَمَعَهُ يَشُوعُ بْنُ نُونَ، وَتَلَا كَلَامَ هَذَا النَّشِيدِ كُلَّهُ عَلَى مَسَامِعِ الشَّعْبِ. وَلَمَّا انْتَهَى مُوسَى مِنْ تِلَاوَةِ كُلِّ هَذَا الْكَلَامِ لِكُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ لَهُمْ: ”تَأَمَّلُوا فِي قُلُوبِكُمْ كُلَّ الْكَلَامِ الَّذِي أَنْذَرْتُكُمْ بِهِ الْيَوْمَ، لِكَيْ تُوصُوا أَوْلَادَكُمْ لِيُطِيعُوا كُلَّ كَلَامِ هَذِهِ التَّوْرَاةِ وَيَعْمَلُوا بِهِ. إِنَّهُ لَيْسَ كَلَامًا تَافِهًا، بَلْ هُوَ حَيَاتُكُمْ، وَبِهِ يَطُولُ عُمْرُكُمْ فِي الْأَرْضِ الَّتِي سَتَعْبُرُونَ الْأُرْدُنَّ لِتَمْلِكُوهَا.“ وَفِي نَفْسِ ذَلِكَ الْيَوْمَ، قَالَ اللهُ لِمُوسَى: ”اِصْعَدْ إِلَى جَبَلِ عَبَارِيمَ الَّذِي هُوَ جُزْءٌ مِنْ جَبَلِ نَبْوَ فِي مُوآبَ مُقَابِلَ أَرِيحَا، وَانْظُرْ أَرْضَ كَنْعَانَ الَّتِي أَنَا أُعْطِيهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِلْكًا. ثُمَّ مُتْ فِي الْجَبَلِ الَّذِي أَنْتَ صَاعِدٌ إِلَيْهِ، وَانْضَمَّ إِلَى أَسْلَافِكَ، كَمَا مَاتَ هَارُونُ أَخُوكَ فِي جَبَلِ هُورَ، وَانْضَمَّ إِلَى أَسْلَافِهِ. لِأَنَّكُمَا خَالَفْتُمَانِي أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، عِنْدَ مَاءِ مَرِيبَةَ قَادِشَ فِي صَحْرَاءِ صِينَ، وَلَمْ تُظْهِرَا أَمَامَ الشَّعْبِ أَنِّي قُدُّوسٌ. لِذَلِكَ لَنْ تَدْخُلَ الْأَرْضَ الَّتِي أُعْطِيهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، بَلْ تَرَاهَا مِنْ بَعِيدٍ فَقَطْ.“ وَهَذِهِ هِيَ الْبَرَكَةُ الَّتِي بَارَكَ بِهَا النَّبِيُّ مُوسَى، بَنِي إِسْرَائِيلَ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَقَالَ: ”أَقْبَلَ الْمَوْلَى مِنْ سِينَاءَ، أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ مِنْ سَعِيرَ، نَوَّرَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ، عَشَرَاتُ أُلُوفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَعَهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ نَارٌ مُشْتَعِلَةٌ. هُوَ يُحِبُّ هَذَا الشَّعْبَ، وَيُبَارِكُ عَبِيدَهُ الصَّالِحِينَ، يَجْلِسُونَ عِنْدَ قَدَمَيْهِ، وَيَتَلَقَّوْنَ تَعْلِيمَهُ. مُوسَى أَوْصَانَا بِالشَّرِيعَةِ، وَهِيَ مِيرَاثٌ لِبَنِي يَعْقُوبَ. صَارَ اللهُ مَلِكًا عَلَى شَعْبِهِ، حِينَ اجْتَمَعَ الْقَادَةُ وَرُؤَسَاءُ قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعًا.“ وَقَالَ عَنْ رَأُوبِينَ: ”لَيْتَ رَأُوبِينَ يَحْيَا وَلَا يَمُوتُ، وَلَا يَكُونُ رِجَالُهُ قَلِيلِينَ.“ وَقَالَ عَنْ يَهُوذَا: ”اِسْمَعْ يَا رَبُّ صَوْتَ يَهُوذَا، وَرُدَّهُ إِلَى شَعْبِهِ. بِيَدَيْهِ يُدَافِعُ عَنْ نَفْسِهِ، فَكُنْ لَهُ عَوْنًا عَلَى أَعْدَائِهِ.“ وَقَالَ عَنْ لَاوِي: ”يَا رَبُّ أَعْطِ النُّورَ وَالْأَمَانَ لِخَادِمِكَ الْوَفِيِّ الَّذِي امْتَحَنْتَهُ فِي مَسَّةَ، وَخَاصَمْتَهُ عِنْدَ مَاءِ مَرِيبَةَ. الَّذِي هُوَ أَكْثَرُ وَفَاءً لَكَ مِنْ وَفَائِهِ لِوَالِدَيْهِ وَإِخْوَتِهِ وَأَوْلَادِهِ. أَطَاعَ كَلَامَكَ وَحَفِظَ عَهْدَكَ. يُعَلِّمُ بَنِي يَعْقُوبَ وَصَايَاكَ، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ شَرِيعَتَكَ. يُقَدِّمُ بَخُورًا أَمَامَكَ، وَقَرَابِينَ عَلَى الْمَنَصَّةِ الَّتِي لِعِبَادَتِكَ. بَارِكْ يَا رَبُّ قُوَّتَهُ، وَارْضَ عَنْ أَعْمَالِهِ. اِكْسِرْ ظَهْرَ مَنْ يُقَاوِمُونَهُ وَيُبْغِضُونَهُ حَتَّى لَا يَقُومُوا.“ وَقَالَ عَنْ بِنْيَمِينَ: ”هُوَ حَبِيبُ اللهِ الَّذِي يَرْتَاحُ عِنْدَهُ فِي أَمَانٍ. اللهُ يَحْمِيهِ طُولَ النَّهَارِ، وَهُوَ يَرْتَاحُ فِي حِضْنِهِ.“ وَقَالَ عَنْ يُوسِفَ: ”لِيُبَارِكِ الْمَوْلَى أَرْضَهُ، بِنَدَى السَّمَاءِ الطَّيِّبِ، وَبِمِيَاهٍ غَزِيرَةٍ مِنْ تَحْتُ، وَبِأَفْضَلِ الثِّمَارِ، سَوَاءٌ مَا يَطْلَعُ سَنَوِيًّا أَوْ شَهْرِيًّا، وَبِأَفْخَرِ مَا فِي الْجِبَالِ الْقَدِيمَةِ، وَبِأَثْمَنِ مَا فِي التِّلَالِ الْأَبَدِيَّةِ، وَبِأَثْمَنِ مَا فِي الْأَرْضِ بِأَكْمَلِهَا. لِيُبَارِكْهُ بِأَنْ يَرْضَى عَنْهُ السَّاكِنُ فِي الْعُلَّيْقَةِ. لِتَحِلَّ كُلُّ هَذِهِ عَلَى رَأْسِ يُوسِفَ، عَلَى جَبِينِ الْأَمِيرِ بَيْنَ إِخْوَتِهِ. هُوَ فِي جَلَالِهِ كَبِكْرِ الثَّوْرِ، قُرُونُهُ قُرُونُ ثَوْرٍ وَحْشِيٍّ، يَنْطَحُ بِهَا الْأُمَمَ إِلَى آخِرِ الْأَرْضِ. هَذِهِ هِيَ عَشَرَاتُ أُلُوفِ أَفْرَايِمَ وَأُلُوفُ مَنَسَّى.“ وَقَالَ عَنْ زَبُولُونَ: ”اِفْرَحْ يَا زَبُولُونُ عِنْدَمَا تَرْحَلُ، وَأَنْتَ يَا يَسَّاكَرُ عِنْدَمَا تَبْقَى فِي الْخِيَامِ. يُنَادِيَانِ الشَّعْبَ إِلَى الْجَبَلِ، حَيْثُ يُقَدِّمَانِ قَرَابِينَ الصَّلَاحِ. يَشْبَعَانِ مِنْ خَيْرَاتِ الْبِحَارِ، وَمِنَ الْكُنُوزِ الْمَدْفُونَةِ فِي الرِّمَالِ.“ وَقَالَ عَنْ جَادَ: ”تَبَارَكَ الَّذِي وَسَّعَ حُدُودَ أَرْضِ جَادَ! هُنَاكَ يَرْبِضُ جَادُ كَأَسَدٍ، وَيُمَزِّقُ ذِرَاعَ فَرِيسَتِهِ أَوْ رَأْسَهَا. اِخْتَارَ أَحْسَنَ الْأَرْضِ لِنَفْسِهِ، نَصِيبُ الرَّئِيسِ حُفِظَ لَهُ. وَلَمَّا اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الشَّعْبِ مَعًا، نَفَّذَ مَشِيئَةَ اللهِ الصَّالِحَةَ، وَأَحْكَامَهُ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ.“ وَقَالَ عَنْ دَانَ: ”دَانُ شِبْلُ أَسَدٍ وَثَبَ مِنْ بَاشَانَ.“ وَقَالَ عَنْ نَفْتَالِي: ”نَفْتَالِي شَبْعَانٌ مِنْ رِضَى اللهِ، وَمَلْآنٌ مِنْ بَرَكَاتِهِ، فَيَمْلِكُ فِي الْغَرْبِ وَالْجَنُوبِ.“ وَقَالَ عَنْ أَشِيرَ: ”أَشِيرُ أَكْثَرُ الْبَنِينَ بَرَكَةً. يَرْضَى عَنْهُ إِخْوَتُهُ. يَغْمِسُ فِي الزَّيْتِ رِجْلَيْهِ. بَوَّابَاتُ مُدُنِكَ مِنْ حَدِيدٍ وَنُحَاسٍ، وَطُولَ عُمْرِكَ أَنْتَ فِي أَمَانٍ.“ لَيْسَ مِثْلُ اللهِ يَا شَعْبِي. يَأْتِي لِمَعُونَتِكَ رَاكِبًا عَلَى السَّمَاءِ، وَعَلَى السَّحَابِ فِي جَلَالِهِ. الْإِلَهُ الْأَزَلِيُّ مَلْجَأُكَ، وَالْأَذْرُعُ الْأَبَدِيَّةُ تَحْتَكَ. يَطْرُدُ عَدُوَّكَ أَمَامَكَ، وَيَقُولُ لَكَ: ”أَهْلِكْهُ!“ فَيَسْكُنُ إِسْرَائِيلُ فِي أَمَانٍ وَحْدَهُ، وَتَكُونُ يَنَابِيعُ يَعْقُوبَ مَضْمُونَةً، فِي أَرْضِ حُبُوبٍ وَخَمْرٍ، حَيْثُ تَهْطِلُ السَّمَاءُ نَدًى. هَنِيئًا لَكُمْ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ. مَنْ مِثْلُكَ يَا شَعْبٌ نَصَرَهُ اللهُ؟ هُوَ حَامِيكَ وَمُعِينُكَ وَسَيْفُكَ الْعَظِيمُ. لَكَ يَتَذَلَّلُ أَعْدَاؤُكَ، وَأَنْتَ تَدُوسُ عَلَى أَمَاكِنِ عِبَادَتِهِمْ. ثُمَّ صَعِدَ مُوسَى مِنْ سُهُولِ مُوآبَ إِلَى جَبَلِ نَبْوَ، إِلَى قِمَّةِ فِسْجَةَ، مُقَابِلَ أَرِيحَا. فَأَرَاهُ اللهُ كُلَّ الْأَرْضِ مِنْ جِلْعَادَ إِلَى دَانَ، وَكُلَّ نَفْتَالِي، وَأَرْضَ أَفْرَايِمَ وَمَنَسَّى، وَكُلَّ أَرْضِ يَهُوذَا إِلَى الْبَحْرِ الْأَبْيَضِ الْمُتَوَسِّطِ. وَالنَّقَبَ وَكُلَّ الْوَادِي الْمُمْتَدِّ مِنْ أَرِيحَا مَدِينَةِ النَّخْلِ إِلَى صُوغَرَ. وَقَالَ اللهُ لَهُ: ”هَذِهِ هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي وَعَدْتُ بِهَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ بِقَسَمٍ، كَمَا قُلْتُ، سَأُعْطِيهَا لِنَسْلِكُمْ. أَنَا أَرَيْتُكَ إِيَّاهَا بِعَيْنَيْكَ، وَلَكِنَّكَ لَنْ تَعْبُرَ إِلَيْهَا.“ فَمَاتَ مُوسَى عَبْدُ اللهِ هُنَاكَ فِي مُوآبَ، كَمَا قَالَ اللهُ. وَدَفَنَهُ اللهُ فِي الْوَادِي فِي أَرْضِ مُوآبَ، مُقَابِلَ بَيْتَ فَغُورَ. وَلَمْ يَعْرِفْ أَحَدٌ قَبْرَهُ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا. وَكَانَ مُوسَى ابْنَ 120 سَنَةً لَمَّا مَاتَ. لَمْ يَضْعُفْ نَظَرُهُ وَلَمْ تَذْهَبْ حَيَوِيَّتُهُ. فَبَكَى بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى مُوسَى فِي سُهُولِ مُوآبَ 30 يَوْمًا، حَتَّى انْتَهَتْ فَتْرَةُ الْحِدَادِ. وَيَشُوعُ بْنُ نُونَ كَانَ قَدِ امْتَلَأَ بِرُوحِ الْحِكْمَةِ، لِأَنَّ مُوسَى وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ فَسَمِعَ لَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَعَمِلُوا كَمَا أَوْصَى اللهُ مُوسَى. وَمُنْذُ ذَلِكَ الْوَقْتِ، لَمْ يَظْهَرْ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيلَ كَمُوسَى الَّذِي عَرَفَهُ اللهُ وَجْهًا لِوَجْهٍ، وَأَرْسَلَهُ لِيَصْنَعَ كُلَّ تِلْكَ الْآيَاتِ وَالْعَجَائِبِ فِي مِصْرَ بِفِرْعَوْنَ وَكُلِّ أَعْوَانِهِ وَكُلِّ بِلَادِهِ. فَلَمْ يَظْهَرْ مَنْ يَعْمَلُ بِكُلِّ قُدْرَةٍ شَدِيدَةٍ، وَأَهْوَالٍ عَظِيمَةٍ، كَمَا عَمِلَ مُوسَى أَمَامَ عُيُونِ كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَبَعْدَمَا مَاتَ مُوسَى عَبْدُ اللهِ، قَالَ اللهُ لِيَشُوعَ بْنِ نُونَ مُسَاعِدِ مُوسَى: ”مُوسَى عَبْدِي مَاتَ. فَالْآنَ قُمُ اعْبُرْ نَهْرَ الْأُرْدُنِّ هَذَا، أَنْتَ وَكُلُّ هَذَا الشَّعْبِ، إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أُعْطِيهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. كُلُّ مَكَانٍ تَدُوسُهُ أَقْدَامُكُمْ أَعْطَيْتُهُ لَكُمْ، كَمَا وَعَدْتُ مُوسَى. تَكُونُ هَذِهِ حُدُودَكُمْ مِنَ الصَّحْرَاءِ جَنُوبًا إِلَى لُبْنَانَ شَمَالًا، وَمِنَ النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ شَرْقًا إِلَى الْبَحْرِ الْأَبْيَضِ الْمُتَوَسِّطِ غَرْبًا، بِمَا فِي ذَلِكَ كُلُّ بِلَادِ الْحِثِّيِّينَ. لَنْ يَقْدِرَ أَحَدٌ أَنْ يُقَاوِمَكَ طُولَ عُمْرِكَ. كَمَا كُنْتُ مَعَ مُوسَى أَكُونُ مَعَكَ. لَنْ أَتْرُكَكَ وَلَنْ أَتَخَلَّى عَنْكَ. كُنْ قَوِيًّا وَشُجَاعًا، لِأَنَّكَ أَنْتَ تَقُودُ هَذَا الشَّعْبَ لِيَمْلِكَ الْأَرْضَ الَّتِي حَلَفْتُ لِآبَائِهِمْ أَنْ أُعْطِيَهَا لَهُمْ. فَكُنْ قَوِيًّا وَشُجَاعًا جِدًّا، وَانْتَبِهْ وَأَطِعْ كُلَّ بُنُودِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَمَرَكَ بِهَا مُوسَى عَبْدِي. لَا تَنْحَرِفْ عَنْهَا يَمِينًا أَوْ شِمَالًا، لِكَيْ تَنْجَحَ فِي كُلِّ مَكَانٍ تَذْهَبُ إِلَيْهِ. لَا تَتَوقَّفْ عَنْ تَرْدِيدِ كَلَامِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ. تَأَمَّلْ فِيهِ نَهَارًا وَلَيْلًا، لِكَيْ تَنْتَبِهَ وَتَعْمَلَ بِكُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي هَذَا الْكِتَابِ، فَتَسْتَقِيمَ حَيَاتُكَ وَتَنْجَحَ. هَذَا هُوَ أَمْرِي لَكَ: كُنْ قَوِيًّا وَشُجَاعًا. لَا تَرْتَعِبْ وَلَا تَخَفْ، لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكَ مَعَكَ فِي كُلِّ مَكَانٍ تَذْهَبُ إِلَيْهِ.“ فَأَمَرَ يَشُوعُ قَادَةَ الشَّعْبِ بِأَنْ يَتَجَوَّلُوا فِي الْمُخَيَّمِ وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ: ”جَهِّزُوا لَكُمْ طَعَامًا لِأَنَّكُمْ بَعْدَ 3 أَيَّامٍ تَعْبُرُونَ نَهْرَ الْأُرْدُنِّ مِنْ هُنَا، لِكَيْ تَدْخُلُوا وَتَسْتَوْلُوا عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيهَا لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ لِتَمْلِكُوهَا.“ ثُمَّ قَالَ يَشُوعُ لِبَنِي رَأُوبِينَ وَبَنِي جَادَ وَنِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى: ”تَذَكَّرُوا الْكَلَامَ الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ مُوسَى عَبْدُ اللهِ لَمَّا قَالَ: ’الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ أَرَاحَكُمْ وَأَعْطَاكُمْ هَذِهِ الْأَرْضَ.‘ إِذَنْ تَبْقَى نِسَاؤُكُمْ وَأَطْفَالُكُمْ وَمَوَاشِيكُمْ، هُنَا فِي الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَاهَا لَكُمْ مُوسَى فِي شَرْقِ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ. وَكُلُّ الرِّجَالِ الْقَادِرِينَ عَلَى الْحَرْبِ بَيْنَكُمْ، يَذْهَبُونَ مُسَلَّحِينَ أَمَامَ إِخْوَتِكُمْ لِتُسَاعِدُوهُمْ. حَتَّى يُرِيحَ الْمَوْلَى إِخْوَتَكُمْ مِثْلَكُمْ، وَيَمْتَلِكُوا هُمْ أَيْضًا الْأَرْضَ الَّتِي يُعْطِيهَا لَهُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. وَبَعْدَ ذَلِكَ تَرْجِعُونَ إِلَى أَرْضِكُمْ وَتَمْتَلِكُونَهَا، وَهِيَ الَّتِي أَعْطَاهَا لَكُمْ مُوسَى عَبْدُ اللهِ فِي شَرْقِ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ، نَاحِيَةَ شُرُوقِ الشَّمْسِ.“ فَقَالُوا لِيَشُوعَ: ”نَفْعَلُ كُلَّ مَا تَأْمُرُنَا بِهِ، وَنَذْهَبُ إِلَى أَيِّ مَكَانٍ تُرْسِلُنَا إِلَيْهِ! كَمَا كُنَّا نُطِيعُ مُوسَى فِي كُلِّ شَيْءٍ، نُطِيعُكَ أَنْتَ. فَلْيَكُنِ الْمَوْلَى إِلَهُكَ مَعَكَ كَمَا كَانَ مَعَ مُوسَى. كُلُّ مَنْ يُخَالِفُ أَمْرَكَ وَلَا يُطِيعُ كَلَامَكَ فِي جَمِيعِ مَا تَأْمُرُ بِهِ يُقْتَلُ. إِنَّمَا كُنْ قَوِيًّا وَشُجَاعًا.“ فَأَرْسَلَ يَشُوعُ بْنُ نُونَ مِنْ شِطِّيمَ جَاسُوسَيْنِ فِي الْخَفَاءِ، وَقَالَ لَهُمَا: ”اِذْهَبَا وَانْظُرَا الْأَرْضَ وَخَاصَّةً أَرِيحَا.“ فَذَهَبَا وَدَخَلَا دَارَ امْرَأَةٍ عَاهِرَةٍ اسْمُهَا رَاحَابُ، وَبَاتَا هُنَاكَ. فَقَالَ النَّاسُ لِمَلِكِ أَرِيحَا: ”هَذِهِ اللَّيْلَةَ دَخَلَ إِلَى هُنَا رَجُلَانِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِكَيْ يَتَجَسَّسَا الْأَرْضَ.“ فَأَرْسَلَ مَلِكُ أَرِيحَا إِلَى رَاحَابَ يَقُولُ: ”أَخْرِجِي الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَتَيَا إِلَيْكِ وَدَخَلَا دَارَكِ، لِأَنَّهُمَا أَتَيَا لِيَتَجَسَّسَا الْأَرْضَ كُلَّهَا.“ لَكِنَّ الْمَرْأَةَ أَخَذَتِ الرَّجُلَيْنِ وَخَبَّأَتْهُمَا وَقَالَتْ: ”نَعَمْ، جَاءَ إِلَيَّ الرَّجُلَانِ وَلَمْ أَعْلَمْ مِنْ أَيْنَ هُمَا. وَخَرَجَا قَبْلَ إِغْلَاقِ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ، عِنْدَ حُلُولِ الظَّلَامِ، وَلَا أَعْلَمُ أَيْنَ ذَهَبَا. فَأَسْرِعُوا وَرَاءَهُمَا حَتَّى تَلْحَقُوا بِهِمَا.“ أَمَّا هِيَ، فَأَطْلَعَتْهُمَا عَلَى السَّطْحِ، وَأَخْفَتْهُمَا بَيْنَ عِيدَانِ كَتَّانٍ لَهَا مُكَوَّمَةٍ فَوْقَ السَّطْحِ. فَرَاحَ رِجَالُ الْمَلِكِ وَرَاءَهُمَا فِي الطَّرِيقِ الْمُتَّجِهَةِ إِلَى مَعَابِرِ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ. وَلَمَّا خَرَجُوا، أَغْلَقَ الْمَسْئُولُونَ بَوَّابَةَ الْمَدِينَةِ. وَقَبْلَ أَنْ يَنَامَ الْجَاسُوسَانِ، صَعِدَتْ رَاحَابُ إِلَى السَّطْحِ، وَقَالَتْ لَهُمَا: ”أَنَا عَارِفَةٌ أَنَّ اللهَ أَعْطَاكُمْ هَذِهِ الْأَرْضَ، وَنَحْنُ أَصْبَحْنَا خَائِفِينَ جِدًّا مِنْكُمْ، حَتَّى إِنَّ كُلَّ سُكَّانِ هَذِهِ الْبِلَادِ ذَابُوا مِنَ الْخَوْفِ مِنْكُمْ. لِأَنَّنَا سَمِعْنَا كَيْفَ جَفَّفَ اللهُ لَكُمْ مِيَاهَ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ لَمَّا خَرَجْتُمْ مِنْ مِصْرَ، وَمَا عَمِلْتُمُوهُ بِمَلِكَيِ الْأَمُورِيِّينَ اللَّذَيْنِ فِي شَرْقِ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ، سِيحُونَ وَعُوجَ، اللَّذَيْنِ أَفْنَيْتُمُوهُمَا. سَمِعْنَا فَذَابَتْ قُلُوبُنَا، وَضَاعَتْ مِنَّا شَجَاعَتُنَا بِسَبَبِكُمْ، لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ هُوَ الْإِلَهُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَعَلَى الْأَرْضِ مِنْ تَحْتُ. فَالْآنَ، اِحْلِفَا لِي بِاللهِ، إِنَّهُ كَمَا عَمِلْتُ مَعَكُمَا مَعْرُوفًا، أَنْتُمَا أَيْضًا تَعْمَلَانِ مَعَ عَائِلَتِي مَعْرُوفًا، وَتُعْطِيَانِي عَلَامَةً أَكِيدَةً أَنَّكُمَا تُبْقِيَانِ حَيَاةَ أَبِي وَأُمِّي وَإِخْوَتِي وَأَخَوَاتِي، وَكُلَّ مَا لَهُمْ، وَتُنْقِذَانِ أَنْفُسَنَا مِنَ الْمَوْتِ.“ فَقَالَ لَهَا الرَّجُلَانِ: ”نَفْدِيكُمْ بِحَيَاتِنَا، بِشَرْطِ أَنْ لَا تُفْشُوا أَمْرَنَا. وَحِينَ يُعْطِينَا اللهُ الْأَرْضَ، نَعْمَلُ مَعَكِ مَعْرُوفًا وَنُسَدِّدُ الْأَمَانَةَ.“ وَكَانَتْ دَارُهَا الَّتِي تَسْكُنُ فِيهَا جُزْءًا مِنْ سُورِ الْمَدِينَةِ، فَأَنْزَلَتْهُمَا بِحَبْلٍ مِنَ النَّافِذَةِ. وَقَالَتْ لَهُمَا: ”اِذْهَبَا إِلَى الْجَبَلِ، لِكَيْ لَا يَجِدَكُمَا مَنْ يَبْحَثُونَ عَنْكُمَا، وَاخْتَبِئَا هُنَاكَ 3 أَيَّامٍ حَتَّى يَرْجِعُوا، ثُمَّ اذْهَبَا فِي طَرِيقِكُمَا.“ فَقَالَ لَهَا الرَّجُلَانِ: ”هَذَا الْقَسَمُ الَّذِي حَلَفْنَاهُ لَكِ، لَا نَفِي بِهِ إِلَّا إِذَا فَعَلْتِ هَذَا: عِنْدَمَا نَدْخُلُ هَذِهِ الْأَرْضَ، اِرْبِطِي هَذَا الْحَبْلَ الْأَحْمَرَ فِي النَّافِذَةِ الَّتِي أَنْزَلْتِنَا مِنْهَا، وَاجْمَعِي فِي الدَّارِ أَبَاكِ وَأُمَّكِ وَإِخْوَتَكِ وَكُلَّ عَائِلَتِكِ. فَإِنْ خَرَجَ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى الشَّارِعِ، يَكُونُ هُوَ الْمَسْئُولَ عَنْ نَفْسِهِ، وَنَكُونُ نَحْنُ بَرِيئَيْنِ. أَمَّا كُلُّ مَنْ يَكُونُ مَعَكِ فِي الدَّارِ، فَنَحْنُ الْمَسْئُولَانِ إِنْ مَدَّ أَحَدٌ يَدَهُ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَفْشَيْتِ أَمْرَنَا، لَا نَفِي بِالْقَسَمِ الَّذِي حَلَفْنَاهُ لَكِ.“ فَقَالَتْ رَاحَابُ: ”اِتَّفَقْنَا! لِيَكُنْ كَمَا قُلْتُمَا.“ وَصَرَفَتْهُمَا فَذَهَبَا. وَرَبَطَتِ الْحَبْلَ الْأَحْمَرَ فِي النَّافِذَةِ. فَذَهَبَا وَسَارَا إِلَى الْجَبَلِ وَأَقَامَا هُنَاكَ 3 أَيَّامٍ، حَتَّى رَجَعَ الَّذِينَ كَانُوا يَبْحَثُونَ عَنْهُمَا، بَعْدَمَا فَتَّشُوا فِي كُلِّ الطَّرِيقِ وَلَمْ يَجِدُوهُمَا. ثُمَّ رَجَعَ الْجَاسُوسَانِ وَنَزَلَا مِنَ الْجَبَلِ وَعَبَرَا نَهْرَ الْأُرْدُنِّ وَأَتَيَا إِلَى يَشُوعَ بْنِ نُونَ، وَأَخْبَرَاهُ بِكُلِّ مَا جَرَى مَعَهُمَا، وَقَالَا لَهُ: ”اللهُ أَعْطَانَا فِي أَيْدِينَا هَذِهِ الْأَرْضَ كُلَّهَا. كُلُّ سُكَّانِ هَذِهِ الْبِلَادِ ذَابُوا مِنَ الْخَوْفِ مِنَّا.“ وَقَامَ يَشُوعُ فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، وَرَحَلَ هُوَ وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ شِطِّيمَ وَجَاءُوا إِلَى نَهْرِ الْأُرْدُنِّ، وَبَاتُوا هُنَاكَ قَبْلَ أَنْ يَعْبُرُوا. وَبَعْدَ 3 أَيَّامٍ، تَجَوَّلَ الْقَادَةُ فِي الْمُخَيَّمِ، وَأَمَرُوا الشَّعْبَ وَقَالُوا لَهُمْ: ”عِنْدَمَا تَرَوْنَ صُنْدُوقَ عَهْدِ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، وَالْأَحْبَارَ اللَّاوِيِّينَ يَحْمِلُونَهُ، فَارْحَلُوا مِنْ أَمَاكِنِكُمْ وَاتْبَعُوهُ. لِكَيْ تَعْرِفُوا الطَّرِيقَ الَّتِي يَجِبُ أَنْ تَسِيرُوا فِيهَا، لِأَنَّكُمْ لَمْ تَسْلُكُوهَا مِنْ قَبْلُ. وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الصُّنْدُوقِ مَسَافَةُ كِيلُومِتْرٍ تَقْرِيبًا، وَلَا تَقْرُبُوا مِنْهُ.“ وَقَالَ يَشُوعُ لِلشَّعْبِ: ”طَهِّرُوا أَنْفُسَكُمْ لِأَنَّ اللهَ غَدًا يَعْمَلُ فِي وَسَطِكُمْ عَجَائِبَ.“ وَقَالَ يَشُوعُ لِلْأَحْبَارِ: ”اِحْمِلُوا صُنْدُوقَ الْعَهْدِ وَاذْهَبُوا أَمَامَ الشَّعْبِ.“ فَحَمَلُوا صُنْدُوقَ الْعَهْدِ وَسَارُوا أَمَامَ الشَّعْبِ. وَقَالَ اللهُ لِيَشُوعَ: ”مِنَ الْيَوْمِ أُعَظِّمُكَ فِي عُيُونِ كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِكَيْ يَعْرِفُوا أَنِّي كَمَا كُنْتُ مَعَ مُوسَى أَكُونُ مَعَكَ. فَقُلْ لِلْأَحْبَارِ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ صُنْدُوقَ الْعَهْدِ: ’مَتَى وَصَلْتُمْ إِلَى ضَفَّةِ مِيَاهِ الْأُرْدُنِّ، تَقَدَّمُوا وَقِفُوا فِي النَّهْرِ.‘“ فَقَالَ يَشُوعُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ”تَعَالَوْا إِلَى هُنَا وَاسْمَعُوا كَلَامَ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ. بِهَذَا تَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ الْحَيَّ فِي وَسَطِكُمْ، وَأَنَّهُ بِالتَّأْكِيدِ يَطْرُدُ مِنْ أَمَامِكُمُ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالْأَمُورِيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ. اُنظُرُوا! إِنَّ صُنْدُوقَ عَهْدِ رَبِّ كُلِّ الْأَرْضِ يَنْزِلُ إِلَى نَهْرِ الْأُرْدُنِّ أَمَامَكُمْ. فَاخْتَارُوا 12 رَجُلًا مِنْ قَبَائِلِ إِسْرَائِيلَ، أَيْ رَجُلًا وَاحِدًا مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ. وَحِينَ يَضَعُ الْأَحْبَارُ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ صُنْدُوقَ عَهْدِ الْمَوْلَى رَبِّ كُلِّ الْأَرْضِ، أَقْدَامَهُمْ فِي مِيَاهِ الْأُرْدُنِّ، تَتَوَقَّفُ الْمِيَاهُ الْمُنْحَدِرَةُ مِنْ فَوْقُ وَتَقِفُ كَحَائِطٍ.“ فَرَحَلَ الشَّعْبُ مِنْ خِيَامِهِمْ لِيَعْبُرُوا نَهْرَ الْأُرْدُنِّ، وَكَانَ الْأَحْبَارُ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ صُنْدُوقَ الْعَهْدِ أَمَامَهُمْ. وَكَانَ النَّهْرُ مُمْتَلِئًا إِلَى كُلِّ شَوَاطِئِهِ طُولَ أَيَّامِ الْحَصَادِ. فَلَمَّا وَصَلَ الْأَحْبَارُ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الصُّنْدُوقَ إِلَى نَهْرِ الْأُرْدُنِّ، وَلَمَسَتْ أَقْدَامُهُمُ الْمِيَاهَ الَّتِي عَلَى الشَّاطِئِ، تَوَقَّفَتِ الْمِيَاهُ الْمُنْحَدِرَةُ مِنْ فَوْقُ وَوَقَفَتْ كَحَائِطٍ بَعِيدًا جِدًّا عِنْدَ مَدِينَةِ أَدَامَ الَّتِي بِالْقُرْبِ مِنْ صَرَتَانَ. وَالْمِيَاهُ الْمُنْحَدِرَةُ إِلَى بَحْرِ الْعَرَبَةِ أَيِ الْبَحْرِ الْمَيِّتِ انْقَطَعَتْ تَمَامًا. فَعَبَرَ الشَّعْبُ مُقَابِلَ أَرِيحَا. وَوَقَفَ الْأَحْبَارُ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ ثَابِتِينَ عَلَى أَرْضٍ يَابِسَةٍ فِي وَسَطِ الْأُرْدُنِّ، بَيْنَمَا كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَعْبُرُونَ عَلَى أَرْضٍ يَابِسَةٍ، حَتَّى انْتَهَى كُلُّ الشَّعْبِ مِنْ عُبُورِ النَّهْرِ. وَلَمَّا انْتَهَى كُلُّ الشَّعْبِ مِنْ عُبُورِ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ، قَالَ اللهُ لِيَشُوعَ: ”اِخْتَارُوا مِنَ الشَّعْبِ 12 رَجُلًا، أَيْ رَجُلًا وَاحِدًا مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ. وَقُولُوا لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا 12 حَجَرًا مِنْ وَسَطِ الْأُرْدُنِّ حَيْثُ يَقِفُ الْأَحْبَارُ بِأَقْدَامٍ ثَابِتَةٍ، وَيَحْمِلُوهَا مَعَهُمْ وَيَضَعُوهَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَبِيتُونَ فِيهِ اللَّيْلَةَ.“ فَدَعَا يَشُوعُ الِـ12 رَجُلًا الَّذِينَ عَيَّنَهُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، رَجُلًا وَاحِدًا مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ. وَقَالَ لَهُمْ: ”اِنْزِلُوا إِلَى وَسَطِ الْأُرْدُنِّ، حَيْثُ صُنْدُوقُ عَهْدِ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يَرْفَعُ حَجَرًا عَلَى كَتِفِهِ، فَتَكُونُ حَسَبَ عَدَدِ قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَتَكُونُ عَلَامَةً فِي وَسَطِكُمْ. فَإِنْ قَالَ لَكُمْ أَوْلَادُكُمْ غَدًا: ’مَا مَعْنَى هَذِهِ الْحِجَارَةِ؟‘ فَقُولُوا لَهُمْ: ’إِنَّ مِيَاهَ الْأُرْدُنِّ تَوَقَّفَتْ أَمَامَ صُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ! تَوَقَّفَتْ مِيَاهُ النَّهْرِ لَمَّا عَبَرَ الصُّنْدُوقُ الْأُرْدُنَّ، وَهَذِهِ الْحِجَارَةُ تَذْكَارٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الْأَبَدِ.‘“ فَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ كَمَا أَمَرَهُمْ يَشُوعُ، أَخَذُوا مِنْ وَسَطِ النَّهْرِ 12 حَجَرًا حَسَبَ عَدَدِ قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَمَا قَالَ اللهُ لِيَشُوعَ، وَحَمَلُوهَا مَعَهُمْ إِلَى مَكَانِ مَبِيتِهِمْ وَوَضَعُوهَا هُنَاكَ. وَنَصَبَ يَشُوعُ أَيْضًا 12 حَجَرًا فِي وَسَطِ النَّهْرِ، حَيْثُ وَقَفَ الْأَحْبَارُ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ صُنْدُوقَ الْعَهْدِ. وَهِيَ مَا زَالَتْ هُنَاكَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. وَبَقِيَ الْأَحْبَارُ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الصُّنْدُوقَ وَاقِفِينَ فِي وَسَطِ النَّهْرِ، حَتَّى عَمِلَ الشَّعْبُ كُلَّ شَيْءٍ أَمَرَ اللهُ بِهِ يَشُوعَ، وَذَلِكَ كَمَا قَالَ مُوسَى لِيَشُوعَ. وَعَبَرَ الشَّعْبُ النَّهْرَ بِسُرْعَةٍ. وَبَعْدَمَا عَبَرُوا كُلُّهُمْ، عَبَرَ صُنْدُوقُ الْعَهْدِ وَالْأَحْبَارُ، وَكَانَ الشَّعْبُ يُرَاقِبُهُمْ. وَعَبَرَ أَيْضًا بَنُو رَأُوبِينَ وَبَنُو جَادَ وَنِصْفُ قَبِيلَةِ مَنَسَّى مُسَلَّحِينَ أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَمَا قَالَ لَهُمْ مُوسَى. وَكَانُوا حَوَالَيْ 40000 مُسَلَّحِينَ لِلْقِتَالِ هُمُ الَّذِينَ عَبَرُوا فِي مَحْضَرِ اللهِ إِلَى سُهُولِ أَرِيحَا لِلْحَرْبِ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَظَّمَ اللهُ يَشُوعَ فِي عُيُونِ كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَاحْتَرَمُوهُ كَمَا احْتَرَمُوا مُوسَى كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ. وَقَالَ اللهُ لِيَشُوعَ: ”مُرِ الْأَحْبَارَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ صُنْدُوقَ الْعَهْدِ، أَنْ يَطْلَعُوا مِنْ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ.“ فَأَمَرَ يَشُوعُ الْأَحْبَارَ بِأَنْ يَطْلَعُوا مِنَ النَّهْرِ. فَلَمَّا طَلَعُوا وَهُمْ حَامِلُونَ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ مِنْ وَسَطِ النَّهْرِ، وَوَضَعُوا أَقْدَامَهُمْ عَلَى الْأَرْضِ الْيَابِسَةِ، رَجَعَتْ مِيَاهُ الْأُرْدُنِّ إِلَى مَكَانِهَا، وَجَرَتْ إِلَى كُلِّ شَوَاطِئِهِ، كَمَا كَانَ الْحَالُ مِنْ قَبْلُ. وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، لَمَّا طَلَعَ الشَّعْبُ مِنَ الْأُرْدُنِّ وَحَلُّوا فِي الْجِلْجَالِ. عَلَى الْحُدُودِ الشَّرْقِيَّةِ لِأَرِيحَا. وَنَصَبَ يَشُوعُ فِي الْجِلْجَالِ، الِـ12 حَجَرًا الَّتِي أَخَذُوهَا مِنَ الْأُرْدُنِّ. ثُمَّ قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ”فِي الْمُسْتَقْبَلِ، إِنْ قَالَ بَنُوكُمْ لِآبَائِهِمْ: ’مَا مَعْنَى هَذِهِ الْحِجَارَةِ؟‘ يَقُولُونَ لَهُمْ: ’عَبَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ نَهْرَ الْأُرْدُنِّ عَلَى أَرْضٍ يَابِسَةٍ!‘ لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ جَفَّفَ لَكُمْ مِيَاهَ الْأُرْدُنِّ حَتَّى عَبَرْتُمْ، وَذَلِكَ كَمَا فَعَلَ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ بِالْبَحْرِ الْأَحْمَرِ، الَّذِي جَفَّفَهُ لَنَا حَتَّى عَبَرْنَا. وَهُوَ عَمِلَ هَذَا لِكَيْ تَعْرِفَ كُلُّ شُعُوبِ الْأَرْضِ أَنَّ يَدَ اللهِ قَوِيَّةٌ وَلِكَيْ تَتَّقُوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ دَائِمًا.“ وَلَمَّا سَمِعَ كُلُّ مُلُوكِ الْأَمُورِيِّينَ الَّذِينَ فِي غَرْبِ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ، وَكُلُّ مُلُوكِ الْكَنْعَانِيِّينَ الَّذِينَ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ الْأَبْيَضِ الْمُتَوَسِّطِ، أَنَّ اللهَ جَفَّفَ مِيَاهَ الْأُرْدُنِّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى عَبَرْنَا، ذَابَتْ قُلُوبُهُمْ وَضَاعَتْ مِنْهُمْ شَجَاعَتُهُمْ بِسَبَبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَالَ اللهُ لِيَشُوعَ: ”اِصْنَعْ سَكَاكِينَ مِنْ صَوَّانٍ، وَاخْتِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ جَدِيدٍ.“ فَصَنَعَ يَشُوعُ سَكَاكِينَ مِنْ صَوَّانٍ، وَخَتَنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي تَلِّ الْقُلَفِ. وَالسَّبَبُ فِي أَنَّهُ خَتَنَهُمْ، هُوَ أَنَّ كُلَّ الرِّجَالِ الْقَادِرِينَ عَلَى الْحَرْبِ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ مِصْرَ مَاتُوا فِي الطَّرِيقِ، فِي الصَّحْرَاءِ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ مِصْرَ. وَكَانَ كُلُّ الَّذِينَ خَرَجُوا مَخْتُونِينَ. أَمَّا كُلُّ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الصَّحْرَاءِ، فِي أَثْنَاءِ الرِّحْلَةِ مِنْ مِصْرَ، فَلَمْ يُخْتَنُوا. وَظَلَّ بَنُو إِسْرَائِيلَ يُسَافِرُونَ فِي الصَّحْرَاءِ 40 سَنَةً، حَتَّى مَاتَ كُلُّ الرِّجَالِ الْقَادِرِينَ عَلَى الْحَرْبِ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ مِصْرَ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُطِيعُوا اللهَ. فَحَلَفَ اللهُ إِنَّهُ لَا يُرِيهِمِ الْأَرْضَ الَّتِي وَعَدَ آبَاءَهُمْ بِقَسَمٍ أَنْ يُعْطِيَهَا لَنَا، أَرْضًا تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا. وَأَقَامَ أَوْلَادَهُمْ مَكَانَهُمْ، وَهُمُ الَّذِينَ خَتَنَهُمْ يَشُوعُ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا قَدْ خُتِنُوا فِي الطَّرِيقِ. وَبَعْدَمَا تَمَّ خِتَانُ كُلِّ الشَّعْبِ أَقَامُوا فِي أَمَاكِنِهِمْ فِي الْمُخَيَّمِ حَتَّى بَرِئُوا. وَقَالَ اللهُ لِيَشُوعَ: ”الْيَوْمَ أَزَلْتُ عَنْكُمْ تَعْيِيرَ الْمِصْرِيِّينَ لَكُمْ.“ فَدُعِيَ اسْمُ ذَلِكَ الْمَكَانِ 'الْجِلْجَالَ' إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. فَحَلَّ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الْجِلْجَالِ، وَعَمِلُوا الْفِصْحَ فِي مَسَاءِ الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ، فِي سُهُولِ أَرِيحَا. وَفِي غَدِ الْفِصْحِ، فِي نَفْسِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، أَكَلُوا مِنْ غَلَّةِ الْأَرْضِ فَطِيرًا وَفَرِيكًا. وَانْقَطَعَ الْمَنُّ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، مُنْذُ بَدَأُوا يَأْكُلُونَ مِنْ غَلَّةِ الْأَرْضِ. فَلَمْ يَنْزِلِ الْمَنُّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ، بَلْ أَكَلُوا مِنْ مَحْصُولِ بِلَادِ كَنْعَانَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ. وَلَمَّا كَانَ يَشُوعُ بِالْقُرْبِ مِنْ أَرِيحَا، نَظَرَ فَرَأَى رَجُلًا وَاقِفًا مُقَابِلَهُ شَاهِرًا سَيْفَهُ بِيَدِهِ. فَسَارَ يَشُوعُ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: ”هَلْ أَنْتَ لَنَا أَوْ لِأَعْدَائِنَا؟“ فَقَالَ: ”لَا، بَلْ أَنَا هُنَا قَائِدُ جَيْشِ اللهِ!“ فَسَقَطَ يَشُوعُ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الْأَرْضِ وَسَجَدَ وَقَالَ لَهُ: ”مَا هِيَ رِسَالَتُكَ لِعَبْدِكَ يَا رَبُّ؟“ فَقَالَ قَائِدُ جَيْشِ اللهِ لِيَشُوعَ: ”اِخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ، لِأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ فِيهِ مُقَدَّسٌ.“ فَفَعَلَ يَشُوعُ هَذَا. وَكَانَتْ بَوَّابَاتُ أَرِيحَا مُغْلَقَةً بِإِحْكَامٍ، لَا أَحَدَ يَخْرُجُ وَلَا أَحَدَ يَدْخُلُ. فَقَالَ اللهُ لِيَشُوعَ: ”اُنْظُرْ، إِنِّي أَعْطَيْتُكَ فِي يَدِكَ أَرِيحَا وَمَلِكَهَا وَأَبْطَالَهَا. اِعْمَلُوا مَسِيرَةً حَوْلَ أَرِيحَا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْيَوْمِ، لِمُدَّةِ 6 أَيَّامٍ. يَسِيرُ كُلُّ الرِّجَالِ الْقَادِرِينَ عَلَى الْحَرْبِ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، وَيَكُونُ أَمَامَ الصُّنْدُوقِ 7 أَحْبَارٍ يَحْمِلُونَ أَبْوَاقًا مِنْ قُرُونِ الْكِبَاشِ. وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ تَعْمَلُونَ الْمَسِيرَةَ حَوْلَ أَرِيحَا 7 مَرَّاتٍ، بَيْنَمَا يَنْفُخُ الْأَحْبَارُ فِي الْأَبْوَاقِ. وَعِنْدَمَا يَنْفُخُونَ نَفْخَةً طَوِيلَةً فِي الْأَبْوَاقِ، يَهْتِفُ الشَّعْبُ هُتَافًا عَظِيمًا، فَيَسْقُطُ سُورُ الْمَدِينَةِ فِي مَكَانِهِ، فَيَتَقَدَّمُ الشَّعْبُ وَيَدْخُلُ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَيْهَا مُبَاشَرَةً.“ فَدَعَا يَشُوعُ بْنُ نُونَ الْأَحْبَارَ وَقَالَ لَهُمْ: ”اِحْمِلُوا صُنْدُوقَ الْعَهْدِ، وَلْيَحْمِلْ 7 مِنْكُمْ 7 أَبْوَاقٍ أَمَامَهُ.“ ثُمَّ قَالَ لِلشَّعْبِ: ”تَقَدَّمُوا وَاعْمَلُوا مَسِيرَةً حَوْلَ أَرِيحَا، وَيَذْهَبُ الْحَرَسُ الْمُسَلَّحُ أَمَامَ الصُّنْدُوقِ.“ فَعَمِلَ الشَّعْبُ كَمَا قَالَ يَشُوعُ. تَقَدَّمَ الْأَحْبَارُ الـ7 حَامِلِينَ الْأَبْوَاقَ الـ7 أَمَامَ اللهِ، وَهُمْ يَنْفُخُونَ فِيهَا، وَصُنْدُوقُ عَهْدِ اللهِ يَتْبَعُهُمْ. وَذَهَبَ الْحَرَسُ الْمُسَلَّحُ أَمَامَ الْأَحْبَارِ وَهُمْ يَنْفُخُونَ فِي الْأَبْوَاقِ، وَبَاقِي الْجَمَاعَةِ تَسِيرُ وَرَاءَ الصُّنْدُوقِ، وَالْأَبْوَاقُ تَضْرِبُ طُولَ الْوَقْتِ. وَقَالَ يَشُوعُ لِلشَّعْبِ: ”لَا تَهْتِفُوا وَلَا تَرْفَعُوا صَوْتَكُمْ، وَلَا تَخْرُجْ كَلِمَةٌ مِنْ فَمِكُمْ، حَتَّى يَوْمَ أَقُولُ لَكُمْ أَنْ تَهْتِفُوا فَتَهْتِفُونَ.“ فَسَارَ الصُّنْدُوقُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى الْمُخَيَّمِ وَبَاتُوا هُنَاكَ. ثُمَّ قَامَ يَشُوعُ فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، وَحَمَلَ الْأَحْبَارُ الصُّنْدُوقَ. وَتَقَدَّمَ الْأَحْبَارُ الـ7 حَامِلِينَ الْأَبْوَاقَ الـ7 وَسَارُوا أَمَامَ الصُّنْدُوقِ وَهُمْ يَنْفُخُونَ فِي الْأَبْوَاقِ، وَكَانَ الْحَرَسُ الْمُسَلَّحُ أَمَامَهُمْ وَبَاقِي الْجَمَاعَةِ تَسِيرُ وَرَاءَ الصُّنْدُوقِ، وَالْأَبْوَاقُ تَضْرِبُ طُولَ الْوَقْتِ. فَدَارُوا بِالْمَدِينَةِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى الْمُخَيَّمِ. وَعَمِلُوا هَذَا 6 أَيَّامٍ. وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ قَامُوا عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَعَمِلُوا الْمَسِيرَةَ حَوْلَ أَرِيحَا بِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ 7 مَرَّاتٍ. هَذَا هُوَ الْيَوْمُ الْوَحِيدُ الَّذِي عَمِلُوا فِيهِ هَذَا 7 مَرَّاتٍ. وَفِي الْمَرَّةِ السَّابِعَةِ لَمَّا نَفَخَ الْأَحْبَارُ فِي الْأَبْوَاقِ، قَالَ يَشُوعُ لِلشَّعْبِ: ”اِهْتِفُوا، لِأَنَّ اللهَ أَعْطَاكُمُ الْمَدِينَةَ! فَتَكُونُ الْمَدِينَةُ وَكُلُّ مَا فِيهَا وَقْفًا للهِ. رَاحَابُ الْعَاهِرَةُ فَقَطْ تَحْيَا وَكُلُّ مَنْ مَعَهَا فِي دَارِهَا، لِأَنَّهَا خَبَّأَتِ الْجَاسُوسَيْنِ اللَّذَيْنِ أَرْسَلْنَاهُمَا. أَمَّا أَنْتُمْ فَإِيَّاكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا شَيْئًا مِنَ الْوَقْفِ، لِئَلَّا تَجْلِبُوا عَلَى أَنْفُسِكُمُ الْهَلَاكَ، وَتَجْلِبُوا الْخَرَابَ وَالْمُصِيبَةَ عَلَى مُخَيَّمِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. كُلُّ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَآنِيَةِ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ تُكَرَّسُ لِلْمَوْلَى، وَتَدْخُلُ فِي خِزَانَةِ اللهِ.“ فَلَمَّا نَفَخَ الْأَحْبَارُ فِي الْأَبْوَاقِ، وَهَتَفَ الشَّعْبُ هُتَافًا عَظِيمًا، سَقَطَ السُّورُ فِي مَكَانِهِ. وَتَقَدَّمَ الشَّعْبُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَدَخَلَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَيْهَا مُبَاشَرَةً، وَاسْتَوْلَوْا عَلَى الْمَدِينَةِ. وَقَتَلُوا بِالسَّيْفِ كُلَّ مَنْ فِي الْمَدِينَةِ، الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالْأَطْفَالَ وَالشُّيُوخَ، حَتَّى الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْحَمِيرَ. وَقَالَ يَشُوعُ لِلرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ تَجَسَّسَا الْأَرْضَ: ”اُدْخُلَا دَارَ الْمَرْأَةِ الْعَاهِرَةِ، وَأَخْرِجَاهَا مِنْ هُنَاكَ مَعَ كُلِّ مَنْ لَهَا، كَمَا حَلَفْتُمَا لَهَا.“ فَدَخَلَ الشَّابَّانِ الْجَاسُوسَانِ وَأَخْرَجَا رَاحَابَ وَأَبَاهَا وَأُمَّهَا وَإِخْوَتَهَا وَكُلَّ مَنْ لَهَا. أَخْرَجَا كُلَّ عَائِلَتِهَا، وَوَضَعَاهُمْ خَارِجَ مُخَيَّمِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَأَحْرَقُوا الْمَدِينَةَ وَكُلَّ مَا فِيهَا بِالنَّارِ. أَمَّا الْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ وَآنِيَةُ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ، فَوَضَعُوهَا فِي خِزَانَةِ بَيْتِ اللهِ. وَأَبْقَى يَشُوعُ عَلَى رَاحَابَ الْعَاهِرَةِ، وَكُلِّ عَائِلَتِهَا، وَكُلِّ مَنْ لَهَا. فَأَقَامَتْ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ، لِأَنَّهَا خَبَّأَتِ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَرْسَلَهُمَا يَشُوعُ لِيَتَجَسَّسَا أَرِيحَا. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، حَلَفَ يَشُوعُ يَمِينًا وَقَالَ: ”يَلْعَنُ اللهُ الرَّجُلَ الَّذِي يَأْتِي وَيَبْنِي هَذِهِ الْمَدِينَةَ أَرِيحَا، بَيْنَمَا يَضَعُ أَسَاسَاتِهَا يَمُوتُ بِكْرُهُ، وَبَيْنَمَا يَنْصُبُ بَوَّابَاتِهَا يَمُوتُ صَغِيرُهُ.“ وَكَانَ اللهُ مَعَ يَشُوعَ، وَذَاعَ صِيتُهُ فِي كُلِّ الْبِلَادِ. وَأَخَذَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنَ الْمُحَرَّمِ عَلَيْهِمْ. فَإِنَّ عَخَانَ بْنَ كَرْمِي بْنِ زَبَدِي بْنِ زَارَحَ مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا ارْتَكَبَ خِيَانَةً وَأَخَذَ مِمَّا هُوَ مُحَرَّمٌ. فَغَضِبَ اللهُ جِدًّا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَأَرْسَلَ يَشُوعُ بَعْضَ الرِّجَالِ مِنْ أَرِيحَا إِلَى عَايَ، الَّتِي بِالْقُرْبِ مِنْ بَيْتَ آوِنَ شَرْقَ بَيْتَ إِيلَ، وَقَالَ لَهُمْ: ”رُوحُوا تَجَسَّسُوا الْمِنْطَقَةَ.“ فَرَاحَ الرِّجَالُ وَتَجَسَّسُوا عَايَ. ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى يَشُوعَ وَقَالُوا لَهُ: ”لَا نَحْتَاجُ أَنْ يَذْهَبَ كُلُّ الشَّعْبِ لِيَهْزِمُوا عَايَ. إِنَّ سُكَّانَهَا قَلِيلُونَ، فَلَا تُكَلِّفْ كُلَّ الشَّعْبِ مَشَقَّةَ الذَّهَابِ. إِنَّمَا يَكْفِي أَنْ يَذْهَبَ حَوَالَيْ 2000 أَوْ 3000 رَجُلٍ.“ فَذَهَبَ مِنَ الشَّعْبِ إِلَى هُنَاكَ حَوَالَيْ 3000 رَجُلٍ. وَلَكِنَّ أَهْلَ عَايَ هَزَمُوهُمْ، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ حَوَالَيْ 36 رَجُلًا. طَارَدُوهُمْ مِنْ عِنْدِ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ إِلَى الْمَحَاجِرِ، وَقَتَلُوهُمْ فِي الْمُنْحَدَرِ. فَذَابَ قَلْبُ الشَّعْبِ وَصَارَ كَالْمَاءِ. فَمَزَّقَ يَشُوعُ ثِيَابَهُ، وَسَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الْأَرْضِ أَمَامَ صُنْدُوقِ عَهْدِ الْمَوْلَى إِلَى الْمَسَاءِ. وَفَعَلَ شُيُوخُ إِسْرَائِيلَ نَفْسَ الشَّيْءِ وَوَضَعُوا تُرَابًا عَلَى رُؤُوسِهِمْ. وَقَالَ يَشُوعُ: ”آهِ، يَا رَبِّي وَإِلَهِي، لِمَاذَا جَعَلْتَ هَذَا الشَّعْبَ يَعْبُرُ نَهْرَ الْأُرْدُنِّ لِتُوقِعَنَا فِي يَدِ الْأَمُورِيِّينَ لِيُبِيدُونَا؟ لَيْتَنَا اكْتَفَيْنَا بِشَرْقِ الْأُرْدُنِّ وَأَقَمْنَا هُنَاكَ! وَالْآنَ، مَاذَا أَقُولُ يَا رَبُّ بَعْدَمَا انْهَزَمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَمَامَ أَعْدَائِهِمْ؟ سَيَسْمَعُ الْكَنْعَانِيُّونَ وَكُلُّ سُكَّانِ هَذِهِ الْبِلَادِ، فَيُحِيطُونَ بِنَا وَيَمْسَحُونَ اسْمَنَا مِنَ الْأَرْضِ، فَمَاذَا تَعْمَلُ لِسُمْعَةِ اسْمِكَ الْعَظِيمِ؟“ فَقَالَ اللهُ لِيَشُوعَ: ”قُمْ! لِمَاذَا أَنْتَ سَاقِطٌ عَلَى وَجْهِكَ؟ قَدِ ارْتَكَبَ بَنُو إِسْرَائِيلَ خَطِيئَةً، وَنَقَضُوا عَهْدِيَ الَّذِي أَمَرْتُهُمْ بِهِ، وَأَخَذُوا مِنَ الْحَرَامِ. سَرَقُوا أَشْيَاءَ وَكَذَبُوا وَأَخْفَوْهَا فِي أَمْتِعَتِهِمْ. لِهَذَا لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَثْبُتُوا أَمَامَ أَعْدَائِهِمْ. قَدِ انْهَزَمُوا لِأَنَّهُمُ ارْتَكَبُوا الْحَرَامَ. وَأَنَا لَا أَعُودُ أَكُونُ مَعَكُمْ، إِنْ لَمْ تُزِيلُوا الْحَرَامَ مِنْ بَيْنِكُمْ. قُمْ طَهِّرِ الشَّعْبَ، وَقُلْ لَهُمْ أَنْ يُطَهِّرُوا أَنْفُسَهُمْ لِلْغَدِ. فَالْمَوْلَى رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ لَهُمْ: ’فِيكُمْ مَنْ أَخَذَ الْحَرَامَ يَا شَعْبِي، لِذَلِكَ لَا تَثْبُتُونَ أَمَامَ أَعْدَائِكُمْ حَتَّى تَنْزِعُوا الْحَرَامَ مِنْ بَيْنِكُمْ. تَعَالَوْا غَدًا بِقَبَائِلِكُمْ، وَالْقَبِيلَةُ الَّتِي يُشِيرُ إِلَيْهَا اللهُ تَتَقَدَّمُ بِعَشَائِرِهَا، وَالْعَشِيرَةُ الَّتِي يُشِيرُ إِلَيْهَا اللهُ تَتَقَدَّمُ بِعَائِلَاتِهَا، وَالْعَائِلَةُ الَّتِي يُشِيرُ إِلَيْهَا اللهُ تَتَقَدَّمُ بِرِجَالِهَا. فَالَّذِي يُمْسَكُ وَمَعَهُ الْحَرَامُ، يُحْرَقُ بِالنَّارِ هُوَ وَكُلُّ مَا لَهُ، لِأَنَّهُ نَقَضَ عَهْدَ اللهِ، وَارْتَكَبَ قَبَاحَةً فِي إِسْرَائِيلَ.‘“ وَقَامَ يَشُوعُ فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، وَقَدَّمَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِقَبَائِلِهِمْ، فَأَشَارَ اللهُ إِلَى قَبِيلَةِ يَهُوذَا. ثُمَّ قَدَّمَ قَبِيلَةَ يَهُوذَا، فَأَشَارَ اللهُ إِلَى عَشِيرَةِ زَارَحَ. ثُمَّ قَدَّمَ عَشِيرَةَ زَارَحَ بِعَائِلَاتِهَا فَأَشَارَ اللهُ إِلَى عَائِلَةِ زَبَدِي. فَقَدَّمَ يَشُوعُ الْعَائِلَةَ بِرِجَالِهَا، فَأَشَارَ اللهُ إِلَى عَخَانَ بْنِ كَرْمِي بْنِ زَبَدِي بْنِ زَارَحَ مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا. فَقَالَ يَشُوعُ لِعَخَانَ: ”يَا ابْنِي أُحَلِّفُكَ بِالْمَوْلَى رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ تَعْتَرِفَ لَهُ الْآنَ وَتُخْبِرَنِي مَاذَا عَمِلْتَ. لَا تُخْفِ عَنِّي.“ فَقَالَ عَخَانُ لِيَشُوعَ: ”نَعَمْ، أَنَا أَخْطَأْتُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَعَمِلْتُ هَذَا: رَأَيْتُ فِي الْغَنِيمَةِ رِدَاءً جَمِيلًا مِنْ بَابِلَ، وَحَوَالَيْ كِيلُوجْرَامَيْنِ وَنِصْفٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَسَبِيكَةً مِنَ الذَّهَبِ وَزْنُهَا 600 جِرَامٍ، فَاشْتَهَيْتُهَا وَأَخَذْتُهَا. وَهِيَ مَدْفُونَةٌ فِي الْأَرْضِ فِي وَسَطِ خَيْمَتِي وَالْفِضَّةُ مِنْ تَحْتُ.“ فَأَرْسَلَ يَشُوعُ رُسُلًا، فَأَسْرَعُوا إِلَى الْخَيْمَةِ، وَوَجَدُوا الْأَشْيَاءَ مَدْفُونَةً فِي خَيْمَتِهِ وَالْفِضَّةَ مِنْ تَحْتُ. فَأَخَذُوهَا مِنْ وَسَطِ الْخَيْمَةِ، وَأَحْضَرُوهَا إِلَى يَشُوعَ وَكُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَوَضَعُوهَا أَمَامَ اللهِ. فَأَخَذَ يَشُوعُ وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَخَانَ بْنَ زَارَحَ والْفِضَّةَ وَالرِّدَاءَ وَسَبِيكَةَ الذَّهَبِ وَبَنِيهِ وَبَنَاتِهِ وَبَقَرَهُ وَحَمِيرَهُ وَغَنَمَهُ وَخَيْمَتَهُ وَكُلَّ مَا لَهُ، وَذَهَبُوا بِهِمْ إِلَى وَادِي الْمُصِيبَةِ. فَقَالَ يَشُوعُ: ”لِمَاذَا جَلَبْتَ عَلَيْنَا هَذِهِ الْمُصِيبَةَ؟ اللهُ يَجْلِبُ عَلَيْكَ مُصِيبَةً الْيَوْمَ!“ فَرَجَمَهُ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالْحِجَارَةِ وَأَحْرَقُوهُمْ بِالنَّارِ ثُمَّ رَمَوْا حِجَارَةً عَلَيْهِمْ. وَأَقَامُوا فَوْقَهُ كُومَةً كَبِيرَةً مِنَ الْحِجَارَةِ مَا زَالَتْ مَوْجُودَةً إِلَى الْيَوْمِ. فَرَجَعَ اللهُ عَنْ غَضَبِهِ الشَّدِيدِ. وَلِهَذَا دُعِيَ اسْمُ ذَلِكَ الْمَكَانِ 'وَادِيَ الْمُصِيبَةِ' إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. فَقَالَ اللهُ لِيَشُوعَ: ”لَا تَخَفْ وَلَا تَرْتَعِبْ. خُذْ مَعَكَ كُلَّ الْجَيْشِ، وَاذْهَبْ وَحَارِبْ عَايَ، فَإِنِّي نَصَرْتُكَ عَلَى مَلِكِ عَايَ وَشَعْبِهِ وَمَدِينَتِهِ وَأَرْضِهِ. فَتَفْعَلُ بِعَايَ وَمَلِكِهَا كَمَا فَعَلْتَ بِأَرِيحَا وَمَلِكِهَا إِلَّا أَنَّكُمْ تَأْخُذُونَ غَنِيمَتَهَا وَبَهَائِمَهَا لَكُمْ. أَقِمْ كَمِينًا يُفَاجِئُ الْمَدِينَةَ مِنْ وَرَائِهَا.“ فَذَهَبَ يَشُوعُ وَكُلُّ الْجَيْشِ لِيُحَارِبُوا عَايَ. وَاخْتَارَ يَشُوعُ 30000 رَجُلٍ مِنْ أَحْسَنِ الْمُحَارِبِينَ، وَأَرْسَلَهُمْ فِي اللَّيْلِ وَأَمَرَهُمْ وَقَالَ: ”اُكْمُنُوا لِلْمَدِينَةِ مِنْ وَرَائِهَا. لَا تَبْتَعِدُوا عَنْهَا كَثِيرًا، وَكُونُوا كُلُّكُمْ مُسْتَعِدِّينَ. وَأَنَا وَكُلُّ الَّذِينَ مَعِي، نَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَدِينَةِ فَيَخْرُجُونَ عَلَيْنَا كَالْمَرَّةِ الْأُولَى، فَنَهْرُبُ مِنْهُمْ. وَيُطَارِدُونَنَا حَتَّى نَجْذِبَهُمْ بَعِيدًا عَنِ الْمَدِينَةِ، لِأَنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّنَا هَرَبْنَا مِنْهُمْ كَالْمَرَّةِ الْأُولَى. فَعِنْدَمَا نَهْرُبُ مِنْهُمْ، تَقُومُونَ أَنْتُمْ مِنَ الْكَمِينِ وَتَسْتَوْلُونَ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَيَنْصُرُكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ عَلَيْهَا. وَعِنْدَمَا تَسْتَوْلُونَ عَلَيْهَا، أَحْرِقُوهَا بِالنَّارِ. اِفْعَلُوا كَمَا أَمَرَ اللهُ، اِنْتَبِهُوا! هَذَا هُوَ أَمْرِي لَكُمْ.“ وَأَرْسَلَهُمْ يَشُوعُ، فَذَهَبُوا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَمَنُوا فِيهِ بَيْنَ بَيْتَ إِيلَ وَعَايَ إِلَى الْغَرْبِ مِنْ عَايَ، وَانْتَظَرُوا هُنَاكَ. وَقَضَى يَشُوعُ اللَّيْلَةَ مَعَ الشَّعْبِ. وَقَامَ يَشُوعُ فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، وَجَمَعَ الْجَيْشَ وَسَارَ قُدَّامَهُمْ نَحْوَ عَايَ وَمَعَهُ شُيُوخُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَكُلُّ الْجَيْشِ الَّذِي مَعَهُ تَقَدَّمَ وَاقْتَرَبَ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى جَاءُوا مُقَابِلَهَا. وَنَزَلُوا إِلَى الشَّمَالِ مِنْ عَايَ، فَكَانَ الْوَادِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ. وَكَانَ يَشُوعُ قَدْ أَخَذَ 5000 رَجُلٍ، وَجَعَلَهُمْ كَمِينًا بَيْنَ بَيْتَ إِيلَ وَعَايَ إِلَى الْغَرْبِ مِنَ الْمَدِينَةِ. وَاسْتَعَدَّ كُلُّ الْجَيْشِ الَّذِي شَمَالَ الْمَدِينَةِ، وَالْكَمِينُ الَّذِي غَرْبَهَا. وَذَهَبَ يَشُوعُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ إِلَى وَسَطِ الْوَادِي. فَلَمَّا رَأَى مَلِكُ عَايَ الْجَيْشَ، أَسْرَعَ هُوَ وَكُلُّ رِجَالِ الْمَدِينَةِ وَخَرَجُوا فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ لِيُحَارِبُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْوَادِي. وَكَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْكَمِينَ يَتَرَبَّصُ لَهُ وَرَاءَ الْمَدِينَةِ. فَتَظَاهَرَ يَشُوعُ وَكُلُّ الْجَيْشِ بِأَنَّهُمْ مُنْكَسِرُونَ أَمَامَهُمْ، وَهَرَبُوا فِي طَرِيقِ الصَّحْرَاءِ. وَأُطْلِقَ نِدَاءٌ فِي عَايَ لِيَخْرُجَ كُلُّ الرِّجَالِ لِيُطَارِدُوهُمْ. فَطَارَدُوا يَشُوعَ، وَانْجَذَبُوا بَعِيدًا عَنِ الْمَدِينَةِ. وَلَمْ يَبْقَ فِي عَايَ أَوْ فِي بَيْتَ إِيلَ رَجُلٌ لَمْ يَخْرُجْ لِيُطَارِدَهُمْ، فَتَرَكُوا الْمَدِينَةَ مَفْتُوحَةً وَرَاحُوا وَرَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَقَالَ اللهُ لِيَشُوعَ: ”وَجِّهِ الْحَرْبَةَ الَّتِي بِيَدِكَ نَحْوَ عَايَ لِأَنِّي أَنْصُرُكَ عَلَيْهَا.“ فَوَجَّهَ يَشُوعُ الْحَرْبَةَ الَّتِي بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَدِينَةِ. وَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ، قَامَ الْكَمِينُ بِسُرْعَةٍ مِنْ مَكَانِهِ، وَجَرَوْا وَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ وَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا وَأَسْرَعُوا وَأَشْعَلُوا النَّارَ فِيهَا. وَالْتَفَتَ رِجَالُ عَايَ وَرَاءَهُمْ، فَرَأَوْا دُخَانَ الْمَدِينَةِ صَاعِدًا إِلَى السَّمَاءِ. فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَكَانٌ يَهْرُبُونَ إِلَيْهِ، لَا هُنَا وَلَا هُنَاكَ. لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ تَظَاهَرُوا بِالْهَرَبِ إِلَى الصَّحْرَاءِ، دَارُوا ضِدَّ الَّذِينَ طَارَدُوهُمْ. فَإِنَّ يَشُوعَ وَكُلَّ رِجَالِهِ لَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْكَمِينَ اسْتَوْلَى عَلَى الْمَدِينَةِ، وَأَنَّ دُخَانَهَا يَتَصَاعَدُ، دَارُوا وَضَرَبُوا رِجَالَ عَايَ. ثُمَّ خَرَجَ الْكَمِينُ أَيْضًا مِنَ الْمَدِينَةِ ضِدَّهُمْ، فَصَارَ رِجَالُ عَايَ فِي وَسَطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ. فَضَرَبُوهُمْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ. لَكِنَّهُمْ أَمْسَكُوا مَلِكَ عَايَ حَيًّا وَأَخَذُوهُ إِلَى يَشُوعَ. وَلَمَّا انْتَهَى إِسْرَائِيلُ مِنْ قَتْلِ كُلِّ رِجَالِ عَايَ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْحُقُولِ وَفِي الصَّحْرَاءِ حَيْثُ لَحِقُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ كُلَّهُمْ بِالسَّيْفِ وَأَفْنَوْهُمْ، رَجَعُوا إِلَى عَايَ وَقَتَلُوا مَنْ فِيهَا بِالسَّيْفِ. فَكَانَ عَدَدُ الْقَتْلَى فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ 12000 وَهُمْ جَمِيعُ أَهْلِ عَايَ. لِأَنَّ يَشُوعَ لَمْ يَرُدَّ يَدَهُ الَّتِي وَجَّهَهَا بِالْحَرْبَةِ حَتَّى هَلَكَ كُلُّ أَهْلِ عَايَ. أَمَّا الْبَهَائِمُ وَغَنِيمَةُ هَذِهِ الْمَدِينَةِ، فَأَخَذَهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لِأَنْفُسِهِمْ حَسَبَ الْكَلَامِ الَّذِي قَالَهُ اللهُ لِيَشُوعَ. وَأَحْرَقَ يَشُوعُ عَايَ وَجَعَلَهَا كُومًا مِنَ الْخَرَائِبِ وَالْأَنْقَاضِ، مَا زَالَ بَاقِيًا إِلَى الْيَوْمِ. وَعَلَّقَ مَلِكَ عَايَ عَلَى خَشَبَةٍ إِلَى الْمَسَاءِ. وَعِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، أَمَرَ يَشُوعُ فَأَنْزَلُوا جُثَّتَهُ عَنِ الْخَشَبَةِ، وَرَمَوْهَا عِنْدَ مَدْخَلِ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ، وَأَقَامُوا فَوْقَهَا كُومَةً كَبِيرَةً مِنَ الْحِجَارَةِ مَا زَالَتْ مَوْجُودَةً إِلَى الْيَوْمِ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بَنَى يَشُوعُ فِي جَبَلِ عِيبَالَ مَنَصَّةً لِتَقْدِيمِ الْقَرَابِينِ لِلْمَوْلَى رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. بَنَاهَا مِنْ حِجَارَةٍ صَحِيحَةٍ، لَمْ يَنْحَتْهَا أَحَدٌ بِآلَةٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَذَلِكَ كَمَا أَمَرَ مُوسَى عَبْدُ اللهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَمَا هُوَ وَارِدٌ فِي كِتَابِ تَوْرَاةِ مُوسَى. وَقَدَّمُوا للهِ عَلَى الْمَنَصَّةِ قَرَابِينَ تُحْرَقُ، وَذَبَحُوا ضَحَايَا صُحْبَةٍ. وَنَقَشَ يَشُوعُ هُنَاكَ عَلَى الْحِجَارَةِ، بِحُضُورِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، نُسْخَةً مِنْ تَوْرَاةِ مُوسَى الَّتِي كَتَبَهَا. وَوَقَفَ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنْ مُوَاطِنِينَ وَغُرَبَاءَ عَلَى السَّوَاءِ، مَعَ شُيُوخِهِمْ وَقَادَتِهِمْ وَقُضَاتِهِمْ عَلَى جَانِبَيْ صُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ، مُقَابِلَ الْأَحْبَارِ اللَّاوِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا يَحْمِلُونَهُ. فَكَانَ نِصْفُ الشَّعْبِ يُوَاجِهُ جَبَلَ جَرْزِيمَ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يُوَاجِهُ جَبَلَ عِيبَالَ. وَذَلِكَ كَمَا أَمَرَ مُوسَى عَبْدُ اللهِ مِنْ قَبْلُ لِيُبَارِكُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَبَعْدَ ذَلِكَ قَرَأَ يَشُوعُ كُلَّ كَلَامِ التَّوْرَاةِ، مِنْ بَرَكَاتٍ وَلَعَنَاتٍ، كَمَا هُوَ وَارِدٌ فِي كِتَابِ التَّوْرَاةِ. لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ كَلِمَةٌ مِنْ كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى، إِلَّا وَقَرَأَهَا يَشُوعُ قُدَّامَ كُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا فِيهِمُ النِّسَاءُ وَالْأَطْفَالُ وَالْغُرَبَاءُ الَّذِينَ بَيْنَهُمْ. وَسَمِعَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ كُلُّ الْمُلُوكِ الَّذِينَ فِي غَرْبِ الْأُرْدُنِّ، الَّذِينَ فِي الْجَبَلِ وَالسَّهْلِ وَعِنْدَ كُلِّ سَاحِلِ الْبَحْرِ الْأَبْيَضِ الْمُتَوَسِّطِ حَتَّى إِلَى لُبْنَانَ، أَيْ مُلُوكُ الْحِثِّيِّينَ وَالْأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ. فَاجْتَمَعُوا مَعًا فِي حِلْفٍ وَاحِدٍ لِيُحَارِبُوا يَشُوعَ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ. وَلَكِنْ لَمَّا سَمِعَ أَهْلُ جِبْعُونَ بِمَا عَمِلَهُ يَشُوعُ بِأَرِيحَا وَعَايَ، عَمِلُوا حِيلَةً، فَجَاءُوا كَوَفْدٍ بِحَمِيرِهِمْ مُحَمَّلَةً بِأَكْيَاسٍ قَدِيمَةٍ وَقِرَبِ خَمْرٍ قَدِيمَةٍ مُشَقَّقَةٍ وَمُرَقَّعَةٍ. وَلَابِسِينَ نِعَالًا قَدِيمَةً وَمُرَقَّعَةً فِي أَرْجُلِهِمْ، وَثِيَابًا قَدِيمَةً. وَكَانَ الْخُبْزُ الَّذِي أَحْضَرُوهُ مَعَهُمْ يَابِسًا وَقَدْ تَفَتَّتَ. وَذَهَبُوا إِلَى يَشُوعَ وَهُوَ فِي الْمُخَيَّمِ فِي الْجِلْجَالِ، وَقَالُوا لَهُ وَلِرِجَالِ إِسْرَائِيلَ: ”جِئْنَا مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ، فَاعْمَلُوا مَعَنَا مُعَاهَدَةً.“ فَقَالَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ لِلْحِوِّيِّينَ: ”رُبَّمَا أَنْتُمْ مِنْ سُكَّانِ هَذِهِ الْبِلَادِ، فَكَيْفَ نَعْمَلُ مَعَكُمْ مُعَاهَدَةً؟“ فَقَالُوا لِيَشُوعَ: ”نَكُونُ عَبِيدَكُمْ.“ فَقَالَ لَهُمْ يَشُوعُ: ”مَنْ أَنْتُمْ وَمِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟“ فَقَالُوا: ”يَا سَيِّدُ، نَحْنُ جِئْنَا مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ جِدًّا بِسَبَبِ صِيتِ الْمَوْلَى إِلَهِكَ، لِأَنَّنَا سَمِعْنَا أَخْبَارَهُ وَكُلَّ مَا عَمِلَهُ بِمِصْرَ، وَكُلَّ مَا عَمِلَهُ بِمَلِكَيِ الْأَمُورِيِّينَ فِي شَرْقِ الْأُرْدُنِّ، سِيحُونَ مَلِكِ حَشْبُونَ، وَعُوجَ مَلِكِ بَاشَانَ الَّذِي كَانَ فِي عَشْتَرُوتَ. فَقَالَ لَنَا شُيُوخُنَا وَكُلُّ أَهْلِ بِلَادِنَا أَنْ نَأْخُذَ مَعَنَا زَادًا لِلطَّرِيقِ وَنَأْتِيَ لِمُقَابَلَتِكُمْ وَنَقُولَ لَكُمْ: ’نَحْنُ عَبِيدُكُمْ، فَاعْمَلُوا مَعَنَا مُعَاهَدَةً.‘ وَهَذَا هُوَ خُبْزُنَا الَّذِي أَخَذْنَاهُ سُخْنًا مِنْ دِيَارِنَا يَوْمَ بَدَأْنَا الرِّحْلَةَ إِلَيْكُمْ، فَانْظُرُوا كَيْفَ يَبِسَ وَتَفَتَّتَ! وَهَذِهِ هِيَ قِرَبُ الْخَمْرِ الَّتِي كَانَتْ جَدِيدَةً يَوْمَ مَلَأْنَاهَا، لَكِنِ انْظُرُوا كَيْفَ تَشَقَّقَتْ! وَهَذِهِ ثِيَابُنَا وَنِعَالُنَا صَارَتْ بَالِيَةً مِنَ الطَّرِيقِ الطَّوِيلِ جِدًّا.“ فَأَخَذَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ مِنْ زَادِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَشِيرُوا اللهَ. وَعَمِلَ يَشُوعُ مَعَهُمْ مُعَاهَدَةَ سَلَامٍ لِيُحَافِظَ عَلَى حَيَاتِهِمْ، وَحَلَفَ لَهُمْ بِذَلِكَ قَادَةُ الْجَمَاعَةِ. وَبَعْدَمَا عَمِلُوا الْمُعَاهَدَةَ مَعَهُمْ بِـ3 أَيَّامٍ، اِكْتَشَفَ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنَّ الْجِبْعُونِيِّينَ هُمْ بِالْقُرْبِ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ مِنْ سُكَّانِ هَذِهِ الْبِلَادِ. فَرَحَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَصَلُوا إِلَى مُدُنِهِمْ، وَهِيَ جِبْعُونُ وَكَفِيرَةُ وَبَئِيرُوتُ وَقَرْيَةُ يَعَارِيمَ. فَلَمْ يُحَارِبْهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، لِأَنَّ قَادَةَ الْجَمَاعَةِ حَلَفُوا لَهُمْ بِالْمَوْلَى رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَتَذَمَّرَ كُلُّ الشَّعْبِ عَلَى الْقَادَةِ. فَقَالَ كُلُّ الْقَادَةِ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: ”حَلَفْنَا لَهُمْ بِالْمَوْلَى إِلَهِنَا، فَلَا نَقْدِرُ الْآنَ أَنْ نَمَسَّهُمْ بِسُوءٍ. بَلْ يَجِبُ أَنْ نُحَافِظَ عَلَى حَيَاتِهِمْ، لِئَلَّا يَحِلَّ عَلَيْنَا غَضَبٌ بِسَبَبِ الْقَسَمِ الَّذِي حَلَفْنَاهُ لَهُمْ.“ وَقَالُوا أَيْضًا: ”نَتْرُكُهُمْ يَعِيشُونَ، فَيَكُونُ عَمَلُهُمْ هُوَ أَنْ يَقْطَعُوا الْخَشَبَ وَيَجْلِبُوا الْمَاءَ لِكُلِّ الْجَمَاعَةِ.“ فَنَفَّذَ الْقَادَةُ وَعْدَهُمْ لَهُمْ. فَاسْتَدْعَى يَشُوعُ الْجِبْعُونِيِّينَ وَقَالَ لَهُمْ: ”لِمَاذَا خَدَعْتُمُونَا وَقُلْتُمْ إِنَّكُمْ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ جِدًّا، بَيْنَمَا أَنْتُمْ مِنْ سُكَّانِ هَذِهِ الْبِلَادِ؟ أَنْتُمُ الْآنَ مَلْعُونُونَ! فَلَا يَنْقَطِعُ مِنْ بَيْنِكُمُ الْعَبِيدُ، وَمَنْ يَقْطَعُونَ الْخَشَبَ، وَمَنْ يَجْلِبُونَ الْمَاءَ لِبَيْتِ إِلَهِي.“ فَقَالُوا لِيَشُوعَ: ”بَلَغَنَا الْخَبَرُ يَا سَيِّدُ، أَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكَ أَمَرَ مُوسَى عَبْدَهُ أَنْ يُعْطِيَكُمْ كُلَّ الْأَرْضِ، وَيُبِيدَ جَمِيعَ سُكَّانِ الْبِلَادِ مِنْ أَمَامِكُمْ، فَخِفْنَا مِنْكُمْ عَلَى أَنْفُسِنَا وَفَعَلْنَا مَا فَعَلْنَاهُ. وَالْآنَ نَحْنُ فِي يَدِكَ، فَافْعَلْ بِنَا مَا تَرَى أَنَّهُ صَالِحٌ وَحَقٌّ.“ فَأَنْقَذَهُمْ يَشُوعُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمْ يَقْتُلُوهُمْ. وَمِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ جَعَلَهُمْ يَشُوعُ يَقْطَعُونَ الْخَشَبَ وَيَجْلِبُونَ الْمَاءَ لِلْجَمَاعَةِ وَلِمَنَصَّةِ قَرَابِينِ اللهِ. وَإِلَى الْيَوْمِ، هَذَا هُوَ عَمَلُهُمْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ اللهُ. وَسَمِعَ أَدُونِي صَادِقَ مَلِكُ الْقُدْسِ، أَنَّ يَشُوعَ اسْتَوْلَى عَلَى عَايَ وَأَهْلَكَهَا، وَفَعَلَ بِهَا وَبِمَلِكِهَا مَا فَعَلَهُ بِأَرِيحَا وَمَلِكِهَا. وَسَمِعَ أَيْضًا أَنَّ أَهْلَ جِبْعُونَ عَمِلُوا مُعَاهَدَةَ سَلَامٍ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَقَامُوا بَيْنَهُمْ. فَخَافَ جِدًّا لِأَنَّ جِبْعُونَ كَانَتْ مَدِينَةً عَظِيمَةً كَالْمُدُنِ الْمَلَكِيَّةِ الْأُخْرَى، وَهِيَ أَعْظَمُ مِنْ عَايَ وَكُلُّ رِجَالِهَا أَبْطَالٌ. فَأَرْسَلَ أَدُونِي صَادِقَ مَلِكُ الْقُدْسِ إِلَى هُوهَامَ مَلِكِ حَبْرُونَ، وَفِرْآمَ مَلِكِ يَرْمُوتَ، وَيَافِيعَ مَلِكِ لَخِيشَ وَدَبِيرَ مَلِكِ عَجْلُونَ، يَقُولُ لَهُمْ: ”تَعَالَوْا وَسَاعِدُونِي لِنُحَارِبَ جِبْعُونَ لِأَنَّهَا عَمِلَتْ مُعَاهَدَةَ سَلَامٍ مَعَ يَشُوعَ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ.“ فَجَمَعَ مُلُوكُ الْأَمُورِيِّينَ الْـ5 قُوَّاتِهِمْ وَهُمْ مُلُوكُ الْقُدْسِ وَحَبْرُونَ وَيَرْمُوتَ وَلَخِيشَ وَعَجْلُونَ، وَتَقَدَّمُوا بِكُلِّ جُيُوشِهِمْ وَنَزَلُوا عَلَى جِبْعُونَ وَحَارَبُوهَا. فَأَرْسَلَ أَهْلُ جِبْعُونَ إِلَى يَشُوعَ فِي الْمُخَيَّمِ فِي الْجِلْجَالِ، يَقُولُونَ لَهُ: ”لَا تَتْرُكْنَا، بَلْ تَعَالَ بِسُرْعَةٍ وَأَنْقِذْنَا وَسَاعِدْنَا، لِأَنَّ كُلَّ مُلُوكِ الْأَمُورِيِّينَ الَّذِينَ فِي الْجَبَلِ جَمَعُوا قُوَّاتِهِمْ ضِدَّنَا.“ فَتَقَدَّمَ يَشُوعُ مِنَ الْجِلْجَالِ بِكُلِّ جَيْشِهِ وَأَحْسَنِ الْمُحَارِبِينَ. فَقَالَ اللهُ لِيَشُوعَ: ”لَا تَخَفْ مِنْهُمْ، لِأَنِّي نَصَرْتُكَ عَلَيْهِمْ. لَنْ يَقْدِرَ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنْ يُقَاوِمَكَ.“ وَبَعْدَمَا سَارَ يَشُوعُ طُولَ اللَّيْلِ، فَاجَأَ الْمُلُوكَ الْـ5 وَهَجَمَ عَلَيْهِمْ. فَجَعَلَهُمُ اللهُ يَرْتَبِكُونَ أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَهَزَمُوهُمْ هَزِيمَةً شَدِيدَةً فِي جِبْعُونَ وَطَارَدُوهُمْ فِي الطَّرِيقِ الْمُتَّجِهَةِ إِلَى بَيْتَ حُورُونَ وَضَرَبُوهُمْ حَتَّى إِلَى عَزِيقَةَ وَمَقِيدَةَ. وَبَيْنَمَا هُمْ هَارِبُونَ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُمْ فِي الطَّرِيقِ الْمُنْحَدِرَةِ بَيْنَ بَيْتَ حُورُونَ وَعَزِيقَةَ، رَمَاهُمُ اللهُ بِحِجَارَةِ بَرَدٍ عَظِيمَةٍ مِنَ السَّمَاءِ فَمَاتُوا. وَكَانَ الَّذِينَ مَاتُوا بِحِجَارَةِ الْبَرَدِ أَكْثَرَ مِنَ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالسَّيْفِ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ سَلَّمَ اللهُ الْأَمُورِيِّينَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَلَّمَ يَشُوعُ اللهَ، ثُمَّ قَالَ عَلَى مَشْهَدٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ”يَا شَمْسُ قِفِي فَوْقَ جِبْعُونَ، وَيَا قَمَرُ فَوْقَ وَادِي أَيْلُونَ.“ فَوَقَفَتِ الشَّمْسُ وَثَبَتَ الْقَمَرُ، حَتَّى انْتَقَمَ الشَّعْبُ مِنْ أَعْدَائِهِ، كَمَا هُوَ وَارِدٌ فِي كِتَابِ يَاشِرَ. وَقَفَتِ الشَّمْسُ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ، وَتَأَخَّرَتْ عَنِ الْغُرُوبِ يَوْمًا كَامِلًا. وَلَمْ يَحْدُثْ مِثْلُ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَبَدًا، لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، حَيْثُ سَمِعَ اللهُ لِإِنْسَانٍ. حَقًّا إِنَّ اللهَ حَارَبَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ثُمَّ رَجَعَ يَشُوعُ وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَهُ إِلَى الْمُخَيَّمِ فِي الْجِلْجَالِ. وَكَانَ الْمُلُوكُ الْـ5 قَدْ هَرَبُوا وَاخْتَبَأُوا فِي مَغَارَةٍ فِي مَقِيدَةَ. فَبَلَغَ يَشُوعَ الْخَبَرُ أَنَّ الْمُلُوكَ الْـ5 مُخْتَبِئُونَ هُنَاكَ. فَقَالَ: ”دَحْرِجُوا حِجَارَةً كَبِيرَةً عَلَى بَابِ الْمَغَارَةِ، وَضَعُوا هُنَاكَ رِجَالًا يَحْرُسُونَهَا. وَأَنْتُمْ لَا تَقِفُوا، بَلْ طَارِدُوا أَعْدَاءَكُمْ وَاضْرِبُوهُمْ مِنَ الْمُؤَخَّرِ. لَا تَتْرُكُوهُمْ يَدْخُلُونَ مُدُنَهُمْ، لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ نَصَرَكُمْ عَلَيْهِمْ.“ فَهَزَمَهُمْ يَشُوعُ وَبَنُو إِسْرَائِيلَ هَزِيمَةً شَدِيدَةً جِدًّا حَتَّى فَنَوْا، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُونَ دَخَلُوا الْمُدُنَ الْمُحَصَّنَةَ. ثُمَّ رَجَعَ كُلُّ الْجَيْشِ سَالِمًا إِلَى يَشُوعَ فِي الْمُخَيَّمِ فِي مَقِيدَةَ. وَلَمْ يَجْرُؤْ أَحَدٌ أَنْ يَنْطِقَ بِكَلِمَةٍ ضِدَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَقَالَ يَشُوعُ: ”اِفْتَحُوا بَابَ الْمَغَارَةِ، وَأَخْرِجُوا إِلَيَّ هَؤُلَاءِ الْمُلُوكَ الْـ5.“ فَفَعَلُوا هَذَا، وَأَحْضَرُوا لَهُ الْمُلُوكَ الْـ5 مِنَ الْمَغَارَةِ، أَيْ مُلُوكَ الْقُدْسِ وَحَبْرُونَ وَيَرْمُوتَ وَلَخِيشَ وَعَجْلُونَ. فَلَمَّا أَحْضَرُوهُمْ، اِسْتَدْعَى يَشُوعُ كُلَّ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ، وَقَالَ لِقَادَةِ الْجَيْشِ الَّذِينَ ذَهَبُوا مَعَهُ: ”تَعَالَوْا هُنَا، وَضَعُوا أَرْجُلَكُمْ عَلَى رِقَابِ هَؤُلَاءِ الْمُلُوكِ.“ فَتَقَدَّمُوا وَوَضَعُوا أَرْجُلَهُمْ عَلَى رِقَابِهِمْ. فَقَالَ لَهُمْ يَشُوعُ: ”لَا تَخَافُوا وَلَا تَرْتَعِبُوا، كُونُوا أَقْوِيَاءَ وَشُجْعَانًا. لِأَنَّ اللهَ سَيَفْعَلُ هَذَا بِكُلِّ أَعْدَائِكُمُ الَّذِينَ تُحَارِبُونَهُمْ.“ ثُمَّ ضَرَبَ يَشُوعُ الْمُلُوكَ وَقَتَلَهُمْ، وَعَلَّقَهُمْ عَلَى 5 أَشْجَارٍ، وَبَقَوْا مُعَلَّقِينَ عَلَيْهَا حَتَّى الْمَسَاءِ. وَعِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، أَمَرَ يَشُوعُ فَأَنْزَلُوهُمْ عَنْهَا، وَطَرَحُوهُمْ فِي الْمَغَارَةِ الَّتِي اخْتَبَأُوا فِيهَا، وَوَضَعُوا حِجَارَةً كَبِيرَةً عَلَى بَابِ الْمَغَارَةِ وَهِيَ مَا زَالَتْ مَوْجُودَةً إِلَى الْيَوْمِ. وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ اسْتَوْلَى يَشُوعُ عَلَى مَقِيدَةَ وَقَتَلَ شَعْبَهَا وَمَلِكَهَا بِالسَّيْفِ، وَأَهْلَكَ كُلَّ مَنْ فِيهَا وَلَمْ يُبْقِ أَحَدًا. وَفَعَلَ بِمَلِكِ مَقِيدَةَ مَا فَعَلَهُ بِمَلِكِ أَرِيحَا. ثُمَّ ذَهَبَ يَشُوعُ وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَهُ، مِنْ مَقِيدَةَ إِلَى لِبْنَةَ وَحَارَبَهَا. فَأَعْطَى اللهُ هَذِهِ الْمَدِينَةَ أَيْضًا هِيَ وَمَلِكَهَا فِي يَدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَتَلَ يَشُوعُ شَعْبَهَا وَكُلَّ مَنْ فِيهَا بِالسَّيْفِ، وَلَمْ يُبْقِ بِهَا أَحَدًا. وَفَعَلَ بِمَلِكِهَا مَا فَعَلَهُ بِمَلِكِ أَرِيحَا. ثُمَّ ذَهَبَ يَشُوعُ وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَهُ، مِنْ لِبْنَةَ إِلَى لَخِيشَ وَنَزَلَ عَلَيْهَا وَحَارَبَهَا. فَأَعْطَى اللهُ لَخِيشَ فِي يَدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَاسْتَوْلَى يَشُوعُ عَلَيْهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَقَتَلَ شَعْبَهَا وَكُلَّ مَنْ فِيهَا بِالسَّيْفِ كَمَا فَعَلَ بِلِبْنَةَ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، جَاءَ هُورَامُ مَلِكُ جَازَرَ لِيُسَاعِدَ لَخِيشَ، فَهَزَمَهُ يَشُوعُ مَعَ جَيْشِهِ وَلَمْ يُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا. ثُمَّ ذَهَبَ يَشُوعُ وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَهُ، مِنْ لَخِيشَ إِلَى عَجْلُونَ وَنَزَلُوا عَلَيْهَا وَحَارَبُوهَا. وَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا فِي نَفْسِ الْيَوْمِ، وَقَتَلُوا شَعْبَهَا بِالسَّيْفِ، وَأَهْلَكُوا كُلَّ مَنْ فِيهَا، كَمَا فَعَلُوا بِلَخِيشَ. وَتَقَدَّمَ يَشُوعُ وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَهُ، مِنْ عَجْلُونَ إِلَى حَبْرُونَ وَحَارَبُوهَا. وَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا وَقَتَلُوا شَعْبَهَا وَمَلِكَهَا بِالسَّيْفِ، وَقُرَاهَا وَكُلَّ مَنْ فِيهَا. وَلَمْ يُبْقُوا أَحَدًا، كَمَا فَعَلُوا بِعَجْلُونَ، فَأَهْلَكُوهَا وَكُلَّ مَنْ فِيهَا. وَرَجَعَ يَشُوعُ وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَهُ وَحَارَبُوا دَبِيرَ. وَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا هِيَ وَقُرَاهَا، وَقَتَلُوا شَعْبَهَا وَمَلِكَهَا بِالسَّيْفِ، وَأَهْلَكُوا كُلَّ مَنْ فِيهَا. وَلَمْ يُبْقُوا أَحَدًا، فَفَعَلُوا بِدَبِيرَ وَمَلِكِهَا مَا فَعَلُوهُ بِحَبْرُونَ وَمَلِكِهَا وَبِلِبْنَةَ وَمَلِكِهَا. فَأَخْضَعَ يَشُوعُ كُلَّ الْمِنْطَقَةِ، بِمَا فِيهَا الْجَبَلُ وَالنَّقَبُ وَالسَّهْلُ وَالسُّفُوحُ، وَقَتَلَ كُلَّ مُلُوكِهَا، وَلَمْ يُبْقِ أَحَدًا، بَلْ أَهْلَكَ كُلَّ حَيٍّ كَمَا أَمَرَ الْمَوْلَى رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَأَخْضَعَهُمْ يَشُوعُ مِنْ قَادِشَ بَرْنِيعَ إِلَى غَزَّةَ، وَمِنْ كُلِّ مِنْطَقَةِ جُوشَنَ إِلَى جِبْعُونَ. هَزَمَ يَشُوعُ كُلَّ هَؤُلَاءِ الْمُلُوكِ وَبِلَادِهِمْ دُفْعَةً وَاحِدَةً، لِأَنَّ الْمَوْلَى رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ يُحَارِبُ عَنْهُمْ. ثُمَّ رَجَعَ يَشُوعُ وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَهُ إِلَى الْمُخَيَّمِ فِي الْجِلْجَالِ. فَلَمَّا سَمِعَ يَابِينُ مَلِكُ حَاصُورَ بِهَذَا، أَرْسَلَ إِلَى يُوبَابَ مَلِكِ مَادُونَ، وَإِلَى مَلِكِ شَمْرُونَ وَمَلِكِ أَكْشَافَ، وَإِلَى مُلُوكِ الشَّمَالِ الَّذِينَ فِي الْجَبَلِ، وَمُلُوكِ وَادِي الْأُرْدُنِّ جَنُوبَ بُحَيْرَةِ الْجَلِيلِ، وَمُلُوكِ السَّهْلِ وَمُلُوكِ مُرْتَفَعَاتِ دُورَ فِي الْغَرْبِ. وَإِلَى مُلُوكِ الْكَنْعَانِيِّينَ فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، وَالْأَمُورِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ فِي الْجَبَلِ، وَالْحِوِّيِّينَ الَّذِينَ تَحْتَ جَبَلِ حَرْمُونَ فِي مِنْطَقَةِ الْمِصْفَاةِ. فَخَرَجُوا بِكُلِّ جُيُوشِهِمْ شَعْبًا غَفِيرًا كَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ، بِخَيْلٍ وَمَرْكَبَاتٍ كَثِيرَةٍ جِدًّا. وَجَمَعَ كُلُّ هَؤُلَاءِ الْمُلُوكِ قُوَّاتِهِمْ وَعَسْكَرُوا مَعًا عِنْدَ مِيَاهِ مِيرُومَ لِيُحَارِبُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَقَالَ اللهُ لِيَشُوعَ: ”لَا تَخَفْ مِنْهُمْ. لِأَنِّي غَدًا فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ، أُوقِعُهُمْ قَتْلَى أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَتُكَسِّرُ مَفَاصِلَ خَيْلِهِمْ، وَتَحْرِقُ مَرْكَبَاتِهِمْ بِالنَّارِ.“ فَجَاءَ يَشُوعُ عَلَيْهِمْ فَجْأَةً عِنْدَ مِيَاهِ مِيرُومَ، وَمَعَهُ كُلُّ جَيْشِهِ وَهَجَمُوا عَلَيْهِمْ. فَأَوْقَعَهُمُ اللهُ فِي يَدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَهَزَمُوهُمْ وَطَارَدُوهُمْ إِلَى صَيْدَا الْعَظِيمَةِ، وَإِلَى مِسْرَفُوتَ مَايِمَ، وَإِلَى وَادِي مِصْفَاةَ فِي الشَّرْقِ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ. فَفَعَلَ يَشُوعُ بِهِمْ كَمَا قَالَ اللهُ: كَسَّرَ مَفَاصِلَ خَيْلِهِمْ، وَأَحْرَقَ مَرْكَبَاتِهِمْ بِالنَّارِ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، رَجَعَ يَشُوعُ وَاسْتَوْلَى عَلَى حَاصُورَ وَقَتَلَ مَلِكَهَا بِالسَّيْفِ، لِأَنَّ حَاصُورَ كَانَتْ مِنْ قَبْلُ زَعِيمَةَ تِلْكَ الْمَمَالِكِ. وَقَتَلُوا كُلَّ مَنْ فِيهَا بِالسَّيْفِ، وَأَهْلَكُوهُمْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ حَيٌّ، وَأَحْرَقُوهَا بِالنَّارِ. فَاسْتَوْلَى يَشُوعُ عَلَى كُلِّ تِلْكَ الْمُدُنِ الْمَلَكِيَّةِ وَمُلُوكِهَا وَقَتَلَهُمْ بِالسَّيْفِ. فَأَهْلَكَهُمْ كَمَا أَمَرَ مُوسَى عَبْدُ اللهِ. أَمَّا الْمُدُنُ الْوَاقِعَةُ عَلَى التِّلَالِ، فَلَمْ يَحْرِقْهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ، مَا عَدَا حَاصُورَ وَحْدَهَا أَحْرَقَهَا يَشُوعُ. وَأَخَذَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِأَنْفُسِهِمْ كُلَّ غَنِيمَةِ تِلْكَ الْمُدُنِ وَالْبَهَائِمِ. أَمَّا النَّاسُ فَقَتَلُوهُمْ جَمِيعًا بِالسَّيْفِ حَتَّى أَبَادُوهُمْ. لَمْ يُبْقُوا حَيًّا. فَالْمَوْلَى أَمَرَ مُوسَى عَبْدَهُ، وَمُوسَى أَعْطَى نَفْسَ الْأَوَامِرِ لِيَشُوعَ، وَيَشُوعُ نَفَّذَ وَلَمْ يُهْمِلْ شَيْئًا مِنْ كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ اللهُ مُوسَى. فَاسْتَوْلَى يَشُوعُ عَلَى كُلِّ تِلْكَ الْبِلَادِ وَالْجَبَلِ وَالنَّقَبِ وَكُلِّ مِنْطَقَةِ جُوشَنَ وَالسَّهْلِ وَوَادِي الْأُرْدُنِّ وَجَبَلِ إِسْرَائِيلَ وَسُفُوحِهِ. مِنَ الْجَبَلِ الْأَقْرَعِ الَّذِي يَمْتَدُّ نَحْوَ سَعِيرَ، إِلَى بَعْلَ جَادَ فِي وَادِي لُبْنَانَ تَحْتَ جَبَلِ حَرْمُونَ. وَأَخَذَ كُلَّ مُلُوكِهَا وَقَتَلَهُمْ. وَحَارَبَ يَشُوعُ هَؤُلَاءِ الْمُلُوكَ أَيَّامًا كَثِيرَةً. وَفِيمَا عَدَا الْحِوِّيِّينَ الَّذِينَ فِي جِبْعُونَ، وَلَا مَدِينَةٌ عَمِلَتْ مُعَاهَدَةَ سَلَامٍ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، بَلِ اسْتَوْلَى بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى الْكُلِّ بِالْحَرْبِ. لِأَنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي قَسَّى قُلُوبَهُمْ حَتَّى خَرَجُوا لِيُحَارِبُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبِذَلِكَ يُهْلِكُهُمْ وَيُبِيدُهُمْ بِلَا رَحْمَةٍ كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ذَهَبَ يَشُوعُ وَأَبَادَ الْعَنَاقِيِّينَ مِنَ الْجَبَلِ: مِنْ حَبْرُونَ وَدَبِيرَ وَعَنَابَ وَمِنْ كُلِّ جَبَلِ يَهُوذَا وَمِنْ كُلِّ جَبَلِ إِسْرَائِيلَ. أَهْلَكَهُمْ يَشُوعُ هُمْ وَمُدُنَهُمْ. فَلَمْ يَبْقَ عَنَاقِيُّونَ فِي أَرْضِ إِسْرَائِيلَ إِنَّمَا بَقَوْا فِي غَزَّةَ وَجَتَّ وَأَشْدُودَ. فَاسْتَوْلَى يَشُوعُ عَلَى كُلِّ الْأَرْضِ كَمَا قَالَ اللهُ لِمُوسَى، وَأَعْطَاهَا يَشُوعُ نَصِيبًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ حَسَبَ فِرَقِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ. ثُمَّ اسْتَرَاحَتِ الْبِلَادُ مِنَ الْحَرْبِ. وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُلُوكُ الَّذِينَ هَزَمَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَامْتَلَكُوا بِلَادَهُمْ فِي شَرْقِ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ، مِنْ وَادِي أَرْنُونَ إِلَى جَبَلِ حَرْمُونَ وَكُلَّ الْوَادِي شَرْقًا. سِيحُونُ مَلِكُ الْأَمُورِيِّينَ الَّذِي كَانَ فِي حَشْبُونَ. وَكَانَ مُلْكُهُ يَمْتَدُّ مِنْ عَرُوعِيرَ الَّتِي عَلَى حَافَّةِ وَادِي أَرْنُونَ، إِلَى نَهْرِ يَبُّوقَ الَّذِي عَلَى حُدُودِ بَنِي عَمُّونَ، بِمَا فِي ذَلِكَ وَسَطُ الْوَادِي وَنِصْفُ جِلْعَادَ. وَكَانَ يَمْلِكُ أَيْضًا عَلَى النَّاحِيَةِ الشَّرْقِيَّةِ مِنَ الْوَادِي، مِنْ بُحَيْرَةِ الْجَلِيلِ إِلَى الْبَحْرِ الْمَيِّتِ فِي اتِّجَاهِ بَيْتَ يَشِيمُوتَ، إِلَى تَحْتِ سُفُوحِ الْفِسْجَةَ جَنُوبًا. ثُمَّ أَرْضُ عُوجَ مَلِكِ بَاشَانَ. وَهُوَ أَحَدُ الَّذِينَ بَقَوْا مِنَ الرَّفَائِيِّينَ وَالَّذِي كَانَ فِي عَشْتَرُوتَ وَفِي إِذْرَعِي. وَكَانَ يَمْلِكُ عَلَى جَبَلِ حَرْمُونَ وَسَلْكَةَ، وَكُلِّ بَاشَانَ إِلَى حُدُودِ أَهْلِ جَشُورَ وَمَعْكَةَ، ثُمَّ نِصْفِ جِلْعَادَ إِلَى حُدُودِ سِيحُونَ مَلِكِ حَشْبُونَ. مُوسَى عَبْدُ اللهِ وَبَنُو إِسْرَائِيلَ هَزَمُوا هَذِهِ الْبِلَادَ. وَأَعْطَاهَا مُوسَى عَبْدُ اللهِ نَصِيبًا لِبَنِي رَأُوبِينَ وَبَنِي جَادَ وَنِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى. وَهَزَمَ يَشُوعُ وَبَنُو إِسْرَائِيلَ مُلُوكَ غَرْبِ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ، مِنْ بَعْلَ جَادَ فِي وَادِي لُبْنَانَ إِلَى الْجَبَلِ الْأَقْرَعِ الَّذِي يَمْتَدُّ نَحْوَ سَعِيرَ. وَأَعْطَى يَشُوعُ أَرْضَهُمْ لِقَبَائِلِ إِسْرَائِيلَ حَسَبَ فِرَقِهِمْ. وَكَانَتْ فِي الْجَبَلِ وَالسَّهْلِ وَوَادِي الْأُرْدُنِّ وَالسُّفُوحِ وَالصَّحْرَاءِ وَالنَّقَبِ، وَهِيَ أَرْضُ الْحِثِّيِّينَ وَالْأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ. وَهُمْ مُلُوكُ أَرِيحَا وَعَايَ (الَّتِي بِجَانِبِ بَيْتَ إِيلَ) وَالْقُدْسِ، وَحَبْرُونَ، وَيَرْمُوتَ، وَلَخِيشَ، وَعَجْلُونَ، وَجَازَرَ، وَدَبِيرَ، وَجَادَرَ، وَحُرْمَةَ، وَعَرَادَ، وَلِبْنَةَ، وَعَدْلَامَ، وَمَقِيدَةَ، وَبَيْتَ إِيلَ، وَتَافُوحَ، وَحَافَرَ، وَأَفِيقَ، وَلَشَارُونَ، وَمَادُونَ، وَحَاصُورَ، وَشَمْرُونَ مَرْأُونَ، وَأَكْشَافَ، وَتَعْنَكَ، وَمَجِدُّو وَقَادِشَ، وَيَقْنَعَامَ فِي كَرْمَلَ، وَدُورَ فِي مُرْتَفَعَاتِ دُورَ، وَجُويِمَ فِي الْجِلْجَالِ، وَتِرْصَةَ. وَجُمْلَتُهُمْ 31 مَلِكًا. وَشَاخَ يَشُوعُ وَكَبِرَ فِي السِّنِّ، فَقَالَ لَهُ اللهُ: ”أَنْتَ شِخْتَ وَكَبِرْتَ فِي السِّنِّ، وَمَا زَالَتْ هُنَاكَ أَرْضٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا لِتَمْلِكُوهَا. وَهَذِهِ هِيَ الْأَرْضُ الْبَاقِيَةُ: كُلُّ مَنَاطِقِ الْفِلِسْطِيِّينَ وَالْجَشُورِيِّينَ مِنْ نَهْرِ شِيحُورَ الَّذِي فِي شَرْقِ مِصْرَ، إِلَى أَرْضِ عَقْرُونَ شَمَالًا، وَهِيَ تُعْتَبَرُ لِلْكَنْعَانِيِّينَ وَفِيهَا حُكَّامُ الْفِلِسْطِيِّينَ الْـ5 فِي غَزَّةَ وَأَشْدُودَ وَعَسْقَلَانَ وَجَتَّ وَعَقْرُونَ، وَأَيْضًا أَرْضُ الْعَوِيِّينَ. وَمِنَ الْجَنُوبِ كُلُّ أَرْضِ الْكَنْعَانِيِّينَ مِنْ عَارَةَ الَّتِي لِلصَّيْدُونِيِّينَ إِلَى أَفِيقَ عَلَى حُدُودِ الْأَمُورِيِّينَ. وَأَرْضُ الْجَبْلِيِّينَ وَكُلُّ لُبْنَانَ شَرْقًا، مِنْ بَعْلَ جَادَ تَحْتَ جَبَلِ حَرْمُونَ إِلَى مَدْخَلِ حَمَاةَ. وَكُلُّ سُكَّانِ الْجَبَلِ مِنْ لُبْنَانَ إِلَى مِسْرَفُوتَ مَايِمَ، أَيْ كُلُّ الصَّيْدُونِيِّينَ. أَنَا أَطْرُدُ هَؤُلَاءِ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنْتَ تَقْسِمُ الْأَرْضَ بِالْقُرْعَةِ نَصِيبًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ كَمَا أَمَرْتُكَ. أَيْ تَقْسِمُهَا نَصِيبًا لِلـ9 قَبَائِلَ وَنِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى.“ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ مِنْ قَبِيلَةِ مَنَسَّى وَبَنُو رَأُوبِينَ وَبَنُو جَادَ أَخَذُوا نَصِيبَهُمُ الَّذِي أَعْطَاهُ لَهُمْ مُوسَى عَبْدُ اللهِ فِي شَرْقِ الْأُرْدُنِّ. وَهُوَ مِنْ عَرُوعِيرَ الَّتِي عَلَى حَافَّةِ وَادِي أَرْنُونَ، إِلَى دِيبُونَ، بِمَا فِي ذَلِكَ الْمَدِينَةُ الَّتِي فِي وَسَطِ الْوَادِي وَكُلُّ سَهْلِ مِيدَبَا. وَكُلُّ مُدُنِ سِيحُونَ مَلِكِ الْأَمُورِيِّينَ الَّذِي كَانَ يَمْلِكُ فِي حَشْبُونَ إِلَى حُدُودِ بَنِي عَمُّونَ، وَجِلْعَادُ وَبِلَادُ أَهْلِ جَشُورَ وَمَعْكَةَ، وَكُلُّ جَبَلِ حَرْمُونَ، وَكُلُّ بَاشَانَ إِلَى سَلْكَةَ. أَيْ كُلُّ مَمْلَكَةِ عُوجَ فِي بَاشَانَ، الَّذِي كَانَ يَمْلِكُ فِي عَشْتَرُوتَ وَفِي إِذْرَعِي، وَهُوَ أَحَدُ الَّذِينَ بَقَوْا مِنَ الرَّفَائِيِّينَ. فَهَزَمَهُمْ مُوسَى وَاسْتَوْلَى عَلَى بِلَادِهِمْ. لَكِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَطْرُدُوا أَهْلَ جَشُورَ وَمَعْكَةَ، فَأَقَامُوا بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. أَمَّا قَبِيلَةُ لَاوِي، فَلَمْ يُعْطِهِمْ نَصِيبًا فِي الْأَرْضِ، إِنَّمَا الْقَرَابِينُ الَّتِي تُحْرَقُ لِلْمَوْلَى رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ هِيَ نَصِيبُهُمْ، كَمَا وَعَدَهُمْ. وَأَعْطَى مُوسَى قَبِيلَةَ بَنِي رَأُوبِينَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. فَكَانَتْ أَرْضُهُمْ مِنْ عَرُوعِيرَ الَّتِي عَلَى حَافَّةِ وَادِي أَرْنُونَ وَالْمَدِينَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ الْوَادِي وَكُلِّ السَّهْلِ عِنْدَ مِيدَبَا، إِلَى حَشْبُونَ وَكُلِّ مُدُنِهَا الَّتِي فِي السَّهْلِ وَدِيبُونَ وَبَامُوتَ بَعْلَ وَبَيْتَ بَعْلَ مَعُونَ، وَيَهْصَةَ وَقَدِيمُوتَ وَمِيفَعَةَ، وَقَرْيَاتِمَ وَسَبْمَةَ وَصَارَثْ شَحْرَ فِي مُنْحَدَرِ الْوَادِي، وَبَيْتَ فَغُورَ وَسُفُوحِ جَبَلِ الْفِسْجَةَ وَبَيْتَ يَشِيمُوتَ، وَكُلَّ مُدُنِ السَّهْلِ، وَكُلَّ مَمْلَكَةِ سِيحُونَ مَلِكِ الْأَمُورِيِّينَ الَّذِي كَانَ يَمْلِكُ فِي حَشْبُونَ. وَكَانَ مُوسَى قَدْ هَزَمَهُ مَعَ كُلِّ رُؤَسَاءِ مِدْيَانَ: أَوِي وَرَاقَمَ وَصُورَ وَحُورَ وَرَابِعَ، الَّذِينَ كَانُوا أُمَرَاءَ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ تَحْتَ سِيحُونَ. وَبَلْعَامُ بْنُ بَعُورَ الَّذِي كَانَ يُمَارِسُ الْعِلْمَ بِالْغَيْبِ، قَتَلَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالسَّيْفِ مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الْقَتْلَى. وَكَانَ نَهْرُ الْأُرْدُنِّ هُوَ الْحَدَّ الْغَرْبِيَّ لِأَرْضِ رَأُوبِينَ. هَذَا هُوَ نَصِيبُ بَنِي رَأُوبِينَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ مِنَ الْمُدُنِ وَقُرَاهَا. وَأَعْطَى مُوسَى قَبِيلَةَ بَنِي جَادَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. فَكَانَتْ أَرْضُهُمْ يَعْزِيرَ، وَكُلَّ مُدُنِ جِلْعَادَ، وَنِصْفَ أَرْضِ بَنِي عَمُّونَ إِلَى عَرُوعِيرَ الَّتِي بِالْقُرْبِ مِنْ رَبَّةَ، وَمِنْ حَشْبُونَ إِلَى رَامَةَ الْمِصْفَاةِ وَبَطُونِيمَ، وَمِنْ مَحَنَايِمَ إِلَى حُدُودِ دَبِيرَ. وَفِي وَادِي الْأُرْدُنِّ: بَيْتَ هَارَامَ وَبَيْتَ نِمْرَةَ وَسُكُّوتَ وَصَافُونَ، مَعَ بَقِيَّةِ مَمْلَكَةِ سِيحُونَ مَلِكِ حَشْبُونَ. وَكَانَ نَهْرُ الْأُرْدُنِّ هُوَ الْحَدَّ الْغَرْبِيَّ وَبُحَيْرَةُ الْجَلِيلِ هِيَ الْحَدَّ الشَّمَالِيَّ. هَذَا هُوَ نَصِيبُ بَنِي جَادَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ مِنَ الْمُدُنِ وَقُرَاهَا. وَأَعْطَى مُوسَى نِصْفَ قَبِيلَةِ مَنَسَّى حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. أَيْ إِنَّ هَذَا نَصِيبُ نِصْفِ الْقَبِيلَةِ فَقَطْ. كَانَتْ أَرْضُهُمْ مِنْ مَحَنَايِمَ، وَتَشْمَلُ كُلَّ بَاشَانَ، وَكُلَّ مَمْلَكَةِ عُوجَ مَلِكِ بَاشَانَ، وَكُلَّ قُرَى يَائِرَ الـ60 الَّتِي فِي بَاشَانَ، وَنِصْفَ جِلْعَادَ، وَعَشْتَرُوتَ وَإِذْرَعِي الْمَدِينَتَيْنِ الْمَلَكِيَّتَيْنِ. هَذِهِ هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي أُعْطِيَتْ لِنِصْفِ بَنِي مَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. هَذِهِ هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي قَسَمَهَا مُوسَى فِي سُهُولِ مُوآبَ، شَرْقَ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ مُقَابِلَ أَرِيحَا. أَمَّا قَبِيلَةُ لَاوِي، فَلَمْ يُعْطِهِمْ مُوسَى نَصِيبًا، إِنَّمَا الْمَوْلَى رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ هُوَ نَصِيبُهُمْ، كَمَا وَعَدَهُمْ. وَهَذِهِ هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي امْتَلَكَهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي كَنْعَانَ، وَالَّتِي قَسَمَهَا لَهُمْ أَلِعَازَارُ الْحَبْرُ وَيَشُوعُ بْنُ نُونَ وَرُؤَسَاءُ قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. أَعْطَوْهُمْ نَصِيبَهُمْ بِالْقُرْعَةِ لِلتِّسْعِ قَبَائِلَ وَالنِّصْفِ، كَمَا أَمَرَ اللهُ بِوَاسِطَةِ مُوسَى. لِأَنَّ مُوسَى أَعْطَى نَصِيبَ الْقَبِيلَتَيْنِ وَالنِّصْفِ فِي شَرْقِ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ، وَلَمْ يُعْطِ اللَّاوِيِّينَ نَصِيبًا بَيْنَهُمْ. وَأَصْبَحَ بَنُو يُوسِفَ قَبِيلَتَيْنِ: مَنَسَّى وَأَفْرَايِمَ. فَلَمْ يُعْطُوا اللَّاوِيِّينَ قِسْمًا فِي الْأَرْضِ، إِلَّا مُدُنًا يَسْكُنُونَ فِيهَا وَمَرَاعِيَ بِجِوَارِهَا لِمَوَاشِيهِمْ وَغَنَمِهِمْ. فَقَسَمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْأَرْضَ، كَمَا أَمَرَ اللهُ مُوسَى. فَتَقَدَّمَ بَنُو يَهُوذَا إِلَى يَشُوعَ فِي الْجِلْجَالِ، وَقَالَ لَهُ كَالِبُ بْنُ يَفُنَّةَ الْقَنْزِيُّ: ”أَنْتَ عَارِفٌ الْكَلَامَ الَّذِي قَالَهُ الْمَوْلَى لِلنَّبِيِّ مُوسَى، بِشَأْنِي وَشَأْنِكَ فِي قَادِشَ بَرْنِيعَ. كُنْتُ ابْنَ 40 سَنَةً لَمَّا أَرْسَلَنِي مُوسَى عَبْدُ اللهِ مِنْ قَادِشَ بَرْنِيعَ لِأَتَجَسَّسَ الْأَرْضَ، وَرَجَعْتُ إِلَيْهِ وَأَخْبَرْتُهُ بِمَا فِي قَلْبِي. وَأَمَّا إِخْوَتِيَ الَّذِينَ ذَهَبُوا مَعِي فَجَعَلُوا قَلْبَ الشَّعْبِ يَذُوبُ، لَكِنِّي تَبِعْتُ الْمَوْلَى إِلَهِي مِنَ الْقَلْبِ. فَحَلَفَ لِي مُوسَى فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَقَالَ: ’الْأَرْضُ الَّتِي دَاسَتْهَا قَدَمُكَ تَكُونُ نَصِيبًا لَكَ وَلِأَوْلَادِكَ إِلَى الْأَبَدِ، لِأَنَّكَ تَبِعْتَ الْمَوْلَى إِلَهِي مِنَ الْقَلْبِ.‘ وَالْآنَ، إِنَّ اللهَ أَبْقَانِي حَيًّا كَمَا وَعَدَ. فَمُنْذُ الْوَقْتِ الَّذِي فِيهِ قَالَ اللهُ هَذَا الْكَلَامَ لِمُوسَى، لَمَّا كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الصَّحْرَاءِ، مَضَتْ 45 سَنَةً. أَنَا الْيَوْمَ ابْنُ 85 سَنَةً، وَمَا زِلْتُ قَوِيًّا الْيَوْمَ، كَمَا كُنْتُ يَوْمَ أَرْسَلَنِي مُوسَى، وَعِنْدِيَ الْقُوَّةُ لِأُحَارِبَ الْآنَ، كَمَا كُنْتُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَعَلَى اسْتِعْدَادٍ أَنْ أَخْرُجَ لِلْمَعْرَكَةِ. فَالْآنَ، أَعْطِنِي هَذَا الْجَبَلَ الَّذِي وَعَدَنِي اللهُ بِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. فَأَنْتَ سَمِعْتَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَنَّ الْعَنَاقِيِّينَ هُنَاكَ، وَأَنَّ مُدُنَهُمْ عَظِيمَةٌ وَمُحَصَّنَةٌ. إِنَّمَا يَكُونُ اللهُ مَعِي، فَأَطْرُدُهُمْ كَمَا وَعَدَ.“ فَبَارَكَهُ يَشُوعُ وَأَعْطَاهُ حَبْرُونَ مِلْكًا لَهُ. فَأَصْبَحَتْ حَبْرُونُ مِلْكًا لِكَالِبَ بْنِ يَفُنَّةَ الْقَنْزِيِّ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ، لِأَنَّهُ تَبِعَ الْمَوْلَى رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْقَلْبِ. وَكَانَتْ حَبْرُونُ قَبْلًا تُدْعَى قَرْيَةَ أَرْبَعَ. وَأَرْبَعُ هَذَا كَانَ أَعْظَمَ رَجُلٍ فِي الْعَنَاقِيِّينَ. ثُمَّ اسْتَرَاحَتِ الْبِلَادُ مِنَ الْحَرْبِ. وَهَذِهِ هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي أُعْطِيَتْ بِالْقُرْعَةِ لِقَبِيلَةِ بَنِي يَهُوذَا حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ، مِنْ حُدُودِ أَدُومَ إِلَى صَحْرَاءِ صِينَ فِي أَقْصَى الْجَنُوبِ. فَكَانَ حَدُّهُمْ فِي الْجَنُوبِ مِنَ الْخَلِيجِ الَّذِي فِي الطَّرَفِ الْجَنُوبِيِّ لِلْبَحْرِ الْمَيِّتِ، وَدَارَ جَنُوبَ مَمَرِّ الْعَقَارِبِ، وَعَبَرَ إِلَى صَحْرَاءِ صِينَ، وَذَهَبَ مِنْ جَنُوبِ قَادِشَ بَرْنِيعَ، وَعَبَرَ إِلَى حَاصِرَ، وَذَهَبَ إِلَى أَدَّارَ ثُمَّ إِلَى قَرْقَعَ. ثُمَّ عَبَرَ إِلَى عَصْمُونَ، وَمِنْهَا إِلَى نَهْرِ مِصْرَ، وَانْتَهَى عِنْدَ الْبَحْرِ الْأَبْيَضِ الْمُتَوَسِّطِ. هَذَا هُوَ حَدُّهُمُ الْجَنُوبِيُّ. وَالْحَدُّ الشَّرْقِيُّ هُوَ الْبَحْرُ الْمَيِّتُ إِلَى طَرَفِ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ. وَالْحَدُّ الشَّمَالِيُّ مِنْ خَلِيجِ الْبَحْرِ الْمَيِّتِ عِنْدَ طَرَفِ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ. وَذَهَبَ إِلَى بَيْتَ حُجْلَةَ، وَعَبَرَ شَمَالَ بَيْتَ الْعَرَبَةِ، وَذَهَبَ إِلَى حَجَرِ بُوهَنَ بْنِ رَأُوبِينَ، ثُمَّ ذَهَبَ الْحَدُّ إِلَى دَبِيرَ مِنْ وَادِي الْمُصِيبَةِ، وَاتَّجَهَ شَمَالًا إِلَى الْجِلْجَالِ مُقَابِلَ مَمَرِّ أَدُمِّيمَ جَنُوبَ الْوَادِي. وَمِنْ هُنَاكَ عَبَرَ إِلَى مِيَاهِ عَيْنَ شَمْسَ وَانْتَهَى عِنْدَ عَيْنَ رُوجَلَ. وَذَهَبَ الْحَدُّ إِلَى وَادِي ابْنِ هِنُّومَ، جَنُوبَ يَبُّوسَ أَيِ الْقُدْسِ، وَصَعِدَ إِلَى قِمَّةِ الْجَبَلِ غَرْبَ وَادِي هِنُّومَ فِي الطَّرَفِ الشَّمَالِيِّ مِنْ وَادِي رَفَايِمَ. وَمِنْ قِمَّةِ الْجَبَلِ، اِتَّجَهَ إِلَى مَنْبَعِ مِيَاهِ نَفْتُوحَ، وَرَاحَ إِلَى مُدُنِ جَبَلِ عَفْرُونَ، وَذَهَبَ إِلَى بَعْلَةَ، أَيْ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ. وَمِنْ بَعْلَةَ دَارَ الْحَدُّ غَرْبًا إِلَى جَبَلِ سَعِيرَ وَعَبَرَ عِنْدَ السَّفْحِ شَمَالَ جَبَلِ يَعَارِيمَ أَيْ كَسَالُونَ، وَنَزَلَ إِلَى بَيْتَ شَمْسَ وَعَبَرَ إِلَى تِمْنَةَ. وَذَهَبَ إِلَى السَّفْحِ شَمَالَ عَقْرُونَ، وَدَارَ إِلَى شَكْرُونَ، وَعَبَرَ جَبَلَ الْبَعْلَةِ، وَوَصَلَ إِلَى يَبْنِئِيلَ. وَانْتَهَى الْحَدُّ عِنْدَ الْبَحْرِ الْأَبْيَضِ الْمُتَوَسِّطِ. وَأَمَّا الْحَدُّ الْغَرْبِيُّ فَهُوَ شَوَاطِئُ الْبَحْرِ الْأَبْيَضِ الْمُتَوَسِّطِ. هَذِهِ هِيَ حُدُودُ بَنِي يَهُوذَا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. وَحَسَبَ أَمْرِ الْمَوْلَى، أَعْطَى يَشُوعُ كَالِبَ بْنَ يَفُنَّةَ قِسْمًا فِي يَهُوذَا وَهُوَ قَرْيَةُ أَرْبَعَ أَبِي عَنَاقَ أَيْ حَبْرُونَ. وَطَرَدَ كَالِبُ مِنْهَا الْعَنَاقِيِّينَ الـ3، شِيشَايَ وَأَخِيمَانَ وَتَلْمَايَ أَوْلَادَ عَنَاقَ. وَتَقَدَّمَ مِنْ هُنَاكَ لِيُحَارِبَ سُكَّانَ دَبِيرَ، وَكَانَ اسْمُهَا قَبْلًا قَرْيَةَ سِفْرٍ. وَقَالَ كَالِبُ: ”مَنْ يَهْزِمُ قَرْيَةَ سِفْرٍ وَيَسْتَوْلِي عَلَيْهَا، أُعْطِيهِ بِنْتِي عَكْسَةَ زَوْجَةً.“ فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا عُتْنِيلُ بْنُ قَنَازَ أَخِي كَالِبَ فَأَعْطَاهُ بِنْتَهُ عَكْسَةَ زَوْجَةً. فَلَمَّا تَزَوَّجَهَا، أَلَحَّ عَلَيْهَا أَنْ تَطْلُبَ أَرْضًا جَيِّدَةً مِنْ أَبِيهَا. فَنَزَلَتْ عَنِ الْحِمَارِ، فَقَالَ لَهَا كَالِبُ: ”مَا لَكِ؟“ قَالَتْ: ”أَعْطِنِي بَرَكَةً. أَنْتَ أَعْطَيْتَنِي أَرْضًا فِي النَّقَبِ، فَأَعْطِنِي يَنَابِيعَ مَاءٍ.“ فَأَعْطَاهَا الْيَنَابِيعَ الْعُلْيَا وَالْيَنَابِيعَ السُّفْلَى. هَذَا نَصِيبُ قَبِيلَةِ بَنِي يَهُوذَا حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. كَانَتْ مُدُنُ قَبِيلَةِ يَهُوذَا الَّتِي فِي أَقْصَى الْجَنُوبِ عَلَى حُدُودِ أَدُومَ هِيَ قَبْصِئِيلَ وَعِيدَرَ وَيَاجُورَ، وَقَيْنَةَ وَدِيمُونَةَ وَعَدْعَدَةَ، وَقَادِشَ وَحَاصُورَ وَيِثْنَانَ، وَزِيفَ وَطَالَمَ وَبَعْلُوتَ، وَحَاصُورَ حَدَّةَ وَقَرْيُوتَ حَاصِرَ أَيْ حَاصُورَ. وَأَمَامَ وَشَمَاعَ وَمُولَادَةَ، وَحَصَرَ جَدَّةَ وَحَشْمُونَ وَبَيْتَ فَالَطَ، وَحَصَرَ شُوعَالَ وَبِئْرَ سَبْعَ وَبَزْيُوتِيَةَ، وَبَعْلَةَ وَعَيِّيمَ وَعَاصَمَ، وَأَلْتُولَدَ وَكَسِيلَ وَحُرْمَةَ، وَصِقْلَغَ وَمَدْمَنَّةَ وَسَنْسَنَّةَ، وَلَبَاوُتَ وَشِلْحِيمَ وَعَيْنَ وَرِمُّونَ. وَجُمْلَتُهَا 29 مَدِينَةً مَعَ قُرَاهَا. أَمَّا مُدُنُ السَّهْلِ الْغَرْبِيِّ فَكَانَتْ: أَشْتَأُولَ وَصَرْعَةَ وَأَشْنَةَ، وَزَانُوحَ وَعَيْنَ جَنِّيمَ وَتَفُّوحَ وَعَيْنَامَ وَيَرْمُوتَ وَعَدْلَامَ وَسُوكُوهَ وَعَزِيقَةَ، وَشَعْرَايِمَ وَعَدِيتَايِمَ وَالْجَدِيرَةَ وَجَدِيرُوتَايِمَ. وَجُمْلَتُهَا 14 مَدِينَةً مَعَ قُرَاهَا. وَصَنَانَ وَحَدَاشَةَ وَمَجْدَلَ جَادَ، وَدِلْعَانَ وَالْمِصْفَاةَ وَيَقْتِئِيلَ، وَلَخِيشَ وَبَصْقَةَ وَعَجْلُونَ، وَكَبُّونَ وَلَحْمَامَ وَكِتْلِيشَ. وَجَدِيرُوتَ بَيْتَ دَاجُونَ وَنِعَمَةَ وَمَقِيدَةَ. وَجُمْلَتُهَا 16 مَدِينَةً مَعَ قُرَاهَا. وَلِبْنَةَ وَعَاتَرَ وَعَاشَانَ، وَيَفْتَاحَ وَأَشْنَةَ وَنَصِيبَ، وَقَعِيلَةَ وَأَكْزِيبَ وَمَرِيشَةَ. وَجُمْلَتُهَا 9 مُدُنٍ مَعَ قُرَاهَا. وَكَذَلِكَ عَقْرُونَ وَالْمَسَاكِنَ الَّتِي حَوْلَهَا وَقُرَاهَا. كَمَا اشْتَمَلَتْ حُدُودُ قَبِيلَةِ يَهُوذَا مِنْ عَقْرُونَ غَرْبًا، عَلَى كُلِّ الْمِنْطَقَةِ الْمُجَاوِرَةِ لِأَشْدُودَ وَقُرَاهَا. فَكَانَتْ لَهُمْ أَشْدُودُ وَالْمَسَاكِنُ الَّتِي حَوْلَهَا وَقُرَاهَا، وَغَزَّةُ وَالْمَسَاكِنُ الَّتِي حَوْلَهَا وَقُرَاهَا، حَتَّى نَهْرِ مِصْرَ وَشَاطِئِ الْبَحْرِ الْأَبْيَضِ الْمُتَوَسِّطِ. أَمَّا مُدُنُ الْمِنْطَقَةِ الْجَبَلِيَّةِ فَهِيَ: شَامِيرُ وَيَتِّيرُ وَسُوكُوهُ، وَدَنَّةُ وَقَرْيَةُ سَنَّةَ الَّتِي هِيَ دَبِيرُ، وَعَنَابُ وَأَشْتِمُوهُ وَعَانِيمُ، وَجُوشَنُ وَحُولُونُ وَجِيلُوهُ. وَجُمْلَتُهَا 11 مَدِينَةً مَعَ قُرَاهَا. وَأَيْضًا أَرَابُ وَدُومَةُ وَأَشْعَانُ، وَيَنُومُ وَبَيْتُ تَفُّوحَ وَأَفِيقَةُ، وَحُمْطَةُ وَقَرْيَةُ أَرْبَعَ أَيْ حَبْرُونُ، وَصِيعُورُ. وَجُمْلَتُهَا 9 مُدُنٍ مَعَ قُرَاهَا. وَكَذَلِكَ مَعُونُ وَكَرْمَلُ وَزِيفُ وَيُوطَةُ، وَيَزْرَعِيلُ وَيَقْدَعَامُ وَزَانُوحُ، وَأَلْقَايِنُ وَجِبْعَةُ وَتِمْنَةُ. وَجُمْلَتُهَا 10 مُدُنٍ مَعَ قُرَاهَا. ثُمَّ حَلْحُولُ وَبيْتُ صُورَ وَجَدُورُ، وَمَعَارَةُ وَبَيْتُ عَنُوتَ وَأَلْتَقُونُ، وَجُمْلَتُهَا 6 مُدُنٍ مَعَ قُرَاهَا. وَقَرْيَةُ بَعْلٍ أَيْ قَرْيَةُ يَعَارِيمَ، وَالرَّبَّةُ، وَهُمَا مَدِينَتَانِ مَعَ قُرَاهُمَا. أَمَّا مُدُنُ الصَّحْرَاءِ فَهِيَ: بَيْتُ الْعَرَبَةِ وَمَدِّينُ وَسَكَاكَةُ. وَالنِّبْشَانُ وَمَدِينَةُ الْمِلْحِ وَعَيْنُ جَدْيَ. وَجُمْلَتُهَا 6 مُدُنٍ مَعَ قُرَاهَا. وَلَمْ يَقْدِرْ بَنُو يَهُوذَا أَنْ يَطْرُدُوا الْيَبُوسِيِّينَ الْمُقِيمِينَ فِي الْقُدْسِ، فَسَكَنَ الْيَبُوسِيُّونَ مَعَ بَنِي يَهُوذَا فِي الْقُدْسِ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. وَهَذِهِ هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي أُعْطِيَتْ بِالْقُرْعَةِ لِبَنِي يُوسِفَ: مِنْ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ عِنْدَ أَرِيحَا، إِلَى مِيَاهِ أَرِيحَا شَرْقًا، إِلَى الصَّحْرَاءِ الطَّالِعَةِ مِنْ أَرِيحَا إِلَى جَبَلِ بَيْتَ إِيلَ. وَذَهَبَتْ حُدُودُهُمْ مِنْ بَيْتَ إِيلَ أَيْ لُوزَ، وَعَبَرَتْ إِلَى حُدُودِ الْأَرْكِيِّينَ فِي عَطَارُوتَ، وَنَزَلَتْ غَرْبًا إِلَى حُدُودِ الْيَفْلَطِيِّينَ، إِلَى حُدُودِ بَيْتَ حُورُونَ السُّفْلَى وَإِلَى جَازَرَ، وَانْتَهَتْ عِنْدَ الْبَحْرِ الْأَبْيَضِ الْمُتَوَسِّطِ. فَأَخَذَ مَنَسَّى وَأَفْرَايِمُ ابْنَا يُوسِفَ نَصِيبَهُمَا. وَهَذِهِ هِيَ أَرْضُ بَنِي أَفْرَايِمَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ: اِمْتَدَّتْ حُدُودُ نَصِيبِهِمْ مِنْ عَطَارُوتَ أَدَّارَ فِي الشَّرْقِ إِلَى بَيْتَ حُورُونَ الْعُلْيَا، وَذَهَبَتْ إِلَى الْبَحْرِ الْأَبْيَضِ الْمُتَوَسِّطِ. وَمِنْ مَكْمَتَةَ فِي الشَّمَالِ دَارَتْ شَرْقًا إِلَى تَآنَةَ شِيلُوهَ وَعَبَرَتْهَا إِلَى يَنُوحَةَ فِي الشَّرْقِ. وَنَزَلَتْ مِنْ يَنُوحَةَ إِلَى عَطَارُوتَ وَنَعَرَاتَ، وَوَصَلَتْ إِلَى أَرِيحَا وَانْتَهَتْ عِنْدَ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ. وَمِنْ تَفُّوحَ اتَّجَهَتِ الْحُدُودُ غَرْبًا إِلَى نَهْرِ قَانَةَ، وَانْتَهَتْ عِنْدَ الْبَحْرِ الْأَبْيَضِ الْمُتَوَسِّطِ. هَذَا هُوَ نَصِيبُ قَبِيلَةِ بَنِي أَفْرَايِمَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. هَذَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْمُدُنِ وَقُرَاهَا الَّتِي خُصِّصَتْ لِبَنِي أَفْرَايِمَ وَسَطَ نَصِيبِ بَنِي مَنَسَّى. وَلَمْ يَطْرُدُوا الْكَنْعَانِيِّينَ الْمُقِيمِينَ فِي جَازَرَ، فَأَقَامَ الْكَنْعَانِيُّونَ بَيْنَ بَنِي أَفْرَايِمَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ، وَفَرَضُوا عَلَيْهِمْ أَنْ يَقُومُوا بِالْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ. وَهَذِهِ هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي أُعْطِيَتْ بِالْقُرْعَةِ لِقَبِيلَةِ مَنَسَّى بِكْرِ يُوسِفَ. وَمَاكِيرُ هُوَ بِكْرُ مَنَسَّى وَأَبُو جِلْعَادَ، وَكَانَ نَسْلُهُ أَبْطَالًا فِي الْحَرْبِ، فَأَخَذُوا جِلْعَادَ وَبَاشَانَ. وَنَصِيبُ بَنِي مَنَسَّى الْبَاقِينَ أُعْطِيَ لَهُمْ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ، أَيْ بَنِي أَبِيعَزَرَ وَبَنِي حَلَقَ وَبَنِي أَسْرِيلَ وَبَنِي شَكَمَ وَبَنِي حَافَرَ وَبَنِي شَمِيدَاعَ. هَؤُلَاءِ هُمْ بَنُو مَنَسَّى بْنِ يُوسِفَ الذُّكُورُ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. أَمَّا صَلُفْحَادُ بْنُ حَافَرَ بْنِ جِلْعَادَ بْنِ مَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَنُونَ بَلْ بَنَاتٌ، وَهُنَّ مَحْلَةُ وَنُوعَةُ وَحُجْلَةُ وَمِلْكَةُ وَتِرْصَةُ. فَذَهَبْنَ إِلَى أَلِعَازَارَ الْحَبْرِ وَيَشُوعَ بْنِ نُونَ وَالرُّؤَسَاءِ، وَقُلْنَ: ”الْمَوْلَى أَمَرَ مُوسَى أَنْ يُعْطِيَنَا نَصِيبًا بَيْنَ إِخْوَتِنَا.“ فَأَعْطَاهُنَّ يَشُوعُ نَصِيبًا بَيْنَ إِخْوَةِ أَبِيهِنَّ كَمَا أَمَرَ اللهُ. فَنَالَ مَنَسَّى 10 حِصَصٍ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى أَرْضِ جِلْعَادَ وَبَاشَانَ الَّتِي فِي شَرْقِ الْأُرْدُنِّ. لِأَنَّ بَنَاتِ مَنَسَّى أَخَذْنَ نَصِيبًا كَأَبْنَائِهِ، وَصَارَتْ أَرْضُ جِلْعَادَ لِبَنِي مَنَسَّى الْبَاقِينَ. وَكَانَ حَدُّ مَنَسَّى مِنْ أَشِيرَ إِلَى مَكْمَتَةَ شَرْقَ شَكِيمَ. وَامْتَدَّ الْحَدُّ مِنْ هُنَاكَ جَنُوبًا لِيَشْمَلَ سُكَّانَ عَيْنَ تَفُّوحَ. فَكَانَتْ أَرْضُ تَفُّوحَ لِمَنَسَّى. أَمَّا تَفُّوحُ نَفْسُهَا عَلَى حُدُودِ مَنَسَّى فَهِيَ لِبَنِي أَفْرَايِمَ. وَنَزَلَ الْحَدُّ جَنُوبًا إِلَى نَهْرِ قَانَةَ. وَكَانَتْ هُنَاكَ مُدُنٌ تَابِعَةٌ لِأَفْرَايِمَ وَمَوْجُودَةٌ بَيْنَ مُدُنِ مَنَسَّى. لَكِنَّ حَدَّ مَنَسَّى كَانَ الْجَانِبَ الشَّمَالِيَّ مِنَ النَّهْرِ وَيَنْتَهِي عِنْدَ الْبَحْرِ الْأَبْيَضِ الْمُتَوَسِّطِ. فَكَانَ الْجَانِبُ الْجَنُوبِيُّ لِأَفْرَايِمَ، وَالشَّمَالِيُّ لِمَنَسَّى. وَوَصَلَ حَدُّ مَنَسَّى إِلَى الْبَحْرِ غَرْبًا، وَإِلَى أَشِيرَ شَمَالًا، وَإِلَى يَسَّاكَرَ شَرْقًا. وَكَانَ لِمَنَسَّى أَيْضًا مُدُنٌ فِي أَرْضِ يَسَّاكَرَ وَأَرْضِ أَشِيرَ، هِيَ بَيْتُ شَانَ وَيَبْلَعَامُ وَسُكَّانُ دُورَ وَسُكَّانُ عَيْنَ دُورَ وَسُكَّانُ تَعْنَكَ وَسُكَّانُ مَجِدُّو، كُلُّ هَذِهِ الْمُدُنِ وَقُرَاهَا، وَالتِّلَالُ الـ3. وَلَمْ يَقْدِرْ بَنُو مَنَسَّى أَنْ يَمْلِكُوا هَذِهِ الْمُدُنَ، وَأَصَرَّ الْكَنْعَانِيُّونَ أَنْ يَبْقَوْا فِي تِلْكَ الْأَرْضِ. وَلَمَّا تَقَوَّى بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَرَضُوا عَلَى الْكَنْعَانِيِّينَ أَنْ يَقُومُوا بِالْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ وَلَمْ يَطْرُدُوهُمْ. وَقَالَ بَنُو يُوسِفَ لِيَشُوعَ: ”لِمَاذَا أَعْطَيْتَنَا قُرْعَةً وَاحِدَةً وَحِصَّةً وَاحِدَةً كَنَصِيبٍ، بَيْنَمَا نَحْنُ شَعْبٌ غَفِيرٌ وَالْمَوْلَى بَارَكَنَا جِدًّا؟“ فَقَالَ لَهُمْ يَشُوعُ: ”إِنْ كُنْتُمْ شَعْبًا غَفِيرًا، وَكَانَ جَبَلُ أَفْرَايِمَ ضَيِّقًا عَلَيْكُمْ، فَاذْهَبُوا إِلَى الْغَابَةِ وَمَهِّدُوا لَكُمْ أَرْضًا هُنَاكَ فِي بِلَادِ الْفِرِزِّيِّينَ وَالرَّفَائِيِّينَ.“ فَقَالَ بَنُو يُوسِفَ: ”الْجَبَلُ وَحْدَهُ لَا يَكْفِينَا. ثُمَّ إِنَّ الْكَنْعَانِيِّينَ الَّذِينَ فِي الْوَادِي عِنْدَهُمْ مَرْكَبَاتٌ مِنْ حَدِيدٍ، سَوَاءٌ مِنْهُمُ الَّذِينَ فِي بَيْتَ شَانَ وَقُرَاهَا أَوِ الَّذِينَ فِي وَادِي يَزْرَعِيلَ!“ فَقَالَ يَشُوعُ لِبَيْتِ يُوسِفَ، أَيْ بَنِي أَفْرَايِمَ وَبَنِي مَنَسَّى: ”أَنْتُمْ شَعْبٌ غَفِيرٌ وَقَوِيٌّ جِدًّا! إِذَنْ لَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ لَكُمْ قُرْعَةٌ وَاحِدَةٌ، بَلْ تَأْخُذُونَ أَيْضًا الْجَبَلَ لِأَنَّ فِيهِ الْغَابَةَ. مَهِّدُوهُ فَيَكُونَ لَكُمْ إِلَى آخِرِهِ، فَتَطْرُدُونَ الْكَنْعَانِيِّينَ حَتَّى لَوْ كَانُوا أَقْوِيَاءَ وَعِنْدَهُمْ مَرْكَبَاتٌ مِنْ حَدِيدٍ.“ وَاجْتَمَعَتْ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي شِيلُوهَ، وَنَصَبُوا هُنَاكَ خَيْمَةَ الِاجْتِمَاعِ. وَكَانَتِ الْأَرْضُ قَدْ خَضَعَتْ لَهُمْ، لَكِنْ كَانَ هُنَاكَ 7 قَبَائِلَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَأْخُذُوا نَصِيبَهُمْ. فَقَالَ يَشُوعُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ”إِلَى مَتَى أَنْتُمْ كَسَالَى عَنِ الدُّخُولِ لِامْتِلَاكِ الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَاهَا لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُ آبَائِكُمْ؟ هَاتُوا مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ 3 رِجَالٍ، فَأُرْسِلُهُمْ لِيَسْتَكْشِفُوا الْبِلَادَ، وَيَكْتُبُوا وَصْفَهَا بِمَا يُنَاسِبُ كُلَّ قَبِيلَةٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ يَرْجِعُوا إِلَيَّ، وَيَقْسِمُوهَا 7 أَقْسَامٍ. وَيَبْقَى يَهُوذَا فِي أَرْضِهِ فِي الْجَنُوبِ، وَبَيْتُ يُوسِفَ فِي أَرْضِهِ فِي الشَّمَالِ. وَبَعْدَمَا تَكْتُبُونَ وَصْفَ الـ7 أَقْسَامٍ، أَحْضِرُوهَا إِلَيَّ هُنَا، لِأُلْقِيَ لَكُمْ قُرْعَةً فِي مَحْضَرِ الْمَوْلَى إِلَهِنَا. فَاللَّاوِيُّونَ لَيْسَ لَهُمْ قِسْمٌ بَيْنَكُمْ، إِنَّمَا نَصِيبُهُمْ هُوَ أَنْ يَخْدِمُوا اللهَ كَأَحْبَارٍ. وَجَادُ وَرَأُوبِينُ وَنِصْفُ قَبِيلَةِ مَنَسَّى أَخَذُوا نَصِيبَهُمْ شَرْقَ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ. مُوسَى عَبْدُ اللهِ أَعْطَاهُ لَهُمْ.“ فَقَامَ الرِّجَالُ وَذَهَبُوا لِاسْتِطْلَاعِ الْبِلَادِ، حَسَبَ وَصِيَّةِ يَشُوعَ لَهُمْ بِأَنْ يَذْهَبُوا لِيَسْتَكْشِفُوهَا وَيَكْتُبُوا وَصْفَهَا، ثُمَّ يَرْجِعُوا إِلَيْهِ لِيُلْقِيَ لَهُمْ قُرْعَةً فِي مَحْضَرِ اللهِ فِي شِيلُوهَ. فَرَحَلَ الرِّجَالُ وَسَافَرُوا فِي الْبِلَادِ، وَكَتَبُوا وَصْفَهَا فِي كِتَابٍ، مَدِينَةً مَدِينَةً، وَجَعَلُوهَا 7 أَقْسَامٍ. ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى يَشُوعَ فِي الْمُخَيَّمِ فِي شِيلُوهَ. فَأَلْقَى لَهُمْ يَشُوعُ قُرْعَةً، فِي شِيلُوهَ فِي مَحْضَرِ اللهِ، وَهُنَاكَ قَسَمَ الْأَرْضَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ حَسَبَ فِرَقِهِمْ. هَذِهِ هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي أُعْطِيَتْ بِالْقُرْعَةِ لِقَبِيلَةِ بَنِي بِنْيَمِينَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. كَانَتْ حُدُودُهُمْ بَيْنَ بَنِي يَهُوذَا وَبَنِي يُوسِفَ. بَدَأَ الْحَدُّ فِي الشَّمَالِ عِنْدَ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ، وَمَرَّ شَمَالَ أَرِيحَا، وَصَعِدَ فِي الْجَبَلِ مِنَ الْغَرْبِ وَانْتَهَى عِنْدَ صَحْرَاءِ بَيْتَ آوِنَ. وَمَرَّ مِنْ هُنَاكَ إِلَى جَنُوبِ لُوزَ أَيْ بَيْتَ إِيلَ، وَنَزَلَ إِلَى عَطَارُوتَ أَدَّارَ عَلَى الْجَبَلِ جَنُوبَ بَيْتَ حُورُونَ السُّفْلَى. وَمِنَ الْجَبَلِ الَّذِي مُقَابِلَ بَيْتَ حُورُونَ مِنَ الْجَنُوبِ، دَارَ الْحَدُّ جَنُوبًا مِنَ النَّاحِيَةِ الْغَرْبِيَّةِ، وَانْتَهَى عِنْدَ قَرْيَةِ بَعْلٍ، أَيْ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ، وَهِيَ مَدِينَةٌ لِبَنِي يَهُوذَا. هَذَا هُوَ الْحَدُّ الْغَرْبِيُّ. وَبَدَأَ الْحَدُّ الْجَنُوبِيُّ خَارِجَ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ مِنَ الْغَرْبِ، وَاتَّجَهَ إِلَى مَنْبَعِ مِيَاهِ نَفْتُوحَ، وَنَزَلَ إِلَى سَفْحِ الْجَبَلِ الَّذِي مُقَابِلَ وَادِي ابْنِ هِنُّومَ، شَمَالَ وَادِي رَفَايِمَ، وَنَزَلَ إِلَى وَادِي هِنُّومَ جَنُوبَ يَبُّوسَ، ثُمَّ إِلَى عَيْنَ رُوجَلَ، ثُمَّ دَارَ شَمَالًا، وَذَهَبَ إِلَى عَيْنَ شَمْسَ، ثُمَّ إِلَى جَلِيلُوتَ الَّتِي مُقَابِلَ مَمَرِّ أَدُمِّيمَ، وَنَزَلَ إِلَى حَجَرِ بُوهَنَ بْنِ رَأُوبِينَ، وَعَبَرَ إِلَى سَفْحِ بَيْتَ الْعَرَبَةِ فِي الشَّمَالِ، وَنَزَلَ إِلَى وَادِي الْأُرْدُنِّ، ثُمَّ عَبَرَ إِلَى بَيْتَ حُجْلَةَ فِي الشَّمَالِ، وَانْتَهَى عِنْدَ الْخَلِيجِ الشَّمَالِيِّ لِلْبَحْرِ الْمَيِّتِ، عِنْدَ طَرَفِ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ مِنَ الْجَنُوبِ. هَذَا هُوَ الْحَدُّ الْجَنُوبِيُّ. وَالْحَدُّ الشَّرْقِيُّ هُوَ نَهْرُ الْأُرْدُنِّ. فَهَذَا هُوَ نَصِيبُ بَنِي بِنْيَمِينَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ، وَهَذِهِ هِيَ حُدُودُهُمْ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. وَكَانَتْ مُدُنُ قَبِيلَةِ بَنِي بِنْيَمِينَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ هِيَ: أَرِيحَا وَبَيْتَ حُجْلَةَ وَوَادِي قَصِيصَ، وَبَيْتَ الْعَرَبَةِ وَصَمَارَايِمَ وَبَيْتَ إِيلَ، وَالْعَوِّيمَ وَالْفَارَةَ وَعَفْرَةَ، وَكَفْرَ الْعَمُّونِيِّ وَالْعُفْنِي وَجِبْعَ. وَجُمْلَتُهَا 12 مَدِينَةً مَعَ قُرَاهَا. ثُمَّ جِبْعُونَ وَالرَّامَةَ وَبَئِيرُوتَ، وَمِصْفَاةَ وَكَفِيرَةَ وَمُوصَةَ، وَرَاقَمَ وَيَرَفْئِيلَ وَتَرَالَةَ، وَصَيْلَعَ وَآلَفَ وَيَبُّوسَ أَيِ الْقُدْسَ، وَجِبْعَةَ وَقَرِيَةَ وَجُمْلَتُهَا 14 مَدِينَةً مَعَ قُرَاهَا. هَذَا هُوَ نَصِيبُ بَنِي بِنْيَمِينَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. وَكَانَتِ الْقُرْعَةُ الثَّانِيَةُ لِشَمْعُونَ. وَكَانَ نَصِيبُهُمْ دَاخِلَ نَصِيبِ بَنِي يَهُوذَا. فَهَذِهِ هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي أُعْطِيَتْ لِقَبِيلَةِ بَنِي شَمْعُونَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ: بِئْرُ سَبْعَ (أَيْ شَبَعَ) وَمُولَادَةُ، وَحَصَرُ شُوعَالَ وَبَالَةُ وَعَاصَمُ، وَأَلْتُولَدُ وَبَتُولُ وَحُرْمَةُ، وَصِقْلَغُ وَبَيْتُ مَرْكَبُوتَ وَحَصَرُ سُوسَةَ، وَبَيْتُ لَبَاوُتَ وَشَارُوحَيْنُ. وَجُمْلَتُهَا 13 مَدِينَةً مَعَ قُرَاهَا. ثُمَّ عَيْنُ وَرِمُّونُ وَعَاتَرُ وَعَاشَانُ. وَجُمْلَتُهَا 4 مُدُنٍ مَعَ قُرَاهَا. وَكُلُّ الْقُرَى الَّتِي حَوْلَ هَذِهِ الْمُدُنِ إِلَى بَعْلَةَ بِئْرَ أَيْ رَامَةِ النَّقَبِ. هَذَا هُوَ نَصِيبُ قَبِيلَةِ بَنِي شَمْعُونَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. إِذَنْ كَانَ نَصِيبُ بَنِي شَمْعُونَ دَاخِلَ نَصِيبِ بَنِي يَهُوذَا. لِأَنَّ قِسْمَ بَنِي يَهُوذَا كَانَ كَثِيرًا عَلَيْهِمْ، فَمَلَكَ بَنُو شَمْعُونَ جُزْءًا مِنْهُ. وَكَانَتِ الْقُرْعَةُ الثَّالِثَةُ لِبَنِي زَبُولُونَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. وَبَلَغَتْ حُدُودُ نَصِيبِهِمْ إِلَى سَارِيدَ. وَاتَّجَهَ الْحَدُّ غَرْبًا إِلَى مَرْعَلَةَ، وَوَصَلَ إِلَى دَبَّاشَةَ، وَامْتَدَّ إِلَى النَّهْرِ الَّذِي مُقَابِلَ يَقْنَعَامَ، وَدَارَ مِنْ سَارِيدَ شَرْقًا أَيْ نَاحِيَةَ شُرُوقِ الشَّمْسِ إِلَى حُدُودِ كِسْلُوتَ تَابُورَ، ثُمَّ إِلَى الدَّبِيرَةِ وَمِنْهَا إِلَى يَافِيعَ، وَمِنْ هُنَاكَ عَبَرَ الْحَدُّ شَرْقًا إِلَى جَتَّ حَافَرَ، وَإِلَى عِتَّ قَاصِينَ، ثُمَّ إِلَى رِمُّونَ، وَإِلَى نَيْعَةَ، ثُمَّ دَارَ فِي الشَّمَالِ إِلَى حَنَّاثُونَ، وَانْتَهَى عِنْدَ وَادِي يَفْتَحْئِيلَ. هَذَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى قَطَّةَ وَنَهْلَالَ وَشَمْرُونَ وَيَدَالَةَ وَبَيْتَ لَحْمَ. وَجُمْلَتُهَا 12 مَدِينَةً مَعَ قُرَاهَا. هَذِهِ الْمُدُنُ مَعَ قُرَاهَا، كَانَتْ هِيَ نَصِيبَ بَنِي زَبُولُونَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. وَكَانَتِ الْقُرْعَةُ الرَّابِعَةُ لِيَسَّاكَرَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. وَشَمِلَتْ حُدُودُهُمْ يَزْرَعِيلَ وَالْكِسْلُوتَ وَشُونَمَ، وَحَفَارَايِمَ وَشِيئُونَ وَأَنَحَرَةَ، وَرَبِّيتَ وَقِيشُونَ وَآبَصَ، وَرَمَةَ وَعَيْنَ جَنِّيمَ وَعَيْنَ حَدَّةَ وَبَيْتَ فَصَّيْصَ، وَوَصَلَ الْحَدُّ إِلَى تَابُورَ وَشَحْصِيمَةَ وَبَيْتَ شَمْسَ، وَانْتَهَى عِنْدَ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ. وَجُمْلَتُهَا 16 مَدِينَةً مَعَ قُرَاهَا. هَذِهِ الْمُدُنُ مَعَ قُرَاهَا، كَانَتْ هِيَ نَصِيبَ بَنِي يَسَّاكَرَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. وَكَانَتِ الْقُرْعَةُ الْخَامِسَةُ لِقَبِيلَةِ بَنِي أَشِيرَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. وَشَمِلَتْ حُدُودُهُمْ حَلْقَةَ وَحَلِيَ وَبَاطَنَ وَأَكْشَافَ، وَأَلَمْلَكَ وَعَمْعَادَ وَمِشْآلَ. وَفِي الْغَرْبِ وَصَلَ الْحَدُّ إِلَى كَرْمَلَ وَشِيحُورَ لِبْنَةَ، ثُمَّ دَارَ شَرْقًا إِلَى بَيْتَ دَاجُونَ، وَوَاصَلَ إِلَى زَبُولُونَ وَوَادِي يَفْتَحْئِيلَ، وَذَهَبَ شَمَالَ بَيْتَ الْعَامِقِ وَنَعِئِيلَ وَعَبَرَ كَابُولَ إِلَى الْيَسَارِ، وَذَهَبَ إِلَى عَبْدُونَ وَرَحُوبَ وَحَمُّونَ وَقَانَةَ حَتَّى إِلَى صَيْدَا الْعَظِيمَةِ، ثُمَّ دَارَ إِلَى الرَّامَةِ وَإِلَى صُورَ الْمَدِينَةِ الْمُحَصَّنَةِ، وَدَارَ إِلَى حُوصَةَ، وَانْتَهَى عِنْدَ الْبَحْرِ الْأَبْيَضِ الْمُتَوَسِّطِ فِي مِنْطَقَةِ أَكْزِيبَ، وَعُمَّةَ وَأَفِيقَ وَرَحُوبَ. وَجُمْلَتُهَا 22 مَدِينَةً مَعَ قُرَاهَا. هَذِهِ الْمُدُنُ مَعَ قُرَاهَا، كَانَتْ هِيَ نَصِيبَ قَبِيلَةِ بَنِي أَشِيرَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. وَكَانَتِ الْقُرْعَةُ السَّادِسَةُ لِبَنِي نَفْتَالِي حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. وَكَانَ حَدُّهُمْ مِنْ حَالَفَ، مِنَ الْبَلُّوطَةِ الَّتِي عِنْدَ صَعْنَنِيمَ وَأَدَامِي النَّاقِبَ وَيَبْنِئِيلَ إِلَى لَقُومَ، وَانْتَهَى عِنْدَ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ. وَسَارَ الْحَدُّ غَرْبًا إِلَى أَزْنُوتَ تَابُورَ، وَذَهَبَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى حُقُّوقَ، وَوَصَلَ إِلَى زَبُولُونَ فِي الْجَنُوبِ، وَإِلَى أَشِيرَ فِي الْغَرْبِ وَإِلَى يَهُوذَا وَنَهْرِ الْأُرْدُنِّ فِي الشَّرْقِ. وَالْمُدُنُ الْمُحَصَّنَةُ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ هِيَ: صِدِّيمُ وَصَيْرُ وَحَمَّةُ وَرَقَّةُ وَكِنَّارَةُ، وَأَدَامَةُ وَالرَّامَةُ وَحَاصُورُ، وَقَادِشُ وَإِذْرَعِي وَعَيْنُ حَاصُورَ، وَيِرْأُونُ وَمَجْدَلُ إِيلَ وَحُورِيمُ وَبَيْتُ عَنَاةَ وَبَيْتُ شَمْسَ. وَجُمْلَتُهَا 19 مَدِينَةً مَعَ قُرَاهَا. هَذِهِ الْمُدُنُ مَعَ قُرَاهَا، كَانَتْ هِيَ نَصِيبَ قَبِيلَةِ بَنِي نَفْتَالِي حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. وَكَانَتِ الْقُرْعَةُ السَّابِعَةُ لِقَبِيلَةِ بَنِي دَانَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. وَكَانَتْ حُدُودُ نَصِيبِهِمْ تَشْمَلُ صَرْعَةَ وَأَشْتَأُولَ وَعِيرَ شَمْسَ، وَشَعَلَبَيْنَ وَأَيْلُونَ وَيِتْلَةَ، وَأَيْلُونَ وَتِمْنَةَ وَعَقْرُونَ، وَإِلْتَقَى وَجِبَّثُونَ وَبَعْلَةَ، وَيَهُودَ وَبَنِي بَرَقَ وَجَتَّ رِمُّونَ، وَمِيَاهَ الْيَرْقُونَ وَالرَّقُّونَ مَعَ الْمِنْطَقَةِ الَّتِي مُقَابِلَ يَافَا. وَلَمْ يَقْدِرْ بَنُو دَانَ أَنْ يَمْتَلِكُوا أَرْضَهُمْ، فَذَهَبُوا وَحَارَبُوا مَدِينَةَ لَشَمَ وَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا وَقَتَلُوا شَعْبَهَا بِالسَّيْفِ وَمَلَكُوهَا، وَسَكَنُوا فِيهَا وَسَمَّوْهَا دَانَ عَلَى اسْمِ دَانَ أَبِيهِمْ. هَذِهِ الْمُدُنُ مَعَ قُرَاهَا، كَانَتْ هِيَ نَصِيبَ قَبِيلَةِ بَنِي دَانَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. وَلَمَّا انْتَهَوْا مِنْ تَقْسِيمِ الْأَرْضِ حَسَبَ حُدُودِهَا، أَعْطَى بَنُو إِسْرَائِيلَ يَشُوعَ بْنَ نُونَ نَصِيبًا بَيْنَهُمْ، كَمَا أَمَرَ اللهُ. فَأَعْطَوْهُ الْمَدِينَةَ الَّتِي طَلَبَهَا، تِمْنَةَ سَارَحَ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ. فَبَنَى الْمَدِينَةَ وَسَكَنَ فِيهَا. فَهَذِهِ هِيَ الْأَنْصِبَةُ الَّتِي قَسَمَهَا أَلِعَازَارُ الْحَبْرُ وَيَشُوعُ بْنُ نُونَ وَرُؤَسَاءُ قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، بِالْقُرْعَةِ فِي شِيلُوهَ فِي مَحْضَرِ اللهِ عِنْدَ بَابِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ وَبِذَلِكَ انْتَهَوْا مِنْ تَقْسِيمِ الْأَرْضِ. وَقَالَ اللهُ لِيَشْوعَ: ”قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُخَصِّصُوا لَهُمْ مُدُنَ الْمَلْجَأِ كَمَا قُلْتُ لَهُمْ بِوَاسِطَةِ مُوسَى. لِيَهْرُبَ إِلَيْهَا مَنْ قَتَلَ شَخْصًا عَنْ غَيْرِ عَمْدٍ وَبِلَا قَصْدٍ. فَتَكُونَ مَلْجَأً لَكُمْ مِنْ طَالِبِ الثَّأْرِ. فَيَهْرُبُ إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمُدُنِ، وَيَقِفُ فِي مَدْخَلِ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ، وَيَشْرَحُ قَضِيَّتَهُ لِشُيُوخِهَا، فَيَقْبَلُونَهُ فِي الْمَدِينَةِ، وَيُعْطُونَهُ مَكَانًا لِيَسْكُنَ مَعَهُمْ. فَإِنْ تَبِعَهُ طَالِبُ الثَّأْرِ، فَلَا يُسَلِّمُوا الْقَاتِلَ لَهُ، لِأَنَّهُ قَتَلَ قَرِيبَهُ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَلَمْ يَكُنْ يَكْرَهُهُ مِنْ قَبْلُ. وَيُقِيمُ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ إِلَى أَنْ يَقِفَ أَمَامَ الْقَضَاءِ لِلْمُحَاكَمَةِ، ثُمَّ يَبْقَى إِلَى أَنْ يَمُوتَ الْحَبْرُ الْعَظِيمُ الْمَوْجُودُ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ. عِنْدَ ذَلِكَ يَرْجِعُ الْقَاتِلُ إِلَى دَارِهِ فِي الْمَدِينَةِ الَّتِي هَرَبَ مِنْهَا.“ فَخَصَّصُوا قَادِشَ فِي الْجَلِيلِ فِي جَبَلِ نَفْتَالِي، وَشَكِيمَ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ، وَقَرْيَةَ أَرْبَعَ أَيْ حَبْرُونَ فِي جَبَلِ يَهُوذَا. وَفِي شَرْقِ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ عِنْدَ أَرِيحَا، عَيَّنُوا بَاصِرَ فِي الصَّحْرَاءِ فِي السَّهْلِ مِنْ قَبِيلَةِ رَأُوبِينَ، وَرَامُوتَ فِي جِلْعَادَ مِنْ قَبِيلَةِ جَادَ، وَجُولَانَ فِي بَاشَانَ مِنْ قَبِيلَةِ مَنَسَّى. هَذِهِ هِيَ مُدُنُ الْمَلْجَأِ لِكُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلِلْغَرِيبِ الْمُقِيمِ بَيْنَهُمْ، لِيَهْرُبَ إِلَيْهَا كُلُّ مَنْ يَقْتُلُ شَخْصًا عَنْ غَيْرِ عَمْدٍ، فَلَا يَقْتُلُهُ طَالِبُ الثَّأْرِ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ أَمَامَ الْقَضَاءِ. ثُمَّ تَقَدَّمَ رُؤَسَاءُ عَائِلَاتِ اللَّاوِيِّينَ، إِلَى أَلِعَازَارَ الْحَبْرِ وَيَشُوعَ بْنِ نُونَ، وَإِلَى رُؤَسَاءِ قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فِي شِيلُوهَ فِي بِلَادِ كَنْعَانَ، وَقَالُوا لَهُمْ: ”الْمَوْلَى أَمَرَ بِوَاسِطَةِ مُوسَى أَنْ تُعْطُونَا مُدُنًا نَسْكُنُ فِيهَا وَمَرَاعِيَ بِجِوَارِهَا لِبَهَائِمِنَا.“ فَكَمَا أَمَرَ اللهُ، أَعْطَى بَنُو إِسْرَائِيلَ اللَّاوِيِّينَ مِنْ نَصِيبِهِمْ، الْمُدُنَ التَّالِيَةَ وَمَرَاعِيَهَا. كَانَتِ الْقُرْعَةُ الْأُولَى لِعَشَائِرِ الْقَهَاتِيِّينَ. فَكَانَ نَصِيبُ بَنِي هَارُونَ الْحَبْرِ 13 مَدِينَةً مِنْ قَبَائِلِ يَهُوذَا وَشَمْعُونَ وَبِنْيَمِينَ. وَكَانَ نَصِيبُ بَاقِي بَنِي قَهَاتَ 10 مُدُنٍ مِنْ عَشَائِرِ قَبَائِلِ أَفْرَايِمَ وَدَانَ وَنِصْفِ مَنَسَّى. وَنَصِيبُ بَنِي جَرْشُونَ 13 مَدِينَةً مِنْ عَشَائِرِ قَبَائِلِ يَسَّاكَرَ وَأَشِيرَ وَنَفْتَالِي وَنِصْفِ مَنَسَّى فِي بَاشَانَ. وَأَخَذَ بَنُو مَرَارِي حَسَبَ عَشَائِرِهِمِ 12 مَدِينَةً مِنْ قَبَائِلِ رَأُوبِينَ وَجَادَ وَزَبُولُونَ. فَأَعْطَى بَنُو إِسْرَائِيلَ اللَّاوِيِّينَ هَذِهِ الْمُدُنَ وَمَرَاعِيَهَا بِالْقُرْعَةِ، كَمَا أَمَرَ اللهُ بِوَاسِطَةِ مُوسَى. وَهَذِهِ هِيَ أَسْمَاءُ الْمُدُنِ الَّتِي أُعْطِيَتْ مِنْ بَنِي يَهُوذَا وَبَنِي شَمْعُونَ، لِبَنِي هَارُونَ بْنِ قَهَاتَ بْنِ لَاوِي، لِأَنَّ الْقُرْعَةَ الْأُولَى كَانَتْ لَهُمْ. فَأَعْطَوْهُمْ قَرْيَةَ أَرْبَعَ أَبِي عَنَاقَ، أَيْ حَبْرُونَ، فِي جَبَلِ يَهُوذَا مَعَ مَرَاعِيهَا حَوْلَهَا. أَمَّا حُقُولُ الْمَدِينَةِ وَقُرَاهَا، فَأَعْطَوْهَا لِكَالِبَ بْنِ يَفُنَّةَ مِلْكًا لَهُ. هَذِهِ هِيَ الْمُدُنُ الَّتِي أَعْطَوْهَا لِبَنِي هَارُونَ الْحَبْرِ مَعَ مَرَاعِيهَا: حَبْرُونُ، مَدِينَةُ مَلْجَأِ الْقَاتِلِ، وَلِبْنَةُ، وَيَتِّيرُ، وَأَشْتَمُوعُ، وَحُولُونُ، وَدَبِيرُ، وَعَيْنُ، وَيُطَّةُ، وَبَيْتُ شَمْسَ. وَجُمْلَتُهَا 9 مُدُنٍ مِنْ يَهُوذَا وَشَمْعُونَ. ثُمَّ مِنْ بِنْيَمِينَ هَذِهِ الْمُدُنُ وَمَرَاعِيهَا: جِبْعُونُ وَجِبْعُ، وَعَنَاثُوثُ وَعَلْمُونُ. وَجُمْلَتُهَا 4 مُدُنٍ. فَكَانَتْ كُلُّ مُدُنِ بَنِي هَارُونَ الْأَحْبَارِ 13 مَدِينَةً مَعَ مَرَاعِيهَا. أَمَّا بَاقِي عَشَائِرِ بَنِي قَهَاتَ اللَّاوِيِّينَ، فَكَانَ نَصِيبُهُمْ مُدُنًا مِنْ قَبِيلَةِ أَفْرَايِمَ. فَأَعْطَوْهُمْ هَذِهِ الْمُدُنَ وَمَرَاعِيَهَا: شَكِيمَ، مَدِينَةَ مَلْجَأِ الْقَاتِلِ، وَجَازَرَ، وَقِبْصَايِمَ وَبَيْتَ حُورُونَ. وَجُمْلَتُهَا 4 مُدُنٍ. وَمِنْ قَبِيلَةِ دَانَ هَذِهِ الْمُدُنَ وَمَرَاعِيَهَا: إِلْتَقَى وَجِبَّثُونَ، وَأَيْلُونَ وَجَتَّ رِمُّونَ. وَجُمْلَتُهَا 4 مُدُنٍ. وَمِنْ نِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى هَاتَيْنِ الْمَدِينَتَيْنِ وَمَرَاعِيَهُمَا: تَعْنَكَ وَجَتَّ رِمُّونَ. فَكَانَتْ كُلُّ مُدُنِ بَاقِي بَنِي قَهَاتَ 10 مُدُنٍ مَعَ مَرَاعِيهَا. وَأَعْطَوْا بَنِي جَرْشُونَ اللَّاوِيِّينَ هَاتَيْنِ الْمَدِينَتَيْنِ وَمَرَاعِيَهُمَا مِنْ نِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى: مَدِينَةَ مَلْجَأِ الْقَاتِلِ، جُولَانَ فِي بَاشَانَ، وَبَعَشْتَرَةَ، وَمِنْ قَبِيلَةِ يَسَّاكَرَ، هَذِهِ الْمُدُنَ وَمَرَاعِيَهَا: قِيشُونَ وَدَبِيرَةَ، وَيَرْمُوتَ وَعَيْنَ جَنِّيمَ. وَجُمْلَتُهَا 4 مُدُنٍ. وَمِنْ قَبِيلَةِ أَشِيرَ، هَذِهِ الْمُدُنَ وَمَرَاعِيَهَا: مِشْآلَ وَعَبْدُونَ، وَحَلْقَةَ وَرَحُوبَ. وَجُمْلَتُهَا 4 مُدُنٍ. وَمِنْ قَبِيلَةِ نَفْتَالِي، هَذِهِ الْمُدُنَ وَمَرَاعِيَهَا: مَدِينَةَ مَلْجَأِ الْقَاتِلِ قَادِشَ فِي الْجَلِيلِ، وَحَمُّوتَ دُورَ وَقَرْتَانَ. وَجُمْلَتُهَا 3 مُدُنٍ. فَكَانَتْ كُلُّ مُدُنِ بَنِي جَرْشُونَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ 13 مَدِينَةً مَعَ مَرَاعِيهَا. وَأَعْطَوْا الْبَاقِينَ مِنَ اللَّاوِيِّينَ، أَيْ عَشَائِرَ بَنِي مَرَارِي هَذِهِ الْمُدُنَ مَعَ مَرَاعِيهَا: مِنْ قَبِيلَةِ زَبُولُونَ، يَقْنَعَامَ وَقَرْتَةَ، وَدِمْنَةَ وَنَحْلَالَ. وَجُمْلَتُهَا 4 مُدُنٍ. وَمِنْ قَبِيلَةِ رَأُوبِينَ هَذِهِ الْمُدُنَ مَعَ مَرَاعِيهَا: بَاصِرَ وَيَهْصَةَ، وَقَدِيمُوتَ وَمِيفَعَةَ. وَجُمْلَتُهَا 4 مُدُنٍ. وَمِنْ قَبِيلَةِ جَادَ، هَذِهِ الْمُدُنَ مَعَ مَرَاعِيهَا: مَدِينَةَ مَلْجَأِ الْقَاتِلِ رَامُوتَ فِي جِلْعَادَ، وَمَحَنَايِمَ، وَحَشْبُونَ وَيَعْزِيرَ. وَجُمْلَتُهَا 4 مُدُنٍ: فَكَانَتْ كُلُّ الْمُدُنِ الَّتِي مِنْ نَصِيبِ عَشَائِرِ بَنِي مَرَارِي أَيِ الْبَاقِينَ مِنَ اللَّاوِيِّينَ 12 مَدِينَةً. كُلُّ مُدُنِ اللَّاوِيِّينَ فِي وَسَطِ مِلْكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ 48 مَدِينَةً مَعَ مَرَاعِيهَا. فَكَانَتْ كُلُّ مَدِينَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمُدُنِ لَهَا مَرَاعِيهَا حَوْلَهَا. فَأَعْطَى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كُلَّ الْأَرْضِ الَّتِي حَلَفَ أَنْ يُعْطِيَهَا لِآبَائِهِمْ، فَامْتَلَكُوهَا وَسَكَنُوا فِيهَا. فَأَرَاحَهُمُ اللهُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، كَمَا حَلَفَ لِآبَائِهِمْ. وَلَمْ يُقَاوِمْهُمْ أَحَدٌ مِنْ كُلِّ أَعْدَائِهِمْ، بَلْ نَصَرَهُمُ اللهُ عَلَى جَمِيعِ أَعْدَائِهِمْ. فَحَقَّقَ الْمَوْلَى كُلَّ الْوُعُودِ الصَّالِحَةِ الَّتِي وَعَدَ بِهَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ. لَمْ يَسْقُطْ وَلَا وَاحِدٌ مِنْهَا. وَاسْتَدْعَى يَشُوعُ بَنِي رَأُوبِينَ وَبَنِي جَادَ وَنِصْفَ قَبِيلَةِ مَنَسَّى، وَقَالَ لَهُمْ: ”أَنْتُمْ عَمِلْتُمْ بِكُلِّ مَا أَمَرَكُمْ بِهِ مُوسَى عَبْدُ اللهِ، وَسَمِعْتُمْ كَلَامِي فِي كُلِّ مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ. وَلَمْ تَتْرُكُوا إِخْوَتَكُمْ هَذِهِ الْأَيَّامَ الْكَثِيرَةَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ، بَلْ نَفَّذْتُمُ الْمُهِمَّةَ الَّتِي أَوْصَاكُمْ بِهَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. وَالْآنَ، بِمَا أَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ أَرَاحَ إِخْوَتَكُمْ كَمَا وَعَدَهُمْ، فَارْجِعُوا إِلَى دِيَارِكُمْ فِي الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَاهَا لَكُمْ مُوسَى عَبْدُ اللهِ فِي شَرْقِ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ. اِنْتَبِهُوا جَيِّدًا أَنْ تَعْمَلُوا الْوَصِيَّةَ وَالشَّرِيعَةَ الَّتِي أَمَرَكُمْ بِهَا مُوسَى عَبْدُ اللهِ، وَهِيَ أَنْ تُحِبُّوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ، وَتَسِيرُوا فِي كُلِّ طُرُقِهِ، وَتُطِيعُوا وَصَايَاهُ، وَتَتَمَسَّكُوا بِهِ، وَتَعْبُدُوهُ بِكُلِّ قَلْبِكُمْ وَكُلِّ نَفْسِكُمْ.“ ثُمَّ بَارَكَهُمْ يَشُوعُ وَأَرْسَلَهُمْ، فَرَجَعُوا إِلَى دِيَارِهِمْ. وَكَانَ مُوسَى قَدْ أَعْطَى لِنِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى أَرْضًا فِي بَاشَانَ. أَمَّا النِّصْفُ الْآخَرُ فَأَعْطَاهُمْ يَشُوعُ مَعَ إِخْوَتِهِمْ فِي غَرْبِ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ. وَلَمَّا أَرْسَلَهُمْ يَشُوعُ إِلَى دِيَارِهِمْ، بَارَكَهُمْ وَقَالَ: ”اِرْجِعُوا إِلَى دِيَارِكُمْ بِثَرْوَةٍ كَبِيرَةٍ، وَبِمَوَاشٍ كَثِيرَةٍ جِدًّا، وَبِفِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَنُحَاسٍ وَحَدِيدٍ، وَمَلَابِسَ كَثِيرَةٍ جِدًّا. فَاقْسِمُوا غَنِيمَةَ أَعْدَائِكُمْ مَعَ إِخْوَتِكُمْ.“ فَرَجَعَ بَنُو رَأُوبِينَ وَبَنُو جَادَ وَنِصْفُ قَبِيلَةِ مَنَسَّى، وَانْصَرَفُوا مِنْ عِنْدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي شِيلُوهَ الَّتِي فِي كَنْعَانَ، لِكَيْ يَذْهَبُوا إِلَى جِلْعَادَ، أَرْضِهِمِ الَّتِي أَخَذُوهَا حَسَبَ أَمْرِ اللهِ بِوَاسِطَةِ مُوسَى. وَلَمَّا وَصَلَ بَنُو رَأُوبِينَ وَبَنُو جَادَ وَنِصْفُ قَبِيلَةِ مَنَسَّى بِالْقُرْبِ مِنْ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ فِي كَنْعَانَ، شَيَّدُوا هُنَاكَ عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ مَنَصَّةً عَظِيمَةَ الْمَنْظَرِ. فَسَمِعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنَّ بَنِي رَأُوبِينَ وَبَنِي جَادَ وَنِصْفَ قَبِيلَةِ مَنَسَّى، شَيَّدُوا مَنَصَّةً عَلَى حُدُودِ كَنْعَانَ، عَلَى شَاطِئِ الْأُرْدُنِّ، فِي نَاحِيَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ النَّهْرِ. فَاجْتَمَعَتْ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي شِيلُوهَ لِيُحَارِبُوهُمْ. وَأَرْسَلُوا فِينْحَاسَ بْنَ أَلِعَازَارَ الْحَبْرَ إِلَى بَنِي رَأُوبِينَ وَبَنِي جَادَ وَنِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى فِي أَرْضِ جِلْعَادَ، وَمَعَهُ 10 رُؤَسَاءٍ، وَاحِدٌ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ فِي إِسْرَائِيلَ، وَكُلُّهُمْ رُؤَسَاءُ عَائِلَاتٍ فِي عَشَائِرِ إِسْرَائِيلَ. فَجَاءُوا إِلَيْهِمْ فِي جِلْعَادَ وَقَالُوا لَهُمْ: ”كُلُّ جَمَاعَةِ اللهِ تَقُولُ: ’لِمَاذَا ارْتَكَبْتُمْ هَذِهِ الْخِيَانَةَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ لِمَاذَا رَجَعْتُمُ الْيَوْمَ عَنِ الْمَوْلَى، وَتَمَرَّدْتُمْ عَلَيْهِ وَشَيَّدْتُمْ لَكُمْ مَنَصَّةً؟ أَمَا كَفَانَا الشَّرُّ الَّذِي ارْتَكَبْنَاهُ فِي فَغُورَ؟ نَحْنُ لَمْ نَطْهُرْ مِنْهُ إِلَى الْيَوْمِ، وَبِسَبَبِهِ تَفَشَّى الْوَبَأُ فِي جَمَاعَةِ اللهِ! فَهَلْ تَرْجِعُونَ الْيَوْمَ عَنِ الْمَوْلَى؟ إِنْ كُنْتُمْ تَتَمَرَّدُونَ عَلَى اللهِ الْيَوْمَ، فَإِنَّهُ غَدًا يَغْضَبُ عَلَى كُلِّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ. وَإِنْ كَانَتِ الْأَرْضُ الَّتِي تَمْلِكُونَهَا نَجِسَةً، تَعَالَوْا إِلَى أَرْضِ الْمَوْلَى، حَيْثُ خَيْمَةُ اللهِ قَائِمَةٌ فِيهَا، وَامْلِكُوا الْأَرْضَ مَعَنَا. إِنَّمَا لَا تَتَمَرَّدُوا عَلَى اللهِ وَلَا عَلَيْنَا، بِأَنْ تُشَيِّدُوا لَكُمْ مَنَصَّةً غَيْرَ مَنَصَّةِ الْمَوْلَى إِلَهِنَا! لَمَّا ارْتَكَبَ عَخَانُ بْنُ زَارَحَ الْخِيَانَةَ وَأَخَذَ مِمَّا هُوَ مُحَرَّمٌ، أَلَمْ يَقَعْ غَضَبُ اللهِ عَلَى كُلِّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ؟ فَهُوَ لَمْ يَهْلِكْ وَحْدَهُ بِسَبَبِ خَطِيئَتِهِ!‘“ فَأَجَابَ بَنُو رَأُوبِينَ وَبَنُو جَادَ وَنِصْفُ قَبِيلَةِ مَنَسَّى وَقَالُوا لِرُؤَسَاءِ عَشَائِرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ”الْمَوْلَى هُوَ الْإِلَهُ الْقَدِيرُ! الْمَوْلَى هُوَ الْإِلَهُ الْقَدِيرُ! هُوَ يَعْلَمُ، وَلَعَلَّ شَعْبَ إِسْرَائِيلَ يَعْلَمُ، إِنْ كُنَّا فَعَلْنَا هَذَا بِتَمَرُّدٍ أَوْ بِعِصْيَانٍ عَلَى اللهِ، فَلَيْتَهُ لَا يُنْقِذُنَا الْيَوْمَ! وَإِنْ كُنَّا شَيَّدْنَا لَنَا مَنَصَّةً لِنَرْجِعَ عَنِ اللهِ، أَوْ لِنُقَدِّمَ عَلَيْهَا قُرْبَانًا يُحْرَقُ أَوْ قُرْبَانَ دَقِيقٍ أَوْ ضَحَايَا لِلصُّحْبَةِ، فَلَيْتَ اللهَ نَفْسَهُ يُعَاقِبُنَا. إِنَّمَا الْحَقِيقَةُ هِيَ أَنَّنَا فَعَلْنَا ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ أَنَّهُ فِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ يَقُولُ بَنُوكُمْ لِبَنِينَا: ’مَا لَكُمْ وَلِلْمَوْلَى رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ إِنَّ اللهَ جَعَلَ الْأُرْدُنَّ فَاصِلًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، يَا بَنِي رَأُوبِينَ وَبَنِي جَادَ. أَنْتُمْ لَيْسَ لَكُمْ نَصِيبٌ فِي اللهِ.‘ وَبِذَلِكَ يَمْنَعُ بَنُوكُمْ بَنِينَا مِنْ عِبَادَةِ اللهِ. هَذَا هُوَ السَّبَبُ أَنَّنَا قُلْنَا نَبْنِي مَنَصَّةً، لَا لِتَقْدِيمِ قُرْبَانٍ أَوْ ضَحِيَّةٍ بَلْ كَدَلِيلٍ لَنَا وَلَكُمْ وَلِأَجْيَالِنَا مِنْ بَعْدِنَا، أَنَّنَا نَعْبُدُ اللهَ بِمَا نُقَدِّمُهُ مِنْ قَرَابِينَ تُحْرَقُ وَضَحَايَا وَقَرَابِينِ الصُّحْبَةِ. فَلَا يَقُولُ بَنُوكُمْ لِبَنِينَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ: ’أَنْتُمْ لَيْسَ لَكُمْ نَصِيبٌ فِي اللهِ.‘ فَإِنْ قَالُوا هَذَا لَنَا أَوْ لِأَوْلَادِنَا، نَقُولُ لَهُمْ: ’اُنْظُرُوا هَذِهِ الْمَنَصَّةَ الَّتِي تُشْبِهُ مَنَصَّةَ الْمَوْلَى. آبَاؤُنَا صَنَعُوهَا لَا لِتَقْدِيمِ قُرْبَانٍ أَوْ ضَحِيَّةٍ، بَلْ كَدَلِيلٍ أَنَّنَا مِنْكُمْ.‘ لَا سَمَحَ اللهُ أَنْ نَتَمَرَّدَ عَلَى اللهِ وَنَرْجِعَ الْيَوْمَ عَنْهُ، بِأَنْ نَبْنِيَ مَنَصَّةً لِقُرْبَانٍ يُحْرَقُ أَوْ قُرْبَانِ دَقِيقٍ أَوْ ضَحِيَّةٍ، غَيْرَ مَنَصَّةِ الْمَوْلَى إِلَهِنَا الَّتِي هِيَ قُدَّامَ خَيْمَتِهِ.“ فَلَمَّا سَمِعَ فِينْحَاسُ الْحَبْرُ وَرُؤَسَاءُ الْجَمَاعَةِ، أَيْ رُؤَسَاءُ قَبَائِلِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ مَعَهُ، كَلَامَ بَنِي رَأُوبِينَ وَبَنِي مَنَسَّى، فَرِحُوا. وَقَالَ فِينْحَاسُ بْنُ أَلِعَازَارَ الْحَبْرُ لِبَنِي رَأُوبِينَ وَبَنِي جَادَ وَبَنِي مَنَسَّى: ”الْيَوْمَ عَلِمْنَا أَنَّ اللهَ مَعَنَا، لِأَنَّكُمْ لَمْ تَرْتَكِبُوا خِيَانَةً ضِدَّ اللهِ فِي هَذَا الْأَمْرِ، فَأَنْقَذْتُمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عِقَابِهِ.“ ثُمَّ رَجَعَ فِينْحَاسُ بْنُ أَلِعَازَارَ الْحَبْرُ وَالرُّؤَسَاءُ مِنْ عِنْدِ بَنِي رَأُوبِينَ وَبَنِي جَادَ فِي أَرْضِ جِلْعَادَ، إِلَى بَاقِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي كَنْعَانَ، وَأَخْبَرُوهُمْ بِهَذَا الْكَلَامِ. فَفَرِحَ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَبَارَكُوا اللهَ، وَتَرَاجَعُوا عَنْ فِكْرَةِ مُحَارَبَةِ بَنِي رَأُوبِينَ وَبَنِي جَادَ وَتَخْرِيبِ أَرْضِهِمْ. وَسَمَّى بَنُو رَأُوبِينَ وَبَنُو جَادَ تِلْكَ الْمَنَصَّةَ: 'الدَّلِيلُ أَنَّنَا نُؤْمِنُ أَنَّ الْمَوْلَى هُوَ اللهُ.' وَبَعْدَ وَقْتٍ طَوِيلٍ، بَعْدَمَا أَرَاحَ اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ كُلِّ أَعْدَائِهِمِ الَّذِينَ حَوْلَهُمْ، شَاخَ يَشُوعُ وَكَبِرَ فِي السِّنِّ. فَدَعَا يَشُوعُ كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنْ شُيُوخٍ وَرُؤَسَاءَ وَقُضَاةٍ وَقَادَةٍ، وَقَالَ لَهُمْ: ”أَنَا شِخْتُ وَكَبِرْتُ فِي السِّنِّ. وَأَنْتُمْ رَأَيْتُمْ كُلَّ مَا عَمِلَهُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ بِكُلِّ تِلْكَ الْأُمَمِ مِنْ أَجْلِكُمْ. الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ هُوَ الَّذِي حَارَبَ عَنْكُمْ. تَذَكَّرُوا أَنِّي قَسَمْتُ لِقَبَائِلِكُمْ نَصِيبَكُمْ مِنْ كُلِّ أَرَاضِي الْأُمَمِ الَّتِي قَهَرْتُهَا، وَأَرَاضِي الْأُمَمِ الْبَاقِيَةِ مِنَ الْأُرْدُنِّ إِلَى الْبَحْرِ الْأَبْيَضِ الْمُتَوَسِّطِ غَرْبًا. الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ نَفْسُهُ يُبْعِدُهُمْ عَنْكُمْ وَيَطْرُدُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ، فَتَمْلِكُونَ أَرْضَهُمْ كَمَا وَعَدَكُمْ. فَكُونُوا أَقْوِيَاءَ جِدًّا، وَانْتَبِهُوا وَأَطِيعُوا كُلَّ مَا هُوَ وَارِدٌ فِي كِتَابِ تَوْرَاةِ مُوسَى، وَلَا تَنْحَرِفُوا عَنْهَا يَمِينًا أَوْ شِمَالًا. وَلَا تَتَعَامَلُوا مَعَ هَؤُلَاءِ الْأُمَمِ الَّذِينَ بَقَوْا مَعَكُمْ، وَلَا تَذْكُرُوا اسْمَ آلِهَتِهِمْ وَلَا تَحْلِفُوا بِهَا وَلَا تَعْبُدُوهَا وَلَا تَسْجُدُوا لَهَا. إِنَّمَا تَمَسَّكُوا بِالْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، كَمَا فَعَلْتُمْ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. ”الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ طَرَدَ مِنْ أَمَامِكُمْ أُمَمًا عَظِيمَةً وَقَوِيَّةً. وَإِلَى هَذَا الْيَوْمِ، لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يُقَاوِمَكُمْ. رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْكُمْ يَطْرُدُ 1000، لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ هُوَ الَّذِي يُحَارِبُ عَنْكُمْ، كَمَا وَعَدَكُمْ. فَانْتَبِهُوا جَيِّدًا لِتُحِبُّوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ. ”وَلَكِنْ إِنْ ضَلَلْتُمْ، وَتَحَالَفْتُمْ مَعَ بَقِيَّةِ هَؤُلَاءِ الْأُمَمِ الَّذِينَ بَقَوْا مَعَكُمْ، وَتَزَوَّجْتُمْ مِنْهُمْ وَتَزَوَّجُوا مِنْكُمْ، وَتَعَامَلْتُمْ مَعَهُمْ، فَاعْلَمُوا بِالتَّأْكِيدِ، أَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ لَا يَعُودُ يَطْرُدُ تِلْكَ الْأُمَمَ مِنْ أَمَامِكُمْ، فَيَكُونُوا لَكُمْ فَخًّا وَمَصْيَدَةً وَسَوْطًا عَلَى ظُهُورِكُمْ وَشَوْكًا فِي عُيُونِكُمْ، حَتَّى تَبِيدُوا مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ الصَّالِحَةِ الَّتِي أَعْطَاهَا لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. وَالْآنَ أَنَا رَاحِلٌ كَبَاقِي أَهْلِ الْأَرْضِ. أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِكُلِّ قَلْبِكُمْ وَنَفْسِكُمْ، أَنَّ اللهَ حَقَّقَ كُلَّ الْوُعُودِ الصَّالِحَةِ الَّتِي وَعَدَكُمْ بِهَا. لَمْ يَسْقُطْ وَاحِدٌ مِنْهَا، وَلَا وَاحِدٌ. وَكَمَا تَمَّ كُلُّ وَعْدٍ صَالِحٍ وَعَدَكُمْ بِهِ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ، فَإِنَّ اللهَ أَيْضًا يَجْلِبُ عَلَيْكُمْ كُلَّ الشَّرِّ الَّذِي أَخْبَرَكُمْ بِهِ، حَتَّى يُبِيدَكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ الصَّالِحَةِ الَّتِي أَعْطَاهَا لَكُمْ. فَإِنْ نَقَضْتُمْ عَهْدَ الْمَوْلَى إِلَهِكُمُ الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ، وَذَهَبْتُمْ وَعَبَدْتُمْ آلِهَةً أُخْرَى وَسَجَدْتُمْ لَهَا، يَشْتَدُّ غَضَبُ اللهِ عَلَيْكُمْ، فَتَبِيدُونَ سَرِيعًا مِنَ الْأَرْضِ الصَّالِحَةِ الَّتِي أَعْطَاهَا لَكُمْ.“ ثُمَّ جَمَعَ يَشُوعُ كُلَّ قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي شَكِيمَ. وَاسْتَدْعَى الشُّيُوخَ وَالرُّؤَسَاءَ وَالْقُضَاةَ وَالْقَادَةَ، فَحَضَرُوا أَمَامَ اللهِ. وَقَالَ يَشُوعُ لِكُلِّ الشَّعْبِ: ”الْمَوْلَى رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ: ’مُنْذُ الْقَدِيمِ سَكَنَ آبَاؤُكُمْ، بِمَا فِيهِمْ تَارَحُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو نَاحُورَ، فِي النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى مِنْ نَهْرِ الْفُرَاتِ، وَعَبَدُوا آلِهَةً أُخْرَى. فَأَخَذْتُ إِبْرَاهِيمَ أَبَاكُمْ مِنَ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى مِنْ نَهْرِ الْفُرَاتِ، وَقُدْتُهُ فِي كُلِّ كَنْعَانَ، وَأَعْطَيْتُهُ نَسْلًا كَثِيرًا، وَرَزَقْتُهُ بِإِسْحَاقَ. وَرَزَقْتُ إِسْحَاقَ بِيَعْقُوبَ وَالْعِيصَ. وَأَعْطَيْتُ الْعِيصَ جَبَلَ سَعِيرَ نَصِيبًا، أَمَّا يَعْقُوبُ وَبَنُوهُ فَنَزَلُوا إِلَى مِصْرَ. ثُمَّ أَرْسَلْتُ مُوسَى وَهَارُونَ، وَضَرَبْتُ مِصْرَ بِمَصَائِبَ كَثِيرَةٍ، وَأَخْرَجْتُكُمْ مِنْهَا. فَلَمَّا أَخْرَجْتُ آبَاءَكُمْ مِنْ مِصْرَ، وَوَصَلْتُمْ عِنْدَ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ جَاءَ الْمِصْرِيُّونَ إِلَى الْبَحْرِ بِمَرْكَبَاتٍ وَفُرْسَانٍ وَرَاءَ آبَائِكُمْ. فَصَرَخُوا إِلَى اللهِ، فَوَضَعَ ظَلَامًا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمِصْرِيِّينَ، وَجَلَبَ الْبَحْرَ عَلَيْهِمْ فَغَطَّاهُمْ. وَرَأَيْتُمْ بِأَعْيُنِكُمْ مَا فَعَلْتُ بِالْمِصْرِيِّينَ. وَبَعْدَمَا عِشْتُمْ فِي الصَّحْرَاءِ وَقْتًا طَوِيلًا، أَتَيْتُ بِكُمْ إِلَى أَرْضِ الْأَمُورِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي شَرْقِ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ فَحَارَبُوكُمْ وَلَكِنِّي نَصَرْتُكُمْ عَلَيْهِمْ. وَأَهْلَكْتُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ، فَمَلَكْتُمْ أَرْضَهُمْ. وَقَامَ بَالَاقُ بْنُ صِفُّورَ مَلِكُ مُوآبَ لِيُحَارِبَ إِسْرَائِيلَ، وَأَرْسَلَ وَاسْتَدْعَى بَلْعَامَ بْنَ بَعُورَ لِكَيْ يَلْعَنَكُمْ. فَرَفَضْتُ أَنْ أَسْمَعَ لِبَلْعَامَ، فَبَارَكَكُمْ بِبَرَكَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَأَنْقَذْتُكُمْ مِنْ يَدِهِ. ”’ثُمَّ عَبَرْتُمْ نَهْرَ الْأُرْدُنِّ، وَجِئْتُمْ إِلَى أَرِيحَا. وَحَارَبَكُمْ أَهْلُ أَرِيحَا، فَنَصَرْتُكُمْ عَلَيْهِمْ. وَجَرَى هَذَا أَيْضًا مَعَ الْأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ. وَأَرْسَلْتُ قُدَّامَكُمُ الزَّنَابِيرَ، وَطَرَدْتُ مِنْ أَمَامِكُمْ مَلِكَيِ الْأَمُورِيِّينَ. فَأَنْتُمْ لَمْ تَفْعَلُوا هَذَا، لَا بِسَيْفِكُمْ وَلَا بِقَوْسِكُمْ! وَأَعْطَيْتُكُمْ أَرْضًا لَمْ تَتْعَبُوا فِيهَا، وَمُدُنًا لَمْ تَبْنُوهَا، فَسَكَنْتُمْ فِيهَا، وَكُرُومًا وَزَيْتُونًا لَمْ تَغْرِسُوهَا، وَالْآنَ تَأْكُلُونَ مِنْهَا.‘ ”إِذَنِ اتَّقُوا اللهَ وَاعْبُدُوهُ بِإِخْلَاصٍ وَأَمَانَةٍ. اِنْزِعُوا الْآلِهَةَ الَّتِي عَبَدَهَا آبَاؤُكُمْ فِي النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى مِنَ الْفُرَاتِ وَفِي مِصْرَ، وَاعْبُدُوا اللهَ. وَإِنْ كُنْتُمْ لَا تُرِيدُونَ أَن تَعْبُدُوا اللهَ، فَاخْتَارُوا لَكُمُ الْيَوْمَ مَنْ تَعْبُدُونَ، إِمَّا الْآلِهَةَ الَّتِي عَبَدَهَا آبَاؤُكُمْ فِي النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى مِنَ الْفُرَاتِ، أَوْ آلِهَةَ الْأَمُورِيِّينَ الَّذِينَ أَنْتُمْ مُقِيمُونَ فِي أَرْضِهِمْ. أَمَّا أَنَا وَعَائِلَتِي فنَعْبُدُ اللهَ.“ فَأَجَابَ الشَّعْبُ: ”لَا سَمَحَ اللهُ أَنْ نَتْرُكَ الْمَوْلَى وَنَعْبُدَ آلِهَةً أُخْرَى! إِنَّ الْمَوْلَى إِلَهَنَا هُوَ الَّذِي أَخْرَجَنَا نَحْنُ وَآبَاءَنَا مِنْ مِصْرَ، مِنْ سِجْنِ الْعُبُودِيَّةِ. وَهُوَ الَّذِي عَمِلَ تِلْكَ الْآيَاتِ الْعَظِيمَةَ أَمَامَ عُيُونِنَا، وَحَفِظَنَا فِي كُلِّ الطَّرِيقِ الَّتِي سِرْنَا فِيهَا، وَفِي كُلِّ الشُّعُوبِ الَّذِينَ عَبَرْنَا بَيْنَهُمْ، وَطَرَدَ مِنْ أَمَامِنَا الْأَمُورِيِّينَ وَكُلَّ الشُّعُوبِ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْأَرْضِ قَبْلَنَا. فَنَحْنُ أَيْضًا نَعْبُدُ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ إِلَهُنَا.“ فَقَالَ يَشُوعُ لِلشَّعْبِ: ”رُبَّمَا لَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ. فَهُوَ إِلَهٌ قُدُّوسٌ، إِلَهٌ غَيُورٌ، لَا يَغْفِرُ لَكُمُ الْمَعَاصِيَ وَالذُّنُوبَ. فَإِنْ تَرَكْتُمُ اللهَ، وَعَبَدْتُمْ آلِهَةً غَرِيبَةً، يَرْجِعُ وَيَجْلِبُ عَلَيْكُمُ الْمَصَائِبَ وَيُفْنِيكُمْ، بَعْدَمَا بَارَكَكُمْ.“ فَقَالَ الشَّعْبُ لِيَشُوعَ: ”لَا، بَلْ نَعْبُدُ اللهَ.“ فَقَالَ يَشُوعُ لِلشَّعْبِ: ”أَنْتُمْ شُهُودٌ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، أَنَّكُمُ اخْتَرْتُمُ اللهَ لِتَعْبُدُوهُ.“ فَقَالُوا: ”نَحْنُ شُهُودٌ.“ فَقَالَ يَشُوعُ: ”إِذَنْ، اِنْزِعُوا الْآنَ الْآلِهَةَ الْغَرِيبَةَ الَّتِي بَيْنَكُمْ، وَأَسْلِمُوا قُلُوبَكُمْ لِلْمَوْلَى رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ.“ فَقَالَ الشَّعْبُ لِيَشُوعَ: ”نَعْبُدُ الْمَوْلَى إِلَهَنَا، وَنُطِيعُ كَلَامَهُ.“ فَعَمِلَ يَشُوعُ عَهْدًا مَعَ الشَّعْبِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَأَعْطَاهُمْ فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ فِي شَكِيمَ. وَكَتَبَ يَشُوعُ هَذَا الْكَلَامَ فِي كِتَابِ شَرِيعَةِ اللهِ. وَأَخَذَ حَجَرًا كَبِيرًا وَنَصَبَهُ هُنَاكَ تَحْتَ الْبَلُّوطَةِ الَّتِي عِنْدَ الْخَيْمَةِ الْمُقَدَّسَةِ. وَقَالَ يَشُوعُ لِكُلِّ الشَّعْبِ: ”هَذَا الْحَجَرُ يُذَكِّرُنَا بِهَذَا، لِأَنَّهُ كَانَ هُنَا حِينَ كَلَّمَنَا اللهُ. فَهُوَ يُذَكِّرُكُمْ لِئَلَّا تَخُونُوا إِلَهَكُمْ.“ ثُمَّ صَرَفَ يَشُوعُ الشَّعْبَ، كُلَّ وَاحِدٍ إِلَى نَصِيبِهِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ، مَاتَ يَشُوعُ بْنُ نُونَ عَبْدُ اللهِ وَهُوَ ابْنُ 110 سِنِينَ. فَدَفَنُوهُ فِي أَرْضِهِ، فِي تِمْنَةَ سَارَحَ الَّتِي فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ، شَمَالَ جَبَلِ جَاعَشَ. وَعَبَدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ اللهَ كُلَّ أَيَّامِ يَشُوعَ، وَكُلَّ أَيَّامِ الشُّيُوخِ الَّذِينَ طَالَ عُمْرُهُمْ بَعْدَ يَشُوعَ، وَعَرَفُوا كُلَّ مَا عَمِلَهُ اللهُ لِإِسْرَائِيلَ. وَعِظَامُ يُوسِفَ الَّتِي أَخَذَهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ مَعَهُمْ مِنْ مِصْرَ، دَفَنُوهَا فِي شَكِيمَ، فِي الْحَقْلِ الَّذِي اشْتَرَاهُ يَعْقُوبُ مِنْ بَنِي حَمُورَ أَبِي شَكِيمَ بِـ100 عُمْلَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ. فَصَارَتْ مِلْكًا لِبَنِي يُوسِفَ. وَمَاتَ أَلِعَازَارُ بْنُ هَارُونَ فَدَفَنُوهُ فِي جِبْعَةَ، الَّتِي أُعْطِيَتْ لِابْنِهِ فِينْحَاسَ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ. بَعْدَمَا مَاتَ يَشُوعُ، سَأَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْمَوْلَى وَقَالُوا: ”مَنْ مِنَّا يَذْهَبُ أَوَّلًا لِمُحَارَبَةِ الْكَنْعَانِيِّينَ؟“ فَقَالَ اللهُ: ”بَنُو يَهُوذَا يَذْهَبُونَ، فَإِنِّي أَعْطَيْتُهُمُ الْبِلَادَ فِي يَدِهِمْ.“ فَقَالَ بَنُو يَهُوذَا لِإِخْوَتِهِمْ بَنِي شَمْعُونَ: ”تَعَالَوْا مَعَنَا نُحَارِبُ الْكَنْعَانِيِّينَ مِنْ أَجْلِ الْأَرْضِ الَّتِي مِنْ نَصِيبِنَا، وَنَحْنُ أَيْضًا نَذْهَبُ مَعَكُمْ عِنْدَمَا تُحَارِبُونَ مِنْ أَجْلِ أَرْضِكُمْ.“ فَذَهَبَ بَنُو شَمْعُونَ مَعَهُمْ. وَتَقَدَّمَ بَنُو يَهُوذَا، فَنَصَرَهُمُ اللهُ عَلَى الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ فِي بَازَقَ 10000 رَجُلٍ. وَوَجَدُوا أَدُونِي بَازَقَ فِي بَازَقَ فَحَارَبُوهُ، وَهَزَمُوا الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ. فَهَرَبَ أَدُونِي بَازَقَ، فَتَبِعُوهُ وَأَمْسَكُوهُ وَقَطَعُوا أَبَاهِمَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ. فَقَالَ أَدُونِي بَازَقَ: ”70 مَلِكًا قَطَعْتُ أَبَاهِمَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ، كَانُوا يَلْتَقِطُونَ فُتَاتَ الطَّعَامِ تَحْتَ مَائِدَتِي! كَمَا فَعَلْتُ جَازَانِي اللهُ.“ وَأَتَوْا بِهِ إِلَى الْقُدْسِ، فَمَاتَ هُنَاكَ. وَحَارَبَ بَنُو يَهُوذَا الْقُدْسَ وَأَخَذُوهَا، وَقَتَلُوا مَنْ فِيهَا بِالسَّيْفِ، وَأَشْعَلُوا الْمَدِينَةَ بِالنَّارِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ نَزَلَ بَنُو يَهُوذَا وَحَارَبُوا الْكَنْعَانِيِّينَ الْمُقِيمِينَ فِي الْجَبَلِ وَالنَّقَبِ وَالسَّهْلِ. وَتَقَدَّمُوا ضِدَّ الْكَنْعَانِيِّينَ الْمُقِيمِينَ فِي حَبْرُونَ، وَكَانَ اسْمُهَا قَبْلًا قَرْيَةَ أَرْبَعَ. وَهَزَمُوا شِيشَايَ وَأَخِيمَانَ وَتَلْمَايَ. وَمِنْ هُنَاكَ تَقَدَّمُوا ضِدَّ سُكَّانِ دَبِيرَ، وَكَانَ اسْمُهَا قَبْلًا قَرْيَةَ سِفْرٍ. فَقَالَ كَالِبُ: ”مَنْ يَهْزِمُ قَرْيَةَ سِفْرٍ وَيَأْخُذُهَا، أُعْطِيهِ بِنْتِي عَكْسَةَ زَوْجَةً.“ فَأَخَذَهَا عُتْنِيلُ بْنُ قَنَازَ أَخِي كَالِبَ الْأَصْغَرِ. فَأَعْطَاهُ بِنْتَهُ عَكْسَةَ زَوْجَةً. فَلَمَّا تَزَوَّجَهَا، أَلَحَّ عَلَيْهَا أَنْ تَطْلُبَ أَرْضًا جَيِّدَةً مِنْ أَبِيهَا. فَنَزَلَتْ عَنِ الْحِمَارِ، فَقَالَ لَهَا كَالِبُ: ”مَا لَكِ؟“ قَالَتْ: ”أَعْطِنِي بَرَكَةً. أَنْتَ أَعْطَيْتَنِي أَرْضًا فِي النَّقَبِ، فَأَعْطِنِي يَنَابِيعَ مَاءٍ.“ فَأَعْطَاهَا الْيَنَابِيعَ الْعُلْيَا وَالْيَنَابِيعَ السُّفْلَى. وَذَهَبَ بَنُو الْقِينِيِّ حَمِي مُوسَى مَعَ بَنِي يَهُوذَا، مِنْ مَدِينَةِ النَّخْلِ إِلَى صَحْرَاءِ يَهُوذَا الَّتِي فِي النَّقَبِ عِنْدَ عَرَادَ، وَأَقَامُوا مَعَ الشَّعْبِ الَّذِي هُنَاكَ. وَذَهَبَ بَنُو يَهُوذَا مَعَ إِخْوَتِهِمْ بَنِي شَمْعُونَ، وَحَارَبُوا الْكَنْعَانِيِّينَ الْمُقِيمِينَ فِي صَفَاةَ وَأَهْلَكُوا الْمَدِينَةَ، وَدَعَوْا اسْمَهَا حُرْمَةَ. وَأَخَذَ بَنُو يَهُوذَا أَيْضًا غَزَّةَ وَعَسْقَلَانَ وَعَقْرُونَ وَالْأَرَاضِيَ الْمُحِيطَةَ بِهَذِهِ الْمُدُنِ. وَكَانَ اللهُ مَعَ بَنِي يَهُوذَا، فَامْتَلَكُوا الْجَبَلَ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَطْرُدُوا سُكَّانَ الْوَادِي، لِأَنَّ عِنْدَهُمْ مَرْكَبَاتٍ مِنْ حَدِيدٍ. وَكَمَا وَعَدَ مُوسَى، أَعْطَوْا حَبْرُونَ لِكَالِبَ، فَطَرَدَ مِنْهَا بَنِي عَنَاقَ الـ3. وَلَمْ يَتَمَكَّنْ بَنُو بِنْيَمِينَ مِنْ طَرْدِ الْيَبُوسِيِّينَ الْمُقِيمِينَ فِي الْقُدْسِ، فَأَقَامَ الْيَبُوسِيُّونَ مَعَ بَنِي بِنْيَمِينَ فِي الْقُدْسِ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. وَبَنُو يُوسِفَ حَارَبُوا بَيْتَ إِيلَ وَكَانَ اللهُ مَعَهُمْ. فَلَمَّا أَرْسَلُوا لِيَتَجَسَّسُوا بَيْتَ إِيلَ، وَكَانَ اسْمُهَا قَبْلًا لُوزَ، رَأَى الْجَوَاسِيسُ رَجُلًا خَارِجًا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا لَهُ: ”أَرِنَا مَدْخَلَ الْمَدِينَةِ، فَنُحْسِنَ إِلَيْكَ.“ فَأَرَاهُمْ مَدْخَلَ الْمَدِينَةِ، فَقَتَلُوا مَنْ فِيهَا بِالسَّيْفِ، وَلَكِنَّهُمْ أَطْلَقُوا الرَّجُلَ وَكُلَّ عَائِلَتِهِ. فَرَاحَ إِلَى بِلَادِ الْحِثِّيِّينَ، وَبَنَى مَدِينَةً سَمَّاهَا لُوزَ، وَهُوَ اسْمُهَا إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. وَلَمْ يَطْرُدْ مَنَسَّى أَهْلَ بَيْتَ شَانَ وَتَعْنَكَ وَدُورَ وَيَبْلَعَامَ وَمَجِدُّو، وَلَا أَهْلَ الْمَسَاكِنِ الَّتِي حَوْلَ هَذِهِ الْمُدُنِ. وَأَصَرَّ الْكَنْعَانِيُّونَ أَنْ يَبْقَوْا فِي تِلْكَ الْأَرْضِ. وَلَمَّا تَقَوَّى بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَرَضُوا عَلَى الْكَنْعَانِيِّينَ أَنْ يَقُومُوا بِالْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ وَلَمْ يَطْرُدُوهُمْ. وَأَفْرَايِمُ لَمْ يَطْرُدِ الْكَنْعَانِيِّينَ الْمُقِيمِينَ فِي جَازَرَ، فَسَكَنَ الْكَنْعَانِيُّونَ فِي وَسَطِهِمْ فِي جَازَرَ. وَزَبُولُونُ لَمْ يَطْرُدِ الْكَنْعَانِيِّينَ الْمُقِيمِينَ فِي قِطْرُونَ وَنَهْلُولَ، فَسَكَنَ الْكَنْعَانِيُّونَ فِي وَسَطِهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ بِالْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ. وَأَشِيرُ لَمْ يَطْرُدِ الْمُقِيمِينَ فِي عَكَّاءَ وَصَيْدَا وَأَحْلَبَ وَأَكْزِيبَ وَحَلْبَةَ وَأَفِيقَ وَرَحُوبَ. فَسَكَنَ الْأَشِيرِيُّونَ فِي وَسَطِ أَهْلِ الْبِلَادِ الْكَنْعَانِيِّينَ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَطْرُدُوهُمْ. وَنَفْتَالِي لَمْ يَطْرُدِ الْمُقِيمِينَ فِي بَيْتَ شَمْسَ وَبَيْتَ عَنَاةَ، بَلْ سَكَنَ النَّفْتَالِيُّونَ فِي وَسَطِ أَهْلِ الْبِلَادِ الْكَنْعَانِيِّينَ، فَكَانَ هَؤُلَاءِ يَقُومُونَ بِالْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ لِبَنِي نَفْتَالِي. وَحَاصَرَ الْأَمُورِيُّونَ بَنِي دَانَ فِي الْجَبَلِ، وَلَمْ يَسْمَحُوا لَهُمْ بِأَنْ يَنْزِلُوا إِلَى الْوَادِي. وَأَصَرَّ الْكَنْعَانِيُّونَ أَنْ يَبْقَوْا فِي جَبَلِ حَارَسَ، فِي أَيْلُونَ وَشَعْلَبِيمَ. وَلَمَّا تَقَوَّى بَنُو يُوسِفَ، جَعَلُوهُمْ يَقُومُونَ بِالْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ. وَكَانَتْ حُدُودُ الْأَمُورِيِّينَ تَمْتَدُّ مِنْ مَمَرِّ الْعَقَارِبِ إِلَى سَالِعَ وَمَا بَعْدَهَا. وَجَاءَ مَلَاكُ اللهِ مِنَ الْجِلْجَالِ إِلَى بُوكِيمَ وَقَالَ: ”أَخْرَجْتُكُمْ مِنْ مِصْرَ، وَأَتَيْتُ بِكُمْ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي حَلَفْتُ أَنْ أُعْطِيَهَا لِآبَائِكُمْ. وَقُلْتُ، لَا أَنْقُضُ عَهْدِي مَعَكُمْ أَبَدًا. وَأَنْتُمْ مِنْ نَاحِيَتِكُمْ، لَا تَعْقِدُوا عَهْدًا مَعَ سُكَّانِ هَذِهِ الْبِلَادِ. بَلِ اهْدِمُوا مَعَابِدَهُمْ. وَلَكِنَّكُمْ لَمْ تَسْمَعُوا كَلَامِي! فَانْظُرُوا مَا فَعَلْتُمْ! لِذَلِكَ قَرَّرْتُ أَنْ لَا أَطْرُدَهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ، بَلْ يَكُونُونَ مِخْرَزًا فِي جَنْبِكُمْ، وَتَكُونُ آلِهَتُهُمْ فَخًّا لَكُمْ.“ فَلَمَّا قَالَ الْمَلَاكُ هَذَا الْكَلَامَ لِكُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، بَكَى الشَّعْبُ بِصَوْتٍ عَالٍ. وَدَعَوْا اسْمَ ذَلِكَ الْمَكَانِ بُوكِيمَ. وَقَدَّمُوا هُنَاكَ ضَحَايَا للهِ. وَصَرَفَ يَشُوعُ الشَّعْبَ، وَذَهَبَ بَنُو إِسْرَائِيلَ، كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى نَصِيبِهِ لِيَمْتَلِكُوا الْأَرْضَ. وَعَبَدَ الشَّعْبُ اللهَ كُلَّ أَيَّامِ يَشُوعَ، وَكُلَّ أَيَّامِ الشُّيُوخِ الَّذِينَ طَالَ عُمْرُهُمْ بَعْدَ يَشُوعَ، وَشَاهَدُوا كُلَّ أَعْمَالِ اللهِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي عَمِلَهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. وَمَاتَ يَشُوعُ بْنُ نُونَ عَبْدُ الْمَوْلَى وَهُوَ ابْنُ 110 سِنِينَ. فَدَفَنُوهُ فِي أَرْضِهِ، فِي تِمْنَةَ حَارَسَ الَّتِي فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ، شَمَالَ جَبَلِ جَاعَشَ. وَمَاتَ أَيْضًا كُلُّ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ جِيلِ يَشُوعَ، وَانْضَمُّوا إِلَى آبَائِهِمْ. وَقَامَ بَعْدَهُمْ جِيلٌ آخَرُ لَا يَعْرِفُ الْمَوْلَى وَلَا مَا عَمِلَهُ لِإِسْرَائِيلَ. وَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ، وَعَبَدُوا الْبَعْلَ. وَتَرَكُوا الْمَوْلَى إِلَهَ آبَائِهِمِ الَّذِي أَخْرَجَهُمْ مِنْ مِصْرَ، وَتَبِعُوا آلِهَةً أُخْرَى مِنْ آلِهَةِ الشُّعُوبِ الَّتِي حَوْلَهُمْ وَعَبَدُوهَا، فَغَاظُوا اللهَ. تَرَكُوا اللهَ وَعَبَدُوا الْبَعْلَ وَعَشْتَرُوتَ. فَغَضِبَ اللهُ عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَأَوْقَعَهُمْ فِي أَيْدِي غُزَاةٍ نَهَبُوهُمْ، وَبَاعَهُمْ إِلَى أَعْدَائِهِمِ الَّذِينَ حَوْلَهُمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُقَاوِمُوا أَعْدَاءَهُمْ. وَكُلَّمَا خَرَجُوا لِلْحَرْبِ، كَانَ اللهُ ضِدَّهُمْ لِيَنْهَزِمُوا، كَمَا قَالَ اللهُ وَحَلَفَ لَهُمْ. فَتَضَايَقُوا جِدًّا. وَأَقَامَ اللهُ لَهُمْ قُضَاةً، فَأَنْقَذُوهُمْ مِنْ يَدِ الْغُزَاةِ. وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا لِقُضَاتِهِمْ، وَخَانُوا اللهَ وَتَبِعُوا آلِهَةً أُخْرَى وَعَبَدُوهَا. اِنْحَرَفُوا سَرِيعًا عَنْ طَرِيقِ طَاعَةِ اللهِ الَّتِي سَارَ فِيهَا آبَاؤُهُمْ، وَلَمْ يَعْمَلُوا مِثْلَهُمْ. وَلَمَّا أَقَامَ اللهُ لَهُمْ قُضَاةً، كَانَ اللهُ مَعَ الْقَاضِي، وَكَانَ يُنْقِذُهُمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ طُولَ أَيَّامِ الْقَاضِي، لِأَنَّ اللهَ كَانَ يَشْفِقُ عَلَيْهِمْ عِنْدَمَا يَئِنُّونَ مِنَ الظُّلْمِ وَالضِّيقِ. وَعِنْدَمَا يَمُوتُ الْقَاضِي، كَانُوا يَرْجِعُونَ إِلَى الْفَسَادِ أَكْثَرَ مِنَ الْجِيلِ الَّذِي قَبْلَهُمْ، وَيَتْبَعُونَ آلِهَةً أُخْرَى وَيَعْبُدُونَهَا وَيَسْجُدُونَ لَهَا. فَلَمْ يَكُفُّوا عَنْ أَعْمَالِهِمِ الشِّرِّيرَةِ وَطُرُقِهِمِ الْعَنِيدَةِ. فَغَضِبَ اللهُ جِدًّا عَلَى إِسْرَائِيلَ وَقَالَ: ”بِمَا أَنَّ هَذَا الشَّعْبَ نَقَضَ عَهْدِيَ الَّذِي أَمَرْتُ بِهِ آبَاءَهُمْ، وَلَمْ يَسْمَعُوا كَلَامِي، فَأَنَا أَيْضًا لَا أَطْرُدُ مِنْ أَمَامِهِمْ أَيَّ إِنْسَانٍ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي تَرَكَهَا يَشُوعُ عِنْدَ مَوْتِهِ، لِكَيْ أَمْتَحِنَ بِهِمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَرَى إِنْ كَانُوا يَحْفَظُونَ طَرِيقِي وَيَسِيرُونَ فِيهَا كَمَا فَعَلَ آبَاؤُهُمْ.“ فَتَرَكَ اللهُ تِلْكَ الْأُمَمَ، وَلَمْ يُسْرِعْ فِي طَرْدِهِمْ، وَلَمْ يَهْزِمْهُمْ عَلَى يَدِ يَشُوعَ. وَهَذِهِ هِيَ الْأُمَمُ الَّتِي تَرَكَهَا اللهُ، لِيَمْتَحِنَ بِهَا كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ لَمْ يَخْتَبِرُوا حُرُوبَ كَنْعَانَ. وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ، لِيُعَلِّمَ الْحَرْبَ لِمَنْ لَمْ يَخْتَبِرْهَا مِنْ أَجْيَالِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. هَذِهِ هِيَ الْأُمَمُ: مُدُنُ الْفِلِسْطِيِّينَ الْـ5 وَكُلُّ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالصَّيْدُونِيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ الْمُقِيمِينَ فِي جَبَلِ لُبْنَانَ، مِنْ جَبَلِ بَعْلَ حَرْمُونَ إِلَى مَدْخَلِ حَمَاةَ. تَرَكَهُمُ اللهُ لِيَمْتَحِنَ بِهِمْ إِسْرَائِيلَ، لِكَيْ يَرَى إِنْ كَانُوا يُطِيعُونَ وَصَايَا اللهِ الَّتِي أَوْصَى بِهَا آبَاءَهُمْ بِوَاسِطَةِ مُوسَى. فَسَكَنَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ. وَأَخَذُوا بَنَاتِهِمْ زَوْجَاتٍ لَهُمْ، وَأَعْطَوْا بَنَاتِهِمْ لِبَنِيهِمْ، وَعَبَدُوا آلِهَتَهُمْ. فَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي عَيْنَيِ اللهِ. نَسُوا اللهَ إِلَهَهُمْ، وَعَبَدُوا الْبَعْلَ وَالْأَعْمِدَةَ الَّتِي تَعْبُدُهَا الْأُمَمُ. فَثَارَ غَضَبُ اللهِ عَلَى إِسْرَائِيلَ، فَبَاعَهُمْ إِلَى يَدِ كُوشَانَ رِشَعْتَايِمَ مَلِكِ آرَامَ النَّهْرَيْنِ، فَاسْتَعْبَدَهُمْ 8 سِنِينَ. فَصَرَخُوا إِلَى اللهِ، فَأَقَامَ لَهُمْ مُنْقِذًا أَنْقَذَهُمْ هُوَ عُتْنِيلُ بْنُ قَنَازَ أَخِي كَالِبَ الْأَصْغَرِ. فَحَلَّ عَلَيْهِ رُوحُ اللهِ، وَأَصْبَحَ قَاضِيًا لِإِسْرَائِيلَ، وَذَهَبَ لِيُحَارِبَ. فَنَصَرَهُ اللهُ عَلَى كُوشَانَ رِشَعْتَايِمَ مَلِكِ آرَامَ، وَتَسَلَّطَ عَلَيْهِ. فَاسْتَرَاحَتِ الْبِلَادُ 40 سَنَةً، ثُمَّ مَاتَ عُتْنِيلُ بْنُ قَنَازَ. وَعَادَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَعْمَلُونَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ. لِهَذَا سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمْ عَجْلُونَ مَلِكَ مُوآبَ. فَجَمَعَ إِلَيْهِ بَنِي عَمُّونَ وَعَمَالِيقَ، وَحَارَبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَاحْتَلَّ مَدِينَةَ النَّخْلِ. وَاسْتَعْبَدَ عَجْلُونُ مَلِكُ مُوآبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ 18 سَنَةً. فَصَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى اللهِ، فَأَقَامَ لَهُمْ مُنْقِذًا هُوَ إِهُودُ بْنُ جِيرَا الْبِنْيَمِينِيُّ، وَهُوَ رَجُلٌ أَعْسَرُ. فَأَرْسَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ هَدِيَّةً مَعَهُ إِلَى عَجْلُونَ مَلِكِ مُوآبَ. فَعَمِلَ إِهُودُ لِنَفْسِهِ سَيْفًا بِحَدَّيْنِ طُولُهُ حَوَالَيْ نِصْفِ مِتْرٍ، وَتَقَلَّدَهُ تَحْتَ ثِيَابِهِ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ. وَقَدَّمَ الْهَدِيَّةَ لِعَجْلُونَ مَلِكِ مُوآبَ. وَكَانَ عَجْلُونُ رَجُلًا سَمِينًا جِدًّا. وَبَعْدَمَا قَدَّمَ إِهُودُ الْهَدِيَّةَ، صَرَفَ الَّذِينَ كَانُوا يَحْمِلُونَهَا، وَرَجَعَ وَحْدَهُ مِنْ عِنْدِ الْمَنْحُوتَاتِ الَّتِي عِنْدَ الْجِلْجَالِ، وَقَالَ: ”أَيُّهَا الْمَلِكُ، عِنْدِي كَلَامُ سِرٍّ لَكَ.“ فَأَمَرَ الْمَلِكُ كُلَّ عَبِيدِهِ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ عِنْدِهِ فَخَرَجُوا. فَتَقَدَّمَ إِهُودُ إِلَى الْمَلِكِ وَهُوَ جَالِسٌ وَحْدَهُ فِي غُرْفَتِهِ الْبَارِدَةِ الَّتِي فِي الطَّابِقِ الْعُلْوِيِّ، وَقَالَ: ”عِنْدِي رِسَالَةٌ لَكَ مِنَ اللهِ!“ فَقَامَ الْمَلِكُ عَنِ الْكُرْسِيِّ. فَمَدَّ إِهُودُ يَدَهُ الشِّمَالَ، وَأَخَذَ السَّيْفَ عَنْ جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ، وَطَعَنَ بِهِ الْمَلِكَ فِي بَطْنِهِ. فَغَاصَ السَّيْفُ وَقَبْضَتُهُ فِي جِسْمِهِ، وَخَرَجَ جُزْءٌ مِنْهُ مِنْ ظَهْرِهِ، وَأَطْبَقَ الشَّحْمُ عَلَى السَّيْفِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْزِعْهُ مِنْ بَطْنِهِ. ثُمَّ خَرَجَ إِهُودُ إِلَى الشُّرْفَةِ، وَأَغْلَقَ أَبْوَابَ الْغُرْفَةِ وَرَاءَهُ وَأَقْفَلَهَا. وَبَعْدَمَا ذَهَبَ، جَاءَ عَبِيدُ الْمَلِكِ، فَوَجَدُوا أَبْوَابَ الْغُرْفَةِ مُقْفَلَةً، فَقَالُوا: ”رُبَّمَا الْمَلِكُ فِي الْمِرْحَاضِ فِي الْغُرْفَةِ الدَّاخِلِيَّةِ!“ فَانْتَظَرُوا طَوِيلًا حَتَّى قَلِقُوا لِأَنَّهُ لَمْ يَفْتَحْ أَبْوَابَ الْغُرْفَةِ. فَأَخَذُوا الْمِفْتَاحَ وَفَتَحُوا، فَوَجَدُوا سَيِّدَهُمْ سَاقِطًا عَلَى الْأَرْضِ مَيِّتًا. وَهَرَبَ إِهُودُ بَيْنَمَا هُمْ يَنْتَظِرُونَ، وَمَرَّ مِنْ عِنْدِ الْمَنْحُوتَاتِ وَجَاءَ إِلَى سَعِيرَةَ. وَلَمَّا وَصَلَ، ضَرَبَ بِالْبُوقِ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ، فَنَزَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مَعَهُ مِنَ الْجَبَلِ وَهُوَ يَتَقَدَّمُهُمْ. وَقَالَ لَهُمْ: ”اِتْبَعُونِي، لِأَنَّ اللهَ نَصَرَكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمُ الْمُوآبِيِّينَ.“ فَنَزَلُوا وَرَاءَهُ وَاسْتَوْلَوْا عَلَى مَعَابِرِ الْأُرْدُنِّ الَّتِي يَعْبُرُهَا النَّاسُ إِلَى مُوآبَ، وَلَمْ يَسْمَحُوا لِأَحَدٍ بِالْعُبُورِ. فَقَتَلُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ 10000 رَجُلٍ مُوآبِيٍّ، كُلُّهُمْ أَبْطَالٌ أَشِدَّاءُ، وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ خَضَعَ الْمُوآبِيُّونَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَاسْتَرَاحَتِ الْبِلَادُ 80 سَنَةً. وَبَعْدَ إِهُودَ، جَاءَ شَمْجَرُ بْنُ عَنَاةَ، وَأَنْقَذَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَتَلَ 600 رَجُلٍ فِلِسْطِيٍّ بِعَصًا تُسْتَخْدَمُ لِقِيَادَةِ الْبَقَرِ. وَبَعْدَمَا مَاتَ إِهُودُ، عَادَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَعْمَلُونَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ. فَبَاعَهُمُ اللهُ إِلَى يَدِ يَابِينَ مَلِكِ كَنْعَانَ الَّذِي كَانَ يَمْلِكُ فِي حَاصُورَ. وَكَانَ قَائِدُ جَيْشِهِ سِسْرَا يُقِيمُ فِي حَرُوشَ جُويِمَ. وَكَانَ عِنْدَهُ 900 مَرْكَبَةٍ مِنَ الْحَدِيدِ، وَهُوَ ضَايَقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ جِدًّا 20 سَنَةً. فَصَرَخُوا إِلَى اللهِ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَتْ دَبُورَةُ النَّبِيَّةُ هِيَ قَاضِيَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَزَوْجُهَا هُوَ لَفِيدُوتُ. وَكَانَتْ تَعْقِدُ الْمَحْكَمَةَ تَحْتَ نَخْلَةِ دَبُورَةَ بَيْنَ الرَّامَةِ وَبَيْتَ إِيلَ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ. وَكَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَأْتُونَ إِلَيْهَا لِتَقْضِيَ لَهُمْ فِي نِزَاعِهِمْ. فَأَرْسَلَتْ وَاسْتَدْعَتْ بَارَاقَ بْنَ أَبِينُوعَمَ مِنْ قَادِشَ نَفْتَالِي، وَقَالَتْ لَهُ: ”الْمَوْلَى إِلَهُ إِسْرَائِيلَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْخُذَ مَعَكَ 10000 رَجُلٍ مِنْ بَنِي نَفْتَالِي وَبَنِي زَبُولُونَ وَتَذْهَبَ وَتَزْحَفَ إِلَى جَبَلِ تَابُورَ. وَهُوَ يَجْذِبُ لَكَ سِسْرَا قَائِدَ جَيْشِ يَابِينَ بِمَرْكَبَاتِهِ وَجُنُودِهِ، إِلَى نَهْرِ قِيشُونَ، وَيَنْصُرُكَ عَلَيْهِ.“ فَقَالَ لَهَا بَارَاقُ: ”إِنْ ذَهَبْتِ مَعِي أَذْهَبْ، وَإِنْ لَمْ تَذْهَبِي مَعِي فَلَا أَذْهَبُ.“ فَقَالَتْ لَهُ: ”أَذْهَبُ مَعَكَ، لَكِنَّكَ لَنْ تَقْدِرَ أَنْ تَفْخَرَ بِمَا سَيَجْرِي، لِأَنَّ اللهَ سَيُوقِعُ سِسْرَا فِي يَدِ امْرَأَةٍ.“ فَقَامَتْ دَبُورَةُ وَذَهَبَتْ مَعَ بَارَاقَ إِلَى قَادِشَ. وَاسْتَدْعَى بَارَاقُ زَبُولُونَ وَنَفْتَالِي، فَجَاءَ إِلَيْهِ فِي قَادِشَ 10000 رَجُلٍ وَكَانَتْ دَبُورَةُ أَيْضًا مَعَهُ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، كَانَ حَابِرُ الْقِينِيُّ مِنْ نَسْلِ حُوبَابَ نَسِيبِ مُوسَى، قَدِ انْفَصَلَ عَنْ بَقِيَّةِ الْقِينِيِّينَ، وَنَصَبَ خِيَامَهُ عِنْدَ شَجَرَةِ بَلُّوطٍ فِي صَعَنَايِمَ بِالْقُرْبِ مِنْ قَادِشَ. وَبَلَغَ سِسْرَا أَنَّ بَارَاقَ بْنَ أَبِينُوعَمَ صَعِدَ إِلَى جَبَلِ تَابُورَ. فَجَمَعَ سِسْرَا كُلَّ مَرْكَبَاتِهِ، وَهِيَ 900 مَرْكَبَةٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَاسْتَدْعَى كُلَّ الشَّعْبِ الَّذِي عِنْدَهُ مِنْ حَرُوشَ جُويِمَ إِلَى نَهْرِ قِيشُونَ. فَقَالَتْ دَبُورَةُ لِبَارَاقَ: ”اِذْهَبْ، لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي نَصَرَكَ اللهُ فِيهِ عَلَى سِسْرَا. الْمَوْلَى ذَاهِبٌ قُدَّامَكَ.“ فَنَزَلَ بَارَاقُ مِنْ جَبَلِ تَابُورَ وَوَرَاءَهُ 10000 رَجُلٍ. فَهَزَمَ اللهُ سِسْرَا وَكُلَّ مَرْكَبَاتِهِ، وَقَتَلَ كُلَّ جَيْشِهِ بِالسَّيْفِ أَمَامَ بَارَاقَ. فَنَزَلَ سِسْرَا مِنْ مَرْكَبَتِهِ وَهَرَبَ عَلَى قَدَمَيْهِ. وَطَارَدَ بَارَاقُ الْمَرْكَبَاتِ وَالْجَيْشَ إِلَى حَرُوشَ جُويِمَ. وَمَاتَ كُلُّ الْجَيْشِ بِالسَّيْفِ، لَمْ يَبْقَ وَلَا وَاحِدٌ. أَمَّا سِسْرَا فَهَرَبَ عَلَى قَدَمَيْهِ إِلَى خَيْمَةِ يَاعِلَ زَوْجَةِ حَابِرَ الْقِينِيِّ، لِأَنَّ الْعَلَاقَاتِ كَانَتْ طَيِّبَةً بَيْنَ يَابِينَ مَلِكِ حَاصُورَ وَبَيْتِ حَابِرَ الْقِينِيِّ. فَخَرَجَتْ يَاعِلُ لِاسْتِقْبَالِ سِسْرَا وَقَالَتْ لَهُ: ”تَعَالَ يَا سَيِّدِي، تَعَالَ عِنْدِي وَلَا تَخَفْ.“ فَدَخَلَ إِلَى خَيْمَتِهَا، وَغَطَّتْهُ بِلِحَافٍ. فَقَالَ لَهَا: ”أَنَا عَطْشَانُ، اِسْقِينِي قَلِيلًا مِنَ الْمَاءِ.“ فَفَتَحَتْ وِعَاءَ اللَّبَنِ وَسَقَتْهُ ثُمَّ غَطَّتْهُ. فَقَالَ لَهَا: ”قِفِي عَلَى بَابِ الْخَيْمَةِ، وَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ وَسَأَلَكِ: ’هَلْ عِنْدَكِ رَجُلٌ هُنَا؟‘ قُولِي: ’لَا.‘“ فَأَخَذَتْ يَاعِلُ زَوْجَةُ حَابِرَ وَتَدَ الْخَيْمَةِ وَالْمِطْرَقَةَ، وَذَهَبَتْ إِلَيْهِ بِهُدُوءٍ، وَكَانَ قَدْ نَامَ نَوْمًا ثَقِيلًا مِنَ التَّعَبِ. وَضَرَبَتِ الْوَتَدَ فِي صُدْغِهِ، فَنَفَذَ إِلَى الْأَرْضِ، فَمَاتَ سِسْرَا. ثُمَّ جَاءَ بَارَاقُ يُطَارِدُهُ، فَخَرَجَتْ يَاعِلُ لِاسْتِقْبَالِهِ وَقَالَتْ لَهُ: ”تَعَالَ، فَأُرِيَكَ الرَّجُلَ الَّذِي تَبْحَثُ عَنْهُ.“ فَدَخَلَ وَرَأَى سِسْرَا عَلَى الْأَرْضِ مَيِّتًا وَالْوَتَدُ فِي صُدْغِهِ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، أَخْضَعَ اللهُ يَابِينَ مَلِكَ كَنْعَانَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. وَأَخَذَتْ سَطْوَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَزِيدُ وَتَشْتَدُّ عَلَى يَابِينَ مَلِكِ كَنْعَانَ، حَتَّى قَضَوْا عَلَيْهِ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، غَنَّتْ دَبُورَةُ وَبَارَاقُ بْنُ أَبِينُوعَمَ هَذِهِ الْأُغْنِيَةَ: ”بَارِكُوا اللهَ مِنْ أَجْلِ قَادَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ قَامُوا بِمَسْئُولِيَّتِهِمْ، وَمِنْ أَجْلِ الشَّعْبِ الَّذِي تَطَوَّعَ. اِسْمَعُوا أَيُّهَا الْمُلُوكُ، وَأَصْغُوا أَيُّهَا الْعُظَمَاءُ! أَنَا أُغَنِّي لِلْمَوْلَى، أَنَا أَعْزِفُ لِلْمَوْلَى إِلَهِ إِسْرَائِيلَ. يَا رَبُّ، لَمَّا خَرَجْتَ مِنْ سَعِيرَ وَلَمَّا تَقَدَّمْتَ مِنْ بِلَادِ أَدُومَ، اِرْتَجَفَتِ الْأَرْضُ وَأَمْطَرَتِ السَّمَاءُ، أَرْسَلَتِ السُّحُبُ مَاءً. تَزَلْزَلَتِ الْجِبَالُ أَمَامَ الْمَوْلَى رَبِّ سِينَاءَ، أَمَامَ الْمَوْلَى رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ”فِي أَيَّامِ شَمْجَرَ بْنِ عَنَاةَ، فِي أَيَّامِ يَاعِلَ، هَجَرَ النَّاسُ الطُّرُقَ، سَارَ الْمُسَافِرُونَ فِي دُرُوبٍ صَغِيرَةٍ. اِنْقَطَعَ الْأَبْطَالُ مِنْ إِسْرَائِيلَ، حَتَّى قُمْتُ أَنَا دَبُورَةُ لِأَكُونَ أُمًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ اخْتَارُوا لَهُمْ آلِهَةً جَدِيدَةً. لِهَذَا حَارَبَنَا الْعَدُوُّ فِي بَوَّابَاتِ مَدِينَتِنَا، وَلَمْ نُشَاهِدْ تُرْسًا أَوْ رُمْحًا مَعَ الْـ40000 مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. قَلْبِي مَعَ قَادَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. إِنَّهُمْ تَطَوَّعُوا عَنْ رِضًى مِنْ بَيْنِ الشَّعْبِ. بَارِكُوا اللهَ. ”اِسْمَعُوا يَا مَنْ تَرْكَبُونَ الْحَمِيرَ الْبَيْضَاءَ وَتَجْلِسُونَ عَلَى سُرُجٍ مُزَيَّنَةٍ، وَأَنْتُمْ يَا مَنْ تَسِيرُونَ فِي الطَّرِيقِ. اِسْمَعُوا صَوْتَ الْمُغَنِّينَ عِنْدَ الْآبَارِ، الَّذِينَ يُخْبِرُونَ بِانْتِصَارَاتِ الْمَوْلَى، وَانْتِصَارَاتِ شَعْبِهِ الْأَبْطَالِ. ثُمَّ نَزَلَ شَعْبُ اللهِ إِلَى بَوَّابَاتِ الْمَدِينَةِ. ”اِسْتَيْقِظِي، اِسْتَيْقِظِي يَا دَبُورَةُ! اِسْتَيْقِظِي، اِسْتَيْقِظِي وَاهْتِفِي بِنَشِيدٍ! قُمْ يَا بَارَاقُ وَخُذْ أَسْرَى كَثِيرِينَ يَا ابْنَ أَبِينُوعَمَ. ثُمَّ نَزَلَ بَقِيَّةُ الْأَبْطَالِ، نَزَلَ شَعْبِي إِلَى الْمَعْرَكَةِ ضِدَّ الْجَبَابِرَةِ. جَاءُوا مِنْ أَفْرَايِمَ إِلَى الْوَادِي، يُنَادُونَ: ’نَحْنُ مَعَكَ يَا بِنْيَمِينُ، نَحْنُ شَعْبُكَ.‘ وَمِنْ مَاكِيرَ نَزَلَ الْقَادَةُ، وَمِنْ زَبُولُونَ مَنْ يَحْمِلُونَ عَصَا الْقِيَادَةِ. جَاءَ رُؤَسَاءُ يَسَّاكَرَ مَعَ دَبُورَةَ. كَانَ يَسَّاكَرُ مُخْلِصًا لِبَارَاقَ، وَانْدَفَعَ وَرَاءَهُ إِلَى الْوَادِي. بَيْنَ بَنِي رَأُوبِينَ وَقَعَ جِدَالٌ عَظِيمٌ! لِمَاذَا قَعَدْتُمْ بَيْنَ الْحَظَائِرِ؟ هَلْ لِتَسْمَعُوا الرُّعَاةَ يُصَفِّرُونَ لِلْغَنَمِ؟ بَيْنَ بَنِي رَأُوبِينَ وَقَعَ جِدَالٌ عَظِيمٌ! جِلْعَادُ بَقِيَ فِي شَرْقِ الْأُرْدُنِّ. دَانُ انْتَظَرَ عِنْدَ السُّفُنِ. أَشِيرُ أَقَامَ عِنْدَ الْبَحْرِ وَارْتَاحَ عِنْدَ شَوَاطِئِهِ. زَبُولُونُ شَعْبٌ خَاطَرَ بِحَيَاتِهِ إِلَى الْمَوْتِ، وَكَذَلِكَ نَفْتَالِي، فِي سَاحَةِ الْقِتَالِ. ”جَاءَ الْمُلُوكُ وَحَارَبُوا، مُلُوكُ كَنْعَانَ حَارَبُوا فِي تَعْنَكَ عِنْدَ مِيَاهِ مَجِدُّو، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَأْخُذُوا فِضَّةً وَلَا غَنِيمَةً! النُّجُومُ مِنْ مَدَارَاتِهَا فِي السَّمَاءِ، حَارَبَتْ سِسْرَا. نَهْرُ قِيشُونَ جَرَفَ الْعَدُوَّ، نَهْرُ قِيشُونَ نَهْرٌ قَدِيمٌ. سِيرِي لِلْأَمَامِ بِشَجَاعَةٍ يَا نَفْسِي! ثُمَّ جَاءَتِ الْخَيْلُ تَقْفِزُ وَتَضْرِبُ الْأَرْضَ بِحَوَافِرِهَا. قَالَ مَلَاكُ اللهِ: ’اِلْعَنُوا مِيرُوزَ، اِلْعَنُوا شَعْبَهَا جِدًّا، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْتُوا لِيُنَاصِرُوا الْمَوْلَى، لِيُنَاصِرُوا الْمَوْلَى عَلَى الْجَبَابِرَةِ!‘ ”مُبَارَكَةٌ يَاعِلُ عَلَى النِّسَاءِ، مُبَارَكَةٌ امْرَأَةُ حَابِرَ الْقِينِيِّ عَلَى النِّسَاءِ السَّاكِنَاتِ فِي الْخِيَامِ. طَلَبَ مَاءً فَأَعْطَتْهُ لَبَنًا، فِي إِنَاءِ الْعُظَمَاءِ قَدَّمَتْ لَهُ زُبْدَةً. مَدَّتْ يَدَهَا إِلَى الْوَتَدِ، وَيَمِينَهَا إِلَى مِطْرَقَةِ الْعُمَّالِ. ضَرَبَتْ سِسْرَا. كَسَّرَتْ رَأْسَهُ. حَطَّمَتْ صُدْغَهُ وَمَزَّقَتْهُ. عِنْدَ قَدَمَيْهَا انْطَرَحَ وَسَقَطَ وَمَاتَ. عِنْدَ قَدَمَيْهَا انْطَرَحَ وَسَقَطَ. حَيْثُ انْطَرَحَ، هُنَاكَ سَقَطَ مَيِّتًا. أَطَلَّتْ أُمُّ سِسْرَا مِنَ النَّافِذَةِ، صَرَخَتْ مِنْ وَرَاءِ الشُّبَّاكِ: ’لِمَاذَا تَأَخَّرَتْ مَرْكَبَتُهُ عَنِ الْمَجِيءِ؟ لِمَاذَا تَأَخَّرَ صَوْتُ عَجَلَاتِ مَرْكَبَاتِهِ؟‘ فَأَجَابَتْهَا أَحْكَمُ نِسَائِهَا، بَلْ هِيَ أَجَابَتْ نَفْسَهَا: ’رُبَّمَا لِأَنَّهُمْ مَا زَالُوا يَقْتَسِمُونَ الْغَنِيمَةَ الَّتِي وَجَدُوهَا، فَتَاةً أَوْ فَتَاتَيْنِ لِكُلِّ رَجُلٍ، غَنِيمَةَ ثِيَابٍ مَصْبُوغَةٍ لِسِسْرَا، وَمِنْدِيلًا مَصْبُوغًا مُطَرَّزًا أَوِ اثْنَيْنِ لِعُنُقِي.‘ مِثْلَهُمْ يَبِيدُ كُلُّ أَعْدَائِكَ يَا رَبُّ، أَمَّا الَّذِينَ يُحِبُّونَكَ فَهُمْ كَالشَّمْسِ الْمُشْرِقَةِ فِي قُوَّتِهَا.“ وَاسْتَرَاحَتِ الْبِلَادُ 40 سَنَةً. وَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ، فَأَوْقَعَهُمُ اللهُ فِي يَدِ مِدْيَانَ 7 سِنِينَ. فَتَسَلَّطَ الْمِدْيَانِيُّونَ عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَلِهَذَا كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَخْتَبِئُونَ فِي كُهُوفٍ فِي الْجِبَالِ وَمَغَارَاتٍ وَحُصُونٍ. وَكَانُوا إِذَا زَرَعُوا، يَأْتِي الْمِدْيَانِيُّونَ وَالْعَمَالِقَةُ وَالْقَبَائِلُ الشَّرْقِيَّةُ وَيَهْجُمُونَ عَلَيْهِمْ، وَيُعَسْكِرُونَ فِي أَرْضِهِمْ، وَيُتْلِفُونَ الزَّرْعَ فِي الْبِلَادِ حَتَّى إِلَى غَزَّةَ، وَلَا يَتْرُكُونَ قُوتًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَا غَنَمًا وَلَا بَقَرًا وَلَا حَمِيرًا. لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْتُونَ بِمَوَاشِيهِمْ وَخِيَامِهِمْ وَيَدْخُلُونَ الْبِلَادَ لِكَيْ يُخْرِبُوهَا. وَكَانُوا كَالْجَرَادِ فِي الْكَثْرَةِ، وَلَيْسَ لَهُمْ وَلَا لِجِمَالِهِمْ عَدَدٌ. فَذَلَّ بَنُو إِسْرَائِيلَ جِدًّا بِسَبَبِ الْمِدْيَانِيِّينَ. فَصَرَخُوا إِلَى اللهِ. فَلَمَّا صَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى اللهِ بِسَبَبِ الْمِدْيَانِيِّينَ، أَرْسَلَ لَهُمْ نَبِيًّا قَالَ لَهُمْ: ”هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى: ’أَنَا أَخْرَجْتُكُمْ مِنْ مِصْرَ، مِنْ سِجْنِ الْعُبُودِيَّةِ. وَأَنْقَذْتُكُمْ مِنْ يَدِ الْمِصْرِيِّينَ، وَمِنْ يَدِ كُلِّ الَّذِينَ ضَايَقُوكُمْ، وَطَرَدْتُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ، وَأَعْطَيْتُكُمْ أَرْضَهُمْ. وَقُلْتُ لَكُمْ: ”أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ. لَا تَعْبُدُوا آلِهَةَ الْأَمُورِيِّينَ الَّذِينَ تُقِيمُونَ فِي أَرْضِهِمْ. وَلَكِنَّكُمْ لَمْ تَسْمَعُوا كَلَامِي.“‘“ وَجَاءَ مَلَاكُ اللهِ وَجَلَسَ تَحْتَ شَجَرَةِ الْبَلُّوطِ الَّتِي فِي عَفْرَةَ، وَهِيَ لِيُوآشَ الْأَبِيعَزَرِيِّ. وَكَانَ ابْنُهُ جِدْعُونُ يَدْرُسُ قَمْحًا فِي مَعْصَرَةِ الْخَمْرِ لِكَيْ يُهَرِّبَهُ مِنَ الْمِدْيَانِيِّينَ. فَظَهَرَ لَهُ مَلَاكُ اللهِ وَقَالَ لَهُ: ”اللهُ مَعَكَ، أَيُّهَا الْمُحَارِبُ الْبَاسِلُ!“ فَقَالَ لَهُ جِدْعُونُ: ”مِنْ فَضْلِكَ يَا سَيِّدِي! لَوْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَلِمَاذَا جَرَى لَنَا كُلُّ هَذَا؟ وَأَيْنَ هِيَ كُلُّ عَجَائِبِهِ الَّتِي أَخْبَرَنَا بِهَا آبَاؤُنَا لَمَّا قَالُوا لَنَا إِنَّ اللهَ أَخْرَجَنَا مِنْ مِصْرَ؟ بَلِ اللهُ تَرَكَنَا، وَوَضَعَنَا فِي قَبْضَةِ مِدْيَانَ.“ فَالْتَفَتَ الْمَوْلَى إِلَيْهِ وَقَالَ: ”اِذْهَبْ بِقُوَّتِكَ، وَأَنْقِذْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ قَبْضَةِ مِدْيَانَ. أَنَا أَرْسَلْتُكَ.“ فَقَالَ جِدْعُونُ: ”يَا سَيِّدِي! كَيْفَ أُنْقِذُ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ عَشِيرَتِي هِيَ أَقَلُّ عَشَائِرِ مَنَسَّى شَأْنًا، وَأَنَا أَصْغَرُ وَاحِدٍ فِي عَائِلَتِي!“ فَقَالَ الْمَوْلَى لَهُ: ”أَنَا أَكُونُ مَعَكَ. وَسَتَضْرِبُ الْمِدْيَانِيِّينَ كَأَنَّهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ.“ فَقَالَ جِدْعُونُ: ”إِنْ كُنْتَ قَدْ رَضِيتَ عَنِّي، فَأَعْطِنِي عَلَامَةً أَنَّكَ أَنْتَ الَّذِي تُكَلِّمُنِي. أَرْجُوكَ أَنْ لَا تَذْهَبَ مِنْ هُنَا حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ، وَمَعِي قُرْبَانِي وَأَضَعَهُ أَمَامَكَ.“ فَقَالَ: ”سَأَنْتَظِرُ حَتَّى تَرْجِعَ.“ وَدَخَلَ جِدْعُونُ وَأَعَدَّ جَدْيًا مِنَ الْمَعْزِ، وَ20 كِيلُوجْرَامًا مِنْ دَقِيقٍ عَمِلَهَا فَطِيرًا. وَوَضَعَ اللَّحْمَ فِي سَلٍّ، وَالْمَرَقَ فِي قِدْرٍ، وَخَرَجَ بِهَا إِلَيْهِ تَحْتَ شَجَرَةِ الْبَلُّوطِ وَقَدَّمَهَا لَهُ. فَقَالَ لَهُ مَلَاكُ اللهِ: ”خُذِ اللَّحْمَ وَالْفَطِيرَ وَضَعْهُمَا عَلَى هَذِهِ الصَّخْرَةِ، وَصُبَّ الْمَرَقَ.“ فَفَعَلَ هَذَا. فَمَدَّ مَلَاكُ اللهِ طَرَفَ الْعَصَا الَّتِي بِيَدِهِ وَمَسَّ اللَّحْمَ وَالْفَطِيرَ، فَخَرَجَتْ نَارٌ مِنَ الصَّخْرَةِ وَأَكَلَتِ اللَّحْمَ وَالْفَطِيرَ. وَاخْتَفَى مَلَاكُ اللهِ. فَعَلِمَ جِدْعُونُ أَنَّهُ مَلَاكُ اللهِ فَصَرَخَ: ”آهِ يَا رَبِّي وَإِلَهِي! إِنِّي رَأَيْتُ مَلَاكَ اللهِ وَجْهًا لِوَجْهٍ!“ فَقَالَ اللهُ لَهُ: ”سَلَامٌ! لَا تَخَفْ، لَنْ تَمُوتَ.“ فَبَنَى جِدْعُونُ هُنَاكَ مَنَصَّةً لِعِبَادَةِ الْمَوْلَى وَدَعَاهَا: 'الْمَوْلَى هُوَ سَلَامٌ.' وَهِيَ مَا زَالَتْ فِي عَفْرَةَ الْأَبِيعَزَرِيِّينَ إِلَى الْيَوْمِ. وَفِي نَفْسِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ قَالَ اللهُ لَهُ: ”خُذْ ثَوْرَ أَبِيكَ الَّذِي عُمْرُهُ 7 سِنِينَ، وَاهْدِمْ مَنَصَّةَ عِبَادَةِ الْبَعْلِ الَّتِي لِأَبِيكَ، وَحَطِّمِ الْعَمُودَ الَّذِي بِجِوَارِهَا الَّذِي يَعْبُدُونَهُ. وَابْنِ لِلْمَوْلَى إِلَهِكَ مَنَصَّةً مُنَاسِبَةً عَلَى قِمَّةِ هَذِهِ الْمُرْتَفَعَةِ، وَخُذِ الثَّوْرَ وَقَدِّمْهُ قُرْبَانًا يُحْرَقُ عَلَى خَشَبِ الْعَمُودِ الَّذِي تُحَطِّمُهُ.“ فَأَخَذَ جِدْعُونُ 10 مِنْ عَبِيدِهِ، وَعَمِلَ كَمَا قَالَ اللهُ لَهُ. وَلَكِنَّهُ خَافَ أَنْ يَعْمَلَ ذَلِكَ فِي النَّهَارِ، بِسَبَبِ عَائِلَتِهِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَعَمِلَهُ فِي اللَّيْلِ. وَلَمَّا قَامَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي الصُّبْحِ، وَجَدُوا مَنَصَّةَ الْبَعْلِ مَهْدُومَةً، وَالْعَمُودَ الَّذِي بِجِوَارِهَا مُحَطَّمًا، وَرَأَوْا الثَّوْرَ الَّذِي قُدِّمَ عَلَى الْمَنَصَّةِ الْجَدِيدَةِ. فَسَأَلُوا بَعْضُهُمْ بَعْضًا: ”مَنْ فَعَلَ هَذَا؟“ وَبَعْدَ بَحْثٍ وَاسْتِفْسَارٍ، عَرَفُوا أَنَّ جِدْعُونَ بْنَ يُوآشَ هُوَ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ. فَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لِيُوآشَ: ”هَاتِ ابْنَكَ لِنَقْتُلَهُ لِأَنَّهُ هَدَمَ مَنَصَّةَ الْبَعْلِ وَحَطَّمَ الْعَمُودَ الَّذِي بِجِوَارِهَا.“ فَقَالَ يُوآشُ لِلْجُمْهُورِ الثَّائِرِ عَلَيْهِ: ”هَلْ تُدَافِعُونَ عَنِ الْبَعْلِ؟ هَلْ تُحَاوِلُونَ إِنْقَاذَهُ؟ مَنْ يُدَافِعُ عَنْهُ يُقْتَلُ هَذَا الصَّبَاحَ! إِنْ كَانَ الْبَعْلُ إِلَهًا، فَهُوَ يُدَافِعُ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّ مَنَصَّتَهُ هُدِمَتْ.“ وَمُنْذُ ذَلِكَ الْيَوْمِ دَعَوْا جِدْعُونَ: 'يَرْبَعْلَ.' وَمَعْنَاهُ: 'يَنْتَقِمُ مِنْهُ الْبَعْلُ.' لِأَنَّهُ هَدَمَ مَنَصَّتَهُ. وَجَمَعَ كُلُّ الْمِدْيَانِيِّينَ وَالْعَمَالِقَةِ وَالْقَبَائِلِ الشَّرْقِيَّةِ قُوَّاتِهِمْ مَعًا، وَعَبَرُوا الْأُرْدُنَّ، وَخَيَّمُوا فِي وَادِي يَزْرَعِيلَ. وَحَلَّ رُوحُ اللهِ عَلَى جِدْعُونَ، فَنَفَخَ فِي الْبُوقِ، فَخَرَجَ أَهْلُ أَبِيعَزَرَ وَتَبِعُوهُ. وَأَرْسَلَ رُسُلًا إِلَى كُلِّ مَنَسَّى فَجَاءُوا هُمْ أَيْضًا وَتَبِعُوهُ. وَأَرْسَلَ أَيْضًا إِلَى أَشِيرَ وَزَبُولُونَ وَنَفْتَالِي، فَجَاءُوا وَانْضَمُّوا إِلَيْهِ. وَقَالَ جِدْعُونُ للهِ: ”إِنْ كُنْتَ فِعْلًا سَتُنْقِذُ إِسْرَائِيلَ عَلَى يَدِي كَمَا وَعَدْتَ، فَهَا أَنَا أَضَعُ جَزَّةَ صُوفٍ عَلَى الْبَيْدَرِ. فَإِنْ نَزَلَ النَّدَى عَلَى الْجَزَّةِ وَحْدَهَا، وَكَانَتْ كُلُّ الْأَرْضِ حَوْلَهَا يَابِسَةً، أَعْلَمُ أَنَّكَ فِعْلًا سَتُنْقِذُ إِسْرَائِيلَ عَلَى يَدِي كَمَا وَعَدْتَ.“ وَحَدَثَ هَذَا. وَقَامَ جِدْعُونُ فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، وَعَصَرَ الْجَزَّةَ فَخَرَجَ مِنْهَا مِلْءُ طَبَقٍ مِنَ الْمَاءِ. فَقَالَ جِدْعُونُ للهِ: ”لَا تَغْضَبْ عَلَيَّ. اِسْمَحْ لِي بِأَنْ أَطْلُبَ شَيْئًا آخَرَ وَفَقَطْ. إِنِّي أَرْغَبُ فِي أَنْ أَتَأَكَّدَ مِنْ هَذَا مَرَّةً أُخْرَى فَقَطْ عَنْ طَرِيقِ الْجَزَّةِ. لِتَكُنِ الْجَزَّةُ يَابِسَةً وَكُلُّ الْأَرْضِ حَوْلَهَا عَلَيْهَا نَدًى.“ فَفَعَلَ الْمَوْلَى ذَلِكَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ. فَكَانَتِ الْجَزَّةُ وَحْدَهَا يَابِسَةً، وَكُلُّ الْأَرْضِ حَوْلَهَا عَلَيْهَا نَدًى. وَفِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، خَيَّمَ يَرْبَعْلُ، أَيْ جِدْعُونُ، وَكُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي مَعَهُ عِنْدَ عَيْنَ حَرُودَ. وَكَانَ مُخَيَّمُ الْمِدْيَانِيِّينَ شَمَالَهُمْ فِي الْوَادِي عِنْدَ تَلِّ مُورَةَ. وَقَالَ الْمَوْلَى لِجِدْعُونَ: ”الشَّعْبُ الَّذِي مَعَكَ أَكْثَرُ مِمَّا أَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِأَهْزِمَ الْمِدْيَانِيِّينَ عَلَى يَدِهِمْ، لِئَلَّا يَفْتَخِرَ عَلَيَّ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَيَقُولُوا: ’قُوَّتُنَا أَنْقَذَتْنَا!‘ لِذَلِكَ أَعْلِنْ لِلشَّعْبِ أَنَّ أَيَّ وَاحِدٍ خَائِفٍ أَوْ مُنْزَعِجٍ، يَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ جَبَلِ جِلْعَادَ.“ فَرَجَعَ مِنَ الشَّعْبِ 22000، وَبَقِيَ 10000. وَقَالَ اللهُ لِجِدْعُونَ: ”مَا زَالَ الشَّعْبُ كَثِيرًا. خُذْهُمْ إِلَى الْمَاءِ، وَأَنَا أَفْصِلُهُمْ لَكَ هُنَاكَ. فَالَّذِي أَقُولُ لَكَ عَنْهُ أَنْ يَذْهَبَ مَعَكَ، فَهُوَ يَذْهَبُ. وَالَّذِي أَقُولُ لَكَ عَنْهُ أَنْ لَا يَذْهَبَ مَعَكَ، فَهُوَ لَا يَذْهَبُ.“ فَأَخَذَ جِدْعُونُ الشَّعْبَ إِلَى الْمَاءِ. وَقَالَ الْمَوْلَى لِجِدْعُونَ: ”كُلُّ مَنْ يَلْعَقُ مِنَ الْمَاءِ بِلِسَانِهِ كَمَا يَفْعَلُ الْكَلْبُ، أَوْقِفْهُ فِي نَاحِيَةٍ. وَكُلُّ مَنْ يَرْكَعُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لِيَشْرَبَ، أَوْقِفْهُ فِي نَاحِيَةٍ أُخْرَى.“ وَكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ غَرَفُوا الْمَاءَ بِيَدِهِمْ وَلَعَقُوهُ بِفَمِهِمْ 300 رَجُلٍ. أَمَّا بَاقِي كُلِّ الشَّعْبِ، فَرَكَعُوا عَلَى رُكَبِهِمْ لِيَشْرَبُوا. فَقَالَ الْمَوْلَى لِجِدْعُونَ: ”بِالـ300 رَجُلٍ الَّذِينَ لَعَقُوا الْمَاءَ، أُنْقِذُكُمْ وَأَنْصُرُكَ عَلَى الْمِدْيَانِيِّينَ. أَمَّا بَاقِي الشَّعْبِ، فَلْيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى دَارِهِ.“ فَتَرَكُوا مَؤُونَتَهُمْ وَأَبْوَاقَهُمْ لِلـ300، وَرَجَعُوا إِلَى دِيَارِهِمْ. وَاحْتَفَظَ جِدْعُونُ فَقَطْ بِالـ300 رَجُلٍ. وَكَانَ مُخَيَّمُ مِدْيَانَ تَحْتَهُ فِي الْوَادِي. وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، قَالَ الْمَوْلَى لِجِدْعُونَ: ”قُمْ وَاهْجُمْ عَلَى مُخَيَّمِ مِدْيَانَ لِأَنِّي أَوْقَعْتُهُمْ فِي يَدِكَ. وَإِنْ كُنْتَ تَخَافُ أَنْ تَهْجُمَ، تَسَلَّلْ إِلَيْهِمْ أَنْتَ وَفُورَةُ خَادِمُكَ، وَاسْمَعْ مَا يَقُولُونَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ تَتَشَجَّعُ وَتَهْجُمُ عَلَيْهِمْ.“ فَتَسَلَّلَ هُوَ وَفُورَةُ خَادِمُهُ بِالْقُرْبِ مِنَ الْجُنُودِ الَّذِينَ فِي طَرَفِ الْمُخَيَّمِ. وَكَانَ الْمِدْيَانِيُّونَ وَالْعَمَالِقَةُ وَكُلُّ الْقَبَائِلِ الشَّرْقِيَّةِ، حَالِّينَ فِي الْوَادِي كَالْجَرَادِ فِي الْكَثْرَةِ، وَجِمَالُهُمْ لَا عَدَدَ لَهَا كَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ فِي الْكَثْرَةِ. وَوَصَلَ جِدْعُونُ بَيْنَمَا كَانَ وَاحِدٌ يُخْبِرُ صَاحِبَهُ بِحُلْمٍ وَيَقُولُ: ”رَأَيْتُ فِي حُلْمٍ رَغِيفَ خُبْزِ شَعِيرٍ يَتَدَحْرَجُ إِلَى مُخَيَّمِ الْمِدْيَانِيِّينَ، وَوَصَلَ إِلَى خَيْمَةٍ وَضَرَبَهَا فَسَقَطَتْ وَانْقَلَبَتْ.“ فَقَالَ صَاحِبُهُ: ”هَذَا سَيْفُ جِدْعُونَ بْنِ يُوآشَ قَائِدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. قَدْ نَصَرَهُ اللهُ عَلَى بَنِي مِدْيَانَ وَعَلَى كُلِّ الْجَيْشِ.“ فَلَمَّا سَمِعَ جِدْعُونُ الْحُلْمَ وَتَفْسِيرَهُ، تَعَبَّدَ للهِ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُخَيَّمِ إِسْرَائِيلَ، وَقَالَ: ”قُومُوا، لِأَنَّ اللهَ نَصَرَكُمْ عَلَى جَيْشِ الْمِدْيَانِيِّينَ.“ وَقَسَمَ الـ300 رَجُلٍ إِلَى 3 فِرَقٍ، وَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بُوقًا فِي يَدِهِ، وَجَرَّةً فَارِغَةً فِي وَسَطِهَا مِصْبَاحٌ. وَقَالَ لَهُمْ: ”اُنْظُرُوا إِلَيَّ وَافْعَلُوا مِثْلِي. أَنَا ذَاهِبٌ إِلَى طَرَفِ الْمُخَيَّمِ، فَافْعَلُوا تَمَامًا كَمَا أَفْعَلُ. فَمَتَى نَفَخْتُ فِي الْبُوقِ أَنَا وَكُلُّ مَنْ مَعِي، اُنْفُخُوا أَنْتُمْ أَيْضًا فِي الْأَبْوَاقِ حَوْلَ الْمُخَيَّمِ كُلِّهِ وَقُولُوا: ’لِلْمَوْلَى وَلِجِدْعُونَ.‘“ فَذَهَبَ جِدْعُونُ وَالْـ100 رَجُلٍ الَّذِينَ مَعَهُ إِلَى طَرَفِ الْمُخَيَّمِ، فِي مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ، بَعْدَ تَغْيِيرِ نَوْبَةِ الْحِرَاسَةِ. وَنَفَخُوا فِي الْأَبْوَاقِ، وَكَسَّرُوا الْجِرَارَ الَّتِي فِي أَيْدِيهِمْ. فَنَفَخَتِ الْفِرَقُ الـ3 فِي الْأَبْوَاقِ، وَكَسَّرُوا الْجِرَارَ، وَأَمْسَكُوا الْمَصَابِيحَ بِأَيْدِيهِمِ الْيُسْرَى، وَالْأَبْوَاقَ بِأَيْدِيهِمِ الْيُمْنَى لِيَنْفُخُوا فِيهَا، وَصَرَخُوا: ”سَيْفٌ لِلْمَوْلَى وَلِجِدْعُونَ.“ وَوَقَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَابِتًا فِي مَكَانِهِ حَوْلَ الْمُخَيَّمِ. فَجَرَى كُلُّ الْمِدْيَانِيِّينَ وَصَرَخُوا وَهَرَبُوا. وَحِينَ نَفَخَ الـ300 فِي الْأَبْوَاقِ، جَعَلَ الْمَوْلَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَعْدَاءِ يَطْعَنُ زَمِيلَهُ بِالسَّيْفِ فِي كُلِّ الْمُخَيَّمِ. وَهَرَبَ الْجَيْشُ إِلَى بَيْتَ شِطَّةَ بِاتِّجَاهِ صَرَدَةَ حَتَّى وَصَلُوا حُدُودَ آبَلَ مَحُولَةَ بِالْقُرْبِ مِنْ طَبَاةَ. وَاسْتَدْعَى جِدْعُونُ رِجَالَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ نَفْتَالِي وَأَشِيرَ وَكُلِّ مَنَسَّى وَطَارَدُوا الْمِدْيَانِيِّينَ. وَأَرْسَلَ جِدْعُونُ رُسُلًا إِلَى كُلِّ جَبَلِ أَفْرَايِمَ يَقُولُ: ”اِنْزِلُوا وَحَارِبُوا الْمِدْيَانِيِّينَ، وَخُذُوا أَمَاكِنَ عُبُورِ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ حَتَّى بَيْتَ بَارَةَ، لِكَيْ لَا يَعْبُرُوا.“ فَجَاءَ كُلُّ رِجَالِ أَفْرَايِمَ، وَأَخَذُوا أَمَاكِنَ عُبُورِ الْأُرْدُنِّ حَتَّى بَيْتَ بَارَةَ. وَأَسَرُوا اثْنَيْنِ مِنْ قَادَةِ الْمِدْيَانِيِّينَ، هُمَا غُرَابٌ وَذِئْبٌ. وَقَتَلُوا غُرَابًا عَلَى صَخْرَةِ غُرَابٍ، وَقَتَلُوا ذِئْبًا فِي مَعْصَرَةِ ذِئْبٍ. وَطَارَدُوا الْمِدْيَانِيِّينَ، ثُمَّ جَاءُوا بِرَأْسَيْ غُرَابٍ وَذِئْبٍ إِلَى جِدْعُونَ فِي شَرْقِ الْأُرْدُنِّ. وَقَالَ بَنُو أَفْرَايِمَ لِجِدْعُونَ: ”لِمَاذَا عَامَلْتَنَا بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ؟ لِمَاذَا لَمْ تَسْتَدْعِنَا لَمَّا ذَهَبْتَ لِتُحَارِبَ الْمِدْيَانِيِّينَ؟“ وَخَاصَمُوهُ خِصَامًا شَدِيدًا. فَقَالَ لَهُمْ: ”مَا عَمِلْتُهُ أَنَا هُوَ لَا شَيْءَ بِالْمُقَارَنَةِ مَعَ مَا عَمِلْتُمُوهُ أَنْتُمْ! إِنَّ الْقَلِيلَ الَّذِي قُمْتُمْ بِهِ أَنْتُمْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ مَا قَامَتْ بِهِ عَشِيرَتِي. فَقَدْ أَوْقَعَ اللهُ فِي يَدِكُمْ قَائِدَيِ الْمِدْيَانِيِّينَ غُرَابًا وَذِئْبًا. فَمَاذَا قَدَرْتُ أَنْ أَفْعَلَ بِالْمُقَارَنَةِ مَعَ هَذَا؟“ فَلَمَّا سَمِعُوا هَذَا الْكَلَامَ، هَدَأَ غَضَبُهُمْ. وَوَصَلَ جِدْعُونُ إِلَى الْأُرْدُنِّ وَعَبَرَهُ هُوَ وَالـ300 رَجُلٍ الَّذِينَ مَعَهُ. وَمَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا تَعْبَانِينَ، أَخَذُوا يُطَارِدُونَ الْأَعْدَاءَ. فَقَالَ جِدْعُونُ لِأَهْلِ سُكُّوتَ: ”أَعْطُوا رِجَالِي طَعَامًا لِأَنَّهُمْ تَعِبُوا، وَأَنَا مَا زِلْتُ أُطَارِدُ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ مَلِكَيْ مِدْيَانَ.“ فَقَالَ قَادَةُ سُكُّوتَ: ”لِمَاذَا نُعْطِي جُنُودَكَ طَعَامًا، بَيْنَمَا لَمْ يَقَعْ زَبَحُ وَصَلْمُنَّاعُ فِي قَبْضَتِكَ حَتَّى الْآنَ؟“ فَقَالَ جِدْعُونُ: ”حَسَنًا، عِنْدَمَا يُوقِعُ اللهُ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ فِي يَدِي، أُمَزِّقُ لَحْمَكُمْ بِأَشْوَاكِ الصَّحْرَاءِ وَالْعُلَّيْقِ.“ وَذَهَبَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى فَنُوئِيلَ، وَطَلَبَ مِنْ أَهْلِهَا نَفْسَ الشَّيْءِ. فَأَجَابُوهُ كَمَا أَجَابَهُ أَهْلُ سُكُّوتَ. فَقَالَ لِأَهْلِ فَنُوئِيلَ: ”عِنْدَمَا أَرْجِعُ مُنْتَصِرًا، سَأَهْدِمُ هَذَا الْبُرْجَ.“ وَكَانَ زَبَحُ وَصَلْمُنَّاعُ فِي قَرْقَرَ، وَمَعَهُمَا جَيْشُهُمَا حَوَالَيْ 15000 رَجُلٍ، وَهُمْ كُلُّ الَّذِينَ بَقَوْا مِنْ جَمِيعِ جَيْشِ الْقَبَائِلِ الشَّرْقِيَّةِ، بَعْدَ أَنْ سَقَطَ مِنْهُمْ 120000 مُسَلَّحِينَ بِالسُّيُوفِ. وَذَهَبَ جِدْعُونُ فِي طَرِيقِ سُكَّانِ الْخِيَامِ، شَرْقَ نُوبَحَ وَيُجْبَهَةَ، وَهَجَمَ عَلَى جَيْشِ الْمِدْيَانِيِّينَ وَهُمْ غَيْرُ مُتَوَقِّعِينَ ذَلِكَ. فَهَرَبَ زَبَحُ وَصَلْمُنَّاعُ مَلِكَا مِدْيَانَ. فَطَارَدَهُمَا وَقَبَضَ عَلَيْهِمَا وَهَزَمَ كُلَّ الْجَيْشِ. ثُمَّ رَجَعَ جِدْعُونُ بْنُ يُوآشَ مِنَ الْحَرْبِ عَنْ طَرِيقِ مَمَرِّ حَارَسَ. وَقَبَضَ عَلَى شَابٍّ مِنْ أَهْلِ سُكُّوتَ، وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ أَسْمَاءَ قَادَةِ سُكُّوتَ وَشُيُوخِهَا، فَكَتَبَ لَهُ 77 اسْمًا. ثُمَّ ذَهَبَ جِدْعُونُ إِلَى أَهْلِ سُكُّوتَ، وَقَالَ لَهُمْ: ”هَذَانِ زَبَحُ وَصَلْمُنَّاعُ اللَّذَانِ عَيَّرْتُمُونِي بِهِمَا وَقُلْتُمْ: ’لِمَاذَا نُعْطِي رِجَالَكَ التَّعْبَانِينَ طَعَامًا، بَيْنَمَا لَمْ يَقَعْ زَبَحُ وَصَلْمُنَّاعُ فِي قَبْضَتِكَ حَتَّى الْآنَ؟‘“ وَعَلَّمَ أَهْلَ سُكُّوتَ دَرْسًا، بِأَنْ قَبَضَ عَلَى شُيُوخِ الْمَدِينَةِ وَعَاقَبَهُمْ بِأَشْوَاكِ الصَّحْرَاءِ وَالْعُلَّيْقِ. ثُمَّ هَدَمَ بُرْجَ فَنُوئِيلَ وَقَتَلَ رِجَالَ الْمَدِينَةِ. ثُمَّ قَالَ جِدْعُونُ لِزَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ: ”مَا هُوَ شَكْلُ الرِّجَالِ الَّذِينَ قَتَلْتُمَاهُمْ فِي تَابُورَ؟“ فَقَالَا: ”إِنَّهُمْ يُشْبِهُونَكَ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِثْلُ ابْنِ مَلِكٍ.“ فَقَالَ: ”هُمْ إِخْوَتِي، أَوْلَادُ أُمِّي! أُقْسِمُ بِاللهِ، لَوْ كُنْتُمَا أَبْقَيْتُمَاهُمْ، لَكُنْتُ أَنَا أَيْضًا لَا أَقْتُلُكُمَا.“ ثُمَّ قَالَ لِيَثَرَ بِكْرِهِ: ”قُمِ اقْتُلْهُمَا.“ فَخَافَ الشَّابُّ وَلَمْ يَسْتَلَّ سَيْفَهُ لِأَنَّهُ كَانَ غُلَامًا. فَقَالَ زَبَحُ وَصَلْمُنَّاعُ: ”قُمْ أَنْتَ وَاقْتُلْنَا إِنْ كُنْتَ رَجُلًا قَوِيًّا!“ فَقَامَ جِدْعُونُ وَقَتَلَ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ وَأَخَذَ الْحُلِيَّ الَّتِي فِي أَعْنَاقِ جِمَالِهِمَا. وَقَالَ رِجَالُ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِجِدْعُونَ: ”كُنْ حَاكِمًا عَلَيْنَا، أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنُ ابْنِكَ لِأَنَّكَ أَنْقَذْتَنَا مِنْ يَدِ مِدْيَانَ.“ فَقَالَ لَهُمْ جِدْعُونُ: ”لَا أَكُونُ حَاكِمًا عَلَيْكُمْ، وَلَا ابْنِي. إِنَّمَا اللهُ هُوَ الْحَاكِمُ عَلَيْكُمْ.“ ثُمَّ قَالَ جِدْعُونُ لَهُمْ: ”لَكِنِّي أَطْلُبُ مِنْكُمْ شَيْئًا وَاحِدًا، أَنْ يُعْطِيَنِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ قُرْطًا مِنَ الْغَنِيمَةِ الَّتِي أَخَذَهَا.“ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِسْمَاعِيلِيِّينَ وَمِنْ عَادَتِهِمْ أَنْ يَلْبَسُوا أَقْرَاطًا مِنَ الذَّهَبِ. فَقَالُوا: ”بِكُلِّ سُرُورٍ.“ وَفَرَشُوا رِدَاءً وَأَلْقَى عَلَيْهِ كُلُّ وَاحِدٍ قُرْطًا مِنْ غَنِيمَتِهِ. فَكَانَ وَزْنُ أَقْرَاطِ الذَّهَبِ الَّتِي طَلَبَهَا حَوَالَيْ 20 كِيلُوجْرَامًا، مَا عَدَا الْحُلِيَّ وَالْقَلَائِدَ وَالْمَلَابِسَ الْبَنَفْسَجِيَّةَ الَّتِي كَانَ يَلْبَسُهَا مُلُوكُ مِدْيَانَ، وَالزِّينَةَ الَّتِي فِي أَعْنَاقِ جِمَالِهِمْ. فَصَنَعَ جِدْعُونُ مِنَ الذَّهَبِ صُدْرَةً مُقَدَّسَةً وَوَضَعَهَا فِي مَدِينَتِهِ عَفْرَةَ. وَلَكِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَبَدُوا الصُّدْرَةَ وَخَانُوا اللهَ، فَأَصْبَحَتْ فَخًّا لِجِدْعُونَ وَعَائِلَتِهِ. وَخَضَعَ مِدْيَانُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ أَنْ يَرْفَعُوا رَأْسَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ. وَاسْتَرَاحَتِ الْبِلَادُ 40 سَنَةً فِي أَيَّامِ جِدْعُونَ. وَرَجَعَ يَرْبَعْلُ بْنُ يُوآشَ وَأَقَامَ فِي دَارِهِ. وَكَانَ عِنْدَهُ 70 ابْنًا مِنْ صُلْبِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ مِزْوَاجًا. وَجَارِيَتُهُ الَّتِي فِي شَكِيمَ، هِيَ أَيْضًا وَلَدَتْ لَهُ ابْنًا وَسَمَّاهُ أَبِيمَلِكَ. وَمَاتَ جِدْعُونُ بْنُ يُوآشَ بَعْدَ عُمْرٍ طَوِيلٍ صَالِحٍ، وَدَفَنُوهُ فِي قَبْرِ يُوآشَ أَبِيهِ فِي عَفْرَةَ الَّتِي لِأَبِيعَزَرَ. وَلَمَّا مَاتَ جِدْعُونُ، رَجَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَخَانُوا اللهَ وَتَبِعُوا الْبَعْلَ، وَاتَّخَذُوا بَعْلَ بَرِيتَ إِلَهًا لَهُمْ. وَنَسُوا الْمَوْلَى إِلَهَهُمُ الَّذِي أَنْقَذَهُمْ مِنْ أَيْدِي كُلِّ أَعْدَائِهِمِ الَّذِينَ حَوْلَهُمْ. وَلَمْ يُعَامِلُوا أَهْلَ يَرْبَعْلَ أَيْ جِدْعُونَ بِالْمَعْرُوفِ، مَعَ أَنَّهُ صَنَعَ خَيْرًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. وَذَهَبَ أَبِيمَلِكُ بْنُ يَرْبَعْلَ إِلَى أَخْوَالِهِ فِي شَكِيمَ، وَقَالَ لَهُمْ وَلِكُلِّ أَهْلِ أُمِّهِ: ”اِسْأَلُوا كُلَّ شَعْبِ شَكِيمَ، إِنْ كَانَ أَحْسَنَ لَهُمْ أَنْ يَتَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ 70 رَجُلًا، أَيْ كُلُّ بَنِي يَرْبَعْلَ، أَمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَقَطْ. وَاذْكُرُوا أَنِّي أَنَا مِنْ لَحْمِكُمْ وَدَمِكُمْ.“ فَقَالَ أَخْوَالُهُ كُلَّ هَذَا الْكَلَامِ لِشَعْبِ شَكِيمَ. فَمَالَ قَلْبُهُمْ إِلَى أَبِيمَلِكَ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا: ”هُوَ قَرِيبُنَا.“ وَأَعْطَوْهُ 70 عُمْلَةً مِنَ الْفِضَّةِ مِنْ مَعْبَدِ بَعْلَ بَرِيتَ، فَاسْتَأْجَرَ بِهَا أَبِيمَلِكُ رِجَالًا طَائِشِينَ أَشْقِيَاءَ فَصَارُوا أَتْبَاعَهُ. ثُمَّ جَاءَ إِلَى دَارِ أَبِيهِ فِي عَفْرَةَ، وَقَتَلَ إِخْوَتَهُ الـ70 بَنِي يَرْبَعْلَ، عَلَى حَجَرٍ وَاحِدٍ، إِلَّا يُوتَامَ أَصْغَرَ بَنِي يَرْبَعْلَ، فَقَدِ اخْتَبَأَ وَنَجَا. وَاجْتَمَعَ كُلُّ شَعْبِ شَكِيمَ وَبَيْتَ مَلُّو، وَذَهَبُوا وَتَوَّجُوا أَبِيمَلِكَ مَلِكًا عِنْدَ الْبَلُّوطَةِ الَّتِي بِجِوَارِ النَّصَبِ الَّذِي فِي شَكِيمَ. فَلَمَّا سَمِعَ يُوتَامُ بِذَلِكَ، ذَهَبَ إِلَى جَبَلِ جَرْزِيمَ وَوَقَفَ عَلَى قِمَّتِهِ. وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَالٍ وَقَالَ لَهُمْ: ”اِسْمَعُونِي يَا شَعْبَ شَكِيمَ، يَسْمَعْكُمُ اللهُ. ذَاتَ مَرَّةٍ ذَهَبَتِ الْأَشْجَارُ لِتَمْسَحَ عَلَيْهَا مَلِكًا. فَقَالَتْ لِلزَّيْتُونَةِ: ’اِمْلِكِي عَلَيْنَا.‘ فَقَالَتْ لَهَا الزَّيْتُونَةُ: ’هَلْ أَتَخَلَّى عَنْ زَيْتِيَ الَّذِي بِهِ يُكْرِمُونَ اللهَ وَالنَّاسَ، لِكَيْ أَمْلِكَ عَلَى الْأَشْجَارِ؟‘ فَقَالَتِ الْأَشْجَارُ لِلتِّينَةِ: ’تَعَالَيْ أَنْتِ وَامْلِكِي عَلَيْنَا.‘ فَقَالَتْ لَهَا التِّينَةُ: ’هَلْ أَتَخَلَّى عَنْ ثِمَارِيَ الطَّيِّبَةِ الْحُلْوَةِ، لِكَيْ أَمْلِكَ عَلَى الْأَشْجَارِ؟‘ فَقَالَتِ الْأَشْجَارُ لِشَجَرَةِ الْعِنَبِ: ’تَعَالَيْ أَنْتِ وَامْلِكِي عَلَيْنَا.‘ فَقَالَتْ لَهَا شَجَرَةُ الْعِنَبِ: ’هَلْ أَتَخَلَّى عَنْ خَمْرِيَ الَّتِي تُرْضِي اللهَ وَتُفَرِّحُ النَّاسَ، لِكَيْ أَمْلِكَ عَلَى الْأَشْجَارِ؟‘ وَأَخِيرًا قَالَتْ كُلُّ الْأَشْجَارِ لِشَجَرَةِ الشَّوْكِ: ’تَعَالَيْ أَنْتِ وَامْلِكِي عَلَيْنَا.‘ فَقَالَتْ شَجَرَةُ الشَّوْكِ لِلْأَشْجَارِ: ’إِنْ كُنْتُمْ فِعْلًا تُرِيدُونَ أَنْ تَمْسَحُونِي مَلِكَةً عَلَيْكُمْ، فَتَعَالَوْا وَاحْتَمُوا فِي ظِلِّي. وَإِلَّا فَلْتَخْرُجْ نَارٌ مِنْ شَجَرَةِ الشَّوْكِ وَتَأْكُلْ أَرْزَ لُبْنَانَ.‘ ”فَالْآنَ يَا شَعْبَ شَكِيمَ، أَنْتُمْ جَعَلْتُمْ أَبِيمَلِكَ مَلِكًا عَلَيْكُمْ، فَهَلْ بِذَلِكَ تَصَرَّفْتُمْ بِالْحَقِّ وَالصَّوَابِ؟ هَلْ بِذَلِكَ صَنَعْتُمْ خَيْرًا مَعَ يَرْبَعْلَ وَعَائِلَتِهِ وَعَامَلْتُمُوهُ كَمَا يَسْتَحِقُّ؟ أَبِي حَارَبَ عَنْكُمْ، وَخَاطَرَ بِنَفْسِهِ، وَأَنْقَذَكُمْ مِنْ قَبْضَةِ مِدْيَانَ. وَلَكِنَّكُمْ قُمْتُمُ الْيَوْمَ ضِدَّ عَائِلَتِهِ وَقَتَلْتُمْ بَنِيهِ الـ70 عَلَى حَجَرٍ وَاحِدٍ، وَجَعَلْتُمْ أَبِيمَلِكَ ابْنَ أَمَتِهِ مَلِكًا عَلَى شَعْبِ شَكِيمَ، لِأَنَّهُ أَخُوكُمْ. فَإِنْ كُنْتُمْ تَصَرَّفْتُمْ بِالْحَقِّ وَالصَّوَابِ مَعَ يَرْبَعْلَ وَعَائِلَتِهِ، فِي هَذَا الْيَوْمِ، فَهَنِيئًا لَكُمْ بِأَبِيمَلِكَ، وَهَنِيئًا لَهُ بِكُمْ! أَمَّا إِنْ كُنْتُمْ تَصَرَّفْتُمْ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ، فَلْتَخْرُجْ نَارٌ مِنْ أَبِيمَلِكَ وَتَأْكُلْ شَعْبَ شَكِيمَ وَبَيْتَ مَلُّو، وَلْتَخْرُجْ نَارٌ مِنْكُمْ أَنْتُمْ يَا شَعْبَ شَكِيمَ وَبَيْتَ مَلُّو، وَتَأْكُلْ أَبِيمَلِكَ!“ ثُمَّ هَرَبَ يُوتَامُ وَفَرَّ وَذَهَبَ إِلَى مَدِينَةِ بِئْرَ وَأَقَامَ هُنَاكَ، لِأَنَّهُ خَافَ مِنْ أَبِيمَلِكَ أَخِيهِ. وَبَعْدَمَا تَسَلَّطَ أَبِيمَلِكُ 3 سِنِينَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَرْسَلَ اللهُ رُوحَ عَدَاوَةٍ بَيْنَ أَبِيمَلِكَ وَشَعْبِ شَكِيمَ، فَغَدَرُوا بِهِ. وَذَلِكَ بِسَبَبِ جَرِيمَةِ سَفْكِ دَمِ بَنِي يَرْبَعْلَ الـ70، لِكَيْ يَنْتَقِمَ اللهُ مِنْ أَبِيمَلِكَ أَخِيهِمْ، وَمِنْ شَعْبِ شَكِيمَ الَّذِينَ سَاعَدُوهُ لِيَقْتُلَ إِخْوَتَهُ. فَوَضَعَ لَهُ أَهْلُ شَكِيمَ كَمِينًا عَلَى قِمَمِ الْجِبَالِ، وَكَانُوا يَسْلُبُونَ كُلَّ مَنْ مَرَّ بِهِمْ فِي الطَّرِيقِ. وَعَلِمَ أَبِيمَلِكُ بِذَلِكَ. وَجَاءَ جَعْلُ بْنُ عَابِدَ مَعَ إِخْوَتِهِ إِلَى شَكِيمَ، فَوَثِقَ بِهِ شَعْبُهَا. وَخَرَجُوا إِلَى الْحَقْلِ وَقَطَفُوا الْعِنَبَ وَعَصَرُوهُ خَمْرًا، وَعَمِلُوا عِيدًا فِي مَعْبَدِ إِلَهِهِمْ، وَأَكَلُوا وَشَرِبُوا وَلَعَنُوا أَبِيمَلِكَ. فَقَالَ جَعْلُ بْنُ عَابِدَ: ”نَحْنُ شَعْبُ شَكِيمَ، فَمَنْ هُوَ أَبِيمَلِكُ حَتَّى نَخْضَعَ لَهُ؟ هُوَ ابْنُ يَرْبَعْلَ وَوَكِيلُهُ زَبُولُ. نَحْنُ يَجِبُ أَنْ نَخْدِمَ رِجَالَ حَمُورَ بْنِ شَكِيمَ، فَلِمَاذَا نَخْضَعُ لِأَبِيمَلِكَ؟ إِنْ صِرْتُ قَائِدًا لِهَذَا الشَّعْبِ، أَعْزِلُ أَبِيمَلِكَ وَأَقُولُ لَهُ: ’أَعِدَّ كُلَّ جَيْشِكَ وَتَعَالَ حَارِبْنَا!‘“ فَلَمَّا سَمِعَ زَبُولُ حَاكِمُ الْمَدِينَةِ، كَلَامَ جَعْلَ بْنِ عَابِدَ غَضِبَ جِدًّا. وَأَرْسَلَ رُسُلًا فِي السِّرِّ إِلَى أَبِيمَلِكَ وَهُوَ فِي تُرْمَةَ وَقَالَ لَهُ: ”جَعْلُ بْنُ عَابِدَ وَإِخْوَتُهُ جَاءُوا إِلَى شَكِيمَ، وَهُمْ يُهَيِّجُونَ الْمَدِينَةَ ضِدَّكَ. تَعَالَ أَنْتَ وَرِجَالُكَ فِي اللَّيْلِ، وَاكْمُنُوا فِي الْحُقُولِ. وَفِي الصُّبْحِ، عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، اُهْجُمْ عَلَى الْمَدِينَةِ. وَعِنْدَمَا يَخْرُجُ إِلَيْكَ هُوَ وَرِجَالُهُ، اِفْعَلْ بِهِ مَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ.“ فَقَامَ أَبِيمَلِكُ فِي اللَّيْلِ هُوَ وَكُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي مَعَهُ، وَكَمَنُوا حَوْلَ شَكِيمَ فِي 4 فِرَقٍ. وَخَرَجَ جَعْلُ بْنُ عَابِدَ وَوَقَفَ عِنْدَ مَدْخَلِ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ. فَقَامَ أَبِيمَلِكُ وَالشَّعْبُ الَّذِي مَعَهُ مِنَ الْكَمِينِ. وَرَآهُمْ جَعْلُ، فَقَالَ لِزَبُولَ: ”أَرَى شَعْبًا نَازِلًا مِنْ قِمَمِ الْجِبَالِ.“ فَقَالَ لَهُ زَبُولُ: ”أَنْتَ تَرَى ظِلَّ الْجِبَالِ وَكَأَنَّهُ رِجَالٌ!“ فَقَالَ جَعْلُ مَرَّةً ثَانِيَةً: ”أَرَى شَعْبًا نَازِلًا مِنْ أَعَالِي الْجِبَالِ، وَفِرْقَةً آتِيَةً مِنْ نَاحِيَةِ بَلُّوطَةِ الْعَرَّافِينَ.“ فَقَالَ لَهُ زَبُولُ: ”مُنْذُ لَحَظَاتٍ كَانَ فَمُكَ يَقُولُ أَشْيَاءَ كُلُّهَا عَجْرَفَةٌ! أَيْنَ هَذَا الْآنَ؟ أَنْتَ قُلْتَ: ’مَنْ هُوَ أَبِيمَلِكُ حَتَّى نَخْضَعَ لَهُ؟‘ هَذَا هُوَ الشَّعْبُ الَّذِي احْتَقَرْتَهُ، فَاخْرُجِ الْآنَ وَحَارِبْهُ!“ فَخَرَجَ جَعْلُ يَقُودُ شَعْبَ شَكِيمَ وَحَارَبَ أَبِيمَلِكَ. فَهَزَمَهُ أَبِيمَلِكُ، فَهَرَبَ مِنْهُ. وَسَقَطَ قَتْلَى كَثِيرُونَ حَتَّى إِلَى مَدْخَلِ الْبَوَّابَةِ. وَأَقَامَ أَبِيمَلِكُ فِي أَرُومَةَ. وَطَرَدَ زَبُولُ جَعْلَ وَإِخْوَتَهُ مِنْ شَكِيمَ. وَفِي الْغَدِ خَرَجَ شَعْبُ شَكِيمَ إِلَى الْحُقُولِ، فَسَمِعَ أَبِيمَلِكُ. فَأَخَذَ رِجَالَهُ وَقَسَمَهُمْ إِلَى 3 فِرَقٍ، وَكَمَنَ فِي الْحُقُولِ. وَلَمَّا رَأَى الشَّعْبَ يَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ، قَامَ وَهَجَمَ عَلَيْهِمْ. وَانْدَفَعَ أَبِيمَلِكُ وَالْفِرْقَةُ الَّتِي مَعَهُ، وَوَقَفُوا عِنْدَ مَدْخَلِ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ. وَهَجَمَتِ الْفِرْقَتَانِ عَلَى كُلِّ الَّذِينَ فِي الْحُقُولِ وَقَضَتَا عَلَيْهِمْ. وَحَارَبَ أَبِيمَلِكُ الْمَدِينَةَ طُولَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، حَتَّى احْتَلَّهَا، وَقَتَل الَّذِينَ فِيهَا وَهَدَمَهَا وَغَطَّى أَرْضَهَا بِالْمِلْحِ. وَلَمَّا سَمِعَ شَعْبُ بُرْجِ شَكِيمَ بِذَلِكَ، دَخَلُوا كُلُّهُمْ حِصْنَ بَيْتَ إِيلَ بَرِيتَ. فَسَمِعَ أَبِيمَلِكُ أَنَّ كُلَّ شَعْبِ بُرْجِ شَكِيمَ اجْتَمَعُوا هُنَاكَ. فَصَعِدَ هُوَ وَكُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي مَعَهُ، إِلَى جَبَلِ صَلْمُونَ. وَأَخَذَ فَأْسًا وَقَطَعَ غُصْنَ شَجَرَةٍ وَرَفَعَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى كَتِفِهِ، وَقَالَ لِرِجَالِهِ: ”أَسْرِعُوا وَاعْمَلُوا مَا رَأَيْتُمُونِي أَعْمَلُهُ.“ فَقَطَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ غُصْنًا، ثُمَّ سَارُوا وَرَاءَ أَبِيمَلِكَ وَوَضَعُوا الْأَغْصَانَ حَوْلَ الْحِصْنِ وَأَحْرَقُوهُ بِالنَّارِ. فَمَاتَ أَيْضًا كُلُّ شَعْبِ بُرْجِ شَكِيمَ وَكَانُوا حَوَالَيْ 1000 رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ. وَبَعْدَ ذَلِكَ ذَهَبَ أَبِيمَلِكُ إِلَى تَابَاصَ وَحَاصَرَهَا وَاحْتَلَّهَا. وَكَانَ فِي وَسَطِ الْمَدِينَةِ بُرْجٌ حَصِينٌ، فَهَرَبَ إِلَيْهِ كُلُّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، كُلُّ شَعْبِ الْمَدِينَةِ، وَأَغْلَقُوا الْأَبْوَابَ وَرَاءَهُمْ، وَصَعِدُوا إِلَى سَطْحِ الْبُرْجِ. فَجَاءَ أَبِيمَلِكُ إِلَى الْبُرْجِ وَحَارَبَهُ، وَتَقَدَّمَ إِلَى بَابِ الْبُرْجِ لِيَحْرِقَهُ بِالنَّارِ. فَرَمَتِ امْرَأَةٌ حَجَرَ طَاحُونَةٍ عَلَى رَأْسِ أَبِيمَلِكَ، فَكَسَّرَتْ جُمْجُمَتَهُ. فَنَادَى فِي الْحَالِ الشَّابَّ حَامِلَ سِلَاحِهِ، وَقَالَ لَهُ: ”اِستَلَّ سَيْفَكَ وَاقْتُلْنِي، لِئَلَّا يَقُولُوا قَتَلَتْهُ امْرَأَةٌ.“ فَطَعَنَهُ الشَّابُّ بِالسَّيْفِ فَمَاتَ. وَلَمَّا رَأَى بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنَّ أَبِيمَلِكَ مَاتَ، رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى دَارِهِ. فَعَاقَبَ اللهُ أَبِيمَلِكَ عَلَى الشَّرِّ الَّذِي ارْتَكَبَهُ فِي حَقِّ أَبِيهِ، لَمَّا قَتَلَ إِخْوَتَهُ الـ70. وَكَذَلِكَ جَلَبَ اللهُ شَرَّ شَعْبِ شَكِيمَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ. وَجَاءَتْ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ يُوتَامَ بْنِ يَرْبَعْلَ. وَقَامَ بَعْدَ أَبِيمَلِكَ تُولَعُ بْنُ فَوَاةَ بْنِ دُودُو لِيُنْقِذَ إِسْرَائِيلَ. وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ قَبِيلَةِ يَسَّاكَرَ وَيَسْكُنُ فِي شَامِيرَ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ. فَقَضَى لِإِسْرَائِيلَ 23 سَنَةً، وَمَاتَ وَدُفِنَ فِي شَامِيرَ. ثُمَّ قَامَ بَعْدَهُ يَائِرُ الْجِلْعَادِيُّ، فَقَضَى لِإِسْرَائِيلَ 22 سَنَةً. وَكَانَ لَهُ 30 ابْنًا يَرْكَبُونَ 30 حِمَارًا، وَكَانَ لَهُمْ 30 مَدِينَةً فِي أَرْضِ جِلْعَادَ، تُدْعَى قُرَى يَائِرَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. وَمَاتَ يَائِرُ وَدُفِنَ فِي قَامُونَ. وَعَادَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَعْمَلُونَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ، وَعَبَدُوا الْبَعْلَ وَعَشْتَرُوتَ وَآلِهَةَ آرَامَ وَصَيْدَا وَمُوآبَ وَعَمُّونَ وَآلِهَةَ الْفِلِسْطِيِّينَ، وَتَرَكُوا اللهَ وَلَمْ يَعْبُدُوهُ. فَثَارَ غَضَبُ اللهِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَبَاعَهُمْ إِلَى يَدِ الْفِلِسْطِيِّينَ وَإِلَى يَدِ بَنِي عَمُّونَ. فَقَهَرُوهُمْ وَاضْطَهَدُوهُمْ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ، وَعَلَى مَدَى 18 سَنَةً. فَعَلُوا ذَلِكَ بِكُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ فِي شَرْقِ الْأُرْدُنِّ، فِي أَرْضِ الْأَمُورِيِّينَ الَّتِي فِي جِلْعَادَ. وَعَبَرَ بَنُو عَمُّونَ الْأُرْدُنَّ لِيُحَارِبُوا أَيْضًا يَهُوذَا وَبِنْيَمِينَ وَبَيْتَ أَفْرَايِمَ. فَتَضَايَقَ إِسْرَائِيلُ جِدًّا. فَصَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى اللهِ وَقَالُوا: ”أَخْطَأْنَا فِي حَقِّكَ، لِأَنَّنَا تَرَكْنَاكَ يَا إِلَهَنَا وَعَبَدْنَا الْبَعْلَ.“ فَقَالَ اللهُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ”إِنَّ الْمِصْرِيِّينَ وَالْأَمُورِيِّينَ وَبَنِي عَمُّونَ وَالْفِلِسْطِيِّينَ وَالصَّيْدُونِيِّينَ وَالْعَمَالِقَةَ وَالْمَعُونِيِّينَ، ضَايَقُوكُمْ فَصَرَخْتُمْ إِلَيَّ. فَمَاذَا حَدَثَ؟ أَنَا أَنْقَذْتُكُمْ مِنْ أَيْدِيهِمْ. وَلَكِنَّكُمْ تَرَكْتُمُونِي وَعَبَدْتُمْ آلِهَةً أُخْرَى. لِذَلِكَ لَا أَعُودُ أُنْقِذُكُمْ. رُوحُوا اصْرُخُوا إِلَى الْآلِهَةِ الَّتِي اخْتَرْتُمُوهَا، لَعَلَّهَا تُنْقِذُكُمْ مِنْ ضِيقِكُمْ!“ فَقَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ للهِ: ”أَخْطَأْنَا، فَافْعَلْ بِنَا مَا تَشَاءُ، إِنَّمَا أَنْقِذْنَا هَذَا الْيَوْمَ.“ ثُمَّ أَزَالُوا الْآلِهَةَ الْغَرِيبَةَ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَعَبَدُوا اللهَ، فَرَقَّ قَلْبُهُ لِبُؤْسِهِمْ. وَجَمَعَ بَنُو عَمُّونَ جُيُوشَهُمْ وَعَسْكَرُوا فِي جِلْعَادَ، وَجَمَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُيُوشَهُمْ وَعَسْكَرُوا فِي الْمِصْفَاةِ. فَقَالَ قَادَةُ جِلْعَادَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ”مَنْ يَبْدَأُ الْحَرْبَ ضِدَّ بَنِي عَمُّونَ، يَكُونُ رَئِيسًا عَلَى كُلِّ سُكَّانِ جِلْعَادَ.“ وَكَانَ يَفْتَاحُ الْجِلْعَادِيُّ مُحَارِبًا بَاسِلًا. وَكَانَتْ أُمُّهُ امْرَأَةً عَاهِرَةً، أَنْجَبَهُ مِنْهَا أَبُوهُ جِلْعَادُ. وَأَنْجَبَ جِلْعَادُ أَيْضًا بَنِينَ مِنْ زَوْجَتِهِ، فَلَمَّا كَبِرُوا طَرَدُوا يَفْتَاحَ وَقَالُوا لَهُ: ”لَنْ نُوَرِّثَكَ مَعَنَا فِي عَائِلَتِنَا، أَنْتَ ابْنُ امْرَأَةٍ أُخْرَى.“ فَهَرَبَ يَفْتَاحُ مِنْ إِخْوَتِهِ، وَسَكَنَ فِي أَرْضِ طُوبَ. وَالْتَفَّ حَوْلَهُ رِجَالٌ أَشْقِيَاءُ، وَكَانُوا يَخْرُجُونَ مَعَهُ. وَبَعْدَ فَتْرَةٍ مِنَ الْوَقْتِ، حَارَبَ بَنُو عَمُّونَ إِسْرَائِيلَ، فَذَهَبَ شُيُوخُ جِلْعَادَ لِيُحْضِرُوا يَفْتَاحَ مِنْ أَرْضِ طُوبَ. وَقَالُوا لَهُ: ”تَعَالَ، وَكُنْ قَائِدًا لَنَا فَنُحَارِبَ بَنِي عَمُّونَ.“ فَقَالَ يَفْتَاحُ لَهُمْ: ”أَلَمْ تَكْرَهُونِي وَتَطْرُدُونِي مِنْ دَارِ أَبِي؟ فَلِمَاذَا جِئْتُمْ إِلَيَّ الْآنَ وَأَنْتُمْ فِي ضِيقٍ؟“ فَقَالَ لَهُ شُيُوخُ جِلْعَادَ: ”جِئْنَا إِلَيْكَ لِتَرْجِعَ مَعَنَا وَتُحَارِبَ بَنِي عَمُّونَ، وَتَكُونَ رَئِيسًا عَلَيْنَا وَعَلَى كُلِّ سُكَّانِ جِلْعَادَ.“ فَقَالَ لَهُمْ يَفْتَاحُ: ”إِنْ أَرْجَعْتُمُونِي، وَحَارَبْتُ بَنِي عَمُّونَ وَنَصَرَنِي اللهُ عَلَيْهِمْ، فَهَلْ حَقًّا أَكُونُ رَئِيسًا عَلَيْكُمْ؟“ أَجَابَهُ شُيُوخُ جِلْعَادَ: ”الْمَوْلَى شَاهِدٌ عَلَيْنَا أَنَّنَا سَنَفْعَلُ كَمَا تَقُولُ!“ فَذَهَبَ يَفْتَاحُ مَعَ شُيُوخِ جِلْعَادَ. وَجَعَلَهُ الشَّعْبُ رَئِيسًا وَقَائِدًا عَلَيْهِمْ. وَفِي الْمِصْفَاةِ، كَرَّرَ يَفْتَاحُ فِي مَحْضَرِ اللهِ مَا قَالَهُ لِلشُّيُوخِ. وَأَرْسَلَ يَفْتَاحُ رُسُلًا إِلَى مَلِكِ بَنِي عَمُّونَ يَقُولُ: ”مَا لِي وَلَكَ؟ أَنْتَ جِئْتَ لِتُحَارِبَ فِي أَرْضِي!“ فَقَالَ مَلِكُ بَنِي عَمُّونَ لِرُسُلِ يَفْتَاحَ: ”لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لَمَّا طَلَعُوا مِنْ مِصْرَ، أَخَذُوا أَرْضِي مِنْ أَرْنُونَ إِلَى الْيَبُّوقِ حَتَّى إِلَى الْأُرْدُنِّ. فَالْآنَ رُدَّهَا بِسَلَامٍ.“ فَعَادَ يَفْتَاحُ أَيْضًا وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رُسُلًا، وَقَالَ لَهُ: ”يَفْتَاحُ يَقُولُ: ’لَمْ يَأْخُذْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَرْضَ مُوآبَ، وَلَا أَرْضَ بَنِي عَمُّونَ. لِأَنَّهُمْ لَمَّا طَلَعُوا مِنْ مِصْرَ، سَارُوا فِي الصَّحْرَاءِ إِلَى الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ، ثُمَّ إِلَى قَادِشَ. وَأَرْسَلَ إِسْرَائِيلُ رُسُلًا إِلَى مَلِكِ أَدُومَ يَقُولُ لَهُ: ”اِسْمَحْ لَنَا أَنْ نَمُرَّ فِي بِلَادِكَ.“ فَرَفَضَ مَلِكُ أَدُومَ. فَأَرْسَلَ إِسْرَائِيلُ أَيْضًا إِلَى مَلِكِ مُوآبَ، فَلَمْ يَرْضَ. فَأَقَامَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي قَادِشَ. وَبَعْدَ ذَلِكَ سَافَرُوا فِي الصَّحْرَاءِ، وَدَارُوا بِأَرْضِ أَدُومَ وَأَرْضِ مُوآبَ، وَمَرُّوا شَرْقَ بِلَادِ مُوآبَ، وَنَزَلُوا عَلَى الشَّاطِئِ الْآخَرِ مِنْ نَهْرِ أَرْنُونَ. فَهُمْ لَمْ يَدْخُلُوا أَرْضَ مُوآبَ، لِأَنَّ أَرْنُونَ هُوَ حَدُّ مُوآبَ. ثُمَّ أَرْسَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ رُسُلًا إِلَى سِيحُونَ مَلِكِ الْأَمُورِيِّينَ، الَّذِي فِي حَشْبُونَ، وَقَالُوا لَهُ: ”اِسْمَحْ لَنَا أَنْ نَمُرَّ فِي بِلَادِكَ إِلَى مَكَانِنَا.“ فَلَمْ يَثِقْ بِهِمْ لِيَعْبُرُوا فِي أَرْضِهِ، وَجَمَعَ كُلَّ رِجَالِهِ وَعَسْكَرُوا فِي يَاهَصَ وَحَارَبُوا إِسْرَائِيلَ. لَكِنَّ الْمَوْلَى إِلَهَ إِسْرَائِيلَ نَصَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى سِيحُونَ وَكُلِّ رِجَالِهِ، فَهَزَمُوهُمْ وَامْتَلَكُوا كُلَّ أَرْضِ الْأَمُورِيِّينَ سُكَّانِ تِلْكَ الْبِلَادِ. وَأَخَذُوهَا كُلَّهَا، مِنْ أَرْنُونَ إِلَى الْيَبُّوقِ، وَمِنَ الصَّحْرَاءِ إِلَى الْأُرْدُنِّ. فَالْآنَ، بِمَا أَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَ إِسْرَائِيلَ طَرَدَ الْأَمُورِيِّينَ مِنْ أَمَامِ شَعْبِهِ إِسْرَائِيلَ، فَبِأَيِّ حَقٍّ تَسْتَوْلِي أَنْتَ عَلَيْهَا؟ أَلَا تَكْتَفِي بِمَا أَعْطَاهُ لَكَ كَمُوشُ إِلَهُكَ؟ نَحْنُ سَنَمْلِكُ كُلَّ مَا أَعْطَاهُ لَنَا الْمَوْلَى إِلَهُنَا. هَلْ أَنْتَ أَحْسَنُ مِنْ بَالَاقَ بْنِ صِفُّورَ مَلِكِ مُوآبَ؟ هَلْ خَاصَمَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ حَارَبَهُمْ؟ إِنَّ إِسْرَائِيلَ أَقَامَ فِي حَشْبُونَ وَعَرُوعِيرَ وَالْمَسَاكِنِ الَّتِي حَوْلَهُمَا وَكُلِّ الْمُدُنِ الَّتِي عَلَى جَانِبِ أَرْنُونَ 300 سَنَةٍ! فَلِمَاذَا لَمْ تَسْتَرِدَّهَا طُولَ هَذِهِ الْمُدَّةِ؟ فَأَنَا لَمْ أَظْلِمْكَ، لَكِنَّكَ أَنْتَ تُسِيءُ إِلَيَّ فَتُحَارِبُنِي. اللهُ الدَّيَّانُ يَقْضِي الْيَوْمَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَنِي عَمُّونَ.‘“ لَكِنَّ مَلِكَ بَنِي عَمُّونَ لَمْ يَهْتَمَّ بِكَلَامِ يَفْتَاحَ الَّذِي أَرْسَلَهُ لَهُ. وَحَلَّ رُوحُ اللهِ عَلَى يَفْتَاحَ، فَعَبَرَ أَرْضَ جِلْعَادَ وَأَرْضَ مَنَسَّى إِلَى مِصْفَاةِ جِلْعَادَ وَمِنْهَا تَقَدَّمَ ضِدَّ بَنِي عَمُّونَ. وَنَذَرَ يَفْتَاحُ نَذْرًا للهِ وَقَالَ: ”إِنْ نَصَرْتَنِي عَلَى بَنِي عَمُّونَ، فَعِنْدَمَا أَرْجِعُ مُنْتَصِرًا مِنْ عِنْدِهِمْ، فَأَوَّلُ مَا يَخْرُجُ مِنْ بَابِ دَارِي لِلتَّرْحِيبِ بِي، أُكَرِّسُهُ للهِ وَأُقَدِّمُهُ لَهُ قُرْبَانًا.“ ثُمَّ عَبَرَ يَفْتَاحُ إِلَى بَنِي عَمُّونَ لِيُحَارِبَهُمْ. فَنَصَرَهُ اللهُ عَلَيْهِمْ. فَضَرَبَهُمْ ضَرْبَةً عَظِيمَةً، مِنْ عَرُوعِيرَ إِلَى جِوَارِ مِنِّيتَ 20 مَدِينَةً، وَإِلَى كَرَامِيمَ. فَخَضَعَ بَنُو عَمُّونَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. ثُمَّ رَجَعَ يَفْتَاحُ إِلَى دَارِهِ فِي الْمِصْفَاةِ. فَخَرَجَتْ بِنْتُهُ لِلتَّرْحِيبِ بِهِ بِدُفُوفٍ وَرَقْصٍ. وَكَانَتْ وَحِيدَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ وَلَا بِنْتٌ غَيْرُهَا. فَلَمَّا رَآهَا مَزَّقَ ثِيَابَهُ وَقَالَ: ”آهِ يَا بِنْتِي! جَلَبْتِ عَلَيَّ الْحُزْنَ وَالتَّعَاسَةَ، لِأَنِّي نَذَرْتُ نَذْرًا للهِ وَلَا أَقْدِرُ أَنْ أَرْجِعَ عَنْهُ.“ فَقَالَتْ لَهُ: ”يَا أَبِي، أَنْتَ نَذَرْتَ نَذْرًا للهِ، فَافْعَلْ بِي كَمَا قُلْتَ، بِمَا أَنَّ اللهَ انْتَقَمَ لَكَ مِنْ أَعْدَائِكَ بَنِي عَمُّونَ.“ ثُمَّ قَالَتْ لِأَبِيهَا: ”وَلَكِنِ اسْمَحْ لِي بِشَيْءٍ وَاحِدٍ: أَمْهِلْنِي شَهْرَيْنِ أَذْهَبُ فِيهِمَا إِلَى الْجِبَالِ وَأَتَجَوَّلُ، وَأَبْكِي أَنَا وَصَاحِبَاتِي حَيْثُ إِنِّي لَنْ أَتَزَوَّجَ.“ فَقَالَ لَهَا: ”اِذْهَبِي.“ وَأَرْسَلَهَا شَهْرَيْنِ، فَذَهَبَتْ هِيَ وَصَاحِبَاتُهَا إِلَى الْجِبَالِ وَبَكَتْ لِأَنَّهَا لَنْ تَتَزَوَّجَ. وَعِنْدَ نِهَايَةِ الشَّهْرَيْنِ، رَجَعَتْ إِلَى أَبِيهَا، فَفَعَلَ بِهَا النَّذْرَ الَّذِي نَذَرَهُ، وَلَمْ تَتَزَوَّجْ. فَصَارَتْ عَادَةً عِنْدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَنَّ بَنَاتِهِمْ يَذْهَبْنَ 4 أَيَّامٍ كُلَّ سَنَةٍ وَيَنُحْنَ عَلَى بِنْتِ يَفْتَاحَ الْجِلْعَادِيِّ. وَجَمَعَ بَنُو أَفْرَايِمَ جَيْشَهُمْ، وَعَبَرُوا إِلَى صَافُونَ، وَقَالُوا لِيَفْتَاحَ: ”لِمَاذَا ذَهَبْتَ لِتُحَارِبَ بَنِي عَمُّونَ وَلَمْ تَسْتَدْعِنَا لِنَذْهَبَ مَعَكَ؟ نَحْرِقُ عَلَيْكَ دَارَكَ بِالنَّارِ.“ فَقَالَ لَهُمْ يَفْتَاحُ: ”أَنَا وَشَعْبِي كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَنِي عَمُّونَ نِزَاعٌ خَطِيرٌ، وَنَادَيْتُكُمْ لَكِنَّكُمْ لَمْ تُنْقِذُونِي مِنْهُمْ. فَلَمَّا رَأَيْتُ أَنَّكُمْ لَنْ تُنْقِذُونِي، خَاطَرْتُ بِحَيَاتِي وَعَبَرْتُ إِلَى بَنِي عَمُّونَ، فَنَصَرَنِي اللهُ عَلَيْهِمْ. فَلِمَاذَا جِئْتُمْ عَلَيَّ لِتُحَارِبُونِي الْيَوْمَ؟“ وَجَمَعَ يَفْتَاحُ رِجَالَ جِلْعَادَ وَحَارَبَ بَنِي أَفْرَايِمَ وَهَزَمَهُمْ. وَكَانَ بَنُو أَفْرَايِمَ يَقُولُونَ: ”إِنَّمَا بِفَضْلِ أَفْرَايِمَ نَجَوْتُمْ يَا رِجَالَ جِلْعَادَ الَّذِينَ هَرَبْتُمْ إِلَى أَفْرَايِمَ وَمَنَسَّى.“ فَاسْتَوْلَى الْجِلْعَادِيُّونَ عَلَى مَعَابِرِ الْأُرْدُنِّ فِي اتِّجَاهِ أَفْرَايِمَ. وَكَانَ إِنْ جَاءَ أَحَدُ الْهَارِبِينَ مِنْ بَنِي أَفْرَايِمَ وَقَالَ: ”خَلُّونِي أَعْبُرُ.“ يَسْأَلُهُ الْجِلْعَادِيُّونَ: ”هَلْ أَنْتَ أَفْرَايِمِيٌّ؟“ فَإِنْ قَالَ: ”لَا.“ كَانُوا يَقُولُونَ لَهُ: ”إِذَنْ قُلْ: ’شِبُّولَتْ.‘“ فَيَقُولُ: ”سِبُّولَتْ.“ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَنْطِقَهَا كَمَا يَجِبُ، فَكَانُوا يُمْسِكُونَهُ وَيَقْتُلُونَهُ عَلَى مَعَابِرِ الْأُرْدُنِّ. فَقُتِلَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ أَفْرَايِمَ 42000. وَقَضَى يَفْتَاحُ لِإِسْرَائِيلَ 6 سِنِينَ. ثُمَّ مَاتَ يَفْتَاحُ الْجِلْعَادِيُّ، وَدُفِنَ فِي إِحْدَى مُدُنِ جِلْعَادَ. وَبَعْدَ يَفْتَاحَ، قَضَى لِإِسْرَائِيلَ إِبْصَانُ مِنْ بَيْتَ لَحْمَ. وَكَانَ لَهُ 30 ابْنًا وَ30 بِنْتًا. فَزَوَّجَ بَنَاتِهِ إِلَى رِجَالٍ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِهِ. وَقَضَى لِإِسْرَائِيلَ 7 سِنِينَ. وَمَاتَ إِبْصَانُ وَدُفِنَ فِي بَيْتَ لَحْمَ. وَقَضَى بَعْدَهُ لِإِسْرَائِيلَ أَيْلُونُ الزَّبُولُونِيُّ 10 سِنِينَ. ثُمَّ مَاتَ أَيْلُونُ وَدُفِنَ فِي أَيْلُونَ فِي أَرْضِ زَبُولُونَ. وَقَضَى بَعْدَهُ لِإِسْرَائِيلَ عَبْدُونُ بْنُ هِلِّيلَ الْفِرْعَتُونِيُّ. وَكَانَ لَهُ 40 ابْنًا وَ30 حَفِيدًا يَرْكَبُونَ عَلَى 70 حِمَارًا. وَهُوَ قَضَى لِإِسْرَائِيلَ 8 سِنِينَ. وَمَاتَ عَبْدُونُ بْنُ هِلِّيلَ وَدُفِنَ فِي فِرْعَتُونَ فِي أَرْضِ أَفْرَايِمَ فِي جَبَلِ الْعَمَالِقَةِ. وَعَادَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَعْمَلُونَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ، فَأَوْقَعَهُمُ اللهُ فِي يَدِ الْفِلِسْطِيِّينَ 40 سَنَةً. وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ صَرْعَةَ، مِنْ عَشِيرَةِ دَانَ اسْمُهُ مَنُوحُ، وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ عَاقِرًا لَا تَلِدُ. فَظَهَرَ مَلَاكُ اللهِ لِلْمَرْأَةِ وَقَالَ لَهَا: ”أَنْتِ عَاقِرٌ لَمْ تَلِدِي، لَكِنَّكِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا. فَإِيَّاكِ أَنْ تَشْرَبِي خَمْرًا أَوْ مُسْكِرًا أَوْ تَأْكُلِي شَيْئًا نَجِسًا. لِأَنَّكِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا، فَلَا تَحْلِقُوا شَعْرَ رَأْسِهِ أَبَدًا، لِأَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ نَذِيرًا مُكَرَّسًا للهِ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ، وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ فِي إِنْقَاذِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ يَدِ الْفِلِسْطِيِّينَ.“ فَذَهَبَتِ الْمَرْأَةُ وَقَالَتْ لِزَوْجِهَا: ”جَاءَنِي رَجُلٌ صَالِحٌ وَمَنْظَرُهُ كَمَلَاكٍ، مُخِيفٌ جِدًّا. وَلَمْ أَسْأَلْهُ مِنْ أَيْنَ هُوَ، وَلَا هُوَ أَخْبَرَنِي عَنِ اسْمِهِ. وَقَالَ لِي: ’سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا، فَلَا تَشْرَبِي خَمْرًا أَوْ مُسْكِرًا أَوْ تَأْكُلِي شَيْئًا نَجِسًا، لِأَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ نَذِيرًا مُكَرَّسًا للهِ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ إِلَى يَوْمِ مَوْتِهِ.‘“ فَصَلَّى مَنُوحُ إِلَى اللهِ وَقَالَ: ”أَرْجُوكَ يَا سَيِّدِي، اِجْعَلِ الرَّجُلَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ يَأْتِي إِلَيْنَا مَرَّةً ثَانِيَةً لِيُعَلِّمَنَا مَاذَا نَعْمَلُ لِلطِّفْلِ الَّذِي سَيُولَدُ.“ فَسَمِعَ اللهُ دُعَاءَ مَنُوحَ، وَجَاءَ الْمَلَاكُ مَرَّةً ثَانِيَةً إِلَى الْمَرْأَةِ وَهِيَ جَالِسَةٌ فِي الْحَقْلِ، وَلَمْ يَكُنْ زَوْجُهَا مَنُوحُ مَعَهَا. فَذَهَبَتِ الْمَرْأَةُ بِسُرْعَةٍ وَقَالَتْ لِزَوْجِهَا: ”أَسْرِعْ! الرَّجُلُ الَّذِي جَاءَ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، ظَهَرَ لِي!“ فَقَامَ مَنُوحُ وَتَبِعَ زَوْجَتَهُ، وَجَاءَ إِلَى الرَّجُلِ وَقَالَ لَهُ: ”هَلْ أَنْتَ هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي كَلَّمَ زَوْجَتِي؟“ فَقَالَ: ”أَنَا هُوَ.“ فَقَالَ مَنُوحُ: ”عِنْدَمَا يَتَحَقَّقُ كَلَامُكَ، مَا هِيَ الْقَوَاعِدُ الَّتِي يَسِيرُ عَلَيْهَا الْوَلَدُ، وَكَيْفَ نُعَامِلُهُ؟“ فَقَالَ الْمَلَاكُ لِمَنُوحَ: ”تَعْمَلُ زَوْجَتُكَ كَمَا قُلْتُ لَهَا. فَلَا تَأْكُلُ شَيْئًا يَخْرُجُ مِنْ شَجَرَةِ الْعِنَبِ، وَلَا تَشْرَبُ خَمْرًا وَلَا مُسْكِرًا، وَلَا تَأْكُلُ شَيْئًا نَجِسًا، وَتَعْمَلُ كُلَّ مَا أَوْصَيْتُهَا بِهِ.“ فَقَالَ مَنُوحُ لِلْمَلَاكِ: ”اِسْمَحْ لَنَا بِأَنْ نُؤَخِّرَكَ قَلِيلًا، حَتَّى نَعْمَلَ لَكَ جَدْيًا مِنَ الْمَعْزِ.“ فَقَالَ الْمَلَاكُ لِمَنُوحَ: ”حَتَّى وَلَوِ انْتَظَرْتُ لَا آكُلُ مِنْ طَعَامِكَ. أَمَّا إِنْ كُنْتَ تَعْمَلُ قُرْبَانًا يُحْرَقُ، فَقَدِّمْهُ لِلْمَوْلَى.“ وَلَمْ يَكُنْ مَنُوحُ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَلَاكٌ. ثُمَّ قَالَ مَنُوحُ لِلْمَلَاكِ: ”مَا اسْمُكَ، حَتَّى نُكْرِمَكَ عِنْدَمَا يَتَحَقَّقُ كَلَامُكَ؟“ فَقَالَ لَهُ الْمَلَاكُ: ”لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي وَهُوَ عَجِيبٌ؟“ ثُمَّ أَخَذَ مَنُوحُ الْجَدْيَ وَقُرْبَانَ الدَّقِيقِ، وَقَدَّمَهُمَا عَلَى الصَّخْرَةِ لِلْمَوْلَى. فَعَمِلَ الْمَلَاكُ شَيْئًا مُدْهِشًا وَمَنُوحُ وَامْرَأَتُهُ يَنْظُرَانِ. لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَعَ لَهِيبُ الْقُرْبَانِ نَحْوَ السَّمَاءِ، صَعِدَ الْمَلَاكُ فِي اللَّهِيبِ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مَنُوحُ وَزَوْجَتُهُ، سَقَطَا عَلَى الْأَرْضِ وَسَجَدَا. فَلَمَّا لَمْ يَظْهَرِ الْمَلَاكُ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَنُوحَ وَزَوْجَتِهِ عَرَفَ مَنُوحُ أَنَّهُ مَلَاكٌ. فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ: ”لَا بُدَّ أَنْ نَمُوتَ لِأَنَّنَا رَأَيْنَا اللهَ!“ فَقَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ: ”لَوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُمِيتَنَا، هَلْ كَانَ يَقْبَلُ مِنَّا قُرْبَانًا يُحْرَقُ وَقُرْبَانَ دَقِيقٍ وَيُرِينَا وَيُسْمِعُنَا كُلَّ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي هَذَا الْوَقْتِ؟ قَطْعًا لَا.“ وَوَلَدَتِ الْمَرْأَةُ ابْنًا وَدَعَتِ اسْمَهُ شَمْشُونَ. وَكَبِرَ الصَّبِيُّ وَبَارَكَهُ اللهُ. وَبَدَأَ رُوحُ اللهِ يُحَرِّكُهُ فِي مِنْطَقَةِ دَانَ بَيْنَ صَرْعَةَ وَأَشْتَأُولَ. وَنَزَلَ شَمْشُونُ إِلَى تِمْنَةَ، وَرَأَى هُنَاكَ فَتَاةً فِلِسْطِيَّةً. وَلَمَّا رَجَعَ قَالَ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ: ”رَأَيْتُ فِي تِمْنَةَ فَتَاةً فِلِسْطِيَّةً، فَخُذَاهَا لِي زَوْجَةً.“ فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ وَأُمُّهُ: ”أَلَا تُوجَدُ فَتَاةٌ وَاحِدَةٌ بَيْنَ أَقَارِبِكَ وَفِي كُلِّ شَعْبِكَ، حَتَّى تَذْهَبَ إِلَى الْفِلِسْطِيِّينَ النَّجِسِينَ لِتَأْخُذَ زَوْجَةً؟“ فَقَالَ شَمْشُونُ لِأَبِيهِ: ”بَلْ خُذْهَا لِي فَأَنَا أُرِيدُهَا هِيَ.“ وَلَمْ يَعْلَمْ أَبُوهُ وَأُمُّهُ أَنَّ هَذَا كَانَ بِتَدْبِيرِ اللهِ، الَّذِي كَانَ يَلْتَمِسُ سَبَبًا لِيَتَحَدَّى الْفِلِسْطِيِّينَ. فَقَدْ كَانُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، مُتَسَلِّطِينَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَنَزَلَ شَمْشُونُ وَأَبُوهُ وَأُمُّهُ إِلَى تِمْنَةَ. وَلَمَّا بَلَغُوا كُرُومَ تِمْنَةَ، فَجْأَةً جَاءَ نَحْوَهُ شِبْلُ أَسَدٍ يَزْأَرُ. فَحَلَّ عَلَيْهِ رُوحُ اللهِ، فَأَمْسَكَ الْأَسَدَ وَشَقَّهُ إِلَى نِصْفَيْنِ وَكَأَنَّهُ جَدْيٌ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ سِلَاحٌ. وَلَمْ يُخْبِرْ أَبَاهُ وَأُمَّهُ بِمَا فَعَلَ. ثُمَّ ذَهَبَ وَكَلَّمَ الْفَتَاةَ فَأَعْجَبَتْهُ. وَبَعْدَ فَتْرَةٍ مِنَ الْوَقْتِ، لَمَّا رَجَعَ لِيَتَزَوَّجَهَا، مَالَ لِيَرَى جُثَّةَ الْأَسَدِ، فَوَجَدَ فِيهَا سِرْبًا مِنَ النَّحْلِ وَبَعْضَ الْعَسَلِ. فَأَخَذَ مِنْهُ بِكَفَّيْهِ وَمَضَى وَهُوَ يَأْكُلُ، وَذَهَبَ إِلَى أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَأَعْطَاهُمَا فَأَكَلَا. وَلَكِنَّهُ لَمْ يُخْبِرْهُمَا أَنَّهُ أَخَذَ الْعَسَلَ مِنْ جُثَّةِ الْأَسَدِ. وَنَزَلَ أَبُوهُ لِزِيَارَةِ الْعَرُوسَةِ، فَعَمِلَ شَمْشُونُ هُنَاكَ وَلِيمَةً، كَمَا هِيَ الْعَادَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَرِيسِ. فَلَمَّا رَأَوْهُ، أَحْضَرُوا 30 مِنَ الْأَصْحَابِ لِيَكُونُوا مَعَهُ. فَقَالَ لَهُمْ شَمْشُونُ: ”سَأَقُولُ لَكُمْ لُغْزًا، فَإِنْ أَمْكَنَكُمْ أَنْ تَحِلُّوهُ لِي فِي 7 أَيَّامِ الْوَلِيمَةِ، أُعْطِيكُمْ 30 قَمِيصًا وَ30 رِدَاءً. وَإِنْ لَمْ تَقْدِرُوا أَنْ تَحِلُّوهُ لِي، تُعْطُونِي أَنْتُمْ 30 قَمِيصًا وَ30 رِدَاءً.“ فَقَالُوا لَهُ: ”هَاتِ لُغْزَكَ فَنَسْمَعَهُ.“ فَقَالَ لَهُمْ: ”مِنَ الْآكِلِ خَرَجَ أَكْلٌ، وَمِنَ الْقَوِيِّ خَرَجَ حُلْوٌ!“ وَمَضَتْ 3 أَيَّامٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحِلُّوا اللُّغْزَ. وَفِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ قَالُوا لِزَوْجَةِ شَمْشُونَ: ”تَحَايَلِي عَلَى زَوْجِكِ لِكَيْ يُفَسِّرَ لَنَا اللُّغْزَ، وَإِلَّا نَحْرِقُكِ بِالنَّارِ أَنْتِ وَأَهْلَ أَبِيكِ! هَلْ دَعَوْتُمُونَا لِتَنْهَبُونَا؟“ فَبَكَتْ زَوْجَةُ شَمْشُونَ عَلَى صَدْرِهِ وَقَالَتْ: ”أَنْتَ تَكْرَهُنِي وَلَا تُحِبُّنِي! لِأَنَّكَ قُلْتَ لِشَعْبِي لُغْزًا، وَلَمْ تُفَسِّرْهُ لِي!“ فَقَالَ لَهَا: ”أَنَا لَمْ أُفَسِّرْهُ حَتَّى لِأَبِي وَأُمِّي، فَهَلْ أُفَسِّرُهُ لَكِ أَنْتِ؟“ فَبَكَتْ لَهُ طُولَ أَيَّامِ الْوَلِيمَةِ الـ7. وَأَخِيرًا فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ أَخْبَرَهَا لِأَنَّهَا ضَايَقَتْهُ. وَهِيَ فَسَّرَتِ اللُّغْزَ لِشَعْبِهَا. وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ، قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، قَالَ لَهُ رِجَالُ الْمَدِينَةِ: ”هَلْ يُوجَدُ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ أَوْ أَكْثَرُ قُوَّةً مِنَ الْأَسَدِ؟“ فَقَالَ لَهُمْ: ”حَرَثْتُمْ بِبَقَرَتِي، فَعَرَفْتُمْ تَفْسِيرَ لُغْزِي.“ وَحَلَّ عَلَيْهِ رُوحُ اللهِ، فَنَزَلَ إِلَى عَسْقَلَانَ وَقَتَلَ مِنْهُمْ 30 رَجُلًا، وَأَخَذَ مَا مَعَهُمْ وَأَعْطَى الثِّيَابَ لِلَّذِينَ فَسَّرُوا اللُّغْزَ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى دَارِ أَبِيهِ، وَهُوَ غَضْبَانٌ جِدًّا. وَأُعْطِيَتْ زَوْجَتُهُ لِصَاحِبِهِ الَّذِي كَانَ مَعَهُ فِي الْعُرْسِ. وَبَعْدَ فَتْرَةٍ مِنَ الْوَقْتِ، زَارَ شَمْشُونُ زَوْجَتَهُ فِي أَيَّامِ حَصَادِ الْقَمْحِ، وَأَخَذَ لَهَا جَدْيًا مِنَ الْمَعْزِ. وَقَالَ لِأَبِيهَا: ”أُرِيدُ أَنْ أَدْخُلَ إِلَى زَوْجَتِي فِي غُرْفَتِهَا.“ لَكِنَّ أَبَاهَا مَنَعَهُ وَقَالَ لَهُ: ”ظَنَنْتُ أَنَّكَ كَرِهْتَهَا، فَأَعْطَيْتُهَا لِصَاحِبِكَ. أُخْتُهَا الصَّغِيرَةُ أَحْلَى مِنْهَا. خُذْهَا بَدَلًا مِنْهَا.“ فَقَالَ لَهُمْ شَمْشُونُ: ”الْآنَ أَنَا بَرِيءٌ مِنَ الْفِلِسْطِيِّينَ. سَأَنْتَقِمُ مِنْهُمْ.“ وَذَهَبَ وَاصْطَادَ 300 ثَعْلَبٍ، وَرَبَطَ كُلَّ اثْنَيْنِ مَعًا مِنَ الذَّيْلَيْنِ. وَوَضَعَ مِشْعَلًا فِي كُلِّ ذَيْلَيْنِ. ثُمَّ أَوْقَدَ الْمَشَاعِلَ، وَأَطْلَقَ الثَّعَالِبَ فِي زَرْعِ الْفِلِسْطِيِّينَ. فَأَحْرَقَتِ الْحُزَمَ وَالزَّرْعَ وَالْعِنَبَ وَالزَّيْتُونَ. فَقَالَ الْفِلِسْطِيُّونَ: ”مَنْ فَعَلَ هَذَا؟“ فَكَانَ الْجَوَابُ: ”شَمْشُونُ زَوْجُ بِنْتِ التِّمْنِيِّ، لِأَنَّ التِّمْنِيَّ أَخَذَ زَوْجَةَ شَمْشُونَ وَأَعْطَاهَا لِصَاحِبِهِ.“ فَذَهَبَ الْفِلِسْطِيُّونَ وَأَحْرَقُوهَا هِيَ وَأَبَاهَا بِالنَّارِ. فَقَالَ لَهُمْ شَمْشُونُ: ”بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمْ هَذَا، فَلَنْ أَكُفَّ عَنْكُمْ حَتَّى أَنْتَقِمَ مِنْكُمْ.“ وَهَجَمَ عَلَيْهِمْ بِضَرَاوَةٍ وَقَتَلَ كَثِيرِينَ مِنْهُمْ. ثُمَّ نَزَلَ وَأَقَامَ فِي مَغَارَةٍ فِي صَخْرَةِ عِيطَمَ. وَصَعِدَ الْفِلِسْطِيُّونَ وَعَسْكَرُوا فِي أَرْضِ يَهُوذَا وَانْتَشَرُوا فِي لَحْيٍ. فَقَالَ لَهُمْ رِجَالُ يَهُوذَا: ”لِمَاذَا جِئْتُمْ لِتُحَارِبُونَا؟“ فَقَالُوا: ”جِئْنَا لِنَقْبِضَ عَلَى شَمْشُونَ وَنَفْعَلَ بِهِ كَمَا فَعَلَ بِنَا.“ فَنَزَلَ 3000 رَجُلٍ مِنْ يَهُوذَا إِلَى الْمَغَارَةِ الَّتِي فِي صَخْرَةِ عِيطَمَ، وَقَالُوا لِشَمْشُونَ: ”أَنْتَ عَارِفٌ أَنَّ الْفِلِسْطِيِّينَ مُتَسَلِّطُونَ عَلَيْنَا، فَانْظُرْ مَا فَعَلْتَ بِنَا!“ فَقَالَ لَهُمْ: ”كَمَا فَعَلُوا بِي فَعَلْتُ بِهِمْ.“ فَقَالُوا لَهُ: ”جِئْنَا لِنَقْبِضَ عَلَيْكَ، وَنُسَلِّمَكَ إِلَى الْفِلِسْطِيِّينَ.“ فَقَالَ لَهُمْ شَمْشُونُ: ”اِحْلِفُوا لِي إِنَّكُمْ لَنْ تَقْتُلُونِي.“ فَقَالُوا لَهُ: ”لَا، لَنْ نَقْتُلَكَ، لَكِنْ نَقْبِضُ عَلَيْكَ وَنُسَلِّمُكَ إِلَيْهِمْ.“ فَرَبَطُوهُ بِحَبْلَيْنِ جَدِيدَيْنِ، وَأَخْرَجُوهُ مِنَ الصَّخْرَةِ. وَلَمَّا وَصَلَ إِلَى لَحْيٍ، قَابَلَهُ الْفِلِسْطِيُّونَ بِالصِّيَاحِ. فَحَلَّ عَلَيْهِ رُوحُ اللهِ، فَأَصْبَحَ الْحَبْلَانِ اللَّذَانِ عَلَى ذِرَاعَيْهِ كَأَنَّهُمَا كَتَّانٌ أَحْرَقَتْهُ النَّارُ، فَانْحَلَّ الرِّبَاطُ عَنْ يَدَيْهِ. وَعَثَرَ شَمْشُونُ عَلَى فَكِّ حِمَارٍ طَرِيٍّ، فَمَدَّ يَدَهُ وَأَخَذَهُ وَقَتَلَ بِهِ 1000 رَجُلٍ. وَقَالَ: ”بِفَكِّ حِمَارٍ جَعَلْتُهُمْ حَمِيرًا! بِفَكِّ حِمَارٍ قَتَلْتُ 1000 رَجُلٍ!“ وَلَمَّا انْتَهَى مِنَ الْكَلَامِ، رَمَى الْفَكَّ مِنْ يَدِهِ وَدَعَا ذَلِكَ الْمَكَانَ مُرْتَفَعَةَ لَحْيٍ. ثُمَّ عَطِشَ جِدًّا، فَدَعَا اللهَ وَقَالَ: ”أَنْتَ مَنَحْتَ عَبْدَكَ هَذَا النَّصْرَ الْعَظِيمَ، فَهَلْ أَمُوتُ الْآنَ مِنَ الْعَطَشِ، وَأَقَعُ فِي يَدِ النَّجِسِينَ؟“ فَشَقَّ اللهُ الْفَجْوَةَ الَّتِي فِي لَحْيٍ، فَخَرَجَ مِنْهَا مَاءٌ. وَشَرِبَ شَمْشُونُ، فَعَادَتْ إِلَيْهِ قُوَّتُهُ وَانْتَعَشَ. لِذَلِكَ دَعَا اسْمَ ذَلِكَ الْمَكَانِ 'عَيْنَ هَقُّورِي' وَهِيَ فِي لَحْيٍ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. وَقَضَى شَمْشُونُ لِإِسْرَائِيلَ فِي أَيَّامِ الْفِلِسْطِيِّينَ 20 سَنَةً. ثُمَّ ذَهَبَ شَمْشُونُ إِلَى غَزَّةَ، وَرَأَى هُنَاكَ امْرَأَةً عَاهِرَةً، فَدَخَلَ عَلَيْهَا. فَبَلَغَ أَهْلَ غَزَّةَ أَنَّ شَمْشُونَ جَاءَ عِنْدَهُمْ. فَحَاصَرُوا الْمَنْزِلَ، وَكَمَنُوا لَهُ طُولَ اللَّيْلِ عِنْدَ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ. وَسَكَتُوا طُولَ اللَّيْلِ وَقَالُوا: ”نَقْتُلُهُ عِنْدَ طُلُوعِ الصُّبْحِ.“ لَكِنَّ شَمْشُونَ رَقَدَ حَتَّى نِصْفِ اللَّيْلِ فَقَطْ. ثُمَّ قَامَ وَخَلَعَ الْبَابَيْنِ مِنْ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ وَالْقَائِمَتَيْنِ وَالْقُفْلَ، وَحَمَلَهَا عَلَى كَتِفَيْهِ، وَصَعِدَ بِهَا إِلَى قِمَّةِ الْجَبَلِ الَّذِي مُقَابِلَ حَبْرُونَ. وَبَعْدَ ذَلِكَ أَحَبَّ شَمْشُونُ امْرَأَةً فِي وَادِي سُورَقَ اسْمُهَا دَلِيلَةُ. فَصَعِدَ إِلَيْهَا قَادَةُ الْفِلِسْطِيِّينَ وَقَالُوا لَهَا: ”تَحَايَلِي عَلَيْهِ وَاعْرِفِي مَا هُوَ سِرُّ قُوَّتِهِ الْعَظِيمَةِ، وَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ نَغْلِبَهُ فَنُقَيِّدَهُ وَنُخْضِعَهُ. فَيُعْطِيكِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا 1100 عُمْلَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ.“ فَقَالَتْ دَلِيلَةُ لِشَمْشُونَ: ”قُلْ لِي مَا هُوَ سِرُّ قُوَّتِكَ الْعَظِيمَةِ، وَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ تُقَيَّدَ وَتُخْضَعَ.“ فَقَالَ لَهَا شَمْشُونُ: ”إِذَا قَيَّدُونِي بِـ7 أَوْتَارٍ طَرِيَّةٍ لَمْ تَجِفَّ، أَضْعُفُ وَأَصِيرُ كَبَاقِي النَّاسِ.“ فَأَحْضَرَ لَهَا قَادَةُ الْفِلِسْطِيِّينَ 7 أَوْتَارٍ طَرِيَّةٍ لَمْ تَجِفَّ، فَقَيَّدَتْهُ بِهَا. وَكَانَ عِنْدَهَا فِي إِحْدَى الْغُرَفِ كَمِينٌ يَتَرَبَّصُ بِهِ. فَقَالَتْ لَهُ: ”جَاءَ الْفِلِسْطِيُّونَ عَلَيْكَ يَا شَمْشُونُ!“ فَقَطَعَ الْأَوْتَارَ وَكَأَنَّهَا خَيْطٌ لَامَسَ النَّارَ. وَلَمْ يَعْرِفِ الْفِلِسْطِيُّونَ سِرَّ قُوَّتِهِ. فَقَالَتْ دَلِيلَةُ لِشَمْشُونَ: ”أَنْتَ خَدَعْتَنِي وَكَذَبْتَ عَلَيَّ. قُلْ لِي كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ تُقَيَّدَ!“ فَقَالَ لَهَا: ”إِذَا قَيَّدُونِي بِحِبَالٍ جَدِيدَةٍ لَمْ تُسْتَعْمَلْ، أَضْعُفُ وَأَصِيرُ كَبَاقِي النَّاسِ.“ فَأَخَذَتْ دَلِيلَةُ حِبَالًا جَدِيدَةً وَقَيَّدَتْهُ بِهَا. وَكَانَ فِي الْغُرْفَةِ كَمِينٌ يَتَرَبَّصُ بِهِ. فَقَالَتْ لَهُ: ”جَاءَ الْفِلِسْطِيُّونَ عَلَيْكَ يَا شَمْشُونُ!“ فَقَطَعَ الْحِبَالَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ وَكَأَنَّهَا خَيْطٌ. فَقَالَتْ دَلِيلَةُ لِشَمْشُونَ: ”حَتَّى الْآنَ خَدَعْتَنِي وَكَذَبْتَ عَلَيَّ. قُلْ لِي كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ تُقَيَّدَ!“ فَقَالَ لَهَا: ”إِنْ ضَفَرْتِ 7 خُصَلِ رَأْسِي بِمِغْزَلٍ، وَثَبَّتِّهَا بِوَتَدٍ، أَضْعُفُ وَأَصِيرُ كَبَاقِي النَّاسِ.“ فَأَنَامَتْهُ وَضَفَرَتْ 7 خُصَلِ رَأْسِهِ بِمِغْزَلٍ، وَثَبَّتَتْهَا بِوَتَدٍ، وَقَالَتْ لَهُ: ”جَاءَ الْفِلِسْطِيُّونَ عَلَيْكَ يَا شَمْشُونُ!“ فَأَفَاقَ مِنْ نَوْمِهِ، وَقَلَعَ الْوَتَدَ وَالْمِغْزَلَ. فَقَالَتْ لَهُ: ”كَيْفَ تَقُولُ إِنَّكَ تُحِبُّنِي، وَأَنْتَ لَا تَثِقُ فِيَّ؟ أَنْتَ خَدَعْتَنِي 3 مَرَّاتٍ، وَلَمْ تُخْبِرْنِي بِسِرِّ قُوَّتِكَ الْعَظِيمَةِ!“ وَكَانَتْ تُضَايِقُهُ بِكَلَامِهَا كُلَّ يَوْمٍ وَتُلِحُّ عَلَيْهِ، حَتَّى كَادَ يَمُوتُ مِنَ الضِّيقِ. فَأَخْبَرَهَا بِكُلِّ شَيْءٍ وَقَالَ لَهَا: ”لَمْ يُحْلَقْ شَعْرُ رَأْسِي أَبَدًا، لِأَنِّي نَذِيرٌ مُكَرَّسٌ للهِ مِنْ بَطْنِ أُمِّي. فَإِنْ حُلِقَ شَعْرِي، تُفَارِقُنِي قُوَّتِي وَأَضْعُفُ وَأَصِيرُ كَبَاقِي النَّاسِ.“ وَلَمَّا رَأَتْ دَلِيلَةُ أَنَّهُ أَخْبَرَهَا بِكُلِّ شَيْءٍ، أَرْسَلَتْ وَاسْتَدْعَتْ قَادَةَ الْفِلِسْطِيِّينَ وَقَالَتْ: ”تَعَالَوْا بِسُرْعَةٍ لِأَنَّهُ أَخْبَرَنِي بِكُلِّ شَيْءٍ.“ فَذَهَبُوا إِلَيْهَا وَالْفِضَّةُ بِيَدِهِمْ. وَأَنَامَتْهُ عَلَى رُكْبَتَيْهَا، وَدَعَتْ رَجُلًا، فَحَلَقَ 7 خُصَلِ شَعْرِهِ، فَفَارَقَتْهُ قُوَّتُهُ. وَبَدَأَتْ دَلِيلَةُ تُذِلُّهُ، وَقَالَتْ لَهُ: ”جَاءَ الْفِلِسْطِيُّونَ عَلَيْكَ يَا شَمْشُونُ!“ فَأَفَاقَ مِنْ نَوْمِهِ، وَظَنَّ أَنَّ بِإِمْكَانِهِ أَنْ يُنْقِذَ نَفْسَهُ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ كُلَّ مَرَّةٍ. وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ فَارَقَهُ. فَأَخَذَهُ الْفِلِسْطِيُّونَ وَقَلَعُوا عَيْنَيْهِ وَنَزَلُوا بِهِ إِلَى غَزَّةَ. وَقَيَّدُوهُ بِسَلَاسِلَ نُحَاسٍ، وَجَعَلُوهُ يَطْحَنُ فِي السِّجْنِ. وَبَدَأَ شَعْرُ رَأْسِهِ يَنْبُتُ مِنْ جَدِيدٍ، بَعْدَمَا حُلِقَ. وَاجْتَمَعَ قَادَةُ الْفِلِسْطِيِّينَ لِيُقَدِّمُوا ضَحِيَّةً عَظِيمَةً لِدَاجُونَ إِلَهِهِمْ وَيَحْتَفِلُوا. فَقَالُوا: ”إِلَهُنَا نَصَرَنَا عَلَى شَمْشُونَ عَدُوِّنَا.“ وَلَمَّا رَآهُ الشَّعْبُ عَظَّمُوا إِلَهَهُمْ وَقَالُوا: ”إِلَهُنَا نَصَرَنَا عَلَى عَدُوِّنَا الَّذِي خَرَّبَ أَرْضَنَا وَكَثَّرَ قَتْلَانَا.“ وَامْتَلَأَتْ قُلُوبُهُمْ طَرَبًا فَقَالُوا: ”هَاتُوا شَمْشُونَ يُسَلِّينَا!“ فَأَحْضَرُوا شَمْشُونَ مِنَ السِّجْنِ، فَلَعِبَ أَمَامَهُمْ. ثُمَّ أَوْقَفُوهُ بَيْنَ الْأَعْمِدَةِ. فَقَالَ شَمْشُونُ لِلشَّابِّ الَّذِي كَانَ يَقُودُهُ بِيَدِهِ: ”دَعْنِي أَلْمِسُ الْأَعْمِدَةَ الَّتِي يَرْتَكِزُ عَلَيْهَا هَذَا الْمَعْبَدُ، لِأَسْتَنِدَ عَلَيْهَا.“ وَكَانَ الْمَعْبَدُ مَمْلُوءًا بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَكَانَ هُنَاكَ كُلُّ قَادَةِ الْفِلِسْطِيِّينَ، وَعَلَى السَّطْحِ حَوَالَيْ 3000 مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ يَتَفَرَّجُونَ عَلَى لِعْبِ شَمْشُونَ. فَدَعَا شَمْشُونُ اللهَ وَقَالَ: ”يَا رَبِّي وَإِلَهِي، اُذْكُرْنِي وَشَدِّدْنِي يَا اللهُ هَذِهِ الْمَرَّةَ فَقَطْ، لِأَنْتَقِمَ لِعَيْنَيَّ مِنَ الْفِلِسْطِيِّينَ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ.“ ثُمَّ قَبَضَ شَمْشُونُ عَلَى الْعَمُودَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي الْوَسَطِ وَكَانَ الْمَعْبَدُ يَرْتَكِزُ عَلَيْهِمَا. وَاسْتَنَدَ عَلَيْهِمَا، الْوَاحِدُ بِيَمِينِهِ وَالْآخَرُ بِشِمَالِهِ. وَصَرَخَ: ”أَمُوتُ وَيَمُوتُ الْفِلِسْطِيُّونَ مَعِي!“ وَدَفَعَ الْعَمُودَيْنِ بِكُلِّ قُوَّتِهِ، فَانْهَارَ الْمَعْبَدُ عَلَى الْقَادَةِ وَعَلَى كُلِّ الشَّعْبِ الْمَوْجُودِ، فَكَانَ الْمَوْتَى الَّذِينَ قَتَلَهُمْ شَمْشُونُ عِنْدَ مَوْتِهِ، أَكْثَرَ مِنَ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ طُولَ حَيَاتِهِ. فَنَزَلَ إِخْوَتُهُ وَكُلُّ عَائِلَةِ أَبِيهِ، وَحَمَلُوهُ وَصَعِدُوا بِهِ وَدَفَنُوهُ بَيْنَ صَرْعَةَ وَأَشْتَأُولَ، فِي قَبْرِ مَنُوحَ أَبِيهِ. وَكَانَ شَمْشُونُ قَدْ قَضَى لِإِسْرَائِيلَ 20 سَنَةً. وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ جَبَلِ أَفْرَايِمَ اسْمُهُ مِيخَا. فَقَالَ لِأُمِّهِ: ”أَنَا سَمِعْتُكِ تَلْعَنِينَ الَّذِي سَرَقَ مِنْكِ الْـ1100 عُمْلَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ. أَنَا الَّذِي سَرَقْتُهَا وَهِيَ مَعِي لِأَرُدَّهَا لَكِ.“ فَقَالَتْ أُمُّهُ: ”بَارَكَ اللهُ فِيكَ يَا ابْنِي!“ وَبَيْنَمَا هُوَ يَرُدُّ لِأُمِّهِ الْـ1100 عُمْلَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ، قَالَتْ: ”إِنِّي أُكَرِّسُ الْفِضَّةَ تَمَامًا للهِ مِنْ أَجْلِ ابْنِي لِعَمَلِ تِمْثَالٍ مَنْحُوتٍ وَتِمْثَالٍ مَسْبُوكٍ، أَيْ سَتَرْجِعُ الْفِضَّةُ لَكَ!“ فَلَمَّا رَدَّ الْفِضَّةَ لِأُمِّهِ، أَخَذَتْ مِنْهَا 200 عُمْلَةٍ وَأَعْطَتْهَا لِلصَّائِغِ، فَعَمِلَهَا تِمْثَالًا مَنْحُوتًا وَتِمْثَالًا مَسْبُوكًا فَوَضَعَهُمَا مِيخَا فِي دَارِهِ. وَكَانَ لِهَذَا الرَّجُلِ مِيخَا بَيْتٌ لِلْآلِهَةِ، وَعَمِلَ أَصْنَامًا وَآلِهَةً، وَجَعَلَ أَحَدَ أَوْلَادِهِ كَاهِنًا. وَفِي تِلْكَ الْأَيَّامِ لَمْ يَكُنْ لِإِسْرَائِيلَ مَلِكٌ، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَتَصَرَّفُ عَلَى هَوَاهُ. وَكَانَ شَابٌّ لَاوِيٌّ مِنْ بَيْتَ لَحْمَ الَّتِي فِي يَهُوذَا، مُقِيمًا كَضَيْفٍ فِي عَشِيرَةِ يَهُوذَا. فَتَرَكَ بَيْتَ لَحْمَ، وَأَخَذَ يَبْحَثُ عَنْ مَكَانٍ آخَرَ لِيُقِيمَ فِيهِ. وَبَيْنَمَا هُوَ فِي الطَّرِيقِ، وَصَلَ إِلَى دَارِ مِيخَا فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ. فَسَأَلَهُ مِيخَا: ”مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟“ فَقَالَ: ”أَنَا لَاوِيٌّ مِنْ بَيْتَ لَحْمَ الَّتِي فِي يَهُوذَا، وَأَنَا أَبْحَثُ عَنْ مَكَانٍ أُقِيمُ فِيهِ.“ قَالَ لَهُ مِيخَا: ”أَقِمْ عِنْدِي وَكُنْ لِي مُرْشِدًا رُوحِيًّا وَكَاهِنًا، وَأَنَا أُعْطِيكَ كُلَّ سَنَةٍ 10 عُمْلَاتٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَكِسْوَةً مِنَ الثِّيَابِ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى قُوتِكَ.“ فَرَضِيَ اللَّاوِيُّ أَنْ يُقِيمَ مَعَ مِيخَا، وَكَانَ عِنْدَهُ كَأَحَدِ أَوْلَادِهِ. فَجَعَلَهُ مِيخَا كَاهِنًا لَهُ، وَأَسْكَنَهُ مَعَهُ فِي دَارِهِ. فَقَالَ مِيخَا: ”الْآنَ عَلِمْتُ أَنَّ اللهَ سَيُحْسِنُ إِلَيَّ، لِأَنَّ عِنْدِي كَاهِنًا مِنَ اللَّاوِيِّينَ.“ وَفِي تِلْكَ الْأَيَّامِ لَمْ يَكُنْ لِإِسْرَائِيلَ مَلِكٌ. وَكَانَ بَنُو دَانَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ يَبْحَثُونَ عَنْ مَكَانٍ لِيَسْتَقِرُّوا فِيهِ. لِأَنَّهُمْ حَتَّى ذَلِكَ الْوَقْتِ، لَمْ يَمْلِكُوا نَصِيبَهُمْ بَيْنَ قَبَائِلِ إِسْرَائِيلَ. فَأَرْسَلُوا مِنْ صَرْعَةَ وَمِنْ أَشْتَأُولَ 5 رِجَالٍ يُمَثِّلُونَ كُلَّ الْقَبِيلَةِ، لِيَتَجَسَّسُوا الْبِلَادَ وَيَسْتَكْشِفُوهَا. وَقَالُوا لَهُمْ: ”اِذْهَبُوا اسْتَكْشِفُوا الْبِلَادَ.“ فَجَاءُوا إِلَى دَارِ مِيخَا فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ، وَبَاتُوا هُنَاكَ. وَبَيْنَمَا هُمْ فِي دَارِ مِيخَا، لَاحَظُوا لَهْجَةَ الشَّابِّ اللَّاوِيِّ، فَأَخَذُوهُ عَلَى نَاحِيَةٍ وَسَأَلُوهُ: ”مَنْ جَاءَ بِكَ إِلَى هُنَا؟ وَمَاذَا تَفْعَلُ فِي هَذَا الْمَكَانِ؟ وَلِمَاذَا أَنْتَ هُنَا؟“ قَالَ لَهُمْ: ”صَنَعَ لِي مِيخَا كَذَا وَكَذَا، وَاسْتَأْجَرَنِي فَصِرْتُ كَاهِنًا لَهُ.“ فَقَالُوا لَهُ: ”إِذَنِ اسْأَلْ لَنَا مِنَ اللهِ لِنَعْلَمَ إِنْ كَانَتْ مُهِمَّتُنَا الَّتِي نَحْنُ فِيهَا سَتَنْجَحُ.“ أَجَابَهُمُ الْكَاهِنُ: ”رُوحُوا بِالسَّلَامَةِ! لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنْ مُهِمَّتِكُمْ!“ فَمَضَى الرِّجَالُ الْـ5 حَتَّى وَصَلُوا إِلَى لَايِشَ. فَوَجَدُوا أَهْلَهَا يَعِيشُونَ فِي أَمَانٍ كَعَادَةِ الصَّيْدُونِيِّينَ، مُسْتَرِيحِينَ وَمُطْمَئِنِّينَ. وَكَانُوا أَثْرِيَاءَ وَبِلَادُهُمْ لَا يَنْقُصُهَا شَيْءٌ. ثُمَّ إِنَّهُمْ كَانُوا بَعِيدِينَ عَنِ الصَّيْدُونِيِّينَ وَلَا عَلَاقَةَ لَهُمْ بِأَحَدٍ. وَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى صَرْعَةَ وَأَشْتَأُولَ، سَأَلَهُمْ إِخْوَانُهُمْ: ”كَيْفَ الْحَالُ؟“ أَجَابُوهُمْ: ”تَعَالَوْا نَهْجُمُ عَلَيْهِمْ! رَأَيْنَا الْأَرْضَ صَالِحَةً جِدًّا. فَلِمَاذَا تَسْكُتُونَ؟ لَا تَتَرَدَّدُوا، بَلِ اذْهَبُوا وَادْخُلُوا الْأَرْضَ وَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا. حِينَ تَأْتُونَ إِلَيْهَا، سَتَجِدُونَ شَعْبًا مُطْمَئِنًّا، وَأَرْضًا شَاسِعَةً. إِنَّ اللهَ أَعْطَاهَا لَكُمْ. هَذَا مَكَانٌ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا.“ فَرَحَلَ مِنْ صَرْعَةَ وَأَشْتَأُولَ 600 رَجُلٍ مِنْ عَشِيرَةِ دَانَ مُسَلَّحِينَ لِلْقِتَالِ. وَفِي الطَّرِيقِ، خَيَّمُوا عِنْدَ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ فِي يَهُوذَا. هَذَا هُوَ السَّبَبُ أَنَّ ذَلِكَ الْمَكَانَ غَرْبَ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ اسْمُهُ مُخَيَّمُ دَانَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. وَمِنْ هُنَاكَ تَقَدَّمُوا إِلَى جَبَلِ أَفْرَايِمَ، حَتَّى وَصَلُوا إِلَى دَارِ مِيخَا. فَتَكَلَّمَ الرِّجَالُ الْـ5 الَّذِينَ تَجَسَّسُوا أَرْضَ لَايِشَ، وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ: ”هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ فِي دَارٍ مِنْ هَذِهِ الدِّيَارِ تُوجَدُ أَصْنَامٌ وَآلِهَةٌ وَتِمْثَالٌ مَنْحُوتٌ وَتِمْثَالٌ مَسْبُوكٌ؟ فَانْظُرُوا الْآنَ مَا يَجِبُ أَنْ تَعْمَلُوهُ!“ فَاتَّجَهُوا إِلَى دَارِ مِيخَا، وَذَهَبُوا إِلَى مَنْزِلِ الشَّابِّ اللَّاوِيِّ هُنَاكَ، وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ. وَالرِّجَالُ الـ600 مِنْ بَنِي دَانَ، الَّذِينَ كَانُوا مُسَلَّحِينَ لِلْقِتَالِ، وَقَفُوا عِنْدَ مَدْخَلِ الْبَابِ. فَدَخَلَ الرِّجَالُ الْـ5 الَّذِينَ تَجَسَّسُوا الْأَرْضَ، وَأَخَذُوا التِّمْثَالَ الْمَنْحُوتَ وَالْأَصْنَامَ وَالْآلِهَةَ الْأُخْرَى وَالتِّمْثَالَ الْمَسْبُوكَ، بَيْنَمَا الْكَاهِنُ وَاقِفٌ عِنْدَ مَدْخَلِ الْبَابِ مَعَ الرِّجَالِ الـ600 الْمُسَلَّحِينَ لِلْقِتَالِ. فَلَمَّا دَخَلَ هَؤُلَاءِ إِلَى دَارِ مِيخَا، وَأَخَذُوا التِّمْثَالَ الْمَنْحُوتَ وَالْأَصْنَامَ وَالْآلِهَةَ الْأُخْرَى وَالتِّمْثَالَ الْمَسْبُوكَ، اِعْتَرَضَ الْكَاهِنُ وَقَالَ: ”مَاذَا تَفْعَلُونَ؟“ فَقَالُوا لَهُ: ”اِخْرَسْ، وَلَا تَتَكَلَّمْ! بَلْ تَعَالَ مَعَنَا وَكُنْ لَنَا مُشِيرًا وَكَاهِنًا. أَيُّهُمَا أَفْضَلُ لَكَ، أَنْ تَكُونَ كَاهِنًا لِعَائِلَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، أَمْ لِقَبِيلَةٍ وَعَشِيرَةٍ فِي إِسْرَائِيلَ؟“ فَفَرِحَ الْكَاهِنُ وَأَخَذَ الْأَصْنَامَ وَالْآلِهَةَ وَالتِّمْثَالَ الْمَنْحُوتَ، وَدَخَلَ فِي وَسَطِ الشَّعْبِ. ثُمَّ وَضَعُوا الْأَطْفَالَ وَالْمَاشِيَةَ وَالْأَمْتِعَةَ قُدَّامَهُمْ، وَانْصَرَفُوا وَذَهَبُوا. وَلَمَّا ابْتَعَدُوا عَنْ دَارِ مِيخَا، اِجْتَمَعَ الرِّجَالُ جِيرَانُ مِيخَا، وَأَدْرَكُوا بَنِي دَانَ، وَصَاحُوا إِلَيْهِمْ. فَالْتَفَتَ بَنُو دَانَ وَقَالُوا لِمِيخَا: ”مَا لَكَ تَصْرُخُ؟“ فَقَالَ: ”أَخَذْتُمْ آلِهَتِيَ الَّتِي صَنَعْتُهَا وَكَاهِنِي وَلَمْ تَتْرُكُوا لِي شَيْئًا وَتَقُولُونَ لِي: ’مَا لَكَ؟‘“ فَقَالَ بَنُو دَانَ: ”لَا تُزْعِجْنَا بِهَذَا الْجِدَالِ، لِئَلَّا يَفْتِكَ بِكُمْ رِجَالٌ طَبْعُهُمْ شَرِسٌ، فَتَهْلِكَ أَنْتَ وَعَائِلَتُكَ!“ وَوَاصَلَ بَنُو دَانَ سَيْرَهُمْ. فَلَمَّا رَأَى مِيخَا أَنَّهُمْ أَقْوَى مِنْهُ، اِنْصَرَفَ وَرَجَعَ إِلَى دَارِهِ. فَأَخَذَ بَنُو دَانَ مَا صَنَعَهُ مِيخَا وَكَاهِنَهُ، وَأَقْبَلُوا إِلَى لَايِشَ، إِلَى شَعْبٍ مُسْتَرِيحٍ مُطْمَئِنٍّ، وَهَجَمُوا عَلَيْهِمْ بِالسَّيْفِ، وَأَحْرَقُوا الْمَدِينَةَ بِالنَّارِ. وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ لِيُنْقِذَهُمْ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا بَعِيدِينَ عَنْ صَيْدَا وَلَا عَلَاقَةَ لَهُمْ بِأَحَدٍ. وَكَانَتْ لَايِشُ فِي الْوَادِي بِالْقُرْبِ مِنْ بَيْتَ رَحُوبَ. وَأَعَادَ بَنُو دَانَ بِنَاءَ الْمَدِينَةِ، وَسَكَنُوا فِيهَا. وَدَعَوْا اسْمَهَا دَانَ عَلَى اسْمِ دَانَ أَبِيهِمِ الَّذِي أَنْجَبَهُ إِسْرَائِيلُ، مَعَ أَنَّ اسْمَهَا السَّابِقَ كَانَ لَايِشَ. وَنَصَبَ بَنُو دَانَ لِأَنْفُسِهِمِ التِّمْثَالَ الْمَنْحُوتَ. وَكَانَ يُونَاثَانُ بْنُ جَرْشُومَ بْنِ مَنَسَّى، هُوَ وَبَنُوهُ كَهَنَةً لِقَبِيلَةِ دَانَ إِلَى يَوْمِ خَرَجَ أَهْلُ الْبِلَادِ فِي الْأَسْرِ. وَهَذِهِ الْأَصْنَامُ الَّتِي عَمِلَهَا مِيخَا، بَقِيَتْ عِنْدَ بَنِي دَانَ طُولَ الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ فِيهِ بَيْتُ اللهِ فِي شِيلُوهَ. وَفِي تِلْكَ الْأَيَّامِ لَمْ يَكُنْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مَلِكٌ. وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ لَاوِيٌّ يُقِيمُ فِي مِنْطَقَةٍ بَعِيدَةٍ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ، وَأَخَذَ لِنَفْسِهِ جَارِيَةً مِنْ بَيْتَ لَحْمَ الَّتِي فِي يَهُوذَا. فَخَانَتْهُ جَارِيَتُهُ، وَخَرَجَتْ مِنْ عِنْدِهِ وَرَجَعَتْ إِلَى دَارِ أَبِيهَا فِي بَيْتَ لَحْمَ فِي يَهُوذَا، وَأَقَامَتْ هُنَاكَ 4 أَشْهُرٍ. فَذَهَبَ زَوْجُهَا إِلَيْهَا لِيُصَالِحَهَا وَيُرْجِعَهَا، وَأَخَذَ مَعَهُ خَادِمَهُ وَحِمَارَيْنِ. فَأَدْخَلَتْهُ إِلَى دَارِ أَبِيهَا. فَلَمَّا رَآهُ أَبُوهَا، فَرِحَ وَرَحَّبَ بِهِ، وَأَلَحَّ عَلَيْهِ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ 3 أَيَّامٍ وَهُمْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَزَاوَرُونَ مَعًا. وَفِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ، قَامُوا فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، وَاسْتَعَدَّ الضَّيْفُ أَنْ يَنْصَرِفَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو زَوْجَتِهِ: ”كُلْ لُقْمَةً تَسْنُدُ بِهَا نَفْسَكَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ تَمْضُونَ.“ فَجَلَسَا وَأَكَلَا وَشَرِبَا مَعًا. وَبَعْدَ ذَلِكَ قَالَ أَبُو الْفَتَاةِ لِلرَّجُلِ: ”مِنْ فَضْلِكَ، اِنْتَظِرْ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ وَمَتِّعْ نَفْسَكَ.“ وَلَمَّا قَامَ الرَّجُلُ لِيَذْهَبَ، أَلَحَّ عَلَيْهِ أَبُو زَوْجَتِهِ، فَعَادَ وَبَاتَ هُنَاكَ. وَفِي الْغَدِ، أَيْ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ، قَامَ مُبَكِّرًا لِيَذْهَبَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الْفَتَاةِ: ”اُسْنُدْ نَفْسَكَ وَانْتَظِرْ إِلَى الْعَصْرِ.“ فَأَكَلَا مَعًا. ثُمَّ قَامَ الرَّجُلُ لِيَذْهَبَ هُوَ وَجَارِيَتُهُ وَخَادِمُهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو زَوْجَتِهِ: ”جَاءَ الْعَصْرُ وَالشَّمْسُ عَلَى وَشْكِ الْغُرُوبِ. بِيتُوا اللَّيْلَةَ هُنَا، فَهَذَا آخِرُ النَّهَارِ. بِيتُوا وَمَتِّعُوا نَفْسَكُمْ، ثُمَّ غَدًا فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ تَقُومُونَ وَتَرْجِعُونَ إِلَى دَارِكَ.“ فَرَفَضَ الرَّجُلُ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَةً أُخْرَى، وَمَضَى حَتَّى وَصَلَ مُقَابِلَ يَبُّوسَ، أَيِ الْقُدْسِ، وَمَعَهُ حِمَارَانِ مُسْرَجَانِ وَجَارِيَتُهُ. وَلَمَّا كَانُوا عِنْدَ يَبُّوسَ، اِقْتَرَبَ الْمَغْرِبُ جِدًّا. فَقَالَ الْخَادِمُ لِسَيِّدِهِ: ”تَعَالَ نَنْزِلُ فِي مَدِينَةِ الْيَبُوسِيِّينَ هَذِهِ، وَنَبِيتُ فِيهَا.“ قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: ”لَا نَنْزِلُ فِي مَدِينَةٍ غَرِيبَةٍ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. بَلْ لِنَذْهَبْ إِلَى جِبْعَةَ.“ وَقَالَ لِخَادِمِهِ: ”تَعَالَ نُحَاوِلُ أَنْ نَصِلَ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ وَنَبِيتَ فِي جِبْعَةَ أَوْ فِي الرَّامَةِ.“ فَذَهَبُوا وَغَابَتِ الشَّمْسُ وَهُمْ عِنْدَ جِبْعَةَ الَّتِي لِبِنْيَمِينَ. فَنَزَلُوا هُنَاكَ لِيَبِيتُوا، وَذَهَبُوا إِلَى سَاحَةِ الْمَدِينَةِ وَجَلَسُوا. وَلَمْ يَأْخُذْهُمْ أَحَدٌ إِلَى دَارِهِ لِيَنَامُوا. وَلَكِنْ حَدَثَ عِنْدَ الْمَسَاءِ، أَنَّ رَجُلًا عَجُوزًا كَانَ رَاجِعًا مِنْ شُغْلِهِ فِي الْحَقْلِ. وَهُوَ أَصْلًا مِنْ جَبَلِ أَفْرَايِمَ وَيُقِيمُ فِي جِبْعَةَ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ هُمْ مِنْ بَنِي بِنْيَمِينَ. فَتَطَلَّعَ هَذَا الْعَجُوزُ وَرَأَى الرَّجُلَ الْمُسَافِرَ فِي سَاحَةِ الْمَدِينَةِ. فَقَالَ الْعَجُوزُ: ”إِلَى أَيْنَ أَنْتَ ذَاهِبٌ؟ وَمِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟“ فَقَالَ لَهُ: ”نَحْنُ فِي طَرِيقِنَا مِنْ بَيْتَ لَحْمَ الَّتِي فِي يَهُوذَا، إِلَى مِنْطَقَةٍ بَعِيدَةٍ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ لِأَنِّي مِنْ هُنَاكَ. فَقَدْ ذَهَبْتُ إِلَى بَيْتَ لَحْمَ وَأَنَا رَاجِعٌ إِلَى بَيْتِ اللهِ، وَحَتَّى الْآنَ لَمْ يَأْخُذْنِي أَحَدٌ إِلَى دَارِهِ. وَعِنْدَنَا تِبْنٌ وَعَلَفٌ لِحَمِيرِنَا، وَخُبْزٌ وَخَمْرٌ لِي وَلِلْمَرْأَةِ وَلِلْخَادِمِ. فَنَحْنُ لَا نَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ.“ فَقَالَ الرَّجُلُ الْعَجُوزُ: ”أَهْلًا بِكَ فِي دَارِي! كُلُّ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ عَلَيَّ أَنَا. لَا يَصِحُّ أَنْ تَبِيتَ فِي السَّاحَةِ.“ وَأَخَذَهُمْ إِلَى دَارِهِ، وَعَلَفَ حَمِيرَهُمْ، وَغَسَلُوا أَرْجُلَهُمْ، وَأَكَلُوا وَشَرِبُوا. وَبَيْنَمَا هُمْ يَتَمَتَّعُونَ بِالزِّيَارَةِ، جَاءَ بَعْضُ رِجَالِ الْمَدِينَةِ الْأَشْرَارِ، وَأَحَاطُوا بِالدَّارِ وَأَخَذُوا يَقْرَعُونَ. وَقَالُوا لِصَاحِبِ الدَّارِ الْعَجُوزِ: ”أَخْرِجِ الرَّجُلَ الضَّيْفَ الَّذِي عِنْدَكَ لِنُعَاشِرَهُ.“ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ صَاحِبُ الدَّارِ وَقَالَ لَهُمْ: ”لَا يَا إِخْوَتِي. لَا تَفْعَلُوا هَذَا الشَّرَّ. هَذَا الرَّجُلُ هُوَ ضَيْفِي، وَفِي دَارِي، فَلَا تَرْتَكِبُوا هَذِهِ الْقَبَاحَةَ! بَلْ سَأُخْرِجُ لَكُمْ بِنْتِيَ الْعَذْرَاءَ وَجَارِيَتَهُ، فَعَاشِرُوهُمَا وَاعْمَلُوا بِهِمَا مَا يَحْلُو لَكُمْ. وَلَكِنْ لَا تَرْتَكِبُوا هَذَا الْأَمْرَ الْقَبِيحَ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ!“ فَرَفَضَ الرِّجَالُ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ. فَأَمْسَكَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ وَأَخْرَجَهَا لَهُمْ. فَاغْتَصَبُوهَا وَظَلُّوا يَتَنَاوَبُونَهَا طُولَ اللَّيْلِ. ثُمَّ تَرَكُوهَا عِنْدَ الْفَجْرِ. وَعِنْدَ طُلُوعِ الصُّبْحِ، جَاءَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى الدَّارِ الَّتِي فِيهَا سَيِّدُهَا، وَلَكِنَّهَا سَقَطَتْ عِنْدَ الْبَابِ، وَبَقِيَتْ هُنَاكَ حَتَّى أَشْرَقَ النَّهَارُ. وَلَمَّا قَامَ سَيِّدُهَا فِي الصُّبْحِ، وَفَتَحَ بَابَ الدَّارِ لِيَخْرُجَ وَيَمْضِيَ فِي طَرِيقِهِ، وَجَدَ جَارِيَتَهُ سَاقِطَةً عَلَى بَابِ الدَّارِ وَيَدَاهَا عَلَى الْعَتَبَةِ. فَقَالَ لَهَا: ”قُومِي نَذْهَبُ.“ فَلَمْ تَرُدَّ عَلَيْهِ. فَأَخَذَهَا عَلَى الْحِمَارِ، وَمَضَى وَرَجَعَ إِلَى دَارِهِ. وَلَمَّا وَصَلَ إِلَى دَارِهِ، تَنَاوَلَ سِكِّينًا، وَأَمْسَكَ الْجُثَّةَ وَقَطَّعَهَا مَعَ عِظَامِهَا إِلَى 12 قِطْعَةً، وَوَزَّعَهَا فِي كُلِّ بِلَادِ إِسْرَائِيلَ. وَأَوْصَى رُسُلَهُ أَنْ يَقُولُوا لِكُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ”مُنْذُ الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ طَلَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ، إِلَى هَذَا الْيَوْمِ، لَمْ يَحْدُثْ مِثْلُ هَذَا الْأَمْرِ، وَلَمْ نُشَاهِدْ مِثْلَهُ أَبَدًا. فَتَأَمَّلُوا وَتَشَاوَرُوا وَاحْكُمُوا فِيمَا يَجِبُ أَنْ نَعْمَلَهُ.“ فَخَرَجَ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعًا، وَجَاءُوا مِنْ دَانَ إِلَى بِئْرَ سَبْعَ وَمِنْ أَرْضِ جِلْعَادَ وَاجْتَمَعُوا فِي مَحْضَرِ اللهِ فِي الْمِصْفَاةِ. وَوَقَفَ قَادَةُ كُلِّ شَعْبِ وَقَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَمَامَ جُمْهُورِ شَعْبِ اللهِ الَّذِي بَلَغَ عَدَدُهُ 400000 جُنْدِيٍّ مُسَلَّحِينَ بِالسُّيُوفِ. فَسَمِعَ بَنُو بِنْيَمِينَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَجَمَّعُوا فِي الْمِصْفَاةِ. وَقَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ: ”اِشْرَحُوا لَنَا كَيْفَ حَدَثَتْ هَذِهِ الْقَبَاحَةُ!“ فَقَالَ الرَّجُلُ اللَّاوِيُّ زَوْجُ الْمَرْأَةِ الْمَقْتُولَةِ: ”دَخَلْتُ أَنَا وَجَارِيَتِي إِلَى جِبْعَةَ الَّتِي لِبِنْيَمِينَ لِنَبِيتَ. وَفِي اللَّيْلِ، قَامَ عَلَيَّ أَهْلُ جِبْعَةَ، وَأَحَاطُوا بِالدَّارِ، وَأَرَادُوا أَنْ يَقْتُلُونِي، وَاغْتَصَبُوا جَارِيَتِي حَتَّى مَاتَتْ. فَأَمْسَكْتُ جُثَّتَهَا وَقَطَّعْتُهَا وَوَزَّعْتُهَا فِي كُلِّ بِلَادِ إِسْرَائِيلَ، لِأَنَّهُمُ ارْتَكَبُوا فَاحِشَةً وَقَبَاحَةً فِي حَقِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَالْآنَ تَشَاوَرُوا يَا جَمِيعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَعْطُونَا رَأْيَكُمْ!“ فَقَامَ كُلُّ الشَّعْبِ مَعًا وَقَالُوا: ”لَا يَرْجِعْ أَحَدٌ مِنَّا إِلَى خَيْمَتِهِ أَوْ دَارِهِ! إِنَّمَا نَفْعَلُ هَذَا بِجِبْعَةَ: نُلْقِي قُرْعَةً، فَنَأْخُذُ 10 رِجَالٍ مِنْ كُلِّ 100 مِنْ جَمِيعِ قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَنَأْخُذُ 100 مِنَ الْـ1000، وَ1000 مِنَ الْـ10000. هَؤُلَاءِ يُحْضِرُونَ الْمَؤُونَةَ لِلْجَيْشِ الَّذِي سَيُحَارِبُ جِبْعَةَ بِنْيَمِينَ، وَيَدْخُلُهَا وَيَنْتَقِمُ مِنْهَا عَلَى الْقَبَاحَةِ الَّتِي ارْتَكَبَتْهَا فِي حَقِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ.“ فَاتَّفَقُوا كُلُّهُمْ مَعًا أَنْ يُعَاقِبُوا الْمَدِينَةَ. وَأَرْسَلَتْ قَبَائِلُ إِسْرَائِيلَ رِجَالًا إِلَى كُلِّ عَشَائِرِ بِنْيَمِينَ وَقَالُوا لَهُمْ: ”لِمَاذَا ارْتَكَبْتُمْ هَذَا الشَّرَّ الْفَظِيعَ؟ سَلِّمُوا إِلَيْنَا هَؤُلَاءِ الْأَشْرَارَ الَّذِينَ فِي جِبْعَةَ، فَنَقْتُلَهُمْ وَنُزِيلَ الشَّرَّ مِنْ إِسْرَائِيلَ.“ فَرَفَضَ بَنُو بِنْيَمِينَ أَنْ يَسْمَعُوا كَلَامَ إِخْوَتِهِمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَاجْتَمَعُوا مِنْ مُدُنِهِمْ إِلَى جِبْعَةَ، لِيُحَارِبُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، جَمَعَ بَنُو بِنْيَمِينَ مِنْ مُدُنِهِمْ، 26000 مُسَلَّحِينَ بِالسُّيُوفِ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى 700 مُخْتَارِينَ مِنْ أَهْلِ جِبْعَةَ. وَكَانَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمُحَارِبِينَ 700 رَجُلٍ أَعْسَرَ، يَرْمُونَ الْحَجَرَ بِالْمِقْلَاعِ وَلَا يُخْطِئُونَ الْهَدَفَ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ شَعْرَةً! وَكَانَ عَدَدُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنْ غَيْرِ بِنْيَمِينَ 400000 مُسَلَّحِينَ بِالسُّيُوفِ. كُلُّهُمْ رِجَالُ حَرْبٍ. وَصَعِدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى بَيْتَ إِيلَ لِيَسْتَشِيرُوا اللهَ فَقَالُوا: ”مَنْ مِنَّا يَذْهَبُ أَوَّلًا لِيُحَارِبَ بِنْيَمِينَ؟“ فَقَالَ اللهُ: ”يَهُوذَا أَوَّلًا.“ وَقَامَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الصُّبْحِ، وَنَصَبُوا خِيَامَهُمْ قُرْبَ جِبْعَةَ. ثُمَّ خَرَجَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ لِيُحَارِبُوا بِنْيَمِينَ، وَاسْتَعَدُّوا لِلْحَرْبِ عِنْدَ جِبْعَةَ. فَخَرَجَ بَنُو بِنْيَمِينَ مِنْ جِبْعَةَ، وَقَتَلُوا مِنْ إِسْرَائِيلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ 22000 رَجُلٍ. وَلَكِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ شَجَّعُوا بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَاسْتَعَدُّوا أَيْضًا لِلْحَرْبِ فِي نَفْسِ الْمَكَانِ الَّذِي كَانُوا فِيهِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ. فَصَعِدُوا وَبَكَوْا فِي مَحْضَرِ اللهِ إِلَى الْمَسَاءِ، وَاسْتَشَارُوهُ وَقَالُوا: ”هَلْ نَعُودُ إِلَى مُحَارَبَةِ بَنِي بِنْيَمِينَ إِخْوَتِنَا؟“ فَقَالَ اللهُ: ”حَارِبُوهُمْ.“ فَتَقَدَّمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى بَنِي بِنْيَمِينَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي. فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ بَنُو بِنْيَمِينَ مِنْ جِبْعَةَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَقَتَلُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ 18000 رَجُلٍ، كَانُوا كُلُّهُمْ مُسَلَّحِينَ بِالسُّيُوفِ. فَصَعِدَ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَيْ كُلُّ الْجَيْشِ، إِلَى بَيْتَ إِيلَ، وَجَلَسُوا هُنَاكَ أَمَامَ الْمَوْلَى وَبَكَوْا وَصَامُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ إِلَى الْمَسَاءِ، وَقَدَّمُوا قَرَابِينَ مُحْرَقَةً وَضَحَايَا صُحْبَةٍ للهِ. وَاسْتَشَارَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْمَوْلَى. وَفِي تِلْكَ الْأَيَّامِ كَانَ صُنْدُوقُ عَهْدِ اللهِ هُنَاكَ. وَكَانَ فِينْحَاسُ بْنُ أَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ هُوَ الْحَبْرَ الَّذِي يَخْدِمُ أَمَامَ الْمَوْلَى فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ. فَاسْتَشَارُوا اللهَ وَقَالُوا: ”هَلْ نَعُودُ إِلَى مُحَارَبَةِ بَنِي بِنْيَمِينَ إِخْوَتِنَا أَمْ نَكُفُّ؟“ فَقَالَ اللهُ: ”حَارِبُوهُمْ لِأَنِّي غَدًا أَنْصُرُكُمْ عَلَيْهِمْ.“ وَأَقَامَ بَنُو إِسْرَائِيلَ كَمِينًا حَوْلَ جِبْعَةَ. وَصَعِدُوا عَلَى بَنِي بِنْيَمِينَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَاسْتَعَدُّوا لِلْحَرْبِ عِنْدَ جِبْعَةَ كَمَا فَعَلُوا مِنْ قَبْلُ. فَخَرَجَ بَنُو بِنْيَمِينَ إِلَيْهِمْ، وَانْجَذَبُوا عَنِ الْمَدِينَةِ، وَأَخَذُوا يُوقِعُونَ قَتْلَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَالْمَرَّتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ. فَقَتَلُوا مِنْهُمْ نَحْوَ 30 رَجُلًا فِي الطَّرِيقِ الْمُتَّجِهَةِ إِلَى بَيْتَ إِيلَ وَالْأُخْرَى الْمُتَّجِهَةِ إِلَى جِبْعَةَ عَبْرَ الْحُقُولِ. فَظَنَّ بَنُو بِنْيَمِينَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُنْهَزِمُونَ أَمَامَهُمْ كَمَا حَدَثَ مِنْ قَبْلُ. لَكِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالُوا: ”نَهْرُبُ وَنَجْذِبُهُمْ عَنِ الْمَدِينَةِ إِلَى الطُّرُقِ.“ فَلَمَّا تَرَاجَعَ كُلُّ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ مِنْ مَرَاكِزِهِمْ، ثُمَّ تَجَمَّعُوا عِنْدَ بَعْلَ تَامَارَ، فَجْأَةً قَامَ الْكَمِينُ الَّذِي غَرْبَ جِبْعَةَ مِنْ مَخَابِئِهِمْ. ثُمَّ هَجَمَ عَلَى جِبْعَةَ 10000 مِنْ أَحْسَنِ الْمُحَارِبِينَ فِي كُلِّ إِسْرَائِيلَ. وَكَانَتِ الْمَعْرَكَةُ حَامِيَةً. وَلَمْ يُدْرِكْ بَنُو بِنْيَمِينَ أَنَّ الْمُصِيبَةَ حَلَّتْ بِهِمْ. فَهَزَمَ اللهُ بِنْيَمِينَ أَمَامَ إِسْرَائِيلَ. وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، قَتَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ بِنْيَمِينَ 25100، كَانُوا كُلُّهُمْ مُسَلَّحِينَ بِالسُّيُوفِ. وَأَدْرَكَ بَنُو بِنْيَمِينَ أَنَّهُمُ انْهَزَمُوا. فَلَمَّا انْسَحَبَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ أَمَامَ بِنْيَمِينَ، اِتَّكَلُوا عَلَى الْكَمِينِ الَّذِي كَانَ بِالْقُرْبِ مِنْ جِبْعَةَ، فَقَامَ رِجَالُ الْكَمِينِ بِسُرْعَةٍ، وَانْدَفَعُوا وَدَخَلُوا جِبْعَةَ، وَانْتَشَرُوا فِيهَا وَقَتَلُوا كُلَّ مَنْ فِيهَا بِالسَّيْفِ. وَكَانَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ قَدِ اتَّفَقُوا مَعَ الْكَمِينِ عَلَى عَلَامَةٍ، وَهِيَ سَحَابَةٌ كَثِيفَةٌ مِنَ الدُّخَانِ تَصْعَدُ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَرْجِعُ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ فِي الْحَرْبِ. وَبَدَأَ بَنُو بِنْيَمِينَ يَقْتُلُونَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، نَحْوَ 30 رَجُلًا، وَظَـنُّوا أَنَّهُمْ مُنْهَزِمُونَ أَمَامَهُمْ كَمَا حَدَثَ مِنْ قَبْلُ. لَكِنْ لَمَّا أَخَذَ عَمُودُ الدُّخَانِ يَرْتَفِعُ مِنَ الْمَدِينَةِ، اِلْتَفَتَ بَنُو بِنْيَمِينَ وَرَأَوْا الْمَدِينَةَ كُلَّهَا كُتْلَةً مِنَ اللَّهِيبِ الصَّاعِدِ إِلَى السَّمَاءِ! وَعِنْدَ ذَلِكَ دَارَ عَلَيْهِمْ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ، فَارْتَعَبَ بَنُو بِنْيَمِينَ، لِأَنَّهُمْ أَدْرَكُوا أَنَّ الْمُصِيبَةَ حَلَّتْ بِهِمْ. فَهَرَبُوا أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي اتِّجَاهِ الصَّحْرَاءِ. لَكِنَّهُمْ لَحِقُوا بِهِمْ، وَخَرَجَ عَلَيْهِمْ أَيْضًا رِجَالُ الْكَمِينِ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَهَلَكَ بَنُو بِنْيَمِينَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ. لِأَنَّهُمْ أَحَاطُوا بِهِمْ، وَطَارَدُوهُمْ بِسُهُولَةٍ، وَأَدْرَكُوهُمْ بِالْقُرْبِ مِنْ جِبْعَةَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْقِ. فَقُتِلَ مِنْهُمْ 18000 رَجُلٍ، كُلُّهُمْ مِنَ الْأَشِدَّاءِ. وَدَارُوا وَهَرَبُوا نَحْوَ الصَّحْرَاءِ، إِلَى صَخْرَةِ رِمُّونَ، فَقَتَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْهُمْ 5000 رَجُلٍ فِي الطَّرِيقِ. ثُمَّ طَارَدُوا الْبَاقِينَ إِلَى جِدْعُومَ، حَيْثُ قَتَلُوا 2000. فَكَانَ جُمْلَةُ الْقَتْلَى مِنْ بَنِي بِنْيَمِينَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، 25000 مُسَلَّحِينَ بِالسُّيُوفِ، كُلُّهُمْ مُحَارِبُونَ أَشِدَّاءُ. وَلَكِنْ هَرَبَ 600 إِلَى الصَّحْرَاءِ، إِلَى صَخْرَةِ رِمُّونَ. وَأَقَامُوا هُنَاكَ 4 أَشْهُرٍ. وَرَجَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى مُدُنِ بِنْيَمِينَ، وَقَتَلُوا مَنْ فِيهَا بِالسَّيْفِ مَعَ الْبَهَائِمِ وَكُلِّ مَا وَجَدُوهُ فِيهَا، وَأَحْرَقُوا بِالنَّارِ كُلَّ الْمُدُنِ الَّتِي وَجَدُوهَا. وَكَانَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ قَدْ حَلَفُوا فِي الْمِصْفَاةِ، أَنْ لَا يُزَوِّجَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِنْتَهُ لِأَيِّ وَاحِدٍ مِنْ قَبِيلَةِ بِنْيَمِينَ. وَذَهَبَ الشَّعْبُ إِلَى بَيْتَ إِيلَ، وَمَثَلُوا هُنَاكَ فِي مَحْضَرِ اللهِ إِلَى الْمَسَاءِ، وَصَرَخُوا وَبَكَوْا بِحُرْقَةٍ. وَقَالُوا: ”أَيُّهَا الْمَوْلَى رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِمَاذَا جَرَى هَذَا مَعَنَا؟ لِمَاذَا فَقَدْنَا الْيَوْمَ قَبِيلَةً مِنْ قَبَائِلِنَا؟“ وَقَامَ الشَّعْبُ فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، وَبَنَوْا هُنَاكَ مَنَصَّةً وَقَدَّمُوا قَرَابِينَ مُحْرَقَةً وَضَحَايَا صُحْبَةٍ. وَسَأَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا: ”هَلْ يُوجَدُ أَحَدٌ مِنْ كُلِّ قَبَائِلِنَا، لَمْ يَحْضُرِ اجْتِمَاعَنَا أَمَامَ الْمَوْلَى فِي الْمِصْفَاةِ؟“ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ حَلَفُوا يَمِينًا أَنْ يَقْتُلُوا مَنْ لَا يَحْضُرُ اجْتِمَاعَهُمْ أَمَامَ الْمَوْلَى. وَأَسِفَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى وَضْعِ إِخْوَتِهِمْ بَنِي بِنْيَمِينَ، وَقَالُوا: ”الْيَوْمَ انْقَرَضَتْ إِحْدَى قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ! كَيْفَ نَجِدُ زَوْجَاتٍ لِلْبَاقِينَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ حَلَفْنَا بِاللهِ أَنْ لَا نُعْطِيَهُمْ مِنْ بَنَاتِنَا زَوْجَاتٍ؟“ وَسَأَلُوا: ”هَلْ تُوْجَدُ قَبِيلَةٌ مِنْ قَبَائِلِنَا لَمْ تَحْضُرْ أَمَامَ الْمَوْلَى فِي الْمِصْفَاةِ؟“ فَوَجَدُوا أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ إِلَى الْمُعَسْكَرِ وَلَا وَاحِدٌ مِنْ يَابِيشَ جِلْعَادَ لِلِاجْتِمَاعِ! لِأَنَّهُمْ لَمَّا عَدُّوا الشَّعْبَ، لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَلَا وَاحِدٌ مِنْ سُكَّانِ يَابِيشَ جِلْعَادَ. فَأَرْسَلَتِ الْجَمَاعَةُ إِلَى هُنَاكَ 12000 رَجُلٍ مِنَ الْأَشِدَّاءِ. وَقَالُوا لَهُمْ: ”اِذْهَبُوا وَاقْتُلُوا أَهْلَ يَابِيشَ جِلْعَادَ بِالسَّيْفِ، رِجَالًا وَنِسَاءً وَأَطْفَالًا. هَذِهِ هِيَ مَسْئُولِيَّتُكُمْ. اُقْتُلُوا كُلَّ ذَكَرٍ وَكُلَّ امْرَأَةٍ عَاشَرَتْ رَجُلًا.“ فَوَجَدُوا بَيْنَ أَهْلِ يَابِيشَ جِلْعَادَ 400 فَتَاةٍ عَذْرَاءَ، فَجَاءُوا بِهِنَّ إِلَى الْمُعَسْكَرِ فِي شِيلُوهَ الَّتِي فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. وَأَرْسَلَتِ الْجَمَاعَةُ كُلُّهَا رِسَالَةً إِلَى بَنِي بِنْيَمِينَ الَّذِينَ فِي صَخْرَةِ رِمُّونَ، وَاسْتَدْعَتْهُمْ إِلَى الصُّلْحِ. وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ، رَجَعَ بَنُو بِنْيَمِينَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. فَأَعْطَوْهُمْ بَنَاتِ يَابِيشَ جِلْعَادَ اللَّاتِي لَمْ يَقْتُلُوهُنَّ. وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا كَافِيًا لِكُلِّ بَنِي بِنْيَمِينَ. وَأَسِفَ الشَّعْبُ عَلَى بِنْيَمِينَ، لِأَنَّ الْمَوْلَى وَضَعَ فَجْوَةً فِي قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَقَالَ شُيُوخُ الْجَمَاعَةِ: ”كَيْفَ نَحْصُلُ عَلَى زَوْجَاتٍ لِلْبَاقِينَ مِنْ بَنِي بِنْيَمِينَ، بَعْدَمَا انْقَرَضَتِ النِّسَاءُ مِنْهُمْ؟ لِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ وَرَثَةٌ لِلنَّاجِينَ مِنْ بَنِي بِنْيَمِينَ، فَلَا تُمْحَى قَبِيلَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. أَمَّا نَحْنُ فَلَا نَقْدِرُ أَنْ نُعْطِيَهُمْ زَوْجَاتٍ مِنْ بَنَاتِنَا، لِأَنَّنَا حَلَفْنَا وَقُلْنَا: ’مَلْعُونٌ مَنْ يُعْطِي زَوْجَةً لِأَحَدٍ مِنْ بَنِي بِنْيَمِينَ.‘ وَلَكِنْ حَانَ عِيدُ اللهِ السَّنَوِيُّ فِي شِيلُوهَ الَّتِي هِيَ شَمَالَ بَيْتَ إِيلَ، وَشَرْقَ الطَّرِيقِ الْمُتَّجِهَةِ مِنْ بَيْتَ إِيلَ إِلَى شَكِيمَ، وَجَنُوبَ لَبُونَةَ.“ فَأَوْصَوْا بَنِي بِنْيَمِينَ وَقَالُوا لَهُمْ: ”رُوحُوا اكْمُنُوا فِي الْكُرُومِ، وَتَرَقَّبُوا. فَمَتَى خَرَجَتْ بَنَاتُ شِيلُوهَ لِلرَّقْصِ، اُخْرُجُوا مِنَ الْكُرُومِ، وَاخْطِفُوا كُلُّ وَاحِدٍ زَوْجَةً لَهُ مِنْهُنَّ، وَاذْهَبُوا إِلَى أَرْضِكُمْ. فَإِذَا جَاءَ آبَاؤُهُنَّ أَوْ إِخْوَتُهُنَّ، لِكَيْ يَشْكُوا إِلَيْنَا، نَقُولُ لَهُمْ: ’أَشْفِقُوا عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِنَا، فَنَحْنُ لَمْ نَغْنَمْ لَهُمْ فِي الْحَرْبِ مَا يَكْفِي مِنْ زَوْجَاتٍ. ثُمَّ إِنَّكُمْ أَنْتُمْ غَيْرُ مُذْنِبِينَ، لِأَنَّكُمْ لَمْ تُعْطُوهُمْ بَنَاتِكُمْ عَنْ طِيبِ خَاطِرٍ.‘“ فَفَعَلَ بَنُو بِنْيَمِينَ هَذَا، خَطَفُوا لَهُمْ حَسَبَ عَدَدِهِمْ، زَوْجَاتٍ مِنَ الرَّاقِصَاتِ، وَذَهَبُوا وَرَجَعُوا إِلَى أَرْضِهِمْ، وَبَنَوْا الْمُدُنَ وَسَكَنُوا فِيهَا. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، رَجَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ هُنَاكَ، وَذَهَبَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى قَبِيلَتِهِ وَعَشِيرَتِهِ وَنَصِيبِهِ. فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ لَمْ يَكُنْ لِإِسْرَائِيلَ مَلِكٌ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَتَصَرَّفُ عَلَى هَوَاهُ. فِي أَيَّامِ حُكْمِ الْقُضَاةِ، حَدَثَتْ مَجَاعَةٌ فِي الْبِلَادِ. فَذَهَبَ رَجُلٌ مِنْ بَيْتَ لَحْمَ فِي يَهُوذَا، إِلَى بِلَادِ مُوآبَ، لِيُقِيمَ فِيهَا بَعْضَ الْوَقْتِ، هُوَ وَزَوْجَتُهُ وَابْنَاهُ. وَكَانَ اسْمُهُ أَلِيمَلِكَ، وَاسْمُ زَوْجَتِهِ نَعِيمَةً، وَاسْمَا ابْنَيْهِ مَحْلُونَ وَكِلْيُونَ. وَهُمْ أَفْرَاتِيُّونَ مِنْ بَيْتَ لَحْمَ فِي يَهُوذَا. فَرَاحُوا إِلَى بِلَادِ مُوآبَ وَأَقَامُوا هُنَاكَ. وَمَاتَ أَلِيمَلِكُ زَوْجُ نَعِيمَةٍ، وَبَقِيَتْ هِيَ وَابْنَاهَا. فَأَخَذَ الِابْنَانِ زَوْجَتَيْنِ مُوآبِيَّتَيْنِ، وَاحِدَةٌ اسْمُهَا عُرْفَةُ وَالْأُخْرَى اسْمُهَا رَاعُوثُ. وَبَعْدَمَا أَقَامَا هُنَاكَ حَوَالَيْ 10 سِنِينَ، مَاتَ مَحْلُونُ وَكِلْيُونُ. فَفَقَدَتِ الْمَرْأَةُ ابْنَيْهَا وَزَوْجَهَا. وَسَمِعَتْ نَعِيمَةٌ فِي بِلَادِ مُوآبَ، أَنَّ اللهَ جَاءَ لِمَعُونَةِ شَعْبِهِ وَأَعْطَاهُمْ طَعَامًا، فَاسْتَعَدَّتْ لِتَرْجِعَ مِنْ هُنَاكَ هِيَ وَزَوْجَتَا ابْنَيْهَا. وَخَرَجَتْ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ، وَمَعَهَا زَوْجَتَا ابْنَيْهَا، وَسِرْنَ فِي الطَّرِيقِ لِيَرْجِعْنَ إِلَى أَرْضِ يَهُوذَا. فَقَالَتْ نَعِيمَةٌ لَهُمَا: ”لِتَرْجِعْ كُلُّ وَاحِدَةٍ إِلَى دَارِ أُمِّهَا. اللهُ يُحْسِنُ إِلَيْكُمَا كَمَا أَحْسَنْتُمَا إِلَى الَّذِينَ مَاتُوا وَإِلَيَّ. اللهُ يُنْعِمُ عَلَيْكُمَا بِالرَّاحَةِ، كُلُّ وَاحِدَةٍ فِي دَارِ زَوْجٍ لَهَا.“ وَقَبَّلَتْهُمَا وَبَكَيْنَ بِصَوْتٍ عَالٍ. فَقَالَتَا لَهَا: ”نَذْهَبُ مَعَكِ إِلَى شَعْبِكِ.“ فَقَالَتْ نَعِيمَةٌ: ”اِرْجِعَا يَا بِنْتَيَّ. لِمَاذَا تَذْهَبَانِ مَعِي؟ هَلْ سَأَلِدُ بَنِينَ يُصْبِحُونَ أَزْوَاجًا لَكُمَا؟ اِرْجِعَا يَا بِنْتَيَّ وَاذْهَبَا، لِأَنِّي شِخْتُ عَنِ الزَّوَاجِ. حَتَّى لَوْ كَانَ هُنَاكَ أَمَلٌ أَنْ أَتَزَوَّجَ اللَّيْلَةَ وَأَلِدَ بَنِينَ، هَلْ تَنْتَظِرَانِ حَتَّى يَكْبَرُوا؟ هَلْ تَمْتَنِعَانِ عَنِ الزَّوَاجِ مِنْ أَجْلِهِمْ؟ لَا يَا بِنْتَيَّ، فَأَنَا أَتْعَسُ مِنْكُمَا لِأَنَّ يَدَ الْمَوْلَى ضَرَبَتْنِي.“ ثُمَّ بَكَيْنَ مَرَّةً أُخْرَى بِصَوْتٍ عَالٍ. فَقَبَّلَتْ عُرْفَةُ حَمَاتَهَا وَوَدَّعَتْهَا، أَمَّا رَاعُوثُ فَتَمَسَّكَتْ بِهَا. فَقَالَتْ نَعِيمَةٌ: ”هَذِهِ سِلْفَتُكِ رَاجِعَةٌ إِلَى شَعْبِهَا وَآلِهَتِهَا، فَارْجِعِي مَعَهَا.“ فَقَالَتْ رَاعُوثُ: ”لَا تُلِحِّي عَلَيَّ أَنْ أَتْرُكَكِ وَأَرْجِعَ عَنْكِ، لِأَنِّي حَيْثُمَا ذَهَبْتِ أَذْهَبُ، وَحَيْثُمَا أَقَمْتِ أُقِيمُ. شَعْبُكِ شَعْبِي وَإِلَهُكِ إِلَهِي. حَيْثُمَا مُتِّ أَمُوتُ، وَهُنَاكَ أَنْدَفِنُ. لَيْتَ اللهَ يُعَاقِبُنِي أَشَدَّ عِقَابٍ، إِنْ كَانَ يُفَرِّقُ بَيْنِي وَبَيْنَكِ غَيْرُ الْمَوْتِ.“ فَلَمَّا رَأَتْ نَعِيمَةٌ أَنَّ رَاعُوثَ مُصِرَّةٌ عَلَى الذَّهَابِ مَعَهَا، تَوَقَّفَتْ عَنِ الْإِلْحَاحِ عَلَيْهَا. فَذَهَبَتِ الْمَرْأَتَانِ حَتَّى دَخَلَتَا بَيْتَ لَحْمَ. فَأَثَارَ وُصُولُهُمَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ كُلِّهَا وَقَالُوا: ”أَهَذِهِ نَعِيمَةٌ؟“ فَقَالَتْ لَهُمْ: ”لَا تَدْعُونِي نَعِيمَةً بَلْ مُرَّةً، لِأَنَّ الْقَدِيرَ مَرَّرَ حَيَاتِي. ذَهَبْتُ مِنْ هُنَا مَلْآنَةً، وَأَرْجَعَنِي اللهُ فَارِغَةً. فَلِمَاذَا تَدْعُونِي نَعِيمَةً، بَيْنَمَا اللهُ أَذَلَّنِي وَالْقَدِيرُ أَفْجَعَنِي؟“ فَرَجَعَتْ نَعِيمَةٌ وَمَعَهَا رَاعُوثُ الْمُوآبِيَّةُ، زَوْجَةُ ابْنِهَا، مِنْ بِلَادِ مُوآبَ وَوَصَلَتَا إِلَى بَيْتَ لَحْمَ فِي أَوَّلِ حَصَادِ الشَّعِيرِ. وَكَانَ لِنَعِيمَةٍ قَرِيبٌ مِنْ عَشِيرَةِ أَلِيمَلِكَ اسْمُهُ بُوعَزُ، وَهُوَ رَجُلٌ لَهُ نُفُوذٌ. فَقَالَتْ رَاعُوثُ الْمُوآبِيَّةُ لِنَعِيمَةٍ: ”اِسْمَحِي لِي أَنْ أَذْهَبَ إِلَى الْحُقُولِ، وَأَلْتَقِطَ مَا يَتْرُكُونَهُ مِنْ سَنَابِلَ، وَرَاءَ مَنْ يَرْضَى عَنِّي.“ فَقَالَتْ لَهَا: ”اِذْهَبِي يَا بِنْتِي.“ فَذَهَبَتْ إِلَى حَقْلٍ، وَأَخَذَتْ تَلْتَقِطُ وَرَاءَ الْحَصَّادِينَ. فَتَصَادَفَ أَنَّ قِطْعَةَ الْحَقْلِ كَانَتْ لِبُوعَزَ الَّذِي مِنْ عَشِيرَةِ أَلِيمَلِكَ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، جَاءَ بُوعَزُ مِنْ بَيْتَ لَحْمَ وَقَالَ لِلْحَصَّادِينَ: ”اللهُ مَعَكُمْ!“ فَقَالُوا لَهُ: ”بَارَكَ اللهُ فِيكَ!“ فَقَالَ بُوعَزُ لِوَكِيلِهِ الْمُشْرِفِ عَلَى الْحَصَّادِينَ: ”مَنْ هَذِهِ الْفَتَاةُ؟“ أَجَابَ الْوَكِيلُ: ”هِيَ الْفَتَاةُ الْمُوآبِيَّةُ الَّتِي رَجَعَتْ مَعَ نَعِيمَةٍ مِنْ مُوآبَ. جَاءَتْ وَقَالَتْ: ’اِسْمَحُوا لِي أَنْ أَلْتَقِطَ وَأَجْمَعَ السَّنَابِلَ مِنْ بَيْنِ الْحُزَمِ وَرَاءَ الْحَصَّادِينَ.‘ وَقَدِ اشْتَغَلَتْ مِنَ الصُّبْحِ حَتَّى الْآنَ. وَلَمْ تَسْتَرِحْ فِي الظِّلِّ إِلَّا قَلِيلًا.“ فَقَالَ بُوعَزُ لِرَاعُوثَ: ”اِسْمَعِي يَا بِنْتِي. لَا تَذْهَبِي لِتَلْتَقِطِي فِي حَقْلٍ آخَرَ. لَا تَتْرُكِي هَذَا الْحَقْلَ، بَلْ لَازِمِي فَتَيَاتِي هُنَا. رَاقِبِي الْحَقْلَ الَّذِي يُحْصَدُ، وَاذْهَبِي وَرَاءَ الْحَصَّادِينَ. وَأَنَا أَوْصَيْتُ الْعُمَّالَ أَنْ لَا يَمَسُّوكِ. وَإِنْ عَطِشْتِ فَاذْهَبِي وَاشْرَبِي مِنَ الْأَوْعِيَةِ الَّتِي مَلَأُوهَا.“ فَسَجَدَتْ وَوَجْهُهَا نَحْوَ الْأَرْضِ، وَقَالَتْ لَهُ: ”كَيْفَ رَضِيتَ عَنِّي حَتَّى تَهْتَمَّ بِي وَأَنَا غَرِيبَةٌ؟“ أَجَابَهَا بُوعَزُ: ”بَلَغَنِي كُلُّ مَا فَعَلْتِ بِحَمَاتِكِ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِكِ، وَكَيْفَ أَنَّكِ تَرَكْتِ أَبَاكِ وَأُمَّكِ وَأَرْضَ مِيلَادِكِ، وَجِئْتِ إِلَى شَعْبٍ لَمْ تَعْرِفِيهِ مِنْ قَبْلُ. جَزَاكِ اللهُ خَيْرًا عَلَى عَمَلِكِ. الْمَوْلَى إِلَهُ إِسْرَائِيلَ الَّذِي جِئْتِ لِتَحْتَمِي تَحْتَ جَنَاحَيْهِ، يُعْطِيكِ أَجْرًا كَامِلًا.“ فَقَالَتْ: ”لَيْتَكَ تَرْضَى عَنِّي دَائِمًا يَا سَيِّدِي، فَإِنَّكَ عَزَّيْتَنِي وَفَرَّحْتَ قَلْبِي مَعَ أَنِّي لَا أُسَاوِي وَاحِدَةً مِنْ جَوَارِيكَ.“ وَلَمَّا حَانَ وَقْتُ الْأَكْلِ، قَالَ لَهَا بُوعَزُ: ”تَعَالَيْ هُنَا، وَكُلِي مِنَ الْخُبْزِ، وَاغْمِسِي لُقْمَتَكِ فِي الْخَلِّ.“ فَجَلَسَتْ بِجَانِبِ الْحَصَّادِينَ، فَنَاوَلَهَا بُوعَزُ فَرِيكًا، فَأَكَلَتْ وَشَبِعَتْ وَفَضَلَ عَنْهَا. وَلَمَّا قَامَتْ لِتَلْتَقِطَ، أَمَرَ بُوعَزُ عُمَّالَهُ وَقَالَ: ”اِسْمَحُوا لَهَا أَنْ تَلْتَقِطَ حَتَّى مِنْ بَيْنِ الْحُزَمِ وَلَا تَمْنَعُوهَا. بَلِ انْزِعُوا لَهَا أَيْضًا بَعْضَ السَّنَابِلِ مِنَ الْحُزَمِ، وَاسْمَحُوا لَهَا أَنْ تَلْتَقِطَ وَلَا تُوَبِّخُوهَا.“ فَالْتَقَطَتْ رَاعُوثُ فِي الْحَقْلِ حَتَّى الْمَسَاءِ، وَفَرَكَتِ الشَّعِيرَ الَّذِي جَمَعَتْهُ، فَكَانَ حَوَالَيْ 20 كِيلُوجْرَامًا. فَحَمَلَتْهُ وَرَجَعَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَرَأَتْ حَمَاتُهَا مَا الْتَقَطَتْهُ. وَأَخْرَجَتْ رَاعُوثُ مَا فَضَلَ عَنْهَا مِنْ طَعَامٍ بَعْدَمَا أَكَلَتْ وَشَبِعَتْ، وَأَعْطَتْهُ لِحَمَاتِهَا. فَقَالَتْ لَهَا حَمَاتُهَا: ”أَيْنَ الْتَقَطْتِ الْيَوْمَ؟ وَأَيْنَ اشْتَغَلْتِ؟ بَارَكَ اللهُ فِي مَنِ اهْتَمَّ بِكِ.“ فَأَخْبَرَتْ حَمَاتَهَا عَنِ الَّذِي اشْتَغَلَتْ عِنْدَهُ وَقَالَتْ: ”الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَغَلْتُ عِنْدَهُ الْيَوْمَ اسْمُهُ بُوعَزُ.“ فَقَالَتْ نَعِيمَةٌ لِزَوْجَةِ ابْنِهَا: ”بَارَكَ اللهُ فِيهِ، فَهُوَ مَا زَالَ يُحْسِنُ إِلَى الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ.“ ثُمَّ قَالَتْ لَهَا نَعِيمَةٌ: ”هَذَا الرَّجُلُ قَرِيبُنَا، بَلْ هُوَ مِنْ أَقْرَبِ أَقَارِبِنَا.“ فَقَالَتْ رَاعُوثُ الْمُوآبِيَّةُ: ”وَقَالَ لِي أَيْضًا: ’لَازِمِي فَتَيَاتِي حَتَّى يُكَمِّلُوا كُلَّ حَصَادِي.‘“ فَقَالَتْ نَعِيمَةٌ لِرَاعُوثَ زَوْجَةِ ابْنِهَا: ”خَيْرٌ لَكِ يَا بِنْتِي أَنْ تَذْهَبِي مَعَ فَتَيَاتِهِ، لِئَلَّا يُؤْذُوكِ فِي حَقْلٍ آخَرَ.“ فَلَازَمَتْ رَاعُوثُ فَتَيَاتِ بُوعَزَ فِي الْتِقَاطِ السَّنَابِلِ، حَتَّى انْتَهَى حَصَادُ الشَّعِيرِ وَحَصَادُ الْقَمْحِ، وَأَقَامَتْ مَعَ حَمَاتِهَا. وَذَاتَ يَوْمٍ قَالَتْ نَعِيمَةٌ لِرَاعُوثَ: ”يَا بِنْتِي، أُرِيدُ أَنْ تَرْتَاحِي، وَيَكُونَ لَكِ زَوْجٌ وَدَارٌ. بُوعَزُ الَّذِي كُنْتِ مَعَ فَتَيَاتِهِ هُوَ قَرِيبُنَا. وَهُوَ اللَّيْلَةَ يُذَرِّي بَيْدَرَ الشَّعِيرِ. فَاغْتَسِلِي وَتَعَطَّرِي وَالْبَسِي أَحْسَنَ ثِيَابِكِ، وَانْزِلِي إِلَى الْبَيْدَرِ. وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ لَا يَعْرِفَ أَنَّكِ هُنَاكَ، حَتَّى يَنْتَهِيَ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. وَلَاحِظِي الْمَكَانَ الَّذِي يَنَامُ فِيهِ. فَمَتَى نَامَ، اُدْخُلِي وَاكْشِفِي نَاحِيَةَ قَدَمَيْهِ وَارْقُدِي، وَهُوَ يُخْبِرُكِ بِمَا يَجِبُ أَنْ تَعْمَلِيهِ.“ فَقَالَتْ لَهَا رَاعُوثُ: ”كُلُّ مَا قُلْتِهِ أَفْعَلُهُ.“ فَنَزَلَتْ رَاعُوثُ إِلَى الْبَيْدَرِ، وَعَمِلَتْ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَتْهَا بِهِ حَمَاتُهَا. فَأَكَلَ بُوعَزُ وَشَرِبَ وَفَرِحَ قَلْبُهُ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنَامَ فِي طَرَفِ كُومَةِ الشَّعِيرِ. فَتَسَلَّلَتْ رَاعُوثُ وَكَشَفَتْ نَاحِيَةَ قَدَمَيْهِ وَرَقَدَتْ. وَعِنْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، اِنْزَعَجَ الرَّجُلُ فِي نَوْمِهِ وَتَقَلَّبَ، فَشَعَرَ بِامْرَأَةٍ رَاقِدَةٍ عِنْدَ قَدَمَيْهِ، فَاضْطَرَبَ وَقَالَ: ”مَنْ أَنْتِ؟“ فَقَالَتْ: ”أَنَا رَاعُوثُ عَبْدَتُكَ، فَابْسُطْ طَرَفَ ثَوْبِكَ عَلَيَّ لِأَنَّكَ قَرِيبِي.“ فَقَالَ: ”بَارَكَ اللهُ فِيكِ يَا بِنْتِي. وَفَاؤُكِ لِهَذِهِ الْعَائِلَةِ الْآنَ، هُوَ أَعْظَمُ مِنْ وَفَائِكِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّكِ لَمْ تَطْلُبِي زَوْجًا مِنَ الشُّبَّانِ، فُقَرَاءَ كَانُوا أَوْ أَغْنِيَاءَ. وَالْآنَ، لَا تَخَافِي يَا بِنْتِي، سَأَعْمَلُ كُلَّ مَا تَطْلُبِينَهُ، لِأَنَّ كُلَّ أَهْلِ مَدِينَتِي يَعْلَمُونَ أَنَّكِ امْرَأَةٌ فَاضِلَةٌ. صَحِيحٌ أَنَا قَرِيبُكِ، وَلَكِنْ يُوجَدُ وَاحِدٌ آخَرُ أَقْرَبُ مِنِّي. بِيتِي اللَّيْلَةَ، وَفِي الصُّبْحِ نَرَى إِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقُومَ بِوَاجِبِ أَقْرَبِ قَرِيبٍ فَحَسَنًا. وَإِنْ كَانَ لَا يُرِيدُ، فَأَنَا أَقُومُ بِهَذَا، أُقْسِمُ لَكِ بِاللهِ. فَنَامِي إِلَى الصُّبْحِ.“ فَنَامَتْ عِنْدَ رِجْلَيْهِ إِلَى الصُّبْحِ، ثُمَّ قَامَتْ قَبْلَ أَنْ يَطْلَعَ النُّورُ وَيَرَاهَا أَحَدٌ، لِأَنَّ بُوعَزَ أَرَادَ أَنْ لَا يَعْلَمَ أَحَدٌ أَنَّ الْمَرْأَةَ ذَهَبَتْ إِلَى الْبَيْدَرِ. وَقَالَ لَهَا: ”هَاتِي الرِّدَاءَ الَّذِي عَلَيْكِ وَأَمْسِكِيهِ.“ فَأَمْسَكَتْهُ فَكَالَ لَهَا 6 أَكْيَالٍ مِنَ الشَّعِيرِ وَوَضَعَهَا عَلَيْهَا. ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ. وَرَجَعَتْ رَاعُوثُ إِلَى حَمَاتِهَا، فَسَأَلَتْهَا نَعِيمَةٌ: ”مَا الْخَبَرُ يَا بِنْتِي؟“ فَأَخْبَرَتْهَا بِكُلِّ مَا صَنَعَهُ الرَّجُلُ مَعَهَا. وَقَالَتْ: ”وَأَعْطَانِي هَذِهِ الـ6 أَكْيَالٍ مِنَ الشَّعِيرِ وَقَالَ: ’لَا تَرْجِعِي فَارِغَةً إِلَى حَمَاتِكِ.‘“ فَقَالَتْ نَعِيمَةٌ: ”اِنْتَظِرِي يَا بِنْتِي، لِنَرَى مَا يَحْدُثُ. لِأَنَّ الرَّجُلَ لَنْ يَهْدَأَ حَتَّى يُنْهِيَ الْمَوْضُوعَ الْيَوْمَ.“ وَصَعِدَ بُوعَزُ إِلَى بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ وَجَلَسَ هُنَاكَ. فَمَرَّ الْقَرِيبُ الَّذِي ذَكَرَهُ بُوعَزُ لِرَاعُوثَ. فَقَالَ لَهُ بُوعَزُ: ”تَعَالَ يَا قَرِيبِي وَاجْلِسْ هُنَا.“ فَجَاءَ وَجَلَسَ. وَاسْتَدْعَى بُوعَزُ 10 رِجَالٍ مِنْ شُيُوخِ الْمَدِينَةِ، وَقَالَ لَهُمْ: ”اِجْلِسُوا هُنَا.“ فَجَلَسُوا. ثُمَّ قَالَ لِلْقَرِيبِ: ”نَعِيمَةٌ الَّتِي رَجَعَتْ مِنْ مُوآبَ سَتَبِيعُ أَرْضَ أَلِيمَلِكَ قَرِيبِنَا. فَرَأَيْتُ أَنَّهُ مِنْ وَاجِبِي أَنْ أُخْبِرَكَ بِهَذَا، وَأَقَولَ لَكَ أَنْ تَشْتَرِيَهَا أَمَامَ هَؤُلَاءِ الْجَالِسِينَ هُنَا وَأَمَامَ شُيُوخِ شَعْبِي. فَإِنْ كُنْتَ تَسْتَرْجِعُهَا فَلْيَكُنْ. وَإِنْ كُنْتَ لَا تَسْتَرْجِعُهَا فَأَخْبِرْنِي لِأَعْلَمَ. لِأَنَّهُ لَا أَحَدَ لَهُ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَنْتَ، وَأَنَا مِنْ بَعْدِكَ.“ فَقَالَ: ”أَسْتَرْجِعُهَا.“ فَقَالَ بُوعَزُ: ”يَوْمَ تَشْتَرِي الْأَرْضَ مِنْ نَعِيمَةٍ، تَأْخُذُ أَيْضًا رَاعُوثَ الْمُوآبِيَّةَ، أَرْمَلَةَ الْمَيِّتِ، لِكَيْ تَبْقَى الْأَرْضُ عَلَى اسْمِ الْمَيِّتِ.“ فَقَالَ الْقَرِيبُ: ”فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، لَا أَقْدِرُ أَنْ أَسْتَرْجِعَ الْأَرْضَ لِئَلَّا أَضُرَّ مِيرَاثِي. اِسْتَرْجِعْهَا أَنْتَ لِأَنِّي لَا أَقْدِرُ.“ وَكَانَتِ الْعَادَةُ عِنْدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، لِإِثْبَاتِ اسْتِرْجَاعِ الْأَمْلَاكِ أَوْ شِرَائِهَا، أَنْ يَخْلَعَ الْبَائِعُ نَعْلَهُ وَيُعْطِيَهُ لِلشَّارِي. فَقَالَ ذَلِكَ الْقَرِيبُ لِبُوعَزَ: ”اِشْتَرِ أَنْتَ.“ وَخَلَعَ نَعْلَهُ. فَقَالَ بُوعَزُ لِلشُّيُوخِ وَلِكُلِّ الشَّعْبِ: ”أَنْتُمْ شُهُودٌ الْيَوْمَ أَنِّي اشْتَرَيْتُ مِنْ نَعِيمَةٍ كُلَّ مَا لِأَلِيمَلِكَ وَكِلْيُونَ وَمَحْلُونَ، وَكَذَلِكَ أَخَذْتُ رَاعُوثَ الْمُوآبِيَّةَ أَرْمَلَةَ مَحْلُونَ، لِتَكُونَ زَوْجَةً لِي، لِكَيْ تَبْقَى الْأَرْضُ عَلَى اسْمِ الْمَيِّتِ، فَلَا يَنْقَرِضَ اسْمُهُ مِنَ الْعَائِلَةِ وَمِنْ سِجِلَّاتِ الْمَدِينَةِ. أَنْتُمُ الْيَوْمَ شُهُودٌ.“ فَقَالَ الشُّيُوخُ وَكُلُّ الشَّعْبِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ: ”نَحْنُ شُهُودٌ. لِيَجْعَلِ اللهُ الْمَرْأَةَ الدَّاخِلَةَ إِلَى دَارِكَ كَرَاحِيلَ وَلِيئَةَ اللَّتَيْنِ بَنَتَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ. وَلْتَكُنْ لَكَ مَكَانَةٌ عَالِيَةٌ فِي أَفْرَاتَةَ، وَشُهْرَةٌ وَاسِعَةٌ فِي بَيْتَ لَحْمَ. وَعَنْ طَرِيقِ النَّسْلِ الَّذِي يَرْزُقُكَ بِهِ اللهُ مِنْ هَذِهِ الْفَتَاةِ، لِتَكُنْ عَائِلَتُكَ كَعَائِلَةِ فَارِصَ الَّذِي وَلَدَتْهُ تَامَارُ لِيَهُوذَا.“ وَأَخَذَ بُوعَزُ رَاعُوثَ زَوْجَةً وَعَاشَرَهَا. وَأَعْطَاهَا الْمَوْلَى أَنْ تَحْبَلَ، فَوَلَدَتِ ابْنًا. فَقَالَتِ النِّسَاءُ لِنَعِيمَةٍ: ”تَبَارَكَ اللهُ الَّذِي لَمْ يَحْرِمْكِ الْيَوْمَ قَرِيبًا يَعُولُكِ. فَلْيَكُنْ مَشْهُورًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ! هُوَ يُنْعِشُ نَفْسَكِ، وَيَهْتَمُّ بِكِ فِي شَيْخُوخَتِكِ. لِأَنَّ الَّتِي وَلَدَتْهُ هِيَ زَوْجَةُ ابْنِكِ الَّتِي أَحَبَّتْكِ، وَالَّتِي هِيَ خَيْرٌ لَكِ مِنْ 7 بَنِينَ.“ فَأَخَذَتْ نَعِيمَةٌ الْوَلَدَ وَوَضَعَتْهُ فِي حِضْنِهَا، وَقَامَتْ بِتَرْبِيَتِهِ. وَقَالَتِ الْجَارَاتُ: ”نَعِيمَةٌ رُزِقَتْ بِابْنٍ!“ وَدَعَوْنَهُ عُبَيْدَ، وَهُوَ أَبُو يَسَّى أَبِي دَاوُدَ. وَهَذِهِ عَائِلَةُ فَارِصَ: فَارِصُ أَنْجَبَ حَاصِرَ، وَحَاصِرُ أَنْجَبَ رَامَ، وَرَامُ أَنْجَبَ عَمِينَادَابَ، وَعَمِينَادَابُ أَنْجَبَ نَاحِشَ، وَنَاحِشُ أَنْجَبَ سَالِمَ، وَسَالِمُ أَنْجَبَ بُوعَزَ، وَبُوعَزُ أَنْجَبَ عُبَيْدَ، وَعُبَيْدُ أَنْجَبَ يَسَّى، وَيَسَّى أَنْجَبَ دَاوُدَ. كَانَ رَجُلٌ أَفْرَايِمِيٌّ مِنْ قَبِيلَةِ صُوفَ اسْمُهُ أَلْقَانَةُ بْنُ يَرُوحَامَ بْنِ أَلِيهُو بْنِ تُوحُو، وَهُوَ مِنْ رَامَتَايِمَ مِنْ جَبَلِ أَفْرَايِمَ. وَكَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ، وَاحِدَةٌ اسْمُهَا حِنَّةُ، وَالْأُخْرَى فِنَّةُ. وَوَلَدَتْ فِنَّةُ أَوْلَادًا، أَمَّا حِنَّةُ فَلَمْ تَلِدْ. وَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ يَصْعَدُ مِنْ مَدِينَتِهِ كُلَّ سَنَةٍ، لِيَسْجُدَ وَيُقَدِّمَ ضَحَايَا للهِ الْقَدِيرِ فِي شِيلُوهَ، حَيْثُ كَانَ حُفْنِي وَفِينْحَاسُ، اِبْنَا عَالِي، حَبْرَيْنِ للهِ. وَكُلَّمَا جَاءَ الْيَوْمُ الَّذِي فِيهِ يَذْبَحُ أَلْقَانَةُ الضَّحِيَّةَ، كَانَ يُعْطِي مِنْهَا فِنَّةَ زَوْجَتَهُ وَكُلَّ بَنِيهَا وَبَنَاتِهَا أَنْصِبَةً. وَأَمَّا حِنَّةُ فَيُعْطِيهَا نَصِيبَ اثْنَيْنِ، لِأَنَّهُ كَانَ يُحِبُّهَا، وَلَكِنَّ اللهَ جَعَلَهَا عَاقِرًا. وَكَانَتْ ضَرَّتُهَا تَغِيظُهَا وَتُهِينُهَا لِأَنَّ اللهَ جَعَلَهَا عَاقِرًا. وَكَانَ هَذَا يَحْدُثُ كُلَّ سَنَةٍ لَمَّا كَانُوا يَذْهَبُونَ إِلَى بَيْتِ اللهِ. وَكَانَتْ فِنَّةُ تَغِيظُ حِنَّةَ، فَتَبْكِي وَلَا تَأْكُلُ. فَيَقُولُ لَهَا أَلْقَانَةُ زَوْجُهَا: ”يَا حِنَّةُ، لِمَاذَا تَبْكِينَ وَلَا تَأْكُلِينَ؟ وَلِمَاذَا قَلْبُكِ حَزِينٌ؟ أَمَا أَنَا خَيْرٌ لَكِ مِنْ 10 بَنِينَ؟“ وَذَاتَ مَرَّةٍ، بَعْدَمَا أَكَلُوا وَشَرِبُوا فِي شِيلُوهَ، قَامَتْ حِنَّةُ. وَكَانَ عَالِي الْحَبْرُ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ عِنْدَ قَائِمَةِ مَدْخَلِ بَيْتِ اللهِ. وَأَخَذَتْ حِنَّةُ تَدْعُو اللهَ وَتَبْكِي بِحُرْقَةٍ وَنَفْسُهَا مُرَّةٌ. وَنَذَرَتْ نَذْرًا وَقَالَتْ: ”يَا رَبَّنَا الْقَدِيرَ، إِنْ كُنْتَ تَنْظُرُ إِلَى ذُلِّ خَادِمَتِكَ، وَتَذْكُرُنِي وَلَا تَنْسَانِي، بَلْ تُعْطِينِي ابْنًا، فَأَنَا أُعْطِيهِ لَكَ طُولَ عُمْرِهِ، وَلَا نَحْلِقُ رَأْسَهُ أَبَدًا.“ وَظَلَّتْ حِنَّةُ تَدْعُو اللهَ وَقْتًا طَوِيلًا، وَكَانَ عَالِي يُلَاحِظُ فَمَهَا. لِأَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي فِي قَلْبِهَا، وَشَفَتَاهَا تَتَحَرَّكَانِ، وَصَوْتُهَا غَيْرُ مَسْمُوعٍ. فَظَنَّ عَالِي أَنَّهَا سَكْرَانَةٌ. فَقَالَ لَهَا: ”أَنْتِ سَكْرَانَةٌ جِدًّا! رُوحِي أَفِيقِي نَفْسَكِ مِنْ مَفْعُولِ الْخَمْرِ!“ فَأَجَابَتْ حِنَّةُ: ”لَا يَا سَيِّدِي، بَلْ أَنَا امْرَأَةٌ حَزِينَةٌ جِدًّا، وَلَمْ أَشْرَبْ خَمْرًا وَلَا مُسْكِرًا، بَلْ أَسْكُبُ نَفْسِي أَمَامَ الْمَوْلَى. لَا تَظُنَّ أَنَّ خَادِمَتَكَ امْرَأَةٌ شِرِّيرَةٌ، بَلْ ظَلَلْتُ أُصَلِّي إِلَى الْآنَ لِأَنِّي مُضْطَرِبَةٌ جِدًّا وَمَغْمُومَةٌ.“ فَأَجَابَهَا عَالِي: ”اِذْهَبِي بِالسَّلَامَةِ، وَرَبُّنَا يُعْطِيكِ مَا طَلَبْتِ مِنْهُ.“ فَقَالَتْ: ”لَيْتَكَ تَرْضَى عَنِّي يَا سَيِّدِي.“ ثُمَّ مَضَتْ فِي سَبِيلِهَا وَأَكَلَتْ، وَرَاحَ الْحُزْنُ عَنْهَا. وَقَامُوا فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، وَسَجَدُوا فِي مَحْضَرِ اللهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى دَارِهِمْ فِي الرَّامَةِ. وَعَاشَرَ أَلْقَانَةُ زَوْجَتَهُ حِنَّةَ، وَالْمَوْلَى ذَكَرَهَا. وَفِي خِلَالِ السَّنَةِ، حَبِلَتْ حِنَّةُ وَوَلَدَتِ ابْنًا، وَدَعَتِ اسْمَهُ صَمُوئِيلَ، لِأَنَّهَا قَالَتْ: ”طَلَبْتُهُ مِنَ اللهِ.“ وَبَعْدَ ذَلِكَ صَعِدَ الرَّجُلُ أَلْقَانَةُ وَكُلُّ عَائِلَتِهِ لِيُقَدِّمَ للهِ الضَّحِيَّةَ السَّنَوِيَّةَ، وَيُوفِيَ نَذْرَهُ. أَمَّا حِنَّةُ فَلَمْ تَصْعَدْ، وَقَالَتْ لِزَوْجِهَا: ”مَتَى فَطَمْتُ الْوَلَدَ، آخُذُهُ وَأُقَدِّمُهُ أَمَامَ اللهِ، فَيُقِيمُ هُنَاكَ طُولَ عُمْرِهِ.“ قَالَ لَهَا أَلْقَانَةُ زَوْجُهَا: ”اِعْمَلِي مَا يَحْلُو لَكِ، اِنْتَظِرِي حَتَّى تَفْطُمِيهِ، وَلْيُحَقِّقِ الْمَوْلَى كَلَامَكِ.“ فَأَقَامَتْ حِنَّةُ فِي الدَّارِ، وَأَرْضَعَتِ ابْنَهَا حَتَّى فَطَمَتْهُ. وَلَمَّا فَطَمَتْهُ صَعِدَتْ بِهِ وَمَعَهَا عِجْلٌ ابْنُ 3 سِنِينَ، وَ20 كِيلُوجْرَامًا مِنَ الدَّقِيقِ، وَقِرْبَةُ خَمْرٍ، وَأَحْضَرَتْهُ إِلَى بَيْتِ اللهِ فِي شِيلُوهَ، وَكَانَ الْوَلَدُ مَا زَالَ صَغِيرًا. فَذَبَحُوا الْعِجْلَ، وَأَخَذُوا الْوَلَدَ إِلَى عَالِي. وَقَالَتْ لَهُ حِنَّةُ: ”مِنْ فَضْلِكَ يَا سَيِّدِي! هَلْ تَذْكُرُنِي؟ أَنَا الْمَرْأَةُ الَّتِي وَقَفَتْ عِنْدَكَ هُنَا تَدْعُو اللهَ. أَنَا طَلَبْتُ مِنْهُ هَذَا الْوَلَدَ، فَأَعْطَانِي اللهُ مَا طَلَبْتُهُ مِنْهُ. لِذَلِكَ أَنَا أَعْطَيْتُهُ للهِ، فَيَكُونُ طُولَ عُمْرِهِ للهِ.“ ثُمَّ سَجَدُوا هُنَاكَ للهِ. وَصَلَّتْ حِنَّةُ وَقَالَتْ: ”فَرِحَ قَلْبِي بِاللهِ. رَفَعَ اللهُ رَأْسِي. أَفْتَخِرُ عَلَى أَعْدَائِي، لِأَنِّي أَبْتَهِجُ بِنَجَاتِكَ. لَا قُدُّوسَ كَرَبِّنَا، وَلَا نَاصِرَ كَإِلَهِنَا. اللَّهُمَّ لَا شَرِيكَ لَكَ. كُفُّوا عَنِ التَّكَلُّمِ بِكِبْرِيَاءَ، وَلَا تَخْرُجْ وَقَاحَةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ، لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهٌ عَلِيمٌ، وَهُوَ الَّذِي يَضَعُ أَعْمَالَ النَّاسِ فِي الْمِيزَانِ. تَحَطَّمَتْ أَقْوَاسُ الْأَبْطَالِ، وَلَبِسَ الضُّعَفَاءُ قُوَّةً. الَّذِي كَانَ شَبْعَانَ أَجَّرَ نَفْسَهُ لِيَأْكُلَ، وَالْجَوْعَانُ اسْتَغْنَى. الْعَاقِرُ وَلَدَتْ 7، وَكَثِيرَةُ الْبَنِينَ ذَبُلَتْ. اللهُ يُمِيتُ وَيُحْيِي، وَيُنْزِلُ إِلَى الْقَبْرِ وَيُقِيمُ مِنْهُ. اللهُ يُفْقِرُ وَيُغْنِي، وَيُذِلُّ وَيُعِزُّ. يُقِيمُ الْمِسْكِينَ مِنَ التُّرَابِ، وَيَرْفَعُ الْفَقِيرَ مِنَ الْمَزْبَلَةِ، وَيُجْلِسُهُمَا مَعَ الْعُظَمَاءِ، وَيُعْطِيهِمَا عَرْشَ الْكَرَامَةِ نَصِيبًا. لِأَنَّ للهِ أَسَاسَاتِ الْأَرْضِ، وَعَلَيْهَا وَضَعَ الدُّنْيَا. يَحْفَظُ خَطَوَاتِ الَّذِينَ يَتَّقُونَهُ، أَمَّا الْأَشْرَارُ فَيَضِيعُونَ فِي الظَّلَامِ. الْإِنْسَانُ لَا يَغْلِبُ بِقُوَّتِهِ. أَعْدَاءُ اللهِ يَتَحَطَّمُونَ، وَمِنَ السَّمَاءِ يُرْسِلُ الرَّعْدَ عَلَيْهِمْ. الْمَوْلَى يُحَاكِمُ الَّذِينَ فِي آخِرِ الدُّنْيَا. وَيُعْطِي قُوَّةً لِمَلِكِهِ، وَيَرْفَعُ رَأْسَ مُخْتَارِهِ.“ ثُمَّ رَجَعَ أَلْقَانَةُ إِلَى دَارِهِ فِي الرَّامَةِ، أَمَّا الْوَلَدُ فَكَانَ يَخْدِمُ اللهَ عِنْدَ عَالِي الْحَبْرِ. وَكَانَ أَوْلَادُ عَالِي أَشْرَارًا لَا يَتَّقُونَ اللهَ. فَأَصْبَحَ الْأَحْبَارُ يَأْخُذُونَ حَقَّهُمْ مِنَ الشَّعْبِ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ: كُلَّمَا قَدَّمَ رَجُلٌ ضَحِيَّةً، يَأْتِي خَادِمُ الْحَبْرِ عِنْدَ طَبْخِ اللَّحْمِ، وَبِيَدِهِ خُطَّافٌ لَهُ 3 أَسْنَانٍ. وَيَضْرِبُهُ فِي الْوِعَاءِ أَوِ الْغَلَّايَةِ أَوِ الْمِقْلَى أَوِ الْقِدْرِ. وَكُلُّ مَا يَخْرُجُ بِهِ الْخُطَّافُ، يَأْخُذُهُ الْحَبْرُ لِنَفْسِهِ. هَذِهِ هِيَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي كَانُوا يُعَامِلُونَ بِهَا كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْقَادِمِينَ إِلَى شِيلُوهَ. بَلْ كَانَ خَادِمُ الْحَبْرِ يَأْتِي قَبْلَ أَنْ يَحْرِقُوا الشَّحْمَ، وَيَقُولُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يُقَدِّمُ الضَّحِيَّةَ: ”هَاتِ لَحْمًا نَشْوِيهِ لِلْحَبْرِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ مِنْكَ لَحْمًا مَطْبُوخًا بَلْ نَيِّئًا!“ فَيَقُولُ لَهُ الرَّجُلُ: ”اِنْتَظِرْ حَتَّى يُحْرَقَ الشَّحْمُ أَوَّلًا، ثُمَّ خُذْ مَا تُرِيدُ.“ فَيَقُولُ الْخَادِمُ: ”لَا بَلْ هَاتِ الْآنَ، وَإِلَّا آخُذُهُ مِنْكَ بِالْقُوَّةِ!“ فَكَانَتْ خَطِيئَةُ بَنِي عَالِي خَطِيرَةً جِدًّا فِي نَظَرِ اللهِ، لِأَنَّ النَّاسَ اسْتَهَانُوا بِقَرَابِينِ الْمَوْلَى. وَكَانَ صَمُوئِيلُ يَخْدِمُ أَمَامَ اللهِ وَهُوَ وَلَدٌ، وَكَانَ يَلْبَسُ رِدَاءً مِنْ كَتَّانٍ. وَكَانَتْ أُمُّهُ تَعْمَلُ لَهُ جُبَّةً صَغِيرَةً وَتَأْخُذُهَا لَهُ كُلَّ سَنَةٍ، حِينَ كَانَتْ تَصْعَدُ مَعَ زَوْجِهَا لِتَقْدِيمِ الضَّحِيَّةِ السَّنَوِيَّةِ. وَكَانَ عَالِي يُبَارِكُ أَلْقَانَةَ وَزَوْجَتَهُ وَيَقُولُ: ”يَرْزُقُكَ اللهُ أَوْلَادًا مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ بَدَلَ الْوَلَدِ الَّذِي أَعْطَتْهُ للهِ.“ ثُمَّ يَرْجِعَانِ إِلَى مَنْزِلِهِمَا. وَأَحْسَنَ الْمَوْلَى إِلَى حِنَّةَ، فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ 3 بَنِينَ وَبِنْتَيْنِ. أَمَّا الْوَلَدُ صَمُوئِيلُ فَكَبِرَ فِي مَحْضَرِ اللهِ. وَكَانَ عَالِي شَيْخًا مُسِنًّا، وَسَمِعَ بِكُلِّ مَا فَعَلَهُ أَوْلَادُهُ بِجَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَاشِرُونَ النِّسَاءَ اللَّاتِي يَخْدِمْنَ عِنْدَ بَابِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ. فَقَالَ لَهُمْ: ”لِمَاذَا تَعْمَلُونَ هَذِهِ الْأَعْمَالَ؟ إِنَّ أَفْعَالَكُمُ الْخَبِيثَةَ بَلَغَتْنِي مِنْ كُلِّ هَذَا الشَّعْبِ! لَا يَا أَوْلَادِي! أَنَا سَامِعٌ عَنْكُمْ أَخْبَارًا قَبِيحَةً انْتَشَرَتْ بَيْنَ شَعْبِ اللهِ. إِنْ أَخْطَأَ إِنْسَانٌ فِي حَقِّ إِنْسَانٍ، يَحْكُمُ اللهُ بَيْنَهُمَا. وَلَكِنْ إِنْ أَخْطَأَ إِنْسَانٌ فِي حَقِّ اللهِ، فَمَنْ يَشْفَعُ فِيهِ؟“ لَكِنَّ أَوْلَادَهُ لَمْ يَسْمَعُوا كَلَامَ أَبِيهِمْ، لِأَنَّ الْمَوْلَى شَاءَ أَنْ يُمِيتَهُمْ. أَمَّا الْوَلَدُ صَمُوئِيلُ فَكَانَ يَنْمُو فِي الْقَامَةِ، وَيَزِيدُ رِضَى اللهِ وَالنَّاسِ عَلَيْهِ. وَجَاءَ نَبِيٌّ إِلَى عَالِي وَقَالَ لَهُ: ”هَذَا كَلَامُ اللهِ: ’أَنَا أَظْهَرْتُ نَفْسِي لِبَيْتِ أَبِيكَ هَارُونَ وَهُمْ فِي مِصْرَ فِي دِيَارِ فِرْعَوْنَ، وَاخْتَرْتُهُمْ مِنْ بَيْنِ كُلِّ قَبَائِلِ إِسْرَائِيلَ لِيَكُونُوا أَحْبَارًا لِيُقَدِّمُوا الْقَرَابِينَ لِي، وَيَحْرِقُوا الْبَخُورَ، وَيَلْبَسُوا الرِّدَاءَ الْخَاصَّ فِي مَحْضَرِي. وَأَعْطَيْتُهُمْ نَصِيبًا مِنْ كُلِّ الضَّحَايَا الَّتِي يَحْرِقُهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ. فَلِمَاذَا تَحْتَقِرُونَ ضَحَايَايَ وَقَرَابِينِيَ الَّتِي أَمَرْتُ بِهَا لِبَيْتِيَ الْمُقَدَّسِ؟ وَلِمَاذَا تُكْرِمُ أَوْلَادَكَ أَكْثَرَ مِنِّي بِأَنْ تُسَمِّنُوا أَنْفُسَكُمْ بِأَحْسَنِ مَا فِي كُلِّ قَرَابِينِ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ؟‘ لِذَلِكَ هَذَا هُوَ إِعْلَانُ الْمَوْلَى رَبِّنَا: ’أَنَا وَعَدْتُ مِنْ قَبْلُ أَنْ يَظَلَّ بَيْتُكَ وَبَيْتُ أَبِيكَ فِي خِدْمَتِي إِلَى الْأَبَدِ. أَمَّا الْآنَ فَأَقُولُ، مُنَزَّهٌ أَنَا عَنْ هَذَا! أَنَا أُكْرِمُ الَّذِينَ يُكْرِمُونِي، وَالَّذِينَ يَحْتَقِرُونِي يُهَانُونَ. سَيَأْتِي وَقْتٌ، أُحَطِّمُ فِيهِ قُوَّتَكَ وَقُوَّةَ بَيْتِ أَبِيكَ، وَلَا يَكْبَرُ فِيكُمْ أَحَدٌ لِيَكُونَ شَيْخًا. وَبَيْنَمَا يَنْعَمُ بَنُو إِسْرَائِيلَ، تَكُونُ أَنْتَ فِي ضِيقٍ. وَلَا يَعِيشُ فِيكُمْ أَحَدٌ لِيَكُونَ شَيْخًا. وَإِنْ أَبْقَيْتُ أَحَدًا لِيُقَدِّمَ الْقَرَابِينَ لِي، يَكُونُ أَعْمَى الْعَيْنَيْنِ، وَحَزِينَ الْقَلْبِ. وَيَمُوتُ كُلُّ نَسْلِكَ فِي رَيْعَانِ الشَّبَابِ. وَكَبُرْهَانٍ لِكَلَامِي، سَيَمُوتُ ابْنَاكَ حُفْنِي وَفِينْحَاسُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. ثُمَّ أُقِيمُ لِنَفْسِي حَبْرًا أَمِينًا يَعْمَلُ حَسَبَ مَا فِي قَلْبِي وَفِكْرِي. وَأُثَبِّتُ عَائِلَتَهُ لِتَخْدِمَ دَائِمًا أَمَامَ الْمَلِكِ الَّذِي أَخْتَارُهُ. وَكُلُّ مَنْ يَبْقَى مِنْ نَسْلِكَ، يَأْتِي لِيَسْجُدَ لَهُ مِنْ أَجْلِ قِطْعَةٍ مِنَ النَّقْدِ وَرَغِيفِ خُبْزٍ، وَيَقُولُ لَهُ: ”أَعْطِنِي وَظِيفَةً مَعَ الْأَحْبَارِ لِآكُلَ كِسْرَةَ خُبْزٍ.“‘“ وَكَانَ الْوَلَدُ صَمُوئِيلُ يَخْدِمُ اللهَ تَحْتَ إِشْرَافِ عَالِي. وَفِي تِلْكَ الْأَيَّامِ كَانَتْ كَلِمَةُ اللهِ نَادِرَةً، وَالرُّؤَى قَلِيلَةً. وَذَاتَ لَيْلَةٍ، كَانَ عَالِي نَائِمًا فِي مَكَانِهِ الْمُعْتَادِ، وَكَانَتْ قَدْ ضَعُفَتْ عَيْنَاهُ، وَلَمْ يَعُدْ يَرَى جَيِّدًا. وَكَانَ صَمُوئِيلُ نَائِمًا فِي بَيْتِ اللهِ الَّذِي فِيهِ صُنْدُوقُ عَهْدِ الْمَوْلَى. وَقَبْلَ أَنْ يَنْطَفِئَ مِصْبَاحُ اللهِ، نَادَى الْمَوْلَى صَمُوئِيلَ، فَقَالَ: ”لَبَّيْكَ!“ وَجَرَى إِلَى عَالِي وَقَالَ: ”نَادَيْتَنِي، فَجِئْتُ!“ فَقَالَ: ”لَمْ أُنَادِ! اِرْجِعْ وَنَمْ.“ فَرَجَعَ صَمُوئِيلُ وَنَامَ. فَنَادَى الْمَوْلَى صَمُوئِيلَ مَرَّةً ثَانِيَةً، فَقَامَ صَمُوئِيلُ وَذَهَبَ إِلَى عَالِي وَقَالَ: ”نَادَيْتَنِي، فَجِئْتُ!“ فَقَالَ: ”لَمْ أُنَادِ يَا ابْنِي! اِرْجِعْ وَنَمْ.“ وَلَمْ يَكُنْ صَمُوئِيلُ يَعْرِفُ الْمَوْلَى بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، لِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَعْلَنَ لَهُ كَلَامَهُ بَعْدُ. وَنَادَى الْمَوْلَى صَمُوئِيلَ مَرَّةً ثَالِثَةً، فَقَامَ وَذَهَبَ إِلَى عَالِي وَقَالَ: ”نَادَيْتَنِي، فَجِئْتُ!“ فَفَهِمَ عَالِي أَنَّ الْمَوْلَى يُنَادِي الْوَلَدَ. فَقَالَ عَالِي لِصَمُوئِيلَ: ”اِذْهَبْ وَنَمْ، وَإِذَا نَادَاكَ تَقُولُ: ’تَكَلَّمْ يَا رَبُّ لِأَنَّ عَبْدَكَ سَامِعٌ.‘“ فَذَهَبَ صَمُوئِيلُ إِلَى مَكَانِهِ وَنَامَ. فَجَاءَ الْمَوْلَى وَوَقَفَ هُنَاكَ، وَنَادَى كَالْمَرَّاتِ السَّابِقَةِ: ”يَا صَمُوئِيلُ! يَا صَمُوئِيلُ!“ فَقَالَ صَمُوئِيلُ: ”تَكَلَّمْ لِأَنَّ عَبْدَكَ سَامِعٌ.“ فَقَالَ الْمَوْلَى لِصَمُوئِيلَ: ”أَنَا عَلَى وَشْكِ أَنْ أَفْعَلَ أَمْرًا فِي إِسْرَائِيلَ، كُلُّ مَنْ سَمِعَ بِهِ تُصْعَقُ أُذُنَاهُ! فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَجْلِبُ عَلَى عَالِي كُلَّ مَا قُلْتُهُ ضِدَّ عَائِلَتِهِ، مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ. فَإِنِّي أَخْبَرْتُهُ بِأَنِّي سَأَقْضِي عَلَى عَائِلَتِهِ إِلَى الْأَبَدِ، بِسَبَبِ شَرِّ أَوْلَادِهِ وَكُفْرِهِمْ بِاللهِ. وَهُوَ يَعْرِفُ ذَلِكَ وَلَمْ يَرْدَعْهُمْ. لِذَلِكَ أَقْسَمْتُ لِبَيْتِ عَالِي أَنَّ شَرَّهُمْ لَا يُكَفَّرُ عَنْهُ إِلَى الْأَبَدِ، لَا بِضَحِيَّةٍ وَلَا بِقُرْبَانٍ.“ وَنَامَ صَمُوئِيلُ إِلَى الصُّبْحِ، ثُمَّ فَتَحَ أَبْوَابَ بَيْتِ اللهِ. وَلَكِنَّهُ خَافَ أَنْ يُخْبِرَ عَالِي بِالرُّؤْيَا. فَنَادَاهُ عَالِي وَقَالَ: ”يَا صَمُوئِيلُ يَا ابْنِي!“ فَقَالَ صَمُوئِيلُ: ”لَبَّيْكَ!“ فَقَالَ عَالِي: ”مَاذَا قَالَ الْمَوْلَى لَكَ؟ لَا تُخْفِ عَنِّي. لَيْتَ اللهَ يُعَاقِبُكَ أَشَدَّ عِقَابٍ، إِنْ أَخْفَيْتَ عَنِّي شَيْئًا وَاحِدًا مِنْ كُلِّ مَا قَالَهُ لَكَ!“ فَأَخْبَرَهُ صَمُوئِيلُ بِكُلِّ شَيْءٍ وَلَمْ يُخْفِ عَنْهُ. فَقَالَ عَالِي: ”هُوَ الْمَوْلَى، فَلْيَعْمَلْ مَا يَشَاءُ.“ وَكَبِرَ صَمُوئِيلُ، وَكَانَ اللهُ مَعَهُ. وَلَمْ يَسْمَحْ بِأَنْ يَضِيعَ شَيْءٌ مِنْ كُلِّ كَلَامِهِ. وَعَرَفَ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنْ دَانَ إِلَى بِئْرَ سَبْعَ، أَنَّ الْمَوْلَى اخْتَارَ صَمُوئِيلَ نَبِيًّا. وَظَلَّ الْمَوْلَى يُظْهِرُ نَفْسَهُ فِي شِيلُوهَ، وَيُعْلِنُ ذَاتَهُ هُنَاكَ لِصَمُوئِيلَ وَيُكَلِّمُهُ. وَبَلَغَ كَلَامُ صَمُوئِيلَ كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَخَرَجَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِيُحَارِبُوا الْفِلِسْطِيِّينَ، وَعَسْكَرُوا عِنْدَ حَجَرِ الْمَعُونَةِ، وَعَسْكَرَ الْفِلِسْطِيُّونَ فِي أَفِيقَ. وَتَجَمَّعَ الْفِلِسْطِيُّونَ ضِدَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَامْتَدَّتِ الْمَعْرَكَةُ، فَانْهَزَمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَمَامَ الْفِلِسْطِيِّينَ. وَقَتَلَ الْفِلِسْطِيُّونَ مِنْهُمْ حَوَالَيْ 4000 رَجُلٍ فِي سَاحَةِ الْحَرْبِ. وَلَمَّا رَجَعَ الْجَيْشُ إِلَى الْمُعَسْكَرِ، قَالَ شُيُوخُ إِسْرَائِيلَ: ”لِمَاذَا هَزَمَنَا الْمَوْلَى الْيَوْمَ أَمَامَ الْفِلِسْطِيِّينَ؟ تَعَالَوْا نَأْخُذُ مِنْ شِيلُوهَ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ، فَيَذْهَبُ مَعَنَا وَيُنْقِذُنَا مِنْ يَدِ أَعْدَائِنَا.“ فَأَرْسَلَ الشَّعْبُ إِلَى شِيلُوهَ، وَأَحْضَرُوا مِنْ هُنَاكَ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ الْقَدِيرِ الْجَالِسِ عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ. وَجَاءَ أَيْضًا حُفْنِي وَفِينْحَاسُ ابْنَا عَالِي مَعَ صُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ. وَلَمَّا دَخَلَ صُنْدُوقُ عَهْدِ اللهِ إِلَى الْمُعَسْكَرِ، هَتَفَ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ هُتَافًا عَظِيمًا حَتَّى ارْتَجَّتِ الْأَرْضُ. فَسَمِعَ الْفِلِسْطِيُّونَ الصَّوْتَ فَقَالُوا: ”مَا هَذَا الْهُتَافُ الْعَظِيمُ فِي مُعَسْكَرِ الْعِبْرَانِيِّينَ؟“ وَعَرَفُوا أَنَّ صُنْدُوقَ الْعَهْدِ جَاءَ إِلَى الْمُعَسْكَرِ. فَخَافَ الْفِلِسْطِيُّونَ وَقَالُوا: ”جَاءَ اللهُ إِلَى الْمُعَسْكَرِ! الْوَيْلُ لَنَا، لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَحْدُثْ مِنْ قَبْلُ! الْوَيْلُ لَنَا! مَنْ يُنْقِذُنَا مِنْ يَدِ هَذِهِ الْآلِهَةِ الْقَدِيرَةِ؟ هَذِهِ هِيَ الْآلِهَةُ الَّتِي ضَرَبَتْ مِصْرَ بِكُلِّ أَنْوَاعِ الْأَوْبِئَةِ فِي الصَّحْرَاءِ. كُونُوا أَقْوِيَاءَ أَيُّهَا الْفِلِسْطِيُّونَ! كُونُوا رِجَالًا، لِئَلَّا يَسْتَعْبِدَكُمُ الْعِبْرَانِيُّونَ كَمَا اسْتَعْبَدْتُمُوهُمْ أَنْتُمْ. كُونُوا رِجَالًا وَحَارِبُوا!“ فَحَارَبَ الْفِلِسْطِيُّونَ، وَانْهَزَمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَهَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى خَيْمَتِهِ. وَكَانَتْ مَجْزَرَةً عَظِيمَةً جِدًّا، وَقُتِلَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ 30000 جُنْدِيٍّ. وَاسْتَوْلَى الْفِلِسْطِيُّونَ عَلَى صُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ، وَمَاتَ حُفْنِي وَفِينْحَاسُ ابْنَا عَالِي. وَفِي نَفْسِ الْيَوْمِ، أَسْرَعَ رَجُلٌ بِنْيَمِينِيٌّ مِنْ سَاحَةِ الْقِتَالِ، وَجَاءَ إِلَى شِيلُوهَ وَثِيَابُهُ مُمَزَّقَةٌ، وَعَلَى رَأْسِهِ تُرَابٌ. وَكَانَ عَالِي جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ بِجَانِبِ الطَّرِيقِ يُرَاقِبُ، لِأَنَّ قَلْبَهُ كَانَ خَائِفًا عَلَى صُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ. فَلَمَّا وَصَلَ الرَّجُلُ، وَأَبْلَغَ الْمَدِينَةَ بِالْخَبَرِ، صَرَخَتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا. فَسَمِعَ عَالِي صَوْتَ الصُّرَاخِ وَسَأَلَ: ”مَا هَذِهِ الضَّجَّةُ؟“ فَأَسْرَعَ الرَّجُلُ وَأَخْبَرَ عَالِي. وَكَانَ عَالِي ابْنَ 98 سَنَةً، وَقَدْ فَقَدَ الْبَصَرَ وَلَمْ يَعُدْ يَرَى. فَقَالَ الرَّجُلُ لِعَالِي: ”جِئْتُ مِنْ جَبْهَةِ الْقِتَالِ، فَقَدْ هَرَبْتُ مِنْ هُنَاكَ الْيَوْمَ.“ فَسَأَلَهُ عَالِي: ”مَا الْخَبَرُ يَا ابْنِي؟“ فَقَالَ نَاقِلُ الْخَبَرِ: ”هَرَبَ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَمَامَ الْفِلِسْطِيِّينَ، وَأُصِيبَ الْجَيْشُ بِخَسَائِرَ فَادِحَةٍ، وَمَاتَ أَيْضًا ابْنَاكَ حُفْنِي وَفِينْحَاسُ، وَأُخِذَ صُنْدُوقُ الْعَهْدِ.“ فَلَمَّا ذَكَرَ صُنْدُوقَ الْعَهْدِ، سَقَطَ عَالِي عَنِ الْكُرْسِيِّ إِلَى الْوَرَاءِ بِجَانِبِ الْبَابِ، فَانْكَسَرَتْ رَقَبَتُهُ وَمَاتَ، لِأَنَّهُ كَانَ عَجُوزًا وَثَقِيلَ الْجِسْمِ. وَكَانَ قَدْ قَضَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ 40 سَنَةً. وَكَانَتْ زَوْجَةُ ابْنِهِ فِينْحَاسَ حُبْلَى عَلَى وَشْكِ الْوِلَادَةِ. فَلَمَّا سَمِعَتْ أَنَّ صُنْدُوقَ الْعَهْدِ أُخِذَ، وَأَنَّ أَبَا زَوْجِهَا وَزَوْجَهَا مَاتَا، جَاءَ عَلَيْهَا الْمَخَاضُ، وَسَقَطَتْ وَوَلَدَتْ. ثُمَّ أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَوْتِ، فَقَالَتْ لَهَا النِّسَاءُ اللَّاتِي كُنَّ يُسَاعِدْنَهَا: ”لَا تَخَافِي، لِأَنَّكِ وَلَدْتِ ابْنًا.“ فَلَمْ تُجِبْ وَلَمْ يَهُمَّهَا. فَدَعَتِ الْوَلَدَ إِيخَابُودَ، وَقَالَتْ: ”زَالَ الْجَلَالُ مِنْ إِسْرَائِيلَ.“ لِأَنَّ صُنْدُوقَ الْعَهْدِ أُخِذَ وَلِأَنَّ أَبَا زَوْجِهَا وَزَوْجَهَا مَاتَا. وَقَالَتْ: ”زَالَ الْجَلَالُ مِنْ إِسْرَائِيلَ، لِأَنَّ صُنْدُوقَ الْعَهْدِ أُخِذَ.“ فَأَخَذَ الْفِلِسْطِيُّونَ صُنْدُوقَ الْعَهْدِ، وَنَقَلُوهُ مِنْ حَجَرِ الْمَعُونَةِ إِلَى أَشْدُودَ. ثُمَّ أَدْخَلُوهُ إِلَى مَعْبَدِ دَاجُونَ إِلَهِهِمْ، وَوَضَعُوهُ بِجِوَارِ دَاجُونَ. وَلَمَّا قَامَ أَهْلُ أَشْدُودَ فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، وَجَدُوا دَاجُونَ سَاقِطًا عَلَى وَجْهِهِ عَلَى الْأَرْضِ أَمَامَ صُنْدُوقِ عَهْدِ الْمَوْلَى! فَرَفَعُوا دَاجُونَ وَوَضَعُوهُ فِي مَكَانِهِ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَيْضًا، لَمَّا قَامُوا فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، وَجَدُوا دَاجُونَ سَاقِطًا عَلَى وَجْهِهِ عَلَى الْأَرْضِ أَمَامَ صُنْدُوقِ الْعَهْدِ! وَكَانَتْ رَأْسُهُ وَيَدَاهُ مَقْطُوعَةً وَمَطْرُوحَةً عَلَى الْعَتَبَةِ. جِسْمُهُ فَقَطْ بَقِيَ كَمَا هُوَ. لِذَلِكَ فَإِنَّ كَهَنَةَ دَاجُونَ، وَكُلَّ مَنْ يَدْخُلُونَ مَعْبَدَهُ فِي أَشْدُودَ، لَا يَدُوسُونَ عَلَى عَتَبَتِهِ إِلَى الْيَوْمِ. وَنَزَلَتْ يَدُ الْمَوْلَى بِقَسْوَةٍ عَلَى أَهْلِ أَشْدُودَ وَالْقُرَى الْمُحِيطَةِ بِهَا. فَجَلَبَ عَلَيْهِمُ الْخَرَابَ، وَضَرَبَهُمْ بِأَوْرَامٍ. فَلَمَّا رَأَى أَهْلُ أَشْدُودَ مَا جَرَى لَهُمْ، قَالُوا: ”لَا يَبْقَى صُنْدُوقُ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ عِنْدَنَا، لِأَنَّ يَدَهُ قَاسِيَةٌ عَلَيْنَا وَعَلَى دَاجُونَ إِلَهِنَا.“ فَأَرْسَلُوا وَجَمَعُوا كُلَّ قَادَةِ الْفِلِسْطِيِّينَ وَسَأَلُوهُمْ: ”مَاذَا نَعْمَلُ بِصُنْدُوقِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟“ فَأَجَابُوا: ”اُنْقُلُوهُ إِلَى جَتَّ.“ فَنَقَلُوا صُنْدُوقَ الْعَهْدِ. وَبَعْدَمَا نَقَلُوهُ، نَزَلَتْ يَدُ اللهِ عَلَى الْمَدِينَةِ بِاضْطِرَابٍ عَظِيمٍ جِدًّا. وَضَرَبَ اللهُ أَهْلَهَا بِأَوْرَامٍ، مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ. فَأَرْسَلُوا الصُّنْدُوقَ إِلَى عَقْرُونَ. فَلَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ، صَرَخَ أَهْلُهَا وَقَالُوا: ”نَقَلُوا إِلَيْنَا صُنْدُوقَ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِكَيْ يَقْتُلُونَا نَحْنُ وَشَعْبَنَا.“ فَأَرْسَلُوا وَجَمَعُوا كُلَّ قَادَةِ الْفِلِسْطِيِّينَ وَقَالُوا: ”اِبْعَثُوا صُنْدُوقَ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَيَرْجِعَ إِلَى مَكَانِهِ، لِئَلَّا يَقْتُلَنَا نَحْنُ وَشَعْبَنَا.“ لِأَنَّ الْمَوْتَ مَلَأَ كُلَّ الْمَدِينَةِ بِالِاضْطِرَابِ وَكَانَتْ يَدُ اللهِ ثَقِيلَةً جِدًّا عَلَيْهَا. وَالَّذِينَ لَمْ يَمُوتُوا، أَصَابَتْهُمْ أَوْرَامٌ. فَارْتَفَعَ صُرَاخُ الْمَدِينَةِ إِلَى السَّمَاءِ. وَكَانَ صُنْدُوقُ عَهْدِ اللهِ فِي بِلَادِ الْفِلِسْطِيِّينَ 7 أَشْهُرٍ. فَدَعَا الْفِلِسْطِيُّونَ الْكَهَنَةَ وَالَّذِينَ يُمَارِسُونَ الْعِلْمَ بِالْغَيْبِ وَسَأَلُوهُمْ: ”مَاذَا نَعْمَلُ بِصُنْدُوقِ عَهْدِ الْمَوْلَى؟ قُولُوا لَنَا كَيْفَ نُرْسِلُهُ إِلَى مَكَانِهِ.“ فَأَجَابُوا: ”إِذَا أَرْسَلْتُمْ صُنْدُوقَ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلَا تُرْسِلُوهُ فَارِغًا، بَلْ قَدِّمُوا لَهُ قُرْبَانًا تُكَفِّرُونَ بِهِ عَنْ ذَنْبِكُمْ، فَتُشْفَوْا وَتَعْلَمُوا لِمَاذَا لَمْ تَكُفَّ يَدُهُ عَنْكُمْ.“ فَقَالُوا: ”وَمَا هُوَ قُرْبَانُ الذَّنْبِ الَّذِي نُقَدِّمُهُ لَهُ؟“ فَأَجَابُوا: ”5 قِطَعٍ مِنْ ذَهَبٍ عَلَى شَكْلِ أَوْرَامٍ، وَ5 قِطَعٍ مِنْ ذَهَبٍ عَلَى شَكْلِ فِيرَانٍ، أَيْ حَسَبَ عَدَدِ قَادَةِ الْفِلِسْطِيِّينَ، لِأَنَّ نَفْسَ الْوَبَأِ أَصَابَكُمْ أَنْتُمْ وَقَادَتَكُمْ. فَتَعْمَلُونَهَا عَلَى شَكْلِ الْأَوْرَامِ وَالْفِيرَانِ الَّتِي خَرَّبَتِ الْأَرْضَ، وَقَدِّمُوا الْجَلَالَ لِرَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ يَدَهُ عَنْكُمْ وَعَنْ آلِهَتِكُمْ وَعَنْ أَرْضِكُمْ. فَلِمَاذَا تُقَسُّونَ قُلُوبَكُمْ كَمَا فَعَلَ الْمِصْرِيُّونَ وَفِرْعَوْنُ؟ أَلَمْ يَضْرِبْهُمُ اللهُ حَتَّى أَطْلَقُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ هَاتُوا الْآنَ عَرَبَةً جَدِيدَةً وَأَعِدُّوهَا، مَعَ بَقَرَتَيْنِ مُرْضِعَتَيْنِ لَمْ يُوضَعْ عَلَيْهِمَا نِيرٌ. وَارْبِطُوا الْبَقَرَتَيْنِ إِلَى الْعَرَبَةِ، ثُمَّ أَرْجِعُوا وَلَدَيْهِمَا إِلَى الْحَظِيرَةِ. وَخُذُوا الصُّنْدُوقَ، وَضَعُوهُ عَلَى الْعَرَبَةِ، وَبِجِوَارِهِ صُنْدُوقٌ آخَرُ تَضَعُونَ فِيهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي مِنْ ذَهَبٍ الَّتِي تُقَدِّمُونَهَا لَهُ قُرْبَانًا عَنِ الذَّنْبِ. ثُمَّ أَطْلِقُوهُ لِيَذْهَبَ. وَرَاقِبُوهُ، فَإِنِ اتَّجَهَ إِلَى أَرْضِهِ نَحْوَ بَيْتَ شَمْسَ، يَكُونُ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْنَا هَذِهِ الْمَصَائِبَ الْفَظِيعَةَ. أَمَّا إِنْ رَاحَ فِي اتِّجَاهٍ آخَرَ، نَعْلَمُ أَنَّ يَدَهُ لَمْ تَضْرِبْنَا، إِنَّمَا جَرَى هَذَا لَنَا صُدْفَةً.“ فَفَعَلُوا هَذَا. أَخَذُوا بَقَرَتَيْنِ مُرْضِعَتَيْنِ وَرَبَطُوهُمَا إِلَى الْعَرَبَةِ، وَحَبَسُوا وَلَدَيْهِمَا فِي الْحَظِيرَةِ. وَوَضَعُوا صُنْدُوقَ عَهْدِ الْمَوْلَى عَلَى الْعَرَبَةِ وَمَعَهُ الصُّنْدُوقُ الْآخَرُ الَّذِي فِيهِ الْفِيرَانُ وَالْأَوْرَامُ الَّتِي مِنْ ذَهَبٍ. فَاتَّجَهَتِ الْبَقَرَتَانِ رَأْسًا نَحْوَ بَيْتَ شَمْسَ، وَرَفَعَتَا صَوْتَهُمَا وَهُمَا تَسِيرَانِ، وَلَمْ تَنْحَرِفَا عَنِ الطَّرِيقِ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا. وَسَارَ قَادَةُ الْفِلِسْطِيِّينَ وَرَاءَهُمَا حَتَّى إِلَى حُدُودِ بَيْتَ شَمْسَ. وَكَانَ أَهْلُ بَيْتَ شَمْسَ يَحْصُدُونَ الْقَمْحَ فِي الْوَادِي. فَنَظَرُوا وَرَأَوْا صُنْدُوقَ الْعَهْدِ، فَفَرِحُوا لِرُؤْيَتِهِ. وَوَصَلَتِ الْعَرَبَةُ إِلَى حَقْلِ يَشُوعَ الَّذِي مِنْ بَيْتَ شَمْسَ، وَوَقَفَتْ هُنَاكَ عِنْدَ حَجَرٍ كَبِيرٍ. فَشَقُّوا خَشَبَ الْعَرَبَةِ وَقَدَّمُوا الْبَقَرَتَيْنِ قُرْبَانًا يُحْرَقُ للهِ. وَأَنْزَلَ اللَّاوِيُّونَ صُنْدُوقَ عَهْدِ الْمَوْلَى، وَالصُّنْدُوقَ الْآخَرَ الَّذِي مَعَهُ الَّذِي فِيهِ الذَّهَبُ، وَوَضَعُوهُمَا عَلَى الْحَجَرِ الْكَبِيرِ. وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، قَدَّمَ أَهْلُ بَيْتَ شَمْسَ قُرْبَانًا يُحْرَقُ وَضَحَايَا للهِ. فَرَأَى قَادَةُ الْفِلِسْطِيِّينَ الْـ5 كُلَّ هَذَا، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى عَقْرُونَ فِي نَفْسِ الْيَوْمِ. أَمَّا أَوْرَامُ الذَّهَبِ الَّتِي قَدَّمَهَا الْفِلِسْطِيُّونَ للهِ قُرْبَانًا عَنِ الذَّنْبِ، فَكَانَتْ وَاحِدًا لِكُلٍّ مِنْ أَشْدُودَ وَغَزَّةَ وَعَسْقَلَانَ وَجَتَّ وَعَقْرُونَ. وَفِيرَانُ الذَّهَبِ كَانَتْ بِعَدَدِ كُلِّ مُدُنِ الْفِلِسْطِيِّينَ التَّابِعَةِ لِلْقَادَةِ الْـ5، سَوَاءٌ الْمُدُنُ الْمُحَصَّنَةُ أَوِ الْقُرَى الْمَكْشُوفَةُ. وَالْحَجَرُ الْكَبِيرُ الَّذِي وَضَعُوا عَلَيْهِ صُنْدُوقَ الْعَهْدِ مَا زَالَ شَاهِدًا إِلَى الْيَوْمِ، وَهُوَ فِي حَقْلِ يَشُوعَ الَّذِي مِنْ بَيْتَ شَمْسَ. وَضَرَبَ الْمَوْلَى أَهْلَ بَيْتَ شَمْسَ، لِأَنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى مَا فِي صُنْدُوقِ الْعَهْدِ، فَقَتَلَ مِنَ الشَّعْبِ 70 رَجُلًا. فَنَاحَ الشَّعْبُ لِأَنَّ الْمَوْلَى ضَرَبَهُمْ هَذِهِ الضَّرْبَةَ الشَّدِيدَةَ. وَقَالَ أَهْلُ بَيْتَ شَمْسَ: ”مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَقِفَ فِي مَحْضَرِ الْمَوْلَى الْإِلَهِ الْقُدُّوسِ هَذَا؟ وَإِلَى أَيْنَ نُبْعِدُ عَنَّا هَذَا الصُّنْدُوقَ؟“ ثُمَّ أَرْسَلُوا رُسُلًا إِلَى سُكَّانِ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ وَقَالُوا لَهُمْ: ”أَرْجَعَ الْفِلِسْطِيُّونَ صُنْدُوقَ الْعَهْدِ، فَتَعَالَوْا وَخُذُوهُ عِنْدَكُمْ.“ فَجَاءَ أَهْلُ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ، وَأَخَذُوا صُنْدُوقَ الْعَهْدِ وَوَضَعُوهُ فِي دَارِ أَبِينَادَابَ عَلَى التَّلِّ. وَكَرَّسُوا أَلِعَازَارَ ابْنَهُ لِحِرَاسَةِ الصُّنْدُوقِ. وَبَقِيَ الصُّنْدُوقُ فِي قَرْيَةِ يَعَارِيمَ فَتْرَةً طَوِيلَةً، 20 سَنَةً. وَبَدَأَ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَتَعَطَّشُونَ إِلَى اللهِ. فَكَلَّمَهُمْ صَمُوئِيلُ وَقَالَ لَهُمْ: ”إِنْ كُنْتُمْ رَاجِعِينَ إِلَى اللهِ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ، إِذَنْ أَزِيلُوا الْآلِهَةَ الْغَرِيبَةَ وَعَشْتَرُوتَ مِنْ بَيْنِكُمْ، وَافْتَحُوا قُلُوبَكُمْ للهِ، وَاعْبُدُوهُ وَحْدَهُ، فَيُنْقِذَكُمْ مِنْ يَدِ الْفِلِسْطِيِّينَ.“ فَأَزَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْبَعْلَ وَعَشْتَرُوتَ، وَعَبَدُوا اللهَ وَحْدَهُ. فَقَالَ صَمُوئِيلُ: ”اِجْمَعُوا كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الْمِصْفَاةِ، فَأَتَشَفَّعَ مِنْ أَجْلِكُمْ عِنْدَ اللهِ.“ فَاجْتَمَعُوا فِي الْمِصْفَاةِ، وَجَلَبُوا مَاءً وَصَبُّوهُ أَمَامَ الْمَوْلَى، وَصَامُوا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَقَالُوا: ”أَخْطَأْنَا فِي حَقِّ اللهِ.“ وَهُنَاكَ فِي الْمِصْفَاةِ، صَارَ صَمُوئِيلُ قَاضِيًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. وَسَمِعَ الْفِلِسْطِيُّونَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ اجْتَمَعُوا فِي الْمِصْفَاةِ، فَقَامَ قَادَةُ الْفِلِسْطِيِّينَ لِيُحَارِبُوهُمْ. وَلَمَّا سَمِعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ، خَافُوا مِنَ الْفِلِسْطِيِّينَ. وَقَالُوا لِصَمُوئِيلَ: ”لَا تَكُفَّ عَنِ التَّضَرُّعِ مِنْ أَجْلِنَا إِلَى الْمَوْلَى إِلَهِنَا، فَيُنْقِذَنَا مِنْ يَدِ الْفِلِسْطِيِّينَ.“ فَأَخَذَ صَمُوئِيلُ حَمَلًا رَضِيعًا، وَقَدَّمَهُ بِتَمَامِهِ قُرْبَانًا يُحْرَقُ للهِ. وَتَضَرَّعَ صَمُوئِيلُ إِلَى الْمَوْلَى مِنْ أَجْلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَاسْتَجَابَ الْمَوْلَى لَهُ. وَبَيْنَمَا كَانَ صَمُوئِيلُ يُقَدِّمُ الْقُرْبَانَ، تَقَدَّمَ الْفِلِسْطِيُّونَ لِيُحَارِبُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَأَرْعَدَ اللهُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَى الْفِلِسْطِيِّينَ، وَأَصَابَهُمْ بِالْفَزَعِ فَانْهَزَمُوا أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَانْدَفَعَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ مِنَ الْمِصْفَاةِ، وَطَارَدُوا الْفِلِسْطِيِّينَ، وَظَلُّوا يَقْتُلُونَهُمْ حَتَّى إِلَى مَكَانٍ تَحْتَ بَيْتَ كَارَ. فَأَخَذَ صَمُوئِيلُ حَجَرًا وَنَصَبَهُ بَيْنَ الْمِصْفَاةِ وَالسِّنِّ وَدَعَاهُ 'حَجَرَ الْمَعُونَةِ' وَقَالَ: ”إِلَى هُنَا أَعَانَنَا اللهُ.“ فَانْكَسَرَ الْفِلِسْطِيُّونَ وَلَمْ يَعُودُوا يَدْخُلُونَ أَرْضَ إِسْرَائِيلَ. وَضَرَبَ الْمَوْلَى الْفِلِسْطِيِّينَ كُلَّ أَيَّامِ صَمُوئِيلَ. وَاسْتَرَدَّ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْمُدُنَ الَّتِي أَخَذَهَا الْفِلِسْطِيُّونَ مِنْهُمْ، مِنْ عَقْرُونَ إِلَى جَتَّ. كَمَا اسْتَرَدَّ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْهُمْ أَيْضًا أَرَاضِيَ تِلْكَ الْمُدُنِ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْأَمُورِيِّينَ، فَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ إِسْرَائِيلَ سَلَامٌ. وَظَلَّ صَمُوئِيلُ يَقْضِي لِبَنِي إِسْرَائِيلَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ. وَكَانَ يَذْهَبُ كُلَّ سَنَةٍ وَيَطُوفُ فِي بَيْتَ إِيلَ وَالْجِلْجَالِ وَالْمِصْفَاةِ، وَيَقْضِي لِإِسْرَائِيلَ فِي كُلِّ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ. ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الرَّامَةِ، لِأَنَّ دَارَهُ فِيهَا. وَهُنَاكَ كَانَ يَقْضِي لِإِسْرَائِيلَ، كَمَا أَنَّهُ بَنَى هُنَاكَ مَنَصَّةً لِعِبَادَةِ اللهِ. وَلَمَّا كَبِرَ صَمُوئِيلُ فِي السِّنِّ، عَيَّنَ بَنِيهِ قُضَاةً لِإِسْرَائِيلَ. وَكَانَ اسْمُ ابْنِهِ الْبِكْرِ يُوئِيلَ، وَالثَّانِي أَبِيَّا. وَكَانَا قَاضِيَيْنِ فِي بِئْرَ سَبْعَ. وَلَمْ يَسْلُكِ ابْنَاهُ فِي طَرِيقِهِ، بَلْ سَعَيَا وَرَاءَ الْمَكْسَبِ، وَأَخَذَا رَشْوَةً، وَحَرَّفَا الْقَضَاءَ. فَاجْتَمَعَ كُلُّ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ، وَجَاءُوا إِلَى صَمُوئِيلَ فِي الرَّامَةِ. وَقَالُوا لَهُ: ”أَنْتَ شِخْتَ، وَابْنَاكَ لَا يَسِيرَانِ فِي طَرِيقِكَ. فَأَقِمْ لَنَا مَلِكًا يَحْكُمُ عَلَيْنَا كَبَاقِي الْأُمَمِ.“ فَاسْتَاءَ صَمُوئِيلُ لَمَّا قَالُوا: ”أَعْطِنَا مَلِكًا يَحْكُمُ عَلَيْنَا“ وَدَعَا اللهَ. فَقَالَ اللهُ لَهُ: ”اِسْمَعْ لِلشَّعْبِ فِي كُلِّ مَا يَقُولُونَهُ. فَهُمْ لَمْ يَرْفُضُوكَ أَنْتَ بَلْ رَفَضُونِي أَنَا لِكَيْ لَا أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ. وَهُمْ يُعَامِلُونَكَ الْآنَ كَمَا عَامَلُونِي مُنْذُ أَخْرَجْتُهُمْ مِنْ مِصْرَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ، فَقَدْ تَرَكُونِي وَعَبَدُوا آلِهَةً أُخْرَى. فَاسْمَعْ لَهُمْ، وَلَكِنْ أَنْذِرْهُمْ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَعْمَلُهُ الْمَلِكُ الَّذِي يَمْلِكُ عَلَيْهِمْ.“ وَأَخْبَرَ صَمُوئِيلُ شُيُوخَ الشَّعْبِ الَّذِينَ طَلَبُوا مِنْهُ مَلِكًا بِكُلِّ كَلَامِ اللهِ. وَقَالَ: ”هَذَا هُوَ مَا يَعْمَلُهُ الْمَلِكُ الَّذِي يَمْلِكُ عَلَيْكُمْ. يَأْخُذُ بَنِيكُمْ وَيَجْعَلُهُمْ يَخْدِمُونَ مَرْكَبَاتِهِ وَخَيْلَهُ وَيَجْرُونَ أَمَامَ مَرْكَبَتِهِ. وَيَجْعَلُ الْبَعْضَ قَادَةَ 1000 وَقَادَةَ 50، وَالْبَعْضَ يَحْرُثُونَ أَرْضَهُ وَيَحْصُدُونَ زَرْعَهُ، وَالْبَعْضَ الْآخَرَ يَعْمَلُونَ مُعَدَّاتِهِ الْحَرْبِيَّةَ وَأَدَوَاتِ مَرْكَبَاتِهِ. وَيَأْخُذُ بَنَاتِكُمْ لِيَكُنَّ صَانِعَاتِ عُطُورٍ وَطَبَّاخَاتٍ وَخَبَّازَاتٍ. وَيَأْخُذُ أَفْضَلَ حُقُولِكُمْ وَكُرُومِكُمْ وَزَيْتُونِكُمْ وَيُعْطِيهَا لِعُمَّالِهِ. وَيَأْخُذُ الْعُشْرَ مِنْ زَرْعِكُمْ وَخَمْرِكُمْ وَيُعْطِيهِ لِمُوَظَّفِيهِ وَعُمَّالِهِ. وَيَأْخُذُ عَبِيدَكُمْ وَجَوَارِيَكُمْ وَأَفْضَلَ مَاشِيَتِكُمْ وَحَمِيرِكُمْ وَيَسْتَعْمِلُهَا لِشُغْلِهِ. وَيَأْخُذُ الْعُشْرَ مِنْ غَنَمِكُمْ وَيَسْتَعْبِدُكُمْ. وَيَأْتِي يَوْمٌ فِيهِ تَصْرُخُونَ إِلَى الْمَوْلَى لِكَيْ يُنْقِذَكُمْ مِنَ الْمَلِكِ الَّذِي اخْتَرْتُمُوهُ لِأَنْفُسِكُمْ، فَلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمُ الْمَوْلَى فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ.“ فَرَفَضَ شُيُوخُ الشَّعْبِ أَنْ يَسْمَعُوا لِصَمُوئِيلَ وَقَالُوا: ”لَا، بَلْ نُرِيدُ مَلِكًا عَلَيْنَا. لِنَكُونَ كَبَاقِي الْأُمَمِ، فَيَحْكُمَ عَلَيْنَا مَلِكٌ وَيَقُودَنَا وَيُحَارِبَ حُرُوبَنَا.“ فَسَمِعَ صَمُوئِيلُ كُلَّ كَلَامِ الشَّعْبِ، وَرَدَّدَهُ أَمَامَ الْمَوْلَى. فَقَالَ الْمَوْلَى لِصَمُوئِيلَ: ”اِسْمَعْ لَهُمْ، وَأَعْطِهِمْ مَلِكًا.“ فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشُيُوخِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ”اِذْهَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَدِينَتِهِ.“ وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ بِنْيَمِينِيٌّ لَهُ نُفُوذٌ اسْمُهُ قَيْسُ بْنُ أَبِيئِلَ بْنِ صَرُورَ بْنِ بَكُورَةَ بْنِ أَفِيحَ مِنْ قَبِيلَةِ بِنْيَمِينَ. وَكَانَ لَهُ ابْنٌ اسْمُهُ شَاوُلُ، شَابٌّ وَسِيمٌ، وَلَمْ يَكُنْ رَجُلٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ وَسَامَةً مِنْهُ. وَكَانَ أَطْوَلَ مِنْ كُلِّ الشَّعْبِ مِنْ كَتِفِهِ فَمَا فَوْقُ. وَذَاتَ مَرَّةٍ، ضَلَّتْ حَمِيرُ قَيْسَ أَبِي شَاوُلَ فَقَالَ قَيْسُ لِشَاوُلَ ابْنِهِ: ”خُذْ مَعَكَ وَاحِدًا مِنَ الْخَدَمِ، وَاذْهَبْ وَفَتِّشْ عَنِ الْحَمِيرِ.“ فَعَبَرَا فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ، ثُمَّ إِلَى مِنْطَقَةِ شَلِيشَةَ، وَلَمْ يَجِدَاهَا. ثُمَّ عَبَرَا فِي مِنْطَقَةِ شَعْلِيمَ، وَلَمْ تَكُنْ هُنَاكَ. وَعَبَرَا فِي أَرْضِ بِنْيَمِينَ، وَلَمْ يَجِدَاهَا. فَلَمَّا وَصَلَا إِلَى مِنْطَقَةِ صُوفَ، قَالَ شَاوُلُ لِخَادِمِهِ الَّذِي مَعَهُ: ”تَعَالَ نَرْجِعُ، رُبَّمَا تَرَكَ أَبِي مَوْضُوعَ الْحَمِيرِ وَبَدَأَ يَنْشَغِلُ عَلَيْنَا.“ فَقَالَ الْخَادِمُ: ”اُنْظُرْ! النَّبِيُّ هُنَا فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ رَجُلٌ مُكَرَّمٌ، وَكُلُّ مَا يَقُولُهُ يَتِمُّ. تَعَالَ نَذْهَبُ إِلَيْهِ، لَعَلَّهُ يُخْبِرُنَا عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ نَسْلُكَهَا.“ فَقَالَ شَاوُلُ لِلْخَادِمِ: ”إِنْ ذَهَبْنَا، فَمَاذَا نُقَدِّمُ لِلرَّجُلِ؟ نَفِدَ الْخُبْزُ مِنْ أَكْيَاسِنَا، وَلَيْسَ مَعَنَا هَدِيَّةٌ نُقَدِّمُهَا لَهُ. لَا شَيْءَ أَبَدًا!“ أَجَابَهُ الْخَادِمُ مَرَّةً أُخْرَى: ”مَعِي عُمْلَةٌ مِنَ الْفِضَّةِ وَزْنُهَا 3 جِرَامَاتٍ، أُعْطِيهَا لِلنَّبِيِّ لِكَيْ يُخْبِرَنَا عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ نَسْلُكَهَا.“ وَكَانَ فِي الْمَاضِي، إِذَا أَرَادَ وَاحِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَذْهَبَ لِيَسْتَشِيرَ اللهَ يَقُولُ: ”تَعَالَوْا نَذْهَبُ إِلَى الرَّائِي.“ وَهُوَ الَّذِي نَدْعُوهُ الْيَوْمَ النَّبِيَّ، فَكَانَ فِي الْمَاضِي يُدْعَى الرَّائِيَ. فَقَالَ شَاوُلُ لِخَادِمِهِ: ”حَسَنًا! تَعَالَ نَذْهَبُ.“ وَاتَّجَهَا إِلَى الْمَدِينَةِ الَّتِي فِيهَا النَّبِيُّ. وَبَيْنَمَا هُمَا صَاعِدَانِ إِلَى الْمَدِينَةِ، صَادَفَا فَتَيَاتٍ خَارِجَاتٍ لِيَأْخُذْنَ الْمَاءَ. فَقَالَا لَهُنَّ: ”هَلِ الرَّائِي هُنَا؟“ فَأَجَبْنَ: ”نَعَمْ! هُوَ أَمَامَكُمَا! فَقَدْ جَاءَ الْيَوْمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، لِأَنَّ الشَّعْبَ سَيُقَدِّمُ الْيَوْمَ ضَحِيَّةً فِي مَكَانِ الْعِبَادَةِ. فَاذْهَبَا بِسُرْعَةٍ. أَوَّلَ مَا تَدْخُلَانِ الْمَدِينَةَ تَجِدَانِهِ، قَبْلَ مَا يَصْعَدُ إِلَى مَكَانِ الْعِبَادَةِ لِيَأْكُلَ. لِأَنَّ الشَّعْبَ لَا يَأْكُلُ حَتَّى يَأْتِيَ وَيُبَارِكَ الضَّحِيَّةَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَأْكُلُ الْمَدْعُوُّونَ. فَاصْعَدَا الْآنَ تَجِدَانِهِ فِي الْحَالِ.“ فَصَعِدَ شَاوُلُ وَالْخَادِمُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَفِيمَا هُمَا دَاخِلَانِ، وَجَدَا صَمُوئِيلَ قَادِمًا نَحْوَهُمَا لِيَصْعَدَ إِلَى مَكَانِ الْعِبَادَةِ. وَقَبْلَ مَا يَأْتِي شَاوُلُ بِيَوْمٍ، أَعْلَنَ اللهُ هَذَا لِصَمُوئِيلَ وَقَالَ لَهُ: ”غَدًا فِي نَفْسِ هَذِهِ السَّاعَةِ تَقْرِيبًا، أُرْسِلُ إِلَيْكَ رَجُلًا مِنْ أَرْضِ بِنْيَمِينَ، فَامْسَحْهُ رَئِيسًا عَلَى شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ. هُوَ يُنْقِذُهُمْ مِنْ يَدِ الْفِلِسْطِيِّينَ، فَإِنِّي نَظَرْتُ إِلَى شَعْبِي، لِأَنَّ صُرَاخَهُمْ وَصَلَ إِلَيَّ.“ وَلَمَّا رَأَى صَمُوئِيلُ شَاوُلَ، قَالَ الْمَوْلَى لَهُ: ”هَذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي كَلَّمْتُكَ عَنْهُ. هُوَ يَحْكُمُ شَعْبِي.“ وَهُنَا تَقَدَّمَ شَاوُلُ إِلَى صَمُوئِيلَ فِي وَسَطِ الْبَوَّابَةِ، وَقَالَ لَهُ: ”أَخْبِرْنِي مِنْ فَضْلِكَ، أَيْنَ دَارُ الرَّائِي؟“ أَجَابَهُ صَمُوئِيلُ: ”أَنَا الرَّائِي. اِصْعَدَا أَمَامِي إِلَى مَكَانِ الْعِبَادَةِ. أَنْتُمَا سَتَأْكُلَانِ مَعِيَ الْيَوْمَ، وَفِي الصُّبْحِ أُخْبِرُكَ بِكُلِّ مَا يَشْغَلُ بَالَكَ وَأَصْرِفُكَ. أَمَّا الْحَمِيرُ الَّتِي ضَلَّتْ لَكَ مُنْذُ 3 أَيَّامٍ، فَلَا تَقْلَقْ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا وُجِدَتْ. وَعَنْ قَرِيبٍ يَكُونُ كُلُّ نَفِيسٍ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ لَكَ وَلِعَائِلَةِ أَبِيكَ.“ فَقَالَ شَاوُلُ: ”أَنَا بِنْيَمِينِيٌّ مِنْ أَصْغَرِ قَبِيلَةٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَعَشِيرَتِي هِيَ أَصْغَرُ عَشَائِرِ بِنْيَمِينَ، فَلِمَاذَا تَقُولُ لِي هَذَا الْكَلَامَ؟“ فَأَخَذَ صَمُوئِيلُ شَاوُلَ وَخَادِمَهُ وَأَدْخَلَهُمَا إِلَى قَاعَةِ الطَّعَامِ، وَأَجْلَسَهُمَا عَلَى رَأْسِ الْمَائِدَةِ وَكَانَ عَلَيْهَا نَحْوَ 30 رَجُلًا مِنَ الْمَدْعُوِّينَ. وَقَالَ صَمُوئِيلُ لِلطَّبَّاخِ: ”هَاتِ النَّصِيبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهُ لَكَ وَقُلْتُ لَكَ أَنْ تَحْفَظَهُ عِنْدَكَ.“ فَأَحْضَرَ الطَّبَّاخُ السَّاقَ وَمَا عَلَيْهَا وَوَضَعَهَا أَمَامَ شَاوُلَ. فَقَالَ صَمُوئِيلُ: ”هَذَا نَصِيبُكَ. ضَعْهُ أَمَامَكَ وَكُلْ. فَقَدْ حَفِظْنَاهُ لَكَ لِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ لِتَأْكُلَهُ مَعَ الْمَدْعُوِّينَ.“ فَأَكَلَ شَاوُلُ مَعَ صَمُوئِيلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. ثُمَّ نَزَلُوا مِنْ مَكَانِ الْعِبَادَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَتَحَدَّثَ صَمُوئِيلُ مَعَ شَاوُلَ عَلَى السَّطْحِ. وَعِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، قَامَ صَمُوئِيلُ وَنَادَى شَاوُلَ عَنِ السَّطْحِ وَقَالَ لَهُ: ”قُمْ لِأَصْرِفَكَ.“ فَقَامَ شَاوُلُ وَخَرَجَ صَمُوئِيلُ مَعَهُ لِيُشَيِّعَهُ. وَبَيْنَمَا هُمَا يَقْتَرِبَانِ مِنْ طَرَفِ الْمَدِينَةِ، قَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: ”قُلْ لِلْخَادِمِ أَنْ يَسْبِقَنَا.“ فَسَبَقَهُمَا. وَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: ”قِفْ فَأُعْطِيَكَ رِسَالَةً مِنَ اللهِ.“ فَأَخَذَ صَمُوئِيلُ قَارُورَةَ الزَّيْتِ وَصَبَّ عَلَى رَأْسِ شَاوُلَ وَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: ”الْمَوْلَى مَسَحَكَ قَائِدًا عَلَى نَصِيبِهِ. عِنْدَمَا تَذْهَبُ الْيَوْمَ مِنْ عِنْدِي، تُقَابِلُ رَجُلَيْنِ عِنْدَ قَبْرِ رَاحِيلَ فِي صَلْصَحَ عَلَى حُدُودِ بِنْيَمِينَ. فَيَقُولَانِ لَكَ: ’وُجِدَتِ الْحَمِيرُ الَّتِي ذَهَبْتَ تُفَتِّشُ عَنْهَا. وَتَرَكَ أَبُوكَ مَوْضُوعَ الْحَمِيرِ وَهُوَ مَشْغُولٌ عَلَيْكُمَا، وَيَقُولُ: ”مَاذَا أَعْمَلُ لِأَجِدَ ابْنِي؟“‘ وَتُكَمِّلُ طَرِيقَكَ حَتَّى تَصِلَ إِلَى بَلُّوطَةِ تَابُورَ. فَيُقَابِلُكَ هُنَاكَ 3 رِجَالٍ صَاعِدِينَ إِلَى بَيْتَ إِيلَ لِيَعْبُدُوا اللهَ. وَاحِدٌ مَعَهُ 3 جِدَاءٍ، وَوَاحِدٌ مَعَهُ 3 أَرْغِفَةِ خُبْزٍ، وَوَاحِدٌ مَعَهُ قِرْبَةُ خَمْرٍ. فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْكَ وَيُعْطُونَكَ رَغِيفَيْنِ فَخُذْهُمَا مِنْهُمْ. بَعْدَ ذَلِكَ تَصِلُ إِلَى جَبَلِ اللهِ، حَيْثُ تُوجَدُ حَامِيَةٌ لِلْفِلِسْطِيِّينَ. فَعِنْدَمَا تَقْتَرِبُ مِنَ الْمَدِينَةِ تُقَابِلُ جَمَاعَةً مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَازِلِينَ مِنْ مَكَانِ الْعِبَادَةِ وَأَمَامَهُمْ تَعْزِفُ الْمُوسِيقَى عَلَى أَعْوَادٍ وَدُفُوفٍ وَمِزْمَارٍ وَرَبَابٍ، وَهُمْ يَتَنَبَّأُونَ. فَيَحِلُّ عَلَيْكَ رُوحُ اللهِ بِقُوَّةٍ، فَتَتَنَبَّأُ مَعَهُمْ وَتَصِيرُ رَجُلًا آخَرَ. وَعِنْدَمَا تَتِمُّ هَذِهِ الْآيَاتُ، اِفْعَلْ مَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ اللهَ مَعَكَ. وَانْزِلْ أَمَامِي إِلَى الْجِلْجَالِ، وَسَآتِي إِلَيْكَ لِأُقَدِّمَ قُرْبَانًا يُحْرَقُ، وَقَرَابِينَ صُحْبَةٍ. وَانْتَظِرْ هُنَاكَ 7 أَيَّامٍ حَتَّى أَجِيءَ وَأُخْبِرَكَ بِمَا يَجِبُ أَنْ تَعْمَلَهُ.“ وَلَمَّا أَدَارَ شَاوُلُ ظَهْرَهُ لِيَنْصَرِفَ مِنْ عِنْدِ صَمُوئِيلَ، غَيَّرَ اللهُ قَلْبَهُ. وَفِي نَفْسِ ذَلِكَ الْيَوْمِ تَمَّتْ كُلُّ هَذِهِ الْآيَاتِ. لَمَّا وَصَلَ إِلَى الْجَبَلِ قَابَلَتْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَحَلَّ عَلَيْهِ رُوحُ اللهِ بِقُوَّةٍ، فَتَنَبَّأَ مَعَهُمْ. وَكُلُّ الَّذِينَ كَانُوا يَعْرِفُونَهُ مِنْ قَبْلُ، لَمَّا رَأَوْهُ يَتَنَبَّأُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ”مَاذَا جَرَى لِابْنِ قَيْسَ؟ أَشَاوُلُ أَيْضًا نَبِيٌّ؟“ فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَكَانِ: ”وَهَلْ يَكُونُ رَئِيسَ الْأَنْبِيَاءِ؟“ فَأَصْبَحَ هَذَا مَثَلًا: ”أَشَاوُلُ أَيْضًا نَبِيٌّ؟“ وَلَمَّا انْتَهَى شَاوُلُ مِنَ التَّنَبِّي، جَاءَ إِلَى مَكَانِ الْعِبَادَةِ. فَقَالَ عَمُّ شَاوُلَ لَهُ وَلِخَادِمِهِ: ”أَيْنَ ذَهَبْتُمَا؟“ فَقَالَ: ”ذَهَبْنَا نُفَتِّشُ عَنِ الْحَمِيرِ، وَلَمَّا لَمْ نَجِدْهَا رُحْنَا إِلَى صَمُوئِيلَ.“ فَقَالَ عَمُّ شَاوُلَ: ”أَخْبِرْنِي مَاذَا قَالَ صَمُوئِيلُ لَكُمَا!“ أَجَابَهُ شَاوُلُ: ”أَخْبَرَنَا أَنَّ الْحَمِيرَ وُجِدَتْ.“ وَلَكِنَّهُ لَمْ يُخْبِرْ عَمَّهُ بِمَا قَالَهُ صَمُوئِيلُ بِشَأْنِ الْمُلْكِ. وَاسْتَدْعَى صَمُوئِيلُ الشَّعْبَ لِيَأْتُوا أَمَامَ اللهِ فِي الْمِصْفَاةِ. وَقَالَ لَهُمْ: ”هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى رَبِّنَا: ’أَنَا أَخْرَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ، وَأَنْقَذْتُكُمْ مِنْ قَبْضَةِ الْمِصْرِيِّينَ وَكُلِّ الْمَمَالِكِ الَّتِي ضَايَقَتْكُمْ.‘ لَكِنَّكُمُ الْآنَ رَفَضْتُمْ إِلَهَكُمُ الَّذِي يُنْقِذُكُمْ مِنْ كُلِّ مَصَائِبِكُمْ وَمَتَاعِبِكُمْ وَقُلْتُمْ: ’لَا، بَلْ أَقِمْ عَلَيْنَا مَلِكًا.‘ فَالْآنَ امْثُلُوا أَمَامَ اللهِ بِقَبَائِلِكُمْ وَعَشَائِرِكُمْ.“ وَقَدَّمَ صَمُوئِيلُ كُلَّ قَبَائِلِ إِسْرَائِيلَ، فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى قَبِيلَةِ بِنْيَمِينَ. ثُمَّ قَدَّمَ قَبِيلَةَ بِنْيَمِينَ بِعَشَائِرِهَا، فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى عَشِيرَةِ مَطْرِي. وَأَخِيرًا وَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى شَاوُلَ بْنِ قَيْسَ. فَبَحَثُوا عَنْهُ وَلَمْ يَجِدُوهُ. فَسَأَلُوا اللهَ أَيْضًا: ”هَلْ جَاءَ الرَّجُلُ إِلَى هُنَا؟“ فَقَالَ اللهُ: ”نَعَمْ، وَهُوَ مُخْتَبِئٌ بَيْنَ الْأَمْتِعَةِ!“ فَرَاحُوا بِسُرْعَةٍ وَأَحْضَرُوهُ. فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ الشَّعْبِ، كَانَ أَطْوَلَ مِنْ جَمِيعِهِمْ مِنْ كَتِفِهِ فَمَا فَوْقُ. فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِكُلِّ الشَّعْبِ: ”هَلْ تَرَوْنَ الَّذِي اخْتَارَهُ اللهُ؟ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي كُلِّ الشَّعْبِ.“ فَهَتَفَ كُلُّ الشَّعْبِ وَقَالُوا: ”لِيَحْيَ الْمَلِكُ!“ وَشَرَحَ صَمُوئِيلُ لِلشَّعْبِ حُقُوقَ الْمَلِكِ وَوَاجِبَاتِهِ، وَكَتَبَهَا فِي كِتَابٍ، وَوَضَعَهُ أَمَامَ الْمَوْلَى. ثُمَّ صَرَفَ صَمُوئِيلُ الشَّعْبَ، كُلَّ وَاحِدٍ إِلَى دَارِهِ. وَشَاوُلُ أَيْضًا ذَهَبَ إِلَى دَارِهِ فِي جِبْعَةَ، وَذَهَبَتْ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الرِّجَالِ الْأَشِدَّاءِ الَّذِينَ مَسَّ اللهُ قَلْبَهُمْ. أَمَّا الْمُشَاغِبُونَ فَقَالُوا: ”كَيْفَ يُنْقِذُنَا هَذَا؟“ وَاحْتَقَرُوهُ وَلَمْ يُقَدِّمُوا لَهُ هَدَايَا. وَلَكِنَّهُ سَكَتَ. وَصَعِدَ نَاحَاشُ الْعَمُّونِيُّ وَحَاصَرَ يَابِيشَ جِلْعَادَ. فَقَالَ لَهُ كُلُّ أَهْلِ يَابِيشَ: ”اِعْمَلْ مَعَنَا مُعَاهَدَةً، فَنَخْضَعَ لَكَ.“ فَقَالَ لَهُمْ نَاحَاشُ الْعَمُّونِيُّ: ”أَعْمَلُ مَعَكُمْ مُعَاهَدَةً عَلَى شَرْطِ أَنْ أَقْلَعَ عُيُونَكُمُ الْيُمْنَى، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَارًا عَلَى كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ.“ فَقَالَ لَهُ شُيُوخُ يَابِيشَ: ”أَمْهِلْنَا 7 أَيَّامٍ حَتَّى نُرْسِلَ رُسُلًا إِلَى جَمِيعِ أَنْحَاءِ إِسْرَائِيلَ. فَإِنْ لَمْ نَجِدْ مَنْ يُنْقِذُنَا، نَسْتَسْلِمُ لَكَ.“ فَلَمَّا جَاءَ الرُّسُلُ إِلَى جِبْعَةَ شَاوُلَ وَقَالُوا هَذَا الْكَلَامَ، بَكَى كُلُّ الشَّعْبِ بِصَوْتٍ عَالٍ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، كَانَ شَاوُلُ رَاجِعًا وَرَاءَ الْبَقَرِ مِنَ الْحَقْلِ. فَقَالَ: ”مَاذَا جَرَى؟ لِمَاذَا يَبْكِي الشَّعْبُ؟“ فَأَخْبَرُوهُ بِكَلَامِ أَهْلِ يَابِيشَ. فَلَمَّا سَمِعَ شَاوُلُ هَذَا الْكَلَامَ، حَلَّ رُوحُ اللهِ عَلَيْهِ بِقُوَّةٍ وَغَضِبَ جِدًّا. وَأَخَذَ ثَوْرَيْنِ وَقَطَّعَهُمَا، وَأَرْسَلَ الْقِطَعَ مَعَ رُسُلٍ إِلَى جَمِيعِ أَنْحَاءِ إِسْرَائِيلَ وَقَالَ: ”مَنْ لَا يَخْرُجُ وَرَاءَ شَاوُلَ وَصَمُوئِيلَ إِلَى الْحَرْبِ، يَكُونُ هَذَا مَصِيرَ ثِيرَانِهِ.“ فَوَقَعَ رُعْبُ اللهِ عَلَى الشَّعْبِ، فَخَرَجُوا كُلُّهُمْ مَعًا. وَعَدَّهُمْ شَاوُلُ فِي بَازَقَ، فَكَانَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ 300000 وَرِجَالُ يَهُوذَا 30000. وَقَالُوا لِلرُّسُلِ الَّذِينَ جَاءُوا: ”قُولُوا لِأَهْلِ يَابِيشَ، غَدًا حِينَ تَحْمَى الشَّمْسُ، تَأْتِيكُمُ النَّجَاةُ.“ فَرَجَعَ الرُّسُلُ وَأَخْبَرُوا أَهْلَ يَابِيشَ فَفَرِحُوا. وَقَالَ أَهْلُ يَابِيشَ لِلْعَمُّونِيِّينَ: ”غَدًا نَسْتَسْلِمُ لَكُمْ، فَتَفْعَلُونَ بِنَا كَمَا تَرَوْنَ.“ وَفِي الْغَدِ، قَسَمَ شَاوُلُ الْجَيْشَ إِلَى 3 فِرَقٍ. فَدَخَلُوا مُعَسْكَرَ الْعَمُّونِيِّينَ عِنْدَ الْفَجْرِ وَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى حَمِيَ النَّهَارُ. وَالَّذِينَ نَجَوْا تَشَتَّتُوا، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ اثْنَانِ مَعًا. وَقَالَ الشَّعْبُ لِصَمُوئِيلَ: ”مَنْ هُمُ الَّذِينَ قَالُوا: ’لَا يَمْلِكُ شَاوُلُ عَلَيْنَا‘؟ هَاتُوهُمْ لِنَقْتُلَهُمْ.“ فَقَالَ شَاوُلُ: ”لَا يُقْتَلْ أَحَدٌ فِي هَذَا الْيَوْمِ، لِأَنَّ اللهَ نَصَرَ إِسْرَائِيلَ هَذَا الْيَوْمَ.“ ثُمَّ قَالَ صَمُوئِيلُ لِلشَّعْبِ: ”تَعَالَوْا نَذْهَبُ إِلَى الْجِلْجَالِ وَهُنَاكَ نُجَدِّدُ تَثْبِيتَ الْمَلِكِ.“ فَذَهَبَ كُلُّ الشَّعْبِ إِلَى الْجِلْجَالِ وَثَبَّتُوا شَاوُلَ مَلِكًا فِي مَحْضَرِ اللهِ. وَقَدَّمُوا هُنَاكَ ضَحَايَا صُحْبَةٍ أَمَامَ الْمَوْلَى. وَفَرِحَ شَاوُلُ وَكُلُّ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ فَرَحًا عَظِيمًا. وَقَالَ صَمُوئِيلُ لِكُلِّ إِسْرَائِيلَ: ”أَنَا سَمِعْتُ لَكُمْ فِي كُلِّ مَا قُلْتُمْ، وَأَقَمْتُ عَلَيْكُمْ مَلِكًا. فَالْآنَ لَكُمْ مَلِكٌ يَقُودُكُمْ. أَمَّا أَنَا فَقَدْ شِخْتُ وَشِبْتُ، وَأَبْنَائِي هُنَا مَعَكُمْ. أَنَا قُدْتُكُمْ مُنْذُ صِبَايَ إِلَى الْيَوْمِ. وَأَنَا أَمَامَكُمْ، فَاشْهَدُوا عَلَيَّ أَمَامَ الْمَوْلَى وَأَمَامَ مُخْتَارِهِ. هَلْ أَخَذْتُ ثَوْرَ أَحَدٍ أَوْ حِمَارَ أَحَدٍ؟ هَلْ ظَلَمْتُ أَحَدًا أَوْ أَسَأْتُ إِلَى أَحَدٍ؟ هَلْ أَخَذْتُ رَشْوَةً مِنْ أَحَدٍ لِأُغْمِضَ عَيْنَيَّ عَنْهُ؟ أَخْبِرُونِي لِأَرُدَّ لَكُمْ حَقَّكُمْ!“ فَقَالُوا: ”لَا ظَلَمْتَنَا، وَلَا أَسَأْتَ إِلَيْنَا، وَلَا أَخَذْتَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا!“ فَقَالَ لَهُمْ: ”يَشْهَدُ اللهُ عَلَيْكُمْ وَيَشْهَدُ مُخْتَارُهُ هَذَا الْيَوْمَ أَنَّكُمْ لَمْ تَجِدُوا فِي يَدِي شَيْئًا.“ فَقَالُوا: ”يَشْهَدُ.“ وَقَالَ صَمُوئِيلُ لِلشَّعْبِ: ”اللهُ هُوَ الَّذِي أَقَامَ مُوسَى وَهَارُونَ وَأَخْرَجَ آبَاءَكُمْ مِنْ مِصْرَ. فَالْآنَ قِفُوا فَأُذَكِّرَكُمْ أَمَامَهُ بِكُلِّ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي صَنَعَهَا اللهُ مَعَكُمْ وَمَعَ آبَائِكُمْ. ”لَمَّا رَاحَ يَعْقُوبُ إِلَى مِصْرَ، وَصَرَخَ آبَاؤُكُمْ إِلَى اللهِ لِيُنْقِذَهُمْ، أَرْسَلَ اللهُ مُوسَى وَهَارُونَ فَأَخْرَجَاهُمْ مِنْ مِصْرَ وَأَسْكَنَاهُمْ فِي هَذَا الْمَكَانِ. لَكِنَّهُمْ نَسُوا اللهَ إِلَهَهُمْ، فَبَاعَهُمْ إِلَى يَدِ سِسْرَا قَائِدِ جَيْشِ حَاصُورَ، وَإِلَى يَدِ الْفِلِسْطِيِّينَ، وَإِلَى يَدِ مَلِكِ مُوآبَ، فَحَارَبُوهُمْ. فَصَرَخُوا إِلَى اللهِ وَقَالُوا: ’أَخْطَأْنَا لِأَنَّنَا تَرَكْنَا اللهَ وَعَبَدْنَا الْبَعْلَ وَعَشْتَرُوتَ. فَالْآنَ نَرْجُوكَ أَنْ تُنْقِذَنَا مِنْ يَدِ أَعْدَائِنَا فَنَعْبُدَكَ.‘ فَأَرْسَلَ الْمَوْلَى يَرْبَعْلَ وَبَارَاقَ وَيَفْتَاحَ وَصَمُوئِيلَ، وَأَنْقَذَكُمْ مِنْ أَيْدِي أَعْدَائِكُمُ الَّذِينَ حَوْلَكُمْ، فَعِشْتُمْ فِي أَمَانٍ. وَلَمَّا رَأَيْتُمْ نَاحَاشَ مَلِكَ بَنِي عَمُّونَ قَادِمًا ضِدَّكُمْ قُلْتُمْ لِي: ’لَا، بَلْ نُرِيدُ أَنْ يَمْلِكَ عَلَيْنَا مَلِكٌ!‘ مَعَ أَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ هُوَ مَلِكُكُمْ. فَالْآنَ هَذَا هُوَ الْمَلِكُ الَّذِي اخْتَرْتُمُوهُ وَطَلَبْتُمُوهُ، هَذَا هُوَ الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ مَلِكًا عَلَيْكُمْ. فَإِنِ اتَّقَيْتُمُ اللهَ وَعَبَدْتُمُوهُ، وَسَمِعْتُمْ كَلَامَهُ وَلَمْ تَعْصُوا أَمْرَهُ، وَتَبِعْتُمُوهُ أَنْتُمْ وَالْمَلِكُ الَّذِي يَمْلِكُ عَلَيْكُمْ، فَحَسَنًا! وَلَكِنْ إِنْ لَمْ تَسْمَعُوا كَلَامَ اللهِ، بَلْ عَصَيْتُمْ أَمْرَهُ، تَنْزِلْ يَدُهُ عَلَيْكُمْ كَمَا نَزَلَتْ عَلَى آبَائِكُمْ. ”فَالْآنَ قِفُوا أَيْضًا وَانْظُرُوا هَذَا الْأَمْرَ الْعَظِيمَ الَّذِي يَفْعَلُهُ الْمَوْلَى أَمَامَ أَعْيُنِكُمْ. هَذَا وَقْتُ حَصَادِ الْقَمْحِ، لَكِنِّي سَأَدْعُو اللهَ لِيُرْسِلَ رَعْدًا وَمَطَرًا، فَتَعْلَمُونَ وَتَرَوْنَ أَنَّكُمْ فَعَلْتُمْ شَرًّا فَظِيعًا فِي نَظَرِ اللهِ، حِينَ طَلَبْتُمْ لَكُمْ مَلِكًا.“ ثُمَّ دَعَا صَمُوئِيلُ اللهَ، فَأَرْسَلَ رَعْدًا وَمَطَرًا فِي نَفْسِ ذَلِكَ الْيَوْمِ. فَخَافَ كُلُّ الشَّعْبِ مِنَ اللهِ وَمِنْ صَمُوئِيلَ خَوْفًا شَدِيدًا. وَقَالَ كُلُّ الشَّعْبِ لِصَمُوئِيلَ: ”تَضَرَّعْ إِلَى الْمَوْلَى إِلَهِكَ مِنْ أَجْلِ عَبِيدِكَ لِكَيْ لَا نَمُوتَ، لِأَنَّنَا أَضَفْنَا شَرًّا إِلَى كُلِّ ذُنُوبِنَا، بِأَنْ طَلَبْنَا لَنَا مَلِكًا.“ فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِلشَّعْبِ: ”لَا تَخَافُوا. صَحِيحٌ أَنْتُمْ فَعَلْتُمْ كُلَّ هَذَا الشَّرِّ، وَلَكِنْ لَا تَنْحَرِفُوا عَنِ اللهِ بَلِ اعْبُدُوهُ بِكُلِّ قَلْبِكُمْ. لَا تَضِلُّوا وَرَاءَ الْأَصْنَامِ الْبَاطِلَةِ، إِنَّهَا لَا تَنْفَعُ وَلَا تُنْقِذُ لِأَنَّهَا بَاطِلَةٌ. فَإِنَّ اللهَ، مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ الْعَظِيمِ، لَنْ يَتْرُكَ شَعْبَهُ لِأَنَّهُ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَكُمْ لَهُ شَعْبًا. أَمَّا أَنَا فَلَا سَمَحَ اللهُ أَنْ أُخْطِئَ فِي حَقِّهِ وَأَكُفَّ عَنِ الدُّعَاءِ مِنْ أَجْلِكُمْ، بَلْ أُعَلِّمُكُمُ الصِّرَاطَ الصَّالِحَ الْمُسْتَقِيمَ. فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْبُدُوهُ بِأَمَانَةٍ بِكُلِّ قَلْبِكُمْ، وَتَأَمَّلُوا الْأُمُورَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي صَنَعَهَا لَكُمْ. فَإِنِ ارْتَكَبْتُمُ الشَّرَّ، تَهْلِكُونَ أَنْتُمْ وَمَلِكُكُمْ.“ كَانَ شَاوُلُ ابْنَ 30 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَمَلَكَ 40 سَنَةً عَلَى إِسْرَائِيلَ. وَاخْتَارَ شَاوُلُ 3000 رَجُلٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكَانَ مَعَهُ 2000 فِي مِكْمَاشَ وَفِي جَبَلِ بَيْتَ إِيلَ، وَ1000 مَعَ يُونَاثَانَ فِي جِبْعَةَ بِنْيَمِينَ. وَصَرَفَ الْبَاقِينَ إِلَى دِيَارِهِمْ. وَهَزَمَ يُونَاثَانُ حَامِيَةَ الْفِلِسْطِيِّينَ الَّتِي فِي جِبْعَ، وَسَمِعَ الْفِلِسْطِيُّونَ بِذَلِكَ. وَأَمَرَ شَاوُلُ بِنَفْخِ الْبُوقِ فِي كُلِّ الْبِلَادِ وَقَالَ: ”لِيَسْمَعِ الْعِبْرَانِيُّونَ.“ فَسَمِعَ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْخَبَرَ أَنَّ شَاوُلَ هَزَمَ حَامِيَةَ الْفِلِسْطِيِّينَ، وَأَنَّ الْفِلِسْطِيِّينَ أَصْبَحُوا يَكْرَهُونَهُمْ. فَاجْتَمَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَرَاءَ شَاوُلَ فِي الْجِلْجَالِ. وَتَجَمَّعَ الْفِلِسْطِيُّونَ لِيُحَارِبُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ بِـ3000 مَرْكَبَةٍ، وَ6000 فَارِسٍ، وَجَيْشٍ كَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ فِي الْكَثْرَةِ. وَصَعِدُوا وَعَسْكَرُوا فِي مِكْمَاشَ شَرْقَ بَيْتَ آوِنَ. فَلَمَّا رَأَى رِجَالُ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُمْ فِي مَأْزَقٍ، لِأَنَّ الْجَيْشَ كَانَ فِي ضِيقٍ، اِخْتَبَأُوا فِي الْكُهُوفِ وَالْحُفَرِ وَالصُّخُورِ وَالسَّرَادِيبِ وَالْآبَارِ. حَتَّى إِنَّ بَعْضَ الْعِبْرَانِيِّينَ عَبَرُوا الْأُرْدُنَّ إِلَى أَرْضِ جَادَ وَجِلْعَادَ. أَمَّا شَاوُلُ فَبَقِيَ فِي الْجِلْجَالِ، وَكَانَ كُلُّ الْجَيْشِ الَّذِي مَعَهُ مُرْتَعِدًا مِنَ الْخَوْفِ. فَانْتَظَرَ شَاوُلُ 7 أَيَّامٍ، حَسَبَ الْمَوْعِدِ الَّذِي حَدَّدَهُ لَهُ صَمُوئِيلُ. لَكِنَّ صَمُوئِيلَ لَمْ يَأْتِ إِلَى الْجِلْجَالِ، وَأَخَذَ الشَّعْبُ يَتَفَرَّقُ عَنْ شَاوُلَ. فَقَالَ شَاوُلُ: ”هَاتُوا لِيَ الْقُرْبَانَ الَّذِي يُحْرَقُ وَقَرَابِينَ الصُّحْبَةِ.“ وَقَدَّمَ شَاوُلُ الْقُرْبَانَ. وَلَمَّا انْتَهَى مِنْ تَقْدِيمِهِ، وَصَلَ صَمُوئِيلُ، فَخَرَجَ شَاوُلُ لِيُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَيَسْتَقْبِلَهُ. فَسَأَلَهُ صَمُوئِيلُ: ”مَاذَا فَعَلْتَ؟“ قَالَ شَاوُلُ: ”رَأَيْتُ أَنَّ الشَّعْبَ أَخَذَ يَتَفَرَّقُ عَنِّي، وَأَنْتَ لَمْ تَأْتِ حَسَبَ الْمَوْعِدِ، وَقَدْ تَجَمَّعَ الْفِلِسْطِيُّونَ فِي مِكْمَاشَ. فَقُلْتُ: ’الْآنَ يَهْجُمُ الْفِلِسْطِيُّونَ عَلَيَّ فِي الْجِلْجَالِ، قَبْلَ مَا أَطْلُبُ مَعُونَةَ اللهِ.‘ فَوَجَدْتُ نَفْسِي مُضْطَرًّا أَنْ أُقَدِّمَ الْقُرْبَانَ!“ فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: ”أَنْتَ تَصَرَّفْتَ بِغَبَاءٍ لِأَنَّكَ لَمْ تَعْمَلْ بِوَصِيَّةِ الْمَوْلَى إِلَهِكَ الَّتِي أَمَرَكَ بِهَا، فَلَوْ كُنْتَ عَمِلْتَ بِهَا، لَكَانَ الْمَوْلَى ثَبَّتَ مُلْكَكَ عَلَى إِسْرَائِيلَ إِلَى الْأَبَدِ. أَمَّا الْآنَ، فَلَنْ يَدُومَ مُلْكُكَ، بَلِ اخْتَارَ اللهُ لَهُ رَجُلًا يَرْتَاحُ لَهُ قَلْبُهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَكُونَ قَائِدًا لِشَعْبِهِ، لِأَنَّكَ لَمْ تَعْمَلْ بِمَا أَمَرَكَ اللهُ بِهِ.“ وَتَرَكَ صَمُوئِيلُ الْجِلْجَالَ وَصَعِدَ إِلَى جِبْعَةَ بِنْيَمِينَ. وَعَدَّ شَاوُلُ الرِّجَالَ الَّذِينَ مَعَهُ، فَكَانُوا 600. وَكَانَ شَاوُلُ وَيُونَاثَانُ ابْنُهُ وَالرِّجَالُ الَّذِينَ مَعَهُمَا، مُقِيمِينَ فِي جِبْعَةَ بِنْيَمِينَ. وَكَانَ الْفِلِسْطِيُّونَ مُعَسْكِرِينَ فِي مِكْمَاشَ. فَخَرَجَ الْغُزَاةُ مِنْ مُعَسْكَرِ الْفِلِسْطِيِّينَ فِي 3 فِرَقٍ. تَوَجَّهَتْ فِرْقَةٌ مِنْهُمْ فِي طَرِيقِ عَفْرَةَ إِلَى أَرْضِ شُوعَالَ. وَالْفِرْقَةُ الْأُخْرَى تَوَجَّهَتْ فِي طَرِيقِ بَيْتَ حُورُونَ، وَالثَّالِثَةُ إِلَى الْحُدُودِ الْمُشْرِفَةِ عَلَى وَادِي صَبُوعِيمَ نَحْوَ الصَّحْرَاءِ. وَلَمْ يَكُنْ فِي كُلِّ بِلَادِ إِسْرَائِيلَ حَدَّادٌ، لِأَنَّ الْفِلِسْطِيِّينَ مَنَعُوهُمْ مِنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَصْنَعَ الْعِبْرَانِيُّونَ سُيُوفًا وَرِمَاحًا. فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَنْزِلُ إِلَى الْفِلِسْطِيِّينَ، لِكَيْ يَسِنَّ مِحْرَاثَهُ أَوْ مِنْجَلَهُ أَوْ فَأْسَهُ أَوْ سِكِّينَهُ. وَكَانَتْ أُجْرَةُ السَّنِّ عُمْلَةً وَزْنُهَا 8 جِرَامَاتٍ مِنَ الْفِضَّةِ لِلْمِحْرَاثِ أَوِ الْمِنْجَلِ، وَعُمْلَةً وَزْنُهَا 4 جِرَامَاتٍ لِلْمِنْشَالِ أَوِ الْفَأْسِ أَوِ الْمِنْخَاسِ. لِذَلِكَ يَوْمَ قَامَتِ الْحَرْبُ، لَمْ يَكُنْ سَيْفٌ وَلَا رُمْحٌ مَعَ أَيِّ وَاحِدٍ مِنَ الْجَيْشِ الَّذِي مَعَ شَاوُلَ وَيُونَاثَانَ. إِنَّمَا شَاوُلُ وَيُونَاثَانُ ابْنُهُ، هُمَا فَقَطْ كَانَ مَعَهُمَا. وَخَرَجَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ جُنُودِ الْفِلِسْطِيِّينَ إِلَى مَمَرِّ مِكْمَاشَ. وَذَاتَ يَوْمٍ قَالَ يُونَاثَانُ بْنُ شَاوُلَ لِخَادِمِهِ الَّذِي يَحْمِلُ سِلَاحَهُ: ”تَعَالَ نَعْبُرُ إِلَى حَامِيَةِ الْفِلِسْطِيِّينَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ.“ وَلَكِنَّهُ لَمْ يُخْبِرْ أَبَاهُ بِذَلِكَ. وَكَانَ شَاوُلُ فِي طَرَفِ جِبْعَةَ، تَحْتَ شَجَرَةِ رُمَّانٍ فِي مِغْرُونَ، وَكَانَ مَعَهُ حَوَالَيْ 600 رَجُلٍ. وَمِنْ بَيْنِهِمْ كَانَ أَخِيَّا بْنُ أَخِيطُوبَ أَخِي إِيخَابُودَ بْنِ فِينْحَاسَ بْنِ عَالِي، حَبْرُ الْمَوْلَى فِي شِيلُوهَ، وَكَانَ لَابِسًا رِدَاءَ الْحَبْرِ. وَلَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ أَنَّ يُونَاثَانَ قَدْ ذَهَبَ. وَكَانَ الْمَمَرُّ الَّذِي أَرَادَ يُونَاثَانُ أَنْ يَعْبُرَهُ إِلَى حَامِيَةِ الْفِلِسْطِيِّينَ، فِيهِ صَخْرَةٌ مِنْ هُنَا وَصَخْرَةٌ مِنْ هُنَاكَ، وَاحِدَةٌ اسْمُهَا بُوصِيصُ وَالْأُخْرَى اسْمُهَا سَنَةُ. وَكَانَتِ الْأُولَى فِي نَاحِيَةِ الشَّمَالِ مُقَابِلَ مِكْمَاشَ، وَالْأُخْرَى فِي الْجَنُوبِ مُقَابِلَ جِبْعَ. فَقَالَ يُونَاثَانُ لِخَادِمِهِ الَّذِي يَحْمِلُ سِلَاحَهُ: ”تَعَالَ نَعْبُرُ إِلَى حَامِيَةِ هَؤُلَاءِ النَّجِسِينَ، لَعَلَّ اللهَ يُسَاعِدُنَا. لِأَنَّ لَا شَيْءَ يَمْنَعُ اللهَ مِنْ أَنْ يَنْصُرَنَا، سَوَاءً كُنَّا كَثِيرِينَ أَوْ قَلِيلِينَ.“ فَقَالَ لَهُ حَامِلُ سِلَاحِهِ: ”اِعْمَلْ مَا تُرِيدُ. تَقَدَّمْ فَأَنَا مَعَكَ.“ فَقَالَ يُونَاثَانُ: ”نَتَقَدَّمُ إِلَيْهِمْ حَتَّى يَرَوْنَنَا، فَإِنْ قَالُوا لَنَا: ’اِنْتَظِرُوا عِنْدَكُمْ حَتَّى نَأْتِيَ إِلَيْكُمْ‘ نَقِفُ فِي مَكَانِنَا وَلَا نَصْعَدُ إِلَيْهِمْ. وَلَكِنْ إِنْ قَالُوا: ’تَعَالَوْا إِلَيْنَا‘ نَصْعَدُ، وَتَكُونُ هَذِهِ عَلَامَةً لَنَا أَنَّ اللهَ نَصَرَنَا عَلَيْهِمْ.“ فَتَقَدَّمَا حَتَّى رَأَتْهُمَا حَامِيَةُ الْفِلِسْطِيِّينَ، فَقَالَ الْفِلِسْطِيُّونَ: ”اُنْظُرُوا الْعِبْرَانِيِّينَ خَارِجِينَ مِنَ الْجُحُورِ الَّتِي اخْتَبَأُوا فِيهَا!“ وَقَالَ رِجَالُ الْحَامِيَةِ لِيُونَاثَانَ وَحَامِلِ سِلَاحِهِ: ”اِصْعَدَا إِلَيْنَا، فَنُعَلِّمَكُمَا دَرْسًا!“ فَقَالَ يُونَاثَانُ لِحَامِلِ سِلَاحِهِ: ”اِصْعَدْ وَرَائِي، فَالْمَوْلَى أَوْقَعَهُمْ فِي يَدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.“ وَصَعِدَ يُونَاثَانُ عَلَى يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَحَامِلُ سِلَاحِهِ وَرَاءَهُ. فَسَقَطَ الْفِلِسْطِيُّونَ أَمَامَ يُونَاثَانَ، وَكَانَ حَامِلُ سِلَاحِهِ يَقْتُلُهُمْ وَرَاءَهُ. فِي هَذَا الْهُجُومِ الْأَوَّلِ، قَتَلَ يُونَاثَانُ وَحَامِلُ سِلَاحِهِ حَوَالَيْ 20 رَجُلًا فِي أَرْضٍ مِسَاحَتُهَا نِصْفُ فَدَّانٍ تَقْرِيبًا. وَأُصِيبَ كُلُّ الْجَيْشِ بِالْفَزَعِ، الَّذِينَ فِي الْمُعَسْكَرِ وَفِي سَاحَةِ الْقِتَالِ وَالَّذِينَ فِي الْحَامِيَاتِ وَفِرَقِ الْغُزَاةِ، وَارْتَجَفَتِ الْأَرْضُ. فَكَانَ ذُعْرٌ عَظِيمٌ. وَرِجَالُ شَاوُلَ الَّذِينَ فِي جِبْعَةَ بِنْيَمِينَ، الَّذِينَ كَانُوا مَسْئُولِينَ عَنْ مُرَاقَبَةِ مَا يَحْدُثُ، رَأَوْا جَيْشَ الْفِلِسْطِيِّينَ يَهْرُبُ وَيَتَبَدَّدُ فِي كُلِّ جِهَةٍ. فَقَالَ شَاوُلُ لِلَّذِينَ مَعَهُ: ”عُدُّوا الْمَوْجُودِينَ لِنَعْرِفَ مَنْ ذَهَبَ مِنْ عِنْدِنَا.“ فَعَدُّوا وَاكْتَشَفُوا أَنَّ يُونَاثَانَ وَحَامِلَ سِلَاحِهِ غَيْرُ مَوْجُودَيْنِ. فَقَالَ شَاوُلُ لِأَخِيَّا: ”أَحْضِرْ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ.“ لِأَنَّ الصُّنْدُوقَ كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَبَيْنَمَا شَاوُلُ يَتَكَلَّمُ مَعَ الْحَبْرِ زَادَ الضَّجِيجُ فِي مُعَسْكَرِ الْفِلِسْطِيِّينَ أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ. فَقَالَ شَاوُلُ لِلْحَبْرِ: ”تَوَقَّفْ.“ وَصَاحَ شَاوُلُ وَكُلُّ الَّذِينَ مَعَهُ، وَذَهَبُوا إِلَى سَاحَةِ الْقِتَالِ فَوَجَدُوا الْفِلِسْطِيِّينَ فِي فَوْضَى عَظِيمَةٍ جِدًّا، وَهُمْ يَضْرِبُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالسَّيْفِ. وَكَانَ هُنَاكَ بَعْضُ الْعِبْرَانِيِّينَ، الَّذِينَ مُنْذُ وَقْتٍ كَانُوا يُسَانِدُونَ الْفِلِسْطِيِّينَ حَتَّى إِنَّهُمْ ذَهَبُوا لِيُحَارِبُوا فِي صَفِّهِمْ. فَهَؤُلَاءِ الْعِبْرَانِيُّونَ انْضَمُّوا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ شَاوُلَ وَيُونَاثَانَ. وَسَمِعَ كُلُّ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ اخْتَبَأُوا فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ، أَنَّ الْفِلِسْطِيِّينَ هَرَبُوا، فَدَخَلُوا هُمْ أَيْضًا الْحَرْبَ وَطَارَدُوا الْفِلِسْطِيِّينَ. فَنَصَرَ اللهُ إِسْرَائِيلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. ثُمَّ انْتَقَلَ الْقِتَالُ إِلَى بَيْتَ آوِنَ. وَتَضَايَقَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، لِأَنَّ شَاوُلَ حَلَّفَ الشَّعْبَ وَقَالَ: ”مَلْعُونٌ مَنْ يَأْكُلُ طَعَامًا قَبْلَ الْمَسَاءِ، حَتَّى أَنْتَقِمَ مِنْ أَعْدَائِي.“ فَلَمْ يَذُقْ أَحَدٌ مِنْهُمْ طَعَامًا. وَجَاءَ كُلُّ الْجَيْشِ إِلَى الْغَابَةِ، وَكَانَ هُنَاكَ عَسَلٌ عَلَى الْأَرْضِ. وَلَمَّا دَخَلُوا الْغَابَةَ، كَانَ هُنَاكَ عَسَلٌ يَسِيلُ، وَلَكِنْ لَمْ يَأْكُلْ أَحَدٌ مِنْهُ لِأَنَّهُمْ خَافُوا مِنَ الْقَسَمِ. لَكِنَّ يُونَاثَانَ لَمْ يَسْمَعْ لَمَّا حَلَّفَ أَبُوهُ الشَّعْبَ، فَمَدَّ طَرَفَ الْعَصَا الَّتِي بِيَدِهِ، وَغَمَسَهُ فِي شَهْدِ الْعَسَلِ، وَأَكَلَ مِنْهُ فَانْتَعَشَ. فَقَالَ لَهُ أَحَدُ الْجُنُودِ: ”أَبُوكَ حَلَّفَ الشَّعْبَ وَقَالَ: ’مَلْعُونٌ مَنْ يَأْكُلُ طَعَامًا الْيَوْمَ.‘ فَأَصْبَحْنَا كُلُّنَا مُجْهَدِينَ.“ فَقَالَ لَهُ يُونَاثَانُ: ”أَبِي سَبَّبَ ضَرَرًا فَظِيعًا لِلْكُلِّ. اُنْظُرُوا كَيْفَ انْتَعَشْتُ لِأَنِّي ذُقْتُ قَلِيلًا مِنْ هَذَا الْعَسَلِ. كَانَ مِنَ الْأَفْضَلِ لَوْ أَكَلَ الرِّجَالُ الْيَوْمَ مِنَ الْغَنِيمَةِ الَّتِي أَخَذُوهَا مِنْ أَعْدَائِهِمْ. لَوْ حَدَثَ هَذَا، لَكَانَتْ هَزِيمَةُ الْفِلِسْطِيِّينَ أَعْظَمَ!“ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ هَزَمَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ الْفِلِسْطِيِّينَ مِنْ مِكْمَاشَ إِلَى أَيْلُونَ. وَأُصِيبَ الْجَيْشُ بِإِجْهَادٍ شَدِيدٍ. فَهَجَمُوا عَلَى الْغَنِيمَةِ، وَأَخَذُوا غَنَمًا وَبَقَرًا وَعُجُولًا وَذَبَحُوهَا عَلَى الْأَرْضِ وَأَكَلُوا اللَّحْمَ بِدَمِهِ. فَبَلَغَ شَاوُلَ أَنَّ الشَّعْبَ يُخْطِئُ فِي حَقِّ اللهِ وَيَأْكُلُ اللَّحْمَ بِدَمِهِ. فَقَالَ شَاوُلُ: ”هَذِهِ خِيَانَةٌ! دَحْرِجُوا إِلَيَّ الْآنَ حَجَرًا كَبِيرًا.“ ثُمَّ قَالَ: ”اِنْتَشِرُوا بَيْنَ النَّاسِ، وَقُولُوا لَهُمْ أَنْ يُحْضِرُوا لِي كُلُّهُمْ بَقَرَهُمْ وَغَنَمَهُمْ، وَيَذْبَحُوهَا هُنَا وَيَأْكُلُوهَا. فَلَا تُخْطِئُوا فِي حَقِّ اللهِ وَتَأْكُلُوا اللَّحْمَ بِدَمِهِ.“ فَأَحْضَرَ كُلُّ وَاحِدٍ ثَوْرَهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَذَبَحُوا هُنَاكَ. وَبَنَى شَاوُلُ مَنَصَّةً لِعِبَادَةِ اللهِ. كَانَتْ هَذِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ يَبْنِي فِيهَا مَنَصَّةً للهِ. وَقَالَ شَاوُلُ: ”تَعَالَوْا نَنْزِلُ وَرَاءَ الْفِلِسْطِيِّينَ لَيْلًا وَنَنْهَبُهُمْ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَلَا نُبْقِي مِنْهُمْ أَحَدًا.“ فَقَالُوا: ”اِعْمَلْ كُلَّ مَا يَحْلُو لَكَ.“ لَكِنَّ الْحَبْرَ قَالَ: ”لِنَسْأَلِ اللهَ أَوَّلًا!“ فَسَأَلَ شَاوُلُ اللهَ وَقَالَ: ”هَلْ أَنْزِلُ وَرَاءَ الْفِلِسْطِيِّينَ؟ هَلْ تَنْصُرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَيْهِمْ؟“ فَلَمْ يَرُدَّ اللهُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. فَقَالَ شَاوُلُ: ”تَعَالَوْا هُنَا يَا كُلَّ قَادَةِ الْجَيْشِ لِنَرَى مَا هِيَ الْخَطِيئَةُ الَّتِي ارْتُكِبَتِ الْيَوْمَ. أُقْسِمُ بِاللهِ الَّذِي نَصَرَ شَعْبَهُ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي ارْتَكَبَهَا هُوَ ابْنِي يُونَاثَانُ، فَيَجِبُ أَنْ يَمُوتَ.“ وَقَالَ لَهُمْ جَمِيعًا: ”قِفُوا أَنْتُمْ هُنَاكَ، وَأَنَا وَابْنِي يُونَاثَانُ نَقِفُ هُنَا.“ فَقَالَ الشَّعْبُ: ”اِعْمَلْ مَا يَحْلُو لَكَ.“ وَقَالَ شَاوُلُ للهِ: ”اِكْشِفْ لَنَا الْحَقَّ.“ فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى يُونَاثَانَ وَشَاوُلَ، وَخَرَجَ الشَّعْبُ بَرِيئًا. فَقَالَ شَاوُلُ: ”أَلْقُوا الْقُرْعَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ يُونَاثَانَ ابْنِي.“ فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى يُونَاثَانَ. فَقَالَ شَاوُلُ لِيُونَاثَانَ: ”أَخْبِرْنِي مَاذَا فَعَلْتَ.“ فَأَخْبَرَهُ وَقَالَ: ”ذُقْتُ قَلِيلًا مِنَ الْعَسَلِ بِطَرَفِ الْعَصَا الَّتِي بِيَدِي، وَالْآنَ يَجِبُ أَنْ أَمُوتَ!“ وَقَالَ شَاوُلُ: ”لَيْتَ اللهَ يُعَاقِبُنِي أَشَدَّ عِقَابٍ، إِنْ كُنْتَ لَا تَمُوتُ يَا يُونَاثَانُ!“ فَقَالَ الشَّعْبُ لِشَاوُلَ: ”هَلْ يَمُوتُ يُونَاثَانُ الَّذِي أَحْرَزَ هَذَا النَّصْرَ الْعَظِيمَ لِإِسْرَائِيلَ؟ لَا سَمَحَ اللهُ! نُقْسِمُ بِاللهِ، لَا تَسْقُطُ شَعْرَةٌ مِنْ رَأْسِهِ إِلَى الْأَرْضِ، لِأَنَّهُ الْيَوْمَ صَنَعَ هَذَا بِمَعُونَةِ اللهِ.“ فَأَنْقَذَ الشَّعْبُ يُونَاثَانَ مِنَ الْمَوْتِ. وَكَفَّ شَاوُلُ عَنْ مُطَارَدَةِ الْفِلِسْطِيِّينَ وَرَجَعَ الْفِلِسْطِيُّونَ إِلَى أَرْضِهِمْ. وَتَوَلَّى شَاوُلُ الْمُلْكَ عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَحَارَبَ كُلَّ أَعْدَائِهِ الَّذِينَ حَوْلَهُ، مُوآبَ وَبَنِي عَمُّونَ وَأَدُومَ وَمُلُوكَ صُوبَةَ وَالْفِلِسْطِيِّينَ، وَحَيْثُمَا تَوَجَّهَ غَلَبَ. وَحَارَبَ بِشَجَاعَةٍ، وَهَزَمَ عَمَالِيقَ، وَأَنْقَذَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ قَبْضَةِ الَّذِينَ نَهَبُوهُمْ. وَكَانَ بَنُو شَاوُلَ هُمْ يُونَاثَانَ وَيَشْوِيَ وَمَلْكِيشُوعَ، وَبِنْتَهُ الْكُبْرَى مِيرَبَ وَالصُّغْرَى مِيكَالَ. وَاسْمُ زَوْجَتِهِ أَخِينُوعَمُ بِنْتُ أَخِيمَعْصَ. وَاسْمُ قَائِدِ جَيْشِ شَاوُلَ أَبْنِيرُ بْنُ نِيرَ، وَنِيرُ كَانَ عَمَّ شَاوُلَ. وَقَيْسُ أَبُو شَاوُلَ، وَأَخُوهُ نِيرُ أَبُو أَبْنِيرَ، هُمَا ابْنَا أَبِيئِلَ. وَكَانَتِ الْحَرْبُ عَلَى الْفِلِسْطِيِّينَ شَدِيدَةً طُولَ أَيَّامِ شَاوُلَ. وَكَانَ شَاوُلُ يَضُمُّ إِلَيْهِ كُلَّ رَجُلٍ قَوِيٍّ أَوْ شُجَاعٍ. وَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: ”أَنَا الَّذِي أَرْسَلَنِي الْمَوْلَى لِأَمْسَحَكَ مَلِكًا عَلَى شَعْبِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَالْآنَ اسْمَعْ كَلَامَ اللهِ. فَالْمَوْلَى الْقَدِيرُ يَقُولُ لَكَ: ’سَأُعَاقِبُ عَمَالِيقَ بِسَبَبِ مَا فَعَلُوهُ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ، لِأَنَّهُمْ وَقَفُوا لَهُمْ فِي الطَّرِيقِ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ مِصْرَ. فَاذْهَبِ الْآنَ وَحَارِبْ عَمَالِيقَ، وَأَهْلِكْ كُلَّ مَا لَهُمْ، وَلَا تَعْفُ عَنْهُمْ، بَلِ اقْتُلِ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، وَالْأَطْفَالَ وَالرُّضَّعَ، وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ، وَالْجِمَالَ وَالْحَمِيرَ.‘“ فَاسْتَدْعَى شَاوُلُ الْجَيْشَ وَعَدَّهُ فِي طَلَايِمَ، فَكَانُوا 200000 جُنْدِيٍّ مِنْ إِسْرَائِيلَ، وَ10000 مِنْ يَهُوذَا. وَزَحَفَ شَاوُلُ عَلَى مَدِينَةِ عَمَالِيقَ وَكَمَنَ فِي الْوَادِي. وَبَعَثَ إِلَى الْقِينِيِّينَ وَقَالَ لَهُمْ: ”اُخْرُجُوا مِنْ بَيْنِ الْعَمَالِقَةِ وَاذْهَبُوا لِئَلَّا أُهْلِكَكُمْ مَعَهُمْ، لِأَنَّكُمْ عَمِلْتُمْ مَعْرُوفًا مَعَ كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا طَلَعُوا مِنْ مِصْرَ.“ فَخَرَجَ الْقِينِيُّونَ مِنْ بَيْنِ الْعَمَالِقَةِ. وَهَجَمَ شَاوُلُ عَلَى الْعَمَالِقَةِ مِنْ حَوِيلَةَ إِلَى شُورَ الَّتِي شَرْقَ مِصْرَ. وَأَخَذَ أَجَاجَ مَلِكَ عَمَالِيقَ حَيًّا، وَأَهْلَكَ كُلَّ شَعْبِهِ بِالسَّيْفِ. وَعَفَا شَاوُلُ وَرِجَالُهُ عَنْ أَجَاجَ، وَكَذَلِكَ عَنْ أَفْضَلِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَكُلِّ سَمِينٍ وَالْحُمْلَانِ وَكُلِّ مَا كَانَ جَيِّدًا، وَرَفَضُوا أَنْ يُهْلِكُوهَا. أَمَّا كُلُّ مَا كَانَ حَقِيرًا وَهَزِيلًا فَأَهْلَكُوهُ. فَقَالَ اللهُ لِصَمُوئِيلَ: ”حَزِنْتُ عَلَى أَنِّي جَعَلْتُ شَاوُلَ مَلِكًا، لِأَنَّهُ انْحَرَفَ عَنِّي، وَلَمْ يَعْمَلْ بِكَلَامِي.“ فَاضْطَرَبَ صَمُوئِيلُ وَصَرَخَ إِلَى الْمَوْلَى طُولَ اللَّيْلِ. وَقَامَ صَمُوئِيلُ فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، وَذَهَبَ لِيُقَابِلَ شَاوُلَ. وَلَكِنْ بَلَغَهُ أَنَّ شَاوُلَ ذَهَبَ إِلَى الْكَرْمَلِ، حَيْثُ أَقَامَ لِنَفْسِهِ نَصَبًا تَذْكَارِيًّا، ثُمَّ دَارَ وَعَبَرَ وَنَزَلَ إِلَى الْجِلْجَالِ. فَلَمَّا وَصَلَ صَمُوئِيلُ إِلَى شَاوُلَ، قَالَ لَهُ شَاوُلُ: ”بَارَكَ اللهُ فِيكَ. أَنَا عَمِلْتُ كَمَا قَالَ اللهُ.“ فَقَالَ صَمُوئِيلُ: ”إِذَنْ مَا هَذَا الَّذِي أَسْمَعُهُ؟ فِي أُذُنَيَّ صَوْتُ غَنَمٍ وَصَوْتُ بَقَرٍ!“ أَجَابَهُ شَاوُلُ: ”أَخَذُوهَا مِنَ الْعَمَالِقَةِ، لِأَنَّ الشَّعْبَ عَفَا عَنْ أَفْضَلِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ لِيُقَدِّمُوهَا ضَحَايَا لِلْمَوْلَى إِلَهِكَ، وَأَهْلَكُوا الْبَاقِيَ.“ فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: ”اُسْكُتْ، فَأُخْبِرَكَ بِمَا قَالَهُ الْمَوْلَى لِي هَذِهِ اللَّيْلَةَ.“ فَقَالَ لَهُ: ”أَخْبِرْنِي.“ قَالَ صَمُوئِيلُ: ”أَنْتَ كُنْتَ تَعْتَبِرُ نَفْسَكَ بَسِيطًا، وَلَكِنَّكَ صِرْتَ رَئِيسًا عَلَى قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَالْمَوْلَى مَسَحَكَ مَلِكًا عَلَيْهِمْ. وَأَرْسَلَكَ فِي مُهِمَّةٍ وَقَالَ: ’اِذْهَبْ وَأَهْلِكِ الْعَمَالِقَةَ، هَؤُلَاءِ الْأَشْرَارَ، وَحَارِبْهُمْ حَتَّى تُفْنِيَهُمْ.‘ فَلِمَاذَا لَمْ تَسْمَعْ كَلَامَ اللهِ، بَلْ هَجَمْتَ عَلَى الْغَنِيمَةِ، وَعَمِلْتَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي عَيْنَيِ الْمَوْلَى؟“ فَقَالَ شَاوُلُ لِصَمُوئِيلَ: ”أَنَا سَمِعْتُ كَلَامَ اللهِ، وَنَفَّذْتُ الْمُهِمَّةَ الَّتِي أَرْسَلَنِي فِيهَا، وَأَهْلَكْتُ الْعَمَالِقَةَ، وَأَحْضَرْتُ أَجَاجَ مَلِكَهُمْ. وَأَخَذَ الْجُنُودُ مِنَ الْغَنِيمَةِ أَفْضَلَ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ الَّتِي كُنَّا سَنُهْلِكُهَا، لِيُقَدِّمُوهَا ضَحَايَا لِلْمَوْلَى إِلَهِكَ فِي الْجِلْجَالِ.“ فَقَالَ صَمُوئِيلُ: ”هَلْ يُسَرُّ اللهُ بِالْقَرَابِينِ وَالضَّحَايَا، أَمْ بِطَاعَةِ كَلَامِهِ؟ الطَّاعَةُ أَفْضَلُ مِنْ تَقْدِيمِ الضَّحَايَا، وَالْإِصْغَاءُ أَفْضَلُ مِنْ شَحْمِ الْكِبَاشِ. فَالْعِصْيَانُ هُوَ خَطِيئَةٌ كَمُمَارَسَةِ الْعِلْمِ بِالْغَيْبِ، وَالْعِنَادُ هُوَ شَرٌّ كَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ. أَنْتَ رَفَضْتَ كَلَامَ اللهِ، لِذَلِكَ رَفَضَكَ اللهُ مِنَ الْمُلْكِ.“ فَقَالَ شَاوُلُ لِصَمُوئِيلَ: ”أَخْطَأْتُ وَتَعَدَّيْتُ عَلَى أَمْرِ اللهِ وَوَصِيَّتِكَ. أَنَا خِفْتُ مِنَ الشَّعْبِ فَسَمِعْتُ لَهُمْ. مِنْ فَضْلِكَ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَارْجِعْ مَعِي لِكَيْ أَسْجُدَ للهِ.“ لَكِنَّ صَمُوئِيلَ قَالَ لَهُ: ”لَا أَرْجِعُ مَعَكَ. أَنْتَ رَفَضْتَ كَلَامَ اللهِ، لِذَلِكَ رَفَضَكَ اللهُ كَمَلِكٍ عَلَى إِسْرَائِيلَ.“ وَدَارَ صَمُوئِيلُ لِيَنْصَرِفَ، فَأَمْسَكَ شَاوُلُ بِطَرَفِ رِدَائِهِ فَتَمَزَّقَ. فَقَالَ لَهُ صَمُوئِيلُ: ”الْيَوْمَ مَزَّقَ اللهُ عَنْكَ مَمْلَكَةَ إِسْرَائِيلَ، وَأَعْطَاهَا لِآخَرَ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ. اللهُ الَّذِي هُوَ بَهَاءُ شَعْبِهِ لَا يَكْذِبُ وَلَا يَنْدَمُ، فَهُوَ لَيْسَ إِنْسَانًا لِيَنْدَمَ.“ فَقَالَ شَاوُلُ: ”أَخْطَأْتُ. فَأَكْرِمْنِي أَمَامَ شُيُوخِ شَعْبِي وَأَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَارْجِعْ مَعِي لِكَيْ أَسْجُدَ لِلْمَوْلَى إِلَهِكَ.“ فَرَجَعَ صَمُوئِيلُ مَعَ شَاوُلَ، وَسَجَدَ شَاوُلُ للهِ. ثُمَّ قَالَ صَمُوئِيلُ: ”هَاتُوا لِي أَجَاجَ مَلِكَ عَمَالِيقَ.“ فَذَهَبَ إِلَيْهِ أَجَاجُ فَرِحًا وَهُوَ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: ”رَاحَ خَطَرُ الْمَوْتِ.“ فَقَالَ صَمُوئِيلُ: ”كَمَا حَرَمَ سَيْفُكَ النِّسَاءَ مِنْ أَوْلَادِهِنَّ، تُحْرَمُ أُمُّكَ مِنْكَ!“ فَقَتَلَ صَمُوئِيلُ أَجَاجَ أَمَامَ الْمَوْلَى فِي الْجِلْجَالِ. وَذَهَبَ صَمُوئِيلُ إِلَى الرَّامَةِ. أَمَّا شَاوُلُ فَصَعِدَ إِلَى دَارِهِ فِي جِبْعَةَ شَاوُلَ. وَلَمْ يَعُدْ صَمُوئِيلُ يَرَى شَاوُلَ إِلَى يَوْمِ وَفَاتِهِ، لَكِنَّهُ أَسِفَ عَلَيْهِ. وَحَزِنَ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ جَعَلَ شَاوُلَ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ. وَقَالَ اللهُ لِصَمُوئِيلَ: ”إِلَى مَتَى تَأْسَفُ عَلَى شَاوُلَ، وَأَنَا رَفَضْتُهُ أَنْ يَكُونَ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ؟ اِمْلَأْ قَارُورَتَكَ بِالزَّيْتِ وَتَعَالَ أُرْسِلُكَ إِلَى يَسَّى الَّذِي مِنْ بَيْتَ لَحْمَ، لِأَنِّي اخْتَرْتُ وَاحِدًا مِنْ أَوْلَادِهِ لِيَكُونَ مَلِكًا.“ فَقَالَ صَمُوئِيلُ: ”كَيْفَ أَذْهَبُ؟ إِنْ سَمِعَ شَاوُلُ يَقْتُلُنِي.“ فَقَالَ اللهُ: ”خُذْ مَعَكَ عِجْلَةً مِنَ الْبَقَرِ وَقُلْ إِنَّكَ جِئْتَ لِتُقَدِّمَ للهِ ضَحِيَّةً. وَادْعُ يَسَّى إِلَى وَلِيمَةِ الضَّحِيَّةِ، وَأَنَا أُعَرِّفُكَ مَا يَجِبُ أَنْ تَعْمَلَهُ، فَتَمْسَحُ لِيَ الَّذِي أَقُولُ لَكَ عَنْهُ.“ فَعَمِلَ صَمُوئِيلُ كَمَا قَالَ اللهُ. وَلَمَّا وَصَلَ إِلَى بَيْتَ لَحْمَ، خَرَجَ شُيُوخُ الْمَدِينَةِ مُنْزَعِجِينَ لِاسْتِقْبَالِهِ وَقَالُوا: ”جِئْتَ لِلْخَيْرِ إِنْ شَاءَ اللهُ!“ فَقَالَ: ”لِلْخَيْرِ! جِئْتُ لِأُقَدِّمَ للهِ ضَحِيَّةً. طَهِّرُوا أَنْفُسَكُمْ وَتَعَالَوْا مَعِي إِلَى وَلِيمَةِ الضَّحِيَّةِ.“ ثُمَّ طَهَّرَ صَمُوئِيلُ يَسَّى وَبَنِيهِ وَدَعَاهُمْ إِلَى وَلِيمَةِ الضَّحِيَّةِ. فَلَمَّا جَاءُوا، وَرَأَى صَمُوئِيلُ أَلِيآبَ قَالَ فِي نَفْسِهِ: ”لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ اللهُ لِيَمْسَحَهُ مَلِكًا. فَهُوَ الْآنَ أَمَامَكَ يَا رَبُّ.“ فَقَالَ اللهُ لِصَمُوئِيلَ: ”لَا يَهُمَّكَ مَنْظَرُهُ وَطُولُهُ، لِأَنِّي رَفَضْتُهُ. اللهُ لَا يَنْظُرُ إِلَى الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَنْظُرُ إِلَيْهَا الْإِنْسَانُ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْمَظْهَرِ، أَمَّا اللهُ فَيَنْظُرُ إِلَى الْقَلْبِ.“ فَنَادَى يَسَّى أَبِينَادَابَ وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَمُرَّ أَمَامَ صَمُوئِيلَ. فَقَالَ صَمُوئِيلُ: ”وَهَذَا أَيْضًا لَمْ يَخْتَرْهُ اللهُ.“ ثُمَّ طَلَبَ يَسَّى مِنْ شَمَّةَ أَنْ يَمُرَّ. فَقَالَ صَمُوئِيلُ: ”وَهَذَا أَيْضًا لَمْ يَخْتَرْهُ اللهُ.“ وَهَكَذَا حَتَّى مَرَّ 7 مِنْ أَوْلَادِ يَسَّى أَمَامَ صَمُوئِيلَ. فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِيَسَّى: ”اللهُ لَمْ يَخْتَرْ هَؤُلَاءِ.“ وَسَأَلَ يَسَّى: ”هَلْ هَؤُلَاءِ كُلُّ أَوْلَادِكَ؟“ فَقَالَ: ”بَقِيَ الصَّغِيرُ وَهُوَ يَرْعَى الْغَنَمَ.“ فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِيَسَّى: ”أَرْسِلْ وَأَحْضِرْهُ، لِأَنَّنَا لَا نَأْكُلُ حَتَّى يَأْتِيَ إِلَى هُنَا.“ فَأَرْسَلَ وَأَحْضَرَهُ، وَكَانَ مُتَوَقِّدَ اللَّوْنِ وَفِي عَيْنَيْهِ بَرِيقٌ وَوَسِيمًا. فَقَالَ اللهُ: ”قُمِ امْسَحْهُ مَلِكًا، فَهَذَا هُوَ.“ فَتَنَاوَلَ صَمُوئِيلُ قَارُورَةَ الزَّيْتِ، وَمَسَحَهُ مَلِكًا فِي وَسَطِ إِخْوَتِهِ. فَحَلَّ رُوحُ اللهِ بِقُوَّةٍ عَلَى دَاوُدَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ. ثُمَّ ذَهَبَ صَمُوئِيلُ إِلَى الرَّامَةِ. وَفَارَقَ رُوحُ اللهِ شَاوُلَ، وَكَانَ يُعَذِّبُهُ رُوحٌ شِرِّيرٌ مِنْ عِنْدِ الْمَوْلَى. فَقَالَ لَهُ خَدَمُهُ: ”هَذَا رُوحٌ شِرِّيرٌ مِنْ عِنْدِ الْمَوْلَى يُزْعِجُكَ. فَإِنْ أَمَرْتَنَا يَا سَيِّدَنَا، نَذْهَبُ وَنَبْحَثُ عَنْ رَجُلٍ يُحْسِنُ الْعَزْفَ عَلَى الْعُودِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ عَلَيْكَ الرُّوحُ الشِّرِّيرُ مِنْ عِنْدِ الْمَوْلَى، يَعْزِفُ فَتَتَحَسَّنُ حَالَتُكَ.“ فَقَالَ شَاوُلُ لَهُمْ: ”فَتِّشُوا عَنْ رَجُلٍ يُحْسِنُ الْعَزْفَ وَأَحْضِرُوهُ لِي.“ وَقَالَ وَاحِدٌ مِنَ الْخَدَمِ: ”أَنَا رَأَيْتُ أَحَدَ أَوْلَادِ يَسَّى الَّذِي مِنْ بَيْتَ لَحْمَ يُحْسِنُ الْعَزْفَ، وَهُوَ رَجُلٌ شُجَاعٌ وَمُحَارِبٌ وَفَصِيحٌ وَحَسَنُ الْمَنْظَرِ وَالْمَوْلَى مَعَهُ.“ فَأَرْسَلَ شَاوُلُ رُسُلًا إِلَى يَسَّى يَقُولُ: ”أَرْسِلْ إِلَيَّ دَاوُدَ ابْنَكَ الَّذِي يَرْعَى الْغَنَمَ.“ فَأَخَذَ يَسَّى حِمَارًا وَوَضَعَ عَلَيْهِ خُبْزًا وَقِرْبَةَ خَمْرٍ وَجَدْيًا مِنَ الْمَعْزِ، وَأَرْسَلَهَا مَعَ دَاوُدَ ابْنِهِ إِلَى شَاوُلَ. فَذَهَبَ دَاوُدُ إِلَى شَاوُلَ، وَبَدَأَ يَخْدِمُهُ. فَأَحَبَّهُ شَاوُلُ جِدًّا، وَجَعَلَهُ حَامِلَ سِلَاحِهِ. وَأَرْسَلَ شَاوُلُ إِلَى يَسَّى يَقُولُ: ”اِسْمَحْ لِدَاوُدَ بِأَنْ يَبْقَى فِي خِدْمَتِي، لِأَنِّي مَسْرُورٌ مِنْهُ.“ وَكَانَ عِنْدَمَا يَأْتِي الرُّوحُ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَلَى شَاوُلَ، يَأْخُذُ دَاوُدُ الْعُودَ وَيَعْزِفُ، فَكَانَ شَاوُلُ يَرْتَاحُ وَتَتَحَسَّنُ حَالَتُهُ وَيُفَارِقُهُ الرُّوحُ الشِّرِّيرُ. وَحَشَدَ الْفِلِسْطِيُّونَ جُيُوشَهُمْ لِلْحَرْبِ، وَاجْتَمَعُوا فِي سُوكُوهَ الَّتِي فِي يَهُوذَا، وَعَسْكَرُوا فِي فَسْدَمِيمَ بَيْنَ سُوكُوهَ وَعَزِيقَةَ. وَاجْتَمَعَ شَاوُلُ وَرِجَالُ إِسْرَائِيلَ، وَعَسْكَرُوا فِي وَادِي الْبُطْمِ، وَاسْتَعَدُّوا لِمُحَارَبَةِ الْفِلِسْطِيِّينَ. وَكَانَ الْفِلِسْطِيُّونَ عَلَى جَبَلٍ، وَبَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى جَبَلٍ آخَرَ مُقَابِلَهُمْ، وَالْوَادِي بَيْنَهُمْ. فَخَرَجَ رَجُلٌ مُبَارِزٌ مِنْ صُفُوفِ الْفِلِسْطِيِّينَ، اِسْمُهُ جَالُوتُ مِنْ مَدِينَةِ جَتَّ. وَكَانَ طُولُهُ حَوَالَيْ 3 أَمْتَارٍ. وَعَلَى رَأْسِهِ خُوذَةٌ مِنْ نُحَاسٍ، وَكَانَ لَابِسًا دِرْعًا مُصَفَّحَةً مِنَ النُّحَاسِ وَزْنُهَا حَوَالَيْ 57 كِيلُوجْرَامًا. وَقَدْ لَفَّ سَاقَيْهِ بِصَفَائِحَ مِنْ نُحَاسٍ، كَمَا كَانَ يَتَدَلَّى مِنْ كَتِفَيْهِ رُمْحٌ مِنْ نُحَاسٍ. وَكَانَتِ الْقَنَاةُ الَّتِي يَضَعُ فِيهَا رُمْحَهُ كَبِيرَةً كَأَنَّهَا النَّوْلُ الَّذِي يَسْتَخْدِمُهُ النَّسَّاجُ. وَكَانَتْ رَأْسُ رُمْحِهِ مِنْ حَدِيدٍ وَوَزْنُهَا حَوَالَيْ 7 كِيلُوجْرَامَاتٍ. وَكَانَ حَامِلُ التُّرْسِ يَمْشِي قُدَّامَهُ. فَوَقَفَ جَالُوتُ وَنَادَى صُفُوفَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَالَ لَهُمْ: ”لِمَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَصْطَفُّوا لِلْحَرْبِ؟ أَنَا فِلِسْطِيٌّ وَأَنْتُمْ عَبِيدُ شَاوُلَ، فَاخْتَارُوا مِنْ بَيْنِكُمْ رَجُلًا يَأْتِي إِلَيَّ. فَإِنْ حَارَبَنِي وَقَتَلَنِي، نَصِيرُ لَكُمْ عَبِيدًا. وَإِنْ أَنَا غَلَبْتُهُ وَقَتَلْتُهُ، تَصِيرُونَ أَنْتُمْ عَبِيدًا لَنَا وَتَخْدِمُونَا.“ ثُمَّ قَالَ الْفِلِسْطِيُّ: ”أَنَا الْيَوْمَ أَتَحَدَّى صُفُوفَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. هَاتُوا لِي رَجُلًا يُحَارِبُنِي!“ وَلَمَّا سَمِعَ شَاوُلُ وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَلَامَ الْفِلِسْطِيِّ هَذَا، فَزِعُوا وَخَافُوا جِدًّا. وَكَانَ دَاوُدُ هُوَ ابْنَ ذَلِكَ الرَّجُلِ الْأَفْرَاتِيِّ الَّذِي اسْمُهُ يَسَّى، وَهُوَ مِنْ بَيْتَ لَحْمَ الَّتِي فِي يَهُوذَا. وَكَانَ لِيَسَّى 8 بَنِينَ، وَفِي أَيَّامِ شَاوُلَ كَانَ الرَّجُلُ قَدْ شَاخَ وَكَبِرَ فِي السِّنِّ. وَذَهَبَ بَنُو يَسَّى الـ3 الْكِبَارُ وَرَاءَ شَاوُلَ إِلَى الْحَرْبِ، وَهُمُ الْبِكْرُ أَلِيآبُ، وَالثَّانِي أَبِينَادَابُ، وَالثَّالِثُ شَمَّةُ. وَكَانَ دَاوُدُ أَصْغَرَهُمْ. وَبَيْنَمَا ذَهَبَ الـ3 الْكِبَارُ وَرَاءَ شَاوُلَ، كَانَ دَاوُدُ يَتَرَدَّدُ عَلَى شَاوُلَ ثُمَّ يَرْجِعُ لِيَرْعَى غَنَمَ أَبِيهِ فِي بَيْتَ لَحْمَ. وَظَلَّ الْفِلِسْطِيُّ يَقِفُ وَيَتَحَدَّى بَنِي إِسْرَائِيلَ صَبَاحًا وَمَسَاءً 40 يَوْمًا. وَذَاتَ يَوْمٍ قَالَ يَسَّى لِدَاوُدَ ابْنِهِ: ”خُذْ لِإِخْوَتِكَ 20 كِيلُوجْرَامًا مِنْ هَذَا الْفَرِيكِ، وَهَذِهِ الْأَرْغِفَةَ الْـ10 وَأَسْرِعْ إِلَيْهِمْ فِي الْمُعَسْكَرِ. وَخُذْ مَعَكَ أَيْضًا قِطَعَ الْجُبْنِ الْـ10 هَذِهِ لِقَائِدِ الْوَحْدَةِ. وَتَأَكَّدْ أَنَّ إِخْوَتَكَ بِخَيْرٍ، وَأَحْضِرْ مِنْهُمْ مَا يُثْبِتُ ذَلِكَ. هُمْ مَعَ شَاوُلَ وَكُلِّ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ فِي وَادِي الْبُطْمِ يُحَارِبُونَ الْفِلِسْطِيِّينَ.“ وَقَامَ دَاوُدُ فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، وَتَرَكَ الْغَنَمَ مَعَ حَارِسٍ، وَحَمَّلَ الطَّعَامَ، وَذَهَبَ كَمَا أَمَرَهُ يَسَّى. وَبَلَغَ الْمُعَسْكَرَ بَيْنَمَا كَانَ الْجَيْشُ خَارِجًا لِيَصْطَفَّ وَهُمْ يَهْتِفُونَ هُتَافَ الْحَرْبِ. وَاصْطَفَّ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ وَالْفِلِسْطِيُّونَ مُقَابِلَ بَعْضِهِمِ الْبَعْضِ. فَتَرَكَ دَاوُدُ الْأَشْيَاءَ الَّتِي مَعَهُ عِنْدَ حَارِسِ الْأَمْتِعَةِ، وَأَسْرَعَ إِلَى صُفُوفِ الْمُحَارِبِينَ، وَسَلَّمَ عَلَى إِخْوَتِهِ. وَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُمْ، تَقَدَّمَ جَالُوتُ الْبَطَلُ الْفِلِسْطِيُّ الَّذِي مِنْ جَتَّ، وَخَرَجَ مِنْ صُفُوفِ الْفِلِسْطِيِّينَ، وَقَالَ كَلَامَهُ الْمُعْتَادَ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ. فَسَمِعَ دَاوُدُ. فَلَمَّا رَأَى بَنُو إِسْرَائِيلَ الرَّجُلَ، هَرَبُوا مِنْهُ خَائِفِينَ جِدًّا. وَكَانَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ يَتَحَدَّثُونَ وَيَقُولُونَ: ”هَلْ تَرَوْنَ هَذَا الرَّجُلَ؟ إِنَّهُ يَخْرُجُ وَيَتَحَدَّى إِسْرَائِيلَ! فَالَّذِي يَقْتُلُهُ يُغْنِيهِ الْمَلِكُ غِنًى عَظِيمًا، وَيُزَوِّجُهُ بِنْتَهُ، وَيُعْفِي عَائِلَةَ أَبِيهِ مِنَ الضَّرَائِبِ وَالسُّخْرَةِ فِي إِسْرَائِيلَ.“ فَسَأَلَ دَاوُدُ الرِّجَالَ الْوَاقِفِينَ بِالْقُرْبِ مِنْهُ: ”مَاذَا يُفْعَلُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يَقْتُلُ هَذَا الْفِلِسْطِيَّ وَيُزِيلُ الْعَارَ عَنْ إِسْرَائِيلَ؟ فَمَنْ هُوَ هَذَا الْفِلِسْطِيُّ النَّجِسُ، حَتَّى يَتَحَدَّى صُفُوفَ جَيْشِ اللهِ الْحَيِّ.“ فَأَعَادُوا لَهُ الْكَلَامَ الَّذِي كَانُوا يَتَحَدَّثُونَ بِهِ وَقَالُوا: ”مَنْ يَقْتُلُهُ يَنَالُ كُلَّ هَذَا!“ فَسَمِعَهُ أَلِيآبُ أَخُوهُ الْأَكْبَرُ يَتَكَلَّمُ مَعَ الرِّجَالِ، فَغَضِبَ عَلَيْهِ جِدًّا وَقَالَ لَهُ: ”لِمَاذَا جِئْتَ إِلَى هُنَا؟ وَعَلَى مَنْ تَرَكْتَ تِلْكَ الْغَنَمَاتِ الْقَلِيلَةَ فِي الصَّحْرَاءِ؟ أَنَا عَارِفٌ أَنَّكَ مُتَكَبِّرٌ وَقَلْبَكَ شِرِّيرٌ! أَنْتَ جِئْتَ لِتَرَى الْحَرْبَ.“ فَقَالَ دَاوُدُ: ”مَاذَا فَعَلْتُ؟ هَلْ مَمْنُوعٌ أَنْ أَتَكَلَّمَ؟“ وَانْصَرَفَ مِنْ عِنْدِهِ، وَرَاحَ إِلَى آخَرِينَ وَتَكَلَّمَ مَعَهُمْ فِي نَفْسِ الْمَوْضُوعِ، فَأَجَابُوهُ بِنَفْسِ الْجَوَابِ. وَسَمِعَ بَعْضُهُمْ كَلَامَ دَاوُدَ، وَأَخْبَرُوا شَاوُلَ بِهِ، فَأَرْسَلَ وَأَحْضَرَهُ. فَقَالَ دَاوُدُ لِشَاوُلَ: ”لَا يَجِبُ أَنْ يَرْتَعِبَ قَلْبُ أَحَدٍ بِسَبَبِ هَذَا الْفِلِسْطِيِّ، أَنَا يَا سَيِّدِي أَذْهَبُ وَأُحَارِبُهُ.“ فَقَالَ شَاوُلُ لِدَاوُدَ: ”أَنْتَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تَذْهَبَ وَتُحَارِبَ هَذَا الْفِلِسْطِيَّ لِأَنَّكَ شَابٌّ صَغِيرٌ وَهُوَ رَجُلُ حَرْبٍ مُنْذُ صِبَاهُ.“ فَقَالَ دَاوُدُ لِشَاوُلَ: ”أَنَا يَا سَيِّدِي أَرْعَى غَنَمَ أَبِي. فَإِنْ جَاءَ أَسَدٌ أَوْ دُبٌّ وَخَطَفَ شَاةً مِنَ الْقَطِيعِ، أَجْرِي وَرَاءَهُ وَأَضْرِبُهُ وَأُنْقِذُهَا مِنْ فَمِهِ. فَإِذَا وَثَبَ عَلَيَّ، أُمْسِكُهُ مِنْ ذَقْنِهِ وَأَضْرِبُهُ حَتَّى أَقْتُلَهُ. أَنَا يَا سَيِّدِي قَتَلْتُ أُسُودًا وَدِبَبَةً، وَهَذَا الْفِلِسْطِيُّ النَّجِسُ سَيَكُونُ كَوَاحِدٍ مِنْهَا، لِأَنَّهُ تَحَدَّى صُفُوفَ جَيْشِ اللهِ الْحَيِّ. الْمَوْلَى الَّذِي أَنْقَذَنِي مِنْ أُسُودٍ وَدِبَبَةٍ، يُنْقِذُنِي مِنْ هَذَا الْفِلِسْطِيِّ.“ فَقَالَ شَاوُلُ لِدَاوُدَ: ”اِذْهَبْ، وَلْيَكُنِ اللهُ مَعَكَ.“ وَأَلْبَسَ شَاوُلُ دَاوُدَ ثِيَابَهُ، وَوَضَعَ خُوذَةً مِنْ نُحَاسٍ عَلَى رَأْسِهِ، وَأَلْبَسَهُ دِرْعًا. وَتَقَلَّدَ دَاوُدُ سَيْفَ شَاوُلَ فَوْقَ ثِيَابِهِ، وَحَاوَلَ أَنْ يَمْشِيَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ جَرَّبَ هَذَا مِنْ قَبْلُ. فَقَالَ لِشَاوُلَ: ”لَا أَقْدِرُ أَنْ أَمْشِيَ بِكُلِّ هَذِهِ، لِأَنِّي لَمْ أَتَعَوَّدْ عَلَيْهَا.“ وَنَزَعَهَا دَاوُدُ عَنْهُ. ثُمَّ أَخَذَ عَصَاهُ بِيَدِهِ، وَاخْتَارَ 5 حِجَارَةٍ مَلْسَاءَ مِنَ الْوَادِي، وَوَضَعَهَا فِي كِيسِ الرَّاعِي الَّذِي لَهُ. وَأَخَذَ مِقْلَاعَهُ بِيَدِهِ، وَتَقَدَّمَ نَحْوَ الْفِلِسْطِيِّ. وَسَارَ الْفِلِسْطِيُّ وَأَمَامَهُ حَامِلُ تُرْسِهِ وَاقْتَرَبَ مِنْ دَاوُدَ، وَتَطَلَّعَ فِيهِ وَاحْتَقَرَهُ، لِأَنَّهُ كَانَ شَابًّا صَغِيرًا مُتَوَقِّدَ اللَّوْنِ وَوَسِيمًا. فَقَالَ الْفِلِسْطِيُّ لِدَاوُدَ: ”هَلْ أَنَا كَلْبٌ حَتَّى تَأْتِيَ إِلَيَّ بِعِصِيٍّ؟“ وَلَعَنَ الْفِلِسْطِيُّ دَاوُدَ بِآلِهَتِهِ. وَقَالَ لَهُ: ”تَعَالَ هُنَا فَأُعْطِيَ لَحْمَكَ لِطُيُورِ السَّمَاءِ وَالْوُحُوشِ.“ فَقَالَ دَاوُدُ لِلْفِلِسْطِيِّ: ”أَنْتَ تُحَارِبُنِي بِسَيْفٍ وَرُمْحٍ وَتُرْسٍ، وَأَنَا أُحَارِبُكَ بِاسْمِ اللهِ الْقَدِيرِ رَبِّ جَيْشِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي أَنْتَ تَحَدَّيْتَهُ. الْيَوْمَ يُوقِعُكَ اللهُ فِي يَدِي، فَأَقْتُلُكَ وَأَقْطَعُ رَأْسَكَ، وَأُعْطِي جُثَثَ جَيْشِ الْفِلِسْطِيِّينَ لِطُيُورِ السَّمَاءِ وَحَيَوَانَاتِ الْأَرْضِ، فَتَعْلَمُ كُلُّ الْأَرْضِ أَنَّهُ يُوجَدُ رَبٌّ لِإِسْرَائِيلَ. وَيَعْلَمُ كُلُّ الَّذِينَ هُنَا، أَنَّ اللهَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى سَيْفٍ أَوْ رُمْحٍ لِيُنْقِذَ شَعْبَهُ، لِأَنَّ اللهَ يُحَارِبُ عَنَّا وَيَنْصُرُنَا عَلَيْكُمْ.“ فَهَبَّ الْفِلِسْطِيُّ وَتَقَدَّمَ لِيَهْجُمَ عَلَى دَاوُدَ، فَجَرَى دَاوُدُ بِسُرْعَةٍ نَحْوَهُ. وَمَدَّ يَدَهُ فِي الْكِيسِ، وَأَخَذَ مِنْهُ حَجَرًا وَقَذَفَهُ بِالْمِقْلَاعِ، فَأَصَابَ الْفِلِسْطِيَّ فِي جَبْهَتِهِ، وَانْغَرَزَ الْحَجَرُ فِيهَا، فَسَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الْأَرْضِ. بِهَذَا انْتَصَرَ دَاوُدُ عَلَى الْفِلِسْطِيِّ بِالْمِقْلَاعِ وَالْحَجَرِ، وَأَصَابَهُ وَقَتَلَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَعَ دَاوُدَ سَيْفٌ. وَجَرَى دَاوُدُ وَوَقَفَ عَلَى الْفِلِسْطِيِّ، وَأَمْسَكَ بِسَيْفِهِ، وَاسْتَلَّهُ مِنْ غِمْدِهِ، وَأَنْهَى عَلَيْهِ، وَقَطَعَ بِهِ رَأَسَهُ. فَلَمَّا رَأَى الْفِلِسْطِيُّونَ أَنَّ بَطَلَهُمْ مَاتَ هَرَبُوا. وَهَجَمَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا وَهَتَفُوا، وَطَارَدُوا الْفِلِسْطِيِّينَ حَتَّى وَصَلُوا إِلَى مَدْخَلِ الْوَادِي، وَإِلَى بَوَّابَاتِ عَقْرُونَ. وَسَقَطَ قَتْلَى الْفِلِسْطِيِّينَ فِي طَرِيقِ شَعَرَايِمَ إِلَى جَتَّ وَإِلَى عَقْرُونَ. ثُمَّ رَجَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ مُلَاحَقَةِ الْفِلِسْطِيِّينَ، وَنَهَبُوا مُعَسْكَرَهُمْ. وَأَخَذَ دَاوُدُ رَأْسَ جَالُوتَ إِلَى الْقُدْسِ، كَمَا أَحْضَرَ أَيْضًا أَسْلِحَةَ جَالُوتَ وَوَضَعَهَا فِي خَيْمَتِهِ. وَلَمَّا كَانَ شَاوُلُ يُرَاقِبُ دَاوُدَ فِي طَرِيقِهِ لِيُحَارِبَ الْفِلِسْطِيَّ، قَالَ لِأَبْنِيرَ قَائِدِ الْجَيْشِ: ”يَا أَبْنِيرُ، اِبْنُ مَنْ هَذَا الشَّابُّ؟“ فَقَالَ أَبْنِيرُ: ”وَحَيَاتِكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، لَا أَعْلَمُ.“ فَقَالَ الْمَلِكُ: ”اِسْأَلِ ابْنُ مَنْ هَذَا الشَّابُّ.“ فَلَمَّا رَجَعَ دَاوُدُ مِنْ قَتْلِ الْفِلِسْطِيِّ، أَخَذَهُ أَبْنِيرُ وَأَحْضَرَهُ أَمَامَ شَاوُلَ، وَرَأْسُ الْفِلِسْطِيِّ فِي يَدِهِ. فَسَأَلَهُ شَاوُلُ: ”اِبنُ مَنْ أَنْتَ يَا شَابُّ؟“ فَقَالَ دَاوُدُ: ”اِبْنُ عَبْدِكَ يَسَّى الَّذِي مِنْ بَيْتَ لَحْمَ.“ وَلَمَّا انْتَهَى دَاوُدُ مِنْ كَلَامِهِ مَعَ شَاوُلَ، تَعَلَّقَ قَلْبُ يُونَاثَانَ بِدَاوُدَ، وَأَحَبَّهُ كَنَفْسِهِ. وَمِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، أَبْقَاهُ شَاوُلُ عِنْدَهُ وَلَمْ يَتْرُكْهُ يَرْجِعُ إِلَى دَارِ أَبِيهِ. وَقَطَعَ يُونَاثَانُ عَهْدًا مَعَ دَاوُدَ، لِأَنَّهُ أَحَبَّهُ كَنَفْسِهِ. وَخَلَعَ يُونَاثَانُ رِدَاءَهُ الَّذِي عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ لِدَاوُدَ مَعَ قَمِيصِهِ وَسَيْفِهِ وَقَوْسِهِ وَحِزَامِهِ. وَكَانَ دَاوُدُ يَنْجَحُ فِي كُلِّ مُهِمَّةٍ يُرْسِلُهُ فِيهَا شَاوُلُ، فَجَعَلَهُ قَائِدًا فِي الْجَيْشِ. وَرَضِيَ كُلُّ الشَّعْبِ وَرِجَالُ شَاوُلَ أَيْضًا عَنْ هَذِهِ التَّرْقِيَةِ. وَلَمَّا كَانَ الْجَيْشُ رَاجِعًا، بَعْدَمَا قَتَلَ دَاوُدُ الْفِلِسْطِيَّ، خَرَجَتِ النِّسَاءُ لِاسْتِقْبَالِ الْمَلِكِ شَاوُلَ بِالْغِنَاءِ وَالرَّقْصِ وَالْفَرَحِ، بِدُفُوفٍ وَمُثَلَّثَاتٍ. وَأَنْشَدْنَ وَهُنَّ يَرْقُصْنَ وَقُلْنَ: ”قَتَلَ شَاوُلُ أُلُوفًا وَدَاوُدُ عَشَرَاتِ أُلُوفٍ.“ فَغَضِبَ شَاوُلُ جِدًّا وَسَاءَهُ هَذَا الْكَلَامُ وَقَالَ: ”جَعَلْنَ لِدَاوُدَ عَشَرَاتِ أُلُوفٍ، وَأَمَّا لِي فَجَعَلْنَ أُلُوفًا. فَمَاذَا يَعْمَلْنَ بَعْدَ ذَلِكَ؟ لَا شَكَّ سَيَجْعَلْنَهُ مَلِكًا.“ وَمُنْذُ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَخَذَ شَاوُلُ يَنْوِي الشَّرَّ لِدَاوُدَ. وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، جَاءَ الرُّوحُ الشِّرِّيرُ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَلَى شَاوُلَ بِشِدَّةٍ، فَصَارَ يَهْذِي دَاخِلَ الدَّارِ. وَكَانَ دَاوُدُ يَلْعَبُ عَلَى الْعُودِ كَعَادَتِهِ كُلَّ يَوْمٍ. وَكَانَ فِي يَدِ شَاوُلَ رُمْحٌ، فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: ”أُسَمِّرُ دَاوُدَ فِي الْحَائِطِ.“ وَرَمَاهُ بِالرُّمْحِ مَرَّتَيْنِ، فَتَنَحَّى عَنْهُ دَاوُدُ فِي الْمَرَّتَيْنِ. وَأَصْبَحَ شَاوُلُ يَخَافُ مِنْ دَاوُدَ، لِأَنَّ اللهَ تَرَكَهُ وَكَانَ مَعَ دَاوُدَ. فَأَبْعَدَهُ شَاوُلُ عَنْهُ، وَعَيَّنَهُ قَائِدَ 1000 جُنْدِيٍّ، فَكَانَ يَقُودُهُمْ فِي الْحَرْبِ. وَكَانَ دَاوُدُ يَنْجَحُ فِي كُلِّ مَا يَعْمَلُهُ، لِأَنَّ اللهَ مَعَهُ. وَلَمَّا رَأَى شَاوُلُ أَنَّهُ نَاجِحٌ جِدًّا، فَزِعَ مِنْهُ. أَمَّا جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا فَكَانُوا يُحِبُّونَ دَاوُدَ، لِأَنَّهُ كَانَ يَقُودُهُمْ فِي الْحَرْبِ. وَقَالَ شَاوُلُ لِدَاوُدَ: ”هَذِهِ بِنْتِيَ الْكَبِيرَةُ مِيرَبُ، أُزَوِّجُهَا لَكَ بِشَرْطِ أَنْ تَخْدِمَنِي بِشَجَاعَةٍ وَتُحَارِبَ فِي سَبِيلِ اللهِ.“ فَإِنَّ شَاوُلَ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ دَاوُدَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمُدَّ يَدَهُ عَلَيْهِ، بَلْ يُوقِعَهُ فِي يَدِ الْفِلِسْطِيِّينَ. فَقَالَ دَاوُدُ لِشَاوُلَ: ”مَنْ أَنَا، وَمَا عَائِلَتِي وَعَشِيرَةُ أَبِي فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، حَتَّى أَكُونَ زَوْجَ بِنْتِ الْمَلِكِ؟“ وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَ وَقْتُ زَوَاجِ مِيرَبَ بِنْتِ شَاوُلَ مِنْ دَاوُدَ، أُعْطِيَتْ زَوْجَةً لِعِدْرِيلَ الْمَحُولِيِّ. وَمِيكَالُ بِنْتُ شَاوُلَ أَحَبَّتْ دَاوُدَ. وَسَمِعَ شَاوُلُ، فَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي نَفْسِهِ: ”أُعْطِيهَا لَهُ، فَتَكُونُ لَهُ فَخًّا، وَيَقَعُ فِي يَدِ الْفِلِسْطِيِّينَ.“ وَقَالَ شَاوُلُ لِدَاوُدَ مَرَّةً ثَانِيَةً: ”الْآنَ يُمْكِنُكَ أَنْ تَصِيرَ زَوْجَ بِنْتِي.“ وَأَمَرَ شَاوُلُ رِجَالَهُ أَنْ يَتَكَلَّمُوا مَعَ دَاوُدَ سِرًّا وَيَقُولُوا لَهُ: ”الْمَلِكُ مَسْرُورٌ بِكَ، وَكُلُّ رِجَالِهِ يُحِبُّونَكَ، فَالْآنَ تَصِيرُ زَوْجَ بِنْتِهِ.“ وَلَمَّا قَالَ رِجَالُ شَاوُلَ هَذَا الْكَلَامَ لِدَاوُدَ، قَالَ دَاوُدُ: ”هَلْ تَظُنُّونَ أَنَّهُ مِنَ الْهَيِّنِ أَنْ أَصِيرَ زَوْجَ بِنْتِ الْمَلِكِ؟ أَنَا رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَحَقِيرٌ!“ فَأَخْبَرُوا شَاوُلَ بِكَلَامِ دَاوُدَ، فَقَالَ شَاوُلُ: ”قُولُوا لِدَاوُدَ إِنَّ الْمَلِكَ لَا يَرْغَبُ فِي مَهْرٍ، بَلْ يُرِيدُ 100 غُلْفَةٍ مِنَ الْفِلِسْطِيِّينَ انْتِقَامًا مِنْ أَعْدَائِهِ.“ وَكَانَتْ خِطَّةُ شَاوُلَ هِيَ أَنْ يُوقِعَ دَاوُدَ فِي يَدِ الْفِلِسْطِيِّينَ. فَلَمَّا قَالَ رِجَالُ شَاوُلَ هَذَا الْكَلَامَ لِدَاوُدَ، فَرِحَ دَاوُدُ بِفِكْرَةِ أَنْ يَصِيرَ زَوْجَ بِنْتِ الْمَلِكِ. وَقَبْلَ انْتِهَاءِ الْمُهْلَةِ، ذَهَبَ دَاوُدُ هُوَ وَرِجَالُهُ وَقَتَلَ 200 رَجُلٍ فِلِسْطِيٍّ، وَأَحْضَرَ غُلَفَهُمْ وَعَدَّهَا لِلْمَلِكِ لِكَيْ يُزَوِّجَهُ بِنْتَهُ. فَزَوَّجَهُ شَاوُلُ مِيكَالَ بِنْتَهُ. وَأَدْرَكَ شَاوُلُ أَنَّ اللهَ مَعَ دَاوُدَ، وَأَنَّ مِيكَالَ بِنْتَ شَاوُلَ تُحِبُّهُ. فَزَادَ خَوْفُ شَاوُلَ مِنْ دَاوُدَ، وَصَارَ عَدُوَّهُ طُولَ حَيَاتِهِ. وَاسْتَمَرَّ قَادَةُ الْفِلِسْطِيِّينَ يَخْرُجُونَ إِلَى الْحَرْبِ، وَكَانَ دَاوُدُ يَنْجَحُ فِي قِتَالِهِمْ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ قَادَةِ شَاوُلَ، فَاشْتَهَرَ اسْمُهُ جِدًّا. وَطَلَبَ شَاوُلُ مِنْ يُونَاثَانَ ابْنِهِ وَمِنْ كُلِّ رِجَالِهِ أَنْ يَقْتُلُوا دَاوُدَ. وَلَكِنَّ يُونَاثَانَ بْنَ شَاوُلَ كَانَ يُحِبُّ دَاوُدَ جِدًّا، فَحَذَّرَهُ وَقَالَ لَهُ: ”أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَكَ، فَانْتَبِهْ لِنَفْسِكَ فِي الصُّبْحِ، وَاخْتَبِئْ فِي مَكَانٍ غَيْرِ مَعْرُوفٍ. أَنَا أَخْرُجُ مَعَ أَبِي، وَأَقِفُ فِي الْحَقْلِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ، وَأُكَلِّمُهُ فِي شَأْنِكَ وَأَرَى مَا يَكُونُ وَأُخْبِرُكَ.“ وَمَدَحَ يُونَاثَانُ دَاوُدَ فِي حَدِيثِهِ مَعَ شَاوُلَ أَبِيهِ، وَقَالَ لَهُ: ”أَيُّهَا الْمَلِكُ، لَا تَرْتَكِبِ السُّوءَ فِي حَقِّ عَبْدِكَ دَاوُدَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَكِبِ السُّوءَ فِي حَقِّكَ، وَلِأَنَّ أَعْمَالَهُ لَكَ حَسَنَةٌ جِدًّا. فَإِنَّهُ خَاطَرَ بِحَيَاتِهِ لَمَّا قَتَلَ الْفِلِسْطِيَّ، فَنَصَرَ اللهُ كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ نَصْرًا عَظِيمًا. وَأَنْتَ شَاهَدْتَ هَذَا وَفَرِحْتَ. فَلِمَاذَا تَرْتَكِبُ السُّوءَ فِي حَقِّ شَخْصٍ بَرِيءٍ كَدَاوُدَ، وَتَقْتُلُهُ بِلَا سَبَبٍ؟“ فَسَمِعَ شَاوُلُ لِكَلَامِ يُونَاثَانَ وَحَلَفَ لَهُ وَقَالَ: ”أُقْسِمُ بِاللهِ، لَنْ يُقْتَلَ دَاوُدُ.“ فَنَادَى يُونَاثَانُ دَاوُدَ وَأَخْبَرَهُ بِكُلِّ مَا دَارَ مِنْ حَدِيثٍ، ثُمَّ أَحْضَرَهُ يُونَاثَانُ إِلَى شَاوُلَ. فَأَخَذَ يَخْدِمُهُ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ مِنْ قَبْلُ. وَنَشَبَتِ الْحَرْبُ مِنْ جَدِيدٍ، فَخَرَجَ دَاوُدُ وَحَارَبَ الْفِلِسْطِيِّينَ، وَهَزَمَهُمْ هَزِيمَةً مُنْكَرَةً، فَهَرَبُوا مِنْهُ. وَجَاءَ الرُّوحُ الشِّرِّيرُ مِنْ عِنْدِ الْمَوْلَى عَلَى شَاوُلَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي دَارِهِ وَرُمْحُهُ بِيَدِهِ، وَكَانَ دَاوُدُ يَلْعَبُ عَلَى الْعُودِ. فَحَاوَلَ شَاوُلُ أَنْ يُسَمِّرَهُ بِالرُّمْحِ فِي الْحَائِطِ، فَتَنَحَّى دَاوُدُ مِنْ أَمَامِ شَاوُلَ، وَانْغَرَزَ الرُّمْحُ فِي الْحَائِطِ. وَهَرَبَ دَاوُدُ وَنَجَا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ. وَأَرْسَلَ شَاوُلُ رُسُلًا إِلَى دَارِ دَاوُدَ لِيُرَاقِبُوهُ لِكَيْ يَقْتُلَهُ فِي الصُّبْحِ. فَأَخْبَرَتْ مِيكَالُ زَوْجَهَا دَاوُدَ وَقَالَتْ لَهُ: ”إِنْ كُنْتَ لَا تَهْرُبُ اللَّيْلَةَ، تُقْتَلُ غَدًا.“ فَأَنْزَلَتْهُ مِيكَالُ مِنْ نَافِذَةٍ، وَهَرَبَ وَنَجَا. ثُمَّ أَخَذَتْ مِيكَالُ تِمْثَالًا وَوَضَعَتْهُ عَلَى السَّرِيرِ، وَوَضَعَتْ تَحْتَ رَأْسِهِ مَخَدَّةً مِنْ شَعْرِ الْمَعْزِ وَغَطَّتْهُ بِلِحَافٍ. وَأَرْسَلَ شَاوُلُ رُسُلًا لِيَقْبِضُوا عَلَى دَاوُدَ، فَقَالَتْ مِيكَالُ: ”هُوَ مَرِيضٌ.“ فَأَرْجَعَ شَاوُلُ الرُّسُلَ لِيَرَوْا دَاوُدَ وَقَالَ لَهُمْ: ”هَاتُوهُ لِي عَلَى السَّرِيرِ لِأَقْتُلَهُ.“ فَلَمَّا دَخَلَ الرُّسُلُ، وَجَدُوا التِّمْثَالَ عَلَى السَّرِيرِ، وَالْمَخَدَّةَ تَحْتَ رَأْسِهِ. فَقَالَ شَاوُلُ لِمِيكَالَ: ”لِمَاذَا خَدَعْتِنِي وَأَطْلَقْتِ عَدُوِّي حَتَّى نَجَا؟“ فَأَجَابَتْهُ: ”لِأَنَّهُ قَالَ لِي أَطْلِقِينِي وَإِلَّا أَقْتُلْكِ.“ وَلَمَّا هَرَبَ دَاوُدُ وَنَجَا، ذَهَبَ إِلَى صَمُوئِيلَ فِي الرَّامَةِ، وَأَخْبَرَهُ بِكُلِّ مَا عَمِلَهُ بِهِ شَاوُلُ. ثُمَّ مَضَى هُوَ وَصَمُوئِيلُ وَأَقَامَا فِي نَايُوتَ. وَبَلَغَ شَاوُلَ أَنَّ دَاوُدَ فِي نَايُوتَ فِي الرَّامَةِ. فَأَرْسَلَ رُسُلًا لِيَقْبِضُوا عَلَى دَاوُدَ. وَلَكِنَّ الرُّسُلَ رَأَوْا جَمَاعَةً مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يَتَنَبَّأُونَ، وَصَمُوئِيلَ وَاقِفًا قَائِدًا لَهُمْ. فَحَلَّ رُوحُ اللهِ عَلَى رُسُلِ شَاوُلَ، فَتَنَبَّأُوا هُمْ أَيْضًا. وَسَمِعَ شَاوُلُ بِهَذَا، فَأَرْسَلَ رُسُلًا آخَرِينَ، فَتَنَبَّأُوا هُمْ أَيْضًا. وَلِلْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ أَرْسَلَ شَاوُلُ رُسُلًا، فَتَنَبَّأُوا هُمْ أَيْضًا. فَذَهَبَ بِنَفْسِهِ إِلَى الرَّامَةِ، وَوَصَلَ إِلَى الْبِئْرِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي عِنْدَ سِيخُو وَسَأَلَ: ”أَيْنَ صَمُوئِيلُ وَدَاوُدُ؟“ فَقَالُوا: ”هُنَاكَ فِي نَايُوتَ فِي الرَّامَةِ.“ وَبَيْنَمَا هُوَ ذَاهِبٌ إِلَى هُنَاكَ، حَلَّ رُوحُ اللهِ عَلَيْهِ هُوَ أَيْضًا، فَأَخَذَ يَتَنَبَّأُ فِي الطَّرِيقِ حَتَّى وَصَلَ إِلَى نَايُوتَ فِي الرَّامَةِ. وَخَلَعَ ثِيَابَهُ وَتَنَبَّأَ هُوَ أَيْضًا أَمَامَ صَمُوئِيلَ، وَانْطَرَحَ عُرْيَانًا طُولَ ذَلِكَ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ. لِذَلِكَ يَقُولُونَ هَذَا الْمَثَلَ: ”أَشَاوُلُ أَيْضًا نَبِيٌّ؟“ وَهَرَبَ دَاوُدُ مِنْ نَايُوتَ فِي الرَّامَةِ، وَذَهَبَ إِلَى يُونَاثَانَ وَقَالَ لَهُ: ”مَاذَا عَمِلْتُ وَمَا هِيَ جَرِيمَتِي؟ هَلْ أَسَأْتُ إِلَى أَبِيكَ حَتَّى يُحَاوِلَ أَنْ يَقْتُلَنِي؟“ فَقَالَ يُونَاثَانُ: ”كَلَّا، لَنْ تَمُوتَ! أَبِي لَا يَعْمَلُ شَيْئًا، لَا كَبِيرًا وَلَا صَغِيرًا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْبِرَنِي بِهِ. فَكَيْفَ يُخْفِي عَنِّي هَذَا الْمَوْضُوعَ؟ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ!“ فَحَلَفَ دَاوُدُ وَقَالَ: ”أَبُوكَ عَارِفٌ أَنِّي صَدِيقُكَ الْحَمِيمُ، لِذَلِكَ قَرَّرَ أَنْ لَا تَعْلَمَ بِمَا عَزَمَ عَلَيْهِ لِكَيْ لَا تَحْزَنَ. أُقْسِمُ لَكَ بِاللهِ وَبِحَيَاتِكَ، لَا يُوجَدُ بَيْنِي وَبَيْنَ الْمَوْتِ إِلَّا خَطْوَةٌ وَاحِدَةٌ!“ فَقَالَ يُونَاثَانُ لِدَاوُدَ: ”كُلُّ مَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَهُ لَكَ، سَأَفْعَلُهُ.“ فَقَالَ دَاوُدُ لِيُونَاثَانَ: ”اُنْظُرْ! غَدًا أَوَّلُ الشَّهْرِ وَالْمَفْرُوضُ أَنْ أَجْلِسَ وَآكُلَ مَعَ الْمَلِكِ. وَلَكِنِ اسْمَحْ لِي أَنْ أَذْهَبَ وَأَخْتَبِئَ فِي الْحَقْلِ إِلَى مَسَاءِ بَعْدِ غَدٍ. فَإِنْ سَأَلَ أَبُوكَ عَنِّي، قُلْ لَهُ إِنِّي اسْتَأْذَنْتُ مِنْكَ لِأَذْهَبَ إِلَى بَيْتَ لَحْمَ مَدِينَتِي، لِأَنَّ كُلَّ الْعَشِيرَةِ تُقَدِّمُ هُنَاكَ ضَحِيَّةً سَنَوِيَّةً. فَإِنْ قَالَ: ’حَسَنًا‘ فَأَنَا فِي أَمَانٍ. وَلَكِنْ إِنْ غَضِبَ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ يَنْوِي شَرًّا. وَاعْمَلْ مَعِي مَعْرُوفًا يَا سَيِّدِي، لِأَنَّكَ أَدْخَلْتَنِي مَعَكَ فِي عَهْدٍ أَمَامَ الْمَوْلَى. فَإِنْ كُنْتُ مُذْنِبًا، فَاقْتُلْنِي أَنْتَ وَلَا تُسَلِّمْنِي إِلَى أَبِيكَ.“ فَقَالَ يُونَاثَانُ: ”كَلَّا! لِأَنِّي لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ أَبِي يَنْوِي لَكَ شَرًّا، أَمَا كُنْتُ أُخْبِرُكَ؟“ فَقَالَ دَاوُدُ لِيُونَاثَانَ: ”مَنْ يُخْبِرُنِي إِنْ كَانَ جَوَابُ أَبِيكَ قَاسِيًا؟“ فَقَالَ يُونَاثَانُ لِدَاوُدَ: ”تَعَالَ نَخْرُجُ إِلَى الْحَقْلِ.“ فَخَرَجَا مَعًا. ثُمَّ قَالَ يُونَاثَانُ لِدَاوُدَ: ”يَشْهَدُ الْمَوْلَى رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَنِّي فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ أَخْتَبِرُ أَبِي، فَإِنْ كَانَ يَنْوِي لَكَ خَيْرًا أُخْبِرُكَ. وَإِنْ كَانَ يَنْوِي لَكَ شَرًّا، لَيْتَ اللهَ يُعَاقِبُنِي أَشَدَّ عِقَابٍ، إِنْ كُنْتُ لَا أُخْبِرُكَ وَأَصْرِفُكَ فَتَذْهَبُ بِسَلَامٍ. وَلْيَكُنِ اللهُ مَعَكَ كَمَا كَانَ مَعَ أَبِي. وَمَا دُمْتُ حَيًّا، فَاعْمَلْ مَعِي مَعْرُوفًا كَمَا يَلِيقُ بِاللهِ، لِكَيْ لَا أَمُوتَ. بَلْ لَا تَتَوَقَّفْ عَنْ عَمَلِ الْمَعْرُوفِ مَعَ أَوْلَادِي أَبَدًا، حَتَّى وَلَوْ أَبَادَ اللهُ أَعْدَاءَكَ كُلَّهُمْ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ. هَذَا هُوَ عَهْدُنَا مَعًا، فَإِنْ كَسَرْتَهُ يُعَاقِبْكَ اللهُ.“ وَمَرَّةً أُخْرَى حَلَّفَ يُونَاثَانُ دَاوُدَ بِمَحَبَّتِهِ لَهُ، لِأَنَّهُ أَحَبَّهُ كَنَفْسِهِ. ثُمَّ قَالَ يُونَاثَانُ لِدَاوُدَ: ”غَدًا أَوَّلُ الشَّهْرِ، وَسَيَظْهَرُ أَنَّكَ غَائِبٌ لِأَنَّ مَكَانَكَ يَكُونُ خَالِيًا. فَاذْهَبْ بَعْدَ غَدٍ عِنْدَ الْمَسَاءِ، إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي اخْتَبَأْتَ فِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَانْتَظِرْ بِجَانِبِ حَجَرِ الِافْتِرَاقِ. وَأَنَا أَرْمِي 3 سِهَامٍ إِلَى جَانِبِهِ كَأَنِّي أَرْمِي هَدَفًا. ثُمَّ أُرْسِلُ الْخَادِمَ وَأَقُولُ لَهُ: ’اِذْهَبْ وَالْتَقِطِ السِّهَامَ.‘ فَإِنْ قُلْتُ لَهُ: ’السِّهَامُ وَرَاءَكَ، أَحْضِرْهَا‘ فَمَعْنَى هَذَا أَنْ تَأْتِيَ أَنْتَ، لِأَنَّكَ فِي أَمَانٍ وَلَا خَطَرَ عَلَيْكَ. أُقْسِمُ لَكَ بِاللهِ. أَمَّا إِنْ قُلْتُ لِلْخَادِمِ: ’السِّهَامُ أَمَامَكَ، تَقَدَّمْ‘ فَمَعْنَى هَذَا أَنْ تَذْهَبَ أَنْتَ، لِأَنَّ اللهَ يُرِيدُ أَنْ تَنْصَرِفَ. وَتَذَكَّرْ أَنَّ الْمَوْلَى شَاهِدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ إِلَى الْأَبَدِ عَلَى الْعَهْدِ الَّذِي قَطَعْنَاهُ مَعًا.“ فَاخْتَبَأَ دَاوُدُ فِي الْحَقْلِ. وَفِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، جَلَسَ الْمَلِكُ إِلَى الْمَائِدَةِ لِيَأْكُلَ فِي مَكَانِهِ الْمُعْتَادِ عِنْدَ الْحَائِطِ. وَكَانَ يُونَاثَانُ مُقَابِلَهُ، وَأَبْنِيرُ بِجِوَارِ شَاوُلَ. وَكَانَ مَكَانُ دَاوُدَ خَالِيًا. وَلَمْ يَقُلْ شَاوُلُ شَيْئًا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، لِأَنَّهُ قَالَ فِي نَفْسِهِ: ”رُبَّمَا حَدَثَ لَهُ عَارِضٌ جَعَلَهُ غَيْرَ طَاهِرٍ، لَا شَكَّ أَنَّهُ غَيْرُ طَاهِرٍ.“ وَلَكِنْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنَ الشَّهْرِ، كَانَ مَكَانُ دَاوُدَ خَالِيًا أَيْضًا. فَسَأَلَ شَاوُلُ يُونَاثَانَ: ”لِمَاذَا تَغَيَّبَ ابْنُ يَسَّى عَنِ الطَّعَامِ أَمْسٍ وَالْيَوْمَ؟“ أَجَابَ يُونَاثَانُ: ”اِسْتَأْذَنَ دَاوُدُ مِنِّي لِيَذْهَبَ إِلَى بَيْتَ لَحْمَ. وَقَالَ: ’اِسْمَحْ لِي أَنْ أَرُوحَ، لِأَنَّ عِنْدَنَا ضَحِيَّةً تُقَدِّمُهَا الْعَشِيرَةُ فِي الْمَدِينَةِ، وَقَدْ أَوْصَانِي أَخِي أَنْ أَحْضُرَ. فَإِنْ كُنْتَ تَرْضَى عَنِّي، فَاسْمَحْ لِي بِأَنْ أَذْهَبَ وَأَرَى إِخْوَتِي.‘ هَذَا هُوَ السَّبَبُ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ إِلَى مَائِدَةِ الْمَلِكِ.“ فَغَضِبَ شَاوُلُ جِدًّا عَلَى يُونَاثَانَ وَقَالَ لَهُ: ”يَا ابْنَ الْفَاجِرَةِ الْعَاصِيَةِ! أَنَا عَارِفٌ أَنَّ صَدَاقَتَكَ مَعَ ابْنِ يَسَّى سَتَجْلِبُ الْعَارَ لَكَ وَلِأُمِّكَ. فَمَا دَامَ ابْنُ يَسَّى حَيًّا عَلَى الْأَرْضِ، لَا تَثْبُتُ أَنْتَ وَلَا مَمْلَكَتُكَ. فَأَرْسِلِ الْآنَ وَأَحْضِرْهُ إِلَيَّ لِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ.“ فَقَالَ لَهُ يُونَاثَانُ: ”لِمَاذَا يُقْتَلُ؟ مَاذَا فَعَلَ؟“ فَصَوَّبَ شَاوُلُ الرُّمْحَ نَحْوَهُ لِيَطْعَنَهُ. فَعَلِمَ يُونَاثَانُ أَنَّ أَبَاهُ عَزَمَ أَنْ يَقْتُلَ دَاوُدَ. فَقَامَ يُونَاثَانُ عَنِ الْمَائِدَةِ وَهُوَ غَضْبَانٌ جِدًّا، وَلَمْ يَأْكُلْ طَعَامًا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنَ الشَّهْرِ، لِأَنَّهُ حَزِنَ عَلَى دَاوُدَ، وَلِأَنَّ أَبَاهُ أَهَانَهُ. وَفِي الصُّبْحِ، خَرَجَ يُونَاثَانُ إِلَى الْحَقْلِ حَسَبَ مَوْعِدِهِ مَعَ دَاوُدَ، وَكَانَ مَعَهُ خَادِمٌ صَغِيرٌ. فَقَالَ لِخَادِمِهِ: ”أَسْرِعْ وَالْتَقِطِ السِّهَامَ الَّتِي أَرْمِي بِهَا.“ وَبَيْنَمَا الْخَادِمُ يَجْرِي، رَمَى يُونَاثَانُ سَهْمًا أَبْعَدَ مِنَ الْخَادِمِ. فَلَمَّا وَصَلَ الْخَادِمُ إِلَى مَكَانِ السَّهْمِ الَّذِي رَمَاهُ يُونَاثَانُ، نَادَى يُونَاثَانُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ: ”السَّهْمُ أَمَامَكَ! تَقَدَّمْ.“ ثُمَّ قَالَ: ”هَيَّا بِسُرْعَةٍ! لَا تَقِفْ.“ فَالْتَقَطَ خَادِمُ يُونَاثَانَ السَّهْمَ وَجَاءَ إِلَى سَيِّدِهِ. وَلَمْ يَكُنِ الْخَادِمُ يَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ كُلِّ هَذَا. إِنَّمَا يُونَاثَانُ وَدَاوُدُ فَقَطْ كَانَا يَعْلَمَانِ. ثُمَّ أَعْطَى يُونَاثَانُ سِلَاحَهُ لِخَادِمِهِ وَقَالَ لَهُ: ”اِذْهَبْ وَخُذْهُ إِلَى الْمَدِينَةِ.“ فَلَمَّا ذَهَبَ الْخَادِمُ، قَامَ دَاوُدُ مِنَ الْجِهَةِ الْجَنُوبِيَّةِ، وَسَجَدَ 3 مَرَّاتٍ وَوَجْهُهُ نَحْوَ الْأَرْضِ. وَقَبَّلَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَبَكَيَا مَعًا، وَكَانَ بُكَاءُ دَاوُدَ أَشَدَّ. فَقَالَ يُونَاثَانُ لِدَاوُدَ: ”اِذْهَبْ بِالسَّلَامَةِ، لِأَنَّنَا حَلَفْنَا بِاسْمِ الْمَوْلَى وَقُلْنَا: ’يَشْهَدُ الْمَوْلَى بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَبَيْنَ نَسْلِي وَنَسْلِكَ إِلَى الْأَبَدِ.‘“ فَمَضَى دَاوُدُ، أَمَّا يُونَاثَانُ فَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَذَهَبَ دَاوُدُ إِلَى نُوبَ، إِلَى أَخِيمَلِكَ الْحَبْرِ. فَاضْطَرَبَ أَخِيمَلِكُ لَمَّا رَآهُ وَقَالَ لَهُ: ”لِمَاذَا أَنْتَ وَحْدَكَ، وَلَا أَحَدَ مَعَكَ؟“ أَجَابَهُ دَاوُدُ: ”كَلَّفَنِي الْمَلِكُ بِمُهِمَّةٍ، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا يَعْلَمَ أَحَدٌ شَيْئًا عَنِ الْمُهِمَّةِ أَوْ تَعْلِيمَاتِهَا. أَمَّا رِجَالِي فَلِي مَوْعِدٌ مَعَهُمْ فِي مَكَانٍ مُعَيَّنٍ. وَالْآنَ مَاذَا عِنْدَكَ؟ أَعْطِنِي 5 أَرْغِفَةٍ أَوْ مَا تَجِدُهُ.“ فَقَالَ الْحَبْرُ لِدَاوُدَ: ”لَيْسَ عِنْدِي خُبْزٌ عَادِيٌّ، بَلْ خُبْزٌ مُقَدَّسٌ، أُعْطِيهِ لَكَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ رِجَالُكَ قَدْ مَنَعُوا أَنْفُسَهُمْ عَنِ النِّسَاءِ.“ فَقَالَ دَاوُدُ لِلْحَبْرِ: ”لَمْ نَقْرُبِ النِّسَاءَ مُنْذُ أَيَّامٍ، وَرِجَالِي يَحْفَظُونَ أَنْفُسَهُمْ طَاهِرِينَ حَتَّى عِنْدَمَا نَخْرُجُ فِي مُهِمَّةٍ عَادِيَّةٍ، فَكَمْ بِالْأَوْلَى فِي هَذِهِ الْمُهِمَّةِ الْخَطِيرَةِ!“ فَأَعْطَاهُ الْحَبْرُ الْخُبْزَ الْمُقَدَّسَ الَّذِي فِي مَحْضَرِ الْمَوْلَى، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ غَيْرُهُ. وَكَانَ يُرْفَعُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَمَامِ الْمَوْلَى، لِيَحِلَّ مَحَلَّهُ خُبْزٌ سَاخِنٌ. وَكَانَ هُنَاكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَاحِدٌ مِنْ رِجَالِ شَاوُلَ يُؤَدِّي فَرِيضَةً دِينِيَّةً، اِسْمُهُ دُوَاغُ الْأَدُومِيُّ وَهُوَ رَئِيسُ رُعَاةِ شَاوُلَ. وَقَالَ دَاوُدُ لِأَخِيمَلِكَ: ”أَلَا يُوجَدُ عِنْدَكَ هُنَا رُمْحٌ أَوْ سَيْفٌ، لِأَنِّي لَمْ أُحْضِرْ سَيْفِي وَلَا سِلَاحِي، لِأَنَّ أَمْرَ الْمَلِكِ كَانَ عَاجِلًا.“ فَقَالَ الْحَبْرُ: ”هُنَا سَيْفُ جَالُوتَ الْفِلِسْطِيِّ الَّذِي أَنْتَ قَتَلْتَهُ فِي وَادِي الْبُطْمِ، وَهُوَ مَلْفُوفٌ فِي قُمَاشٍ خَلْفَ هَذَا الرِّدَاءِ. إِنْ شِئْتَ فَخُذْهُ، لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ غَيْرُهُ.“ فَقَالَ دَاوُدُ: ”لَا مَثِيلَ لَهُ! أَعْطِنِي إِيَّاهُ.“ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ هَرَبَ دَاوُدُ مِنْ شَاوُلَ، وَذَهَبَ إِلَى أَخِيشَ مَلِكِ جَتَّ. فَقَالَ رِجَالُ أَخِيشَ لَهُ: ”أَلَيْسَ هَذَا هُوَ دَاوُدَ مَلِكَ الْبِلَادِ؟ إِنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَتِ النِّسَاءُ تُغَنِّي لَهُ وَتَرْقُصُ وَتَقُولُ: ’قَتَلَ شَاوُلُ أُلُوفًا، وَدَاوُدُ عَشَرَاتِ أُلُوفٍ!‘“ فَأَخَذَ دَاوُدُ يُفَكِّرُ فِي هَذَا الْكَلَامِ، وَخَافَ جِدًّا مِنْ أَخِيشَ مَلِكِ جَتَّ. فَأَخَذَ يَتَصَرَّفُ أَمَامَهُمْ كَأَنَّهُ فَقَدَ عَقْلَهُ، وَتَظَاهَرَ بِالْجُنُونِ وَهُوَ مَعَهُمْ. فَكَانَ يُخَرْبِشُ عَلَى بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ، وَيُسِيلُ رِيقَهُ عَلَى لِحْيَتِهِ. فَقَالَ أَخِيشُ لِرِجَالِهِ: ”أَلَا تَرَوْنَ أَنَّ الرَّجُلَ مَجْنُونٌ؟ فَلِمَاذَا أَتَيْتُمْ بِهِ إِلَيَّ؟ هَلْ يَنْقُصُنِي مَجَانِينُ حَتَّى أَتَيْتُمْ بِهِ لِأَرَى جُنُونَهُ؟ أَهَذَا يَدْخُلُ دَارِي؟“ وَهَرَبَ دَاوُدُ مِنْ جَتَّ، وَلَجَأَ إِلَى مَغَارَةِ عَدْلَامَ. فَلَمَّا سَمِعَ إِخْوَتُهُ وَبَاقِي أَقَارِبِهِ، رَاحُوا إِلَيْهِ هُنَاكَ. وَالْتَفَّ حَوْلَهُ كُلُّ مَنْ هُوَ مُتَضَايِقٌ أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ يَائِسٌ، فَكَانَ رَئِيسًا عَلَيْهِمْ، وَصَارَ مَعَهُ حَوَالَيْ 400 رَجُلٍ. ثُمَّ ذَهَبَ دَاوُدُ مِنْ هُنَاكَ إِلَى مِصْفَاةَ الَّتِي فِي مُوآبَ، وَقَالَ لِمَلِكِ مُوآبَ: ”اِسْمَحْ لِأَبِي وَأُمِّي بِأَنْ يُقِيمَا عِنْدَكُمْ حَتَّى أَرَى مَا يَفْعَلُ اللهُ بِي.“ فَتَرَكَهُمَا عِنْدَ مَلِكِ مُوآبَ، فَأَقَامَا عِنْدَهُ طُولَ الْفَتْرَةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا دَاوُدُ فِي الْحِصْنِ. لَكِنَّ جَادَ النَّبِيَّ قَالَ لِدَاوُدَ: ”لَا تُقِمْ فِي الْحِصْنِ، بَلِ اذْهَبْ إِلَى أَرْضِ يَهُوذَا.“ فَذَهَبَ دَاوُدُ إِلَى غَابَةِ حَارِثَ. وَسَمِعَ شَاوُلُ عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ. وَكَانَ شَاوُلُ جَالِسًا تَحْتَ شَجَرَةِ الْأَثَلَةِ الَّتِي عَلَى التَّلِّ فِي جِبْعَةَ، وَرُمْحُهُ فِي يَدِهِ، وَرِجَالُهُ كُلُّهُمْ وَاقِفِينَ حَوْلَهُ. فَقَالَ شَاوُلُ لَهُمْ: ”اِسْمَعُوا يَا بَنِي بِنْيَمِينَ! هَلِ ابْنُ يَسَّى سَيُعْطِيكُمْ كُلَّكُمْ حُقُولًا وَكُرُومًا؟ هَلْ سَيَجْعَلُكُمْ جَمِيعًا قَادَةَ أُلُوفٍ وَقَادَةَ مِئَاتٍ؟ أَنْتُمْ كُلُّكُمْ تَآمَرْتُمْ عَلَيَّ، وَلَا وَاحِدٌ فِيكُمْ أَخْبَرَنِي بِأَنَّ ابْنِي تَعَاهَدَ مَعَ ابْنِ يَسَّى، وَلَا وَاحِدٌ فِيكُمْ أَشْفَقَ عَلَيَّ وَأَخْبَرَنِي بِأَنَّ ابْنِي حَرَّضَ عَلَيَّ عَبْدِي لِيَكْمُنَ الْآنَ لِي!“ فَقَالَ دُوَاغُ الْأَدُومِيُّ، الَّذِي كَانَ وَاقِفًا مَعَ رِجَالِ شَاوُلَ: ”رَأَيْتُ ابْنَ يَسَّى لَمَّا رَاحَ إِلَى أَخِيمَلِكَ بْنِ أَخِيطُوبَ فِي نُوبَ. فَاسْتَشَارَ لَهُ اللهَ، وَأَعْطَاهُ زَادًا، وَأَعْطَاهُ أَيْضًا سَيْفَ جَالُوتَ الْفِلِسْطِيِّ.“ فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ وَاسْتَدْعَى أَخِيمَلِكَ بْنَ أَخِيطُوبَ الْحَبْرَ، وَكُلَّ أَهْلِ أَبِيهِ الْأَحْبَارِ الَّذِينَ فِي نُوبَ، فَذَهَبُوا كُلُّهُمْ إِلَى الْمَلِكِ. فَقَالَ شَاوُلُ: ”اِسْمَعْ يَا ابْنَ أَخِيطُوبَ.“ فَأَجَابَهُ: ”نَعَمْ يَا سَيِّدِي.“ قَالَ شَاوُلُ: ”لِمَاذَا تَآمَرْتَ عَلَيَّ مَعَ ابْنِ يَسَّى، فَأَعْطَيْتَهُ خُبْزًا وَسَيْفًا وَاسْتَشَرْتَ اللهَ لَهُ لِيَتَمَرَّدَ عَلَيَّ وَيَكْمُنَ الْآنَ لِي؟“ أَجَابَ أَخِيمَلِكُ الْمَلِكَ وَقَالَ: ”مَنْ مِنْ كُلِّ رِجَالِكَ وَفِيٌّ كَدَاوُدَ؟ إِنَّهُ زَوْجُ بِنْتِكَ، وَقَائِدُ حَرَسِكَ، وَمُكَرَّمٌ فِي دَارِكَ! فَهَلْ كَانَتْ هَذِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فِيهَا أَسْتَشِيرُ اللهَ لَهُ؟ كَلَّا! فَيَا سَيِّدِي الْمَلِكَ، لَا تَتَّهِمْنِي وَلَا تَتَّهِمْ أَهْلِي، لِأَنِّي لَا أَعْرِفُ شَيْئًا أَبَدًا عَنْ هَذَا الْمَوْضُوعِ!“ فَقَالَ الْمَلِكُ: ”عِقَابُكَ الْمَوْتُ يَا أَخِيمَلِكُ، أَنْتَ وَكُلُّ أَهْلِكَ.“ ثُمَّ أَمَرَ الْمَلِكُ الْحَرَسَ الْوَاقِفِينَ عِنْدَهُ وَقَالَ: ”تَقَدَّمُوا وَاقْتُلُوا أَحْبَارَ اللهِ، لِأَنَّهُمْ نَاصَرُوا دَاوُدَ، وَلِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُ هَارِبٌ وَلَمْ يُخْبِرُونِي.“ فَرَفَضَ رِجَالُ الْمَلِكِ أَنْ يَمُدُّوا أَيْدِيَهُمْ لِيَقْتُلُوا أَحْبَارَ اللهِ. فَأَمَرَ الْمَلِكُ دُوَاغَ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَيَقْتُلَ الْأَحْبَارَ. فَتَقَدَّمَ دُوَاغُ الْأَدُومِيُّ وَقَتَلَهُمْ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَتَلَ 85 رَجُلًا كَانُوا يَلْبَسُونَ رِدَاءَ الْحَبْرِ الْكَتَّانِيَّ. ثُمَّ قَتَلَ الَّذِينَ فِي نُوبَ، مَدِينَةِ الْأَحْبَارِ بِالسَّيْفِ، الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالْأَطْفَالَ وَالرُّضَّعَ، وَالْبَقَرَ وَالْحَمِيرَ وَالْغَنَمَ. وَنَجَا ابْنٌ وَاحِدٌ لِأَخِيمَلِكَ بْنِ أَخِيطُوبَ اسْمُهُ أَبِيأَثَرُ، فَهَرَبَ إِلَى دَاوُدَ، وَأَخْبَرَهُ بِأَنَّ شَاوُلَ قَتَلَ أَحْبَارَ اللهِ. فَقَالَ دَاوُدُ لِأَبِيأَثَرَ: ”فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، لَمَّا كَانَ دُوَاغُ الْأَدُومِيُّ هُنَاكَ، عَلِمْتُ أَنَّهُ يُخْبِرُ شَاوُلَ. أَنَا الْمَسْئُولُ عَنْ مَقْتَلِ كُلِّ عَائِلَتِكُمْ. أَقِمْ مَعِي، وَلَا تَخَفْ، لِأَنَّ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَكَ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَنِي أَنَا أَيْضًا. وَلَكِنَّكَ عِنْدِي فِي أَمَانٍ.“ وَبَلَغَ دَاوُدَ أَنَّ الْفِلِسْطِيِّينَ يُحَارِبُونَ قَعِيلَةَ وَيَنْهَبُونَ الْبَيَادِرَ. فَسَأَلَ دَاوُدُ مِنَ اللهِ وَقَالَ: ”هَلْ أَذْهَبُ وَأُحَارِبُ هَؤُلَاءِ الْفِلِسْطِيِّينَ؟“ فَأَجَابَهُ اللهُ: ”اِذْهَبْ وَحَارِبِ الْفِلِسْطِيِّينَ وَأَنْقِذْ قَعِيلَةَ.“ لَكِنَّ رِجَالَهُ قَالُوا لَهُ: ”نَحْنُ هُنَا فِي يَهُوذَا خَائِفُونَ، فَكَيْفَ إِنْ ذَهَبْنَا إِلَى قَعِيلَةَ لِنُحَارِبَ جُيُوشَ الْفِلِسْطِيِّينَ؟“ فَعَادَ دَاوُدُ وَسَأَلَ مِنَ اللهِ مَرَّةً أُخْرَى. فَأَجَابَهُ اللهُ: ”قُمِ انْزِلْ إِلَى قَعِيلَةَ، لِأَنِّي سَأَنْصُرُكَ عَلَى الْفِلِسْطِيِّينَ.“ فَذَهَبَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ إِلَى قَعِيلَةَ وَحَارَبَ الْفِلِسْطِيِّينَ، وَأَخَذَ مَوَاشِيَهُمْ، وَأَلْحَقَ بِهِمْ خَسَائِرَ فَادِحَةً، وَأَنْقَذَ سُكَّانَ قَعِيلَةَ. وَكَانَ أَبِيأَثَرُ بْنُ أَخِيمَلِكَ قَدْ حَمَلَ مَعَهُ رِدَاءَ الْحَبْرِ، لَمَّا هَرَبَ إِلَى دَاوُدَ وَهُوَ فِي قَعِيلَةَ. وَبَلَغَ شَاوُلَ أَنَّ دَاوُدَ ذَهَبَ إِلَى قَعِيلَةَ. فَقَالَ شَاوُلُ: ”أَوْقَعَهُ اللهُ فِي يَدِي، فَهُوَ حَبَسَ نَفْسَهُ بِأَنْ دَخَلَ إِلَى مَدِينَةٍ لَهَا بَوَّابَاتٌ وَأَقْفَالٌ.“ وَاسْتَدْعَى شَاوُلُ كُلَّ الْجَيْشِ لِلْحَرْبِ، لِيَنْزِلُوا إِلَى قَعِيلَةَ وَيُحَاصِرُوا دَاوُدَ وَرِجَالَهُ. وَعَرَفَ دَاوُدُ أَنَّ شَاوُلَ يُدَبِّرُ لَهُ شَرًّا، فَقَالَ لِأَبِيأَثَرَ الْحَبْرِ: ”أَحْضِرِ الرِّدَاءَ.“ ثُمَّ قَالَ دَاوُدُ: ”أَيُّهَا الْمَوْلَى رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، سَمِعْتُ أَنَّ شَاوُلَ قَادِمٌ إِلَى قَعِيلَةَ لِيَخْرِبَ الْمَدِينَةَ بِسَبَبِي. فَهَلْ يُسَلِّمُنِي أَهْلُ قَعِيلَةَ إِلَى يَدِهِ؟ وَهَلْ هُوَ قَادِمٌ كَمَا سَمِعْتُ؟ أَيُّهَا الْمَوْلَى رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَخْبِرْنِي، أَنَا عَبْدُكَ.“ فَقَالَ اللهُ: ”هُوَ قَادِمٌ.“ فَقَالَ دَاوُدُ: ”هَلْ يُسَلِّمُنِي أَهْلُ قَعِيلَةَ، أَنَا وَرِجَالِي لِيَدِ شَاوُلَ؟“ فَقَالَ اللهُ: ”نَعَمْ يُسَلِّمُونَكُمْ.“ فَقَامَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ، وَكَانُوا حَوَالَيْ 600 رَجُلٍ، وَخَرَجُوا مِنْ قَعِيلَةَ، وَظَلُّوا يَتَنَقَّلُونَ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ. وَسَمِعَ شَاوُلُ أَنَّ دَاوُدَ أَفْلَتَ مِنْ قَعِيلَةَ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهَا. وَأَقَامَ دَاوُدُ فِي حُصُونِ الصَّحْرَاءِ، وَفِي تِلَالِ صَحْرَاءِ زِيفَ. وَكَانَ شَاوُلُ يُفَتِّشُ عَنْهُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَلَكِنَّ اللهَ لَمْ يُوقِعْ دَاوُدَ فِي يَدِهِ. وَلَمَّا كَانَ دَاوُدُ فِي الْغَابِ فِي صَحْرَاءِ زِيفَ، عَلِمَ أَنَّ شَاوُلَ خَرَجَ لِيَقْتُلَهُ. وَلَكِنَّ يُونَاثَانَ بْنَ شَاوُلَ ذَهَبَ إِلَى دَاوُدَ فِي الْغَابِ وَشَدَّدَ إِيمَانَهُ بِاللهِ. وَقَالَ لَهُ: ”لَا تَخَفْ، لِأَنَّ شَاوُلَ أَبِي لَنْ يَمُدَّ يَدَهُ عَلَيْكَ، وَأَنْتَ سَتَكُونُ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَأَنَا أَكُونُ نَائِبَكَ. وَحَتَّى شَاوُلُ أَبِي يَعْلَمُ ذَلِكَ.“ وَقَطَعَ الِاثْنَانِ عَهْدًا أَمَامَ الْمَوْلَى. ثُمَّ رَجَعَ يُونَاثَانُ إِلَى دَارِهِ، أَمَّا دَاوُدُ فَأَقَامَ فِي الْغَابِ. وَذَهَبَ أَهْلُ زِيفَ إِلَى شَاوُلَ فِي جِبْعَةَ وَقَالُوا لَهُ: ”دَاوُدُ مُخْتَبِئٌ عِنْدَنَا فِي حُصُونٍ فِي الْغَابِ فِي تَلِّ حَكِيلَةَ جَنُوبَ يَشْمُونَ. فَالْآنَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَنْزِلَ فَتَعَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ تُرِيدُهُ، وَنَحْنُ نُسَلِّمُهُ فِي يَدِ الْمَلِكِ.“ فَقَالَ شَاوُلُ: ”بَارَكَ اللهُ فِيكُمْ لِأَنَّكُمْ أَشْفَقْتُمْ عَلَيَّ. اِذْهَبُوا وَتَبَيَّنُوا وَاعْرِفُوا بِالتَّأْكِيدِ أَيْنَ هُوَ، وَمَنْ رَآهُ هُنَاكَ. فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ مَكَّارٌ جِدًّا. اِعْرِفُوا بِالتَّأْكِيدِ كُلَّ الْأَمَاكِنِ الَّتِي يَخْتَبِئُ فِيهَا، ثُمَّ ارْجِعُوا إِلَيَّ بِمَعْلُومَاتٍ مُؤَكَّدَةٍ. فَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْمِنْطَقَةِ، أَذْهَبُ مَعَكُمْ وَأُفَتِّشُ عَنْهُ فِي جَمِيعِ قَبَائِلِ يَهُوذَا.“ فَانْصَرَفُوا وَذَهَبُوا إِلَى زِيفَ قُدَّامَ شَاوُلَ. وَكَانَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ فِي صَحْرَاءِ مَعُونَ، فِي السَّهْلِ الَّذِي جَنُوبَ يَشْمُونَ. وَذَهَبَ شَاوُلُ وَرِجَالُهُ لِيُفَتِّشُوا. وَسَمِعَ دَاوُدُ بِذَلِكَ، فَنَزَلَ إِلَى الصَّخْرَةِ وَأَقَامَ فِي صَحْرَاءِ مَعُونَ. وَلَمَّا سَمِعَ شَاوُلُ، تَبِعَهُ إِلَى صَحْرَاءِ مَعُونَ. وَكَانَ شَاوُلُ يَسِيرُ فِي جَانِبِ الْجَبَلِ مِنْ هُنَا، وَدَاوُدُ وَرِجَالُهُ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ. وَكَانَ دَاوُدُ يُسْرِعُ هَرَبًا مِنْ شَاوُلَ، لِأَنَّ شَاوُلَ كَانَ يُحَاوِلُ أَنْ يُحَاصِرَ دَاوُدَ وَرِجَالَهُ وَيَأْسِرَهُمْ. فَجَاءَ رَسُولٌ إِلَى شَاوُلَ وَقَالَ لَهُ: ”تَعَالَ بِسُرْعَةٍ! لِأَنَّ الْفِلِسْطِيِّينَ أَغَارُوا عَلَى الْبِلَادِ.“ فَرَجَعَ شَاوُلُ عَنْ مُطَارَدَةِ دَاوُدَ، وَذَهَبَ لِيُحَارِبَ الْفِلِسْطِيِّينَ. لِذَلِكَ دُعِيَ ذَلِكَ الْمَكَانُ 'صَخْرَةَ الِافْتِرَاقِ.' وَصَعِدَ دَاوُدُ مِنْ هُنَاكَ، وَأَقَامَ فِي حُصُونِ عَيْنَ جَدْيَ. فَلَمَّا رَجَعَ شَاوُلُ مِنْ مُطَارَدَةِ الْفِلِسْطِيِّينَ، بَلَغَهُ خَبَرٌ أَنَّ دَاوُدَ مَوْجُودٌ فِي صَحْرَاءِ عَيْنَ جَدْيَ. فَاخْتَارَ شَاوُلُ 3000 رَجُلٍ مِنْ كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَخَذَهُمْ وَذَهَبَ لِيَبْحَثَ عَنْ دَاوُدَ وَرِجَالِهِ فِي الْمِنْطَقَةِ الَّتِي تُدْعَى صُخُورَ الْمَاعِزِ الْجَبَلِيَّةِ. وَلَمَّا وَصَلَ عِنْدَ حَظَائِرِ الْغَنَمِ الَّتِي فِي الطَّرِيقِ، كَانَ هُنَاكَ كَهْفٌ، فَدَخَلَهُ شَاوُلُ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ. وَكَانَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ مُخْتَبِئِينَ فِي بَاطِنِ الْكَهْفِ. فَقَالَ لَهُ رِجَالُهُ: ”هَذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي وَعَدَكَ اللهُ بِهِ لَمَّا قَالَ لَكَ: ’أُوقِعُ عَدُوَّكَ فِي يَدِكَ، فَتَفْعَلُ بِهِ مَا تَشَاءُ.‘“ فَتَسَلَّلَ دَاوُدُ سِرًّا وَقَطَعَ طَرَفَ جُبَّةِ شَاوُلَ. وَلَكِنَّهُ بَعْدَمَا فَعَلَ هَذَا، وَبَّخَهُ ضَمِيرُهُ. وَقَالَ لِرِجَالِهِ: ”لَا سَمَحَ اللهُ أَنْ أَفْعَلَ هَذَا بِسَيِّدِي مُخْتَارِ اللهِ، أَوْ أَمُدَّ يَدِي عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْمَوْلَى اخْتَارَهُ مَلِكًا!“ فَوَبَّخَ دَاوُدُ رِجَالَهُ بِهَذَا الْكَلَامِ وَمَنَعَهُمْ مِنْ أَنْ يَهْجُمُوا عَلَى شَاوُلَ. وَبَعْدَ ذَلِكَ خَرَجَ شَاوُلُ مِنَ الْكَهْفِ وَمَضَى فِي طَرِيقِهِ. ثُمَّ خَرَجَ دَاوُدُ مِنَ الْكَهْفِ، وَنَادَى شَاوُلَ وَقَالَ: ”يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ!“ فَالْتَفَتَ شَاوُلُ وَرَاءَهُ، فَانْحَنَى دَاوُدُ وَوَجْهُهُ نَحْوَ الْأَرْضِ وَسَجَدَ. وَقَالَ دَاوُدُ لِشَاوُلَ: ”لِمَاذَا تَسْمَعُ كَلَامَ النَّاسِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: ’دَاوُدُ يُرِيدُ أَذِيَّتَكَ‘؟ أَنْتَ الْيَوْمَ رَأَيْتَ بِنَفْسِكَ، كَيْفَ أَنَّ اللهَ أَوْقَعَكَ الْيَوْمَ فِي يَدِي فِي الْكَهْفِ، وَأَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ أَقْتُلَكَ، وَلَكِنِّي أَشْفَقْتُ عَلَيْكَ وَقُلْتُ: ’لَا أَمُدُّ يَدِي عَلَى سَيِّدِي لِأَنَّهُ مُخْتَارُ اللهِ.‘ فَانْظُرْ يَا أَبِي، وَتَطَلَّعْ إِلَى مَا بِيَدِي! إِنَّهُ طَرَفُ جُبَّتِكَ! أَنَا قَطَعْتُهُ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ أَقْتُلْكَ. فَلَعَلَّكَ بِهَذَا تَعْرِفُ وَتَرَى أَنِّي لَا أُضْمِرُ لَكَ شَرًّا وَلَا خِيَانَةً، وَلَمْ أَرْتَكِبْ خَطَأً فِي حَقِّكَ، وَأَنْتَ تُطَارِدُنِي لِتَقْتُلَنِي! يَقْضِي اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَيَنْتَقِمُ لِي مِنْكَ، أَمَّا أَنَا فَلَنْ أَمَسَّكَ بِسُوءٍ. كَمَا يَقُولُ الْمَثَلُ الْقَدِيمُ: ’مِنَ الْأَشْرَارِ يَخْرُجُ شَرٌّ.‘ لِذَلِكَ لَنْ أَمَسَّكَ بِسُوءٍ. وَرَاءَ مَنْ خَرَجَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ؟ وَرَاءَ مَنْ أَنْتَ تَسْعَى؟ وَرَاءَ كَلْبٍ مَيِّتٍ! وَرَاءَ بُرْغُوثٍ وَاحِدٍ! فَلْيَكُنِ اللهُ هُوَ الْقَاضِي الَّذِي يَحْكُمُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، فَيَنْظُرَ فِي قَضِيَّتِي وَيَنْصُرَنِي فِيهَا، وَيُبْرِئَنِي وَيُنْقِذَنِي مِنْ يَدِكَ.“ وَلَمَّا انْتَهَى دَاوُدُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ، قَالَ شَاوُلُ: ”أَهَذَا صَوْتُكَ يَا ابْنِي دَاوُدَ؟“ وَبَكَى شَاوُلُ بِصَوْتٍ عَالٍ. ثُمَّ قَالَ لِدَاوُدَ: ”أَنْتَ صَالِحٌ أَكْثَرَ مِنِّي، لِأَنَّكَ جَازَيْتَنِي خَيْرًا وَأَنَا جَازَيْتُكَ شَرًّا. الْيَوْمَ أَنْتَ بَيَّنْتَ بِوُضُوحٍ أَنَّكَ عَمِلْتَ مَعِي خَيْرًا، لِأَنَّ اللهَ أَوْقَعَنِي فِي يَدِكَ وَلَمْ تَقْتُلْنِي. إِذَا وَجَدَ الْإِنْسَانُ عَدُوَّهُ، فَهَلْ يُطْلِقُهُ فِي أَمَانٍ؟ جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا عَمَّا صَنَعْتَهُ الْيَوْمَ مَعِي. وَأَنَا عَلِمْتُ الْآنَ أَنَّكَ سَتَصِيرُ مَلِكًا، وَأَنَّ مَمْلَكَةَ إِسْرَائِيلَ تَثْبُتُ فِي يَدِكَ. فَاحْلِفْ لِيَ الْآنَ بِاللهِ أَنَّكَ لَا تَقْرِضُ نَسْلِي مِنْ بَعْدِي، وَلَا تُبِيدُ اسْمِي مِنْ عَائِلَةِ أَبِي.“ فَحَلَفَ دَاوُدُ لِشَاوُلَ. ثُمَّ ذَهَبَ شَاوُلُ إِلَى دَارِهِ، أَمَّا دَاوُدُ وَرِجَالُهُ فَصَعِدُوا إِلَى الْحِصْنِ. وَمَاتَ صَمُوئِيلُ، فَاجْتَمَعَ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَعَمِلُوا لَهُ جِنَازَةً وَدَفَنُوهُ فِي دَارِهِ فِي الرَّامَةِ. ثُمَّ انْتَقَلَ دَاوُدُ إِلَى صَحْرَاءِ فَارَانَ. وَكَانَ فِي مَدِينَةِ مَعُونَ رَجُلٌ غَنِيٌّ جِدًّا، لَهُ أَمْلَاكٌ فِي الْكَرْمَلِ، وَعِنْدَهُ 3000 مِنَ الْخِرَافِ وَ1000 مِنَ الْمَعْزِ. وَكَانَ يَجُزُّ غَنَمَهُ فِي الْكَرْمَلِ. وَاسْمُهُ نَابَالُ وَاسْمُ زَوْجَتِهِ أَبِيجَايِلُ. وَكَانَتْ أَبِيجَايِلُ ذَكِيَّةً وَجَمِيلَةً، أَمَّا نَابَالُ فَكَانَ فَظًّا سَيِّئَ التَّصَرُّفِ، وَهُوَ مِنْ عَشِيرَةِ كَالِبَ. وَسَمِعَ دَاوُدُ وَهُوَ فِي الصَّحْرَاءِ أَنَّ نَابَالَ يَجُزُّ غَنَمَهُ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ 10 رُسُلٍ وَقَالَ لَهُمْ: ”رُوحُوا إِلَى نَابَالَ فِي الْكَرْمَلِ وَبَلِّغُوهُ تَحِيَّاتِي، وَقُولُوا لَهُ: ’كُلَّ عَامٍ وَأَنْتُمْ بِخَيْرٍ أَنْتَ وَأَهْلُكَ وَكُلُّ مَا لَكَ. أَنَا سَمِعْتُ أَنَّكَ تَجُزُّ الْغَنَمَ. لَمَّا كَانَ رُعَاتُكَ مَعَنَا لَمْ نَضُرَّهُمْ، وَلَمْ يَفْقِدُوا شَيْئًا طُولَ الْوَقْتِ الَّذِي كَانُوا فِيهِ فِي الْكَرْمَلِ. اِسْأَلْ خُدَّامَكَ فَيُخْبِرُوكَ. وَالْآنَ قَدْ جِئْنَاكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَلَيْتَكَ تَرْضَى عَنْ رُسُلِي، وَتَبْعَثُ مَعَهُمْ مَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ لِعَبِيدِكَ وَلِابْنِكَ دَاوُدَ.‘“ فَرَاحَ الرُّسُلُ إِلَى نَابَالَ، وَأَبْلَغُوهُ كُلَّ هَذِهِ الرِّسَالَةِ وَقَالُوا إِنَّهَا مِنْ دَاوُدَ، ثُمَّ انْتَظَرُوا. فَقَالَ لَهُمْ نَابَالُ: ”مَنْ هُوَ دَاوُدُ هَذَا؟ وَمَنْ هُوَ ابْنُ يَسَّى؟ كَثُرَ الْيَوْمَ الْعَبِيدُ الَّذِينَ يَهْرُبُونَ مِنْ عِنْدِ أَسْيَادِهِمْ! لِمَاذَا آخُذُ خُبْزِي وَمَائِي وَذَبِيحَتِيَ الَّتِي ذَبَحْتُهَا لِعَبِيدِيَ الَّذِينَ يَجُزُّونَ الْغَنَمَ، وَأُعْطِيهَا لِقَوْمٍ لَا أَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هُمْ؟“ فَانْصَرَفَ الرُّسُلُ، وَرَجَعُوا فِي طَرِيقِهِمْ، وَجَاءُوا إِلَى دَاوُدَ وَأَخْبَرُوهُ بِكُلِّ هَذَا الْكَلَامِ. فَأَمَرَ دَاوُدُ رِجَالَهُ أَنْ يَتَقَلَّدُوا سُيُوفَهُمْ، فَتَقَلَّدَ كُلُّ وَاحِدٍ سَيْفَهُ. وَدَاوُدُ أَيْضًا تَقَلَّدَ سَيْفَهُ. وَذَهَبَ مَعَ دَاوُدَ حَوَالَيْ 400 رَجُلٍ، وَبَقِيَ 200 يَحْرُسُونَ الْأَمْتِعَةَ. فَقَالَ وَاحِدٌ مِنَ الْخُدَّامِ لِأَبِيجَايِلَ زَوْجَةِ نَابَالَ: ”أَرْسَلَ دَاوُدُ مِنَ الصَّحْرَاءِ رُسُلًا لِيُسَلِّمُوا عَلَى سَيِّدِنَا فَشَتَمَهُمْ. مَعَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الرِّجَالَ أَحْسَنُوا إِلَيْنَا جِدًّا، فَلَا أَصَابَنَا ضَرَرٌ وَلَا فَقَدْنَا شَيْئًا طُولَ الْوَقْتِ الَّذِي كُنَّا فِيهِ بِالْقُرْبِ مِنْهُمْ فِي الْحُقُولِ. بَلْ كَانُوا سُورًا لَنَا لَيْلًا وَنَهَارًا، طُولَ الْوَقْتِ الَّذِي كُنَّا فِيهِ مَعَهُمْ نَرْعَى الْغَنَمَ. فَفَكِّرِي الْآنَ، وَانْظُرِي مَا يَجِبُ أَنْ تَعْمَلِيهِ، لِأَنَّ كَارِثَةً قَادِمَةٌ عَلَى سَيِّدِنَا وَعَلَى أَهْلِ دَارِهِ، وَهُوَ لَا خَيْرَ فِيهِ وَلَا يُمْكِنُ التَّفَاهُمُ مَعَهُ.“ فَأَسْرَعَتْ أَبِيجَايِلُ وَأَخَذَتْ 200 رَغِيفِ خُبْزٍ، وَقِرْبَتَيْنِ مِنَ الْخَمْرِ، وَ5 خِرْفَانٍ مَشْوِيَّةٍ، وَ5 كَيْلَاتٍ مِنَ الْفَرِيكِ، وَ100 عُنْقُودٍ مِنَ الزَّبِيبِ، وَ200 قُرْصٍ مِنَ التِّينِ، وَحَمَّلَتْ هَذَا كُلَّهُ عَلَى حَمِيرٍ. وَقَالَتْ لِخُدَّامِهَا: ”اِسْبِقُونِي، أَنَا قَادِمَةٌ وَرَاءَكُمْ.“ وَلَمْ تُخْبِرْ زَوْجَهَا نَابَالَ بِهَذَا. وَلَمَّا كَانَتْ رَاكِبَةً عَلَى الْحِمَارِ، وَنَازِلَةً فِي مُنْعَطَفٍ فِي الْجَبَلِ، صَادَفَتْ دَاوُدَ وَرِجَالَهُ قَادِمِينَ نَحْوَهَا، فَالْتَقَتْ بِهِمْ. وَكَانَ دَاوُدُ يَتَحَدَّثُ وَيَقُولُ: ”بِلَا فَائِدَةٍ حَافَظْتُ عَلَى مَا لِهَذَا الرَّجُلِ فِي الصَّحْرَاءِ. لَمْ يَفْقِدْ شَيْئًا مِنْ كُلِّ مَا لَهُ، لَكِنَّهُ كَافَأَنِي شَرًّا بَدَلَ الْخَيْرِ. لَيْتَ اللهَ يُعَاقِبُنِي أَشَدَّ عِقَابٍ، إِنْ أَبْقَيْتُ إِلَى الصُّبْحِ رَجُلًا مِنْ كُلِّ رِجَالِهِ.“ وَلَمَّا رَأَتْ أَبِيجَايِلُ دَاوُدَ، نَزَلَتْ بِسُرْعَةٍ عَنِ الْحِمَارِ، وَسَجَدَتْ أَمَامَ دَاوُدَ وَوَجْهُهَا نَحْوَ الْأَرْضِ. وَرَمَتْ نَفْسَهَا عِنْدَ قَدَمَيْهِ وَقَالَتْ: ”يَا سَيِّدِي، هَذَا الذَّنْبُ عَلَيَّ أَنَا. مِنْ فَضْلِكَ اسْمَحْ لِي أَنْ أَقُولَ لَكَ شَيْئًا، فَاسْتَمِعْ لِي أَنَا عَبْدَتَكَ! يَا سَيِّدِي، لَا يَهُمَّكَ نَابَالُ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ، لِأَنَّ اسْمَهُ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ، فَهُوَ أَحْمَقُ وَيَتَصَرَّفُ بِالْحَمَاقَةِ. أَنَا عَبْدَتَكَ لَمْ أُشَاهِدْ رُسُلَكَ الَّذِينَ بَعَثْتَهُمْ. لَقَدْ حَفِظَكَ الْمَوْلَى مِنْ سَفْكِ الدَّمِ، وَمِنَ الِانْتِقَامِ لِنَفْسِكَ بِيَدِكَ. وَأُقْسِمُ لَكَ بِاللهِ وَبِحَيَاتِكَ يَا سَيِّدِي، إِنَّ أَعْدَاءَكَ وَالَّذِينَ يَطْلُبُونَ لَكَ الشَّرَّ، سَيَكُونُونَ كَنَابَالَ. فَمِنْ فَضْلِكَ يَا سَيِّدِي، اِقْبَلْ هَذِهِ الْهَدِيَّةَ الَّتِي أَحْضَرَتْهَا لَكَ عَبْدَتُكَ، وَأَعْطِهَا لِرِجَالِكَ الَّذِينَ مَعَكَ. وَأَرْجُوكَ أَنْ تَصْفَحَ عَنْ ذَنْبِي، لِأَنَّ اللهَ سَيُقِيمُ لَكَ مُلْكًا ثَابِتًا، لِأَنَّكَ يَا سَيِّدِي تُحَارِبُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَلَيْتَكَ لَا تَفْعَلُ شَرًّا طُولَ عُمْرِكَ. وَمَعَ أَنَّهُ قَامَ وَاحِدٌ لِيُطَارِدَكَ وَيَقْتُلَكَ، لَكِنَّ حَيَاتَكَ مَحْزُومَةٌ فِي أَمَانٍ فِي حُزْمَةِ الْحَيَاةِ مَعَ الْمَوْلَى إِلَهِكَ. أَمَّا حَيَاةُ أَعْدَائِكَ فَتُقْذَفُ بَعِيدًا كَأَنَّهَا حِجَارَةٌ تُقْذَفُ بِالْمِقْلَاعِ. وَحِينَ يُتَمِّمُ اللهُ لَكَ يَا سَيِّدِي كُلَّ الْخَيْرِ الَّذِي وَعَدَكَ بِهِ، وَيَجْعَلُكَ قَائِدًا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، لَا يَكُونُ هُنَاكَ مَا يَجْعَلُكَ تَشْعُرُ بِالنَّدَمِ وَتَبْكِيتِ الضَّمِيرِ، لِأَنَّكَ سَفَكْتَ دَمًا بِلَا سَبَبٍ، أَوِ انْتَقَمْتَ لِنَفْسِكَ. وَمَتَى أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدِي، فَاذْكُرْ عَبْدَتَكَ.“ فَقَالَ دَاوُدُ لِأَبِيجَايِلَ: ”تَبَارَكَ الْمَوْلَى إِلَهُنَا الَّذِي أَرْسَلَكِ الْيَوْمَ إِلَيَّ. بَارَكَ اللهُ فِي عَقْلِكِ الرَّاجِحِ، وَبَارَكَ اللهُ فِيكِ، لِأَنَّكِ حَفِظْتِنِي مِنْ سَفْكِ الدَّمِ وَمِنَ الِانْتِقَامِ لِنَفْسِي بِيَدِي. وَلَكِنِّي أُقْسِمُ بِالْمَوْلَى إِلَهِنَا الَّذِي حَفِظَنِي مِنَ الْإِسَاءَةِ إِلَيْكِ، لَوْ لَمْ تُسْرِعِي وَتَأْتِي إِلَيَّ لَمَا بَقِيَ لِنَابَالَ إِلَى الصُّبْحِ رَجُلٌ.“ وَقَبِلَ دَاوُدُ مِنْهَا الْهَدِيَّةَ وَقَالَ لَهَا: ”اِرْجِعِي إِلَى دَارِكِ بِالسَّلَامَةِ. أَنَا سَمِعْتُ كَلَامَكِ وَأَجَبْتُ طَلَبَكِ.“ فَرَجَعَتْ أَبِيجَايِلُ إِلَى نَابَالَ، وَوَجَدَتْ عِنْدَهُ فِي دَارِهِ وَلِيمَةً كَوَلِيمَةِ مَلِكٍ. وَكَانَ نَابَالُ قَدِ امْتَلَأَ قَلْبُهُ طَرَبًا وَكَانَ سَكْرَانَ جِدًّا. فَلَمْ تُخْبِرْهُ بِشَيْءٍ حَتَّى طَلَعَ الصُّبْحُ. وَفِي الصُّبْحِ، لَمَّا أَفَاقَ مِنْ سُكْرِهِ، أَخْبَرَتْهُ زَوْجَتُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ، فَجَاءَتْهُ نَوْبَةٌ قَلْبِيَّةٌ وَأُصِيبَ بِالشَّلَلِ. وَبَعْدَ حَوَالَيْ 10 أَيَّامٍ، ضَرَبَ اللهُ نَابَالَ فَمَاتَ. وَلَمَّا سَمِعَ دَاوُدُ أَنَّ نَابَالَ مَاتَ قَالَ: ”تَبَارَكَ اللهُ الَّذِي حَكَمَ فِي صَالِحِي ضِدَّ نَابَالَ عَلَى إِهَانَتِهِ لِي، وَحَفِظَنِي مِنِ ارْتِكَابِ الشَّرِّ. فَالْمَوْلَى رَدَّ شَرَّ نَابَالَ عَلَى رَأْسِهِ.“ ثُمَّ أَرْسَلَ دَاوُدُ إِلَى أَبِيجَايِلَ يَعْرِضُ عَلَيْهَا أَنْ تَكُونَ زَوْجَتَهُ. فَجَاءَ رُسُلُ دَاوُدَ إِلَيْهَا فِي الْكَرْمَلِ وَقَالُوا لَهَا: ”أَرْسَلَنَا دَاوُدُ إِلَيْكِ لِنَعْرِضَ عَلَيْكِ الزَّوَاجَ مِنْهُ.“ فَقَامَتْ وَسَجَدَتْ وَوَجْهُهَا نَحْوَ الْأَرْضِ وَقَالَتْ: ”يَكْفِينِي أَنْ أَكُونَ خَادِمَةً لِسَيِّدِي أَغْسِلُ أَرْجُلَ عَبِيدِهِ!“ وَقَامَتْ بِسُرْعَةٍ، وَرَكِبَتْ حِمَارًا وَأَخَذَتْ مَعَهَا 5 خَادِمَاتٍ ذَهَبْنَ وَرَاءَهَا، وَذَهَبَتْ وَرَاءَ رُسُلِ دَاوُدَ، وَأَصْبَحَتْ زَوْجَةً لَهُ. وَكَانَ دَاوُدُ قَدْ تَزَوَّجَ أَخِينُوعَمَ الْيَزْرَعِيلِيَّةَ، فَكَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ. وَأَعْطَى شَاوُلُ مِيكَالَ ابْنَتَهُ الَّتِي تَزَوَّجَهَا دَاوُدُ، لِفَلْطِي بْنِ لَايِشَ مِنْ جَلِّيمَ. ثُمَّ ذَهَبَ أَهْلُ زِيفَ إِلَى شَاوُلَ فِي جِبْعَةَ وَقَالُوا لَهُ: ”دَاوُدُ مُخْتَبِئٌ فِي تَلِّ حَكِيلَةَ مُقَابِلَ يَشْمُونَ.“ فَنَزَلَ شَاوُلُ إِلَى صَحْرَاءِ زِيفَ وَمَعَهُ الـ3000 رَجُلٍ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِيَبْحَثَ عَنْ دَاوُدَ هُنَاكَ. وَعَسْكَرَ شَاوُلُ بِجَانِبِ الطَّرِيقِ فِي تَلِّ حَكِيلَةَ مُقَابِلَ يَشْمُونَ. وَكَانَ دَاوُدُ مُقِيمًا فِي الصَّحْرَاءِ، فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّ شَاوُلَ جَاءَ وَرَاءَهُ هُنَاكَ، أَرْسَلَ دَاوُدُ جُوَاسِيسَ، وَعَلِمَ بِالتَّأْكِيدِ أَنَّ شَاوُلَ جَاءَ فِعْلًا. فَقَامَ دَاوُدُ وَذَهَبَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ مُعَسْكَرُ شَاوُلَ. ثُمَّ رَأَى دَاوُدُ الْمَكَانَ الَّذِي كَانَ نَائِمًا فِيهِ شَاوُلُ وَأَبْنِيرُ بْنُ نِيرَ قَائِدُ جَيْشِهِ. وَكَانَ شَاوُلُ نَائِمًا فِي الْمُعَسْكَرِ، وَالْجُنُودُ حَوْلَهُ. فَكَلَّمَ دَاوُدُ أَخِيمَلِكَ الْحِثِّيَّ وَأَبِيشَايَ ابْنَ صَرُويَةَ أَخَا يُوآبَ وَقَالَ: ”مَنْ يَنْزِلُ مَعِي إِلَى شَاوُلَ فِي الْمُعَسْكَرِ؟“ فَقَالَ أَبِيشَايُ: ”أَنَا أَنْزِلُ مَعَكَ.“ فَدَخَلَ دَاوُدُ وَأَبِيشَايُ إِلَى الْمُعَسْكَرِ فِي اللَّيْلِ، فَوَجَدُوا شَاوُلَ نَائِمًا هُنَاكَ، وَرُمْحَهُ مَغْرُوزًا فِي الْأَرْضِ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَأَبْنِيرَ وَالْجَيْشَ نَائِمِينَ حَوْلَهُ. فَقَالَ أَبِيشَايُ لِدَاوُدَ: ”الْيَوْمَ أَوْقَعَ اللهُ عَدُوَّكَ فِي يَدِكَ، فَاسْمَحْ لِي أَنْ أُسَمِّرَهُ فِي الْأَرْضِ بِرُمْحِي، بِطَعْنَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا أَحْتَاجُ أَنْ أُثَنِّيَ عَلَيْهِ.“ فَقَالَ دَاوُدُ لِأَبِيشَايَ: ”لَا تَقْتُلْهُ، لِأَنَّ مَنْ يَمُدُّ يَدَهُ عَلَى مُخْتَارِ اللهِ يَكُونُ مُذْنِبًا!“ ثُمَّ قَالَ دَاوُدُ: ”أُقْسِمُ بِاللهِ، إِنَّ اللهَ نَفْسَهُ سَيَضْرِبُهُ، فَيَأْتِي يَوْمُهُ وَيَمُوتُ، أَوْ يَنْزِلُ إِلَى الْحَرْبِ وَيَهْلِكُ. لَا سَمَحَ اللهُ أَنْ أَمُدَّ يَدِي عَلَى مُخْتَارِ اللهِ. أَمَّا الْآنَ، فَتَعَالَ نَأْخُذُ الرُّمْحَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ وَكُوزَ الْمَاءِ وَنَمْضِي.“ فَأَخَذَ دَاوُدُ الرُّمْحَ وَكُوزَ الْمَاءِ مِنْ عِنْدِ رَأْسِ شَاوُلَ وَانْصَرَفَا. وَكَانَ كُلُّ الَّذِينَ فِي الْمُعَسْكَرِ نَائِمِينَ، فَلَا وَاحِدٌ رَأَى وَلَا وَاحِدٌ عَلِمَ بِمَا جَرَى وَلَا وَاحِدٌ انْتَبَهَ، لِأَنَّ اللهَ أَوْقَعَ عَلَيْهِمْ نَوْمًا عَمِيقًا. وَعَبَرَ دَاوُدُ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ مِنَ الْجَبَلِ، وَوَقَفَ عَلَى قِمَّةِ الْجَبَلِ مِنْ بَعِيدٍ، فَكَانَتْ هُنَاكَ مَسَافَةٌ كَبِيرَةٌ بَيْنَهُمْ. وَنَادَى دَاوُدُ الْجَيْشَ وَأَبْنِيرَ بْنَ نِيرَ وَقَالَ: ”لِمَاذَا لَا تَرُدُّ عَلَيَّ يَا أَبْنِيرُ؟“ أَجَابَهُ أَبْنِيرُ وَقَالَ: ”مَنْ أَنْتَ الَّذِي يُنَادِي الْمَلِكَ؟“ فَقَالَ دَاوُدُ لِأَبْنِيرَ: ”أَلَسْتَ رَجُلًا؟ وَمَنْ مِثْلُكَ فِي كُلِّ الشَّعْبِ؟ لَكِنْ لِمَاذَا لَمْ تَحْرُسْ سَيِّدَكَ الْمَلِكَ؟ فَقَدْ دَخَلَ الْمُعَسْكَرَ شَخْصٌ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَهُ. أَنْتَ لَمْ تَقُمْ بِوَاجِبِكَ! أُقْسِمُ بِاللهِ أَنَّكَ أَنْتَ وَرِجَالَكَ تَسْتَحِقُّونَ الْمَوْتَ، لِأَنَّكُمْ لَمْ تَحْرُسُوا سَيِّدَكُمُ الَّذِي مَسَحَهُ اللهُ. فَانْظُرِ الْآنَ، أَيْنَ رُمْحُ الْمَلِكِ وَكُوزُ الْمَاءِ اللَّذَانِ كَانَا عِنْدَ رَأْسِهِ؟“ وَعَرَفَ شَاوُلُ صَوْتَ دَاوُدَ فَقَالَ: ”أَهَذَا صَوْتُكَ يَا ابْنِي دَاوُدَ؟“ فَقَالَ دَاوُدُ: ”هُوَ صَوْتِي يَا سَيِّدِي الْمَلِكُ.“ وَقَالَ دَاوُدُ: ”لِمَاذَا يَا سَيِّدِي تُطَارِدُ عَبْدَكَ؟ مَاذَا فَعَلْتُ، وَمَا هُوَ ذَنْبِي؟ فَاسْمَعْ يَا سَيِّدِي الْمَلِكُ كَلَامَ عَبْدِكَ. إِنْ كَانَ اللهُ هُوَ الَّذِي حَرَّضَكَ عَلَيَّ، أُقَدِّمُ لَهُ قُرْبَانًا يَقْبَلُهُ. وَإِنْ كَانَ النَّاسُ هُمُ الَّذِينَ فَعَلُوا ذَلِكَ، فَلْيَلْعَنْهُمُ الْمَوْلَى، لِأَنَّهُمْ طَرَدُونِي مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي اخْتَارَهَا اللهُ نَصِيبًا لَهُ، وَقَالُوا لِي: ’اِذْهَبِ اعْبُدْ آلِهَةً أُخْرَى!‘ فَالْآنَ لَا تَسْمَحْ بِأَنْ أَمُوتَ فِي بِلَادٍ غَرِيبَةٍ بَعِيدًا عَنْ مَحْضَرِ اللهِ! إِنَّ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ خَرَجَ لِيُفَتِّشَ عَنْ بُرْغُوثٍ وَاحِدٍ! أَنْتَ تُحَاوِلُ أَنْ تَصِيدَ عُصْفُورًا فِي الْجِبَالِ!“ فَقَالَ شَاوُلُ: ”أَخْطَأْتُ. اِرْجِعْ يَا ابْنِي دَاوُدَ، أَنْتَ الْيَوْمَ اعْتَبَرْتَ حَيَاتِي كَرِيمَةً عِنْدَكَ، لِذَلِكَ لَنْ أُسِيءَ إِلَيْكَ بَعْدَ الْيَوْمِ. أَنَا تَصَرَّفْتُ كَأَحْمَقَ وَضَلَلْتُ جِدًّا.“ فَقَالَ دَاوُدُ: ”هَذَا هُوَ رُمْحُ الْمَلِكِ. يُمْكِنُكَ أَنْ تُرْسِلَ أَحَدَ رِجَالِكَ لِيَأْخُذَهُ. وَالْمَوْلَى يُكَافِئُ كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ صَلَاحِهِ وَأَمَانَتِهِ. فَالْمَوْلَى أَوْقَعَكَ الْيَوْمَ فِي يَدِي، وَلَمْ أَرْغَبْ فِي أَنْ أَمُدَّ يَدِي عَلَى الَّذِي مَسَحَهُ اللهُ. وَكَمَا أَنِّي اعْتَبَرْتُ حَيَاتَكَ ثَمِينَةً عِنْدِيَ الْيَوْمَ، فَالْمَوْلَى كَذَلِكَ يَعْتَبِرُ حَيَاتِي ثَمِينَةً عِنْدَهُ، وَيُنْقِذُنِي مِنْ كُلِّ ضِيقٍ.“ فَقَالَ شَاوُلُ لِدَاوُدَ: ”بَارَكَ اللهُ فِيكَ يَا ابْنِي دَاوُدَ. أَنْتَ سَتَقُومُ بِأَعْمَالٍ عَظِيمَةٍ وَتَنْجَحُ.“ ثُمَّ ذَهَبَ دَاوُدُ فِي طَرِيقِهِ، وَرَجَعَ شَاوُلُ إِلَى دَارِهِ. وَقَالَ دَاوُدُ فِي نَفْسِهِ: ”سَأَهْلِكُ يَوْمًا بِيَدِ شَاوُلَ! أَحْسَنُ شَيْءٍ هُوَ أَنْ أَهْرُبَ إِلَى بِلَادِ الْفِلِسْطِيِّينَ، فَمَهْمَا فَتَّشَ شَاوُلُ فِي كُلِّ بِلَادِ إِسْرَائِيلَ يَيْأَسُ مِنَ الْعُثُورِ عَلَيَّ، وَأَنْجُو مِنْ يَدِهِ.“ وَمَضَى دَاوُدُ هُوَ وَالـ600 رَجُلٍ الَّذِينَ مَعَهُ، وَرَاحُوا إِلَى أَخِيشَ بْنِ مَعُوكَ مَلِكِ جَتَّ. وَأَقَامَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ عِنْدَ أَخِيشَ فِي جَتَّ. وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَعَهُ عَائِلَتُهُ، وَكَانَ مَعَ دَاوُدَ زَوْجَتَاهُ أَخِينُوعَمُ الْيَزْرَعِيلِيَّةُ وَأَبِيجَايِلُ الْكَرْمَلِيَّةُ أَرْمَلَةُ نَابَالَ. فَلَمَّا سَمِعَ شَاوُلُ أَنَّ دَاوُدَ هَرَبَ إِلَى جَتَّ، لَمْ يَعُدْ يُفَتِّشُ عَنْهُ. وَقَالَ دَاوُدُ لِأَخِيشَ: ”إِنْ كُنْتَ رَاضِيًا عَنِّي، فَأَعْطُونِي مَكَانًا فِي إِحْدَى قُرَى الْأَرْيَافِ لِأَسْكُنَ هُنَاكَ. وَلِمَاذَا يَسْكُنُ عَبْدُكَ مَعَكَ فِي الْمَدِينَةِ الْمَلَكِيَّةِ؟“ فَأَعْطَاهُ أَخِيشُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ صِقْلَغَ. فَأَصْبَحَتْ لِمُلُوكِ يَهُوذَا إِلَى الْيَوْمِ. وَسَكَنَ دَاوُدُ فِي بِلَادِ الْفِلِسْطِيِّينَ سَنَةً وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. وَكَانَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ يَخْرُجُونَ وَيَغْزُونَ الْجَشُورِيِّينَ وَالْجِرْزِيِّينَ وَالْعَمَالِقَةَ. هَذِهِ الشُّعُوبُ سَكَنَتْ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ فِي الْبِلَادِ الَّتِي تَمْتَدُّ مِنْ شُورَ إِلَى مِصْرَ. وَلَمَّا كَانَ دَاوُدُ يُحَارِبُهُمْ، كَانَ لَا يُبْقِي عَلَى رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ، وَيَأْخُذُ الْغَنَمَ وَالْبَقَرَ وَالْحَمِيرَ وَالْجِمَالَ وَالثِّيَابَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى أَخِيشَ. فَيَقُولُ لَهُ أَخِيشُ: ”أَيْنَ غَزَوْتُمُ الْيَوْمَ؟“ فَيَقُولُ دَاوُدُ: ”فِي جَنُوبِ يَهُوذَا وَجَنُوبِ يَرْحَمِيلَ وَجَنُوبِ الْقِينِيِّينَ.“ فَلَمْ يَكُنْ دَاوُدُ يُبْقِي عَلَى رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ، لِأَنَّهُ قَالَ: ”لِئَلَّا يَأْتُوا إِلَى جَتَّ وَيُخْبِرُوا بِحَقِيقَةِ مَا نَفْعَلُهُ.“ وَكَانَ دَاوُدُ يَعْمَلُ هَذَا طُولَ فَتْرَةِ إِقَامَتِهِ فِي بِلَادِ الْفِلِسْطِيِّينَ. وَكَانَ أَخِيشُ يُصَدِّقُ دَاوُدَ وَيَقُولُ فِي نَفْسِهِ: ”صَارَ مَكْرُوهًا لَدَى شَعْبِهِ إِسْرَائِيلَ، لِذَلِكَ سَيَكُونُ خَادِمِي دَائِمًا.“ وَفِي تِلْكَ الْأَيَّامِ جَمَعَ الْفِلِسْطِيُّونَ جُيُوشَهُمْ لِيُحَارِبُوا إِسْرَائِيلَ. فَقَالَ أَخِيشُ لِدَاوُدَ: ”اِعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَخْرُجَ أَنْتَ وَرِجَالُكَ مَعِي فِي الْجَيْشِ.“ فَقَالَ دَاوُدُ لِأَخِيشَ: ”فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، سَتَرَى مَا سَيَفْعَلُهُ عَبْدُكَ.“ فَقَالَ أَخِيشُ: ”وَأَنَا مِنْ نَاحِيَتِي، سَأَجْعَلُكَ حَارِسِيَ الشَّخْصِيَّ طُولَ عُمْرِكَ.“ وَكَانَ صَمُوئِيلُ قَدْ مَاتَ وَعَمِلَ لَهُ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ جِنَازَةً وَدَفَنُوهُ فِي مَدِينَتِهِ الرَّامَةِ. وَكَانَ شَاوُلُ قَدْ طَرَدَ مِنَ الْبِلَادِ مَنْ يَتَعَامَلُونَ مَعَ الْجِنِّ وَمَنْ يُحَضِّرُونَ الْأَرْوَاحَ. وَاجْتَمَعَ الْفِلِسْطِيُّونَ وَجَاءُوا وَعَسْكَرُوا فِي شُونَمَ، وَجَمَعَ شَاوُلُ كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَعَسْكَرَ فِي جِلْبُوعَ. وَلَمَّا رَأَى شَاوُلُ جَيْشَ الْفِلِسْطِيِّينَ خَافَ وَمَلَأَ الرُّعْبُ قَلْبَهُ. فَاسْتَشَارَ اللهَ، فَلَمْ يَرُدَّ اللهُ عَلَيْهِ لَا بِالْأَحْلَامِ وَلَا بِالنُّورِ وَلَا بِالْأَنْبِيَاءِ. فَقَالَ شَاوُلُ لِعَبِيدِهِ: ”اِبْحَثُوا لِي عَنِ امْرَأَةٍ تَتَعَامَلُ مَعَ الْجِنِّ فَأَذْهَبَ إِلَيْهَا وَأَسْتَشِيرَهَا.“ فَقَالَ لَهُ عَبِيدُهُ: ”تُوجَدُ وَاحِدَةٌ فِي عَيْنَ دُورَ.“ فَتَنَكَّرَ شَاوُلُ، وَلَبِسَ ثِيَابًا أُخْرَى، وَذَهَبَ هُوَ وَرَجُلَانِ مَعَهُ، وَجَاءُوا إِلَى الْمَرْأَةِ لَيْلًا. فَقَالَ لَهَا: ”اِسْتَشِيرِي لِي رُوحًا، وَحَضِّرِي لِي مَنْ أُسَمِّيهِ لَكِ.“ فَقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: ”أَنْتَ تَعْلَمُ مَا فَعَلَهُ شَاوُلُ، فَهُوَ قَطَعَ مِنَ الْبِلَادِ مَنْ يَتَعَامَلُونَ مَعَ الْجِنِّ وَمَنْ يُحَضِّرُونَ الْأَرْوَاحَ. فَلِمَاذَا تَنْصُبُ لِي فَخًّا لِتُهْلِكَنِي؟“ فَحَلَفَ لَهَا شَاوُلُ بِاللهِ وَقَالَ: ”أُقْسِمُ بِاللهِ إِنَّهُ لَنْ يُصِيبَكِ عِقَابٌ عَلَى هَذَا.“ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: ”مَنْ أُحَضِّرُ لَكَ؟“ قَالَ: ”حَضِّرِي لِي صَمُوئِيلَ.“ فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ صَمُوئِيلَ، صَرَخَتْ بِأَعْلَى صَوْتِهَا وَقَالَتْ لِشَاوُلَ: ”لِمَاذَا خَدَعْتَنِي وَأَنْتَ شَاوُلُ؟“ فَقَالَ لَهَا الْمَلِكُ: ”لَا تَخَافِي. مَاذَا تَرَيْنَ؟“ قَالَتِ الْمَرْأَةُ لِشَاوُلَ: ”أَرَى رُوحًا طَالِعَةً مِنَ الْأَرْضِ.“ فَقَالَ لَهَا: ”مَا شَكْلُهُ؟“ قَالَتْ: ”رَجُلٌ عَجُوزٌ لَابِسٌ جُبَّةً وَطَالِعٌ.“ فَعَلِمَ شَاوُلُ أَنَّهُ صَمُوئِيلُ، فَانْحَنَى وَوَجْهُهُ نَحْوَ الْأَرْضِ وَسَجَدَ. فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: ”لِمَاذَا أَزْعَجْتَنِي وَأَطْلَعْتَنِي؟“ فَقَالَ شَاوُلُ: ”أَنَا فِي ضِيقٍ شَدِيدٍ. الْفِلِسْطِيُّونَ يُحَارِبُونِي، وَالْمَوْلَى تَرَكَنِي وَلَمْ يَعُدْ يُجِيبُنِي لَا بِالْأَنْبِيَاءِ وَلَا بِالْأَحْلَامِ، فَدَعَوْتُكَ لِتُخْبِرَنِي مَاذَا أَفْعَلُ.“ فَقَالَ صَمُوئِيلُ: ”لِمَاذَا تَسْتَشِيرُنِي وَالْمَوْلَى تَرَكَكَ وَصَارَ عَدُّوَكَ؟ الْمَوْلَى نَفَّذَ مَا قَالَهُ عَلَى لِسَانِي، وَانْتَزَعَ الْمَمْلَكَةَ مِنْ يَدِكَ وَأَعْطَاهَا لِصَاحِبِكَ دَاوُدَ. لِأَنَّكَ لَمْ تَسْمَعْ كَلَامَ اللهِ، وَلَمْ تُعَاقِبِ الْعَمَالِقَةَ حَسَبَ غَضَبِهِ الشَّدِيدِ عَلَيْهِمْ، لِهَذَا يُعَامِلُكَ اللهُ الْيَوْمَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ. بَلْ وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، سَيُوقِعُ اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَكَ فِي يَدِ الْفِلِسْطِيِّينَ. وَغَدًا تَكُونُ أَنْتَ وَبَنُوكَ مَعِي. وَسَيُوقِعُ اللهُ جَيْشَ إِسْرَائِيلَ فِي يَدِ الْفِلِسْطِيِّينَ.“ فَسَقَطَ شَاوُلُ فِي الْحَالِ بِطُولِهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَخَافَ جِدًّا مِنْ كَلَامِ صَمُوئِيلَ. وَفَارَقَتْهُ قُوَّتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَكَلَ شَيْئًا طُولَ ذَلِكَ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ. فَتَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ الْمَرْأَةُ، وَرَأَتْ أَنَّهُ مُرْتَعِبٌ جِدًّا، فَقَالَتْ لَهُ: ”أَنَا يَا سَيِّدِي أَطَعْتُ أَمْرَكَ، وَخَاطَرْتُ بِنَفْسِي، وَعَمِلْتُ مَا طَلَبْتَهُ مِنِّي. فَمِنْ فَضْلِكَ اسْمَعْ أَنْتَ أَيْضًا لِخَادِمَتِكَ، فَأُقَدِّمَ لَكَ كِسْرَةَ خُبْزٍ، لِتَأْكُلَ وَتَتَقَوَّى لِتَسِيرَ فِي الطَّرِيقِ.“ فَرَفَضَ وَقَالَ: ”لَا آكُلُ.“ فَأَلَحَّ عَلَيْهِ عَبْدَاهُ وَالْمَرْأَةُ أَيْضًا، فَسَمِعَ لَهُمْ، وَقَامَ عَنِ الْأَرْضِ وَجَلَسَ عَلَى السَّرِيرِ. وَكَانَ لِلْمَرْأَةِ عِجْلٌ مُسَمَّنٌ فِي الدَّارِ، فَأَسْرَعَتْ وَذَبَحَتْهُ. وَأَخَذَتْ دَقِيقًا وَعَجَنَتْهُ وَخَبَزَتْ فَطِيرًا. وَقَدَّمَتْ أَمَامَ شَاوُلَ وَأَمَامَ عَبْدَيْهِ فَأَكَلُوا. ثُمَّ قَامُوا وَانْصَرَفُوا فِي نَفْسِ اللَّيْلَةِ. وَحَشَدَ الْفِلِسْطِيُّونَ كُلَّ جُيُوشِهِمْ فِي أَفِيقَ. وَعَسْكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِجِوَارِ الْعَيْنِ الَّتِي فِي يَزْرَعِيلَ. وَسَارَ قَادَةُ الْفِلِسْطِيِّينَ مَعَ وَحْدَاتِهِمِ الَّتِي مِنْ 100 أَوْ مِنْ 1000. وَكَانَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ يَسِيرُونَ فِي الْمُؤَخَّرَةِ مَعَ أَخِيشَ. فَقَالَ ضُبَّاطُ جَيْشِ الْفِلِسْطِيِّينَ: ”مَاذَا يَفْعَلُ هَؤُلَاءِ الْعِبْرَانِيُّونَ هُنَا؟“ قَالَ أَخِيشُ لَهُمْ: ”أَلَا تَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا هُوَ دَاوُدُ الَّذِي كَانَ أَحَدَ رِجَالِ شَاوُلَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ؟ وَهُوَ مَعِي مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، وَمُنْذُ جَاءَ إِلَيْنَا إِلَى الْآنَ لَمْ أَجِدْ فِيهِ عَيْبًا!“ فَغَضِبُوا عَلَيْهِ وَقَالُوا لَهُ: ”أَرْجِعِ الرَّجُلَ، لِيَعُودَ إِلَى مَكَانِهِ الَّذِي عَيَّنْتَهُ لَهُ، وَلَا يَنْزِلَ مَعَنَا إِلَى الْحَرْبِ لِئَلَّا يَنْقَلِبَ ضِدَّنَا فِي الْقِتَالِ. فَبِمَاذَا يُرْضِي سَيِّدَهُ شَاوُلَ إِلَّا بِرُؤُوسِ رِجَالِنَا؟ أَلَيْسَ هَذَا هُوَ دَاوُدَ الَّذِي غَنَّتْ لَهُ النِّسَاءُ وَرَقَصَتْ وَقَالَتْ: ’قَتَلَ شَاوُلُ أُلُوفًا، وَدَاوُدُ عَشَرَاتِ أُلُوفٍ‘؟“ فَنَادَى أَخِيشُ دَاوُدَ وَقَالَ لَهُ: ”أُقْسِمُ بِاللهِ إِنَّكَ وَفِيٌّ، وَيَسُرُّنِي أَنْ تَدْخُلَ الْحَرْبَ مَعِي. فَأَنَا لَمْ أَجِدْ فِيكَ سُوءًا مُنْذُ جِئْتَ إِلَيَّ إِلَى الْآنَ. أَمَّا قَادَةُ الْفِلِسْطِيِّينَ فَلَا يَعْتَقِدُونَ أَنَّكَ وَفِيٌّ. فَارْجِعِ الْآنَ، وَاذْهَبْ بِالسَّلَامَةِ، وَلَا تَعْمَلْ شَيْئًا يُسِيءُ إِلَى قَادَةِ الْفِلِسْطِيِّينَ.“ فَقَالَ دَاوُدُ لِأَخِيشَ: ”مَاذَا فَعَلْتُ؟ وَمَا هُوَ الْعَيْبُ الَّذِي وَجَدْتَهُ فِيَّ مُنْذُ جِئْتُ إِلَيْكَ إِلَى الْآنَ؟ فَلِمَاذَا لَا آتِي وَأُحَارِبُ أَعْدَاءَ سَيِّدِي الْمَلِكِ؟“ أَجَابَهُ أَخِيشُ: ”أَنَا عَارِفٌ. وَفِي رَأْيِي أَنْتَ صَالِحٌ كَمَلَاكٍ مِنَ اللهِ. لَكِنَّ قَادَةَ الْفِلِسْطِيِّينَ لَا يُرِيدُونَ أَنْ تَذْهَبَ مَعَنَا إِلَى الْحَرْبِ. فَقُومُوا مُبَكِّرِينَ أَنْتَ وَعَبِيدُ سَيِّدِكَ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَكَ، وَعِنْدَمَا يَطْلَعُ الصُّبْحُ انْصَرِفُوا.“ فَقَامَ دَاوُدُ هُوَ وَرِجَالُهُ فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، وَرَجَعُوا إِلَى بِلَادِ الْفِلِسْطِيِّينَ. أَمَّا الْفِلِسْطِيُّونَ فَصَعِدُوا إِلَى يَزْرَعِيلَ. وَوَصَلَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ إِلَى صِقْلَغَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَوَجَدُوا أَنَّ الْعَمَالِقَةَ قَدْ غَزَوْا جَنُوبَ يَهُوذَا وَصِقْلَغَ، وَهَاجَمُوا صِقْلَغَ وَأَحْرَقُوهَا، وَأَسَرُوا النِّسَاءَ وَكُلَّ مَنْ فِيهَا. لَمْ يَقْتُلُوا أَحَدًا، لَا صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا، بَلْ أَخَذُوهُمْ وَمَضَوْا. وَلَمَّا دَخَلَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَجَدُوهَا مَحْرُوقَةً وَقَدْ أُسِرَتْ نِسَاؤُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ وَبَنَاتُهُمْ. فَبَكَى دَاوُدُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِصَوْتٍ عَالٍ، حَتَّى لَمْ تَبْقَ لَهُمْ قُوَّةٌ لِلْبُكَاءِ. وَكَانَتْ زَوْجَتَا دَاوُدَ أَخِينُوعَمُ الْيَزْرَعِيلِيَّةُ وَأَبِيجَايِلُ أَرْمَلَةُ نَابَالَ الْكَرْمَلِيِّ مِنْ ضِمْنِ الَّذِينَ أُسِرُوا. فَتَضَايَقَ دَاوُدُ جِدًّا لِأَنَّ الرِّجَالَ طَالَبُوا بِرَجْمِهِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَعَرَ بِالْمَرَارَةِ عَلَى بَنِيهِ وَبَنَاتِهِ. فَوَجَدَ دَاوُدُ الْعَوْنَ فِي الْمَوْلَى إِلَهِهِ. وَقَالَ دَاوُدُ لِأَبِيأَثَرَ الْحَبْرِ ابْنِ أَخِيمَلِكَ: ”أَحْضِرْ لِيَ الرِّدَاءَ.“ فَأَحْضَرَ أَبِيأَثَرُ الرِّدَاءَ لِدَاوُدَ. فَاسْتَشَارَ دَاوُدُ اللهَ وَقَالَ: ”إِنْ طَارَدْتُ هَؤُلَاءِ الْغُزَاةَ فَهَلْ أَلْحَقُهُمْ؟“ فَقَالَ اللهُ: ”طَارِدْهُمْ لِأَنَّكَ تَلْحَقُهُمْ وَتُنْقِذُ الْأَسْرَى.“ فَذَهَبَ دَاوُدُ هُوَ وَالـ600 رَجُلٍ الَّذِينَ مَعَهُ. وَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى نَهْرِ الْبَسُورِ، تَخَلَّفَ مِنْهُمْ 200 رَجُلٍ كَانُوا قَدْ تَعِبُوا جِدًّا وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَعْبُرُوا النَّهْرَ. أَمَّا دَاوُدُ فَتَابَعَ سَيْرَهُ هُوَ وَ400 رَجُلٍ. فَصَادَفُوا رَجُلًا مِصْرِيًّا فِي حَقْلٍ، فَأَخَذُوهُ إِلَى دَاوُدَ، وَأَعْطَوْهُ خُبْزًا وَمَاءً فَأَكَلَ وَشَرِبَ. وَأَعْطَوْهُ قُرْصًا مِنَ التِّينِ وَعُنْقُودَيْنِ مِنَ الزَّبِيبِ، فَأَكَلَ وَعَادَتْ إِلَيْهِ قُوَّتُهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَكَلَ خُبْزًا وَلَا شَرِبَ مَاءً 3 أَيَّامٍ وَ3 لَيَالٍ. فَسَأَلَهُ دَاوُدُ: ”مَنْ هُوَ سَيِّدُكَ، وَمِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟“ فَقَالَ: ”أَنَا مِصْرِيٌّ عَبْدٌ لِرَجُلٍ عَمَالِيقِيٍّ. تَرَكَنِي سَيِّدِي لِأَنِّي مَرِضْتُ مُنْذُ 3 أَيَّامٍ. وَقَدْ غَزَوْنَا جَنُوبَ الْكِرِيتِيِّينَ وَأَرْضَ يَهُوذَا وَجَنُوبَ كَالِبَ، وَأَحْرَقْنَا صِقْلَغَ.“ فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: ”هَلْ تَقُودُنِي إِلَى هَؤُلَاءِ الْغُزَاةِ؟“ فَأَجَابَهُ: ”اِحْلِفْ لِي بِاللهِ أَنَّكَ لَا تَقْتُلُنِي وَلَا تُسَلِّمُنِي لِيَدِ سَيِّدِي، وَأَنَا أَقُودُكَ إِلَيْهِمْ.“ فَقَادَ الرَّجُلُ دَاوُدَ إِلَيْهِمْ، فَوَجَدَهُمْ مُنْتَشِرِينَ فِي الْمَكَانِ كُلِّهِ، يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَرْقُصُونَ بِسَبَبِ الْغَنِيمَةِ الَّتِي أَخَذُوهَا مِنْ أَرْضِ الْفِلِسْطِيِّينَ وَمِنْ أَرْضِ يَهُوذَا. فَحَارَبَهُمْ دَاوُدُ مِنَ الْمَغْرِبِ حَتَّى مَسَاءِ الْيَوْمِ التَّالِي. وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا 400 شَابٍّ رَكِبُوا جِمَالًا وَهَرَبُوا. وَاسْتَرَدَّ دَاوُدُ كُلَّ مَا أَخَذَهُ الْعَمَالِقَةُ وَأَنْقَذَ زَوْجَتَيْهِ. وَلَمْ يَفْقِدُوا شَيْئًا لَا صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا، وَلَا أَوْلَادًا وَلَا بَنَاتٍ، وَلَا غَنِيمَةً وَلَا شَيْئًا مِنْ كُلِّ مَا أَخَذَهُ الْعَمَالِقَةُ، بَلِ اسْتَرَدَّ دَاوُدُ كُلَّ شَيْءٍ. وَسَاقُوا الْغَنَمَ وَالْبَقَرَ وَكُلَّ الْمَاشِيَةِ أَمَامَ دَاوُدَ وَهُمْ يَهْتِفُونَ: ”هَذِهِ غَنِيمَةُ دَاوُدَ.“ وَجَاءَ دَاوُدُ إِلَى الْـ200 رَجُلٍ، الَّذِينَ كَانُوا قَدْ تَعِبُوا جِدًّا وَلَمْ يَذْهَبُوا مَعَهُ بَلِ انْتَظَرُوا عِنْدَ نَهْرِ الْبَسُورِ، فَخَرَجُوا لِاسْتِقْبَالِ دَاوُدَ وَالشَّعْبِ الَّذِي مَعَهُ. فَتَقَدَّمَ دَاوُدُ إِلَيْهِمْ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ شِرِّيرٍ وَمُشَاغِبٍ مِنَ الَّذِينَ ذَهَبُوا مَعَ دَاوُدَ: ”بِمَا أَنَّهُمْ لَمْ يَذْهَبُوا مَعَنَا، لَا نُعْطِيهِمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ الَّتِي رَدَدْنَاهَا، بَلْ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ زَوْجَتَهُ وَأَوْلَادَهُ وَيَذْهَبُ بِهِمْ.“ فَقَالَ دَاوُدُ: ”لَا تَفْعَلُوا هَذَا يَا إِخْوَتِي، لِأَنَّ اللهَ أَعْطَانَا وَحَفِظَنَا وَنَصَرَنَا عَلَى الْغُزَاةِ الَّذِينَ جَاءُوا عَلَيْنَا. وَمَنْ يُوَافِقُكُمْ عَلَى كَلَامِكُمْ؟ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُ مَنْ يَحْرُسُ الْأَمْتِعَةَ كَنَصِيبِ مَنْ يَذْهَبُ إِلَى الْحَرْبِ، فَيَقْتَسِمُونَ بِالتَّسَاوِي.“ وَجَعَلَ دَاوُدُ هَذَا فَرِيضَةً وَحُكْمًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَى الْآنَ. وَلَمَّا رَجَعَ دَاوُدُ إِلَى صِقْلَغَ، أَرْسَلَ مِنَ الْغَنِيمَةِ إِلَى أَصْحَابِهِ مِنْ شُيُوخِ يَهُوذَا وَقَالَ لَهُمْ: ”هَذِهِ هَدِيَّةٌ لَكُمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ الَّتِي أَخَذْنَاهَا مِنْ أَعْدَاءِ اللهِ.“ وَأَرْسَلَهَا إِلَى الَّذِينَ فِي بَيْتَ إِيلَ وَرَامُوتَ النَّقَبِ وَيَتِّيرَ، وَالَّذِينَ فِي عَرُوعِيرَ وَسِفْمُوثَ وَأَشْتَمُوعَ وَرَاكَالَ، وَالَّذِينَ فِي مُدُنِ الْيَرْحَمِيلِيِّينَ وَالْقِينِيِّينَ، وَالَّذِينَ فِي حُرْمَةَ وَكُورَعَاشَانَ وَعَتَاكَ وَحَبْرُونَ، وَإِلَى الْأَمَاكِنِ الْأُخْرَى الَّتِي تَرَدَّدَ عَلَيْهَا دَاوُدُ وَرِجَالُهُ. وَحَارَبَ الْفِلِسْطِيُّونَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَانْهَزَمَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ أَمَامَهُمْ. وَسَقَطَ كُثِيرُونَ مِنْهُمْ قَتْلَى فِي جَبَلِ جِلْبُوعَ. وَطَارَدَ الْفِلِسْطِيُّونَ شَاوُلَ وَأَوْلَادَهُ، وَقَتَلُوا يُونَاثَانَ وَأَبِينَادَابَ وَمَلْكِيشُوعَ أَوْلَادَ شَاوُلَ. وَاشْتَدَّتِ الْحَرْبُ عَلَى شَاوُلَ، وَأَصَابَهُ رُمَاةُ السِّهَامِ وَجَرَحُوهُ جِدًّا. فَقَالَ شَاوُلُ لِحَامِلِ سِلَاحِهِ: ”اِسْتَلَّ سَيْفَكَ وَاطْعَنِّي بِهِ، لِئَلَّا يَأْتِيَ هَؤُلَاءِ النَّجِسُونَ وَيَطْعَنُونِي وَيَهْزَأُوا بِي.“ فَرَفَضَ حَامِلُ سِلَاحِهِ، لِأَنَّهُ خَافَ جِدًّا. فَأَخَذَ شَاوُلُ سَيْفَهُ وَوَقَعَ عَلَيْهِ. فَلَمَّا رَأَى حَامِلُ سِلَاحِهِ أَنَّ شَاوُلَ مَاتَ، وَقَعَ هُوَ أَيْضًا عَلَى سَيْفِهِ وَمَاتَ مَعَهُ. فَمَاتَ شَاوُلُ وَأَوْلَادُهُ الـ3 وَحَامِلُ سِلَاحِهِ وَكُلُّ رِجَالِهِ مَعًا فِي نَفْسِ ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَلَمَّا رَأَى بَنُو إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ فِي النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى مِنَ الْأُرْدُنِّ، أَنَّ جَيْشَ إِسْرَائِيلَ هَرَبَ، وَأَنَّ شَاوُلَ وَأَوْلَادَهُ مَاتُوا، تَرَكُوا مُدُنَهُمْ وَهَرَبُوا. فَجَاءَ الْفِلِسْطِيُّونَ وَسَكَنُوا فِيهَا. وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، جَاءَ الْفِلِسْطِيُّونَ لِيَسْلُبُوا الْقَتْلَى، فَوَجَدُوا شَاوُلَ وَأَوْلَادَهُ الـ3 مَوْتَى فِي جَبَلِ جِلْبُوعَ فَقَطَعُوا رَأْسَهُ وَنَزَعُوا سِلَاحَهُ، وَأَرْسَلُوا فِي كُلِّ بِلَادِهِمْ لِيُعْلِنُوا الْخَبَرَ فِي مَعَابِدِ أَصْنَامِهِمْ وَبَيْنَ الشَّعْبِ. وَوَضَعُوا سِلَاحَهُ فِي مَعْبَدِ عَشْتَرُوتَ، وَسَمَّرُوا جُثَّتَهُ عَلَى سُورِ بَيْتَ شَانَ. وَسَمِعَ أَهْلُ يَابِيشَ جِلْعَادَ، بِمَا عَمِلَهُ الْفِلِسْطِيُّونَ بِشَاوُلَ. فَقَامَ كُلُّ الْأَشِدَّاءِ مِنْهُمْ، وَسَارُوا اللَّيْلَ كُلَّهُ، وَأَنْزَلُوا جُثَثَ شَاوُلَ وَأَوْلَادِهِ عَنْ سُورِ بَيْتَ شَانَ، وَأَخَذُوهَا إِلَى يَابِيشَ وَأَحْرَقُوهَا هُنَاكَ. وَأَخَذُوا عِظَامَهُمْ وَدَفَنُوهَا تَحْتَ شَجَرَةِ الْأَثَلَةِ فِي يَابِيشَ، وَصَامُوا 7 أَيَّامٍ. وَبَعْدَ مَوْتِ شَاوُلَ وَرُجُوعِ دَاوُدَ مِنْ مُحَارَبَةِ الْعَمَالِقَةِ، أَقَامَ دَاوُدُ فِي صِقْلَغَ يَوْمَيْنِ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، جَاءَ رَجُلٌ مِنْ مُعَسْكَرِ شَاوُلَ وَثِيَابُهُ مُمَزَّقَةٌ وَعَلَى رَأْسِهِ تُرَابٌ. فَلَمَّا أَتَى إِلَى دَاوُدَ رَمَى نَفْسَهُ عَلَى الْأَرْضِ احْتِرَامًا لَهُ. فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: ”مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟“ فَقَالَ: ”نَجَوْتُ بِنَفْسِي مِنْ مُعَسْكَرِ إِسْرَائِيلَ.“ فَسَأَلَهُ دَاوُدُ: ”مَاذَا جَرَى؟ أَخْبِرْنِي.“ فَقَالَ: ”اِنْهَزَمَ الْجَيْشُ فِي الْحَرْبِ، وَمَاتَ كَثِيرُونَ مِنَ الشَّعْبِ، وَمَاتَ أَيْضًا شَاوُلُ وَيُونَاثَانُ ابْنُهُ.“ فَسَأَلَهُ دَاوُدُ: ”كَيْفَ عَرَفْتَ أَنَّ شَاوُلَ وَيُونَاثَانَ ابْنَهُ مَاتَا؟“ أَجَابَهُ الرَّجُلُ: ”تَصَادَفَ أَنِّي كُنْتُ فِي جَبَلِ جِلْبُوعَ، فَرَأَيْتُ شَاوُلَ يَتَوَكَّأُ عَلَى رُمْحِهِ وَمَرْكَبَاتُ الْعَدُوِّ وَفُرْسَانُهُ يُطَارِدُونَهُ. فَالْتَفَتَ وَرَاءَهُ فَرَآنِي وَنَادَانِي فَقُلْتُ: ’نَعَمْ يَا سَيِّدِي!‘ فَقَالَ لِي: ’مَنْ أَنْتَ؟‘ فَقُلْتُ: ’عَمَالِيقِيٌّ.‘ فَقَالَ: ’تَعَالَ اقْتُلْنِي، لِأَنِّي جُرِحْتُ جِدًّا وَمَعَ ذَلِكَ مَا زَالَتْ فِيَّ حَيَاةٌ.‘ فَذَهَبْتُ وَقَتَلْتُهُ لِأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ بَعْدَ سُقُوطِهِ. وَأَخَذْتُ التَّاجَ الَّذِي عَلَى رَأْسِهِ وَالسِّوَارَ الَّذِي عَلَى ذِرَاعِهِ وَأَحْضَرْتُهُمَا إِلَيْكَ يَا سَيِّدِي.“ فَأَمْسَكَ دَاوُدُ ثِيَابَهُ وَمَزَّقَهَا، وَفَعَلَ مِثْلَهُ كُلُّ الرِّجَالِ الَّذِينَ مَعَهُ. وَنَاحُوا وَبَكَوْا وَصَامُوا إِلَى الْمَسَاءِ عَلَى شَاوُلَ وَعَلَى يُونَاثَانَ ابْنِهِ، وَعَلَى جَيْشِ الْمَوْلَى وَعَلَى بَيْتِ إِسْرَائِيلَ لِأَنَّهُمُ انْهَزَمُوا فِي الْحَرْبِ. ثُمَّ قَالَ دَاوُدُ لِلرَّجُلِ الَّذِي أَخْبَرَهُ: ”مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟“ فَقَالَ لَهُ: ”أَنَا ابْنُ رَجُلٍ عَمَالِيقِيٍّ مُقِيمٍ فِي بِلَادِكُمْ.“ فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: ”كَيْفَ لَمْ تَخَفْ أَنْ تَمُدَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَ الَّذِي مَسَحَهُ اللهُ؟“ وَنَادَى دَاوُدُ أَحَدَ رِجَالِهِ وَقَالَ لَهُ: ”اِذْهَبْ وَاقْتُلْهُ.“ فَضَرَبَهُ فَمَاتَ. وَقَالَ دَاوُدُ: ”ذَنْبُكَ عَلَى رَأْسِكَ، لِأَنَّ فَمَكَ شَهِدَ عَلَيْكَ لَمَّا قُلْتَ إِنَّكَ قَتَلْتَ الَّذِي مَسَحَهُ اللهُ.“ وَرَثَى دَاوُدُ شَاوُلَ وَيُونَاثَانَ ابْنَهُ بِهَذِهِ الْمَرْثَاةِ، وَأَمَرَ بِأَنْ يَتَعَلَّمَهَا بَنُو يَهُوذَا، هِيَ مَرْثَاةُ الْقَوْسِ الْمَكْتُوبَةُ فِي كِتَابِ يَاشِرَ: ”عَلَى تِلَالِكِ يَا إِسْرَائِيلُ مَاتَ قَادَتُنَا! كَيْفَ سَقَطَ الْأَبْطَالُ! لَا تُخْبِرُوا بِهَذَا فِي جَتَّ، وَلَا تُعْلِنُوا عَنْهُ فِي سَاحَاتِ عَسْقَلَانَ، لِئَلَّا تَفْرَحَ بَنَاتُ الْفِلِسْطِيِّينَ، لِئَلَّا تَبْتَهِجَ بَنَاتُ النَّجِسِينَ. يَا جِبَالَ جِلْبُوعَ، لَا يَكُنْ عَلَيْكِ نَدًى وَلَا مَطَرٌ، وَلَا حُقُولٌ تُنْتِجُ قُرْبَانًا. لِأَنَّ هُنَاكَ طُرِحَ تُرْسُ الْأَبْطَالِ، تُرْسُ شَاوُلَ لَمْ يُمْسَحْ بِالزَّيْتِ. قَوْسُ يُونَاثَانَ لَمْ تَتَرَاجَعْ عَنْ قَتْلِ الْعَدُوِّ، وَسَيْفُ شَاوُلَ لَمْ يَرْتَدَّ عَنْ طَعْنِ الْأَبْطَالِ. شَاوُلُ وَيُونَاثَانُ الْمَحْبُوبَانِ وَالْحُلْوَانِ، فِي الْحَيَاةِ كَانَا مَعًا وَفِي الْمَوْتِ لَمْ يَفْتَرِقَا. كَانَا أَسْرَعَ مِنَ النُّسُورِ وَأَقْوَى مِنَ الْأُسُودِ. يَا بَنَاتِ إِسْرَائِيلَ، اِبْكِينَ عَلَى شَاوُلَ، الَّذِي أَلْبَسَكُنَّ ثِيَابًا حَمْرَاءَ وَزِينَةً مِنْ ذَهَبٍ. كَيْفَ سَقَطَ الْأَبْطَالُ فِي الْحَرْبِ! عَلَى تِلَالِكِ مَاتَ يُونَاثَانُ. أَنَا حَزِينٌ عَلَيْكَ يَا أَخِي يُونَاثَانَ. كُنْتَ عَزِيزًا عَلَيَّ جِدًّا. مَحَبَّتُكَ لِي كَانَتْ عَجِيبَةً، وَأَرْوَعَ مِنْ مَحَبَّةِ النِّسَاءِ. كَيْفَ سَقَطَ الْأَبْطَالُ، وَرَاحَتْ أَدَوَاتُ الْحَرْبِ!“ وَبَعْدَ ذَلِكَ اسْتَشَارَ دَاوُدُ اللهَ وَقَالَ لَهُ: ”هَلْ أَصْعَدُ إِلَى إِحْدَى مُدُنِ يَهُوذَا؟“ فَقَالَ لَهُ اللهُ: ”اِصْعَدْ.“ فَقَالَ دَاوُدُ: ”إِلَى أَيْنَ؟“ فَقَالَ: ”إِلَى حَبْرُونَ.“ فَصَعِدَ دَاوُدُ إِلَى هُنَاكَ وَمَعَهُ زَوْجَتَاهُ أَخِينُوعَمُ الْيَزْرَعِيلِيَّةُ وَأَبِيجَايِلُ أَرْمَلَةُ نَابَالَ الْكَرْمَلِيِّ. وَأَخَذَ دَاوُدُ أَيْضًا رِجَالَهُ الَّذِينَ مَعَهُ، كُلَّ وَاحِدٍ وَعَائِلَتَهُ، وَسَكَنُوا فِي حَبْرُونَ وَالْمُدُنِ الَّتِي حَوْلَهَا. وَجَاءَ رِجَالُ يَهُوذَا إِلَى حَبْرُونَ وَمَسَحُوا هُنَاكَ دَاوُدَ مَلِكًا عَلَى بَيْتِ يَهُوذَا. وَسَمِعَ دَاوُدُ أَنَّ أَهْلَ يَابِيشَ جِلْعَادَ هُمُ الَّذِينَ دَفَنُوا شَاوُلَ. فَأَرْسَلَ دَاوُدُ رُسُلًا إِلَيْهِمْ يَقُولُ لَهُمْ: ”بَارَكَ اللهُ فِيكُمْ لِأَنَّكُمْ عَمِلْتُمْ هَذَا الْمَعْرُوفَ مَعَ سَيِّدِكُمْ شَاوُلَ فَدَفَنْتُمُوهُ. لَيْتَ اللهَ يَعْمَلُ مَعَكُمْ مَعْرُوفًا، وَيُظْهِرُ لَكُمُ الْوَفَاءَ. وَأَنَا أَيْضًا أُجَازِيكُمْ خَيْرًا عَلَى هَذَا الْعَمَلِ. فَالْآنَ كُونُوا أَقْوِيَاءَ وَشُجْعَانًا، لِأَنَّ سَيِّدَكُمْ شَاوُلَ مَاتَ وَقَدْ مَسَحَنِي بَيْتُ يَهُوذَا مَلِكًا عَلَيْهِمْ.“ وَأَمَّا أَبْنِيرُ بْنُ نِيرَ قَائِدُ جَيْشِ شَاوُلَ، فَأَخَذَ إِيشْبُوشَتَ بْنَ شَاوُلَ إِلَى مَحَنَايِمَ. وَجَعَلَهُ مَلِكًا عَلَى جِلْعَادَ وَأَشِيرَ وَيَزْرَعِيلَ وَأَفْرَايِمَ وَبِنْيَمِينَ، وَعَلَى كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَكَانَ إِيشْبُوشَتُ بْنُ شَاوُلَ ابْنَ 40 سَنَةً حِينَ مَلَكَ عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَدَامَ مُلْكُهُ سَنَتَيْنِ. أَمَّا قَبِيلَةُ يَهُوذَا فَتَبِعُوا دَاوُدَ. وَمَلَكَ دَاوُدُ فِي حَبْرُونَ عَلَى قَبِيلَةِ يَهُوذَا 7 سِنِينَ وَ6 أَشْهُرٍ. وَخَرَجَ أَبْنِيرُ بْنُ نِيرَ وَرِجَالُ إِيشْبُوشَتَ بْنِ شَاوُلَ مِنْ مَحَنَايِمَ إِلَى جِبْعُونَ. وَخَرَجَ يُوآبُ ابْنُ صَرُويَةَ وَرِجَالُ دَاوُدَ، فَالْتَقَوْا جَمِيعًا عِنْدَ بِرْكَةِ جِبْعُونَ. وَجَلَسُوا فِرْقَةٌ عَلَى جَانِبِ الْبِرْكَةِ مِنْ هُنَا، وَالْفِرْقَةُ الْأُخْرَى عَلَى جَانِبِ الْبِرْكَةِ مِنْ هُنَاكَ. فَقَالَ أَبْنِيرُ لِيُوآبَ: ”لِيَقُمِ الرِّجَالُ وَيَتَبَارَزُوا أَمَامَنَا.“ فَقَالَ يُوآبُ: ”لِيَقُومُوا.“ فَقَامُوا بِالْعَدَدِ 12 رَجُلًا لِبِنْيَمِينَ وَإِيشْبُوشَتَ بْنِ شَاوُلَ، وَ12 لِدَاوُدَ. فَأَمْسَكَ كُلُّ وَاحِدٍ بِرَأْسِ خَصْمِهِ وَطَعَنَهُ بِالسَّيْفِ فِي جَنْبِهِ، فَسَقَطُوا جَمِيعًا. لِذَلِكَ هَذَا الْمَكَانُ فِي جِبْعُونَ اسْمُهُ حَقْلُ السُّيُوفِ. وَكَانَ قِتَالٌ شَدِيدٌ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَانْهَزَمَ أَبْنِيرُ وَرِجَالُ إِسْرَائِيلَ أَمَامَ رِجَالِ دَاوُدَ. وَكَانَ هُنَاكَ بَنُو صَرُويَةَ الـ3: يُوآبُ وَأَبِيشَايُ وَعَسَائِيلُ. وَكَانَ عَسَائِيلُ سَرِيعَ الْجَرْيِ كَالْغَزَالِ الْبَرِّيِّ. فَأَخَذَ عَسَائِيلُ يُطَارِدُ أَبْنِيرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحِيدَ عَنْهُ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا. فَالْتَفَتَ أَبْنِيرُ إِلَى وَرَائِهِ وَقَالَ: ”هَلْ أَنْتَ عَسَائِيلُ؟“ أَجَابَ: ”أَنَا هُوَ.“ فَقَالَ لَهُ أَبْنِيرُ: ”اِنْحَرِفْ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا وَاقْبِضْ عَلَى أَحَدِ الرِّجَالِ وَخُذْ لِنَفْسِكَ مَا مَعَهُ.“ فَرَفَضَ عَسَائِيلُ أَنْ يَحِيدَ عَنْهُ. فَعَادَ أَبْنِيرُ يَطْلُبُ مِنْ عَسَائِيلَ أَنْ يَنْحَرِفَ عَنْهُ وَقَالَ: ”لِمَاذَا تُجْبِرُنِي أَنْ أَقْتُلَكَ، فَكَيْفَ أُوَاجِهُ يُوآبَ أَخَاكَ؟“ فَرَفَضَ أَنْ يَحِيدَ عَنْهُ. فَرَمَى أَبْنِيرُ الرُّمْحَ لِلْوَرَاءِ، فَطَعَنَهُ فِي بَطْنِهِ وَخَرَجَ الرُّمْحُ مِنْ ظَهْرِهِ، فَسَقَطَ هُنَاكَ وَمَاتَ فِي مَكَانِهِ. وَكَانَ كُلُّ مَنْ يَأْتِي إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي سَقَطَ فِيهِ عَسَائِيلُ وَمَاتَ يَقِفُ. وَطَارَدَ يُوآبُ وَأَبِيشَايُ أَبْنِيرَ، وَغَابَتِ الشَّمْسُ لَمَّا وَصَلَا إِلَى تَلِّ أَمَّةَ بِالْقُرْبِ مِنْ جِيحَ فِي طَرِيقِ بَرِّيَّةِ جِبْعُونَ. فَاجْتَمَعَ بَنُو بِنْيَمِينَ فِي جَمَاعَةٍ وَاحِدَةٍ. وَوَقَفُوا عَلَى قِمَّةِ تَلٍّ. وَنَادَى أَبْنِيرُ يُوآبَ وَقَالَ: ”هَلْ يَسْتَمِرُّ هَذَا الْقَتْلُ إِلَى الْأَبَدِ؟ أَلَا تَعْلَمُ أَنَّ نِهَايَةَ هَذَا مُرَّةٌ؟ فَحَتَّى مَتَى لَا تَأْمُرُ رِجَالَكَ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْ إِخْوَتِهِمْ؟“ فَقَالَ يُوآبُ: ”أُقْسِمُ بِاللهِ لَوْ لَمْ تَتَكَلَّمْ لَمَا عَادَ رِجَالِي عَنْ إِخْوَتِهِمْ إِلَى الصَّبَاحِ!“ ثُمَّ نَفَخَ يُوآبُ فِي الْبُوقِ، فَتَوَقَّفَ كُلُّ رَجَالِهِ عَنْ مُطَارَدَةِ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ وَعَنْ مُحَارَبَتِهِمْ. فَسَارَ أَبْنِيرُ وَرِجَالُهُ فِي الْوَادِي ذَلِكَ اللَّيْلَ كُلَّهُ. ثُمَّ عَبَرُوا نَهْرَ الْأُرْدُنِّ، وَسَارُوا أَيْضًا حَتَّى وَصَلُوا إِلَى مَحَنَايِمَ. وَرَجَعَ يُوآبُ مِنْ مُطَارَدَةِ أَبْنِيرَ، وَجَمَعَ الرِّجَالَ، وَوَجَدَ أَنَّهُ فَقَدَ مِنْ أَتْبَاعِ دَاوُدَ 19 رَجُلًا وَعَسَائِيلَ. وَقَتَلَ رِجَالُ دَاوُدَ مِنْ بَنِي بِنْيَمِينَ وَمِنْ رِجَالِ أَبْنِيرَ 360 رَجُلًا. ثُمَّ حَمَلُوا عَسَائِيلَ وَدَفَنُوهُ فِي قَبْرِ أَبِيهِ فِي بَيْتَ لَحْمَ. وَسَارَ يُوآبُ وَرِجَالُهُ اللَّيْلَ كُلَّهُ، وَوَصَلُوا إِلَى حَبْرُونَ فِي الصُّبْحِ. وَطَالَتِ الْحَرْبُ بَيْنَ بَيْتِ شَاوُلَ وَبَيْتِ دَاوُدَ. وَكَانَ دَاوُدُ يَزِيدُ قُوَّةً وَبَيْتُ شَاوُلَ يَزِيدُ ضَعْفًا. وَأَنْجَبَ دَاوُدُ بَنِينَ فِي حَبْرُونَ، فَكَانَ بِكْرُهُ أَمْنُونَ مِنْ أَخِينُوعَمَ الْيَزْرَعِيلِيَّةِ، وَالثَّانِي كِيلَآبَ مِنْ أَبِيجَايِلَ أَرْمَلَةِ نَابَالَ الْكَرْمَلِيِّ، وَالثَّالِثُ أَبْشَلُومَ ابْنَ مَعْكَةَ بِنْتِ تَلْمَايَ مَلِكِ جَشُورَ، وَالرَّابِعُ أَدُونْيَا ابْنَ حَجِّيتَ، وَالْخَامِسُ شَفَطْيَا ابْنَ أَبِيطَالَ، وَالسَّادِسُ يَثْرِعَامَ مِنْ عَجْلَةَ زَوْجَةِ دَاوُدَ. وَفِي أَثْنَاءِ الْحَرْبِ الَّتِي دَارَتْ بَيْنَ بَيْتِ شَاوُلَ وَبَيْتِ دَاوُدَ، زَادَ نُفُوذُ أَبْنِيرَ فِي بَيْتِ شَاوُلَ. وَكَانَ لِشَاوُلَ جَارِيَةٌ اسْمُهَا رِصْفَةُ بِنْتُ أَيَّةَ. فَقَالَ إِيشْبُوشَتُ لِأَبْنِيرَ: ”لِمَاذَا عَاشَرْتَ جَارِيَةَ أَبِي؟“ فَغَضِبَ أَبْنِيرُ جِدًّا مِنْ كَلَامِ إِيشْبُوشَتَ وَقَالَ: ”هَلْ تَظُنُّ أَنِّي عَمِيلٌ لِيَهُوذَا؟ طُولَ هَذَا الْوَقْتِ وَأَنَا وَفِيٌّ لِبَيْتِ شَاوُلَ أَبِيكَ وَلِإِخْوَتِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَلَمْ أُسَلِّمْكَ لِيَدِ دَاوُدَ، وَأَنْتَ تَشُكُّ فِيَّ بِسَبَبِ عَلَاقَتِي بِالْمَرْأَةِ؟ لَيْتَ اللهَ يُعَاقِبُنِي أَشَدَّ عِقَابٍ، إِنْ كُنْتُ لَا أُنَاصِرُ دَاوُدَ وَأُحَقِّقُ لَهُ مَا وَعَدَهُ بِهِ الْمَوْلَى، أَنْ يَنْقُلَ الْمَمْلَكَةَ مِنْ بَيْتِ شَاوُلَ، وَيُقِيمَ عَرْشَ دَاوُدَ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا مِنْ دَانَ إِلَى بِئْرَ سَبْعَ.“ وَلَمْ يَقْدِرْ إِيشْبُوشَتُ أَنْ يُجَاوِبَ عَلَى أَبْنِيرَ وَلَا بِكَلِمَةٍ، لِأَنَّهُ خَافَ مِنْهُ. وَفِي الْحَالِ أَرْسَلَ أَبْنِيرُ رُسُلًا إِلَى دَاوُدَ يَقُولُ: ”مَنْ سَيَحْكُمُ الْبِلَادَ؟ اِقْطَعْ مَعِي عَهْدًا. وَأَنَا أُبَايِعُكَ وَأَضُمُّ كُلَّ إِسْرَائِيلَ إِلَيْكَ.“ فَأَجَابَ دَاوُدُ: ”حَسَنًا. أَنَا أَقْطَعُ مَعَكَ عَهْدًا، وَلَكِنِّي أَطْلُبُ مِنْكَ شَيْئًا، وَهُوَ أَنَّكَ عِنْدَمَا تَأْتِي لِتَرَانِي تُحْضِرُ مَعَكَ مِيكَالَ بِنْتَ شَاوُلَ. مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ لَنْ تَرَانِي.“ ثُمَّ أَرْسَلَ دَاوُدُ رُسُلًا إِلَى إِيشْبُوشَتَ بْنِ شَاوُلَ يَقُولُ: ”أَعْطِنِي زَوْجَتِي مِيكَالَ الَّتِي خَطَبْتُهَا بِـ100 غُلْفَةٍ مِنَ الْفِلِسْطِيِّينَ.“ فَأَرْسَلَ إِيشْبُوشَتُ وَأَخَذَهَا مِنْ عِنْدِ زَوْجِهَا فَلْطِيئِيلَ بْنِ لَايِشَ. وَسَارَ زَوْجُهَا مَعَهَا، وَكَانَ يَبْكِي وَرَاءَهَا حَتَّى وَصَلَ إِلَى بَحُورِيمَ، فَقَالَ لَهُ أَبْنِيرُ: ”اِذْهَبْ وَارْجِعْ.“ فَرَجَعَ. وَقَالَ أَبْنِيرُ لِشُيُوخِ إِسْرَائِيلَ: ”مُنْذُ فَتْرَةٍ وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ يَكُونَ دَاوُدُ مَلِكًا عَلَيْكُمْ. فَالْآنَ نَفِّذُوا رَغْبَتَكُمْ، لِأَنَّ الْمَوْلَى وَعَدَهُ وَقَالَ لَهُ: ’بِوَاسِطَةِ دَاوُدَ عَبْدِي أُنْقِذُ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ قَبْضَةِ الْفِلِسْطِيِّينَ وَمِنْ قَبْضَةِ كُلِّ أَعْدَائِهِمْ.‘“ وَكَلَّمَ أَيْضًا بَنِي بِنْيَمِينَ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ رَاحَ إِلَى حَبْرُونَ لِيُخْبِرَ دَاوُدَ بِكُلِّ مَا تَمَّ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمَعَ كُلِّ بَيْتِ بِنْيَمِينَ. فَلَمَّا ذَهَبَ أَبْنِيرُ إِلَى دَاوُدَ فِي حَبْرُونَ، أَخَذَ مَعَهُ 20 رَجُلًا. فَعَمِلَ دَاوُدُ وَلِيمَةً لَهُ وَلِلرِّجَالِ الَّذِينَ مَعَهُ. فَقَالَ أَبْنِيرُ لِدَاوُدَ: ”أَقُومُ الْآنَ وَأَذْهَبُ وَأَجْمَعُ لِسَيِّدِي الْمَلِكِ كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِيَقْطَعُوا مَعَكَ عَهْدًا، وَتَمْلِكَ عَلَيْهِمْ كَمَا تُرِيدُ.“ فَصَرَفَ دَاوُدُ أَبْنِيرَ، فَذَهَبَ بِسَلَامٍ. وَعِنْدَ ذَلِكَ وَصَلَ يُوآبُ وَرِجَالُ دَاوُدَ رَاجِعِينَ مِنْ غَزْوَةٍ وَمَعَهُمْ غَنِيمَةٌ كَثِيرَةٌ. وَكَانَ دَاوُدُ قَدْ صَرَفَ أَبْنِيرَ فَمَضَى مِنْ عِنْدِهِ وَذَهَبَ مِنْ حَبْرُونَ بِسَلَامٍ. وَلَمَّا وَصَلَ يُوآبُ وَكُلُّ الْجَيْشِ الَّذِي مَعَهُ، قَالَ لَهُ الْبَعْضُ: ”جَاءَ أَبْنِيرُ بْنُ نِيرَ إِلَى الْمَلِكِ، فَصَرَفَهُ الْمَلِكُ وَذَهَبَ بِسَلَامٍ!“ فَدَخَلَ يُوآبُ إِلَى الْمَلِكِ وَقَالَ: ”مَاذَا فَعَلْتَ؟ جَاءَ أَبْنِيرُ إِلَيْكَ، فَلِمَاذَا تَرَكْتَهُ يَنْصَرِفُ وَيَذْهَبُ؟ أَنْتَ تَعْرِفُ أَبْنِيرَ بْنَ نِيرَ! إِنَّهُ جَاءَ لِيَخْدَعَكَ وَيُرَاقِبَ تَحَرُّكَاتِكَ وَيَعْرِفَ كُلَّ مَا تَعْمَلُهُ.“ ثُمَّ خَرَجَ يُوآبُ مِنْ عِنْدِ دَاوُدَ، وَأَرْسَلَ رُسُلًا وَرَاءَ أَبْنِيرَ، فَأَرْجَعُوهُ مِنْ بِئْرِ السِّيرَةِ، وَدَاوُدُ لَا يَعْلَمُ. فَلَمَّا رَجَعَ أَبْنِيرُ إِلَى حَبْرُونَ، أَخَذَهُ يُوآبُ عَلَى نَاحِيَةٍ دَاخِلَ الْبَوَّابَةِ وَكَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَقُولَ لَهُ سِرًّا. وَطَعَنَهُ فِي بَطْنِهِ انْتِقَامًا مِنْهُ لِأَنَّهُ قَتَلَ عَسَائِيلَ أَخَا يُوآبَ. وَلَمَّا سَمِعَ دَاوُدُ بِذَلِكَ، قَالَ: ”يَشْهَدُ اللهُ أَنِّي بَرِيءٌ إِلَى الْأَبَدِ، أَنَا وَمَمْلَكَتِي، مِنْ قَتْلِ أَبْنِيرَ بْنِ نِيرَ. لِيَكُنْ ذَنْبُهُ عَلَى رَأْسِ يُوآبَ وَكُلِّ أَهْلِ أَبِيهِ! وَلَا يَنْقَطِعْ مِنْ عَائِلَةِ يُوآبَ مَنْ فِيهِ قُرُوحٌ وَأَبْرَصُ وَأَعْرَجُ وَمَقْتُولٌ بِالسَّيْفِ وَجَائِعٌ إِلَى الْخُبْزِ.“ فَقَتَلَ يُوآبُ وَأَبِيشَايُ أَخُوهُ أَبْنِيرَ، لِأَنَّهُ قَتَلَ عَسَائِيلَ أَخَاهُمَا فِي الْحَرْبِ فِي جِبْعُونَ. وَقَالَ دَاوُدُ لِيُوآبَ وَلِكُلِّ الشَّعْبِ الَّذِي مَعَهُ: ”مَزِّقُوا ثِيَابَكُمْ، وَالْبَسُوا الْخَيْشَ، وَاحْزَنُوا عَلَى أَبْنِيرَ.“ وَسَارَ الْمَلِكُ دَاوُدُ وَرَاءَ النَّعْشِ. وَدَفَنُوا أَبْنِيرَ فِي حَبْرُونَ. وَبَكَى الْمَلِكُ بِصَوْتٍ عَالٍ عَلَى قَبْرِ أَبْنِيرَ، وَبَكَى كُلُّ الشَّعْبِ أَيْضًا. وَرَثَا الْمَلِكُ أَبْنِيرَ وَقَالَ: ”لِمَاذَا مَاتَ أَبْنِيرُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ الدَّنِيئَةِ؟ لَمْ تُرْبَطْ يَدَاكَ، وَلَمْ تُقَيَّدْ رِجْلَاكَ! وَلَكِنَّكَ سَقَطْتَ بِيَدِ الْأَشْرَارِ.“ فَأَخَذَ كُلُّ الشَّعْبِ يَبْكِي عَلَيْهِ. وَجَاءَ الشَّعْبُ وَطَلَبُوا مِنْ دَاوُدَ أَنْ يَأْكُلَ، وَكَانَ مَا زَالَ نَهَارٌ، فَحَلَفَ دَاوُدُ وَقَالَ: ”لَيْتَ اللهَ يُعَاقِبُنِي أَشَدَّ عِقَابٍ، إِنْ كُنْتُ أَذُوقُ خُبْزًا أَوْ شَيْئًا آخَرَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ.“ فَعَلِمَ الشَّعْبُ بِذَلِكَ وَاسْتَحْسَنُوهُ، كَمَا اسْتَحْسَنُوا كُلَّ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ الْمَلِكُ. وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلِمَ كُلُّ الشَّعْبِ وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمَلِكِ يَدٌ فِي مَقْتَلِ أَبْنِيرَ بْنِ نِيرَ. وَقَالَ الْمَلِكُ لِرِجَالِهِ: ”أَلَا تَعْلَمُونَ أَنَّ رَئِيسًا وَعَظِيمًا مَاتَ الْيَوْمَ فِي إِسْرَائِيلَ؟ وَالْيَوْمَ أَنَا ضَعِيفٌ، وَمَعَ أَنِّي الْمَلِكُ الْمَمْسُوحُ لَكِنَّ بَنِي صَرُويَةَ هَؤُلَاءِ هُمْ أَقْوَى مِنِّي! يُجَازِي اللهُ فَاعِلَ الشَّرِّ حَسَبَ شَرِّهِ.“ وَسَمِعَ إِيشْبُوشَتُ بْنُ شَاوُلَ أَنَّ أَبْنِيرَ مَاتَ فِي حَبْرُونَ، فَرَاحَتْ مِنْهُ شَجَاعَتُهُ، وَارْتَعَبَ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَكَانَ لِابْنِ شَاوُلَ رَجُلَانِ يَقُودَانِ الْغُزَاةَ، وَاحِدٌ اسْمُهُ بَعْنَةُ وَالْآخَرُ رِكَابُ، وَهُمَا ابْنَا رِمُّونَ الْبَئِيرُوتِيِّ مِنْ قَبِيلَةِ بِنْيَمِينَ. لِأَنَّ بَئِيرُوتَ كَانَتْ تَابِعَةً لِبِنْيَمِينَ، وَلَكِنْ هَرَبَ أَهْلُهَا إِلَى جَتَّايِمَ وَأَقَامُوا فِيهَا إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. وَكَانَ لِيُونَاثَانَ بْنِ شَاوُلَ ابْنٌ أَعْرَجُ الرِّجْلَيْنِ. لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ ابْنَ 5 سِنِينَ، وَجَاءَ خَبَرُ مَوْتِ شَاوُلَ وَيُونَاثَانَ فِي يَزْرَعِيلَ، حَمَلَتْهُ مُرَبِّيَتُهُ وَهَرَبَتْ. وَبَيْنَمَا هِيَ تَجْرِي، وَقَعَ وَصَارَ أَعْرَجَ. وَاسْمُهُ مَفِيبُوشَتُ. وَذَاتَ يَوْمٍ ذَهَبَ رِكَابُ وَبَعْنَةُ ابْنَا رِمُّونَ الْبَئِيرُوتِيِّ، فِي أَحَرِّ سَاعَةٍ فِي النَّهَارِ، وَدَخَلَا دَارَ إِيشْبُوشَتَ بْنِ شَاوُلَ وَهُوَ نَائِمٌ وَقْتَ الْقَيْلُولَةِ. وَكَانَتْ حَارِسَةُ الدَّارِ تُنَقِّي بَعْضَ الْقَمْحِ وَلَكِنَّهَا نَعِسَتْ وَنَامَتْ. فَمَرَّ بِهَا رِكَابُ وَأَخُوهُ بَعْنَةُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَرَاهُمَا. وَدَخَلَا الدَّارَ وَذَهَبَا إِلَى غُرْفَةِ نَوْمِ إِيشْبُوشَتَ حَيْثُ كَانَ نَائِمًا عَلَى سَرِيرِهِ. وَطَعَنَاهُ وَقَتَلَاهُ ثُمَّ قَطَعَا رَأْسَهُ، وَأَخَذَاهَا مَعَهُمَا وَسَارَا فِي طَرِيقِ الْوَادِي طُولَ اللَّيْلِ. وَأَتَيَا بِرَأْسِ إِيشْبُوشَتَ إِلَى دَاوُدَ فِي حَبْرُونَ وَقَالَا لِلْمَلِكِ: ”هَذِهِ رَأْسُ إِيشْبُوشَتَ بْنِ شَاوُلَ، عَدُوِّكَ الَّذِي كَانَ يُحَاوِلُ أَنْ يَقْتُلَكَ. فَالْيَوْمَ انْتَقَمَ اللهُ لَكَ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ مِنْ شَاوُلَ وَمِنْ نَسْلِهِ.“ فَقَالَ دَاوُدُ لَهُمَا: ”أُقْسِمُ بِاللهِ الَّذِي نَجَّانِي مِنْ كُلِّ ضِيقٍ! إِنَّ الَّذِي أَخْبَرَنِي بِمَوْتِ شَاوُلَ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ يُبَشِّرُنِي بِخَيْرٍ، قَبَضْتُ عَلَيْهِ وَقَتَلْتُهُ فِي صِقْلَغَ جَزَاءَ بِشَارَتِهِ. فَمَا هُوَ جَزَاءُ رَجُلَيْنِ خَائِنَيْنِ قَتَلَا شَخْصًا بَرِيئًا فِي دَارِهِ وَعَلَى سَرِيرِهِ؟ أَلَا أُحَاسِبُكُمَا عَلَى سَفْكِ دَمِهِ، وَأُبِيدُكُمَا مِنَ الْأَرْضِ؟“ وَأَمَرَ دَاوُدُ رِجَالَهُ فَقَتَلُوهُمَا، وَقَطَعُوا أَيْدِيَهُمَا وَأَرْجُلَهُمَا، وَعَلَّقُوهُمَا عَلَى بِرْكَةِ حَبْرُونَ. وَأَمَّا رَأْسُ إِيشْبُوشَتَ فَأَخَذُوهَا وَدَفَنُوهَا فِي قَبْرِ أَبْنِيرَ فِي حَبْرُونَ. وَجَاءَتْ كُلُّ قَبَائِلِ إِسْرَائِيلَ إِلَى دَاوُدَ فِي حَبْرُونَ، وَقَالُوا لَهُ: ”نَحْنُ أَقَارِبُكَ مِنْ لَحْمِكَ وَدَمِكَ. وَفِي الْمَاضِي لَمَّا كَانَ شَاوُلُ مَلِكًا عَلَيْنَا، كُنْتَ أَنْتَ تَقُودُ إِسْرَائِيلَ فِي الْحَرْبِ، وَالْمَوْلَى قَالَ لَكَ: ’أَنْتَ تَرْعَى شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَتَكُونُ قَائِدًا لَهُمْ.‘“ فَجَاءَ كُلُّ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ إِلَى الْمَلِكِ فِي حَبْرُونَ، فَقَطَعَ الْمَلِكُ دَاوُدُ مَعَهُمْ عَهْدًا أَمَامَ الْمَوْلَى. وَمَسَحُوا دَاوُدَ مَلِكًا عَلَى بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. وَكَانَ دَاوُدُ ابْنَ 30 سَنَةً لَمَّا صَارَ مَلِكًا، وَمَلَكَ 40 سَنَةً. مَلَكَ فِي حَبْرُونَ عَلَى يَهُوذَا 7 سِنِينَ وَ6 أَشْهُرٍ، وَمَلَكَ فِي الْقُدْسِ 33 سَنَةً عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا. وَزَحَفَ الْمَلِكُ وَجَيْشُهُ عَلَى الْقُدْسِ لِيُحَارِبَ الْيَبُوسِيِّينَ أَهْلَهَا. فَظَنُّوا أَنَّهُ لَنْ يَقْدِرَ أَنْ يَدْخُلَهَا، فَقَالُوا لَهُ: ”لَا يُمْكِنُكَ أَنْ تَدْخُلَ إِلَى هُنَا، فَحَتَّى الْعُمْيُ وَالْعُرْجُ يَصُدُّونَكَ!“ لَكِنَّ دَاوُدَ اسْتَوْلَى عَلَى حِصْنِ تِصْيُونَ، الْمَعْرُوفِ الْآنَ بِمَدِينَةِ دَاوُدَ. وَقَالَ دَاوُدُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِرِجَالِهِ: ”مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَهْزِمَ الْيَبُوسِيِّينَ، فَيَجِبُ أَنْ يَدْخُلَ إِلَيْهِمْ عَنْ طَرِيقِ قَنَاةِ الْمِيَاهِ، لِيَصِلَ إِلَى أُولَئِكَ الْعُرْجِ وَالْعُمْيِ أَعْدَاءِ دَاوُدَ.“ لِذَلِكَ يَقُولُ النَّاسُ: ”لَا يَدْخُلُ أَعْمَى أَوْ أَعْرَجُ إِلَى الْقَصْرِ!“ وَسَكَنَ دَاوُدُ فِي الْحِصْنِ وَسَمَّاهُ مَدِينَةَ دَاوُدَ، وَبَنَى حَوْلَهُ مِنَ السُّورِ إِلَى الدَّاخِلِ. وَكَانَ دَاوُدُ يَزِيدُ عَظَمَةً وَالْمَوْلَى الْقَدِيرُ مَعَهُ. وَأَرْسَلَ حِيرَامُ مَلِكُ صُورَ وَفْدًا إِلَى دَاوُدَ وَخَشَبَ أَرْزٍ وَنَجَّارِينَ وَبَنَّائِينَ، فَبَنَوْا لَهُ قَصْرًا. وَعَلِمَ دَاوُدُ أَنَّ اللهَ ثَبَّتَهُ مَلِكًا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَجَعَلَ مُلْكَهُ عَظِيمًا مِنْ أَجْلِ شَعْبِهِ. وَبَعْدَمَا انْتَقَلَ دَاوُدُ مِنْ حَبْرُونَ إِلَى الْقُدْسِ، أَخَذَ جَوَارِيَ وَزَوْجَاتٍ، وَأَنْجَبَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ. وَهَذِهِ هِيَ أَسْمَاءُ الَّذِينَ وُلِدُوا لَهُ فِي الْقُدْسِ: شَمُّوعُ وَشُوبَابُ وَنَاثَانُ وَسُلَيْمَانُ، وَيَبْحَارُ وَأَلِيشُوعُ وَنَافَجُ وَيَافِيعُ، وَأَلِيشَمَعُ وَأَلِيدَاعُ وَأَلِيفَلَطُ. وَسَمِعَ الْفِلِسْطِيُّونَ أَنَّ دَاوُدَ مُسِحَ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، فَصَعِدُوا كُلُّهُمْ لِيَبْحَثُوا عَنْهُ. فَلَمَّا سَمِعَ دَاوُدُ، نَزَلَ إِلَى الْحِصْنِ. وَجَاءَ الْفِلِسْطِيُّونَ وَانْتَشَرُوا فِي وَادِي رَفَايِمَ. فَاسْتَشَارَ دَاوُدُ اللهَ وَقَالَ: ”هَلْ أَذْهَبُ لِمُحَارَبَةِ الْفِلِسْطِيِّينَ؟ وَهَلْ تَنْصُرُنِي عَلَيْهِمْ؟“ فَقَالَ لَهُ اللهُ: ”اِذْهَبْ فَأَنْصُرَكَ عَلَيْهِمْ.“ فَتَقَدَّمَ دَاوُدُ إِلَى بَعْلَ فَرَاصِيمَ وَهَزَمَهُمْ هُنَاكَ وَقَالَ: ”الْمَوْلَى جَرَفَ أَعْدَائِي أَمَامِي كَمَا يَفْعَلُ سَيْلُ الْمِيَاهِ!“ لِذَلِكَ دُعِيَ ذَلِكَ الْمَكَانُ 'بَعْلَ فَرَاصِيمَ.' وَتَرَكَ الْفِلِسْطِيُّونَ أَصْنَامَهُمْ هُنَاكَ، فَنَزَعَهَا دَاوُدُ وَرِجَالُهُ. وَصَعِدَ الْفِلِسْطِيُّونَ مَرَّةً أُخْرَى وَانْتَشَرُوا فِي وَادِي رَفَايِمَ. فَاسْتَشَارَ دَاوُدُ اللهَ، فَقَالَ لَهُ: ”لَا تَذْهَبْ إِلَيْهِمْ مُبَاشَرَةً، بَلْ دُرْ حَوْلَهُمْ. وَاهْجُمْ عَلَيْهِمْ مِنَ الْخَلْفِ مِنْ جِهَةِ أَشْجَارِ الْبَلْسَمِ. وَعِنْدَمَا تَسْمَعُ صَوْتَ خَطَوَاتٍ تَتَحَرَّكُ فِي قِمَمِ أَشْجَارِ الْبَلْسَمِ، تَقَدَّمْ بِسُرْعَةٍ لِأَنَّ هَذَا يَعْنِي أَنَّ الْمَوْلَى خَرَجَ أَمَامَكَ لِيَضْرِبَ جَيْشَ الْفِلِسْطِيِّينَ.“ فَفَعَلَ دَاوُدُ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ، وَهَزَمَ الْفِلِسْطِيِّينَ مِنْ جِبْعُونَ إِلَى جَازَرَ. وَعَادَ دَاوُدُ وَجَمَعَ 30000 رَجُلٍ اخْتَارَهُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَخَرَجَ هُوَ وَكُلُّ رِجَالِهِ إِلَى بَعْلَةَ الَّتِي فِي يَهُوذَا لِيُحْضِرُوا مِنْ هُنَاكَ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ الَّذِي يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، اِسْمُ الْمَوْلَى الْقَدِيرِ الْجَالِسِ عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ. فَوَضَعُوا الصُّنْدُوقَ عَلَى عَرَبَةٍ جَدِيدَةٍ، وَأَخَذُوهُ مِنْ دَارِ أَبِينَادَابَ الَّتِي عَلَى التَّلِّ. وَكَانَ عُزَّةُ وَأَخِيُّو ابْنَا أَبِينَادَابَ يَسُوقَانِ الْعَرَبَةَ الْجَدِيدَةَ، وَعَلَيْهَا الصُّنْدُوقُ. وَكَانَ أَخِيُّو يَسِيرُ أَمَامَهُ، وَدَاوُدُ وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَرْقُصُونَ بِكُلِّ قُوَّتِهِمْ أَمَامَ الْمَوْلَى، وَيُغَنُّونَ عَلَى مُوسِيقَى الْأَعْوَادِ وَالرَّبَابِ وَالدُّفُوفِ وَالصُّنُوجِ وَالنَّاقُوسِ. فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى بَيْدَرِ نَاخُونَ، عَثَرَتِ الثِّيرَانُ، فَمَدَّ عُزَّةُ يَدَهُ إِلَى صُنْدُوقِ الْعَهْدِ وَأَمْسَكَهُ. فَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ جِدًّا لِأَنَّهُ فَعَلَ هَذَا، وَضَرَبَهُ اللهُ فَمَاتَ هُنَاكَ بِجَانِبِ الصُّنْدُوقِ. فَاغْتَاظَ دَاوُدُ لِأَنَّ الْمَوْلَى ضَرَبَ عُزَّةَ فَمَاتَ، وَدَعَا ذَلِكَ الْمَكَانَ 'فَارِصَ عُزَّةَ' إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. وَخَافَ دَاوُدُ مِنَ الْمَوْلَى فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَقَالَ: ”لَا أَتَجَرَّأُ أَنْ آخُذَ صُنْدُوقَ عَهْدِ الْمَوْلَى عِنْدِي.“ وَرَفَضَ دَاوُدُ أَنْ يَنْقُلَ الصُّنْدُوقَ عِنْدَهُ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. بَلْ أَخَذَهُ إِلَى دَارِ عُبَيْدَ أَدُومَ الْجَتِّيِّ. وَبَقِيَ الصُّنْدُوقُ فِي دَارِ عُبَيْدَ أَدُومَ الْجَتِّيِّ 3 أَشْهُرٍ. وَبَارَكَ اللهُ عُبَيْدَ أَدُومَ وَكُلَّ دَارِهِ. وَبَلَغَ الْمَلِكَ دَاوُدَ أَنَّ اللهَ بَارَكَ أَهْلَ عُبَيْدَ أَدُومَ وَكُلَّ مَا لَهُ بِسَبَبِ صُنْدُوقِ الْعَهْدِ. فَذَهَبَ دَاوُدُ وَأَحْضَرَ الصُّنْدُوقَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ بِفَرَحٍ. فَكَانَ كُلَّمَا خَطَا حَامِلُو صُنْدُوقِ الْعَهْدِ 6 خَطَوَاتٍ، كَانَ يَذْبَحُ ثَوْرًا وَعِجْلًا مُسَمَّنًا. وَكَانَ دَاوُدُ يَرْقُصُ بِكُلِّ قُوَّتِهِ، وَهُوَ لَابِسٌ رِدَاءً مِنْ كَتَّانٍ. فَأَصْعَدَ دَاوُدُ وَكُلُّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ صُنْدُوقَ الْعَهْدِ وَسْطَ الْهُتَافِ وَصَوْتِ الْأَبْوَاقِ. وَلَمَّا دَخَلَ الصُّنْدُوقُ مَدِينَةَ دَاوُدَ، نَظَرَتْ مِيكَالُ بِنْتُ شَاوُلَ مِنَ الشُّبَّاكِ، وَرَأَتِ الْمَلِكَ دَاوُدَ يَقْفِزُ وَيَرْقُصُ أَمَامَ الْمَوْلَى، فَاحْتَقَرَتْهُ فِي قَلْبِهَا. ثُمَّ أَدْخَلُوا الصُّنْدُوقَ، وَأَقَامُوهُ فِي مَكَانِهِ فِي وَسَطِ الْخَيْمَةِ الَّتِي نَصَبَهَا لَهُ دَاوُدُ. وَقَدَّمَ دَاوُدُ قَرَابِينَ أَمَامَ الْمَوْلَى وَضَحَايَا صُحْبَةٍ. وَلَمَّا انْتَهَى دَاوُدُ مِنْ تَقْدِيمِ الْقَرَابِينِ وَضَحَايَا الصُّحْبَةِ، بَارَكَ الشَّعْبَ بِاسْمِ اللهِ الْقَدِيرِ. وَوَزَّعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّعْبِ، أَيْ عَلَى كُلِّ جُمْهُورِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، رَغِيفَ خُبْزٍ وَكَأْسَ خَمْرٍ وَقُرْصَ زَبِيبٍ. ثُمَّ انْصَرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى دَارِهِ. وَرَجَعَ دَاوُدُ لِيُبَارِكَ أَهْلَ دَارِهِ، فَخَرَجَتْ مِيكَالُ بِنْتُ شَاوُلَ لِاسْتِقْبَالِهِ وَقَالَتْ: ”مَلِكُ إِسْرَائِيلَ شَرَّفَ نَفْسَهُ الْيَوْمَ لَمَّا تَعَرَّى أَمَامَ جَوَارِي خُدَّامِهِ، كَمَا يَفْعَلُ أَحَدُ السُّفَهَاءِ!“ فَقَالَ دَاوُدُ لِمِيكَالَ: ”بَلْ فَعَلْتُ ذَلِكَ أَمَامَ الْمَوْلَى الَّذِي اخْتَارَنِي دُونَ أَبِيكِ وَدُونَ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْ كُلِّ عَائِلَتِهِ، لِيُقِيمَنِي حَاكِمًا عَلَى شَعْبِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَأَمَامَ الْمَوْلَى أَرْقُصُ، وَأَجْعَلُ نَفْسِي أَحْقَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَعْتَبِرُ نَفْسِي صَغِيرًا. لَكِنِّي فِي نَظَرِ الْجَوَارِي اللَّوَاتِي ذَكَرْتِ، أَزْدَادُ شَرَفًا!“ وَلَمْ تَلِدْ مِيكَالُ بِنْتُ شَاوُلَ وَلَدًا إِلَى يَوْمِ مَوْتِهَا. بَعْدَمَا اسْتَقَرَّ الْمَلِكُ فِي قَصْرِهِ، وَأَرَاحَهُ اللهُ مِنْ كُلِّ أَعْدَائِهِ الَّذِينَ حَوْلَهُ، قَالَ لِنَاثَانَ النَّبِيِّ: ”اُنْظُرْ! أَنَا سَاكِنٌ فِي قَصْرٍ مِنْ خَشَبِ الْأَرْزِ، وَصُنْدُوقُ عَهْدِ اللهِ سَاكِنٌ فِي خَيْمَةٍ!“ فَقَالَ نَاثَانُ لِلْمَلِكِ: ”اِذْهَبْ وَاعْمَلْ كُلَّ مَا فِي بَالِكَ، لِأَنَّ اللهَ مَعَكَ.“ وَلَكِنْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، قَالَ اللهُ لِنَاثَانَ: ”اِذْهَبْ وَقُلْ لِعَبْدِي دَاوُدَ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى، هَلْ أَنْتَ تَبْنِي لِي بَيْتًا أَسْكُنُ فِيهِ؟ أَنَا لَمْ أَسْكُنْ فِي بَيْتٍ مُنْذُ الْيَوْمِ الَّذِي أَخْرَجْتُ فِيهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ، إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. بَلْ كُنْتُ أَنْتَقِلُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ فِي خَيْمَةٍ هِيَ مَسْكَنِي! وَفِي كُلِّ سَيْرِي مَعَ كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لَمْ أَسْأَلْ أَحَدًا مِنْ قَادَتِهِمِ الَّذِينَ أَمَرْتُهُمْ أَنْ يَرْعَوْا شَعْبِي إِسْرَائِيلَ، لِمَاذَا لَمْ يَبْنُوا لِي بَيْتًا مِنْ خَشَبِ الْأَرْزِ.‘ وَقُلْ لِعَبْدِي دَاوُدَ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْقَدِيرِ، أَنَا أَخَذْتُكَ مِنَ الْحَظِيرَةِ، وَمِنْ وَرَاءِ الْغَنَمِ، لِتَكُونَ رَئِيسًا عَلَى شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَكُنْتُ مَعَكَ حَيْثُمَا سِرْتَ، وَأَزَلْتُ كُلَّ أَعْدَائِكَ مِنْ أَمَامِكَ. وَسَأُعْطِيكَ شُهْرَةً كَبِيرَةً كَشُهْرَةِ أَعْظَمِ النَّاسِ فِي الْأَرْضِ. وَأُعْطِي شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مَكَانًا، وَأَغْرِسُهُ فَيَسْكُنُ فِي أَرْضِهِ، وَلَا يَنْزَعِجُ وَلَا يَعُودُ الْأَشْرَارُ يَضْطَهِدُونَهُ كَمَا فَعَلُوا مِنْ قَبْلُ، مُنْذُ أَيَّامِ الْقُضَاةِ الَّذِينَ أَقَمْتُهُمْ عَلَى شَعْبِي. وَسَأُرِيحُكَ مِنْ كُلِّ أَعْدَائِكَ. وَأُخْبِرُكَ أَيْضًا أَنِّي سَأَجْعَلُ نَسْلَكَ مُلُوكًا. فَمَتَى انْتَهَتْ حَيَاتُكَ وَرَقَدْتَ مَعَ آبَائِكَ، أُقِيمُ لَكَ خَلِيفَةً مِنْ نَسْلِكَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِكَ، وَأُثَبِّتُ مُلْكَهُ. هُوَ الَّذِي يَبْنِي بَيْتًا لِي، وَأَنَا أُثَبِّتُ عَرْشَ مُلْكِهِ إِلَى الْأَبَدِ. أَنَا أَكُونُ أَبَاهُ، وَهُوَ يَكُونُ ابْنِي. إِنْ أَخْطَأَ، أُعَاقِبُهُ بِأَنْ أُسَلِّطَ عَلَيْهِ النَّاسَ، فَيَكُونُوا كَالْعَصَا فِي يَدِي. وَلَكِنِّي لَا أَنْزِعُ رَحْمَتِي عَنْهُ كَمَا نَزَعْتُهَا عَنْ شَاوُلَ الَّذِي أَزَلْتُهُ مِنْ أَمَامِكَ. بَلْ يَدُومُ نَسْلُكَ وَمُلْكُكَ أَمَامِي إِلَى الْأَبَدِ، إِلَى الْأَبَدِ يَكُونُ عَرْشُكَ ثَابِتًا.‘“ وَأَبْلَغَ نَاثَانُ دَاوُدَ كُلَّ الْكَلَامِ الَّذِي قَالَهُ اللهُ فِي هَذِهِ الرُّؤْيَا. فَدَخَلَ الْمَلِكُ دَاوُدُ وَجَلَسَ أَمَامَ الْمَوْلَى وَقَالَ: ”مَنْ أَنَا يَا رَبِّي وَإِلَهِي، وَمَا هِيَ عَائِلَتِي حَتَّى أَوْصَلْتَنِي إِلَى هُنَا؟ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا كَافِيًا فِي نَظَرِكَ يَا رَبِّي وَإِلَهِي، فَوَعَدْتَ عَبْدَكَ أَيْضًا بِنَسْلٍ يَدُومُ إِلَى زَمَانٍ طَوِيلٍ. كُلُّ هَذَا وَأَنَا مُجَرَّدُ بَشَرٍ يَا رَبِّي وَإِلَهِي! وَمَاذَا أَقُولُ يَا رَبِّي وَإِلَهِي؟ أَنْتَ تَعْرِفُ عَبْدَكَ جَيِّدًا. أَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا الْأَمْرَ الْعَظِيمَ مِنْ أَجْلِ كَلِمَتِكَ وَحَسَبَ مَشِيئَتِكَ، وَعَرَّفْتَنِي بِهِ. فَمَا أَعْظَمَكَ يَا رَبِّي وَإِلَهِي! لَا مَثِيلَ لَكَ! وَكَمَا سَمِعْنَا بِآذَانِنَا، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ. وَمَنْ مِثْلُ شَعبِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ هَلْ تُوجَدُ أُمَّةٌ أُخْرَى فِي الْأَرْضِ، خَرَجَ اللهُ لِيَفْدِيَهَا لِتَصِيرَ شَعْبَهُ؟ أَنْتَ اشْتَهَرْتَ بِالْعَجَائِبِ الْعَظِيمَةِ الْمُخِيفَةِ الَّتِي صَنَعْتَهَا لَهُمْ، وَطَرَدْتَ أُمَمًا وَآلِهَتَهَا مِنْ أَمَامِ شَعْبِكَ الَّذِي فَدَيْتَهُ مِنْ مِصْرَ. أَنْتَ أَقَمْتَ شَعْبَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِيَكُونَ شَعْبَكَ الْخَاصَّ إِلَى الْأَبَدِ، وَأَنْتَ يَا رَبُّ صِرْتَ إِلَهَهُمْ. فَالْآنَ أَيُّهَا الْمَوْلَى الْإِلَهُ، اِحْفَظْ إِلَى الْأَبَدِ وَعْدَكَ بِشَأْنِ عَبْدِكَ وَنَسْلِهِ. اِفْعَلْ كَمَا قُلْتَ، لِكَيْ يَتَعَظَّمَ اسْمُكَ إِلَى الْأَبَدِ. فَيَقُولَ النَّاسُ: ’الْمَوْلَى الْقَدِيرُ إِلَهٌ عَلَى إِسْرَائِيلَ.‘ فَيَثْبُتَ بَيْتُ عَبْدِكَ دَاوُدَ أَمَامَكَ. يَا رَبَّنَا الْقَدِيرَ، يَا رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَنْتَ أَعْلَنْتَ قَصْدَكَ لِي أَنَا عَبْدَكَ وَقُلْتَ إِنَّكَ سَتَجْعَلُ نَسْلِي مُلُوكًا. لِذَلِكَ وَجَدْتُ الشَّجَاعَةَ لِأُصَلِّيَ لَكَ هَذِهِ الصَّلَاةَ. اللَّهُمَّ يَا رَبِّي، أَنْتَ هُوَ اللهُ، وَكَلَامُكَ حَقٌّ، وَأَنْتَ الَّذِي وَعَدْتَنِي بِهَذَا الْخَيْرِ. فَمِنْ فَضْلِكَ بَارِكْ نَسْلَ عَبْدِكَ، لِيَدُومَ أَمَامَكَ إِلَى الْأَبَدِ. لِأَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبِّي وَإِلَهِي وَعَدْتَ، فَبَارِكْ نَسْلَ عَبْدِكَ بِبَرَكَتِكَ إِلَى الْأَبَدِ.“ وَبَعْدَ ذَلِكَ هَزَمَ دَاوُدُ الْفِلِسْطِيِّينَ وَأَخْضَعَهُمْ، وَاسْتَوْلَى عَلَى السُّلْطَةِ فِي عَاصِمَتِهِمْ. وَهَزَمَ أَيْضًا الْمُوآبِيِّينَ، وَجَعَلَهُمْ يَرْقُدُونَ عَلَى الْأَرْضِ وَقَاسَهُمْ بِالْحَبْلِ، فَجَعَلَ حَبْلَيْنِ مِنَ النَّاسِ لِلْقَتْلِ، وَالْحَبْلَ الثَّالِثَ يَتْرُكُهُمْ يَحْيَوْنَ. فَصَارَ الْمُوآبِيُّونَ عَبِيدًا يُقَدِّمُونَ لَهُ الْجِزْيَةَ. وَحَاوَلَ هَدَدْعَزَرُ بْنُ رَحُوبَ مَلِكُ صُوبَةَ أَنْ يَسْتَرِدَّ سُلْطَتَهُ عِنْدَ نَهْرِ الْفُرَاتِ، فَهَزَمَهُ دَاوُدُ وَأَخَذَ مِنْهُ 1000 مَرْكَبَةٍ وَ7000 فَارِسٍ وَ20000 جُنْدِيٍّ. وَكَسَّرَ دَاوُدُ مَفَاصِلَ كُلِّ خَيْلِ الْمَرْكَبَاتِ، وَأَبْقَى مِنْهَا خَيْلَ 100 مَرْكَبَةٍ فَقَطْ. فَجَاءَ الْأَرَامِيُّونَ مِنْ دِمَشْقَ لِنَجْدَةِ هَدَدْعَزَرَ مَلِكِ صُوبَةَ، فَقَتَلَ دَاوُدُ مِنْهُمُ 22000 رَجُلٍ. وَوَضَعَ دَاوُدُ حَامِيَاتٍ عَسْكَرِيَّةً فِي مَمْلَكَةِ دِمَشْقَ الْأَرَامِيَّةِ، فَصَارَ الْأَرَامِيُّونَ عَبِيدًا لِدَاوُدَ يُقَدِّمُونَ لَهُ الْجِزْيَةَ. وَكَانَ اللهُ يَنْصُرُ دَاوُدَ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَذْهَبُ إِلَيْهِ. وَأَخَذَ دَاوُدُ أَتْرَاسَ الذَّهَبِ الَّتِي كَانَتْ مَعَ رِجَالِ هَدَدْعَزَرَ، وَأَحْضَرَهَا إِلَى الْقُدْسِ. كَمَا أَخَذَ الْمَلِكُ دَاوُدُ كَمِّيَّةً هَائِلَةً مِنَ النُّحَاسِ مِنْ طَبْحَةَ وَبِيرُوثَايَ مَدِينَتَيْ هَدَدْعَزَرَ. وَسَمِعَ تُوعِي مَلِكُ حَمَاةَ أَنَّ دَاوُدَ هَزَمَ كُلَّ جَيْشِ هَدَدْعَزَرَ. فَأَرْسَلَ تُوعِي يُورَامَ ابْنَهُ إِلَى الْمَلِكِ دَاوُدَ لِيُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَيُهَنِّئَهُ، لِأَنَّهُ حَارَبَ هَدَدْعَزَرَ وَهَزَمَهُ، لِأَنَّ هَدَدْعَزَرَ كَانَ يُحَارِبُ تُوعِي. وَأَحْضَرَ يُورَامُ مَعَهُ إِلَى دَاوُدَ آنِيَةً مِنَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالنُّحَاسِ. وَهَذِهِ أَيْضًا كَرَّسَهَا الْمَلِكُ دَاوُدُ للهِ، مَعَ مَا أَخَذَهُ مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي أَخْضَعَهَا. أَيْ مِنْ أَدُومَ وَمُوآبَ وَبَنِي عَمُّونَ وَالْفِلِسْطِيِّينَ وَعَمَالِيقَ وَغَنِيمَةِ هَدَدْعَزَرَ بْنِ رَحُوبَ مَلِكِ صُوبَةَ. وَزَادَتْ شُهْرَةُ دَاوُدَ لَمَّا رَجَعَ مِنْ قَتْلِ 18000 أَدُومِيٍّ فِي وَادِي الْمِلْحِ. وَوَضَعَ حَامِيَاتٍ عَسْكَرِيَّةً فِي أَدُومَ كُلِّهَا، فَصَارَ كُلُّ الْأَدُومِيِّينَ عَبِيدًا لِدَاوُدَ. وَكَانَ اللهُ يَنْصُرُ دَاوُدَ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَذْهَبُ إِلَيْهِ. وَمَلَكَ دَاوُدُ عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ يَحْكُمُ بِالْعَدْلِ وَالصَّلَاحِ لِكُلِّ شَعْبِهِ. وَكَانَ يُوآبُ ابْنُ صَرُويَةَ قَائِدَ الْجَيْشِ، وَيُوشَافَاطُ بْنُ أَخِيلُودَ مُسَجِّلًا، وَصَادِقُ بْنُ أَخِيطُوبَ وَأَخِيمَلِكُ بْنُ أَبِيأَثَرَ حَبْرَيْنِ، وَسَرَايَا كَاتِبًا، وَبَنَايَا بْنُ يُويَادَاعَ قَائِدَ الْحَرَسِ الْمَلَكِيِّ، وَبَنُو دَاوُدَ مُسْتَشَارِينَ لِلْمَلِكِ. وَقَالَ دَاوُدُ: ”هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ بَيْتِ شَاوُلَ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ، فَأَعْمَلَ مَعَهُ مَعْرُوفًا مِنْ أَجْلِ يُونَاثَانَ؟“ وَكَانَ لِبَيْتِ شَاوُلَ خَادِمٌ اسْمُهُ صِيبَا، فَاسْتَدْعَوْهُ إِلَى دَاوُدَ. فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: ”هَلْ أَنْتَ صِيبَا؟“ فَقَالَ: ”أَنَا هُوَ يَا سَيِّدِي.“ قَالَ الْمَلِكُ: ”هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ بَيْتِ شَاوُلَ فَأَعْمَلَ مَعَهُ مَعْرُوفًا كَمَا عَاهَدْتُ اللهَ؟“ فَقَالَ صِيبَا لِلْمَلِكِ: ”بَقِيَ ابْنٌ لِيُونَاثَانَ أَعْرَجُ الرِّجْلَيْنِ.“ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: ”أَيْنَ هُوَ؟“ أَجَابَ صِيبَا: ”هُوَ فِي دَارِ مَاكِيرَ بْنِ عَمِّئِيلَ فِي لُودَبَارَ.“ فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ وَأَحْضَرَهُ مِنْ لُودَبَارَ، مِنْ دَارِ مَاكِيرَ بْنِ عَمِّئِيلَ. فَجَاءَ مَفِيبُوشَتُ بْنُ يُونَاثَانَ بْنِ شَاوُلَ إِلَى دَاوُدَ وَانْحَنَى احْتِرَامًا لَهُ. فَقَالَ دَاوُدُ: ”يَا مَفِيبُوشَتُ!“ أَجَابَهُ: ”نَعَمْ يَا سَيِّدِي.“ فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: ”لَا تَخَفْ، فَإِنِّي سَأَعْمَلُ مَعَكَ مَعْرُوفًا مِنْ أَجْلِ يُونَاثَانَ أَبِيكَ، وَأَرُدُّ لَكَ كُلَّ أَرْضِ شَاوُلَ جَدِّكَ. وَأَنْتَ تَأْكُلُ عَلَى مَائِدَتِي دَائِمًا.“ فَسَجَدَ مَفِيبُوشَتُ وَقَالَ: ”مَنْ أَنَا عَبْدُكَ، حَتَّى تَهْتَمَّ بِكَلْبٍ مَيِّتٍ مِثْلِي؟“ وَدَعَا الْمَلِكُ صِيبَا خَادِمَ شَاوُلَ وَقَالَ لَهُ: ”كُلُّ مَا كَانَ لِشَاوُلَ وَلِبَيْتِهِ، أَعْطَيْتُهُ لِحَفِيدِ سَيِّدِكَ. فَتَفْلَحُ لَهُ الْأَرْضَ أَنْتَ وَأَوْلَادُكَ وَخَدَمُكَ، وَتَحْصُدُونَهَا لِيَكُونَ لِعَائِلَتِهِ قُوتٌ يَأْكُلُونَهُ. أَمَّا مَفِيبُوشَتُ نَفْسُهُ، فَيَأْكُلُ دَائِمًا عَلَى مَائِدَتِي.“ وَكَانَ لِصِيبَا 15 ابْنًا وَ20 خَادِمًا. فَأَجَابَ صِيبَا: ”كُلُّ مَا أَمَرَنِي بِهِ سَيِّدِي الْمَلِكُ أَفْعَلُهُ.“ وَبَدَأَ مَفِيبُوشَتُ يَأْكُلُ عَلَى مَائِدَةِ الْمَلِكِ كَوَاحِدٍ مِنْ بَنِيهِ. وَكَانَ لِمَفِيبُوشَتَ ابْنٌ صَغِيرٌ اسْمُهُ مِيخَا. وَكَانَ كُلُّ الَّذِينَ فِي دَارِ صِيبَا خُدَّامًا لِمَفِيبُوشَتَ. فَسَكَنَ مَفِيبُوشَتُ فِي الْقُدْسِ، لِأَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ دَائِمًا عَلَى مَائِدَةِ الْمَلِكِ. وَكَانَ أَعْرَجَ فِي رِجْلَيْهِ الِاثْنَتَيْنِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ مَاتَ مَلِكُ بَنِي عَمُّونَ، وَمَلَكَ حَنُونُ ابْنُهُ مَكَانَهُ. فَقَالَ دَاوُدُ: ”أَعْمَلُ الْوَاجِبَ مَعَ حَنُونَ بْنِ نَاحَاشَ، كَمَا عَمِلَ أَبُوهُ الْوَاجِبَ مَعِي.“ فَأَرْسَلَ دَاوُدُ وَفْدًا لِيُعَزِّيَهُ فِي مَوْتِ أَبِيهِ. فَلَمَّا وَصَلَ وَفْدُ دَاوُدَ إِلَى أَرْضِ بَنِي عَمُّونَ، قَالَ قَادَةُ عَمُّونَ لِحَنُونَ سَيِّدِهِمْ: ”هَلْ تَظُنُّ أَنَّ دَاوُدَ أَرْسَلَ إِلَيْكَ هَذَا الْوَفْدَ مِنَ الْمُعَزِّينَ إِكْرَامًا لِأَبِيكَ، أَمْ لِيَفْحَصَ الْمَدِينَةَ وَيَتَجَسَّسَهَا لِكَيْ يَسْتَوْلِيَ عَلَيْهَا؟“ فَقَبَضَ حَنُونُ عَلَى رُسُلِ دَاوُدَ، وَحَلَقَ أَنْصَافَ لِحَاهُمْ، وَقَصَّ ثِيَابَهُمْ مِنَ الْوَسَطِ فَوْقَ الْفَخْذِ، ثُمَّ أَطْلَقَهُمْ. فَلَمَّا عَلِمَ دَاوُدُ بِذَلِكَ، أَرْسَلَ مَنْ يَسْتَقْبِلُهُمْ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا خَجِلِينَ جِدًّا. وَقَالَ الْمَلِكُ: ”اِنْتَظِرُوا فِي أَرِيحَا حَتَّى تَنْبُتَ لِحَاكُمْ، ثُمَّ ارْجِعُوا.“ وَلَمَّا رَأَى بَنُو عَمُّونَ أَنَّ دَاوُدَ أَصْبَحَ يَكْرَهُهُمْ، اِسْتَأْجَرُوا 20000 جُنْدِيٍّ أَرَامِيٍّ مِنْ بَيْتَ رَحُوبَ وَمِنْ صُوبَةَ، وَ1000 رَجُلٍ مِنْ رِجَالِ مَلِكِ مَعْكَةَ، وَ12000 رَجُلٍ مِنْ طُوبَ. فَلَمَّا سَمِعَ دَاوُدُ، أَرْسَلَ يُوآبَ وَكُلَّ جَيْشِ رِجَالِ الْحَرْبِ. وَخَرَجَ بَنُو عَمُّونَ وَاصْطَفُّوا لِلْحَرْبِ عِنْدَ مَدْخَلِ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ الْأَرَامِيُّونَ الَّذِينَ مِنْ صُوبَةَ وَرَحُوبَ وَرِجَالُ طُوبَ وَمَعْكَةَ وَحْدَهُمْ فِي الْحُقُولِ. وَأَدْرَكَ يُوآبُ أَنَّ الْعَدُوَّ يُهَاجِمُهُ مِنَ الْأَمَامِ وَمِنَ الْخَلْفِ، فَاخْتَارَ أَحْسَنَ جُنُودِهِ وَصَفَّهُمْ لِمُقَاتَلَةِ الْأَرَامِيِّينَ، وَأَعْطَى قِيَادَةَ بَقِيَّةِ الْجَيْشِ لِأَخِيهِ أَبِيشَايَ، فَصَفَّهُمْ لِمُقَاتَلَةِ بَنِي عَمُّونَ. وَقَالَ يُوآبُ لِأَبِيشَايَ: ”إِنْ قَوِيَ آرَامُ عَلَيَّ تَأْتِي لِنَجْدَتِي، وَإِنْ قَوِيَ بَنُو عَمُّونَ عَلَيْكَ أَذْهَبُ لِنَجْدَتِكَ. فَكُنْ قَوِيًّا وَلْنُحَارِبْ بِبَسَالَةٍ مِنْ أَجْلِ شَعْبِنَا وَمِنْ أَجْلِ مُدُنِ إِلَهِنَا، وَالْمَوْلَى يَفْعَلُ مَا يَحْلُو فِي عَيْنَيْهِ.“ ثُمَّ تَقَدَّمَ يُوآبُ وَالْجَيْشُ الَّذِي مَعَهُ لِمُحَارَبَةِ الْأَرَامِيِّينَ، فَهَرَبُوا مِنْ أَمَامِهِ. وَلَمَّا رَأَى بَنُو عَمُّونَ الْأَرَامِيِّينَ يَهْرُبُونَ، هَرَبُوا هُمْ أَيْضًا مِنْ أَمَامِ أَبِيشَايَ وَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ. فَرَجَعَ يُوآبُ عَنْ مُحَارَبَةِ بَنِي عَمُّونَ، وَعَادَ إِلَى الْقُدْسِ. وَلَمَّا رَأَى الْأَرَامِيُّونَ أَنَّهُمُ انْهَزَمُوا أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، اِجْتَمَعُوا مَعًا. وَأَرْسَلَ هَدَدْعَزَرُ وَاسْتَدْعَى الْأَرَامِيِّينَ الَّذِينَ فِي شَرْقِ نَهْرِ الْفُرَاتِ، فَذَهَبُوا إِلَى حِيلَامَ تَحْتَ قِيَادَةِ شُوبَكَ رَئِيسِ جَيْشِ هَدَدْعَزَرَ. وَلَمَّا سَمِعَ دَاوُدُ بِذَلِكَ، جَمَعَ كُلَّ جَيْشِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَعَبَرَ الْأُرْدُنَّ وَذَهَبَ إِلَى حِيلَامَ. وَاتَّخَذَ الْأَرَامِيُّونَ مَوَاقِعَهُمْ مُقَابِلَ دَاوُدَ وَأَخَذُوا يُحَارِبُونَهُ. وَلَكِنَّهُمْ هَرَبُوا مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَهْلَكَ دَاوُدُ مِنْهُمْ 700 فَارِسٍ، وَ40000 جُنْدِيٍّ، كَمَا أُصِيبَ شُوبَكُ رَئِيسُ الْجَيْشِ فَمَاتَ هُنَاكَ. فَلَمَّا رَأَى كُلُّ الْمُلُوكِ الْخَاضِعِينَ لِهَدَدْعَزَرَ أَنَّهُمُ انْهَزَمُوا أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، صَالَحُوهُمْ وَخَضَعُوا لَهُمْ. وَخَافَ الْأَرَامِيُّونَ أَنْ يَعُودُوا لِنَجْدَةِ بَنِي عَمُّونَ. وَفِي الرَّبِيعِ، وَهُوَ وَقْتُ خُرُوجِ الْمُلُوكِ لِلْحَرْبِ، أَرْسَلَ دَاوُدُ يُوآبَ وَالْقَادَةَ مَعَهُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ جَيْشِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَأَخْرَبُوا بَنِي عَمُّونَ وَحَاصَرُوا مَدِينَةَ رَبَّةَ. أَمَّا دَاوُدُ فَأَقَامَ فِي الْقُدْسِ. وَذَاتَ مَسَاءٍ، قَامَ دَاوُدُ عَنْ سَرِيرِهِ وَأَخَذَ يَتَمَشَّى عَلَى سَطْحِ الْقَصْرِ. فَرَأَى مِنْ عَلَى السَّطْحِ امْرَأَةً تَسْتَحِمُّ، وَكَانَتْ جَمِيلَةً جِدًّا. فَأَرْسَلَ دَاوُدُ وَسَأَلَ عَنِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ: ”إِنَّهَا بَتْشَبَعُ بِنْتُ أَلِيعَامَ زَوْجَةُ أُورِيَّا الْحِثِّيِّ.“ فَأَرْسَلَ دَاوُدُ رُسُلًا وَأَحْضَرَهَا. فَلَمَّا جَاءَتْ إِلَيْهِ، عَاشَرَهَا وَكَانَتْ طَاهِرَةً مِنَ الْعَادَةِ الشَّهْرِيَّةِ. ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى دَارِهَا. وَحَبِلَتِ الْمَرْأَةُ، فَأَرْسَلَتْ وَأَخْبَرَتْ دَاوُدَ أَنَّهَا حُبْلَى. فَأَرْسَلَ دَاوُدُ إِلَى يُوآبَ يَقُولُ: ”أَرْسِلْ إِلَيَّ أُورِيَّا الْحِثِّيَّ.“ فَأَرْسَلَهُ إِلَيْهِ. وَلَمَّا جَاءَ، سَأَلَهُ دَاوُدُ عَنْ حَالِ يُوآبَ وَالْجُنُودِ وَعَنْ أَخْبَارِ الْحَرْبِ. ثُمَّ قَالَ دَاوُدُ لِأُورِيَّا: ”اِذْهَبْ إِلَى دَارِكَ وَاسْتَرِحْ.“ فَخَرَجَ أُورِيَّا مِنْ دَارِ الْمَلِكِ. وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ وَرَاءَهُ هَدِيَّةً. لَكِنَّ أُورِيَّا لَمْ يَذْهَبْ إِلَى دَارِهِ، بَلْ نَامَ عَلَى بَابِ الْقَصْرِ مَعَ الْحَرَسِ. فَسَمِعَ دَاوُدُ أَنَّ أُورِيَّا لَمْ يَذْهَبْ إِلَى دَارِهِ. فَقَالَ دَاوُدُ لَهُ: ”أَمَا جِئْتَ مِنَ السَّفَرِ؟ فَلِمَاذَا لَمْ تَذْهَبْ إِلَى دَارِكَ؟“ فَقَالَ أُورِيَّا لِدَاوُدَ: ”صُنْدُوقُ الْعَهْدِ وَرِجَالُ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا مُقِيمُونَ فِي الْخِيَامِ، وَسَيِّدِي يُوآبُ وَرِجَالُ سَيِّدِي الْمَلِكِ نَازِلُونَ فِي الْخَلَاءِ، فَكَيْفَ أَذْهَبُ إِلَى دَارِي وَآكُلُ وَأَشْرَبُ وَأَنَامُ مَعَ زَوْجَتِي؟ لَا وَحَيَاتِكَ، لَا أَفْعَلُ هَذَا.“ فَقَالَ دَاوُدُ لِأُورِيَّا: ”اِنْتَظِرْ هُنَا الْيَوْمَ أَيْضًا، وَغَدًا أَصْرِفُكَ.“ فَبَقِيَ أُورِيَّا فِي الْقُدْسِ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْغَدَ. وَدَعَاهُ دَاوُدُ فَأَكَلَ مَعَهُ وَشَرِبَ وَأَسْكَرَهُ. ثُمَّ خَرَجَ عِنْدَ الْمَسَاءِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ إِلَى دَارِهِ بَلْ نَامَ مَعَ الْحَرَسِ فِي مَكَانِهِ. وَفِي الصُّبْحِ كَتَبَ دَاوُدُ رِسَالَةً إِلَى يُوآبَ، وَأَرْسَلَهَا مَعَ أُورِيَّا. وَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ: ”اِجْعَلُوا أُورِيَّا فِي الْخُطُوطِ الْأُولَى حَيْثُ الْقِتَالُ الشَّدِيدُ، وَارْجِعُوا مِنْ وَرَائِهِ فَيَضْرِبَهُ الْعَدُوُّ وَيَمُوتَ.“ وَكَانَ يُوآبُ يُحَاوِلُ أَنْ يُحَاصِرَ الْمَدِينَةَ، فَوَضَعَ أُورِيَّا فِي الْمَكَانِ الَّذِي عَلِمَ أَنَّ فِيهِ الْمُحَارِبِينَ الْأَشِدَّاءَ. فَلَمَّا خَرَجَ رِجَالُ الْمَدِينَةِ وَحَارَبُوا يُوآبَ، سَقَطَ بَعْضُ رِجَالِ دَاوُدَ وَمَاتَ أُورِيَّا الْحِثِّيُّ أَيْضًا. فَأَرْسَلَ يُوآبُ وَأَخْبَرَ دَاوُدَ بِكُلِّ أَنْبَاءِ الْحَرْبِ. وَقَالَ يُوآبُ لِلرَّسُولِ: ”بَعْدَمَا تُخْبِرُ الْمَلِكَ بِكُلِّ أَنْبَاءِ الْحَرْبِ، رُبَّمَا يَغْضَبُ وَيَقُولُ: ’لِمَاذَا اقْتَرَبْتُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ لِتُحَارِبُوا؟ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّهُمْ يَرْمُونَ السِّهَامَ مِنْ عَلَى السُّورِ؟ مَنْ قَتَلَ أَبِيمَلِكَ بْنَ يَرْبُوشَتَ؟ قَتَلَتْهُ امْرَأَةٌ بِأَنْ رَمَتْ عَلَيْهِ حَجَرَ طَاحُونَةٍ مِنْ عَلَى السُّورِ، فَمَاتَ فِي تَابَاصَ. فَلِمَاذَا اقْتَرَبْتُمْ مِنَ السُّورِ؟‘ فَإِنْ قَالَ الْمَلِكُ هَذَا الْكَلَامَ، قُلْ لَهُ: ’مَاتَ عَبْدُكَ أُورِيَّا الْحِثِّيُّ أَيْضًا.‘“ فَذَهَبَ الرَّسُولُ. وَلَمَّا وَصَلَ، أَخْبَرَ دَاوُدَ بِكُلِّ مَا كَلَّفَهُ بِهِ يُوآبُ. وَقَالَ الرَّسُولُ لِدَاوُدَ: ”قَوِيَ عَلَيْنَا الْأَعْدَاءُ وَخَرَجُوا لِقِتَالِنَا فِي الْخَلَاءِ، وَلَكِنَّنَا طَارَدْنَاهُمْ حَتَّى بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ. فَرَمَى رُمَاةُ السِّهَامِ عَبِيدَكَ مِنْ عَلَى السُّورِ، فَمَاتَ بَعْضُ رِجَالِ الْمَلِكِ، وَمَاتَ عَبْدُكَ أُورِيَّا الْحِثِّيُّ أَيْضًا.“ فَقَالَ دَاوُدُ لِلرَّسُولِ: ”قُلْ لِيُوآبَ: ’لَا تَجْعَلْ هَذَا يُزْعِجُكَ، لِأَنَّ السَّيْفَ يَأْكُلُ وَاحِدًا هُنَا وَآخَرَ هُنَاكَ. اِسْتَمِرَّ فِي هُجُومِكَ عَلَى الْمَدِينَةِ وَأَخْرِبْهَا.‘ وَقُلْ لَهُ أَنْ يَتَشَجَّعَ.“ فَلَمَّا سَمِعَتْ زَوْجَةُ أُورِيَّا أَنَّ زَوْجَهَا مَاتَ، نَاحَتْ عَلَيْهِ. وَلَمَّا انْتَهَتْ أَيَّامُ الْحِدَادِ، أَرْسَلَ دَاوُدُ وَأَخَذَهَا إِلَى قَصْرِهِ وَتَزَوَّجَهَا وَوَلَدَتْ لهُ ابْنًا. وَلَكِنَّ اللهَ اسْتَاءَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي فَعَلَهُ دَاوُدُ. فَأَرْسَلَ اللهُ نَاثَانَ النَّبِيَّ إِلَى دَاوُدَ. فَذَهَبَ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: ”كَانَ فِي إِحْدَى الْمُدُنِ رَجُلَانِ، وَاحِدٌ غَنِيٌّ وَالْآخَرُ فَقِيرٌ. وَكَانَ لِلْغَنِيِّ غَنَمٌ وَبَقَرٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا. أَمَّا الْفَقِيرُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُ نَعْجَةٍ وَاحِدَةٍ صَغِيرَةٍ اشْتَرَاهَا وَرَبَّاهَا وَكَبِرَتْ مَعَهُ وَمَعَ بَنِيهِ، تَأْكُلُ مِنْ لُقْمَتِهِ وَتَشْرَبُ مِنْ كَأْسِهِ وَتَنَامُ فِي حِضْنِهِ، وَكَانَتْ كَأَنَّهَا بِنْتُهُ. فَجَاءَ ضَيْفٌ إِلَى الرَّجُلِ الْغَنِيِّ، فَلَمْ يَرْغَبْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَنَمِهِ أَوْ بَقَرِهِ لِيُعِدَّ طَعَامًا لِضَيْفِهِ. إِنَّمَا أَخَذَ نَعْجَةَ الرَّجُلِ الْفَقِيرِ وَأَعَدَّهَا لِضَيْفِهِ.“ فَغَضِبَ دَاوُدُ جِدًّا عَلَى الرَّجُلِ وَقَالَ لِنَاثَانَ: ”أُقْسِمُ بِاللهِ، الرَّجُلُ الَّذِي فَعَلَ هَذَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يَمُوتَ! وَيَجِبُ أَنْ يَرُدَّ بَدَلَ النَّعْجَةِ 4 أَضْعَافٍ، لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ هَذَا الْأَمْرَ وَلَمْ يَشْفِقْ.“ فَقَالَ نَاثَانُ لِدَاوُدَ: ”أَنْتَ هُوَ الرَّجُلُ! وَهَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ’أَنَا مَسَحْتُكَ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَأَنْقَذْتُكَ مِنْ يَدِ شَاوُلَ. وَأَعْطَيْتُكَ بَيْتَ سَيِّدِكَ وَزَوْجَاتِهِ فِي حِضْنِكَ، وَأَعْطَيْتُكَ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ قَلِيلًا، لَأَعْطَيْتُكَ أَكْثَرَ. فَلِمَاذَا احْتَقَرْتَ كَلَامَ اللهِ، وَعَمِلْتَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِهِ؟ قَتَلْتَ أُورِيَّا الْحِثِّيَّ بِالسَّيْفِ، بِسَيْفِ بَنِي عَمُّونَ قَتَلْتَهُ، وَأَخَذْتَ زَوْجَتَهُ لِتَكُونَ زَوْجَةً لَكَ! فَالْآنَ، لَنْ يُفَارِقَ السَّيْفُ بَيْتَكَ إِلَى الْأَبَدِ، لِأَنَّكَ احْتَقَرْتَنِي وَأَخَذْتَ زَوْجَةَ أُورِيَّا الْحِثِّيِّ لِتَكُونَ زَوْجَةً لَكَ! هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى، أَجْعَلُ عَائِلَتَكَ تُسَبِّبُ لَكَ الْمَشَاكِلَ، وَآخُذُ زَوْجَاتِكَ أَمَامَ عَيْنَيْكَ وَأُعْطِيهِنَّ لِقَرِيبِكَ، فَيُعَاشِرُهُنَّ فِي نُورِ النَّهَارِ. أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ فِي السِّرِّ، وَأَنَا أَفْعَلُ هَذَا الْأَمْرَ فِي نُورِ النَّهَارِ قُدَّامَ كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ.‘“ فَقَالَ دَاوُدُ لِنَاثَانَ: ”أَخْطَأْتُ فِي حَقِّ اللهِ.“ فَقَالَ نَاثَانُ لِدَاوُدَ: ”وَالْمَوْلَى رَفَعَ عَنْكَ خَطِيئَتَكَ، فَلَا تَمُوتُ. وَلَكِنْ لِأَنَّكَ بِفِعْلِكَ هَذَا جَعَلْتَ أَعْدَاءَ اللهِ يَشْمَتُونَ، فَالِابْنُ الَّذِي أَنْجَبْتَهُ يَمُوتُ.“ وَذَهَبَ نَاثَانُ إِلَى دَارِهِ. وَضَرَبَ الْمَوْلَى الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ أَرْمَلَةُ أُورِيَّا لِدَاوُدَ فَمَرِضَ. فَتَضَرَّعَ دَاوُدُ إِلَى اللهِ مِنْ أَجْلِ الْوَلَدِ، وَصَامَ وَدَخَلَ إِلَى دَارِهِ وَقَضَى اللَّيَالِيَ رَاقِدًا عَلَى الْأَرْضِ. فَجَاءَ شُيُوخُ قَصْرِهِ لِيُقِيمُوهُ عَنِ الْأَرْضِ، فَرَفَضَ وَلَمْ يَأْكُلْ مَعَهُمْ. وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مَاتَ الْوَلَدُ، فَخَافَ خُدَّامُ دَاوُدَ أَنْ يُخْبِرُوهُ بِأَنَّ الْوَلَدَ مَاتَ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا: ”لَمَّا كَانَ الْوَلَدُ حَيًّا حَاوَلْنَا أَنْ نُكَلِّمَ الْمَلِكَ فَلَمْ يَسْمَعْ لَنَا، فَكَيْفَ نَقُولُ لَهُ إِنَّ الْوَلَدَ مَاتَ؟ رُبَّمَا يُؤْذِي نَفْسَهُ!“ وَلَاحَظَ دَاوُدُ أَنَّهُمْ يَتَهَامَسُونَ، فَعَرَفَ أَنَّ الْوَلَدَ مَاتَ. فَسَأَلَهُمْ: ”هَلْ مَاتَ الْوَلَدُ؟“ فَقَالُوا: ”مَاتَ.“ فَقَامَ دَاوُدُ عَنِ الْأَرْضِ وَاغْتَسَلَ وَتَعَطَّرَ وَغَيَّرَ ثِيَابَهُ، وَدَخَلَ بَيْتَ اللهِ وَتَعَبَّدَ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَصْرِهِ وَطَلَبَ طَعَامًا وَأَكَلَ. فَقَالَ لَهُ خُدَّامُهُ: ”كَيْفَ تَفْعَلُ هَذَا؟ لَمَّا كَانَ الْوَلَدُ حَيًّا صُمْتَ وَبَكَيْتَ، وَلَمَّا مَاتَ قُمْتَ وَأَكَلْتَ!“ فَقَالَ: ”لَمَّا كَانَ الْوَلَدُ حَيًّا صُمْتُ وَبَكَيْتُ، لِأَنِّي قُلْتُ: ’مَنْ يَعْلَمُ؟ رُبَّمَا يَرْحَمُنِي اللهُ وَيَحْيَا الْوَلَدُ.‘ أَمَّا الْآنَ فَقَدْ مَاتَ، فَلِمَاذَا أَصُومُ؟ هَلْ أَقْدِرُ أَنْ أَرُدَّهُ؟ أَنَا ذَاهِبٌ إِلَيْهِ، أَمَّا هُوَ فَلَا يَرْجِعُ إِلَيَّ.“ وَعَزَّى دَاوُدُ بَتْشَبَعَ زَوْجَتَهُ وَعَاشَرَهَا، فَوَلَدَتِ ابْنًا وَدَعَاهُ سُلَيْمَانَ. وَأَحَبَّ اللهُ سُلَيْمَانَ، وَأَرْسَلَ نَاثَانَ لِيَدْعُوَ الْوَلَدَ يَدِيدِيَّا، لِأَنَّ اللهَ أَحَبَّهُ. وَهَاجَمَ يُوآبُ مَدِينَةَ رَبَّةَ عَاصِمَةَ بَنِي عَمُّونَ، وَاسْتَوْلَى عَلَى قَلْعَةِ الْمَلِكِ. وَأَرْسَلَ يُوآبُ رُسُلًا إِلَى دَاوُدَ يَقُولُ: ”هَاجَمْتُ رَبَّةَ وَاسْتَوْلَيْتُ عَلَى مِيَاهِ الْمَدِينَةِ. فَالْآنَ اجْمَعْ بَقِيَّةَ الْجَيْشِ وَاهْجُمْ عَلَى الْمَدِينَةِ وَخُذْهَا، لِئَلَّا آخُذَهَا أَنَا فَتُدْعَى بِاسْمِي.“ فَجَمَعَ دَاوُدُ كُلَّ الْجَيْشِ وَذَهَبَ إِلَى رَبَّةَ وَهَجَمَ عَلَيْهَا وَأَخَذَهَا. وَأَخَذَ تَاجَ مَلِكِهِمْ عَنْ رَأْسِهِ، وَكَانَ وَزْنُهُ حَوَالَيْ 34 كِيلُوجْرَامًا مِنَ الذَّهَبِ، وَهُوَ مُرَصَّعٌ بِالْحِجَارَةِ الْكَرِيمَةِ. وَوَضَعَهُ دَاوُدُ عَلَى رَأْسِهِ. كَمَا أَخَذَ مِنَ الْمَدِينَةِ أَيْضًا غَنِيمَةً كَثِيرَةً جِدًّا. وَأَخْرَجَ سُكَّانَهَا مِنْهَا، وَجَعَلَهُمْ يَشْتَغِلُونَ بِالْمَنَاشِيرِ وَالنَّوَارِجِ وَالْفُؤُوسِ وَفِي أَفْرَانِ الطُّوبِ. وَفَعَلَ هَذَا أَيْضًا بِكُلِّ مُدُنِ بَنِي عَمُّونَ. ثُمَّ رَجَعَ دَاوُدُ وَكُلُّ الْجَيْشِ إِلَى الْقُدْسِ. وَحَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ، أَنَّ أَمْنُونَ بْنَ دَاوُدَ وَقَعَ فِي حُبِّ تَامَارَ أُخْتِهِ مِنْ أُمٍّ أُخْرَى، وَكَانَتْ تَامَارُ جَمِيلَةً وَهِيَ شَقِيقَةُ أَبْشَلُومَ. وَبَلَغَ الْحُبُّ بِأَمْنُونَ حَدَّ الْمَرَضِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَفْعَلَ لَهَا شَيْئًا، فَقَدْ كَانَتْ عَذْرَاءَ. وَكَانَ لِأَمْنُونَ صَاحِبٌ هُوَ ابْنُ عَمِّهِ، يُونَادَابُ بْنُ شَمْعِي. وَكَانَ يُونَادَابُ هَذَا رَجُلًا شَدِيدَ الْمَكْرِ. فَقَالَ لِأَمْنُونَ: ”يَا ابْنَ الْمَلِكِ! مَا لَكَ سَقِيمٌ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ؟ أَمَا تُخْبِرُنِي عَنْ مُشْكِلَتِكَ؟“ فَقَالَ لَهُ أَمْنُونُ: ”أُحِبُّ تَامَارَ أُخْتَ أَبْشَلُومَ أَخِي.“ فَقَالَ يُونَادَابُ: ”اُرْقُدْ فِي فِرَاشِكَ وَتَظَاهَرْ بِأَنَّكَ مَرِيضٌ. وَعِنْدَمَا يَأْتِي أَبُوكَ لِيَزُورَكَ قُلْ لَهُ: ’خَلِّ تَامَارَ أُخْتِي تَأْتِي وَتُطْعِمُنِي. تَعْمَلُ الطَّعَامَ أَمَامِي وَأَنَا أُرَاقِبُ، وَتُقَدِّمُهُ بِيَدِهَا فَآكُلَ.‘“ فَرَقَدَ أَمْنُونُ وَتَظَاهَرَ بِأَنَّهُ مَرِيضٌ. فَجَاءَ الْمَلِكُ لِيَزُورَهُ. فَقَالَ أَمْنُونُ لِلْمَلِكِ: ”خَلِّ تَامَارَ أُخْتِي تَأْتِي وَتَعْمَلُ أَمَامِي كَعْكَتَيْنِ وَتُقَدِّمُهُمَا بِيَدِهَا فَآكُلَ.“ فَأَرْسَلَ دَاوُدُ إِلَى تَامَارَ فِي الْقَصْرِ يَقُولُ لَهَا: ”اِذْهَبِي إِلَى دَارِ أَمْنُونَ أَخِيكِ وَاعْمَلِي لَهُ طَعَامًا.“ فَذَهَبَتْ تَامَارُ إِلَى دَارِ أَمْنُونَ أَخِيهَا وَهُوَ رَاقِدٌ. فَأَخَذَتِ الْعَجِينَ وَعَجَنَتْهُ، وَعَمِلَتْ كَعْكًا أَمَامَهُ وَخَبَزَتْهُ. ثُمَّ أَخَذَتِ الطَّبَقَ وَقَدَّمَتْ لَهُ، فَرَفَضَ أَنْ يَأْكُلَ وَقَالَ: ”أَخْرِجُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هُنَا.“ فَخَرَجَ الْكُلُّ مِنْ عِنْدِهِ. ثُمَّ قَالَ أَمْنُونُ لِتَامَارَ: ”هَاتِي الطَّعَامَ إِلَى غُرْفَةِ النَّوْمِ وَقَدِّمِيهِ بِيَدِكِ فَآكُلَ.“ فَأَخَذَتْ تَامَارُ الْكَعْكَ الَّذِي عَمِلَتْهُ وَأَحْضَرَتْهُ إِلَى أَمْنُونَ أَخِيهَا فِي غُرْفَةِ النَّوْمِ. وَلَكِنْ لَمَّا قَدَّمَتْهُ لَهُ لِيَأْكُلَ، أَمْسَكَهَا وَقَالَ لَهَا: ”تَعَالَيْ فِي الْفِرَاشِ مَعِي يَا أُخْتِي.“ فَقَالَتْ لَهُ: ”لَا يَا أَخِي! لَا تَغْتَصِبْنِي! فَهَذَا لَا يَجِبُ أَنْ يَحْدُثَ فِي شَعْبِ إِسْرَائِيلَ. لَا تَرْتَكِبْ هَذِهِ الْفَاحِشَةَ! فَأَنَا أَيْنَ أَذْهَبُ بِعَارِي؟ وَأَنْتَ تَكُونُ كَوَاحِدٍ أَحْمَقَ فِي إِسْرَائِيلَ. مِنْ فَضْلِكَ، كَلِّمِ الْمَلِكَ لِيُزَوِّجَنِي مِنْكَ، فَهُوَ لَنْ يُمَانِعَ فِي ذَلِكَ.“ وَلَكِنَّهُ رَفَضَ أَنْ يَسْمَعَ لَهَا وَغَلَبَهَا وَاغْتَصَبَهَا. ثُمَّ كَرِهَهَا أَمْنُونُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً جِدًّا، أَشَدَّ مِنَ الْحُبِّ الَّذِي أَحَبَّهَا بِهِ. فَقَالَ لَهَا: ”قُومِي وَاذْهَبِي مِنْ هُنَا!“ فَقَالَتْ لَهُ: ”لَا! إِنْ طَرَدْتَنِي فَهَذَا شَرٌّ أَعْظَمُ مِنَ الْجَرِيمَةِ الَّتِي فَعَلْتَهَا بِي.“ فَرَفَضَ أَنْ يَسْمَعَ لَهَا. وَنَادَى خَادِمَهُ الْخَاصَّ وَقَالَ: ”اُطْرُدْ هَذِهِ مِنْ هُنَا وَأَقْفِلِ الْبَابَ وَرَاءَهَا.“ فَطَرَدَهَا خَادِمُهُ إِلَى الْخَارِجِ وَأَقْفَلَ الْبَابَ وَرَاءَهَا. وَكَانَتْ تَامَارُ لَابِسَةً ثَوْبًا مُلَوَّنًا كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ بَنَاتُ الْمَلِكِ الْعَذَارَى. فَمَزَّقَتِ الثَّوْبَ الْمُلَوَّنَ الَّذِي عَلَيْهَا، وَوَضَعَتْ رَمَادًا عَلَى رَأْسِهَا، وَوَضَعَتْ يَدَهَا عَلَى رَأْسِهَا وَذَهَبَتْ وَهِيَ تَصْرُخُ. فَقَالَ لَهَا أَبْشَلُومُ أَخُوهَا: ”هَلْ أَمْنُونُ أَخُوكِ فَعَلَ بِكِ هَذَا؟ اُسْكُتِي الْآنَ يَا أُخْتِي. هُوَ أَخُوكِ، لَا تَجْعَلِي هَذَا يُعَكِّرُ حَيَاتَكِ.“ فَأَقَامَتْ تَامَارُ فِي دَارِ أَبْشَلُومَ أَخِيهَا حَزِينَةً وَحِيدَةً. وَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ دَاوُدُ بِكُلِّ هَذَا غَضِبَ جِدًّا. أَمَّا أَبْشَلُومُ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَمْنُونَ بِشَرٍّ وَلَا بِخَيْرٍ، بَلْ أَبْغَضَهُ لِأَنَّهُ اغْتَصَبَ تَامَارَ أُخْتَهُ. وَبَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَتَيْنِ، كَانَ عِنْدَ أَبْشَلُومَ جَزَّازُونَ فِي بَعْلَ حَاصُورَ بِالْقُرْبِ مِنْ حُدُودِ أَفْرَايِمَ. فَدَعَا أَبْشَلُومُ كُلَّ بَنِي الْمَلِكِ لِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ. وَذَهَبَ أَبْشَلُومُ إِلَى الْمَلِكِ وَقَالَ: ”عِنْدِي جَزَّازُونَ، فَتَفَضَّلْ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ وَتَعَالَ مَعِي أَنْتَ وَرِجَالُكَ.“ فَقَالَ الْمَلِكُ لِأَبْشَلُومَ: ”لَا يَا ابْنِي، لَا نَذْهَبُ كُلُّنَا لِئَلَّا نُثْقِلَ عَلَيْكَ.“ فَأَلَحَّ أَبْشَلُومُ عَلَيْهِ، فَرَفَضَ أَنْ يَذْهَبَ وَلَكِنَّهُ بَارَكَهُ. فَقَالَ أَبْشَلُومُ: ”إِذَنِ اسْمَحْ بِأَنْ يَذْهَبَ أَخِي أَمْنُونُ مَعَنَا.“ فَقَالَ الْمَلِكُ: ”لِمَاذَا يَذْهَبُ مَعَكَ؟“ لَكِنَّ أَبْشَلُومَ أَلَحَّ عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَ مَعَهُ أَمْنُونَ وَكُلَّ بَنِي الْمَلِكِ. فَأَمَرَ أَبْشَلُومُ رِجَالَهُ وَقَالَ: ”اِنْتَبِهُوا! مَتَى امْتَلَأَ قَلْبُ أَمْنُونَ طَرَبًا مِنَ الْخَمْرِ وَقُلْتُ لَكُمْ: ’اِضْرِبُوا أَمْنُونَ‘ فَاقْتُلُوهُ وَلَا تَخَافُوا. هَذَا أَمْرٌ مِنِّي لَكُمْ، فَكُونُوا أَقْوِيَاءَ وَشُجْعَانًا.“ فَفَعَلَ رِجَالُ أَبْشَلُومَ بِأَمْنُونَ كَمَا أَمَرَ أَبْشَلُومُ. فَقَامَ كُلُّ بَنِي الْمَلِكِ، وَرَكِبُوا بِغَالَهُمْ وَهَرَبُوا. وَبَيْنَمَا هُمْ فِي الطَّرِيقِ، وَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى دَاوُدَ أَنَّ أَبْشَلُومَ قَتَلَ كُلَّ بَنِي الْمَلِكِ وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ. فَقَامَ الْمَلِكُ وَمَزَّقَ ثِيَابَهُ وَرَقَدَ عَلَى الْأَرْضِ، وَوَقَفَ عِنْدَهُ كُلُّ رِجَالِهِ وَثِيَابُهُمْ مُمَزَّقَةٌ. فَقَالَ يُونَادَابُ بْنُ شَمْعِي أَخِي دَاوُدَ: ”لَا تَظُنَّ يَا سَيِّدِي أَنَّهُمْ قَتَلُوا كُلَّ بَنِي الْمَلِكِ، إِنَّمَا أَمْنُونُ وَحْدَهُ مَاتَ. لِأَنَّ أَبْشَلُومَ كَانَ يَنْوِي لَهُ ذَلِكَ مُنْذُ أَنِ اغْتَصَبَ تَامَارَ أُخْتَهُ. فَيَا سَيِّدِي الْمَلِكَ، لَا تُصَدِّقِ الْخَبَرَ أَنَّ كُلَّ بَنِي الْمَلِكِ مَاتُوا. إِنَّمَا أَمْنُونُ وَحْدَهُ مَاتَ.“ وَهَرَبَ أَبْشَلُومُ. وَتَطَلَّعَ الرَّقِيبُ فَرَأَى شَعْبًا كَثِيرًا قَادِمًا مِنَ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى مِنَ الْجَبَلِ. فَقَالَ يُونَادَابُ لِلْمَلِكِ: ”هَؤُلَاءِ هُمْ بَنُو الْمَلِكِ قَدْ وَصَلُوا، فَتَمَّ مَا قَالَهُ عَبْدُكَ.“ وَلَمَّا انْتَهَى مِنَ الْكَلَامِ، وَصَلَ بَنُو الْمَلِكِ وَأَخَذُوا يَبْكُونَ بِصَوْتٍ عَالٍ، وَبَكَى الْمَلِكُ أَيْضًا وَرِجَالُهُ بُكَاءً شَدِيدًا. فَهَرَبَ أَبْشَلُومُ وَذَهَبَ إِلَى تَلْمَايَ بْنِ عَمِّيهُودَ مَلِكِ جَشُورَ. وَنَاحَ دَاوُدُ عَلَى أَمْنُونَ وَقْتًا طَوِيلًا. وَأَقَامَ أَبْشَلُومُ فِي جَشُورَ 3 سِنِينَ. وَتَعَزَّى دَاوُدُ عَنْ مَوْتِ أَمْنُونَ، وَاشْتَاقَ إِلَى أَبْشَلُومَ. وَعَلِمَ يُوآبُ ابْنُ صَرُويَةَ أَنَّ قَلْبَ الْمَلِكِ مُشْتَاقٌ إِلَى أَبْشَلُومَ. فَأَرْسَلَ يُوآبُ إِلَى تَقُوعَ، وَأَحْضَرَ مِنْ هُنَاكَ امْرَأَةً حَكِيمَةً وَقَالَ لَهَا: ”تَظَاهَرِي بِأَنَّكِ حَزِينَةٌ، وَالْبَسِي ثِيَابَ الْحِدَادِ وَلَا تَتَعَطَّرِي، وَكَأَنَّكِ مُنْذُ وَقْتٍ طَوِيلٍ وَأَنْتِ تَبْكِينَ عَلَى مَيِّتٍ. وَاذْهَبِي إِلَى الْمَلِكِ وَقُولِي لَهُ هَذَا الْكَلَامَ.“ وَلَقَّنَهَا يُوآبُ الْكَلَامَ الَّذِي تَقُولُهُ. فَذَهَبَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي مِنْ تَقُوعَ إِلَى الْمَلِكِ، وَرَمَتْ نَفْسَهَا عَلَى الْأَرْضِ احْتِرَامًا لَهُ وَقَالَتْ: ”أَنْقِذْنِي أَيُّهَا الْمَلِكُ!“ فَقَالَ لَهَا الْمَلِكُ: ”مَا لَكِ؟“ فَقَالَتْ: ”أَنَا أَرْمَلَةٌ مَاتَ زَوْجِي. وَكَانَ لِي يَا سَيِّدِي ابْنَانِ تَشَاجَرَا فِي الْحَقْلِ، وَلَمْ يَكُنْ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا، فَضَرَبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَقَتَلَهُ. فَقَامَتْ كُلُّ الْعَشِيرَةِ عَلَيَّ وَقَالُوا: ’سَلِّمِي الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ لِنَقْتُلَهُ، فَنَنْتَقِمَ لِلْقَتِيلِ وَنُهْلِكَ الْوَارِثَ.‘ فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ يُطْفِئُونَ الْجَمْرَةَ الَّتِي بَقِيَتْ لِي، وَلَا يَتْرُكُونَ لِزَوْجِيَ اسْمًا وَلَا نَسْلًا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ.“ فَقَالَ الْمَلِكُ لِلْمَرْأَةِ: ”اِذْهَبِي إِلَى دَارِكِ، وَأَنَا أُصْدِرُ قَرَارًا فِي مَوْضُوعِكِ.“ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي مِنْ تَقُوعَ: ”الذَّنْبُ عَلَيَّ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ وَعَلَى بَيْتِ أَبِي، وَيَكُونُ الْمَلِكُ بَرِيئًا هُوَ وَعَرْشُهُ.“ فَقَالَ الْمَلِكُ: ”إِنْ كَلَّمَكِ أَحَدٌ، هَاتِيهِ لِي فَلَا يَعُودُ يُضَايِقُكِ.“ فَقَالَتْ: ”اِحْلِفْ لِي بِاسْمِ الْمَوْلَى إِلَهِكَ، أَنْ تَمْنَعَ طَالِبَ الثَّأْرِ مِنِ ارْتِكَابِ جَرِيمَةٍ أُخْرَى لِئَلَّا يَهْلِكَ ابْنِيَ الْآخَرُ.“ فَأَجَابَهَا: ”أُقْسِمُ لَكِ بِاللهِ، لَا تَسْقُطُ شَعْرَةٌ مِنْ رَأْسِ ابْنِكِ عَلَى الْأَرْضِ.“ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: ”اِسْمَحْ لِي يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ بِأَنْ أَقُولَ لَكَ كَلِمَةً.“ فَقَالَ: ”قُولِي.“ قَالَتِ الْمَرْأَةُ: ”إِذَنْ لِمَاذَا لَا تَعْمَلُ لِشَعْبِ اللهِ مَا وَعَدْتَ أَنْ تَعْمَلَهُ لِي؟ أَنْتَ بِكَلَامِكَ هَذَا تَحْكُمُ عَلَى نَفْسِكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، لِأَنَّكَ لَا تَرُدُّ ابْنَكَ الْمَنْفِيَّ! فَنَحْنُ لَا بُدَّ أَنْ نَمُوتَ. حَيَاتُنَا هِيَ كَالْمَاءِ الَّذِي يُسْكَبُ عَلَى الْأَرْضِ فَلَا يُمْكِنُ جَمْعُهُ. لِهَذَا يُحَاوِلُ اللهُ أَنْ يَرُدَّنَا إِلَيْهِ حِينَ نَكُونُ مَنْفِيِّينَ عَنْهُ. فَهُوَ لَا يَقْضِي عَلَى حَيَاةِ مَنْ يُحِبُّهُمْ. وَأَنَا جِئْتُ لِأَقُولَ لَكَ هَذَا الْكَلَامَ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ، لِأَنَّ الشَّعْبَ خَوَّفَنِي. فَقُلْتُ: ’أُكَلِّمُ الْمَلِكَ، رُبَّمَا يُجِيبُ طَلَبِي. رُبَّمَا يَسْمَعُ لِي وَيُنْقِذُنِي مِنْ يَدِ الرَّجُلِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَنِي أَنَا وَابْنِي مَعًا مِنْ نَصِيبِنَا الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ لَنَا.‘ وَالْآنَ صَارَ كَلَامُكَ عَزَاءً لِي يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ، لِأَنَّكَ كَمَلَاكِ اللهِ تُمَيِّزُ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. فَلْيَكُنِ الْمَوْلَى إِلَهُكَ مَعَكَ.“ فَقَالَ الْمَلِكُ لِلْمَرْأَةِ: ”أَسْأَلُكِ سُؤَالًا فَلَا تَكْتُمِي عَنِّي شَيْئًا.“ قَالَتِ الْمَرْأَةُ: ”تَفَضَّلْ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ.“ فَقَالَ الْمَلِكُ: ”هَلْ لِيُوآبَ يَدٌ فِي هَذَا كُلِّهِ؟“ أَجَابَتِ الْمَرْأَةُ: ”وَحَيَاتِكَ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ، عِنْدَمَا تَسْأَلُ سُؤَالًا، لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَتَحَاشَاهُ، لَا يَمِينًا وَلَا يَسَارًا! نَعَمْ، عَبْدُكَ يُوآبُ هُوَ الَّذِي أَمَرَنِي بِهَذَا، وَهُوَ لَقَّنَنِي كُلَّ هَذَا الْكَلَامِ. فَعَلَ عَبْدُكَ يُوآبُ هَذَا، لِيُكَلِّمَكَ فِي الْمَوْضُوعِ بِطَرِيقَةٍ غَيْرِ مُبَاشِرَةٍ! وَأَنْتَ يَا سَيِّدِي حَكِيمٌ كَمَلَاكِ اللهِ، وَتَعْرِفُ كُلَّ مَا يَجْرِي فِي الْبِلَادِ.“ فَقَالَ الْمَلِكُ لِيُوآبَ: ”وَافَقْتُ عَلَى طَلَبِكَ. اِذْهَبْ وَأَحْضِرِ الْفَتَى أَبْشَلُومَ.“ فَرَمَى يُوآبُ نَفْسَهُ عَلَى الْأَرْضِ احْتِرَامًا لِلْمَلِكِ وَبَارَكَهُ. وَقَالَ يُوآبُ: ”الْيَوْمَ عَلِمْتُ أَنَّكَ رَضِيتَ عَنِّي يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ، لِأَنَّكَ أَجَبْتَ طَلَبِي.“ وَذَهَبَ يُوآبُ إِلَى جَشُورَ، وَأَحْضَرَ أَبْشَلُومَ إِلَى الْقُدْسِ. لَكِنَّ الْمَلِكَ قَالَ: ”خَلُّوهُ يَذْهَبُ إِلَى دَارِهِ وَلَا يَرَى وَجْهِي.“ فَذَهَبَ أَبْشَلُومُ إِلَى دَارِهِ وَلَمْ يَمْثُلْ فِي مَحْضَرِ الْمَلِكِ. وَلَمْ يَكُنْ فِي كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ وَسِيمٌ كَأَبْشَلُومَ، وَكَانَ النَّاسُ يَمْدَحُونَهُ جِدًّا لِهَذَا. وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ عَيْبٌ مِنْ أَسْفَلِ قَدَمِهِ إِلَى قِمَّةِ رَأْسِهِ. وَكَانَ يَحْلِقُ رَأْسَهُ فِي آخِرِ كُلِّ سَنَةٍ، لِأَنَّ شَعْرَهُ كَانَ يَثْقُلُ عَلَيْهِ، وَكَانَ يَزِنُهُ فِيَجِدُهُ أَكْثَرَ مِنْ كِيلُوجْرَامَيْنِ حَسَبَ الْوَزْنِ الْمَلَكِيِّ. وَأَنْجَبَ أَبْشَلُومُ 3 بَنِينَ وَبِنْتًا وَاحِدَةً اسْمُهَا تَامَارُ وَكَانَتْ جَمِيلَةً جِدًّا. وَأَقَامَ أَبْشَلُومُ فِي الْقُدْسِ سَنَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْثُلَ فِي مَحْضَرِ الْمَلِكِ. فَأَرْسَلَ أَبْشَلُومُ إِلَى يُوآبَ لِكَيْ يَتَوَسَّطَ لَهُ عِنْدَ الْمَلِكِ، فَرَفَضَ يُوآبُ أَنْ يَأْتِيَ إِلَيْهِ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مَرَّةً ثَانِيَةً، فَرَفَضَ أَنْ يَأْتِيَ. فَقَالَ أَبْشَلُومُ لِرِجَالِهِ: ”اُنْظُرُوا، إِنَّ حَقْلَ يُوآبَ بِجَانِبِ حَقْلِي وَهُوَ مَزْرُوعٌ شَعِيرًا، فَاذْهَبُوا وَأَحْرِقُوهُ بِالنَّارِ.“ فَأَحْرَقَ رِجَالُ أَبْشَلُومَ الْحَقْلَ بِالنَّارِ. فَذَهَبَ يُوآبُ إِلَى أَبْشَلُومَ فِي دَارِهِ، وَقَالَ لَهُ: ”لِمَاذَا أَحْرَقَ رِجَالُكَ حَقْلِي بِالنَّارِ؟“ فَقَالَ أَبْشَلُومُ لِيُوآبَ: ”أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ وَقُلْتُ لَكَ: ’تَعَالَ إِلَى هُنَا، لِأَنِّي أُرِيدُ أَنْ تَتَوَسَّطَ لِي عِنْدَ الْمَلِكِ، وَتَسْأَلَهُ: لِمَاذَا أَحْضَرَنِي مِنْ جَشُورَ؟ كَانَ خَيْرًا لِي لَوْ بَقِيتُ هُنَاكَ.‘ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَمْثُلَ فِي مَحْضَرِ الْمَلِكِ، فَإِنْ كُنْتُ مُذْنِبًا فَلْيَقْتُلْنِي.“ فَذَهَبَ يُوآبُ إِلَى الْمَلِكِ وَأَخْبَرَهُ بِهَذَا. فَاسْتَدْعَى الْمَلِكُ أَبْشَلُومَ، فَذَهَبَ إِلَيْهِ وَانْحَنَى لَهُ بِوَجْهِهِ نَحْوَ الْأَرْضِ قُدَّامَ الْمَلِكِ، فَقَبَّلَ الْمَلِكُ أَبْشَلُومَ. وَبَعْدَ فَتْرَةٍ، أَخَذَ أَبْشَلُومُ لِنَفْسِهِ مَرْكَبَةً وَخَيْلًا وَ50 رَجُلًا يَجْرُونَ قُدَّامَهُ. وَكَانَ يَقُومُ فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، وَيَقِفُ بِجَانِبِ الطَّرِيقِ إِلَى بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ. وَأَيُّ وَاحِدٍ قَادِمٍ بِدَعْوَاهُ إِلَى الْمَلِكِ لِيُنْصِفَهُ، كَانَ أَبْشَلُومُ يُنَادِيهِ وَيَقُولُ لَهُ: ”أَنْتَ مِنْ أَيِّ مَدِينَةٍ؟“ فَيَقُولُ: ”أَنَا يَا سَيِّدِي مِنَ الْقَبِيلَةِ الْفُلَانِيَّةِ فِي إِسْرَائِيلَ.“ فَيَقُولُ أَبْشَلُومُ لَهُ: ”اُنْظُرْ! أَنْتَ عَلَى حَقٍّ تَمَامًا فِي دَعْوَاكَ، وَلَكِنْ لَا أَحَدَ عِنْدَ الْمَلِكِ يَسْمَعُ لَكَ!“ ثُمَّ يَقُولُ: ”إِنْ جَعَلُونِي قَاضِيًا فِي هَذِهِ الْبِلَادِ، يَأْتِي إِلَيَّ كُلُّ مَنْ لَهُ شَكْوَى أَوْ دَعْوَى فَأُنْصِفَهُ.“ وَكَانَ إِذَا اقْتَرَبَ أَحَدٌ لِيَنْحَنِيَ أَمَامَهُ، يَمُدُّ أَبْشَلُومُ يَدَهُ وَيُمْسِكُهُ وَيُقَبِّلُهُ. وَكَانَ أَبْشَلُومُ يَفْعَلُ هَذَا مَعَ كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْقَادِمِينَ إِلَى الْمَلِكِ لِيُنْصِفَهُمْ، فَسَلَبَ أَبْشَلُومُ قُلُوبَهُمْ. وَبَعْدَ 4 سِنِينَ قَالَ أَبْشَلُومُ لِلْمَلِكِ: ”اِسْمَحْ لِي بِأَنْ أَذْهَبَ إِلَى حَبْرُونَ، لِأُوفِيَ نَذْرِيَ الَّذِي نَذَرْتُهُ للهِ. لِأَنِّي يَا سَيِّدِي لَمَّا كُنْتُ فِي جَشُورَ فِي آرَامَ، نَذَرْتُ هَذَا النَّذْرَ وَقُلْتُ: ’إِنْ أَرْجَعَنِي الْمَوْلَى إِلَى الْقُدْسِ، أُقَدِّمُ لَهُ ضَحَايَا فِي حَبْرُونَ.‘“ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: ”اِذْهَبْ بِالسَّلَامَةِ.“ فَقَامَ وَذَهَبَ إِلَى حَبْرُونَ. وَأَرْسَلَ أَبْشَلُومُ رُسُلًا فِي السِّرِّ إِلَى كُلِّ قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَالَ لَهُمْ: ”مَتَى سَمِعْتُمْ صَوْتَ الْبُوقِ فَقُولُوا: ’مَلَكَ أَبْشَلُومُ فِي حَبْرُونَ.‘“ وَدَعَا أَبْشَلُومُ 200 رَجُلٍ مِنَ الْقُدْسِ، فَرَافَقُوهُ وَذَهَبُوا مَعَهُ بِسَلَامَةِ نِيَّةٍ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا. وَلَمَّا كَانَ أَبْشَلُومُ يُقَدِّمُ الضَّحَايَا، أَرْسَلَ إِلَى مَدِينَةِ جِيلُوهَ وَاسْتَدْعَى أَخِيتُوفَلَ الْجِيلُونِيَّ مُسْتَشَارَ دَاوُدَ. وَاشْتَدَّتِ الْمُؤَامَرَةُ، وَتَزَايَدَ أَنْصَارُ أَبْشَلُومَ. وَجَاءَ وَاحِدٌ وَأَخْبَرَ دَاوُدَ بِأَنَّ كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَصْبَحُوا يُوَالُونَ أَبْشَلُومَ. فَقَالَ دَاوُدُ لِكُلِّ رِجَالِهِ الَّذِينَ مَعَهُ فِي الْقُدْسِ: ”قُومُوا بِنَا نَهْرُبُ، وَإِلَّا لَنْ نَنْجُوَ مِنْ أَبْشَلُومَ. تَعَالَوْا نَذْهَبُ بِسُرْعَةٍ، لِئَلَّا يَأْتِيَ عَلَيْنَا وَيُمْسِكَنَا وَيَقْتُلَنَا وَيُهْلِكَ الْمَدِينَةَ بِالسَّيْفِ.“ فَأَجَابَهُ رِجَالُهُ: ”نَحْنُ يَا سَيِّدَنَا الْمَلِكَ نَعْمَلُ كَمَا تَشَاءُ.“ فَخَرَجَ الْمَلِكُ وَكُلُّ أَهْلِ دَارِهِ وَرَاءَهُ. وَتَرَكَ الْمَلِكُ 10 نِسَاءٍ مِنَ الْجَوَارِي لِلْعِنَايَةِ بِالْقَصْرِ. وَبَيْنَمَا الْمَلِكُ خَارِجٌ، وَكُلُّ الشَّعْبِ وَرَاءَهُ، وَقَفُوا عِنْدَ آخِرِ دَارٍ فِي طَرَفِ الْمَدِينَةِ. وَعَبَرَ كُلُّ رِجَالِهِ أَمَامَهُ بِمَا فِي ذَلِكَ الْحَرَسُ الْمَلَكِيُّ وَ600 رَجُلٍ رَافَقُوهُ مِنْ جَتَّ، فَعَبَرَ الْكُلُّ أَمَامَهُ. فَقَالَ الْمَلِكُ لِإِتَّايَ الْجَتِّيِّ: ”لِمَاذَا تَذْهَبُ أَنْتَ أَيْضًا مَعَنَا؟ اِرْجِعْ وَأَقِمْ مَعَ الْمَلِكِ الْجَدِيدِ. أَنْتَ هَاجَرْتَ وَتَرَكْتَ وَطَنَكَ. بِالْأَمْسِ جِئْتَ، فَهَلْ آخُذُكَ الْيَوْمَ لِتَتَشَرَّدَ مَعَنَا، وَأَنَا لَا أَعْرِفُ إِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ؟ اِرْجِعْ وَخُذْ إِخْوَتَكَ مَعَكَ. يَرْحَمُكَ اللهُ وَيُحْسِنُ إِلَيْكَ.“ فَأَجَابَ إِتَّايُ الْمَلِكَ وَقَالَ: ”أُقْسِمُ بِاللهِ وَبِحَيَاتِكَ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ، حَيْثُمَا ذَهَبْتَ أَذْهَبُ حَتَّى وَإِنْ كَلَّفَنِي ذَلِكَ حَيَاتِي!“ فَقَالَ دَاوُدُ لِإِتَّايَ: ”تَعَالَ وَاعْبُرْ مَعَنَا.“ فَعَبَرَ إِتَّايُ الْجَتِّيُّ وَكُلُّ رِجَالِهِ وَعَائِلَاتِهِمْ مَعَهُ. وَكَانَ الْكُلُّ يَبْكُونَ بِصَوْتٍ عَالٍ، بَيْنَمَا كُلُّ الشَّعْبِ يَعْبُرُ. ثُمَّ عَبَرَ الْمَلِكُ أَيْضًا فِي وَادِي قَدْرُونَ، وَاتَّجَهُوا كُلُّهُمْ نَحْوَ طَرِيقِ الصَّحْرَاءِ. وَجَاءَ صَادِقُ أَيْضًا وَمَعَهُ كُلُّ اللَّاوِيِّينَ حَامِلِينَ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ، فَوَضَعُوهُ بِجَانِبِ أَبِيأَثَرَ حَتَّى انْتَهَى كُلُّ الشَّعْبِ مِنَ الْعُبُورِ مِنَ الْمَدِينَةِ. وَقَالَ الْمَلِكُ لِصَادِقَ: ”أَرْجِعِ الصُّنْدُوقَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَإِنْ رَضِيَ اللهُ عَنِّي، يَرُدُّنِي وَيُرِينِي إِيَّاهُ وَمَسْكَنَهُ. أَمَّا إِنْ قَالَ إِنَّهُ غَيْرُ مَسْرُورٍ بِي، إِذَنْ فَلْيَفْعَلْ بِي كَمَا يَشَاءُ.“ ثُمَّ قَالَ الْمَلِكُ لِصَادِقَ الْحَبْرِ: ”اِرْجِعْ أَنْتَ وَأَبِيأَثَرُ بِهُدُوءٍ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَخُذَا مَعَكُمَا ابْنَيْكُمَا، أَخِيمَعْصَ ابْنَكَ، وَيُونَاثَانَ بْنَ أَبِيأَثَرَ. أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُبْطِئُ عِنْدَ مَعَابِرِ النَّهْرِ فِي الصَّحْرَاءِ، حَتَّى تَأْتِيَ رِسَالَةٌ مِنْكُمْ لِتُخْبِرُونِي بِالْأُمُورِ.“ فَرَجَعَ صَادِقُ وَأَبِيأَثَرُ بِصُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ إِلَى الْقُدْسِ وَأَقَامُوا هُنَاكَ. وَصَعِدَ دَاوُدُ جَبَلَ الزَّيْتُونِ وَهُوَ يَبْكِي، وَرَأْسُهُ مُغَطًّى وَحَافِيَ الْقَدَمَيْنِ. وَكُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي مَعَهُ غَطَّوْا رُؤُوسَهُمْ، وَكَانُوا يَبْكُونَ وَهُمْ يَصْعَدُونَ. وَبَلَغَ دَاوُدَ الْخَبَرُ أَنَّ أَخِيتُوفَلَ مِنْ بَيْنِ الْمُتَآمِرِينَ مَعَ أَبْشَلُومَ. فَقَالَ دَاوُدُ: ”مِنْ فَضْلِكَ يَا رَبُّ، اِجْعَلْ نَصِيحَةَ أَخِيتُوفَلَ فَاسِدَةً.“ وَلَمَّا وَصَلَ دَاوُدُ إِلَى قِمَّةِ الْجَبَلِ، سَجَدَ للهِ. وَلَاقَاهُ هُنَاكَ حُوشَايُ الْأَرْكِيُّ وَثَوْبُهُ مُمَزَّقٌ وَعَلَى رَأْسِهِ تُرَابٌ. فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: ”إِذَا جِئْتَ مَعِي، تَكُونُ حِمْلًا عَلَيَّ. وَلَكِنْ إِذَا رَجَعْتَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقُلْتَ لِأَبْشَلُومَ: ’أَنَا خَادِمُكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ. كَمَا خَدَمْتُ أَبَاكَ مِنْ قَبْلُ، الْآنَ أَخْدِمُكَ.‘ فَإِنَّكَ بِذَلِكَ تُسَاعِدُنِي بِأَنْ تَعْمَلَ عَلَى أَنْ تَفْشَلَ نَصِيحَةَ أَخِيتُوفَلَ. وَعِنْدَكَ هُنَاكَ صَادِقُ وَأَبِيأَثَرُ الْحَبْرَانِ. فَقُلْ لَهُمَا كُلَّ مَا تَسْمَعُهُ فِي قَصْرِ الْمَلِكِ. وَمَعَهُمَا هُنَاكَ ابْنَاهُمَا، أَخِيمَعْصُ بْنُ صَادِقَ وَيُونَاثَانُ بْنُ أَبِيأَثَرَ، فَتُرْسِلُونَهُمَا إِلَيَّ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَسْمَعُونَهَا.“ فَجَاءَ حُوشَايُ صَاحِبُ دَاوُدَ إِلَى مَدِينَةِ الْقُدْسِ، بَيْنَمَا كَانَ أَبْشَلُومُ يَدْخُلُهَا. وَبَعْدَمَا عَبَرَ دَاوُدُ الْقِمَّةَ بِقَلِيلٍ، لَاقَاهُ صِيبَا خَادِمُ مَفِيبُوشَتَ، وَمَعَهُ حِمَارَانِ مُسْرَجَانِ يَحْمِلَانِ 200 رَغِيفِ خُبْزٍ، وَ100 عُنْقُودِ زَبِيبٍ، وَ100 قُرْصِ تِينٍ، وَقِرْبَةَ خَمْرٍ. فَقَالَ الْمَلِكُ لِصِيبَا: ”لِمَنْ كُلُّ هَذَا؟“ فَقَالَ صِيبَا: ”الْحِمَارَانِ لِعَائِلَةِ الْمَلِكِ لِلرُّكُوبِ، وَالْخُبْزُ وَالثِّمَارُ لِلنَّاسِ لِيَأْكُلُوا، وَالْخَمْرُ لِيَشْرَبَهُ مَنْ تَعِبَ فِي الصَّحْرَاءِ.“ فَقَالَ الْمَلِكُ: ”وَأَيْنَ حَفِيدُ سَيِّدِكَ؟“ قَالَ صِيبَا: ”اِنْتَظَرَ فِي الْقُدْسِ لِأَنَّهُ قَالَ فِي نَفْسِهِ: ’الْيَوْمَ يَرُدُّ لِي بَيْتُ إِسْرَائِيلَ مَمْلَكَةَ جَدِّي!‘“ فَقَالَ الْمَلِكُ لِصِيبَا: ”كُلُّ مَا يَمْلِكُهُ مَفِيبُوشَتُ هُوَ لَكَ!“ فَقَالَ صِيبَا: ”أَنَا عَبْدُكَ يَا سَيِّدِي الْمَلِكُ، فَلَيْتَكَ تَرْضَى عَنِّي.“ وَلَمَّا اقْتَرَبَ الْمَلِكُ دَاوُدُ مِنْ بَحُورِيمَ، خَرَجَ مِنْ هُنَاكَ رَجُلٌ يَنْتَمِي إِلَى عَشِيرَةِ شَاوُلَ، اِسْمُهُ شَمْعِي بْنُ جِيرَا. وَبَيْنَمَا هُوَ خَارِجٌ كَانَ يَشْتِمُ. وَيَقْذِفُ دَاوُدَ وَكُلَّ رِجَالِهِ بِالْحِجَارَةِ، مَعَ أَنَّ كُلَّ الْجَيْشِ وَكُلَّ الْقَادَةِ كَانُوا عَنْ يَمِينِ الْمَلِكِ دَاوُدَ وَعَنْ شِمَالِهِ. وَكَانَ شَمْعِي يَقُولُ فِي شَتَائِمِهِ: ”اُخْرُجْ! اُخْرُجْ! يَا قَاتِلُ! يَا خَبِيثُ! الْمَوْلَى انْتَقَمَ مِنْكَ عَلَى كُلِّ دِمَاءِ بَيْتِ شَاوُلَ الَّتِي سَفَكْتَهَا وَمَلَكْتَ مَكَانَهُ. الْمَوْلَى أَعْطَى الْمَمْلَكَةَ لِأَبْشَلُومَ ابْنِكَ. أَنْتَ فِي هَذِهِ الْمُصِيبَةِ لِأَنَّكَ قَاتِلٌ!“ فَقَالَ أَبِيشَايُ ابْنُ صَرُويَةَ لِلْمَلِكِ: ”لِمَاذَا يَشْتِمُ هَذَا الْكَلْبُ الْمَيِّتُ سَيِّدِي الْمَلِكَ؟ اِسْمَحْ لِي بِأَنْ أَذْهَبَ وَأَقْطَعَ رَأْسَهُ.“ فَقَالَ الْمَلِكُ: ”مَا لِي وَلَكُمْ يَا بَنِي صَرُويَةَ؟ اُتْرُكُوهُ يَشْتِمُ، لِأَنَّ اللهَ قَالَ لَهُ: ’اِشْتِمْ دَاوُدَ!‘ فَمَنْ لَهُ الْحَقُّ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى ذَلِكَ؟“ وَقَالَ دَاوُدُ لِأَبِيشَايَ وَلِكُلِّ رِجَالِهِ: ”إِنْ كَانَ ابْنِيَ الَّذِي مِنْ لَحْمِي وَدَمِي يَسْعَى لِقَتْلِي، فَكَمْ بِالْأَوْلَى هَذَا الْبِنْيَمِينِيُّ! اُتْرُكُوهُ يَشْتِمُ لِأَنَّ اللهَ قَالَ لَهُ. لَعَلَّ اللهَ يَرَى ذُلِّي وَيُكَافِئُنِي خَيْرًا بَدَلَ شَتِيمَتِهِ الْيَوْمَ.“ وَتَابَعَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ سَيْرَهُمْ فِي الطَّرِيقِ، وَكَانَ شَمْعِي يَسِيرُ مُقَابِلَهُمْ بِجَانِبِ الْجَبَلِ، وَهُوَ يَشْتِمُ وَيَقْذِفُ دَاوُدَ بِالْحِجَارَةِ وَيَذْرِي التُّرَابَ عَلَيْهِ. وَوَصَلَ الْمَلِكُ وَكُلُّ الَّذِينَ مَعَهُ إِلَى نَهْرِ الْأُرْدُنِّ تَعْبَانِينَ، فَاسْتَرَاحُوا هُنَاكَ. أَمَّا أَبْشَلُومُ وَكُلُّ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ، فَجَاءُوا إِلَى الْقُدْسِ، وَكَانَ أَخِيتُوفَلُ مَعَهُمْ. وَذَهَبَ حُوشَايُ الْأَرْكِيُّ صَاحِبُ دَاوُدَ إِلَى أَبْشَلُومَ وَقَالَ لَهُ: ”لِيَحْيَ الْمَلِكُ! لِيَحْيَ الْمَلِكُ!“ فَقَالَ أَبْشَلُومُ لِحُوشَايَ: ”أَهَذَا وَفَاؤُكَ لِصَاحِبِكَ؟ لِمَاذَا لَمْ تَذْهَبْ مَعَ صَاحِبِكَ؟“ فَقَالَ حُوشَايُ لِأَبْشَلُومَ: ”لَا، بَلْ أَخْدِمُ وَأُقِيمُ مَعَ الَّذِي اخْتَارَهُ اللهُ وَاخْتَارَهُ هَذَا الشَّعْبُ وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَبِالْإِضَافَةِ إِلَى ذَلِكَ، أَلَسْتَ أَنْتَ ابْنَهُ؟ فَكَمَا خَدَمْتُ أَبَاكَ أَخْدِمُكَ أَنْتَ.“ وَقَالَ أَبْشَلُومُ لِأَخِيتُوفَلَ: ”مَا رَأْيُكُمْ؟ مَاذَا نَفْعَلُ؟“ فَقَالَ أَخِيتُوفَلُ لِأَبْشَلُومَ: ”عَاشِرْ جَوَارِيَ أَبِيكَ اللَّوَاتِي تَرَكَهُنَّ لِلْعِنَايَةِ بِالْقَصْرِ، هَذَا يَجْعَلُ أَبَاكَ يَكْرَهُكَ وَيَسْمَعُ الْكُلُّ بِذَلِكَ، وَتَشْتَدُّ عَزِيمَةُ كُلِّ أَنْصَارِكَ.“ فَنَصَبُوا لِأَبْشَلُومَ خَيْمَةً عَلَى السَّطْحِ، وَعَاشَرَ جَوَارِيَ أَبِيهِ أَمَامَ كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَكَانَتِ النَّصِيحَةُ الَّتِي يُعْطِيهَا أَخِيتُوفَلُ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ كَأَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللهِ. فَكَانَ لَهَا قِيمَةٌ كَبِيرَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِدَاوُدَ وَأَيْضًا بِالنِّسْبَةِ لِأَبْشَلُومَ. وَقَالَ أَخِيتُوفَلُ لِأَبْشَلُومَ: ”اِسْمَحْ لِي بِأَنْ أَخْتَارَ 12000 رَجُلٍ وَأَقُومَ وَأَذْهَبَ وَرَاءَ دَاوُدَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، وَأَهْجُمَ عَلَيْهِ وَهُوَ تَعْبَانٌ وَخَائِرُ الْقُوَّةِ وَأُرْعِبَهُ، فَيَهْرُبَ كُلُّ الَّذِينَ مَعَهُ، وَأَقْتُلَ الْمَلِكَ وَحْدَهُ، وَأَرُدَّ كُلَّ الشَّعْبِ إِلَيْكَ. لِأَنَّهُ إِنْ مَاتَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي تَطْلُبُهُ، يَرْجِعُ كُلُّ الشَّعْبِ إِلَيْكَ، وَيَكُونُ الْكُلُّ فِي سَلَامٍ.“ وَرَأَى أَبْشَلُومُ وَكُلُّ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ أَنَّ هَذِهِ فِكْرَةٌ حَسَنَةٌ. وَقَالَ أَبْشَلُومُ: ”اِسْتَدْعُوا حُوشَايَ الْأَرْكِيَّ فَنَسْمَعَ رَأْيَهُ هُوَ أَيْضًا.“ فَلَمَّا جَاءَ حُوشَايُ إِلَيْهِ، أَخْبَرَهُ أَبْشَلُومُ بِكَلَامِ أَخِيتُوفَلَ وَقَالَ: ”هَلْ نَعْمَلُ بِكَلَامِهِ أَمْ لَا؟ قُلْ لَنَا رَأْيَكَ.“ فَقَالَ حُوشَايُ لِأَبْشَلُومَ: ”نَصِيحَةُ أَخِيتُوفَلَ غَيْرُ صَالِحَةٍ هَذِهِ الْمَرَّةَ. أَنْتَ عَارِفٌ أَنَّ أَبَاكَ وَرِجَالَهُ هُمْ أَبْطَالٌ، وَعِنْدَمَا يَغْضَبُونَ يَكُونُونَ كَدُبَّةٍ مُتَوَحِّشَةٍ فَقَدَتْ أَوْلَادَهَا! وَأَبُوكَ أَيْضًا هُوَ رَجُلٌ خَبِيرٌ فِي الْحَرْبِ وَلَا يَبِيتُ مَعَ الْجُنُودِ. رُبَّمَا هُوَ الْآنَ مُخْتَبِئٌ فِي كَهْفٍ أَوْ فِي مَكَانٍ آخَرَ، فَإِذَا مَاتَ بَعْضُ رِجَالِنَا فِي الْبِدَايَةِ، تَنْتَشِرُ إِشَاعَةٌ بِأَنَّ كُلَّ جَيْشِ أَبْشَلُومَ انْهَزَمَ! فَحَتَّى مَنْ هُوَ شُجَاعٌ وَقَلْبُهُ كَقَلْبِ الْأَسَدِ يَخَافُ وَيَجْبُنُ، لِأَنَّ كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَعْلَمُونَ أَنَّ أَبَاكَ بَطَلٌ وَالَّذِينَ مَعَهُ شُجْعَانٌ. لِذَلِكَ أَنْصَحُكَ بِأَنْ تَجْمَعَ إِلَيْكَ كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنْ دَانَ إِلَى بِئْرَ سَبْعَ كَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ فِي الْكَثْرَةِ، وَأَنْتَ نَفْسُكَ تَقُودُهُمْ فِي الْمَعْرَكَةِ. ثُمَّ نَهْجُمُ عَلَيْهِ حَيْثُمَا كَانَ، وَنَنْزِلُ عَلَيْهِ كَمَا يَنْزِلُ النَّدَى عَلَى الْأَرْضِ. فَلَا يَبْقَى هُوَ وَلَا أَيُّ وَاحِدٍ مِنْ رِجَالِهِ حَيًّا. وَإِذَا لَجَأَ إِلَى مَدِينَةٍ، يَأْخُذُ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَيْهَا حِبَالًا، وَنَجُرُّهَا إِلَى الْوَادِي حَتَّى لَا يَبْقَى لَهَا أَثَرٌ.“ فَقَالَ أَبْشَلُومُ وَكُلُّ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ: ”نَصِيحَةُ حُوشَايَ الْأَرْكِيِّ أَحْسَنُ مِنْ نَصِيحَةِ أَخِيتُوفَلَ.“ فَإِنَّ اللهَ قَضَى بِأَنْ يُفَشِّلَ نَصِيحَةَ أَخِيتُوفَلَ الصَّالِحَةَ، لِكَيْ يَجْلِبَ الْهَلَاكَ عَلَى أَبْشَلُومَ. وَقَالَ حُوشَايُ لِصَادِقَ وَأَبِيأَثَرَ الْحَبْرَيْنِ: ”بِكَذَا نَصَحَ أَخِيتُوفَلُ أَبْشَلُومَ وَشُيُوخَ إِسْرَائِيلَ، وَبِكَذَا نَصَحْتُهُمْ أَنَا. فَأَرْسِلُوا حَالًا وَأَخْبِرُوا دَاوُدَ وَقُولُوا لَهُ أَنْ لَا يَبِيتَ اللَّيْلَةَ عِنْدَ مَعَابِرِ الْأُرْدُنِّ فِي الصَّحْرَاءِ، بَلْ يَعْبُرَ إِلَى الضَّفَّةِ الْأُخْرَى لِئَلَّا يَفْنَى الْمَلِكُ وَكُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي مَعَهُ.“ وَكَانَ يُونَاثَانُ وَأَخِيمَعْصُ يَنْتَظِرَانِ عِنْدَ عَيْنَ رُوجَلَ، لِأَنَّهُمَا لَمْ يُرِيدَا أَنْ يَدْخُلَا الْقُدْسَ لِئَلَّا يَرَاهُمَا أَحَدٌ. فَذَهَبَتْ إِلَيْهِمَا جَارِيَةٌ وَأَخْبَرَتْهُمَا بِالرِّسَالَةِ، وَهُمَا انْصَرَفَا لِيُخْبِرَا دَاوُدَ. فَرَآهُمَا شَابٌّ وَأَخْبَرَ أَبْشَلُومَ فَذَهَبَا بِسُرْعَةٍ حَتَّى وَصَلَا إِلَى دَارِ رَجُلٍ فِي بَحُورِيمَ، وَكَانَ عِنْدَهُ بِئْرٌ فِي دَارِهِ، فَنَزَلَا إِلَيْهَا. فَأَخَذَتْ زَوْجَتُهُ غِطَاءً وَفَرَشَتْهُ عَلَى فَمِ الْبِئْرِ، وَنَشَرَتْ عَلَيْهِ حُبُوبًا، فَلَمْ يَعْرِفْ أَحَدٌ أَنَّهُمَا فِي الْبِئْرِ. وَجَاءَ رِجَالُ أَبْشَلُومَ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الدَّارِ وَقَالُوا: ”أَيْنَ أَخِيمَعْصُ وَيُونَاثَانُ؟“ فَقَالَتْ: ”عَبَرَا قَنَاةَ الْمَاءِ!“ فَفَتَّشُوا وَلَمْ يَجِدُوهُمَا، فَرَجَعُوا إِلَى الْقُدْسِ. وَبَعْدَمَا مَضَى الرِّجَالُ، خَرَجَ الِاثْنَانِ مِنَ الْبِئْرِ وَذَهَبَا وَأَخْبَرَا الْمَلِكَ دَاوُدَ وَقَالَا لَهُ: ”قُومُوا وَاعْبُرُوا النَّهْرَ بِسُرْعَةٍ، لِأَنَّ أَخِيتُوفَلَ نَصَحَ بِكَذَا ضِدَّكُمْ.“ فَقَامَ دَاوُدُ وَكُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي مَعَهُ وَعَبَرُوا الْأُرْدُنَّ. وَلَمَّا طَلَعَ الصُّبْحُ كَانُوا قَدْ عَبَرُوا كُلُّهُمْ. فَلَمَّا رَأَى أَخِيتُوفَلُ أَنَّ نَصِيحَتَهُ لَمْ يُعْمَلْ بِهَا، أَسْرَجَ حِمَارَهُ وَقَامَ وَمَضَى إِلَى دَارِهِ فِي مَدِينَتِهِ، وَرَتَّبَ شُؤُونَ عَائِلَتِهِ، وَخَنَقَ نَفْسَهُ، فَمَاتَ وَدُفِنَ فِي قَبْرِ أَبِيهِ. وَذَهَبَ دَاوُدُ إِلَى مَحَنَايِمَ. وَعَبَرَ أَبْشَلُومُ الْأُرْدُنَّ هُوَ وَكُلُّ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ. وَكَانَ أَبْشَلُومُ قَدْ عَيَّنَ عَمَاسَا قَائِدًا لِلْجَيْشِ بَدَلَ يُوآبَ. وَكَانَ عَمَاسَا ابْنَ رَجُلٍ اسْمُهُ يَثَرُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ الَّذِي تَزَوَّجَ أَبِيجَايِلَ بِنْتَ نَاحَاشَ، وَهِيَ أُخْتُ صَرُويَةَ أُمِّ يُوآبَ. وَعَسْكَرَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ مَعَ أَبْشَلُومَ فِي أَرْضِ جِلْعَادَ. وَلَمَّا ذَهَبَ دَاوُدُ إِلَى مَحَنَايِمَ، جَاءَ شُوبِي بْنُ نَاحَاشَ مِنْ رَبَّةَ عَاصِمَةِ بَنِي عَمُّونَ، وَمَاكِيرُ بْنُ عَمِّئِيلَ مِنْ لُودَبَارَ، وَبَرْزِلَايُ الْجِلْعَادِيُّ مِنْ رُوجَلِيمَ. وَقَدَّمُوا فَرْشًا وَصُحُونًا وَأَوْعِيَةَ خَزَفٍ وَقَمْحًا وَشَعِيرًا وَدَقِيقًا وَفَرِيكًا وَفُولًا وَعَدَسًا وَحُمُّصًا مَشْوِيًّا وَعَسَلًا وَزُبْدَةً وَغَنَمًا وَجُبْنَ بَقَرٍ، لِدَاوُدَ وَلِلشَّعْبِ الَّذِي مَعَهُ لِيَأْكُلُوا. لِأَنَّهُمْ قَالُوا: ”الشَّعْبُ جَوْعَانُ وَتَعْبَانُ وَعَطْشَانُ فِي الصَّحْرَاءِ.“ وَجَمَعَ دَاوُدُ الْجَيْشَ الَّذِي مَعَهُ، وَعَيَّنَ عَلَيْهِمْ قَادَةَ فِرَقٍ مِنْ 1000 وَمِنْ 100. وَأَرْسَلَ ثُلُثَهُمْ تَحْتَ قِيَادَةِ يُوآبَ، وَثُلُثَهُمْ تَحْتَ قِيَادَةِ أَبِيشَايَ ابْنِ صَرُويَةَ أَخِي يُوآبَ، وَثُلُثَهُمْ تَحْتَ قِيَادَةِ إِتَّايَ الْجَتِّيِّ. وَقَالَ الْمَلِكُ لَهُمْ: ”أَنَا نَفْسِي سَأَذْهَبُ مَعَكُمْ.“ فَقَالُوا: ”لَا! أَنْتَ لَا تَذْهَبُ! لِأَنَّهُ إِنْ هَرَبْنَا أَوْ إِنْ مَاتَ نِصْفُنَا فَهَذَا لَا يَهُمُّ، أَمَّا أَنْتَ فَتُسَاوِي 10000 مِنَّا، وَمِنَ الْأَحْسَنِ أَنْ تَبْقَى هُنَا فِي الْمَدِينَةِ وَتُنْجِدَنَا إِنْ دَعَا الْأَمْرُ.“ فَقَالَ لَهُمُ الْمَلِكُ: ”سَأَعْمَلُ مَا يَحْلُو لَكُمْ.“ وَوَقَفَ الْمَلِكُ عِنْدَ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ، بَيْنَمَا خَرَجَ كُلُّ الْجَيْشِ فِي فِرَقٍ مِنْ 100 وَمِنْ 1000. وَأَوْصَى الْمَلِكُ يُوآبَ وَأَبِيشَايَ وَإِتَّايَ وَقَالَ: ”تَرَفَّقُوا بِالْفَتَى أَبْشَلُومَ مِنْ أَجْلِي.“ وَسَمِعَ كُلُّ الْجُنُودِ لَمَّا أَوْصَى الْمَلِكُ الْقَادَةَ بِأَبْشَلُومَ. وَخَرَجَ رِجَالُ دَاوُدَ إِلَى الْحَقْلِ لِيُحَارِبُوا رِجَالَ إِسْرَائِيلَ، وَكَانَتِ الْمَعْرَكَةُ فِي غَابَةِ أَفْرَايِمَ. فَانْهَزَمَ هُنَاكَ جَيْشُ إِسْرَائِيلَ أَمَامَ رِجَالِ دَاوُدَ. وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَقَعَتْ مَجْزَرَةٌ عَظِيمَةٌ، وَقُتِلَ 20000. وَاتَّسَعَتْ سَاحَةُ الْقِتَالِ فِي كُلِّ الْمِنْطَقَةِ، وَكَانَ الَّذِينَ هَلَكُوا فِي الْغَابَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنَ الَّذِينَ هَلَكُوا بِالسَّيْفِ. وَالْتَقَى أَبْشَلُومُ صُدْفَةً مَعَ بَعْضِ رِجَالِ دَاوُدَ، وَكَانَ رَاكِبًا عَلَى بَغْلٍ. وَدَخَلَ الْبَغْلُ بِهِ تَحْتَ شَجَرَةِ بَلُّوطٍ ضَخْمَةٍ أَغْصَانُهَا كَثِيفَةٌ، فَتَعَلَّقَ رَأْسُهُ بِهَا، وَمَرَّ الْبَغْلُ مِنْ تَحْتِهِ وَتَرَكَهُ مُعَلَّقًا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. فَرَآهُ رَجُلٌ وَأَخْبَرَ يُوآبَ وَقَالَ: ”رَأَيْتُ أَبْشَلُومَ مُعَلَّقًا فِي شَجَرَةِ بَلُّوطٍ.“ فَقَالَ لَهُ يُوآبُ: ”أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَلِمَاذَا لَمْ تَقْتُلْهُ فِي الْحَالِ، فَكُنْتُ أُعْطِيكَ 10 عُمْلَاتٍ مِنَ الْفِضَّةِ وَحِزَامًا؟“ أَجَابَهُ الرَّجُلُ: ”حَتَّى لَوْ أَعْطَيْتَنِي 1000 عُمْلَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ مَا كُنْتُ أَمُدُّ يَدِي عَلَى ابْنِ الْمَلِكِ، لِأَنَّ الْمَلِكَ أَوْصَاكَ وَنَحْنُ سَمِعْنَاهُ، فَقَدْ قَالَ لَكَ أَنْتَ وَأَبِيشَايَ وَإِتَّايَ: ’حَافِظُوا عَلَى الْفَتَى أَبْشَلُومَ مِنْ أَجْلِي.‘ فَإِنْ أَنَا قَتَلْتُ ابْنَهُ، أُخَاطِرُ بِحَيَاتِي، فَلاَ شَيْءَ يَخْفَى عَلَى الْمَلِكِ، وَأَنْتَ تَقِفُ ضِدِّي!“ فَقَالَ يُوآبُ: ”لَا أُرِيدُ أَنْ أُضَيِّعَ وَقْتِي فِي الْكَلَامِ مَعَكَ.“ وَأَخَذَ بِيَدِهِ 3 حِرَابٍ وَضَرَبَهَا فِي قَلْبِ أَبْشَلُومَ وَهُوَ مَا زَالَ حَيًّا فِي وَسَطِ شَجَرَةِ الْبَلُّوطِ. وَأَحَاطَ 10 مِنْ حَامِلِي سِلَاحِ يُوآبَ بِأَبْشَلُومَ وَضَرَبُوهُ وَقَتَلُوهُ. وَنَفَخَ يُوآبُ فِي الْبُوقِ، فَتَوَقَّفَ جَيْشُ دَاوُدَ عَنْ مُطَارَدَةِ جَيْشِ إِسْرَائِيلَ، لِأَنَّ يُوآبَ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ. وَأَخَذُوا أَبْشَلُومَ وَرَمَوْهُ فِي حُفْرَةٍ عَمِيقَةٍ فِي الْغَابَةِ، وَوَضَعُوا فَوْقَهُ كُومًا كَبِيرًا مِنَ الْحِجَارَةِ. وَهَرَبَ كُلُّ جَيْشِ إِسْرَائِيلَ وَرَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى دَارِهِ. وَكَانَ أَبْشَلُومُ فِي أَثْنَاءِ حَيَاتِهِ، قَدْ أَقَامَ لِنَفْسِهِ نَصَبًا تَذْكَارِيًّا فِي وَادِي الْمَلِكِ، لِأَنَّهُ قَالَ: ”لَيْسَ لِيَ ابْنٌ يَحْمِلُ اسْمِي مِنْ بَعْدِي.“ وَدَعَا النَّصَبَ عَلَى اسْمِهِ، وَهُوَ مَا زَالَ يُدْعَى نَصَبَ أَبْشَلُومَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. وَقَالَ أَخِيمَعْصُ بْنُ صَادِقَ لِيُوآبَ: ”اِسْمَحْ لِي بِأَنْ أَجْرِيَ وَأُبَشِّرَ الْمَلِكَ بِأَنَّ اللهَ أَنْقَذَهُ مِنْ أَعْدَائِهِ.“ فَقَالَ لَهُ يُوآبُ: ”لَا يَصِحُّ أَنْ تَحْمِلَ أَنْتَ بِشَارَةَ الْيَوْمِ، رُبَّمَا فِي يَوْمٍ آخَرَ تَحْمِلُهَا وَلَيْسَ الْيَوْمَ، لِأَنَّ ابْنَ الْمَلِكِ مَاتَ.“ ثُمَّ قَالَ يُوآبُ لِرَجُلٍ حَبَشِيٍّ: ”اِذْهَبْ وَأَخْبِرِ الْمَلِكَ بِمَا رَأَيْتَ.“ فَانْحَنَى لَهُ الْحَبَشِيُّ وَجَرَى. فَقَالَ أَخِيمَعْصُ بْنُ صَادِقَ لِيُوآبَ مَرَّةً ثَانِيَةً: ”مَهْمَا حَدَثَ، اِسْمَحْ لِي بِأَنْ أَجْرِيَ وَرَاءَ الْحَبَشِيِّ.“ فَقَالَ يُوآبُ: ”لِمَاذَا تُرِيدُ أَنْ تَذْهَبَ يَا ابْنِي، وَلَيْسَ مَعَكَ بُشْرَى تُكَافَأُ عَلَيْهَا؟“ فَقَالَ: ”مَهْمَا حَدَثَ، أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَجْرِيَ.“ فَقَالَ لَهُ: ”اِجْرِ.“ فَجَرَى أَخِيمَعْصُ فِي طَرِيقِ سَهْلِ الْأُرْدُنِّ وَسَبَقَ الْحَبَشِيَّ. وَكَانَ دَاوُدُ جَالِسًا بَيْنَ الْبَوَّابَةِ الدَّاخِلِيَّةِ وَالْبَوَّابَةِ الْخَارِجِيَّةِ لِلْمَدِينَةِ، فَطَلَعَ الرَّقِيبُ إِلَى السُّورِ فَوْقَ سَطْحِ الْبَوَّابَةِ، وَنَظَرَ فَرَأَى رَجُلًا يَجْرِي وَحْدَهُ. فَنَادَى الرَّقِيبُ وَأَخْبَرَ الْمَلِكَ، فَقَالَ الْمَلِكُ: ”إِنْ كَانَ وَحْدَهُ فَعِنْدَهُ بُشْرَى.“ وَكَانَ الرَّجُلُ يَقْتَرِبُ أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ. ثُمَّ رَأَى الرَّقِيبُ رَجُلًا آخَرَ يَجْرِي، فَنَادَى الْبَوَّابَ وَقَالَ: ”وَهَذَا رَجُلٌ آخَرُ يَجْرِي وَحْدَهُ!“ فَقَالَ الْمَلِكُ: ”وَهَذَا أَيْضًا يَحْمِلُ بُشْرَى.“ وَقَالَ الرَّقِيبُ: ”يَبْدُو لِي أَنَّ الْأَوَّلَ يَجْرِي كَأَخِيمَعْصَ بْنِ صَادِقَ.“ فَقَالَ الْمَلِكُ: ”هَذَا رَجُلٌ صَالِحٌ وَيَأْتِي بِبِشَارَةٍ صَالِحَةٍ.“ ثُمَّ وَصَلَ أَخِيمَعْصُ وَنَادَى الْمَلِكَ وَقَالَ: ”السَّلَامُ!“ وَانْحَنَى لِلْمَلِكِ بِوَجْهِهِ نَحْوَ الْأَرْضِ وَقَالَ: ”تَبَارَكَ الْمَوْلَى إِلَهُكَ الَّذِي نَصَرَكَ عَلَى الَّذِينَ قَامُوا ضِدَّكَ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ.“ فَقَالَ الْمَلِكُ: ”هَلِ الْفَتَى أَبْشَلُومُ بِخَيْرٍ؟“ أَجَابَهُ أَخِيمَعْصُ: ”لَمَّا أَرْسَلَنِي عَبْدُكَ يُوآبُ إِلَيْكَ يَا سَيِّدِي، رَأَيْتُ ارْتِبَاكًا شَدِيدًا لَمْ أَعْلَمْ سَبَبَهُ.“ فَقَالَ الْمَلِكُ: ”قِفْ هُنَا وَانْتَظِرْ.“ فَوَقَفَ وَانْتَظَرَ. وَجَاءَ الْحَبَشِيُّ وَقَالَ: ”بُشْرَى لِسَيِّدِي الْمَلِكِ. الْمَوْلَى انْتَقَمَ لَكَ الْيَوْمَ مِنْ كُلِّ الثَّائِرِينَ عَلَيْكَ!“ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: ”هَلِ الْفَتَى أَبْشَلُومُ بِخَيْرٍ؟“ أَجَابَ الْحَبَشِيُّ: ”لِيَكُنْ كَالْفَتَى أَعْدَاءُ سَيِّدِي الْمَلِكِ، وَكُلُّ الَّذِينَ قَامُوا عَلَيْكَ بِالشَّرِّ!“ فَانْزَعَجَ الْمَلِكُ وَصَعِدَ إِلَى غُرْفَةٍ فَوْقَ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ، وَأَخَذَ يَبْكِي. وَكَانَ يَتَمَشَّى وَيَقُولُ: ”يَا ابْنِي أَبْشَلُومَ! آهِ يَا ابْنِي! يَا ابْنِي أَبْشَلُومَ! لَيْتَنِي مُتُّ بَدَلًا مِنْكَ يَا أَبْشَلُومُ ابْنِي! آهِ يَا ابْنِي!“ وَسَمِعَ يُوآبُ أَنَّ الْمَلِكَ يَبْكِي وَيَنُوحُ عَلَى أَبْشَلُومَ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، اِنْقَلَبَ النَّصْرُ إِلَى حُزْنٍ لِكُلِّ الْجَيْشِ لِأَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَّ الْمَلِكَ حَزِينٌ عَلَى ابْنِهِ. فَتَسَلَّلَ الرِّجَالُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَى الْمَدِينَةِ، كَأَنَّهُمْ جَيْشٌ انْهَزَمَ فِي الْحَرْبِ فَتَسَلَّلَ بِخَجَلٍ! وَغَطَّى الْمَلِكُ وَجْهَهُ وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَالٍ: ”يَا ابْنِي أَبْشَلُومَ! يَا أَبْشَلُومُ ابْنِي! آهِ يَا ابْنِي!“ فَدَخَلَ يُوآبُ إِلَى الْمَلِكِ فِي الدَّارِ وَقَالَ: ”أَنْتَ الْيَوْمَ أَخْزَيْتَ كُلَّ رِجَالِكَ الَّذِينَ أَنْقَذُوا حَيَاتَكَ وَحَيَاةَ أَوْلَادِكَ وَبَنَاتِكَ وَزَوْجَاتِكَ وَجَوَارِيكَ، لِأَنَّكَ تُحِبُّ الَّذِينَ يَكْرَهُونَكَ، وَتَكْرَهُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكَ! أَنْتَ أَظْهَرْتَ الْيَوْمَ أَنَّ رُؤَسَاءَكَ وَرِجَالَكَ لَيْسَ لَهُمْ قِيمَةٌ عِنْدَكَ. لِأَنَّهُ اتَّضَحَ لِيَ الْآنَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَبْشَلُومُ حَيًّا وَكُلُّنَا مَوْتَى، لَكُنْتَ تَفْرَحُ بِذَلِكَ. فَقُمِ الْآنَ وَاخْرُجْ وَطَيِّبْ خَاطِرَ رِجَالِكَ، لِأَنِّي أُقْسِمُ بِاللهِ إِنْ لَمْ تَخْرُجْ، لَا يَبْقَى أَحَدٌ مَعَكَ اللَّيْلَةَ، فَيَكُونُ هَذَا أَسْوَأَ مِنْ كُلِّ كَارِثَةٍ حَلَّتْ بِكَ مُنْذُ صِبَاكَ إِلَى الْآنَ.“ فَقَامَ الْمَلِكُ وَجَلَسَ عِنْدَ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ. فَسَمِعَ كُلُّ الرِّجَالِ أَنَّ الْمَلِكَ هُنَاكَ. فَجَاءُوا كُلُّهُمْ إِلَيْهِ. أَمَّا جَيْشُ إِسْرَائِيلَ، فَهَرَبُوا وَرَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى دَارِهِ. وَحَدَثَ بَيْنَ الشَّعْبِ جِدَالٌ فِي كُلِّ قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَكَانُوا يَقُولُونَ: ”الْمَلِكُ أَنْقَذَنَا مِنْ قَبْضَةِ أَعْدَائِنَا، وَهُوَ الَّذِي نَجَّانَا مِنْ قَبْضَةِ الْفِلِسْطِيِّينَ، وَقَدْ هَرَبَ مِنَ الْبِلَادِ بِسَبَبِ أَبْشَلُومَ. لَكِنَّ أَبْشَلُومَ الَّذِي مَسَحْنَاهُ مَلِكًا عَلَيْنَا، مَاتَ فِي الْحَرْبِ. فَلِمَاذَا أَنْتُمْ سَاكِتُونَ وَلَا تُرْجِعُونَ الْمَلِكَ؟“ فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ دَاوُدُ إِلَى صَادِقَ وَأَبِيأَثَرَ الْحَبْرَيْنِ لِيُكَلِّمَا شُيُوخَ يَهُوذَا وَيَقُولَا لَهُمْ: ”لِمَاذَا تَكُونُونَ آخِرَ مَنْ يَرُدُّ الْمَلِكَ إِلَى قَصْرِهِ؟ فَقَدْ بَلَغَهُ وَهُوَ فِي دَارِهِ مَا يَقُولُهُ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ! أَنْتُمْ إِخْوَتِي، مِنْ لَحْمِي وَدَمِي، فَلِمَاذَا تَكُونُونَ آخِرَ مَنْ يَرُدُّ الْمَلِكَ؟“ وَأَوْصَاهُمَا أَيْضًا أَنْ يَقُولَا لِعَمَاسَا: ”أَنْتَ قَرِيبِي، مِنْ لَحْمِي وَدَمِي! لَيْتَ اللهَ يُعَاقِبُنِي أَشَدَّ عِقَابٍ، إِنْ كُنْتُ لَا أَجْعَلُكَ قَائِدَ الْجَيْشِ بَدَلَ يُوآبَ طُولَ عُمْرِكَ.“ فَكَسِبَ دَاوُدُ قُلُوبَ كُلِّ رِجَالِ يَهُوذَا، وَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ كُلُّهُمْ مَعًا يَقُولُونَ: ”اِرْجِعْ أَنْتَ وَكُلُّ رِجَالِكَ.“ فَرَجَعَ الْمَلِكُ حَتَّى وَصَلَ إِلَى الْأُرْدُنِّ، فَذَهَبَ رِجَالُ يَهُوذَا إِلَى الْجِلْجَالِ لِاسْتِقْبَالِ الْمَلِكِ وَلِيُرَافِقُوهُ فِي عُبُورِ النَّهْرِ. وَأَسْرَعَ شَمْعِي بْنُ جِيرَا الْبِنْيَمِينِيُّ الَّذِي مِنْ بَحُورِيمَ، وَذَهَبَ مَعَ رِجَالِ يَهُوذَا لِاسْتِقْبَالِ الْمَلِكِ دَاوُدَ. وَكَانَ مَعَهُ 1000 رَجُلٍ مِنْ بِنْيَمِينَ، وَصِيبَا خَادِمُ بَيْتِ شَاوُلَ وَبَنُوهُ الْـ15 وَعَبِيدُهُ الْـ20. وَتَوَجَّهُوا بِسُرْعَةٍ إِلَى الْأُرْدُنِّ، إِلَى حَيْثُ كَانَ الْمَلِكُ. وَأَخَذُوا يَعْبُرُونَ إِلَى الضَّفَّةِ الْأُخْرَى ثُمَّ يَرْجِعُونَ، لِيُسَاعِدُوا بَيْتَ الْمَلِكِ فِي عُبُورِ النَّهْرِ، وَذَلِكَ لِكَيْ يَرْضَى الْمَلِكُ عَنْهُمْ. وَلَمَّا بَدَأَ الْمَلِكُ يَعْبُرُ النَّهْرَ، رَمَى شَمْعِي بْنُ جِيرَا نَفْسَهُ عَلَى الْأَرْضِ أَمَامَ الْمَلِكِ، وَقَالَ لَهُ: ”لَا تُحَاسِبْنِي عَلَى ذَنْبِي يَا سَيِّدِي، وَلَا تَذْكُرِ الْكَلَامَ الَّذِي افْتَرَيْتُ بِهِ أَنَا عَبْدَكَ يَوْمَ خَرَجْتَ مِنَ الْقُدْسِ، وَلَا تَحْفَظْ هَذَا فِي قَلْبِكَ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ. لِأَنِّي عَارِفٌ أَنِّي أَخْطَأْتُ، لِذَلِكَ جِئْتُ الْيَوْمَ أَوَّلَ كُلِّ بَيْتِ يُوسِفَ وَحَضَرْتُ لِاسْتِقْبَالِ سَيِّدِي الْمَلِكِ.“ فَقَالَ أَبِيشَايُ ابْنُ صَرُويَةَ: ”يَجِبُ أَنْ يُقْتَلَ شَمْعِي لِأَنَّهُ شَتَمَ الْمَلِكَ الَّذِي مَسَحَهُ اللهُ.“ فَقَالَ دَاوُدُ: ”مَا لِي وَلَكُمْ يَا بَنِي صَرُويَةَ حَتَّى تُقَاوِمُونِي الْيَوْمَ؟ أَنَا الْآنَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَلَنْ يُقْتَلَ أَحَدٌ!“ ثُمَّ قَالَ الْمَلِكُ لِشَمْعِي: ”لَا تَمُوتُ.“ وَحَلَفَ لَهُ الْمَلِكُ بِذَلِكَ. وَجَاءَ مَفِيبُوشَتُ حَفِيدُ شَاوُلَ لِمُقَابَلَةِ الْمَلِكِ. وَلَمْ يَكُنْ قَدْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ، وَلَا اعْتَنَى بِلِحْيَتِهِ، وَلَا غَسَلَ ثِيَابَهُ مُنْذُ ذَهَبَ الْمَلِكُ إِلَى يَوْمِ رُجُوعِهِ مُنْتَصِرًا. فَلَمَّا جَاءَ إِلَى الْقُدْسِ لِيُقَابِلَ الْمَلِكَ، قَالَ لَهُ الْمَلِكُ: ”لِمَاذَا لَمْ تَذْهَبْ مَعِي يَا مَفِيبُوشَتُ؟“ فَقَالَ: ”أَنْتَ تَعْلَمُ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ أَنِّي أَعْرَجُ، فَقُلْتُ لِخَادِمِي أَنْ يُسْرِجَ لِي حِمَارًا فَأَرْكَبَ وَأَذْهَبَ مَعَكَ، وَلَكِنَّهُ خَدَعَنِي، وَكَذَبَ عَلَيْكَ فِيمَا قَالَهُ عَنِّي. وَأَنْتَ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ كَمَلَاكٍ، فَافْعَلْ مَا يَحْلُو لَكَ. فَإِنَّ كُلَّ بَيْتِ أَبِي لَا يَسْتَحِقُّونَ مِنْكَ غَيْرَ الْمَوْتِ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ، وَمَعَ ذَلِكَ أَكْرَمْتَنِي أَنَا عَبْدَكَ وَجَعَلْتَنِي بَيْنَ الْآكِلِينَ عَلَى مَائِدَتِكَ! فَمَاذَا أَطْلُبُ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا؟“ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: ”كَفَاكَ كَلَامٌ فِي شُؤُونِكَ! حُكْمِي هُوَ أَنْ تَقْسِمَ الْحُقُولَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ صِيبَا.“ فَقَالَ مَفِيبُوشَتُ لِلْمَلِكِ: ”لِيَأْخُذْ هُوَ كُلَّ شَيْءٍ، بِمَا أَنَّ سَيِّدِي الْمَلِكَ رَجَعَ إِلَيْنَا مُنْتَصِرًا!“ وَجَاءَ بَرْزِلَايُ الْجِلْعَادِيُّ مِنْ رُوجَلِيمَ، وَعَبَرَ الْأُرْدُنَّ مَعَ الْمَلِكِ لِيُوَدِّعَهُ مِنْ هُنَاكَ. وَكَانَ بَرْزِلَايُ عَجُوزًا ابْنَ 80 سَنَةً. وَهُوَ الَّذِي عَالَ الْمَلِكَ أَثْنَاءَ إِقَامَتِهِ فِي مَحَنَايِمَ، لِأَنَّهُ كَانَ رَجُلًا غَنِيًّا جِدًّا. فَقَالَ الْمَلِكُ لِبَرْزِلَايَ: ”اُعْبُرْ وَتَعَالَ مَعِي إِلَى الْقُدْسِ، وَأَنَا أَعُولُكَ هُنَاكَ.“ فَقَالَ بَرْزِلَايُ لِلْمَلِكِ: ”كَمْ سَنَةً بَقِيَتْ لِي فِي الْحَيَاةِ حَتَّى أَصْعَدَ مَعَ الْمَلِكِ إِلَى الْقُدْسِ؟ أَنَا ابْنُ 80 سَنَةً، وَأَصْبَحْتُ لَا أُمَيِّزُ بَيْنَ الطَّيِّبِ وَالرَّدِيءِ، وَلَا أَسْتَطْعِمُ مَا آكُلُ وَمَا أَشْرَبُ، وَلَا أَسْتَمْتِعُ بِأَصْوَاتِ الْمُغَنِّينَ وَالْمُغَنِّيَاتِ، فَلِمَاذَا أَكُونُ حِمْلًا عَلَى سَيِّدِي الْمَلِكِ؟ أَنَا لَا أَسْتَحِقُّ أَنْ تُكَافِئَنِي بِكُلِّ هَذِهِ الْمُكَافَأَةِ، إِنَّمَا سَأَعْبُرُ الْأُرْدُنَّ لِأُرَافِقَ الْمَلِكَ قَلِيلًا. ثُمَّ اسْمَحْ لِي بِأَنْ أَرْجِعَ، فَأَمُوتَ فِي مَدِينَتِي بِالْقُرْبِ مِنْ قَبْرِ أَبِي وَأُمِّي. وَلَكِنَّ ابْنِي كِمْهَامَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْبُرَ مَعَ سَيِّدِي الْمَلِكِ، فَاعْمَلْ لَهُ مَا يَحْلُو لَكَ.“ فَقَالَ الْمَلِكُ: ”يَأْتِي كِمْهَامُ مَعِي فَأَعْمَلُ لَهُ مَا يَحْلُو لَكَ، وَكُلُّ مَا تَتَمَنَّاهُ مِنِّي أَعْمَلُهُ لَكَ.“ فَعَبَرَ كُلُّ الشَّعْبِ الْأُرْدُنَّ، ثُمَّ عَبَرَ الْمَلِكُ. وَقَبَّلَ الْمَلِكُ بَرْزِلَايَ وَبَارَكَهُ، فَرَجَعَ إِلَى دَارِهِ. وَسَارَ الْمَلِكُ إِلَى الْجِلْجَالِ وَمَعَهُ كِمْهَامُ، بِصُحْبَةِ كُلِّ رِجَالِ يَهُوذَا الَّذِينَ عَبَرُوا الْأُرْدُنَّ مَعَهُ، وَكَذَلِكَ نِصْفُ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ. وَفِي الْحَالِ جَاءَ كُلُّ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ إِلَى الْمَلِكِ وَقَالُوا لَهُ: ”بِأَيِّ حَقٍّ أَخَذَكَ إِخْوَتُنَا رِجَالُ يَهُوذَا وَحْدَهُمْ، وَعَبَرُوا بِكَ الْأُرْدُنَّ أَنْتَ وَأَهْلِ بَيْتِكَ وَكُلِّ رَجَالِكَ؟“ فَأَجَابَهُمْ كُلُّ رِجَالِ يَهُوذَا: ”لِأَنَّ الْمَلِكَ قَرِيبُنَا! وَلَكِنْ لِمَاذَا يُغْضِبُكُمْ هَذَا؟ هَلْ أَكَلْنَا مِنْ عِنْدِ الْمَلِكِ أَوْ هَلْ أَعْطَانَا هَدَايَا؟“ فَأَجَابَهُمْ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ: ”لَنَا 10 أَضْعَافِ مَا لَكُمْ فِي الْمَلِكِ، فَنَحْنُ أَوْلَى مِنْكُمْ بِدَاوُدَ! أَنْتُمْ أَهَنْتُمُونَا، لِأَنَّ فِكْرَةَ إِرْجَاعِ مَلِكِنَا كَانَتْ فِكْرَتَنَا نَحْنُ أَوَّلًا!“ وَكَانَ رَدُّ رِجَالِ يَهُوذَا عَلَى رِجَالِ إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ قَسْوَةً. وَحَدَثَ أَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ مُشَاغِبٌ اسْمُهُ شَبَعُ بْنُ بِكْرِي، وَهُوَ بِنْيَمِينِيٌّ، فَنَفَخَ فِي الْبُوقِ وَقَالَ: ”يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ! لَا نَحْنُ نَنْتَمِي إِلَى دَاوُدَ، وَلَا ابْنُ يَسَّى يَنْتَمِي إِلَيْنَا، اِرْجِعُوا كُلُّكُمْ إِلَى دِيَارِكُمْ!“ فَتَخَلَّى كُلُّ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ عَنْ دَاوُدَ، وَتَبِعُوا شَبَعَ بْنَ بِكْرِي. أَمَّا رِجَالُ يَهُوذَا، فَرَافَقُوا مَلِكَهُمْ مِنَ الْأُرْدُنِّ إِلَى الْقُدْسِ. وَلَمَّا رَجَعَ دَاوُدُ إِلَى قَصْرِهِ فِي الْقُدْسِ، أَخَذَ الْجَوَارِيَ الْـ10 اللَّاتِي تَرَكَهُنَّ لِلْعِنَايَةِ بِالْقَصْرِ، وَوَضَعَهُنَّ فِي حَجْزٍ، وَكَانَ يَعُولُهُنَّ وَلَكِنْ لَمْ يُعَاشِرْهُنَّ. فَكُنَّ كَأَرَامِلَ مَحْبُوسَاتٍ إِلَى يَوْمِ مَوْتِهِنَّ. وَقَالَ الْمَلِكُ لِعَمَاسَا: ”اِجْمَعْ لِي رِجَالَ يَهُوذَا فِي 3 أَيَّامٍ، وَتَعَالَ مَعَهُمْ هُنَا.“ فَذَهَبَ عَمَاسَا لِيَجْمَعَ يَهُوذَا، لَكِنَّهُ تَأَخَّرَ عَنِ الْمَوْعِدِ الَّذِي حَدَّدَهُ الْمَلِكُ. فَقَالَ دَاوُدُ لِأَبِيشَايَ: ”شَبَعُ بْنُ بِكْرِي أَشَدُّ خَطَرًا عَلَيْنَا مِنْ أَبْشَلُومَ. خُذْ رِجَالِي وَطَارِدْهُ، لِئَلَّا يَجِدَ لِنَفْسِهِ مُدُنًا مُحَصَّنَةً وَيَهْرُبَ مِنَّا.“ فَذَهَبَ رِجَالُ يُوآبَ وَالْحَرَسُ الْمَلَكِيُّ وَكُلُّ الْمُحَارِبِينَ الْأَبْطَالِ تَحْتَ قِيَادَةِ أَبِيشَايَ، وَخَرَجُوا مِنَ الْقُدْسِ لِيُطَارِدُوا شَبَعَ بْنَ بِكْرِي. فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى الصَّخْرَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي فِي جِبْعُونَ، جَاءَ عَمَاسَا لِلِقَائِهِمْ. وَكَانَ يُوآبُ فِي لِبَاسِهِ الْعَسْكَرِيِّ، وَعَلَى وَسَطِهِ حِزَامٌ مُعَلَّقٌ بِهِ خِنْجَرٌ فِي غِمْدِهِ. فَلَمَّا تَقَدَّمَ لِتَحِيَّتِهِ، سَحَبَ الْخِنْجَرَ سِرًّا. وَقَالَ يُوآبُ لِعَمَاسَا: ”كَيْفَ حَالُكَ يَا أَخِي؟“ وَأَمْسَكَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى لِحْيَةَ عَمَاسَا لِيُقَبِّلَهُ. وَلَمْ يَكُنْ عَمَاسَا عَلَى حَذَرٍ مِنَ الْخِنْجَرِ الَّذِي فِي يَدِ يُوآبَ الْيُسْرَى، فَطَعَنَهُ يُوآبُ فِي بَطْنِهِ، فَانْدَلَقَتْ أَمْعَاؤُهُ إِلَى الْأَرْضِ وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْعَنَهُ مَرَّةً ثَانِيَةً. وَوَاصَلَ يُوآبُ وَأَخُوهُ أَبِيشَايُ مُطَارَدَةَ شَبَعَ بْنِ بِكْرِي. وَوَقَفَ عِنْدَ عَمَاسَا وَاحِدٌ مِنْ رِجَالِ يُوآبَ وَقَالَ: ”إِنْ كُنْتُمْ مَعَ يُوآبَ وَأَوْفِيَاءَ لِدَاوُدَ، فَاتْبَعُوا يُوآبَ!“ وَكَانَ عَمَاسَا غَارِقًا فِي دَمِهِ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ وَكُلُّ مَنْ يَمُرُّ بِهِ يَتَوَقَّفُ هُنَاكَ. فَلَمَّا رَأَى الرَّجُلُ أَنَّ كُلَّ الْجَيْشِ يَتَوَقَّفُ عِنْدَهُ، نَقَلَ عَمَاسَا مِنَ الطَّرِيقِ إِلَى الْحَقْلِ وَطَرَحَ عَلَيْهِ ثَوْبًا. فَلَمَّا نُقِلَ مِنَ الطَّرِيقِ، سَارَ الْكُلُّ وَرَاءَ يُوآبَ لِمُطَارَدَةِ شَبَعَ بْنِ بِكْرِي. وَمَرَّ شَبَعُ عَلَى كُلِّ قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، حَتَّى وَصَلَ إِلَى آبَلَ بَيْتَ مَعْكَةَ. وَاجْتَمَعَ كُلُّ الْبِيرِيِّينَ وَرَاءَهُ وَدَخَلُوا مَعَهُ الْمَدِينَةَ. فَجَاءَ رِجَالُ يُوآبَ وَحَاصَرُوهُ فِي الْمَدِينَةِ، وَأَقَامُوا كُومًا مِنَ التُّرَابِ حَوْلَ السُّورِ، وَأَخَذَ كُلُّ الْجَيْشِ الَّذِي مَعَ يُوآبَ يَعْمَلُ عَلَى هَدْمِ السُّورِ. فَنَادَتِ امْرَأَةٌ حَكِيمَةٌ مِنَ الْمَدِينَةِ: ”اِسْمَعُوا! اِسْمَعُوا! قُولُوا لِيُوآبَ أَنْ يَقْتَرِبَ إِلَى هُنَا لِأُكَلِّمَهُ.“ فَاقْتَرَبَ إِلَيْهَا. فَقَالَتْ: ”أَنْتَ يُوآبُ؟“ قَالَ: ”نَعَمْ، أَنَا هُوَ.“ فَقَالَتْ لَهُ: ”اِسْمَعْ كَلَامَ عَبْدَتِكَ!“ فَقَالَ: ”أَنَا سَامِعٌ.“ فَقَالَتْ: ”فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ كَانُوا يَقُولُونَ: ’اُطْلُبِ النَّصِيحَةَ فِي آبَلَ.‘ وَبِهَذَا كَانَ يَنْتَهِي النِّزَاعُ بَيْنَهُمْ. نَحْنُ هُنَا شَعْبٌ مُسَالِمٌ وَمُخْلِصٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَهْدِمَ مَدِينَةً مُهِمَّةً فِي بِلَادِنَا! لِمَاذَا تُتْلِفُ نَصِيبَ اللهِ؟“ أَجَابَ يُوآبُ: ”لَا سَمَحَ اللهُ! لَا سَمَحَ اللهُ أَنْ أُتْلِفَ وَأَنْ أُهْلِكَ! هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، إِنَّمَا رَجُلٌ مِنْ جَبَلِ أَفْرَايِمَ اسْمُهُ شَبَعُ بْنُ بِكْرِي تَمَرَّدَ عَلَى الْمَلِكِ دَاوُدَ. سَلِّمُوهُ وَحْدَهُ، فَأَنْصَرِفَ عَنِ الْمَدِينَةِ.“ فَقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: ”سَنَرْمِي رَأْسَهُ إِلَيْكَ مِنْ فَوْقِ السُّورِ.“ فَذَهَبَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَقْنَعَتْهُمْ بِرَأْيِهَا، فَقَطَعُوا رَأْسَ شَبَعَ بْنِ بِكْرِي وَرَمَوْهَا إِلَى يُوآبَ. فَنَفَخَ فِي الْبُوقِ، فَانْصَرَفَ رِجَالُهُ عَنِ الْمَدِينَةِ، وَرَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى دَارِهِ. وَرَجَعَ يُوآبُ إِلَى الْمَلِكِ فِي الْقُدْسِ. وَكَانَ يُوآبُ قَائِدًا لِكُلِّ جَيْشِ إِسْرَائِيلَ، وَبَنَايَا بْنُ يُويَادَاعَ قَائِدَ الْحَرَسِ الْمَلَكِيِّ، وَأَدُونِيرَامُ الْمُشْرِفَ عَلَى أَشْغَالِ السُّخْرَةِ، وَيُوشَافَاطُ بْنُ أَخِيلُودَ مُسَجِّلًا، وَشِيوَا كَاتِبًا، وَصَادِقُ وَأَبِيأَثَرُ حَبْرَيْنِ، وَعِيرَا الْيَائِرِيُّ أَيْضًا كَانَ حَبْرًا لِدَاوُدَ. وَحَدَثَ جُوعٌ فِي أَثْنَاءِ حُكْمِ دَاوُدَ 3 سِنِينَ عَلَى التَّوَالِي. فَسَأَلَ دَاوُدُ مِنَ اللهِ، فَقَالَ لَهُ: ”الْمَسْئُولُ عَنْ هَذَا هُوَ شَاوُلُ وَعَائِلَتُهُ، لِأَنَّهُ سَفَكَ دَمًا وَقَتَلَ الْجِبْعُونِيِّينَ.“ فَدَعَا الْمَلِكُ الْجِبْعُونِيِّينَ وَقَالَ لَهُمْ هَذَا. وَالْجِبْعُونِيُّونَ لَيْسُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، بَلْ مِنْ بَقَايَا الْأَمُورِيِّينَ. وَقَدْ حَلَفَ لَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنْ يَتْرُكُوهُمْ فِي أَمَانٍ، وَلَكِنَّ شَاوُلَ حَاوَلَ أَنْ يُبِيدَهُمْ لِغِيرَتِهِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا. وَقَالَ دَاوُدُ لِلْجِبْعُونِيِّينَ: ”مَاذَا أَفْعَلُ لَكُمْ؟ وَكَيْفَ أُكَفِّرُ عَنْ هَذِهِ الْإِسَاءَةِ، لِكَيْ تُبَارِكُوا شَعْبَ الْمَوْلَى؟“ فَأَجَابَهُ الْجِبْعُونِيُّونَ: ”لَا نُرِيدُ فِضَّةً وَلَا ذَهَبًا مِنْ شَاوُلَ وَأَهْلِهِ. وَلَيْسَ مِنْ حَقِّنَا أَنْ نَقْتُلَ أَحَدًا فِي إِسْرَائِيلَ.“ فَقَالَ الْمَلِكُ: ”إِذَنْ فَمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ أَفْعَلَ لَكُمْ؟“ فَقَالُوا لَهُ: ”الرَّجُلُ الَّذِي أَفْنَانَا وَتَآمَرَ عَلَيْنَا لِيُبِيدَنَا لِكَيْ لَا نَبْقَى فِي كُلِّ أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، أَعْطِنَا مِنْ نَسْلِهِ 7 رِجَالٍ، فَنَقْتُلَهُمْ وَنُعَلِّقَهُمْ أَمَامَ الْمَوْلَى فِي جِبْعَةَ، مَدِينَةِ شَاوُلَ الَّذِي اخْتَارَهُ اللهُ!“ فَقَالَ الْمَلِكُ: ”أُعْطِيكُمْ.“ وَأَشْفَقَ الْمَلِكُ عَلَى مَفِيبُوشَتَ بْنِ يُونَاثَانَ بْنِ شَاوُلَ، بِسَبَبِ الْيَمِينِ الَّتِي حَلَفَهَا دَاوُدُ وَيُونَاثَانُ أَمَامَ الْمَوْلَى. فَأَخَذَ الْمَلِكُ أَرْمُونِيَ وَمَفِيبُوشَتَ ابْنَيْ رِصْفَةَ بِنْتِ أَيَّةَ اللَّذَيْنِ وَلَدَتْهُمَا لِشَاوُلَ، وَبَنِي مِيرَبَ بِنْتِ شَاوُلَ الْـ5 الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ لِعِدْرِيلَ بْنِ بَرْزِلَايَ الْمَحُولِيِّ، وَسَلَّمَهُمْ إِلَى الْجِبْعُونِيِّينَ، فَقَتَلُوهُمْ وَعَلَّقُوهُمْ عَلَى الْجَبَلِ أَمَامَ الْمَوْلَى. فَقُتِلَ الـ7 مَعًا، وَكَانَ مَوْتُهُمْ فِي أَوَّلِ مَوْسِمِ الْحَصَادِ، فِي بِدَايَةِ حَصَادِ الشَّعِيرِ. فَأَخَذَتْ رِصْفَةُ بِنْتُ أَيَّةَ خَيْشًا وَفَرَشَتْهُ لِنَفْسِهَا عَلَى الصَّخْرِ، مِنْ بِدَايَةِ الْحَصَادِ حَتَّى انْصَبَّ الْمَطَرُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ. وَمَنَعَتِ الْجَوَارِحَ مِنْ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْهِمْ نَهَارًا، وَالْوُحُوشَ لَيْلًا. وَلَمَّا سَمِعَ دَاوُدُ بِمَا فَعَلَتْهُ رِصْفَةُ بِنْتُ أَيَّةَ جَارِيَةُ شَاوُلَ، ذَهَبَ وَأَخَذَ عِظَامَ شَاوُلَ وَيُونَاثَانَ ابْنِهِ مِنْ أَهْلِ يَابِيشَ جِلْعَادَ، الَّذِينَ سَرَقُوهَا مِنَ السَّاحَةِ الْعَامَّةِ فِي بَيْتَ شَانَ، حَيْثُ عَلَّقَهُمَا الْفِلِسْطِيُّونَ يَوْمَ هَزَمُوا شَاوُلَ فِي جِلْبُوعَ. وَأَحْضَرَ هَذِهِ الْعِظَامَ مِنْ هُنَاكَ، وَجَمَعُوا عِظَامَ الـ7 الَّذِينَ قَتَلُوهُمْ وَعَلَّقُوهُمْ. وَدَفَنُوا عِظَامَ شَاوُلَ وَيُونَاثَانَ ابْنِهِ فِي أَرْضِ بِنْيَمِينَ فِي صَيْلَعَ، فِي قَبْرِ قَيْسَ أَبِيهِ، وَعَمِلُوا كُلَّ مَا أَمَرَ بِهِ الْمَلِكُ. وَبَعْدَ ذَلِكَ اسْتَجَابَ اللهُ الدُّعَاءَ مِنْ أَجْلِ الْبِلَادِ. وَقَامَتْ حَرْبٌ أُخْرَى بَيْنَ الْفِلِسْطِيِّينَ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ. فَنَزَلَ دَاوُدُ وَمَعَهُ رِجَالُهُ وَحَارَبَهُمْ، وَلَكِنَّهُ تَعِبَ جِدًّا. وَعَزَمَ يَشْبِي بَنُوبُ أَنْ يَقْتُلَهُ. وَكَانَ يَشْبِي مِنْ نَسْلِ رَافَا، وَوَزْنُ رُمْحِهِ ثَلَاثَةَ كِيلُوجْرَامَاتٍ وَنِصْفًا مِنَ النُّحَاسِ، وَكَانَ مَعَهُ أَيْضًا سَيْفٌ جَدِيدٌ. وَلَكِنَّ أَبِيشَايَ ابْنَ صَرُويَةَ أَنْقَذَ دَاوُدَ وَضَرَبَ الْفِلِسْطِيَّ وَقَتَلَهُ. فَحَلَفَ رِجَالُ دَاوُدَ عَلَيْهِ وَقَالُوا: ”لَا تَخْرُجْ مَعَنَا بَعْدَ الْآنَ لِلْحَرْبِ، لِئَلَّا تَمُوتَ وَيَنْطَفِئَ مِصْبَاحُ إِسْرَائِيلَ.“ وَبَعْدَ فَتْرَةٍ مِنَ الْوَقْتِ، قَامَتْ حَرْبٌ أُخْرَى مَعَ الْفِلِسْطِيِّينَ فِي جُوبَ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ سِبْكَايُ الْحُوشِيُّ قَتَلَ سَافَ الَّذِي مِنْ نَسْلِ رَافَا. وَفِي حَرْبٍ أُخْرَى مَعَ الْفِلِسْطِيِّينَ فِي جُوبَ، أَلِحَانَانُ بْنُ يَعْرِي أُرَجِيمَ قَتَلَ لَحْمِي أَخَا جَالُوتَ الْجَتِّيِّ، وَكَانَتِ الْقَنَاةُ الَّتِي يَضَعُ فِيهَا رُمْحَهُ كَبِيرَةً كَأَنَّهَا النَّوْلُ الَّذِي يَسْتَخْدِمُهُ النَّسَّاجُ. وَفِي حَرْبٍ أُخْرَى فِي جَتَّ، كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ طَوِيلُ الْقَامَةِ، لَهُ 6 أَصَابِعَ فِي كُلِّ يَدٍ وَفِي كُلِّ رِجْلٍ، أَيْ 24 إِصْبَعًا. وَهُوَ أَيْضًا مِنْ نَسْلِ رَافَا. وَلَمَّا أَهَانَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَتَلَهُ يُونَاثَانُ بْنُ شَمْعِي أَخِي دَاوُدَ. كَانَ هَؤُلَاءِ الْـ4 مِنْ نَسْلِ رَافَا فِي جَتَّ، وَقُتِلُوا بِيَدِ دَاوُدَ وَرِجَالِهِ. وَأَنْشَدَ دَاوُدُ كَلِمَاتِ هَذِهِ الْأُغْنِيَةِ للهِ لَمَّا أَنْقَذَهُ مِنْ أَيْدِي كُلِّ أَعْدَائِهِ وَمِنْ يَدِ شَاوُلَ. فَقَالَ: ”اللهُ مَلْجَأِي وَحِصْنِي وَمُنْقِذِي. إِلَهِي هُوَ مَلْجَأِي، وَبِهِ أَعْتَصِمُ. هُوَ حَامِيَّ وَمُنْقِذِيَ الْقَوِيُّ. هُوَ قَلْعَتِيَ الْحَصِينَةُ. هُوَ مَخْبَأِي وَمَلْجَأِي، وَمِنَ الظُّلْمِ يُنَجِّينِي. أَدْعُو اللهَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ كُلَّ حَمْدٍ، فَأَنْجُو مِنْ أَعْدَائِي. أَمْوَاجُ الْمَوْتِ أَحَاطَتْ بِي، وَسُيُولُ الْهَلَاكِ غَمَرَتْنِي. حِبَالُ الْقَبْرِ الْتَفَّتْ حَوْلِي، وَفِخَاخُ الْمَوْتِ نُصِبَتْ لِي. فِي ضِيقِي دَعَوْتُ اللهَ، وَإِلَى إِلَهِي صَرَخْتُ. فَسَمِعَ صَوْتِي مِنْ بَيْتِهِ، وَصُرَاخِي بَلَغَ أُذُنَيْهِ. ”فَارْتَعَشَتِ الْأَرْضُ وَتَزَلْزَلَتْ، اِرْتَجَفَتْ أُسُسُ السَّمَاوَاتِ وَارْتَعَشَتْ لِأَنَّهُ غَضِبَ. طَلَعَ دُخَانٌ مِنْ أَنْفِهِ، وَنَارٌ آكِلَةٌ مِنْ فَمِهِ، كَأَنَّهَا جَمْرٌ مُشْتَعِلٌ. شَقَّ السَّمَاوَاتِ وَنَزَلَ، وَتَحْتَ قَدَمَيْهِ غُيُومٌ قَاتِمَةٌ. رَكِبَ الْمَلَائِكَةَ الْمُقَرَّبِينَ وَطَارَ، وَحَلَّقَ عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيحِ. جَعَلَ الظَّلَامَ وَالضَّبَابَ الْقَاتِمَ وَالسَّحَابَ فِي السَّمَاءِ سِتَارًا حَوْلَهُ. مِنْ بَهَاءِ وُجُودِهِ انْطَلَقَ الرَّعْدُ. أَرْعَدَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ، رَفَعَ الْعَلِيُّ صَوْتَهُ. أَطْلَقَ سِهَامًا فَشَتَّتَ الْأَعْدَاءَ، وَأَرْسَلَ بَرْقًا فَهَزَمَهُمْ. ظَهَرَتْ أَعْمَاقُ الْبَحْرِ، وَانْكَشَفَتْ أَسَاسَاتُ الْأَرْضِ مِنْ تَوْبِيخِ اللهِ، وَمِنْ حَرَارَةِ رِيحِ أَنْفِهِ. ”مَدَّ يَدَهُ مِنَ السَّمَاءِ وَأَمْسَكَنِي، وَانْتَشَلَنِي مِنَ الْمِيَاهِ الْعَمِيقَةِ. أَنْقَذَنِي مِنْ عَدُوِّيَ الْقَوِيِّ، وَمِنْ خُصُومِي لِأَنَّهُمْ أَقْوَى مِنِّي. فِي يَوْمِ بَلِيَّتِي هَجَمُوا عَلَيَّ، لَكِنَّ الْمَوْلَى كَانَ سَنَدِي. أَخْرَجَنِي إِلَى الرَّحْبِ، أَنْقَذَنِي لِأَنَّهُ فَرِحَ بِي. ”يُعَوِّضُنِي اللهُ حَسَبَ صَلَاحِي، يُكَافِئُنِي حَسَبَ طَهَارَةِ يَدَيَّ. لِأَنِّي سَلَكْتُ فِي طَرِيقِ اللهِ، وَلَمْ أَحِدْ عَنْ إِلَهِي إِلَى الشَّرِّ. أَحْكَامُهُ كُلُّهَا أَمَامِي، وَلَمْ أَحِدْ عَنْ فَرَائِضِهِ. وَكُنْتُ كَامِلًا مَعَهُ، وَحَفِظْتُ نَفْسِي مِنَ الْخَطِيئَةِ. يُكَافِئُنِي اللهُ حَسَبَ صَلَاحِي، وَحَسَبَ طَهَارَةِ يَدَيَّ قُدَّامَ عَيْنَيْهِ. ”أَنْتَ رَحِيمٌ مَعَ الرَّحِيمِ، وَكَامِلٌ مَعَ الْكَامِلِ. أَنْتَ طَاهِرٌ مَعَ الطَّاهِرِ، وَمَاكِرٌ مَعَ الْأَعْوَجِ. أَنْتَ تُنْقِذُ الْمُتَوَاضِعِينَ، وَتُخْفِضُ الْمُتَكَبِّرِينَ. أَنْتَ مِصْبَاحِي يَا رَبُّ، إِلَهِي يُحَوِّلُ ظَلَامِي إِلَى نُورٍ. بِمَعُونَتِكَ أَقْتَحِمُ جَيْشًا، بِمَعُونَةِ إِلَهِي أَتَسَلَّقُ الْأَسْوَارَ. ”طَرِيقُ اللهِ كَامِلٌ. كَلِمَةُ اللهِ نَقِيَّةٌ. وَهُوَ يَحْمِي كُلَّ الَّذِينَ يَلْجَأُونَ إِلَيْهِ. لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَلَا مَلْجَأَ غَيْرُ رَبِّنَا. هُوَ الْإِلَهُ الَّذِي يُسَلِّحُنِي بِالْقُوَّةِ، وَيَجْعَلُنِي أَسْلُكُ بِالْكَمَالِ. يُعْطِي رِجْلَيَّ سُرْعَةَ الْغَزَالَةِ، وَإِلَى الْأَعَالِي يَرْفَعُنِي. يُعَلِّمُ يَدَيَّ الْقِتَالَ، فَتَحْنِي ذِرَاعَايَ قَوْسًا مِنْ نُحَاسٍ. أَنْتَ تَحْمِينِي وَتَنْصُرُنِي، أَنْتَ تَتَنَازَلُ لِتُعَظِّمَنِي. وَسَّعْتَ السَّبِيلَ لِخَطَوَاتِي، فَمَا زَلَّتْ قَدَمَايَ. ”أُطَارِدُ أَعْدَائِي وَأَلْحَقُهُمْ، وَلَا أَرْجِعُ حَتَّى أُفْنِيَهُمْ. أُفْنِيهِمْ وَأَصْرَعُهُمْ فَلَا يَقُومُونَ، بَلْ يَسْقُطُونَ تَحْتَ قَدَمَيَّ. تُسَلِّحُنِي بِالْقُوَّةِ لِلْقِتَالِ، وَتُخْضِعُ لِيَ الْقَائِمِينَ عَلَيَّ. تَجْعَلُ أَعْدَائِي يُدِيرُونَ الْقَفَا وَيَهْرُبُونَ، وَالَّذِينَ يُبْغِضُونِي أُفْنِيهِمْ. يَسْتَغِيثُونَ وَلَا مَنْ يُنْقِذُ، يَدْعُونَ اللهَ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَهُمْ. أَسْحَقُهُمْ كَالْغُبَارِ الَّذِي تُذَرِّيهِ الرِّيحُ، أَدُقُّهُمْ وَأَدُوسُهُمْ كَالطِّينِ فِي الشَّوَارِعِ. ”تُنْقِذُنِي مِنْ نِزَاعِ شَعْبِي، تَحْفَظُنِي سَيِّدًا لِلْأُمَمِ، شَعْبٌ لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ يَخْدِمُنِي. الْغُرَبَاءُ يَتَذَلَّلُونَ لِي، يَسْمَعُونَ أَمْرِي فَيُطِيعُونَ. تَخُورُ عَزِيمَةُ الْغُرَبَاءِ، يَخْرُجُونَ مِنْ حُصُونِهِمْ مُرْتَعِدِينَ. ”اللهُ حَيٌّ! تَبَارَكَ مَلْجَأِي! تَعَالَى اللهُ مُنْقِذِي وَحَامِيَّ! اللهُ يَنْتَقِمُ لِي، وَيُخْضِعُ الشُّعُوبَ تَحْتَ سُلْطَانِي. يُحَرِّرُنِي مِنْ أَعْدَائِي. أَنْتَ تَرْفَعُنِي فَوْقَ الْقَائِمِينَ عَلَيَّ، وَمِنَ الظَّالِمِينَ تُنَجِّينِي. لِذَلِكَ أَحْمَدُكَ بَيْنَ الشُّعُوبِ يَا رَبُّ، وَأُرَنِّمُ لِاسْمِكَ. هُوَ مَانِحُ النَّصْرِ الْعَظِيمِ لِمَلِكِهِ، وَصَانِعُ الرَّحْمَةِ لِمُخْتَارِهِ، لِدَاوُدَ وَنَسْلِهِ إِلَى الْأَبَدِ.“ هَذِهِ كَلِمَاتُ دَاوُدَ الْأَخِيرَةُ: ”كَلَامُ دَاوُدَ بْنِ يَسَّى، كَلَامُ الرَّجُلِ الَّذِي عَظَّمَهُ الْعَلِيُّ، وَالَّذِي مَسَحَهُ رَبُّ يَعْقُوبَ مَلِكًا، وَالَّذِي غَنَّى الْمَزَامِيرَ لِشَعْبِ اللهِ. رُوحُ اللهِ تَكَلَّمَ بِوَاسِطَتِي، وَكَلِمَتُهُ عَلَى لِسَانِي. رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَكَلَّمَ، مَلْجَأُنَا قَالَ لِي: ’مَنْ يَحْكُمُ الْبَشَرَ بِالْعَدْلِ، مَنْ يَحْكُمُ بِمَخَافَةِ اللهِ، يَكُونُ كَنُورِ الصُّبْحِ عِنْدَ شُرُوقِ الشَّمْسِ فِي صَبَاحٍ لَا غَيْمَ فِيهِ، كَالشَّمْسِ الَّتِي تَجْعَلُ الْعُشْبَ يَنْمُو بَعْدَ الْمَطَرِ.‘ اِخْتَارَ اللهُ عَائِلَتِي، وَأَعْطَانِي عَهْدًا يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ، وَمُتْقَنًا وَمَضْمُونًا. وَهُوَ يُتَمِّمُ لِي كُلَّ خَيْرٍ، وَيُحَقِّقُ كُلَّ رَغْبَتِي. أَمَّا الْأَشْرَارُ فَكُلُّهُمْ يُطْرَحُونَ كَالشَّوْكِ. لَا يَجْرُؤُ أَحَدٌ أَنْ يُمْسِكَهُمْ بِيَدِهِ، بَلْ يَسْتَعْمِلُ آلَةً مِنْ حَدِيدٍ أَوْ خَشَبٍ. يُحْرَقُونَ بِالنَّارِ حَيْثُ يُجْمَعُونَ.“ هَذِهِ أَسْمَاءُ أَبْطَالِ دَاوُدَ: يُوشِيبُ بَشْبَتُ التَّحْكَمُونِيُّ قَائِدُ الْأَبْطَالِ الـ3، وَهُوَ الَّذِي حَارَبَ 800 وَقَتَلَهُمْ بِرُمْحِهِ فِي مَعْرَكَةٍ وَاحِدَةٍ. وَبَعْدَهُ أَلِعَازَارُ بْنُ دُودُو الْأَخُوخِيُّ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَبْطَالِ الـ3 وَكَانَ مَعَ دَاوُدَ لَمَّا تَحَدَّوْا الْفِلِسْطِيِّينَ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا فِي فَسْدَمِيمَ لِلْحَرْبِ، وَتَرَاجَعَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ. أَمَّا هُوَ فَصَمَدَ وَقَاتَلَ الْفِلِسْطِيِّينَ حَتَّى كَلَّتْ يَدُهُ وَلَصِقَتْ بِالسَّيْفِ. فَمَنَحَهُ اللهُ نَصْرًا عَظِيمًا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَرَجَعَ الْجَيْشُ إِلَيْهِ وَمَا كَانَ عَلَيْهِمْ إِلَّا أَنْ يَنْهَبُوا. وَبَعْدَهُ شَمَّةُ بْنُ أَجِي الْهَرَارِيُّ. وَكَانَ الْفِلِسْطِيُّونَ قَدْ حَشَدُوا جَيْشًا فِي حَقْلٍ مَمْلُوءٍ بِالْعَدَسِ، فَهَرَبَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ مِنْهُمْ. وَلَكِنَّ شَمَّةَ وَقَفَ فِي وَسَطِ الْحَقْلِ وَدَافَعَ عَنْهُ، وَقَاتَلَ الْفِلِسْطِيِّينَ، فَمَنَحَ اللهُ نَصْرًا عَظِيمًا. وَفِي وَقْتِ الْحَصَادِ، رَاحَ 3 مِنَ الـ30 قَائِدًا إِلَى دَاوُدَ فِي مَغَارَةِ عَدْلَامَ، وَكَانَ جَيْشُ الْفِلِسْطِيِّينَ مُعَسْكِرًا فِي وَادِي رَفَايِمَ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ دَاوُدُ فِي الْحِصْنِ، وَالْحَامِيَةُ الْعَسْكَرِيَّةُ لِلْفِلِسْطِيِّينَ فِي بَيْتَ لَحْمَ. فَعَطِشَ دَاوُدُ جِدًّا وَقَالَ: ”مَنْ يَسْقِينِي مَاءً مِنْ بِئْرِ بَيْتَ لَحْمَ الَّتِي عِنْدَ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ!“ فَاخْتَرَقَ هَؤُلَاءِ الْأَبْطَالُ الـ3 مُعَسْكَرَ الْفِلِسْطِيِّينَ، وَأَخَذُوا مَاءً مِنَ الْبِئْرِ الَّتِي عِنْدَ بَوَّابَةِ بَيْتَ لَحْمَ، وَحَمَلُوهُ وَأَحْضَرُوهُ إِلَى دَاوُدَ، فَرَفَضَ أَنْ يَشْرَبَهُ، بَلْ سَكَبَهُ قُرْبَانًا للهِ وَقَالَ: ”لَا سَمَحَ اللهُ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ! هَذَا يَا رَبُّ كَأَنَّهُ دَمُ الرِّجَالِ الَّذِينَ خَاطَرُوا بِأَنْفُسِهِمْ.“ وَلَمْ يَشْرَبْهُ. هَذَا مَا فَعَلَهُ هَؤُلَاءِ الْأَبْطَالُ الـ3. ثُمَّ أَبِيشَايُ أَخُو يُوآبَ ابْنُ صَرُويَةَ كَانَ قَائِدَ الـ30. هُوَ حَارَبَ 300 وَقَتَلَهُمْ بِرُمْحِهِ، فَأَصْبَحَ مَشْهُورًا كَالـ3. وَكَانَ مَرْكَزُهُ أَعْلَى مِنَ الـ30 وَكَانَ قَائِدَهُمْ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إِلَى مَرْتَبَةِ الـ3 الْأَوَّلِينَ. ثُمَّ بَنَايَا بْنُ يُويَادَاعَ الْمُحَارِبُ الْبَطَلُ الَّذِي مِنْ قَبْصِئِيلَ، وَقَدْ قَامَ بِأَعْمَالٍ عَظِيمَةٍ. فَذَاتَ مَرَّةٍ قَتَلَ اثْنَيْنِ مِنْ أَبْطَالِ مُوآبَ، وَفِي مَرَّةٍ أُخْرَى فِي يَوْمٍ مُثْلِجٍ، نَزَلَ إِلَى حُفْرَةٍ وَقَتَلَ أَسَدًا فِيهَا. وَهُوَ أَيْضًا الَّذِي قَاتَلَ رَجُلًا مِصْرِيًّا ضَخْمَ الْجُثَّةِ. وَكَانَ فِي يَدِ الْمِصْرِيِّ رُمْحٌ، فَنَازَلَهُ بَنَايَا بِعَصًا وَخَطَفَ الرُّمْحَ مِنْ يَدِهِ وَقَتَلَهُ بِهِ. هَذَا مَا فَعَلَهُ بَنَايَا بْنُ يُويَادَاعَ، فَأَصْبَحَ هُوَ أَيْضًا مَشْهُورًا كَالْأَبْطَالِ الـ3. وَكَانَ مَرْكَزُهُ أَعْلَى مِنَ الـ30، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إِلَى مَرْتَبَةِ الـ3 الْأَوَّلِينَ، فَجَعَلَهُ دَاوُدُ قَائِدًا لِحَرَسِهِ. ثُمَّ عَسَائِيلُ أَخُو يُوآبَ وَهُوَ مِنَ الـ30، وَأَلِحَانَانُ بْنُ دُودُو مِنْ بَيْتَ لَحْمَ، وَشَمَّةُ الْحَرُودِيُّ، وَأَلِيقَا الْحَرُودِيُّ، وَحَالَصُ الْفَلْطِيُّ، وَعِيرَا بْنُ عِقِّيشَ التَّقُوعِيُّ، وَأَبِيعَزَرُ الْعَنَاثُوثِيُّ، وَمَبُونَايُ الْحُوشَاتِيُّ، وَصَلْمُونُ الْأَخُوخِيُّ، وَمَهْرَايُ النَّطُوفَاتِيُّ، وَخَالِدُ بْنُ بَعْنَةَ النَّطُوفَاتِيُّ، وَإِتَّايُ بْنُ رِيبَايَ مِنْ جِبْعَةَ الَّتِي لِبِنْيَمِينَ، وَبَنَايَا الْفَرْعَتُونِيُّ، وَهِدَّايُ مِنْ أَوْدِيَةِ جَاعَشَ. وَأَبُو عَلْبُونَ الْعَرَبَاتِيُّ، وَعَزْمُوتُ الْبَرْحُومِيُّ، وَأَلِيحَبَا الشَّعْلَبُونِيُّ، وَمِنْ بَنِي يَاشَنَ يُونَاثَانُ. وَشَمَّةُ الْهَرَارِيُّ، وَأَخِيآمُ بْنُ شَارَارَ الْهَرَارِيُّ. وَأَلِيفَلَطُ بْنُ أَحَسْبَايَ الْمَعْكِيُّ، وَأَلِيعَامُ بْنُ أَخِيتُوفَلَ الْجِيلُونِيُّ. وَحَصْرُو الْكَرْمَلِيُّ، وَفَعْرَايُ الْأَرَبِيُّ، وَيَجْآلُ بْنُ نَاثَانَ مِنْ صُوبَةَ، وَبَانِي الْجَادِيُّ. وَصَالَقُ الْعَمُّونِيُّ، وَنَحْرَايُ الْبَئِيرُوتِيُّ حَامِلُ سِلَاحِ يُوآبَ ابْنِ صَرُويَةَ، وَعِيرَا الْيِثْرِيُّ، وَجَارَبُ الْيِثْرِيُّ، وَأُورِيَّا الْحِثِّيُّ. الْجَمِيعُ 37. وَغَضِبَ اللهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مَرَّةً أُخْرَى، فَحَرَّضَ عَلَيْهِمْ دَاوُدَ وَقَالَ لَهُ: ”قُمْ بِعَمَلِ إِحْصَاءٍ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا.“ فَقَالَ الْمَلِكُ لِيُوآبَ وَقَادَةِ الْجَيْشِ مَعَهُ: ”رُوحُوا فِي كُلِّ قَبَائِلِ إِسْرَائِيلَ مِنْ دَانَ إِلَى بِئْرَ سَبْعَ، وَعُدُّوا رِجَالَ الْجَيْشِ فَأَعْلَمَ عَدَدَهُمْ.“ فَقَالَ يُوآبُ لِلْمَلِكِ: ”لَيْتَ الْمَوْلَى إِلَهَكَ يَزِيدُ رِجَالَ الْجَيْشِ 100 ضِعْفٍ. وَيَطُولُ عُمْرُكَ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ لِتَرَى هَذَا بِعَيْنَيْكَ. وَلَكِنْ لِمَاذَا تُرِيدُ هَذَا؟“ لَكِنَّ الْمَلِكَ أَصَرَّ عَلَى قَرَارِهِ مَعَ يُوآبَ وَقَادَةِ الْجَيْشِ، فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ لِيَعُدُّوا رِجَالَ الْحَرْبِ فِي إِسْرَائِيلَ. فَعَبَرُوا نَهْرَ الْأُرْدُنِّ وَخَيَّمُوا بِالْقُرْبِ مِنْ عَرُوعِيرَ، جَنُوبَ الْمَدِينَةِ الَّتِي فِي قَاعِ الْوَادِي. ثُمَّ مَضَوْا فِي جَادَ وَمِنْهَا إِلَى جَازَرَ. ثُمَّ ذَهَبُوا إِلَى جِلْعَادَ وَمِنْطَقَةِ تَحْتِيمَ فِي حُدْشِي، ثُمَّ إِلَى دَانَ يَعَنَ وَدَارُوا مِنْ هُنَاكَ إِلَى صَيْدَا. ثُمَّ ذَهَبُوا إِلَى حِصْنِ صُورَ، وَكُلِّ مُدُنِ الْحِوِّيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ، وَأَخِيرًا إِلَى بِئْرَ سَبْعَ فِي جَنُوبِ يَهُوذَا. وَبَعْدَمَا ذَهَبُوا فِي كُلِّ الْبِلَادِ، رَجَعُوا إِلَى الْقُدْسِ بَعْدَ 9 أَشْهُرٍ وَ20 يَوْمًا. وَقَدَّمَ يُوآبُ لِلْمَلِكِ تَقْرِيرَهُ بِعَدَدِ رِجَالِ الْجَيْشِ. فَكَانَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ 800000 مِنَ الرِّجَالِ الْأَقْوِيَاءِ الْقَادِرِينَ عَلَى اسْتِعْمَالِ السَّيْفِ. وَكَانَ رِجَالُ يَهُوذَا 500000. وَلَكِنْ بَعْدَمَا عَدَّ دَاوُدُ رِجَالَ الْجَيْشِ، أَنَّبَهُ ضَمِيرُهُ. فَقَالَ للهِ: ”أَخْطَأْتُ جِدًّا فِي مَا فَعَلْتُ. فَأَرْجُوكَ يَا رَبُّ أَنْ تُزِيلَ إِثْمَ عَبْدِكَ، لِأَنِّي تَصَرَّفْتُ بِغَبَاءٍ شَدِيدٍ.“ وَقَبْلَ مَا يَقُومُ دَاوُدُ فِي الصُّبْحِ، كَلَّمَ اللهُ جَادَ النَّبِيَّ، رَائِيَ دَاوُدَ وَقَالَ لَهُ: ”اِذْهَبْ وَقُلْ لِدَاوُدَ: ’الْمَوْلَى يَقُولُ لَكَ إِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ 3 أُمُورٍ، وَيَجِبُ أَنْ تَخْتَارَ وَاحِدًا مِنْهَا فَيَفْعَلَهُ بِكَ.‘“ فَذَهَبَ جَادُ إِلَى دَاوُدَ وَقَالَ لَهُ: ”مَاذَا تَخْتَارُ؟ أَنْ تَأْتِيَ عَلَيْكَ 3 سِنِينَ مَجَاعَةٍ فِي بِلَادِكَ، أَوْ تَهْرُبَ 3 أَشْهُرٍ أَمَامَ أَعْدَائِكَ وَهُمْ يُطَارِدُونَكَ، أَوْ يَحِلَّ بِبِلَادِكَ وَبَأٌ 3 أَيَّامٍ؟ فَكِّرْ فِي الْمَوْضُوعِ، وَأَعْطِنِي قَرَارَكَ لِأَرُدَّ عَلَى مَنْ أَرْسَلَنِي.“ فَقَالَ دَاوُدُ لِجَادَ: ”أَنَا فِي مَوْقِفٍ صَعْبٍ وَخَطِيرٍ! وَمِنَ الْأَفْضَلِ أَنْ نَقَعَ فِي يَدِ اللهِ، لِأَنَّ رَحْمَتَهُ كَبِيرَةٌ، وَلَا نَقَعَ فِي يَدِ إِنْسَانٍ.“ فَأَرْسَلَ اللهُ وَبَأً فِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الصُّبْحِ حَتَّى انْتَهَتْ 3 أَيَّامٍ. فَمَاتَ مِنَ الشَّعْبِ مِنْ دَانَ إِلَى بِئْرَ سَبْعَ 70000 رَجُلٍ. وَلَمَّا مَدَّ مَلَاكُ اللهِ يَدَهُ لِيُهْلِكَ الْقُدْسَ تَأَسَّفَ الْمَوْلَى عَلَى هَذِهِ الْمُصِيبَةِ، وَقَالَ لِلْمَلَاكِ الَّذِي كَانَ يُهْلِكُ الشَّعْبَ: ”كَفَى! رَجِّعْ يَدَكَ!“ وَكَانَ الْمَلَاكُ عِنْدَ بَيْدَرِ أَرُونَةَ الْيَبُوسِيِّ. فَلَمَّا رَأَى دَاوُدُ الْمَلَاكَ الَّذِي كَانَ يَقْتُلُ الشَّعْبَ، قَالَ لِلْمَوْلَى: ”أَنَا الَّذِي أَخْطَأْتُ وَأَسَأْتُ. أَمَّا هَؤُلَاءِ الْخِرَافُ الْأَبْرِيَاءُ، فَلَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا. إِذَنْ عَاقِبْنِي أَنَا وَأَهْلِي.“ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ذَهَبَ جَادُ إِلَى دَاوُدَ وَقَالَ لَهُ: ”اِصْعَدْ إِلَى بَيْدَرِ أَرُونَةَ الْيَبُوسِيِّ، وَأَقِمْ هُنَاكَ مَنَصَّةَ قُرْبَانٍ لِلْمَوْلَى.“ فَصَعِدَ دَاوُدُ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ بِوَاسِطَةِ جَادَ. وَلَمَّا رَأَى أَرُونَةُ الْمَلِكَ وَرِجَالَهُ قَادِمِينَ إِلَيْهِ، خَرَجَ وَانْحَنَى لِلْمَلِكِ بِوَجْهِهِ نَحْوَ الْأَرْضِ. وَقَالَ أَرُونَةُ: ”لِمَاذَا جَاءَ سَيِّدِي الْمَلِكُ إِلَى عَبْدِهِ؟“ فَقَالَ دَاوُدُ: ”لِأَشْتَرِيَ مِنْكَ الْبَيْدَرَ، لِكَيْ أُقِيمَ فِيهِ مَنَصَّةً لِلْمَوْلَى، فَيَتَوَقَّفَ الْوَبَأُ عَنِ الشَّعْبِ.“ فَقَالَ أَرُونَةُ لِدَاوُدَ: ”بَلْ خُذْهُ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ، وَقَدِّمْ لِلْمَوْلَى مَا يَحْلُو لَكَ. اُنْظُرْ! أَنَا أُعْطِي الْبَقَرَ لِيَكُونَ قُرْبَانًا، وَالنَّوَارِجَ وَأَنْيَارَ الْبَقَرِ لِتَكُونَ حَطَبًا. أَيُّهَا الْمَلِكُ، أَرُونَةُ يُقَدِّمُ كُلَّ هَذَا لِلْمَلِكِ.“ وَقَالَ أَرُونَةُ لَهُ أَيْضًا: ”الْمَوْلَى إِلَهُكَ يَرْضَى عَنْكَ.“ فَقَالَ الْمَلِكُ لِأَرُونَةَ: ”لَا، بَلْ أَدْفَعُ لَكَ الثَّمَنَ. فَأَنَا لَا أُقَدِّمُ لِلْمَوْلَى إِلَهِي قُرْبَانًا لَا يُكَلِّفُنِي شَيْئًا.“ فَاشْتَرَى دَاوُدُ الْبَيْدَرَ وَالْبَقَرَ بِـ600 جِرَامٍ مِنَ الْفِضَّةِ. وَبَنَى دَاوُدُ هُنَاكَ مَنَصَّةً لِلْمَوْلَى، وَقَدَّمَ قَرَابِينَ وَضَحَايَا صُحْبَةٍ. فَاسْتَجَابَ اللهُ مِنْ أَجْلِ الْبِلَادِ، وَتَوَقَّفَ الْوَبَأُ عَنْ إِسْرَائِيلَ. وَشَاخَ الْمَلِكُ دَاوُدُ وَكَبِرَ فِي السِّنِّ. فَكَانُوا يَضَعُونَ عَلَيْهِ أَغْطِيَةً كَثِيرَةً وَلَا يَدْفَأُ. فَقَالَ لَهُ رِجَالُهُ: ”اِسْمَحْ لَنَا بِأَنْ نَبْحَثَ لَكَ يَا سَيِّدَنَا الْمَلِكَ، عَنْ فَتَاةٍ عَذْرَاءَ لِتَخْدِمَكَ وَتَعْتَنِيَ بِكَ وَتَنَامَ فِي حِضْنِكَ فَتَدْفَأَ.“ فَبَحَثُوا لَهُ عَنْ فَتَاةٍ جَمِيلَةٍ فِي كُلِّ بِلَادِ إِسْرَائِيلَ، فَوَجَدُوا أَبِيشَجَ الشُّونَمِيَّةَ فَأَحْضَرُوهَا إِلَى الْمَلِكِ. وَكَانَتِ الْفَتَاةُ جَمِيلَةً جِدًّا، وَكَانَتْ تَعْتَنِي بِهِ وَتَخْدِمُهُ، لَكِنَّهُ لَمْ يُعَاشِرْهَا. وَكَانَ أَدُونْيَا هُوَ ابْنَ دَاوُدَ مِنْ حَجِّيتَ، فَأَخَذَ يُعَظِّمُ نَفْسَهُ وَيَقُولُ: ”أَنَا أَكُونُ الْمَلِكَ.“ وَاقْتَنَى لَهُ مَرْكَبَاتٍ وَخَيْلًا وَ50 رَجُلًا يَتَقَدَّمُونَ مَوْكِبَهُ. وَلَمْ يَشَأْ أَبُوهُ أَنْ يُغْضِبَهُ أَبَدًا، وَلَا قَالَ لَهُ يَوْمًا: ”لِمَاذَا فَعَلْتَ هَذَا؟“ وَكَانَ هُوَ أَيْضًا وَسِيمًا جِدًّا، وَوَلَدَتْهُ أُمُّهُ بَعْدَ أَبْشَلُومَ. وَكَلَّمَ يُوآبَ ابْنَ صَرُويَةَ وَأَبِيأَثَرَ الْحَبْرَ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ فَأَيَّدَاهُ. وَأَمَّا صَادِقُ الْحَبْرُ وَبَنَايَا بْنُ يُويَادَاعَ وَنَاثَانُ النَّبِيُّ وَشَمْعِي وَرِيعِي وَرِجَالُ حَرَسِ دَاوُدَ، فَلَمْ يُسَانِدُوهُ. وَذَبَحَ أَدُونْيَا غَنَمًا وَبَقَرًا وَعُجُولًا مُسَمَّنَةً عِنْدَ حَجَرِ الزَّاحِفَةِ بِالْقُرْبِ مِنْ عَيْنَ رُوجَلَ. وَدَعَا كُلَّ إِخْوَتِهِ بَنِي الْمَلِكِ وَكُلَّ رِجَالِ يَهُوذَا الَّذِينَ هُمْ أَعْوَانُ الْمَلِكِ. وَأَمَّا نَاثَانُ النَّبِيُّ وَبَنَايَا وَرِجَالُ الْحَرَسِ وَسُلَيْمَانُ أَخُوهُ، فَلَمْ يَدْعُهُمْ. فَقَالَ نَاثَانُ لِبَتْشَبَعَ أُمِّ سُلَيْمَانَ: ”أَلَمْ تَسْمَعِي أَنَّ أَدُونْيَا ابْنَ حَجِّيتَ صَارَ مَلِكًا، وَسَيِّدُنَا دَاوُدُ لَا يَعْلَمُ؟ تَعَالَيْ أُعْطِيكِ نَصِيحَةً تُنْقِذِينَ بِهَا حَيَاتَكِ وَحَيَاةَ سُلَيْمَانَ ابْنِكِ. اُدْخُلِي إِلَى الْمَلِكِ دَاوُدَ وَقُولِي لَهُ: ’أَنْتَ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ حَلَفْتَ لِي أَنَا عَبْدَتَكَ وَقُلْتَ: ”سُلَيْمَانُ ابْنُكِ يَصِيرُ مَلِكًا مِنْ بَعْدِي، وَيَجْلِسُ عَلَى عَرْشِي.“ إِذَنْ كَيْفَ صَارَ أَدُونْيَا مَلِكًا؟‘ وَبَيْنَمَا أَنْتِ هُنَاكَ تُكَلِّمِينَ الْمَلِكَ، أَدْخُلُ أَنَا وَرَاءَكِ وَأَقُولُ لَهُ إِنَّ كَلَامَكِ صَحِيحٌ.“ وَكَانَ الْمَلِكُ فِي غُرْفَةِ نَوْمِهِ، وَقَدْ صَارَ شَيْخًا كَبِيرًا، وَكَانَتْ أَبِيشَجُ الشُّونَمِيَّةُ تَخْدِمُهُ. فَدَخَلَتْ بَتْشَبَعُ إِلَيْهِ، وَانْحَنَتْ وَسَجَدَتْ أَمَامَهُ، فَقَالَ لَهَا: ”مَا لَكِ؟“ قَالَتْ لَهُ: ”أَنْتَ يَا سَيِّدِي، حَلَفْتَ بِالْمَوْلَى إِلَهِكَ لِي أَنَا عَبْدَتَكَ وَقُلْتَ: ’سُلَيْمَانُ ابْنُكِ يَصِيرُ مَلِكًا مِنْ بَعْدِي، وَيَجْلِسُ عَلَى عَرْشِي.‘ وَلَكِنَّ أَدُونْيَا صَارَ مَلِكًا، وَأَنْتَ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ لَا تَعْلَمُ بِذَلِكَ! وَقَدْ ذَبَحَ بَقَرًا وَعُجُولًا مُسَمَّنَةً وَغَنَمًا بِكَثْرَةٍ، وَدَعَا كُلَّ بَنِي الْمَلِكِ وَأَبِيأَثَرَ الْحَبْرَ وَيُوآبَ قَائِدَ الْجَيْشِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَدْعُ سُلَيْمَانَ عَبْدَكَ. يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ، كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَتَطَلَّعُونَ إِلَيْكَ لِتُخْبِرَهُمْ مَنِ الَّذِي يَجْلِسُ عَلَى عَرْشِكَ مِنْ بَعْدِكَ. وَإِلَّا مَتَى رَقَدْتَ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ مَعَ آبَائِكَ، فَأَنَا وَابْنِي سُلَيْمَانُ يُعَامِلُونَا كَمُجْرِمَيْنِ.“ وَبَيْنَمَا هِيَ تَتَكَلَّمُ مَعَ الْمَلِكِ، جَاءَ نَاثَانُ النَّبِيُّ. فَقَالُوا لِلْمَلِكِ: ”نَاثَانُ النَّبِيُّ هُنَا.“ فَدَخَلَ أَمَامَ الْمَلِكِ وَانْحَنَى لَهُ بِوَجْهِهِ نَحْوَ الْأَرْضِ. وَقَالَ: ”يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ، هَلْ أَنْتَ قُلْتَ إِنَّ أَدُونْيَا يَمْلِكُ مِنْ بَعْدِكَ وَيَجْلِسُ عَلَى عَرْشِكَ؟ لِأَنَّهُ نَزَلَ الْيَوْمَ وَذَبَحَ بَقَرًا وَعُجُولًا مُسَمَّنَةً وَغَنَمًا بِكَثْرَةٍ، وَدَعَا كُلَّ بَنِي الْمَلِكِ وَقَادَةِ الْجَيْشِ وَأَبِيأَثَرَ الْحَبْرَ وَهُمُ الْآنَ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ مَعَهُ وَيَهْتِفُونَ: ’لِيَحْيَ الْمَلِكُ أَدُونْيَا.‘ وَأَمَّا أَنَا عَبْدُكَ وَصَادِقُ الْحَبْرُ وَبَنَايَا بْنُ يُويَادَاعَ وَسُلَيْمَانُ عَبْدُكَ، فَلَمْ يَدْعُنَا. فَهَلْ أَنْتَ قَرَّرْتَ هَذَا، يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ، مِنْ غَيْرِ أَنْ تُعَرِّفَ حَتَّى رِجَالَكَ مَنْ يَجْلِسُ عَلَى عَرْشِكَ مِنْ بَعْدِكَ؟“ فَأَجَابَ الْمَلِكُ: ”هَاتُوا لِي بَتْشَبَعَ.“ فَدَخَلَتْ إِلَى مَحْضَرِ الْمَلِكِ وَوَقَفَتْ أَمَامَهُ. فَحَلَفَ الْمَلِكُ وَقَالَ: ”أُقْسِمُ بِاللهِ الَّذِي نَجَّانِي مِنْ كُلِّ ضِيقٍ، كَمَا حَلَفْتُ لَكِ بِالْمَوْلَى رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ سُلَيْمَانَ ابْنَكِ يَمْلِكُ بَعْدِي وَيَجْلِسُ مَكَانِي عَلَى عَرْشِي، فَإِنِّي الْيَوْمَ أُنَفِّذُ هَذَا.“ فَانْحَنَتْ بِوَجْهِهَا نَحْوَ الْأَرْضِ وَسَجَدَتْ لِلْمَلِكِ وَقَالَتْ: ”لِيَحْيَ سَيِّدِي الْمَلِكُ دَاوُدُ إِلَى الْأَبَدِ.“ وَقَالَ الْمَلِكُ دَاوُدُ: ”هَاتُوا لِي صَادِقَ الْحَبْرَ وَنَاثَانَ النَّبِيَّ وَبَنَايَا بْنَ يُويَادَاعَ.“ فَلَمَّا حَضَرُوا أَمَامَهُ، قَالَ الْمَلِكُ لَهُمْ: ”خُذُوا مَعَكُمْ رِجَالِي، وَأَرْكِبُوا سُلَيْمَانَ ابْنِي عَلَى بَغْلَتِي، وَانْزِلُوا بِهِ إِلَى جِيحُونَ. وَهُنَاكَ يَمْسَحُهُ صَادِقُ الْحَبْرُ وَنَاثَانُ النَّبِيُّ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ. وَانْفُخُوا فِي الْبُوقِ وَاهْتِفُوا: ’لِيَحْيَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ.‘ ثُمَّ تَأْتُونَ مَعَهُ، فَيَدْخُلُ وَيَجْلِسُ عَلَى عَرْشِي وَيَمْلِكُ مَكَانِي. فَأَنَا عَيَّنْتُهُ لِيَكُونَ حَاكِمًا عَلَى إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا.“ فَقَالَ بَنَايَا بْنُ يُويَادَاعَ لِلْمَلِكِ: ”آمِينَ! فَلْيُحَقِّقِ الْمَوْلَى إِلَهُ سَيِّدِي الْمَلِكِ هَذَا الْكَلَامَ. وَكَمَا كَانَ اللهُ مَعَ سَيِّدِي الْمَلِكِ، لِيَكُنْ كَذَلِكَ مَعَ سُلَيْمَانَ، وَيَجْعَلْ عَرْشَهُ أَعْظَمَ مِنْ عَرْشِ سَيِّدِي الْمَلِكِ دَاوُدَ.“ فَنَزَلَ صَادِقُ الْحَبْرُ وَنَاثَانُ النَّبِيُّ وَبَنَايَا بْنُ يُويَادَاعَ وَالْحَرَسُ الْمَلَكِيُّ، وَأَرْكَبُوا سُلَيْمَانَ عَلَى بَغْلَةِ الْمَلِكِ دَاوُدَ وَذَهَبُوا بِهِ إِلَى جِيحُونَ. وَأَخَذَ صَادِقُ الْحَبْرُ قَارُورَةَ الزَّيْتِ مِنَ الْخَيْمَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَمَسَحَ سُلَيْمَانَ. وَنَفَخُوا فِي الْبُوقِ وَهَتَفَ كُلُّ الشَّعْبِ: ”لِيَحْيَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ.“ وَتَبِعَهُ كُلُّ الشَّعْبِ وَهُمْ يَعْزِفُونَ عَلَى الْمِزْمَارِ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ، حَتَّى ارْتَجَفَتِ الْأَرْضُ مِنْ صَوْتِهِمْ. وَكَانَ أَدُونْيَا وَكُلُّ الْمَدْعُوِّينَ الَّذِينَ عِنْدَهُ قَدِ انْتَهَوْا مِنَ الْأَكْلِ، وَسَمِعُوا هَذِهِ الْأَصْوَاتِ. فَلَمَّا سَمِعَ يُوآبُ صَوْتَ الْبُوقِ قَالَ: ”مَا هَذِهِ الضَّجَّةُ فِي الْمَدِينَةِ؟“ وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ أَقْبَلَ يُونَاثَانُ بْنُ أَبِيأَثَرَ الْحَبْرِ، فَقَالَ لَهُ أَدُونْيَا: ”اُدْخُلْ، فَأَنْتَ رَجُلٌ أَمِينٌ وَتُبَشِّرُ بِالْخَيْرِ.“ أَجَابَهُ يُونَاثَانُ: ”لَا، بَلْ سَيِّدُنَا الْمَلِكُ دَاوُدُ جَعَلَ سُلَيْمَانَ مَلِكًا، وَأَرْسَلَ مَعَهُ صَادِقَ الْحَبْرَ وَنَاثَانَ النَّبِيَّ وَبَنَايَا بْنَ يُويَادَاعَ وَالْحَرَسَ الْمَلَكِيَّ، فَأَرْكَبُوهُ عَلَى بَغْلَةِ الْمَلِكِ، وَمَسَحَهُ صَادِقُ الْحَبْرُ وَنَاثَانُ النَّبِيُّ مَلِكًا فِي جِيحُونَ. ثُمَّ صَعِدُوا مِنْ هُنَاكَ فَرْحَانِينَ حَتَّى ضَجَّتِ الْمَدِينَةُ. وَهَذَا هُوَ الصَّوْتُ الَّذِي تَسْمَعُونَهُ. وَجَلَسَ سُلَيْمَانُ عَلَى عَرْشِ الْمُلْكِ. وَدَخَلَ أَعْوَانُ الْمَلِكِ لِيُهَنِّئُوا سَيِّدَنَا الْمَلِكَ دَاوُدَ وَقَالُوا لَهُ: ’لِيَجْعَلْ إِلَهُكَ اسْمَ سُلَيْمَانَ أَعْظَمَ مِنِ اسْمِكَ، وَعَرْشَهُ أَعْظَمَ مِنْ عَرْشِكَ!‘ فَسَجَدَ الْمَلِكُ للهِ عَلَى سَرِيرِهِ، وَقَالَ: ’تَبَارَكَ الْمَوْلَى رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، الَّذِي رَزَقَنِي الْيَوْمَ مَنْ يَجْلِسُ عَلَى عَرْشِي، وَأَنَا حَيٌّ أَرَى بِعَيْنَيَّ.‘“ فَارْتَعَبَ كُلُّ الْمَدْعُوِّينَ الَّذِينَ عِنْدَ أَدُونْيَا، وَقَامُوا وَتَفَرَّقُوا كُلُّ وَاحِدٍ فِي سَبِيلِهِ. وَخَافَ أَدُونْيَا مِنْ سُلَيْمَانَ، فَلَجَأَ إِلَى مَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ وَتَمَسَّكَ بِقُرُونِهَا. فَقَالُوا لِسُلَيْمَانَ: ”أَدُونْيَا خَائِفٌ مِنْكَ وَتَمَسَّكَ بِقُرُونِ الْمَنَصَّةِ وَيَقُولُ: ’اُطْلُبُوا مِنَ الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ أَنْ يَحْلِفَ لِي أَنْ لَا يَقْتُلَنِي.‘“ فَقَالَ سُلَيْمَانُ: ”إِنْ كَانَ أَمِينًا، لَا تَسْقُطُ شَعْرَةٌ مِنْ رَأْسِهِ إِلَى الْأَرْضِ، وَإِنِ ارْتَكَبَ خِيَانَةً يَمُوتُ.“ وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ فَأَنْزَلُوهُ عَنِ الْمَنَصَّةِ. فَجَاءَ وَرَكَعَ أَمَامَ الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ، فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: ”اِذْهَبْ إِلَى دَارِكَ.“ وَلَمَّا قَرُبَ وَقْتُ وَفَاةِ دَاوُدَ أَوْصَى سُلَيْمَانَ ابْنَهُ وَقَالَ: ”أَنَا رَاحِلٌ كَبَاقِي أَهْلِ الْأَرْضِ، فَكُنْ قَوِيًّا وَتَصَرَّفْ كَرَجُلٍ. اِعْمَلْ بِأَحْكَامِ الْمَوْلَى إِلَهِكَ، وَاسْلُكْ فِي طُرُقِهِ، وَاعْمَلْ بِفَرَائِضِهِ وَوَصَايَاهُ وَشَرَائِعِهِ وَإِرْشَادَاتِهِ، كَمَا هُوَ وَارِدٌ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى، لِكَيْ تَنْجَحَ فِي كُلِّ مَا تَعْمَلُهُ وَفِي كُلِّ مَكَانٍ تَذْهَبُ إِلَيْهِ. وَيُحَقِّقَ اللهُ وَعْدَهُ لِي لِأَنَّهُ قَالَ: ’إِنِ انْتَبَهَ أَوْلَادُكَ لِسُلُوكِهِمْ، وَسَارُوا فِي مَحْضَرِي بِأَمَانَةٍ مِنْ كُلِّ قَلْبِهِمْ وَكُلِّ نَفْسِهِمْ، فَالْمَلِكُ الَّذِي يَجْلِسُ عَلَى عَرْشِ إِسْرَائِيلَ، يَكُونُ دَائِمًا وَاحِدًا مِنْ نَسْلِكَ.‘ ”وَأَنْتَ تَعْلَمُ مَا فَعَلَهُ بِي يُوآبُ ابْنُ صَرُويَةَ، وَمَا فَعَلَهُ بِقَائِدَيْ جُيُوشِ إِسْرَائِيلَ، أَبْنِيرَ بْنِ نِيرَ وَعَمَاسَا بْنِ يَثَرَ. فَقَدْ قَتَلَهُمَا وَسَفَكَ دَمَهُمَا فِي وَقْتِ السِّلْمِ، كَمَا لَوْ كَانَتِ الْحَرْبُ مُشْتَعِلَةً. وَبِذَلِكَ الدَّمِ لَطَّخَ الْحِزَامَ الَّذِي حَوْلَ وَسَطِهِ وَحِذَاءَهُ الَّذِي فِي رِجْلَيْهِ. فَتَصَرَّفْ مَعَهُ حَسَبَ حِكْمَتِكَ، وَلَا تَجْعَلْهُ يَمُوتُ فِي شَيْبَتِهِ بِسَلَامٍ. ”وَاعْمَلْ مَعْرُوفًا مَعَ أَوْلَادِ بَرْزِلَايَ الْجِلْعَادِيِّ، وَاجْعَلْهُمْ مِنَ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ عَلَى مَائِدَتِكَ، لِأَنَّهُمْ نَاصَرُونِي لَمَّا هَرَبْتُ مِنْ أَبْشَلُومَ أَخِيكَ. ”وَتَذَكَّرْ أَنَّ عِنْدَكَ شَمْعِي بْنَ جِيرَا الْبِنْيَمِينِيَّ مِنْ بَحُورِيمَ، الَّذِي شَتَمَنِي شَتَائِمَ فَظِيعَةً يَوْمَ ذَهَبْتُ إِلَى مَحَنَايِمَ. فَلَمَّا جَاءَ لِاسْتِقْبَالِي عِنْدَ الْأُرْدُنِّ، حَلَفْتُ لَهُ بِاللهِ أَنْ لَا أَقْتُلَهُ. وَأَمَّا أَنْتَ، فَلَا تَتْرُكْهُ بِلَا عِقَابٍ، لِأَنَّكَ رَجُلٌ حَكِيمٌ وَتَعْرِفُ كَيْفَ تَجْعَلُهُ يَمُوتُ فِي شَيْبَتِهِ مُلَطَّخًا بِالدَّمِ.“ ثُمَّ انْضَمَّ دَاوُدُ إِلَى أَسْلَافِهِ وَدُفِنَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. وَكَانَ قَدْ مَلَكَ عَلَى إِسْرَائِيلَ 40 سَنَةً، 7 سِنِينَ فِي حَبْرُونَ، وَ33 سَنَةً فِي الْقُدْسِ. وَجَلَسَ سُلَيْمَانُ عَلَى عَرْشِ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَثَبَتَ مُلْكُهُ جِدًّا. وَجَاءَ أَدُونْيَا ابْنُ حَجِّيتَ إِلَى بَتْشَبَعَ أُمِّ سُلَيْمَانَ، فَقَالَتْ لَهُ: ”هَلْ جِئْتَ لِلْخَيْرِ؟“ قَالَ: ”لِلْخَيْرِ.“ ثُمَّ قَالَ: ”أُرِيدُ أَنْ أُكَلِّمَكِ فِي مَوْضُوعٍ.“ قَالَتْ: ”تَكَلَّمْ.“ فَقَالَ: ”أَنْتِ تَعْلَمِينَ أَنَّ الْمُلْكَ كَانَ لِي، وَأَنَّ كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَوَقَّعُوا أَنْ أَصِيرَ مَلِكًا، فَتَغَيَّرَتِ الْأَوْضَاعُ وَصَارَ الْمُلْكُ لِأَخِي، وَذَلِكَ بِأَمْرِ اللهِ. وَالْآنَ لِي عِنْدَكِ طَلَبٌ وَاحِدٌ، فَأَرْجُو أَنْ لَا تَرْفُضِيهِ.“ فَقَالَتْ لَهُ: ”وَمَا هُوَ؟“ قَالَ: ”قُولِي لِسُلَيْمَانَ الْمَلِكِ أَنْ يُعْطِيَنِي أَبِيشَجَ الشُّونَمِيَّةَ زَوْجَةً، فَهُوَ لَا يَرْفُضُ لَكِ طَلَبًا.“ فَقَالَتْ بَتْشَبَعُ: ”حَسَنًا، سَأُكَلِّمُ الْمَلِكَ فِي مَوْضُوعِكَ.“ وَذَهَبَتْ بَتْشَبَعُ إِلَى الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ لِتُكَلِّمَهُ فِي مَوْضُوعِ أَدُونْيَا، فَقَامَ لِاسْتِقْبَالِهَا وَانْحَنَى لَهَا، ثُمَّ جَلَسَ عَلَى عَرْشِهِ وَوَضَعَ عَرْشًا لَهَا فَجَلَسَتْ عَنْ يَمِينِهِ. فَقَالَتْ: ”لِي عِنْدَكَ طَلَبٌ وَاحِدٌ صَغِيرٌ، فَأَرْجُو أَنْ لَا تَرْفُضَهُ.“ قَالَ لَهَا الْمَلِكُ: ”اُطْلُبِي يَا أُمِّي، فَأَنَا لَا أَرْفُضُكِ!“ قَالَتْ: ”أَعْطِ أَبِيشَجَ الشُّونَمِيَّةَ زَوْجَةً لِأَدُونْيَا أَخِيكَ.“ فَأَجَابَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ أُمَّهُ: ”لِمَاذَا تَطْلُبِينَ أَبِيشَجَ الشُّونَمِيَّةَ لِأَدُونْيَا؟ لِأَنَّ مَعْنَى هَذَا أَنَّكِ تَطْلُبِينَ لَهُ الْمُلْكَ أَيْضًا، فَهُوَ أَخِيَ الْأَكْبَرُ مِنِّي، وَأَبِيأَثَرُ الْحَبْرُ وَيُوآبُ ابْنُ صَرُويَةَ يُؤَيِّدَانِهِ!“ وَحَلَفَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ بِاللهِ وَقَالَ: ”لَيْتَ اللهَ يُعَاقِبُنِي أَشَدَّ عِقَابٍ إِنْ لَمْ يَدْفَعْ أَدُونْيَا حَيَاتَهُ ثَمَنًا لِهَذَا الطَّلَبِ. أُقْسِمُ بِاللهِ الَّذِي ثَبَّتَنِي وَأَجْلَسَنِي عَلَى عَرْشِ دَاوُدَ أَبِي، وَأَسَّسَ لِي بَيْتًا كَمَا وَعَدَ، سَيُقْتَلُ أَدُونْيَا فِي هَذَا الْيَوْمِ!“ وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ بَنَايَا بْنَ يُويَادَاعَ، فَبَطَشَ بِهِ فَمَاتَ. وَقَالَ الْمَلِكُ لِأَبِيأَثَرَ الْحَبْرِ: ”اِذْهَبْ إِلَى حُقُولِكَ فِي عَنَاثُوثَ، فَأَنْتَ تَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ، لَكِنِّي لَنْ أَقْتُلَكَ الْآنَ، لِأَنَّكَ حَمَلْتَ صُنْدُوقَ مَوْلَانَا الْإِلَهِ أَمَامَ دَاوُدَ أَبِي وَشَارَكْتَهُ فِي كُلِّ الْآلَامِ الَّتِي تَأَلَّمَهَا.“ وَعَزَلَهُ سُلَيْمَانُ عَنْ أَنْ يَكُونَ حَبْرًا للهِ، وَبِذَلِكَ تَمَّ الْكَلَامُ الَّذِي قَالَهُ اللهُ فِي شِيلُوهَ عَلَى بَيْتِ عَالِي الْحَبْرِ. وَبَلَغَ الْخَبَرُ يُوآبَ، وَكَانَ قَدْ تَآمَرَ مَعَ أَدُونْيَا وَلَيْسَ مَعَ أَبْشَلُومَ مِنْ قَبْلِهِ. فَهَرَبَ يُوآبُ إِلَى خَيْمَةِ اللهِ وَتَمَسَّكَ بِقُرُونِ الْمَنَصَّةِ. فَعَلِمَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ أَنَّ يُوآبَ هَرَبَ إِلَى خَيْمَةِ اللهِ، وَهُوَ بِجَانِبِ الْمَنَصَّةِ. فَأَرْسَلَ بَنَايَا بْنَ يُويَادَاعَ لِيَبْطِشَ بِهِ. فَدَخَلَ بَنَايَا إِلَى الْخَيْمَةِ وَقَالَ لَهُ: ”الْمَلِكُ يَأْمُرُكَ بِأَنْ تَخْرُجَ.“ فَقَالَ: ”لَا، بَلْ هُنَا أَمُوتُ.“ فَعَادَ بَنَايَا إِلَى الْمَلِكِ وَأَخْبَرَهُ بِجَوَابِ يُوآبَ. فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: ”اِفْعَلْ كَمَا قَالَ وَابْطِشْ بِهِ وَادْفِنْهُ، وَأَزِلْ عَنِّي وَعَنْ بَيْتِ أَبِي الدَّمَ الْبَرِيءَ الَّذِي سَفَكَهُ يُوآبُ. فَيُعَاقِبُهُ اللهُ عَلَى الدَّمِ الَّذِي سَفَكَهُ، لِأَنَّهُ بَطَشَ بِرَجُلَيْنِ بَرِيئَيْنِ أَحْسَنَ مِنْهُ، وَقَتَلَهُمَا بِالسَّيْفِ وَأَبِي دَاوُدُ لَا يَعْلَمُ، وَهُمَا أَبْنِيرُ بْنُ نِيرَ قَائِدُ جَيْشِ إِسْرَائِيلَ، وَعَمَاسَا بْنُ يَثَرَ قَائِدُ جَيْشِ يَهُوذَا. فَتَقَعُ جَرِيمَةُ قَتْلِهِمَا عَلَى رَأْسِ يُوآبَ، وَرَأْسِ نَسْلِهِ إِلَى الْأَبَدِ. وَيَحِلُّ سَلَامُ اللهِ عَلَى دَاوُدَ وَنَسْلِهِ وَبَيْتِهِ وَعَرْشِهِ إِلَى الْأَبَدِ.“ فَذَهَبَ بَنَايَا وَبَطَشَ بِهِ وَقَتَلَهُ، وَدُفِنَ فِي أَرْضِهِ فِي الصَّحْرَاءِ. وَعَيَّنَ الْمَلِكُ بَنَايَا قَائِدًا لِلْجَيْشِ مَكَانَهُ، وَأَقَامَ صَادِقَ الْحَبْرَ مَكَانَ أَبِيأَثَرَ. ثُمَّ أَرْسَلَ الْمَلِكُ وَاسْتَدْعَى شَمْعِي بْنَ جِيرَا وَقَالَ لَهُ: ”اِبْنِ لَكَ دَارًا فِي الْقُدْسِ وَأَقِمْ فِيهَا وَلَا تَخْرُجْ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ. وَاعْلَمْ أَنَّكَ يَوْمَ تَخْرُجُ وَتَعْبُرُ وَادِي قَدْرُونَ، فَعِقَابُكَ هُوَ الْمَوْتُ وَيَكُونُ ذَنْبُكَ عَلَى رَأْسِكَ.“ فَقَالَ شَمْعِي لِلْمَلِكِ: ”قَبِلْتُ أَمْرَكَ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ، سَأَفْعَلُ كَمَا قُلْتَ.“ فَأَقَامَ شَمْعِي فِي الْقُدْسِ زَمَنًا طَوِيلًا. وَلَكِنْ بَعْدَ 3 سِنِينَ، هَرَبَ عَبْدَانِ لِشَمْعِي إِلَى أَخِيشَ بْنِ مَعْكَةَ مَلِكِ جَتَّ، وَسَمِعَ شَمْعِي أَنَّهُمَا فِي جَتَّ. فَقَامَ وَأَسْرَجَ حِمَارَهُ، وَرَاحَ إِلَى أَخِيشَ فِي جَتَّ لِيُفَتِّشَ عَنْ عَبْدَيْهِ. وَبِذَلِكَ خَرَجَ شَمْعِي إِلَى جَتَّ وَرَجَعَ مِنْ هُنَاكَ بِعَبْدَيْهِ. فَسَمِعَ سُلَيْمَانُ أَنَّ شَمْعِي خَرَجَ مِنَ الْقُدْسِ إِلَى جَتَّ وَرَجَعَ. فَاسْتَدْعَاهُ الْمَلِكُ وَقَالَ لَهُ: ”أَنَا جَعَلْتُكَ تَحْلِفُ لِي بِاللهِ، وَأَنْذَرْتُكَ وَقُلْتُ لَكَ، يَوْمَ تَخْرُجُ وَتَذْهَبُ إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ فَعِقَابُكَ الْمَوْتُ. فَقُلْتَ لِي: ’قَبِلْتُ أَمْرَكَ، وَسَمْعًا وَطَاعَةً.‘ فَلِمَاذَا لَمْ تَحْفَظِ الْقَسَمَ الَّذِي أَقْسَمْتَهُ بِاللهِ، وَالْوَصِيَّةَ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ بِهَا؟“ ثُمَّ قَالَ الْمَلِكُ لِشَمْعِي: ”أَنْتَ عَارِفٌ فِي قَلْبِكَ كُلَّ الشَّرِّ الَّذِي فَعَلْتَهُ بِدَاوُدَ أَبِي، وَالْآنَ يُعَاقِبُكَ اللهُ عَلَى شَرِّكَ. أَمَّا الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ فَيَكُونُ مُبَارَكًا، وَعَرْشُ دَاوُدَ يَكُونُ ثَابِتًا أَمَامَ اللهِ إِلَى الْأَبَدِ.“ وَأَمَرَ الْمَلِكُ بَنَايَا بْنَ يُويَادَاعَ، فَخَرَجَ وَبَطَشَ بِهِ فَمَاتَ. وَثَبَتَ الْحُكْمُ فِي يَدِ سُلَيْمَانَ. وَصَاهَرَ سُلَيْمَانُ فِرْعَوْنَ مَلِكَ مِصْرَ وَتَزَوَّجَ بِنْتَهُ، وَجَاءَ بِهَا إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ، إِلَى أَنْ أَكْمَلَ بِنَاءَ قَصْرِهِ وَبَيْتِ اللهِ وَالسُّورِ الَّذِي حَوْلَ الْقُدْسِ. وَلَكِنَّ الشَّعْبَ كَانَ مَا زَالَ يُقَدِّمُ الضَّحَايَا فِي أَمَاكِنِ الْعِبَادَةِ، لِأَنَّ بَيْتَ عِبَادَةِ اللهِ لَمْ يَكُنْ قَدْ بُنِيَ بَعْدُ. وَأَحَبَّ سُلَيْمَانُ اللهَ، وَعَمِلَ حَسَبَ فَرَائِضِ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يُقَدِّمُ الضَّحَايَا وَيَحْرِقُ الْبَخُورَ فِي أَمَاكِنِ الْعِبَادَةِ. وَذَهَبَ الْمَلِكُ إِلَى جِبْعُونَ لِيُقَدِّمَ فِيهَا الضَّحَايَا، لِأَنَّهَا كَانَتْ أَهَمَّ أَمَاكِنِ الْعِبَادَةِ. فَعَلَى تِلْكَ الْمَنَصَّةِ أَصْعَدَ 1000 ضَحِيَّةٍ. وَفِي جِبْعُونَ ظَهَرَ الْمَوْلَى لِسُلَيْمَانَ فِي حُلْمٍ فِي اللَّيْلِ، وَقَالَ لَهُ: ”اُطْلُبْ مَا تُرِيدُهُ مِنِّي.“ فَقَالَ سُلَيْمَانُ: ”أَنْتَ عَمِلْتَ مَعْرُوفًا عَظِيمًا مَعَ عَبْدِكَ دَاوُدَ أَبِي، لِأَنَّهُ كَانَ أَمِينًا لَكَ وَصَالِحًا وَنَقِيَّ الْقَلْبِ. وَأَدَمْتَ هَذَا الْمَعْرُوفَ الْعَظِيمَ مَعَهُ فَأَعْطَيْتَهُ ابْنًا يَجْلِسُ الْيَوْمَ عَلَى عَرْشِهِ. ”أَنْتَ أَيُّهَا الْمَوْلَى إِلَهِي جَعَلْتَنِي مَلِكًا مَكَانَ دَاوُدَ أَبِي، وَأَنَا عَبْدَكَ صَغِيرٌ وَلَا خِبْرَةَ لِي فِي الْحُكْمِ. وَأَنَا وَسَطَ شَعْبِكَ الَّذِي اخْتَرْتَهُ، شَعْبٌ عَظِيمٌ كَثِيرٌ لَا يُحْصَى وَلَا يُعَدُّ. فَأَعْطِ عَبْدَكَ قَلْبًا فَهِيمًا لِأَحْكُمَ شَعْبَكَ، وَأُمَيِّزَ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. وَإِلَّا فَكَيْفَ أَقْدِرُ أَنْ أَحْكُمَ شَعْبَكَ الْعَظِيمَ هَذَا؟“ فَسُرَّ اللهُ بِطَلَبِ سُلَيْمَانَ، وَقَالَ لَهُ اللهُ: ”حَيْثُ إِنَّكَ طَلَبْتَ هَذَا، وَلَمْ تَطْلُبْ لِنَفْسِكَ طُولَ الْعُمْرِ وَلَا الْغِنَى وَلَا أَنْ يَمُوتَ أَعْدَاؤُكَ، بَلْ طَلَبْتَ الْفَهْمَ وَالتَّمْيِيزَ فِي الْحُكْمِ، فَأَنَا أُلَبِّي طَلَبَكَ، وَأُعْطِيكَ قَلْبًا حَكِيمًا يُمَيِّزُ، وَلَا يَكُونُ لَكَ مَثِيلٌ لَا قَبْلَكَ وَلَا بَعْدَكَ. وَبِالْإِضَافَةِ إِلَى هَذَا أُعْطِيكَ أَيْضًا مَا لَمْ تَطْلُبْهُ: الْغِنَى وَالْكَرَامَةَ، فَلَا يَكُونُ لَكَ مَثِيلٌ بَيْنَ الْمُلُوكِ كُلَّ أَيَّامِكَ. وَإِنْ سِرْتَ فِي طُرُقِي، وَعَمِلْتَ بِفَرَائِضِي وَوَصَايَايَ كَمَا سَارَ دَاوُدُ أَبُوكَ، أُعْطِيكَ عُمْرًا طَوِيلًا.“ وَلَمَّا اسْتَيْقَظَ سُلَيْمَانُ مِنْ نَوْمِهِ، عَرَفَ أَنَّهُ رَأَى حُلْمًا. وَرَجَعَ إِلَى الْقُدْسِ وَوَقَفَ أَمَامَ صُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ، وَقَدَّمَ قَرَابِينَ مُحْرَقَةً وَضَحَايَا صُحْبَةٍ، وَعَمِلَ وَلِيمَةً لِكُلِّ رِجَالِهِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ ذَهَبَتْ إِلَى الْمَلِكِ امْرَأَتَانِ عَاهِرَتَانِ وَوَقَفَتَا أَمَامَهُ. فَقَالَتْ إِحْدَاهُمَا: ”آهِ يَا سَيِّدِي. أَنَا وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ نُقِيمُ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، فَوَلَدْتُ أَنَا فِي الْبَيْتِ وَكَانَتْ هِيَ مَعِي. وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ بَعْدَمَا وَلَدْتُ أَنَا وَلَدَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ أَيْضًا. وَكُنَّا وَحْدَنَا وَلَا أَحَدَ غَيْرُنَا فِي الْبَيْتِ. فَمَاتَ ابْنُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ فِي اللَّيْلِ، لِأَنَّهَا نَامَتْ عَلَيْهِ. فَقَامَتْ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ، وَأَخَذَتِ ابْنِي مِنْ جَانِبِي وَأَنَا نَائِمَةٌ وَوَضَعَتْهُ فِي حِضْنِهَا، وَوَضَعَتِ ابْنَهَا الْمَيِّتَ فِي حِضْنِي. فَلَمَّا قُمْتُ فِي الصُّبْحِ لِأُرْضِعَ ابْنِي، وَجَدْتُهُ مَيِّتًا! وَعِنْدَمَا تَأَمَّلْتُ فِيهِ فِي نُورِ الصُّبْحِ وَجَدْتُ أَنَّهُ لَيْسَ ابْنِيَ الَّذِي وَلَدْتُهُ!“ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ الْأُخْرَى: ”لَا، بَلِ الْحَيُّ هُوَ ابْنِي وَالْمَيِّتُ هُوَ ابْنُكِ.“ فَأَجَابَتْهَا: ”لَا، بَلِ ابْنُكِ هُوَ الْمَيِّتُ وَابْنِي هُوَ الْحَيُّ.“ وَاشْتَدَّ جِدَالُهُمَا أَمَامَ الْمَلِكِ. فَقَالَ الْمَلِكُ: ”وَاحِدَةٌ تَقُولُ: ’الْحَيُّ ابْنِي وَالْمَيِّتُ ابْنُكِ.‘ وَالْأُخْرَى تَقُولُ: ’لَا، بَلِ الْمَيِّتُ ابْنُكِ وَالْحَيُّ ابْنِي!‘“ ثُمَّ قَالَ الْمَلِكُ: ”هَاتُوا لِي سَيْفًا.“ فَأَحْضَرُوا لَهُ سَيْفًا. فَقَالَ: ”اُشْطُرُوا الْوَلَدَ الْحَيَّ إِلَى نِصْفَيْنِ وَأَعْطُوا كُلَّ وَاحِدَةٍ نِصْفًا.“ فَقَالَتْ أُمُّ الْوَلَدِ الْحَيِّ، وَقَدْ تَحَرَّكَ قَلْبُهَا بِالْحَنَانِ عَلَى ابْنِهَا: ”آهِ يَا سَيِّدِي. أَعْطُوهَا الْوَلَدَ الْحَيَّ وَلَا تَقْتُلُوهُ.“ أَمَّا الْمَرْأَةُ الْأُخْرَى فَقَالَتْ: ”لَا أَنَا وَلَا أَنْتِ نَأْخُذُهُ، بَلِ اشْطُرُوهُ.“ فَقَالَ الْمَلِكُ: ”أَعْطُوا الْوَلَدَ الْحَيَّ لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ وَلَا تَقْتُلُوهُ لِأَنَّهَا أُمُّهُ.“ فَلَمَّا سَمِعَ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالْحُكْمِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ الْمَلِكُ، اِحْتَرَمُوهُ جِدًّا لِأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ عِنْدَهُ حِكْمَةً مِنَ اللهِ لِيَحْكُمَ بِالْعَدْلِ. وَكَانَ سُلَيْمَانُ مَلِكًا عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ كِبَارُ أَعْوَانِهِ: عَزَرْيَا بْنُ صَادِقَ حَبْرٌ، وَأَلِيحُورَفُ وَأَخِيَّا ابْنَا شِيشَا كَاتِبَانِ، وَيُوشَافَاطُ بْنُ أَخِيلُودَ مُسَجِّلٌ، وَبَنَايَا بْنُ يُويَادَاعَ قَائِدُ الْجَيْشِ، وَصَادِقُ وَأَبِيأَثَرُ حَبْرَانِ، وَعَزَرْيَا بْنُ نَاثَانَ رَئِيسُ الْوُكَلَاءِ، وَزَابُودُ بْنُ نَاثَانَ حَبْرٌ وَمُسْتَشَارٌ خَاصٌّ لِلْمَلِكِ، وَأَخِيشَارُ الْمَسْئُولُ عَنِ الْقَصْرِ، وَأَدُونِيرَامُ بْنُ عَبْدَا الْمُشْرِفُ عَلَى أَشْغَالِ السُّخْرَةِ. وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ 12 وَكِيلًا عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ، كَانُوا يَمُدُّونَ الْمَلِكَ وَكُلَّ الْقَصْرِ بِالطَّعَامِ، كُلُّ وَاحِدٍ كَانَ مَسْئُولًا أَنْ يُرْسِلَ الْإِمْدَادَ شَهْرًا فِي السَّنَةِ. وَهَذِهِ أَسْمَاؤُهُمْ: اِبْنُ حُورَ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ. اِبْنُ دَقَرَ فِي مَاقَصَ وَشَعْلَبِيمَ وَبَيْتَ شَمْسَ وَأَيْلُونَ وَبَيْتَ حَانَانَ. اِبْنُ حَسَدَ فِي أَرُوبُوتَ وَكَانَتْ لَهُ سُوكُوهُ وَكُلُّ أَرْضِ حَافَرَ. اِبْنُ أَبِينَادَابَ فِي كُلِّ مُرْتَفَعَاتِ دُورَ، وَهُوَ زَوْجُ طَافَةَ بِنْتِ سُلَيْمَانَ. بَعْنَا بْنُ أَخِيلُودَ فِي تَعْنَكَ وَمَجِدُّو وَكُلِّ بَيْتَ شَانَ الَّتِي بِجِوَارِ صَرَتَانَ تَحْتَ يَزْرَعِيلَ، مِنْ بَيْتَ شَانَ إِلَى آبَلَ مَحُولَةَ، وَحَتَّى إِلَى يَقْمَعَامَ. اِبْنُ جَابِرَ فِي رَامُوتَ جِلْعَادَ وَلَهُ قُرَى يَائِرَ بْنِ مَنَسَّى الَّتِي فِي جِلْعَادَ وَلَهُ مِنْطَقَةُ أَرْجُوبَ الَّتِي فِي بَاشَانَ وَفِيهَا 60 مَدِينَةً كَبِيرَةً بِأَسْوَارٍ وَأَبْوَابُهَا لَهَا قُضْبَانٌ مِنْ نُحَاسٍ. أَخِينَادَابُ بْنُ عِدُّو فِي مَحَنَايِمَ. أَخِيمَعْصُ فِي نَفْتَالِي، وَهُوَ زَوْجُ بَاسِمَةَ بِنْتِ سُلَيْمَانَ. بَعْنَا بْنُ حُوشَايَ فِي أَشِيرَ وَبَعْلُوتَ. يُوشَافَاطُ بْنُ قَارُوحَ فِي يَسَّاكَرَ. شَمْعِي بْنُ أَيْلَا فِي بِنْيَمِينَ. جَابِرُ بْنُ أُورِي فِي جِلْعَادَ، أَيْ بِلَادِ سِيحُونَ مَلِكِ الْأَمُورِيِّينَ وَبِلَادِ عُوجَ مَلِكِ بَاشَانَ. وَكَانَ هُوَ الْوَكِيلَ الْوَحِيدَ عَلَى الْمِنْطَقَةِ. وَكَانَ شَعْبُ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلَ كَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ فِي الْكَثْرَةِ، يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَفْرَحُونَ. وَامْتَدَّ سُلْطَانُ سُلَيْمَانَ عَلَى كُلِّ الْمَمَالِكِ مِنَ الْفُرَاتِ إِلَى بِلَادِ الْفِلِسْطِيِّينَ حَتَّى حُدُودِ مِصْرَ. فَكَانَتْ هَذِهِ الْمَمَالِكُ تُقَدِّمُ لَهُ الْجِزْيَةَ وَكَانَتْ خَاضِعَةً لَهُ طُولَ عُمْرِهِ. وَكَانَ الطَّعَامُ اللَّازِمُ لِقَصْرِ سُلَيْمَانَ فِي كُلِّ يَوْمٍ حَوَالَيْ 150 كِيسًا مِنَ الدَّقِيقِ الْفَاخِرِ، وَ300 كِيسٍ مِنَ الدَّقِيقِ الْعَادِيِّ، وَ10 ثِيرَانٍ مُسَمَّنَةٍ، وَ20 ثَوْرًا مِنَ الْمَرَاعِي، وَ100 خَرُوفٍ. هَذَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْغِزْلَانِ وَالظِّبَاءِ وَالتُّيُوسِ الْجَبَلِيَّةِ وَالطُّيُورِ الْمُسَمَّنَةِ. لِأَنَّ سُلْطَانَهُ امْتَدَّ عَلَى كُلِّ الْمَمَالِكِ الَّتِي غَرْبَ الْفُرَاتِ مِنْ تَفْسَحَ إِلَى غَزَّةَ وَعَلَى كُلِّ مُلُوكِهَا، فَكَانَتْ رَاحَةٌ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ. وَسَكَنَ شَعْبُ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلَ فِي أَمَانٍ، كُلُّ وَاحِدٍ تَحْتَ كَرْمَتِهِ وَتِينَتِهِ، مِنْ دَانَ إِلَى بِئْرَ سَبْعَ، كُلَّ أَيَّامِ سُلَيْمَانَ. وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ 4000 مَعْلَفٍ لِخَيْلِ مَرْكَبَاتِهِ، وَ12000 مِنَ الْخَيْلِ. وَكَانَ الْوُكَلَاءُ الِـ12 يَمُدُّونَ الْمَلِكَ سُلَيْمَانَ وَكُلَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ عَلَى مَائِدَتِهِ بِالطَّعَامِ، كُلُّ وَاحِدٍ فِي شَهْرِهِ، وَلَمْ يَتْرُكُوهُمْ فِي حَاجَةٍ إِلَى شَيْءٍ. وَكَانُوا يُحْضِرُونَ أَيْضًا الشَّعِيرَ وَالتِّبْنَ لِلْخَيْلِ وَالْبِغَالِ، كُلُّ وَكِيلٍ حَسَبَ مَسْئُولِيَّتِهِ، إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ الْحَاجَةُ. وَأَعْطَى اللهُ سُلَيْمَانَ حِكْمَةً عَظِيمَةً جِدًّا، وَفَهْمًا وَذَكَاءً بِلَا حُدُودٍ. فَفَاقَتْ حِكْمَتُهُ حِكْمَةَ كُلِّ رِجَالِ الشَّرْقِ وَحِكْمَةَ كُلِّ مِصْرَ. فَكَانَ أَحْكَمَ مِنْ كُلِّ النَّاسِ بِمَا فِيهِمْ إِيثَانُ الْبَلَدِيُّ، وَهِيمَانُ وَكَلْكُولُ وَدَرْدَعُ أَوْلَادُ مَاحُولَ. وَذَاعَ صِيتُهُ فِي كُلِّ الْأُمَمِ الَّتِي حَوْلَهُ. وَقَالَ 3000 مَثَلٍ، وَبَلَغَتْ أَشْعَارُهُ 1005 قَصَائِدَ. وَتَحَدَّثَ فِي وَصْفِ النَّبَاتَاتِ، مِنَ الْأَرْزِ الَّذِي فِي لُبْنَانَ إِلَى السَّعْتَرِ الَّذِي يَنْبُتُ فِي الْحَائِطِ، وَفِي وَصْفِ الْبَهَائِمِ وَالطُّيُورِ وَالزَّوَاحِفِ وَالسَّمَكِ. وَكَانَ النَّاسُ يَأْتُونَ مِنْ كُلِّ الْأُمَمِ لِيَسْمَعُوا حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ. وَجَاءَتْهُ الْهَدَايَا مِنْ كُلِّ مُلُوكِ الْعَالَمِ الَّذِينَ سَمِعُوا عَنْ حِكْمَتِهِ. وَأَرْسَلَ حِيرَامُ مَلِكُ صُورَ وَفْدًا إِلَى سُلَيْمَانَ، لَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ مُسِحَ مَلِكًا مَكَانَ أَبِيهِ. وَكَانَ حِيرَامُ صَدِيقًا لِدَاوُدَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ. فَأَرْسَلَ سُلَيْمَانُ إِلَى حِيرَامَ يَقُولُ: ”أَنْتَ عَارِفٌ أَنَّ دَاوُدَ أَبِي لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَبْنِيَ بَيْتًا لِإِكْرَامِ اسْمِ الْمَوْلَى إِلَهِهِ، بِسَبَبِ الْحُرُوبِ الَّتِي شَنَّهَا عَلَيْهِ أَعْدَاؤُهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، حَتَّى وَضَعَهُمُ اللهُ تَحْتَ رِجْلَيْهِ. أَمَّا الْآنَ فَقَدْ أَرَاحَنِي الْمَوْلَى إِلَهِي مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، فَلَيْسَ لِي خُصُومٌ، وَلَا أَخَافُ مِنْ عُدْوَانٍ. فَنَوَيْتُ أَنْ أَبْنِيَ بَيْتًا لِإِكْرَامِ اسْمِ الْمَوْلَى إِلَهِي كَمَا وَعَدَ اللهُ دَاوُدَ أَبِي وَقَالَ لَهُ: ’اِبْنُكَ الَّذِي أُقِيمُهُ مَكَانَكَ عَلَى عَرْشِكَ، هُوَ يَبْنِي بَيْتًا لِإِكْرَامِ اسْمِي.‘ فَأَرْجُوكَ أَنْ تَأْمُرَ رِجَالَكَ أَنْ يَقْطَعُوا لِي أَرْزًا مِنْ لُبْنَانَ، وَرِجَالِي يُعَاوِنُونَهُمْ. وَأَنَا أَدْفَعُ لَكَ أُجْرَةَ رِجَالِكَ كَمَا تَقُولُ أَنْتَ. فَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا أَحَدَ فِينَا، يَعْرِفُ أَنْ يَقْطَعَ الْخَشَبَ كَالصَّيْدُونِيِّينَ.“ فَلَمَّا سَمِعَ حِيرَامُ كَلَامَ سُلَيْمَانَ، فَرِحَ جِدًّا وَقَالَ: ”تَبَارَكَ الْيَوْمَ اللهُ الَّذِي أَعْطَى دَاوُدَ ابْنًا حَكِيمًا لِيَمْلِكَ عَلَى هَذَا الشَّعْبِ الْغَفِيرِ.“ وَأَرْسَلَ حِيرَامُ إِلَى سُلَيْمَانَ يَقُولُ لَهُ: ”وَصَلَتْنِي رِسَالَتُكَ، وَسَأُرْسِلُ إِلَيْكَ كُلَّ مَا تُرِيدُهُ مِنْ خَشَبِ الْأَرْزِ وَخَشَبِ السَّرْوِ. رِجَالِي يُنْزِلُونَهُ مِنْ لُبْنَانَ إِلَى الْبَحْرِ، ثُمَّ نَرْبِطُهُ فِي حُزَمٍ، وَنُعَوِّمُهُ فِي الْبَحْرِ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي تُحَدِّدُهُ أَنْتَ، وَهُنَاكَ نَحِلُّ الْحُزَمَ ثُمَّ تَأْخُذُهُ. وَفِي مُقَابِلِ ذَلِكَ، فَإِنِّي أَرْغَبُ فِي أَنْ تُرْسِلَ طَعَامًا لِأَهْلِ دَارِي.“ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، كَانَ حِيرَامُ يُعْطِي سُلَيْمَانَ كُلَّ مَا يُرِيدُهُ مِنْ خَشَبِ الْأَرْزِ وَخَشَبِ السَّرْوِ، وَسُلَيْمَانُ يُعْطِي حِيرَامَ كُلَّ سَنَةٍ 100000 كِيسٍ مِنَ الْقَمْحِ، وَ20000 بَرْمِيلٍ مِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ طَعَامًا لِأَهْلِ دَارِهِ. وَأَعْطَى اللهُ سُلَيْمَانَ حِكْمَةً كَمَا وَعَدَهُ. وَكَانَتِ الْعَلَاقَةُ طَيِّبَةً بَيْنَ حِيرَامَ وَسُلَيْمَانَ، وَعَمِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ عَهْدًا. وَسَخَّرَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ 30000 رَجُلٍ مِنْ كُلِّ إِسْرَائِيلَ. فَكَانَ يُرْسِلُهُمْ إِلَى لُبْنَانَ بِالْمُنَاوَبَةِ، 10000 فِي الشَّهْرِ. فَيَكُونُونَ فِي لُبْنَانَ شَهْرًا وَفِي دِيَارِهِمْ شَهْرَيْنِ. وَكَانَ أَدُونِيرَامُ هُوَ الْمُشْرِفَ عَلَى أَشْغَالِ السُّخْرَةِ. كَمَا كَانَ لِسُلَيْمَانَ فِي الْجَبَلِ 80000 رَجُلٍ يَقْطَعُونَ الْحِجَارَةَ، وَ70000 يَحْمِلُونَهَا. هَذَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى الرُّؤَسَاءِ وَالْوُكَلَاءِ وَعَدَدُهُمْ 3300، وَكَانُوا يُشْرِفُونَ عَلَى الْعُمَّالِ وَعَلَى سَيْرِ الْعَمَلِ. وَأَمَرَ الْمَلِكُ أَنْ يَقْلَعُوا حِجَارَةً كَبِيرَةً مِنْ نَوْعٍ مُمْتَازٍ، لِيَكُونَ أَسَاسُ بَيْتِ اللهِ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْحُوتَةٍ. فَنَحَتَهَا عُمَّالُ الْبِنَاءِ الَّذِينَ عِنْدَ سُلَيْمَانَ وَعِنْدَ حِيرَامَ وَرِجَالُ مَدِينَةِ جُبَيْلَ، وَهَيَّأُوا الْأَخْشَابَ وَالْحِجَارَةَ لِبِنَاءِ بَيْتِ اللهِ. وَبَدَأَ سُلَيْمَانُ فِي بِنَاءِ بَيْتِ اللهِ فِي سَنَةِ 480 لِخُرُوجِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ، وَهِيَ السَّنَةُ الرَّابِعَةُ مِنْ مُلْكِ سُلَيْمَانَ عَلَى إِسْرَائِيلَ، فِي الشَّهْرِ الثَّانِي أَيْ شَهْرِ زِيُو. وَهَذَا هُوَ الْبَيْتُ الَّذِي بَنَاهُ سُلَيْمَانُ للهِ: طُولُهُ حَوَالَيْ 30 مِتْرًا، وَعَرْضُهُ حَوَالَيْ 10 أَمْتَارٍ، وَارْتِفَاعُهُ حَوَالَيْ 15 مِتْرًا. وَالشُّرْفَةُ الَّتِي أَمَامَ الْبَيْتِ كَانَ طُولُهَا هُوَ عَرْضَ الْبَيْتِ أَيْ حَوَالَيْ 10 أَمْتَارٍ، وَعَرْضُهَا حَوَالَيْ 5 أَمْتَارٍ أَمَامَهُ. وَصَنَعَ لِلْبَيْتِ نَوَافِذَ وَاسِعَةً مِنَ الدَّاخِلِ وَضَيِّقَةً مِنَ الْخَارِجِ. وَبَنَى عَلَى جَوَانِبِ الْبَيْتِ مُلْحَقًا يُحِيطُ بِالْقَاعَةِ وَالْمَقْدِسِ، فَكَانَ هَذَا عِبَارَةً عَنْ غُرَفٍ جَانِبِيَّةٍ فِي 3 طَوَابِقَ. الطَّابِقُ السُّفْلِيُّ عَرْضُهُ حَوَالَيْ مِتْرَيْنِ وَنِصْفٍ، وَالْأَوْسَطُ عَرْضُهُ حَوَالَيْ 3 أَمْتَارٍ، وَالثَّالِثُ عَرْضُهُ حَوَالَيْ ثَلَاثَةِ أَمْتَارٍ وَنِصْفٍ. لِأَنَّهُ جَعَلَ حَائِطَ الْبَيْتِ مِنَ الْخَارِجِ مُدَرَّجًا، أَيْ يَتَرَاجَعُ لِلدَّاخِلِ مَعَ كُلِّ طَابِقٍ، لِيَسْمَحَ لِلْغُرَفِ بِأَنْ تَرْتَكِزَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَدْخُلَ فِي كِيَانِ الْحَائِطِ نَفْسِهِ. وَبُنِيَ الْبَيْتُ بِحِجَارَةٍ قَلَعَهَا الْعُمَّالُ وَأَعَدُّوهَا فِي الْمَحْجَرِ، فَلَمْ يَسْمَعْ أَحَدٌ صَوْتَ مِطْرَقَةٍ وَلَا إِزْمِيلٍ وَلَا أَدَاةٍ مِنْ حَدِيدٍ عِنْدَ الْبَيْتِ وَقْتَ بِنَائِهِ. وَكَانَ مَدْخَلُ الطَّابِقِ السُّفْلِيِّ فِي الْجَانِبِ الْجَنُوبِيِّ مِنَ الْبَيْتِ، وَمِنْ هُنَاكَ يَصْعَدُونَ بِسُلَّمٍ إِلَى الطَّابِقِ الْأَوْسَطِ، وَمِنَ الْأَوْسَطِ إِلَى الثَّالِثِ. فَبَنَى سُلَيْمَانُ الْبَيْتَ وَأَكْمَلَهُ وَسَقَفَهُ بِعَوَارِضَ وَأَلْوَاحٍ مِنَ الْأَرْزِ. وَبَنَى الْغُرَفَ الْجَانِبِيَّةَ حَوْلَ كُلِّ الْبَيْتِ، وَارْتِفَاعُ كُلِّ غُرْفَةٍ حَوَالَيْ مِتْرَيْنِ وَنِصْفٍ، وَثَبَّتَهَا بِالْبَيْتِ بِخَشَبِ أَرْزٍ. وَقَالَ اللهُ لِسُلَيْمَانَ: ”بِشَأْنِ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي تَبْنِيهِ، إِنْ عَمِلْتَ بِفَرَائِضِي وَنَفَّذْتَ أَحْكَامِي وَحَفِظْتَ كُلَّ وَصَايَايَ وَأَطَعْتَهَا، فَإِنِّي أُحَقِّقُ بِوَاسِطَتِكَ وَعْدِي لِدَاوُدَ أَبِيكَ. وَأَسْكُنُ وَسَطَ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَا أَتْرُكُهُمْ.“ فَبَنَى سُلَيْمَانُ الْبَيْتَ وَأَكْمَلَهُ. وَغَطَّى حِيطَانَهُ مِنَ الدَّاخِلِ بِأَلْوَاحِ أَرْزٍ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّقْفِ، وَفَرَشَ أَرْضَهُ بِأَلْوَاحِ السَّرْوِ. فَكَانَ الْبَيْتُ مُغَشًّى مِنَ الدَّاخِلِ بِالْخَشَبِ. وَفِي مُؤَخَّرِ الْبَيْتِ، فَصَلَ قِسْمًا طُولُهُ حَوَالَيْ 10 أَمْتَارٍ بِأَلْوَاحِ أَرْزٍ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّقْفِ، لِيَكُونَ الْمَقْدِسَ الدَّاخِلِيَّ أَيِ الْمَقْدِسَ الْأَعْظَمَ. فَكَانَ طُولُ الْبَيْتِ الَّذِي أَمَامَ الْمَقْدِسِ الْأَعْظَمِ حَوَالَيْ 20 مِتْرًا. وَالْأَرْزُ الَّذِي يُغَطِّي الْبَيْتَ مِنَ الدَّاخِلِ، كَانَ مَنْقُوشًا عَلَى شَكْلِ يَقْطِينٍ وَزُهُورٍ مُتَفَتِّحَةٍ. كَانَ الْكُلُّ مِنْ أَرْزٍ، وَلَمْ يَكُنْ يُرَى حَجَرٌ. فَأَعَدَّ الْمَقْدِسَ الْأَعْظَمَ الَّذِي فِي دَاخِلِ الْبَيْتِ، لِيَضَعَ فِيهِ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ. وَكَانَ طُولُ الْمَقْدِسِ الْأَعْظَمِ حَوَالَيْ 10 أَمْتَارٍ، وَعَرْضُهُ 10، وَارْتِفَاعُهُ 10، وَغَشَّاهُ مِنَ الدَّاخِلِ بِذَهَبٍ نَقِيٍّ. وَغَشَّى أَيْضًا الْمَنَصَّةَ الَّتِي مِنَ الْأَرْزِ. وَغَشَّى سُلَيْمَانُ الْبَيْتَ مِنَ الدَّاخِلِ بِذَهَبٍ نَقِيٍّ، وَمَدَّ سَلَاسِلَ ذَهَبٍ أَمَامَ الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ. فَكَانَ الْبَيْتُ كُلُّهُ مُغَشًّى مِنَ الدَّاخِلِ بِالذَّهَبِ. وَالْمَنَصَّةُ الَّتِي فِي الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ أَيْضًا غَشَّاهَا بِالذَّهَبِ. وَصَنَعَ فِي الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ مَلَاكَيْنِ مِنْ خَشَبِ الزَّيْتُونِ. كُلُّ وَاحِدٍ ارْتِفَاعُهُ حَوَالَيْ 5 أَمْتَارٍ، وَلَهُ جَنَاحَانِ، كُلُّ جَنَاحٍ عَرْضُهُ حَوَالَيْ مِتْرَيْنِ وَنِصْفٍ، فَمِنْ طَرَفِ جَنَاحِهِ إِلَى طَرَفِ الْجَنَاحِ الْآخَرِ حَوَالَيْ 5 أَمْتَارٍ. وَالْمَلَاكُ الْآخَرُ أَيْضًا 5 أَمْتَارٍ، فَكَانَ الْمَلَاكَانِ نَفْسَ الْقِيَاسِ وَنَفْسَ الشَّكْلِ. اِرْتِفَاعُ كُلِّ مَلَاكٍ حَوَالَيْ 5 أَمْتَارٍ. وَوَضَعَ الْمَلَاكَيْنِ الْوَاحِدَ بِجِوَارِ الْآخَرِ وَسَطَ الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ. وَكَانَتْ أَجْنِحَتُهُمَا مُمْتَدَّةً، فَلَمَسَ جَنَاحُ أَحَدِهِمَا الْحَائِطَ مِنْ هُنَا، وَجَنَاحُ الْآخَرِ الْحَائِطَ مِنْ هُنَاكَ. وَفِي الْوَسَطِ لَمَسَ جَنَاحُ أَحَدِهِمَا جَنَاحَ الْآخَرِ. وَغَشَّى الْمَلَاكَيْنِ بِالذَّهَبِ. وَعَلَى كُلِّ الْحِيطَانِ الدَّاخِلِيَّةِ لِلْبَيْتِ، نَقَشَ مَلَائِكَةً وَنَخِيلًا وَزُهُورًا مُتَفَتِّحَةً، فِي الْقِسْمِ الدَّاخِلِيِّ وَالْخَارِجِيِّ. وَغَشَّى أَرْضَ الْبَيْتِ بِالذَّهَبِ، بِقِسْمَيْهِ الدَّاخِلِيِّ وَالْخَارِجِيِّ. وَصَنَعَ لِمَدْخَلِ الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ بَابَيْنِ مِنْ خَشَبِ الزَّيْتُونِ، وَلَهُمَا قَائِمَتَانِ عَلَى شَكْلِ مُخَمَّسٍ. وَنَقَشَ عَلَى الْبَابَيْنِ مَلَائِكَةً وَنَخِيلًا وَزُهُورًا مُتَفَتِّحَةً. وَغَشَّى الْبَابَيْنِ بِالذَّهَبِ، وَرَصَّعَ الْمَلَائِكَةَ وَالنَّخِيلَ بِالذَّهَبِ. وَكَذَلِكَ صَنَعَ لِمَدْخَلِ الْبَيْتِ قَوَائِمَ مُرَبَّعَةً مِنْ خَشَبِ الزَّيْتُونِ، وَبَابَيْنِ مِنْ خَشَبِ السَّرْوِ. كُلُّ بَابٍ مِنْهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ قِسْمَيْنِ يَنْطَوِيَانِ. وَنَقَشَ عَلَى الْبَابَيْنِ مَلَائِكَةً وَنَخِيلًا وَزُهُورًا مُتَفَتِّحَةً، وَغَشَّاهَا بِذَهَبٍ مَطْرُوقٍ عَلَى النَّقْشِ. وَبَنَى حَائِطَ السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ مِنْ 3 صُفُوفٍ مِنَ الْحِجَارَةِ الْمَنْحُوتَةِ وَصَفٍّ مِنْ عَوَارِضِ الْأَرْزِ. وُضِعَ أَسَاسُ بَيْتِ اللهِ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ، فِي شَهْرِ زِيُو. وَفِي السَّنَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ، فِي شَهْرِ بُولَ وَهُوَ الشَّهْرُ الثَّامِنُ، أُكْمِلَ الْبَيْتُ بِكُلِّ تَفَاصِيلِهِ وَمُوَاصَفَاتِهِ. فَبَنَاهُ فِي 7 سِنِينَ. أَمَّا قَصْرُهُ، فَبَنَاهُ سُلَيْمَانُ وَأَكْمَلَهُ فِي 13 سَنَةً. فَبَنَى قَصْرَ غَابَةِ لُبْنَانَ وَطُولُهُ حَوَالَيْ 50 مِتْرًا، وَعَرْضُهُ حَوَالَيْ 25 مِتْرًا، وَارْتِفَاعُهُ حَوَالَيْ 15 مِتْرًا. وَبَنَاهُ عَلَى 4 صُفُوفٍ مِنْ أَعْمِدَةٍ مِنْ خَشَبِ الْأَرْزِ تَرْتَكِزُ عَلَيْهَا عَوَارِضُ مِنَ الْأَرْزِ. وَكَانَ السَّقْفُ مِنْ أَرْزٍ يَمْتَدُّ فَوْقَ هَذِهِ الْعَوَارِضِ الَّتِي كَانَ عَدَدُهَا 45، فِي كُلِّ صَفٍّ 15. وَكَانَتْ هُنَاكَ 3 طَبَقَاتٍ مِنَ النَّوَافِذِ، وَكُلُّ نَافِذَةٍ كَانَتْ تُقَابِلُهَا نَافِذَةٌ فِي النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى. وَكَانَتْ كُلُّ الْأَبْوَابِ مُرَبَّعَةً، وَهِيَ 3 أَبْوَابٍ فِي نَاحِيَةٍ وَتُقَابِلُهَا 3 فِي النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى. وَعَمِلَ قَاعَةَ الْأَعْمِدَةِ وَطُولُهَا حَوَالَيْ 25 مِتْرًا، وَعَرْضُهَا حَوَالَيْ 15 مِتْرًا، وَأَمَامَهَا شُرْفَةٌ أُخْرَى لَهَا أَعْمِدَةٌ وَسَقْفٌ. وَعَمِلَ قَاعَةَ الْعَرْشِ، أَيْ قَاعَةَ الْقَضَاءِ، حَيْثُ كَانَ يُصْدِرُ الْأَحْكَامَ، وَغَشَّاهَا بِالْأَرْزِ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّقْفِ. وَأَمَّا قَصْرُهُ الَّذِي يَسْكُنُ فِيهِ، فَكَانَ خَلْفَ قَاعَةِ الْعَرْشِ وَيُشْبِهُهَا فِي الْبِنَاءِ. وَعَمِلَ سُلَيْمَانُ أَيْضًا قَصْرًا مِثْلَ هَذِهِ الْقَاعَةِ لِبِنْتِ فِرْعَوْنَ الَّتِي تَزَوَّجَهَا. كُلُّ هَذِهِ الْمَبَانِي، مِنَ الْخَارِجِ حَتَّى إِلَى السَّاحَةِ الْكُبْرَى، وَمِنَ الْأَسَاسِ حَتَّى إِلَى إِفْرِيزِ السَّطْحِ، كَانَتْ مِنْ حِجَارَةٍ مُمْتَازَةٍ مَقْطُوعَةٍ حَسَبَ الْقِيَاسِ الْمَطْلُوبِ وَمَنْحُوتَةً بِالْمِنْشَارِ مِنَ الْجِهَةِ الدَّاخِلِيَّةِ وَالْخَارِجِيَّةِ. وَكَانَ الْأَسَاسُ مِنْ حِجَارَةٍ ضَخْمَةٍ مُمْتَازَةٍ، بَعْضُهَا 4 أَمْتَارٍ وَبَعْضُهَا 5 أَمْتَارٍ. وَفَوْقَ الْأَسَاسِ، حِجَارَةٌ مُمْتَازَةٌ مَقْطُوعَةٌ حَسَبَ الْقِيَاسِ الْمَطْلُوبِ، وَأَلْوَاحٌ مِنْ أَرْزٍ. وَالسَّاحَةُ الْكُبْرَى، حَوْلَهَا حَائِطٌ مِنْ 3 صُفُوفٍ مِنَ الْحِجَارَةِ الْمَنْحُوتَةِ، وَصَفٍّ مِنْ عَوَارِضِ الْأَرْزِ، تَمَامًا كَمَا لِدَارِ بَيْتِ اللهِ الدَّاخِلِيَّةِ وَلِقَاعَةِ الْبَيْتِ. وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ إِلَى صُورَ وَأَحْضَرَ حُورَامَ. وَهُوَ نَحَّاسٌ، أُمُّهُ أَرْمَلَةٌ مِنْ قَبِيلَةِ نَفْتَالِي، وَأَبُوهُ مِنْ صُورَ. وَكَانَ حُورَامُ مَاهِرًا جِدًّا، وَكَثِيرَ الْخِبْرَةِ فِي كُلِّ صِنَاعَةِ النُّحَاسِ. فَجَاءَ إِلَى الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ، وَقَامَ بِكُلِّ الْعَمَلِ الَّذِي أُوكِلَ إِلَيْهِ. وَسَبَكَ حِيرَامُ عَمُودَيْنِ مِنْ نُحَاسٍ، طُولُ الْوَاحِدِ حَوَالَيْ 8 أَمْتَارٍ، وَمُحِيطُهُ حَوَالَيْ 6 أَمْتَارٍ. وَعَمِلَ تَاجَيْنِ مِنْ نُحَاسٍ مَسْبُوكٍ لِيَضَعَهُمَا فَوْقَ الْعَمُودَيْنِ، اِرْتِفَاعُ كُلٍّ مِنْهُمَا حَوَالَيْ مِتْرَيْنِ وَنِصْفٍ. وَعَمِلَ لِكُلِّ تَاجٍ شَبَكَةً مِنْ 7 سَلَاسِلَ تُزَيِّنُهُ. وَلِكُلِّ عَمُودٍ صَفَّيْنِ مِنَ الرُّمَّانِ حَوْلَ قِمَّةِ الشَّبَكَةِ لِتَغْطِيَةِ التَّاجِ. وَالتَّاجَانِ اللَّذَانِ فَوْقَ الْعَمُودَيْنِ فِي الْقَاعَةِ، كَانَا عَلَى شَكْلِ زَهْرَةِ السَّوْسَنِ، وَارْتِفَاعُ كُلٍّ مِنْهُمَا حَوَالَيْ مِتْرَيْنِ. وَقِمَّةُ الْعَمُودِ تُشْبِهُ الصَّحْنَ، وَفَوْقَهَا التَّاجُ، ثُمَّ الشَّبَكَةُ. وَحَوْلَ التَّاجِ 200 رُمَّانَةٍ فِي صُفُوفٍ. نَفْسُ الشَّيْءِ لِكُلٍّ مِنَ الْعَمُودَيْنِ. وَأَوْقَفَ الْعَمُودَيْنِ فِي قَاعَةِ الْبَيْتِ، أَحَدُهُمَا عَنِ الْيَمِينِ وَسَمَّاهُ يَاكِينَ، وَالْآخَرُ عَنِ الْيَسَارِ وَسَمَّاهُ بُوعَزَ. وَالتَّاجَانِ فَوْقَ كُلٍّ مِنَ الْعَمُودَيْنِ، عَلَى شَكْلِ زَهْرَةِ السَّوْسَنِ. وَبِهَذَا تَمَّ صُنْعُ الْعَمُودَيْنِ. وَعَمِلَ حِيرَامُ حَوْضًا مِنَ النُّحَاسِ مَسْبُوكًا مُدَوَّرًا، قُطْرُهُ مِنْ حَافَّةٍ إِلَى حَافَّةٍ حَوَالَيْ 5 أَمْتَارٍ، وَارْتِفَاعُهُ حَوَالَيْ مِتْرَيْنِ وَنِصْفٍ، وَمُحِيطُهُ حَوَالَيْ 15 مِتْرًا. وَعَمِلَ تَحْتَ حَافَّتِهِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ صَفَّيْنِ مِنْ يَقْطِينٍ مِنْ نُحَاسٍ مَسْبُوكٍ مَعَ الْحَوْضِ وَيُحِيطُ بِهِ. لِكُلِّ نِصْفِ مِتْرٍ 10 مِنَ الْيَقْطِينِ. وَكَانَ الْحَوْضُ قَائِمًا عَلَى 12 ثَوْرًا، 3 مِنْهَا مُتَّجِهَةٌ إِلَى الشَّمَالِ، وَ3 إِلَى الْغَرْبِ، وَ3 إِلَى الْجَنُوبِ، وَ3 إِلَى الشَّرْقِ، وَمُؤَخَّرَةُ كُلِّ ثَوْرٍ إِلَى الدَّاخِلِ. وَكَانَ سُمْكُ الْحَوْضِ شِبْرًا، وَحَافَّتُهُ كَحَافَّةِ كَأْسٍ، كَزَهْرَةِ السَّوْسَنِ، وَكَانَ يَسَعُ حَوَالَيْ 2000 بَرْمِيلٍ مِنَ الْمَاءِ. وَعَمِلَ حِيرَامُ أَيْضًا 10 قَوَاعِدَ مِنْ نُحَاسٍ، كُلُّ وَاحِدَةٍ طُولُهَا وَعَرْضُهَا حَوَالَيْ مِتْرَيْنِ، وَارْتِفَاعُهَا حَوَالَيْ مِتْرٍ وَنِصْفٍ. وَكَانَتْ مَصْنُوعَةً مِنْ أَلْوَاحٍ مُرَبَّعَةٍ حَوْلَهَا أُطُرٌ. وَعَلَى الْأَلْوَاحِ وَعَلَى الْأُطُرِ أُسُودٌ وَثِيرَانٌ وَمَلَائِكَةٌ. وَقَلَائِدُ زُهُورٍ مَطْرُوقَةٌ فَوْقَ الْأُسُودِ وَالثِّيرَانِ وَتَحْتَهَا. وَلِكُلِّ قَاعِدَةٍ 4 عَجَلَاتٍ مِنْ نُحَاسٍ بِمَحَاوِرَ مِنْ نُحَاسٍ. وَلَهَا أَيْضًا حَافَّةٌ وَمَقَابِضُ تَحْتَ الْحَوْضِ، وَكَانَتِ الْمَقَابِضُ مِنْ نُحَاسٍ مَسْبُوكٍ. وَكَانَ فَمُ كُلِّ قَاعِدَةٍ حَوْلَهُ إِطَارٌ ارْتِفَاعُهُ حَوَالَيْ نِصْفِ مِتْرٍ، وَهُوَ مُدَوَّرٌ وَعَلَيْهِ نَقْشٌ، وَلَكِنَّ الْأَلْوَاحَ كَانَتْ مُرَبَّعَةً لَا مُدَوَّرَةً. وَكَانَتِ الْعَجَلَاتُ الْـ4 تَحْتَ الْأَلْوَاحِ، وَمَحَاوِرُهَا مُتَّصِلَةً بِالْقَاعِدَةِ. وَارْتِفَاعُ كُلِّ عَجَلَةٍ حَوَالَيْ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ مِتْرٍ. وَكَانَتِ الْعَجَلَاتُ عَلَى شَكْلِ عَجَلَاتِ الْمَرْكَبَةِ، وَكُلُّ مَحَاوِرِهَا وَأُطُرِهَا وَأَصَابِعِهَا وَقُبُوبِهَا مِنْ نُحَاسٍ مَسْبُوكٍ. وُكُلُّ قَاعِدَةٍ لَهَا 4 مَقَابِضَ، مِقْبَضٌ فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ، وَالْمَقَابِضُ جُزْءٌ مِنَ الْقَاعِدَةِ. وَفِي أَعْلَى الْقَاعِدَةِ شَرِيطٌ مُدَوَّرٌ مِنَ النُّحَاسِ ارْتِفَاعُهُ حَوَالَيْ رُبْعِ مِتْرٍ، وَالدَّعَائِمُ وَالْأَلْوَاحُ جُزْءٌ مِنَ الْقَاعِدَةِ. وَعَلَى ظَاهِرِ الدَّعَائِمِ وَعَلَى الْأَلْوَاحِ، نَقَشَ مَلَائِكَةً وَأُسُودًا وَنَخِيلًا عَلَى قَدْرِ مَا يَتَّسِعُ كُلٌّ مِنْهَا، وَقَلَائِدَ زُهُورٍ مِنْ حَوْلِهَا. فَبِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ عَمِلَ حِيرَامُ الْقَوَاعِدَ الْـ10، فَكَانَتْ كُلُّهَا نَفْسَ السَّبْكِ وَنَفْسَ الْقِيَاسِ وَنَفْسَ الشَّكْلِ. ثُمَّ عَمِلَ 10 مَغَاسِلَ مِنْ نُحَاسٍ، كُلٌّ مِنْهَا يَسَعُ حَوَالَيْ 900 لِتْرٍ، وَمُحِيطُهَا حَوَالَيْ مِتْرَيْنِ، وَكَانَ عَلَى كُلِّ قَاعِدَةٍ مِنَ الْقَوَاعِدِ الْـ10 مَغْسَلٌ. وَوَضَعَ 5 قَوَاعِدَ فِي الْجَانِبِ الْجَنُوبِيِّ مِنَ الْبَيْتِ، وَ5 فِي الْجَانِبِ الشَّمَالِيِّ. وَوَضَعَ الْحَوْضَ فِي الْجَانِبِ الْجَنُوبِيِّ مِنَ الْبَيْتِ فِي الرُّكْنِ الْجَنُوبِيِّ الشَّرْقِيِّ. وَعَمِلَ حُورَامُ الْأَحْوَاضَ وَالْمَجَارِفَ وَالْكُؤُوسَ. وَانْتَهَى مِنْ كُلِّ الْعَمَلِ الَّذِي عَمِلَهُ لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ فِي بَيْتِ اللهِ: الْعَمُودَيْنِ وَالتَّاجَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَى الْعَمُودَيْنِ وَشَكْلُهُمَا كَالْكَأْسِ، وَالشَّبَكَتَيْنِ لِتَغْطِيَةِ التَّاجَيْنِ، وَالْـ400 رُمَّانَةٍ لِلشَّبَكَتَيْنِ، وَهِيَ فِي صَفَّيْنِ مِنْ رُمَّانٍ لِكُلِّ شَبَكَةٍ لِتَزْيِينِ التَّاجِ الَّذِي شَكْلُهُ كَالْكَأْسِ، الَّذِي عَلَى الْعَمُودِ. وَالْقَوَاعِدَ الْـ10، وَالْمَغَاسِلَ الْـ10 الَّتِي عَلَيْهَا. وَالْحَوْضَ، وَالِـ12 ثَوْرًا الَّتِي تَحْتَهُ. وَالْقُدُورَ وَالْمَجَارِفَ وَالْكُؤُوسَ. كُلُّ هَذِهِ الْأَدَوَاتِ الَّتِي عَمِلَهَا حُورَامُ لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ لِبَيْتِ اللهِ، كَانَتْ مِنْ نُحَاسٍ نَقِيٍّ. وَأَمَرَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ بِسَبْكِهَا فِي سَهْلِ الْأُرْدُنِّ، فِي أَرْضِ الْخَزَفِ، بَيْنَ سُكُّوتَ وَصَرَتَانَ. وَتَرَكَ سُلَيْمَانُ وَزْنَ كُلِّ هَذِهِ الْأَدَوَاتِ لِأَنَّهَا كَانَتْ كَثِيرَةً جِدًّا، فَلَمْ يُمْكِنْ مَعْرِفَةُ وَزْنِ النُّحَاسِ. وَعَمِلَ سُلَيْمَانُ أَيْضًا كُلَّ أَدَوَاتِ بَيْتِ اللهِ الَّتِي مِنْ ذَهَبٍ: الْمَنَصَّةَ وَالْمَائِدَةَ الَّتِي عَلَيْهَا الْخُبْزُ الْمُقَدَّسُ الَّذِي يُوضَعُ فِي مَحْضَرِ اللهِ. وَالْمَنَائِرَ، 5 عَنِ الْيَمِينِ وَ5 عَنِ الشِّمَالِ أَمَامَ الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ، وَالْأَزْهَارَ وَالْمَصَابِيحَ وَالْمَلَاقِطَ، وَالْأَحْوَاضَ وَالطَّفَّايَاتِ وَالْكُؤُوسَ وَالصُّحُونَ وَالْمَبَاخِرَ، وَالْمَفَاصِلَ لِأَبْوَابِ الْبَيْتِ الدَّاخِلِيِّ أَيِ الْمَقْدِسِ الْأَعْظَمِ، وَلِأَبْوَابِ الْمَقْدِسِ، كُلُّ هَذَا مِنْ ذَهَبٍ. وَلَمَّا أَكْمَلَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ بِنَاءَ بَيْتِ اللهِ، أَدْخَلَ إِلَيْهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي كَرَّسَهَا دَاوُدُ أَبُوهُ لِذَلِكَ، مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَآنِيَةٍ، وَوَضَعَهَا فِي خَزَائِنِ بَيْتِ اللهِ. ثُمَّ جَمَعَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ إِلَيْهِ فِي الْقُدْسِ، شُيُوخَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كُلَّ رُؤَسَاءِ الْقَبَائِلِ وَرُؤَسَاءِ الْعَائِلَاتِ، لِيُحْضِرُوا صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ مِنْ تِصْيُونَ مَدِينَةِ دَاوُدَ. فَاجْتَمَعَ كُلُّ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ إِلَى الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ فِي الْعِيدِ، فِي شَهْرِ إِيثَانِيمَ وَهُوَ الشَّهْرُ السَّابِعُ. فَلَمَّا جَاءَ كُلُّ شُيُوخِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، حَمَلَ الْأَحْبَارُ الصُّنْدُوقَ. وَأَصْعَدَ الْأَحْبَارُ وَاللَّاوِيُّونَ صُنْدُوقَ الْعَهْدِ وَخَيْمَةَ الِاجْتِمَاعِ وَكُلَّ الْآنِيَةِ الْمُقَدَّسَةِ الَّتِي فِي الْخَيْمَةِ. وَكَانَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ وَكُلُّ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَمَامَ الصُّنْدُوقِ، يَذْبَحُونَ مِنَ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ مَا لَا يُحْصَى وَلَا يُعَدُّ مِنَ الْكَثْرَةِ. وَأَدْخَلَ الْأَحْبَارُ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ إِلَى مَكَانِهِ فِي الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ فِي الْبَيْتِ، أَيِ الْمَقْدِسِ الْأَعْظَمِ، تَحْتَ جَنَاحَيِ الْمَلَاكَيْنِ. لِأَنَّ الْمَلَاكَيْنِ كَانَا بَاسِطَيْنِ أَجْنِحَتَهُمَا فَوْقَ مَكَانِ الصُّنْدُوقِ، فَكَانَا يُظَلِّلَانِ الصُّنْدُوقَ وَالْعِصِيَّ الَّتِي يُحْمَلُ بِهَا. وَكَانَتْ هَذِهِ الْعِصِيُّ طَوِيلَةً، حَتَّى كَانَتْ أَطْرَافُهَا تُرَى فِي الْمَقْدِسِ أَمَامَ الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ. أَمَّا مِنْ خَارِجِ الْمَقْدِسِ فَلَمْ يُمْكِنْ رُؤْيَتُهَا. وَهِيَ مَا زَالَتْ مَوْجُودَةً هُنَاكَ إِلَى الْيَوْمِ. وَلَمْ يَكُنْ فِي الصُّنْدُوقِ غَيْرُ لَوْحَيِ الْحَجَرِ اللَّذَيْنِ وَضَعَهُمَا مُوسَى فِيهِ فِي حُورِيبَ، لَمَّا عَمِلَ اللهُ عَهْدًا مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَمَا خَرَجُوا مِنْ مِصْرَ. وَلَمَّا خَرَجَ الْأَحْبَارُ مِنَ الْمَقْدِسِ، مَلَأَ السَّحَابُ بَيْتَ اللهِ. فَلَمْ يُمْكِنْ لِلْأَحْبَارِ أَنْ يَقُومُوا بِخِدْمَتِهِمْ بِسَبَبِ السَّحَابِ، لِأَنَّ جَلَالَ اللهِ مَلَأَ الْبَيْتَ. فَقَالَ سُلَيْمَانُ: ”قَالَ اللهُ إِنَّهُ يَسْكُنُ فِي الضَّبَابِ. وَلَكِنِّي بَنَيْتُ لَكَ بَيْتًا عَظِيمًا، مَكَانًا لِتَسْكُنَ فِيهِ إِلَى الْأَبَدِ.“ وَكَانَ كُلُّ جُمْهُورِ إِسْرَائِيلَ وَاقِفًا هُنَاكَ، فَحَوَّلَ الْمَلِكُ وَجْهَهُ إِلَيْهِمْ وَبَارَكَهُمْ كُلَّهُمْ. وَقَالَ: ”تَبَارَكَ الْمَوْلَى رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي نَفَّذَ بِيَدِهِ مَا وَعَدَ بِفَمِهِ دَاوُدَ أَبِي لَمَّا قَالَ: ’مُنْذُ الْيَوْمِ الَّذِي أَخْرَجْتُ فِيهِ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ، لَمْ أَخْتَرْ مَدِينَةً مِنْ كُلِّ مُدُنِ قَبَائِلِهِمْ، لِيُبْنَى فِيهَا بَيْتٌ لِإِكْرَامِ اسْمِي، إِنَّمَا اخْتَرْتُ دَاوُدَ لِيَحْكُمَ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ.‘ وَكَانَ فِي نِيَّةِ دَاوُدَ أَبِي أَنْ يَبْنِيَ بَيْتًا لِإِكْرَامِ اسْمِ الْمَوْلَى رَبِّنَا. لَكِنَّ اللهَ قَالَ لَهُ: ’كَانَ فِي نِيَّتِكَ أَنْ تَبْنِيَ بَيْتًا لِإِكْرَامِ اسْمِي، فَحَسَنًا مَا نَوَيْتَ. وَلَكِنْ لَنْ تَبْنِيَهُ أَنْتَ، بَلِ ابْنُكَ الَّذِي مِنْ لَحْمِكَ وَدَمِكَ، هُوَ يَبْنِي الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ يُكْرَمُ اسْمِي.‘ وَتَمَّمَ اللهُ وَعْدَهُ، وَقُمْتُ أَنَا مَكَانَ دَاوُدَ أَبِي، وَجَلَسْتُ عَلَى عَرْشِ الْمَمْلَكَةِ، كَمَا قَالَ اللهُ، وَبَنَيْتُ الْبَيْتَ لِإِكْرَامِ اسْمِ الْمَوْلَى رَبِّنَا. وَأَعْدَدْتُ فِيهِ مَكَانًا لِلصُّنْدُوقِ الَّذِي فِيهِ عَهْدُ اللهِ، الَّذِي قَطَعَهُ مَعَ آبَائِنَا لَمَّا أَخْرَجَهُمْ مِنْ مِصْرَ.“ وَوَقَفَ سُلَيْمَانُ أَمَامَ مَنَصَّةِ قُرْبَانِ اللهِ، مُقَابِلَ كُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبَسَطَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: ”أَيُّهَا الْمَوْلَى رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لَا إِلَهَ مِثْلُكَ فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَلَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ تَحْتُ. أَنْتَ تَحْفَظُ الْعَهْدَ وَتَرْحَمُ عَبِيدَكَ الَّذِينَ يَسِيرُونَ فِي طَرِيقِكَ بِكُلِّ قُلُوبِهِمْ. أَنْتَ حَفِظْتَ وَعْدَكَ لِعَبْدِكَ دَاوُدَ أَبِي. وَعَدْتَ بِفَمِكَ وَنَفَّذْتَ بِيَدِكَ، كَمَا نَرَى الْيَوْمَ. وَالْآنَ يَا رَبَّنَا وَإِلَهَنَا، اِحْفَظْ لِعَبْدِكَ دَاوُدَ أَبِي وَعْدَكَ لَهُ لِأَنَّكَ قُلْتَ: ’إِنْ سَلَكَ أَوْلَادُكَ فِي الطَّرِيقِ الْقَوِيمِ، وَسَارُوا فِي مَحْضَرِي كَمَا سِرْتَ أَنْتَ فِي مَحْضَرِي، فَالْمَلِكُ الَّذِي يَجْلِسُ أَمَامِي عَلَى عَرْشِ إِسْرَائِيلَ، يَكُونُ دَائِمًا وَاحِدًا مِنْ نَسْلِكَ.‘ وَالْآنَ اللَّهُمَّ، مِنْ فَضْلِكَ حَقِّقْ وَعْدَكَ لِعَبْدِكَ دَاوُدَ أَبِي. وَلَكِنْ، هَلْ يَسْكُنُ اللهُ حَقًّا عَلَى الْأَرْضِ؟ إِنْ كَانَتِ السَّمَاءُ بَلْ كُلُّ السَّمَاوَاتِ لَا تَسَعُكَ، فَكَيْفَ يُنَاسِبُكَ هَذَا الْبَيْتُ الَّذِي بَنَيْتُهُ؟ أَيُّهَا الْمَوْلَى إِلَهِي، أَنَا عَبْدُكَ، فَالْتَفِتْ إِلَى دُعَائِي وَتَضَرُّعِي، وَاسْمَعْ صُرَاخِي وَالدُّعَاءَ الَّذِي أُقَدِّمُهُ فِي مَحْضَرِكَ الْيَوْمَ. هَذَا هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي اخْتَرْتَهُ لِنَعْبُدَ اسْمَكَ فِيهِ. فَمِنْ فَضْلِكَ احْرُسْ هَذَا الْبَيْتَ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَاسْمَعِ الصَّلَاةَ الَّتِي أُصَلِّيهَا أَنَا عَبْدَكَ نَحْوَ هَذَا الْمَكَانِ. اِسْمَعْ تَضَرُّعَ عَبْدِكَ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ شَعْبِكَ، الَّذِينَ يُصَلُّونَ نَحْوَ هَذَا الْمَكَانِ. اِسْمَعْ وَأَنْتَ فِي السَّمَاءِ مَقَرِّ سُكْنَاكَ، وَمَتَى سَمِعْتَ فَاغْفِرْ. ”إِنْ أَخْطَأَ وَاحِدٌ فِي حَقِّ آخَرَ، وَجَاءُوا بِهِ أَمَامَ الْمَنَصَّةِ الَّتِي لِعِبَادَتِكَ فِي هَذَا الْبَيْتِ، وَحَلَفَ أَنَّهُ غَيْرُ مُذْنِبٍ، فَاسْمَعْ وَأَنْتَ فِي السَّمَاءِ، وَاحْكُمْ بَيْنَ عَبِيدِكَ. عَاقِبِ الْمُذْنِبَ وَاجْعَلْ شَرَّهُ يَقَعُ عَلَى رَأْسِهِ. وَأَظْهِرْ بَرَاءَةَ الْبَرِيءِ وَكَافِئْهُ عَلَيْهَا. ”إِنْ أَخْطَأَ شَعْبُكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي حَقِّكَ، فَإِنَّهُمْ يَنْهَزِمُونَ أَمَامَ الْعَدُوِّ. لَكِنْ مَتَى تَابُوا إِلَيْكَ، وَشَهِدُوا لِاسْمِكَ، وَصَلَّوْا وَتَضَرَّعُوا إِلَيْكَ فِي هَذَا الْبَيْتِ، فَاسْمَعْ وَأَنْتَ فِي السَّمَاءِ، وَاغْفِرْ خَطِيئَةَ شَعْبِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَرْجِعْهُمْ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتَهَا لِآبَائِهِمْ. ”إِنْ أَغْلَقْتَ السَّمَاءَ وَمَنَعْتَ الْمَطَرَ عَنْهُمْ، لِأَنَّهُمْ أَخْطَأُوا فِي حَقِّكَ، فَمَتَى صَلَّوْا نَحْوَ هَذَا الْمَكَانِ، وَشَهِدُوا لِاسْمِكَ، وَتَابُوا عَنْ خَطِيئَتِهِمْ لِأَنَّكَ ضَايَقْتَهُمْ، فَاسْمَعْ وَأَنْتَ فِي السَّمَاءِ، وَاغْفِرْ خَطِيئَةَ عَبِيدِكَ وَشَعْبِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَاهْدِهِمِ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ الَّذِي يَسِيرُونَ فِيهِ، وَأَرْسِلِ الْمَطَرَ عَلَى أَرْضِكَ الَّتِي أَعْطَيْتَهَا نَصِيبًا لِشَعْبِكَ. ”إِنْ جَاءَ عَلَى الْبِلَادِ جُوعٌ أَوْ وَبَأٌ أَوْ حَرٌّ شَدِيدٌ أَوْ ذُبُولٌ أَوْ جَرَادٌ أَوْ جُنْدُبٌ، أَوْ إِنْ حَاصَرَهُمْ عَدُوُّهُمْ فِي أَيِّ مَدِينَةٍ مِنْ مُدُنِهِمْ، أَوْ إِنْ جَاءَتْ عَلَيْهِمْ مُصِيبَةٌ أَوْ مَرَضٌ، فَأَيُّ وَاحِدٍ مِنْ كُلِّ شَعْبِكَ يَتَأَسَّفُ مِنْ قَلْبِهِ، وَيَبْسُطُ يَدَيْهِ نَحْوَ هَذَا الْبَيْتِ، وَيُصَلِّي إِلَيْكَ وَيَتَضَرَّعُ، فَاسْمَعْ وَأَنْتَ فِي السَّمَاءِ مَقَرِّ سُكْنَاكَ، وَاغْفِرْ، وَعَامِلْ كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ كُلِّ أَعْمَالِهِ، لِأَنَّكَ تَعْرِفُ قَلْبَهُ. فَأَنْتَ وَحْدَكَ تَعْرِفُ قُلُوبَ كُلِّ النَّاسِ. لِكَيْ يَخَافُوكَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِمْ، فِي الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتَهَا لِآبَائِنَا. ”أَمَّا الْأَجْنَبِيُّ الَّذِي لَيْسَ مِنْ شَعْبِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، بَلْ جَاءَ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ مِنْ أَجْلِ اسْمِكَ، فَإِنَّ النَّاسَ سَيَسْمَعُونَ عَنِ اسْمِكَ الْعَظِيمِ، وَيَدِكَ الشَّدِيدَةِ، وَذِرَاعِكَ الْقَدِيرَةِ، فَحِينَ يَأْتِي هَذَا الشَّخْصُ وَيُصَلِّي نَحْوَ هَذَا الْبَيْتِ، فَاسْمَعْ وَأَنْتَ فِي السَّمَاءِ مَقَرِّ سُكْنَاكَ، وَاعْمَلْ كُلَّ مَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ الْأَجْنَبِيُّ، لِكَيْ تَعْرِفَ كُلُّ شُعُوبِ الْأَرْضِ اسْمَكَ، وَيَخَافُوكَ كَشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ، وَلِكَيْ يَعْلَمُوا أَنَّنَا نَعْبُدُ اسْمَكَ فِي هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي بَنَيْتُهُ. ”إِنْ خَرَجَ شَعْبُكَ لِيُحَارِبَ عَدُوًّا، مَهْمَا كَانَتِ الْمَأْمُورِيَّةُ الَّتِي تُرْسِلُهُمْ فِيهَا، وَصَلَّوْا إِلَيْكَ نَحْوَ الْمَدِينَةِ الَّتِي اخْتَرْتَهَا، وَالْبَيْتِ الَّذِي بَنَيْتُهُ لِإِكْرَامِ اسْمِكَ، فَاسْمَعْ وَأَنْتَ فِي السَّمَاءِ صَلَاتَهُمْ وَتَضَرُّعَهُمْ، وَاحْكُمْ فِي صَالِحِهِمْ. ”اللَّهُمَّ لَا يُوجَدُ إِنْسَانٌ لَا يُخْطِئُ، فَإِنْ أَخْطَأُوا فِي حَقِّكَ وَغَضِبْتَ عَلَيْهِمْ وَهَزَمْتَهُمْ أَمَامَ الْعَدُوِّ، فَأَسَرَهُمْ إِلَى بِلَادِهِ، بَعِيدَةً كَانَتْ أَوْ قَرِيبَةً، ثُمَّ نَدِمُوا فِي قُلُوبِهِمْ فِي الْبِلَادِ الَّتِي أُسِرُوا إِلَيْهَا، وَتَابُوا وَتَضَرَّعُوا إِلَيْكَ هُنَاكَ وَقَالُوا: ’أَخْطَأْنَا وَانْحَرَفْنَا وَأَذْنَبْنَا.‘ وَرَجَعُوا إِلَيْكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِهِمْ وَكُلِّ نَفْسِهِمْ، وَهُمْ هُنَاكَ فِي بِلَادِ أَعْدَائِهِمِ الَّذِينَ أَسَرُوهُمْ، وَصَلَّوْا إِلَيْكَ نَحْوَ أَرْضِهِمُ الَّتِي أَعْطَيْتَهَا لِآبَائِهِمْ، نَحْوَ الْمَدِينَةِ الَّتِي اخْتَرْتَهَا، وَالْبَيْتِ الَّذِي بَنَيْتُهُ لِإِكْرَامِ اسْمِكَ، فَاسْمَعْ صَلَاتَهُمْ وَتَضَرُّعَهُمْ وَأَنْتَ فِي السَّمَاءِ مَقَرِّ سُكْنَاكَ، وَاحْكُمْ فِي صَالِحِهِمْ، وَاغْفِرْ لِشَعْبِكَ مَا أَخْطَأُوا بِهِ فِي حَقِّكَ، وَكُلَّ ذُنُوبِهِمُ الَّتِي أَذْنَبُوا بِهَا إِلَيْكَ، وَضَعْ رَحْمَةً فِي قُلُوبِ الَّذِينَ هَزَمُوهُمْ فَيَرْحَمُوهُمْ. لِأَنَّهُمْ شَعْبُكَ وَنَصِيبُكَ الَّذِينَ أَخْرَجْتَهُمْ مِنْ مِصْرَ، ذَلِكَ الْأَتُونِ الَّذِي يَصْهَرُ الْحَدِيدَ. فَانْتَبِهْ يَا رَبُّ، إِلَى تَضَرُّعِي أَنَا عَبْدَكَ، وَتَضَرُّعِ شَعْبِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَاسْمَعْهُمْ فِي كُلِّ دُعَائِهِمْ لَكَ. لِأَنَّكَ اللَّهُمَّ يَا رَبِّي فَرَزْتَهُمْ لَكَ نَصِيبًا مِنْ بَيْنِ كُلِّ شُعُوبِ الْأَرْضِ، كَمَا أَعْلَنْتَ بِوَاسِطَةِ مُوسَى عَبْدِكَ، لَمَّا أَخْرَجْتَ آبَاءَنَا مِنْ مِصْرَ.“ وَلَمَّا انْتَهَى سُلَيْمَانُ مِنْ كُلِّ هَذِهِ الصَّلَاةِ إِلَى اللهِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ، قَامَ مِنْ أَمَامِ الْمَنَصَّةِ، حَيْثُ كَانَ رَاكِعًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَبَاسِطًا يَدَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ. وَوَقَفَ وَبَارَكَ كُلَّ الشَّعْبِ بِصَوْتٍ عَالٍ وَقَالَ: ”تَبَارَكَ اللهُ الَّذِي أَرَاحَ شَعْبَهُ كَمَا وَعَدَ، وَلَمْ يَسْقُطْ وَلَا وَاحِدٌ مِنْ كُلِّ الْوُعُودِ الصَّالِحَةِ الَّتِي وَعَدَ بِهَا بِوَاسِطَةِ مُوسَى عَبْدِهِ. لِيَكُنِ الْمَوْلَى إِلَهُنَا مَعَنَا كَمَا كَانَ مَعَ آبَائِنَا، فَلَا يَتْرُكَنَا وَلَا يَتَخَلَّى عَنَّا. بَلْ يَجْذِبَ قُلُوبَنَا إِلَيْهِ، لِكَيْ نَسِيرَ فِي كُلِّ طُرُقِهِ، وَنَعْمَلَ بِوَصَايَاهُ وَفَرَائِضِهِ وَأَحْكَامِهِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا آبَاءَنَا. وَلَيْتَ كَلَامِي هَذَا الَّذِي تَضَرَّعْتُ بِهِ أَمَامَ الْمَوْلَى، يَكُونُ قَرِيبًا مِنَ الْمَوْلَى إِلَهِنَا نَهَارًا وَلَيْلًا، لِيَحْكُمَ فِي صَالِحِ عَبْدِهِ وَصَالِحِ شَعْبِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، حَسَبَ حَاجَةِ كُلِّ يَوْمٍ. لِكَيْ تَعْرِفَ كُلُّ شُعُوبِ الْأَرْضِ أَنَّ الْمَوْلَى هُوَ اللهُ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ. فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَلْبُكُمْ مُخْلِصًا لِلْمَوْلَى إِلَهِنَا، فَتَعْمَلُونَ بِفَرَائِضِهِ وَتُطِيعُونَ وَصَايَاهُ كَمَا تَفْعَلُونَ الْيَوْمَ.“ ثُمَّ إِنَّ الْمَلِكَ وَكُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَهُ، ذَبَحُوا ضَحَايَا أَمَامَ الْمَوْلَى. فَكَانَتْ ضَحَايَا الصُّحْبَةِ الَّتِي ذَبَحَهَا سُلَيْمَانُ للهِ، مِنَ الْبَقَرِ 22000، وَمِنَ الْغَنَمِ 120000. فَدَشَّنَ الْمَلِكُ وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَيْتَ اللهِ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، كَرَّسَ الْمَلِكُ وَسَطَ السَّاحَةِ الَّتِي أَمَامَ بَيْتِ اللهِ، لِأَنَّهُ هُنَاكَ قَدَّمَ قَرَابِينَ مُحْرَقَةً وَقَرَابِينَ دَقِيقٍ وَشَحْمَ ضَحَايَا الصُّحْبَةِ، لِأَنَّ مَنَصَّةَ النُّحَاسِ الَّتِي دَاخِلَ الْبَيْتِ، كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تَسَعُ كُلَّ مَا قُدِّمَ. وَاحْتَفَلَ سُلَيْمَانُ بِالْعِيدِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَهُ، جُمْهُورٌ غَفِيرٌ جَاءَ مِنْ مَدْخَلِ حَمَاةَ إِلَى وَادِي مِصْرَ. وَاحْتَفَلُوا أَمَامَ الْمَوْلَى إِلَهِنَا 7 أَيَّامٍ، ثُمَّ 7 أَيَّامٍ أُخْرَى، أَيْ 14 يَوْمًا. وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي صَرَفَهُمْ، فَبَارَكُوا الْمَلِكَ، وَرَجَعُوا إِلَى دِيَارِهِمْ فَرْحَانِينَ وَقُلُوبُهُمْ مَسْرُورَةٌ، مِنْ أَجْلِ كُلِّ الْخَيْرِ الَّذِي عَمِلَهُ اللهُ لِدَاوُدَ عَبْدِهِ وَلِبَنِي إِسْرَائِيلَ شَعْبِهِ. وَأَكْمَلَ سُلَيْمَانُ بِنَاءَ بَيْتِ اللهِ وَقَصْرِ الْمَلِكِ، وَكُلِّ مَا كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَهُ. فَظَهَرَ الْمَوْلَى لِسُلَيْمَانَ مَرَّةً ثَانِيَةً كَمَا ظَهَرَ لَهُ فِي جِبْعُونَ. وَقَالَ اللهُ لَهُ: ”أَنَا سَمِعْتُ صَلَاتَكَ وَتَضَرُّعَكَ إِلَيَّ، وَقَدَّسْتُ هَذَا الْبَيْتَ الَّذِي بَنَيْتَهُ لِيُكْرَمَ اسْمِي فِيهِ إِلَى الْأَبَدِ، وَسَأَحْرُسُهُ وَأَهْتَمُّ بِهِ دَائِمًا. وَأَنْتَ، إِنْ سِرْتَ فِي مَحْضَرِي كَمَا سَارَ دَاوُدُ أَبُوكَ بِقَلْبٍ نَزِيهٍ وَاسْتِقَامَةٍ، وَعَمِلْتَ بِكُلِّ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ، وَأَطَعْتَ فَرَائِضِي وَأَحْكَامِي، فَإِنِّي أُثَبِّتُ عَرْشَكَ عَلَى إِسْرَائِيلَ إِلَى الْأَبَدِ، كَمَا وَعَدْتُ أَبَاكَ دَاوُدَ وَقُلْتُ لَهُ: ’الْمَلِكُ الَّذِي يَجْلِسُ عَلَى عَرْشِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَكُونُ دَائِمًا وَاحِدًا مِنْ نَسْلِكَ.‘ وَلَكِنْ إِنْ رَجَعْتُمْ عَنِّي أَنْتُمْ أَوْ أَوْلَادُكُمْ، وَلَمْ تُطِيعُوا وَصَايَايَ وَفَرَائِضِيَ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لَكُمْ، وَذَهَبْتُمْ وَعَبَدْتُمْ آلِهَةً أُخْرَى وَسَجَدْتُمْ لَهَا، فَإِنِّي أَقْطَعُ إِسْرَائِيلَ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لَهُمْ، وَأَهْجُرُ هَذَا الْبَيْتَ الَّذِي قَدَّسْتُهُ لِإِكْرَامِ اسْمِي. عِنْدَ ذَلِكَ، كُلُّ الشُّعُوبِ تَضْرِبُ الْمَثَلَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَتَسْخَرُ مِنْهُمْ. وَيَصِيرُ هَذَا الْبَيْتُ الشَّامِخُ خَرَابًا، حَتَّى إِنَّ كُلَّ مَنْ يَمُرُّ بِهِ يَنْذَهِلُ وَيُصْدَمُ وَيَقُولُ: ’لِمَاذَا فَعَلَ الْمَوْلَى كُلَّ هَذَا لِهَذِهِ الْبِلَادِ وَلِهَذَا الْبَيْتِ؟‘ وَيَكُونُ الْجَوَابُ: ’لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا الْمَوْلَى إِلَهَهُمُ الَّذِي أَخْرَجَ آبَاءَهُمْ مِنْ مِصْرَ، وَاتَّخَذُوا لَهُمْ آلِهَةً أُخْرَى وَسَجَدُوا لَهَا وَعَبَدُوهَا، لِذَلِكَ جَلَبَ الْمَوْلَى عَلَيْهِمْ كُلَّ هَذِهِ الْمَصَائِبِ.‘“ وَبَعْدَ نِهَايَةِ 20 سَنَةً، بَعْدَمَا بَنَى سُلَيْمَانُ الْبَيْتَيْنِ، بَيْتَ اللهِ، وَقَصْرَ الْمَلِكِ، فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَعْطَى الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ حِيرَامَ 20 مَدِينَةً فِي أَرْضِ الْجَلِيلِ. لِأَنَّ حِيرَامَ مَلِكَ صُورَ كَانَ قَدْ أَمَدَّهُ بِكُلِّ مَا كَانَ يَحْتَاجُهُ مِنْ خَشَبِ أَرْزٍ وَخَشَبِ سَرْوٍ وَذَهَبٍ. فَجَاءَ حِيرَامُ مِنْ صُورَ، لِيَرَى الْمُدُنَ الَّتِي أَعْطَاهَا لَهُ سُلَيْمَانُ، فَلَمْ تُعْجِبْهُ. فَقَالَ لِسُلَيْمَانَ: ”هَلْ هَذِهِ هِيَ الْمُدُنُ الَّتِي تُعْطِيهَا لِي يَا أَخِي؟“ وَسَمَّاهَا أَرْضَ كَابُولَ، وَهَذَا هُوَ اسْمُهَا إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. وَكَانَ الذَّهَبُ الَّذِي أَرْسَلَهُ حِيرَامُ إِلَى الْمَلِكِ حَوَالَيْ 4 أَطْنَانٍ. وَهَذِهِ هِيَ الْمَشْرُوعَاتُ الَّتِي نَفَّذَهَا سُلَيْمَانُ عَنْ طَرِيقِ عُمَّالِ السُّخْرَةِ: بَيْتُ اللهِ وَقَصْرُ سُلَيْمَانَ وَالْقَلْعَةُ وَسُورُ الْقُدْسِ وَحَاصُورُ وَمَجِدُّو وَجَازَرُ. وَقِصَّةُ جَازَرَ هِيَ أَنَّ فِرْعَوْنَ مَلِكَ مِصْرَ كَانَ قَدْ هَاجَمَهَا وَهَزَمَهَا وَأَحْرَقَهَا بِالنَّارِ وَقَتَلَ سُكَّانَهَا الْكَنْعَانِيِّينَ، وَأَعْطَاهَا مَهْرًا لِبِنْتِهِ زَوْجَةِ سُلَيْمَانَ. فَبَنَى سُلَيْمَانُ جَازَرَ، وَبَيْتَ حُورُونَ السُّفْلَى، وَبَعْلَةَ، وَتَدْمُرَ الَّتِي فِي الصَّحْرَاءِ، وَكُلَّ الْمُدُنِ الَّتِي فِيهَا مَخَازِنُ سُلَيْمَانَ، وَالْمُدُنَ الَّتِي فِيهَا مَرْكَبَاتُهُ وَخَيْلُهُ، وَكُلَّ مَا أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَهُ فِي الْقُدْسِ وَفِي لُبْنَانَ وَفِي كُلِّ الْبِلَادِ الَّتِي تَحْتَ سُلْطَانِهِ. وَالَّذِينَ سَخَّرَهُمْ سُلَيْمَانُ لِهَذَا، لَمْ يَكُونُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، بَلْ مِنَ الشُّعُوبِ الَّتِي بَقِيَتْ فِي الْبِلَادِ، مِنَ الْأَمُورِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ، فَأَبْنَاؤُهُمُ الَّذِينَ بَقَوْا فِي الْبِلَادِ وَلَمْ يَقْدِرْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنْ يُبِيدُوهُمْ، هُمُ الَّذِينَ سَخَّرَهُمْ سُلَيْمَانُ كَعَبِيدٍ، كَمَا يَحْدُثُ الْيَوْمَ. أَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَلَمْ يَجْعَلْ سُلَيْمَانُ مِنْهُمْ عَبِيدًا، بَلْ كَانُوا رِجَالَ الْحَرْبِ، وَأَعْوَانَ الْمَلِكِ وَرُؤَسَاءَهُ وَضُبَّاطَهُ وَقَادَةَ مَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانَهُ. وَكَانَ عَدَدُ الْمَسْئُولِينَ الَّذِينَ يُشْرِفُونَ عَلَى مَشْرُوعَاتِ سُلَيْمَانَ هُوَ 550، كَانُوا رُؤَسَاءَ عَلَى الرِّجَالِ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِالْعَمَلِ. وَبَعْدَمَا انْتَقَلَتْ بِنْتُ فِرْعَوْنَ مِنْ مَدِينَةِ دَاوُدَ إِلَى قَصْرِهَا الَّذِي بَنَاهُ سُلَيْمَانُ لَهَا، بَدَأَ فِي بِنَاءِ الْقَلْعَةِ. وَكَانَ سُلَيْمَانُ يُقَدِّمُ 3 مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ، ضَحَايَا مُحْرَقَةً وَضَحَايَا صُحْبَةٍ عَلَى الْمَنَصَّةِ الَّتِي بَنَاهَا للهِ. وَكَانَ يَحْرِقُ مَعَهَا الْبَخُورَ أَمَامَ اللهِ. وَبِهَذَا أَتَمَّ بِنَاءَ الْبَيْتِ. وَصَنَعَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ سُفُنًا فِي عِصْيُونَ جَابِرَ، الَّتِي بِالْقُرْبِ مِنْ إِيلَاتَ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ، فِي أَرْضِ أَدُومَ. فَأَرْسَلَ حِيرَامُ رِجَالَهُ الْبَحَّارَةَ الَّذِينَ لَهُمْ خِبْرَةٌ بِالْبَحْرِ، مَعَ رِجَالِ سُلَيْمَانَ. فَذَهَبُوا إِلَى أُوفِيرَ، وَأَحْضَرُوا مِنْ هُنَاكَ حَوَالَيْ 15 طِنًّا مِنَ الذَّهَبِ، وَأَتَوْا بِهَا إِلَى الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ. وَسَمِعَتْ مَلِكَةُ سَبَأَ عَنْ شُهْرَةِ سُلَيْمَانَ، فَجَاءَتْ لِتَمْتَحِنَهُ بِأَسْئِلَةٍ صَعْبَةٍ. وَدَخَلَتِ الْقُدْسَ فِي مَوْكِبٍ عَظِيمٍ جِدًّا، وَمَعَهَا جِمَالٌ مُحَمَّلَةٌ بِأَطْيَابٍ وَذَهَبٍ كَثِيرٍ وَحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ. وَجَاءَتْ إِلَى سُلَيْمَانَ وَكَلَّمَتْهُ بِكُلِّ مَا كَانَ فِي قَلْبِهَا. فَأَجَابَهَا عَلَى كُلِّ أَسْئِلَتِهَا، وَلَمْ يَصْعُبْ عَلَى الْمَلِكِ شَيْءٌ لِيَشْرَحَهُ لَهَا. وَرَأَتْ مَلِكَةُ سَبَأَ كُلَّ حِكْمَةِ سُلَيْمَانَ، وَالْقَصْرَ الَّذِي بَنَاهُ، وَمَائِدَتَهُ وَالطَّعَامَ الَّذِي يُقَدَّمُ عَلَيْهَا، وَرِجَالَ دَوْلَتِهِ وَمَجْلِسَهُمْ، وَخُدَّامَهُ وَنِظَامَهُمْ وَمَلَابِسَهُمْ، وَسُقَاتَهُ، وَالْقَرَابِينَ الَّتِي كَانَ يُقَدِّمُهَا فِي بَيْتِ اللهِ، فَأَصَابَهَا الذُّهُولُ. وَقَالَتْ لِلْمَلِكِ: ”إِنَّ الْأَخْبَارَ الَّتِي بَلَغَتْنِي فِي بِلَادِي عَنْ أَعْمَالِكَ وَحِكْمَتِكَ، هِيَ فِعْلًا صَحِيحَةٌ. وَلَكِنِّي لَمْ أُصَدِّقْهَا حَتَّى جِئْتُ وَرَأَيْتُ بِعَيْنَيَّ، فَوَجَدْتُ أَنَّ مَا بَلَغَنِي لَيْسَ حَتَّى نِصْفَ مَا أَنْتَ فِيهِ! فَإِنَّ حِكْمَتَكَ وَغِنَاكَ هُمَا أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ مَا سَمِعْتُهُ. فَهَنِيئًا لِرِجَالِكَ! وَهَنِيئًا لِأَعْوَانِكَ الْمَاثِلِينَ دَائِمًا فِي مَحْضَرِكَ يَسْمَعُونَ حِكْمَتَكَ! وَتَبَارَكَ الْمَوْلَى إِلَهُكَ الَّذِي رَضِيَ عَنْكَ، وَأَجْلَسَكَ عَلَى عَرْشِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. إِنَّ اللهَ أَحَبَّهُمْ إِلَى الْأَبَدِ، لِذَلِكَ جَعَلَكَ مَلِكًا لِتَتَمَسَّكَ بِالْحَقِّ وَالصَّلَاحِ.“ وَأَعْطَتِ الْمَلِكَ حَوَالَيْ 4 أَطْنَانٍ مِنَ الذَّهَبِ، وَأَطْيَابًا كَثِيرَةً، وَحِجَارَةً كَرِيمَةً. وَهَذِهِ الْأَطْيَابُ الَّتِي أَعْطَتْهَا مَلِكَةُ سَبَأَ لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ، لَمْ يَأْتِ بَعْدَ ذَلِكَ مِثْلُهَا فِي الْكَثْرَةِ. وَأَيْضًا سُفُنُ حِيرَامَ الَّتِي حَمَلَتْ ذَهَبًا مِنْ أُوفِيرَ، أَحْضَرَتْ مِنْ هُنَاكَ خَشَبَ الصَّنْدَلِ بِكَمِّيَّاتٍ كَثِيرَةٍ، وَحِجَارَةً كَرِيمَةً. فَعَمِلَ سُلَيْمَانُ مِنْ خَشَبِ الصَّنْدَلِ دَرَابِزِينًا لِبَيْتِ اللهِ وَلِقَصْرِ الْمَلِكِ، وَأَعْوَادًا وَرَبَابًا لِلْمُغَنِّينَ. وَلَمْ يَأْتِ وَلَمْ يُشَاهَدْ مِثْلُ ذَلِكَ الْخَشَبِ، إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. وَأَعْطَى الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ مَلِكَةَ سَبَأَ كُلَّ مَا رَغِبَتْ فِيهِ وَطَلَبَتْهُ، هَذَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا أَعْطَاهُ لَهَا حَسَبَ كَرَمِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ. ثُمَّ انْصَرَفَتْ وَرَجَعَتْ إِلَى بِلَادِهَا هِيَ وَحَاشِيَتُهَا. وَكَانَ وَزْنُ الذَّهَبِ الَّذِي يَأْتِي إِلَى سُلَيْمَانَ فِي السَّنَةِ، حَوَالَيْ 23 طِنًّا. هَذَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى الضَّرَائِبِ الَّتِي عَلَى التُّجَّارِ وَالْبَيَّاعِينَ وَكُلِّ مُلُوكِ الْعَرَبِ وَحُكَّامِ الْبِلَادِ. وَعَمِلَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ 200 تُرْسٍ مِنْ ذَهَبٍ مَطْرُوقٍ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَزْنُهُ حَوَالَيْ ثَلَاثَةِ كِيلُوجْرَامَاتٍ وَنِصْفٍ مِنَ الذَّهَبِ. وَ300 دِرْعٍ صَغِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ مَطْرُوقٍ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَزْنُهُ حَوَالَيْ كِيلُوجْرَامٍ وَثَلَاثَةِ أَرْبَاعٍ مِنَ الذَّهَبِ. وَوَضَعَهَا فِي قَصْرِ غَابَةِ لُبْنَانَ. وَعَمِلَ الْمَلِكُ عَرْشًا عَظِيمًا مِنَ الْعَاجِ وَغَشَّاهُ بِذَهَبٍ نَقِيٍّ. وَكَانَ لِلْعَرْشِ 6 دَرَجَاتٍ، وَرَأْسٌ مُدَوَّرٌ مِنَ الْخَلْفِ، وَيَدَانِ عَلَى جَانِبَيْهِ، وَأَسَدٌ وَاقِفٌ بِجِوَارِ كُلِّ يَدٍ. وَ12 أَسَدًا وَاقِفَةٌ عَلَى الدَّرَجَاتِ الـ6 مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ. وَلَمْ يَكُنْ مَثِيلٌ لِهَذَا الْعَرْشِ فِي كُلِّ الْمَمَالِكِ. وَكَانَتْ كُلُّ آنِيَةِ شُرْبِ الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ مِنَ الذَّهَبِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ آنِيَةِ قَصْرِ غَابَةِ لُبْنَانَ مِنَ الذَّهَبِ النَّقِيِّ. لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنَ الْفِضَّةِ، لِأَنَّ الْفِضَّةَ لَمْ يَكُنْ لَهَا قِيمَةٌ كَبِيرَةٌ فِي أَيَّامِ سُلَيْمَانَ. وَكَانَ لِلْمَلِكِ سُفُنٌ تِجَارِيَّةٌ فِي الْبَحْرِ تَعْمَلُ مَعَ سُفُنِ حِيرَامَ. فَكَانَتْ تَأْتِي مَرَّةً كُلَّ 3 سِنِينَ حَامِلَةً ذَهَبًا وَفِضَّةً وَعَاجًا وَقُرُودًا وَطَوَاوِيسَ. فَكَانَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ أَعْظَمَ مِنْ كُلِّ مُلُوكِ الْأَرْضِ فِي الْغِنَى وَالْحِكْمَةِ. وَكَانَ النَّاسُ مِنْ كُلِّ أَنْحَاءِ الْأَرْضِ، يَأْتُونَ لِيَمْثُلُوا فِي مَحْضَرِ سُلَيْمَانَ لِيَسْمَعُوا حِكْمَتَهُ الَّتِي وَضَعَهَا اللهُ فِي قَلْبِهِ. وَكَانَ كُلُّ مَنْ يَأْتِي إِلَيْهِ، يُحْضِرُ مَعَهُ هَدِيَّةً مِنْ آنِيَةِ فِضَّةٍ وَآنِيَةِ ذَهَبٍ، وَمَلَابِسَ وَسِلَاحٍ وَأَطْيَابٍ، وَخَيْلٍ وَبِغَالٍ، وَذَلِكَ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ. وَجَمَعَ سُلَيْمَانُ مَرْكَبَاتٍ وَخَيْلًا، فَكَانَ لَهُ 1400 مَرْكَبَةٍ، وَ12000 مِنَ الْخَيْلِ. فَوَضَعَ بَعْضَهَا فِي مُدُنِ الْمَرْكَبَاتِ، وَبَعْضَهَا عِنْدَهُ فِي الْقُدْسِ. وَجَعَلَ الْمَلِكُ الْفِضَّةَ فِي الْقُدْسِ شَيْئًا عَادِيًّا كَالْحِجَارَةِ، وَجَعَلَ الْأَرْزَ كَثِيرًا كَالْجُمَّيْزِ الَّذِي فِي السَّهْلِ. وَكَانَتِ الْخَيْلُ تُسْتَوْرَدُ لِسُلَيْمَانَ مِنْ مِصْرَ وَمِنْ كُوِي، وَكَانَ تُجَّارُ الْمَلِكِ يَشْتَرُونَهَا بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ فِي كُوِي. فَكَانُوا يَسْتَوْرِدُونَ الْمَرْكَبَةَ مِنْ مِصْرَ بِحَوَالَيْ 7 كِيلُوجْرَامَاتٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَالْفَرَسَ بِحَوَالَيْ كِيلُوجْرَامٍ وَثَلَاثَةِ أَرْبَاعٍ. وَكَانُوا يُصَدِّرُونَهَا أَيْضًا لِكُلِّ مُلُوكِ الْحِثِّيِّينَ وَمُلُوكِ الْأَرَامِيِّينَ. وَأَحَبَّ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ نِسَاءَ غَرِيبَةً كَثِيرَةً بِالْإِضَافَةِ إِلَى بِنْتِ فِرْعَوْنَ، مُوآبِيَّاتٍ وَعَمُّونِيَّاتٍ وَأَدُومِيَّاتٍ وَصَيْدُونِيَّاتٍ وَحِثِّيَّاتٍ، مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ قَالَ اللهُ عَنْهُمْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ”لَا تَتَزَوَّجُوا مِنْهُمْ وَلَا يَتَزَوَّجُوا مِنْكُمْ، لِأَنَّهُمْ يُغْرُونَكُمْ لِتَعْبُدُوا آلِهَتَهُمْ!“ وَمَعَ ذَلِكَ أَحَبَّهُمْ سُلَيْمَانُ وَتَعَلَّقَ بِهِمْ. فَكَانَ لَهُ 700 زَوْجَةٍ مِنْ بَنَاتِ الْمُلُوكِ، وَ300 جَارِيَةٍ. فَأَضَلَّتْهُ نِسَاؤُهُ. لِأَنَّهُ لَمَّا كَبِرَ سُلَيْمَانُ فِي السِّنِّ، أَغْرَتْهُ نِسَاؤُهُ لِيَعْبُدَ آلِهَةً أُخْرَى، فَلَمْ يَكُنْ قَلْبُهُ بِكَامِلِهِ مَعَ الْمَوْلَى إِلَهِهِ، كَمَا كَانَ قَلْبُ دَاوُدَ أَبِيهِ. فَعَبَدَ سُلَيْمَانُ عَشْتُورَةَ إِلَهَةَ الصَّيْدُونِيِّينَ، وَمُولَخَ إِلَهَ الْعَمُّونِيِّينَ الْكَرِيهَ. وَعَمِلَ سُلَيْمَانُ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ، وَلَمْ يَتْبَعِ الْمَوْلَى تَمَامًا كَدَاوُدَ أَبِيهِ. وَبَنَى سُلَيْمَانُ عَلَى الْجَبَلِ الَّذِي شَرْقَ الْقُدْسِ، مَعْبَدًا لِكَمُوشَ إِلَهِ الْمُوآبِيِّينَ الْكَرِيهِ، وَلِمُولَخَ إِلَهِ الْعَمُّونِيِّينَ الْكَرِيهِ. وَعَمِلَ نَفْسَ الشَّيْءِ لِكُلِّ نِسَائِهِ الْغَرِيبَاتِ اللَّاتِي كُنَّ يَحْرِقْنَ الْبَخُورَ وَيُقَدِّمْنَ الضَّحَايَا لِآلِهَتِهِنَّ. فَغَضِبَ اللهُ عَلَى سُلَيْمَانَ، لِأَنَّ قَلْبَهُ انْحَرَفَ عَنِ الْمَوْلَى رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ مَرَّتَيْنِ. وَمَعَ أَنَّهُ أَوْصَاهُ أَنْ لَا يَتْبَعَ آلِهَةً أُخْرَى، لَكِنَّ سُلَيْمَانَ لَمْ يَحْفَظْ وَصِيَّةَ اللهِ. فَقَالَ اللهُ لِسُلَيْمَانَ: ”بِمَا أَنَّكَ تَصَرَّفْتَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، وَلَمْ تَحْفَظْ عَهْدِي وَفَرَائِضِيَ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ بِهَا، فَإِنِّي أُمَزِّقُ الْمَمْلَكَةَ عَنْكَ تَمْزِيقًا، وَأُعْطِيهَا لِوَاحِدٍ مِنْ عَبِيدِكَ. إِلَّا أَنِّي لَا أَفْعَلُ هَذَا فِي أَيَّامِكَ إِكْرَامًا لِدَاوُدَ أَبِيكَ، بَلْ مِنْ يَدِ ابْنِكَ أُمَزِّقُهَا. وَلَا أُمَزِّقُ مِنْهُ الْمَمْلَكَةَ كُلَّهَا، بَلْ أُعْطِيهِ قَبِيلَةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِي وَالْقُدْسِ الَّتِي اخْتَرْتُهَا.“ وَأَثَارَ اللهُ خَصْمًا لِسُلَيْمَانَ هُوَ هَدَدُ الْأَدُومِيُّ، وَهُوَ مِنْ النَّسْلِ الْمَلَكِيِّ فِي أَدُومَ. فَفِي الْمَاضِي، هَزَمَ دَاوُدُ أَدُومَ. وَذَهَبَ يُوآبُ رَئِيسُ الْجَيْشِ لِيَدْفِنَ بَعْضَ الْقَتْلَى، وَهُنَاكَ قَضَى عَلَى كُلِّ ذَكَرٍ فِي أَدُومَ. لِأَنَّهُ أَقَامَ هُنَاكَ هُوَ وَكُلُّ جَيْشِ إِسْرَائِيلَ 6 أَشْهُرٍ، حَتَّى قَضَوْا عَلَى كُلِّ ذَكَرٍ فِي أَدُومَ. وَلَكِنْ هَرَبَ هَدَدُ، وَكَانَ مَا زَالَ وَلَدًا، وَمَعَهُ بَعْضُ أَعْوَانِ أَبِيهِ الْأَدُومِيِّينَ، وَتَوَجَّهُوا إِلَى مِصْرَ. فَسَارُوا مِنْ مِدْيَانَ، وَذَهَبُوا إِلَى فَارَانَ، ثُمَّ أَخَذُوا مَعَهُمْ بَعْضَ الرِّجَالِ مِنْ فَارَانَ وَذَهَبُوا إِلَى فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ. فَأَعْطَى فِرْعَوْنُ هَدَدَ دَارًا وَأَرْضًا وَأَمَرَ لَهُ بِطَعَامٍ. وَسُرَّ فِرْعَوْنُ بِهَدَدَ جِدًّا، فَزَوَّجَهُ أُخْتَ امْرَأَتِهِ تَحْفَنِيسَ الْمَلِكَةِ. فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنًا سَمَّاهُ جَنُوبَثَ. وَرَبَّتْ تَحْفَنِيسُ جَنُوبَثَ فِي قَصْرِ فِرْعَوْنَ، بَيْنَ أَوْلَادِ فِرْعَوْنَ. وَسَمِعَ هَدَدُ فِي مِصْرَ بِأَنَّ دَاوُدَ انْضَمَّ إِلَى أَسْلَافِهِ، وَبِأَنَّ يُوآبَ رَئِيسَ الْجَيْشِ مَاتَ أَيْضًا. فَقَالَ هَدَدُ لِفِرْعَوْنَ: ”اِسْمَحْ لِي بِأَنْ أَرْجِعَ إِلَى بَلَدِي.“ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ: ”لِمَاذَا تُرِيدُ أَنْ تَذْهَبَ إِلَى بَلَدِكَ؟ هَلْ يَنْقُصُكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ عِنْدِي؟“ فَقَالَ: ”لَا يَنْقُصُنِي شَيْءٌ هُنَا، وَلَكِنِ اسْمَحْ لِي بِأَنْ أَذْهَبَ.“ وَأَثَارَ اللهُ خَصْمًا آخَرَ لِسُلَيْمَانَ، هُوَ رَزُونُ بْنُ أَلِيدَاعَ الَّذِي كَانَ قَدْ هَرَبَ مِنْ عِنْدِ سَيِّدِهِ هَدَدْعَزَرَ مَلِكِ صُوبَةَ. فَلَمَّا هَزَمَ دَاوُدُ جَيْشَ صُوبَةَ، جَمَعَ رَزُونُ إِلَيْهِ بَعْضَ الرِّجَالِ، وَصَارَ قَائِدَ جَيْشٍ صَغِيرٍ. فَذَهَبُوا إِلَى دِمَشْقَ وَاسْتَقَرُّوا فِيهَا ثُمَّ اسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا. فَمَلَكَ رَزُونُ عَلَى آرَامَ، وَكَانَ يَكْرَهُ إِسْرَائِيلَ. فَظَلَّ خَصْمًا لِإِسْرَائِيلَ كُلَّ أَيَّامِ سُلَيْمَانَ، هَذَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْمَتَاعِبِ الَّتِي سَبَّبَهَا هَدَدُ. وَيَرْبَعَامُ بْنُ نَبَاطَ أَيْضًا تَمَرَّدَ عَلَى الْمَلِكِ، وَكَانَ مِنْ أَعْوَانِ سُلَيْمَانَ، وَهُوَ أَفْرَايِمِيٌّ مِنْ صَرَدَةَ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَرْمَلَةً اسْمُهَا صَرُوعَةُ. وَهَذِهِ هِيَ حِكَايَةُ تَمَرُّدِهِ عَلَى الْمَلِكِ: كَانَ سُلَيْمَانُ قَدْ بَنَى الْقَلْعَةَ وَرَمَّمَ سُورَ مَدِينَةِ دَاوُدَ أَبِيهِ. وَكَانَ يَرْبَعَامُ رَجُلًا مَاهِرًا، فَلَمَّا رَأَى سُلَيْمَانُ أَنَّ الشَّابَّ يَعْمَلُ بِاجْتِهَادٍ، جَعَلَهُ مُشْرِفًا عَلَى كُلِّ الْعُمَّالِ الَّذِينَ مِنْ بَيْتِ يُوسِفَ. وَذَاتَ مَرَّةٍ، كَانَ يَرْبَعَامُ خَارِجًا مِنَ الْقُدْسِ، وَقَابَلَهُ فِي الطَّرِيقِ أَخِيَّا الشِّيلُونِيُّ النَّبِيُّ وَكَانَ لَابِسًا رِدَاءً جَدِيدًا. وَكَانَا وَحْدَهُمَا خَارِجَ الْمَدِينَةِ. فَأَخَذَ أَخِيَّا رِدَاءَهُ الْجَدِيدَ وَمَزَّقَهُ 12 قِطْعَةً. وَقَالَ لِيَرْبَعَامَ: ”خُذْ لِنَفْسِكَ 10 قِطَعٍ، لِأَنَّ الْمَوْلَى رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ: ’إِنِّي أُمَزِّقُ الْمَمْلَكَةَ مِنْ يَدِ سُلَيْمَانَ وَأُعْطِيكَ 10 قَبَائِلَ. وَلَكِنْ مِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِي وَالْقُدْسِ الَّتِي اخْتَرْتُهَا مِنْ بَيْنِ كُلِّ قَبَائِلِ إِسْرَائِيلَ، تَبْقَى لَهُ قَبِيلَةٌ وَاحِدَةٌ. لِأَنَّهُ تَرَكَنِي وَعَبَدَ عَشْتُورَةَ إِلَهَةَ الصَّيْدُونِيِّينَ، وَكَمُوشَ إِلَهَ الْمُوآبِيِّينَ، وَمُولَخَ إِلَهَ الْعَمُّونِيِّينَ، وَلَمْ يَسْلُكْ فِي طُرُقِي، وَلَمْ يَعْمَلْ مَا هُوَ صَالِحٌ فِي نَظَرِي، وَلَمْ يَحْفَظْ فَرَائِضِي وَأَحْكَامِي كَدَاوُدَ أَبِيهِ. وَلَكِنِّي لَا آخُذُ كُلَّ الْمَمْلَكَةِ مِنْ يَدِهِ، بَلْ أَجْعَلُهُ حَاكِمًا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ، مِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِيَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ وَالَّذِي حَفِظَ وَصَايَايَ وَفَرَائِضِي. فَآخُذُ الْمَمْلَكَةَ مِنْ يَدِ ابْنِهِ، وَأُعْطِيكَ 10 قَبَائِلَ، وَأُعْطِي ابْنَهُ قَبِيلَةً وَاحِدَةً، لِكَيْ يَكُونَ لِعَبْدِي دَاوُدَ دَائِمًا مِصْبَاحٌ أَمَامِي فِي الْقُدْسِ، الْمَدِينَةِ الَّتِي اخْتَرْتُهَا لِيُكْرَمَ اسْمِي فِيهَا. أَمَّا أَنْتَ، فَأَجْعَلُكَ تَمْلِكُ عَلَى كُلِّ مَا تَرْغَبُ فِيهِ، فَتَكُونُ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ. فَإِنْ عَمِلْتَ بِكُلِّ مَا أُوصِيكَ بِهِ، وَسِرْتَ فِي طُرُقِي، وَفَعَلْتَ مَا هُوَ صَالِحٌ فِي نَظَرِي، وَحَفِظْتَ فَرَائِضِي وَوَصَايَايَ، كَمَا فَعَلَ دَاوُدُ عَبْدِي، أَكُونُ مَعَكَ، وَأَجْعَلُ نَسْلَكَ مُلُوكًا عَرْشُهُمْ ثَابِتٌ كَمَا فَعَلْتُ مَعَ دَاوُدَ، وَأُعْطِيكَ إِسْرَائِيلَ. وَأُذِلُّ نَسْلَ دَاوُدَ بِسَبَبِ مَا فَعَلَهُ سُلَيْمَانُ، وَلَكِنْ لَيْسَ إِلَى الْأَبَدِ.‘“ وَحَاوَلَ سُلَيْمَانُ أَنْ يَقْتُلَ يَرْبَعَامَ، وَلَكِنَّ يَرْبَعَامَ هَرَبَ إِلَى شِيشَقَ مَلِكِ مِصْرَ، وَأَقَامَ هُنَاكَ فِي مِصْرَ حَتَّى مَاتَ سُلَيْمَانُ. أَمَّا بَقِيَّةُ أَخْبَارِ سُلَيْمَانَ، وَأَعْمَالُهُ وَحِكْمَتُهُ، فَهِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ سُلَيْمَانَ. وَمَلَكَ سُلَيْمَانُ فِي الْقُدْسِ عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ 40 سَنَةً. ثُمَّ انْضَمَّ سُلَيْمَانُ إِلَى أَسْلَافِهِ، وَدُفِنَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَمَلَكَ مَكَانَهُ رَحْبَعَامُ ابْنُهُ. وَذَهَبَ رَحْبَعَامُ إِلَى شَكِيمَ، لِأَنَّ كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ اجْتَمَعُوا هُنَاكَ لِيُمَلِّكُوهُ. وَسَمِعَ يَرْبَعَامُ بْنُ نَبَاطَ بِذَلِكَ وَهُوَ فِي مِصْرَ، لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ هَرَبَ مِنَ الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ، فَرَجَعَ مِنْ مِصْرَ. فَأَرْسَلُوا وَدَعَوْهُ، فَذَهَبَ هُوَ وَكُلُّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ وَقَالُوا لِرَحْبَعَامَ: ”أَبُوكَ وَضَعَ عَلَيْنَا حِمْلًا ثَقِيلًا، فَالْآنَ خَفِّفْ أَنْتَ مِنَ الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ الَّتِي فَرَضَهَا أَبُوكَ، وَالْحِمْلِ الثَّقِيلِ الَّذِي وَضَعَهُ عَلَيْنَا فَنَخْدِمَكَ.“ فَقَالَ لَهُمْ: ”اِذْهَبُوا الْآنَ ثُمَّ ارْجِعُوا إِلَيَّ بَعْدَ 3 أَيَّامٍ.“ فَذَهَبُوا. فَاسْتَشَارَ الْمَلِكُ رَحْبَعَامُ الشُّيُوخَ الَّذِينَ خَدَمُوا سُلَيْمَانَ أَبَاهُ فِي حَيَاتِهِ، وَقَالَ لَهُمْ: ”مَا هِيَ نَصِيحَتُكُمْ؟ كَيْفَ أَرُدُّ عَلَى هَذَا الشَّعْبِ؟“ فَقَالُوا لَهُ: ”إِنْ كُنْتَ الْيَوْمَ تَجْعَلُ نَفْسَكَ خَادِمًا لِهَذَا الشَّعْبِ، فَتَخْدِمُهُمْ وَتُلَبِّي طَلَبَهُمْ وَتُكَلِّمُهُمْ بِلُطْفٍ، يَصِيرُونَ عَبِيدًا لَكَ كُلَّ الْأَيَّامِ.“ لَكِنَّ رَحْبَعَامَ رَفَضَ نَصِيحَةَ الشُّيُوخِ الَّتِي نَصَحُوهُ بِهَا، وَاسْتَشَارَ الشُّبَّانَ الَّذِينَ نَشَأُوا مَعَهُ وَكَانُوا يَخْدِمُونَهُ. وَقَالَ لَهُمْ: ”مَا هِيَ نَصِيحَتُكُمْ أَنْتُمْ؟ كَيْفَ نَرُدُّ عَلَى هَذَا الشَّعْبِ الَّذِي قَالَ لِي: ’خَفِّفْ مِنَ الْحِمْلِ الَّذِي وَضَعَهُ عَلَيْنَا أَبُوكَ‘؟“ فَأَجَابَهُ الشُّبَّانُ الَّذِينَ نَشَأُوا مَعَهُ وَقَالُوا: ”هَذَا الشَّعْبُ الَّذِي قَالَ لَكَ: ’أَبُوكَ وَضَعَ عَلَيْنَا حِمْلًا ثَقِيلًا، فَالْآنَ خَفِّفْ أَنْتَ مِنَ الْحِمْلِ الَّذِي عَلَيْنَا.‘ تَقُولُ لَهُمْ: ’إِصْبَعِيَ الصَّغِيرُ أَغْلَظُ مِنْ رِجْلِ أَبِي. أَبِي وَضَعَ عَلَيْكُمْ حِمْلًا ثَقِيلًا، وَأَنَا أَزِيدُ عَلَى حِمْلِكُمْ. أَبِي أَدَّبَكُمْ بِالسِّيَاطِ، وَأَنَا أُؤَدِّبُكُمْ بِالْعَقَارِبِ.‘“ وَبَعْدَ 3 أَيَّامٍ، رَجَعَ يَرْبَعَامُ وَكُلُّ الشَّعْبِ إِلَى رَحْبَعَامَ، كَمَا قَالَ الْمَلِكُ: ”اِرْجِعُوا إِلَيَّ بَعْدَ 3 أَيَّامٍ.“ فَرَدَّ الْمَلِكُ عَلَى الشَّعْبِ بِقَسَاوَةٍ، وَرَفَضَ نَصِيحَةَ الشُّيُوخِ الَّتِي نَصَحُوهُ بِهَا. وَكَلَّمَهُمْ بِمَا نَصَحَهُ بِهِ الشُّبَّانُ وَقَالَ: ”أَبِي وَضَعَ عَلَيْكُمْ حِمْلًا ثَقِيلًا، وَأَنَا أَزِيدُ عَلَى حِمْلِكُمْ. أَبِي أَدَّبَكُمْ بِالسِّيَاطِ، وَأَنَا أُؤَدِّبُكُمْ بِالْعَقَارِبِ.“ فَلَمْ يَسْمَعِ الْمَلِكُ لِلشَّعْبِ. وَكَانَ هَذَا بِتَرْتِيبٍ مِنَ اللهِ، لِيُحَقِّقَ وَعْدَهُ لِيَرْبَعَامَ بْنِ نَبَاطَ بِوَاسِطَةِ أَخِيَّا الشِّيلُونِيِّ. فَلَمَّا رَأَى كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ الْمَلِكَ لَمْ يَسْمَعْ لَهُمْ، قَالُوا لَهُ: ”لَا نَصِيبَ لَنَا فِي بَيْتِ دَاوُدَ، وَلَا عَلَاقَةَ بِنَا مَعَ ابْنِ يَسَّى! اِرْجِعُوا إِلَى دِيَارِكُمْ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ! دَبِّرْ أُمُورَ بَيْتِكَ يَا دَاوُدُ!“ فَرَجَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى دِيَارِهِمْ. أَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ السَّاكِنُونَ فِي مُدُنِ يَهُوذَا، فَمَلَكَ عَلَيْهِمْ رَحْبَعَامُ. فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ رَحْبَعَامُ أَدُونِيرَامَ الْمُشْرِفَ عَلَى أَشْغَالِ السُّخْرَةِ، فَرَجَمَهُ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالْحِجَارَةِ فَمَاتَ. فَأَسْرَعَ الْمَلِكُ رَحْبَعَامُ وَصَعِدَ إِلَى مَرْكَبَتِهِ وَهَرَبَ إِلَى الْقُدْسِ. وَتَمَرَّدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى بَيْتِ دَاوُدَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. وَلَمَّا سَمِعَ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِأَنَّ يَرْبَعَامَ رَجَعَ مِنْ مِصْرَ، أَرْسَلُوا وَدَعَوْهُ إِلَى اجْتِمَاعٍ مَعَهُمْ، وَجَعَلُوهُ مَلِكًا عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ. وَلَمْ يَتْبَعْ بَيْتَ دَاوُدَ غَيْرُ قَبِيلَةِ يَهُوذَا وَحْدَهَا. وَلَمَّا وَصَلَ رَحْبَعَامُ إِلَى الْقُدْسِ، جَمَعَ كُلَّ بَيْتِ يَهُوذَا وَقَبِيلَةِ بِنْيَمِينَ، 180000 مِنْ رِجَالِ الْجَيْشِ، لِيُحَارِبُوا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، وَيَرُدُّوا الْمَمْلَكَةَ لِرَحْبَعَامَ بْنِ سُلَيْمَانَ. وَلَكِنَّ اللهَ قَالَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ لِلنَّبِيِّ شَمَعْيَا: ”قُلْ لِرَحْبَعَامَ بْنِ سُلَيْمَانَ مَلِكِ يَهُوذَا وَكُلِّ بَيْتِ يَهُوذَا وَبِنْيَمِينَ وَبَاقِي الشَّعْبِ: ’هَذَا كَلَامُ اللهِ، لَا تَذْهَبُوا لِتُحَارِبُوا إِخْوَتَكُمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، بَلِ ارْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى دَارِهِ، لِأَنِّي أَنَا عَمِلْتُ هَذَا.‘“ فَأَطَاعُوا كَلَامَ اللهِ وَرَجَعُوا كَمَا أَمَرَ اللهُ. وَحَصَّنَ يَرْبَعَامُ مَدِينَةَ شَكِيمَ الَّتِي فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ وَسَكَنَ فِيهَا. ثُمَّ ذَهَبَ مِنْ هُنَاكَ وَبَنَى فَنُوئِيلَ. وَقَالَ يَرْبَعَامُ فِي نَفْسِهِ: ”رُبَّمَا تَرْجِعُ الْآنَ الْمَمْلَكَةُ إِلَى بَيْتِ دَاوُدَ. إِنْ ذَهَبَ هَذَا الشَّعْبُ إِلَى الْقُدْسِ لِيُقَدِّمُوا الضَّحَايَا فِي بَيْتِ اللهِ، تَحِنُّ قُلُوبُهُمْ إِلَى سَيِّدِهِمْ رَحْبَعَامَ مَلِكِ يَهُوذَا فَيَقْتُلُونِي وَيَرْجِعُوا إِلَيْهِ.“ فَطَلَبَ يَرْبَعَامُ النَّصِيحَةَ، ثُمَّ عَمِلَ عِجْلَيْنِ مِنَ الذَّهَبِ وَقَالَ لِلشَّعْبِ: ”مِنَ الصَّعْبِ عَلَيْكُمْ أَنْ تَصْعَدُوا إِلَى الْقُدْسِ. فَيَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، هَذَا رَبُّكُمُ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ مِصْرَ!“ وَوَضَعَ وَاحِدًا فِي بَيْتَ إِيلَ، وَالْآخَرَ فِي دَانَ. وَأَصْبَحَ هَذَا الْأَمْرُ شَرًّا عَظِيمًا. وَكَانَ الشَّعْبُ يَذْهَبُ حَتَّى وَلَوْ إِلَى دَانَ لِعِبَادَةِ الْعِجْلِ الَّذِي هُنَاكَ. وَبَنَى يَرْبَعَامُ بُيُوتًا لِلْعِبَادَةِ وَعَيَّنَ كَهَنَةً مِنْ عَامَّةِ الشَّعْبِ لَمْ يَكُونُوا مِنْ بَنِي لَاوِي. وَجَعَلَ الْيَوْمَ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّامِنِ عِيدًا كَالْعِيدِ الَّذِي فِي يَهُوذَا، وَقَدَّمَ قَرَابِينَ عَلَى الْمَنَصَّةِ الَّتِي فِي بَيْتَ إِيلَ، وَذَبَحَ ضَحَايَا لِلْعِجْلَيْنِ اللَّذَيْنِ عَمِلَهُمَا. وَأَقَامَ هُنَاكَ كَهَنَةً لِأَمَاكِنِ الْعِبَادَةِ الَّتِي بَنَاهَا. وَفِي الْيَوْمِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّامِنِ، وَهُوَ الْعِيدُ الَّذِي اخْتَرَعَهُ هُوَ، قَدَّمَ ضَحَايَا عَلَى الْمَنَصَّةِ الَّتِي عَمِلَهَا فِي بَيْتَ إِيلَ. فَجَعَلَ عِيدًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَدَّمَ قَرَابِينَ عَلَى الْمَنَصَّةِ. وَبِأَمْرٍ مِنَ الْمَوْلَى، جَاءَ رَجُلٌ وَلِيٌّ مِنْ يَهُوذَا إِلَى بَيْتَ إِيلَ. فَلَمَّا وَصَلَ كَانَ يَرْبَعَامُ وَاقِفًا عِنْدَ الْمَنَصَّةِ يُقَدِّمُ الْقَرَابِينَ. وَتَكَلَّمَ الرَّجُلُ بِأَمْرِ الْمَوْلَى ضِدَّ الْمَنَصَّةِ وَقَالَ: ”يَا مَنَصَّةُ! يَا مَنَصَّةُ! هَذَا كَلَامُ اللهِ: ’سَيُولَدُ لِبَيْتِ دَاوُدَ ابْنٌ اسْمُهُ يُوشِيَّا، فَيَذْبَحُ عَلَيْكِ كَهَنَةَ الْمَعَابِدِ الَّذِينَ يُقَدِّمُونَ عَلَيْكِ الْقَرَابِينَ، وَتُحْرَقُ عَلَيْكِ عِظَامُ النَّاسِ!‘“ وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، أَعْطَى الْوَلِيُّ عَلَامَةً فَقَالَ: ”الْآنَ تَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ قَالَ هَذَا الْكَلَامَ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَنَصَّةَ سَتَنْشَقُّ، وَالرَّمَادَ الَّذِي عَلَيْهَا يُذْرَى!“ فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ كَلَامَ الْوَلِيِّ الَّذِي خَاطَبَ بِهِ الْمَنَصَّةَ الَّتِي فِي بَيْتَ إِيلَ، مَدَّ يَرْبَعَامُ يَدَهُ مِنَ الْمَنَصَّةِ وَقَالَ: ”أَمْسِكُوهُ!“ فَأُصِيبَتْ يَدُهُ الَّتِي مَدَّهَا بِالشَّلَلِ، وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَرُدَّهَا إِلَيْهِ. وَانْشَقَّتِ الْمَنَصَّةُ، وَذُرِيَ الرَّمَادُ مِنْ عَلَيْهَا حَسَبَ الْعَلَامَةِ الَّتِي أَعْطَاهَا الرَّجُلُ بِكَلَامِ الْمَوْلَى. فَقَالَ الْمَلِكُ لِلْوَلِيِّ: ”تَضَرَّعْ إِلَى الْمَوْلَى إِلَهِكَ، وَصَلِّ لِأَجْلِي حَتَّى تَرْجِعَ يَدِي إِلَيَّ.“ فَتَضَرَّعَ إِلَى الْمَوْلَى، فَرَجَعَتْ يَدُ الْمَلِكِ إِلَيْهِ، وَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ مِنْ قَبْلُ. فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: ”تَعَالَ مَعِي إِلَى الدَّارِ لِتَأْكُلَ وَأُعْطِيَكَ هَدِيَّةً.“ فَقَالَ الْوَلِيُّ لِلْمَلِكِ: ”لَوْ أَعْطَيْتَنِي نِصْفَ أَمْلَاكِكَ، لَا أَذْهَبُ مَعَكَ وَلَا آكُلُ طَعَامًا وَلَا أَشْرَبُ مَاءً فِي هَذَا الْمَكَانِ. لِأَنَّ الْمَوْلَى أَوْصَانِي وَقَالَ لِي: ’لَا تَأْكُلْ طَعَامًا وَلَا تَشْرَبْ مَاءً، وَلَا تَرْجِعْ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي جِئْتَ مِنْهَا.‘“ فَذَهَبَ فِي طَرِيقٍ أُخْرَى، وَلَمْ يَرْجِعْ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي جَاءَ مِنْهَا إِلَى بَيْتَ إِيلَ. وَكَانَ فِي بَيْتَ إِيلَ نَبِيٌّ عَجُوزٌ. فَجَاءَ أَوْلَادُهُ وَقَصُّوا عَلَيْهِ كُلَّ مَا عَمِلَهُ الْوَلِيُّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي بَيْتَ إِيلَ، وَالْكَلَامَ الَّذِي قَالَهُ لِلْمَلِكِ. فَقَالَ لَهُمْ أَبُوهُمْ: ”مِنْ أَيِّ طَرِيقٍ ذَهَبَ؟“ فَأَرَوْهُ الطَّرِيقَ الَّتِي سَارَ فِيهَا الْوَلِيُّ الَّذِي جَاءَ مِنْ يَهُوذَا. فَقَالَ لَهُمْ: ”أَسْرِجُوا لِيَ الْحِمَارَ.“ فَأَسْرَجُوا لَهُ الْحِمَارَ فَرَكِبَ عَلَيْهِ. وَسَارَ وَرَاءَ الرَّجُلِ، فَوَجَدَهُ جَالِسًا تَحْتَ شَجَرَةِ بَلُّوطٍ. فَقَالَ لَهُ: ”هَلْ أَنْتَ الْوَلِيُّ الَّذِي جَاءَ مِنْ يَهُوذَا؟“ قَالَ: ”أَنَا هُوَ.“ فَقَالَ النَّبِيُّ: ”تَعَالَ مَعِي إِلَى الدَّارِ وَكُلْ طَعَامًا.“ فَأَجَابَهُ: ”لَا أَقْدِرُ أَنْ أَرْجِعَ مَعَكَ، أَوْ أَدْخُلَ دَارَكَ، أَوْ آكُلَ أَوْ أَشْرَبَ مَعَكَ فِي هَذَا الْمَكَانِ. لِأَنَّ الْمَوْلَى قَالَ لِي: ’لَا تَأْكُلْ طَعَامًا وَلَا تَشْرَبْ مَاءً هُنَاكَ، وَلَا تَرْجِعْ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي جِئْتَ مِنْهَا.‘“ وَلَكِنَّ النَّبِيَّ الْعَجُوزَ قَالَ لَهُ: ”أَنَا أَيْضًا نَبِيٌّ مِثْلُكَ.“ ثُمَّ كَذَبَ عَلَيْهِ وَقَالَ: ”كَلَّمَنِي مَلَاكٌ بِأَمْرٍ مِنَ الْمَوْلَى وَقَالَ لِي: ’خُذْهُ مَعَكَ إِلَى دَارِكَ لِيَأْكُلَ طَعَامًا وَيَشْرَبَ مَاءً.‘“ فَرَجَعَ الْوَلِيُّ مَعَ النَّبِيِّ الْعَجُوزِ، وَأَكَلَ وَشَرِبَ فِي دَارِهِ. وَبَيْنَمَا هُمَا جَالِسَانِ إِلَى الْمَائِدَةِ، كَلَّمَ الْمَوْلَى النَّبِيَّ الْعَجُوزَ الَّذِي أَرْجَعَهُ. فَصَاحَ إِلَى الْوَلِيِّ الَّذِي جَاءَ مِنْ يَهُوذَا وَقَالَ: ”هَذَا كَلَامُ اللهِ: ’أَنْتَ خَالَفْتَ أَمْرَ اللهِ، وَلَمْ تَعْمَلْ بِالْوَصِيَّةِ الَّتِي أَوْصَاكَ بِهَا الْمَوْلَى إِلَهُكَ. الْمَوْلَى أَمَرَكَ أَنْ لَا تَأْكُلَ وَلَا تَشْرَبَ فِي هَذَا الْمَكَانِ، وَلَكِنَّكَ رَجَعْتَ وَأَكَلْتَ وَشَرِبْتَ، لِذَلِكَ سَتَمُوتُ وَلَا تُدْفَنُ جُثَّتُكَ فِي قَبْرِ آبَائِكَ!‘“ وَبَعْدَمَا أَكَلَ الْوَلِيُّ وَشَرِبَ، أَسْرَجَ النَّبِيُّ لَهُ الْحِمَارَ. وَبَيْنَمَا هُوَ ذَاهِبٌ، صَادَفَهُ أَسَدٌ فِي الطَّرِيقِ وَقَتَلَهُ. وَكَانَتْ جُثَّتُهُ مَطْرُوحَةً فِي الطَّرِيقِ، وَالْحِمَارُ وَالْأَسَدُ وَاقِفَيْنِ بِجِوَارِ الْجُثَّةِ. وَمَرَّ مِنْ هُنَاكَ بَعْضُ النَّاسِ، فَرَأَوْا الْجُثَّةَ مَطْرُوحَةً فِي الطَّرِيقِ وَالْأَسَدَ وَاقِفًا بِجِوَارِهَا. فَأَتَوْا وَأَخْبَرُوا فِي الْمَدِينَةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا النَّبِيُّ الْعَجُوزُ. فَلَمَّا سَمِعَ النَّبِيُّ الَّذِي أَرْجَعَهُ عَنِ الطَّرِيقِ، قَالَ: ”هُوَ الْوَلِيُّ الَّذِي خَالَفَ أَمْرَ الْمَوْلَى، فَأَوْقَعَهُ فِي يَدِ الْأَسَدِ، فَافْتَرَسَهُ وَقَتَلَهُ كَمَا قَالَ اللهُ فِي كَلَامِهِ لَهُ.“ وَقَالَ النَّبِيُّ لِأَوْلَادِهِ: ”أَسْرِجُوا لِيَ الْحِمَارَ.“ فَأَسْرَجُوهُ. فَذَهَبَ وَوَجَدَ الْجُثَّةَ مَطْرُوحَةً فِي الطَّرِيقِ، وَالْحِمَارَ وَالْأَسَدَ وَاقِفَيْنِ بِجِوَارِهَا. لَمْ يَأْكُلِ الْأَسَدُ الْجُثَّةَ وَلَا افْتَرَسَ الْحِمَارَ. فَرَفَعَ النَّبِيُّ جُثَّةَ الرَّجُلِ، وَوَضَعَهَا عَلَى الْحِمَارِ وَرَجَعَ بِهَا إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَنْدُبَهُ وَيَدْفِنَهُ. وَوَضَعُوا الْجُثَّةَ فِي قَبْرِهِ وَنَاحُوا عَلَيْهِ وَقَالُوا: ”آهِ يَا أَخِي.“ وَبَعْدَمَا دَفَنَهُ قَالَ لِأَوْلَادِهِ: ”عِنْدَمَا أَمُوتُ ادْفِنُونِي فِي الْقَبْرِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ الْوَلِيُّ، وَضَعُوا عِظَامِي بِجَانِبِ عِظَامِهِ. لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَتِمَّ الْكَلَامُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ بِأَمْرِ اللهِ ضِدَّ الْمَنَصَّةِ الَّتِي فِي بَيْتَ إِيلَ، وَضِدَّ كُلِّ بُيُوتِ الْعِبَادَةِ الَّتِي فِي مُدُنِ السَّامِرَةِ.“ وَعَلَى الرَّغْمِ مِمَّا جَرَى، لَمْ يَرْجِعْ يَرْبَعَامُ عَنْ سُلُوكِهِ الرَّدِيءِ، بَلْ عَادَ وَعَيَّنَ كَهَنَةً مِنْ عَامَّةِ الشَّعْبِ لِلْمَعَابِدِ. كُلُّ مَنْ شَاءَ كَانَ يُكَرِّسُهُ فَيَصِيرُ مِنْ كَهَنَةِ الْمَعَابِدِ. وَبِفِعْلِهِ هَذَا جَلَبَ الْمَصَائِبَ عَلَى بَيْتِهِ، وَسَبَّبَ خَرَابَهُمْ وَإِبَادَتَهُمْ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَرِضَ أَبِيَّا بْنُ يَرْبَعَامَ. فَقَالَ يَرْبَعَامُ لِزَوْجَتِهِ: ”قُومِي تَنَكَّرِي لِكَيْ لَا يَعْلَمَ أَحَدٌ أَنَّكِ زَوْجَتِي، وَاذْهَبِي إِلَى شِيلُوهَ، فَهُنَاكَ يُقِيمُ أَخِيَّا النَّبِيُّ الَّذِي تَنَبَّأَ لِي أَنِّي سَأَكُونُ مَلِكًا عَلَى هَذَا الشَّعْبِ. وَخُذِي مَعَكِ 10 أَرْغِفَةٍ وَكَعْكًا وَجَرَّةَ عَسَلٍ، وَاذْهَبِي إِلَيْهِ وَهُوَ يُخْبِرُكِ بِمَا سَيَحْدُثُ لِلْوَلَدِ.“ فَعَمِلَتْ زَوْجَةُ يَرْبَعَامَ كَمَا قَالَ لَهَا، وَذَهَبَتْ إِلَى دَارِ أَخِيَّا فِي شِيلُوهَ. وَكَانَ أَخِيَّا لَا يَقْدِرُ أَنْ يَرَى، لِأَنَّ عَيْنَيْهِ ضَعُفَتَا مِنَ الشَّيْخُوخَةِ. وَلَكِنَّ اللهَ قَالَ لِأَخِيَّا: ”هَذِهِ زَوْجَةُ يَرْبَعَامَ مُتَنَكِّرَةٌ وَقَادِمَةٌ لِتَسْأَلَكَ عَنِ ابْنِهَا لِأَنَّهُ مَرِيضٌ، فَقُلْ لَهَا كَذَا وَكَذَا.“ فَلَمَّا دَخَلَتْ مِنَ الْبَابِ، وَسَمِعَ أَخِيَّا حِسَّ رِجْلَيْهَا، قَالَ لَهَا: ”اُدْخُلِي يَا زَوْجَةَ يَرْبَعَامَ. لِمَاذَا أَنْتِ مُتَنَكِّرَةٌ؟ أَنَا عِنْدِي أَخْبَارٌ سَيِّئَةٌ لَكِ! رُوحِي قُولِي لِيَرْبَعَامَ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ”أَنَا رَفَعْتُكَ مِنْ بَيْنِ الشَّعْبِ، وَجَعَلْتُكَ رَئِيسًا عَلَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ. وَمَزَّقْتُ الْمَمْلَكَةَ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ، وَأَعْطَيْتُهَا لَكَ. وَلَكِنَّكَ لَسْتَ كَعَبْدِي دَاوُدَ الَّذِي عَمِلَ بِوَصَايَايَ، وَتَبِعَنِي بِكُلِّ قَلْبِهِ، وَفَعَلَ فَقَطْ مَا هُوَ صَالِحٌ فِي نَظَرِي. أَنْتَ ارْتَكَبْتَ الشَّرَّ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَكَ! وَتَرَكْتَنِي وَغِظْتَنِي وَطَرَحْتَنِي وَرَاءَ ظَهْرِكَ، بِأَنْ صَنَعْتَ لِنَفْسِكَ آلِهَةً أُخْرَى هِيَ أَصْنَامٌ مَسْبُوكَةٌ! لِذَلِكَ أَجْلِبُ الْمَصَائِبَ عَلَى بَيْتِكَ، وَأُبِيدُ مِنْ عَائِلَتِكَ كُلَّ ذَكَرٍ، عَبْدًا كَانَ أَمْ حُرًّا، وَأُفْنِي بَيْتَكَ عَنْ آخِرِهِ كَمَا تُفْنِي النَّارُ رَوْثَ الْبَهَائِمِ. مَنْ مَاتَ لَكَ فِي الْمَدِينَةِ تَأْكُلُهُ الْكِلَابُ، وَمَنْ مَاتَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ تَأْكُلُهُ طُيُورُ السَّمَاءِ. الْمَوْلَى تَكَلَّمَ!“‘“ ثُمَّ قَالَ أَخِيَّا لِزَوْجَةِ يَرْبَعَامَ: ”قُومِي وَارْجِعِي إِلَى دَارِكِ، فَحِينَ تَدْخُلِينَ الْمَدِينَةَ يَمُوتُ ابْنُكِ، وَيَنْدُبُهُ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيَدْفِنُونَهُ، فَهُوَ الْوَحِيدُ فِي كُلِّ عَائِلَةِ يَرْبَعَامَ الَّذِي سَيُدْفَنُ، لِأَنَّهُ هُوَ فِي كُلِّ بَيْتِ يَرْبَعَامَ الَّذِي وَجَدَ فِيهِ الْمَوْلَى الْإِلَهُ صَلَاحًا! وَيُقِيمُ الْمَوْلَى لِنَفْسِهِ، هَذَا الْيَوْمَ بَلْ هَذِهِ السَّاعَةَ، مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ يُبِيدُ بَيْتَ يَرْبَعَامَ. وَلِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ غَاظُوا اللهَ بِأَنْ صَنَعُوا أَعْمِدَةً يَعْبُدُونَهَا، لِذَلِكَ يَضْرِبُهُمُ الْمَوْلَى فَيَكُونُونَ مِثْلَ قَصَبَةٍ تَهْتَزُّ فِي الْمَاءِ، وَيَقْلَعُهُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ الصَّالِحَةِ الَّتِي أَعْطَاهَا لِآبَائِهِمْ، وَيُشَتِّتُهُمْ إِلَى النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى مِنْ نَهْرِ الْفُرَاتِ، وَيَتَخَلَّى عَنْهُمْ، لِأَنَّ يَرْبَعَامَ ارْتَكَبَ الشَّرَّ وَجَعَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَرْتَكِبُونَ الشَّرَّ.“ فَقَامَتْ زَوْجَةُ يَرْبَعَامَ، وَذَهَبَتْ وَرَجَعَتْ إِلَى تِرْصَةَ. وَلَمَّا وَصَلَتْ إِلَى عَتَبَةِ بَابِ الدَّارِ، مَاتَ الْوَلَدُ. فَدَفَنُوهُ، وَنَدَبَهُ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَمَا قَالَ اللهُ بِوَاسِطَةِ عَبْدِهِ أَخِيَّا النَّبِيِّ. أَمَّا بَقِيَّةُ أَخْبَارِ يَرْبَعَامَ، وَكَيْفَ حَارَبَ وَكَيْفَ مَلَكَ، فَهِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. وَمَلَكَ يَرْبَعَامُ 22 سَنَةً، ثُمَّ انْضَمَّ إِلَى أَسْلَافِهِ، وَمَلَكَ مَكَانَهُ نَادَابُ ابْنُهُ. أَمَّا رَحْبَعَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ، فَمَلَكَ فِي يَهُوذَا. كَانَ ابْنَ 41 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 17 سَنَةً فِي الْقُدْسِ، الْمَدِينَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا اللهُ مِنْ بَيْنِ كُلِّ قَبَائِلِ إِسْرَائِيلَ لِيَعْبُدَهُ النَّاسُ فِيهَا. وَاسْمُ أُمِّهِ نِعْمَةُ الْعَمُّونِيَّةُ. وَعَمِلَ شَعْبُ يَهُوذَا مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ. فَأَثَارُوا غَضَبَهُ بِخَطَايَاهُمُ الَّتِي ارْتَكَبُوهَا، أَكْثَرَ مِمَّا أَثَارَهُ كُلُّ آبَائِهِمْ. وَبَنَوْا هُمْ أَيْضًا لِأَنْفُسِهِمْ مَعَابِدَ وَأَنْصَابًا وَأَعْمِدَةً يَعْبُدُونَهَا عَلَى كُلِّ تَلٍّ مُرْتَفِعٍ وَفِي ظِلِّ كُلِّ شَجَرَةٍ كَبِيرَةٍ. وَالْأَسْوَأُ مِنْ هَذَا، كَانَ فِي الْبِلَادِ عَاهِرُونَ يُمَارِسُونَ الشُّذُوذَ الْجِنْسِيَّ! فَارْتَكَبُوا كُلَّ الْمُمَارَسَاتِ الْقَبِيحَةِ الَّتِي ارْتَكَبَتْهَا الْأُمَمُ الَّتِي طَرَدَهَا اللهُ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَفِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ لِلْمَلِكِ رَحْبَعَامَ، هَجَمَ شِيشَقُ مَلِكُ مِصْرَ عَلَى الْقُدْسِ، وَاسْتَوْلَى عَلَى خَزَائِنِ بَيْتِ اللهِ وَخَزَائِنِ قَصْرِ الْمَلِكِ، وَأَخَذَ كُلَّ مَا فِيهَا، وَأَخَذَ كُلَّ أَتْرَاسِ الذَّهَبِ الَّتِي عَمِلَهَا سُلَيْمَانُ. فَعَمِلَ الْمَلِكُ رَحْبَعَامُ بَدَلًا مِنْهَا أَتْرَاسَ نُحَاسٍ، وَسَلَّمَهَا لِقَادَةِ الْحَرَسِ الَّذِينَ عَلَى بَابِ قَصْرِ الْمَلِكِ. وَكَانَ حِينَ يَدْخُلُ الْمَلِكُ بَيْتَ اللهِ، يَتَسَلَّحُ الْحَرَسُ بِالْأَتْرَاسِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يُرْجِعُونَهَا إِلَى غُرْفَةِ الْحَرَسِ. أَمَّا بَقِيَّةُ أَخْبَارِ رَحْبَعَامَ وَكُلُّ أَعْمَالِهِ، فَهِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ يَهُوذَا. وَكَانَتْ حَرْبٌ مُسْتَمِرَّةٌ بَيْنَ رَحْبَعَامَ وَيَرْبَعَامَ. ثُمَّ انْضَمَّ رَحْبَعَامُ إِلَى أَسْلَافِهِ، وَدُفِنَ مَعَهُمْ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ، وَاسْمُ أُمِّهِ نِعْمَةُ الْعَمُّونِيَّةُ. وَمَلَكَ مَكَانَهُ أَبِيَّا ابْنُهُ. فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ لِلْمَلِكِ يَرْبَعَامَ بْنِ نَبَاطَ، مَلَكَ أَبِيَّا عَلَى يَهُوذَا. وَدَامَ مُلْكُهُ 3 سِنِينَ فِي الْقُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ مَعْكَةُ بِنْتُ أَبْشَلُومَ. وَارْتَكَبَ كُلَّ الْخَطَايَا الَّتِي ارْتَكَبَهَا أَبُوهُ قَبْلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ قَلْبُهُ بِكَامِلِهِ مَعَ الْمَوْلَى إِلَهِهِ، كَمَا كَانَ قَلْبُ دَاوُدَ أَبِيهِ. وَلَكِنْ لِأَجْلِ دَاوُدَ، فَإِنَّ الْمَوْلَى إِلَهَهُ أَعْطَاهُ مِصْبَاحًا فِي الْقُدْسِ، بِأَنْ أَقَامَ ابْنَهُ بَعْدَهُ وَجَعَلَ الْقُدْسَ آمِنَةً. لِأَنَّ دَاوُدَ عَمِلَ مَا هُوَ صَالِحٌ فِي نَظَرِ اللهِ، وَلَمْ يَحِدْ عَنْ كُلِّ وَصَايَا اللهِ طُولَ عُمْرِهِ، إِلَّا فِي مَوْضُوعِ أُورِيَّا الْحِثِّيِّ. وَكَانَتْ حَرْبٌ بَيْنَ أَبِيَّا وَيَرْبَعَامَ طُولَ عَهْدِ أَبِيَّا. أَمَّا بَقِيَّةُ أَخْبَارِ أَبِيَّا وَكُلُّ أَعْمَالِهِ، فَهِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ يَهُوذَا. وَدَامَتِ الْحَرْبُ بَيْنَ أَبِيَّا وَيَرْبَعَامَ. ثُمَّ انْضَمَّ أَبِيَّا إِلَى أَسْلَافِهِ، وَدُفِنَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. وَمَلَكَ مَكَانَهُ آسَا ابْنُهُ. وَفِي السَّنَةِ الْعِشْرِينَ لِيَرْبَعَامَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، مَلَكَ آسَا عَلَى يَهُوذَا. وَدَامَ مُلْكُهُ 41 سَنَةً فِي الْقُدْسِ. وَاسْمُ جَدَّتِهِ مَعْكَةُ بِنْتُ أَبْشَلُومَ. وَعَمِلَ آسَا مَا هُوَ صَالِحٌ فِي نَظَرِ اللهِ، كَدَاوُدَ أَبِيهِ. وَنَفَى مِنَ الْبِلَادِ الْعَاهِرِينَ الَّذِينَ يُمَارِسُونَ الشُّذُوذَ الْجِنْسِيَّ، وَأَزَالَ كُلَّ الْأَصْنَامِ الَّتِي عَمِلَهَا آبَاؤُهُ. وَخَلَعَ مَعْكَةَ جَدَّتَهُ مِنْ مَرْكَزِهَا كَمَلِكَةٍ، لِأَنَّهَا عَمِلَتْ عَمُودًا لِتَعْبُدَهُ، فَكَسَّرَ الْعَمُودَ وَأَحْرَقَهُ فِي وَادِي قَدْرُونَ. وَمَعَ أَنَّ آسَا لَمْ يَهْدِمْ كُلَّ مَعَابِدِ الْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ، إِلَّا أَنَّ قَلْبَهُ كَانَ مُخْلِصًا للهِ كُلَّ أَيَّامِهِ. وَأَدْخَلَ إِلَى بَيْتِ اللهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي كَرَّسَهَا أَبُوهُ وَالْأَشْيَاءَ الَّتِي كَرَّسَهَا هُوَ لِذَلِكَ، مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَآنِيَةٍ. وَكَانَتْ حَرْبٌ بَيْنَ آسَا وَبَعْشَا مَلِكِ إِسْرَائِيلَ طُولَ عَهْدِهِمَا. وَهَجَمَ بَعْشَا مَلِكُ إِسْرَائِيلَ عَلَى يَهُوذَا، وَحَصَّنَ الرَّامَةَ لِكَيْ يَمْنَعَ النَّاسَ مِنَ الدُّخُولِ إِلَى يَهُوذَا، أَيْ بِلَادِ آسَا، وَمِنَ الْخُرُوجِ مِنْهَا. فَأَخَذَ آسَا كُلَّ مَا تَبَقَّى مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ فِي خَزَائِنِ بَيْتِ اللهِ وَفِي خَزَائِنِ قَصْرِهِ هُوَ، وَسَلَّمَهَا لِأَعْوَانِهِ وَأَرْسَلَهُمْ إِلَى بَنْهَدَدَ بْنِ طَبْرِيمُونَ بْنِ حَزْيُونَ مَلِكِ آرَامَ الَّذِي فِي دِمَشْقَ، وَقَالَ لَهُ: ”لِنَعْمَلْ عَهْدًا بَيْنِي وَبَيْنَكَ، كَمَا كَانَ بَيْنَ أَبِي وَأَبِيكَ. وَقَدْ أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ هَذِهِ الْهَدِيَّةَ مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ، فَانْقُضْ عَهْدَكَ مَعَ بَعْشَا مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، فَيَنْصَرِفَ عَنِّي.“ فَوَافَقَ بَنْهَدَدُ عَلَى طَلَبِ الْمَلِكِ آسَا، وَأَرْسَلَ قَادَةَ جُيُوشِهِ، فَهَجَمُوا عَلَى مُدُنِ إِسْرَائِيلَ وَهَزَمُوا عُيُونَ وَدَانَ وَآبَلَ بَيْتَ مَعْكَةَ وَكُلَّ الْجَلِيلِ وَجَمِيعَ بِلَادِ نَفْتَالِي. وَلَمَّا سَمِعَ بَعْشَا بِهَذَا، كَفَّ عَنْ تَحْصِينِ الرَّامَةِ وَأَقَامَ فِي تِرْصَةَ. فَاسْتَدْعَى الْمَلِكُ آسَا كُلَّ شَعْبِ يَهُوذَا بِلَا اسْتِثْنَاءَ، فَحَمَلُوا مِنَ الرَّامَةِ كُلَّ الْحِجَارَةِ وَالْخَشَبِ الَّتِي كَانَ يَسْتَخْدِمُهَا بَعْشَا فِي الْبِنَاءِ. وَبَنَى بِهَا الْمَلِكُ آسَا جِبْعَ فِي بِنْيَمِينَ وَأَيْضًا الْمِصْفَاةَ. أَمَّا بَقِيَّةُ كُلِّ أَخْبَارِ آسَا، وَكُلُّ انْتِصَارَاتِهِ وَأَعْمَالِهِ وَالْمُدُنِ الَّتِي بَنَاهَا، فَهِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ يَهُوذَا. إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَبِرَ فِي السِّنِّ أُصِيبَ بِمَرَضٍ فِي رِجْلَيْهِ. ثُمَّ انْضَمَّ آسَا إِلَى أَسْلَافِهِ، وَدُفِنَ مَعَهُمْ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ أَبِيهِ. وَمَلَكَ مَكَانَهُ يُوشَافَاطُ ابْنُهُ. وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِآسَا مَلِكِ يَهُوذَا، مَلَكَ نَادَابُ بْنُ يَرْبَعَامَ عَلَى إِسْرَائِيلَ. وَدَامَ مُلْكُهُ سَنَتَيْنِ. وَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ، وَتَبِعَ مِثَالَ أَبِيهِ وَشَرَّهُ الَّذِي بِهِ جَعَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَرْتَكِبُونَ الشَّرَّ. وَلَمَّا كَانَ نَادَابُ وَكُلُّ جَيْشِ إِسْرَائِيلَ يُحَاصِرُونَ مَدِينَةَ جِبَّثُونَ الْفِلِسْطِيَّةَ، تَآمَرَ عَلَيْهِ بَعْشَا بْنُ أَخِيَّا مِنْ بَيْتِ يَسَّاكَرَ، وَهَجَمُوا عَلَيْهِ فِي جِبَّثُونَ، وَقَتَلَهُ بَعْشَا فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ لِآسَا مَلِكِ يَهُوذَا، وَمَلَكَ مَكَانَهُ. فَلَمَّا مَلَكَ بَعْشَا، قَتَلَ كُلَّ عَائِلَةِ يَرْبَعَامَ. لَمْ يَتْرُكْ نَسَمَةً لِيَرْبَعَامَ، بَلْ أَفْنَاهُمْ كَمَا قَالَ اللهُ بِوَاسِطَةِ عَبْدِهِ أَخِيَّا الشِّيلُونِيِّ. وَذَلِكَ لِأَنَّ يَرْبَعَامَ ارْتَكَبَ الشَّرَّ وَجَعَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَرْتَكِبُونَ الشَّرَّ، وَلِأَنَّهُ غَاظَ الْمَوْلَى الْإِلَهَ. أَمَّا بَقِيَّةُ أَخْبَارِ نَادَابَ وَكُلُّ أَعْمَالِهِ، فَهِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. وَكَانَتْ حَرْبٌ بَيْنَ آسَا وَبَعْشَا مَلِكِ إِسْرَائِيلَ طُولَ عَهْدِهِمَا. فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ لِآسَا مَلِكِ يَهُوذَا، مَلَكَ بَعْشَا بْنُ أَخِيَّا فِي تِرْصَةَ عَلَى جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ. وَدَامَ مُلْكُهُ 24 سَنَةً. وَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ، وَتَبِعَ مِثَالَ يَرْبَعَامَ وَشَرَّهُ الَّذِي بِهِ جَعَلَ شَعْبَ إِسْرَائِيلَ يَرْتَكِبُ الشَّرَّ. وَكَلَّمَ اللهُ يَاهُو بْنَ حَنَانِي بِرِسَالَةٍ ضِدَّ بَعْشَا، فَقَالَ: ”أَنَا رَفَعْتُكَ مِنَ التُّرَابِ، وَجَعَلْتُكَ قَائِدًا لِشَعْبِي إِسْرَائِيلَ. وَلَكِنَّكَ تَبِعْتَ مِثَالَ يَرْبَعَامَ، وَجَعَلْتَ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ يَرْتَكِبُونَ الشَّرَّ، وَيَغِيظُونِي بِشُرُورِهِمْ. لِذَلِكَ يَا بَعْشَا سَأُبِيدُكَ أَنْتَ وَنَسْلَكَ، وَأَجْعَلُ بَيْتَكَ كَبَيْتِ يَرْبَعَامَ بْنِ نَبَاطَ. مَنْ مَاتَ لَكَ فِي الْمَدِينَةِ تَأْكُلُهُ الْكِلَابُ، وَمَنْ مَاتَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ تَأْكُلُهُ طُيُورُ السَّمَاءِ.“ أَمَّا بَقِيَّةُ أَخْبَارِ بَعْشَا، وَأَعْمَالُهُ وَانْتِصَارَاتُهُ، فَهِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. ثُمَّ انْضَمَّ بَعْشَا إِلَى أَسْلَافِهِ، وَدُفِنَ فِي تِرْصَةَ. وَمَلَكَ مَكَانَهُ أَيْلَةُ ابْنُهُ. وَكَلَّمَ اللهُ يَاهُو بْنَ حَنَانِي النَّبِيَّ أَيْضًا بِرِسَالَةٍ ضِدَّ بَعْشَا وَضِدَّ بَيْتِهِ، بِسَبَبِ كُلِّ الشَّرِّ الَّذِي ارْتَكَبَهُ فِي نَظَرِ اللهِ. فَقَدْ غَاظَ اللهَ بِأَعْمَالِهِ، وَأَخْطَأَ كَبَيْتِ يَرْبَعَامَ، ثُمَّ إِنَّهُ قَضَى عَلَى بَيْتِ يَرْبَعَامَ. وَفِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ وَالْعِشْرِينَ لِآسَا مَلِكِ يَهُوذَا، مَلَكَ أَيْلَةُ بْنُ بَعْشَا فِي تِرْصَةَ عَلَى إِسْرَائِيلَ. وَدَامَ مُلْكُهُ سَنَتَيْنِ. وَتَآمَرَ عَلَيْهِ أَحَدُ أَعْوَانِهِ هُوَ زِمْرِي، قَائِدُ نِصْفِ فِرْقَةِ الْمَرْكَبَاتِ. وَكَانَ أَيْلَةُ فِي تِرْصَةَ يَشْرَبُ وَيَسْكَرُ فِي دَارِ أَرْصَا الْمَسْئُولِ عَنِ الْقَصْرِ. فَدَخَلَ زِمْرِي وَضَرَبَهُ وَقَتَلَهُ، فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ لِآسَا مَلِكِ يَهُوذَا، وَمَلَكَ مَكَانَهُ. فَلَمَّا مَلَكَ وَجَلَسَ عَلَى الْعَرْشِ، قَتَلَ كُلَّ عَائِلَةِ بَعْشَا. لَمْ يَتْرُكْ لَهُ وَلَا ذَكَرًا وَاحِدًا، وَلَا قَرِيبًا وَلَا صَاحِبًا. فَأَبَادَ زِمْرِي كُلَّ عَائِلَةِ بَعْشَا، كَمَا قَالَ اللهُ فِي كَلِمَتِهِ ضِدَّ بَعْشَا بِوَاسِطَةِ يَاهُو النَّبِيِّ. وَذَلِكَ لِأَنَّ بَعْشَا وَأَيْلَةَ ابْنَهُ، اِرْتَكَبَا الشَّرَّ وَجَعَلَا بَنِي إِسْرَائِيلَ يَرْتَكِبُونَ الشَّرَّ وَيَغِيظُونَ الْمَوْلَى الْإِلَهَ بِأَصْنَامِهِمُ التَّافِهَةِ. أَمَّا بَقِيَّةُ أَخْبَارِ أَيْلَةَ وَكُلُّ أَعْمَالِهِ، فَهِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ لِآسَا مَلِكِ يَهُوذَا، مَلَكَ زِمْرِي فِي تِرْصَةَ. وَدَامَ مُلْكُهُ 7 أَيَّامٍ! وَكَانَ الْجَيْشُ مُخَيِّمًا بِالْقُرْبِ مِنْ مَدِينَةِ جِبَّثُونَ الْفِلِسْطِيَّةِ. فَسَمِعَ الْجَيْشُ فِي الْمُخَيَّمِ أَنَّ زِمْرِي تَآمَرَ عَلَى الْمَلِكِ وَقَتَلَهُ، فَأَخَذُوا كُلُّهُمْ عُمْرِي قَائِدَ الْجَيْشِ وَجَعَلُوهُ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ هُنَاكَ فِي الْمُخَيَّمِ. ثُمَّ انْسَحَبَ عُمْرِي وَكُلُّ الْجَيْشِ مَعَهُ مِنْ جِبَّثُونَ وَحَاصَرُوا تِرْصَةَ. فَلَمَّا رَأَى زِمْرِي أَنَّ الْمَدِينَةَ سَقَطَتْ، دَخَلَ إِلَى قَصْرِ الْمَلِكِ، وَأَحْرَقَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَمَاتَ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ الْخَطِيئَةَ، وَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ، وَتَبِعَ مِثَالَ يَرْبَعَامَ، وَلِأَنَّهُ ارْتَكَبَ الشَّرَّ بِأَنْ جَعَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَرْتَكِبُونَ الشَّرَّ. أَمَّا بَقِيَّةُ أَخْبَارِ زِمْرِي وَمُؤَامَرَاتُهُ، فَهِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. ثُمَّ انْقَسَمَ شَعْبُ إِسْرَائِيلَ حِزْبَيْنِ، حِزْبٌ نَاصَرَ تِبْنِي بْنَ جِينَةَ لِيَكُونَ مَلِكًا، وَحِزْبٌ نَاصَرَ عُمْرِي. وَقَوِيَ أَنْصَارُ عُمْرِي عَلَى أَنْصَارِ تِبْنِي بْنِ جِينَةَ، فَمَاتَ تِبْنِي وَمَلَكَ عُمْرِي. فِي السَّنَةِ الْحَادِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ لِآسَا مَلِكِ يَهُوذَا، مَلَكَ عُمْرِي عَلَى إِسْرَائِيلَ 12 سَنَةً، مِنْهَا 6 سِنِينَ فِي تِرْصَةَ. ثُمَّ اشْتَرَى جَبَلَ السَّامِرَةِ مِنْ شَامِرَ بِحَوَالَيْ 70 كِيلُوجْرَامًا مِنَ الْفِضَّةِ، وَبَنَى عَلَيْهِ مَدِينَةً سَمَّاهَا السَّامِرَةَ، عَلَى اسْمِ شَامِرَ صَاحِبِ الْجَبَلِ. وَعَمِلَ عُمْرِي مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ، وَارْتَكَبَ السَّيِّئَاتِ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ الَّذِينَ قَبْلَهُ. وَتَبِعَ كُلَّ مِثَالِ يَرْبَعَامَ بْنِ نَبَاطَ، وَشَرَّهُ الَّذِي بِهِ جَعَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَرْتَكِبُونَ الشَّرَّ وَيَغِيظُونَ اللهَ بِأَصْنَامِهِمُ التَّافِهَةِ. أَمَّا بَقِيَّةُ أَخْبَارِ عُمْرِي، وَأَعْمَالُهُ وَانْتِصَارَاتُهُ الَّتِي أَحْرَزَهَا، فَهِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. وَانْضَمَّ عُمْرِي إِلَى أَسْلَافِهِ، وَدُفِنَ فِي السَّامِرَةِ. وَمَلَكَ مَكَانَهُ آخَابُ ابْنُهُ. وَفِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلَاثِينَ لِآسَا مَلِكِ يَهُوذَا، مَلَكَ آخَابُ بْنُ عُمْرِي فِي السَّامِرَةِ عَلَى إِسْرَائِيلَ. وَدَامَ مُلْكُهُ 22 سَنَةً. وَعَمِلَ آخَابُ بْنُ عُمْرِي مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ الَّذِينَ قَبْلَهُ. وَارْتَكَبَ شُرُورَ يَرْبَعَامَ بْنِ نَبَاطَ، وَاعْتَبَرَ أَنَّ هَذَا شَيْءٌ بَسِيطٌ. وَزَادَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ تَزَوَّجَ إِيزَابِلَ بِنْتَ أَثْبَعْلَ مَلِكِ الصَّيْدُونِيِّينَ، وَبَدَأَ يَعْبُدُ الْبَعْلَ وَيَسْجُدُ لَهُ. وَبَنَى مَعْبَدًا لِلْبَعْلِ فِي السَّامِرَةِ وَأَقَامَ فِيهِ مَنَصَّةً. وَصَنَعَ أَعْمِدَةً لِيَعْبُدَهَا. فَعَمِلَ آخَابُ مَا يَغِيظُ الْمَوْلَى الْإِلَهَ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ. وَفِي أَيَّامِهِ بَنَى حِيئِيلُ الَّذِي مِنْ بَيْتَ إِيلَ مَدِينَةَ أَرِيحَا. فَلَمَّا كَانَ يَضَعُ أَسَاسَاتِهَا، مَاتَ أَبِيرَامُ ابْنُهُ الْبِكْرُ، وَلَمَّا كَانَ يَنْصُبُ بَوَّابَاتِهَا، مَاتَ سَجُوبُ أَصْغَرُ أَوْلَادِهِ. وَذَلِكَ كَمَا قَالَ اللهُ فِي كَلَامِهِ بِوَاسِطَةِ يَشُوعَ بْنِ نُونَ. وَقَالَ إِلْيَاسُ التِّشْبِيُّ مِنْ سُكَّانِ جِلْعَادَ لِآخَابَ: ”أُقْسِمُ بِالْمَوْلَى رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي أَخْدِمُهُ، لَنْ يَكُونَ فِي هَذِهِ السِّنِينَ الْقَادِمَةِ نَدًى وَلَا مَطَرٌ، إِلَّا حِينَ أَقُولُ!“ وَقَالَ اللهُ لِإِلْيَاسَ: ”اِذْهَبْ مِنْ هُنَا وَاتَّجِهْ شَرْقًا وَاخْتَبِئْ عِنْدَ نَهْرِ كَرِيتَ الَّذِي هُوَ شَرْقَ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ. فَتَشْرَبَ مِنَ النَّهْرِ، وَأَنَا أَمَرْتُ الْغِرْبَانَ بِأَنْ تَعُولَكَ هُنَاكَ.“ فَعَمِلَ كَمَا قَالَ لَهُ اللهُ، ذَهَبَ إِلَى نَهْرِ كَرِيتَ شَرْقَ الْأُرْدُنِّ، وَأَقَامَ هُنَاكَ. وَكَانَتِ الْغِرْبَانُ تُحْضِرُ لَهُ خُبْزًا وَلَحْمًا فِي الصَّبَاحِ، وَخُبْزًا وَلَحْمًا فِي الْمَسَاءِ، وَكَانَ يَشْرَبُ مِنَ النَّهْرِ. وَلَكِنْ بَعْدَ فَتْرَةٍ مِنَ الْوَقْتِ، جَفَّ النَّهْرُ لِأَنَّ الْمَطَرَ لَمْ يَنْزِلْ عَلَى الْأَرْضِ. فَقَالَ اللهُ لِإِلْيَاسَ: ”قُمِ اذْهَبْ إِلَى الصَّرَفَنْدِ فِي صَيْدَا، وَأَقِمْ هُنَاكَ. فَأَنَا أَمَرْتُ أَرْمَلَةً هُنَاكَ أَنْ تَعُولَكَ.“ فَقَامَ وَذَهَبَ إِلَى الصَّرَفَنْدِ. وَلَمَّا وَصَلَ عِنْدَ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ، رَأَى هُنَاكَ أَرْمَلَةً تَجْمَعُ بَعْضَ الْحَطَبِ. فَنَادَاهَا وَقَالَ لَهَا: ”هَاتِي لِي قَلِيلَ مَاءٍ فِي إِنَاءٍ لِأَشْرَبَ.“ وَبَيْنَمَا هِيَ ذَاهِبَةٌ لِتُحْضِرَ الْمَاءَ، نَادَاهَا وَقَالَ: ”وَهَاتِي لِي كِسْرَةَ خُبْزٍ فِي يَدِكِ.“ فَقَالَتْ: ”أُقْسِمُ لَكَ بِالْمَوْلَى إِلَهِكَ إِنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي خُبْزٌ، إِنَّمَا فَقَطْ حَفْنَةُ دَقَيقٍ فِي وِعَاءٍ، وَقَلِيلٌ مِنَ الزَّيْتِ فِي كُوزٍ. فَأَنَا أَجْمَعُ بَعْضَ الْحَطَبِ، لِأَذْهَبَ وَأَعْمَلَ شَيْئًا لِي وَلِابْنِي لِنَأْكُلَهُ ثُمَّ نَمُوتُ.“ فَقَالَ لَهَا إِلْيَاسُ: ”لَا تَخَافِي! اِذْهَبِي إِلَى دَارِكِ، وَاعْمَلِي مَا قُلْتِ. لَكِنِ اعْمَلِي لِي أَوَّلًا كَعْكَةً صَغِيرَةً مِمَّا عِنْدَكِ وَهَاتِيهَا لِي، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ اعْمَلِي شَيْئًا لَكِ وَلِابْنِكِ. لِأَنَّ الْمَوْلَى الْإِلَهَ قَالَ إِنَّ وِعَاءَ الدَّقِيقِ لَا يَفْرَغُ وَكُوزَ الزَّيْتِ لَا يَنْقُصُ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي يُرْسِلُ فِيهِ اللهُ الْمَطَرَ عَلَى الْأَرْضِ.“ فَذَهَبَتْ وَعَمِلَتْ كَمَا قَالَ إِلْيَاسُ، وَأَكَلَتْ هِيَ وَإِلْيَاسُ وَمَنْ فِي دَارِهَا. وَدَامَ هَذَا فَتْرَةً طَوِيلَةً، وِعَاءُ الدَّقِيقِ لَمْ يَفْرَغْ، وَكُوزُ الزَّيْتِ لَمْ يَنْقُصْ، كَمَا قَالَ اللهُ فِي كَلَامِهِ بِوَاسِطَةِ إِلْيَاسَ. وَبَعْدَ فَتْرَةٍ مِنَ الْوَقْتِ، مَرِضَ ابْنُ الْمَرْأَةِ صَاحِبَةِ الدَّارِ، وَاشْتَدَّ مَرَضُهُ جِدًّا حَتَّى مَاتَ. فَقَالَتْ لِإِلْيَاسَ: ”مَا لِي وَلَكَ أَيُّهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ! هَلْ جِئْتَنِي لِتُذَكِّرَنِي بِذُنُوبِي وَتُمِيتَ ابْنِي؟“ فَقَالَ لَهَا: ”أَعْطِينِي ابْنَكِ.“ وَأَخَذَهُ مِنْ حِضْنِهَا وَصَعِدَ بِهِ إِلَى الْغُرْفَةِ الَّتِي كَانَ مُقِيمًا بِهَا، وَوَضَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ. وَصَرَخَ إِلَى اللهِ وَقَالَ: ”أَيُّهَا الْمَوْلَى إِلَهِي، لِمَاذَا أَسَأْتَ حَتَّى إِلَى الْأَرْمَلَةِ الَّتِي أَنَا نَازِلٌ عِنْدَهَا، وَجَعَلْتَ ابْنَهَا يَمُوتُ؟“ ثُمَّ تَمَدَّدَ عَلَى الْوَلَدِ 3 مَرَّاتٍ، وَصَرَخَ إِلَى اللهِ وَقَالَ: ”أَيُّهَا الْمَوْلَى إِلَهِي، أَرْجِعِ الْحَيَاةَ إِلَى هَذَا الْوَلَدِ!“ فَاسْتَجَابَ اللهُ دُعَاءَ إِلْيَاسَ، وَرَجَعَتِ الْحَيَاةُ إِلَى الْوَلَدِ وَعَاشَ. فَأَخَذَ إِلْيَاسُ الْوَلَدَ وَنَزَلَ بِهِ مِنْ غُرْفَتِهِ إِلَى الدَّارِ، وَأَعْطَاهُ لِأُمِّهِ، وَقَالَ لَهَا: ”اُنْظُرِي! اِبْنُكِ حَيٌّ.“ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ لِإِلْيَاسَ: ”الْآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ حَقًّا رَجُلٌ صَالِحٌ، وَأَنَّ كَلَامَ اللهِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ فَمِكَ هُوَ الْحَقُّ!“ وَبَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ، فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ الَّتِي لَمْ يَنْزِلْ فِيهَا مَطَرٌ، قَالَ اللهُ لِإِلْيَاسَ: ”اِذْهَبْ وَأَظْهِرْ نَفْسَكَ لِآخَابَ، لِأَنِّي سَأُرْسِلُ مَطَرًا عَلَى الْأَرْضِ.“ فَذَهَبَ إِلْيَاسُ لِيُظْهِرَ نَفْسَهُ لِآخَابَ. وَكَانَتِ الْمَجَاعَةُ شَدِيدَةً فِي السَّامِرَةِ. فَاسْتَدْعَى آخَابُ عُوبَدْيَا وَهُوَ الْمَسْئُولُ عَنِ الْقَصْرِ. وَكَانَ عُوبَدْيَا مُؤْمِنًا يَتَّقِي اللهَ. فَلَمَّا كَانَتْ إِيزَابِلُ تَقْتُلُ أَنْبِيَاءَ اللهِ، أَخَذَ عُوبَدْيَا 100 نَبِيٍّ وَخَبَّأَهُمْ فِي مَغَارَتَيْنِ، كُلَّ 50 فِي مَغَارَةٍ. وَعَالَهُمْ بِالطَّعَامِ وَالْمَاءِ. وَقَالَ آخَابُ لِعُوبَدْيَا: ”تَعَالَ نَذْهَبُ فِي الْبِلَادِ إِلَى كُلِّ عُيُونِ الْمَاءِ وَإِلَى كُلِّ الْأَنْهَارِ، رُبَّمَا نَجِدُ عُشْبًا لِلْخَيْلِ وَالْبِغَالِ، فَلَا نَخْسَرُ الْبَهَائِمَ كُلَّهَا.“ فَقَسَمَا الْبِلَادَ بَيْنَهُمَا لِيَعْبُرَا فِيهَا. فَذَهَبَ آخَابُ فِي طَرِيقٍ، وَذَهَبَ عُوبَدْيَا فِي طَرِيقٍ آخَرَ. وَبَيْنَمَا كَانَ عُوبَدْيَا فِي الطَّرِيقِ، قَابَلَهُ إِلْيَاسُ. فَعَرَفَهُ عُوبَدْيَا وَسَجَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَقَالَ: ”هَلْ أَنْتَ هُوَ سَيِّدِي إِلْيَاسُ؟“ فَقَالَ: ”نَعَمْ، اِذْهَبْ وَقُلْ لِسَيِّدِكَ: ’إِلْيَاسُ هُنَا!‘“ فَقَالَ عُوبَدْيَا: ”مَا ذَنْبِي يَا سَيِّدِي حَتَّى تُوقِعَنِي فِي يَدِ آخَابَ لِيَقْتُلَنِي؟ أُقْسِمُ بِالْمَوْلَى إِلَهِكَ، لَا تُوجَدُ أُمَّةٌ وَلَا مَمْلَكَةٌ إِلَّا وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ إِلَيْهَا، لِيُفَتِّشَ عَنْكَ. فَكَانُوا يَقُولُونَ إِنَّكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ عِنْدَهُمْ. فَكَانَ آخَابُ يَسْتَحْلِفُهُمْ لِيَتَأَكَّدَ مِنْ كَلَامِهِمْ. وَالْآنَ أَنْتَ تَقُولُ لِي أَنْ أَذْهَبَ وَأَقُولَ لِلْمَلِكِ إِنَّ إِلْيَاسَ هُنَا! رُبَّمَا بَعْدَ ذَهَابِي مِنْ عِنْدِكَ، يَحْمِلُكَ رُوحُ اللهِ إِلَى حَيْثُ لَا أَعْلَمُ. فَإِذَا رُحْتُ وَأَخْبَرْتُ آخَابَ وَلَمْ يَجِدْكَ يَقْتُلُنِي! أَنَا يَا سَيِّدِي أَتَّقِي اللهَ مُنْذُ صِبَايَ. أَلَمْ تَسْمَعْ يَا سَيِّدِي بِمَا عَمِلْتُهُ، لَمَّا كَانَتْ إِيزَابِلُ تَقْتُلُ أَنْبِيَاءَ اللهِ؟ فَإِنِّي خَبَّأْتُ 100 نَبِيٍّ فِي مَغَارَتَيْنِ، كُلَّ 50 فِي مَغَارَةٍ، وَعُلْتُهُمْ بِالطَّعَامِ وَالْمَاءِ. وَالْآنَ أَنْتَ تَقُولُ لِي أَنْ أَذْهَبَ وَأَقُولَ لِلْمَلِكِ إِنَّ إِلْيَاسَ هُنَا، فَيَقْتُلَنِي!“ فَقَالَ إِلْيَاسُ: ”أُقْسِمُ بِاللهِ الْقَدِيرِ الَّذِي أَخْدِمُهُ، إِنِّي الْيَوْمَ أُظْهِرُ نَفْسِي لِآخَابَ.“ فَذَهَبَ عُوبَدْيَا لِلِقَاءِ آخَابَ وَأَخْبَرَهُ، فَجَاءَ آخَابُ لِلِقَاءِ إِلْيَاسَ. فَلَمَّا رَأَى آخَابُ إِلْيَاسَ، قَالَ لَهُ آخَابُ: ”أَهَذَا أَنْتَ، يَا سَبَبَ مَشَاكِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟“ أَجَابَهُ إِلْيَاسُ: ”أَنَا لَمْ أُسَبِّبِ الْمَشَاكِلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، بَلْ أَنْتَ وَأَهْلُ أَبِيكَ، لِأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ وَصَايَا اللهِ، وَتَبِعْتُمُ الْبَعْلَ. وَالْآنَ، أَرْسِلْ وَاجْمَعْ كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِيُقَابِلُونِي فِي جَبَلِ الْكَرْمَلِ، وَأَحْضِرْ أَيْضًا مَعَهُمْ أَنْبِيَاءَ الْبَعْلِ الْـ450 وَأَنْبِيَاءَ عَشْتَرُوتَ الْـ400 الَّذِينَ يَأْكُلُونَ عَلَى مَائِدَةِ إِيزَابِلَ.“ فَاسْتَدْعَى آخَابُ كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَجَمَعَ الْأَنْبِيَاءَ إِلَى جَبَلِ الْكَرْمَلِ. فَتَقَدَّمَ إِلْيَاسُ إِلَى الشَّعْبِ وَقَالَ لَهُمْ: ”إِلَى مَتَى تَتَرَدَّدُونَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ؟ إِنْ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ اللهَ فَاتْبَعُوهُ، وَإِنْ كَانَ الْبَعْلُ هُوَ اللهَ فَاتْبَعُوهُ.“ فَلَمْ يُجِبْهُ الشَّعْبُ بِكَلِمَةٍ. فَقَالَ إِلْيَاسُ لَهُمْ: ”أَنَا وَحْدِي بَقِيتُ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللهِ، أَمَّا الْبَعْلُ فَلَهُ 450 نَبِيًّا! هَاتُوا لَنَا ثَوْرَيْنِ، فَيَخْتَارَ أَنْبِيَاءُ الْبَعْلِ لَهُمْ ثَوْرًا، وَيُقَطِّعُوهُ وَيَضَعُوهُ عَلَى الْحَطَبِ وَلَا يُشْعِلُوا نَارًا. وَأَنَا أُقَدِّمُ الثَّوْرَ الْآخَرَ، وَأَضَعُهُ عَلَى الْحَطَبِ وَلَا أُشْعِلُ نَارًا. ثُمَّ تَدْعُونَ إِلَهَكُمْ بِاسْمِهِ، وَأَنَا أَدْعُو اللهَ بِاسْمِهِ. وَالْإِلَهُ الَّذِي يَسْتَجِيبُ بِأَنْ يُرْسِلَ نَارًا إِلَى الْحَطَبِ، فَهُوَ اللهُ.“ فَقَالَ جَمِيعُ الشَّعْبِ: ”هَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ.“ وَقَالَ إِلْيَاسُ لِأَنْبِيَاءِ الْبَعْلِ: ”أَنْتُمْ أَكْثَرُ مِنِّي، فَاخْتَارُوا أَنْتُمْ أَوَّلًا ثَوْرًا وَقَدِّمُوهُ، وَادْعُوا إِلَهَكُمْ بِاسْمِهِ، وَلَا تُشْعِلُوا نَارًا.“ فَأَخَذُوا الثَّوْرَ الَّذِي أُعْطِيَ لَهُمْ، وَقَدَّمُوهُ وَدَعَوْا الْبَعْلَ بِاسْمِهِ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الظُّهْرِ، وَهُمْ يَقُولُونَ: ”يَا بَعْلُ، اِسْتَجِبْ لَنَا.“ فَلَمْ يَأْتِ رَدٌّ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَسْتَجِيبُ! وَكَانُوا يَرْقُصُونَ حَوْلَ الْمَنَصَّةِ الَّتِي عَمِلُوهَا. وَعِنْدَ الظُّهْرِ أَخَذَ إِلْيَاسُ يَهْزَأُ بِهِمْ وَيَقُولُ: ”اُصْرُخُوا بِصَوْتٍ أَعْلَى، فَهُوَ إِلَهٌ! رُبَّمَا هُوَ غَارِقٌ فِي التَّفْكِيرِ، أَوْ ذَهَبَ إِلَى الْمِرْحَاضِ، أَوْ فِي سَفَرٍ، أَوْ لَعَلَّهُ نَائِمٌ وَيَجِبُ أَنْ تُوقِظُوهُ!“ فَصَرَخُوا بِصَوْتٍ أَعْلَى، وَمَزَّقُوا أَجْسَامَهُمْ بِالسُّيُوفِ وَالرِّمَاحِ حَتَّى سَالَ مِنْهُمُ الدَّمُ، كَمَا كَانَتْ عَادَتُهُمْ فِي الْعِبَادَةِ. وَمَضَى الظُّهْرُ، وَظَلُّوا يَصْرُخُونَ بِجُنُونٍ حَتَّى حَانَ وَقْتُ تَقْدِيمِ الضَّحِيَّةِ، وَلَمْ يَأْتِ رَدٌّ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَسْتَجِيبُ وَلَا مَنْ يُصْغِي. فَقَالَ إِلْيَاسُ لِكُلِّ الشَّعْبِ: ”تَعَالَوْا هُنَا.“ فَالْتَفَّ كُلُّ الشَّعْبِ حَوْلَهُ. فَرَمَّمَ مَنَصَّةَ قُرْبَانِ اللهِ الْمُنْهَدِمَةَ. ثُمَّ أَخَذَ 12 حَجَرًا عَلَى عَدَدِ قَبَائِلِ بَنِي يَعْقُوبَ الَّذِي قَالَ لَهُ اللهُ: ”يَكُونُ اسْمُكَ إِسْرَائِيلَ.“ وَبَنَى تِلْكَ الْحِجَارَةَ مَنَصَّةً لِعِبَادَةِ اللهِ، وَحَفَرَ حَوْلَ الْمَنَصَّةِ حُفْرَةً تَسَعُ كَيْلَتَيْنِ مِنَ الْحَبِّ. ثُمَّ رَتَّبَ الْحَطَبَ، وَقَطَّعَ الثَّوْرَ وَوَضَعَهُ عَلَى الْحَطَبِ. وَقَالَ: ”اِمْلَأُوا 4 جَرَّاتٍ مَاءً، وَصُبُّوا عَلَى الْقُرْبَانِ وَعَلَى الْحَطَبِ.“ فَفَعَلُوا. وَقَالَ لَهُمْ: ”اِعْمَلُوا هَذَا مَرَّةً ثَانِيَةً!“ فَعَمِلُوا. ثُمَّ قَالَ: ”وَمَرَّةً ثَالِثَةً!“ فَعَمِلُوا. فَجَرَى الْمَاءُ حَوْلَ الْمَنَصَّةِ، وَامْتَلَأَتِ الْحُفْرَةُ أَيْضًا بِالْمَاءِ. وَلَمَّا حَانَ وَقْتُ تَقْدِيمِ الضَّحِيَّةِ، تَقَدَّمَ إِلْيَاسُ النَّبِيُّ إِلَى الْمَنَصَّةِ وَقَالَ: ”اللَّهُمَّ يَا رَبَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَإِسْرَائِيلَ، أَثْبِتِ الْيَوْمَ أَنَّكَ أَنْتَ هُوَ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنِّي أَنَا عَبْدُكَ، وَأَنِّي فَعَلْتُ كُلَّ هَذَا بِأَمْرِكَ. اِسْتَجِبْ لِي يَا رَبُّ، اِسْتَجِبْ لِي، لِكَيْ يَعْلَمَ هَذَا الشَّعْبُ أَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبُّ هُوَ اللهُ، وَأَنَّكَ أَنْتَ تُرْجِعُ قُلُوبَهُمْ إِلَيْكَ.“ فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَأَكَلَتِ الضَّحِيَّةَ وَالْحَطَبَ وَالْحِجَارَةَ وَالتُّرَابَ وَلَحَسَتِ الْمَاءَ الَّذِي فِي الْحُفْرَةِ. فَلَمَّا رَأَى كُلُّ الشَّعْبِ ذَلِكَ، رَمَوْا أَنْفُسَهُمْ عَلَى الْأَرْضِ وَقَالُوا: ”الْمَوْلَى هُوَ اللهُ! الْمَوْلَى هُوَ اللهُ!“ فَقَالَ لَهُمْ إِلْيَاسُ: ”اِقْبِضُوا عَلَى أَنْبِيَاءِ الْبَعْلِ، وَلَا يُفْلِتْ مِنْهُمْ أَحَدٌ.“ فَقَبَضُوا عَلَيْهِمْ، وَسَاقَهُمْ إِلْيَاسُ إِلَى نَهْرِ قِيشُونَ وَقَتَلَهُمْ هُنَاكَ. وَقَالَ إِلْيَاسُ لِآخَابَ: ”اِذْهَبْ كُلْ وَاشْرَبْ، لِأَنَّهُ سَيَنْزِلُ مَطَرٌ شَدِيدٌ!“ فَذَهَبَ آخَابُ لِيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ، وَأَمَّا إِلْيَاسُ فَصَعِدَ إِلَى قِمَّةِ جَبَلِ الْكَرْمَلِ، وَانْحَنَى نَحْوَ الْأَرْضِ وَوَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ. وَقَالَ لِخَادِمِهِ: ”اِذْهَبْ وَتَطَلَّعْ فِي اتِّجَاهِ الْبَحْرِ.“ فَذَهَبَ وَتَطَلَّعَ وَقَالَ: ”لَا أَرَى شَيْئًا!“ فَقَالَ إِلْيَاسُ: ”اِذْهَبْ وَارْجِعْ 7 مَرَّاتٍ.“ وَفِي الْمَرَّةِ السَّابِعَةِ، قَالَ الْخَادِمُ: ”أَرَى سَحَابَةً صَغِيرَةً فِي حَجْمِ كَفِّ الْإِنْسَانِ، صَاعِدَةً مِنَ الْبَحْرِ.“ فَقَالَ لَهُ إِلْيَاسُ: ”اِذْهَبْ وَقُلْ لِآخَابَ، أَعِدَّ مَرْكَبَتَكَ وَاذْهَبْ، قَبْلَ أَنْ يُعَطِّلَكَ الْمَطَرُ.“ وَبَعْدَ قَلِيلٍ اسْوَدَّتِ السَّمَاءُ مِنَ الْغَيْمِ، وَهَبَّتِ الرِّيحُ، وَنَزَلَ مَطَرٌ غَزِيرٌ. فَرَكِبَ آخَابُ وَذَهَبَ إِلَى يَزْرَعِيلَ. وَحَلَّتْ قُوَّةُ اللهِ عَلَى إِلْيَاسَ، فَشَدَّ وَسَطَهُ بِحِزَامٍ، وَجَرَى وَسَبَقَ مَرْكَبَةَ آخَابَ حَتَّى وَصَلَ إِلَى يَزْرَعِيلَ. وَأَخْبَرَ آخَابُ إِيزَابِلَ بِكُلِّ مَا عَمِلَهُ إِلْيَاسُ، وَكَيْفَ أَنَّهُ قَتَلَ كُلَّ أَنْبِيَاءِ الْبَعْلِ بِالسَّيْفِ. فَأَرْسَلَتْ إِيزَابِلُ رَسُولًا إِلَى إِلْيَاسَ تَقُولُ: ”لَيْتَ الْآلِهَةَ تُعَاقِبُنِي أَشَدَّ عِقَابٍ، إِنْ كُنْتُ لَا أَجْعَلُ رُوحَكَ تَلْحَقُ بِالَّذِينَ قَتَلْتَهُمْ، غَدًا قَبْلَ هَذِهِ السَّاعَةِ.“ فَخَافَ وَهَرَبَ لِيَنْجُوَ بِحَيَاتِهِ. وَوَصَلَ إِلَى بِئْرَ سَبْعَ فِي يَهُوذَا، وَتَرَكَ خَادِمَهُ هُنَاكَ. ثُمَّ سَارَ طُولَ الْيَوْمِ فِي الصَّحْرَاءِ، وَوَجَدَ شَجَرَةً فَجَلَسَ تَحْتَهَا وَتَمَنَّى أَنْ يَمُوتَ، وَقَالَ: ”زَهِقْتُ يَا رَبُّ، فَخُذْ نَفْسِي لِأَنِّي لَسْتُ أَحْسَنَ مِنْ آبَائِي.“ وَرَقَدَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَنَامَ. وَفَجْأَةً لَمَسَهُ مَلَاكٌ وَقَالَ لَهُ: ”قُمْ وَكُلْ!“ وَالْتَفَتَ فَرَأَى عِنْدَ رَأْسِهِ رَغِيفًا مَخْبُوزًا عَلَى الْجَمْرِ وَجَرَّةَ مَاءٍ، فَأَكَلَ وَشَرِبَ ثُمَّ عَادَ وَنَامَ. وَرَجَعَ مَلَاكُ اللهِ مَرَّةً ثَانِيَةً وَلَمَسَهُ وَقَالَ: ”قُمْ وَكُلْ، لِأَنَّ الرِّحْلَةَ طَوِيلَةٌ عَلَيْكَ.“ فَقَامَ وَأَكَلَ وَشَرِبَ، وَسَارَ بِقُوَّةِ تِلْكَ الْأَكْلَةِ 40 نَهَارًا وَ40 لَيْلَةً إِلَى جَبَلِ اللهِ حُورِيبَ. وَدَخَلَ إِلْيَاسُ مَغَارَةً فِي الْجَبَلِ وَبَاتَ فِيهَا. فَكَلَّمَهُ اللهُ وَقَالَ لَهُ: ”مَا لَكَ هُنَا يَا إِلْيَاسُ؟“ أَجَابَهُ: ”غِرْتُ جِدًّا لَكَ أَيُّهَا الْإِلَهُ الْقَدِيرُ، لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَرَكُوا عَهْدَكَ، وَهَدَمُوا الْأَمَاكِنَ الَّتِي نُقَدِّمُ فِيهَا الْقُرْبَانَ لَكَ، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِالسَّيْفِ، وَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، وَهُمْ يُحَاوِلُونَ أَنْ يَقْتُلُونِي.“ فَقَالَ اللهُ: ”اُخْرُجْ وَقِفْ عَلَى الْجَبَلِ فِي مَحْضَرِ اللهِ، لِأَنَّ الْمَوْلَى سَيَعْبُرُ.“ فَهَبَّتْ رِيحٌ عَظِيمَةٌ شَدِيدَةٌ شَقَّتِ الْجِبَالَ وَكَسَّرَتِ الصُّخُورَ أَمَامَ الْمَوْلَى، لَكِنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ فِي الرِّيحِ. ثُمَّ بَعْدَ الرِّيحِ حَدَثَ زِلْزَالٌ لَكِنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ فِي الزِّلْزَالِ. وَبَعْدَ الزِّلْزَالِ جَاءَتْ نَارٌ، لَكِنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ فِي النَّارِ. وَبَعْدَ النَّارِ جَاءَ صَوْتٌ هَادِئٌ خَفِيفٌ. فَلَمَّا سَمِعَ إِلْيَاسُ الصَّوْتَ، غَطَّى وَجْهَهُ بِرِدَائِهِ، وَخَرَجَ وَوَقَفَ فِي بَابِ الْمَغَارَةِ. ثُمَّ كَلَّمَهُ صَوْتٌ يَقُولُ: ”مَا لَكَ هُنَا يَا إِلْيَاسُ؟“ فَقَالَ: ”غِرْتُ جِدًّا لَكَ أَيُّهَا الْإِلَهُ الْقَدِيرُ، لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَرَكُوا عَهْدَكَ، وَهَدَمُوا الْأَمَاكِنَ الَّتِي نُقَدِّمُ فِيهَا الْقُرْبَانَ لَكَ، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِالسَّيْفِ، وَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، وَهُمْ يُحَاوِلُونَ أَنْ يَقْتُلُونِي.“ فَقَالَ لَهُ الْمَوْلَى: ”اِرْجِعْ فِي نَفْسِ الطَّرِيقِ الَّتِي جِئْتَ مِنْهَا، وَاذْهَبْ إِلَى صَحْرَاءِ دِمَشْقَ. وَعِنْدَمَا تَصِلُ هُنَاكَ، اِمْسَحْ حَزَائِيلَ مَلِكًا عَلَى آرَامَ، وَامْسَحْ يَاهُو بْنَ نِمْشِي مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَامْسَحْ أَلِيشَعَ بْنَ شَافَاطَ مِنْ آبَلَ مَحُولَةَ نَبِيًّا مَكَانَكَ. فَمَنْ يَنْجُو مِنْ سَيْفِ حَزَائِيلَ يَقْتُلُهُ يَاهُو، وَمَنْ يَنْجُو مِنْ سَيْفِ يَاهُو يَقْتُلُهُ أَلِيشَعُ. وَقَدْ أَبْقَيْتُ فِي شَعْبِي 7000 لَا يَعْبُدُونَ الْبَعْلَ، فَلَمْ يَحْنُوا لَهُ رُكْبَةً، وَلَمْ يُقَبِّلُوا لَهُ صَنَمًا.“ فَذَهَبَ إِلْيَاسُ مِنْ هُنَاكَ، وَوَجَدَ أَلِيشَعَ بْنَ شَافَاطَ يَحْرُثُ حَقْلًا وَأَمَامَهُ 12 زَوْجًا مِنَ الْبَقَرِ، وَهُوَ مَعَ الثَّانِيَ عَشَرَ. فَرَاحَ إِلْيَاسُ إِلَيْهِ، وَطَرَحَ رِدَاءَهُ عَلَيْهِ. فَتَرَكَ الْبَقَرَ، وَجَرَى وَرَاءَ إِلْيَاسَ وَقَالَ: ”اِسْمَحْ لِي بِأَنْ أُوَدِّعَ أَبِي وَأُمِّي ثُمَّ أَتْبَعَكَ.“ فَأَجَابَهُ إِلْيَاسُ: ”اِرْجِعْ وَاذْهَبْ، وَلَكِنْ تَذَكَّرْ مَا فَعَلْتُهُ لَكَ!“ فَرَجَعَ أَلِيشَعُ، وَأَخَذَ زَوْجَ بَقَرٍ وَذَبَحَهُمَا، وَسَلَقَ اللَّحْمَ عَلَى خَشَبِ الْمِحْرَاثِ، وَأَعْطَى رِجَالَهُ فَأَكَلُوا. ثُمَّ قَامَ وَذَهَبَ مَعَ إِلْيَاسَ وَأَصْبَحَ مُسَاعِدَهُ. وَجَمَعَ بَنْهَدَدُ مَلِكُ آرَامَ كُلَّ جَيْشِهِ، وَانْضَمَّ إِلَيْهِ 32 مَلِكًا بِخَيْلِهِمْ وَمَرْكَبَاتِهِمْ، وَذَهَبَ وَحَاصَرَ السَّامِرَةَ وَحَارَبَهَا. وَأَرْسَلَ رُسُلًا إِلَى آخَابَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، فَجَاءُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَالُوا: ”بَنْهَدَدُ يَقُولُ: ’لِي فِضَّتُكَ وَذَهَبُكَ، وَلِي أَحْسَنُ زَوْجَاتِكَ وَأَوْلَادِكَ.‘“ فَأَجَابَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ: ”سَمْعًا وَطَاعَةً يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ! أَنَا وَكُلُّ مَا أَمْلِكُهُ لَكَ.“ فَجَاءَ الرُّسُلُ مَرَّةً ثَانِيَةً وَقَالُوا: ”بَنْهَدَدُ يَقُولُ: ’أَنَا أَرْسَلْتُ مِنْ قَبْلُ وَقُلْتُ لَكَ أَنْ تُعْطِيَنِي فِضَّتَكَ وَذَهَبَكَ وَنِسَاءَكَ وَأَوْلَادَكَ، لَكِنِّي غَدًا، فِي نَفْسِ هَذِهِ السَّاعَةِ تَقْرِيبًا، سَأُرْسِلُ إِلَيْكَ أَعْوَانِي لِكَيْ يُفَتِّشُوا قَصْرَكَ وَدِيَارَ أَعْوَانِكَ، وَيَسْتَوْلُوا عَلَى كُلِّ نَفِيسٍ عِنْدَكَ وَيَأْخُذُوهُ.‘“ فَاسْتَدْعَى مَلِكُ إِسْرَائِيلَ كُلَّ شُيُوخِ الْبِلَادِ وَقَالَ لَهُمْ: ”أَنْتُمُ الْآنَ تَعْلَمُونَ وَتَرَوْنَ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ يَطْلُبُ الشَّرَّ، لِأَنَّهُ أَرْسَلَ يَطْلُبُ زَوْجَاتِي وَأَوْلَادِي، وَفِضَّتِي وَذَهَبِي، وَلَمْ أَرْفُضْ.“ فَقَالَ لَهُ كُلُّ الشُّيُوخِ وَكُلُّ الشَّعْبِ: ”لَا تَسْمَعْ لَهُ، وَلَا تُوَافِقْ عَلَى طَلَبِهِ.“ فَقَالَ لِرُسُلِ بَنْهَدَدَ: ”قُولُوا لِسَيِّدِي الْمَلِكِ، إِنِّي مُسْتَعِدٌّ أَنْ أُنَفِّذَ كُلَّ مَا طَلَبَهُ مِنِّي فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى. أَمَّا مَا يَطْلُبُهُ مِنِّيَ الْآنَ، فَلَا أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَهُ.“ وَرَجَعَ الرُّسُلُ إِلَى بَنْهَدَدَ بِهَذَا الْجَوَابِ. فَأَرْسَلَ بَنْهَدَدُ إِلَى آخَابَ رِسَالَةً أُخْرَى وَقَالَ: ”لَيْتَ الْآلِهَةَ تُعَاقِبُنِي أَشَدَّ عِقَابٍ، إِنْ كُنْتُ لَا أَخْرِبُ السَّامِرَةَ تَمَامًا، حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْ حُطَامِهَا مَا يَكْفِي لِيَمْلَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ رِجَالِي قَبْضَتَهُ.“ فَأَجَابَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ: ”قُولُوا لَهُ، لَيْسَ الْفَخْرُ لِمَنْ يَسْتَعِدُّ لِلْحَرْبِ، بَلْ لِمَنْ يَنْتَصِرُ فِيهَا!“ فَسَمِعَ بَنْهَدَدُ هَذَا الْكَلَامَ وَهُوَ يَشْرَبُ مَعَ الْمُلُوكِ فِي الْخِيَامِ، فَقَالَ لِرِجَالِهِ: ”اِسْتَعِدُّوا لِلْهُجُومِ.“ فَاسْتَعَدُّوا لِيَهْجُمُوا عَلَى الْمَدِينَةِ. فَجَاءَ نَبِيٌّ إِلَى آخَابَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ وَقَالَ لَهُ: ”يَقُولُ الْمَوْلَى: ’هَلْ تَرَى كُلَّ هَذَا الْجَيْشِ الْعَظِيمِ؟ سَأَنْصُرُكَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ، لِتَعْلَمَ أَنِّي أَنَا الْمَوْلَى.‘“ فَقَالَ آخَابُ: ”بِمَنْ تَنْصُرُنِي عَلَيْهِمْ؟“ فَأَجَابَهُ النَّبِيُّ: ”يَقُولُ الْمَوْلَى: ’بِحَرَسِ رُؤَسَاءِ الْأَقَالِيمِ.‘“ فَسَأَلَهُ آخَابُ: ”مَنْ يَبْدَأُ الْقِتَالَ؟“ فَقَالَ: ”أَنْتَ.“ فَعَدَّ آخَابُ حَرَسَ رُؤَسَاءِ الْأَقَالِيمِ، فَكَانُوا 232. ثُمَّ عَدَّ بَاقِي جُنُودِ كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكَانُوا 7000. فَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ عِنْدَ الظُّهْرِ، بَيْنَمَا بَنْهَدَدُ يَشْرَبُ وَيَسْكَرُ فِي الْخِيَامِ مَعَ الْمُلُوكِ الِـ32 الَّذِينَ تَحَالَفُوا مَعَهُ. وَخَرَجَ حَرَسُ رُؤَسَاءِ الْأَقَالِيمِ أَوَّلًا. فَأَرْسَلَ بَنْهَدَدُ لِيَسْتَطْلِعَ الْأَخْبَارَ، فَبَلَغَهُ أَنَّ بَعْضَ الْجُنُودِ خَرَجُوا مِنَ السَّامِرَةِ. فَقَالَ: ”اِقْبِضُوا عَلَيْهِمْ أَحْيَاءً، إِنْ كَانُوا قَدْ خَرَجُوا لِلسِّلْمِ أَوْ لِلْحَرْبِ.“ فَتَقَدَّمَ حَرَسُ رُؤَسَاءِ الْأَقَالِيمِ، وَوَرَاءَهُمْ بَاقِي الْجَيْشِ. وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَقْتُلُ مَنْ يُقَابِلُهُ مِنَ الْأَرَامِيِّينَ، فَهَرَبَ الْأَرَامِيُّونَ. فَطَارَدَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ. وَتَمَكَّنَ بَنْهَدَدُ مَلِكُ آرَامَ مِنَ النَّجَاةِ عَلَى فَرَسٍ مَعَ بَعْضِ الْفُرْسَانِ. وَتَقَدَّمَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ، وَأَسَرَ الْخَيْلَ وَالْمَرْكَبَاتِ وَأَلْحَقَ بِالْأَرَامِيِّينَ خَسَائِرَ فَادِحَةً. وَبَعْدَ ذَلِكَ جَاءَ النَّبِيُّ إِلَى مَلِكِ إِسْرَائِيلَ وَقَالَ لَهُ: ”مَلِكُ آرَامَ سَيَأْتِي لِيُحَارِبَكَ فِي الرَّبِيعِ، فَاذْهَبْ وَجَهِّزْ نَفْسَكَ لِذَلِكَ وَاعْلَمْ جَيِّدًا مَا يَجِبُ أَنْ تَفْعَلَهُ.“ وَقَالَ رِجَالُ آرَامَ لِلْمَلِكِ بَنْهَدَدَ: ”آلِهَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ هِيَ آلِهَةُ جِبَالٍ، لِذَلِكَ غَلَبُونَا لِأَنَّنَا حَارَبْنَاهُمْ فِي الْجَبَلِ، فَإِذَا حَارَبْنَاهُمْ فِي السَّهْلِ نَغْلِبُهُمْ. إِذَنِ اعْمَلْ هَذَا: اِعْزِلِ الْمُلُوكَ وَعَيِّنْ مَكَانَهُمْ ضُبَّاطًا يَقُودُونَ الْجَيْشَ. وَاجْمَعْ جَيْشًا كَالْجَيْشِ الَّذِي خَسِرْتَهُ، وَنَفْسَ عَدَدِ الْخَيْلِ وَالْمَرْكَبَاتِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَكَ مِنْ قَبْلُ، فَنُحَارِبُهُمْ فِي السَّهْلِ وَنَغْلِبُهُمْ.“ فَسَمِعَ الْمَلِكُ كَلَامَهُمْ وَعَمِلَ بِرَأْيِهِمْ. وَفِي الرَّبِيعِ جَمَعَ بَنْهَدَدُ جَيْشَ الْأَرَامِيِّينَ، وَصَعِدَ إِلَى أَفِيقَ لِيُحَارِبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَتَجَمَّعَ جَيْشُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَاسْتَعَدُّوا لِلْقِتَالِ، ثُمَّ تَقَدَّمُوا لِلِقَاءِ الْعَدُوِّ. فَلَمَّا خَيَّمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مُقَابِلَهُمْ، كَانُوا مِثْلَ قَطِيعَيْنِ صَغِيرَيْنِ مِنَ الْمِعْزَى، بِالْمُقَارَنَةِ مَعَ الْأَرَامِيِّينَ الَّذِينَ مَلَأُوا الْأَرْضَ. فَجَاءَ نَبِيٌّ وَقَالَ لِمَلِكِ إِسْرَائِيلَ: ”هَذَا كَلَامُ اللهِ: ’لِأَنَّ الْأَرَامِيِّينَ قَالُوا: ”إِنَّ الْمَوْلَى هُوَ إِلَهُ جِبَالٍ لَا إِلَهُ أَوْدِيَةٍ“ فَإِنِّي أَنْصُرُكَ عَلَى كُلِّ هَذَا الْجَيْشِ الْعَظِيمِ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الْمَوْلَى.‘“ فَعَسْكَرَ الْجَيْشَانِ، الْوَاحِدُ مُقَابِلَ الْآخَرِ، 7 أَيَّامٍ. وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ اشْتَبَكَتِ الْحَرْبُ، فَقَتَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنَ الْأَرَامِيِّينَ 100000 رَجُلٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. وَهَرَبَ الْبَاقُونَ إِلَى مَدِينَةِ أَفِيقَ، فَسَقَطَ السُّورُ عَلَى 27000 رَجُلٍ مِنْهُمْ. وَهَرَبَ بَنْهَدَدُ أَيْضًا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَاخْتَبَأَ فِي غُرْفَةٍ دَاخِلِيَّةٍ. فَقَالَ لَهُ أَعْوَانُهُ: ”نَحْنُ سَمِعْنَا أَنَّ مُلُوكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ رُحَمَاءُ، فَتَعَالَ نَلْبَسُ خَيْشًا عَلَى وَسَطِنَا وَنَضَعُ حِبَالًا عَلَى رُؤُوسِنَا، وَنَذْهَبُ إِلَى مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، لَعَلَّهُ يَعْفُو عَنْكَ.“ فَلَبِسُوا خَيْشًا عَلَى وَسَطِهِمْ، وَوَضَعُوا حِبَالًا عَلَى رُؤُوسِهِمْ، وَذَهَبُوا إِلَى مَلِكِ إِسْرَائِيلَ وَقَالُوا لَهُ: ”عَبْدُكَ بَنْهَدَدُ يَرْجُوكَ أَنْ تَعْفُوَ عَنْهُ.“ فَقَالَ الْمَلِكُ: ”هَلْ هُوَ حَيٌّ؟ فَهُوَ أَخِي!“ فَتَفَاءَلُوا خَيْرًا وَانْتَهَزُوا فُرْصَةَ الْكَلِمَةِ الَّتِي قَالَهَا وَأَجَابُوهُ: ”نَعَمْ، بَنْهَدَدُ هُوَ أَخُوكَ.“ فَقَالَ آخَابُ: ”اِذْهَبُوا وَأَحْضِرُوهُ.“ فَخَرَجَ إِلَيْهِ بَنْهَدَدُ، فَأَصْعَدَهُ آخَابُ إِلَى مَرْكَبَتِهِ. فَقَالَ لَهُ بَنْهَدَدُ: ”الْمُدُنُ الَّتِي أَخَذَهَا أَبِي مِنْ أَبِيكَ أَرُدُّهَا إِلَيْكَ، وَتُقِيمُ لِنَفْسِكَ سُوقًا فِي دِمَشْقَ كَمَا عَمِلَ أَبِي فِي السَّامِرَةِ.“ فَأَجَابَهُ آخَابُ: ”وَأَنَا أُخْلِي سَبِيلَكَ بِهَذَا الْعَهْدِ.“ فَعَمِلَ مَعَهُ عَهْدًا وَأَخْلَى سَبِيلَهُ. وَأَمَرَ اللهُ أَحَدَ الْأَنْبِيَاءِ أَنْ يَقُولَ لِآخَرَ: ”اِضْرِبْنِي!“ فَرَفَضَ أَنْ يَضْرِبَهُ. فَقَالَ لَهُ: ”لِأَنَّكَ لَمْ تَسْمَعْ كَلَامَ اللهِ، فَعِنْدَمَا تَذْهَبُ مِنْ هُنَا، يَقْتُلُكَ أَسَدٌ.“ فَلَمَّا ذَهَبَ مِنْ عِنْدِهِ، لَقِيَهُ أَسَدٌ وَقَتَلَهُ. ثُمَّ صَادَفَ النَّبِيُّ رَجُلًا آخَرَ، فَقَالَ لَهُ: ”اِضْرِبْنِي!“ فَضَرَبَهُ الرَّجُلُ وَجَرَحَهُ. فَذَهَبَ النَّبِيُّ وَانْتَظَرَ الْمَلِكَ عَلَى الطَّرِيقِ، وَتَنَكَّرَ بِعِصَابَةٍ عَلَى عَيْنَيْهِ. وَلَمَّا مَرَّ الْمَلِكُ، نَادَاهُ النَّبِيُّ وَقَالَ: ”خَرَجْتُ يَا سَيِّدِي إِلَى وَسَطِ الْمَعْرَكَةِ، فَجَاءَنِي رَجُلٌ بِأَسِيرٍ وَقَالَ لِي: ’اُحْرُسْ هَذَا الرَّجُلَ، وَإِنْ هَرَبَ مِنْكَ تَكُونُ حَيَاتُكَ بَدَلَ حَيَاتِهِ، أَوْ تَدْفَعُ لِي 34 كِيلُوجْرَامًا مِنَ الْفِضَّةِ.‘ وَبَيْنَمَا أَنَا يَا سَيِّدِي مَشْغُولٌ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، اِخْتَفَى الرَّجُلُ!“ فَقَالَ لَهُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ: ”أَنْتَ حَكَمْتَ عَلَى نَفْسِكَ. أَنْتَ قَضَيْتَ!“ فَرَفَعَ النَّبِيُّ الْعِصَابَةَ عَنْ عَيْنَيْهِ بِسُرْعَةٍ، فَعَرَفَهُ الْمَلِكُ أَنَّهُ أَحَدُ الْأَنْبِيَاءِ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ: ”هَذَا كَلَامُ اللهِ: ’أَنْتَ أَطْلَقْتَ مِنْ يَدِكَ رَجُلًا أَنَا قَضَيْتُ بِهَلَاكِهِ، لِذَلِكَ تَكُونُ حَيَاتُكَ بَدَلَ حَيَاتِهِ، وَشَعْبُكَ بَدَلَ شَعْبِهِ!‘“ فَرَجَعَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ إِلَى قَصْرِهِ فِي السَّامِرَةِ وَهُوَ مُكْتَئِبٌ وَمَغْمُومٌ. وَبَعْدَ فَتْرَةٍ مِنَ الْوَقْتِ، جَرَتِ الْحَادِثَةُ التَّالِيَةُ: كَانَ لِنَابُوتَ الْيَزْرَعِيلِيِّ كَرْمٌ فِي يَزْرَعِيلَ، بِجِوَارِ قَصْرِ آخَابَ مَلِكِ السَّامِرَةِ. فَقَالَ آخَابُ لِنَابُوتَ: ”أَعْطِنِي كَرْمَكَ، لِأَجْعَلَهُ حَدِيقَةَ خُضْرَوَاتٍ، لِأَنَّهُ بِجِوَارِ قَصْرِي. وَأَنَا أُعْطِيكَ بَدَلَهُ كَرْمًا أَحْسَنَ مِنْهُ، أَوْ إِنْ شِئْتَ أُعْطِيكَ ثَمَنَهُ نَقْدًا.“ فَقَالَ نَابُوتُ لِآخَابَ: ”لَا سَمَحَ اللهُ أَنْ أُعْطِيَكَ مِيرَاثَ آبَائِي!“ فَذَهَبَ آخَابُ إِلَى قَصْرِهِ وَهُوَ مُكْتَئِبٌ وَمَغْمُومٌ، لِأَنَّ كَلَامَ نَابُوتَ لَمْ يُعْجِبْهُ، لِأَنَّهُ قَالَ لَهُ: ”لَا أُعْطِيكَ مِيرَاثَ آبَائِي.“ وَرَقَدَ عَلَى سَرِيرِهِ، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْحَائِطِ، وَرَفَضَ أَنْ يَأْكُلَ. فَذَهَبَتْ إِلَيْهِ إِيزَابِلُ زَوْجَتُهُ وَسَأَلَتْهُ: ”لِمَاذَا أَنْتَ كَئِيبٌ وَتَرْفُضُ أَنْ تَأْكُلَ؟“ فَقَالَ لَهَا: ”لِأَنِّي طَلَبْتُ مِنْ نَابُوتَ الْيَزْرَعِيلِيِّ أَنْ يَبِيعَنِي كَرْمَهُ نَقْدًا، أَوْ إِنْ شَاءَ أُعْطِيهِ كَرْمًا بَدَلَهُ فَقَالَ: ’لَا أُعْطِيكَ كَرْمِي.‘“ فَقَالَتْ لَهُ إِيزَابِلُ: ”هَلْ أَنْتَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ؟ قُمْ وَكُلْ وَأَبْشِرْ، فَأَنَا أُعْطِيكَ كَرْمَ نَابُوتَ الْيَزْرَعِيلِيِّ.“ ثُمَّ كَتَبَتْ رَسَائِلَ بِاسْمِ آخَابَ، وَخَتَمَتْهَا بِخَاتِمِهِ، وَأَرْسَلَتْهَا إِلَى الشُّيُوخِ وَالْوُجَهَاءِ الْمُقِيمِينَ مَعَ نَابُوتَ فِي نَفْسِ الْمَدِينَةِ. وَقَالَتْ فِي الرَّسَائِلِ: ”قُولُوا لِلنَّاسِ أَنْ يَصُومُوا، وَاجْمَعُوهُمْ مَعًا وَأَجْلِسُوا نَابُوتَ فِي الصَّفِّ الْأَمَامِيِّ. وَأَجْلِسُوا رَجُلَيْنِ خَبِيثَيْنِ مُقَابِلَهُ لِيَشْهَدَا أَنَّهُ سَبَّ اللهَ وَالْمَلِكَ. ثُمَّ أَخْرِجُوهُ وَارْجُمُوهُ حَتَّى يَمُوتَ.“ فَعَمِلَ الشُّيُوخُ وَالْوُجَهَاءُ الْمُقِيمُونَ فِي نَفْسِ مَدِينَةِ نَابُوتَ، كَمَا طَلَبَتْ إِيزَابِلُ فِي الرَّسَائِلِ الَّتِي كَتَبَتْهَا وَأَرْسَلَتْهَا إِلَيْهِمْ. وَقَالُوا لِلنَّاسِ أَنْ يَصُومُوا، وَجَمَعُوهُمْ مَعًا وَأَجْلَسُوا نَابُوتَ فِي الصَّفِّ الْأَمَامِيِّ. وَجَاءَ رَجُلَانِ خَبِيثَانِ، وَجَلَسَا مُقَابِلَهُ، وَشَهِدَا ضِدَّهُ أَمَامَ الشَّعْبِ أَنَّهُ سَبَّ اللهَ وَالْمَلِكَ. فَأَخَذُوهُ إِلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ، وَرَجَمُوهُ حَتَّى مَاتَ. ثُمَّ أَرْسَلُوا إِلَى إِيزَابِلَ يَقُولُونَ: ”رُجِمَ نَابُوتُ وَمَاتَ!“ فَلَمَّا سَمِعَتْ إِيزَابِلُ أَنَّ نَابُوتَ رُجِمَ وَمَاتَ، قَالَتْ لِآخَابَ: ”نَابُوتُ الْيَزْرَعِيلِيُّ مَاتَ وَانْتَهَى، فَقُمْ وَامْلِكْ كَرْمَهُ الَّذِي رَفَضَ أَنْ يَبِيعَهُ لَكَ.“ فَلَمَّا سَمِعَ آخَابُ أَنَّ نَابُوتَ مَاتَ، قَامَ وَذَهَبَ إِلَى الْكَرْمِ لِيَمْتَلِكَهُ. فَقَالَ اللهُ لِإِلْيَاسَ التِّشْبِيِّ: ”قُمِ اذْهَبْ لِلِقَاءِ آخَابَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي فِي السَّامِرَةِ، هُوَ فِي كَرْمِ نَابُوتَ، لِأَنَّهُ ذَهَبَ لِيَمْلِكَهُ. وَقُلْ لَهُ: ’هَذَا كَلَامُ اللهِ، أَنْتَ قَتَلْتَ نَابُوتَ وَأَخَذْتَ أَرْضَهُ! لِذَلِكَ أَنَا الْمَوْلَى أَقُولُ: ”فِي الْمَكَانِ الَّذِي لَحَسَتْ فِيهِ الْكِلَابُ دَمَ نَابُوتَ، تَلْحَسُ الْكِلَابُ دَمَكَ أَنْتَ أَيْضًا.“‘“ فَقَالَ آخَابُ لِإِلْيَاسَ لَمَّا رَآهُ: ”هَلْ وَجَدْتَنِي يَا عَدُوِّي؟“ أَجَابَهُ إِلْيَاسُ: ”نَعَمْ، وَجَدْتُكَ يَا مَنْ بِعْتَ نَفْسَكَ لِتَعْمَلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ. لِذَلِكَ يَقُولُ اللهُ لَكَ: ’أَجْلِبُ عَلَيْكَ الْمَصَائِبَ، وَأُفْنِي نَسْلَكَ، وَأُبِيدُ مِنْ عَائِلَتِكَ كُلَّ ذَكَرٍ، عَبْدًا كَانَ أَمْ حُرًّا. وَأَجْعَلُ عَائِلَتَكَ كَعَائِلَةِ يَرْبَعَامَ بْنِ نَبَاطَ، وَكَعَائِلَةِ بَعْشَا بْنِ أَخِيَّا، لِأَنَّكَ غِظْتَنِي وَجَعَلْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَرْتَكِبُونَ الشَّرَّ.‘ أَمَّا إِيزَابِلُ، فَيَقُولُ اللهُ لَهَا أَيْضًا، إِنَّ الْكِلَابَ تَأْكُلُهَا عِنْدَ سُورِ يَزْرَعِيلَ. كُلُّ مَنْ يَمُوتُ مِنْ أَهْلِ آخَابَ فِي الْمَدِينَةِ، تَأْكُلُهُ الْكِلَابُ، وَكُلُّ مَنْ يَمُوتُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، تَأْكُلُهُ طُيُورُ السَّمَاءِ.“ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ كَآخَابَ الَّذِي بَاعَ نَفْسَهُ لِيَعْمَلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ، لِأَنَّ إِيزَابِلَ زَوْجَتَهُ أَغْوَتْهُ. فَارْتَكَبَ آخَابُ الشَّرَّ بِلَا حُدُودٍ، وَعَبَدَ الْأَصْنَامَ كَالْأَمُورِيِّينَ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ اللهُ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَلَمَّا سَمِعَ آخَابُ هَذَا الْكَلَامَ، مَزَّقَ ثِيَابَهُ، وَلَبِسَ خَيْشًا وَصَامَ، وَنَامَ فِي الْخَيْشِ، وَكَانَ يَمْشِي مَكْسُورَ النَّفْسِ. فَقَالَ اللهُ لِإِلْيَاسَ التِّشْبِيِّ: ”هَلْ رَأَيْتَ كَيْفَ تَوَاضَعَ آخَابُ أَمَامِي؟ لِهَذَا لَا أَجْلِبُ الْمَصَائِبَ فِي أَيَّامِهِ، بَلْ أَجْلِبُهَا فِي أَيَّامِ ابْنِهِ.“ وَمَضَتْ 3 سِنِينَ بِلَا حَرْبٍ بَيْنَ آرَامَ وَإِسْرَائِيلَ. وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، ذَهَبَ يُوشَافَاطُ مَلِكُ يَهُوذَا لِزِيَارَةِ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ. فَقَالَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِأَعْوَانِهِ: ”هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَامُوتَ جِلْعَادَ لَنَا، وَنَحْنُ سَاكِتُونَ عَنِ اسْتِرْجَاعِهَا مِنْ مَلِكِ آرَامَ؟“ ثُمَّ قَالَ آخَابُ لِيُوشَافَاطَ: ”هَلْ تَذْهَبُ مَعِي إِلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ لِنُحَارِبَ؟“ فَقَالَ يُوشَافَاطُ لِمَلِكِ إِسْرَائِيلَ: ”أَعْمَلُ مَا تَعْمَلُهُ، وَيَكُونُ جَيْشِي كَجَيْشِكَ وَخَيْلِي كَخَيْلِكَ.“ ثُمَّ قَالَ يُوشَافَاطُ لِمَلِكِ إِسْرَائِيلَ: ”وَلَكِنْ تَعَالَ نَسْتَشِيرُ اللهَ أَوَّلًا.“ فَجَمَعَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ حَوَالَيْ 400 رَجُلٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَسَأَلَهُمْ: ”هَلْ أَذْهَبُ إِلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ لِأُحَارِبَ أَمْ لَا؟“ فَقَالُوا: ”اِذْهَبْ، لِأَنَّ اللهَ يَنْصُرُكَ عَلَيْهَا أَيُّهَا الْمَلِكُ.“ فَقَالَ يُوشَافَاطُ: ”أَلَا يُوجَدُ هُنَا نَبِيٌّ للهِ فَنَسْتَشِيرَهُ؟“ فَقَالَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِيُوشَافَاطَ: ”مَا زَالَ يُوجَدُ رَجُلٌ وَاحِدٌ يُمْكِنُنَا أَنْ نَسْتَشِيرَ اللهَ بِوَاسِطَتِهِ. وَلَكِنِّي أَكْرَهُهُ، لِأَنَّهُ يَتَنَبَّأُ عَلَيَّ بِالشَّرِّ لَا بِالْخَيْرِ، وَهُوَ مِيخَا بْنُ يَمْلَةَ.“ فَقَالَ يُوشَافَاطُ: ”لَا تَقُلْ هَذَا الْكَلَامَ أَيُّهَا الْمَلِكُ!“ فَنَادَى مَلِكُ إِسْرَائِيلَ خَادِمًا وَقَالَ لَهُ: ”أَحْضِرْ لِي مِيخَا بْنَ يَمْلَةَ بِسُرْعَةٍ.“ وَكَانَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَيُوشَافَاطُ مَلِكُ يَهُوذَا لَابِسَيْنِ ثِيَابَهُمَا الْمَلَكِيَّةَ، وَجَالِسَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى عَرْشِهِ، فِي سَاحَةٍ عِنْدَ مَدْخَلِ بَوَّابَةِ السَّامِرَةِ، وَكُلُّ الْأَنْبِيَاءِ يَتَنَبَّأُونَ أَمَامَهُمَا. وَعَمِلَ صِدْقِيَا بْنُ كَنْعَنَةَ قُرُونَ حَدِيدٍ وَقَالَ: ”هَذَا كَلَامُ اللهِ، بِهَذِهِ الْقُرُونِ تَنْطَحُ الْأَرَامِيِّينَ حَتَّى يَفْنَوْا.“ وَتَنَبَّأَ كُلُّ الْأَنْبِيَاءِ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ وَقَالُوا: ”اُهْجُمْ عَلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ فَتَغْلِبَ، لِأَنَّ اللهَ يَنْصُرُكَ عَلَيْهَا أَيُّهَا الْمَلِكُ.“ أَمَّا الرَّسُولُ الَّذِي رَاحَ لِيَسْتَدْعِيَ مِيخَا، فَقَالَ لَهُ: ”لَاحِظْ أَنَّ كُلَّ الْأَنْبِيَاءِ الْآخَرِينَ يَتَنَبَّأُونَ لِلْمَلِكِ بِالنَّصْرِ. فَهُمْ مُتَّفِقُونَ فِي هَذَا. لِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُكَ مِثْلَ كَلَامِهِمْ، وَتُبَشِّرَهُ بِالْخَيْرِ!“ فَقَالَ مِيخَا: ”أُقْسِمُ بِاللهِ، إِنِّي أَقُولُ لَهُ مَا يُكَلِّمُنِي بِهِ الْمَوْلَى.“ فَلَمَّا وَصَلَ، سَأَلَهُ الْمَلِكُ: ”يَا مِيخَا، هَلْ نَذْهَبُ إِلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ لِنُحَارِبَ أَمْ لَا؟“ فَأَجَابَهُ: ”اُهْجُمْ فَتَغْلِبَ، لِأَنَّ اللهَ يَنْصُرُكَ عَلَيْهَا أَيُّهَا الْمَلِكُ.“ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: ”كَمْ مَرَّةً أُحَلِّفُكَ أَنْ لَا تَقُولَ لِي إِلَّا الْحَقَّ بِاسْمِ اللهِ؟“ فَأَجَابَهُ مِيخَا: ”رَأَيْتُ كُلَّ جَيْشِ إِسْرَائِيلَ مُشَتَّتًا عَلَى الْجِبَالِ كَخِرَافٍ لَا رَاعِيَ لَهَا. فَقَالَ اللهُ: ’هَؤُلَاءِ لَا قَائِدَ لَهُمْ، فَيَجِبُ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى دِيَارِهِمْ وَلَا يُحَارِبُوا.‘“ فَقَالَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِيُوشَافَاطَ: ”أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّهُ يَتَنَبَّأُ عَلَيَّ بِالشَّرِّ لَا بِالْخَيْرِ؟“ فَقَالَ مِيخَا: ”إِذَنْ فَاسْمَعْ رِسَالَةَ الْمَوْلَى. فَقَدْ رَأَيْتُ الْمَوْلَى جَالِسًا عَلَى عَرْشِهِ، وَكُلُّ مَلَائِكَةِ السَّمَاءِ وَاقِفَةٌ لَدَيْهِ، عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ. فَقَالَ الْمَوْلَى: ’مَنْ يَخْدَعُ آخَابَ لِيَهْجُمَ عَلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ وَيَمُوتَ هُنَاكَ؟‘ فَأَجَابَ الْبَعْضُ بِشَيْءٍ، وَالْبَعْضُ بِشَيْءٍ آخَرَ. ثُمَّ تَقَدَّمَ رُوحٌ وَوَقَفَ أَمَامَ الْمَوْلَى وَقَالَ: ’أَنَا أَخْدَعُهُ.‘ فَقَالَ لَهُ الْمَوْلَى: ’كَيْفَ؟‘ قَالَ: ’أَذْهَبُ وَأَدْخُلُ فِي كُلِّ أَنْبِيَائِهِ، وَأَكُونُ رُوحًا كَذَّابًا أَتَكَلَّمُ بِفَمِهِمْ.‘ فَقَالَ الْمَوْلَى: ’أَنْتَ تَخْدَعُهُ وَتَنْجَحُ فِي هَذَا، فَاذْهَبْ وَاعْمَلْ كَمَا قُلْتَ.‘ إِذَنْ قَدْ وَضَعَ الْمَوْلَى فِي كُلِّ أَنْبِيَائِكَ هَؤُلَاءِ رُوحًا كَذَّابًا يَتَكَلَّمُ بِفَمِهِمْ، لِأَنَّ الْمَوْلَى قَضَى عَلَيْكَ بِالشَّرِّ.“ فَتَقَدَّمَ صِدْقِيَا بْنُ كَنْعَنَةَ وَصَفَعَ مِيخَا عَلَى خَدِّهِ وَقَالَ لَهُ: ”هَلْ تَظُنُّ أَنَّ رُوحَ اللهِ يَتْرُكُنِي وَيُكَلِّمُكَ أَنْتَ؟“ فَقَالَ مِيخَا: ”سَتَعْرِفُ ذَلِكَ يَوْمَ تَدْخُلُ لِتَخْتَبِئَ فِي غُرْفَةٍ دَاخِلِيَّةٍ!“ فَقَالَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِأَحَدِ أَعْوَانِهِ: ”خُذْ مِيخَا وَسَلِّمْهُ إِلَى آمُونَ حَاكِمِ الْمَدِينَةِ، وَإِلَى يُوآشَ ابْنِ الْمَلِكِ، وَقُلْ: ’هَذَا أَمْرُ الْمَلِكِ: ضَعُوا هَذَا الشَّخْصَ فِي السِّجْنِ، وَلَا تُعْطُوهُ غَيْرَ الْقَلِيلِ مِنَ الْخُبْزِ وَالْمَاءِ، حَتَّى أَرْجِعَ بِسَلَامٍ.‘“ فَقَالَ مِيخَا لِلْمَلِكِ: ”إِنْ رَجَعْتَ بِسَلَامٍ، فَلَا يَكُونُ اللهُ قَدْ تَكَلَّمَ بِوَاسِطَتِي. فَتَذَكَّرُوا كَلَامِي يَا كُلَّ الشَّعْبِ!“ وَصَعِدَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَيُوشَافَاطُ مَلِكُ يَهُوذَا إِلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ. وَقَالَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِيُوشَافَاطَ: ”أَنَا أَتَنَكَّرُ وَأَدْخُلُ الْحَرْبَ، أَمَّا أَنْتَ فَالْبَسْ ثِيَابَكَ الْمَلَكِيَّةَ.“ فَتَنَكَّرَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَدَخَلَ الْحَرْبَ. وَكَانَ مَلِكُ آرَامَ قَدْ أَمَرَ قَادَةَ مَرْكَبَاتِهِ الِـ32، وَقَالَ لَهُمْ: ”لَا تُحَارِبُوا أَحَدًا مَهْمَا كَانَتْ رُتْبَتُهُ، إِلَّا مَلِكَ إِسْرَائِيلَ وَحْدَهُ!“ فَلَمَّا رَأَى قَادَةُ الْمَرْكَبَاتِ يُوشَافَاطَ، ظَنُّوا أَنَّهُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ، فَذَهَبُوا إِلَيْهِ لِيُقَاتِلُوهُ. فَصَرَخَ يُوشَافَاطُ، فَعَرَفَ قَادَةُ الْمَرْكَبَاتِ أَنَّهُ لَيْسَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ، فَرَجَعُوا عَنْهُ. لَكِنَّ جُنْدِيًّا أَرَامِيًّا أَطْلَقَ سَهْمًا مِنْ قَوْسِهِ بِلَا هَدَفٍ، فَأَصَابَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ مِنْ فَتْحَةٍ بَيْنَ أَجْزَاءِ الدِّرْعِ. فَقَالَ الْمَلِكُ لِسَائِقِ مَرْكَبَتِهِ: ”دُرْ وَأَخْرِجْنِي مِنَ الْمَعْرَكَةِ لِأَنِّي جُرِحْتُ.“ وَدَارَتِ الْمَعْرَكَةُ طُولَ النَّهَارِ. وَأَسْنَدُوا الْمَلِكَ فِي مَرْكَبَتِهِ مُقَابِلَ الْأَرَامِيِّينَ. وَجَرَى دَمُ الْجُرْحِ إِلَى أَرْضِيَّةِ الْمَرْكَبَةِ، وَفِي الْمَسَاءِ مَاتَ الْمَلِكُ. وَعِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، عَبَرَ نِدَاءٌ فِي الْجَيْشِ لِكَيْ يَرْجِعَ كُلُّ رَجُلٍ إِلَى مَدِينَتِهِ وَإِلَى أَرْضِهِ. فَمَاتَ الْمَلِكُ وَأَخَذُوهُ إِلَى السَّامِرَةِ وَدَفَنُوهُ فِيهَا. وَغَسَلُوا الْمَرْكَبَةَ فِي بِرْكَةِ السَّامِرَةِ حَيْثُ تَسْتَحِمُّ الْعَاهِرَاتُ، فَلَحَسَتِ الْكِلَابُ دَمَهُ، كَمَا قَالَ اللهُ. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ آخَابَ، وَكُلُّ أَعْمَالِهِ، وَقَصْرُ الْعَاجِ الَّذِي بَنَاهُ، وَكُلُّ الْمُدُنِ الَّتِي حَصَّنَهَا، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. وَانْضَمَّ آخَابُ إِلَى أَسْلَافِهِ، وَمَلَكَ مَكَانَهُ أَخَزْيَا ابْنُهُ. فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِآخَابَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، مَلَكَ يُوشَافَاطُ بْنُ آسَا عَلَى يَهُوذَا. كَانَ يُوشَافَاطُ ابْنَ 35 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 25 سَنَةً فِي الْقُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ عَزُوبَةُ بِنْتُ شَلْحِي. وَتَبِعَ مِثَالَ آسَا أَبِيهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَمْ يَنْحَرِفْ عَنْهُ. فَعَمِلَ مَا هُوَ صَالِحٌ فِي نَظَرِ اللهِ. إِلَّا أَنَّ مَعَابِدَ الْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ لَمْ تُهْدَمْ، بَلِ اسْتَمَرَّ الشَّعْبُ يُقَدِّمُ الضَّحَايَا وَيَحْرِقُ الْبَخُورَ فِيهَا. وَكَانَ سَلَامٌ بَيْنَ يُوشَافَاطَ وَمَلِكِ إِسْرَائِيلَ. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ يُوشَافَاطَ، وَانْتِصَارَاتُهُ الَّتِي أَحْرَزَهَا، وَأَعْمَالُهُ الْحَرْبِيَّةُ، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ يَهُوذَا. كَمَا أَبَادَ مِنَ الْبِلَادِ الْعَاهِرِينَ الَّذِينَ يُمَارِسُونَ الشُّذُوذَ الْجِنْسِيَّ الَّذِينَ بَقَوْا مِنْ أَيَّامِ آسَا أَبِيهِ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، لَمْ يَكُنْ فِي أَدُومَ مَلِكٌ، فَكَانَ يَحْكُمُ الْبِلَادَ وَكِيلٌ عَنِ الْمَلِكِ. وَعَمِلَ يُوشَافَاطُ سُفُنًا تِجَارِيَّةً لِتَذْهَبَ إِلَى أُوفِيرَ لِتُحْضِرَ الذَّهَبَ، لَكِنَّهَا لَمْ تَذْهَبْ لِأَنَّهَا تَحَطَّمَتْ فِي عِصْيُونَ جَابِرَ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَالَ أَخَزْيَا بْنُ آخَابَ لِيُوشَافَاطَ: ”دَعْ رِجَالِي يَذْهَبُونَ مَعَ رِجَالِكَ فِي السُّفُنِ.“ فَرَفَضَ يُوشَافَاطُ. وَانْضَمَّ يُوشَافَاطُ إِلَى أَسْلَافِهِ، وَدُفِنَ مَعَهُمْ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ أَبِيهِ. وَمَلَكَ مَكَانَهُ يُورَامُ ابْنُهُ. فِي السَّنَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ لِيُوشَافَاطَ مَلِكِ يَهُوذَا، مَلَكَ أَخَزْيَا بْنُ آخَابَ عَلَى إِسْرَائِيلَ فِي السَّامِرَةِ، وَدَامَ مُلْكُهُ عَلَى إِسْرَائِيلَ سَنَتَيْنِ. وَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ، وَتَبِعَ مِثَالَ أَبِيهِ، وَمِثَالَ أُمِّهِ، وَمِثَالَ يَرْبَعَامَ بْنِ نَبَاطَ الَّذِي جَعَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَرْتَكِبُونَ الشَّرَّ، وَعَبَدَ الْبَعْلَ وَسَجَدَ لَهُ وَغَاظَ الْمَوْلَى رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، تَمَامًا كَمَا فَعَلَ أَبُوهُ. وَبَعْدَ مَوْتِ آخَابَ، تَمَرَّدَ الْمُوآبِيُّونَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَسَقَطَ أَخَزْيَا مِنْ شُبَّاكِ غُرْفَتِهِ الَّتِي فِي الطَّابِقِ الْأَعْلَى فِي السَّامِرَةِ وَأُصِيبَ إِصَابَةً خَطِيرَةً. فَأَرْسَلَ رُسُلًا وَقَالَ لَهُمْ: ”اِذْهَبُوا إِلَى بَعْلَ زَبُوبَ إِلَهِ عَقْرُونَ، وَاسْأَلُوهُ إِنْ كُنْتُ سَأُشْفَى مِنْ هَذِهِ الْإِصَابَةِ.“ فَقَالَ مَلَاكُ اللهِ لِإِلْيَاسَ التِّشْبِيِّ: ”اِذْهَبْ وَقَابِلْ رُسُلَ مَلِكِ السَّامِرَةِ وَقُلْ لَهُمْ: ’لِمَاذَا تَذْهَبُونَ لِتَسْأَلُوا بَعْلَ زَبُوبَ إِلَهَ عَقْرُونَ؟ هَلْ صَحِيحٌ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ إِلَهٌ فِي إِسْرَائِيلَ؟ لِذَلِكَ هَذَا كَلَامُ اللهِ لِسَيِّدِكُمْ: ”لَنْ تَقُومَ مِنْ فِرَاشِ الْمَرَضِ بَلْ سَتَمُوتَ!“‘“ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلْيَاسُ. وَرَجَعَ الرُّسُلُ إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُمْ: ”لِمَاذَا رَجَعْتُمْ؟“ قَالُوا: ”جَاءَ رَجُلٌ وَقَابَلَنَا وَقَالَ لَنَا: ’اِرْجِعُوا إِلَى الْمَلِكِ الَّذِي أَرْسَلَكُمْ وَقُولُوا لَهُ: ”هَذَا كَلَامُ اللهِ، لِمَاذَا أَرْسَلْتَ لِتَسْأَلَ بَعْلَ زَبُوبَ إِلَهَ عَقْرُونَ؟ هَلْ صَحِيحٌ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ إِلَهٌ فِي إِسْرَائِيلَ؟ لِذَلِكَ لَنْ تَقُومَ مِنْ فِرَاشِ الْمَرَضِ بَلْ سَتَمُوتَ!“‘“ فَقَالَ لَهُمُ الْمَلِكُ: ”مَا هِيَ أَوْصَافُ الرَّجُلِ الَّذِي قَابَلَكُمْ وَقَالَ لَكُمْ هَذَا الْكَلَامَ؟“ قَالُوا: ”رَجُلٌ لَابِسٌ رِدَاءً مِنْ شَعْرٍ، وَعَلَى وَسَطِهِ حِزَامٌ مِنْ جِلْدٍ.“ فَقَالَ: ”هَذَا إِلْيَاسُ التِّشْبِيُّ.“ فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ إِلَى إِلْيَاسَ قَائِدًا وَمَعَهُ فِرْقَتُهُ مِنْ 50 جُنْدِيًّا. فَصَعِدَ إِلَيْهِ وَكَانَ إِلْيَاسُ جَالِسًا عَلَى قِمَّةِ الْجَبَلِ، وَقَالَ لَهُ: ”أَيُّهَا النَّبِيُّ، الْمَلِكُ يَأْمُرُكَ بِأَنْ تَنْزِلَ.“ أَجَابَهُ إِلْيَاسُ: ”إِنْ كُنْتُ نَبِيًّا، فَلْتَنْزِلْ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ، وَتَأْكُلْكَ أَنْتَ وَالْـ50 الَّذِينَ مَعَكَ!“ فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ، وَأَكَلَتْهُ هُوَ وَالْـ50 الَّذِينَ مَعَهُ. فَعَادَ الْمَلِكُ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ قَائِدًا آخَرَ وَمَعَهُ فِرْقَتُهُ مِنْ 50 جُنْدِيًّا. فَقَالَ لِإِلْيَاسَ: ”أَيُّهَا النَّبِيُّ، الْمَلِكُ يَأْمُرُكَ بِأَنْ تَنْزِلَ بِسُرْعَةٍ.“ أَجَابَهُمْ إِلْيَاسُ: ”إِنْ كُنْتُ نَبِيًّا، فَلْتَنْزِلْ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ، وَتَأْكُلْكَ أَنْتَ وَالْـ50 الَّذِينَ مَعَكَ!“ فَنَزَلَتْ نَارُ اللهِ مِنَ السَّمَاءِ وَأَكَلَتْهُ هُوَ وَالْـ50 الَّذِينَ مَعَهُ. فَعَادَ الْمَلِكُ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ قَائِدًا ثَالِثًا وَمَعَهُ فِرْقَتُهُ مِنْ 50 جُنْدِيًّا. فَصَعِدَ وَسَجَدَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ أَمَامَ إِلْيَاسَ، وَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ وَقَالَ: ”أَيُّهَا النَّبِيُّ، مِنْ فَضْلِكَ اعْتَبِرْ حَيَاتِي غَالِيَةً عِنْدَكَ، وَأَيْضًا حَيَاةَ عَبِيدِكَ الْـ50 هَؤُلَاءِ. أَنْتَ تَرَى أَنَّ نَارًا نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ، وَأَكَلَتِ الْقَائِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَكُلَّ جُنُودِهِمَا. فَالْآنَ مِنْ فَضْلِكَ اعْتَبِرْ حَيَاتِي غَالِيَةً عِنْدَكَ!“ فَقَالَ مَلَاكُ اللهِ لِإِلْيَاسَ: ”اِنْزِلْ مَعَهُ وَلَا تَخَفْ مِنْهُ.“ فَقَامَ وَنَزَلَ مَعَهُ إِلَى الْمَلِكِ. وَقَالَ إِلْيَاسُ لِلْمَلِكِ: ”هَذَا كَلَامُ اللهِ: ’أَنْتَ أَرْسَلْتَ رُسُلًا لِتَسْأَلَ بَعْلَ زَبُوبَ إِلَهَ عَقْرُونَ! هَلْ صَحِيحٌ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ إِلَهٌ فِي إِسْرَائِيلَ لِتَسْأَلَهُ؟ فَلِأَنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا، لَنْ تَقُومَ مِنْ فِرَاشِ الْمَرَضِ بَلْ سَتَمُوتَ!‘“ فَمَاتَ أَخَزْيَا كَمَا قَالَ اللهُ بِوَاسِطَةِ إِلْيَاسَ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ، فَمَلَكَ مَكَانَهُ يُورَامُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِيُورَامَ بْنِ يُوشَافَاطَ مَلِكِ يَهُوذَا. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ أَخَزْيَا وَأَعْمَالُهُ، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. وَحَانَ الْوَقْتُ أَنْ يَرْفَعَ اللهُ إِلْيَاسَ إِلَى السَّمَاءِ فِي زَوْبَعَةٍ، فَذَهَبَ إِلْيَاسُ وَأَلِيشَعُ مِنَ الْجِلْجَالِ. فَقَالَ إِلْيَاسُ لِأَلِيشَعَ: ”اِنْتَظِرْ أَنْتَ هُنَا، لِأَنَّ اللهَ أَرْسَلَنِي إِلَى بَيْتَ إِيلَ.“ فَقَالَ أَلِيشَعُ: ”أُقْسِمُ بِاللهِ وَبِحَيَاتِكَ، إِنِّي لَا أَتْرُكُكَ.“ فَذَهَبَا مَعًا إِلَى بَيْتَ إِيلَ. فَخَرَجَ جَمَاعَةُ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ فِي بَيْتَ إِيلَ إِلَى أَلِيشَعَ، وَقَالُوا لَهُ: ”هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ اللهَ سَيَأْخُذُ سَيِّدَكَ مِنْكَ الْيَوْمَ؟“ فَقَالَ: ”نَعَمْ، إِنِّي أَعْلَمُ فَاسْكُتُوا.“ ثُمَّ قَالَ لَهُ إِلْيَاسُ: ”يَا أَلِيشَعُ، اِنْتَظِرْ أَنْتَ هُنَا، لِأَنَّ اللهَ أَرْسَلَنِي إِلَى أَرِيحَا.“ فَقَالَ أَلِيشَعُ: ”أُقْسِمُ بِاللهِ وَبِحَيَاتِكَ، إِنِّي لَا أَتْرُكُكَ.“ فَذَهَبَا مَعًا إِلَى أَرِيحَا. فَرَاحَ جَمَاعَةُ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ فِي أَرِيحَا إِلَى أَلِيشَعَ، وَقَالُوا لَهُ: ”هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ اللهَ سَيَأْخُذُ سَيِّدَكَ مِنْكَ الْيَوْمَ؟“ فَقَالَ: ”نَعَمْ، إِنِّي أَعْلَمُ فَاسْكُتُوا.“ ثُمَّ قَالَ إِلْيَاسُ لِأَلِيشَعَ: ”اِنْتَظِرْ أَنْتَ هُنَا، لِأَنَّ اللهَ أَرْسَلَنِي إِلَى الْأُرْدُنِّ.“ فَقَالَ أَلِيشَعُ: ”أُقْسِمُ بِاللهِ وَبِحَيَاتِكَ، إِنِّي لَا أَتْرُكُكَ.“ فَسَارَ الِاثْنَانِ مَعًا. وَتَبِعَهُمَا 50 رَجُلًا مِنْ جَمَاعَةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَوَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ يُرَاقِبُونَ إِلْيَاسَ وَأَلِيشَعَ حَيْثُ وَقَفَا مَعًا بِجَانِبِ الْأُرْدُنِّ. فَأَخَذَ إِلْيَاسُ رِدَاءَهُ وَلَفَّهُ وَضَرَبَ بِهِ الْمَاءَ، فَانْشَقَّ إِلَى الْيَمِينِ وَإِلَى الشِّمَالِ. فَعَبَرَ الِاثْنَانِ عَلَى أَرْضٍ يَابِسَةٍ. وَبَعْدَمَا عَبَرَا، قَالَ إِلْيَاسُ لِأَلِيشَعَ: ”اُطْلُبْ مِنِّي شَيْئًا أَعْمَلُهُ لَكَ قَبْلَ أَنْ أُؤْخَذَ مِنْكَ.“ فَقَالَ أَلِيشَعُ: ”اُتْرُكْ لِي نَصِيبَيْنِ مِنْ رُوحِكَ.“ فَقَالَ إِلْيَاسُ: ”طَلَبْتَ أَمْرًا صَعْبًا، وَلَكِنْ إِنْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أُؤْخَذُ مِنْكَ، تَحْصُلُ عَلَى مَا طَلَبْتَ، وَإِلَّا فَلَا تَحْصُلُ عَلَيْهِ.“ وَبَيْنَمَا هُمَا يَسِيرَانِ وَيَتَكَلَّمَانِ مَعًا، فَجْأَةً ظَهَرَتْ مَرْكَبَةٌ مِنْ نَارٍ وَخَيْلٌ مِنْ نَارٍ وَفَصَلَتْ بَيْنَهُمَا، وَصَعِدَ إِلْيَاسُ إِلَى السَّمَاءِ فِي زَوْبَعَةٍ. فَلَمَّا رَأَى أَلِيشَعُ هَذَا، أَخَذَ يَصْرُخُ: ”يَا أَبِي! يَا أَبِي! مَنْ يَحْمِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَكَ؟“ وَلَمْ يَعُدْ يَرَاهُ. فَمَزَّقَ أَلِيشَعُ ثِيَابَهُ مِنَ الْحُزْنِ. ثُمَّ رَفَعَ رِدَاءَ إِلْيَاسَ الَّذِي سَقَطَ عَنْهُ، وَرَجَعَ إِلَى ضَفَّةِ الْأُرْدُنِّ وَوَقَفَ هُنَاكَ. ثُمَّ أَمْسَكَ رِدَاءَ إِلْيَاسَ وَضَرَبَ بِهِ الْمَاءَ، وَقَالَ: ”أَيْنَ الْمَوْلَى إِلَهُ إِلْيَاسَ؟“ فَلَمَّا ضَرَبَ الْمَاءَ، اِنْشَقَّ إِلَى الْيَمِينِ وَإِلَى الشِّمَالِ، فَعَبَرَ أَلِيشَعُ. وَكَانَتْ جَمَاعَةُ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ فِي أَرِيحَا يُرَاقِبُونَ، فَقَالُوا: ”حَلَّتْ رُوحُ إِلْيَاسَ عَلَى أَلِيشَعَ.“ وَرَاحُوا إِلَيْهِ وَانْحَنَوْا لَهُ إِلَى الْأَرْضِ، وَقَالُوا: ”عِنْدَنَا يَا سَيِّدِي 50 رَجُلًا أَشِدَّاءَ، فَاسْمَحْ لَهُمْ أَنْ يَذْهَبُوا وَيُفَتِّشُوا عَنْ سَيِّدِكَ. رُبَّمَا حَمَلَهُ رُوحُ اللهِ وَوَضَعَهُ عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ أَوْ فِي أَحَدِ الْأَوْدِيَةِ.“ فَقَالَ: ”لَا تُرْسِلُوهُمْ.“ وَلَكِنَّهُمْ أَلَحُّوا عَلَيْهِ حَتَّى خَجِلَ أَنْ يَرْفُضَ، فَقَالَ: ”أَرْسِلُوهُمْ.“ فَأَرْسَلُوا 50 رَجُلًا، فَفَتَّشُوا 3 أَيَّامٍ وَلَمْ يَجِدُوهُ. وَلَمَّا رَجَعُوا إِلَيْهِ فِي أَرِيحَا، قَالَ لَهُمْ: ”أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَا تَذْهَبُوا؟“ وَقَالَ أَهْلُ أَرِيحَا لِأَلِيشَعَ: ”مَوْقِعُ الْمَدِينَةِ حَسَنٌ، كَمَا تَرَى يَا سَيِّدُ، لَكِنَّ الْمَاءَ رَدِيءٌ وَالْأَرْضَ مُجْدِبَةٌ!“ فَقَالَ: ”هَاتُوا لِي صَحْنًا جَدِيدًا، وَضَعُوا فِيهِ مِلْحًا.“ فَأَحْضَرُوهُ لَهُ. فَخَرَجَ إِلَى مَنْبَعِ الْمَاءِ وَرَمَى فِيهِ الْمِلْحَ وَقَالَ: ”قَالَ اللهُ: ’أَنَا أَبْرَأْتُ هَذَا الْمَاءَ، فَمِنَ الْآنَ لَا يُسَبِّبُ الْمَوْتَ وَلَا الْجَدْبَ.‘“ فَبَرِئَ الْمَاءُ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ كَمَا قَالَ أَلِيشَعُ. وَصَعِدَ أَلِيشَعُ مِنْ هُنَاكَ إِلَى بَيْتَ إِيلَ. وَبَيْنَمَا هُوَ سَائِرٌ فِي الطَّرِيقِ، خَرَجَ بَعْضُ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَهَزَأُوا بِهِ وَقَالُوا لَهُ: ”اِذْهَبْ مِنْ هُنَا يَا أَقْرَعُ! اِذْهَبْ مِنْ هُنَا يَا أَقْرَعُ!“ فَالْتَفَتَ إِلَى وَرَاءِهِ، وَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ بِاسْمِ الْمَوْلَى. فَخَرَجَتْ دُبَّتَانِ مِنَ الْغَابَةِ وَافْتَرَسَتَا مِنْهُمُ 42 وَلَدًا. وَذَهَبَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى جَبَلِ الْكَرْمَلِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى السَّامِرَةِ. فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ لِيُوشَافَاطَ مَلِكِ يَهُوذَا، مَلَكَ يُورَامُ بْنُ آخَابَ عَلَى إِسْرَائِيلَ فِي السَّامِرَةِ. وَدَامَ مُلْكُهُ 12 سَنَةً. وَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ لَكِنْ لَا كَأَبِيهِ وَأُمِّهِ، لِأَنَّهُ أَزَالَ تِمْثَالَ الْبَعْلِ الَّذِي عَمِلَهُ أَبُوهُ. إِلَّا أَنَّهُ دَاوَمَ عَلَى شُرُورِ يَرْبَعَامَ بْنِ نَبَاطَ، الَّذِي جَعَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَرْتَكِبُونَ الشَّرَّ، فَلَمْ يَرْجِعْ عَنْهَا. وَكَانَ مِيشَعُ مَلِكُ مُوآبَ يُرَبِّي الْمَوَاشِيَ، وَكَانَ يُؤَدِّي لِمَلِكِ إِسْرَائِيلَ جِزْيَةً، 100000 خَرُوفٍ وَصُوفَ 100000 كَبْشٍ. فَلَمَّا مَاتَ آخَابُ، تَمَرَّدَ مَلِكُ مُوآبَ عَلَى مَلِكِ إِسْرَائِيلَ. وَفِي الْحَالِ، ذَهَبَ الْمَلِكُ يُورَامُ مِنَ السَّامِرَةِ وَجَمَعَ كُلَّ جَيْشِ إِسْرَائِيلَ. وَأَرْسَلَ أَيْضًا إِلَى يُوشَافَاطَ يَقُولُ: ”تَمَرَّدَ مَلِكُ مُوآبَ عَلَيَّ، فَهَلْ تَذْهَبُ مَعِي إِلَى مُوآبَ لِنُحَارِبَ؟“ فَقَالَ يُوشَافَاطُ: ”أَذْهَبُ، وَأَعْمَلُ مَا تَعْمَلُهُ، وَيَكُونُ جَيْشِي كَجَيْشِكَ وَخَيْلِي كَخَيْلِكَ. وَلَكِنْ مِنْ أَيِّ طَرِيقٍ نَذْهَبُ؟“ أَجَابَهُ يُورَامُ: ”مِنْ طَرِيقِ صَحْرَاءِ أَدُومَ.“ فَذَهَبَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَمَلِكُ يَهُوذَا وَمَلِكُ أَدُومَ. وَبَعْدَمَا سَارُوا 7 أَيَّامٍ فِي الطَّرِيقِ غَيْرِ الْمُبَاشِرَةِ، لَمْ يَعُودُوا يَجِدُونَ مَاءً لِلْجَيْشِ وَلَا لِلْبَهَائِمِ الَّتِي مَعَهُمْ. فَقَالَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ: ”يَا تَعَاسَتَنَا! إِنَّ الْمَوْلَى جَاءَ بِنَا نَحْنُ الْمُلُوكَ الـ3 لِيَهْزِمَنَا أَمَامَ مُوآبَ!“ فَقَالَ يُوشَافَاطُ: ”أَلَا يُوجَدُ هُنَا نَبِيٌّ للهِ، فَنَسْتَشِيرَ اللهَ بِوَاسِطَتِهِ؟“ فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْ أَعْوَانِ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ: ”هُنَا أَلِيشَعُ بْنُ شَافَاطَ الَّذِي كَانَ خَادِمًا لِإِلْيَاسَ.“ فَقَالَ يُوشَافَاطُ: ”مَعَهُ كَلِمَةٌ مِنَ اللهِ.“ فَذَهَبَ إِلَيْهِ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَيُوشَافَاطُ وَمَلِكُ أَدُومَ. فَقَالَ أَلِيشَعُ لِمَلِكِ إِسْرَائِيلَ: ”مَا لِي وَلَكَ؟ اِذْهَبْ إِلَى أَنْبِيَاءِ أَبِيكَ وَأَنْبِيَاءِ أُمِّكَ!“ فَقَالَ لَهُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ: ”كَلَّا، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي جَاءَ بِنَا نَحْنُ الْمُلُوكَ الـ3 لِيَهْزِمَنَا أَمَامَ مُوآبَ!“ فَقَالَ أَلِيشَعُ: ”أُقْسِمُ بِاللهِ الْقَدِيرِ الَّذِي أَخْدِمُهُ، إِنِّي لَوْلَا احْتِرَامِي لِيُوشَافَاطَ مَلِكِ يَهُوذَا، مَا كُنْتُ أَعْبَأُ بِكَ وَلَا أَلْتَفِتُ إِلَيْكَ! إِذَنْ أَحْضِرُوا لِي عَازِفَ عُودٍ.“ فَلَمَّا عَزَفَ الرَّجُلُ عَلَى الْعُودِ، حَلَّتْ قُوَّةُ اللهِ عَلَى أَلِيشَعَ وَقَالَ: ”قَالَ اللهُ: ’اِمْلَأُوا هَذَا الْوَادِيَ بِالْحُفَرِ. وَمَعَ أَنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا رِيحًا وَلَا مَطَرًا، فَهَذَا الْوَادِي يَمْتَلِئُ مَاءً، فَتَشْرَبُونَ أَنْتُمْ وَمَاشِيَتُكُمْ وَبَهَائِمُكُمْ.‘ اللهُ قَالَ هَذَا، وَمِنَ السَّهْلِ عَلَيْهِ أَنْ يُنَفِّذَهُ وَيَنْصُرَكُمْ عَلَى مُوآبَ أَيْضًا! فَتَهْدِمُونَ كُلَّ مَدِينَةٍ مُحَصَّنَةٍ وَكُلَّ مَدِينَةٍ رَئِيسِيَّةٍ، وَتَقْطَعُونَ كُلَّ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ، وَتَرْدِمُونَ كُلَّ عُيُونِ الْمَاءِ، وَتُتْلِفُونَ كُلَّ حَقْلٍ جَيِّدٍ بِالْحِجَارَةِ.“ وَفِي الصُّبْحِ، فِي أَثْنَاءِ تَقْدِيمِ الْقُرْبَانِ، جَاءَ مَاءٌ مِنْ نَاحِيَةِ أَدُومَ، فَامْتَلَأَتِ الْأَرْضُ بِالْمَاءِ. وَسَمِعَ كُلُّ الْمُوآبِيِّينَ أَنَّ الْمُلُوكَ جَاءُوا لِيُحَارِبُوهُمْ، فَجَمَعُوا كُلَّ قَادِرٍ عَلَى حَمْلِ السِّلَاحِ، صَغِيرًا وَكَبِيرًا، وَوَضَعُوهُمْ عَلَى الْحُدُودِ. وَقَامَ الْمُوآبِيُّونَ فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، وَكَانَتِ الشَّمْسُ قَدْ أَشْرَقَتْ عَلَى الْمَاءِ، فَظَهَرَ الْمَاءُ لَهُمْ مِنْ عَلَى بُعْدٍ أَحْمَرَ كَالدَّمِ. فَقَالُوا: ”هَذَا دَمٌ! لَا بُدَّ أَنَّ الْمُلُوكَ تَحَارَبُوا مَعًا، وَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، تَعَالَوْا نَنْهَبُهُمْ أَيُّهَا الْمُوآبِيُّونَ.“ وَذَهَبُوا إِلَى مُعَسْكَرِ إِسْرَائِيلَ. فَقَامَ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَهَجَمُوا عَلَى الْمُوآبِيِّينَ، فَهَرَبُوا مِنْهُمْ. فَطَارَدُوهُمْ وَدَخَلُوا بِلَادَهُمْ وَهُمْ يَقْتُلُونَهُمْ. وَهَدَمُوا الْمُدُنَ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَرْمِي حَجَرًا فِي كُلِّ حَقْلٍ جَيِّدٍ حَتَّى مَلَأُوهَا، وَرَدَمُوا كُلَّ عُيُونِ الْمَاءِ، وَقَطَعُوا كُلَّ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ. وَلَكِنْ بَقِيَتْ مَدِينَةُ قِيرَ حَارِسَ بِمَبَانِيهَا، فَأَحَاطَ بِهَا حَامِلُو الْمَقَالِيعَ وَهَاجَمُوهَا. وَلَمَّا رَأَى مَلِكُ مُوآبَ أَنَّهُ عَلَى وَشْكِ أَنْ يُهْزَمَ فِي الْحَرْبِ، أَخَذَ مَعَهُ 700 رَجُلٍ مُسَلَّحِينَ بِالسُّيُوفِ، لِيَخْتَرِقُوا الصُّفُوفَ إِلَى مَلِكِ أَدُومَ، فَلَمْ يَقْدِرُوا. فَأَخَذَ ابْنَهُ الْبِكْرَ الَّذِي كَانَ سَيَمْلِكُ بَعْدَهُ، وَقَدَّمَهُ ضَحِيَّةً عَلَى سُورِ الْمَدِينَةِ. فَارْتَاعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جِدًّا مِنْ هَذَا الْعَمَلِ، وَانْسَحَبُوا مِنْ هُنَاكَ وَرَجَعُوا إِلَى بِلَادِهِمْ. وَاسْتَغَاثَتْ زَوْجَةُ وَاحِدٍ مِنْ جَمَاعَةِ الْأَنْبِيَاءِ بِأَلِيشَعَ وَقَالَتْ لَهُ: ”أَنْتَ تَعْلَمُ يَا سَيِّدِي أَنَّ زَوْجِي كَانَ يَتَّقِي اللهَ، وَلَكِنَّهُ مَاتَ وَهُوَ مَدْيُونٌ. فَجَاءَ صَاحِبُ الدَّيْنِ لِيَأْخُذَ وَلَدَيَّ لِيَكُونَا عَبْدَيْنِ لَهُ!“ فَقَالَ لَهَا أَلِيشَعُ: ”رُبَّمَا يُمْكِنُنِي أَنْ أُسَاعِدَكِ، لَكِنْ أَخْبِرِينِي، مَاذَا عِنْدَكِ فِي الدَّارِ؟“ قَالَتْ: ”لَا شَيْءَ عِنْدِي يَا سَيِّدِي غَيْرَ قَلِيلٍ مِنَ الزَّيْتِ!“ فَقَالَ لَهَا: ”اِذْهَبِي إِلَى كُلِّ جِيرَانِكِ، وَاسْتَعِيرِي مِنْهُمْ أَوْعِيَةً فَارِغَةً. هَاتِي أَوْعِيَةً كَثِيرَةً لَا قَلِيلَةً، ثُمَّ ادْخُلِي وَأَغْلِقِي الْبَابَ عَلَى نَفْسِكِ وَعَلَى أَوْلَادِكِ. وَصُبِّي الزَّيْتَ فِي كُلِّ هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ، وَانْقُلِي مَا يَمْتَلِئُ إِلَى جَانِبٍ.“ فَرَاحَتْ مِنْ عِنْدِهِ، وَأَغْلَقَتِ الْبَابَ عَلَى نَفْسِهَا وَعَلَى أَوْلَادِهَا، فَكَانُوا يُقَدِّمُونَ لَهَا الْأَوْعِيَةَ وَهِيَ تَصُبُّ الزَّيْتَ. وَلَمَّا امْتَلَأَتْ كُلُّ الْأَوْعِيَةِ، قَالَتْ لِابْنِهَا: ”هَاتِ وِعَاءً آخَرَ.“ فَقَالَ لَهَا: ”لَا يُوجَدُ وَلَا وِعَاءٌ فَارِغٌ!“ وَهُنَا تَوَقَّفَ الزَّيْتُ. فَذَهَبَتْ وَأَخْبَرَتِ النَّبِيَّ، فَقَالَ: ”اِذْهَبِي بِيعِي الزَّيْتَ وَسَدِّدِي الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْكِ، وَعِيشِي أَنْتِ وَأَوْلَادُكِ بِمَا يَبْقَى مِنْ نُقُودٍ.“ وَذَاتَ يَوْمٍ ذَهَبَ أَلِيشَعُ إِلَى شُونَمَ. وَكَانَتْ هُنَاكَ امْرَأَةٌ غَنِيَّةٌ، فَأَلَحَّتْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَ عِنْدَهَا. فَكَانَ كُلَّمَا مَرَّ بِشُونَمَ يَذْهَبُ إِلَى دَارِهَا لِيَأْكُلَ. فَقَالَتْ لِزَوْجِهَا: ”أَنَا مُتَأَكِّدَةٌ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي يَمُرُّ بِنَا دَائِمًا هُوَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللهِ. فَتَعَالَ نَبْنِي لَهُ غُرْفَةً صَغِيرَةً فَوْقَ السَّطْحِ، وَنَضَعُ لَهُ فِيهَا سَرِيرًا وَمَائِدَةً وَكُرْسِيًّا وَمِصْبَاحًا، فَيَرْتَاحَ فِيهَا كُلَّمَا مَرَّ بِنَا.“ وَذَاتَ يَوْمٍ ذَهَبَ أَلِيشَعُ إِلَى هُنَاكَ، وَصَعِدَ إِلَى الْغُرْفَةِ لِيَرْتَاحَ فِيهَا. فَقَالَ لِجِيحَزِي خَادِمِهِ: ”نَادِ الشُّونَمِيَّةَ.“ فَنَادَاهَا فَجَاءَتْ وَوَقَفَتْ أَمَامَهُ. فَقَالَ أَلِيشَعُ لِلْخَادِمِ: ”قُلْ لَهَا: ’أَنْتِ تَكَلَّفْتِ كُلَّ هَذَا مِنْ أَجْلِنَا، فَكَيْفَ أَرُدُّ لَكِ الْجَمِيلَ؟ هَلْ لَكِ طَلَبٌ أَرْفَعُهُ إِلَى الْمَلِكِ أَوْ إِلَى رَئِيسِ الْجَيْشِ؟‘“ أَجَابَتْ: ”أَنَا بَيْنَ أَهْلِي وَلَا أَحْتَاجُ شَيْئًا.“ فَسَأَلَ خَادِمَهُ: ”كَيْفَ أَرُدُّ لَهَا الْجَمِيلَ؟“ قَالَ جِيحَزِي: ”لَيْسَ عِنْدَهَا ابْنٌ وَزَوْجُهَا عَجُوزٌ.“ فَقَالَ: ”نَادِهَا.“ فَنَادَاهَا فَجَاءَتْ وَوَقَفَتْ فِي الْبَابِ. فَقَالَ لَهَا أَلِيشَعُ: ”فِي نَفْسِ هَذَا الْوَقْتِ مِنَ الْعَامِ الْقَادِمِ تَحْضِنِينَ ابْنًا بَيْنَ ذِرَاعَيْكِ!“ فَقَالَتْ: ”لَا يَا سَيِّدِي، لَا تَكْذِبْ عَلَيَّ أَيُّهَا النَّبِيُّ.“ وَبَعْدَ ذَلِكَ حَبِلَتِ الْمَرْأَةُ، وَفِي نَفْسِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنَ الْعَامِ التَّالِي وَلَدَتِ ابْنًا، كَمَا قَالَ لَهَا أَلِيشَعُ. وَكَبِرَ الْوَلَدُ، وَذَاتَ يَوْمٍ خَرَجَ إِلَى أَبِيهِ حَيْثُ كَانَ مَعَ الْحَصَّادِينَ. فَصَرَخَ لِأَبِيهِ: ”رَأْسِي! رَأْسِي!“ فَقَالَ أَبُوهُ لِلْخَادِمِ: ”اِحْمِلْهُ إِلَى أُمِّهِ.“ فَحَمَلَهُ وَأَخَذَهُ إِلَى أُمِّهِ، فَأَجْلَسَتْهُ فِي حِجْرِهَا، وَلَكِنَّهُ مَاتَ عِنْدَ الظُّهْرِ. فَأَصْعَدَتْهُ وَوَضَعَتْهُ عَلَى سَرِيرِ النَّبِيِّ، وَأَغْلَقَتِ الْبَابَ وَخَرَجَتْ. ثُمَّ نَادَتْ زَوْجَهَا وَقَالَتْ: ”أَرْسِلْ لِي خَادِمًا وَمَعَهُ حِمَارَةٌ، لِكَيْ أَذْهَبَ إِلَى النَّبِيِّ بِسُرْعَةٍ وَأَرْجِعَ.“ فَقَالَ لَهَا: ”لِمَاذَا تَذْهَبِينَ إِلَيْهِ الْيَوْمَ؟ لَا هُوَ أَوَّلُ الشَّهْرِ وَلَا سَبْتٌ!“ قَالَتْ: ”خَيْرٌ إِنْ شَاءَ اللهُ!“ وَأَسْرَجَتِ الْحِمَارَةَ، وَقَالَتْ لِخَادِمِهَا: ”سُقْ بِسُرْعَةٍ، وَلَا تُبْطِئْ لِرَاحَتِي إِلَّا إِذَا قُلْتُ لَكَ.“ فَمَضَتْ حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى أَلِيشَعَ فِي جَبَلِ الْكَرْمَلِ. فَرَآهَا مِنْ بَعِيدٍ وَقَالَ لِجِيحَزِي خَادِمِهِ: ”تَطَلَّعْ! هَذِهِ هِيَ الشُّونَمِيَّةُ! اِجْرِ بِسُرْعَةٍ وَقَابِلْهَا وَاسْأَلْهَا: ’هَلْ أَنْتِ بِخَيْرٍ؟ هَلْ زَوْجُكِ بِخَيْرٍ؟ هَلِ الْوَلَدُ بِخَيْرٍ؟‘“ فَقَالَتْ: ”الْكُلُّ بِخَيْرٍ إِنْ شَاءَ اللهُ!“ وَلَمَّا وَصَلَتْ إِلَى النَّبِيِّ فِي الْجَبَلِ، أَمْسَكَتْ بِقَدَمَيْهِ. فَتَقَدَّمَ جِيحَزِي لِيَدْفَعَهَا بَعِيدًا. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ: ”اُتْرُكْهَا، لِأَنَّهَا حَزِينَةٌ جِدًّا، وَالْمَوْلَى كَتَمَ الْأَمْرَ عَنِّي وَلَمْ يُخْبِرْنِي.“ فَقَالَتْ: ”هَلْ طَلَبْتُ مِنْكَ ابْنًا يَا سَيِّدِي؟ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ: ’لَا تَخْدَعْنِي‘؟“ فَقَالَ أَلِيشَعُ لِجِيحَزِي: ”اِرْبِطْ حِزَامَكَ حَوْلَ وَسَطِكَ، وَخُذْ عَصَايَ فِي يَدِكَ، وَاذْهَبْ بِسُرْعَةٍ. فَإِنْ صَادَفْتَ أَحَدًا فِي الطَّرِيقِ فَلَا تُسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ أَحَدٌ فَلَا تَرُدَّ! ثُمَّ ضَعْ عَصَايَ عَلَى وَجْهِ الْوَلَدِ.“ فَقَالَتْ أُمُّ الْوَلَدِ: ”أُقْسِمُ بِاللهِ وَبِحَيَاتِكَ إِنِّي لَا أَتْرُكُكَ!“ فَقَامَ وَتَبِعَهَا. وَسَبَقَهُمَا جِيحَزِي، وَوَضَعَ الْعَصَا عَلَى وَجْهِ الْوَلَدِ، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ. فَرَجَعَ لِلِقَاءِ أَلِيشَعَ وَقَالَ لَهُ: ”لَمْ يَقُمِ الْوَلَدُ.“ فَلَمَّا وَصَلَ أَلِيشَعُ إِلَى الدَّارِ، وَجَدَ الْوَلَدَ مَيِّتًا عَلَى سَرِيرِهِ. فَدَخَلَ الْغُرْفَةَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ، فَكَانَ هُوَ وَالْوَلَدُ فَقَطْ، وَتَضَرَّعَ إِلَى اللهِ. ثُمَّ صَعِدَ إِلَى السَّرِيرِ وَاسْتَلْقَى فَوْقَ الْوَلَدِ، وَوَضَعَ فَمَهُ عَلَى فَمِهِ وَعَيْنَيْهِ عَلَى عَيْنَيْهِ وَيَدَيْهِ عَلَى يَدَيْهِ، وَتَمَدَّدَ عَلَيْهِ، فَسَخِنَ جِسْمُ الْوَلَدِ. وَقَامَ أَلِيشَعُ وَأَخَذَ يَتَمَشَّى فِي الْغُرْفَةِ ذَهَابًا وَإِيَابًا. ثُمَّ صَعِدَ إِلَى السَّرِيرِ وَتَمَدَّدَ عَلَى الْوَلَدِ مَرَّةً أُخْرَى، فَعَطِسَ الْوَلَدُ 7 مَرَّاتٍ وَفَتَحَ عَيْنَيْهِ. فَنَادَى أَلِيشَعُ جِيحَزِي وَقَالَ لَهُ: ”نَادِ الشُّونَمِيَّةَ.“ فَنَادَاهَا وَلَمَّا جَاءَتْ قَالَ لَهَا: ”خُذِي ابْنَكِ.“ فَدَخَلَتْ وَرَمَتْ نَفْسَهَا عِنْدَ قَدَمَيْهِ وَانْحَنَتْ إِلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ أَخَذَتِ ابْنَهَا وَخَرَجَتْ. وَرَجَعَ أَلِيشَعُ إِلَى الْجِلْجَالِ، بَيْنَمَا كَانَ فِي الْمِنْطَقَةِ مَجَاعَةٌ. وَذَاتَ يَوْمٍ، لَمَّا كَانَ جَمَاعَةُ الْأَنْبِيَاءِ جَالِسِينَ مَعَهُ، قَالَ أَلِيشَعُ لِخَادِمِهِ: ”ضَعِ الْقِدْرَ الْكَبِيرَةَ وَاطْبُخْ لِلضُّيُوفِ.“ وَخَرَجَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إِلَى الْحَقْلِ لِيُحْضِرَ بُقُولًا، فَوَجَدَ يَقْطِينًا بَرِّيَّا، فَأَحْضَرَ مِنْهُ مِلْءَ ثَوْبِهِ، وَجَاءَ وَقَطَّعَهُ وَوَضَعَهُ فِي الْقِدْرِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرِفَ مَا هُوَ. وَغَرَفُوا لِلنَّاسِ لِيَأْكُلُوا، وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا بَدَأُوا يَأْكُلُونَهُ صَرَخُوا: ”فِي الْقِدْرِ سِمٌّ أَيُّهَا النَّبِيُّ!“ وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَأْكُلُوا. فَقَالَ أَلِيشَعُ: ”هَاتُوا دَقِيقًا.“ فَوَضَعَهُ فِي الْقِدْرِ وَقَالَ: ”اِغْرِفْ لِلنَّاسِ لِيَأْكُلُوا.“ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ رَدِيءٌ فِي الْقِدْرِ! وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَعْلَ شَلِيشَةَ، وَأَحْضَرَ لِلنَّبِيِّ 20 رَغِيفَ خُبْزٍ مِنَ الشَّعِيرِ مِنْ أَوَّلِ الْمَحْصُولِ وَسُنْبُلًا جَدِيدًا. فَقَالَ أَلِيشَعُ: ”أَعْطِهِ لِلنَّاسِ لِيَأْكُلُوا.“ فَقَالَ خَادِمُهُ: ”هَذَا لَا يَكْفِي! كَيْفَ أُطْعِمُ 100 رَجُلٍ مِنْهُ؟“ قَالَ أَلِيشَعُ: ”أَعْطِهِ لِلنَّاسِ لِيَأْكُلُوا، لِأَنَّ اللهَ قَالَ: ’يَأْكُلُونَ وَيَفْضُلُ عَنْهُمْ.‘“ فَوَضَعَهُ أَمَامَهُمْ، فَأَكَلُوا وَفَضَلَ عَنْهُمْ كَمَا قَالَ اللهُ. وَكَانَ نُعْمَانُ قَائِدُ جَيْشِ مَلِكِ آرَامَ، رَجُلًا عَظِيمًا عِنْدَ سَيِّدِهِ وَمُكَرَّمًا، لِأَنَّ اللهَ نَصَرَ آرَامَ عَلَى يَدِهِ. وَكَانَ مُحَارِبًا شَدِيدًا، وَلَكِنَّهُ أَبْرَصُ. وَذَاتَ مَرَّةٍ خَرَجَ الْأَرَامِيُّونَ لِغَزْوِ إِسْرَائِيلَ، فَأَسَرُوا بِنْتًا صَغِيرَةً صَارَتْ خَادِمَةً عِنْدَ زَوْجَةِ نُعْمَانَ. فَقَالَتْ لِسَيِّدَتِهَا: ”يَا لَيْتَ سَيِّدِي يُقَابِلُ النَّبِيَّ الَّذِي فِي السَّامِرَةِ، فَإِنَّهُ يَشْفِيهِ مِنْ بَرَصِهِ!“ فَذَهَبَ نُعْمَانُ إِلَى سَيِّدِهِ وَأَخْبَرَهُ بِكَلَامِ الْفَتَاةِ الَّتِي مِنْ إِسْرَائِيلَ. فَقَالَ مَلِكُ آرَامَ: ”اِذْهَبْ وَأَنَا أُعْطِيكَ رِسَالَةً إِلَى مَلِكِ إِسْرَائِيلَ.“ فَذَهَبَ نُعْمَانُ وَأَخَذَ مَعَهُ 340 كِيلُوجْرَامًا مِنَ الْفِضَّةِ، وَ70 كِيلُوجْرَامًا مِنَ الذَّهَبِ، وَ10 حُلَلٍ مِنَ الثِّيَابِ. وَسَلَّمَ الرِّسَالَةَ إِلَى مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، وَقَدْ وَرَدَ فِيهَا: ”أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ مَعَ هَذِهِ الرِّسَالَةِ نُعْمَانَ خَادِمِي، اِشْفِهِ مِنْ بَرَصِهِ.“ فَلَمَّا قَرَأَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ الرِّسَالَةَ، مَزَّقَ ثِيَابَهُ وَقَالَ: ”هَلْ أَنَا اللهُ الَّذِي يُمِيتُ وَيُحْيِي؟ كَيْفَ يَطْلُبُ هَذَا مِنِّي أَنْ أَشْفِيَ رَجُلًا مِنْ بَرَصِهِ؟ أَنْتُمُ الْآنَ تَعْلَمُونَ وَتَرَوْنَ أَنَّهُ يَتَعَرَّضُ لِي!“ وَلَمَّا سَمِعَ النَّبِيُّ أَلِيشَعُ أَنَّ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ مَزَّقَ ثِيَابَهُ، أَرْسَلَ إِلَيْهِ يَقُولُ: ”لِمَاذَا مَزَّقْتَ ثِيَابَكَ؟ خَلِّ الرَّجُلَ يَأْتِي إِلَيَّ، فَيَعْلَمَ أَنَّهُ يُوجَدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيلَ!“ فَذَهَبَ نُعْمَانُ بِخَيْلِهِ وَمَرْكَبَاتِهِ وَوَقَفَ عِنْدَ بَابِ دَارِ أَلِيشَعَ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَلِيشَعُ رَسُولًا يَقُولُ: ”اِذْهَبْ وَاغْتَسِلْ 7 مَرَّاتٍ فِي نَهْرِ الْأُرْدُنِّ، فَيُشْفَى لَحْمُكَ وَتَطْهُرَ مِنَ الْبَرَصِ.“ فَغَضِبَ نُعْمَانُ وَانْصَرَفَ وَهُوَ يَقُولُ: ”كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّهُ يَخْرُجُ إِلَيَّ، وَيَقِفُ أَمَامِي، وَيَبْتَهِلُ إِلَى الْمَوْلَى إِلَهِهِ، وَيُرَدِّدُ يَدَهُ فَوْقَ مَكَانِ الْبَرَصِ وَيَشْفِينِي. إِنَّ نَهْرَيْ دِمَشْقَ، أَبَانَةَ وَفَرْفَرَ، هُمَا أَحْسَنُ مِنْ كُلِّ مِيَاهِ إِسْرَائِيلَ! فَلِمَاذَا لَا أَغْتَسِلُ فِيهِمَا وَأَطْهُرُ؟“ وَانْصَرَفَ نُعْمَانُ لِيَرْجِعَ وَهُوَ غَضْبَانٌ. فَتَقَدَّمَ رِجَالُهُ وَقَالُوا لَهُ: ”يَا أَبَانَا، لَوْ طَلَبَ النَّبِيُّ مِنْكَ شَيْئًا كَبِيرًا، أَمَا كُنْتَ تَعْمَلُهُ؟ فَكَمْ بِالْأَوْلَى أَنْ تَعْمَلَ مَا يَقُولُهُ لَكَ الْآنَ، وَهُوَ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتَطْهُرَ؟“ فَنَزَلَ وَغَطَسَ فِي الْأُرْدُنِّ 7 مَرَّاتٍ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ. فَشُفِيَ لَحْمُهُ وَصَارَ كَلَحْمِ وَلَدٍ صَغِيرٍ، وَطَهُرَ مِنَ الْبَرَصِ! فَرَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ هُوَ وَكُلُّ مُرَافِقِيهِ، وَوَقَفَ أَمَامَ أَلِيشَعَ وَقَالَ: ”الْآنَ عَلِمْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ فِي كُلِّ الْعَالَمِ إِلَّا فِي إِسْرَائِيلَ. فَمِنْ فَضْلِكَ اقْبَلْ مِنِّي هَدِيَّةً يَا سَيِّدِي.“ فَقَالَ النَّبِيُّ: ”أُقْسِمُ بِاللهِ الَّذِي أَخْدِمُهُ، إِنِّي لَا أَقْبَلُ شَيْئًا!“ وَأَلَحَّ عَلَيْهِ نُعْمَانُ فَرَفَضَ. فَقَالَ نُعْمَانُ: ”إِنْ كُنْتَ لَا تَقْبَلُ، إِذَنْ فَاسْمَحْ لِي يَا سَيِّدِي أَنْ آخُذَ مَعِي حِمْلَ بَغْلَيْنِ مِنَ التُّرَابِ، لِأَنِّي لَنْ أُقَدِّمَ بَعْدَ الْآنَ قُرْبَانًا وَلَا ضَحِيَّةً لِأَيِّ آلِهَةٍ غَيْرِ اللهِ. ثُمَّ هُنَاكَ شَيْءٌ، لَعَلَّ اللهَ يَصْفَحُ عَنِّي فِيهِ يَا سَيِّدِي، وَهُوَ أَنَّهُ عِنْدَمَا يَدْخُلُ مَلِكُ آرَامَ إِلَى مَعْبَدِ رِمُّونَ لِيَسْجُدَ، فَبِاعْتِبَارِي كَبِيرَ مُرَافِقِي الْمَلِكِ، أَنَا أَيْضًا مُضْطَرٌّ أَنْ أَسْجُدَ مَعَهُ هُنَاكَ. فَلَعَلَّ اللهَ يَصْفَحُ عَنِّي فِي هَذَا يَا سَيِّدِي.“ فَقَالَ لَهُ أَلِيشَعُ: ”اِذْهَبْ بِالسَّلَامَةِ.“ وَمَضَى نُعْمَانُ مِنْ عِنْدِهِ، وَقَطَعَ بَعْضَ الْمَسَافَةِ فِي الطَّرِيقِ. فَقَالَ جِيحَزِي، خَادِمُ النَّبِيِّ أَلِيشَعَ، فِي نَفْسِهِ: ”سَيِّدِي رَفَضَ أَنْ يَأْخُذَ مَا أَحْضَرَهُ نُعْمَانُ الْأَرَامِيُّ! أُقْسِمُ بِاللهِ إِنِّي أَجْرِي وَرَاءَهُ وَآخُذُ مِنْهُ شَيْئًا.“ وَذَهَبَ جِيحَزِي وَرَاءَ نُعْمَانَ. وَلَمَّا رَآهُ نُعْمَانُ يَجْرِي وَرَاءَهُ، نَزَلَ عَنِ الْمَرْكَبَةِ لِاسْتِقْبَالِهِ وَقَالَ لَهُ: ”هَلْ خَيْرٌ؟“ فَقَالَ: ”خَيْرٌ. أَرْسَلَنِي سَيِّدِي لِأَقُولَ لَكَ إِنَّهُ جَاءَ إِلَيْهِ الْآنَ رَجُلَانِ مِنْ جَمَاعَةِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ جَبَلِ أَفْرَايِمَ، فَمِنْ فَضْلِكَ أَعْطِهِمَا 34 كِيلُوجْرَامًا مِنَ الْفِضَّةِ وَحُلَّتَيْ ثِيَابٍ.“ فَقَالَ نُعْمَانُ: ”تَفَضَّلْ وَخُذْ 68 كِيلُوجْرَامًا مِنَ الْفِضَّةِ.“ وَأَلَحَّ عَلَيْهِ، وَصَرَّ هَذِهِ الْكَمِّيَّةَ مِنَ الْفِضَّةِ فِي كِيسَيْنِ مَعَ حُلَّتَيِ الثِّيَابِ، وَأَعْطَاهَا لِاثْنَيْنِ مِنْ خَدَمِهِ فَحَمَلَاهَا وَسَارَا أَمَامَ جِيحَزِي. وَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى التَّلَّةِ، أَخَذَ جِيحَزِي هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنَ الْخَادِمَيْنِ وَوَضَعَهَا فِي دَارِهِ، وَصَرَفَ الْخَادِمَيْنِ فَرَجَعَا إِلَى نُعْمَانَ. ثُمَّ دَخَلَ وَوَقَفَ أَمَامَ سَيِّدِهِ، فَقَالَ لَهُ أَلِيشَعُ: ”أَيْنَ كُنْتَ يَا جِيحَزِي؟“ فَقَالَ: ”يَا سَيِّدِي لَمْ أَذْهَبْ إِلَى أَيِّ مَكَانٍ!“ فَقَالَ لَهُ أَلِيشَعُ: ”أَنَا كُنْتُ هُنَاكَ بِالرُّوحِ لَمَّا نَزَلَ الرَّجُلُ مِنْ مَرْكَبَتِهِ لِاسْتِقْبَالِكَ! هَلْ هَذَا هُوَ الْوَقْتُ لِلْحُصُولِ عَلَى فِضَّةٍ وَثِيَابٍ وَزَيْتُونٍ وَكُرُومٍ وَغَنَمٍ وَبَقَرٍ وَعَبِيدٍ وَجَوَارٍ؟ لِذَلِكُ بَرَصُ نُعْمَانَ يُصِيبُكَ أَنْتَ وَنَسْلَكَ إِلَى الْأَبَدِ!“ فَخَرَجَ جِيحَزِي مِنْ عِنْدِهِ أَبْرَصَ بِلَوْنِ الثَّلْجِ. وَقَالَ جَمَاعَةُ الْأَنْبِيَاءِ لِأَلِيشَعَ: ”هَذَا الْمَكَانُ الَّذِي نَجْتَمِعُ فِيهِ لِتُعَلِّمَنَا، أَصْبَحَ ضَيِّقًا عَلَيْنَا. فَاسْمَحْ لَنَا أَنْ نَذْهَبَ إِلَى الْأُرْدُنِّ، وَيَقْطَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا شَجَرَةً، وَنَبْنِيَ لَنَا هُنَاكَ مَكَانًا نُقِيمُ فِيهِ.“ فَقَالَ: ”اِذْهَبُوا.“ فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: ”تَفَضَّلْ وَاذْهَبْ مَعَنَا يَا سَيِّدُ.“ فَقَالَ أَلِيشَعُ: ”أَذْهَبُ.“ وَذَهَبَ مَعَهُمْ. وَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى الْأُرْدُنِّ، قَطَعُوا بَعْضَ الْأَشْجَارِ. وَبَيْنَمَا كَانَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ يَقْطَعُ شَجَرَةً، وَقَعَ حَدِيدُ فَأْسِهِ فِي الْمَاءِ. فَصَرَخَ إِلَى أَلِيشَعَ وَقَالَ: ”أَعِنِّي يَا سَيِّدُ، لِأَنِّي اسْتَعَرْتُ هَذِهِ الْفَأْسَ!“ فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ: ”أَيْنَ سَقَطَ؟“ فَأَرَاهُ الْمَكَانَ، فَقَطَعَ أَلِيشَعُ غُصْنًا وَأَلْقَاهُ هُنَاكَ، فَطَفَا الْحَدِيدُ! فَقَالَ: ”اِرْفَعْهُ.“ فَمَدَّ يَدَهُ وَأَخَذَهُ. وَكَانَ مَلِكُ آرَامَ يُحَارِبُ إِسْرَائِيلَ. وَاسْتَشَارَ أَعْوَانَهُ وَقَالَ لَهُمْ عَلَى مَكَانٍ مُعَيَّنٍ يَكْمُنُ فِيهِ لِمَلِكِ إِسْرَائِيلَ. فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ إِلَى مَلِكِ إِسْرَائِيلَ وَقَالَ لَهُ: ”اِحْذَرْ مِنْ أَنْ تَمُرَّ بِهَذَا الْمَكَانِ لِأَنَّ الْأَرَامِيِّينَ كَامِنُونَ فِيهِ.“ فَأَرْسَلَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ رِجَالًا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَخْبَرَهُ عَنْهُ النَّبِيُّ، فَوَجَدُوا كَمَا قَالَ. وَتَكَرَّرَتْ تَحْذِيرَاتُ أَلِيشَعَ لِلْمَلِكِ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً، فَكَانَ الْمَلِكُ دَائِمًا عَلَى حَذَرٍ. فَانْزَعَجَ مَلِكُ آرَامَ مِنْ هَذَا، وَاسْتَدْعَى أَعْوَانَهُ وَقَالَ لَهُمْ: ”مَنْ مِنْكُمْ مَعَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ؟“ فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْ أَعْوَانِهِ: ”لَا أَحَدَ مِنَّا يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ. إِنَّمَا أَلِيشَعُ النَّبِيُّ الَّذِي فِي إِسْرَائِيلَ، هُوَ الَّذِي يُخْبِرُ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ حَتَّى بِالْكَلَامِ الَّذِي تَقُولُهُ فِي غُرْفَةِ نَوْمِكَ!“ فَقَالَ الْمَلِكُ لَهُمْ: ”اِذْهَبُوا وَاعْرِفُوا مَكَانَ إِقَامَتِهِ، فَأُرْسِلَ مَنْ يَقْبِضُ عَلَيْهِ.“ وَرَجَعُوا وَقَالُوا: ”هُوَ فِي دُوثَانَ.“ فَأَرْسَلَ مَلِكُ آرَامَ إِلَى هُنَاكَ خَيْلًا وَمَرْكَبَاتٍ وَجَيْشًا كَبِيرًا، فَوَصَلُوا فِي اللَّيْلِ وَأَحَاطُوا بِالْمَدِينَةِ. وَفِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، لَمَّا قَامَ خَادِمُ النَّبِيِّ وَخَرَجَ، وَجَدَ جَيْشًا يُحِيطُ بِالْمَدِينَةِ وَخَيْلًا وَمَرْكَبَاتٍ. فَقَالَ لِأَلِيشَعَ: ”آهِ يَا سَيِّدُ، مَاذَا نَعْمَلُ؟“ فَأَجَابَهُ: ”لَا تَخَفْ، لِأَنَّ الَّذِينَ مَعَنَا أَكْثَرُ مِنَ الَّذِينَ مَعَهُمْ!“ وَتَضَرَّعَ أَلِيشَعُ وَقَالَ: ”يَا رَبُّ، اِفْتَحْ عَيْنَيْهِ لِيَرَى.“ فَفَتَحَ اللهُ عَيْنَيِ الْخَادِمِ فَرَأَى أَنَّ الْجَبَلَ مَمْلُوءٌ خَيْلًا وَمَرْكَبَاتِ نَارٍ حَوْلَ أَلِيشَعَ. وَتَقَدَّمَ جَيْشُ آرَامَ نَحْوَ أَلِيشَعَ، فَدَعَا أَلِيشَعُ الْمَوْلَى وَقَالَ: ”اِضْرِبْ هَؤُلَاءِ النَّاسَ بِالْعَمَى.“ فَضَرَبَهُمْ بِالْعَمَى كَمَا طَلَبَ النَّبِيُّ. فَقَالَ أَلِيشَعُ لَهُمْ: ”لَا هَذِهِ هِيَ الطَّرِيقُ وَلَا هَذِهِ هِيَ الْمَدِينَةُ! اِتْبَعُونِي فَأَقُودَكُمْ إِلَى الرَّجُلِ الَّذِي تَبْحَثُونَ عَنْهُ.“ فَقَادَهُمْ إِلَى السَّامِرَةِ. وَبَعْدَمَا دَخَلُوا السَّامِرَةَ، قَالَ أَلِيشَعُ: ”يَا رَبُّ، اِفْتَحْ عُيُونَهُمْ لِيَرَوْا.“ فَفَتَحَ اللهُ عُيُونَهُمْ فَرَأَوْا أَنَّهُمْ دَاخِلَ مَدِينَةِ السَّامِرَةِ. وَلَمَّا رَآهُمْ مَلِكُ السَّامِرَةِ، قَالَ لِأَلِيشَعَ: ”هَلْ أَقْتُلُهُمْ يَا أَبِي؟ هَلْ أَقْتُلُهُمْ؟“ أَجَابَهُ: ”لَا، إِنْ كُنْتَ لَا تَقْتُلُ الَّذِينَ تَأْسِرُهُمْ بِسَيْفِكَ وَقَوْسِكَ، فَكَيْفَ تَقْتُلُ هَؤُلَاءِ؟ قَدِّمْ لَهُمْ طَعَامًا وَمَاءً لِيَأْكُلُوا وَيَشْرَبُوا ثُمَّ يَنْصَرِفُوا إِلَى سَيِّدِهِمْ.“ فَأَقَامَ لَهُمُ الْمَلِكُ وَلِيمَةً عَظِيمَةً، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا ثُمَّ صَرَفَهُمْ فَرَجَعُوا إِلَى سَيِّدِهِمْ. وَكَفَّتْ جُيُوشُ آرَامَ عَنْ غَزْوِ أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. وَبَعْدَ فَتْرَةٍ مِنَ الْوَقْتِ، جَمَعَ بَنْهَدَدُ مَلِكُ آرَامَ كُلَّ جَيْشِهِ وَزَحَفَ عَلَى السَّامِرَةِ وَحَاصَرَهَا. وَتَسَبَّبَ الْحِصَارُ فِي مَجَاعَةٍ شَدِيدَةٍ فِي الْمَدِينَةِ، حَتَّى صَارَ رَأْسُ الْحِمَارِ بِحَوَالَيْ كِيلُوجْرَامٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَحَفْنَةُ الْحُمُّصِ بِحَوَالَيْ 50 جِرَامٍ مِنَ الْفِضَّةِ! وَذَاتَ مَرَّةٍ، كَانَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ يَسِيرُ فَوْقَ سُورِ الْمَدِينَةِ، فَصَرَخَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ تَقُولُ: ”سَاعِدْنِي يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ!“ فَأَجَابَهَا: ”إِنْ كَانَ اللهُ لَا يُسَاعِدُكِ، فَبِأَيِّ شَيْءٍ أُسَاعِدُكِ أَنَا؟ لَا عِنْدِي قَمْحٌ فِي الْبَيْدَرِ وَلَا خَمْرٌ فِي الْمَعْصَرَةِ!“ ثُمَّ قَالَ لَهَا الْمَلِكُ: ”مَا لَكِ؟“ فَقَالَتْ: ”هَذِهِ الْمَرْأَةُ قَالَتْ لِي: ’هَاتِي ابْنَكِ فَنَأْكُلَهُ الْيَوْمَ، ثُمَّ نَأْكُلُ ابْنِي غَدًا!‘ فَطَبَخْنَا ابْنِي وَأَكَلْنَاهُ. وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي قُلْتُ لَهَا: ’هَاتِي ابْنَكِ فَنَأْكُلَهُ.‘ وَلَكِنَّهَا خَبَّأَتِ ابْنَهَا.“ وَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ كَلَامَ الْمَرْأَةِ، مَزَّقَ ثِيَابَهُ وَهُوَ سَائِرٌ فَوْقَ السُّورِ، فَرَأَى النَّاسُ أَنَّهُ لَابِسٌ تَحْتَ ثِيَابِهِ خَيْشًا عَلَى جِسْمِهِ. وَقَالَ: ”لَيْتَ اللهَ يُعَاقِبُنِي أَشَدَّ عِقَابٍ إِنْ كُنْتُ لَا أَقْطَعُ رَأْسَ أَلِيشَعَ بْنِ شَافَاطَ الْيَوْمَ!“ وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ أَحَدَ رِجَالِهِ إِلَى أَلِيشَعَ. وَكَانَ أَلِيشَعُ فِي دَارِهِ، وَبَعْضُ الشُّيُوخِ جَالِسِينَ عِنْدَهُ. فَقَالَ لَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ الرَّسُولُ إِلَيْهِ: ”هَلْ عَلِمْتُمْ أَنَّ هَذَا السَّفَّاحَ أَرْسَلَ وَاحِدًا لِيَقْطَعَ رَأْسِي؟ فَانْتَبِهُوا! أَغْلِقُوا الْبَابَ قَبْلَ مَا يَدْخُلُ، وَاتْرُكُوهُ فِي الْخَارِجِ. أَلَا تَسْمَعُونَ صَوْتَ خَطَوَاتِ سَيِّدِهِ وَرَاءَهُ؟“ وَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُمْ، وَصَلَ الرَّسُولُ ثُمَّ الْمَلِكُ، وَقَالَ الْمَلِكُ: ”كَيْفَ نَتَوَقَّعُ الْعَوْنَ مِنَ اللهِ، وَهُوَ الَّذِي جَلَبَ عَلَيْنَا هَذِهِ الْمُصِيبَةَ؟“ فَقَالَ أَلِيشَعُ: ”اِسْمَعُوا كَلَامَ اللهِ فَإِنَّهُ قَالَ: ’غَدًا فِي نَفْسِ هَذِهِ السَّاعَةِ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَشْتَرُوا كَيْلَةً مِنَ الدَّقِيقِ أَوْ كَيْلَتَيْنِ مِنَ الشَّعِيرِ بِعُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ صَغِيرَةٍ، عِنْدَ بَوَّابَةِ السَّامِرَةِ.‘“ وَكَانَ كَبِيرُ مُرَافِقِي الْمَلِكِ هُنَاكَ، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ: ”حَتَّى وَلَوْ فَتَحَ اللهُ بَوَّابَاتِ السَّمَاءِ، لَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْدُثَ هَذَا!“ فَقَالَ لَهُ أَلِيشَعُ: ”سَتَرَى ذَلِكَ بِعَيْنَيْكَ، لَكِنَّكَ لَنْ تَأْكُلَ مِنْهُ!“ وَكَانَ 4 رِجَالٍ بُرْصٍ عِنْدَ مَدْخَلِ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ”لِمَاذَا نَبْقَى هُنَا حَتَّى نَمُوتَ؟ إِنْ دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ نَمُوتُ فِيهَا مِنَ الْجُوعِ، وَإِنْ بَقِينَا هُنَا نَمُوتُ أَيْضًا. تَعَالَوْا نَذْهَبُ إِلَى مُعَسْكَرِ الْأَرَامِيِّينَ، فَإِنْ أَعْطَوْنَا طَعَامًا نَحْيَا! وَإِنْ قَتَلُونَا فَسَنَمُوتُ عَلَى أَيِّ حَالٍ!“ وَقَامُوا عِنْدَ الْمَسَاءِ وَرَاحُوا إِلَى مُعَسْكَرِ الْأَرَامِيِّينَ. وَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى طَرَفِ الْمُعَسْكَرِ، لَمْ يَجِدُوا أَحَدًا هُنَاكَ! فَإِنَّ اللهَ جَعَلَ الْأَرَامِيِّينَ يَسْمَعُونَ صَوْتَ مَرْكَبَاتٍ وَخَيْلٍ وَجَيْشٍ عَظِيمٍ! فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ”لَا بُدَّ أَنَّ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ اسْتَأْجَرَ مُلُوكَ الْحِثِّيِّينَ وَالْمِصْرِيِّينَ لِيُحَارِبُونَا!“ فَقَامُوا وَهَرَبُوا فِي الْمَسَاءِ، وَتَرَكُوا خِيَامَهُمْ وَخَيْلَهُمْ وَحَمِيرَهُمْ وَالْمُعَسْكَرَ كَمَا هُوَ، وَهَرَبُوا لِيَنْجُوا بِحَيَاتِهِمْ. وَلَمَّا وَصَلَ هَؤُلَاءِ الْبُرْصِ إِلَى طَرَفِ الْمُعَسْكَرِ، دَخَلُوا إِحْدَى الْخِيَامِ وَأَكَلُوا وَشَرِبُوا، وَأَخَذُوا مِنْهَا فِضَّةً وَذَهَبًا وَثِيَابًا وَخَرَجُوا وَخَبَّأُوهَا. ثُمَّ رَجَعُوا وَدَخَلُوا خَيْمَةً أُخْرَى، وَأَخَذُوا مِنْهَا بَعْضَ الْأَشْيَاءِ أَيْضًا وَخَرَجُوا وَخَبَّأُوهَا. ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ”عَمَلُنَا هَذَا لَيْسَ حَسَنًا. الْيَوْمُ مَعَنَا خَبَرٌ سَارٌّ وَنَحْنُ سَاكِتُونَ عَنْ إِعْلَانِهِ. فَإِنِ انْتَظَرْنَا حَتَّى يَطْلَعَ النَّهَارُ، نُعَاقَبُ عَلَى سُكُوتِنَا. تَعَالَوْا نَذْهَبُ حَالًا وَنُخْبِرُ قَصْرَ الْمَلِكِ.“ فَرَاحُوا وَنَادَوْا حَرَسَ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ وَأَخْبَرُوهُمْ وَقَالُوا: ”دَخَلْنَا مُعَسْكَرَ الْأَرَامِيِّينَ، فَلَمْ نَجِدْ أَحَدًا هُنَاكَ، وَلَا صَوْتُ إِنْسَانٍ، إِنَّمَا الْخَيْلُ وَالْحَمِيرُ مَرْبُوطَةٌ وَالْخِيَامُ كَمَا هِيَ!“ فَأَعْلَنَ حَرَسُ الْبَوَّابَةِ الْخَبَرَ وَأَبْلَغُوا قَصْرَ الْمَلِكِ. فَقَامَ الْمَلِكُ فِي اللَّيْلِ، ثُمَّ قَالَ لِأَعْوَانِهِ: ”أُخْبِرُكُمْ بِمَا عَمِلَهُ الْأَرَامِيُّونَ مَعَنَا، أَدْرَكُوا أَنَّنَا جِيَاعٌ، فَخَرَجُوا مِنَ الْمُعَسْكَرِ وَكَمَنُوا لَنَا فِي الْحُقُولِ. فَإِذَا خَرَجْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ، يَقْبِضُونَ عَلَيْنَا أَحْيَاءً وَيَسْتَوْلُونَ عَلَى الْمَدِينَةِ.“ فَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ أَعْوَانِهِ: ”إِذَنْ، يَأْخُذْ بَعْضُ الرِّجَالِ 5 مِنَ الْخَيْلِ الْبَاقِيَةِ فِي الْمَدِينَةِ، وَنُرْسِلُهُمْ لِنَرَى مَا يَحْدُثُ لَهُمْ. فَلَنْ يَكُونَ مَصِيرُهُمْ أَسْوَأَ مِنْ مَصِيرِ بَاقِي بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ عَلَى وَشْكِ الْمَوْتِ هُنَا.“ فَأَخَذَ الرِّجَالُ مَرْكَبَتَيْنِ بِخَيْلِهِمَا، وَأَرْسَلَهُمُ الْمَلِكُ وَرَاءَ جَيْشِ آرَامَ وَقَالَ لَهُمْ: ”اِذْهَبُوا وَانْظُرُوا مَا حَدَثَ.“ فَاقْتَفَوْا أَثَرَهُمْ حَتَّى نَهْرِ الْأُرْدُنِّ. فَوَجَدُوا كُلَّ الطَّرِيقِ مَمْلُوءَةً ثِيَابًا وَأَمْتِعَةً رَمَاهَا الْأَرَامِيُّونَ وَهُمْ فِي عَجَلَةٍ. فَرَجَعَ الرُّسُلُ وَأَخْبَرُوا الْمَلِكَ. فَخَرَجَ الشَّعْبُ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَنَهَبُوا مُعَسْكَرَ الْأَرَامِيِّينَ. وَكَمَا قَالَ اللهُ، أَمْكَنَ لِلنَّاسِ أَنْ يَشْتَرُوا كَيْلَةً مِنَ الدَّقِيقِ أَوْ كَيْلَتَيْنِ مِنَ الشَّعِيرِ بِعُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ صَغِيرَةٍ. وَجَعَلَ الْمَلِكُ كَبِيرَ مُرَافِقِيهِ مَسْئُولًا عَنْ حِفْظِ النِّظَامِ عِنْدَ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ. فَدَاسَهُ الشَّعْبُ فِي الْبَوَّابَةِ فَمَاتَ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ لَمَّا جَاءَ الْمَلِكُ إِلَى دَارِهِ. فَإِنَّهُ قَالَ لِلْمَلِكِ: ”غَدًا فِي نَفْسِ هَذِهِ السَّاعَةِ، يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَشْتَرُوا كَيْلَتَيْنِ مِنَ الشَّعِيرِ أَوْ كَيْلَةً مِنَ الدَّقِيقِ بِعُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ صَغِيرَةٍ، عِنْدَ بَوَّابَةِ السَّامِرَةِ.“ وَلَكِنَّ مُرَافِقَ الْمَلِكِ قَالَ لِأَلِيشَعَ: ”حَتَّى وَلَوْ فَتَحَ اللهُ بَوَّابَاتِ السَّمَاءِ، لَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْدُثَ هَذَا!“ فَقَالَ لَهُ أَلِيشَعُ: ”سَتَرَى ذَلِكَ بِعَيْنَيْكَ، لَكِنَّكَ لَنْ تَأْكُلَ مِنْهُ!“ فَتَمَّ هَذَا فِعْلًا! دَاسَهُ الشَّعْبُ فِي الْبَوَّابَةِ فَمَاتَ. وَقَالَ أَلِيشَعُ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي أَحْيَا ابْنَهَا: ”اِذْهَبِي أَنْتِ وَعَائِلَتُكِ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ كَمَا يَتَيَسَّرُ لَكِ، وَأَقِيمِي هُنَاكَ فَتْرَةً مِنَ الْوَقْتِ، لِأَنَّ اللهَ أَمَرَ بِمَجَاعَةٍ تَأْتِي عَلَى هَذِهِ الْبِلَادِ 7 سِنِينَ.“ فَعَمِلَتِ الْمَرْأَةُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ، وَقَامَتْ هِيَ وَعَائِلَتُهَا وَذَهَبَتْ إِلَى بِلَادِ الْفِلِسْطِيِّينَ وَأَقَامَتْ هُنَاكَ 7 سِنِينَ. وَفِي نِهَايَةِ السِّنِينَ الـ7، رَجَعَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ بِلَادِ الْفِلِسْطِيِّينَ، ثُمَّ رَاحَتْ إِلَى الْمَلِكِ تَسْتَغِيثُ بِهِ لِتَسْتَرِدَّ دَارَهَا وَحَقْلَهَا. وَكَانَ الْمَلِكُ يَتَحَدَّثُ مَعَ جِيحَزِي خَادِمِ أَلِيشَعَ وَيَقُولُ لَهُ: ”قُصَّ عَلَيَّ كُلَّ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي عَمِلَهَا أَلِيشَعُ.“ وَبَيْنَمَا جِيحَزِي يَقُصُّ عَلَى الْمَلِكِ كَيْفَ أَنَّ أَلِيشَعَ أَحْيَا الْمَيِّتَ، جَاءَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَحْيَا ابْنَهَا تَسْتَغِيثُ بِالْمَلِكِ لِتَسْتَرِدَّ دَارَهَا وَحَقْلَهَا. فَقَالَ جِيحَزِي: ”يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ، هَذِهِ هِيَ الْمَرْأَةُ وَهَذَا هُوَ ابْنُهَا الَّذِي أَحْيَاهُ أَلِيشَعُ!“ فَسَأَلَ الْمَلِكُ الْمَرْأَةَ، فَقَصَّتْ عَلَيْهِ ذَلِكَ. فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ مَعَهَا أَحَدَ رِجَالِهِ وَقَالَ لَهُ: ”رُدَّ لَهَا كُلَّ أَمْلَاكِهَا وَكُلَّ إِيرَادِ الْحَقْلِ مِنْ يَوْمِ تَرَكَتِ الْبِلَادَ إِلَى الْآنَ.“ وَجَاءَ أَلِيشَعُ إِلَى دِمَشْقَ، وَكَانَ بَنْهَدَدُ مَلِكُ آرَامَ مَرِيضًا. فَبَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ جَاءَ إِلَى دِمَشْقَ. فَقَالَ الْمَلِكُ لِحَزَائِيلَ: ”خُذْ مَعَكَ هَدِيَّةً، وَاذْهَبْ لِاسْتِقْبَالِ النَّبِيِّ، وَاطْلُبْ مِنْهُ أَنْ يَسْأَلَ اللهَ إِنْ كُنْتُ سَأُشْفَى مِنْ مَرَضِي.“ فَذَهَبَ حَزَائِيلُ لِاسْتِقْبَالِ أَلِيشَعَ، وَأَخَذَ مَعَهُ هَدِيَّةً، 40 جَمَلًا تَحْمِلُ مِنْ كُلِّ خَيْرَاتِ دِمَشْقَ. فَدَخَلَ وَوَقَفَ أَمَامَهُ وَقَالَ: ”اِبْنُكَ بَنْهَدَدُ مَلِكُ آرَامَ أَرْسَلَنِي لِكَيْ أَسْأَلَكَ إِنْ كَانَ سَيُشْفَى مِنْ مَرَضِهِ.“ أَجَابَهُ أَلِيشَعُ: ”كَشَفَ اللهُ لِي أَنَّهُ سَيَمُوتُ، لَكِنِ اذْهَبْ وَقُلْ لَهُ إِنَّهُ سَيُشْفَى!“ وَثَبَّتَ أَلِيشَعُ نَظَرَهُ عَلَى حَزَائِيلَ وَتَفَرَّسَ فِيهِ حَتَّى ارْتَبَكَ حَزَائِيلُ. ثُمَّ بَكَى أَلِيشَعُ. فَسَأَلَهُ حَزَائِيلُ: ”لِمَاذَا تَبْكِي يَا سَيِّدِي؟“ أَجَابَهُ أَلِيشَعُ: ”لِأَنِّي عَرَفْتُ مَا سَتَفْعَلُهُ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الشَّرِّ. فَإِنَّكَ سَتَحْرِقُ حُصُونَهُمْ بِالنَّارِ، وَتَقْتُلُ شُبَّانَهُمْ بِالسَّيْفِ، وَتُحَطِّمُ أَطْفَالَهُمْ، وَتَشُقُّ بُطُونَ حَوَامِلِهِمْ.“ فَقَالَ حَزَائِيلُ: ”يَا سَيِّدِي! كَيْفَ يُمْكِنُ لِكَلْبٍ مِثْلِي أَنْ يَرْتَكِبَ هَذِهِ الْفَظَائِعَ؟“ فَقَالَ أَلِيشَعُ: ”كَشَفَ اللهُ لِي أَنَّكَ سَتَكُونُ مَلِكًا عَلَى آرَامَ.“ وَانْصَرَفَ حَزَائِيلُ مِنْ عِنْدِ أَلِيشَعَ، وَرَجَعَ إِلَى سَيِّدِهِ. فَسَأَلَهُ سَيِّدُهُ: ”مَاذَا قَالَ لَكَ أَلِيشَعُ؟“ أَجَابَهُ: ”قَالَ لِي إِنَّكَ سَتُشْفَى.“ لَكِنَّهُ فِي الْيَوْمِ التَّالِي أَخَذَ غِطَاءً سَمِيكًا وَغَمَسَهُ فِي الْمَاءِ، وَضَغَطَهُ عَلَى وَجْهِ بَنْهَدَدَ حَتَّى مَاتَ. وَمَلَكَ حَزَائِيلُ مَكَانَهُ. فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ لِيُورَامَ بْنِ آخَابَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، مَلَكَ يُورَامُ بْنُ يُوشَافَاطَ عَلَى يَهُوذَا. وَكَانَ ذَلِكَ بَيْنَمَا يُوشَافَاطُ مَا زَالَ يَمْلِكُ. كَانَ يُورَامُ ابْنَ 32 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 8 سِنِينَ فِي الْقُدْسِ. وَتَبِعَ مِثَالَ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ، كَمَا فَعَلَتْ عَائِلَةُ آخَابَ، لِأَنَّ بِنْتَ آخَابَ كَانَتْ زَوْجَتَهُ. فَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ. وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَرْغَبِ الْمَوْلَى فِي أَنْ يُبِيدَ يَهُوذَا، مِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِهِ. لِأَنَّ الْمَوْلَى وَعَدَ بِأَنْ يُعْطِيَهُ هُوَ وَأَوْلَادَهُ مِصْبَاحًا إِلَى الْأَبَدِ. وَفِي أَيَّامِ يُورَامَ تَمَرَّدَ الْأَدُومِيُّونَ عَلَى يَهُوذَا وَأَقَامُوا عَلَيْهِمْ مَلِكًا. فَعَبَرَ يُورَامُ إِلَى صَعِيرَ وَمَعَهُ كُلُّ مَرْكَبَاتِهِ. فَحَاصَرَهُ الْأَدُومِيُّونَ، وَلَكِنَّهُ قَامَ فِي اللَّيْلِ هُوَ وَقَادَةُ الْمَرْكَبَاتِ وَاخْتَرَقَ الْحِصَارَ، وَهَرَبَ جَيْشُهُ إِلَى دِيَارِهِمْ. وَمَا زَالَ الْأَدُومِيُّونَ مُتَمَرِّدِينَ عَلَى يَهُوذَا إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تَمَرَّدَتْ لِبْنَةُ أَيْضًا. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ يُورَامَ وَكُلُّ أَعْمَالِهِ، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ يَهُوذَا. وَانْضَمَّ يُورَامُ إِلَى أَسْلَافِهِ، وَدُفِنَ مَعَهُمْ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. وَمَلَكَ مَكَانَهُ أَخَزْيَا ابْنُهُ. فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ لِيُورَامَ بْنِ آخَابَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، مَلَكَ أَخَزْيَا بْنُ يُورَامَ عَلَى يَهُوذَا. وَكَانَ أَخَزْيَا ابْنَ 22 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ سَنَةً وَاحِدَةً فِي الْقُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ عَثَلْيَا حَفِيدَةُ عُمْرِي مَلِكِ إِسْرَائِيلَ. وَتَبِعَ مِثَالَ عَائِلَةِ آخَابَ، وَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ كَعَائِلَةِ آخَابَ، لِأَنَّهُ كَانَ صِهْرَهُمْ. وَذَهَبَ أَخَزْيَا مَعَ يُورَامَ بْنِ آخَابَ لِمُحَارَبَةِ حَزَائِيلَ مَلِكِ آرَامَ فِي رَامُوتَ جِلْعَادَ، وَأَصَابَ الْأَرَامِيُّونَ يُورَامَ. فَرَجَعَ الْمَلِكُ يُورَامُ إِلَى يَزْرَعِيلَ، لِيَبْرَأَ مِنَ الْجُرُوحِ الَّتِي أَصَابَهُ بِهَا الْأَرَامِيُّونَ فِي رَامُوتَ لَمَّا حَارَبَ حَزَائِيلَ مَلِكَ آرَامَ. وَذَهَبَ أَخَزْيَا بْنُ يُورَامَ مَلِكُ يَهُوذَا إِلَى يَزْرَعِيلَ لِزِيَارَةِ يُورَامَ بْنِ آخَابَ فِي مَرَضِهِ. وَاسْتَدْعَى أَلِيشَعُ النَّبِيُّ وَاحِدًا مِنْ جَمَاعَةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَالَ لَهُ: ”اِلْبَسْ حِزَامَكَ، وَخُذْ قَارُورَةَ الزَّيْتِ هَذِهِ مَعَكَ، وَاذْهَبْ إِلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ. وَحِينَ تَصِلُ إِلَيْهَا، اِبْحَثْ هُنَاكَ عَنْ يَاهُو بْنِ يُوشَافَاطَ بْنِ نِمْشِي. وَاذْهَبْ إِلَيْهِ وَخُذْهُ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِهِ، وَادْخُلْ مَعَهُ إِلَى غُرْفَةٍ دَاخِلِيَّةٍ. ثُمَّ خُذِ الْقَارُورَةَ وَصُبَّ الزَّيْتَ عَلَى رَأْسِهِ، وَقُلْ لَهُ: ’قَالَ اللهُ: ”مَسَحْتُكَ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ.“‘ ثُمَّ افْتَحِ الْبَابَ وَاهْرُبْ بِسُرْعَةٍ!“ فَمَضَى النَّبِيُّ الشَّابُّ إِلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ. وَلَمَّا دَخَلَهَا، وَجَدَ قَادَةَ الْجَيْشِ جَالِسِينَ مَعًا. فَقَالَ: ”مَعِي رِسَالَةٌ إِلَيْكَ أَيُّهَا الْقَائِدُ.“ فَقَالَ يَاهُو: ”إِلَى مَنْ مِنَّا كُلِّنَا؟“ أَجَابَ: ”إِلَيْكَ أَنْتَ أَيُّهَا الْقَائِدُ.“ فَقَامَ يَاهُو وَذَهَبَ مَعَهُ إِلَى الدَّارِ، وَصَبَّ النَّبِيُّ الزَّيْتَ عَلَى رَأْسِ يَاهُو وَقَالَ لَهُ: ”قَالَ اللهُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ’مَسَحْتُكَ مَلِكًا عَلَى شَعْبِ اللهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَيَجِبُ أَنْ تَقْضِيَ عَلَى عَائِلَةِ آخَابَ. فَإِنِّي سَأَنْتَقِمُ مِنْ إِيزَابِلَ لِدَمِ عَبِيدِيَ الْأَنْبِيَاءِ وَدَمِ كُلِّ عَبِيدِ اللهِ، حَتَّى تَفْنَى كُلُّ عَائِلَةِ آخَابَ. وَأُبِيدُ كُلَّ ذَكَرٍ فِيهِمْ، عَبْدًا كَانَ أَمْ حُرًّا. وَأَجْعَلُ عَائِلَةَ آخَابَ كَعَائِلَةِ يَرْبَعَامَ بْنِ نَبَاطَ، وَكَعَائِلَةِ بَعْشَا بْنِ أَخِيَّا. وَتَأْكُلُ الْكِلَابُ إِيزَابِلَ فِي حَقْلِ يَزْرَعِيلَ، وَلَا يَدْفِنُهَا أَحَدٌ.‘“ ثُمَّ فَتَحَ النَّبِيُّ الْبَابَ وَهَرَبَ. وَلَمَّا رَجَعَ يَاهُو إِلَى رِجَالِ الْمَلِكِ، سَأَلُوهُ: ”خَيْرٌ إِنْ شَاءَ اللهُ! لِمَاذَا جَاءَ هَذَا الْمَجْنُونُ إِلَيْكَ؟“ فَقَالَ لَهُمْ: ”أَنْتُمْ تَعْرِفَونَ هَذَا الرَّجُلَ وَكَلَامَهُ!“ فَقَالُوا: ”لَا نَعْرِفُ، أَخْبِرْنَا.“ فَقَالَ يَاهُو: ”قَالَ لِي: ’قَالَ اللهُ: ”مَسَحْتُكَ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ.“‘“ فَأَسْرَعُوا وَخَلَعَ كُلُّ وَاحِدٍ عَبَايَتَهُ وَفَرَشَهَا عَلَى دَرَجَاتِ السُّلَّمِ حَيْثُ كَانَ يَاهُو وَاقِفًا، وَنَفَخُوا فِي الْبُوقِ وَهَتَفُوا: ”يَاهُو هُوَ الْمَلِكُ!“ وَثَارَ يَاهُو بْنُ يُوشَافَاطَ بْنِ نِمْشِي عَلَى يُورَامَ. وَكَانَ يُورَامُ يُدَافِعُ عَنْ رَامُوتَ جِلْعَادَ هُوَ وَكُلُّ جَيْشِ إِسْرَائِيلَ ضِدَّ حَزَائِيلَ مَلِكِ آرَامَ. وَلَكِنْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، كَانَ يُورَامُ قَدْ رَجَعَ إِلَى يَزْرَعِيلَ، لِيَبْرَأَ مِنَ الْجُرُوحِ الَّتِي أَصَابَهُ بِهَا الْأَرَامِيُّونَ، لَمَّا حَارَبَ حَزَائِيلَ مَلِكَ آرَامَ. فَقَالَ يَاهُو: ”إِنْ كَانَتْ هَذِهِ هِيَ رَغْبَتَكُمْ، فَلَا تَسْمَحُوا لِأَحَدٍ بِأَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَدِينَةِ، لِئَلَّا يَذْهَبَ وَيُخْبِرَ فِي يَزْرَعِيلَ.“ ثُمَّ رَكِبَ يَاهُو مَرْكَبَتَهُ وَانْطَلَقَ إِلَى يَزْرَعِيلَ، حَيْثُ كَانَ يُورَامُ رَاقِدًا فِي الْفِرَاشِ، وَأَخَزْيَا مَلِكُ يَهُوذَا قَدْ ذَهَبَ إِلَى هُنَاكَ لِزِيَارَتِهِ. وَكَانَ الْحَارِسُ وَاقِفًا عَلَى الْبُرْجِ فِي يَزْرَعِيلَ، فَرَأَى جَمَاعَةَ يَاهُو مُقْبِلَةً، فَقَالَ: ”أَرَى جَمَاعَةً!“ فَقَالَ يُورَامُ: ”أَرْسِلْ فَارِسًا لِيُقَابِلَهُمْ وَيَقُولَ لَهُمْ: ’خَيْرٌ إِنْ شَاءَ اللهُ!‘“ فَذَهَبَ الْفَارِسُ وَقَابَلَهُمْ وَقَالَ: ”الْمَلِكُ يَقُولُ: ’خَيْرٌ إِنْ شَاءَ اللهُ!‘“ فَأَجَابَهُ يَاهُو: ”مَا لَكَ وَلِلْخَيْرِ! تَعَالَ وَرَائِي!“ فَأَخْبَرَ الْحَارِسُ بِمَا رَأَى وَقَالَ: ”وَصَلَ الرَّسُولُ إِلَيْهِمْ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ.“ فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ فَارِسًا ثَانِيًا. فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِمْ قَالَ: ”الْمَلِكُ يَقُولُ: ’خَيْرٌ إِنْ شَاءَ اللهُ!‘“ فَأَجَابَهُ يَاهُو: ”مَا لَكَ وَلِلْخَيْرِ! تَعَالَ وَرَائِي!“ فَأَخْبَرَ الْحَارِسُ بِمَا رَأَى وَقَالَ: ”وَصَلَ إِلَيْهِمْ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ. وَأَظُنُّ أَنَّ الَّذِي يَسُوقُ الْمَرْكَبَةَ هُوَ يَاهُو بْنُ نِمْشِي، لِأَنَّهُ يَسُوقُ بِجُنُونٍ.“ فَأَمَرَ يُورَامُ بِأَنْ يُعِدُّوا لَهُ مَرْكَبَتَهُ فَأَعَدُّوهَا. وَخَرَجَ يُورَامُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ، وَأَخَزْيَا مَلِكُ يَهُوذَا، كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَرْكَبَتِهِ، لِمُقَابَلَةِ يَاهُو. فَصَادَفَاهُ عِنْدَ حَقْلِ نَابُوتَ الْيَزْرَعِيلِيِّ. فَلَمَّا رَأَى يُورَامُ يَاهُو، قَالَ: ”خَيْرٌ إِنْ شَاءَ اللهُ يَا يَاهُو!“ أَجَابَهُ: ”مِنْ أَيْنَ يَأْتِي الْخَيْرُ، مَا دَامَتْ أُمُّكَ إِيزَابِلُ تَعْبُدُ الْأَصْنَامَ وَتُمَارِسُ السِّحْرَ؟“ فَأَدَارَ يُورَامُ الْخَيْلَ لِيَهْرُبَ، وَصَرَخَ لِأَخَزْيَا: ”خِيَانَةٌ يَا أَخَزْيَا!“ فَأَطْلَقَ يَاهُو سَهْمًا مِنْ قَوْسِهِ، فَأَصَابَ يُورَامَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَاخْتَرَقَ قَلْبَهُ، فَسَقَطَ فِي مَرْكَبَتِهِ. فَقَالَ يَاهُو لِبِدْقَرَ وَكِيلِهِ: ”خُذْهُ وَارْمِهِ فِي حَقْلِ نَابُوتَ الْيَزْرَعِيلِيِّ. وَاذْكُرْ لَمَّا كُنَّا رَاكِبَيْنِ مَعًا وَرَاءَ آخَابَ أَبِيهِ، وَأَنْبَأَ الْمَوْلَى بِهَذَا الْعِقَابِ ضِدَّهُ وَقَالَ: ’قَالَ اللهُ: ”رَأَيْتُ بِالْأَمْسِ كَيْفَ سُفِكَ دَمُ نَابُوتَ وَدَمُ أَوْلَادِهِ، لِهَذَا فَإِنِّي أُعَاقِبُكَ فِي نَفْسِ هَذَا الْحَقْلِ.“‘ فَالْآنَ ارْفَعْهُ وَارْمِهِ فِي الْحَقْلِ كَمَا قَالَ اللهُ.“ وَلَمَّا رَأَى أَخَزْيَا مَلِكُ يَهُوذَا مَا جَرَى، هَرَبَ فِي طَرِيقِ بَيْتِ الْبُسْتَانِ، فَطَارَدَهُ يَاهُو وَصَرَخَ: ”اُقْتُلُوهُ هُوَ أَيْضًا!“ فَأَصَابُوهُ وَهُوَ فِي مَرْكَبَتِهِ عِنْدَ طَرِيقِ جُورَ بِالْقُرْبِ مِنْ يِبْلَعَامَ. وَلَكِنَّهُ هَرَبَ إِلَى مَجِدُّو، وَمَاتَ هُنَاكَ. وَنَقَلَهُ رِجَالُهُ فِي الْمَرْكَبَةِ إِلَى الْقُدْسِ، وَدَفَنُوهُ فِي قَبْرِهِ مَعَ أَسْلَافِهِ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. وَكَانَ أَخَزْيَا قَدْ أَصْبَحَ مَلِكًا عَلَى يَهُوذَا فِي السَّنَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ لِيُورَامَ بْنِ آخَابَ. ثُمَّ جَاءَ يَاهُو إِلَى يَزْرَعِيلَ. وَلَمَّا سَمِعَتْ إِيزَابِلُ كَحَّلَتْ عَيْنَيْهَا، وَزَيَّنَتْ رَأْسَهَا، وَأَطَلَّتْ مِنَ الشُّبَّاكِ. فَلَمَّا دَخَلَ يَاهُو بَوَّابَةَ الْمَدِينَةِ، قَالَتْ لَهُ: ”أَهْلًا وَسَهْلًا بِزِمْرِي الْجَدِيدِ الَّذِي قَتَلَ سَيِّدَهُ!“ فَرَفَعَ يَاهُو وَجْهَهُ نَحْوَ الشُّبَّاكِ وَقَالَ: ”مَنْ مَعِي؟“ فَأَطَلَّ عَلَيْهِ 2 أَوْ 3 مِنَ الْخَدَمِ. فَقَالَ: ”اِطْرَحُوهَا مِنَ الشُّبَّاكِ.“ فَطَرَحُوهَا فَتَطَايَرَ مِنْ دَمِهَا عَلَى الْحَائِطِ وَعَلَى الْخَيْلِ الَّتِي دَاسَتْهَا. وَدَخَلَ يَاهُو الْقَصْرَ وَأَكَلَ وَشَرِبَ. ثُمَّ قَالَ: ”رُوحُوا كَفِّنُوا هَذِهِ الْمَلْعُونَةَ وَادْفِنُوهَا، لِأَنَّهَا بِنْتُ مَلِكٍ.“ فَلَمَّا ذَهَبُوا لِيَدْفِنُوهَا، لَمْ يَجِدُوا مِنْهَا غَيْرَ الْجُمْجُمَةِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْيَدَيْنِ. فَرَجَعُوا وَأَخْبَرُوهُ. فَقَالَ: ”تَمَّ كَلَامُ اللهِ الَّذِي قَالَهُ بِوَاسِطَةِ عَبْدِهِ إِلْيَاسَ التِّشْبِيِّ: ’فِي حَقْلِ يَزْرَعِيلَ تَأْكُلُ الْكِلَابُ لَحْمَ إِيزَابِلَ. وَتَكُونُ جُثَّتُهَا زِبَالَةً فِي الْحَقْلِ، فِي أَرْضِ يَزْرَعِيلَ، فَلَا يَتَعَرَّفُ عَلَيْهَا أَحَدٌ وَيَقُولُ: ”هَذِهِ إِيزَابِلُ.“‘“ وَكَانَ لِآخَابَ 70 ابْنًا فِي السَّامِرَةِ. فَكَتَبَ يَاهُو رَسَائِلَ وَأَرْسَلَهَا إِلَى السَّامِرَةِ، إِلَى قَادَةِ الْمَدِينَةِ وَشُيُوخِهَا وَإِلَى الْأَوْصِيَاءِ عَلَى عَائِلَةِ آخَابَ وَقَالَ: ”أَنْتُمْ عِنْدَكُمْ أَوْلَادُ سَيِّدِكُمْ، وَعِنْدَكُمْ مَرْكَبَاتٌ وَخَيْلٌ وَمَدِينَةٌ مُحَصَّنَةٌ وَسِلَاحٌ، فَعِنْدَ وُصُولِ هَذِهِ الرِّسَالَةِ إِلَيْكُمْ، اِخْتَارُوا أَحْسَنَ وَأَصْلَحَ وَاحِدٍ مِنْ أَوْلَادِ سَيِّدِكُمْ، وَأَجْلِسُوهُ عَلَى عَرْشِ أَبِيهِ، وَحَارِبُوا عَنْ بَيْتِ سَيِّدِكُمْ.“ فَخَافُوا جِدًّا جِدًّا وَقَالُوا: ”لَمْ يَقِفْ أَمَامَهُ مَلِكَانِ، فَكَيْفَ نَقِفُ نَحْنُ؟“ فَأَرْسَلَ مُدِيرُ الْقَصْرِ وَحَاكِمُ الْمَدِينَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْأَوْصِيَاءُ إِلَى يَاهُو وَقَالُوا: ”نَحْنُ عَبِيدُكَ، وَكُلُّ مَا تَأْمُرُنَا بِهِ نَعْمَلُهُ. لَنْ نُقِيمَ عَلَيْنَا مَلِكًا، فَافْعَلْ مَا تَشَاءُ.“ فَكَتَبَ لَهُمْ رِسَالَةً ثَانِيَةً وَقَالَ: ”إِنْ كُنْتُمْ فِي صَفِّي وَأَطَعْتُمْ كَلَامِي، فَاقْطَعُوا رُؤُوسَ أَوْلَادِ سَيِّدِكُمْ وَتَعَالَوْا لِي فِي يَزْرَعِيلَ غَدًا فِي نَفْسِ هَذِهِ السَّاعَةِ تَقْرِيبًا.“ وَكَانَ أَوْلَادُ الْمَلِكِ الـ70 عِنْدَ كِبَارِ رِجَالِ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ كَانُوا أَوْصِيَاءَ عَلَيْهِمْ. فَلَمَّا وَصَلَتِ الرِّسَالَةُ، أَخَذُوا أَوْلَادَ الْمَلِكِ الـ70 وَقَتَلُوهُمْ كُلَّهُمْ وَوَضَعُوا رُؤُوسَهُمْ فِي سِلَالٍ، وَأَرْسَلُوهَا إِلَى يَاهُو فِي يَزْرَعِيلَ. وَجَاءَ الرَّسُولُ إِلَيْهِ وَقَالَ: ”أَحْضَرُوا رُؤُوسَ أَوْلَادِ الْمَلِكِ.“ فَقَالَ يَاهُو: ”اِجْعَلُوهَا كُومَتَيْنِ عِنْدَ مَدْخَلِ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ لِحَدِّ الصُّبْحِ.“ وَفِي الصُّبْحِ خَرَجَ يَاهُو وَوَقَفَ أَمَامَ كُلِّ الشَّعْبِ وَقَالَ لَهُمْ: ”اُحْكُمُوا بِالْعَدْلِ! أَنَا تَآمَرْتُ عَلَى الْمَلِكِ يُورَامَ وَقَتَلْتُهُ، وَلَكِنْ مَنْ قَتَلَ كُلَّ هَؤُلَاءِ؟ فَاعْلَمُوا الْآنَ أَنَّهُ لَنْ يَضِيعَ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ اللهِ الَّذِي قَضَى بِهِ عَلَى بَيْتِ آخَابَ. بَلْ نَفَّذَ اللهُ مَا قَالَهُ بِوَاسِطَةِ عَبْدِهِ إِلْيَاسَ.“ وَقَتَلَ يَاهُو فِي يَزْرَعِيلَ كُلَّ مَنْ بَقِيَ مِنْ عَائِلَةِ آخَابَ، وَكُلَّ قَادَتِهِ وَأَصْحَابِهِ وَكَهَنَتِهِ، وَلَمْ يُبْقِ مِنهُمْ أَحَدًا. ثُمَّ قَامَ يَاهُو وَذَهَبَ إِلَى السَّامِرَةِ. وَبَيْنَمَا هُوَ فِي الطَّرِيقِ عِنْدَ مَكَانٍ يُدْعَى 'مَأْوَى الرُّعَاةِ' صَادَفَ بَعْضَ أَقَارِبِ أَخَزْيَا مَلِكِ يَهُوذَا، فَسَأَلَهُمْ: ”مَنْ أَنْتُمْ؟“ فَقَالُوا: ”نَحْنُ أَقَارِبُ أَخَزْيَا، جِئْنَا لِنُسَلِّمَ عَلَى عَائِلَةِ الْمَلِكِ يُورَامَ وَالْمَلِكَةِ إِيزَابِلَ.“ فَقَالَ يَاهُو: ”اِقْبِضُوا عَلَيْهِمْ أَحْيَاءً.“ فَقَبَضُوا عَلَيْهِمْ وَقَتَلُوهُمْ عِنْدَ حُفْرَةٍ هُنَاكَ. وَكَانُوا 42 رَجُلًا، وَلَمْ يُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا. ثُمَّ ذَهَبَ مِنْ هُنَاكَ، فَصَادَفَ يُونَادَابَ بْنَ رِكَابَ قَادِمًا لِاسْتِقْبَالِهِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ يَاهُو وَقَالَ لَهُ: ”هَلْ أَنْتَ مُخْلِصٌ لِي كَمَا أَنِّي مُخْلِصٌ لَكَ؟“ أَجَابَهُ يُونَادَابُ: ”نَعَمْ.“ فَقَالَ لَهُ يَاهُو: ”إِذَنْ هَاتِ يَدَكَ.“ فَأَعْطَاهُ يَدَهُ. فَأَصْعَدَهُ يَاهُو إِلَيْهِ فِي الْمَرْكَبَةِ. وَقَالَ يَاهُو: ”تَعَالَ مَعِي لِتَرَى غِيرَتِي للهِ.“ فَأَخَذَهُ مَعَهُ فِي مَرْكَبَتِهِ، وَذَهَبَ إِلَى السَّامِرَةِ، وَقَتَلَ كُلَّ مَنْ بَقِيَ لِآخَابَ فِي السَّامِرَةِ. فَأَفْنَاهُمْ كَمَا قَالَ اللهُ بِوَاسِطَةِ إِلْيَاسَ. ثُمَّ جَمَعَ يَاهُو كُلَّ الشَّعْبِ وَقَالَ لَهُمْ: ”آخَابُ عَبَدَ الْبَعْلَ قَلِيلًا، أَمَّا يَاهُو فَسَيَعْبُدُهُ كَثِيرًا. فَادْعُوا الْآنَ إِلَيَّ كُلَّ أَنْبِيَاءِ الْبَعْلِ وَعُبَّادِهِ وَكَهَنَتِهِ. لَا يَتَخَلَّفْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، لِأَنِّي سَأُقَدِّمُ ضَحِيَّةً عَظِيمَةً لِلْبَعْلِ، وَكُلُّ مَنْ يَتَخَلَّفُ يُقْتَلُ.“ وَكَانَتْ هَذِهِ مَكِيدَةً دَبَّرَهَا يَاهُو لِيُهْلِكَ عُبَّادَ الْبَعْلِ. وَقَالَ يَاهُو: ”اُدْعُوا النَّاسَ إِلَى احْتِفَالٍ لِلْبَعْلِ.“ فَدَعَوْهُمْ. وَأَرْسَلَ يَاهُو نِدَاءَهُ فِي كُلِّ إِسْرَائِيلَ، فَجَاءَ كُلُّ عُبَّادِ الْبَعْلِ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْهُمْ أَحَدٌ. وَدَخَلُوا مَعْبَدَ الْبَعْلِ فَامْتَلَأَ بِهِمْ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ. وَقَالَ يَاهُو لِلْمُشْرِفِ عَلَى الْمَلَابِسِ: ”أَخْرِجْ مَلَابِسَ لِكُلِّ عُبَّادِ الْبَعْلِ.“ فَأَخْرَجَ لَهُمْ مَلَابِسَ. وَدَخَلَ يَاهُو وَيُونَادَابُ بْنُ رِكَابَ إِلَى مَعْبَدِ الْبَعْلِ. وَقَالَ يَاهُو لِعُبَّادِ الْبَعْلِ: ”فَتِّشُوا وَانْظُرُوا لِئَلَّا يَكُونَ أَحَدٌ مِنْ عُبَّادِ اللهِ بَيْنَكُمْ هُنَا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُنَا إِلَّا عُبَّادَ الْبَعْلِ وَحْدَهُمْ.“ وَدَخَلُوا لِيُقَدِّمُوا ضَحَايَا وَقَرَابِينَ. وَكَانَ يَاهُو قَدْ أَقَامَ خَارِجَ الْمَعْبَدِ 80 رَجُلًا وَقَالَ لَهُمْ: ”إِنْ أَفْلَتَ وَاحِدٌ مِنْ عُبَّادِ الْبَعْلِ الَّذِينَ وَضَعْتُهُمْ هُنَا فِي أَيْدِيكُمْ، تَكُونُ حَيَاتُكُمْ بَدَلَ حَيَاتِهِ.“ فَلَمَّا انْتَهَى يَاهُو مِنْ تَقْدِيمِ الْقُرْبَانِ، قَالَ لِلْحَرَسِ وَالضُّبَّاطِ: ”اُدْخُلُوا وَاقْتُلُوهُمْ. لَا يَهْرُبْ أَحَدٌ.“ فَقَتَلُوهُمْ بِالسَّيْفِ، وَطَرَحُوا جُثَثَهُمْ فِي الْخَارِجِ. ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَسُ وَالضُّبَّاطُ إِلَى مِحْرَابِ مَعْبَدِ الْبَعْلِ، وَأَخْرَجُوا التَّمَاثِيلَ وَأَحْرَقُوهَا، وَكَسَّرُوا تِمْثَالَ الْبَعْلِ، وَهَدَمُوا مَعْبَدَ الْبَعْلِ وَجَعَلُوهُ مِرْحَاضًا إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. فَقَضَى يَاهُو عَلَى عِبَادَةِ الْبَعْلِ فِي إِسْرَائِيلَ. إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ شُرُورِ يَرْبَعَامَ بْنِ نَبَاطَ، الَّذِي جَعَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَرْتَكِبُونَ الشَّرَّ، أَيْ عِبَادَةَ عُجُولِ الذَّهَبِ الَّتِي فِي بَيْتَ إِيلَ وَفِي دَانَ. وَقَالَ اللهُ لِيَاهُو: ”أَحْسَنْتَ لِأَنَّكَ عَمِلْتَ مَا هُوَ صَالِحٌ فِي نَظَرِي، وَفَعَلْتَ بِعَائِلَةِ آخَابَ كُلَّ مَا نَوَيْتُهُ فِي قَلْبِي. لِذَلِكَ يَجْلِسُ أَوْلَادُكَ إِلَى الْجِيلِ الرَّابِعِ عَلَى عَرْشِ إِسْرَائِيلَ.“ وَلَكِنَّ يَاهُو لَمْ يَحْرِصْ عَلَى طَاعَةِ شَرِيعَةِ اللهِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ كُلِّ قَلْبِهِ. لَمْ يَرْجِعْ عَنْ شُرُورِ يَرْبَعَامَ الَّذِي جَعَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَرْتَكِبُونَ الشَّرَّ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، بَدَأَ اللهُ يُصَغِّرُ مِسَاحَةَ أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. فَهَزَمَ حَزَائِيلُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي كُلِّ بِلَادِهِمْ، شَرْقَ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ. أَيْ كُلِّ أَرْضِ جِلْعَادَ، الَّتِي هِيَ مِنْطَقَةُ جَادَ وَرَأُوبِينَ وَمَنَسَّى. وَمِنْ عَرُوعِيرَ الَّتِي عَلَى وَادِي أَرْنُونَ إِلَى جِلْعَادَ وَبَاشَانَ. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ يَاهُو، وَكُلُّ أَعْمَالِهِ، وَكُلُّ انْتِصَارَاتِهِ، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. وَانْضَمَّ يَاهُو إِلَى أَسْلَافِهِ، وَدَفَنُوهُ فِي السَّامِرَةِ. وَمَلَكَ مَكَانَهُ يُوأَحَازُ ابْنُهُ. وَدَامَ مُلْكُ يَاهُو عَلَى إِسْرَائِيلَ فِي السَّامِرَةِ 28 سَنَةً. فَلَمَّا رَأَتْ عَثَلْيَا أُمُّ أَخَزْيَا أَنَّ ابْنَهَا مَاتَ، قَتَلَتْ كُلَّ النَّسْلِ الْمَلَكِيِّ. وَلَكِنَّ يُوشَبْعَةَ بِنْتَ الْمَلِكِ يُورَامَ وَأُخْتَ أَخَزْيَا، أَخَذَتْ يُوآشَ بْنَ أَخَزْيَا مِنْ بَيْنِ بَنِي الْمَلِكِ فِي أَثْنَاءِ قَتْلِهِمْ، وَسَرَقَتْهُ وَوَضَعَتْهُ هُوَ وَمُرْضِعَتَهُ فِي غُرْفَةٍ لِلنَّوْمِ، وَخَبَّأَتْهُ مِنْ عَثَلْيَا فَلَمْ يُقْتَلْ. فَكَانَ يُوآشُ مَعَ مُرْضِعَتِهِ مُخْتَبِئًا فِي بَيْتِ اللهِ 6 سِنِينَ، كَانَتْ عَثَلْيَا فِي أَثْنَائِهَا مَلِكَةً عَلَى الْبِلَادِ. وَفِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ، اِسْتَدْعَى يُويَادَاعُ قَادَةَ الْوَحْدَاتِ الْعَسْكَرِيَّةِ وَالضُّبَّاطَ وَحَرَسَ الْقَصْرِ، وَأَحْضَرَهُمْ عِنْدَهُ فِي بَيْتِ اللهِ، وَعَمِلَ مَعَهُمْ عَهْدًا وَحَلَّفَهُمْ فِي بَيْتِ اللهِ، ثُمَّ أَرَاهُمُ ابْنَ الْمَلِكِ. وَأَمَرَهُمْ وَقَالَ: ”اِعْمَلُوا هَذَا: هُنَاكَ 3 فِرَقٍ مِنْكُمْ عَلَيْهِمُ الْحِرَاسَةُ يَوْمَ السَّبْتِ، فَأُرِيدُ أَنَّ فِرْقَةً تَحْرُسُ قَصْرَ الْمَلِكِ، وَفِرْقَةً أُخْرَى تَحْرُسُ بَابَ صُورَ، وَالْفِرْقَةَ الثَّالِثَةَ تَحْرُسُ بَابَ بَيْتِ اللهِ وَتُسَاعِدُ الْحَرَسَ الدَّائِمَ، بِذَلِكَ تَحْرُسُونَ بَيْتَ اللهِ، وَيُمْكِنُكُمْ صَدُّ أَيِّ هُجُومٍ. ثُمَّ هُنَاكَ فِرْقَتَانِ لَيْسَ عَلَيْهِمَا الْحِرَاسَةُ يَوْمَ السَّبْتِ، فَأُرِيدُ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنْ يَقُومُوا بِتَأْمِينِ حِرَاسَةِ بَيْتِ اللهِ وَحِمَايَةِ الْمَلِكِ. فَيَجِبُ أَنْ تُحِيطُوا بِالْمَلِكِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ يَحْمِلُ سِلَاحَهُ فِي يَدِهِ، وَمَنْ يُحَاوِلُ أَنْ يَخْتَرِقَ الصُّفُوفَ إِلَى الْمَلِكِ يُقْتَلُ. وَكُونُوا مَعَ الْمَلِكِ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَذْهَبُ إِلَيْهِ.“ فَعَمِلَ قَادَةُ الْوَحْدَاتِ الْعَسْكَرِيَّةِ كُلَّ مَا أَمَرَ بِهِ يُويَادَاعُ الْحَبْرُ. وَأَحْضَرَ كُلُّ قَائِدٍ رِجَالَهُ سَوَاءً كَانَتْ عَلَيْهِمُ الْحِرَاسَةُ يَوْمَ السَّبْتِ أَوْ لَا. وَجَاءُوا إِلَى يُويَادَاعَ الْحَبْرِ، فَأَعْطَى لِقَادَةِ الْوَحْدَاتِ الْعَسْكَرِيَّةِ الْحِرَابَ وَالدُّرُوعَ الَّتِي لِلْمَلِكِ دَاوُدَ فِي بَيْتِ اللهِ. وَوَقَفَ الْحَرَسُ كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَكَانِهِ وَسِلَاحُهُ فِي يَدِهِ. فَكَانُوا فِي بَيْتِ اللهِ مِنَ الْجَانِبِ الْجَنُوبِيِّ إِلَى الْجَانِبِ الشَّمَالِيِّ، وَعِنْدَ مَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ وَالْبَيْتِ وَحَوْلَ الْمَلِكِ. وَأَخْرَجَ يُويَادَاعُ ابْنَ الْمَلِكِ، وَوَضَعَ التَّاجَ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَدَّمَ لَهُ نُسْخَةً مِنَ الشَّرِيعَةِ. فَنَصَّبُوهُ مَلِكًا وَمَسَحُوهُ. وَصَفَّقَ الشَّعْبُ وَهَتَفُوا: ”يَحْيَا الْمَلِكُ!“ وَسَمِعَتْ عَثَلْيَا صَوْتَ الْحَرَسِ وَالنَّاسِ، فَدَخَلَتْ إِلَى الشَّعْبِ فِي بَيْتِ اللهِ. وَرَأَتِ الْمَلِكَ وَاقِفًا عَلَى الْمِنْبَرِ حَسَبَ الْعَادَةِ، وَالْقَادَةَ وَالَّذِينَ يَنْفُخُونَ فِي الْأَبْوَاقِ بِجِوَارِهِ، وَكُلَّ النَّاسِ فَرْحَانِينَ وَيَنْفُخُونَ فِي الْأَبْوَاقِ. فَمَزَّقَتْ عَثَلْيَا ثِيَابَهَا وَصَرَخَتْ: ”يَا خَوَنَةٌ! يَا خَوَنَةٌ!“ فَأَمَرَ يُويَادَاعُ الْحَبْرُ قَادَةَ وَحْدَاتِ الْجَيْشِ وَقَالَ لَهُمْ: ”أَخْرِجُوهَا مِنْ هُنَا وَكُلُّ مَنْ يَتْبَعُهَا اقْتُلُوهُ بِالسَّيْفِ.“ وَقَالَ: ”لَا يَصِحُّ أَنْ تُقْتَلَ فِي بَيْتِ اللهِ.“ فَقَبَضُوا عَلَيْهَا وَكَانَتْ قَدْ وَصَلَتْ إِلَى قَصْرِ الْمَلِكِ عِنْدَ مَدْخَلِ الْخَيْلِ، فَقَتَلُوهَا هُنَاكَ. وَعَمِلَ يُويَادَاعُ عَهْدًا بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ الْمَلِكِ وَالشَّعْبِ، لِيَكُونُوا شَعْبَ اللهِ. وَعَمِلَ أَيْضًا عَهْدًا بَيْنَ الْمَلِكِ وَالشَّعْبِ. وَدَخَلَ كُلُّ الشَّعْبِ إِلَى مَعْبَدِ الْبَعْلِ وَخَرَّبُوهُ، وَهَدَمُوا مَنَصَّاتِ الْقُرْبَانِ، وَحَطَّمُوا تَمَاثِيلَهُ تَمَامًا، وَقَتَلُوا مَتَّانَ كَاهِنَ الْبَعْلِ أَمَامَ الْمَنَصَّاتِ. ثُمَّ وَضَعَ يُويَادَاعُ الْحَبْرُ حَرَسًا عَلَى بَيْتِ اللهِ. وَأَخَذَ مَعَهُ قَادَةَ الْوَحْدَاتِ الْعَسْكَرِيَّةِ وَالضُّبَّاطَ وَالْحَرَسَ وَكُلَّ الشَّعْبِ، فَأَنْزَلُوا الْمَلِكَ مِنْ بَيْتِ اللهِ، وَسَارُوا فِي طَرِيقِ بَوَّابَةِ الْحَرَسِ، إِلَى قَصْرِ الْمَلِكِ. فَجَلَسَ يُوآشُ عَلَى الْعَرْشِ الْمَلَكِيِّ. وَفَرِحَ كُلُّ الشَّعْبِ، وَهَدَأَتِ الْمَدِينَةُ لِأَنَّ عَثَلْيَا قُتِلَتْ بِالسَّيْفِ عِنْدَ الْقَصْرِ. وَكَانَ يُوآشُ ابْنَ 7 سِنِينَ لَمَّا مَلَكَ. فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ لِيَاهُو مَلَكَ يُوآشُ، وَدَامَ مُلْكُهُ 40 سَنَةً فِي الْقُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ ظَبْيَةُ مِنْ بِئْرَ سَبْعَ. وَعَمِلَ يُوآشُ مَا هُوَ صَالِحٌ فِي نَظَرِ اللهِ كُلَّ الْأَيَّامِ الَّتِي كَانَ فِيهَا يُويَادَاعُ الْحَبْرُ يُرْشِدُهُ. إِلَّا أَنَّ مَعَابِدَ الْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ لَمْ تُهْدَمْ، بَلِ اسْتَمَرَّ الشَّعْبُ يُقَدِّمُ الضَّحَايَا وَيَحْرِقُ الْبَخُورَ فِيهَا. وَقَالَ يُوآشُ لِلْأَحْبَارِ: ”اِجْمَعُوا كُلَّ الْمَالِ الَّذِي يُحْضِرُهُ النَّاسُ قُرْبَانًا مُقَدَّسًا إِلَى بَيْتِ اللهِ، أَيِ الْمَالَ الَّذِي يُجْمَعُ فِي الْإِحْصَاءِ، وَالَّذِي يَأْتِي مِنَ النُّذُورِ، وَالَّذِي يَتَبَرَّعُ بِهِ النَّاسُ إِلَى بَيْتِ اللهِ. فَيَأْخُذُهُ الْأَحْبَارُ مِنَ النَّاسِ، لِيُرَمِّمُوا كُلَّ مَا تَهَدَّمَ مِنَ الْبَيْتِ.“ وَلَكِنْ حَتَّى السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ لِلْمَلِكِ يُوآشَ، لَمْ يَكُنِ الْأَحْبَارُ قَدْ رَمَّمُوا مَا تَهَدَّمَ مِنَ الْبَيْتِ. فَاسْتَدْعَى الْمَلِكُ يُوآشُ، يُويَادَاعَ الْحَبْرَ وَالْأَحْبَارَ الْآخَرِينَ وَقَالَ لَهُمْ: ”لِمَاذَا لَمْ تُرَمِّمُوا مَا تَهَدَّمَ مِنَ الْبَيْتِ؟ فَمِنَ الْآنَ، لَا تَأْخُذُوا مِنْ هَذَا الْمَالِ لِحَاجَاتِكُمْ أَنْتُمْ، بَلِ اتْرُكُوهُ لِتَرْمِيمِ مَا تَهَدَّمَ مِنَ الْبَيْتِ.“ فَوَافَقَ الْأَحْبَارُ عَلَى أَنْ لَا يَأْخُذُوا مَالًا مِنَ الشَّعْبِ، وَلَا يُرَمِّمُوا مَا تَهَدَّمَ مِنَ الْبَيْتِ بِأَنْفُسِهِمْ. فَأَخَذَ يُويَادَاعُ الْحَبْرُ صُنْدُوقًا، وَعَمِلَ ثُقْبًا فِي غِطَائِهِ، وَوَضَعَهُ بِجَانِبِ الْمَنَصَّةِ عَلَى يَمِينِ الدَّاخِلِ إِلَى بَيْتِ اللهِ. وَكَانَ الْأَحْبَارُ الَّذِينَ يَحْرُسُونَ الْبَابَ يَضَعُونَ فِيهِ كُلَّ الْمَالِ الَّذِي يَأْتِي إِلَى بَيْتِ اللهِ. وَكُلَّمَا رَأَوْا أَنَّ الْمَالَ كَثُرَ فِي الصُّنْدُوقِ، يَأْتِي كَاتِبُ الْمَلِكِ وَالْحَبْرُ الْأَعْلَى، وَيَحْسِبَانِ الْمَالَ الَّذِي دَخَلَ إِلَى بَيْتِ اللهِ وَيَصُرَّانِهِ. ثُمَّ يُسَلِّمَانِهِ إِلَى الْوُكَلَاءِ الْمُشْرِفِينَ عَلَى الْعَمَلِ فِي بَيْتِ اللهِ، وَالْوُكَلَاءُ يَدْفَعُونَهُ إِلَى النَّجَّارِينَ وَالْبَنَّائِينَ، وَعُمَّالِ الْبِنَاءِ وَالَّذِينَ يَنْحَتُونَ الْحِجَارَةَ. وَأَيْضًا لِشِرَاءِ الْخَشَبِ وَالْحِجَارَةِ الْمَنْحُوتَةِ، لِتَرْمِيمِ مَا تَهَدَّمَ مِنْ بَيْتِ اللهِ، وَكُلِّ النَّفَقَاتِ الْأُخْرَى اللَّازِمَةِ لِلتَّرْمِيمِ. إِلَّا أَنَّ هَذَا الْمَالَ لَمْ يُسْتَخْدَمْ لِعَمَلِ أَحْوَاضِ فِضَّةٍ وَلَا طَفَّايَاتٍ وَلَا كُؤُوسٍ وَلَا أَبْوَاقٍ وَلَا أَيِّ آنِيَةٍ أُخْرَى مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِبَيْتِ اللهِ. بَلْ كَانُوا يَدْفَعُونَهَا لِلْعُمَّالِ الَّذِينَ يُرَمِّمُونَ بَيْتَ اللهِ. وَلَمْ يُحَاسِبُوا الْوُكَلَاءَ الَّذِينَ يَسْتَلِمُونَ الْمَالَ وَيُعْطُونَهُ لِلْعُمَّالِ، لِأَنَّهُمْ أُمَنَاءُ. أَمَّا الْمَالُ الَّذِي كَانَ الشَّعْبُ يُقَدِّمُهُ مَعَ قُرْبَانِ الذَّنْبِ وَقُرْبَانِ الْخَطِيئَةِ، فَلَمْ يُحْسَبْ مَعَ الْمَالِ الدَّاخِلِ إِلَى صُنْدُوقِ بَيْتِ اللهِ، بَلْ كَانَ يُعْطَى لِلْأَحْبَارِ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ صَعِدَ حَزَائِيلُ مَلِكُ آرَامَ وَهَاجَمَ جَتَّ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا. ثُمَّ اتَّجَهَ إِلَى الْقُدْسِ لِيُهَاجِمَهَا. فَأَخَذَ يُوآشُ مَلِكُ يَهُوذَا كُلَّ الْأَشْيَاءِ الَّتِي كَرَّسَهَا آبَاؤُهُ، يُوشَافَاطُ وَيُورَامُ وَأَخَزْيَا مُلُوكُ يَهُوذَا، وَالْأَشْيَاءَ الَّتِي كَرَّسَهَا هُوَ، وَكُلَّ الذَّهَبِ الْمَوْجُودِ فِي خَزَائِنِ بَيْتِ اللهِ وَقَصْرِ الْمَلِكِ، وَأَرْسَلَهَا إِلَى حَزَائِيلَ مَلِكِ آرَامَ، فَانْصَرَفَ عَنِ الْقُدْسِ. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ يُوآشَ وَكُلُّ أَعْمَالِهِ، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ يَهُوذَا. وَتَآمَرَ أَعْوَانُهُ ضِدَّهُ، وَقَتَلُوهُ فِي بَيْتَ مَلُّو فِي الطَّرِيقِ إِلَى سَلَّى. وَنَفَّذَ الْقَتْلَ اثْنَانِ مِنْ أَعْوَانِهِ هُمَا يُوزَاكَارُ بْنُ شَمْعَةَ وَيُوزَابَادُ بْنُ شُومِيرَ، فَمَاتَ وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. وَمَلَكَ مَكَانَهُ أَمَصْيَا ابْنُهُ. فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ لِيُوآشَ بْنِ أَخَزْيَا مَلِكِ يَهُوذَا، مَلَكَ يُوأَحَازُ بْنُ يَاهُو عَلَى إِسْرَائِيلَ فِي السَّامِرَةِ 17 سَنَةً. وَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ، وَضَلَّ وَرَاءَ شُرُورِ يَرْبَعَامَ بْنِ نَبَاطَ الَّذِي جَعَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَرْتَكِبُونَ الشَّرَّ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْهَا. فَغَضِبَ اللهُ جِدًّا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَوْقَعَهُمْ فِي يَدِ حَزَائِيلَ مَلِكِ آرَامَ وَفِي يَدِ بَنْهَدَدَ ابْنِهِ زَمَنًا طَوِيلًا. فَتَضَرَّعَ يُوأَحَازُ إِلَى اللهِ فَسَمِعَ لَهُ، لِأَنَّهُ رَأَى كَيْفَ أَنَّ مَلِكَ آرَامَ ضَايَقَ إِسْرَائِيلَ جِدًّا. وَأَعْطَى الْمَوْلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مُنْقِذًا، فَتَحَرَّرُوا مِنْ سَيْطَرَةِ آرَامَ، وَأَقَامُوا فِي دِيَارِهِمْ بِسَلَامٍ كَمَا كَانَ مِنْ قَبْلُ. وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَرْجِعُوا عَنْ شُرُورِ بَيْتِ يَرْبَعَامَ الَّذِي جَعَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَرْتَكِبُونَ الشَّرَّ، بَلْ دَاوَمُوا عَلَيْهَا. وَالْعَمُودُ الَّذِي كَانُوا يَعْبُدُونَهُ بَقِيَ أَيْضًا فِي السَّامِرَةِ. وَلَمْ يَبْقَ مِنْ جَيْشِ يُوأَحَازَ إِلَّا 50 فَارِسًا وَ10 مَرْكَبَاتٍ وَ10000 جُنْدِيٍّ، لِأَنَّ مَلِكَ آرَامَ أَفْنَاهُمْ وَدَاسَهُمْ كَالتُّرَابِ. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ يُوأَحَازَ، وَكُلُّ أَعْمَالِهِ وَانْتِصَارَاتِهِ، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. وَانْضَمَّ يُوأَحَازُ إِلَى أَسْلَافِهِ، وَدَفَنُوهُ فِي السَّامِرَةِ، وَمَلَكَ مَكَانَهُ يُوآشُ ابْنُهُ. فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ لِيُوآشَ مَلِكِ يَهُوذَا، مَلَكَ يُوآشُ بْنُ يُوأَحَازَ عَلَى إِسْرَائِيلَ فِي السَّامِرَةِ 16 سَنَةً. وَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْ كُلِّ شُرُورِ يَرْبَعَامَ بْنِ نَبَاطَ الَّذِي جَعَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَرْتَكِبُونَ الشَّرَّ، بَلْ دَاوَمَ عَلَيْهَا. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ يُوآشَ، وَكُلُّ أَعْمَالِهِ وَانْتِصَارَاتِهِ، وَكَيْفَ حَارَبَ أَمَصْيَا مَلِكَ يَهُوذَا، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. وَانْضَمَّ يُوآشُ إِلَى أَسْلَافِهِ، وَدُفِنَ فِي السَّامِرَةِ مَعَ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ، وَجَلَسَ يَرْبَعَامُ عَلَى الْعَرْشِ مَكَانَهُ. وَمَرِضَ أَلِيشَعُ وَأَوْشَكَ أَنْ يَمُوتَ، فَنَزَلَ إِلَيْهِ يُوآشُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ، وَبَكَى عَلَيْهِ وَقَالَ: ”يَا أَبِي! يَا أَبِي! مَنْ يَحْمِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَكَ؟“ فَقَالَ لَهُ أَلِيشَعُ: ”تَنَاوَلْ قَوْسًا وَسِهَامًا.“ فَفَعَلَ. ثُمَّ قَالَ لِلْمَلِكِ: ”ضَعْ يَدَكَ عَلَى الْقَوْسِ.“ فَوَضَعَ يَدَهُ. وَوَضَعَ أَلِيشَعُ يَدَيْهِ عَلَى يَدَيِ الْمَلِكِ. وَقَالَ لَهُ: ”اِفْتَحِ الشُّبَّاكَ الشَّرْقِيَّ.“ فَفَتَحَهُ. فَقَالَ أَلِيشَعُ: ”اِرْمِ السَّهْمَ.“ فَرَمَاهُ. فَقَالَ أَلِيشَعُ: ”هَذَا سَهْمُ نَصْرٍ مِنَ اللهِ، سَهْمُ نَصْرٍ عَلَى آرَامَ. سَتَضْرِبُ آرَامَ فِي أَفِيقَ حَتَّى تُفْنِيَهُمْ.“ ثُمَّ قَالَ لِلْمَلِكِ: ”خُذِ السِّهَامَ.“ فَأَخَذَهَا. ثُمَّ قَالَ لَهُ أَلِيشَعُ: ”اِضْرِبْ بِهَا الْأَرْضَ.“ فَضَرَبَ 3 مَرَّاتٍ وَتَوَقَّفَ. فَغَضِبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ وَقَالَ: ”لَوْ ضَرَبْتَ 5 أَوْ 6 مَرَّاتٍ، لَكُنْتَ هَزَمْتَ آرَامَ حَتَّى أَفْنَيْتَهُمْ. لَكِنِ الْآنَ تَهْزِمُهُمْ 3 مَرَّاتٍ فَقَطْ.“ وَمَاتَ أَلِيشَعُ فَدَفَنُوهُ. وَاعْتَادَ بَعْضُ الْغُزَاةِ مِنْ مُوآبَ أَنْ يَهْجُمُوا عَلَى بِلَادِ إِسْرَائِيلَ كُلَّ رَبِيعٍ. وَذَاتَ مَرَّةٍ، لَمَّا كَانَ النَّاسُ يَدْفِنُونَ رَجُلًا، رَأَوْا الْغُزَاةَ فَطَرَحُوا الْمَيِّتَ فِي قَبْرِ أَلِيشَعَ وَهَرَبُوا. فَلَمَّا مَسَّ الْمَيِّتُ عِظَامَ أَلِيشَعَ رَجَعَتْ إِلَيْهِ الْحَيَاةُ وَقَامَ عَلَى قَدَمَيْهِ. أَمَّا حَزَائِيلُ مَلِكُ آرَامَ، فَضَايَقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ طُولَ عَهْدِ يُوأَحَازَ. فَحَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَحِمَهُمْ وَانْتَبَهَ إِلَيْهِمْ لِأَجْلِ عَهْدِهِ مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. وَحَتَّى إِلَى هَذَا الْيَوْمِ، لَمْ يَرْغَبْ فِي أَنْ يُبِيدَهُمْ أَوْ يُزِيلَهُمْ مِنْ أَمَامِهِ. ثُمَّ مَاتَ حَزَائِيلُ مَلِكُ آرَامَ، وَمَلَكَ مَكَانَهُ بَنْهَدَدُ ابْنُهُ. وَكَانَ حَزَائِيلُ قَدْ أَخَذَ بَعْضَ مُدُنِ إِسْرَائِيلَ فِي الْحَرْبِ، مِنْ يُوأَحَازَ أَبِي يُوآشَ، فَاسْتَرَدَّهَا يُوآشُ وَأَخَذَهَا مِنْ بَنْهَدَدَ بْنِ حَزَائِيلَ. وَهَزَمَ يُوآشُ بَنْهَدَدَ 3 مَرَّاتٍ. فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِيُوآشَ بْنِ يُوأَحَازَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، مَلَكَ أَمَصْيَا بْنُ يُوآشَ مَلِكِ يَهُوذَا. كَانَ ابْنَ 25 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 29 سَنَةً فِي الْقُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ يُوعَدَانُ مِنَ الْقُدْسِ. وَعَمِلَ مَا هُوَ صَالِحٌ فِي نَظَرِ اللهِ، وَلَكِنْ لَيْسَ كَدَاوُدَ أَبِيهِ، إِنَّمَا عَمِلَ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَهُ يُوآشُ أَبُوهُ. إِلَّا أَنَّ مَعَابِدَ الْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ لَمْ تُهْدَمْ، بَلِ اسْتَمَرَّ الشَّعْبُ يُقَدِّمُ الضَّحَايَا وَيَحْرِقُ الْبَخُورَ فِيهَا. وَلَمَّا أَمْسَكَ بِزِمَامِ الْحُكْمِ، قَتَلَ أَعْوَانَهُ الَّذِينَ قَتَلُوا أَبَاهُ الْمَلِكَ. وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ أَوْلَادَهُمْ، بَلْ كَمَا هُوَ وَارِدٌ فِي تَوْرَاةِ مُوسَى، حَيْثُ أَمَرَ اللهُ وَقَالَ: ”لَا يُقْتَلُ الْآبَاءُ بِسَبَبِ مَا ارْتَكَبَهُ أَوْلَادُهُمْ، وَلَا الْأَوْلَادُ بِسَبَبِ مَا ارْتَكَبَهُ آبَاؤُهُمْ. كُلُّ وَاحِدٍ يَمُوتُ بِذَنْبِهِ.“ وَهَزَمَ أَمَصْيَا فِي وَادِي الْمِلْحِ 10000 مِنَ الْأَدُومِيِّينَ، وَاسْتَوْلَى عَلَى مَدِينَةِ سَالِعَ، وَدَعَاهَا يَقْتِئِيلَ، وَهَذَا اسْمُهَا إِلَى الْيَوْمِ. ثُمَّ أَرْسَلَ أَمَصْيَا رُسُلًا إِلَى يُوآشَ بْنِ يُوأَحَازَ بْنِ يَاهُو مَلِكِ إِسْرَائِيلَ يَقُولُ لَهُ: ”تَعَالَ حَارِبْنِي وَجْهًا لِوَجْهٍ!“ فَرَدَّ يُوآشُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ عَلَى أَمَصْيَا مَلِكِ يَهُوذَا وَقَالَ: ”شَجَرَةُ شَوْكٍ صَغِيرَةٌ فِي لُبْنَانَ أَرْسَلَتْ إِلَى شَجَرَةِ أَرْزٍ كَبِيرَةٍ تَقُولُ: ’أَعْطُونَا بِنْتَكُمْ لِتَكُونَ زَوْجَةً لِابْنِي!‘ فَخَرَجَ حَيَوَانٌ بَرِّيٌّ مِنْ غَابَةِ لُبْنَانَ وَدَاسَ شَجَرَةَ الشَّوْكِ! صَحِيحٌ أَنْتَ هَزَمْتَ أَدُومَ، وَلَكِنْ أَصَابَكَ الْغُرُورُ! أَقِمْ فِي دَارِكَ وَافْتَخِرْ، لِمَاذَا تَسِيرُ بِقَدَمَيْكَ إِلَى كَارِثَةٍ، فَتَنْهَزِمَ أَنْتَ وَيَهُوذَا مَعَكَ؟“ فَلَمْ يَسْمَعْ أَمَصْيَا. فَتَقَدَّمَ يُوآشُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَتَقَابَلَ وَجْهًا لِوَجْهٍ مَعَ أَمَصْيَا مَلِكِ يَهُوذَا فِي بَيْتَ شَمْسَ الَّتِي فِي يَهُوذَا. فَانْهَزَمَ يَهُوذَا أَمَامَ إِسْرَائِيلَ، وَهَرَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى دَارِهِ. وَقَبَضَ يُوآشُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ فِي بَيْتَ شَمْسَ، عَلَى أَمَصْيَا مَلِكِ يَهُوذَا ابْنِ يُوآشَ بْنِ أَخَزْيَا. وَجَاءَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ إِلَى الْقُدْسِ، وَهَدَمَ سُورَهَا مِنْ بَابِ أَفْرَايِمَ إِلَى بَابِ الزَّاوِيَةِ حَوَالَيْ 180 مِتْرًا. وَأَخَذَ كُلَّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَكُلَّ الْآنِيَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي بَيْتِ اللهِ وَفِي خَزَائِنِ قَصْرِ الْمَلِكِ. وَأَخَذَ أَيْضًا رَهَائِنَ وَرَجَعَ إِلَى السَّامِرَةِ. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ يُوآشَ، وَأَعْمَالُهُ وَانْتِصَارَاتُهُ، وَكَيْفَ حَارَبَ أَمَصْيَا مَلِكَ يَهُوذَا، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. وَانْضَمَّ يُوآشُ إِلَى أَسْلَافِهِ، وَدُفِنَ فِي السَّامِرَةِ مَعَ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ، وَمَلَكَ يَرْبَعَامُ ابْنُهُ مَكَانَهُ. وَعَاشَ أَمَصْيَا بْنُ يُوآشَ مَلِكُ يَهُوذَا بَعْدَ وَفَاةِ يُوآشَ بْنِ يُوأَحَازَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ 15 سَنَةً. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ أَمَصْيَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ يَهُوذَا. وَدَبَّرُوا ضِدَّهُ مُؤَامَرَةً فِي الْقُدْسِ، فَهَرَبَ إِلَى لَخِيشَ. فَأَرْسَلُوا وَرَاءَهُ رِجَالًا إِلَى لَخِيشَ، وَقَتَلُوهُ هُنَاكَ. وَحَمَلُوهُ عَلَى الْخَيْلِ، وَدَفَنُوهُ فِي الْقُدْسِ مَعَ أَسْلَافِهِ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. وَأَخَذَ كُلُّ شَعْبِ يَهُوذَا عَزَرْيَا وَهُوَ ابْنُ 16 سَنَةً، وَجَعَلُوهُ مَلِكًا مَكَانَ أَمَصْيَا أَبِيهِ. وَهُوَ الَّذِي، بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ، اِسْتَرَدَّ إِيلَاتَ لِيَهُوذَا وَبَنَاهَا. فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ لِأَمَصْيَا بْنِ يُوآشَ مَلِكِ يَهُوذَا، مَلَكَ يَرْبَعَامُ بْنُ يُوآشَ عَلَى إِسْرَائِيلَ فِي السَّامِرَةِ 41 سَنَةً. وَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ. لَمْ يَرْجِعْ عَنْ شَيْءٍ مِنْ شُرُورِ يَرْبَعَامَ بْنِ نَبَاطَ، الَّذِي جَعَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَرْتَكِبُونَ الشَّرَّ. وَهُوَ الَّذِي اسْتَرَدَّ لِإِسْرَائِيلَ الْبِلَادَ الَّتِي تَمْتَدُّ مِنْ مَدْخَلِ حَمَاةَ إِلَى الْبَحْرِ الْمَيِّتِ، حَسَبَ كَلَامِ اللهِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي قَالَهُ بِوَاسِطَةِ عَبْدِهِ يُونِسَ بْنِ أَمِتَّايَ النَّبِيِّ الَّذِي مِنْ جَتَّ حَافَرَ. لِأَنَّ الْمَوْلَى رَأَى الضِّيقَ الشَّدِيدَ الَّذِي كَانَ يُعَانِيهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ، مِنْ عَبِيدٍ وَأَحْرَارٍ، وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يُعِينُهُمْ. وَلَمْ يَكُنْ فِي قَصْدِ اللهِ أَنْ يَمْسَحَ اسْمَ إِسْرَائِيلَ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ، فَخَلَّصَهُمْ بِوَاسِطَةِ يَرْبَعَامَ بْنِ يُوآشَ. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ يَرْبَعَامَ، وَكُلُّ أَعْمَالِهِ وَانْتِصَارَاتِهِ، وَكَيْفَ حَارَبَ وَكَيْفَ اسْتَرَدَّ لِإِسْرَائِيلَ دِمَشْقَ وَحَمَاةَ مِنْ يَهُوذَا، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. وَانْضَمَّ يَرْبَعَامُ إِلَى أَسْلَافِهِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ، وَمَلَكَ زَكَرِيَّا ابْنُهُ مَكَانَهُ. فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ لِيَرْبَعَامَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، مَلَكَ عَزَرْيَا بْنُ أَمَصْيَا عَلَى يَهُوذَا. وَكَانَ ابْنَ 16 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 52 سَنَةً فِي الْقُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ يَكُلْيَا وَهِيَ مِنَ الْقُدْسِ. وَعَمِلَ مَا هُوَ صَالِحٌ فِي نَظَرِ اللهِ، تَمَامًا كَمَا عَمِلَ أَمَصْيَا أَبُوهُ. إِلَّا أَنَّ مَعَابِدَ الْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ لَمْ تُهْدَمْ، بَلِ اسْتَمَرَّ الشَّعْبُ يُقَدِّمُ الضَّحَايَا وَيَحْرِقُ الْبَخُورَ فِيهَا. وَضَرَبَ اللهُ الْمَلِكَ بِالْبَرَصِ إِلَى يَوْمِ وَفَاتِهِ، فَأَقَامَ فِي مَكَانٍ مُنْعَزِلٍ. وَأَصْبَحَ يُوتَامُ ابنُهُ مَسْئُولًا عَنِ الْقَصْرِ وَحَاكِمًا عَلَى الْبِلَادِ. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ عَزَرْيَا، وَكُلُّ أَعْمَالِهِ هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ يَهُوذَا. وَانْضَمَّ عَزَرْيَا إِلَى أَسْلَافِهِ وَدُفِنَ مَعَهُمْ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ، وَمَلَكَ يُوتَامُ ابْنُهُ مَكَانَهُ. فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلَاثِينَ لِعَزَرْيَا مَلِكِ يَهُوذَا، مَلَكَ زَكَرِيَّا بْنُ يَرْبَعَامَ عَلَى إِسْرَائِيلَ فِي السَّامِرَةِ 6 أَشْهُرٍ. وَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ كَآبَائِهِ. وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْ شُرُورِ يَرْبَعَامَ بْنِ نَبَاطَ الَّذِي جَعَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَرْتَكِبُونَ الشَّرَّ. وَتَآمَرَ ضِدَّهُ شَلُّومُ بْنُ يَابِيشَ وَهَجَمَ عَلَيْهِ أَمَامَ الشَّعْبِ، وَقَتَلَهُ وَمَلَكَ مَكَانَهُ. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ زَكَرِيَّا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. وَبِذَلِكَ تَحَقَّقَ كَلَامُ اللهِ لِيَاهُو، فَقَدْ قَالَ لَهُ: ”يَجْلِسُ أَوْلَادُكَ إِلَى الْجِيلِ الرَّابِعِ عَلَى عَرْشِ إِسْرَائِيلَ.“ فَتَمَّ هَذَا فِعْلًا. وَمَلَكَ شَلُّومُ بْنُ يَابِيشَ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ لِعُزِّيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، وَدَامَ مُلْكُهُ شَهْرًا وَاحِدًا فِي السَّامِرَةِ. وَجَاءَ مَنْحِيمُ بْنُ جَادِي مِنْ تِرْصَةَ إِلَى السَّامِرَةِ، وَهَجَمَ عَلَى شَلُّومَ بْنِ يَابِيشَ فِي السَّامِرَةِ، وَقَتَلَهُ وَمَلَكَ مَكَانَهُ. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ شَلُّومَ، وَالْمُؤَامَرَةُ الَّتِي دَبَّرَهَا، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ذَهَبَ مَنْحِيمُ مِنْ تِرْصَةَ وَهَجَمَ عَلَى تَفْصَحَ وَكُلِّ مَنْ فِي الْمَدِينَةِ وَمُجَاوَرَاتِهَا، لِأَنَّهُمْ رَفَضُوا أَنْ يَفْتَحُوا بَوَّابَاتِهَا لَهُ. فَهَجَمَ عَلَيْهَا وَشَقَّ بُطُونَ كُلِّ حَوَامِلِهَا. فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ لِعَزَرْيَا مَلِكِ يَهُوذَا، مَلَكَ مَنْحِيمُ بْنُ جَادِي عَلَى إِسْرَائِيلَ فِي السَّامِرَةِ 10 سِنِينَ. وَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ. وَطُولَ عَهْدِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ شُرُورِ يَرْبَعَامَ بْنِ نَبَاطَ الَّذِي جَعَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَرْتَكِبُونَ الشَّرَّ. وَجَاءَ فُولُ مَلِكُ أَشُّورَ لِيُحَارِبَ الْبِلَادَ، فَأَعْطَاهُ مَنْحِيمُ حَوَالَيْ 34 طِنًّا مِنَ الْفِضَّةٍ، لِيُسَانِدَهُ وَيَسْتَقِرَّ الْمُلْكُ فِي يَدِهِ. وَفَرَضَ مَنْحِيمُ هَذَا الْمَبْلَغَ مِنَ الْمَالِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ لِيُعْطِيَهُ لِمَلِكِ أَشُّورَ. فَدَفَعَ كُلُّ رَجُلٍ غَنِيٍّ مِنْهُمْ 600 جِرَامٍ مِنَ الْفِضَّةِ. فَرَجَعَ مَلِكُ أَشُّورَ وَلَمْ يَحْتَلَّ الْبِلَادَ. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ مَنْحِيمَ، وَكُلُّ أَعْمَالِهِ، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. وَانْضَمَّ مَنْحِيمُ إِلَى أَسْلَافِهِ، وَمَلَكَ فَقَحْيَا ابْنُهُ مَكَانَهُ. فِي السَّنَةِ الْخَمْسِينَ لِعَزَرْيَا مَلِكِ يَهُوذَا، مَلَكَ فَقَحْيَا بْنُ مَنْحِيمَ عَلَى إِسْرَائِيلَ فِي السَّامِرَةِ سَنَتَيْنِ. وَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ. لَمْ يَرْجِعْ عَنْ شُرُورِ يَرْبَعَامَ بْنِ نَبَاطَ الَّذِي جَعَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَرْتَكِبُونَ الشَّرَّ. وَتَآمَرَ ضِدَّهُ وَاحِدٌ مِنْ كِبَارِ ضُبَّاطِهِ هُوَ فَقْحُ بْنُ رَمَلْيَا. فَأَخَذَ فَقْحُ مَعَهُ 50 رَجُلًا مِنْ جِلْعَادَ، وَهَجَمَ عَلَى فَقَحْيَا وَهُوَ فِي قَصْرِ الْمَلِكِ فِي السَّامِرَةِ، وَقَتَلَهُ وَقَتَلَ مَعَهُ أَرْجُوبَ وَأَرْيَةَ، وَمَلَكَ مَكَانَهُ. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ فَقَحْيَا، وَكُلُّ أَعْمَالِهِ، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَالْخَمْسِينَ لِعَزَرْيَا مَلِكِ يَهُوذَا، مَلَكَ فَقْحُ بْنُ رَمَلْيَا عَلَى إِسْرَائِيلَ فِي السَّامِرَةِ 20 سَنَةً. وَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ. لَمْ يَرْجِعْ عَنْ شُرُورِ يَرْبَعَامَ بْنِ نَبَاطَ الَّذِي جَعَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَرْتَكِبُونَ الشَّرَّ. وَفِي أَيَّامِ فَقْحَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، جَاءَ تَغْلَثْ فَلَاسَرُ مَلِكُ أَشُّورَ وَاسْتَوْلَى عَلَى مُدُنِ عُيُونَ، وَآبَلَ بَيْتَ مَعْكَةَ، وَيَانُوحَ، وَقَادِشَ، وَحَاصُورَ، وَجِلْعَادَ، وَالْجَلِيلِ، وَكُلِّ بِلَادِ نَفْتَالِي، وَأَسَرَ أَهْلَهَا إِلَى أَشُّورَ. وَتَآمَرَ هُوشَعُ بْنُ أَيْلَةَ ضِدَّ فَقْحَ بْنِ رَمَلْيَا، وَهَجَمَ عَلَيْهِ وَقَتَلَهُ، وَمَلَكَ مَكَانَهُ فِي السَّنَةِ الْعِشْرِينَ لِيُوتَامَ بْنِ عُزِّيَّا. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ فَقْحَ، وَكُلُّ أَعْمَالِهِ، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِفَقْحَ بْنِ رَمَلْيَا مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، مَلَكَ يُوتَامُ بْنُ عُزِّيَّا عَلَى يَهُوذَا. وَكَانَ ابْنَ 25 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 16 سَنَةً فِي الْقُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ يَرُوشَةُ بِنْتُ صَادِقَ. وَعَمِلَ مَا هُوَ صَالِحٌ فِي نَظَرِ اللهِ، تَمَامًا كَمَا عَمِلَ عُزِّيَّا أَبُوهُ. إِلَّا أَنَّ مَعَابِدَ الْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ لَمْ تُهْدَمْ، بَلِ اسْتَمَرَّ الشَّعْبُ يُقَدِّمُ الضَّحَايَا وَيَحْرِقُ الْبَخُورَ فِيهَا. وَيُوتَامُ هُوَ الَّذِي بَنَى الْبَابَ الْعَالِيَ لِبَيْتِ اللهِ. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ يُوتَامَ وَكُلُّ أَعْمَالِهِ، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ يَهُوذَا. وَفِي تِلْكَ الْأَيَّامِ بَدَأَ اللهُ يُرْسِلُ رَصِينَ مَلِكَ آرَامَ وَفَقْحَ بْنَ رَمَلْيَا لِمُهَاجَمَةِ يَهُوذَا. وَانْضَمَّ يُوتَامُ إِلَى أَسْلَافِهِ، وَدُفِنَ مَعَهُمْ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَمَلَكَ آحَازُ ابْنُهُ مَكَانَهُ. فِي السَّنَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ لِفَقْحَ بْنِ رَمَلْيَا مَلَكَ آحَازُ بْنُ يُوتَامَ عَلَى يَهُوذَا. وَكَانَ آحَازُ ابْنَ 20 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 16 سَنَةً فِي الْقُدْسِ. وَعَلَى الْعَكْسِ مِنْ دَاوُدَ أَبِيهِ، لَمْ يَعْمَلْ مَا هُوَ صَالِحٌ فِي نَظَرِ اللهِ إِلَهِهِ. بَلْ تَبِعَ مِثَالَ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ، حَتَّى إِنَّهُ أَحْرَقَ ابْنَهُ فِي النَّارِ قُرْبَانًا، حَسَبَ الْأَشْيَاءِ الْقَبِيحَةِ الَّتِي تَفْعَلُهَا الْأُمَمُ الَّتِي طَرَدَهَا اللهُ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَقَدَّمَ الضَّحَايَا وَأَحْرَقَ الْبَخُورَ فِي مَعَابِدِ الْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ، وَعَلَى التِّلَالِ وَفِي ظِلِّ كُلِّ شَجَرَةٍ كَبِيرَةٍ. وَزَحَفَ رَصِينُ مَلِكُ آرَامَ وَفَقْحُ بْنُ رَمَلْيَا مَلِكُ إِسْرَائِيلَ عَلَى الْقُدْسِ لِيُحَارِبُوهَا، وَحَاصَرُوا آحَازَ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَغْلِبُوهُ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ اسْتَرَدَّ رَصِينُ مَلِكُ آرَامَ إِيلَاتَ لِلْأَرَامِيِّينَ وَطَرَدَ بَنِي يَهُوذَا مِنْهَا. فَجَاءَ الْأَدُومِيُّونَ إِلَى إِيلَاتَ وَأَقَامُوا فِيهَا إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. فَأَرْسَلَ آحَازُ رُسُلًا إِلَى تَغْلَثْ فَلَاسَرَ مَلِكِ أَشُّورَ وَقَالَ لَهُ: ”أَنَا خَادِمُكَ وَتَحْتَ أَمْرِكَ، تَعَالَ وَأَنْقِذْنِي مِنْ مَلِكِ آرَامَ وَمَلِكِ إِسْرَائِيلَ فَإِنَّهُمَا يَهْجُمَانِ عَلَيَّ.“ وَأَخَذَ آحَازُ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ الْمَوْجُودَةَ فِي بَيْتِ اللهِ وَفِي خَزَائِنِ قَصْرِ الْمَلِكِ، وَأَرْسَلَهَا هَدِيَّةً إِلَى مَلِكِ أَشُّورَ. فَسَمِعَ لَهُ مَلِكُ أَشُّورَ، وَهَجَمَ عَلَى دِمَشْقَ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا وَأَسَرَ أَهْلَهَا إِلَى قِيرَ، وَقَتَلَ رَصِينَ. فَذَهَبَ الْمَلِكُ آحَازُ إِلَى دِمَشْقَ لِيُقَابِلَ تَغْلَثْ فَلَاسَرَ مَلِكَ أَشُّورَ. وَرَأَى آحَازُ الْمَنَصَّةَ الَّتِي فِي دِمَشْقَ، فَأَرْسَلَ إِلَى أُورِيَّا الْحَبْرِ رَسْمَ الْمَنَصَّةِ وَشَكْلَهَا مَعَ كُلِّ تَفَاصِيلِ صِنَاعَتِهَا. فَبَنَى أُورِيَّا الْحَبْرُ مَنَصَّةً حَسَبَ كُلِّ التَّفَاصِيلِ الَّتِي أَرْسَلَهَا الْمَلِكُ آحَازُ مِنْ دِمَشْقَ، وَأَكْمَلَهَا قَبْلَ رُجُوعِ الْمَلِكِ مِنْ هُنَاكَ. فَلَمَّا رَجَعَ الْمَلِكُ مِنْ دِمَشْقَ، وَرَأَى الْمَنَصَّةَ، تَقَدَّمَ وَصَعِدَ إِلَيْهَا، وَقَدَّمَ عَنْ نَفْسِهِ قُرْبَانًا يُحْرَقُ وَقُربَانَ دَقِيقٍ وَقُرْبَانَ شَرَابٍ، وَرَشَّ دَمَ ضَحِيَّةِ صُحْبَةٍ عَلَى الْمَنَصَّةِ. أَمَّا مَنَصَّةُ النُّحَاسِ الَّتِي كَانَتْ أَمَامَ بَيْتِ اللهِ بَيْنَ الْمَدْخَلِ وَالْمَنَصَّةِ الْجَدِيدَةِ، فَنَقَلَهَا وَوَضَعَهَا فِي الْجَانِبِ الشَّمَالِيِّ لِلْمَنَصَّةِ الْجَدِيدَةِ. وَأَمَرَ الْمَلِكُ آحَازُ أُورِيَّا الْحَبْرَ وَقَالَ لَهُ: ”عَلَى الْمَنَصَّةِ الْكَبِيرَةِ الْجَدِيدَةِ، تُقَدِّمُ الْقُرْبَانَ الَّذِي يُحْرَقُ فِي الصَّبَاحِ، وَقُرْبَانَ الدَّقِيقِ فِي الْمَسَاءِ، وَعَنِ الْمَلِكِ الْقُرْبَانَ الَّذِي يُحْرَقُ وَقُرْبَانَ الدَّقِيقِ، وَعَنِ الشَّعْبِ الْقُرْبَانَ الَّذِي يُحْرَقُ وَقُرْبَانَ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانَ الشَّرَابِ، وَتَرُشُّ عَلَيْهَا كُلَّ دَمِ قُرْبَانٍ يُحْرَقُ وَكُلَّ دَمِ ضَحِيَّةٍ. أَمَّا مَنَصَّةُ النُّحَاسِ فَتَكُونُ لِي لِمَعْرِفَةِ الْغَيْبِ.“ فَعَمِلَ أُورِيَّا الْحَبْرُ بِكُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ الْمَلِكُ آحَازُ. وَنَزَعَ الْمَلِكُ آحَازُ أَلْوَاحَ الْقَوَاعِدِ، وَرَفَعَ عَنْهَا الْمَغَاسِلَ، وَأَنْزَلَ الْحَوْضَ عَنْ ثِيرَانِ النُّحَاسِ الَّتِي تَحْتَهُ، وَوَضَعَهُ عَلَى رَصِيفٍ مِنَ الْحِجَارَةِ. وَإِرْضَاءً لِمَلِكِ أَشُّورَ، أَزَالَ آحَازُ مِنْ بَيْتِ اللهِ الْمِنْبَرَ الَّذِي كَانَ يُوضَعُ عَلَيْهِ عَرْشُ الْمَلِكِ، وَأَغْلَقَ الْمَدْخَلَ الْخَاصَّ بِالْمَلِكِ الَّذِي كَانَ يَدْخُلُ مِنْهُ إِلَى بَيْتِ اللهِ. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ آحَازَ وَأَعْمَالِهِ، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ يَهُوذَا. وَانْضَمَّ آحَازُ إِلَى أَسْلَافِهِ، وَدُفِنَ مَعَهُمْ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ وَمَلَكَ حَزَقِيَّا ابْنُهُ مَكَانَهُ. فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ لِآحَازَ مَلِكِ يَهُوذَا، مَلَكَ هُوشَعُ بْنُ أَيْلَةَ فِي السَّامِرَةِ عَلَى إِسْرَائِيلَ 9 سِنِينَ. وَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ، وَلَكِنْ لَا كَمُلُوكِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ. وَحَارَبَهُ شَلْمَنْأَسَرُ مَلِكُ أَشُّورَ، فَخَضَعَ هُوشَعُ لَهُ وَدَفَعَ لَهُ جِزْيَةً. وَاكْتَشَفَ مَلِكُ أَشُّورَ أَنَّ هُوشَعَ بَدَأَ يَخُونُهُ، لِأَنَّهُ أَرْسَلَ وَفْدًا إِلَى سَوَا مَلِكِ مِصْرَ، وَتَوَقَّفَ عَنْ دَفْعِ الْجِزْيَةِ السَّنَوِيَّةِ لِمَلِكِ أَشُّورَ. فَقَبَضَ عَلَيْهِ شَلْمَنْأَسَرُ وَقَيَّدَهُ وَوَضَعَهُ فِي السِّجْنِ. ثُمَّ غَزَا مَلِكُ أَشُّورَ كُلَّ بِلَادِ إِسْرَائِيلَ، وَزَحَفَ عَلَى السَّامِرَةِ وَحَاصَرَهَا 3 سِنِينَ. وَفِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِهُوشَعَ، اِسْتَوْلَى مَلِكُ أَشُّورَ عَلَى السَّامِرَةِ، وَأَسَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى أَشُّورَ وَأَسْكَنَهُمْ فِي حَلَحَ وَفِي جُوزَانَ عَلَى ضِفَافِ نَهْرِ خَابُورَ وَفِي مُدُنِ مَادِي. وَقَدْ حَدَثَ كُلُّ هَذَا، لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَخْطَأُوا فِي حَقِّ اللهِ الَّذِي أَخْرَجَهُمْ مِنْ مِصْرَ، مِنْ تَحْتِ سُلْطَةِ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ، وَعَبَدُوا آلِهَةً أُخْرَى. وَارْتَكَبُوا نَفْسَ أَعْمَالِ الْأُمَمِ الَّتِي طَرَدَهَا اللهُ مِنْ أَمَامِهِمْ، وَالْأَعْمَالَ الَّتِي عَلَّمَهَا إِيَّاهُمْ مُلُوكُهُمْ. وَعَمِلُوا فِي السِّرِّ أَشْيَاءَ ضِدَّ الْمَوْلَى إِلَهِهِمْ، أُمُورًا غَيْرَ صَالِحَةٍ. وَبَنَوْا لِأَنْفُسِهِمْ مَعَابِدَ لِآلِهَةٍ غَرِيبَةٍ فِي كُلِّ مُدُنِهِمْ، مِنْ بُرْجِ الْمُرَاقَبَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُحَصَّنَةِ. وَأَقَامُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَنْصَابًا وَأَعْمِدَةً يَعْبُدُونَهَا، عَلَى كُلِّ تَلٍّ مُرْتَفِعٍ وَفِي ظِلِّ كُلِّ شَجَرَةٍ كَبِيرَةٍ. وَأَحْرَقُوا الْبَخُورَ فِي كُلِّ الْمَعَابِدِ كَالْأُمَمِ الَّتِي طَرَدَهَا اللهُ مِنْ أَمَامِهِمْ، وَعَمِلُوا أُمُورًا قَبِيحَةً فَغَاظُوا اللهَ. وَعَبَدُوا الْأَصْنَامَ، مَعَ أَنَّ اللهَ قَالَ لَهُمْ: ”لَا تَعْمَلُوا هَذَا.“ وَقَدْ أَنْذَرَ اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا بِوَاسِطَةِ كُلِّ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَقَالَ: ”اِرْجِعُوا عَنْ سُلُوكِكُمُ الرَّدِيءِ، وَاعْمَلُوا بِوَصَايَايَ وَفَرَائِضِي حَسَبَ كُلِّ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُ بِهَا آبَاءَكُمْ، وَالَّتِي أَرْسَلْتُهَا لَكُمْ بِوَاسِطَةِ عَبِيدِيَ الْأَنْبِيَاءِ.“ فَلَمْ يَسْمَعُوا، بَلْ عَانَدُوا كَآبَائِهِمُ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِالْمَوْلَى إِلَهِهِمْ. وَرَفَضُوا فَرَائِضَهُ، وَعَهْدَهُ الَّذِي عَمِلَهُ مَعَ آبَائِهِمْ، وَتَجَاهَلُوا إِرْشَادَاتِهِ لَهُمْ، وَعَبَدُوا الْأَصْنَامَ التَّافِهَةَ، وَصَارُوا هُمْ أَنْفُسُهُمْ تَافِهِينَ. وَقَلَّدُوا الْأُمَمَ الَّتِي حَوْلَهُمْ مَعَ أَنَّ اللهَ أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَعْمَلُوا مِثْلَهُمْ. وَتَرَكُوا كُلَّ وَصَايَا الْمَوْلَى إِلَهِهِمْ، وَعَمِلُوا لِأَنْفُسِهِمْ عِجْلَيْنِ مَسْبُوكَيْنِ، وَعَمِلُوا أَعْمِدَةً يَعْبُدُونَهَا، وَسَجَدُوا لِكُلِّ نُجُومِ السَّمَاءِ، وَعَبَدُوا الْبَعْلَ. وَأَحْرَقُوا أَوْلَادَهُمْ وَبَنَاتِهِمْ فِي النَّارِ قُرْبَانًا، وَمَارَسُوا الْعِلْمَ بِالْغَيْبِ، وَالسِّحْرَ، وَبَاعُوا أَنْفُسَهُمْ لِعَمَلِ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ لِيَغِيظُوهُ. فَغَضِبَ اللهُ جِدًّا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَزَالَهُمْ مِنْ أَمَامِهِ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا قَبِيلَةُ يَهُوذَا. وَقَبِيلَةُ يَهُوذَا أَيْضًا لَمْ يَعْمَلُوا بِوَصَايَا الْمَوْلَى إِلَهِهِمْ، بَلِ ارْتَكَبُوا أَعْمَالَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّتِي عَمِلُوهَا. فَرَفَضَ اللهُ كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَذَلَّهُمْ وَأَوْقَعَهُمْ فِي يَدِ النَّاهِبِينَ، وَطَرَدَهُمْ مِنْ مَحْضَرِهِ. فَإِنَّ اللهَ مَزَّقَ إِسْرَائِيلَ عَنْ بَيْتِ دَاوُدَ، فَجَعَلُوا يَرْبَعَامَ بْنَ نَبَاطَ مَلِكًا عَلَيْهِمْ. لَكِنَّ يَرْبَعَامَ أَبْعَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنِ اتِّبَاعِ اللهِ، وَجَعَلَهُمْ يُخْطِئُونَ خَطِيئَةً عَظِيمَةً. وَارْتَكَبَ بَنُو إِسْرَائِيلَ كُلَّ شُرُورِ يَرْبَعَامَ، وَلَمْ يَرْجِعُوا عَنْهَا. حَتَّى أَزَالَ اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَمَامِهِ، كَمَا قَالَ بِوَاسِطَةِ جَمِيعِ عَبِيدِهِ الْأَنْبِيَاءِ. فَأُسِرَ شَعْبُ إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِهِ إِلَى أَشُّورَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. وَأَحْضَرَ مَلِكُ أَشُّورَ قَوْمًا مِنْ بَابِلَ وَكُوثَ وَعَوَّا وَحَمَاةَ وَسَفَرْوِيمَ، وَأَسْكَنَهُمْ فِي مُدُنِ السَّامِرَةِ مَكَانِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَامْتَلَكُوا السَّامِرَةَ وَسَكَنُوا فِي مُدُنِهَا. وَفِي بَدْءِ إِقَامَتِهِمْ هُنَاكَ لَمْ يَعْبُدُوا اللهَ، فَأَرْسَلَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْأُسُودَ فَكَانَتْ تَقْتُلُ مِنْهُمْ. وَبَلَغَ هَذَا الْخَبَرُ مَلِكَ أَشُّورَ: ”النَّاسُ الَّذِينَ أَرْسَلْتَهُمْ لِيَسْكُنُوا فِي مُدُنِ السَّامِرَةِ لَا يَعْرِفُونَ مَا يَطْلُبُهُ إِلَهُ تِلْكَ الْبِلَادِ، فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمُ الْأُسُودَ. فَهِيَ تَقْتُلُهُمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ مَا يَطْلُبُهُ إِلَهُ الْبِلَادِ.“ فَأَصْدَرَ مَلِكُ أَشُّورَ هَذَا الْأَمْرَ: ”أَرْسِلُوا إِلَيْهِمْ وَاحِدًا مِنَ الْأَحْبَارِ الَّذِينَ أُسِرُوا مِنْ هُنَاكَ، فَيَذْهَبَ وَيَسْكُنَ بَيْنَهُمْ وَيُعَلِّمَهُمْ مَا يَطْلُبُهُ إِلَهُ الْبِلَادِ.“ فَجَاءَ وَاحِدٌ مِنَ الْأَحْبَارِ الَّذِينَ أُسِرُوا مِنَ السَّامِرَةِ، وَسَكَنَ فِي بَيْتَ إِيلَ، وَأَخَذَ يُعَلِّمُهُمْ كَيْفَ يَعْبُدُونَ اللهَ. وَمَعَ ذَلِكَ كَانَتْ كُلُّ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ تَصْنَعُ آلِهَتَهَا، وَتَضَعُهَا فِي مَعَابِدِ الْآلِهَةِ الَّتِي أَقَامَهَا السَّامِرِيُّونَ عَلَى التِّلَالِ، كُلُّ جَمَاعَةٍ فِي الْمُدُنِ الَّتِي سَكَنَتْهَا. فَصَنَعَ أَهْلُ بَابِلَ سُكُّوثَ بَنُوثَ، وَأَهْلُ كُوثَ صَنَعُوا نَرْجَلَ، وَأَهْلُ حَمَاةَ صَنَعُوا أَشِيمَا، وَأَهْلُ عَوَّا صَنَعُوا نِبْحَزَ وَتَرْتَقَ، وَأَهْلُ سَفَرْوِيمَ كَانُوا يَحْرِقُونَ أَوْلَادَهُمْ فِي النَّارِ قُرْبَانًا لِلْإِلَهَيْنِ أَدَرْمَلِكَ وَعَنْمَلَكَ. فَكَانُوا يَعْبُدُونَ اللهَ، وَفِي نَفْسِ الْوَقْتِ عَيَّنُوا لَهُمْ كَهَنَةً لِلْمَعَابِدِ مِنْ عَامَّةِ الشَّعْبِ، لِيُقَدِّمُوا الْقَرَابِينَ عَنْهُمْ فِي مَعَابِدِ الْآلِهَةِ. أَيْ إِنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ اللهَ، وَيَعْبُدُونَ آلِهَتَهُمْ الَّتِي تَعْبُدُهَا الْأُمَمُ الَّتِي جَاءُوا مِنْهَا. وَهُمْ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ يَعْمَلُونَ نَفْسَ الشَّيْءِ كَمَا فِي الْمَاضِي. فَلَا يَعْبُدُونَ اللهَ، وَلَا يَعْمَلُونَ بِفَرَائِضِهِ وَأَوَامِرِهِ، وَلَا حَسَبَ الشَّرَائِعِ وَالْوَصَايَا الَّتِي أَمَرَ بِهَا اللهُ بَنِي يَعْقُوبَ الَّذِي سَمَّاهُ إِسْرَائِيلَ. فَإِنَّ اللهَ عَمِلَ عَهْدًا مَعَ بَنِي يَعْقُوبَ وَأَمَرَهُمْ وَقَالَ: ”لَا تَعْبُدُوا آلِهَةً أُخْرَى، وَلَا تَسْجُدُوا لَهَا وَلَا تَتَّقُوهَا وَلَا تُقَدِّمُوا لَهَا الْقَرَابِينَ. بَلِ اعْبُدُوا اللهَ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ مِصْرَ بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ وَذِرَاعٍ قَدِيرَةٍ. وَلَهُ تَسْجُدُونَ وَلَهُ تُقَدِّمُونَ الْقَرَابِينَ. وَاحْفَظُوا دَائِمًا الْفَرَائِضَ وَالْأَحْكَامَ وَالشَّرَائِعَ وَالْوَصَايَا الَّتِي كَتَبَهَا لَكُمْ. وَلَا تَعْبُدُوا آلِهَةً أُخْرَى. وَلَا تَنْسُوا الْعَهْدَ الَّذِي عَمِلْتُهُ مَعَكُمْ، وَلَا تَعْبُدُوا آلِهَةً أُخْرَى. بَلِ اعْبُدُوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ، وَهُوَ يُنْقِذُكُمْ مِنْ أَيْدِي كُلِّ أَعْدَائِكُمْ.“ فَلَمْ يَسْمَعُوا، بَلْ عَمِلُوا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَهُ فِي الْمَاضِي. فَكَانُوا يَعْبُدُونَ اللهَ وَيَتَّقُونَ أَصْنَامَهُمْ. وَإِلَى هَذَا الْيَوْمِ أَوْلَادُهُمْ وَأَوْلَادُ أَوْلَادِهِمْ يَعْمَلُونَ نَفْسَ الشَّيْءِ كَمَا عَمِلَ آبَاؤُهُمْ. فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ لِهُوشَعَ بْنِ أَيْلَةَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، مَلَكَ حَزَقِيَّا بْنُ آحَازَ عَلَى يَهُوذَا. وَكَانَ ابْنَ 25 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 29 سَنَةً فِي الْقُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ أَبِيَّةُ بِنْتُ زَكَرِيَّا. وَعَمِلَ مَا هُوَ صَالِحٌ فِي نَظَرِ اللهِ، تَمَامًا كَمَا عَمِلَ دَاوُدُ أَبُوهُ. وَهَدَمَ مَعَابِدَ الْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ، وَحَطَّمَ التَّمَاثِيلَ، وَكَسَّرَ الْأَعْمِدَةَ الَّتِي كَانَ النَّاسُ يَعْبُدُونَهَا، وَسَحَقَ حَيَّةَ النُّحَاسِ الَّتِي صَنَعَهَا مُوسَى، لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا إِلَى تِلْكَ الْأَيَّامِ يَحْرِقُونَ لَهَا الْبَخُورَ، وَسَمَّوْهَا نَحُشْتَانَ. وَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي كُلِّ مُلُوكِ يَهُوذَا، لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ. وَتَمَسَّكَ بِاللهِ، وَلَمْ يَنْحَرِفْ عَنِ اتِّبَاعِهِ، بَلْ عَمِلَ بِوَصَايَاهُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ مُوسَى بِهَا. وَكَانَ اللهُ مَعَهُ، فَكَانَ يَنْجَحُ فِي كُلِّ مَا يَعْمَلُهُ. وَتَمَرَّدَ عَلَى مَلِكِ أَشُّورَ، وَلَمْ يَخْضَعْ لَهُ. وَهَزَمَ الْفِلِسْطِيِّينَ، مِنْ بُرْجِ الْمُرَاقَبَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُحَصَّنَةِ، حَتَّى إِلَى غَزَّةَ وَالْأَرَاضِي الْمُحِيطَةِ بِهَا. وَفِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِلْمَلِكِ حَزَقِيَّا، وَهِيَ السَّنَةُ السَّابِعَةُ لِهُوشَعَ بْنِ أَيْلَةَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، زَحَفَ شَلْمَنْأَسَرُ مَلِكُ أَشُّورَ عَلَى السَّامِرَةِ وَحَاصَرَهَا. وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا بَعْدَ 3 سِنِينَ، أَيْ إِنَّ السَّامِرَةَ سَقَطَتْ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ لِحَزَقِيَّا وَهِيَ السَّنَةُ التَّاسِعَةُ لِهُوشَعَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ. وَأَسَرَ مَلِكُ أَشُّورَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَخَذَهُمْ إِلَى أَشُّورَ، وَأَسْكَنَهُمْ فِي حَلَحَ وَفِي جُوزَانَ عَلَى ضِفَافِ نَهْرِ خَابُورَ وَفِي مُدُنِ مَادِي. وَقَدْ حَدَثَ هَذَا لِأَنَّهُمْ لَمْ يُطِيعُوا اللهَ إِلَهَهُمْ، بَلْ نَقَضُوا عَهْدَهُ، وَخَالَفُوا كُلَّ مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى عَبْدُ اللهِ. فَلَمْ يُصْغُوا وَلَمْ يُطِيعُوا. وَفِي السَّنَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ مِنْ حُكْمِ الْمَلِكِ حَزَقِيَّا، هَاجَمَ سِنْحَرِيبُ مَلِكُ أَشُّورَ كُلَّ مُدُنِ يَهُوذَا الْمُحَصَّنَةِ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا. فَأَرْسَلَ حَزَقِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا إِلَى مَلِكِ أَشُّورَ فِي لَخِيشَ يَقُولُ: ”أَنَا أَخْطَأْتُ، فَارْجِعْ عَنِّي، وَمَهْمَا تَفْرِضْ عَلَيَّ أُرْسِلْهُ لَكَ.“ فَفَرَضَ عَلَيْهِ مَلِكُ أَشُّورَ حَوَالَيْ 10 أَطْنَانٍ مِنَ الْفِضَّةِ وَطِنٍّ مِنَ الذَّهَبِ. فَأَعْطَاهُ حَزَقِيَّا كُلَّ الْفِضَّةِ الْمَوْجُودَةِ فِي بَيْتِ اللهِ، وَفِي خَزَائِنِ قَصْرِ الْمَلِكِ. وَكَانَ حَزَقِيَّا قَبْلَ ذَلِكَ قَدْ غَشَّى أَبْوَابَ بَيْتِ اللهِ وَالْقَوَائِمَ بِالذَّهَبِ، فَقَشَّرَ هَذَا الذَّهَبَ، وَأَعْطَاهُ لِمَلِكِ أَشُّورَ. وَأَرْسَلَ مَلِكُ أَشُّورَ وَزِيرَ الْحَرْبِ وَرَئِيسَ الْأَرْكَانِ وَقَائِدَ الْجَيْشِ، عَلَى رَأَسِ جَيْشٍ كَبِيرٍ، مِنْ لَخِيشَ إِلَى الْمَلِكِ حَزَقِيَّا فِي الْقُدْسِ. فَجَاءُوا إِلَى الْقُدْسِ، وَوَقَفُوا عِنْدَ قَنَاةِ الْبِرْكَةِ الْعُلْيَا، فِي طَرِيقِ حَقْلِ الْغَسَّالِ. وَنَادَوْا الْمَلِكَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ أَلْيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَا مُدِيرُ الْقَصْرِ، وَشَبْنَةُ الْكَاتِبُ، وَيُوآخُ بْنُ آسَافَ الْمُسَجِّلُ. فَقَالَ لَهُمْ قَائِدُ الْجَيْشِ: ”أَخْبِرُوا حَزَقِيَّا أَنَّ الْمَلِكَ الْعَظِيمَ مَلِكَ أَشُّورَ يَقُولُ: ’مَا الَّذِي يَجْعَلُكَ وَاثِقًا كُلَّ هَذِهِ الثِّقَةِ؟ أَنْتَ تَقُولُ إِنَّ عِنْدَكَ خِطَّةً حَرْبِيَّةً وَقُوَّةً ضَارِبَةً. وَلَكِنَّ هَذَا كَلَامٌ فَارِغٌ! عَلَى مَنِ اتَّكَلْتَ حَتَّى تَتَمَرَّدَ عَلَيَّ؟ أَنْتَ اتَّكَلْتَ عَلَى مِصْرَ الَّتِي هِيَ عَصًا مُهَشَّمَةٌ، إِنَّهَا عُكَّازٌ يَثْقُبُ كَفَّ مَنْ يَتَوَكَّأُ عَلَيْهِ وَيَدْخُلُ فِيهَا. هَذَا هُوَ فِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ لِكُلِّ مَنْ يَتَّكِلُ عَلَيْهِ. وَإِنْ قُلْتُمْ لِي: ”نَحْنُ نَتَوَكَّلُ عَلَى الْمَوْلَى إِلَهِنَا.“ لَكِنْ أَلَيْسَ هُوَ الَّذِي هَدَمَ حَزَقِيَّا أَمَاكِنَ عِبَادَتِهِ وَمَنَصَّاتِ تَقْدِيمِ الْقُرْبَانِ لَهُ، وَأَمَرَ شَعْبَ يَهُوذَا وَأَهْلَ الْقُدْسِ أَنْ يَسْجُدُوا فَقَطْ أَمَامَ الْمَنَصَّةِ الِّتِي فِي الْقُدْسِ؟ وَالْآنَ تَعَالَ رَاهِنْ سَيِّدِي مَلِكَ أَشُّورَ، فَأُعْطِيَكَ 2000 فَرَسٍ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَجِدَ لَهَا فُرْسَانًا يَرْكَبُونَهَا! فَكَيْفَ تَقْدِرُ أَنْ تَصُدَّ قَائِدًا وَاحِدًا مِنْ أَقَلِّ الْقَادَةِ الَّذِينَ عِنْدَ سَيِّدِي، حَتَّى لَوْ كُنْتَ تَتَّكِلُ عَلَى مِصْرَ لِإِمْدَادِكَ بِالْمَرْكَبَاتِ وَالْفُرْسَانِ؟ ثُمَّ هَلْ أَنَا زَحَفْتُ عَلَى هَذَا الْمَكَانِ لِأَخْرِبَهُ، بِدُونِ أَمْرِ اللهِ؟ اللهُ قَالَ لِي: ”هَاجِمْ هَذِهِ الْبِلَادَ وَاخْرِبْهَا.“‘“ فَقَالَ أَلْيَاقِيمُ وَشَبْنَةُ وَيُوآخُ لِقَائِدِ الْجَيْشِ: ”مِنْ فَضْلِكَ، كَلِّمْ عَبِيدَكَ بِاللُّغَةِ الْأَرَامِيَّةِ لِأَنَّنَا نَفْهَمُهَا، وَلَا تُكَلِّمْنَا بِالْعِبْرِيَّةِ بِمَسْمَعٍ مِنَ الشَّعْبِ الَّذِي تَجَمَّعَ عَلَى السُّورِ.“ فَقَالَ الْقَائِدُ: ”هَلْ تَظُنُّ أَنَّ سَيِّدِي أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ أَنْتَ وَسَيِّدِكَ فَقَطْ، لِأَقُولَ هَذَا الْكَلَامَ؟ لَا، بَلْ أَيْضًا إِلَى الرِّجَالِ الْجَالِسِينَ عَلَى السُّورِ، فَهُمْ مِثْلُكُمْ سَيَأْكُلُونَ بِرَازَهُمْ وَيَشْرَبُونَ بَوْلَهُمْ!“ ثُمَّ وَقَفَ الْقَائِدُ، وَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ وَقَالَ بِالْعِبْرِيَّةِ: ”اِسْمَعُوا كَلَامَ الْمَلِكِ الْعَظِيمِ، مَلِكِ أَشُّورَ! فَهُوَ يَقُولُ: ’لَا تَسْمَحُوا لِحَزَقِيَّا بِأَنْ يَخْدَعَكُمْ، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُنْقِذَكُمْ مِنْ يَدِي. وَلَا تَسْمَحُوا لَهُ بِأَنْ يَجْعَلَكُمْ تَتَّكِلُونَ عَلَى اللهِ بِقَوْلِهِ: ”بِكُلِّ تَأْكِيدٍ سَيُنْقِذُنَا اللهُ. هَذِهِ الْمَدِينَةُ لَنْ تَسْقُطَ فِي يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ.“ لَا تَسْمَعُوا لِحَزَقِيَّا، لِأَنَّ مَلِكَ أَشُّورَ يَقُولُ: ”اِعْقِدُوا مَعِي صُلْحًا وَاسْتَسْلِمُوا لِي، فَيَأْكُلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مِنْ أَشْجَارِ عِنَبِهِ وَتِينِهِ وَيَشْرَبَ مِنْ مَاءِ بِئْرِهِ، حَتَّى أَجِيءَ وَآخُذَكُمْ إِلَى أَرْضٍ كَأَرْضِكُمْ، أَرْضِ حُبُوبٍ وَخَمْرٍ، أَرْضِ خُبْزٍ وَكُرُومٍ، أَرْضِ زَيْتُونٍ وَعَسَلٍ، لِكَيْ تَحْيَوْا وَلَا تَمُوتُوا!“ فَلَا تَسْمَعُوا لِحَزَقِيَّا لِأَنَّهُ يُضِلُّكُمْ بِقَوْلِهِ: ”اللهُ يُنْقِذُنَا.“ هَلْ يُوجَدُ إِلَهٌ أَنْقَذَ بِلَادَهُ مِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ؟ أَيْنَ آلِهَةُ حَمَاةَ وَأَرْفَادَ؟ أَيْنَ آلِهَةُ سَفَرْوِيمَ وَهِينَعَ وَعَوَّا؟ هَلْ أَنْقَذُوا السَّامِرَةَ مِنْ يَدِي؟ بَلْ أَيُّ إِلَهٍ مِنْ كُلِّ آلِهَةِ هَذِهِ الْبِلَادِ أَنْقَذَ بِلَادَهُ مِنِّي؟ فَكَيْفَ تَقُولُونَ إِنَّ اللهَ يُنْقِذُ الْقُدْسَ مِنْ يَدِي؟‘“ فَسَكَتُوا وَلَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ الْمَلِكَ أَمَرَ وَقَالَ: ”لَا تَرُدُّوا عَلَيْهِ.“ فَجَاءَ أَلْيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَا مُدِيرُ الْقَصْرِ، وَشَبْنَةُ الْكَاتِبُ، وَيُوآخُ بْنُ آسَافَ الْمُسَجِّلُ، إِلَى حَزَقِيَّا وَثِيَابُهُمْ مُمَزَّقَةٌ، وَأَخْبَرُوهُ بِكَلَامِ الْقَائِدِ. فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ حَزَقِيَّا هَذَا الْكَلَامَ، مَزَّقَ ثِيَابَهُ وَلَبِسَ الْخَيْشَ وَدَخَلَ بَيْتَ اللهِ. وَأَرْسَلَ أَلْيَاقِيمَ مُدِيرَ الْقَصْرِ، وَشَبْنَةَ الْكَاتِبَ، وَشُيُوخَ الْأَحْبَارِ، لَابِسِينَ الْخَيْشَ إِلَى إِشَعْيَا بْنِ آمُوصَ النَّبِيِّ. فَقَالُوا لَهُ: ”حَزَقِيَّا يَقُولُ: ’هَذَا الْيَوْمُ يَوْمُ ضِيقٍ وَتَوْبِيخٍ وَإِهَانَةٍ. صِرْنَا كَامْرَأَةٍ عَلَى وَشْكِ أَنْ تَلِدَ، وَلَكِنْ لَيْسَ عِنْدَهَا الْقُوَّةُ أَنْ تَدْفَعَ الْجَنِينَ لِيَخْرُجَ! لَيْتَ الْمَوْلَى إِلَهَكَ يَسْمَعُ كُلَّ كَلَامِ الْقَائِدِ الَّذِي أَرْسَلَهُ سَيِّدُهُ مَلِكُ أَشُّورَ لِيَسْخَرَ مِنَ الْإِلَهِ الْحَيِّ. فَيُعَاقِبُهُ الْمَوْلَى إِلَهُكَ عَلَى الْكَلَامِ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْهُ. لِذَلِكَ أَرْجُو أَنْ تُصَلِّيَ مِنْ أَجْلِ الْبَقِيَّةِ الْمَوْجُودَةِ مِنَ الشَّعْبِ.‘“ وَجَاءَ رِجَالُ الْمَلِكِ حَزَقِيَّا إِلَى إِشَعْيَا. فَقَالَ إِشَعْيَا لَهُمْ: ”أَخْبِرُوا سَيِّدَكُمْ أَنَّ اللهَ قَالَ: ’لَا تَخَفْ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي سَمِعْتَهُ. إِنَّ صَعَالِيكَ مَلِكِ أَشُّورَ كَفَرُوا بِي. لِذَلِكَ سَأَجْعَلُهُ يُصَابُ بِالْوَهْمِ حِينَ يَسْمَعُ خَبَرًا، فَيَرْجِعُ إِلَى بِلَادِهِ، وَهُنَاكَ أَقْضِي عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ.‘“ وَسَمِعَ الْقَائِدُ أَنَّ مَلِكَ أَشُّورَ رَحَلَ مِنْ لَخِيشَ لِمُحَارَبَةِ مَدِينَةِ لِبْنَةَ، فَانْسَحَبَ عَنِ الْقُدْسِ وَذَهَبَ إِلَيْهِ. فَبَلَغَ سِنْحَرِيبَ خَبَرٌ أَنَّ تِرْهَاقَا مَلِكَ الْحَبَشَةِ، زَحَفَ عَلَيْهِ لِمُحَارَبَتِهِ. فَعَادَ وَأَرْسَلَ رُسُلًا آخَرِينَ إِلَى حَزَقِيَّا وَقَالَ: ”قُولُوا لِحَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا: ’لَا يَخْدَعْكَ إِلَهُكَ الَّذِي تَتَّكِلُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَقُولَ لَكَ إِنَّ الْقُدْسَ لَنْ تَسْقُطَ فِي يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ. أَنْتَ سَمِعْتَ بِمَا فَعَلَهُ مُلُوكُ أَشُّورَ بِكُلِّ الْبِلَادِ الَّتِي أَفْنَوْهَا تَمَامًا، فَهَلْ تَنْجُو أَنْتَ؟ هَلْ يُوجَدُ إِلَهٌ أَنْقَذَ بِلَادَهُ؟ إِنَّ آبَائِي أَهْلَكُوا جُوزَانَ وَحَارَانَ وَرَصَفَ وَبَنِي عَدَنَ الَّذِينَ فِي تَلَسَّارَ! أَيْنَ مَلِكُ حَمَاةَ وَمَلِكُ أَرْفَادَ وَمَلِكُ مَدِينَةِ سَفَرْوِيمَ أَوْ هِينَعَ أَوْ عَوَّا؟‘“ فَأَخَذَ حَزَقِيَّا الْخِطَابَ الَّذِي حَمَلَهُ الرُّسُلُ وَقَرَأَهُ، ثُمَّ صَعِدَ إِلَى بَيْتِ اللهِ وَبَسَطَهُ أَمَامَ الْمَوْلَى. وَصَلَّى حَزَقِيَّا إِلَى اللهِ وَقَالَ: ”اللَّهُمَّ يَا رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَنْتَ الْجَالِسُ عَلَى عَرْشِكَ فَوْقَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ. أَنْتَ هُوَ الْإِلَهُ وَحْدَكَ عَلَى كُلِّ مَمَالِكِ الْأَرْضِ. أَنْتَ صَنَعْتَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ. قَرِّبْ يَا رَبُّ أُذُنَكَ وَاسْمَعْ. اِفْتَحْ يَا رَبُّ عَيْنَيْكَ وَانْظُرْ. اِسْمَعْ كُلَّ كَلَامِ سِنْحَرِيبَ الَّذِي أَرْسَلَهُ لِيَشْتِمَ اللهَ الْحَيَّ. حَقَّا يَا رَبُّ، إِنَّ مُلُوكَ أَشُّورَ خَرَّبُوا هَؤُلَاءِ الْأُمَمَ وَبِلَادَهُمْ. وَطَرَحُوا آلِهَتَهُمْ فِي النَّارِ وَأَبَادُوهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا آلِهَةً، بَلْ صَنَعَهَا النَّاسُ مِنْ خَشَبٍ وَحَجَرٍ. وَالْآنَ أَيُّهَا الْمَوْلَى إِلَهُنَا، أَنْقِذْنَا مِنْ يَدِهِ، فَتَعْلَمَ كُلُّ مَمَالِكِ الْأَرْضِ أَنَّكَ أَنْتَ وَحْدَكَ يَا رَبُّ هُوَ اللهُ.“ فَأَرْسَلَ إِشَعْيَا بْنُ آمُوصَ إِلَى حَزَقِيَّا وَقَالَ لَهُ: ”يَقُولُ اللهُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ’قَدْ سَمِعْتُ صَلَاتَكَ بِشَأْنِ سِنْحَرِيبَ مَلِكِ أَشُّورَ. وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ الَّذِي نَطَقْتُ بِهِ ضِدَّهُ: ”أَهْلُ الْقُدْسِ يَحْتَقِرُونَكَ وَيَهْزَأُونَ بِكَ! أَهْلُ الْقُدْسِ يَضْحَكُونَ عَلَيْكَ! هَلْ تَعْلَمُ مَنْ هُوَ الَّذِي شَتَمْتَهُ، وَكَفَرْتَ بِهِ، وَعَلَّيْتَ صَوْتَكَ عَلَيْهِ، وَرَفَعْتَ عَيْنَيْكَ عَلَيْهِ بِكِبْرِيَاءَ؟ إِنَّهُ الْقُدُّوسُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ! أَنْتَ شَتَمْتَ الْمَوْلَى عَلَى لِسَانِ رُسُلِكَ وَقُلْتَ: ’صَعِدْتُ بِمَرْكَبَاتِيَ الْكَثِيرَةِ إِلَى أَعَالِي الْجِبَالِ، إِلَى قِمَمِ لُبْنَانَ، وَقَطَعْتُ أَطْوَلَ أَرْزِهِ، وَأَحْسَنَ سَرْوِهِ، وَصَلْتُ إِلَى أَبْعَدِ قِمَمِهِ، وَإِلَى قَلْبِ غَابَاتِهِ. حَفَرْتُ آبَارًا فِي بِلَادٍ أَجْنَبِيَّةٍ، وَشَرِبْتُ مَاءَهَا. نَشَّفْتُ بِبَطْنِ قَدَمِي كُلَّ أَنْهَارِ مِصْرَ.‘ ”’”أَلَمْ تَسْمَعْ أَنِّي مُنْذُ قَدِيمِ الزَّمَانِ دَبَّرْتُ هَذَا، وَمُنْذُ وَقْتٍ طَوِيلٍ قَصَدْتُهُ؟ وَالْآنَ أُتَمِّمُهُ عَلَى يَدِكَ لِتَهْدِمَ الْمُدُنَ الْمُحَصَّنَةَ وَتُحَوِّلَهَا إِلَى أَكْوَامِ حِجَارَةٍ. رَاحَتْ قُوَّةُ أَهْلِهَا، وَارْتَاعُوا وَخَجِلُوا. صَارُوا كَعُشْبِ الْحَقْلِ، وَكَالنَّبَاتِ الضَّعِيفِ. وَكَالْحَشِيشِ الَّذِي يَنْبُتُ عَلَى السَّطْحِ، يَمُوتُ قَبْلَ مَا يَنْمُو. وَلَكِنِّي عَارِفٌ مَكَانَكَ وَخُرُوجَكَ وَدُخُولَكَ، وَكَيْفَ أَنَّكَ هِجْتَ عَلَيَّ. فَلِأَنَّكَ هِجْتَ عَلَيَّ، وَلِأَنَّ عَجْرَفَتَكَ وَصَلَتْ إِلَى أُذُنَيَّ، لِذَلِكَ أَضَعُ خِزَامَتِي فِي أَنْفِكَ، وَلِجَامِي فِي فَمِكَ، وَأُرْجِعُكَ مِنَ الطَّرِيقِ الَّتِي جِئْتَ فِيهَا.“‘ ”وَهَذِهِ عَلَامَةٌ لَكَ يَا حَزَقِيَّا، هَذِهِ السَّنَةَ تَأْكُلُونَ طَعَامًا يَنْمُو مِنْ نَفْسِهِ، وَفِي السَّنَةِ التَّالِيَةِ تَأْكُلُونَ مَا يَنْبُتُ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا فِي السَّنَةِ الَّتِي بَعْدَهَا فَتَزْرَعُونَ وَتَحْصُدُونَ، وَتَغْرِسُونَ كُرُومًا وَتَأْكُلُونَ ثِمَارَهَا. وَبَقِيَّةُ نَسْلِ يَهُوذَا الَّتِي تَنْجُو، تَكُونُ مَرَّةً أُخْرَى كَشَجَرَةٍ تَغْرِسُ جُذُورَهَا عَمِيقَةً فِي الْأَرْضِ، وَتُنْتِجُ أَغْصَانُهَا ثَمَرًا. لِأَنَّهُ تَخْرُجُ بَقِيَّةٌ مِنَ الْقُدْسِ، وَجَمَاعَةٌ نَاجِيَةٌ مِنَ الْجَبَلِ الْمُقَدَّسِ. اللهُ الْقَدِيرُ مُصَمِّمٌ أَنْ يَعْمَلَ هَذَا. لِذَلِكَ قَالَ اللهُ عَنْ مَلِكِ أَشُّورَ: ’لَنْ يَدْخُلَ هَذِهِ الْمَدِينَةَ، وَلَنْ يَرْمِيَ عَلَيْهَا سَهْمًا، وَلَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهَا بِتُرْسٍ، وَلَنْ يُقِيمَ عَلَيْهَا مِقْلَاعًا. إِنَّمَا يَرْجِعُ مِنَ الطَّرِيقِ الَّتِي جَاءَ فِيهَا، وَلَنْ يَدْخُلَ هَذِهِ الْمَدِينَةَ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. فَأُحَامِي عَنْ هَذِهِ الْمَدِينَةِ وَأُنْقِذُهَا، مِنْ أَجْلِي، وَمِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِي!‘“ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، خَرَجَ مَلَاكُ اللهِ وَقَتَلَ مِنْ جَيْشِ أَشُّورَ 185000. فَلَمَّا طَلَعَ الصُّبْحُ إِذَا كُلُّهُمْ جُثَثٌ مَيِّتَةٌ. فَانْصَرَفَ سِنْحَرِيبُ مَلِكُ أَشُّورَ، وَانْسَحَبَ مِنْ هُنَاكَ، وَرَجَعَ إِلَى نِينَوَى وَأَقَامَ فِيهَا. وَذَاتَ يَوْمٍ، فِيمَا هُوَ سَاجِدٌ فِي مَعْبَدِ نِسْرُوخَ إِلَهِهِ، قَتَلَهُ بِالسَّيْفِ ابْنَاهُ أَدَرْمَلِكُ وَشَرَاصَرُ، وَهَرَبَا إِلَى أَرْضِ أَرَارَاطَ. وَمَلَكَ أَسَرْحَدُّونُ ابْنُهُ مَكَانَهُ. وَفِي تِلْكَ الْأَيَّامِ مَرِضَ حَزَقِيَّا لِدَرَجَةِ أَنَّهُ أَوْشَكَ أَنْ يَمُوتَ. فَذَهَبَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ إِشَعْيَا بْنُ آمُوصَ وَقَالَ لَهُ: ”الْمَوْلَى يَقُولُ لَكَ: ’اِعْمَلْ وَصِيَّتَكَ لِأَهْلِكَ، لِأَنَّكَ لَنْ تُشْفَى بَلْ سَتَمُوتُ.‘“ فَأَدَارَ حَزَقِيَّا وَجْهَهُ إِلَى الْحَائِطِ، وَصَلَّى إِلَى اللهِ وَقَالَ: ”اُذْكُرْ يَا رَبُّ كَيْفَ سِرْتُ فِي مَحْضَرِكَ بِأَمَانَةٍ وَقَلْبٍ مُخْلِصٍ وَعَمِلْتُ مَا يُرْضِيكَ.“ وَبَكَى حَزَقِيَّا بِحُرْقَةٍ. وَقَبْلَ أَنْ يُغَادِرَ إِشَعْيَا السَّاحَةَ الْوُسْطَى فِي الْقَصْرِ، قَالَ لَهُ اللهُ: ”اِرْجِعْ وَقُلْ لِحَزَقِيَّا، رَئِيسِ شَعْبِي: ’الْمَوْلَى إِلَهُ دَاوُدَ أَبِيكَ يَقُولُ لَكَ: ”سَمِعْتُ صَلَاتَكَ وَرَأَيْتُ دُمُوعَكَ، فَهَا أَنَا أَشْفِيكَ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ تَذْهَبُ إِلَى بَيْتِ اللهِ. وَأُضِيفُ إِلَى عُمْرِكَ 15 سَنَةً، وَأُنْقِذُكَ أَنْتَ وَهَذِهِ الْمَدِينَةَ، مِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ، وَأُدَافِعُ عَنْ هَذِهِ الْمَدِينَةِ مِنْ أَجْلِي وَمِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِي.“‘“ ثُمَّ قَالَ إِشَعْيَا: ”اِعْمَلُوا عَجِينَةً مِنْ تِينٍ.“ فَعَمِلُوا وَضَمَّدُوا بِهَا الْقُرْحَةَ فَبَرِئَ الْمَلِكُ. وَكَانَ حَزَقِيَّا قَدْ سَأَلَ إِشَعْيَا: ”مَا هِيَ الْعَلَامَةُ الَّتِي تُؤَكِّدُ لِي أَنَّ اللهَ سَيَشْفِينِي وَأَنِّي سَأَصْعَدُ إِلَى بَيْتِ اللهِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ؟“ فَقَالَ إِشَعْيَا: ”الْمَوْلَى يُعْطِيكَ هَذِهِ الْعَلَامَةَ لِيُؤَكِّدَ لَكَ أَنَّهُ سَيَفْعَلُ مَا وَعَدَ بِهِ، هَلْ تُرِيدُ أَنْ يَتَقَدَّمَ ظِلُّ الشَّمْسِ إِلَى الْأَمَامِ 10 دَرَجَاتٍ أَوْ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْوَرَاءِ 10 دَرَجَاتٍ؟“ فَقَالَ حَزَقِيَّا: ”مِنَ السَّهْلِ أَنْ يَتَقَدَّمَ الظِّلُّ 10 دَرَجَاتٍ، إِذَنِ اجْعَلْهُ يَرْجِعُ 10 دَرَجَاتٍ!“ فَدَعَا إِشَعْيَا اللهَ، فَجَعَلَ اللهُ الظِّلَّ يَرْجِعُ إِلَى الْوَرَاءِ 10 دَرَجَاتٍ بَعْدَمَا كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ إِلَى الْأَمَامِ عَلَى سُلَّمِ آحَازَ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَرْسَلَ مَرُودَخُ بَلَادَانُ بْنُ بَلَادَانَ مَلِكُ بَابِلَ، رَسَائِلَ وَهَدِيَّةً إِلَى حَزَقِيَّا، لِأَنَّهُ سَمِعَ أَنَّهُ كَانَ مَرِيضًا. فَفَرِحَ حَزَقِيَّا بِالرُّسُلِ، وَأَرَاهُمْ كُلَّ مَا فِي خَزَائِنِهِ مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَأَطْيَابٍ وَزَيْتٍ طَيِّبٍ، وَكُلَّ مَخَازِنِ الْأَسْلِحَةِ، وَكُلَّ مَا عِنْدَهُ مِنْ كُنُوزٍ. وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ فِي قَصْرِهِ وَفِي كُلِّ مَمْلَكَتِهِ لَمْ يُرِهِمْ إِيَّاهُ حَزَقِيَّا. فَذَهَبَ إِشَعْيَا النَّبِيُّ إِلَى حَزَقِيَّا وَسَأَلَهُ: ”مَاذَا قَالَ لَكَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ، وَمِنْ أَيْنَ جَاءُوا؟“ فَقَالَ حَزَقِيَّا: ”جَاءُوا مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ، مِنْ بَابِلَ.“ فَقَالَ النَّبِيُّ: ”مَاذَا رَأَوْا فِي قَصْرِكَ؟“ فَقَالَ حَزَقِيَّا: ”رَأَوْا كُلَّ شَيْءٍ فِي قَصْرِي. لَيْسَ شَيْءٌ فِي خَزَائِنِي لَمْ أُرِهِمْ إِيَّاهُ.“ فَقَالَ إِشَعْيَا لِحَزَقِيَّا: ”اِسْمَعْ كَلَامَ اللهِ: ’سَيَأْتِي وَقْتٌ، يُحْمَلُ فِيهِ إِلَى بَابِلَ كُلُّ مَا فِي قَصْرِكَ، وَكُلُّ مَا خَزَنَهُ آبَاؤُكَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. لَا يُتْرَكُ شَيْءٌ. وَيُؤْخَذُ بَعْضُ أَبْنَائِكَ، الَّذِينَ يُولَدُونَ لَكَ مِنْ لَحْمِكَ وَدَمِكَ، فَيَكُونُونَ خِصْيَانًا فِي قَصْرِ مَلِكِ بَابِلَ.‘“ فَقَالَ حَزَقِيَّا لِإِشَعْيَا: ”صَالِحٌ هُوَ كَلَامُ اللهِ الَّذِي أَعْلَنْتَهُ.“ وَقَالَ حَزَقِيَّا فِي نَفْسِهِ: ”سَيَكُونُ سَلَامٌ وَأَمَانٌ فِي أَيَّامِي.“ وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ حَزَقِيَّا، وَكُلُّ انْتِصَارَاتِهِ، وَكَيْفَ عَمِلَ الْبِرْكَةَ وَالْقَنَاةَ وَأَدْخَلَ الْمَاءَ إِلَى الْمَدِينَةِ، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ يَهُوذَا. وَانْضَمَّ حَزَقِيَّا إِلَى أَسْلَافِهِ، وَمَلَكَ مَنَسَّى ابْنُهُ مَكَانَهُ. كَانَ مَنَسَّى ابْنَ 12 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 55 سَنَةً فِي الْقُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ حَفَصِيبَةُ. وَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ، وَارْتَكَبَ الْمُمَارَسَاتِ الْقَبِيحَةَ الَّتِي ارْتَكَبَتْهَا الْأُمَمُ الَّتِي طَرَدَهَا اللهُ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَعَادَ فَبَنَى مَعَابِدَ الْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ الَّتِي هَدَمَهَا حَزَقِيَّا أَبُوهُ، وَبَنَى مَنَصَّاتٍ لِتَقْدِيمِ الْقُرْبَانِ لِلْبَعْلِ، وَعَمِلَ عَمُودًا يَعْبُدُهُ، كَمَا عَمِلَ آخَابُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ. وَسَجَدَ لِكُلِّ نُجُومِ السَّمَاءِ وَعَبَدَهَا. وَبَنَى مَنَصَّاتٍ لِتَقْدِيمِ الْقُرْبَانِ فِي بَيْتِ اللهِ الَّذِي قَالَ اللهُ عَنْهُ: ”فِي الْقُدْسِ يُكْرِمُونَ اسْمِي.“ وَبَنَى مَنَصَّاتٍ لِتَقْدِيمِ الْقُرْبَانِ لِكُلِّ نُجُومِ السَّمَاءِ فِي سَاحَتَيْ بَيْتِ اللهِ. وَأَحْرَقَ ابْنَهُ فِي النَّارِ قُرْبَانًا. وَمَارَسَ السِّحْرَ وَالْعِلْمَ بِالْغَيْبِ، وَاسْتَشَارَ مَنْ يَتَعَامَلُونَ مَعَ الْجِنِّ وَمَنْ يُحَضِّرُونَ الْأَرْوَاحَ. وَأَكْثَرَ مِنْ عَمَلِ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ لِيَغِيظَهُ. وَوَضَعَ الْعَمُودَ الَّذِي يَعْبُدُهُ فِي الْبَيْتِ الَّذِي قَالَ اللهُ عَنْهُ لِدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ ابْنِهِ: ”فِي هَذَا الْبَيْتِ، وَفِي الْقُدْسِ الَّتِي اخْتَرْتُهَا مِنْ بَيْنِ كُلِّ قَبَائِلِ إِسْرَائِيلَ، يُكْرِمُونَ اسْمِي إِلَى الْأَبَدِ. وَلَا أَعُودُ أُشَرِّدُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لِآبَائِهِمْ، وَذَلِكَ إِنْ أَطَاعُوا وَعَمِلُوا بِكُلِّ مَا أَوْصَيْتُهُمْ بِهِ وَبِكُلِّ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَمَرَهُمْ بِهَا عَبْدِي مُوسَى.“ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا، بَلْ أَضَلَّهُمْ مَنَسَّى، فَعَمِلُوا مَا هُوَ أَكْثَرُ شَرًّا مِمَّا تَعْمَلُهُ الْأُمَمُ الَّتِي طَرَدَهَا اللهُ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَتَكَلَّمَ اللهُ بِوَاسِطَةِ عَبِيدِهِ الْأَنْبِيَاءِ وَقَالَ: ”مَنَسَّى مَلِكُ يَهُوذَا عَمِلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الْقَبِيحَةَ، وَارْتَكَبَ الشَّرَّ أَكْثَرَ مِنَ الْأَمُورِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا فِي هَذِهِ الْبِلَادِ قَبْلَهُ، وَجَعَلَ شَعْبَ يَهُوذَا أَيْضًا يَرْتَكِبُ الذَّنْبَ بِعِبَادَةِ أَصْنَامِهِ! لِذَلِكَ أَنَا اللهَ رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَرَّرْتُ أَنْ أَجْلِبَ عَلَى الْقُدْسِ وَيَهُوذَا مَصَائِبَ، كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ بِهَا تُصْعَقُ أُذُنَاهُ. وَأَحْكُمُ عَلَى الْقُدْسِ بِنَفْسِ الْمِقْيَاسِ الَّذِي حَكَمْتُ بِهِ عَلَى السَّامِرَةِ، وَبِنَفْسِ الْقَاعِدَةِ الَّتِي حَكَمْتُ بِهَا عَلَى آخَابَ وَنَسْلِهِ. وَأَمْسَحُهَا كَمَا يَمْسَحُ الْوَاحِدُ الطَّبَقَ وَيَقْلِبُهُ عَلَى وَجْهِهِ. وَأَتَخَلَّى عَنْ بَقِيَّةِ نَصِيبِي، وَأُوقِعُهُمْ فِي أَيْدِي أَعْدَائِهِمْ، فَيَنْهَبُهُمْ وَيَسْلُبُهُمْ كُلُّ أَعْدَائِهِمْ. لِأَنَّهُمْ عَمِلُوا مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِي، وَغَاظُونِي مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ خَرَجَ آبَاؤُهُمْ مِنْ مِصْرَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ.“ وَسَفَكَ مَنَسَّى أَيْضًا دَمًا بَرِيئًا كَثِيرًا، حَتَّى مَلَأَ الْقُدْسَ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا. هَذَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْخَطِيئَةِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا بِأَنْ جَعَلَ يَهُوذَا يَعْمَلُ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ مَنَسَّى وَكُلُّ أَعْمَالِهِ وَخَطِيئَتُهُ الَّتِي ارْتَكَبَهَا، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ يَهُوذَا. وَانْضَمَّ مَنَسَّى إِلَى أَسْلَافِهِ، وَدُفِنَ فِي بُسْتَانِ قَصْرِهِ، بُسْتَانِ عُزَّا. وَمَلَكَ آمُونُ ابْنُهُ مَكَانَهُ. كَانَ آمُونُ ابْنَ 22 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ سَنَتَيْنِ فِي الْقُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ مَشْلَمَةُ بِنْتُ حَارُوصَ مِنْ يَطْبَةَ. وَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ، كَمَا عَمِلَ مَنَسَّى أَبُوهُ. وَتَبِعَ كُلَّ مِثَالِ أَعْمَالِ أَبِيهِ، وَعَبَدَ الْأَصْنَامَ الَّتِي عَبَدَهَا أَبُوهُ وَسَجَدَ لَهَا. وَتَرَكَ الْمَوْلَى إِلَهَ آبَائِهِ، وَلَمْ يَسْلُكْ فِي طَرِيقِ اللهِ. وَتَآمَرَ أَعْوَانُ آمُونَ ضِدَّهُ، وَقَتَلُوا الْمَلِكَ فِي قَصْرِهِ. فَقَتَلَ الشَّعْبُ كُلَّ الَّذِينَ تَآمَرُوا ضِدَّ الْمَلِكِ، وَجَعَلُوا يُوشِيَّا ابْنَهُ مَلِكًا مَكَانَهُ. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ آمُونَ وَأَعْمَالُهُ، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ يَهُوذَا. وَدُفِنَ فِي قَبْرِهِ فِي بُسْتَانِ عُزَّا، وَمَلَكَ يُوشِيَّا ابْنُهُ مَكَانَهُ. كَانَ يُوشِيَّا ابْنَ 8 سِنِينَ لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 31 سَنَةً فِي الْقُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ يَدْيَدَةُ بِنْتُ عَدَايَةَ مِنْ بُصْقَةَ، وَعَمِلَ مَا هُوَ صَالِحٌ فِي نَظَرِ اللهِ، وَتَبِعَ كُلَّ مِثَالِ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَلَمْ يَنْحَرِفْ عَنْهُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا. وَفِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ لِلْمَلِكِ يُوشِيَّا، أَرْسَلَ الْمَلِكُ كَاتِبَهُ شَافَانَ بْنَ أَصَلْيَا بْنِ مَشْلَامَ، إِلَى بَيْتِ اللهِ وَقَالَ لَهُ: ”اِذْهَبْ إِلَى حِلْقِيَا الْحَبْرِ الْأَعْلَى، لِكَيْ يَحْسِبَ الْمَالَ الَّذِي دَخَلَ إِلَى بَيْتِ اللهِ، الَّذِي جَمَعَهُ حُرَّاسُ الْبَابِ مِنَ الشَّعْبِ، فَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى الْوُكَلَاءِ الْمُشْرِفِينَ عَلَى الْعَمَلِ فِي بَيْتِ اللهِ، وَالْوُكَلَاءُ يَدْفَعُونَهُ إِلَى الْعُمَّالِ الَّذِينَ يُرَمِّمُونَ مَا تَهَدَّمَ مِنَ الْبَيْتِ، مِنْ نَجَّارِينَ وَبَنَّائِينَ وَنَحَّاتِينَ، وَأَيْضًا لِشِرَاءِ خَشَبٍ وَحِجَارَةٍ مَنْحُوتَةٍ لِلتَّرْمِيمِ. وَلَا تُحَاسِبُوا الْوُكَلَاءَ الَّذِينَ يَسْتَلِمُونَ الْمَالَ لِأَنَّهُمْ أُمَنَاءُ.“ وَقَالَ حِلْقِيَا الْحَبْرُ الْأَعْلَى لِشَافَانَ الْكَاتِبِ: ”وَجَدْتُ كِتَابَ الشَّرِيعَةِ فِي بَيْتِ اللهِ.“ وَأَعْطَى حِلْقِيَا الْكِتَابَ لِشَافَانَ فَقَرَأَهُ. ثُمَّ ذَهَبَ شَافَانُ الْكَاتِبُ إِلَى الْمَلِكِ، وَقَدَّمَ لَهُ تَقْرِيرًا عَنْ سَيْرِ الْعَمَلِ وَقَالَ: ”حَسَبَ رِجَالُكَ الْمَالَ الَّذِي فِي الْبَيْتِ، وَسَلَّمُوهُ إِلَى الْوُكَلَاءِ الْمُشْرِفِينَ عَلَى الْعَمَلِ فِي بَيْتِ اللهِ.“ وَقَالَ شَافَانُ الْكَاتِبُ أَيْضًا لِلْمَلِكِ: ”أَعْطَانِي حِلْقِيَا الْحَبْرُ كِتَابًا.“ ثُمَّ قَرَأَ شَافَانُ مِنَ الْكِتَابِ أَمَامَ الْمَلِكِ. فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ كَلَامَ كِتَابِ الشَّرِيعَةِ، مَزَّقَ ثِيَابَهُ وَأَمَرَ حِلْقِيَا الْحَبْرَ، وَأَخِيقَامَ بْنَ شَافَانَ، وَعَكْبُورَ بْنَ مِيخَا، وَشَافَانَ الْكَاتِبَ، وَعَسَايَا خَادِمَ الْمَلِكِ، وَقَالَ لَهُمْ: ”اِذْهَبُوا اسْأَلُوا اللهَ لِي وَلِلشَّعْبِ وَلِكُلِّ يَهُوذَا، عَمَّا وَرَدَ فِي هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي وُجِدَ. فَلَا شَكَّ أَنَّ اللهَ غَاضِبٌ عَلَيْنَا غَضَبًا شَدِيدًا جِدًّا، لِأَنَّ آبَاءَنَا لَمْ يُطِيعُوا كَلَامَ هَذَا الْكِتَابِ، وَلَمْ يَعْمَلُوا بِكُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهِ وَمَفْرُوضٌ عَلَيْنَا.“ فَذَهَبَ حِلْقِيَا الْحَبْرُ وَأَخِيقَامُ وَعَكْبُورُ وَشَافَانُ وَعَسَايَا، إِلَى خَلْدَةَ النَّبِيَّةِ زَوْجَةِ شَلُّومَ بْنِ تِقْوَةَ بْنِ حَرْحَسَ، حَافِظِ الثِّيَابِ. وَكَانَتْ تُقِيمُ فِي الْحَيِّ الثَّانِي فِي الْقُدْسِ. وَسَأَلُوهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ: ”هَذَا هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي قَالَهُ اللهُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَخْبِرُوا بِهِ الرَّجُلَ الَّذِي أَرْسَلَكُمْ إِلَيَّ. يَقُولُ اللهُ: ’سَأَجْلِبُ الْمَصَائِبَ عَلَى هَذَا الْمَكَانِ وَعَلَى أَهْلِهِ، كُلَّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الْكِتَابِ الَّذِي قَرَأَهُ مَلِكُ يَهُوذَا. لِأَنَّهُمْ تَرَكُونِي، وَأَحْرَقُوا الْبَخُورَ لِآلِهَةٍ أُخْرَى، وَغَاظُونِي بِكُلِّ أَعْمَالِهِمْ. فَاشْتَدَّ غَضَبِي عَلَى هَذَا الْمَكَانِ وَلَنْ يَهْدَأَ.‘ أَمَّا مَلِكُ يَهُوذَا الَّذِي أَرْسَلَكُمْ لِتَسْتَشِيرُوا اللهَ، فَقُولُوا لَهُ: ’يَقُولُ اللهُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، بِشَأْنِ الْكَلَامِ الَّذِي سَمِعْتَهُ: ”أَنْتَ لَمَّا سَمِعْتَ مَا قَضَيْتُ بِهِ عَلَى هَذَا الْمَكَانِ وَعَلَى أَهْلِهِ، أَنَّ مَصِيرَهُمُ الْخَرَابُ وَاللَّعْنَةُ، نَدِمْتَ وَتَوَاضَعْتَ وَمَزَّقْتَ ثِيَابَكَ وَبَكَيْتَ فِي مَحْضَرِ اللهِ، لِذَلِكَ أَنَا أَقُولُ لَكَ إِنِّي سَمِعْتُكَ. فَأَجْعَلُكَ تَنْضَمُّ إِلَى أَسْلَافِكَ، فَتُدْفَنُ بِسَلَامٍ، وَلَا تَرَى عَيْنَاكَ الْمَصَائِبَ الَّتِي سَأَجْلِبُهَا عَلَى هَذَا الْمَكَانِ.“‘“ فَرَجَعَ الرُّسُلُ بِهَذَا الرَّدِّ إِلَى الْمَلِكِ. وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ وَاسْتَدْعَى كُلَّ شُيُوخِ يَهُوذَا وَالْقُدْسِ. وَذَهَبَ الْمَلِكُ إِلَى بَيْتِ اللهِ وَمَعَهُ كُلُّ قَادَةِ يَهُوذَا، وَشَعْبُ الْقُدْسِ، وَالْأَحْبَارُ وَالْأَنْبِيَاءُ، كُلُّ الشَّعْبِ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ. فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ كُلَّ مَا وَرَدَ فِي كِتَابِ الْعَهْدِ الَّذِي وُجِدَ فِي بَيْتِ اللهِ. وَوَقَفَ الْمَلِكُ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَعَمِلَ عَهْدًا فِي مَحْضَرِ اللهِ، لِيَتْبَعَ اللهَ وَيُطِيعَ وَصَايَاهُ وَإِرْشَادَاتِهِ وَفَرَائِضَهُ بِكُلِّ قَلْبِهِ وَكُلِّ نَفْسِهِ، وَيُنَفِّذَ كَلَامَ الْعَهْدِ الْوَارِدِ فِي هَذَا الْكِتَابِ. وَأَعْلَنَ كُلُّ الشَّعْبِ أَنَّهُمْ سَيُطِيعُونَ هَذَا الْعَهْدَ. وَأَمَرَ الْمَلِكُ حِلْقِيَا الْحَبْرَ الْأَعْلَى، وَأَحْبَارَ الرُّتْبَةِ الَّتِي بَعْدَهُ، وَحُرَّاسَ الْبَابِ، أَنْ يُخْرِجُوا مِنْ بَيْتِ اللهِ كُلَّ شَيْءٍ مَصْنُوعٍ لِلْبَعْلِ وَلِعَشْتَرُوتَ وَلِكُلِّ نُجُومِ السَّمَاءِ، وَأَحْرَقَهَا خَارِجَ الْقُدْسِ فِي حُقُولِ وَادِي قَدْرُونَ، وَحَمَلَ رَمَادَهَا إِلَى بَيْتَ إِيلَ. وَأَبَادَ كَهَنَةَ الْأَصْنَامِ الَّذِينَ عَيَّنَهُمْ مُلُوكُ يَهُوذَا، لِيَحْرِقُوا الْبَخُورَ فِي مَعَابِدِ الْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ الَّتِي فِي مُدُنِ يَهُوذَا وَحَوْلَ الْقُدْسِ، وَالَّذِينَ كَانُوا يَحْرِقُونَ الْبَخُورَ لِلْبَعْلِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ وَكُلِّ نُجُومِ السَّمَاءِ. وَأَخْرَجَ الْعَمُودَ الَّذِي يَعْبُدُونَهُ مِنْ بَيْتِ اللهِ، إِلَى وَادِي قَدْرُونَ، خَارِجَ الْقُدْسِ، وَأَحْرَقَهُ هُنَاكَ. ثُمَّ سَحَقَهُ حَتَّى صَارَ غُبَارًا، وَذَرَّى الْغُبَارَ عَلَى قُبُورِ عَامَّةِ الشَّعْبِ. وَكَانَ فِي بَيْتِ اللهِ غُرَفٌ لِلْعَاهِرِينَ الَّذِينَ يُمَارِسُونَ الشُّذُوذَ الْجِنْسِيَّ، حَيْثُ كَانَتِ النِّسَاءُ يَنْسِجْنَ ثِيَابًا لِعَشْتَرُوتَ، فَهَدَمَ يُوشِيَّا الْغُرَفَ. وَأَحْضَرَ كُلَّ الْأَحْبَارِ مِنْ مُدُنِ يَهُوذَا، وَنَجَّسَ مَعَابِدَ الْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ مِنْ جِبْعَ إِلَى بِئْرَ سَبْعَ، حَيْثُ كَانَ الْكَهَنَةُ يَحْرِقُونَ الْبَخُورَ. وَهَدَمَ الْمَعَابِدَ الَّتِي عِنْدَ مَدْخَلِ بَوَّابَةِ يَشُوعَ حَاكِمِ الْمَدِينَةِ، عَلَى شِمَالِ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ. وَمَعَ أَنَّ كَهَنَةَ مَعَابِدِ الْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ لَمْ يَخْدِمُوا عِنْدَ مَنَصَّةِ اللهِ فِي الْقُدْسِ، لَكِنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ فَطِيرًا مَعَ الْأَحْبَارِ. وَنَجَّسَ حُفْرَةَ النَّارِ الَّتِي فِي وَادِي ابْنِ هِنُّومَ، لِكَيْ لَا يَحْرِقَ أَحَدٌ ابْنَهُ أَوْ بِنْتَهُ فِي النَّارِ قُرْبَانًا لِمُولَخَ. وَأَبَادَ الْخَيْلَ الَّتِي أَعْطَاهَا مُلُوكُ يَهُوذَا لِعِبَادَةِ الشَّمْسِ، وَكَانَتْ عِنْدَ مَدْخَلِ بَيْتِ اللهِ، فِي السَّاحَةِ بِالْقُرْبِ مِنْ مَسْكَنِ مُوَظَّفٍ اسْمُهُ نَتَنْمَلِكُ. وَأَحْرَقَ الْمَرْكَبَاتِ الَّتِي لِعِبَادَةِ الشَّمْسِ. وَهَدَمَ الْمَلِكُ مَنَصَّاتِ الْقُرْبَانِ الَّتِي بَنَاهَا مُلُوكُ يَهُوذَا عَلَى سَطْحِ غُرْفَةِ آحَازَ، وَالْمَنَصَّاتِ الَّتِي بَنَاهَا مَنَسَّى فِي سَاحَتَيْ بَيْتِ اللهِ. وَسَحَقَ حِجَارَتَهَا وَذَرَّاهَا فِي وَادِي قَدْرُونَ. وَنَجَّسَ الْمَلِكُ مَعَابِدَ الْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ الَّتِي شَرْقَ الْقُدْسِ جَنُوبَ جَبَلِ الْهَلَاكِ. وَهِيَ الَّتِي بَنَاهَا سُلَيْمَانُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِعَشْتُورَةَ إِلَهَةِ الصَّيْدُونِيِّينَ النَّجِسَةِ، وَلِكَمُوشَ إِلَهِ الْمُوآبِيِّينَ النَّجِسِ، وَلِمَلْكُومَ إِلَهِ الْعَمُّونِيِّينَ الْكَرِيهِ. وَحَطَّمَ يُوشِيَّا التَّمَاثِيلَ، وَكَسَّرَ الْأَعْمِدَةَ الَّتِي كَانَ النَّاسُ يَعْبُدُونَهَا، وَمَلَأَ مَكَانَهَا مِنْ عِظَامِ النَّاسِ. وَأَيْضًا الْمَنَصَّةُ الَّتِي فِي بَيْتَ إِيلَ، فِي الْمَعْبَدِ الَّذِي بَنَاهُ يَرْبَعَامُ بْنُ نَبَاطَ الَّذِي جَعَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَرْتَكِبُونَ الشَّرَّ، فَهَذِهِ الْمَنَصَّةُ وَالْمَعْبَدُ هَدَمَهُمَا يُوشِيَّا وَأَحْرَقَ الْمَعْبَدَ وَسَحَقَهُ حَتَّى صَارَ غُبَارًا. وَكَذَلِكَ أَحْرَقَ الْعَمُودَ الَّذِي كَانُوا يَعْبُدُونَهُ. وَالْتَفَتَ يُوشِيَّا، فَرَأَى الْقُبُورَ الَّتِي هُنَاكَ فِي الْجَبَلِ. فَأَرْسَلَ وَأَخَذَ الْعِظَامَ مِنْهَا، وَأَحْرَقَهَا عَلَى الْمَنَصَّةِ وَنَجَّسَهَا. فَتَمَّ كَلَامُ اللهِ الَّذِي أَعْلَنَهُ الْوَلِيُّ الَّذِي تَنَبَّأَ بِهَذَا. وَقَالَ يُوشِيَّا: ”مَا هَذَا النَّصَبُ الَّذِي أَرَاهُ؟“ فَقَالَ لَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ: ”هَذَا قَبْرُ الْوَلِيِّ الَّذِي جَاءَ مِنْ يَهُوذَا، وَتَنَبَّأَ ضِدَّ مَنَصَّةِ بَيْتَ إِيلَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي أَنْتَ نَفَّذْتَهَا.“ فَقَالَ الْمَلِكُ: ”اُتْرُكُوهُ. لَا يُحَرِّكْ أَحَدٌ عِظَامَهُ.“ فَتَرَكُوا عِظَامَهُ وَعِظَامَ النَّبِيِّ الَّذِي جَاءَ مِنَ السَّامِرَةِ. وَهَدَمَ يُوشِيَّا كُلَّ مَعَابِدِ الْآلِهَةِ الَّتِي بَنَاهَا مُلُوكُ إِسْرَائِيلَ فِي مُدُنِ السَّامِرَةِ لِيَغِيظُوا اللهَ، وَفَعَلَ بِهَا مَا فَعَلَهُ فِي بَيْتَ إِيلَ. وَقَتَلَ كُلَّ كَهَنَةِ مَعَابِدِ الْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ عَلَى مَنَصَّاتِ الْقُرْبَانِ الَّتِي فِي تِلْكَ الْمَعَابِدِ، وَأَحْرَقَ عِظَامَ النَّاسِ عَلَيْهَا. وَبَعْدَ ذَلِكَ رَجَعَ يُوشِيَّا إِلَى الْقُدْسِ. وَأَمَرَ الْمَلِكُ كُلَّ الشَّعْبِ وَقَالَ: ”اِحْتَفِلُوا بِالْفِصْحِ لِلْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ الْعَهْدِ هَذَا.“ فَاحْتَفَلُوا بِفِصْحٍ لَا مَثِيلَ لَهُ مِنْ قَبْلُ، لَا فِي زَمَنِ الْقُضَاةِ الَّذِينَ حَكَمُوا إِسْرَائِيلَ، وَلَا فِي كُلِّ أَيَّامِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ وَمُلُوكِ يَهُوذَا. فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ لِلْمَلِكِ يُوشِيَّا، اِحْتَفَلُوا بِهَذَا الْفِصْحِ للهِ فِي الْقُدْسِ. وَأَبَادَ يُوشِيَّا أَيْضًا مَنْ يَتَعَامَلُونَ مَعَ الْجِنِّ، وَمَنْ يُحَضِّرُونَ الْأَرْوَاحَ، وَالْآلِهَةَ، وَالْأَصْنَامَ، وَكُلَّ الْأَشْيَاءِ الْقَبِيحَةِ الَّتِي كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي بِلَادِ يَهُوذَا وَفِي الْقُدْسِ، وَذَلِكَ عَمَلًا بِكَلَامِ الشَّرِيعَةِ الْمَكْتُوبِ فِي الْكِتَابِ الَّذِي وَجَدَهُ حِلْقِيَا الْحَبْرُ فِي بَيْتِ اللهِ. وَلَمْ يَكُنْ مَلِكٌ مِثْلَهُ، لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ رَجَعَ إِلَى اللهِ بِكُلِّ قَلْبِهِ وَكُلِّ نَفْسِهِ وَكُلِّ قُدْرَتِهِ، حَسَبَ كُلِّ شَرِيعَةِ مُوسَى. وَمَعَ كُلِّ هَذَا، لَمْ يَرْجِعِ اللهُ عَنْ غَضَبِهِ الشَّدِيدِ الْمُخِيفِ، لِأَنَّهُ غَضِبَ جِدًّا عَلَى يَهُوذَا، بِسَبَبِ كُلِّ أَعْمَالِ مَنَسَّى الَّتِي غَاظَهُ بِهَا. فَقَالَ اللهُ: ”إِنِّي كَمَا أَزَلْتُ إِسْرَائِيلَ أُزِيلُ يَهُوذَا أَيْضًا مِنْ أَمَامِي، وَأَرْفُضُ هَذِهِ الْمَدِينَةَ، الْقُدْسَ الَّتِي اخْتَرْتُهَا، وَالْبَيْتَ الَّذِي قُلْتُ عَنْهُ: ’يُكْرِمُونَ اسْمِي فِيهِ.‘“ وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ يُوشِيَّا، وَكُلُّ أَعْمَالِهِ، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ يَهُوذَا. وَفِي أَثْنَاءِ حُكْمِهِ ذَهَبَ الْمَلِكُ نَخْوُ فِرْعَوْنُ مِصْرَ، لِيُسَاعِدَ مَلِكَ أَشُّورَ عِنْدَ نَهْرِ الْفُرَاتِ. فَخَرَجَ يُوشِيَّا لِيُحَارِبَ نَخْوَ. فَلَمَّا تَقَابَلَا فِي الْحَرْبِ، قَتَلَهُ نَخْوُ فِي مَجِدُّو. فَحَمَلَهُ رِجَالُهُ مَيِّتًا فِي مَرْكَبَةٍ، وَأَحْضَرُوهُ إِلَى الْقُدْسِ وَدَفَنُوهُ فِي قَبْرِهِ. فَأَخَذَ الشَّعْبُ يُوأَحَازَ بْنَ يُوشِيَّا وَمَسَحُوهُ وَجَعَلُوهُ مَلِكًا مَكَانَ أَبِيهِ. كَانَ يُوأَحَازُ ابْنَ 23 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 3 أَشْهُرٍ فِي الْقُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ حَمُوطَلُ بِنْتُ إِرْمِيَا مِنْ لِبْنَةَ. وَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ، تَمَامًا كَمَا عَمِلَ آبَاؤُهُ. وَأَسَرَهُ فِرْعَوْنُ مِصْرَ فِي رَبْلَةَ فِي أَرْضِ حَمَاةَ، لِكَيْ لَا يَمْلِكَ فِي الْقُدْسِ. وَفَرَضَ فِرْعَوْنُ عَلَى بِلَادِ يَهُوذَا ضَرِيبَةً مِقْدَارُهَا حَوَالَيْ ثَلَاثَةِ أَطْنَانٍ وَنِصْفٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَ34 كِيلُوجْرَامًا مِنَ الذَّهَبِ. وَجَعَلَ فِرْعَوْنُ أَلْيَاقِيمَ بْنَ يُوشِيَّا مَلِكًا مَكَانَ يُوشِيَّا أَبِيهِ، وَغَيَّرَ اسْمَهُ إِلَى يُويَاقِيمَ. وَأَخَذَ فِرْعَوْنُ يُوأَحَازَ وَأَحْضَرَهُ إِلَى مِصْرَ، فَمَاتَ هُنَاكَ. وَدَفَعَ يُويَاقِيمُ لِفِرْعَوْنَ مَا طَلَبَهُ مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ. وَلَكِنَّهُ فَرَضَ الضَّرِيبَةَ عَلَى الْبِلَادِ، فَطَالَبَ الشَّعْبَ بِفِضَّةٍ وَذَهَبٍ، كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ مَقْدِرَتِهِ، لِيَدْفَعَ لِفِرْعَوْنَ. كَانَ يُويَاقِيمُ ابْنَ 25 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 11 سَنَةً فِي الْقُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ زَبِيدَةُ بِنْتُ فِدَايَةَ مِنْ رُومَةَ. وَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ، تَمَامًا كَمَا عَمِلَ آبَاؤُهُ. فِي أَثْنَاءِ حُكْمِ يُويَاقِيمَ، جَاءَ نَبُوخَذْنَصْرُ مَلِكُ بَابِلَ وَهَاجَمَ يَهُوذَا، فَخَضَعَ يُويَاقِيمُ لَهُ 3 سِنِينَ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَمَرَّدَ عَلَيْهِ. فَأَرْسَلَ اللهُ عَلَيْهِ غُزَاةً بَابِلِيِّينَ وَأَرَامِيِّينَ وَمُوآبِيِّينَ وَعَمُّونِيِّينَ. فَقَدْ أَرْسَلَهُمُ اللهُ عَلَى يَهُوذَا لِيُبِيدَهَا حَسَبَ كَلَامِهِ الَّذِي قَالَهُ بِوَاسِطَةِ عَبِيدِهِ الْأَنْبِيَاءِ. فَإِنَّهُ حَكَمَ عَلَى يَهُوذَا أَنْ يُزِيلَهُمْ مِنْ أَمَامِهِ، بِسَبَبِ ذُنُوبِ مَنَسَّى وَكُلِّ مَا عَمِلَهُ، وَالدَّمِ الْبَرِيءِ الَّذِي سَفَكَهُ. لِأَنَّهُ مَلَأَ الْقُدْسَ بِدَمِ الْأَبْرِيَاءِ. وَلَمْ يَرْغَبِ اللهُ أَنْ يَغْفِرَ. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ يُويَاقِيمَ، وَكُلُّ أَعْمَالِهِ، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ يَهُوذَا. وَانْضَمَّ يُويَاقِيمُ إِلَى أَسْلَافِهِ، وَمَلَكَ يُويَاكِينُ ابْنُهُ مَكَانَهُ. وَلَمْ يَعُدْ مَلِكُ مِصْرَ يَخْرُجُ مِنْ بِلَادِهِ، لِأَنَّ مَلِكَ بَابِلَ اسْتَوْلَى عَلَى كُلِّ الْبِلَادِ الَّتِي كَانَتْ لِمِصْرَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى نَهْرِ الْفُرَاتِ. كَانَ يُويَاكِينُ ابْنَ 18 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 3 أَشْهُرٍ فِي الْقُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ نَحُوشْتَا بِنْتُ أَلْنَاثَانَ مِنَ الْقُدْسِ. وَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ، تَمَامًا كَمَا عَمِلَ أَبُوهُ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، جَاءَ قَادَةُ نَبُوخَذْنَصْرَ مَلِكِ بَابِلَ عَلَى الْقُدْسِ وَحَاصَرُوهَا. ثُمَّ جَاءَ نَبُوخَذْنَصْرُ نَفْسُهُ عَلَى الْمَدِينَةِ، بَيْنَمَا كَانَ قَادَتُهُ يُحَاصِرُونَهَا. فَاسْتَسْلَمَ لَهُ يُويَاكِينُ مَلِكُ يَهُوذَا، وَأُمُّهُ وَقَادَتُهُ وَأُمَرَاؤُهُ وَأَعْوَانُهُ. فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ لِحُكْمِ مَلِكِ بَابِلَ، أُسِرَ يُويَاكِينُ. وَكَمَا قَالَ اللهُ، أَخَذَ نَبُوخَذْنَصْرُ كُلَّ خَزَائِنِ بَيْتِ اللهِ، وَخَزَائِنِ قَصْرِ الْمَلِكِ، وَنَزَعَ كُلَّ آنِيَةِ الذَّهَبِ الَّتِي عَمِلَهَا سُلَيْمَانُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ فِي بَيْتِ اللهِ. وَأَسَرَ كُلَّ أَهْلِ الْقُدْسِ، كُلَّ الْأُمَرَاءِ وَالْقَادَةِ، وَكُلَّ الصُّنَّاعِ وَالْحَدَّادِينَ، وَجُمْلَتُهُمْ 10000. وَلَمْ يَتْرُكْ غَيْرَ مَسَاكِينِ الشَّعْبِ. وَأَخَذَ نَبُوخَذْنَصْرُ يُويَاكِينَ أَسِيرًا إِلَى بَابِلَ هُوَ وَأُمَّهُ وَزَوْجَاتِهِ وَأَعْوَانَهُ وَقَادَةَ الْبِلَادِ. فَأَخَذَهُمْ أَسْرَى مِنَ الْقُدْسِ إِلَى بَابِلَ. كَمَا أَسَرَ مَلِكُ بَابِلَ أَيْضًا كُلَّ الْأَقْوِيَاءِ وَعَدَدُهُمْ 7000، وَالصُّنَّاعَ وَالْحَدَّادِينَ وَعَدَدُهُمْ 1000، وَكُلُّهُمْ أَبْطَالٌ وَرِجَالُ حَرْبٍ. فَأَخَذَهُمْ أَسْرَى إِلَى بَابِلَ. وَجَعَلَ مَلِكُ بَابِلَ مَتَنْيَا عَمَّ يُويَاكِينَ مَلِكًا مَكَانَهُ، وَغَيَّرَ اسْمَهُ إِلَى صِدْقِيَا. كَانَ صِدْقِيَا ابْنَ 21 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 11 سَنَةً فِي الْقُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ حَمُوطَلُ بِنْتُ إِرْمِيَا مِنْ لِبْنَةَ. وَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ، تَمَامًا كَمَا عَمِلَ يُويَاقِيمُ. فَإِنَّ كُلَّ مَا حَدَثَ هُوَ بِسَبَبِ غَضَبِ اللهِ عَلَى الْقُدْسِ وَعَلَى يَهُوذَا، حَتَّى إِنَّهُ طَرَدَهُمْ مِنْ مَحْضَرِهِ. وَلِهَذَا أَيْضًا تَمَرَّدَ صِدْقِيَا عَلَى مَلِكِ بَابِلَ. وَفِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ الْعَاشِرِ مِنَ السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِمُلْكِ صِدْقِيَا، جَاءَ نَبُوخَذْنَصْرُ مَلِكُ بَابِلَ، هُوَ وَكُلُّ جَيْشِهِ عَلَى الْقُدْسِ، وَحَاصَرَهَا وَبَنَى حَوْلَهَا أَبْرَاجًا. وَظَلَّتِ الْمَدِينَةُ تَحْتَ الْحِصَارِ إِلَى السَّنَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ لِلْمَلِكِ صِدْقِيَا. وَفِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ مِنَ الشَّهْرِ الرَّابِعِ، اِشْتَدَّ الْجُوعُ فِي الْمَدِينَةِ، حَتَّى لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَيُّ طَعَامٍ لِلنَّاسِ. فَفُتِحَتْ ثُغْرَةٌ فِي سُورِ الْمَدِينَةِ، وَهَرَبَ كُلُّ الْجَيْشِ فِي اللَّيْلِ مِنْ الْبَوَّابَةِ الَّتِي بَيْنَ السُّورَيْنِ بِالْقُرْبِ مِنْ حَدِيقَةِ الْمَلِكِ. كُلُّ هَذَا مَعَ أَنَّ الْبَابِلِيِّينَ كَانُوا يُحَاصِرُونَ الْمَدِينَةَ! فَهَرَبَ صِدْقِيَا وَمَنْ مَعَهُ فِي طَرِيقِ وَادِي الْأُرْدُنِّ. وَلَكِنَّ جَيْشَ الْبَابِلِيِّينَ تَبِعَ الْمَلِكَ، وَلَحِقُوا بِهِ فِي سَهْلِ أَرِيحَا. وَتَفَرَّقَ عَنْهُ كُلُّ جَيْشِهِ. فَأَسَرُوهُ وَأَخَذُوهُ إِلَى مَلِكِ بَابِلَ فِي رَبْلَةَ، حَيْثُ أَصْدَرُوا حُكْمًا ضِدَّهُ. وَقَتَلُوا أَوْلَادَهُ أَمَامَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ قَلَعُوا عَيْنَيْهِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ قَيَّدُوهُ بِسِلْسِلَتَيْنِ مِنْ نُحَاسٍ، وَأَخَذُوهُ إِلَى بَابِلَ. وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنَ الشَّهْرِ الْخَامِسِ مِنَ السَّنَةِ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ لِلْمَلِكِ نَبُوخَذْنَصْرَ مَلِكِ بَابِلَ، جَاءَ نَبُوزَرَدَانُ قَائِدُ الْحَرَسِ الْمَلَكِيِّ الَّذِي يَعْمَلُ عِنْدَ مَلِكِ بَابِلَ، إِلَى الْقُدْسِ. وَأَحْرَقَ بَيْتَ اللهِ، وَقَصْرَ الْمَلِكِ، وَكُلَّ الدِّيَارِ فِي الْقُدْسِ. أَحْرَقَ كُلَّ مَا فِيهَا مِنَ الْمَبَانِي الْمُهِمَّةِ. وَكُلُّ أَسْوَارِ الْقُدْسِ الَّتِي حَوْلَهَا، هَدَمَهَا كُلُّ الْجُنُودِ الْبَابِلِيِّينَ الَّذِينَ مَعَ قَائِدِ الْحَرَسِ الْمَلَكِيِّ. وَالشَّعْبُ الَّذِي بَقِيَ فِي الْمَدِينَةِ، وَالَّذِينَ هَرَبُوا وَلَجَأُوا إِلَى مَلِكِ بَابِلَ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ النَّاسِ، أَسَرَهُمْ نَبُوزَرَدَانُ قَائِدُ الْحَرَسِ الْمَلَكِيِّ. وَلَكِنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ الْمَسَاكِينِ لِيَعْمَلُوا فِي الْكُرُومِ وَالْحُقُولِ. وَحَطَّمَ الْبَابِلِيُّونَ أَعْمِدَةَ النُّحَاسِ الَّتِي فِي بَيْتِ اللهِ، وَأَيْضًا الْقَوَاعِدَ وَحَوْضَ النُّحَاسِ، وَحَمَلُوا نُحَاسَهَا إِلَى بَابِلَ. وَأَخَذُوا الْقُدُورَ وَالْمَجَارِفَ وَالطَّفَّايَاتِ وَالصُّحُونَ وَكُلَّ أَدَوَاتِ النُّحَاسِ الَّتِي كَانَتْ تُسْتَخْدَمُ فِي الْعِبَادَةِ. كَمَا أَخَذَ قَائِدُ الْحَرَسِ الْمَلَكِيِّ الْمَبَاخِرَ وَالْكُؤُوسَ، وَكُلَّ مَا كَانَ مَصْنُوعًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ. وَلَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا مَعْرِفَةُ وَزْنِ نُحَاسِ الْعَمُودَيْنِ وَالْحَوْضِ وَالْقَوَاعِدِ الَّتِي عَمِلَهَا سُلَيْمَانُ لِبَيْتِ اللهِ. وَكَانَ طُولُ الْعَمُودِ الْوَاحِدِ حَوَالَيْ 8 أَمْتَارٍ، وَعَلَيْهِ تَاجٌ مِنْ نُحَاسٍ ارْتِفَاعُهُ حَوَالَيْ مِتْرٍ وَثُلُثٍ، وَالشَّبَكَةُ الَّتِي فَوْقَ التَّاجِ وَالرُّمَّانَاتُ الَّتِي حَوْلَ الشَّبَكَةِ، كُلُّهَا مِنْ نُحَاسٍ. وَكَانَ الْعَمُودُ الثَّانِي أَيْضًا لَهُ شَبَكَةٌ وَمَصْنُوعًا كَالْعَمُودِ الْآخَرِ. وَأَخَذَ قَائِدُ الْحَرَسِ الْمَلَكِيِّ سَرَايَا رَئِيسَ الْأَحْبَارِ، وَصَفَنْيَا نَائِبَهُ، وَحُرَّاسَ الْبَابِ الـ3. وَمِنَ الَّذِينَ بَقَوْا فِي الْمَدِينَةِ، أَخَذَ الضَّابِطَ الَّذِي كَانَ مَسْئُولًا عَنِ الْمُحَارِبِينَ، وَ5 رِجَالٍ مِنْ مُسْتَشَارِي الْمَلِكِ، وَكَاتِبَ قَائِدِ الْجَيْشِ الَّذِي كَانَ مَسْئُولًا عَنِ التَّجْنِيدِ، وَ60 آخَرِينَ مِنَ النَّاسِ الْمَوْجُودِينَ فِي الْمَدِينَةِ. فَأَخَذَ نَبُوزَرَدَانُ كُلَّ هَؤُلَاءِ، وَذَهَبَ بِهِمْ إِلَى مَلِكِ بَابِلَ فِي رَبْلَةَ. فَقَتَلَهُمْ مَلِكُ بَابِلَ هُنَاكَ فِي رَبْلَةَ فِي أَرْضِ حَمَاةَ. وَبِذَلِكَ أُسِرَ شَعْبُ يَهُوذَا مِنْ أَرْضِهِ. وَتَرَكَ نَبُوخَذْنَصْرُ بَعْضَ الشَّعْبِ فِي أَرْضِ يَهُوذَا، وَعَيَّنَ عَلَيْهِمْ حَاكِمًا هُوَ جَدَلْيَا بْنُ أَخِيقَامَ بْنِ شَافَانَ. وَسَمِعَ كُلُّ قَادَةِ الْجَيْشِ هُمْ وَرِجَالُهُمْ، أَنَّ مَلِكَ بَابِلَ عَيَّنَ جَدَلْيَا حَاكِمًا، فَرَاحُوا إِلَى جَدَلْيَا فِي الْمِصْفَاةِ، وَهُمْ إِسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا، وَيُوحَانَانُ بْنُ قَارِيحَ، وَسَرَايَا بْنُ تَنْحُومَثَ النَّطُوفَاتِيُّ، وَيَاسِينُ ابْنُ الْمَعْكِيِّ هُمْ وَرِجَالُهُمْ. فَحَلَفَ جَدَلْيَا لَهُمْ وَقَالَ: ”لَا تَخَافُوا مِنْ قَادَةِ الْبَابِلِيِّينَ، أَقِيمُوا فِي الْأَرْضِ، وَاخْدِمُوا مَلِكَ بَابِلَ، لِكَيْ تَنْجَحُوا.“ وَلَكِنْ، فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ، جَاءَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا بْنِ أَلِيشَمَعَ، وَهُوَ مِنْ أَقَارِبِ مَلِكِ يَهُوذَا، وَمَعَهُ 10 رِجَالٍ، وَقَتَلُوا جَدَلْيَا وَبَنِي يَهُوذَا وَالْبَابِلِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فِي الْمِصْفَاةِ. فَقَامَ كُلُّ الشَّعْبِ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ، وَقَادَةُ الْجَيْشِ، وَهَرَبُوا إِلَى مِصْرَ، لِأَنَّهُمْ خَافُوا مِنَ الْبَابِلِيِّينَ. فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ لِأَسْرِ يُويَاكِينَ مَلِكِ يَهُوذَا، صَارَ أَوِيلُ مَرُودَخُ مَلِكًا عَلَى بَابِلَ. وَفِي نَفْسِ السَّنَةِ، فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِيَ عَشَرَ، أَطْلَقَ أَوِيلُ مَرُودَخُ يُويَاكِينَ مَلِكَ يَهُوذَا مِنَ السِّجْنِ. وَكَلَّمَهُ بِلُطْفٍ، وَأَعْطَاهُ مَرْكَزًا كَرِيمًا فَوْقَ الْمُلُوكِ الْآخَرِينَ الَّذِينَ مَعَهُ فِي بَابِلَ. فَرَمَى يُويَاكِينُ ثِيَابَ سِجْنِهِ، وَصَارَ يَتَنَاوَلُ الطَّعَامَ عَلَى مَائِدَةِ الْمَلِكِ بَقِيَّةَ عُمْرِهِ. وَكَانَ الْمَلِكُ يُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِهِ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِمَصْرُوفَاتِهِ الْيَوْمِيَّةِ بَقِيَّةَ عُمْرِهِ. آدَمُ، شِيثُ، أَنُوشُ، قِينَانُ، مَهْلَلْئِيلُ، يَارَدُ، إِدْرِيسُ، مَتُوشَالَحُ، لَامِكُ، نُوحُ، سَامُ، حَامُ، يَافَثُ. بَنُو يَافَثَ: جُومَرُ وَمَاجُوجُ وَمَادَايُ وَيَاوَانُ وَتُوبَالُ وَمَاشِكُ وَتِيرَاسُ. بَنُو جُومَرَ: أَشْكَنَازُ وَرِيفَاتُ وَتُوجَرْمَةُ. بَنُو يَاوَانَ: أَلِيشَةُ وَتَرْشِيشُ وَكَتِّيمُ وَرُودَانِيمُ. بَنُو حَامَ: كُوشُ وَمِصْرَايِمُ وَفُوطُ وَكَنْعَانُ. بَنُو كُوشَ: سَبَا وَحَوِيلَةُ وَسَبْتَةُ وَرَعْمَةُ وَسَبْتَكَا. بَنُو رَعْمَةَ: شَبَا وَدَدَانُ. وَكُوشُ أَنْجَبَ نِمْرُودَ الَّذِي أَصْبَحَ مُحَارِبًا بَاسِلًا. وَمِصْرَايِمُ أَنْجَبَ قَبَائِلَ لُودَ وَعَنَامَ وَلَهَابَ وَنَفْتُوحَ وَفَتْرُوسَ وَكَسْلُوحَ وَكَفْتُورَ، وَهُمُ الَّذِينَ انْحَدَرَ مِنْهُمُ الْفِلِسْطِيُّونَ. وَكَنْعَانُ أَنْجَبَ صَيْدُونَ ابْنَهُ الْبِكْرَ ثُمَّ حِثَّا. وَكَنْعَانُ هُوَ أَيْضًا أَبُو الْيَبُوسِيِّينَ وَالْأَمُورِيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْعَرْقِيِّينَ وَالسِّينِيِّينَ وَالْأَرْوَادِيِّينَ وَالصَّمَارِيِّينَ وَالْحَمَاثِيِّينَ. بَنُو سَامَ: عِيلَامُ وَأَشُّورُ وَأَرْفَكْشَادُ وَلُودُ وَآرَامُ وَعُوصُ وَحُولُ وَجَاثَرُ وَمَاشِكُ. أَرْفَكْشَادُ أَنْجَبَ شَالَحَ، وَشَالَحُ أَنْجَبَ عَابِرَ. وَعَابِرُ أَنْجَبَ وَلَدَيْنِ، وَاحِدٌ اسْمُهُ فَالِقُ لِأَنَّ فِي أَيَّامِهِ انْقَسَمَتِ الْأَرْضُ، وَأَخُوهُ اسْمُهُ يَقْطَانُ. وَيَقْطَانُ أَنْجَبَ أَلْمُودَادَ وَشَالَفَ وَحَضَرْمَوْتَ وَيَارَحَ وَهَدُورَامَ وَأُوزَالَ وَدِقْلَةَ وَعِيبَالَ وَأَبِيمَايِلَ وَشَبَا وَأُوفِيرَ وَحَوِيلَةَ وَيُوبَابَ. كُلُّ هَؤُلَاءِ بَنُو يَقْطَانَ. سَامُ، أَرْفَكْشَادُ، شَالَحُ، عَابِرُ، فَالِقُ، رَعُو، سَرُوجُ، نَاحُورُ، تَارَحُ، أَبْرَامُ. وَأَبْرَامُ هُوَ إِبْرَاهِيمُ. وَابْنَا إِبْرَاهِيمَ: إِسْحَاقُ وَإِسْمَاعِيلُ. هَذَا سِجِلُّ مَوَالِيدِ إِسْمَاعِيلَ: نَبَايُوتُ بِكْرُ إِسْمَاعِيلَ، وَقِيدَارُ وَأَدَبْئِيلُ وَمِبْسَامُ وَمِشْمَاعُ وَدُومَةُ وَمَسَّا وَحَدَدُ وَتِيمَاءُ وَيَطُورُ وَنَافِيشُ وَقِدْمَةُ. هَؤُلَاءِ هُمْ بَنُو إِسْمَاعِيلَ. وَأَمَّا بَنُو قَطُورَةَ، جَارِيَةِ إِبْرَاهِيمَ، فَهُمْ زِمْرَانُ وَيَقْشَانُ وَمَدَانُ وَمِدْيَانُ وَيِشْبَاقُ وَشُوحَا. اِبْنَا يَقْشَانَ: شَبَا وَدَدَانُ. بَنُو مِدْيَانَ: عِيفَةُ وَعِفْرُ وَحَنُوكُ وَأَبِيدَاعُ وَأَلْدَعَةُ. كُلُّ هَؤُلَاءِ بَنُو قَطُورَةَ. وَوَلَدَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ. وَابْنَا إِسْحَاقَ هُمَا الْعِيصُ وَإِسْرَائِيلُ. بَنُو الْعِيصَ: أَلِيفَازُ وَرَعُوئِيلُ وَيَعُوشُ وَيَعْلَامُ وَقُورَحُ. بَنُو أَلِيفَازَ: تِيمَانُ وَأُومَارُ وَصَفُو وَجَعْثَامُ وَقَنَازُ. وَمِنْ تِمْنَاعَ أَنْجَبَ عَمَالِيقَ. بَنُو رَعُوئِيلَ: نَحَثُ وَزَارَحُ وَشَمَّةُ وَمِزَّةُ. بَنُو سَعِيرَ: لُوطَانُ وَشُوبَالُ وَصِبْعُونُ وَعَنَى وَدِيشُونُ وَإِيصَرُ وَدِيشَانُ. اِبْنَا لُوطَانَ: حُورِي وَهُمَامُ، وَتِمْنَاعُ هِيَ أُخْتُ لُوطَانَ. بَنُو شُوبَالَ: عَلْوَانُ وَمَنَاحَةُ وَعِيبَالُ وَشَفُو وَأُونَامُ. اِبْنَا صِبْعُونَ: أَيَّةُ وَعَنَى. اِبنُ عَنَى: دِيشُونُ. بَنُو دِيشُونَ: حَمْدَانُ وَأَشْبَانُ وَيَثْرَانُ وَكَرَانُ. وَبَنُو إِيصَرَ: بَلْهَانُ وَزَعْوَانُ وَعَقَانُ. اِبْنَا دِيشَانَ: عُوصُ وَأَرَانُ. هَؤُلَاءِ الْمُلُوكُ حَكَمُوا فِي بِلَادِ أَدُومَ، قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ أَيُّ مَلِكٍ فِي بِلَادِ إِسْرَائِيلَ: بَالَعُ بْنُ بَعُورَ، وَاسْمُ مَدِينَتِهِ دِنْهَابَةُ. وَلَمَّا مَاتَ بَالَعُ، مَلَكَ مَكَانَهُ يُوبَابُ بْنُ زَارَحَ مِنْ بُصْرَةَ. وَلَمَّا مَاتَ يُوبَابُ، مَلَكَ مَكَانَهُ حُوشَامُ مِنْ أَرْضِ التِّيمَانِيِّينَ. وَلَمَّا مَاتَ حُوشَامُ، مَلَكَ مَكَانَهُ هَدَدُ بْنُ بَدَدَ الَّذِي هَزَمَ مِدْيَانَ فِي بِلَادِ مُوآبَ، وَاسْمُ مَدِينَتِهِ عَوِيتُ. وَلَمَّا مَاتَ هَدَدُ، مَلَكَ مَكَانَهُ سَمْلَةُ مِنْ مَسْرِيقَةَ. وَلَمَّا مَاتَ سَمْلَةُ، مَلَكَ مَكَانَهُ شَاوُلُ مِنْ رَحُوبُوتَ الَّتِي عَلَى النَّهْرِ. وَلَمَّا مَاتَ شَاوُلُ، مَلَكَ مَكَانَهُ بَعْلُ حَانَانَ بْنُ عَكْبُورَ. وَلَمَّا مَاتَ بَعْلُ حَانَانَ، مَلَكَ مَكَانَهُ هَدَدُ. وَاسْمُ مَدِينَتِهِ فَاعُو، وَزَوْجَتُهُ هِيَ مَهْطَبِيلُ بِنْتُ مَطْرِدَ بِنْتِ مَاءَ ذَهَبَ. ثُمَّ مَاتَ هَدَدُ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ قَبَائِلِ أَدُومَ: تِمْنَاعُ وَعَلْوَةُ وَيَتِيتُ وَأَهُولِيبَامَةُ وَأَيْلَةُ وَفِينُونُ وَقَنَازُ وَتِيمَانُ وَمِبْصَارُ وَمَجْدِيلُ وَعِيرَامُ. هَؤُلَاءِ هُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ: رَأُوبِينُ وَشَمْعُونُ وَلَاوِي وَيَهُوذَا وَيَسَّاكَرُ وَزَبُولُونُ وَدَانُ وَيُوسِفُ وَبِنْيَمِينُ وَنَفْتَالِي وَجَادُ وَأَشِيرُ. بَنُو يَهُوذَا: عِيرُ وَأُونَانُ وَشِيلَةُ. وَأُمُّهُمْ هِيَ بِنْتُ شُوعَ الْكَنْعَانِيَّةُ. وَكَانَ عِيرُ بِكْرُ يَهُوذَا شِرِّيرًا فِي نَظَرِ اللهِ، فَأَمَاتَهُ اللهُ. وَأَنْجَبَ يَهُوذَا أَيْضًا فَارِصَ وَزَارَحَ مِنْ تَامَارَ زَوْجَةِ ابْنِهِ. فَكَانَ بَنُو يَهُوذَا 5. اِبْنَا فَارِصَ: حَاصِرُ وَحَامُولُ. بَنُو زَارَحَ: زِمْرِي وَإِيثَانُ وَهِيمَانُ وَكَلْكُولُ وَدَارَعُ. فَكَانُوا 5. اِبْنُ كَرْمِي: عَخَانُ الَّذِي جَلَبَ الْمُصِيبَةَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ الْخِيَانَةَ وَأَخَذَ مَا هُوَ حَرَامٌ. اِبْنُ إِيثَانَ: عَزَرْيَا. بَنُو حَاصِرَ: يَرْحَمِيلُ وَرَامُ وَكُلُوبَايُ. وَرَامُ أَنْجَبَ عَمِينَادَابَ وَعَمِينَادَابُ أَنْجَبَ نَاحِشَ رَئِيسَ بَنِي يَهُوذَا. وَنَاحِشُ أَنْجَبَ سَالِمَ وَسَالِمُ أَنْجَبَ بُوعَزَ وَبُوعَزُ أَنْجَبَ عُبَيْدَ وَعُبَيْدُ أَنْجَبَ يَسَّى. وَيَسَّى أَنْجَبَ 7 بَنِينَ: الْبِكْرُ أَلِيآبُ وَالثَّانِي أَبِينَادَابُ وَالثَّالِثُ شَمْعَا وَالرَّابِعُ نَثَنْئِيلُ وَالْخَامِسُ رَدَّايُ وَالسَّادِسُ أُوصَمُ وَالسَّابِعُ دَاوُدُ. وَأُخْتَاهُمْ صَرُويَةُ وَأَبِيجَايِلُ. بَنُو صَرُويَةَ: أَبِيشَايُ وَيُوآبُ وَعَسَائِيلُ. وَأَبِيجَايِلُ وَلَدَتْ عَمَاسَا وَأَبُوهُ هُوَ يَثَرُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ. وَكَالِبُ بْنُ حَاصِرَ أَنْجَبَ مِنْ عَزُوبَةَ زَوْجَتِهِ وَأَيْضًا مِنْ يَرِيعُوثَ. بَنُوهُ مِنْ عَزُوبَةَ هُمْ: يَاشِرُ وَشُوبَابُ وَأَرْدُونُ. وَمَاتَتْ عَزُوبَةُ فتَزَوَّجَ كَالِبُ أَفْرَاتَ، فَوَلَدَتْ لَهُ حُورَ، وَحُورُ أَنْجَبَ أُورِي، وَأُورِي أَنْجَبَ بَصَلْئِيلَ. ثُمَّ تَزَوَّجَ حَاصِرُ بِنْتَ مَاكِيرَ أَبِي جِلْعَادَ، وَهُوَ ابْنُ 60 سَنَةً، فَوَلَدَتْ لَهُ سَجُوبَ. وَسَجُوبُ وَلَدَ يَائِرَ. وَكَانَ لَهُ 23 مَدِينَةً فِي أَرْضِ جِلْعَادَ. وَلَكِنِ اسْتَوْلَتْ جَشُورُ وَآرَامُ عَلَى قُرَى يَائِرَ وَعَلَى قَنَاتَ وَالْمَسَاكِنِ الَّتِي حَوْلَهَا 60 مَدِينَةً. كُلُّ هَؤُلَاءِ هُمْ بَنُو مَاكِيرَ أَبِي جِلْعَادَ. وَبَعْدَ وَفَاةِ حَاصِرَ تَزَوَّجَ كَالِبُ مِنْ أَفْرَاتَةَ امْرَأَةِ أَبِيهِ، فَوَلَدَتْ لَهُ أَشْحُورَ أَبَا تَقُوعَ. بَنُو يَرْحَمِيلَ بِكْرِ حَاصِرَ: رَامُ بِكْرُهُ، ثُمَّ بُونَةُ وَأُورَنُ وَأُوصَمُ وَأَخِيَّا. وَكَانَ لِيَرْحَمِيلَ زَوْجَةٌ أُخْرَى اسْمُهَا عَطَارَةُ، وَهِيَ أُمُّ أُونَامَ. بَنُو رَامَ بِكْرِ يَرْحَمِيلَ: مَعْصُ وَيَمِينُ وَعَاقَرُ. اِبْنَا أُونَامَ: شَمَّايُ وَيَادَاعُ. اِبْنَا شَمَّايَ: نَادَابُ وَأَبِيشُورُ. وَاسْمُ امْرَأَةِ أَبِيشُورَ أَبِيجَايِلُ الَّتِي وَلَدَتْ لَهُ أَحْبَانَ وَمُولِيدَ. اِبْنَا نَادَابَ: سَلَدُ وَأَفَّايِمُ. وَمَاتَ سَلَدُ بِلَا بَنِينَ. اِبْنُ أَفَّايِمَ: يَشْعِي، وَابْنُ يَشْعِي: شِيشَانُ، وَابْنُ شِيشَانَ: أَحْلَايُ. اِبْنَا يَادَاعَ، أَخِي شَمَّايَ: يَثَرُ وَيُونَاثَانُ. وَمَاتَ يَثَرُ بِلَا بَنِينَ. اِبْنَا يُونَاثَانَ: فَالَتُ وَزَازَا. هَؤُلَاءِ هُمْ بَنُو يَرْحَمِيلَ. وَلَمْ يَكُنْ لِشِيشَانَ بَنُونَ بَلْ بَنَاتٌ. وَكَانَ لِشِيشَانَ عَبْدٌ مِصْرِيٌّ اسْمُهُ يَرْحَعُ، فَزَوَّجَهُ شِيشَانُ بِنْتَهُ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَتَّايَ. وَعَتَّايُ أَنْجَبَ نَاثَانَ، وَنَاثَانُ أَنْجَبَ زَابَادَ، وَزَابَادُ أَنْجَبَ أَفْلَالَ، وَأَفْلَالُ أَنْجَبَ عُبَيْدَ، وَعُبَيْدُ أَنْجَبَ يَاهُو، وَيَاهُو أَنْجَبَ عَزَرْيَا وَعَزَرْيَا أَنْجَبَ حَالَصَ، وَحَالَصُ أَنْجَبَ إِلْعَاسَةَ وَإِلْعَاسَةُ أَنْجَبَ سِسْمَايَ، وَسِسْمَايُ أَنْجَبَ شَلُّومَ وَشَلُّومُ أَنْجَبَ يَقَمْيَةَ، وَيَقَمْيَةُ أَنْجَبَ أَلِيشَمَعَ. بَنُو كَالِبَ، أَخِي يَرْحَمِيلَ: مِيشَعُ بِكْرُهُ، وَهُوَ أَبُو زِيفَ. وَابْنُ مِيشَعَ: مَرِيشَةُ، وَهُوَ أَبُو حَبْرُونَ. بَنُو حَبْرُونَ: قُورَحُ وَتَفُّوحُ وَرَاقَمُ وَشَامَعُ. وَشَامَعُ أَنْجَبَ رَاقَمَ، وَهُوَ أَبُو يَرُقْعَامَ. وَرَاقَمُ أَنْجَبَ شَمَّايَ. وَشَمَّايُ أَنْجَبَ مَعُونَ، وَهُوَ أَبُو بَيْتَ صُورَ. وَكَانَ لِكَالِبَ جَارِيَةٌ اسْمُهَا عِيفَةُ، فَوَلَدَتْ لَهُ حَارَانَ وَمُوصَا وَجَازِيزَ. وَحَارَانُ أَنْجَبَ جَازِيزَ. بَنُو يَهْدَايَ: رَجَمُ وَيُوتَامُ وَجِيشَانُ وَفَلَطُ وَعِيفَةُ وَشَاعَفُ. وَأَمَّا مَعْكَةُ جَارِيَةُ كَالِبَ الْأُخْرَى، فَوَلَدَتْ لَهُ شَبَرَ وَتَرْحَنَةَ. ثُمَّ وَلَدَتْ شَاعَفَ، وَهُوَ أَبُو مَدْمَنَّةَ، وَشَوَا، وَهُوَ أَبُو مَكْبِينَا وَأَبُو جَبَعَا. وَكَانَ لِكَالِبَ أَيْضًا بِنْتٌ اسْمُهَا عَكْسَةُ. وَهَؤُلَاءِ أَيْضًا بَنُو كَالِبَ: بَنُو حُورَ بِكْرِ أَفْرَاتَةَ هُمْ شُوبَالُ مُؤَسِّسُ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ، وَسَلْمَا مُؤَسِّسُ بَيْتَ لَحْمَ، وَحَارِيفُ مُؤَسِّسُ بَيْتَ جَادِيرَ. بَنُو شُوبَالَ، مُؤَسِّسُ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ: هَرُوَاهُ، أَيْ نِصْفُ سُكَّانِ مَنُوحُوتَ. وَعَشَائِرُ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ: الْيَثْرِيُّونَ وَالْفُوتِيُّونَ وَالشَّمَاتِيُّونَ وَالْمِشْرَاعِيُّونَ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ انْحَدَرَ الصَّرْعِيُّونَ وَالْأَشْتَأُولِيُّونَ. بَنُو سَلْمَا مُؤَسِّسِ قَرْيَةِ بَيْتَ لَحْمَ: النَّطُوفَاتِيُّونَ وَعَطْرُوتُ بَيْتَ يُوآبَ وَنِصْفُ سُكَّانِ مَنُوحُوتَ الصَّرْعِيُّونَ. وَأَيْضًا عَشَائِرُ الْكَتَبَةِ سُكَّانُ يَعْبَازَ: التَّرْعِيُّونَ وَالشَّمْعِيُّونَ وَالسُّوكِيُّونَ، وَهُمُ الْقِينِيُّونَ الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ حَمَّةَ أَبِي بَيْتِ رِكَابَ. هَؤُلَاءِ هُمْ بَنُو دَاوُدَ، الَّذِينَ وُلِدُوا لَهُ فِي حَبْرُونَ: الْبِكْرُ أَمْنُونُ ابْنُ أَخِينُوعَمَ الْيَزْرَعِيلِيَّةِ، الثَّانِي دَانِيئِيلُ ابْنُ أَبِيجَايِلَ الْكَرْمَلِيَّةِ، الثَّالِثُ أَبْشَلُومُ ابْنُ مَعْكَةَ بِنْتِ تَلْمَايَ مَلِكِ جَشُورَ، الرَّابِعُ أَدُونْيَا ابْنُ حَجِّيتَ، الْخَامِسُ شَفَطْيَا ابْنُ أَبِيطَالَ، السَّادِسُ يَثْرِعَامُ مِنْ عَجْلَةَ زَوْجَتِهِ. هَؤُلَاءِ الـ6 وُلِدُوا لِدَاوُدَ فِي حَبْرُونَ، حَيْثُ مَلَكَ 7 سِنِينَ وَ6 أَشْهُرٍ. ثُمَّ مَلَكَ فِي الْقُدْسِ 33 سَنَةً. وَهَؤُلَاءِ وُلِدُوا لَهُ فِي الْقُدْسِ: 4 مِنْ بَتْشَبَعَ بِنْتِ عَمِّئِيلَ، هُمْ شَمُّوعُ وَشُوبَابُ وَنَاثَانُ وَسُلَيْمَانُ. وَ9 آخَرُونَ هُمْ: يَبْحَارُ وَأَلِيشُوعُ وَأَلِيفَلَطُ وَنُوجَهُ وَنَافَجُ وَيَافِيعُ وَأَلِيشَمَعُ وَأَلِيدَاعُ وَأَلِيفَلَطُ. كُلُّ هَؤُلَاءِ بَنُو دَاوُدَ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى أَوْلَادِهِ مِنَ الْجَوَارِي. وَكَانَتْ تَامَارُ هِيَ أُخْتُهُمْ. اِبْنُ سُلَيْمَانَ هُوَ رَحْبَعَامُ، وَابْنُهُ أَبِيَّا، وَابْنُهُ آسَا، وَابْنُهُ يُوشَافَاطُ. وَابْنُهُ يُورَامُ، وَابْنُهُ أَخَزْيَا، وَابْنُهُ يُوآشُ. وَابْنُهُ أَمَصْيَا، وَابْنُهُ عَزَرْيَا، وَابْنُهُ يُوتَامُ. وَابْنُهُ آحَازُ، وَابْنُهُ حَزَقِيَّا، وَابْنُهُ مَنَسَّى. وَابْنُهُ آمُونُ، وَابْنُهُ يُوشِيَّا. وَبَنُو يُوشِيَّا: الْبِكْرُ يُوحَانَانُ، الثَّانِي يُويَاقِيمُ، الثَّالِثُ صِدْقِيَا، الرَّابِعُ شَلُّومُ. وَابْنَا يُويَاقِيمَ: يُويَاكِينُ وَصِدْقِيَا. وَأُخِذَ يُويَاكِينُ أَسِيرًا. وَهَؤُلَاءِ هُمْ بَنُوهُ: سَأَلْتِيلُ، وَمَلْكِيرَامُ وَفَدَايَا وَشَنَاصِرُ وَيَقَمْيَا وَهُوشَامَاعُ وَنَدَبْيَا. اِبْنَا فَدَايَا: زَرْبَابِلُ وَشَمْعِي. اِبْنَا زَرْبَابِلَ: مَشْلَامُ وَحَنَنْيَا، وَشَلُومِيَّةُ هِيَ أُخْتُهُمَا. وَكَانَ لِزَرْبَابِلَ أَيْضًا 5 بَنِينَ آخَرِينَ: حَشُوبَةُ وَأُوهَلُ وَبَرَكْيَا وَحَسَدْيَا وَيُوشَبْحَسَدُ. نَسْلُ حَنَنْيَا: فَلَطْيَا، وَيَشْعِيَا وَبَنُوهُ رَفَايَا وَأَرْنَانُ وَعُوبَدْيَا وَشَكَنْيَا. نَسْلُ شَكَنْيَا 6 وَهُمْ: شَمَعْيَا وَبَنُوهُ وَحَطُّوشُ وَيَجْآلُ وَيَارِيحُ وَنِعْرِيَا وَشَافَاطُ. بَنُو نِعْرِيَا 3: أَلْيُوعِينَايُ وَحَزَقِيَّا وَعَزْرِيقَامُ. بَنُو أَلْيُوعِينَايَ 7: هُودَايَاهُو وَأَلْيَاشِيبُ وَفَلَايَا وَعَقُّوبُ وَيُوحَانَانُ وَدَلَايَا وَعَنَانِي. نَسْلُ يَهُوذَا: فَارِصُ وَحَاصِرُ وَكَرْمِي وَحُورُ وَشُوبَالُ. وَشُوبَالُ أَنْجَبَ رَآيَا، وَرَآيَا أَنْجَبَ يَحَثَ، وَيَحَثُ أَنْجَبَ أَخُومَايَ وَلَاهَدَ. هَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ الصَّرْعِيِّينَ. بَنُو عِيطَمَ: يَزْرَعِيلُ وَيَشْمَا وَيَدْبَاشُ، وَأُخْتُهُمُ الَّتِي اسْمُهَا هَصَّلَلْفُونِي، وَفَنُوئِيلُ مُؤَسِّسُ جَدُورَ، وَعَازَرُ مُؤَسِّسُ حُوشَةَ. كُلُّ هَؤُلَاءِ نَسْلُ حُورَ بِكْرِ أَفْرَاتَةَ وَمُؤَسِّسِ بَيْتَ لَحْمَ. وَأَشْحُورُ مُؤَسِّسُ تَقُوعَ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ: حَلَاةُ وَنَعْرَةُ. فَوَلَدَتْ لَهُ نَعْرَةُ: أَخُزَّامَ وَحَافَرَ وَتِيمَانِي وَأَخْشَتَارِي. هَؤُلَاءِ بَنُو نَعْرَةَ. بَنُو حَلَاةَ: سِيرَةُ وَصُوحَرُ وَأَثْنَانُ وَقُوصُ، الَّذِي أَنْجَبَ عَانُوثَ وَهَصُوبِيبَةَ وَعَشَائِرَ أَحَرْحِيلَ بْنِ هَارُمَ. وَكَانَ يَعْبَازُ أَشْرَفَ مِنْ إِخْوَتِهِ. وَسَمَّتْهُ أُمُّهُ يَعْبَازَ، لِأَنَّهَا قَالَتْ: ”وَلَدْتُهُ بِحُزْنٍ.“ وَدَعَا يَعْبَازُ اللهَ وَقَالَ: ”بَارِكْنِي، وَوَسِّعْ حُدُودِي. لِتَكُنْ يَدُكَ مَعِي، وَاحْفَظْنِي مِنَ الشَّرِّ، فَلَا يُشْقِينِي.“ فَأَعْطَاهُ اللهُ طَلَبَهُ. وَكَلُوبُ أَخُو شُوحَةَ وَلَدَ مَحِيرَ: وَمَحِيرُ هُوَ أَبُو أَشْتُونَ. وَأَشْتُونُ أَنْجَبَ بَيْتَ رَافَا وَفَاسِحَ وَتَحِنَّةَ مُؤَسِّسَ مَدِينَةِ نَاحَاشَ. هَؤُلَاءِ أَهْلُ رَيْكَةَ. اِبْنَا قَنَازَ: عُتْنِيلُ وَسَرَايَا. اِبْنَا عُتْنِيلَ: حَثَاثُ وَمَعُونُوتَايُ الَّذِي أَنْجَبَ عَفْرَةَ. سَرَايَا أَنْجَبَ يُوآبَ، وَهُوَ أَبُو سُكَّانِ وَادِي الصُّنَّاعِ، وَقَدْ سُمِّيَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا صُنَّاعًا. بَنُو كَالِبَ بْنِ يَفُنَّةَ: عِيرُو وَأَيْلَةُ وَنَاعِمُ. اِبْنُ أَيْلَةَ: قَنَازُ. بَنُو يَهْلَلْئِيلَ: زِيفُ وَزِيفَةُ وَتِيرِيَّا وَأَسْرِيلُ. بَنُو عَزْرَةَ: يَثَرُ وَمَرَدُ وَعَافِرُ وَيَالُونُ. وَزَوْجَةُ مَرَدَ وَلَدَتْ لَهُ مَرْيَمَ وَشَمَّايَ وَيَشْبَحَ الَّذِي أَنْجَبَ أَشْتَمُوعَ. فَهَؤُلَاءِ هُمْ بَنُو مَرَدَ مِنْ زَوْجَتِهِ بِثْيَةَ بِنْتِ فِرْعَوْنَ. وَأَخَذَ مَرَدُ أَيْضًا زَوْجَةً يَهُودِيَّةً، فَوَلَدَتْ لَهُ يَارَدَ الَّذِي أَنْجَبَ جَدُورَ، وَحَابِرَ الَّذِي أَنْجَبَ سُوكُو، وَيَقُوتِئِيلَ الَّذِي أَنْجَبَ زَانُوحَ. وَتَزَوَّجَ حُودِيَّا أُخْتَ نَحَمَ، فَوَلَدَتِ ابْنَيْنِ. أَحَدُهُمَا أَسَّسَ قَعِيلَةَ الَّتِي تَسْكُنُهَا قَبِيلَةُ جَرْمَ، وَالْآخَرُ أَسَّسَ أَشْتَمُوعَ الَّتِي تَسْكُنُهَا قَبِيلَةُ مَعْكَةَ. بَنُو شِيمُونَ: أَمْنُونُ وَرِنَّةُ وَبِنْحَنَانُ وَتِيلُونُ. نَسْلُ يَشْعِي: زُوحَيْتُ وَبِنْزُوحَيْتُ. بَنُو شِيلَةَ بْنِ يَهُوذَا: عِيرُ الَّذِي أَنْجَبَ لِيكَةَ، وَلَعْدَةُ الَّذِي أَنْجَبَ مَرِيشَةَ وَعَشَائِرَ عُمَّالِ الْكَتَّانِ الَّذِينَ فِي بَيْتَ أَشْبِيعَ، وَيُوقِيمُ، وَأَهْلُ كَزِيبَا، وَيُوآشُ وَسَارَافُ، وَهُمُ الَّذِينَ حَكَمُوا مُوآبَ. وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ مَوْجَودَةٌ فِي سِجِلَّاتٍ مُنْذُ الْقَدِيمِ. وَكَانُوا خَزَّافِينَ وَيُقِيمُونَ فِي نَتَاعِيمَ وَجَدَارَةَ وَيَعْمَلُونَ لِحِسَابِ الْمَلِكِ. بَنُو شَمْعُونَ: نَمُوئِيلُ وَيَامِينُ وَيَرِيبُ وَزَارَحُ وَشَاوُلُ. وَشَاوُلُ أَنْجَبَ شَلُّومَ، وَشَلُّومُ أَنْجَبَ مِبْسَامَ، وَمِبْسَامُ أَنْجَبَ مِشْمَاعَ، وَمِشْمَاعُ أَنْجَبَ حَمُوئِيلَ، وَحَمُوئِيلُ أَنْجَبَ زَكُّورَ، وَزَكُّورُ أَنْجَبَ شَمْعِي. وَكَانَ لِشَمْعِي 16 ابْنًا وَ6 بَنَاتٍ. أَمَّا إِخْوَتُهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَنُونَ كَثِيرُونَ، وَلَمْ تَكْثُرْ عَشَائِرُهُمْ كَمَا كَثُرَ بَنُو يَهُوذَا. وَأَقَامُوا فِي بِئْرَ سَبْعَ وَمُولَادَةَ وَحَصَرَ شُوعَالَ، وَبِلْهَةَ وَعَاصَمَ وَتُولَادَ، وَبَتُوئِيلَ وَحُرْمَةَ وَصِقْلَغَ، وَبَيْتَ مَرْكَبُوتَ وَحَصَرَ سُوسِيمَ وَبَيْتَ بِرْئِي وَشَعْرَايِمَ. هَذِهِ هِيَ مُدُنُهُمْ إِلَى عَهْدِ الْمَلِكِ دَاوُدَ. وَكَانَ لَهُمْ 5 قُرَى: عِيطَمُ وَعَيْنُ وَرِمُّونُ وَتُوكَشُ وَعَاشَانُ. بِالْإِضَافَةِ إِلَى كُلِّ الْقُرَى الْمُحِيطَةِ بِهَذِهِ الْمُدُنِ حَتَّى إِلَى بَعْلَ. هَذِهِ مَسَاكِنُهُمْ وَأَنْسَابُهُمْ. وَكَانَ مَشُوبَابُ، وَيَمْلِيكُ، وَيُوشَا بْنُ أَمَصْيَا، وَيُوئِيلُ، وَيَاهُو بْنُ يُوشِبْيَا بْنِ سَرَايَا بْنِ عَسِئِيلَ، وَأَلْيُوعِينَايُ، وَيَعْقُوبَا، وَيَشُوحَايَا، وَعَسَايَا، وَعَدِئِيلُ، وَيَسِيمِئِيلُ، وَبَنَايَا، وَزِيزَا بْنُ شِفْعِي بْنِ أَلُونَ بْنِ بَدَايَا بْنِ شِمْرِي بْنِ شَمَعْيَا، كُلُّ هَؤُلَاءِ، الْوَارِدَةُ أَسْمَاؤُهُمْ أَعْلَاهُ، كَانُوا رُؤَسَاءَ فِي عَشَائِرِهِمْ. وَكَثُرَتْ عَائِلَاتُهُمْ جِدًّا. فَذَهَبُوا يَبْحَثُونَ عَنْ مَرْعًى لِمَاشِيَتِهِمْ، حَتَّى وَصَلُوا إِلَى مَدْخَلِ جَدُورَ شَرْقَ الْوَادِي. فَوَجَدُوا مَرْعًى خَصِيبًا وَجَيِّدًا، وَكَانَتِ الْأَرْضُ وَاسِعَةَ الْأَطْرَافِ وَهَادِئَةً وَفِي أَمَانٍ. وَكَانَ أَهْلُ حَامَ قَدْ سَكَنُوا فِيهَا فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ. فَفِي أَيَّامِ حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، جَاءَ هَؤُلَاءِ الْوَارِدَةُ أَسْمَاؤُهُمْ أَعْلَاهُ إِلَى جَدُورَ، وَحَارَبُوا الْمَعُونِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا هُنَاكَ، وَهَدَمُوا خِيَامَهُمْ، وَأَبَادُوهُمْ تَمَامًا فَلَا يُوجَدُ مَعُونِيٌّ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. ثُمَّ سَكَنُوا مَكَانَهُمْ حَيْثُ يُوجَدُ مَرْعًى لِمَاشِيَتِهِمْ. وَذَهَبَ 500 رَجُلٍ مِنْ بَنِي شَمْعُونَ يَقُودُهُمْ فَلَطْيَا وَنِعْرِيَا وَرَفَايَا وَعُزِّيلُ بَنُو يَشْعِي، وَهَاجَمُوا جَبَلَ سَعِيرَ، وَقَتَلُوا بَقِيَّةَ الْعَمَالِقَةِ الَّذِينَ كَانُوا مَا زَالُوا عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ، وَاحْتَلُّوا أَرْضَهُمْ. وَهُمْ هُنَاكَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. بَنُو رَأُوبِينَ بِكْرِ إِسْرَائِيلَ. كَانَ هُوَ الْبِكْرُ، وَلَكِنَّهُ عَاشَرَ جَارِيَةَ أَبِيهِ، فَفَقَدَ حَقَّهُ كَالِابْنِ الْبِكْرِ، وَأُعْطِيَ هَذَا الْحَقُّ لِابْنَيْ يُوسِفَ بْنِ إِسْرَائِيلَ. وَلِذَلِكَ لَا يَرِدُ اسْمُ رَأُوبِينَ كَالْبِكْرِ. وَمَعَ أَنَّ يَهُوذَا كَانَ الْقَائِدَ عَلَى إِخْوَتِهِ، وَجَاءَ الْمَلِكُ مِنْ قَبِيلَتِهِ، لَكِنَّ حَقَّ الْبَكُورِيَّةِ كَانَ لِيُوسِفَ. إِذَنْ هَؤُلَاءِ هُمْ بَنُو رَأُوبِينَ بِكْرِ إِسْرَائِيلَ: حَنُوكُ وَفَلُّو وَحَاصِرُ وَكَرْمِي. بَنُو يُوئِيلَ: يُوئِيلُ أَنْجَبَ شَمَعْيَا، وَشَمَعْيَا أَنْجَبَ جُوجَ، وَجُوجُ أَنْجَبَ شَمْعِي. وَشَمْعِي أَنْجَبَ مِيخَا، وَمِيخَا أَنْجَبَ رَآيَا، وَرَآيَا أَنْجَبَ بَعْلَ، وَبَعْلُ أَنْجَبَ بَئِيرَةَ الَّذِي أَسَرَهُ تَغْلَثْ فَلَاسَرَ مَلِكُ أَشُّورَ. وَبَئِيرَةُ هُوَ رَئِيسُ الرَّأُوبِينِيِّينَ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ أَقَارِبُهُ بِعَشَائِرِهِمْ حَسَبَ مَا وَرَدَ فِي سِجِلِّ الْأَنْسَابِ: يَعِيلُ الرَّئِيسُ، وَزَكَرِيَّا، وَبَالَعُ بْنُ عَزَازَ بْنِ شَامَعَ بْنِ يُوئِيلَ، وَسَكَنُوا فِي مِنْطَقَةِ عَرُوعِيرَ حَتَّى إِلَى نَبْوَ وَبَعْلَ مَعُونَ. وَامْتَدَّتْ أَمْلَاكُهُمْ شَرْقًا إِلَى حَافَّةِ الصَّحْرَاءِ الَّتِي تَصِلُ إِلَى نَهْرِ الْفُرَاتِ، لِأَنَّ مَاشِيَتَهُمْ كَثُرَتْ فِي أَرْضِ جِلْعَادَ. وَفِي أَيَّامِ شَاوُلَ، حَارَبُوا الْهَاجِرِيِّينَ وَهَزَمُوهُمْ وَاحْتَلُّوا دِيَارَهُمْ فِي كُلِّ الْمِنْطَقَةِ الَّتِي شَرْقَ جِلْعَادَ. وَسَكَنَ بَنُو جَادَ بِجِوَارِ بَنِي رَأُوبِينَ فِي أَرْضِ بَاشَانَ حَتَّى إِلَى سَلْكَةَ. وَكَانَ يُوئِيلُ هُوَ الرَّئِيسُ، وَبَعْدَهُ شَافَامُ، ثُمَّ يَعْنَايُ وَشَافَاطُ فِي بَاشَانَ. وَأَقَارِبُهُمْ بِعَائِلَاتِهِمْ 7 هُمْ: مِيخَائِيلُ وَمَشْلَامُ وَشَبَعُ وَيُورَايُ وَيَعْكَانُ وَزِيعُ وَعَابِرُ. هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ بَنُو أَبِيحَايِلَ بْنِ حُورِي بْنِ يَارُوحَ بْنِ جِلْعَادَ بْنِ مِيخَائِيلَ بْنِ يَشِيشَايَ بْنِ يَحْدُوَ بْنِ بُوزَ. وَكَانَ رَئِيسُ عَائِلَتِهِمْ هُوَ أَخِي بْنُ عَبْدِيلَ بْنِ جُونِي. وَسَكَنَ بَنُو جَادَ فِي جِلْعَادَ، فِي بَاشَانَ وَقُرَاهَا، وَفِي كُلِّ مَرَاعِي شَارُونَ إِلَى آخِرِهَا. كُلُّ هَؤُلَاءِ كُتِبُوا فِي سِجِلِّ الْأَنْسَابِ، فِي أَيَّامِ يُوتَامَ مَلِكِ يَهُوذَا وَفِي أَيَّامِ يَرْبَعَامَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ. وَبَنُو رَأُوبِينَ وَبَنُو جَادَ وَنِصْفُ قَبِيلَةِ مَنَسَّى، كَانَ فِيهِمْ 44760 مِنَ الرِّجَالِ الْأَقْوِيَاءِ، الْقَادِرِينَ عَلَى اسْتِعْمَالِ التُّرْسِ وَالسَّيْفِ وَالْقَوْسِ، وَمُتَدَرِّبِينَ عَلَى الْقِتَالِ، وَمُسْتَعِدِّينَ لِلْحَرْبِ. فَحَارَبُوا الْهَاجِرِيِّينَ وَقَبَائِلَ يَطُورَ وَنَافِيشَ وَنُودَابَ، وَانْتَصَرُوا عَلَيْهِمْ. لِأَنَّهُمْ صَرَخُوا إِلَى اللهِ فِي الْحَرْبِ وَاتَّكَلُوا عَلَيْهِ، فَاسْتَجَابَ لَهُمْ وَنَصَرَهُمْ عَلَى الْهَاجِرِيِّينَ وَكُلِّ مَنْ مَعَهُمْ. وَنَهَبُوا مَاشِيَتَهُمْ: 50000 جَمَلٍ، وَ250000 مِنَ الْغَنَمِ، وَ2000 حِمَارٍ، وَأَسَرُوا مِنَ النَّاسِ 100000. وَسَقَطَ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ قَتْلَى، لِأَنَّ الْحَرْبَ كَانَتْ تَحْتَ قِيَادَةِ اللهِ. وَسَكَنُوا فِي بِلَادِ الْهَاجِرِيِّينَ إِلَى وَقْتِ الْأَسْرِ إِلَى بَابِلَ. وَكَانَ بَنُو نِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى كَثِيرِينَ. فَسَكَنُوا فِي أَرْضِ بَاشَانَ حَتَّى إِلَى بَعْلَ حَرْمُونَ وَسَنِيرَ وَجَبَلِ حَرْمُونَ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ عَائِلَاتِهِمْ: عَافِرُ وَيَشْعِي وَأَلِيئِيلُ وَعَزْرِيلُ وَيَرْمِيَا وَهُودُويَا وَيَحْدِئِيلُ. كَانُوا مُحَارِبِينَ بَوَاسِلَ، وَرِجَالًا لَهُمْ شُهْرَةٌ، وَرُؤَسَاءَ عَائِلَاتِهِمْ. وَلَكِنَّهُمْ تَنَكَّرُوا لِإِلَهِ آبَائِهِمْ، وَخَانُوهُ وَتَبِعُوا آلِهَةَ الْأَجَانِبِ الَّذِينَ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ، وَالَّذِينَ طَرَدَهُمُ اللهُ مِنْ أَمَامِهِمْ. فَأَثَارَ اللهُ عَلَيْهِمْ فُولَ مَلِكَ أَشُّورَ، أَيْ تَغْلَثْ فَلَاسَرَ، فَأَسَرَ بَنِي رَأُوبِينَ وَبَنِي جَادَ وَنِصْفَ قَبِيلَةِ مَنَسَّى، وَأَخَذَهُمْ إِلَى حَلَحَ وَخَابُورَ وَهَارَا وَنَهْرِ جُوزَانَ، وَهُمْ هُنَاكَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. بَنُو لَاوِي: جَرْشُونُ وَقَهَاتُ وَمَرَارِي. بَنُو قَهَاتَ: عَمْرَامُ وَيِصْهَارُ وَحَبْرُونُ وَعُزِّيلُ. بَنُو عَمْرَامَ: هَارُونُ وَمُوسَى وَمَرْيَمُ. بَنُو هَارُونَ: نَادَابُ وَأَبِيهُو وَأَلِعَازَارُ وَإِيتَامَارُ. أَلِعَازَارُ أَنْجَبَ فِينْحَاسَ، وَفِينْحَاسُ أَنْجَبَ أَبِيشُوعَ، وَأَبِيشُوعُ أَنْجَبَ بُقِّيَ، وَبُقِّي أَنْجَبَ عُزِّيَ، وَعُزِّي أَنْجَبَ زَرَحْيَا، وَزَرَحْيَا أَنْجَبَ مَرَايُوثَ، وَمَرَايُوثُ أَنْجَبَ أَمَرْيَا، وَأَمَرْيَا أَنْجَبَ أَخِيطُوبَ، وَأَخِيطُوبُ أَنْجَبَ صَادِقَ، وَصَادِقُ أَنْجَبَ أَخِيمَعْصَ، وَأَخِيمَعْصُ أَنْجَبَ عَزَرْيَا، وَعَزَرْيَا أَنْجَبَ يُوحَانَانَ، وَيُوحَانَانُ أَنْجَبَ عَزَرْيَا، وَهُوَ الَّذِي كَانَ حَبْرًا فِي بَيْتِ اللهِ الَّذِي بَنَاهُ سُلَيْمَانُ فِي الْقُدْسِ. وَعَزَرْيَا أَنْجَبَ أَمَرْيَا، وَأَمَرْيَا أَنْجَبَ أَخِيطُوبَ، وَأَخِيطُوبُ أَنْجَبَ صَادِقَ، وَصَادِقُ أَنْجَبَ شَلُّومَ، وَشَلُّومُ أَنْجَبَ حِلْقِيَا، وَحِلْقِيَا أَنْجَبَ عَزَرْيَا، وَعَزَرْيَا أَنْجَبَ سَرَايَا، وَسَرَايَا أَنْجَبَ يُوصَادِقَ، وَيُوصَادِقُ أُخِذَ أَسِيرًا، لَمَّا أَرْسَلَ اللهُ شَعْبَ يَهُوذَا وَالْقُدْسِ أَسْرَى عَلَى يَدِ نَبُوخَذْنَصْرَ. بَنُو لَاوِي: جَرْشُونُ وَقَهَاتُ وَمَرَارِي. اِبْنَا جَرْشُونَ اسْمُهُمَا لِبْنِي وَشَمْعِي. بَنُو قَهَاتَ: عَمْرَامُ وَيِصْهَارُ وَحَبْرُونُ وَعُزِّيلُ. اِبْنَا مَرَارِي: مَحْلِي وَمُوشِي. وَهَذِهِ هِيَ عَائِلَاتُ اللَّاوِيِّينَ حَسَبَ آبَائِهِمْ: جَرْشُونُ أَنْجَبَ لِبْنِي، وَلِبْنِي أَنْجَبَ يَحَثَ، وَيَحَثُ أَنْجَبَ زِمَّةَ، وَزِمَّةُ أَنْجَبَ يُوآخَ، وَيُوآخُ أَنْجَبَ عِدُّو، وَعِدُّو أَنْجَبَ زَارَحَ، وَزَارَحُ أَنْجَبَ يَأَثْرَايَ. بَنُو قَهَاتَ: قَهَاتُ أَنْجَبَ عَمِينَادَابَ، وَعَمِينَادَابُ أَنْجَبَ قُورَحَ، وَقُورَحُ أَنْجَبَ أَسِّيرَ، وَأَسِّيرُ أَنْجَبَ أَلْقَانَةَ، وَأَلْقَانَةُ أَنْجَبَ أَبِيأَسَافَ، وَأَبِيأَسَافُ أَنْجَبَ أَسِّيرَ، وَأَسِّيرُ أَنْجَبَ تَحَثَ، وَتَحَثُ أَنْجَبَ أُورِيلَ، وَأُورِيلُ أَنْجَبَ عُزِّيَّا، وَعُزِّيَّا أَنْجَبَ شَاوُلَ. اِبْنَا أَلْقَانَةَ: عَمَاسَايُ وَأَخِيمُوتُ. وَأَخِيمُوتُ أَنْجَبَ أَلْقَانَةَ، وَأَلْقَانَةُ أَنْجَبَ صُوفَايَ، وَصُوفَايُ أَنْجَبَ نَحَثَ، وَنَحَثُ أَنْجَبَ أَلِيآبَ، وَأَلِيآبُ أَنْجَبَ يَرُوحَامَ، وَيَرُوحَامُ أَنْجَبَ أَلْقَانَةَ، وَأَلْقَانَةُ أَنْجَبَ صَمُوئِيلَ. اِبْنَا صَمُوئِيلَ: الْبِكْرُ يُوئِيلُ، وَالثَّانِي أَبِيَّا. بَنُو مَرَارِي: مَرَارِي أَنْجَبَ مَحْلِي، وَمَحْلِي أَنْجَبَ لِبْنِي، وَلِبْنِي أَنْجَبَ شَمْعِي، وَشَمْعِي أَنْجَبَ عُزَّةَ، وَعُزَّةُ أَنْجَبَ شَمْعَا، وَشَمْعَا أَنْجَبَ حَجِيَّا، وَحَجِيَّا أَنْجَبَ عَسَايَا. وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ أَوْكَلَ إِلَيْهِمْ دَاوُدُ قِيَادَةَ الْغِنَاءِ فِي بَيْتِ اللهِ، بَعْدَمَا اسْتَقَرَّ فِيهِ صُنْدُوقُ الْعَهْدِ. وَكَانُوا يَقُومُونَ بِخِدْمَتِهِمْ وَهِيَ الْغِنَاءُ، أَمَامَ مَسْكَنِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، إِلَى أَنْ بَنَى سُلَيْمَانُ بَيْتَ اللهِ فِي الْقُدْسِ. وَكَانُوا يُؤَدُّونَ وَاجِبَهُمْ بِنِظَامٍ. فَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ قَامُوا بِهَذِهِ الْخِدْمَةِ مَعَ بَنِيهِمْ: مِنْ بَنِي قَهَاتَ، هِيمَانُ الْمُغَنِّي ابْنُ يُوئِيلَ بْنِ صَمُوئِيلَ بْنِ أَلْقَانَةَ بْنِ يَرُوحَامَ بْنِ إِيلِيئِيلَ بْنِ تُوحَ بْنِ صُوفَ بْنِ أَلْقَانَةَ بْنِ مَحَثَ بْنِ عَمَاسَايَ بْنِ أَلْقَانَةَ بْنِ يُوئِيلَ بْنِ عَزَرْيَا بْنِ صَفَنْيَا بْنِ تَحَثَ بْنِ أَسِّيرَ بْنِ أَبِيأَسَافَ بْنِ قُورَحَ بْنِ يِصْهَارَ بْنِ قَهَاتَ بْنِ لَاوِي بْنِ إِسْرَائِيلَ. وَكَانَ مُسَاعِدُ هِيمَانَ الَّذِي يَقِفُ لِلْغِنَاءِ عَنْ يَمِينِهِ، آسَافَ بْنَ بَرَكْيَا بْنِ شَمْعَا بْنِ مِيخَائِيلَ بْنِ بَعَسِيَا بْنِ مَلَكْيَا بْنِ أَثْنَايَ بْنِ زَارَحَ بْنِ عَدَايَا بْنِ إِيثَانَ بْنِ زِمَّةَ بْنِ شَمْعِي بْنِ يَحَثَ بْنِ جَرْشُونَ بْنِ لَاوِي. وَكَانَ مُسَاعِدُ هِيمَانَ الثَّانِيَ الَّذِي يَقِفُ لِلْغِنَاءِ عَنْ شِمَالِهِ، إِيثَانَ مِنْ نَسْلِ مَرَارِي بْنِ لَاوِي. وَهُوَ ابْنُ قِيشِي بْنِ عَبْدِي بْنِ مَلُّوخَ بْنِ حَشَبْيَا بْنِ أَمَصْيَا بْنِ حِلْقِيَا بْنِ أَمْصِي بْنِ بَانِي بْنِ شَامِرَ بْنِ مَحْلِي بْنِ مُوشِي بْنِ مَرَارِي بْنِ لَاوِي. وَكَانَ اللَّاوِيُّونَ الْآخَرُونَ يَقُومُونَ بِكُلِّ الْوَاجِبَاتِ الْأُخْرَى فِي خَيْمَةِ بَيْتِ اللهِ. أَمَّا هَارُونُ وَنَسْلُهُ، فَكَانُوا يُقَدِّمُونَ الْقَرَابِينَ عَلَى مَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ، وَعَلَى مَنَصَّةِ الْبَخُورِ، مَعَ كُلِّ الْعَمَلِ الْمَطْلُوبِ فِي الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ، لِيُكَفِّرُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى عَبْدُ اللهِ. هَؤُلَاءِ بَنُو هَارُونَ: هَارُونُ أَنْجَبَ أَلِعَازَارَ، وَأَلِعَازَارُ أَنْجَبَ فِينْحَاسَ، وَفِينْحَاسُ أَنْجَبَ أَبِيشُوعَ، وَأَبِيشُوعُ أَنْجَبَ بُقِّيَ، وَبُقِّي أَنْجَبَ عُزِّيَ، وَعُزِّي أَنْجَبَ زَرَحْيَا، وَزَرَحْيَا أَنْجَبَ مَرَايُوثَ، وَمَرَايُوثُ أَنْجَبَ أَمَرْيَا، وَأَمَرْيَا أَنْجَبَ أَخِيطُوبَ، وَأَخِيطُوبُ أَنْجَبَ صَادِقَ، وَصَادِقُ أَنْجَبَ أَخِيمَعْصَ. وَهَذِهِ هِيَ الْمَنَاطِقُ الَّتِي سَكَنَ فِيهَا بَنُو هَارُونَ: عَشِيرَةُ قَهَاتَ حَصَلَتْ عَلَى نَصِيبِهَا أَوَّلًا، وَأَعْطَوْهُمْ حَبْرُونَ فِي أَرْضِ يَهُوذَا مَعَ مَرَاعِيهَا حَوْلَهَا. أَمَّا الْحُقُولُ وَالْقُرَى الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ، فَأَعْطَوْهَا لِكَالِبَ بْنِ يَفُنَّةَ. فَهَذِهِ هِيَ الْمُدُنُ الَّتِي أَعْطَوْهَا لِبَنِي هَارُونَ مَعَ مَرَاعِيهَا: حَبْرُونُ مَدِينَةُ الْمَلْجَأِ، وَلِبْنَةُ وَيَتِّيرُ وَأَشْتَمُوعُ وَحِيلِينُ وَدَبِيرُ وَعَاشَانُ وَيُطَّةُ وَبَيْتُ شَمْسَ. ثُمَّ مِنْ بِنْيَمِينَ هَذِهِ الْمُدُنُ وَمَرَاعِيهَا: جِبْعُونُ وَجِبْعُ وَعَلْمَثُ وَعَنَاثُوثُ. فَكَانَتْ كُلُّ الْمُدُنِ الَّتِي أُعْطِيَتْ لِعَشِيرَةِ بَنِي قَهَاتَ 13 مَدِينَةً. أَمَّا بَاقِي بَنِي قَهَاتَ، فَكَانَ نَصِيبُهُمْ 10 مُدُنٍ مِنْ نِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى. وَكَانَ نَصِيبُ بَنِي جَرْشُونَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ 13 مَدِينَةً مِنْ قَبَائِلِ يَسَّاكَرَ وَأَشِيرَ وَنَفْتَالِي وَمِنْ نِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى الَّذِي فِي بَاشَانَ. وَكَانَ نَصِيبُ بَنِي مَرَارِي حَسَبَ عَشَائِرِهِمِ 12 مَدِينَةً مِنْ قَبَائِلِ رَأُوبِينَ وَجَادَ وَزَبُولُونَ. فَأَعْطَى بَنُو إِسْرَائِيلَ اللَّاوِيِّينَ هَذِهِ الْمُدُنَ وَمَرَاعِيَهَا. وَالْمُدُنُ الَّتِي مِنْ قَبَائِلِ يَهُوذَا وَشَمْعُونَ وَبِنْيَمِينَ، اِخْتَارُوهَا بِالْقُرْعَةِ، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهَا. وَبَعْضُ عَشَائِرِ بَنِي قَهَاتَ، كَانَ نَصِيبُهُمْ مُدُنًا مِنْ قَبِيلَةِ أَفْرَايِمَ. فَأَعْطَوْهُمْ هَذِهِ الْمُدُنَ وَمَرَاعِيَهَا فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ: شَكِيمَ مَدِينَةَ مَلْجَأِ الْقَاتِلِ، وَجَازَرَ وَيَقْمَعَامَ وَبَيْتَ حُورُونَ وَأَيْلُونَ وَجَتَّ رِمُّونَ. وَمِنْ نِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى، أَعْطَى بَنُو إِسْرَائِيلَ لِبَاقِي بَنِي قَهَاتَ، عَانِرَ وَبَلْعَامَ وَمَرَاعِيَهُمَا. وَأَعْطَوْا بَنِي جَرْشُونَ الْمُدُنَ التَّالِيَةَ، مِنْ نِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى: جُولَانَ فِي بَاشَانَ وَعَشْتَرُوتَ وَمَرَاعِيَهُمَا. وَمِنْ قَبِيلَةِ يَسَّاكَرَ: قَادِشَ وَدَبِيرَةَ وَرَامُوتَ وَعَانِيمَ وَمَرَاعِيَهَا. وَمِنْ قَبِيلَةِ أَشِيرَ: مِشْآلَ وَعَبْدُونَ وَحُقُّوقَ وَرَحُوبَ وَمَرَاعِيَهَا. وَمِنْ قَبِيلَةِ نَفْتَالِي: قَادِشَ فِي الْجَلِيلِ وَحَمُّونَ وَقَرْيَاتِمَ وَمَرَاعِيَهَا. وَأَعْطَوْا الْبَاقِينَ مِنَ اللَّاوِيِّينَ، أَيْ بَنِي مَرَارِي، هَذِهِ الْمُدُنَ وَمَرَاعِيَهَا، مِنْ قَبِيلَةِ زَبُولُونَ: يَقْنَعَامَ وَقَرْتَةَ وَرِمُّونُو وَتَابُورَ. وَمِنْ قَبِيلَةِ رَأُوبِينَ، فِي شَرْقِ الْأُرْدُنِّ عِنْدَ أَرِيحَا: بَاصِرَ فِي الصَّحْرَاءِ، وَيَهْصَةَ وَقَدِيمُوتَ وَمِيفَعَةَ. وَمِنْ قَبِيلَةِ جَادَ: رَامُوتَ فِي جِلْعَادَ، وَمَحَنَايِمَ وَحَشْبُونَ وَيَعْزِيرَ. بَنُو يَسَّاكَرَ 4: تُولَاعُ وَفُوَّةُ وَيَاشُوبُ وَشَمْرُونُ. بَنُو تُولَاعَ: عُزِّي وَرَفَايَا وَيَرِيلُ وَيَحْمَايُ وَيَبْسَامُ وَشَمُوئِيلُ، وَكَانُوا رُؤَسَاءَ عَائِلَاتِهِمْ. وَفِي أَيَّامِ دَاوُدَ كَانَ عَدَدُ الْمُحَارِبِينَ مِنْ نَسْلِ تُولَاعَ، حَسَبَ سِجِلِّ الْأَنْسَابِ 22600. اِبْنُ عُزِّي: يَزْرَحْيَا. بَنُو يَزْرَحْيَا: مِيخَائِيلُ وَعُوبَدْيَا وَيُوئِيلُ وَيَشِيَّا. وَكَانَ الْـ5 كُلُّهُمْ رُؤَسَاءَ. وَحَسَبَ سِجِلِّ أَنْسَابِ عَائِلَاتِهِمْ، كَانَ فِيهِمْ 36000 مِنَ الْجُنُودِ الْمُدَرَّبِينَ عَلَى الْحَرْبِ، لِأَنَّهُمْ تَزَوَّجُوا نِسَاءَ كَثِيرَاتٍ، وَأَنْجَبُوا بَنِينَ كَثِيرِينَ. وَحَسَبَ سِجِلَّاتِ الْأَنْسَابِ لِعَشَائِرِ يَسَّاكَرَ، كَانَ جُمْلَةُ عَدَدِ الْمُحَارِبِينَ مِنْهُمْ 87000. بَنُو بِنْيَمِينَ 3: بَالَعُ وَبَاكَرُ وَيَدْيَعِيلُ. بَنُو بَالَعَ 5: أَصْبُونُ وَعُزِّي وَعُزِّيلُ وَيَرِيمُوثُ وَعِيرِي، وَهُمْ رُؤَسَاءُ عَائِلَاتِهِمْ. وَحَسَبَ سِجِلِّ النَّسَبِ، كَانَ عَدَدُ الْمُحَارِبِينَ مِنْهُمْ 22034. بَنُو بَاكَرَ: زَمِيرَةُ وَيُوعَاشُ وَأَلِيعَزَرُ وَأَلْيُوعِينَايُ وَعُمْرِي وَيَرِيمُوثُ وَأَبِيَّا وَعَنَاثُوثُ وَعَلَامَثُ. كُلُّ هَؤُلَاءِ بَنُو بَاكَرَ. وَسِجِلُّ النَّسَبِ يُبَيِّنُ رُؤَسَاءَ عَائِلَاتِهِمْ، وَ20200 مِنَ الْمُحَارِبِينَ. اِبْنُ يَدْيَعِيلَ: بَلْهَانُ. بَنُو بَلْهَانَ: يَعِيشُ وَبِنْيَمِينُ وَإِهُودُ وَكَنْعَنَةُ وَزَيْتَانُ وَتَرْشِيشُ وَأَخِيشَاحَرُ. كُلُّ هَؤُلَاءِ بَنُو يَدْيَعِيلَ، وَكَانُوا رُؤَسَاءَ فِي عَائِلَاتِهِمْ. وَكَانَ فِيهِمْ 17200 مِنَ الْجُنُودِ الْمُحَارِبِينَ. اِبْنَا عِيرَ: شُفِّيمُ وَحُفِّيمُ. اِبْنُ حُوشِيمَ: أَحِيرُ. بَنُو نَفْتَالِي: يَحْصِئِيلُ وَجُونِي وَيِصِرُ وَشَلِيمُ. وَهُمْ نَسْلُ بِلْهَةَ. اِبْنَا مَنَسَّى مِنْ جَارِيَتِهِ الْأَرَامِيَّةِ: أَسْرِيلُ وَمَاكِيرُ أَبُو جِلْعَادَ. وَتَزَوَّجَ مَاكِيرُ امْرَأَةً اسْمُهَا مَعْكَةُ وَهِيَ أُخْتُ حُفِّيمَ وَشُفِّيمَ. وَاسْمُ ابْنِهِ الثَّانِي صَلُفْحَادُ. وَكَانَ لِصَلُفْحَادَ بَنَاتٌ. وَوَلَدَتْ مَعْكَةُ لِمَاكِيرَ ابْنَيْنِ وَسَمَّتْهُمَا فَرَشَ وَشَرَشَ. اِبْنَا شَرَشَ: أُولَامُ وَرَاقَمُ. اِبْنُ أُولَامَ: بَدَانُ. هَؤُلَاءِ بَنُو جِلْعَادَ بْنِ مَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى. وَهَمُّولَكَةُ أُخْتُ مَاكِيرَ، وَلَدَتْ إِيشْهُودَ وَأَبِيعَزَرَ وَمَحْلَةَ. بَنُو شَمِيدَاعَ: أَخِيَانُ وَشَكِيمُ وَلِقْحِي وَأَنِيعَامُ. بَنُو أَفْرَايِمَ: أَفْرَايِمُ أَنْجَبَ شُوتَالَحَ، وَشُوتَالَحُ أَنْجَبَ بَرَدَ، وَبَرَدُ أَنْجَبَ تَحَثَ، وَتَحَثُ أَنْجَبَ أَلِعَادَا، وَأَلِعَادَا أَنْجَبَ تَحَثَ. وَتَحَثُ أَنْجَبَ زَابَادَ، وَزَابَادُ أَنْجَبَ شُوتَالَحَ. وَكَانَ لِأَفْرَايِمَ ابْنَانِ آخَرَانِ هُمَا عَزَرُ وَأَلْعَادُ. فَذَهَبَا إِلَى جَتَّ لِيَسْرِقَا مَاشِيَةً، فَقَتَلَهُمَا بَعْضُ الرِّجَالِ مِنْ أَهْلِ جَتَّ. فَبَكَى أَفْرَايِمُ أَبَاهُمَا عَلَيْهِمَا زَمَنًا طَوِيلًا. وَجَاءَ أَقَارِبُهُ لِيُعَزُّوهُ. وَلَمَّا عَاشَرَ زَوْجَتَهُ حَبِلَتْ وَوَلَدَتِ ابْنًا، فَسَمَّاهُ بَرِيعَةَ، لِأَنَّ مُصِيبَةً حَلَّتْ بِعَائِلَتِهِ. وَبِنْتُ أَفْرَايِمَ شِيرَةُ، هِيَ الَّتِي بَنَتْ بَيْتَ حُورُونَ السُّفْلَى، وَالْعُلْيَا، وَأُزِّينَ شِيرَةَ. وَرَفَحُ هُوَ أَيْضًا ابْنُ أَفْرَايِمَ. وَرَفَحُ أَنْجَبَ رَشَفَ، وَرَشَفُ أَنْجَبَ تَلَحَ، وَتَلَحُ أَنْجَبَ تَاحَنَ، وَتَاحَنُ أَنْجَبَ لَعْدَانَ، وَلَعْدَانُ أَنْجَبَ عَمِّيهُودَ، وَعَمِّيهُودُ أَنْجَبَ أَلِيشَمَعَ، وَأَلِيشَمَعُ أَنْجَبَ نُونَ، وَنُونُ أَنْجَبَ يَشُوعَ. وَهَذِهِ هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي امْتَلَكَهَا بَنُو أَفْرَايِمَ وَسَكَنُوا فِيهَا: بَيْتُ إِيلَ وَقُرَاهَا، وَنَعْرَانُ مِنَ الشَّرْقِ، وَجَازَرُ وَقُرَاهَا مِنَ الْغَرْبِ، وَشَكِيمُ وَقُرَاهَا حَتَّى إِلَى عَيَّةَ وَقُرَاهَا. وَمِنْ نَاحِيَةِ بَنِي مَنَسَّى، بَيْتُ شَانَ وَقُرَاهَا، وَتَعْنَكُ وَقُرَاهَا، وَمَجِدُّو وَقُرَاهَا، وَدُورُ وَقُرَاهَا. فِي هَذِهِ سَكَنَ بَنُو يُوسِفَ بْنِ إِسْرَائِيلَ. بَنُو أَشِيرَ: يَمْنَةُ وَيِشْوَةُ وَيِشْوِي وَبَرِيعَةُ وَأُخْتُهُمْ سَارَحُ. اِبْنَا بَرِيعَةَ: حَابِرُ وَمَلْكِيلُ الَّذِي هُوَ أَبُو بَرْزُوثَ. حَابِرُ أَنْجَبَ يَفْلِيطَ وَشُومِيرَ وَحُوثَامَ وَأُخْتَهُمْ شُوعَا. بَنُو يَفْلِيطَ: فَاسَكُ وَبِمْهَالُ وَعَشْوَةُ. هَؤُلَاءِ بَنُو يَفْلِيطَ. بَنُو شُومِيرَ أَخِيهِ: رُهْجَةُ وَيَحُبَّةُ وَآرَامُ. بَنُو حُوثَامَ أَخِيهِ: صُوفَحُ وَيَمْنَاعُ وَشَلَشُ وَعَامَالُ. بَنُو صُوفَحَ: سُوحُ وَحَرَنْفَرُ وَشُوعَالُ وَبِيرِي وَيَمْرَةُ وَبَاصِرُ وَهُودُ وَشَمَّةُ وَشِلْشَةُ وَيَثْرَانُ وَبَئِيرَةُ. بَنُو يَثَرَ: يَفُنَّةُ وَفِسْفَةُ وَأَرَا. بَنُو عَلَّا: آرَحُ وَحَنِيئِيلُ وَرَصِيَا. كُلُّ هَؤُلَاءِ بَنُو أَشِيرَ. وَكَانُوا رُؤَسَاءَ عَائِلَاتِهِمْ، وَمِنْ أَفْضَلِ الرِّجَالِ، وَمُحَارِبِينَ بَوَاسِلَ، وَقَادَةً بَارِزِينَ. وَكَانَ عَدَدُ جُنُودِهِمِ الْمُدَرَّبِينَ عَلَى الْحَرْبِ، الْمَذْكُورِينَ فِي سِجِلِّ الْأَنْسَابِ 26000. بَنُو بِنْيَمِينَ: الْبِكْرُ بَالَعُ، الثَّانِي أَشْبِيلُ، الثَّالِثُ أَحْرَحُ، الرَّابِعُ نُوحَةُ، الْخَامِسُ رَافَا. بَنُو بَالَعَ: أَدَّارُ وَجِيرَا وَأَبِيهُودُ، وَأَبِيشُوعُ وَنُعْمَانُ وَأَخُوخُ وَحِيرَا وَشَفُوفَانُ وَحُورَامُ. بَنُو هُودَ، الَّذِينَ كَانُوا رُؤَسَاءَ عَائِلَاتِهِمْ وَيَسْكُنُونَ فِي جِبْعَ ثُمَّ أُجْبِرُوا أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى مَنَاحَةَ: نُعْمَانُ وَأَخِيَّا وَجِيرَا الَّذِي أَجْبَرَهُمْ أَنْ يَنْتَقِلُوا. وَجِيرَا أَنْجَبَ عُزَّا وَأَخِيحُودَ. وَطَلَّقَ شَحْرَايِمُ زَوْجَتَيْهِ حُوشِيمَ وَبَعْرَا، ثُمَّ أَنْجَبَ بَنِينَ فِي بِلَادِ مُوآبَ، مِنْ زَوْجَتِهِ خُودَشَ وَهُمْ: يُوبَابُ وَظِبْيَا وَمِيشَعُ وَمَلْكَامُ. وَيَعُوصُ وَشَبْيَا وَمِرْمَةُ، وَكَانُوا رُؤَسَاءَ عَائِلَاتٍ. كَمَا كَانَ قَدْ أَنْجَبَ مِنْ حُوشِيمَ: أَبِيطُوبَ وَأَلْفَعَلَ. بَنُو أَلْفَعَلَ: عَابِرُ وَمِشْعَامُ وَشَامِرُ الَّذِي بَنَى أُونُو وَلُودَ وَقُرَاهَا. وَبَرِيعَةُ وَشَمَعُ، وَكَانَا رَئِيسَيْنِ لِلْعَائِلَاتِ الَّتِي فِي أَيْلُونَ، وَهُمَا طَرَدَا سُكَّانَ جَتَّ. بَنُو بَرِيعَةَ: أَخِيُّو وَشَاشَقُ وَيَرِيمُوثُ وَزَبَدْيَا وَعَرَادُ وَعَادِرُ، وَمِيخَائِيلُ وَيَشْفَهُ وَيُوخَا. بَنُو أَلْفَعَلَ: زَبَدْيَا وَمَشْلَامُ وَحَزْقِي وَحَابِرُ وَيِشْمَرَايُ وَيَزَلْيَاهُ وَيُوبَابُ. بَنُو شَمْعِي: يَاقِيمُ وَزِكْرِي وَزَبَدِي وَأَلِيعِينَايُ وَصِلْتَايُ وَإِيلِيئِيلُ وَعَدَايَا وَبَرَايَا وَشِمْرَةُ. بَنُو شَاشَقَ: يَشْفَانُ وَعَابِرُ وَإِيلِيئِيلُ وَعَبْدُونُ وَزِكْرِي وَحَانَانُ وَحَنَنْيَا وَعِيلَامُ وَعَنْثُوثْيَا. وَيَفْدِيَا وَفَنُوئِيلُ. بَنُو يَرُوحَامَ: شِمْشَرَايُ وَشَحَرْيَا وَعَثَلْيَا وَيَعْرَشْيَا وَإِيلِيَّا وَزِكْرِي. كُلُّ هَؤُلَاءِ كَانُوا رُؤَسَاءَ عَائِلَاتٍ، مَذْكُورِينَ فِي سِجِلَّاتِ الْأَنْسَابِ كَرُؤَسَاءَ. وَكَانُوا يَسْكُنُونَ فِي الْقُدْسِ. وَأَسَّسَ يَعُوئِيلُ جِبْعُونَ وَسَكَنَ فِيهَا، وَاسْمُ زَوْجَتِهِ مَعْكَةُ. وَابْنُهُ الْبِكْرُ عَبْدُونُ، وَبَعْدَهُ صُورُ وَقَيْسُ وَبَعْلُ وَنَادَابُ وَجَدُورُ وَأَخِيُّو وَزَاكِرُ وَمِقْلُوثُ أَبُو شَمَاةَ. وَهُمْ أَيْضًا سَكَنُوا فِي الْقُدْسِ مَعَ بَاقِي أَقَارِبِهِمْ. نِيرُ أَنْجَبَ قَيْسَ، وَقَيْسُ أَنْجَبَ شَاوُلَ، وَشَاوُلُ أَنْجَبَ يُونَاثَانَ وَمَلْكِيشُوعَ وَأَبِينَادَابَ وَإِشْبَعَلَ. يُونَاثَانُ أَنْجَبَ مَرِيبَعَلَ، وَمَرِيبَعَلُ أَنْجَبَ مِيخَا. بَنُو مِيخَا: بِيتُونُ وَمَالِكُ وَتَارِعُ وَآحَازُ. آحَازُ أَنْجَبَ يُوعَدَّةَ، وَيُوعَدَّةُ أَنْجَبَ عَلْمَثَ وَعَزْمُوتَ وَزِمْرِي. زِمْرِي أَنْجَبَ مُوصَا. وَمُوصَا أَنْجَبَ بِنْعَةَ، وَبِنْعَةُ أَنْجَبَ رَافَةَ، وَرَافَةُ أَنْجَبَ إِلْعَاسَةَ، وَإِلْعَاسَةُ أَنْجَبَ آصِيلَ، وَكَانَ لِآصِيلَ 6 بَنِينَ، هَذِهِ أَسْمَاؤُهُمْ: عَزْرِيقَامُ وَبُكْرُو وَإِسْمَاعِيلُ وَشَعَرْيَا وَعُوبَدْيَا وَحَانَانُ. كُلُّ هَؤُلَاءِ بَنُو آصِيلَ. بَنُو عَاشِقَ أَخِيهِ: الْبِكْرُ أُولَامُ، الثَّانِي يَعُوشُ، الثَّالِثُ أَلِيفَلَطُ. وَكَانَ بَنُو أُولَامَ مُحَارِبِينَ بَوَاسِلَ، بَارِعِينَ فِي رَمْيِ السَّهْمِ وَلَهُمْ بَنُونَ وَأَحْفَادٌ كَثِيرُونَ بَلَغُوا 150. كُلُّ هَؤُلَاءِ مِنْ بَنِي بِنْيَمِينَ. وَتَمَّ تَسْجِيلُ أَنْسَابِ كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي كِتَابِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. وَأُسِرَ شَعْبُ يَهُوذَا إِلَى بَابِلَ لِأَنَّهُمْ خَانُوا اللهَ. وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ رَجِعُوا مِنَ الْأَسْرِ وَسَكَنُوا فِي أَرْضِهِمْ وَبِلَادِهِمْ، هُمْ بَعْضُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْأَحْبَارِ وَاللَّاوِيِّينَ وَخُدَّامِ بَيْتِ اللهِ. فَسَكَنَ فِي الْقُدْسِ مِنْ بَنِي يَهُوذَا وَبِنْيَمِينَ وَأَفْرَايِمَ وَمَنَسَّى: عُوتَايُ بْنُ عَمِّيهُودَ بْنِ عُمْرِي بْنِ إِمْرِي بْنِ بَانِي، مِنْ نَسْلِ فَارِصَ بْنِ يَهُوذَا. وَمِنْ نَسْلِ شِيلَةَ: عَسَايَا الْبِكْرُ وَبَنُوهُ. وَمِنْ نَسْلِ زَارَحَ: يَعُوئِيلُ. وَكَانَ عَدَدُ بَنِي يَهُوذَا 690. وَمِنْ بَنِي بِنْيَمِينَ: سَلُّو بْنُ مَشْلَامَ بْنِ هُودُويَا بْنِ هَسْنُوأَةَ، وَيَبْنِيَا بْنُ يَرُوحَامَ، وَأَيْلَةُ بْنُ عُزِّي بْنِ مِكْرِي، وَمَشْلَامُ بْنُ شَفَطْيَا بْنِ رَعُوئِيلَ بْنِ يَبْنِيَا. وَكَانَ عَدَدُ بَنِي بِنْيَمِينَ الَّذِينَ فِي سِجِلَّاتِ الْأَنْسَابِ 956. وَكُلُّهُمْ رُؤَسَاءُ فِي عَائِلَاتِهِمْ. وَمِنَ الْأَحْبَارِ: يَدَعْيَا وَيُويَارِيبُ وَيَاكِينُ وَعَزَرْيَا بْنُ حِلْقِيَا بْنِ مَشْلَامَ بْنِ صَادِقَ بْنِ مَرَايُوثَ بْنِ أَخِيطُوبَ رَئِيسِ بَيْتِ اللهِ. وَعَدَايَا بْنُ يَرُوحَامَ بْنِ فَشْحُورَ بْنِ مَلَكْيَا، وَمَعْسَايُ بْنُ عَدِئِيلَ بْنِ يَحْزِيرَةَ بْنِ مَشْلَامَ بْنِ مَشْلِيمِيتَ بْنِ إِمِّيرَ. وَكَانَ عَدَدُ الْأَحْبَارِ رُؤَسَاءِ الْعَائِلَاتِ 1760 مِنَ الرِّجَالِ الْأَشِدَّاءِ الْمَسْئُولِينَ عَنْ خِدْمَةِ بَيْتِ اللهِ. وَمِنَ اللَّاوِيِّينَ: شَمَعْيَا بْنُ حَشُوبَ بْنِ عَزْرِيقَامَ بْنِ حَشَبْيَا مِنْ بَنِي مَرَارِي. وَبَقْبَقَرُ وَحَرَشُ وَجَلَالُ وَمَتَنْيَا بْنُ مِيخَا بْنِ زِكْرِي بْنِ آسَافَ. وَعُوبَدْيَا بْنُ شَمَعْيَا بْنِ جَلَالَ بْنِ يَدُوثُونَ، وَبَرَكْيَا بْنُ آسَا بْنِ أَلْقَانَةَ الَّذِي سَكَنَ فِي قُرَى النَّطُوفَاتِيِّينَ. وَالْبَوَّابُونَ: شَلُّومُ وَعَقُّوبُ وَطَلْمُونُ وَأَخِيمَانُ وَإِخْوَتُهُمْ. وَشَلُّومُ هُوَ رَئِيسُهُمْ. وَإِلَى الْوَقْتِ الْحَاضِرِ، هَؤُلَاءِ الْبَوَّابُونَ مِنْ بَنِي لَاوِي، هُمُ الَّذِينَ يَقِفُونَ عَلَى بَابِ الْمَلِكِ شَرْقًا. وَشَلُّومُ بْنُ قُورِي بْنِ أَبِيأَسَافَ بْنِ قُورَحَ، وَإِخْوَتُهُ مِنْ عَائِلَةِ الْقُورَحِيِّينَ، كَانُوا مَسْئُولِينَ عَنِ الْقِيَامِ بِخِدْمَةِ وَحِرَاسَةِ أَبْوَابِ بَيْتِ اللهِ، كَمَا كَانَ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ مَسْئُولِينَ عَنْ حِرَاسَةِ مَدْخَلِ بَيْتِ اللهِ. وَكَانَ فِينْحَاسُ بْنُ أَلِعَازَارَ رَئِيسًا عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلُ، وَكَانَ اللهُ مَعَهُ. وَكَانَ زَكَرِيَّا بْنُ مَشَلَمْيَا أَيْضًا بَوَّابَ بَيْتِ اللهِ. وَكَانَ عَدَدُ الْمُخْتَارِينَ بَوَّابِينَ 212، مَكْتُوبِينَ فِي سِجِلَّاتِ أَنْسَابِ عَائِلَاتِهِمْ فِي قُرَاهُمْ. وَعَيَّنَهُمْ دَاوُدُ وَصَمُوئِيلُ فِي وَظَائِفِهِمْ. وَكَانُوا هُمْ وَبَنُوهُمْ مَسْئُولِينَ عَنْ حِرَاسَةِ أَبْوَابِ بَيْتِ اللهِ، أَيِ الْبَيْتِ الَّذِي حَلَّ مَكَانَ الْخَيْمَةِ. وَكَانَ الْبَوَّابُونَ فِي الْجِهَاتِ الْـ4: فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ وَالشَّمَالِ وَالْجَنُوبِ. وَكَانَ إِخْوَتُهُمُ الَّذِينَ فِي الْقُرَى، يَأْتُونَ لِيُسَاعِدُوهُمْ لِمُدَّةِ 7 أَيَّامٍ، مِنْ وَقْتٍ لِآخَرَ. أَمَّا رُؤَسَاءُ الْبَوَّابِينَ الْـ4، وَهُمْ لَاوِيُّونَ، فَكَانُوا مَسْئُولِينَ عَنِ الْغُرَفِ وَالْخَزَائِنِ فِي بَيْتِ اللهِ. وَكَانُوا يَقْضُونَ اللَّيْلَ حَوْلَ بَيْتِ اللهِ لِحِرَاسَتِهِ، وَفِي الصُّبْحِ يَفْتَحُونَهُ. وَالْبَعْضُ الْآخَرُ كَانَ مَسْئُولًا عَنِ الْآنِيَةِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي الْخِدْمَةِ. فَكَانُوا يَعُدُّونَهَا عِنْدَ إِخْرَاجِهَا وَعِنْدَ إِرْجَاعِهَا. وَآخَرُونَ كَانُوا مَسْئُولِينَ عَنِ الْأَمْتِعَةِ وَكُلِّ أَدَوَاتِ الْمَقْدِسِ، وَعَنِ الدَّقِيقِ وَالْخَمْرِ وَاللُّبَانِ وَالْأَطْيَابِ. أَمَّا مَزْجُ زَيْتِ الْأَطْيَابِ، فَكَانَ يَقُومُ بِهِ بَعْضُ الْأَحْبَارِ. وَكَانَ هُنَاكَ وَاحِدٌ لَاوِيٌّ هُوَ مَتَّثْيَا بِكْرُ شَلُّومَ الْقُورَحِيُّ، وَكَانَتْ وَظِيفَتُهُ عَمَلَ الْخُبْزِ لِلْقَرَابِينِ. وَبَعْضُ أَقَارِبِ الْبَوَّابِينَ، مِنْ بَنِي قَهَاتَ كَانُوا يَقُومُونَ بِإِعْدَادِ الْخُبْزِ الْمُقَدَّسِ الَّذِي يُوضَعُ فِي مَحْضَرِ اللهِ كُلَّ سَبْتٍ. وَالْمُغَنُّونَ الَّذِينَ كَانُوا رُؤَسَاءَ عَائِلَاتٍ فِي اللَّاوِيِّينَ، كَانُوا يُقِيمُونَ فِي الْغُرَفِ الَّتِي فِي بَيْتِ اللهِ، وَلَمْ يُفْرَضْ عَلَيْهِمْ أَيُّ عَمَلٍ آخَرَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ بِعَمَلِهِمْ لَيْلًا وَنَهَارًا. كُلُّ هَؤُلَاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ عَائِلَاتِ اللَّاوِيِّينَ، مَكْتُوبُونَ فِي سِجِلِّ أَنْسَابِهِمْ، وَكَانُوا يَسْكُنُونَ فِي الْقُدْسِ. وَأَسَّسَ يَعُوئِيلُ جِبْعُونَ وَسَكَنَ فِيهَا، وَاسْمُ زَوْجَتِهِ مَعْكَةُ. وَابْنُهُ الْبِكْرُ عَبْدُونُ، وَبَعْدَهُ صُورُ وَقَيْسُ وَبَعْلُ وَنَادَابُ وَجَدُورُ وَأَخِيُّو وَزَكَرِيَّا وَمِقْلُوثُ. مِقْلُوثُ أَنْجَبَ شَمْآمَ. وَهُمْ أَيْضًا سَكَنُوا فِي الْقُدْسِ مَعَ بَاقِي أَقَارِبِهِمْ. نِيرُ أَنْجَبَ قَيْسَ، وَقَيْسُ أَنْجَبَ شَاوُلَ، وَشَاوُلُ أَنْجَبَ يُونَاثَانَ وَمَلْكِيشُوعَ وَأَبِينَادَابَ وَإِشْبَعَلَ. يُونَاثَانُ أَنْجَبَ مَرِيبَعَلَ، وَمَرِيبَعَلُ أَنْجَبَ مِيخَا. بَنُو مِيخَا: بِيتُونُ وَمَالِكُ وَتَارِعُ وَآحَازُ. آحَازُ أَنْجَبَ يُوعَدَّةَ، وَيُوعَدَّةُ أَنْجَبَ عَلْمَثَ وَعَزْمُوتَ وَزِمْرِي. زِمْرِي أَنْجَبَ مُوصَا، وَمُوصَا أَنْجَبَ بِنْعَةَ، وَبِنْعَةُ أَنْجَبَ رَفَايَا، وَرَفَايَا أَنْجَبَ إِلْعَاسَةَ، وَإِلْعَاسَةُ أَنْجَبَ آصِيلَ، وَكَانَ لِآصِيلَ 6 بَنِينَ، هَذِهِ أَسْمَاؤُهُمْ: عَزْرِيقَامُ وَبُكْرُو وَإِسْمَاعِيلُ وَشَعَرْيَا وَعُوبَدْيَا وَحَانَانُ. هَؤُلَاءِ بَنُو آصِيلَ. وَحَارَبَ الْفِلِسْطِيُّونَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَانْهَزَمَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ أَمَامَهُمْ. وَسَقَطَ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ قَتْلَى فِي جَبَلِ جِلْبُوعَ. وَطَارَدَ الْفِلِسْطِيُّونَ شَاوُلَ وَأَوْلَادَهُ، وَقَتَلُوا يُونَاثَانَ وَأَبِينَادَابَ وَمَلْكِيشُوعَ أَوْلَادَ شَاوُلَ. وَاشْتَدَّتِ الْحَرْبُ عَلَى شَاوُلَ، وَأَصَابَهُ رُمَاةُ السِّهَامِ وَجَرَحُوهُ. فَقَالَ شَاوُلُ لِحَامِلِ سِلَاحِهِ: ”اِسْتَلَّ سَيْفَكَ وَاطْعَنِّي بِهِ، لِئَلَّا يَأْتِيَ هَؤُلَاءِ النَّجِسُونَ وَيَهْزَأُوا بِي.“ فَرَفَضَ حَامِلُ سِلَاحِهِ، لِأَنَّهُ خَافَ جِدًّا. فَأَخَذَ شَاوُلُ سَيْفَهُ وَوَقَعَ عَلَيْهِ. فَلَمَّا رَأَى حَامِلُ سِلَاحِهِ أَنَّ شَاوُلَ مَاتَ، وَقَعَ هُوَ أَيْضًا عَلَى سَيْفِهِ وَمَاتَ. فَمَاتَ شَاوُلُ وَأَوْلَادُهُ الـ3 وَكُلُّ عَائِلَتِهِ مَعًا. وَلَمَّا رَأَى كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ فِي الْوَادِي، أَنَّ الْجَيْشَ هَرَبَ، وَأَنَّ شَاوُلَ وَأَوْلَادَهُ مَاتُوا، تَرَكُوا مُدُنَهُمْ وَهَرَبُوا. فَجَاءَ الْفِلِسْطِيُّونَ وَسَكَنُوا فِيهَا. وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، جَاءَ الْفِلِسْطِيُّونَ لِيَسْلُبُوا الْقَتْلَى، فَوَجَدُوا شَاوُلَ وَأَوْلَادَهُ مَوْتَى فِي جَبَلِ جِلْبُوعَ. فَنَزَعُوا عَنْهُ مَا عَلَيْهِ، وَأَخَذُوا رَأْسَهُ وَسِلَاحَهُ، وَأَرْسَلُوا فِي كُلِّ بِلَادِهِمْ لِيُعْلِنُوا الْخَبَرَ لِأَصْنَامِهِمْ وَبَيْنَ الشَّعْبِ. وَوَضَعُوا سِلَاحَهُ فِي مَعْبَدِ آلِهَتِهِمْ، وَسَمَّرُوا رَأْسَهُ فِي مَعْبَدِ دَاجُونَ. وَسَمِعَ كُلُّ شَعْبِ يَابِيشَ جِلْعَادَ، بِكُلِّ مَا عَمِلَهُ الْفِلِسْطِيُّونَ بِشَاوُلَ، فَذَهَبَ كُلُّ الْأَشِدَّاءِ مِنْهُمْ، وَأَخَذُوا جُثَثَ شَاوُلَ وَأَوْلَادِهِ، وَأَحْضَرُوهَا إِلَى يَابِيشَ. ثُمَّ دَفَنُوا عِظَامَهُمْ تَحْتَ الْبَلُّوطَةِ فِي يَابِيشَ، وَصَامُوا 7 أَيَّامٍ. فَمَاتَ شَاوُلُ لِأَنَّهُ خَانَ اللهَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِكَلَامِهِ، وَأَيْضًا لِأَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي تَتَعَامَلُ مَعَ الْجِنِّ وَاسْتَشَارَهَا، بَدَلًا مِنْ أَنْ يَسْتَشِيرَ اللهَ. لِذَلِكَ أَمَاتَهُ اللهُ، وَأَعْطَى الْمَمْلَكَةَ لِدَاوُدَ بْنِ يَسَّى. وَتَجَمَّعَ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى دَاوُدَ فِي حَبْرُونَ، وَقَالُوا لَهُ: ”نَحْنُ أَقَارِبُكَ مِنْ لَحْمِكَ وَدَمِكَ. وَفِي الْمَاضِي، لَمَّا كَانَ شَاوُلُ مَلِكًا، كُنْتَ أَنْتَ تَقُودُ إِسْرَائِيلَ فِي الْحَرْبِ، وَالْمَوْلَى إِلَهُكَ قَالَ لَكَ: ’أَنْتَ تَرْعَى شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَتَكُونُ قَائِدًا لَهُمْ.‘“ فَجَاءَ كُلُّ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ إِلَى الْمَلِكِ فِي حَبْرُونَ، فَعَمِلَ دَاوُدُ مَعَهُمْ عَهْدًا أَمَامَ اللهِ. وَمَسَحُوا دَاوُدَ مَلِكًا عَلَى بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، كَمَا وَعَدَ اللهُ بِوَاسِطَةِ صَمُوئِيلَ. وَزَحَفَ دَاوُدُ وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى الْقُدْسِ، وَكَانَ اسْمُهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَبُّوسَ، وَاسْمُ سُكَّانِهَا الْيَبُوسِيِّينَ. فَقَالُوا لَهُ: ”لَا يُمْكِنُكَ أَنْ تَدْخُلَ إِلَى هُنَا!“ لَكِنَّ دَاوُدَ اسْتَوْلَى عَلَى حِصْنِ تِصْيُونَ، الْمَعْرُوفِ الْآنَ بِمَدِينَةِ دَاوُدَ. وَقَالَ دَاوُدُ لِرِجَالِهِ: ”أَوَّلُ وَاحِدٍ يَهْجُمُ عَلَى الْيَبُوسِيِّينَ، يُصْبِحُ قَائِدَ الْجَيْشِ.“ فَذَهَبَ يُوآبُ ابْنُ صَرُويَةَ أَوَّلًا فَصَارَ قَائِدًا. وَسَكَنَ دَاوُدُ فِي الْحِصْنِ، وَلِذَلِكَ سَمَّوْهُ مَدِينَةَ دَاوُدَ. وَبَنَى الْمَدِينَةَ حَوْلَهُ، مِنَ الْقَلْعَةِ إِلَى السُّورِ. وَجَدَّدَ يُوآبُ بَقِيَّةَ الْمَدِينَةِ. وَكَانَ دَاوُدُ يَزِيدُ عَظَمَةً وَالْمَوْلَى الْقَدِيرُ مَعَهُ. هَؤُلَاءِ رُؤَسَاءُ أَبْطَالِ دَاوُدَ، الَّذِينَ سَانَدُوهُ فِي مُلْكِهِ، هُمْ وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِيَمْلِكَ عَلَى كُلِّ الْبِلَادِ، وَذَلِكَ كَمَا وَعَدَ اللهُ، هَؤُلَاءِ هُمْ أَبْطَالُ دَاوُدَ: يَشُبْعَامُ بْنُ حَكْمُونِي قَائِدُ الْأَبْطَالِ الـ3، وَهُوَ الَّذِي حَارَبَ 300 وَقَتَلَهُمْ بِرُمْحِهِ فِي مَعْرَكَةٍ وَاحِدَةٍ. وَبَعْدَهُ أَلِعَازَارُ بْنُ دُودُو الْأَخُوخِيُّ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَبْطَالِ الـ3. وَكَانَ مَعَ دَاوُدَ لَمَّا اجْتَمَعَ الْفِلِسْطِيُّونَ الَّذِينَ فِي فَسْدَمِيمَ لِلْحَرْبِ، فِي حَقْلٍ مَمْلُوءٍ شَعِيرًا، فَهَرَبَ الْجَيْشُ أَمَامَ الْفِلِسْطِيِّينَ. أَمَّا هُوَ فَصَمَدَ فِي وَسَطِ الْحَقْلِ وَأَنْقَذَهُ، وَقَاتَلَ الْفِلِسْطِيِّينَ، فَمَنَحَهُ اللهُ نَصْرًا عَظِيمًا. وَذَاتَ مَرَّةٍ رَاحَ 3 مِنَ الـ30 قَائِدًا إِلَى دَاوُدَ وَهُوَ فِي الصَّخْرَةِ، فِي مَغَارَةِ عَدْلَامَ. وَكَانَ جَيْشُ الْفِلِسْطِيِّينَ مُعَسْكِرًا فِي وَادِي رَفَايِمَ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ دَاوُدُ فِي الْحِصْنِ، وَالْحَامِيَةُ الْعَسْكَرِيَّةُ لِلْفِلِسْطِيِّينَ فِي بَيْتَ لَحْمَ. فَعَطِشَ دَاوُدُ جِدًّا وَقَالَ: ”مَنْ يَسْقِينِي مَاءً مِنْ بِئْرِ بَيْتَ لَحْمَ الَّتِي عِنْدَ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ!“ فَاخْتَرَقَ هَؤُلَاءِ الْأَبْطَالُ الـ3 مُعَسْكَرَ الْفِلِسْطِيِّينَ، وَأَخَذُوا مَاءً مِنَ الْبِئْرِ الَّتِي عِنْدَ بَوَّابَةِ بَيْتَ لَحْمَ، وَحَمَلُوهُ وَأَحْضَرُوهُ إِلَى دَاوُدَ، فَرَفَضَ أَنْ يَشْرَبَهُ، بَلْ سَكَبَهُ قُرْبَانًا للهِ وَقَالَ: ”لَا سَمَحَ اللهُ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ! هَذَا كَأَنَّهُ دَمُ الرِّجَالِ الَّذِينَ خَاطَرُوا بِأَنْفُسِهِمْ، فَهَلْ يَصِحُّ لِي أَنْ أَشْرَبَهُ؟ إِنَّهُمْ خَاطَرُوا بِحَيَاتِهِمْ لِيُحْضِرُوهُ لِي!“ وَلَمْ يَشْرَبْهُ. هَذَا مَا فَعَلَهُ هَؤُلَاءِ الْأَبْطَالُ الـ3. ثُمَّ أَبِيشَايُ أَخُو يُوآبَ كَانَ قَائِدَ الـ30. وَهُوَ حَارَبَ 300 وَقَتَلَهُمْ بِرُمْحِهِ، فَأَصْبَحَ مَشْهُورًا كَالـ3. وَكَانَ مَرْكَزُهُ أَعْلَى مِنَ الـ30 وَكَانَ قَائِدَهُمْ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إِلَى مَرْتَبَةِ الـ3 الْأَوَّلِينَ. ثُمَّ بَنَايَا بْنُ يُويَادَاعَ الْمُحَارِبُ الْبَطَلُ الَّذِي مِنْ قَبْصِئِيلَ، وَقَدْ قَامَ بِأَعْمَالٍ عَظِيمَةٍ. فَذَاتَ مَرَّةٍ قَتَلَ اثْنَيْنِ مِنْ أَبْطَالِ مُوآبَ، وَفِي مَرَّةٍ أُخْرَى فِي يَوْمٍ مُثْلِجٍ، نَزَلَ إِلَى حُفْرَةٍ وَقَتَلَ أَسَدًا فِيهَا. وَهُوَ أَيْضًا الَّذِي قَاتَلَ رَجُلًا مِصْرِيًّا كَانَ طُولُهُ مِتْرَيْنِ وَثَلَاثِينَ سَنْتِيمِتْرًا. وَكَانَ فِي يَدِ الْمِصْرِيِّ رُمْحٌ كَبِيرٌ كَأَنَّهُ النَّوْلُ الَّذِي يَسْتَخْدِمُهُ النَّسَّاجُ، فَنَازَلَهُ يُويَادَاعُ بِعَصًا وَخَطَفَ الرُّمْحَ مِنْ يَدِهِ وَقَتَلَهُ بِهِ. هَذَا مَا فَعَلَهُ بَنَايَا بْنُ يُويَادَاعَ، فَأَصْبَحَ هُوَ أَيْضًا مَشْهُورًا كَالْأَبْطَالِ الـ3. وَكَانَ مَرْكَزُهُ أَعْلَى مِنَ الـ30، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إِلَى مَرْتَبَةِ الـ3 الْأَوَّلِينَ، فَجَعَلَهُ دَاوُدُ قَائِدًا لِحَرَسِهِ. ثُمَّ هَؤُلَاءِ أَيْضًا كَانُوا أَبْطَالًا: عَسَائِيلُ أَخُو يُوآبَ وَأَلِحَانَانُ بْنُ دُودُو مِنْ بَيْتَ لَحْمَ وَشَمُّوتُ الْهَرُورِيُّ وَحَالَصُ الْفَلُونِيُّ وَعِيرَا بْنُ عِقِّيشَ التَّقُوعِيُّ وَأَبِيعَزَرُ الْعَنَاثُوثِيُّ وَسِبْكَايُ الْحُوشِيُّ وَعِيلَايُ الْأَخُوخِيُّ وَمَهْرَايُ النَّطُوفَاتِيُّ وَخَالِدُ بْنُ بَعْنَةَ النَّطُوفَاتِيُّ وَإِتَّايُ بْنُ رِيبَايَ مِنْ جِبْعَةَ الَّتِي لِبِنْيَمِينَ وَبَنَايَا الْفَرْعَتُونِيُّ وَحُورَايُ مِنْ أَوْدِيَةِ جَاعَشَ وَأَبِيئِلُ الْعَرَبَاتِيُّ وَعَزْمُوتُ الْبَحْرُومِيُّ وَأَلِيحَبَا الشَّعْلَبُونِيُّ وَبَنُو هَاشِمَ الْجَزُونِيُّ وَيُونَاثَانُ بْنُ شَاجَايَ الْهَرَارِيُّ وَأَخِيآمُ بْنُ سَاكَارَ الْهَرَارِيُّ وَأَلِيفَالُ بْنُ أُورَ وَحَافَرُ الْمَكِيرَاتِيُّ، وَأَخِيَّا الْفَلُونِيُّ وَحَصْرُو الْكَرْمَلِيُّ وَنَعْرَايُ بْنُ أَزْبَايَ وَيُوئِيلُ أَخُو نَاثَانَ وَمَبْحَارُ بنُ هَجْرِي وَصَالَقُ الْعَمُّونِيُّ وَنَحْرَايُ الْبَئِيرُوتِيُّ حَامِلُ سِلَاحِ يُوآبَ ابْنِ صَرُويَةَ وَعِيرَا الْيِثْرِيُّ وَجَارَبُ الْيِثْرِيُّ وَأُورِيَّا الْحِثِّيُّ وَزَابَادُ بْنُ أَحْلَايَ وَعَدِينَا بْنُ شِيزَا الرَّأُوبِينِيُّ عَلَى رَأْسِ 30 مِنَ الرَّأُوبِينِيِّينَ وَحَانَانُ ابْنُ مَعْكَةَ وَيُوشَافَاطُ الْمِتْنِيُّ وَعُزِّيَّا الْعَشْتَرُوتِيُّ وَشَامَاعُ وَيَعُوئِيلُ ابْنَا حُوثَامَ الْعَرُوعِيرِيِّ وَيَدْيَعِيلُ بْنُ شِمْرِي وَيُوحَا أَخُوهُ التَّاصِيُّ وَإِيلِيئِيلُ مِنْ مَحْوِيمَ، وَيَرِيبَايُ وَيُوشُويَا ابْنَا أَلْنَعَمَ، وَيِثْمَةُ الْمُوآبِيُّ وَإِيلِيئِيلُ وَعُبَيْدُ وَيَعْسِيلُ مِنْ صُوبَةَ. وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ انْضَمُّوا إِلَى دَاوُدَ فِي صِقْلَغَ، لَمَّا كَانَ مُخْتَبِئًا مِنْ شَاوُلَ بْنِ قَيْسَ. وَهُمْ مِنَ الْأَبْطَالِ الَّذِينَ سَاعَدُوا دَاوُدَ فِي الْحَرْبِ، مَعَ أَنَّهُمْ أَقَارِبُ شَاوُلَ مِنْ قَبِيلَةِ بِنْيَمِينَ. وَجَاءُوا وَمَعَهُمْ أَسْلِحَتُهُمْ، وَكَانُوا يَرْمُونَ الْحِجَارَةَ وَالسِّهَامَ بِالْقَوْسِ، سَوَاءٌ بِالْيَدِ الْيَمِينِ أَوِ الشِّمَالِ. رَئِيسُهُمْ أَخِيعَزَرُ بْنُ شَمَاعَةَ الْجِبْعِيُّ وَأَخُوهُ يُوآشُ، وَيَزُوئِيلُ وَفَالَطُ ابْنَا عَزْمُوتَ، وَبَرَاخَةُ وَيَاهُو الْعَنَاثُوثِيُّ، وَيَشْمَعْيَا الْجِبْعُونِيُّ أَحَدُ الْأَبْطَالِ الـ30 بَلْ رَئِيسُهُمْ، وَيَرْمِيَا وَيَحْزِيلُ وَيُوحَانَانُ وَيُوزَابَادُ الْجَدِيرِيُّ، وَإِلْعُوزَايُ وَيَرِيمُوثُ وَبَعْلِيَا وَشَمَرْيَا وَشَفَطْيَا الْحَرُوفِيُّ، وَأَلْقَانَةُ وَيَشِيَّا وَعَزْرِيلُ وَيُوعَزَرُ وَيَشُبْعَامُ الْقُورَحِيُّونَ، وَيُوعِيلَةُ وَزَبَدْيَا ابْنَا يَرُوحَامَ مِنْ جَدُورَ. وَلَمَّا كَانَ دَاوُدُ فِي الْحِصْنِ فِي الصَّحْرَاءِ، اِنْضَمَّ إِلَيْهِ بَعْضُ الْمُحَارِبِينَ الْبَوَاسِلِ مِنْ بَنِي جَادَ، وَكَانُوا رِجَالًا مُدَرَّبِينَ عَلَى الْحَرْبِ، يَسْتَعْمِلُونَ التُّرْسَ وَالرُّمْحَ، وَوُجُوهُهُمْ كَوُجُوهِ الْأُسُودِ، وَكَالْغِزْلَانِ عَلَى الْجِبَالِ فِي السُّرْعَةِ، وَهُمْ: الرَّئِيسُ عَازَرُ، الثَّانِي عُوبَدْيَا، الثَّالِثُ أَلِيآبُ، الرَّابِعُ مِشْمِنَّةُ، الْخَامِسُ يَرْمِيَا، السَّادِسُ عَتَّايُ، السَّابِعُ إِيلِيئِيلُ، الثَّامِنُ يُوحَانَانُ، التَّاسِعُ أَلْزَابَادُ، الْعَاشِرُ يَرْمِيَا، الْحَادِيَ عَشَرَ مَخْبَنَّايُ. هَؤُلَاءِ الْجَادِيُّونَ كَانُوا قَادَةَ الْجَيْشِ، أَصْغَرُهُمْ عَلَى 100 وَأَكْبَرُهُمْ عَلَى 1000. وَهُمُ الَّذِينَ عَبَرُوا الْأُرْدُنَّ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ مِنَ السَّنَةِ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ إِلَى كُلِّ ضِفَافِهِ، وَهَزَمُوا كُلَّ أَهْلِ الْأَوْدِيَةِ فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ. وَجَاءَ قَوْمٌ مِنْ بَنِي بِنْيَمِينَ وَيَهُوذَا إِلَى دَاوُدَ فِي الْحِصْنِ، فَخَرَجَ لِاسْتِقْبَالِهِمْ وَقَالَ لَهُمْ: ”إِنْ كُنْتُمْ جِئْتُمْ لِلْخَيْرِ لِتُسَاعِدُونِي، فَمَرْحَبًا بِكُمْ مِنْ كُلِّ قَلْبِي. وَإِنْ كَانَ قَصْدُكُمْ أَنْ تُسَلِّمُونِي لِعَدُوِّي، بَيْنَمَا أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، فَإِنَّ إِلَهَ آبَائِنَا سَيَرَى هَذَا وَيُعَاقِبُكُمْ.“ فَحَلَّ رُوحُ اللهِ عَلَى عَمَاسَايَ رَئِيسِ الـ30، فَقَالَ: ”نَحْنُ لَكَ يَا دَاوُدُ! نَحْنُ مَعَكَ يَا ابْنَ يَسَّى! وَنَتَمَنَّى لَكَ الْخَيْرَ، لَكَ وَلِمُسَاعِدِيكَ، لِأَنَّ اللهَ هُوَ نَاصِرُكَ.“ فَقَبِلَهُمْ دَاوُدُ وَجَعَلَهُمْ قَادَةً فِي جَيْشِهِ. وَلَمَّا حَاوَلَ دَاوُدُ أَنْ يَذْهَبَ مَعَ الْفِلِسْطِيِّينَ لِيُحَارِبَ شَاوُلَ، اِنْضَمَّ إِلَيْهِ الْبَعْضُ مِنْ بَنِي مَنَسَّى. وَلَكِنَّ حُكَّامَ الْفِلِسْطِيِّينَ رَفَضُوا أَنْ يُسَاعِدَهُمْ دَاوُدُ، لِأَنَّهُمْ تَشَاوَرُوا مَعًا وَقَالُوا: ”رُبَّمَا يَخُونُنَا وَيَسْتَرْضِي سَيِّدَهُ شَاوُلَ بِرُؤُوسِنَا.“ فَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ انْضَمُّوا إِلَى دَاوُدَ مِنْ بَنِي مَنَسَّى، لَمَّا ذَهَبَ إِلَى صِقْلَغَ: عَدْنَاحُ وَيُوزَابَادُ وَيَدْيَعِيلُ وَمِيخَائِيلُ وَيُوزَابَادُ وَأَلِيهُو وَصِلْتَايُ، وَهُمْ قَادَةُ أُلُوفٍ فِي بَنِي مَنَسَّى. وَنَاصَرُوا دَاوُدَ عَلَى الْغُزَاةِ، وَكَانُوا كُلُّهُمْ مُحَارِبِينَ بَوَاسِلَ وَقَادَةً فِي الْجَيْشِ. وَكَانَ كُلَّ يَوْمٍ يَأْتِي مَنْ يُنَاصِرُ دَاوُدَ، حَتَّى صَارَ عِنْدَهُ جَيْشٌ عَظِيمٌ كَأَنَّهُ جَيْشُ اللهِ. وَهَذَا عَدَدُ الْمُسَلَّحِينَ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَى دَاوُدَ فِي حَبْرُونَ، لِيُحَوِّلُوا إِلَيْهِ مُلْكَ شَاوُلَ كَمَا قَالَ اللهُ. بَنُو يَهُوذَا: 6800 مُسَلَّحٍ يَحْمِلُ التُّرْسَ وَالرُّمْحَ. مِنْ بَنِي شَمْعُونَ: 7100 مُدَرَّبٍ عَلَى الْقِتَالِ. مِنْ بَنِي لَاوِي: 4600، مِنْهُمْ 3700 مَعَ يُويَادَاعَ رَئِيسِ عَائِلَةِ هَارُونَ، وَأَيْضًا صَادِقُ وَهُوَ شَابٌّ وَمُحَارِبٌ بَطَلٌ، وَمَعَهُ 22 قَائِدًا مِنْ عَائِلَتِهِ. وَمِنْ بَنِي بِنْيَمِينَ: أَقَارِبُ شَاوُلَ 3000، لِأَنَّ مُعْظَمَ أَقَارِبِ شَاوُلَ كَانُوا إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ مُوَالِينَ لِعَائِلَتِهِ. وَمِنْ بَنِي أَفْرَايِمَ: 20800 مِنَ الْمُحَارِبِينَ الْبَوَاسِلِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ فِي عَائِلَاتِهِمْ. وَمِنْ نِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى: 18000 تَمَّ اخْتِيَارُهُمْ بِالِاسْمِ لِيَأْتُوا وَيُقِيمُوا دَاوُدَ مَلِكًا. وَمِنْ بَنِي يَسَّاكَرَ، وَهُمُ الَّذِينَ لَهُمْ خِبْرَةٌ بِالْأَوْقَاتِ، وَيَعْلَمُونَ مَا يَجِبُ أَنْ يَعْمَلَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ: 200 قَائِدٍ وَتَحْتَ أَمْرِهِمْ كُلُّ أَقَارِبِهِمْ. وَمِنْ بَنِي زَبُولُونَ: 50000 وَهُمُ الَّذِينَ لَهُمْ خِبْرَةٌ بِالْحَرْبِ بِكُلِّ أَنْوَاعِ الْأَسْلِحَةِ، وَجَاءُوا لِيُسَاعِدُوا دَاوُدَ بِكُلِّ إِخْلَاصٍ. وَمِنْ بَنِي نَفْتَالِي: 1000 قَائِدٍ وَمَعَهُمْ 37000 يَحْمِلُونَ الْأَتْرَاسَ وَالرِّمَاحَ. وَمِنْ بَنِي دَانَ: 28600 مُسْتَعِدُّونَ لِلْحَرْبِ. وَمِنْ بَنِي أَشِيرَ: 40000 مِنَ الْمُحَارِبِينَ الْمُدَرَّبِينَ الْمُسْتَعِدِّينَ لِلْقِتَالِ. وَمِنْ شَرْقِ الْأُرْدُنِّ: 120000 مِنْ بَنِي رَأُوبِينَ وَجَادَ وَنِصْفِ مَنَسَّى، مُسَلَّحُونَ بِكُلِّ أَنْوَاعِ أَسْلِحَةِ الْحَرْبِ. كُلُّ هَؤُلَاءِ رِجَالُ حَرْبٍ مُدَرَّبُونَ عَلَى الْقِتَالِ، جَاءُوا إِلَى حَبْرُونَ مُتَّفِقِينَ جَمِيعًا، لِيَجْعَلُوا دَاوُدَ مَلِكًا عَلَى كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. كَمَا كَانَ سَائِرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَيْضًا مُتَّفِقِينَ جَمِيعًا لِيَجْعَلُوا دَاوُدَ مَلِكًا. فَجَاءُوا وَأَقَامُوا عِنْدَ دَاوُدَ 3 أَيَّامٍ، يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ مِمَّا أَعَدَّهُ لَهُمْ أَقَارِبُهُمْ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ. كَمَا شَارَكَتْ فِي ذَلِكَ الْقَبَائِلُ الْقَرِيبَةُ، حَتَّى بَنُو يَسَّاكَرَ وَزَبُولُونَ وَنَفْتَالِي كَانُوا يَأْتُونَ بِخُبْزٍ عَلَى الْحَمِيرِ وَالْجِمَالِ وَالْبِغَالِ وَالْبَقَرِ، وَبِطَعَامٍ مِنْ دَقِيقٍ وَأَقْرَاصِ تِينٍ وَعَنَاقِيدِ زَبِيبٍ، وَبِخَمْرٍ وَزَيْتٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ بِكَثْرَةٍ، لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا فَرْحَانِينَ. وَتَشَاوَرَ دَاوُدُ مَعَ كُلِّ ضُبَّاطِهِ مِنْ قَادَةِ أُلُوفٍ وَقَادَةِ مِئَاتٍ. ثُمَّ قَالَ لِكُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ”إِنِ اسْتَحْسَنْتُمْ وَكَانَتْ هَذِهِ مَشِيئَةَ الْمَوْلَى إِلَهِنَا، نُرْسِلُ إِلَى بَقِيَّةِ إِخْوَتِنَا جَمِيعًا، فِي كُلِّ أَنْحَاءِ بِلَادِ إِسْرَائِيلَ، وَأَيْضًا إِلَى الْأَحْبَارِ وَاللَّاوِيِّينَ الَّذِينَ مَعَهُمْ فِي مُدُنِهِمْ وَقُرَاهُمْ، لِيَجْتَمِعُوا إِلَيْنَا. لِكَيْ نُرْجِعَ صُنْدُوقَ إِلَهِنَا إِلَيْنَا، لِأَنَّنَا أَهْمَلْنَاهُ فِي أَيَّامِ شَاوُلَ.“ فَوَافَقَتْ كُلُّ الْجَمَاعَةِ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ كُلَّ الشَّعْبِ اسْتَحْسَنَ الْأَمْرَ. فَجَمَعَ دَاوُدُ كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ نَهْرِ شِيحُورَ فِي مِصْرَ إِلَى مَدْخَلِ حَمَاةَ، لِيُحْضِرُوا صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ مِنْ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ. وَذَهَبَ دَاوُدُ وَمَعَهُ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى بَعْلَةَ الَّتِي فِي يَهُوذَا، أَيْ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ، لِيُحْضِرُوا مِنْ هُنَاكَ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ الْمَوْلَى الْجَالِسِ عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، الصُّنْدُوقَ الَّذِي يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ. فَحَمَلُوا الصُّنْدُوقَ مِنْ دَارِ أَبِينَادَابَ عَلَى عَرَبَةٍ جَدِيدَةٍ. وَكَانَ عُزَّةُ وَأَخِيُّو يَسُوقَانِ الْعَرَبَةَ، وَدَاوُدُ وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَرْقُصُونَ بِكُلِّ قُوَّتِهِمْ أَمَامَ اللهِ، وَيُغَنُّونَ عَلَى مُوسِيقَى الْأَعْوَادِ وَالرَّبَابِ وَالدُّفُوفِ وَالنَّاقُوسِ وَالْأَبْوَاقِ. فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى بَيْدَرِ كِيدُونَ، عَثَرَتِ الثِّيرَانُ، فَمَدَّ عُزَّةُ يَدَهُ لِيُمْسِكَ الصُّنْدُوقَ. فَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ جِدًّا، وَضَرَبَهُ لِأَنَّهُ مَدَّ يَدَهُ إِلَى الصُّنْدُوقِ. فَمَاتَ هُنَاكَ أَمَامَ اللهِ. فَاغْتَاظَ دَاوُدُ لِأَنَّ اللهَ ضَرَبَ عُزَّةَ فَمَاتَ، وَدَعَا ذَلِكَ الْمَكَانَ 'فَارِصَ عُزَّةَ' إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. وَخَافَ دَاوُدُ مِنَ اللهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَقَالَ: ”لَا أَتَجَرَّأُ أَنْ أُحْضِرَ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ عِنْدِي.“ وَلَمْ يَنْقُلْ دَاوُدُ الصُّنْدُوقَ عِنْدَهُ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. بَلْ أَخَذَهُ إِلَى دَارِ عُبَيْدَ أَدُومَ الْجَتِّيِّ. وَبَقِيَ الصُّنْدُوقُ عِنْدَ عَائِلَةِ عُبَيْدَ أَدُومَ فِي دَارِهِ 3 أَشْهُرٍ. وَبَارَكَ اللهُ عَائِلَةَ عُبَيْدَ أَدُومَ وَكُلَّ مَا لَهُ. وَأَرْسَلَ حِيرَامُ مَلِكُ صُورَ وَفْدًا إِلَى دَاوُدَ وَخَشَبَ أَرْزٍ وَبَنَّائِينَ وَنَجَّارِينَ، لِيَبْنُوا لَهُ قَصْرًا. وَعَلِمَ دَاوُدُ أَنَّ اللهَ ثَبَّتَهُ مَلِكًا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَجَعَلَ مُلْكَهُ عَظِيمًا مِنْ أَجْلِ شَعْبِهِ. وَأَخَذَ دَاوُدُ زَوْجَاتٍ فِي الْقُدْسِ، وَأَنْجَبَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ. وَهَذِهِ هِيَ أَسْمَاءُ الَّذِينَ وُلِدُوا لَهُ فِي الْقُدْسِ: شَمُّوعُ وَشُوبَابُ وَنَاثَانُ وَسُلَيْمَانُ وَيَبْحَارُ وَأَلِيشُوعُ وَأَلِيفَلَطُ وَنُوجَهُ وَنَافَجُ وَيَافِيعُ وَأَلِيشَمَعُ وَبَعَلْيَادَاعُ وَأَلِيفَلَطُ. وَسَمِعَ الْفِلِسْطِيُّونَ أَنَّ دَاوُدَ مُسِحَ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، فَصَعِدُوا كُلُّهُمْ لِيَبْحَثُوا عَنْهُ. فَلَمَّا سَمِعَ دَاوُدُ، خَرَجَ لِاسْتِقْبَالِهِمْ. وَجَاءَ الْفِلِسْطِيُّونَ وَانْتَشَرُوا فِي وَادِي رَفَايِمَ. فَاسْتَشَارَ دَاوُدُ اللهَ وَقَالَ: ”هَلْ أَذْهَبُ لِمُحَارَبَةِ الْفِلِسْطِيِّينَ؟ وَهَلْ تَنْصُرُنِي عَلَيْهِمْ؟“ فَقَالَ لَهُ اللهُ: ”اِذْهَبْ فَأَنْصُرَكَ عَلَيْهِمْ.“ فَتَقَدَّمَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ إِلَى بَعْلَ فَرَاصِيمَ وَهَزَمَهُمْ هُنَاكَ وَقَالَ: ”اللهُ جَرَفَ أَعْدَائِي بِيَدِي، كَمَا يَفْعَلُ سَيْلُ الْمِيَاهِ!“ لِذَلِكَ دُعِيَ ذَلِكَ الْمَكَانُ 'بَعْلَ فَرَاصِيمَ.' وَتَرَكَ الْفِلِسْطِيُّونَ آلِهَتَهُمْ هُنَاكَ، فَأَمَرَ دَاوُدُ بِأَنْ تُحْرَقَ بِالنَّارِ. وَصَعِدَ الْفِلِسْطِيُّونَ مَرَّةً أُخْرَى وَانْتَشَرُوا فِي الْوَادِي. فَاسْتَشَارَ دَاوُدُ اللهَ، فَقَالَ لَهُ اللهُ: ”لَا تَذْهَبْ إِلَيْهِمْ مُبَاشَرَةً، بَلْ دُرْ حَوْلَهُمْ وَاهْجُمْ عَلَيْهِمْ مِنْ جِهَةِ أَشْجَارِ الْبَلْسَمِ. وَعِنْدَمَا تَسْمَعُ صَوْتَ خَطَوَاتٍ تَتَحَرَّكُ فِي قِمَمِ أَشْجَارِ الْبَلْسَمِ، تَقَدَّمْ لِأَنَّ هَذَا يَعْنِي أَنَّ اللهَ قَدْ خَرَجَ أَمَامَكَ لِيَضْرِبَ جَيْشَ الْفِلِسْطِيِّينَ.“ فَفَعَلَ دَاوُدُ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ، وَهَزَمُوا جَيْشَ الْفِلِسْطِيِّينَ مِنْ جِبْعُونَ إِلَى جَازَرَ. وَذَاعَ صِيتُ دَاوُدَ فِي كُلِّ الْبِلَادِ، وَجَعَلَ اللهُ كُلَّ الْأُمَمِ تَخَافُهُ. وَبَنَى دَاوُدُ لِنَفْسِهِ دِيَارًا فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ، وَأَعَدَّ مَكَانًا لِصُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ، وَنَصَبَ لَهُ خَيْمَةً. ثُمَّ قَالَ دَاوُدُ: ”لَا يَحْمِلُ صُنْدُوقَ الْعَهْدِ غَيْرُ اللَّاوِيِّينَ، لِأَنَّ اللهَ اخْتَارَهُمْ لِيَحْمِلُوهُ وَيَخْدِمُوهُ دَائِمًا.“ وَجَمَعَ دَاوُدُ كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْقُدْسِ، لِكَيْ يَنْقُلُوا الصُّنْدُوقَ إِلَى مَكَانِهِ الَّذِي أَعَدَّهُ لَهُ. وَاسْتَدْعَى دَاوُدُ بَنِي هَارُونَ وَاللَّاوِيِّينَ. مِنْ بَنِي قَهَاتَ: أُورِيلَ الرَّئِيسَ وَأَقَارِبَهُ 120. مِنْ بَنِي مَرَارِي: عَسَايَا الرَّئِيسَ وَأَقَارِبَهُ 220. مِنْ بَنِي جَرْشُونَ: يُوئِيلَ الرَّئِيسَ وَأَقَارِبَهُ 130. مِنْ بَنِي أَلِيصَافَانَ: شَمَعْيَا الرَّئِيسَ وَأَقَارِبَهُ 200. مِنْ بَنِي حَبْرُونَ: إِيلِيئِيلَ الرَّئِيسَ وَأَقَارِبَهُ 80. مِنْ بَنِي عُزِّيلَ: عَمِينَادَابَ الرَّئِيسَ وَأَقَارِبَهُ 112. وَاسْتَدْعَى دَاوُدُ أَيْضًا صَادِقَ وَأَبِيأَثَرَ الْحَبْرَيْنِ، وَاللَّاوِيِّينَ أُورِيلَ وَعَسَايَا وَيُوئِيلَ وَشَمَعْيَا وَإِيلِيئِيلَ وَعَمِينَادَابَ. وَقَالَ لَهُمْ: ”أَنْتُمْ رُؤَسَاءُ عَائِلَاتِ اللَّاوِيِّينَ، فَطَهِّرُوا أَنْفُسَكُمْ أَنْتُمْ وَاللَّاوِيِّينَ الَّذِينَ مَعَكُمْ، ثُمَّ انْقُلُوا صُنْدُوقَ عَهْدِ الْمَوْلَى الْإِلَهِ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَعْدَدْتُهُ لَهُ. فَفِي الْمَرَّةِ الْمَاضِيَةِ، عَاقَبَنَا الْمَوْلَى إِلَهُنَا، لِأَنَّكُمْ أَنْتُمُ اللَّاوِيِّينَ لَمْ تَكُونُوا مَوْجُودِينَ لِتَحْمِلُوهُ، وَنَحْنُ لَمْ نَسْأَلِ اللهَ عَنْ كَيْفِيَّةِ نَقْلِهِ.“ فَطَهَّرَ الْأَحْبَارُ وَاللَّاوِيُّونَ أَنْفُسَهُمْ، لِيَنْقُلُوا صُنْدُوقَ عَهْدِ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. وَحَمَلَهُ اللَّاوِيُّونَ، بِالْعِصِيِّ عَلَى أَكْتَافِهِمْ، كَمَا أَمَرَ مُوسَى حَسَبَ كَلَامِ اللهِ. وَأَمَرَ دَاوُدُ رُؤَسَاءَ اللَّاوِيِّينَ، أَنْ يُعَيِّنُوا مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِهِمْ مُغَنِّينَ يَرْفَعُونَ صَوْتَهُمْ عَالِيًا بِفَرَحٍ، وَيَعْزِفُونَ عَلَى آلَاتِ الْغِنَاءِ مِنْ أَعْوَادٍ وَرَبَابٍ وَنَاقُوسٍ. فَعَيَّنَ اللَّاوِيُّونَ هِيمَانَ بْنَ يُوئِيلَ، وَمِنْ إِخْوَتِهِ آسَافَ بْنَ بَرَكْيَا. وَمِنْ بَنِي مَرَارِي إِخْوَتِهِمْ إِيثَانَ بْنَ قُوشِيَّا. وَمَعَهُمْ إِخْوَتَهُمُ الَّذِينَ مِنَ الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ: زَكَرِيَّا وَيَعْزِئِيلَ وَشَمِيرَامُوثَ وَيَحِيئِيلَ وَعُنِّي وَأَلِيآبَ وَبَنَايَا وَمَعَسْيَا وَمَتَّثْيَا وَأَلِيفَلْيَا وَمَقَنْيَا وَعُبَيْدَ أَدُومَ وَيَعِيلَ الْبَوَّابِينَ. وَالْمُغَنُّونَ هُمْ: هِيمَانُ وَآسَافُ وَإِيثَانُ، وَيَعْزِفُونَ الْآلَاتِ النُّحَاسِيَّةَ. وَزَكَرِيَّا وَعُزِّيلُ وَشَمِيرَامُوثُ وَيَحِيئِيلُ وَعُنِّي وَأَلِيآبُ وَمَعَسْيَا وَبَنَايَا، وَيَعْزِفُونَ الْأَعْوَادَ. وَمَتَّثْيَا وَأَلِيفَلْيَا وَمَقَنْيَا وَعُبَيْدُ أَدُومَ وَيَعِيلُ وَعَزَزْيَا، وَيَعْزِفُونَ الرَّبَابَ. وَكَانَ كَنَنْيَا رَئِيسُ اللَّاوِيِّينَ قَائِدَ الْغِنَاءِ، كَانَتْ هَذِهِ مَسْئُولِيَّتَهُ، لِأَنَّهُ كَانَ خَبِيرًا فِي ذَلِكَ. وَكَانَ بَرَكْيَا وَأَلْقَانَةُ حَارِسَيْنِ لِلصُّنْدُوقِ. كَمَا كَانَ الْأَحْبَارُ شَبَنْيَا وَيُوشَافَاطُ وَنَثَنْئِيلُ وَعَمَاسَايُ وَزَكَرِيَّا وَبَنَايَا وَأَلِيعَزَرُ، يَنْفُخُونَ بِالْأَبْوَاقِ أَمَامَ الصُّنْدُوقِ، وَعُبَيْدُ أَدُومَ وَيَحْيَى أَيْضًا حَارِسَيْنِ لِلصُّنْدُوقِ. فَذَهَبَ دَاوُدُ وَشُيُوخُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَادَةُ الْأُلُوفِ، لِيُحْضِرُوا صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ مِنْ دَارِ عُبَيْدَ أَدُومَ بِفَرَحٍ. وَسَاعَدَ اللهُ اللَّاوِيِّينَ الَّذِينَ حَمَلُوا صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ، فَذَبَحُوا 7 عُجُولٍ وَ7 كِبَاشٍ. وَكَانَ دَاوُدُ وَكُلُّ اللَّاوِيِّينَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الصُّنْدُوقَ وَالْمُغَنُّونَ وَكَنَنْيَا قَائِدُهُمْ، لَابِسِينَ جُبَبًا مِنْ كَتَّانٍ. وَكَانَ دَاوُدُ أَيْضًا لَابِسًا رِدَاءً مِنْ كَتَّانٍ. فَأَصْعَدَ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ وَسَطَ الْهُتَافِ وَصَوْتِ النَّفِيرِ وَالْبُوقِ وَالنَّاقُوسِ وَعَزْفِ الرَّبَابِ وَالْأَعْوَادِ. وَلَمَّا دَخَلَ صُنْدُوقُ عَهْدِ اللهِ مَدِينَةَ دَاوُدَ، نَظَرَتْ مِيكَالُ بِنْتُ شَاوُلَ مِنَ الشُّبَّاكِ، وَرَأَتِ الْمَلِكَ دَاوُدَ يَرْقُصُ وَيَلْعَبُ، فَاحْتَقَرَتْهُ فِي قَلْبِهَا. ثُمَّ أَدْخَلُوا صُنْدُوقَ الْعَهْدِ، وَأَقَامُوهُ فِي وَسَطِ الْخَيْمَةِ الَّتِي نَصَبَهَا لَهُ دَاوُدُ. وَقَدَّمُوا قَرَابِينَ وَضَحَايَا صُحْبَةٍ أَمَامَ اللهِ. وَلَمَّا انْتَهَى دَاوُدُ مِنْ تَقْدِيمِ الْقَرَابِينِ وَضَحَايَا الصُّحْبَةِ، بَارَكَ الشَّعْبَ بِاسْمِ اللهِ. وَوَزَّعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، رَغِيفَ خُبْزٍ وَكَأْسَ خَمْرٍ وَقُرْصَ زَبِيبٍ. وَعَيَّنَ دَاوُدُ بَعْضَ اللَّاوِيِّينَ لِيَكُونُوا خُدَّامًا أَمَامَ الصُّنْدُوقِ، لِيُعَظِّمُوا وَيَشْكُرُوا وَيُسَبِّحُوا الْمَوْلَى الْإِلَهَ: آسَافَ الْقَائِدَ، وَزَكَرِيَّا مُسَاعِدَهُ، ثُمَّ يَعِيلَ وَشَمِيرَامُوثَ وَيَحِيئِيلَ وَمَتَّثْيَا وَأَلِيآبَ وَبَنَايَا وَعُبَيْدَ أَدُومَ وَيَعِيلَ. فَكَانُوا يَعْزِفُونَ عَلَى الْأَعْوَادِ وَالرَّبَابِ، وَكَانَ آسَافُ يَعْزِفُ عَلَى النَّاقُوسِ، وَبَنَايَا وَيَحْزِيلُ الْحَبْرَانِ يَنْفُخَانِ بِالْأَبْوَاقِ دَائِمًا، أَمَامَ صُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ. وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، طَلَبَ دَاوُدُ مِنْ آسَافَ وَفِرْقَتِهِ أَنْ يُسَبِّحُوا اللهَ أَوَّلًا بِهَذَا النَّشِيدِ: اِحْمَدُوا اللهَ، اِدْعُوا بِاسْمِهِ. أَخْبِرُوا بَيْنَ الْأُمَمِ عَنْ أَعْمَالِهِ. غَنُّوا لَهُ، سَبِّحُوهُ وَحَدِّثُوا بِكُلِّ أَعْمَالِهِ الْعَجِيبَةِ. اِفْتَخِرُوا بِاسْمِهِ الْقُدُّوسِ. لِتَفْرَحْ قُلُوبُ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ اللهَ. اُطْلُبُوا اللهَ وَقُوَّتَهُ. اُطْلُبُوا وَجْهَهُ دَائِمًا. اُذْكُرُوا عَجَائِبَهُ الَّتِي صَنَعَهَا، وَمُعْجِزَاتِهِ وَأَحْكَامَهُ الَّتِي نَطَقَ بِهَا. يَا نَسْلَ إِسْرَائِيلَ عَبْدِهِ، يَا بَنِي يَعْقُوبَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ. هُوَ الْمَوْلَى إِلَهُنَا، فِي كُلِّ الْأَرْضِ أَحْكَامُهُ. يَحْفَظُ عَهْدَهُ إِلَى الْأَبَدِ، وَإِلَى 1000 جِيلٍ يُتَمِّمُ وَعْدَهُ الَّذِي نَطَقَ بِهِ. الْعَهْدَ الَّذِي عَمِلَهُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ، وَالْيَمِينَ الَّتِي أَقْسَمَهَا لِإِسْحَاقَ. وَجَعَلَهُ فَرِيضَةً لِيَعْقُوبَ، وَعَهْدًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. وَقَالَ: ”لَكَ أُعْطِي أَرْضَ كَنْعَانَ نَصِيبًا تَمْتَلِكُهُ.“ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانُوا نَفَرًا قَلِيلًا، قَلِيلِينَ جِدًّا وَغُرَبَاءَ فِي الْأَرْضِ. مُتَنَقِّلِينَ مِنْ أُمَّةٍ إِلَى أُمَّةٍ، وَمِنْ مَمْلَكَةٍ إِلَى أُخْرَى. لَكِنَّهُ لَمْ يَسْمَحْ لِأَحَدٍ بِأَنْ يُؤْذِيَهُمْ، بَلْ مِنْ أَجْلِهِمْ وَبَّخَ مُلُوكًا. وَقَالَ: ”لَا تَمَسُّوا الَّذِينَ اخْتَرْتُهُمْ، وَلَا تُؤْذُوا أَنْبِيَائِي.“ غَنِّي للهِ يَا كُلَّ الْأَرْضِ، بَشِّرُوا بِنَصْرِهِ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ. أَخْبِرُوا بَيْنَ الْأُمَمِ عَنْ جَلَالِهِ، وَبَيْنَ كُلِّ الشُّعُوبِ عَنْ أَعْمَالِهِ الْعَجِيبَةِ. لِأَنَّ اللهَ عَظِيمٌ وَيَسْتَحِقُّ أَنْ نُسَبِّحَهُ، مَهُوبٌ هُوَ فَوْقَ كُلِّ الْآلِهَةِ. لِأَنَّ كُلَّ آلِهَةِ الْأُمَمِ هِيَ أَصْنَامٌ، أَمَّا اللهُ فَهُوَ الَّذِي صَنَعَ السَّمَاوَاتِ. الْبَهَاءُ وَالْجَلَالُ فِي مَحْضَرِهِ، الْقُوَّةُ وَالْفَرَحُ فِي مَسْكَنِهِ. قَدِّمُوا للهِ يَا كُلَّ شُعُوبِ الْأَرْضِ، قَدِّمُوا للهِ الْجَلَالَ وَالْقُوَّةَ. قَدِّمُوا للهِ الْجَلَالَ الَّذِي يَلِيقُ بِاسْمِهِ. هَاتُوا قُرْبَانًا وَتَعَالَوْا أَمَامَهُ. اُعْبُدُوا اللهَ فَهُوَ الْقُدُّوسُ الْبَهِيُّ. اِرْتَعِشِي فِي حَضْرَتِهِ يَا كُلَّ الْأَرْضِ! ثَبَتَ الْكَوْنُ وَلَا يَتَزَعْزَعُ. لِتَفْرَحِ السَّمَاوَاتُ، وَتَبْتَهِجِ الْأَرْضُ. قُولُوا بَيْنَ الْأُمَمِ: ”الْمَوْلَى قَدْ مَلَكَ.“ لِيَهْتِفِ الْبَحْرُ وَكُلُّ مَا بِدَاخِلِهِ، وَيَتَهَلَّلِ الْحَقْلُ وَكُلُّ مَا فِيهِ، وَتُرَنِّمْ أَشْجَارُ الْغَابَةِ أَمَامَ الْمَوْلَى، لِأَنَّهُ يَأْتِي لِيُحَاكِمَ الْأَرْضَ. اِحْمَدُوا اللهَ لِأَنَّهُ طَيِّبٌ، وَرَحْمَتَهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. قُولُوا لَهُ: ”أَنْقِذْنَا اللَّهُمَّ يَا مُخَلِّصَنَا. اِجْمَعْنَا مِنَ الْأُمَمِ وَأَنْقِذْنَا، لِكَيْ نَحْمَدَ اسْمَكَ الْقُدُّوسَ وَنَفْتَخِرَ بِتَسْبِيحِكَ. تَبَارَكَ الْمَوْلَى رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْأَزَلِ وَإِلَى الْأَبَدِ.“ فَقَالَ كُلُّ الشَّعْبِ: ”آمِينَ.“ وَسَبَّحُوا اللهَ. وَتَرَكَ دَاوُدُ آسَافَ وَفِرْقَتَهُ هُنَاكَ، أَمَامَ صُنْدُوقِ عَهْدِ الْمَوْلَى، لِيَقُومُوا بِالْخِدْمَةِ دَائِمًا حَسَبَ الْمَرْسُومِ لِكُلِّ يَوْمٍ. كَمَا تَرَكَ دَاوُدُ أَيْضًا عُبَيْدَ أَدُومَ وَفِرْقَتَهُ مِنْ 68، لِيَخْدِمُوا مَعَهُمْ. وَكَانَ عُبَيْدُ أَدُومَ بْنُ يَدُوثُونَ وَحُوسَةُ بَوَّابَيْنِ. وَتَرَكَ دَاوُدُ صَادِقَ الْحَبْرَ وَزُمَلَاءَهُ مِنَ الْأَحْبَارِ، أَمَامَ خَيْمَةِ اللهِ، فِي مَكَانِ الْعِبَادَةِ الَّذِي فِي جِبْعُونَ، لِيُقَدِّمُوا الْقَرَابِينَ عَلَى مَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ دَائِمًا، كُلَّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ، حَسَبَ كُلِّ مَا هُوَ وَارِدٌ فِي شَرِيعَةِ اللهِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَمَعَهُمْ هِيمَانَ وَيَدُوثُونَ وَالْآخَرِينَ الَّذِينَ تَمَّ اخْتِيَارُهُمْ، وَذُكِرَتْ أَسْمَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ، لِيَحْمَدُوا اللهَ، لِأَنَّ رَحْمَتَهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. وَكَانَتْ مَسْئُولِيَّةُ هِيمَانَ وَيَدُوثُونَ هِيَ أَنْ يَنْفُخُوا فِي الْأَبْوَاقِ وَيَعْزِفُوا عَلَى النَّاقُوسِ وَبَاقِي الْآلَاتِ لِلْغِنَاءِ الْمُقَدَّسِ. وَكَانَ بَنُو يَدُوثُونَ بَوَّابِينَ. ثُمَّ انْصَرَفَ الشَّعْبُ، كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى دَارِهِ. وَرَجَعَ دَاوُدُ لِيُبَارِكَ عَائِلَتَهُ. وَبَعْدَمَا اسْتَقَرَّ دَاوُدُ فِي قَصْرِهِ، قَالَ لِنَاثَانَ النَّبِيِّ: ”اُنْظُرْ! أَنَا سَاكِنٌ فِي قَصْرٍ مِنْ خَشَبِ الْأَرْزِ، وَصُنْدُوقُ عَهْدِ اللهِ فِي خَيْمَةٍ!“ فَقَالَ نَاثَانُ لِدَاوُدَ: ”اِعْمَلْ كُلَّ مَا فِي بَالِكَ، لِأَنَّ اللهَ مَعَكَ.“ وَلَكِنْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، قَالَ اللهُ لِنَاثَانَ: ”اِذْهَبْ وَقُلْ لِعَبْدِي دَاوُدَ: ’قَالَ اللهُ: ”أَنْتَ لَا تَبْنِي لِي بَيْتًا أَسْكُنُ فِيهِ. فَأَنَا لَمْ أَسْكُنْ فِي بَيْتٍ مُنْذُ الْيَوْمِ الَّذِي أَخْرَجْتُ فِيهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ، إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. بَلِ انْتَقَلْتُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ فِي مَسْكَنٍ هُوَ خَيْمَةٌ! وَحَيْثُمَا سِرْتُ مَعَ كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لَمْ أَطْلُبْ مِنْ أَحَدٍ مِنْ قَادَتِهِمِ الَّذِينَ أَمَرْتُهُمْ أَنْ يَرْعَوْا شَعْبِي إِسْرَائِيلَ، أَنْ يَبْنِيَ لِي بَيْتًا مِنْ خَشَبِ الْأَرْزِ.“‘ وَقُلْ لِعَبْدِي دَاوُدَ: ’قَالَ اللهُ الْقَدِيرُ: ”أَنَا أَخَذْتُكَ مِنَ الْحَظِيرَةِ، وَمِنْ وَرَاءِ الْغَنَمِ، لِتَكُونَ رَئِيسًا عَلَى شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَكُنْتُ مَعَكَ حَيْثُمَا سِرْتَ، وَأَزَلْتُ كُلَّ أَعْدَائِكَ مِنْ أَمَامِكَ. وَسَأُعْطِيكَ شُهْرَةً كَشُهْرَةِ أَعْظَمِ النَّاسِ فِي الْأَرْضِ. وَأُعْطِي شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مَكَانًا، وَأَغْرِسُهُ فَيَسْكُنُ فِي أَرْضِهِ، وَلَا يَنْزَعِجُ وَلَا يَعُودُ الْأَشْرَارُ يَضْطَهِدُونَهُ كَمَا فَعَلُوا مِنْ قَبْلُ، مُنْذُ أَيَّامِ الْقُضَاةِ الَّذِينَ أَقَمْتُهُمْ عَلَى شَعْبِي. وَسَأُخْضِعُ لَكَ كُلَّ أَعْدَائِكَ. وَإِنِّي أُخْبِرُكَ أَنَّ اللهَ سَيَجْعَلُ نَسْلَكَ مُلُوكًا. فَمَتَى انْتَهَتْ حَيَاتُكَ وَذَهَبْتَ مَعَ آبَائِكَ، أُقِيمُ خَلِيفَةً لَكَ مِنْ نَسْلِكَ، وَاحِدًا مِنْ أَوْلَادِكَ وَأُثَبِّتُ مُلْكَهُ. هُوَ الَّذِي يَبْنِي لِي بَيْتًا، وَأَنَا أُثَبِّتُ عَرْشَهُ إِلَى الْأَبَدِ. أَنَا أَكُونُ أَبَاهُ، وَهُوَ يَكُونُ ابْنِي. وَلَا أَنْزِعُ رَحْمَتِي عَنْهُ كَمَا نَزَعْتُهَا عَنْ شَاوُلَ الَّذِي كَانَ قَبْلَكَ. بَلْ أُقِيمُهُ عَلَى بَيْتِي وَمَمْلَكَتِي إِلَى الْأَبَدِ، إِلَى الْأَبَدِ يَكُونُ عَرْشُهُ ثَابِتًا.“‘“ فَأَبْلَغَ نَاثَانُ دَاوُدَ كُلَّ الْكَلَامِ الَّذِي قَالَهُ اللهُ فِي هَذِهِ الرُّؤْيَا. فَدَخَلَ الْمَلِكُ دَاوُدُ وَجَلَسَ أَمَامَ الْمَوْلَى وَقَالَ: ”مَنْ أَنَا أَيُّهَا الْمَوْلَى الْإِلَهُ، وَمَا هِيَ عَائِلَتِي حَتَّى أَوْصَلْتَنِي إِلَى هُنَا؟ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا كَافِيًا فِي نَظَرِكَ يَا اللهُ، فَوَعَدْتَ عَبْدَكَ بِنَسْلٍ يَدُومُ إِلَى زَمَانٍ طَوِيلٍ. وَتَنْظُرُ إِلَيَّ كَأَنِّي أَعْظَمُ النَّاسِ، أَيُّهَا الْمَوْلَى الْإِلَهُ. وَمَاذَا أَقُولُ وَقَدْ أَكْرَمْتَنِي كُلَّ هَذَا الْإِكْرَامِ؟ أَنْتَ تَعْرِفُ عَبْدَكَ جَيِّدًا. يَا رَبُّ، أَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا الْأَمْرَ الْعَظِيمَ مِنْ أَجْلِ عَبْدِكَ وَحَسَبَ مَشِيئَتِكَ، وَأَعْلَنْتَ وَعْدَكَ الْعَظِيمَ. يَا رَبُّ، لَا مَثِيلَ لَكَ! وَكَمَا سَمِعْنَا بِآذَانِنَا، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ. وَمَنْ مِثْلُ شَعْبِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ هَلْ تُوجَدُ أُمَّةٌ أُخْرَى فِي الْأَرْضِ، خَرَجَ اللهُ لِيَفْدِيَهَا لِتَصِيرَ شَعْبَهُ؟ أَنْتَ اشْتَهَرْتَ بِالْعَجَائِبِ الْعَظِيمَةِ الْمُخِيفَةِ الَّتِي صَنَعْتَهَا لَهُمْ، وَطَرَدْتَ أُمَمًا مِنْ أَمَامِ شَعْبِكَ الَّذِي فَدَيْتَهُ مِنْ مِصْرَ. أَنْتَ جَعَلْتَ شَعْبَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، شَعْبَكَ الْخَاصَّ إِلَى الْأَبَدِ، وَأَنْتَ يَا رَبُّ صِرْتَ إِلَهَهُمْ. فَالْآنَ يَا رَبُّ، ثَبِّتْ إِلَى الْأَبَدِ وَعْدَكَ بِشَأْنِ عَبْدِكَ وَنَسْلِهِ. اِفْعَلْ كَمَا قُلْتَ وَثَبِّتْهُ، لِكَيْ يَتَعَظَّمَ اسْمُكَ إِلَى الْأَبَدِ. فَيَقُولَ النَّاسُ: ’الْمَوْلَى الْقَدِيرُ هُوَ حَقًّا رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ.‘ وَيَثْبُتَ بَيْتُ عَبْدِكَ دَاوُدَ أَمَامَكَ. أَنْتَ يَا إِلَهِي، أَعْلَنْتَ لِعَبْدِكَ أَنَّكَ تَجْعَلُ نَسْلِي مُلُوكًا، لِذَلِكَ وَجَدْتُ الشَّجَاعَةَ لِأُصَلِّيَ لَكَ. يَا رَبُّ، أَنْتَ هُوَ اللهُ، وَأَنْتَ الَّذِي وَعَدْتَنِي بِهَذَا الْخَيْرِ. فَقَدْ رَضِيتَ أَنْ تُبَارِكَ نَسْلَ عَبْدِكَ، لِيَدُومَ أَمَامَكَ إِلَى الْأَبَدِ. أَنْتَ يَا رَبُّ بَارَكْتَ، فَسَيَكُونُ مُبَارَكًا إِلَى الْأَبَدِ.“ وَبَعْدَ ذَلِكَ هَزَمَ دَاوُدُ الْفِلِسْطِيِّينَ وَأَخْضَعَهُمْ، وَاسْتَوْلَى عَلَى جَتَّ وَالْقُرَى الْمُحِيطَةِ بِهَا. وَهَزَمَ أَيْضًا الْمُوآبِيِّينَ، فَصَارُوا عَبِيدًا لِدَاوُدَ يُقَدِّمُونَ لَهُ الْجِزْيَةَ. وَحَاوَلَ هَدَدْعَزَرُ مَلِكُ صُوبَةَ أَنْ يُثَبِّتَ سُلْطَتَهُ عِنْدَ نَهْرِ الْفُرَاتِ، فَهَزَمَهُ دَاوُدَ، وَأَخَذَ مِنْهُ 1000 مَرْكَبَةٍ، وَ7000 فَارِسٍ، وَ20000 جُنْدِيٍّ، وَكَسَّرَ دَاوُدُ مَفَاصِلَ كُلِّ خَيْلِ الْمَرْكَبَاتِ، وَأَبْقَى مِنْهَا خَيْلَ 100 مَرْكَبَةٍ فَقَطْ. فَجَاءَ الْأَرَامِيُّونَ مِنْ دِمَشْقَ لِنَجْدَةِ هَدَدْعَزَرَ مَلِكِ صُوبَةَ، فَقَتَلَ دَاوُدُ مِنْهُمُ 22000 رَجُلٍ. وَوَضَعَ دَاوُدُ حَامِيَاتٍ عَسْكَرِيَّةً فِي مَمْلَكَةِ دِمَشْقَ الْأَرَامِيَّةِ، فَصَارَ الْأَرَامِيُّونَ عَبِيدًا لِدَاوُدَ يُقَدِّمُونَ لَهُ الْجِزْيَةَ. وَكَانَ اللهُ يَنْصُرُ دَاوُدَ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَذْهَبُ إِلَيْهِ. وَأَخَذَ دَاوُدُ أَتْرَاسَ الذَّهَبِ الَّتِي كَانَ يَحْمِلُهَا رِجَالُ هَدَدْعَزَرَ، وَأَحْضَرَهَا إِلَى الْقُدْسِ. كَمَا أَخَذَ دَاوُدُ كَمِّيَّةً هَائِلَةً مِنَ النُّحَاسِ مِنْ طَبْحَةَ وَخُونَ، مَدِينَتَيْ هَدَدْعَزَرَ، صَنَعَ مِنْهُ سُلَيْمَانُ حَوْضَ النُّحَاسِ وَالْأَعْمِدَةَ وَآنِيَةَ النُّحَاسِ الْأُخْرَى. وَسَمِعَ تُوعِي مَلِكُ حَمَاةَ أَنَّ دَاوُدَ كَسَرَ كُلَّ جَيْشِ هَدَدْعَزَرَ مَلِكِ صُوبَةَ. فَأَرْسَلَ تُوعِي هَدُورَامَ ابْنَهُ إِلَى الْمَلِكِ دَاوُدَ لِيُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَيُهَنِّئَهُ، لِأَنَّهُ حَارَبَ هَدَدْعَزَرَ وَكَسَرَهُ، لِأَنَّ هَدَدْعَزَرَ كَانَ يُحَارِبُ تُوعِي. وَأَحْضَرَ هَدُورَامُ مَعَهُ إِلَى دَاوُدَ كُلَّ أَنْوَاعِ الْآنِيَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ. وَهَذِهِ أَيْضًا كَرَّسَهَا الْمَلِكُ دَاوُدُ للهِ، مَعَ مَا أَخَذَهُ مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَمِ: أَدُومَ وَمُوآبَ وَبَنِي عَمُّونَ وَالْفِلِسْطِيِّينَ وَعَمَالِيقَ. وَقَتَلَ أَبِيشَايُ ابْنُ صَرُويَةَ 18000 أَدُومِيٍّ، فِي وَادِي الْمِلْحِ. وَوَضَعَ دَاوُدُ حَامِيَاتٍ عَسْكَرِيَّةً فِي أَدُومَ، فَصَارَ كُلُّ الْأَدُومِيِّينَ عَبِيدًا لَهُ. وَكَانَ اللهُ يَنْصُرُ دَاوُدَ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَذْهَبُ إِلَيْهِ. وَمَلَكَ دَاوُدُ عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ يَحْكُمُ بِالْعَدْلِ وَالصَّلَاحِ لِكُلِّ شَعْبِهِ. وَكَانَ يُوآبُ ابْنُ صَرُويَةَ قَائِدَ الْجَيْشِ، وَيُوشَافَاطُ بْنُ أَخِيلُودَ مُسَجِّلًا، وَصَادِقُ بْنُ أَخِيطُوبَ وَأَخِيمَلِكُ بْنُ أَبِيأَثَرَ حَبْرَيْنِ، وَشُوشَا كَاتِبًا، وَبَنَايَا بْنُ يُويَادَاعَ قَائِدَ الْحَرَسِ الْمَلَكِيِّ، وَبَنُو دَاوُدَ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى بَعْدَ الْمَلِكِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ مَاتَ نَاحَاشُ مَلِكُ بَنِي عَمُّونَ، وَمَلَكَ ابْنُهُ مَكَانَهُ. فَقَالَ دَاوُدُ: ”أَعْمَلُ الْوَاجِبَ مَعَ حَنُونَ بْنِ نَاحَاشَ، لِأَنَّ أَبَاهُ عَمِلَ الْوَاجِبَ مَعِي.“ فَأَرْسَلَ دَاوُدُ وَفْدًا لِيُعَزِّيَهُ فِي مَوْتِ أَبِيهِ. فَلَمَّا وَصَلَ وَفْدُ دَاوُدَ إِلَى حَنُونَ فِي أَرْضِ بَنِي عَمُّونَ لِيُعَزُّوهُ، قَالَ قَادَةُ عَمُّونَ لِحَنُونَ: ”هَلْ تَظُنُّ أَنَّ دَاوُدَ أَرْسَلَ إِلَيْكَ هَذَا الْوَفْدَ مِنَ الْمُعَزِّينَ إِكْرَامًا لِأَبِيكَ، أَمْ لِيَفْحَصَ الْبِلَادَ وَيَتَجَسَّسَهَا لِكَيْ يَسْتَوْلِيَ عَلَيْهَا؟“ فَقَبَضَ حَنُونُ عَلَى رُسُلِ دَاوُدَ، وَحَلَقَ لِحَاهُمْ، وَقَصَّ ثِيَابَهُمْ مِنَ الْوَسَطِ فَوْقَ الْفَخْذِ، ثُمَّ أَطْلَقَهُمْ. فَذَهَبَ الْبَعْضُ وَأَخْبَرُوا دَاوُدَ بِمَا جَرَى لِرُسُلِهِ. فَأَرْسَلَ دَاوُدُ مَنْ يَسْتَقْبِلُهُمْ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا خَجِلِينَ جِدًّا. وَقَالَ الْمَلِكُ: ”اِنْتَظِرُوا فِي أَرِيحَا حَتَّى تَنْبُتَ لِحَاكُمْ، ثُمَّ ارْجِعُوا.“ وَلَمَّا رَأَى بَنُو عَمُّونَ أَنَّ دَاوُدَ أَصْبَحَ يَكْرَهُهُمْ، أَرْسَلَ حَنُونُ وَبَنُو عَمُّونَ 37 طِنًّا مِنَ الْفِضَّةِ لِكَيْ يَسْتَأْجِرُوا مَرْكَبَاتٍ وَفُرْسَانًا مِنْ آرَامَ النَّهْرَيْنِ وَآرَامَ مَعْكَةَ وَصُوبَةَ. فَاسْتَأْجَرُوا لَهُمُ 32000 مَرْكَبَةٍ، وَمَلِكَ مَعْكَةَ وَرِجَالَهُ. فَجَاءُوا وَعَسْكَرُوا مُقَابِلَ مِيدَبَا، كَمَا اجْتَمَعَ جَيْشُ بَنِي عَمُّونَ مِنْ مُدُنِهِمْ وَاسْتَعَدُّوا لِلْحَرْبِ. فَلَمَّا سَمِعَ دَاوُدُ، أَرْسَلَ يُوآبَ وَكُلَّ جَيْشِ رِجَالِ الْحَرْبِ. وَخَرَجَ بَنُو عَمُّونَ وَاصْطَفُّوا لِلْحَرْبِ عِنْدَ مَدْخَلِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ الْمُلُوكُ الَّذِينَ جَاءُوا وَحْدَهُمْ فِي الْحُقُولِ. وَأَدْرَكَ يُوآبُ أَنَّ الْعَدُوَّ يُهَاجِمُهُ مِنَ الْأَمَامِ وَمِنَ الْخَلْفِ، فَاخْتَارَ أَحْسَنَ جُنُودِهِ وَصَفَّهُمْ لِمُقَاتَلَةِ الْأَرَامِيِّينَ، وَأَعْطَى قِيَادَةَ بَقِيَّةِ الْجَيْشِ لِأَخِيهِ أَبِيشَايَ، فَاصْطَفُّوا لِمُقَاتَلَةِ بَنِي عَمُّونَ. وَقَالَ يُوآبُ لِأَبِيشَايَ: ”إِنْ قَوِيَ آرَامُ عَلَيَّ تُنْجِدُنِي، وَإِنْ قَوِيَ بَنُو عَمُّونَ عَلَيْكَ أُنْجِدُكَ. فَكُنْ قَوِيًّا وَلْنُحَارِبْ بِبَسَالَةٍ مِنْ أَجْلِ شَعْبِنَا وَمِنْ أَجْلِ مُدُنِ إِلَهِنَا، وَالْمَوْلَى يَفْعَلُ مَا يَحْلُو فِي عَيْنَيْهِ.“ ثُمَّ تَقَدَّمَ يُوآبُ وَالْجَيْشُ الَّذِي مَعَهُ لِمُحَارَبَةِ الْأَرَامِيِّينَ، فَهَرَبُوا مِنْ أَمَامِهِ. وَلَمَّا رَأَى بَنُو عَمُّونَ الْأَرَامِيِّينَ يَهْرُبُونَ، هَرَبُوا هُمْ أَيْضًا مِنْ أَمَامِ أَبِيشَايَ أَخِيهِ وَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ. فَرَجَعَ يُوآبُ إِلَى الْقُدْسِ. وَلَمَّا رَأَى الْأَرَامِيُّونَ أَنَّهُمُ انْهَزَمُوا أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَرْسَلُوا وَاسْتَدْعَوْا الْأَرَامِيِّينَ الَّذِينَ فِي شَرْقِ نَهْرِ الْفُرَاتِ تَحْتَ قِيَادَةِ شُوبَكَ رَئِيسِ جَيْشِ هَدَدْعَزَرَ. فَلَمَّا سَمِعَ دَاوُدُ بِذَلِكَ، جَمَعَ كُلَّ جَيْشِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَعَبَرَ الْأُرْدُنَّ وَذَهَبَ إِلَيْهِمْ وَاتَّخَذَ مَوَاقِعَهُ ضِدَّهُمْ. فَاتَّخَذَ الْأَرَامِيُّونَ أَيْضًا مَوَاقِعَهُمْ مُقَابِلَ دَاوُدَ وَأَخَذُوا يُحَارِبُونَهُ. وَلَكِنَّهُمْ هَرَبُوا مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَهْلَكَ دَاوُدُ مِنْهُمْ 7000 فَارِسٍ، وَ40000 جُنْدِيٍّ، وَقَتَلَ شُوبَكَ رَئِيسَ الْجَيْشِ. فَلَمَّا رَأَى قَادَةُ هَدَدْعَزَرَ أَنَّهُمُ انْهَزَمُوا أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، صَالَحُوا دَاوُدَ وَخَضَعُوا لَهُ. وَرَفَضَ الْأَرَامِيُّونَ أَنْ يَعُودُوا لِنَجْدَةِ بَنِي عَمُّونَ. وَفِي الرَّبِيعِ، وَهُوَ وَقْتُ خُرُوجِ الْمُلُوكِ لِلْحَرْبِ، قَادَ يُوآبُ قُوَّاتِ الْجَيْشِ، وَأَخْرَبَ أَرْضَ بَنِي عَمُّونَ، وَذَهَبَ إِلَى رَبَّةَ وَحَاصَرَهَا. أَمَّا دَاوُدُ فَأَقَامَ فِي الْقُدْسِ. وَهَزَمَ يُوآبُ رَبَّةَ وَهَدَمَهَا. وَأَخَذَ دَاوُدُ تَاجَ مَلِكِهِمْ عَنْ رَأْسِهِ، فَوَجَدَ وَزْنَهُ حَوَالَيْ 34 كِيلُوجْرَامًا مِنَ الذَّهَبِ، وَهُوَ مُرَصَّعٌ بِالْأَحْجَارِ الْكَرِيمَةِ. وَوَضَعَهُ دَاوُدُ عَلَى رَأْسِهِ. كَمَا أَخَذَ مِنَ الْمَدِينَةِ أَيْضًا غَنِيمَةً كَثِيرَةً جِدًّا. وَأَخْرَجَ سُكَّانَهَا مِنْهَا، وَجَعَلَهُمْ عَبِيدًا يَشْتَغِلُونَ بِالْمَنَاشِيرِ وَالنَّوَارِجِ وَالْفُؤُوسِ. وَفَعَلَ دَاوُدُ هَذَا أَيْضًا بِكُلِّ مُدُنِ بَنِي عَمُّونَ. ثُمَّ رَجَعَ دَاوُدُ وَكُلُّ الْجَيْشِ إِلَى الْقُدْسِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ قَامَتْ حَرْبٌ فِي جَازَرَ مَعَ الْفِلِسْطِيِّينَ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ سِبْكَايُ الْحُوشِيُّ قَتَلَ سَافَايَ الَّذِي مِنْ نَسْلِ رَافَا فَانْهَزَمَ الْفِلِسْطِيُّونَ. وَفِي حَرْبٍ أُخْرَى مَعَ الْفِلِسْطِيِّينَ، أَلِحَانَانُ بْنُ يَعُورَ قَتَلَ لَحْمِي أَخَا جَالُوتَ الْجَتِّيِّ، وَكَانَتِ الْقَنَاةُ الَّتِي يَضَعُ فِيهَا رُمْحَهُ كَبِيرَةً كَأَنَّهَا النَّوْلُ الَّذِي يَسْتَخْدِمُهُ النَّسَاجُ. وَفِي حَرْبٍ أُخْرَى فِي جَتَّ أَيْضًا، كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ طَوِيلُ الْقَامَةِ، لَهُ 6 أَصَابِعَ فِي كُلِّ يَدٍ وَفِي كُلِّ رِجْلٍ، أَيْ 24 إِصْبَعًا. وَهُوَ أَيْضًا مِنْ نَسْلِ رَافَا. وَلَمَّا أَهَانَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَتَلَهُ يُونَاثَانُ بْنُ شَمْعِي أَخِي دَاوُدَ. كَانَ هَؤُلَاءِ مِنْ نَسْلِ رَافَا فِي جَتَّ، وَقُتِلُوا بِيَدِ دَاوُدَ وَرِجَالِهِ. وَقَامَ الشَّيْطَانُ ضِدَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَحَرَّضَ دَاوُدَ لِيَعْمَلَ إِحْصَاءً لِلشَّعْبِ. فَقَالَ دَاوُدُ لِيُوآبَ وَقَادَةِ الْجَيْشِ: ”رُوحُوا وَعُدُّوا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بِئْرَ سَبْعَ إِلَى دَانَ، وَتَعَالَوْا فَأَعْلَمَ عَدَدَهُمْ.“ فَقَالَ يُوآبُ: ”لَيْتَ اللهَ يَزِيدُ شَعْبَهُ 100 ضِعْفٍ. أَلَيْسُوا كُلُّهُمْ عَبِيدًا لَكَ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ؟ فَلِمَاذَا تُرِيدُ هَذَا يَا سَيِّدِي، وَتَجْلِبُ الذَّنْبَ عَلَى إِسْرَائِيلَ؟“ لَكِنَّ الْمَلِكَ أَصَرَّ عَلَى قَرَارِهِ مَعَ يُوآبَ، فَخَرَجَ يُوآبُ وَطَافَ فِي بِلَادِ إِسْرَائِيلَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْقُدْسِ. وَقَدَّمَ يُوآبُ لِدَاوُدَ تَقْرِيرَهُ بِعَدَدِ رِجَالِ الْجَيْشِ. فَكَانَ مِنَ الْقَادِرِينَ عَلَى اسْتِعْمَالِ السَّيْفِ فِي رِجَالِ إِسْرَائِيلَ 1100000، وَفِي رِجَالِ يَهُوذَا 470000. وَلَمْ يُحْصِ يُوآبُ قَبِيلَتَيْ لَاوِي وَبِنْيَمِينَ، لِأَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ مَا طَلَبَهُ الْمَلِكُ مِنْهُ. وَسَاءَ هَذَا فِي عَيْنَيِ اللهِ، فَعَاقَبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَقَالَ دَاوُدُ للهِ: ”أَخْطَأْتُ جِدًّا بِأَنِّي فَعَلْتُ هَذَا. فَأَرْجُوكَ أَنْ تُزِيلَ إِثْمَ عَبْدِكَ، لِأَنِّي تَصَرَّفْتُ بِغَبَاءٍ شَدِيدٍ.“ فَكَلَّمَ اللهُ جَادَ رَائِيَ دَاوُدَ وَقَالَ لَهُ: ”اِذْهَبْ وَقُلْ لِدَاوُدَ: ’الْمَوْلَى يَقُولُ لَكَ إِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ 3 أُمُورٍ، وَعَلَيْكَ أَنْ تَخْتَارَ وَاحِدًا مِنْهَا فَيَفْعَلَهُ بِكَ.‘“ فَذَهَبَ جَادُ إِلَى دَاوُدَ وَقَالَ لَهُ: ”الْمَوْلَى يَقُولُ: ’عَلَيْكَ أَنْ تَخْتَارَ، إِمَّا 3 سِنِينَ مَجَاعَةٌ، أَوْ 3 أَشْهُرٍ تَهْرُبُ أَمَامَ أَعْدَائِكَ وَهُمْ يُطَارِدُونَكَ بِالسَّيْفِ، أَوْ 3 أَيَّامٍ يَعْمَلُ فِيهَا سَيْفُ اللهِ، فَيَحِلُّ وَبَأٌ فِي الْبِلَادِ، وَيَعْبُرُ مَلَاكُ اللهِ فِي كُلِّ إِسْرَائِيلَ وَيَخْرِبُهَا.‘ فَأَعْطِنِي قَرَارَكَ لِأَرُدَّ عَلَى مَنْ أَرْسَلَنِي.“ فَقَالَ دَاوُدُ لِجَادَ: ”أَنَا فِي مَوْقِفٍ صَعْبٍ وَخَطِيرٍ! وَمِنَ الْأَفْضَلِ أَنْ أَقَعَ فِي يَدِ اللهِ، لِأَنَّ رَحْمَتَهُ كَبِيرَةٌ، وَلَا أَقَعَ فِي يَدِ إِنْسَانٍ.“ فَأَرْسَلَ اللهُ وَبَأً فِي إِسْرَائِيلَ فَمَاتَ مِنْ إِسْرَائِيلَ 70000 رَجُلٍ. وَأَرْسَلَ اللهُ مَلَاكًا لِيُهْلِكَ الْقُدْسَ. وَبَيْنَمَا هُوَ يُهْلِكُ، رَأَى اللهُ مَا يَجْرِي، وَتَأَسَّفَ عَلَى هَذِهِ الْمُصِيبَةِ، وَقَالَ لِلْمَلَاكِ الَّذِي كَانَ يُهْلِكُ الشَّعْبَ: ”كَفَى! رَجِّعْ يَدَكَ!“ وَكَانَ الْمَلَاكُ وَاقِفًا عِنْدَ بَيْدَرِ أَرُونَةَ الْيَبُوسِيِّ. وَنَظَرَ دَاوُدُ وَرَأَى الْمَلَاكَ وَاقِفًا بَيْنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَقَدِ اسْتَلَّ سَيْفَهُ بِيَدِهِ وَمَدَّهُ عَلَى الْقُدْسِ. فَسَقَطَ دَاوُدُ وَالشُّيُوخُ عَلَى وُجُوهِهِمْ وَكَانُوا لَابِسِينَ الْخَيْشَ. وَقَالَ دَاوُدُ للهِ: ”أَنَا الَّذِي أَمَرْتُ بِإِحْصَاءِ الشَّعْبِ، وَأَنَا الَّذِي أَخْطَأْتُ وَأَسَأْتُ. أَمَّا هَؤُلَاءِ الْخِرَافُ الْأَبْرِيَاءُ، فَلَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا. إِذَنْ عَاقِبْنِي أَنَا وَأَهْلِي، وَلَا تُعَاقِبْ شَعْبَكَ.“ فَأَمَرَ الْمَلَاكُ جَادَ، أَنْ يَقُولَ لِدَاوُدَ: ”اِصْعَدْ إِلَى بَيْدَرِ أَرُونَةَ الْيَبُوسِيِّ، وَأَقِمْ هُنَاكَ مَنَصَّةً للهِ.“ فَصَعِدَ دَاوُدُ كَمَا أَمَرَهُ جَادُ بِاسْمِ اللهِ. وَكَانَ أَرُونَةُ يَدْرُسُ قَمْحًا، وَالْتَفَتَ فَرَأَى الْمَلَاكَ، فَاخْتَبَأَ بَنُوهُ الْـ4 الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فِي الْبَيْدَرِ. وَذَهَبَ دَاوُدُ إِلَى أَرُونَةَ، فَنَظَرَ أَرُونَةُ وَرَأَى دَاوُدَ، فَخَرَجَ مِنَ الْبَيْدَرِ وَانْحَنَى لِدَاوُدَ بِوَجْهِهِ نَحْوَ الْأَرْضِ. فَقَالَ دَاوُدُ لِأَرُونَةَ: ”أَعْطِنِي مَكَانَ الْبَيْدَرِ لِأُقِيمَ فِيهِ مَنَصَّةً للهِ، لِكَيْ يَتَوَقَّفَ الْوَبَأُ عَنِ الشَّعْبِ. تَبِيعُهُ لِي بِثَمَنٍ كَامِلٍ.“ فَقَالَ أَرُونَةُ لِدَاوُدَ: ”بَلْ خُذْهُ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ، وَاعْمَلْ مَا يَحْلُو لَكَ. اُنْظُرْ! إِنِّي أُعْطِي الْبَقَرَ لِيَكُونَ قُرْبَانًا، وَالنَّوَارِجَ لِتَكُونَ حَطَبًا، وَالْقَمْحَ لِيَكُونَ قُرْبَانَ الدَّقِيقِ. أَنَا أُعْطِي كُلَّ هَذَا.“ فَقَالَ الْمَلِكُ دَاوُدُ لِأَرُونَةَ: ”لَا، بَلْ أَشْتَرِي كُلَّ شَيْءٍ بِثَمَنٍ كَامِلٍ. فَأَنَا لَا آخُذُ مَا هُوَ لَكَ وَأُعْطِيهِ للهِ، فَأُقَدِّمَ لَهُ قُرْبَانًا لَا يُكَلِّفُنِي شَيْئًا.“ وَدَفَعَ دَاوُدُ لِأَرُونَةَ ثَمَنَ الْمَكَانِ حَوَالَيْ 7 كِيلُوجْرَامَاتٍ مِنَ الذَّهَبِ. وَبَنَى دَاوُدُ هُنَاكَ مَنَصَّةً للهِ، وَقَدَّمَ قَرَابِينَ وَضَحَايَا صُحْبَةٍ. وَدَعَا اللهَ فَاسْتَجَابَ لَهُ بِأَنْ أَرْسَلَ نَارًا مِنَ السَّمَاءِ نَزَلَتْ عَلَى مَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ. وَأَمَرَ اللهُ الْمَلَاكَ، فَرَدَّ سَيْفَهُ إِلَى غِمْدِهِ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، لَمَّا رَأَى دَاوُدُ أَنَّ اللهَ اسْتَجَابَ لَهُ فِي بَيْدَرِ أَرُونَةَ الْيَبُوسِيِّ، قَدَّمَ هُنَاكَ ضَحَايَا للهِ. وَمَسْكَنُ اللهِ وَمَنَصَّةُ الْقُرْبَانِ اللَّذَانِ صَنَعَهُمَا مُوسَى فِي الصَّحْرَاءِ، كَانَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فِي مَكَانِ الْعِبَادَةِ فِي جِبْعُونَ. وَلَمْ يَقْدِرْ دَاوُدُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى هُنَاكَ لِيَسْتَشِيرَ اللهَ، لِأَنَّهُ خَافَ مِنْ سَيْفِ الْمَلَاكِ. فَقَالَ دَاوُدُ: ”هُنَا يَكُونُ بَيْتُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ، وَمَنَصَّةُ الْقُرْبَانِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ.“ وَأَمَرَ دَاوُدُ بِجَمْعِ الْأَجَانِبِ الَّذِينَ فِي بِلَادِ إِسْرَائِيلَ، وَاخْتَارَ مِنْ بَيْنِهِمْ نَحَّاتِينَ لِنَحْتِ حِجَارَةٍ لِبِنَاءِ بَيْتِ اللهِ. وَأَعَدَّ حَدِيدًا كَثِيرًا لِعَمَلِ الْمَسَامِيرِ لِخَشَبِ الْأَبْوَابِ وَلِلْمَفَاصِلِ، وَنُحَاسًا كَثِيرًا بِلَا وَزْنٍ، وَخَشَبَ أَرْزٍ بِلَا عَدَدٍ، لِأَنَّ الصَّيْدُونِيِّينَ وَالصُّورِيِّينَ أَحْضَرُوا خَشَبَ أَرْزٍ كَثِيرًا إِلَى دَاوُدَ. وَقَالَ دَاوُدُ: ”اِبْنِي سُلَيْمَانُ شَابٌّ وَقَلِيلُ الْخِبْرَةِ، وَالْبَيْتُ الَّذِي سَيُبْنَى للهِ، لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَظِيمًا وَرَائِعًا وَلَهُ شُهْرَةٌ فِي كُلِّ الْبِلَادِ. لِذَلِكَ أَنَا أُعِدُّ مَوَادَّ الْبِنَاءِ.“ فَأَعَدَّ دَاوُدُ كَثِيرًا قَبْلَ وَفَاتِهِ. وَاسْتَدْعَى دَاوُدُ سُلَيْمَانَ ابْنَهُ، وَأَوْصَاهُ أَنْ يَبْنِيَ بَيْتًا لِلْمَوْلَى رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَقَالَ دَاوُدُ لِسُلَيْمَانَ: ”كَانَ فِي نِيَّتِي يَا ابْنِي أَنْ أَبْنِيَ بَيْتًا لِإِكْرَامِ اسْمِ الْمَوْلَى إِلَهِي. لَكِنَّ اللهَ كَلَّمَنِي وَقَالَ: ’أَنْتَ سَفَكْتَ دَمًا كَثِيرًا، وَحَارَبْتَ حُرُوبًا كَثِيرَةً. فَأَنْتَ لَنْ تَبْنِيَ بَيْتًا لِإِكْرَامِ اسْمِي، لِأَنَّكَ سَفَكْتَ دَمًا كَثِيرًا عَلَى الْأَرْضِ أَمَامِي. وَلَكِنَّكَ سَتُنْجِبُ ابْنًا يَكُونُ رَجُلَ سَلَامٍ وَرَاحَةٍ، وَأَنَا أُرِيحُهُ مِنْ كُلِّ أَعْدَائِهِ الَّذِينَ حَوْلَهُ. وَيَكُونُ اسْمُهُ سُلَيْمَانَ، وَأُعْطِي إِسْرَائِيلَ سَلَامًا وَهُدُوءًا فِي أَيَّامِهِ. فَهُوَ الَّذِي يَبْنِي بَيْتًا لِإِكْرَامِ اسْمِي. وَهُوَ يَكُونُ ابْنِي، وَأَنَا أَكُونُ أَبَاهُ. وَأُثَبِّتُ عَرْشَ مُلْكِهِ عَلَى إِسْرَائِيلَ إِلَى الْأَبَدِ.‘ فَالْآنَ يَا ابْنِي، لِيَكُنِ اللهُ مَعَكَ، فَتَنْجَحَ وَتَبْنِيَ بَيْتَ الْمَوْلَى إِلَهِكَ كَمَا قَالَ ذَلِكَ عَنْكَ. لَيْتَ اللهَ يُعْطِيكَ حِكْمَةً وَفَهْمًا، لِتَحْكُمَ عَلَى إِسْرَائِيلَ حَسَبَ شَرِيعَةِ الْمَوْلَى إِلَهِكَ. فَأَنْتَ تَنْجَحُ إِنْ حَرِصْتَ عَلَى الْعَمَلِ بِالْفَرَائِضِ وَالْأَحْكَامِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِوَاسِطَةِ مُوسَى. كُنْ قَوِيًّا وَشُجَاعًا، لَا تَخَفْ وَلَا تَرْتَعِبْ. وَقَدْ تَعِبْتُ كَثِيرًا، لِأُعِدَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لِبِنَاءِ بَيْتِ اللهِ. حَوَالَيْ 4000 طِنٍّ مِنَ الذَّهَبِ، وَ40000 طِنٍّ مِنَ الْفِضَّةِ، وَنُحَاسًا وَحَدِيدًا بِلَا وَزْنٍ لِأَنَّهُ كَثِيرٌ. كَمَا أَعْدَدْتُ خَشَبًا وَحِجَارَةً. وَيُمْكِنُكَ أَنْ تَزِيدَ عَلَيْهَا. وَعِنْدَكَ عُمَّالٌ كَثِيرُونَ، مِنْ نَحَّاتِينَ وَبَنَّائِينَ وَنَجَّارِينَ، وَكُلُّ أَنْوَاعِ الْعُمَّالِ الْمَهَرَةِ الَّذِينَ يَشْتَغِلُونَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ، عُمَّالٌ بِلَا عَدَدٍ. إِذَنِ ابْدَأْ وَاعْمَلْ وَلْيَكُنِ اللهُ مَعَكَ.“ وَأَمَرَ دَاوُدُ كُلَّ قَادَةِ إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسَاعِدُوا سُلَيْمَانَ ابْنَهُ. وَقَالَ لَهُمْ: ”الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ مَعَكُمْ، وَقَدْ أَرَاحَكُمْ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، لِأَنَّهُ نَصَرَنِي عَلَى كُلِّ شُعُوبِ الْبِلَادِ الَّتِي حَوْلَنَا، فَخَضَعَتِ الْبِلَادُ للهِ وَلِشَعْبِهِ. فَالْآنَ كَرِّسُوا قَلْبَكُمْ وَنَفْسَكُمْ لِطَلَبِ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، وَقُومُوا وَابْنُوا مَقْدِسَ الْمَوْلَى الْإِلَهِ، لِكَيْ تُحْضِرُوا إِلَيْهِ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ، وَالْآنِيَةَ الْمُقَدَّسَةَ للهِ.“ وَشَاخَ دَاوُدُ وَشَبِعَ مِنَ الْحَيَاةِ، فَجَعَلَ سُلَيْمَانَ ابْنَهُ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ. وَاسْتَدْعَى كُلَّ قَادَةِ إِسْرَائِيلَ وَالْأَحْبَارِ وَاللَّاوِيِّينَ. وَتَمَّ إِحْصَاءُ اللَّاوِيِّينَ مِنِ ابْنِ 30 سَنَةً وَمَا فَوْقُ، فَكَانَ عَدَدُهُمْ 38000 رَجُلٍ. مِنْ هَؤُلَاءِ، 24000 يُشْرِفُونَ عَلَى الْعَمَلِ فِي بَيْتِ اللهِ، وَ6000 هُمْ قَادَةٌ وَقُضَاةٌ، وَ4000 بَوَّابُونَ، وَ4000 عَمَلُهُمْ هُوَ أَنْ يُسَبِّحُوا اللهَ عَلَى آلَاتِ الْغِنَاءِ الَّتِي عَمِلَهَا دَاوُدُ لِهَذَا الْغَرَضِ. وَقَسَمَهُمْ دَاوُدُ فِرَقًا حَسَبَ بَنِي لَاوِي: جَرْشُونُ وَقَهَاتُ وَمَرَارِي. بَنُو جَرْشُونَ: لَعْدَانُ وَشَمْعِي. بَنُو لَعْدَانَ 3: الْبِكْرُ يَحِيئِيلُ ثُمَّ زِيتَامُ وَيُوئِيلُ. بَنُو شَمْعِي 3: شَلُومِيثُ وَحَزِئِيلُ وَهَارَانُ. هَؤُلَاءِ رُؤَسَاءُ عَائِلَاتِ لَعْدَانَ. وَبَنُو شَمْعِي الْآخَرُونَ 4 هُمْ: يَحَثُ وَزِيزَةُ وَيَعُوشُ وَبَرِيعَةُ. وَكَانَ يَحَثُ الْبِكْرَ، وَالثَّانِي زِيزَةَ. أَمَّا يَعُوشُ وَبَرِيعَةُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا أَوْلَادٌ كَثِيرُونَ، فَحُسِبُوا كَعَائِلَةٍ وَاحِدَةٍ. بَنُو قَهَاتَ 4: عَمْرَامُ وَيِصْهَارُ وَحَبْرُونُ وَعُزِّيلُ. اِبْنَا عَمْرَامَ: هَارُونُ وَمُوسَى. وَاخْتَارَ اللهُ هَارُونَ وَبَنِيهِ إِلَى الْأَبَدِ، لِيُقَدِّمُوا الْقَرَابِينَ الْمُقَدَّسَةَ وَيَحْرِقُوا الْبَخُورَ، فَيَخْدِمُوا اللهَ وَيُبَارِكُوا النَّاسَ بِاسْمِهِ إِلَى الْأَبَدِ. أَمَّا النَّبِيُّ مُوسَى، فَحُسِبَ بَنُوهُ مَعَ قَبِيلَةِ لَاوِي. اِبْنَا مُوسَى: جَرْشُومُ وَأَلِيعَزَرُ. شَبُوئِيلُ هُوَ بِكْرُ جَرْشُومَ. رَحَبْيَا هُوَ بِكْرُ أَلِيعَزَرَ. وَلَمْ يَكُنْ لِأَلِيعَزَرَ بَنُونَ آخَرُونَ. أَمَّا رَحَبْيَا فَكَانَ لَهُ بَنُونَ كَثِيرُونَ جِدًّا. شَلُومِيثُ هُوَ بِكْرُ يِصْهَارَ. بَنُو حَبْرُونَ: الْبِكْرُ يَرِيَّا، الثَّانِي أَمَرْيَا، الثَّالِثُ يَحْزِيلُ، الرَّابِعُ يَقْمَعَامُ. اِبْنَا عُزِّيلَ: الْبِكْرُ مِيخَا، الثَّانِي يَشِيَّا. اِبْنَا مَرَارِي: مَحْلِي وَمُوشِي. اِبْنَا مَحْلِي: أَلِعَازَارُ وَقَيْسُ. وَمَاتَ أَلِعَازَارُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَنُونَ بَلْ بَنَاتٌ. فَتَزَوَّجَهُنَّ أَبْنَاءُ عَمِّهِنَّ قَيْسَ. بَنُو مُوشِي 3: مَحْلِي وَعَادِرُ وَيَرِيمُوثُ. كُلُّ هَؤُلَاءِ كَانُوا بَنِي لَاوِي الَّذِينَ تَمَّ إِحْصَاؤُهُمْ حَسَبَ عَائِلَاتِهِمْ وَرُؤَسَاءِ عَائِلَاتِهِمْ، وَسُجِّلَتْ أَسْمَاؤُهُمْ لِيَقُومُوا بِعَمَلِهِمْ فِي خِدْمَةِ بَيْتِ اللهِ. وَهُمْ مِنِ ابْنِ 20 سَنَةً وَمَا فَوْقُ. لِأَنَّ دَاوُدَ قَالَ: ”إِنَّ الْمَوْلَى رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَرَاحَ شَعْبَهُ، وَهُوَ قَدْ جَاءَ لِيَسْكُنَ فِي الْقُدْسِ إِلَى الْأَبَدِ، لِذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ اللَّاوِيُّونَ فِيمَا بَعْدُ أَنْ يَحْمِلُوا مَسْكَنَهُ وَالْآنِيَةَ الْأُخْرَى لِخِدْمَتِهِ.“ لِهَذَا تَمَّ إِحْصَاءُ اللَّاوِيِّينَ مِنِ ابْنِ 20 سَنَةً وَمَا فَوْقُ، حَسَبَ وَصِيَّةِ دَاوُدَ الْأَخِيرَةِ. فَكَانُوا يَقُومُونَ بِخِدْمَةِ بَيْتِ اللهِ تَحْتَ إِشْرَافِ بَنِي هَارُونَ، مِثْلَ الْعِنَايَةِ بِالسَّاحَاتِ وَالْغُرَفِ الْجَانِبِيَّةِ، وَتَطْهِيرِ الْأَدَوَاتِ الْمُقَدَّسَةِ، وَالْقِيَامِ بِالْوَاجِبَاتِ الْأُخْرَى فِي بَيْتِ اللهِ. وَكَانُوا مَسْئُولِينَ عَنِ الْخُبْزِ الْمُقَدَّسِ الَّذِي يُوضَعُ فِي مَحْضَرِ اللهِ، وَدَقِيقِ الْقُرْبَانِ، وَرِقَاقِ الْفَطِيرِ، وَمَا يُخْبَزُ عَلَى الصَّاجِ، وَيُعْجَنُ بِالزَّيْتِ، وَكَذَلِكَ مَسْئُولِينَ عَنْ عَمَلِيَّاتِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ. وَيَقُومُونَ بِحَمْدِ اللهِ وَتَسْبِيحِهِ كُلَّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ. وَيُسَاعِدُونَ فِي تَقْدِيمِ الْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ للهِ بِانْتِظَامٍ، فِي أَيَّامِ السَّبْتِ وَاحْتِفَالَاتِ رَأْسِ الشَّهْرِ وَالْأَعْيَادِ. وَذَلِكَ حَسَبَ الْعَدَدِ الْمَفْرُوضِ عَلَيْهِمْ. فَكَانَ اللَّاوِيُّونَ يَخْدِمُونَ الْخَيْمَةَ وَالْمَقْدِسَ، وَيُسَاعِدُونَ بَنِي هَارُونَ أَقَارِبَهُمْ فِي خِدْمَةِ بَيْتِ اللهِ. وَهَذِهِ فِرَقُ بَنِي هَارُونَ: بَنُو هَارُونَ هُمْ نَادَابُ وَأَبِيهُو وَأَلِعَازَارُ وَإِيتَامَارُ. وَمَاتَ نَادَابُ وَأَبِيهُو قَبْلَ أَبِيهِمَا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَنُونَ. فَصَارَ أَلِعَازَارُ وَإِيتَامَارُ حَبْرَيْنِ. وَقَسَمَهُمْ دَاوُدُ بِمُسَاعَدَةِ صَادِقَ الَّذِي مِنْ نَسْلِ أَلِعَازَارَ، وَأَخِيمَلِكَ الَّذِي مِنْ نَسْلِ إِيتَامَارَ، حَسَبَ الْخِدْمَةِ الَّتِي كُلِّفُوا بِهَا. وَكَانَ لِبَنِي أَلِعَازَارَ رُؤَسَاءُ عَائِلَاتٍ أَكْثَرَ مِنْ بَنِي إِيتَامَارَ، فَقَسَمُوا بَنِي أَلِعَازَارَ إِلَى 16 فِرْقَةٍ وَبَنِي إِيتَامَارَ إِلَى 8 فِرَقٍ. وَاخْتَارُوهُمْ بِالْقُرْعَةِ، فَكَانَ خُدَّامُ الْمَقْدِسِ وَخُدَّامُ بَيْتِ اللهِ مِنْ بَيْنِ بَنِي أَلِعَازَارَ وَبَنِي إِيتَامَارَ عَلَى السَّوَاءِ. وَسَجَّلَهُمْ شَمَعْيَا بْنُ نَثَنْئِيلَ الْكَاتِبُ اللَّاوِيُّ، أَمَامَ الْمَلِكِ وَالرُّؤَسَاءِ، وَصَادِقَ الْحَبْرِ، وَأَخِيمَلِكَ بْنِ أَبِيأَثَرَ، وَرُؤَسَاءِ عَائِلَاتِ الْأَحْبَارِ وَاللَّاوِيِّينَ. وَقَسَّمُوا الْعَمَلَ بَيْنَ عَائِلَاتِ أَلِعَازَارَ وَإِيتَامَارَ. فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ الْأُولَى مِنْ نَصِيبِ يُويَارِيبَ، وَالثَّانِيَةُ يَدَعْيَا، وَالثَّالِثَةُ حَارِيمَ، وَالرَّابِعَةُ سَعُورِيمَ، وَالْخَامِسَةُ مَلَكْيَا، وَالسَّادِسَةُ مِيَّمِينَ. وَالسَّابِعَةُ هَقُّوصَ، وَالثَّامِنَةُ أَبِيَّا، وَالتَّاسِعَةُ يَشُوعَ، وَالْعَاشِرَةُ شَكَنْيَا، وَالْحَادِيَةَ عَشْرَةَ أَلْيَاشِيبَ، وَالثَّانِيَةَ عَشْرَةَ يَاقِيمَ، وَالثَّالِثَةَ عَشْرَةَ حُفَّةَ، وَالرَّابِعَةَ عَشْرَةَ يَشَبْآبَ، وَالْخَامِسَةَ عَشْرَةَ بَلْجَةَ، وَالسَّادِسَةَ عَشْرَةَ إِيمِيرَ، وَالسَّابِعَةَ عَشْرَةَ حِيزِيرَ، وَالثَّامِنَةَ عَشْرَةَ هَفْصِيصَ، وَالتَّاسِعَةَ عَشْرَةَ فَقَحْيَا، وَالْعِشْرُونَ يَحْزَقِيلَ، وَالْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ يَاكِينَ، وَالثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ جَامُولَ، وَالثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ دَلَايَا، وَالرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ مَعَزْيَا. كُلُّ هَؤُلَاءِ اخْتَارُوهُمْ لِيَخْدِمُوا فِي بَيْتِ اللهِ، حَسَبَ التَّعْلِيمَاتِ الَّتِي أَعْطَاهَا لَهُمْ هَارُونُ أَبُوهُمْ، كَمَا أَمَرَهُ الْمَوْلَى رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَهَذِهِ هِيَ أَسْمَاءُ بَقِيَّةِ بَنِي لَاوِي. مِنْ بَنِي عَمْرَامَ: شَبُوئِيلُ. وَمِنْ بَنِي شَبُوئِيلَ: يَحَدْيَا. وَمِنْ بَنِي رَحَبْيَا: يَشِيَّا الْبِكْرُ. وَمِنْ بَنِي يِصْهَارَ: شَلُومُوثُ. وَمِنْ بَنِي شَلُومُوثَ: يَحَثُ. وَمِنْ بَنِي حَبْرُونَ: يَرِيَّا ثُمَّ الثَّانِي أَمَرْيَا وَالثَّالِثُ يَحْزِيلُ وَالرَّابِعُ يَقْمَعَامُ. وَمِنْ بَنِي عُزِّيلَ: مِيخَا. وَمِنْ بَنِي مِيخَا: شَامُورُ. وَأَخُو مِيخَا: يَشِيَّا. وَمِنْ بَنِي يَشِيَّا: زَكَرِيَّا. وَابْنَا مَرَارِي: مَحْلِي وَمُوشِي. وَابْنُ يَعَزْيَا بَنُو. وَمِنْ بَنِي مَرَارِي لِيَعَزْيَا: بَنُو وَشُوهَمُ وَزَكُّورُ وَعِبْرِي. وَمِنْ مَحْلِي: أَلِعَازَارُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَنُونَ. وَابْنُ قَيْسَ: يَرْحَمِيلُ. وَبَنُو مُوشِي: مَحْلِي وَعَادِرُ وَيَرِيمُوثُ. هَؤُلَاءِ هُمُ اللَّاوِيُّونَ حَسَبَ عَائِلَاتِهِمْ. وَهُمْ أَيْضًا أَلْقَوْا قُرْعَةً كَإِخْوَتِهِمْ بَنِي هَارُونَ، أَمَامَ دَاوُدَ الْمَلِكِ وَصَادِقَ وَأَخِيمَلِكَ وَرُؤَسَاءِ عَائِلَاتِ الْأَحْبَارِ وَاللَّاوِيِّينَ. وَعَامَلُوا الْكُلَّ بِالْمُسَاوَاةِ، عَائِلَةَ أَكْبَرِ أَخٍ كَعَائِلَةِ أَصْغَرِ أَخٍ. وَفَرَزَ دَاوُدُ وَقَادَةُ الْجَيْشِ بَعْضَ بَنِي آسَافَ وَهِيمَانَ وَيَدُوثُونَ لِخِدْمَةِ النُّبُوَّةِ عَلَى أَنْغَامِ الْأَعْوَادِ وَالرَّبَابِ وَالنَّاقُوسِ. وَهَذِهِ أَسْمَاءُ الَّذِينَ قَامُوا بِهَذِهِ الْخِدْمَةِ: مِنْ بَنِي آسَافَ: زَكُّورُ وَيُوسِفُ وَنَثَنْيَا وَأَشَرْئِيلَةُ، وَكَانُوا يَخْدِمُونَ تَحْتَ إِشْرَافِ آسَافَ أَبِيهِمُ الَّذِي كَانَ يَتَنَبَّأُ فِي مَحْضَرِ الْمَلِكِ. وَمِنْ بَنِي يَدُوثُونَ: جَدَلْيَا وَصَرِي وَيَشْعِيَا وَشَمْعِي وَحَشَبْيَا وَمَتَّثْيَا. وَهُمْ 6 تَحْتَ إِشْرَافِ أَبِيهِمْ يَدُوثُونَ، الَّذِي كَانَ يَتَنَبَّأُ عَلَى أَنْغَامِ الْعُودِ، وَيَحْمَدُ وَيُسَبِّحُ اللهَ. وَمِنْ بَنِي هِيمَانَ: بُقِّيَّا وَمَتَنْيَا وَعُزِّيلُ وَشَبُوئِيلُ وَيَرِيمُوثُ وَحَنَنْيَا وَحَنَانِي وَإِلْيَاثَةُ، وَجِدَّلْتِي وَرُومَمْتِي عَزَرُ وَيُشْبَقَاشَةُ وَمَلُّوثِي وَهُوثِيرُ وَمَحْزِيُوثُ. كُلُّ هَؤُلَاءِ بَنُو هِيمَانَ رَائِي الْمَلِكِ، لِأَنَّ اللهَ وَعَدَهُ بِأَنْ يَرْفَعَ مَقَامَهُ، فَرَزَقَهُ اللهُ 14 ابْنًا وَ3 بَنَاتٍ. وَكَانُوا يُغَنُّونَ تَحْتَ إِشْرَافِ أَبِيهِمْ فِي بَيْتِ اللهِ، عَلَى أَنْغَامِ النَّاقُوسِ وَالرَّبَابِ وَالْأَعْوَادِ. هَذِهِ هِيَ خِدْمَتُهُمْ فِي بَيْتِ اللهِ. وَكَانَ آسَافُ وَيَدُوثُونُ وَهِيمَانُ أَنْفُسُهُمْ تَحْتَ إِشْرَافِ الْمَلِكِ. وَكَانَ كُلُّ هَؤُلَاءِ الْمُدَرَّبِينَ وَالْمَاهِرِينَ فِي الْغِنَاءِ للهِ مَعَ أَقَارِبِهِمْ 288. وَكَانُوا يُلْقُونَ قُرْعَةً لِتَحْدِيدِ وَاجِبَاتِهِمْ، سَوَاءٌ فِيهِمُ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ، وَالْمُعَلِّمُ وَالتِّلْمِيذُ. فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ الْأُولَى مِنْ نَصِيبِ يُوسِفَ مِنْ بَنِي آسَافَ وَبَنِيهِ وَأَقَارِبِهِ وَكَانُوا 12. وَالثَّانِيَةُ جَدَلْيَا وَبَنِيهِ وَأَقَارِبِهِ 12. وَالثَّالِثَةُ زَكُّورَ وَبَنِيهِ وَأَقَارِبِهِ 12. وَالرَّابِعَةُ لِيَصْرِي وَبَنِيهِ وَأَقَارِبِهِ 12. وَالْخَامِسَةُ نَثَنْيَا وَبَنِيهِ وَأَقَارِبِهِ 12. وَالسَّادِسَةُ بُقِّيَّا وَبَنِيهِ وَأَقَارِبِهِ 12. وَالسَّابِعَةُ يَشَرْئِيلَةَ وَبَنِيهِ وَأَقَارِبِهِ 12. وَالثَّامِنَةُ يَشْعِيَا وَبَنِيهِ وَأَقَارِبِهِ 12. وَالتَّاسِعَةُ مَتَنْيَا وَبَنِيهِ وَأَقَارِبِهِ 12. وَالْعَاشِرَةُ شَمْعِي وَبَنِيهِ وَأَقَارِبِهِ 12. وَالْحَادِيَةَ عَشْرَةَ عَزْرِيلَ وَبَنِيهِ وَأَقَارِبِهِ 12. وَالثَّانِيَةَ عَشْرَةَ حَشَبْيَا وَبَنِيهِ وَأَقَارِبِهِ 12. وَالثَّالِثَةَ عَشْرَةَ شَبُوئِيلَ وَبَنِيهِ وَأَقَارِبِهِ 12. وَالرَّابِعَةَ عَشْرَةَ مَتَّثْيَا وَبَنِيهِ وَأَقَارِبِهِ 12. وَالْخَامِسَةَ عَشْرَةَ يَرِيمُوثَ وَبَنِيهِ وَأَقَارِبِهِ 12. وَالسَّادِسَةَ عَشْرَةَ حَنَنْيَا وَبَنِيهِ وَأَقَارِبِهِ 12. وَالسَّابِعَةَ عَشْرَةَ يُشْبَقَاشَةَ وَبَنِيهِ وَأَقَارِبِهِ 12. وَالثَّامِنَةَ عَشْرَةَ حَنَانِي وَبَنِيهِ وَأَقَارِبِهِ 12. وَالتَّاسِعَةَ عَشْرَةَ مَلُّوثِي وَبَنِيهِ وَأَقَارِبِهِ 12. وَالْعِشْرُونَ إِلْيَاثَةَ وَبَنِيهِ وَأَقَارِبِهِ 12. وَالْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ هُوثِيرَ وَبَنِيهِ وَأَقَارِبِهِ 12. وَالثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ جِدَّلْتِي وَبَنِيهِ وَأَقَارِبِهِ 12. وَالثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ مَحْزِيُوثَ وَبَنِيهِ وَأَقَارِبِهِ 12. وَالرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ رُومَمْتِي عَزَرَ وَبَنِيهِ وَأَقَارِبِهِ 12. هَذِهِ أَقْسَامُ الْبَوَّابِينَ. مِنْ بَنِي قُورَحَ: مَشَلَمْيَا بْنُ قُورِي مِنْ بَنِي آسَافَ. وَكَانَ لِمَشَلَمْيَا 7 بَنِينَ هُمْ بِالتَّرْتِيبِ: زَكَرِيَّا الْبِكْرُ، ثُمَّ يَدْيَعِيلُ وَزَبَدْيَا وَيَثَنْئِيلُ وَعِيلَامُ وَيُوحَانَانُ وَأَلْيُوعِينَايُ. وَكَانَ لِعُبَيْدَ أَدُومَ 8 بَنِينَ لِأَنَّ اللهَ بَارَكَهُ، وَهُمْ بِالتَّرْتِيبِ: شَمَعْيَا الْبِكْرُ، ثُمَّ يُوزَابَادُ وَيُوآخُ وَسَاكَارُ وَنَثَنْئِيلُ وَعَمِّئِيلُ وَيَسَّاكَرُ وَفَعَلْتَايُ. وَكَانَ لِشَمَعْيَا ابْنِهِ 6 بَنِينَ كَانُوا قَادَةً فِي عَائِلَةِ أَبِيهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا رِجَالًا لَهُمْ مَقْدِرَةٌ. وَهُمْ عُتْنِي وَرَفَائِيلُ وَعُبَيْدُ وَأَلْزَابَادُ وَأَلِيهُو وَسَمَكْيَا. وَكَانَ أَلِيهُو وَسَمَكْيَا أَيْضًا مِنَ الرِّجَالِ الْأَشِدَّاءِ. كُلُّ هَؤُلَاءِ مِنْ نَسْلِ عُبَيْدَ أَدُومَ، وَهُمْ وَبَنُوهُمْ وَأَقَارِبُهُمُ 62 مِنَ الرِّجَالِ الْأَشِدَّاءِ وَلَهُمُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْعَمَلِ. وَكَانَ لِمَشَلَمْيَا 18 ابْنًا وَقَرِيبًا، وَكَانُوا رِجَالًا أَشِدَّاءَ. وَكَانَ لِحُوسَةَ مِنْ بَنِي مَرَارِي 4 بَنِينَ: شِمْرِي الَّذِي عَيَّنَهُ أَبُوهُ رَئِيسًا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِكْرًا، وَالثَّانِي حِلْقِيَا وَالثَّالِثُ طَبَلْيَا وَالرَّابِعُ زَكَرِيَّا. كُلُّ بَنِي حُوسَةَ وَأَقَارِبِهِمْ 13. هَذِهِ هِيَ فِرَقُ الْبَوَّابِينَ وَالْقَادَةُ الَّذِينَ كَانُوا يَخْدِمُونَ فِي بَيْتِ اللهِ. وَكَانَ أَقَارِبُهُمْ أَيْضًا يَخْدِمُونَ هُنَاكَ. فَكَانُوا يُلْقُونَ قُرْعَةً لِتَعْرِفَ كُلُّ عَائِلَةٍ الْبَوَّابَةَ الَّتِي تَحْرُسُهَا. كَانَتِ الْقُرْعَةُ لِلصَّغِيرِ كَالْكَبِيرِ. فَأَصَابَتِ الْقُرْعَةُ شَلَمْيَا لِحِرَاسَةِ الْبَابِ الشَّرْقِيِّ. ثُمَّ وَقَعَتْ عَلَى زَكَرِيَّا ابْنِهِ، لِحِرَاسَةِ الْبَابِ الشَّمَالِيِّ. وَكَانَ زَكَرِيَّا حَكِيمًا فِي مَشُورَتِهِ. وَوَقَعَتْ عَلَى عُبَيْدَ أَدُومَ لِحِرَاسَةِ الْبَابِ الْجَنُوبِيِّ، وَبَنِيهِ لِحِرَاسَةِ الْمَخَازِنِ. وَشُفِّيمَ وَحُوسَةَ لِحِرَاسَةِ الْبَابِ الْغَرْبِيِّ مَعَ بَابِ شَلَّكَةَ عِنْدَ مَطْلَعِ الطَّرِيقِ. وَكَانَتِ الْحِرَاسَةُ مُسْتَمِرَّةً وَبِلَا انْقِطَاعٍ. وَهَذَا هُوَ عَدَدُ اللَّاوِيِّينَ الَّذِينَ يَحْرُسُونَ الْأَبْوَابَ: الْبَابُ الشَّرْقِيُّ كُلَّ يَوْمٍ 6. الْبَابُ الشَّمَالِيُّ كُلَّ يَوْمٍ 4. الْبَابُ الْجَنُوبِيُّ كُلَّ يَوْمٍ 4. وَعَلَى الْمَخْزَنِ 2 فِي كُلِّ نَوْبَةٍ. وَالسَّاحَةُ الْغَرْبِيَّةُ 2. وَعَلَى الطَّرِيقِ إِلَى السَّاحَةِ 4. هَذِهِ هِيَ فِرَقُ الْبَوَّابِينَ مِنْ بَنِي قُورَحَ وَبَنِي مَرَارِي. كَانَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ اللَّاوِيِّينَ مَسْئُولِينَ عَنْ خَزَائِنِ بَيْتِ اللهِ وَخَزَائِنِ الْأَشْيَاءِ الْمُكَرَّسَةِ للهِ. وَهُمْ: يَحِيئِيلُ وَهُوَ مِنْ نَسْلِ جَرْشُونَ، وَمِنْ بَنِي لَعْدَانَ الْجَرْشُونِيِّ وَوَاحِدٌ مِنْ رُؤَسَاءِ عَائِلَاتِهِمْ. وَابْنَا يَحِيئِيلَ: زِيتَامُ وَأَخُوهُ يُوئِيلُ وَكَانَا مَسْئُولَيْنِ عَنْ خَزَائِنِ بَيْتِ اللهِ. وَمِنْ بَنِي عَمْرَامَ وَيِصْهَارَ وَحَبْرُونَ وَعُزِّيلَ، كَانَ شَبُوئِيلُ بْنُ جَرْشُومَ بْنِ مُوسَى رَئِيسًا عَلَى تِلْكَ الْخَزَائِنِ. وَقَرِيبُهُ مِنْ نَسْلِ أَلِيعَزَرَ: شَلُومِيثُ بْنُ زِكْرِي بْنِ يُورَامَ بْنِ يَشْعِيَا بْنِ رَحَبْيَا. وَكَانَ شَلُومِيثُ هَذَا وَأَقَارِبُهُ مَسْئُولِينَ عَنْ كُلِّ خَزَائِنِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي كَرَّسَهَا للهِ دَاوُدُ الْمَلِكُ وَرُؤَسَاءُ الْعَائِلَاتِ وَقَادَةُ الْأُلُوفِ وَالْمِئَاتِ وَضُبَّاطُ الْجَيْشِ. فَكَرَّسُوا بَعْضَ غَنِيمَةِ الْحَرْبِ لِتَرْمِيمِ بَيْتِ اللهِ. وَكَانَ شَلُومِيثُ وَأَقَارِبُهُ أَيْضًا، مَسْئُولِينَ عَنْ كُلِّ مَا كَرَّسَهُ للهِ صَمُوئِيلُ الرَّائِي وَشَاوُلُ بْنُ قَيْسَ وَأَبْنِيرُ بْنُ نِيرَ وَيُوآبُ ابْنُ صَرُويَةَ. وَمِنْ بَنِي يِصْهَارَ: تَوَلَّى كَنَنْيَا وَبَنُوهُ وَظَائِفَ خَارِجَ بَيْتِ اللهِ، فَكَانُوا قَادَةً وَقُضَاةً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. وَمِنْ بَنِي حَبْرُونَ: حَشَبْيَا وَأَقَارِبُهُ وَهُمْ 1700 رَجُلٍ مِنَ الْأَشِدَّاءِ، كَانُوا مَسْئُولِينَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ غَرْبَ الْأُرْدُنِّ فِي كُلِّ مَا لَهُ عَلَاقَةٌ بِعَمَلِ اللهِ وَفِي خِدْمَةِ الْمَلِكِ. وَكَانَ يَرِيَّا رَئِيسًا لِبَنِي حَبْرُونَ حَسَبَ سِجِلِّ الْأَنْسَابِ. وَفِي السَّنَةِ الْأَرْبَعِينَ مِنْ عَهْدِ الْمَلِكِ دَاوُدَ، بَحَثُوا السِّجِلَّاتِ فَوَجَدُوا فِيهِمْ رِجَالًا أَشِدَّاءَ فِي يَعْزِيرَ بِجِلْعَادَ. وَكَانَ مَعَ يَرِيَّا 2700 مِنْ أَقَارِبِهِ وَهُمْ رِجَالٌ أَشِدَّاءُ وَرُؤَسَاءُ عَائِلَاتٍ. فَجَعَلَهُمُ الْمَلِكُ دَاوُدُ وُكَلَاءَ عَلَى بَنِي رَأُوبِينَ وَجَادَ وَنِصْفِ قَبِيلَةِ مَنَسَّى، فِي كُلِّ أُمُورِ اللهِ وَأُمُورِ الْمَلِكِ. وَهَذِهِ أَسْمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنْ رُؤَسَاءِ عَائِلَاتٍ وَقَادَةِ أُلُوفٍ وَمِئَاتٍ وَضُبَّاطٍ، الَّذِينَ كَانُوا يَخْدِمُونَ الْمَلِكَ فِي كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِفِرَقِ الْجَيْشِ. وَكَانَتْ كُلُّ فِرْقَةٍ مِنْ 24000، وَتَخْدِمُ شَهْرًا فِي السَّنَةِ. رَئِيسُ الْفِرْقَةِ الْأُولَى لِلشَّهْرِ الْأَوَّلِ يَشُبْعَامُ بْنُ زَبْدِيلَ وَفِرْقَتُهُ مِنْ 24000. وَهُوَ مِنْ نَسْلِ فَارِصَ، وَهُوَ رَئِيسُ كُلِّ قَادَةِ الْجَيْشِ لِلشَّهْرِ الْأَوَّلِ. رَئِيسُ فِرْقَةِ الشَّهْرِ الثَّانِي دُودَايُ الْأَخُوخِيُّ، وَمِقْلُوثُ كَانَ قَائِدًا فِي الْفِرْقَةِ، وَفِرْقَتُهُ مِنْ 24000. رَئِيسُ فِرْقَةِ الشَّهْرِ الثَّالِثِ بَنَايَا بْنُ يُويَادَاعَ الْحَبْرِ. كَانَ رَئِيسًا وَفِرْقَتُهُ مِنْ 24000. وَهُوَ بَنَايَا رَئِيسُ الْأَبْطَالِ الـ30 وَأَعْلَاهُمْ مَرْكَزًا. وَمِنْ فِرْقَتِهِ عَمِّيزَابَادُ ابْنُهُ. رَئِيسُ فِرْقَةِ الشَّهْرِ الرَّابِعِ عَسَائِيلُ أَخُو يُوآبَ وَحَلَّ مَكَانَهُ زَبَدْيَا ابْنُهُ، وَفِرْقَتُهُ مِنْ 24000. رَئِيسُ فِرْقَةِ الشَّهْرِ الْخَامِسِ شَمْحُوتُ الْيَزْرَاحِيُّ، وَفِرْقَتُهُ مِنْ 24000. رَئِيسُ فِرْقَةِ الشَّهْرِ السَّادِسِ عِيرَا بْنُ عِقِّيشَ التَّقُوعِيُّ، وَفِرْقَتُهُ مِنْ 24000. رَئِيسُ فِرْقَةِ الشَّهْرِ السَّابِعِ حَالَصُ الْفَلُونِيُّ مِنْ بَنِي أَفْرَايِمَ، وَفِرْقَتُهُ مِنْ 24000. رَئِيسُ فِرْقَةِ الشَّهْرِ الثَّامِنِ سِبْكَايُ الْحُوشِيُّ مِنْ بَنِي زَارَحَ، وَفِرْقَتُهُ مِنْ 24000. رَئِيسُ فِرْقَةِ الشَّهْرِ التَّاسِعِ أَبِيعَزَرُ الْعَنَاثُوثِيُّ مِنْ بِنْيَمِينَ، وَفِرْقَتُهُ مِنْ 24000. رَئِيسُ فِرْقَةِ الشَّهْرِ الْعَاشِرِ مَهْرَايُ النَّطُوفَاتِيُّ مِنْ بَنِي زَارَحَ، وَفِرْقَتُهُ مِنْ 24000. رَئِيسُ فِرْقَةِ الشَّهْرِ الْحَادِيَ عَشَرَ بَنَايَا الْفَرْعَتُونِيُّ مِنْ بَنِي أَفْرَايِمَ، وَفِرْقَتُهُ مِنْ 24000. رَئِيسُ فِرْقَةِ الشَّهْرِ الثَّانِيَ عَشَرَ خَالِدُ النَّطُوفَاتِيُّ مِنْ بَنِي عُتْنِيلَ، وَفِرْقَتُهُ مِنْ 24000. هَؤُلَاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. عَلَى بَنِي رَأُوبِينَ: أَلِيعَزَرُ بْنُ زِكْرِي. عَلَى بَنِي شَمْعُونَ: شَفَطْيَا بْنُ مَعْكَةَ. عَلَى بَنِي لَاوِي: حَشَبْيَا بْنُ قَمُوئِيلَ. عَلَى بَنِي هَارُونَ: صَادِقُ. عَلَى بَنِي يَهُوذَا: أَلِيهُو مِنْ إِخْوَةِ دَاوُدَ. عَلَى بَنِي يَسَّاكَرَ: عُمْرِي بْنُ مِيخَائِيلَ. عَلَى بَنِي زَبُولُونَ: يَشْمَعْيَا بْنُ عُوبَدْيَا. عَلَى بَنِي نَفْتَالِي: يَرِيمُوثُ بْنُ عَزْرِيلَ. عَلَى بَنِي أَفْرَايِمَ: هُوشَعُ بْنُ عَزَزْيَا. عَلَى نِصْفِ بَنِي مَنَسَّى: يُوئِيلُ بْنُ فَدَايَا. عَلَى النِّصْفِ الْآخَرِ لِبَنِي مَنَسَّى فِي جِلْعَادَ: يَدُّو بْنُ زَكَرِيَّا. عَلَى بَنِي بِنْيَمِينَ: يَعْسِئِيلُ بْنُ أَبْنِيرَ. عَلَى بَنِي دَانَ: عَزْرِيلُ بْنُ يَرُوحَامَ. كَانَ هَؤُلَاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَلَمْ يَأْخُذْ دَاوُدُ عَدَدَ الرِّجَالِ مِنِ ابْنِ 20 سَنَةً وَأَقَلَّ، لِأَنَّ اللهَ قَالَ إِنَّهُ يُكْثِرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَنُجُومِ السَّمَاءِ. وَكَانَ يُوآبُ ابْنُ صَرُويَةَ قَدِ ابْتَدَأَ يَعُدُّهُمْ وَلَكِنَّهُ لَمْ يُكَمِّلْ، لِأَنَّ اللهَ غَضِبَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِسَبَبِ هَذَا. وَلِذَلِكَ لَمْ يُسَجَّلِ الْعَدَدُ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ الْمَلِكِ دَاوُدَ. وَكَانَ عَزْمُوتُ بْنُ عَدِئِيلَ الْوَكِيلَ عَلَى مَخَازِنِ الْمَلِكِ. وَيُونَاثَانُ بْنُ عُزِّيَّا عَلَى مَخَازِنِ الرِّيفِ وَالْمُدُنِ وَالْقُرَى وَالْحُصُونِ. وَعَزْرِي بْنُ كَلُوبَ عَلَى عُمَّالِ الْحُقُولِ وَالْفَلَّاحِينَ. وَشَمْعِي الرَّامِيُّ عَلَى الْكُرُومِ. وَزَبَدِي الشَّفْمِيُّ عَلَى الْعِنَبِ وَمَخَازِنِ الْخَمْرِ. وبَعْلُ حَانَانَ الْجَدِيرِيُّ عَلَى الزَّيْتُونِ وَالْجُمَّيْزِ اللَّذَيْنِ فِي السَّهْلِ. وَيُوعَاشُ عَلَى خَزَائِنِ الزَّيْتِ. وَشَطْرَايُ الشَّارُونِيُّ عَلَى الْبَقَرِ الَّذِي يَرْعَى فِي شَارُونَ. وَشَافَاطُ بْنُ عَدْلَايَ عَلَى الْبَقَرِ الَّذِي فِي الْأَوْدِيَةِ. وَأُوبِيلُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَلَى الْجِمَالِ. وَيَحَدْيَا الْمِيرُونُوثِيُّ عَلَى الْحَمِيرِ. وَيَازِيزُ الْهَاجِرِيُّ عَلَى الْغَنَمِ. كُلُّ هَؤُلَاءِ كَانُوا وُكَلَاءَ الْمَلِكِ دَاوُدَ عَلَى أَمْلَاكِهِ. وَيُونَاثَانُ عَمُّ دَاوُدَ، كَانَ مُسْتَشَارًا وَحَكِيمًا وَفَقِيهًا. وَيَحِيئِيلُ بْنُ حَكْمُونِي كَانَ مَسْئُولًا عَنْ تَرْبِيَةِ أَوْلَادِ الْمَلِكِ. وَكَانَ أَخِيتُوفَلُ مُسْتَشَارًا لِلْمَلِكِ، وَحُوشَايُ الْأَرْكِيُّ صَاحِبَ الْمَلِكِ. وَبَعْدَ أَخِيتُوفَلَ حَلَّ مَكَانَهُ يُويَادَاعُ بْنُ بَنَايَا وَأَبِيأَثَرُ. وَكَانَ يُوآبُ قَائِدَ جَيْشِ الْمَلِكِ. وَاسْتَدْعَى دَاوُدُ كُلَّ رُؤَسَاءِ إِسْرَائِيلَ إِلَى الْقُدْسِ، رُؤَسَاءَ الْقَبَائِلِ، وَرُؤَسَاءَ الْفِرَقِ الَّتِي فِي خِدْمَةِ الْمَلِكِ، وَرُؤَسَاءَ الْأُلُوفِ، وَرُؤَسَاءَ الْمِئَاتِ، وَالْوُكَلَاءَ الْمَسْئُولِينَ عَنْ أَمْوَالِ الْمَلِكِ وَأَمْلَاكِهِ، وَعَنْ أَمْوَالِ أَوْلَادِ الْمَلِكِ وَأَمْلَاكِهِمْ، وَرِجَالَ الْقَصْرِ، وَالْأَبْطَالَ، وَكُلَّ الْمُحَارِبِينَ الْبَوَاسِلِ. وَوَقَفَ دَاوُدُ الْمَلِكُ عَلَى رِجْلَيْهِ وَقَالَ: ”اِسْمَعُونِي يَا إِخْوَتِي وَشَعْبِي. كَانَ فِي نِيَّتِي أَنْ أَبْنِيَ بَيْتًا، يَسْتَقِرُّ فِيهِ صُنْدُوقُ عَهْدِ اللهِ، وَيَكُونُ مَكَانًا يَضَعُ فِيهِ إِلَهُنَا قَدَمَيْهِ. وَأَعْدَدْتُ لِلْبِنَاءِ. وَلَكِنَّ اللهَ قَالَ لِي: ’أَنْتَ لَنْ تَبْنِيَ بَيْتًا لِإِكْرَامِ اسْمِي، لِأَنَّكَ رَجُلُ حَرْبٍ وَسَفَكْتَ دَمًا.‘ ”إِنَّ الْمَوْلَى رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ اخْتَارَنِي مِنْ كُلِّ عَائِلَةِ أَبِي، لِأَكُونَ مَلِكًا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الْأَبَدِ. فَهُوَ اخْتَارَ قَبِيلَةَ يَهُوذَا لِيَأْتِيَ الْحَاكِمُ مِنْهَا. وَمِنْ بَنِي يَهُوذَا اخْتَارَ عَائِلَةَ أَبِي، وَمِنْ بَنِي أَبِي رَضِيَ عَنِّي لِيَجْعَلَنِي مَلِكًا عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ. وَمِنْ كُلِّ بَنِيَّ الْكَثِيرِينَ الَّذِينَ أَعْطَاهُمُ اللهُ لِي، اِخْتَارَ سُلَيْمَانَ ابْنِي، لِيَجْلِسَ عَلَى عَرْشِ مَمْلَكَةِ اللهِ، بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَقَالَ لِي: ’سُلَيْمَانُ ابْنُكَ هُوَ الَّذِي يَبْنِي بَيْتِي وَسَاحَاتِهِ، لِأَنِّي اخْتَرْتُهُ لِيَكُونَ ابْنِي، وَأَنَا أَكُونُ أَبَاهُ. وَأُثَبِّتُ مُلْكَهُ إِلَى الْأَبَدِ، إِنِ اسْتَمَرَّ فِي الْعَمَلِ بِوَصَايَايَ وَأَحْكَامِي، كَمَا يَحْدُثُ الْيَوْمَ.‘ ”فَالْآنَ أُوصِيكُمْ، أَمَامَ كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَمَاعَةِ اللهِ، وَبِمَسْمَعٍ مِنْ إِلَهِنَا، أَنْ تَحْفَظُوا كُلَّ وَصَايَا الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ وَتُمَارِسُوهَا، لِكَيْ تَمْلِكُوا هَذِهِ الْأَرْضَ الصَّالِحَةَ، وَتُمَلِّكُوهَا لِأَوْلَادِكُمْ بَعْدَكُمْ إِلَى الْأَبَدِ. وَأَنْتَ يَا ابْنِي سُلَيْمَانُ، اِعْرِفْ إِلَهَ أَبِيكَ، وَاعْبُدْهُ بِقَلْبٍ مُخْلِصٍ وَنَفْسٍ رَاغِبَةٍ، لِأَنَّ اللهَ يَفْحَصُ كُلَّ الْقُلُوبِ، وَيَفْهَمُ كُلَّ خَاطِرٍ وَكُلَّ فِكْرٍ. فَإِنْ طَلَبْتَهُ تَجِدْهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ يَرْفُضْكَ إِلَى الْأَبَدِ. فَانْتَبِهِ الْآنَ، لِأَنَّ اللهَ اخْتَارَكَ لِتَبْنِيَ بَيْتَهُ الْمُقَدَّسَ، فَكُنْ قَوِيًّا وَقُمْ بِهَذَا الْعَمَلِ.“ وَأَعْطَى دَاوُدُ سُلَيْمَانَ ابْنَهُ شَكْلَ تَصْمِيمِ الْبَيْتِ، بِمَا فِيهِ مِنَ الْمَبَانِي وَالْمَخَازِنِ وَالْغُرَفِ الْعُلْوِيَّةِ وَالْغُرَفِ الدَّاخِلِيَّةِ وَمَكَانِ التَّكْفِيرِ عَنِ الذُّنُوبِ. فَأَعْطَاهُ دَاوُدُ شَكْلَ تَصْمِيمِ كُلِّ شَيْءٍ كَمَا أَلْهَمَهُ الرُّوحُ: السَّاحَاتِ حَوْلَ بَيْتِ اللهِ، وَكُلِّ الْغُرَفِ الَّتِي حَوْلَهُ، وَخَزَائِنِ بَيْتِ اللهِ، وَخَزَائِنِ الْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ. كَمَا أَعْطَاهُ التَّعْلِيمَاتِ الْخَاصَّةَ بِفِرَقِ الْأَحْبَارِ وَاللَّاوِيِّينَ، وَكُلِّ وَاجِبَاتِ الْخِدْمَةِ فِي بَيْتِ اللهِ، وَكُلِّ آنِيَةِ الْخِدْمَةِ فِيهِ. وَعَرَّفَهُ دَاوُدُ عَنْ وَزْنِ الذَّهَبِ لِعَمَلِ كُلِّ إِنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَعَنْ وَزْنِ الْفِضَّةِ لِعَمَلِ كُلِّ إِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ. أَيْ كُلِّ آنِيَةِ الْخِدْمَةِ الَّتِي مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ. وَمِنْ ذَلِكَ وَزْنُ الذَّهَبِ لِعَمَلِ كُلِّ مَنَارَةٍ مِنْ مَنَارَاتِ الذَّهَبِ وَمَصَابِيحِهَا، وَوَزْنُ الْفِضَّةِ لِعَمَلِ كُلِّ مَنَارَةٍ مِنْ مَنَارَاتِ الْفِضَّةِ وَمَصَابِيحِهَا. فَكُلُّ مَنَارَةٍ حَسَبَ اسْتِعْمَالِهَا. وَأَيْضًا وَزْنُ الذَّهَبِ لِعَمَلِ كُلِّ مَائِدَةٍ مِنْ مَوَائِدِ الْخُبْزِ الْمُقَدَّسِ الَّتِي مِنْ ذَهَبٍ، وَوَزْنُ الْفِضَّةِ لِعَمَلِ الْمَوَائِدِ الَّتِي مِنْ فِضَّةٍ. وَوَزْنُ الذَّهَبِ النَّقِيِّ لِعَمَلِ الْمَنَاشِلِ وَكُؤُوسِ رَشِّ الدَّمِ وَالْكُؤُوسِ الْأُخْرَى، وَأَطْبَاقِ الذَّهَبِ، وَوَزْنُ الْفِضَّةِ لِعَمَلِ أَطْبَاقِ الْفِضَّةِ. وَوَزْنُ الذَّهَبِ النَّقِيِّ لِعَمَلِ مَنَصَّةِ الْبَخُورِ. كَمَا أَعْطَاهُ دَاوُدُ شَكْلَ تَصْمِيمِ الْمَرْكَبَةِ أَيِ الْمَلَاكَيْنِ اللَّذَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ وَبَاسِطَيْنِ أَجْنِحَتَهُمَا وَيُظَلِّلَانِ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ. وَقَالَ دَاوُدُ: ”حَلَّتْ عَلَيَّ قُوَّةُ اللهِ فَسَجَّلْتُ كُلَّ هَذَا، وَهُوَ سَاعَدَنِي لِأَفْهَمَ كُلَّ تَفَاصِيلِ هَذَا التَّصْمِيمِ.“ وَقَالَ دَاوُدُ لِسُلَيْمَانَ ابْنِهِ: ”كُنْ قَوِيًّا وَشُجَاعًا وَقُمْ بِهَذَا الْعَمَلِ. لَا تَخَفْ وَلَا تَرْتَعِبْ لِأَنَّ الْمَوْلَى الْإِلَهَ مَعَكَ، هُوَ إِلَهِي وَلَنْ يَتَخَلَّى عَنْكَ أَوْ يَتْرُكَكَ، حَتَّى تُكَمِّلَ كُلَّ مَا يَجِبُ عَمَلُهُ فِي بَيْتِ اللهِ. وَهَذِهِ فِرَقُ الْأَحْبَار وَاللَّاوِيِّينَ مُسْتَعِدِّينَ لِعَمَلِ كُلِّ مَا يَلْزَمُ فِي بَيْتِ اللهِ. وَمَعَكَ أَيْضًا عُمَّالٌ مَهَرَةٌ وَحُكَمَاءُ لِكُلِّ مَا يَلْزَمُ، كَمَا أَنَّ الْقَادَةَ وَالشَّعْبَ هُمْ تَحْتَ أَمْرِكَ.“ وَقَالَ الْمَلِكُ دَاوُدُ لِكُلِّ الْجَمَاعَةِ: ”اِبْنِي سُلَيْمَانُ هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ اللهُ، وَهُوَ شَابٌّ وَقَلِيلُ الْخِبْرَةِ. وَهَذَا عَمَلٌ عَظِيمٌ، لِأَنَّهُ قَصْرٌ لِلْمَوْلَى الْإِلَهِ لَا لِإِنْسَانٍ. وَأَنَا بَذَلْتُ كُلَّ مَا فِي جُهْدِي وَأَعْدَدْتُ لِبَيْتِ إِلَهِي، الذَّهَبَ لِمَا يُعْمَلُ مِنْ ذَهَبٍ، وَالْفِضَّةَ لِمَا يُعْمَلُ مِنْ فِضَّةٍ، وَالنُّحَاسَ لِمَا يُعْمَلُ مِنْ نُحَاسٍ، وَالْحَدِيدَ لِمَا يُعْمَلُ مِنْ حَدِيدٍ، وَالْخَشَبَ لِمَا يُعْمَلُ مِنْ خَشَبٍ، وَجَزْعًا وَبَهْرَمَانًا وَحِجَارَةً كَرِيمَةً أُخْرَى وَرُخَامًا بِكَثْرَةٍ. وَلِفَرَحِي بِبَيْتِ إِلَهِي، أَنَا الْآنَ أَتَبَرَّعُ بِمَا أَمْلِكُهُ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، هَذَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى كُلِّ مَا سَبَقَ وَقَدَّمْتُهُ لِهَذَا الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ. حَوَالَيْ 100 طِنٍّ مِنَ الذَّهَبِ الْجَيِّدِ، وَ240 طِنًّا مِنَ الْفِضَّةِ النَّقِيَّةِ، لِتَغْشِيَةِ حِيطَانِ الْمَبَانِي، وَلِعَمَلِ الْمَصْنُوعَاتِ الَّتِي مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَلِكُلِّ مَا يَلْزَمُ أَنْ يَعْمَلَهُ الصُّنَّاعُ. فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَبَرَّعَ الْيَوْمَ للهِ، فَلْيَفْتَحْ يَدَهُ بِسَخَاءٍ.“ فَتَبَرَّعَ رُؤَسَاءُ الْعَائِلَاتِ، وَرُؤَسَاءُ قَبَائِلِ إِسْرَائِيلَ، وَقَادَةُ الْأُلُوفِ وَالْمِئَاتِ، وَالْوُكَلَاءُ الْمَسْئُولُونَ عَنْ أَعْمَالِ الْمَلِكِ. وَأَعْطَوْا لِخِدْمَةِ بَيْتِ اللهِ حَوَالَيْ 170 طِنًّا مِنَ الذَّهَبِ، وَ345 طِنًّا مِنَ الْفِضَّةِ، وَ610 أَطْنَانٍ مِنَ النُّحَاسِ، وَ3450 طِنًّا مِنَ الْحَدِيدِ. وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ حِجَارَةٌ كَرِيمَةٌ، أَعْطَاهَا لِخِزَانَةِ بَيْتِ اللهِ الَّتِي يُشْرِفُ عَلَيْهَا يَحِيئِيلُ الْجَرْشُونِيُّ. وَفَرِحَ الشَّعْبُ لِهَذِهِ التَّبَرُّعَاتِ السَّخِيَّةِ، لِأَنَّهُمْ أَعْطَوْا للهِ مِنْ كُلِّ الْقَلْبِ. وَدَاوُدُ الْمَلِكُ أَيْضًا فَرِحَ فَرَحًا عَظِيمًا. وَسَبَّحَ دَاوُدُ اللهَ أَمَامَ كُلِّ الْجَمَاعَةِ وَقَالَ: ”مُبَارَكٌ أَنْتَ يَا رَبُّ، يَا إِلَهَ أَبِينَا إِسْرَائِيلَ مِنَ الْأَزَلِ وَإِلَى الْأَبَدِ. لَكَ يَا رَبُّ الْعَظَمَةُ وَالْقُوَّةُ وَالْجَلَالُ وَالْمَجْدُ وَالْبَهَاءُ، لِأَنَّ لَكَ كُلَّ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. الْمُلْكُ لَكَ يَا رَبُّ، لِأَنَّكَ الْعَلِيُّ الْمُرْتَفِعُ فَوْقَ الْكُلِّ. مِنْكَ الْغِنَى وَالْكَرَامَةُ، وَأَنْتَ السُّلْطَانُ فَوْقَ الْجَمِيعِ. عِنْدَكَ الْقُدْرَةُ وَالْقُوَّةُ لِتُعَظِّمَ وَتُشَدِّدَ الْجَمِيعَ. اللَّهُمَّ، نَحْنُ الْآنَ نَحْمَدُكَ، وَنُسَبِّحُ اسْمَكَ الْجَلِيلَ. وَلَكِنْ مَنْ أَنَا، وَمَنْ هُوَ شَعْبِي حَتَّى نَقْدِرَ أَنْ نَتَبَرَّعَ لَكَ؟ لِأَنَّ الْكُلَّ يَأْتِي مِنْكَ، فَأَعْطَيْنَاكَ مِمَّا وَهَبْتَهُ لَنَا. نَحْنُ أَمَامَكَ غُرَبَاءُ وَضُيُوفٌ كَمَا كَانَ كُلُّ آبَائِنَا. أَيَّامُنَا كَالظِّلِّ عَلَى الْأَرْضِ، وَهَلْ لِلظِّلِّ رَجَاءٌ فِي الْبَقَاءِ؟ أَيُّهَا الْمَوْلَى إِلَهُنَا، أَنْتَ الَّذِي أَعْطَيْتَنَا كُلَّ هَذِهِ الثَّرْوَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا لِنَبْنِيَ لَكَ بَيْتًا لِإِكْرَامِ اسْمِكَ الْقُدُّوسِ، وَأَنْتَ مَالِكُ الْكُلِّ. أَنَا عَارِفٌ يَا إِلَهِي أَنَّكَ تَمْتَحِنُ الْقُلُوبَ وَتُسَرُّ بِالنَّزَاهَةِ، فَتَبَرَّعْتُ بِكُلِّ هَذِهِ بِنِيَّةٍ خَالِصَةٍ. وَفَرِحْتُ لَمَّا رَأَيْتُ شَعْبَكَ الْمَوْجُودَ هُنَا يَتَبَرَّعُ لَكَ. أَيُّهَا الْمَوْلَى رَبُّ آبَائِنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَإِسْرَائِيلَ، اِحْفَظْ هَذِهِ الرَّغْبَةَ فِي فِكْرِ شَعْبِكَ إِلَى الْأَبَدِ، وَوَجِّهْ قُلُوبَهُمْ إِلَيْكَ. وَأَعْطِ سُلَيْمَانَ ابْنِي قَلْبًا مُخْلِصًا، لِيَعْمَلَ بِوَصَايَاكَ وَإِرْشَادَاتِكَ، وَفَرَائِضِكَ، وَيُنَفِّذَ الْكُلَّ، وَلِيَبْنِيَ قَصْرَكَ الَّذِي أَعْدَدْتُ لَهُ.“ ثُمَّ قَالَ دَاوُدُ لِكُلِّ الْجَمَاعَةِ: ”سَبِّحُوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ.“ فَسَبَّحَتْ كُلُّ الْجَمَاعَةِ الْمَوْلَى إِلَهَ آبَائِهِمْ، وَانْحَنَوْا وَسَجَدُوا للهِ وَلِلْمَلِكِ. وَفِي الْغَدِ قَدَّمُوا للهِ ضَحَايَا وَقَرَابِينَ مُحْرَقَةً: 1000 ثَوْرٍ وَ1000 كَبْشٍ وَ1000 خَرُوفٍ وَقَرَابِينَ شَرَابٍ مَعَهَا، وَضَحَايَا أُخْرَى كَثِيرَةً عَنْ كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَأَكَلُوا وَشَرِبُوا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ فِي مَحْضَرِ اللهِ. وَنَادَوْا بِسُلَيْمَانَ مَلِكًا مَرَّةً ثَانِيَةً، وَمَسَحُوهُ أَمَامَ اللهِ قَائِدًا، وَصَادِقَ حَبْرًا. وَجَلَسَ سُلَيْمَانُ عَلَى عَرْشِ الْمَوْلَى مَلِكًا، مَكَانَ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَأَطَاعَهُ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَكُلُّ الرُّؤَسَاءِ وَالْأَبْطَالِ، وَكُلُّ أَوْلَادِ الْمَلِكِ دَاوُدَ أَيْضًا، خَضَعُوا لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ. وَعَظَّمَ اللهُ سُلَيْمَانَ جِدًّا فِي عُيُونِ جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَمَنَحَهُ جَلَالًا مَلَكِيًّا لَمْ يَتَمَتَّعْ بِهِ مَلِكٌ قَبْلَهُ فِي إِسْرَائِيلَ. وَمَلَكَ دَاوُدُ بْنُ يَسَّى عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ. وَدَامَ مُلْكُهُ 40 سَنَةً. فَمَلَكَ 7 سِنِينَ فِي حَبْرُونَ، وَ33 سَنَةً فِي الْقُدْسِ. وَمَاتَ بَعْدَ عُمْرٍ طَوِيلٍ صَالِحٍ، وَقَدْ شَبِعَ مِنَ الْحَيَاةِ وَالْغِنَى وَالْكَرَامَةِ. وَمَلَكَ سُلَيْمَانُ ابْنُهُ مَكَانَهُ. وَكُلُّ أَعْمَالِ دَاوُدَ الْمَلِكِ، مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كُتُبِ صَمُوئِيلَ الرَّائِي وَنَاثَانَ النَّبِيِّ وَجَادَ الرَّائِي، بِمَا فِيهَا وَصْفُ مُلْكِهِ وَقُوَّتِهِ، وَالْأَحْوَالِ الَّتِي مَرَّتْ عَلَيْهِ، وَعَلَى إِسْرَائِيلَ، وَعَلَى كُلِّ الْمَمَالِكِ الْأُخْرَى. وَأَمْسَكَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ بِزِمَامِ الْمَمْلَكَةِ، وَكَانَ الْمَوْلَى إِلَهُهُ مَعَهُ وَعَظَّمَهُ جِدًّا. وَكَلَّمَ سُلَيْمَانُ كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، رُؤَسَاءَ الْأُلُوفِ، وَرُؤَسَاءَ الْمِئَاتِ، وَالْقُضَاةَ، وَكُلَّ الْقَادَةِ فِي إِسْرَائِيلَ وَرُؤَسَاءَ الْعَائِلَاتِ. وَذَهَبَ هُوَ وَكُلُّ الْجَمَاعَةِ مَعَهُ إِلَى مَكَانِ الْعِبَادَةِ الَّذِي فِي جِبْعُونَ، لِأَنَّ خَيْمَةَ الِاجْتِمَاعِ كَانَتْ هُنَاكَ، أَيْ خَيْمَةَ اللهِ الَّتِي صَنَعَهَا مُوسَى عَبْدُ اللهِ فِي الصَّحْرَاءِ. وَكَانَ دَاوُدُ قَدْ أَحْضَرَ صُنْدُوقَ الْعَهْدِ مِنْ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ، إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَعَدَّهُ، لِأَنَّهُ نَصَبَ لَهُ خَيْمَةً فِي الْقُدْسِ. أَمَّا مَنَصَّةُ النُّحَاسِ الَّتِي صَنَعَهَا بَصَلْئِيلُ بْنُ أُورِي بْنِ حُورَ، فَكَانَتْ فِي جِبْعُونَ أَمَامَ مَسْكَنِ اللهِ. فَذَهَبَ إِلَيْهَا سُلَيْمَانُ وَالْجَمَاعَةُ لِلْعِبَادَةِ. وَقَدَّمَ سُلَيْمَانُ هُنَاكَ عَلَى تِلْكَ الْمَنَصَّةِ 1000 ضَحِيَّةٍ. فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ ظَهَرَ اللهُ لِسُلَيْمَانَ وَقَالَ لَهُ: ”اُطْلُبْ مَا تُرِيدُهُ مِنِّي.“ فَقَالَ سُلَيْمَانُ للهِ: ”أَنْتَ عَمِلْتَ مَعْرُوفًا عَظِيمًا مَعَ دَاوُدَ أَبِي، وَجَعَلْتَنِي مَلِكًا مَكَانَهُ. إِذَنْ أَيُّهَا الْمَوْلَى الْإِلَهُ، تَمِّمْ وَعْدَكَ لِدَاوُدَ أَبِي، لِأَنَّكَ جَعَلْتَنِي مَلِكًا عَلَى شَعْبٍ كَثِيرٍ كَتُرَابِ الْأَرْضِ. فَأَعْطِنِي حِكْمَةً وَمَعْرِفَةً لِأَقُودَ هَذَا الشَّعْبَ، وَإِلَّا فَكَيْفَ أَقْدِرُ أَنْ أَحْكُمَ شَعْبَكَ الْعَظِيمَ هَذَا؟“ فَقَالَ اللهُ لِسُلَيْمَانَ: ”لِأَنَّ هَذِهِ هِيَ رَغْبَتُكَ، وَلَمْ تَطْلُبْ ثَرْوَةً وَلَا غِنًى وَلَا كَرَامَةً، وَلَا أَنْ يَمُوتَ أَعْدَاؤُكَ، وَلَا أَنْ يَطُولَ عُمْرُكَ، بَلْ طَلَبْتَ لِنَفْسِكَ حِكْمَةً وَمَعْرِفَةً لِتَحْكُمَ شَعْبِيَ الَّذِي جَعَلْتُكَ مَلِكًا عَلَيْهِ، فَأَنَا أُعْطِيكَ حِكْمَةً وَمَعْرِفَةً. وَأُعْطِيكَ أَيْضًا ثَرْوَةً وَغِنًى وَكَرَامَةً لَا مَثِيلَ لَهَا عِنْدَ الْمُلُوكِ الَّذِينَ قَبْلَكَ وَبَعْدَكَ.“ ثُمَّ رَجَعَ سُلَيْمَانُ إِلَى الْقُدْسِ، مِنْ مَكَانِ الْعِبَادَةِ الَّذِي فِي جِبْعُونَ، مِنْ أَمَامِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَمَلَكَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَجَمَعَ سُلَيْمَانُ مَرْكَبَاتٍ وَخَيْلًا، فَكَانَ لَهُ 1400 مَرْكَبَةٍ، وَ12000 مِنَ الْخَيْلِ. فَوَضَعَ بَعْضَهَا فِي مُدُنِ الْمَرْكَبَاتِ، وَبَعْضَهَا عِنْدَهُ فِي الْقُدْسِ. وَجَعَلَ الْمَلِكُ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ فِي الْقُدْسِ شَيْئًا عَادِيًّا كَالْحِجَارَةِ، وَجَعَلَ الْأَرْزَ كَثِيرًا كَالْجُمَّيْزِ الَّذِي فِي السَّهْلِ. وَكَانَتِ الْخَيْلُ تُسْتَوْرَدُ لِسُلَيْمَانَ مِنْ مِصْرَ وَمِنْ كُوِي، وَكَانَ تُجَّارُ الْمَلِكِ يَشْتَرُونَهَا بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ فِي كُوِي. فَكَانُوا يَسْتَوْرِدُونَ الْمَرْكَبَةَ مِنْ مِصْرَ بِحَوَالَيْ 7 كِيلُوجْرَامَاتٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَالْفَرَسَ بِحَوَالَيْ كِيلُوجْرَامٍ وَثَلَاثَةِ أَرْبَاعٍ. وَكَانُوا يُصَدِّرُونَهَا أَيْضًا لِكُلِّ مُلُوكِ الْحِثِّيِّينَ وَمُلُوكِ الْأَرَامِيِّينَ. وَأَمَرَ سُلَيْمَانُ بِبِنَاءِ بَيْتٍ لِإِكْرَامِ اسْمِ اللهِ، وَقَصْرٍ لِلْمَلِكِ. فَجَمَعَ سُلَيْمَانُ لِهَذَا 70000 رَجُلٍ يَحْمِلُونَ الْحِجَارَةَ، وَ80000 يَقْطَعُونَهَا فِي الْجَبَلِ، وَ3600 وُكَلَاءَ عَلَيْهِمْ. وَأَرْسَلَ سُلَيْمَانُ إِلَى حِيرَامَ مَلِكِ صُورَ يَقُولُ: ”أَرْجُوكَ أَنْ تُرْسِلَ لِي خَشَبَ أَرْزٍ، كَمَا أَرْسَلْتَ لِأَبِي لِيَبْنِيَ قَصْرًا يَسْكُنُ فِيهِ. لِأَنِّي سَأَبْنِي بَيْتًا لِإِكْرَامِ اسْمِ الْمَوْلَى إِلَهِي، وَأُكَرِّسُهُ لَهُ، لِنَحْرِقَ لَهُ الْبَخُورَ الْعَطِرَ، وَنُقَدِّمَ الْخُبْزَ الْمُقَدَّسَ يَوْمِيًّا، وَالْقَرَابِينَ صَبَاحًا وَمَسَاءً، وَفِي أَيَّامِ السَّبْتِ وَرَأْسِ الشَّهْرِ، وَفِي أَعْيَادِ الْمَوْلَى إِلَهِنَا. فَهَذَا فَرْضٌ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الْأَبَدِ. وَالْبَيْتُ الَّذِي سَأَبْنِيهِ سَيَكُونُ عَظِيمًا، لِأَنَّ إِلَهَنَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ الْآلِهَةِ. فِي الْحَقِيقَةِ، لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا، لِأَنَّ السَّمَاءَ، بَلْ كُلَّ السَّمَاوَاتِ لَا تَسَعُهُ فَكَيْفَ أَقْدِرُ أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا، إِلَّا كَمَكَانٍ نَحْرِقُ فِيهِ الضَّحَايَا لَهُ؟ فَمِنْ فَضْلِكَ أَرْسِلْ لِي رَجُلًا مَاهِرًا فِي صِنَاعَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَالْقُمَاشِ الْبَنَفْسَجِيِّ وَالْأَحْمَرِ وَالْأَزْرَقِ، وَخَبِيرًا فِي النَّقْشِ، لِيَشْتَغِلَ مَعَ الْعُمَّالِ الْمَهَرَةِ الَّذِينَ أَعَدَّهُمْ دَاوُدُ أَبِي هُنَا فِي يَهُوذَا وَفِي الْقُدْسِ. وَأَرْسِلْ لِي أَيْضًا خَشَبَ أَرْزٍ وَسَرْوٍ وَصَنْدَلٍ مِنْ لُبْنَانَ، لِأَنِّي عَارِفٌ أَنَّ رِجَالَكَ مَاهِرُونَ فِي قَطْعِ خَشَبِ لُبْنَانَ. وَسَيَكُونُ رِجَالِي مَعَ رِجَالِكَ. أَرْسِلْ لِي خَشَبًا كَثِيرًا، لِأَنَّ الْبَيْتَ الَّذِي سَأَبْنِيهِ سَيَكُونُ عَظِيمًا وَرَائِعًا. وَسَأُرْسِلُ لِرِجَالِكَ الَّذِينَ يَقْطَعُونَ الْخَشَبَ 100000 كِيسٍ مِنَ الْقَمْحِ، وَ100000 كِيسٍ مِنَ الشَّعِيرِ، وَ20000 بَرْمِيلٍ مِنَ الْخَمْرِ، وَ20000 بَرْمِيلٍ مِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ.“ فَرَدَّ حِيرَامُ مَلِكُ صُورَ عَلَى سُلَيْمَانَ بِرِسَالَةٍ يَقُولُ فِيهَا: ”الْمَوْلَى أَحَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِذَلِكَ جَعَلَكَ مَلِكًا عَلَيْهِمْ.“ وَقَالَ حِيرَامُ أَيْضًا: ”تَبَارَكَ الْمَوْلَى رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي صَنَعَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ، الَّذِي أَعْطَى دَاوُدَ الْمَلِكَ ابْنًا حَكِيمًا عِنْدَهُ ذَكَاءٌ وَفَهْمٌ، لِيَبْنِيَ بَيْتًا للهِ، وَقَصْرًا لِلْمَلِكِ. سَأُرْسِلُ لَكَ رَجُلًا مَاهِرًا وَخَبِيرًا اسْمُهُ حُورَامُ أَبِي. وَهُوَ ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ بَنَاتِ دَانَ، وَأَبُوهُ مِنْ صُورَ. وَهُوَ خَبِيرٌ فِي صِنَاعَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَالْحِجَارَةِ وَالْخَشَبِ وَالْقُمَاشِ الْبَنَفْسَجِيِّ وَالْأَزْرَقِ وَالْأَحْمَرِ وَالْكَتَّانِ، وَفِي عَمَلِ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ النَّقْشِ، وَيُمْكِنُهُ تَنْفِيذُ أَيِّ فِكْرَةٍ تُعْطَى لَهُ، فَهُوَ سَيُسَاعِدُ عُمَّالَكَ وَعُمَّالَ سَيِّدِي دَاوُدَ أَبِيكَ. فَمِنْ فَضْلِكَ أَرْسِلْ مَا وَعَدْتَنَا بِهِ مِنْ قَمْحٍ وَشَعِيرٍ وَزَيْتِ زَيْتُونٍ وَخَمْرٍ. وَنَحْنُ نَقْطَعُ الْخَشَبَ مِنْ لُبْنَانَ حَسَبَ احْتِيَاجِكَ، وَنَرْبِطُهُ فِي حُزَمٍ، وَنُعَوِّمُهُ فِي الْبَحْرِ إِلَى يَافَا، وَأَنْتَ تَأْخُذُهُ إِلَى الْقُدْسِ.“ وَعَدَّ سُلَيْمَانُ كُلَّ الْغُرَبَاءِ الَّذِينَ فِي أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، وَذَلِكَ بَعْدَ الْإِحْصَاءِ الَّذِي عَمِلَهُ أَبُوهُ مِنْ قَبْلُ. فَكَانُوا 153600. وَعَيَّنَ مِنْهُمْ 70000 رَجُلٍ يَحْمِلُونَ الْحِجَارَةَ، وَ80000 يَقْطَعُونَهَا فِي الْجَبَلِ، وَ3600 وُكَلَاءَ عَلَيْهِمْ لِيَقُومُوا بِالْعَمَلِ. وَبَدَأَ سُلَيْمَانُ فِي بِنَاءِ بَيْتِ اللهِ فِي الْقُدْسِ، فِي جَبَلِ الْمُرَيَّا حَيْثُ ظَهَرَ اللهُ لِدَاوُدَ أَبِيهِ. وَذَلِكَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَعَدَّهُ دَاوُدُ، فِي بَيْدَرِ أَرُونَةَ الْيَبُوسِيِّ. وَبَدَأَ الْبِنَاءُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي مِنَ السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ مُلْكِهِ. وَكَانَ الْأَسَاسُ الَّذِي وَضَعَهُ سُلَيْمَانُ لِبِنَاءِ بَيْتِ اللهِ طُولُهُ حَوَالَيْ 30 مِتْرًا وَعَرْضُهُ حَوَالَيْ 10 أَمْتَارٍ. وَالشُّرْفَةُ الَّتِي أَمَامَ الْبَيْتِ، كَانَ طُولُهَا هُوَ عَرْضَ الْبَيْتِ أَيْ حَوَالَيْ 10 أَمْتَارٍ، وَارْتِفَاعُهَا حَوَالَيْ 10 أَمْتَارٍ. وَغَشَّاهَا مِنَ الدَّاخِلِ بِذَهَبٍ نَقِيٍّ. وَالْقَاعَةُ الْكُبْرَى غَطَّى حِيطَانَهَا بِخَشَبِ سَرْوٍ، وَغَشَّى الْخَشَبَ بِذَهَبٍ نَقِيٍّ، وَزَيَّنَهُ بِرُسُومِ نَخِيلٍ وَسَلَاسِلَ. وَرَصَّعَ الْبَيْتَ بِحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ وَزَيَّنَهُ بِذَهَبٍ مِنْ فَرَوَايِمَ. وَغَشَّى كُلَّ أَخْشَابِ الْبَيْتِ بِالذَّهَبِ، عَوَارِضَ السَّقْفِ وَقَوَائِمَ الْأَبْوَابِ وَالْحِيطَانَ وَالْأَبْوَابَ. وَنَقَشَ رُسُومَ مَلَائِكَةٍ عَلَى الْحِيطَانِ. وَعَمِلَ الْمَقْدِسَ الدَّاخِلِيَّ. فَكَانَ طُولُهُ هُوَ عَرْضَ الْبَيْتِ أَيْ حَوَالَيْ 10 أَمْتَارٍ، وَعَرْضُهُ حَوَالَيْ 10 أَمْتَارٍ، وَغَشَّاهُ بِحَوَالَيْ 21 طِنًّا مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ. وَكَانَ وَزْنُ الْمِسْمَارِ الْوَاحِدِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ كِيلُوجْرَامٍ مِنَ الذَّهَبِ، وَغَشَّى الْغُرَفَ الْعُلْوِيَّةَ بِذَهَبٍ. وَصَنَعَ فِي الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ مَلَاكَيْنِ وَغَشَّاهُمَا بِذَهَبٍ. وَمَجْمُوعُ عَرْضِ أَجْنِحَةِ الْمَلَاكَيْنِ كَانَ حَوَالَيْ 10 أَمْتَارٍ، كُلُّ جَنَاحٍ عَرْضُهُ حَوَالَيْ مِتْرَيْنِ وَنِصْفٍ. فَكَانَ جَنَاحُ أَحَدِ الْمَلَاكَيْنِ يَمَسُّ حَائِطَ الْبَيْتِ مِنْ نَاحِيَةٍ، وَالْجَنَاحُ الثَّانِي يَمَسُّ جَنَاحَ الْمَلَاكِ الْآخَرِ. وَبِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ، جَنَاحُ الْمَلَاكِ الْآخَرِ يَمَسُّ حَائِطَ الْبَيْتِ مِنَ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى، وَالْجَنَاحُ الثَّانِي يَمَسُّ جَنَاحَ الْمَلَاكِ الْآخَرِ. فَامْتَدَّتْ أَجْنِحَةُ هَذَيْنِ الْمَلَاكَيْنِ حَوَالَيْ 10 أَمْتَارٍ، وَكَانَا وَاقِفَيْنِ عَلَى أَرْجُلِهِمَا وَمُتَّجِهَيْنِ إِلَى الدَّاخِلِ. وَصَنَعَ السِّتَارَةَ مِنْ قُمَاشٍ أَزْرَقَ وَبَنَفْسَجِيٍّ وَأَحْمَرَ وَكَتَّانٍ، وَعَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ. وَصَنَعَ عَمُودَيْنِ وَوَضَعَهُمَا فِي مُقَدِّمَةِ الْبَيْتِ، طُولُ الْوَاحِدِ حَوَالَيْ 8 أَمْتَارٍ. وَعَمِلَ تَاجَيْنِ وَوَضَعَهُمَا فَوْقَ الْعَمُودَيْنِ، اِرْتِفَاعُ كُلٍّ مِنْهُمَا حَوَالَيْ مِتْرَيْنِ وَنِصْفٍ. وَعَمِلَ سَلَاسِلَ مِثْلَ سَلَاسِلِ الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ، وَوَضَعَهَا عَلَى رَأْسَيِ الْعَمُودَيْنِ، كَمَا صَنَعَ 100 رُمَّانَةٍ وَعَلَّقَهَا فِي السَّلَاسِلِ. وَأَوْقَفَ الْعَمُودَيْنِ فِي مُقَدِّمَةِ الْبَيْتِ، أَحَدَهُمَا عَنِ الْيَمِينِ وَسَمَّاهُ يَاكِينَ، وَالْآخَرَ عَنِ الْيَسَارِ وَسَمَّاهُ بُوعَزَ. وَعَمِلَ سُلَيْمَانُ مَنَصَّةَ نُحَاسٍ طُولُهَا حَوَالَيْ 10 أَمْتَارٍ وَعَرْضُهَا حَوَالَيْ 10 أَمْتَارٍ وَارْتِفَاعُهَا حَوَالَيْ 5 أَمْتَارٍ. وَعَمِلَ حَوْضًا مِنَ النُّحَاسِ مَسْبُوكًا مُدَوَّرًا، قُطْرُهُ مِنْ حَافَّةٍ إِلَى حَافَّةٍ حَوَالَيْ 5 أَمْتَارٍ، وَارْتِفَاعُهُ حَوَالَيْ مِتْرَيْنِ وَنِصْفٍ، وَمُحِيطُهُ حَوَالَيْ 15 مِتْرَا. وَعَمِلَ تَحْتَ حَافَّتِهِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ صَفَّيْنِ مِنْ أَشْكَالِ ثِيرَانٍ مِنْ نُحَاسٍ مَسْبُوكَةٍ مَعَ الْحَوْضِ وَتُحِيطُ بِهِ، لِكُلِّ نِصْفِ مِتْرٍ 10 ثِيرَانٍ. وَكَانَ الْحَوْضُ قَائِمًا عَلَى 12 ثَوْرًا، 3 مِنْهَا مُتَّجِهَةٌ إِلَى الشَّمَالِ وَ3 إِلَى الْغَرْبِ، وَ3 إِلَى الْجَنُوبِ، وَ3 إِلَى الشَّرْقِ، وَمُؤَخَّرَةُ كُلِّ ثَوْرٍ إِلَى الدَّاخِلِ. وَكَانَ سُمْكُ الْحَوْضِ شِبْرًا، وَحَافَّتُهُ كَحَافَّةِ كَأْسٍ، كَزَهْرَةِ السَّوْسَنِ، وَكَانَ يَسَعُ حَوَالَيْ 3000 بَرْمِيلٍ مِنَ الْمَاءِ. وَعَمِلَ أَيْضًا 10 مَغَاسِلَ، وَوَضَعَ 5 فِي الْجَانِبِ الْجَنُوبِيِّ وَ5 فِي الْجَانِبِ الشَّمَالِيِّ. فَكَانَتْ هَذِهِ تُسْتَعْمَلُ لِغَسْلِ الذَّبَائِحِ الَّتِي تُقَدَّمُ كَضَحَايَا مُحْرَقَةٍ، أَمَّا الْحَوْضُ فَكَانَ يَغْتَسِلُ الْأَحْبَارُ فِيهِ. وَعَمِلَ 10 مَنَائِرَ مِنْ ذَهَبٍ حَسَبَ الْمُوَاصَفَاتِ، وَوَضَعَهَا فِي الْبَيْتِ، 5 عَنِ الْيَمِينِ وَ5 عَنِ الشِّمَالِ. وَعَمِلَ 10 مَوَائِدَ، وَوَضَعَهَا فِي الْبَيْتِ، 5 فِي الْجَانِبِ الْجَنُوبِيِّ وَ5 فِي الْجَانِبِ الشَّمَالِيِّ. وَعَمِلَ 100 كَأْسٍ مِنَ الذَّهَبِ لِرَشِّ الدَّمِ. وَعَمِلَ سَاحَةَ الْأَحْبَار وَالسَّاحَةَ الْكُبْرَى، وَعَمِلَ أَبْوَابَهُمَا وَغَشَّاهَا بِنُحَاسٍ. وَوَضَعَ الْحَوْضَ فِي الْجَانِبِ الْجَنُوبِيِّ، فِي الرُّكْنِ الْجَنُوبِيِّ الشَّرْقِيِّ. وَعَمِلَ حُورَامُ الْأَحْوَاضَ وَالْمَجَارِفَ وَالْكُؤُوسَ. وَانْتَهَى مِنَ الْعَمَلِ الَّذِي عَمِلَهُ لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ فِي بَيْتِ اللهِ: الْعَمُودَيْنِ وَالتَّاجَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَى الْعَمُودَيْنِ وَشَكْلُهُمَا كَالْكَأْسِ، وَالشَّبَكَتَيْنِ لِتَغْطِيَةِ التَّاجَيْنِ، وَالْـ400 رُمَّانَةٍ لِلشَّبَكَتَيْنِ، صَفَّيْنِ مِنْ رُمَّانٍ لِكُلِّ شَبَكَةٍ لِتَزْيِينِ التَّاجِ الَّذِي شَكْلُهُ كَالْكَأْسِ، الَّذِي عَلَى الْعَمُودِ. وَالْقَوَاعِدَ الْـ10، وَالْمَغَاسِلَ الْـ10 الَّتِي عَلَيْهَا، وَالْحَوْضَ وَالِـ12 ثَوْرًا الَّتِي تَحْتَهُ، وَالْقُدُورَ وَالْمَجَارِفَ وَمَنَاشِلَ اللَّحْمِ، وَكُلَّ الْأَدَوَاتِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ مَعَهَا. كُلُّ هَذِهِ الَّتِي عَمِلَهَا حُورَامُ لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ لِبَيْتِ اللهِ، كَانَتْ مِنْ نُحَاسٍ نَقِيٍّ. وَأَمَرَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ بِسَبْكِهَا فِي سَهْلِ الْأُرْدُنِّ، فِي أَرْضِ الْخَزَفِ، بَيْنَ سُكُّوتَ وَصَرَتَانَ. فَكَانَتْ كُلُّ هَذِهِ الْأَدَوَاتِ الَّتِي عَمِلَهَا سُلَيْمَانُ كَثِيرَةً جِدًّا، فَلَمْ يُمْكِنْ مَعْرِفَةُ وَزْنِ النُّحَاسِ. وَعَمِلَ سُلَيْمَانُ أَيْضًا كُلَّ أَدَوَاتِ بَيْتِ اللهِ الَّتِي مِنْ ذَهَبٍ: الْمَنَصَّةَ وَالْمَوَائِدَ الَّتِي عَلَيْهَا الْخُبْزُ الْمُقَدَّسُ الَّذِي يُوضَعُ فِي مَحْضَرِ اللهِ. وَالْمَنَائِرَ وَمَصَابِيحَهَا مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ، لِتُنِيرَ أَمَامَ الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ حَسَبَ الْمُوَاصَفَاتِ. وَالْأَزْهَارَ وَالْمَصَابِيحَ وَالْمَلَاقِطَ، وَكَانَتْ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ، وَالطَّفَّايَاتِ وَالْكُؤُوسَ وَالصُّحُونَ وَالْمَبَاخِرَ كَذَلِكَ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ، وَأَبْوَابَ الْبَيْتِ وَأَبْوَابَ الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ وَأَبْوَابَ الْمَقْدِسِ أَيْضًا مِنْ ذَهَبٍ. وَلَمَّا أَكْمَلَ سُلَيْمَانُ بِنَاءَ بَيْتِ اللهِ، أَدْخَلَ إِلَيْهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي كَرَّسَهَا دَاوُدُ أَبُوهُ لِذَلِكَ، الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ وَكُلَّ الْآنِيَةِ، وَوَضَعَهَا فِي خَزَائِنِ بَيْتِ اللهِ. ثُمَّ جَمَعَ سُلَيْمَانُ إِلَى الْقُدْسِ، شُيُوخَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كُلَّ رُؤَسَاءِ الْقَبَائِلِ وَرُؤَسَاءِ الْعَائِلَاتِ، لِيُحْضِرُوا صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ مِنْ مَدِينَةِ دَاوُدَ أَيْ تِصْيُونَ. وَاجْتَمَعَ كُلُّ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ إِلَى الْمَلِكِ فِي الْعِيدِ الَّذِي فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ. وَلَمَّا جَاءَ كُلُّ شُيُوخِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، حَمَلَ اللَّاوِيُّونَ الصُّنْدُوقَ. وَأَصْعَدَ الْأَحْبَارُ وَاللَّاوِيُّونَ الصُّنْدُوقَ وَخَيْمَةَ الِاجْتِمَاعِ وَكُلَّ الْآنِيَةِ الْمُقَدَّسَةِ الَّتِي فِي الْخَيْمَةِ. وَكَانَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ وَكُلُّ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَمَامَ الصُّنْدُوقِ، يَذْبَحُونَ مِنَ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ مَا لَا يُحْصَى وَلَا يُعَدُّ مِنَ الْكَثْرَةِ. وَأَدْخَلَ الْأَحْبَارُ صُنْدُوقَ عَهْدِ اللهِ إِلَى مَكَانِهِ فِي الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ فِي الْبَيْتِ، أَيِ الْمَقْدِسِ الْأَعْظَمِ، تَحْتَ جَنَاحَيِ الْمَلَاكَيْنِ. لِأَنَّ الْمَلَاكَيْنِ كَانَا بَاسِطَيْنِ أَجْنِحَتَهُمَا فَوْقَ مَكَانِ الصُّنْدُوقِ، فَكَانَا يُظَلِّلَانِ الصُّنْدُوقَ وَالْعِصِيَّ الَّتِي يُحْمَلُ بِهَا. وَكَانَتْ هَذِهِ الْعِصِيُّ طَوِيلَةً، حَتَّى ظَهَرَتْ أَطْرَافُهَا مِنَ الصُّنْدُوقِ، فَكَانَتْ تُرَى أَمَامَ الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ. أَمَّا مِنْ خَارِجِ الْمَقْدِسِ فَلَمْ يُمْكِنْ رُؤْيَتُهَا. وَهِيَ مَا زَالَتْ مَوْجُودَةً هُنَاكَ إِلَى الْيَوْمِ. وَلَمْ يَكُنْ فِي الصُّنْدُوقِ غَيْرُ اللَّوْحَيْنِ اللَّذَيْنِ وَضَعَهُمَا مُوسَى فِيهِ لَمَّا كَانَ فِي حُورِيبَ، حِينَ عَمِلَ اللهُ عَهْدًا مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَمَا خَرَجُوا مِنْ مِصْرَ. ثُمَّ خَرَجَ الْأَحْبَارُ مِنَ الْمَقْدِسِ، وَكَانُوا كُلُّهُمْ قَدْ تَقَدَّسُوا بِفِرَقِهِمْ. وَكَانَ كُلُّ اللَّاوِيِّينَ الْمُغَنِّينَ، آسَافُ وَهِيمَانُ وَيَدُوثُونُ وَبَنُوهُمْ وَأَقَارِبُهُمْ، وَاقِفِينَ شَرْقَ الْمَنَصَّةِ، لَابِسِينَ كَتَّانًا وَيَعْزِفُونَ عَلَى النَّاقُوسِ وَالرَّبَابِ وَالْأَعْوَادِ، وَمَعَهُمْ 120 حَبْرًا يَنْفُخُونَ فِي الْأَبْوَاقِ. وَكَانَ صَوْتُ الْأَبْوَاقِ وَالْمُغَنِّينَ كَأَنَّهُ صَوْتٌ وَاحِدٌ يُسَبِّحُ اللهَ وَيَحْمَدُهُ. فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ مَصْحُوبَةً بِالْأَبْوَاقِ وَالنَّاقُوسِ وَالْآلَاتِ الْأُخْرَى، وَسَبَّحُوا اللهَ وَقَالُوا: ”هُوَ طَيِّبٌ، وَرَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ.“ وَامْتَلَأَ بَيْتُ اللهِ بِالسَّحَابِ. فَلَمْ يُمْكِنْ لِلْأَحْبَارِ أَنْ يَقُومُوا بِخِدْمَتِهِمْ بِسَبَبِ السَّحَابِ، لِأَنَّ جَلَالَ اللهِ مَلَأَ الْبَيْتَ. فَقَالَ سُلَيْمَانُ: ”قَالَ اللهُ إِنَّهُ يَسْكُنُ فِي الضَّبَابِ. وَلَكِنِّي بَنَيْتُ لَكَ بَيْتًا عَظِيمًا، مَكَانًا لِتَسْكُنَ فِيهِ إِلَى الْأَبَدِ.“ وَكَانَ كُلُّ جُمْهُورِ إِسْرَائِيلَ وَاقِفِينَ هُنَاكَ، فَحَوَّلَ الْمَلِكُ وَجْهَهُ إِلَيْهِمْ وَبَارَكَهُمْ كُلَّهُمْ. وَقَالَ: ”تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي نَفَّذَ بِيَدِهِ مَا وَعَدَ بِفَمِهِ دَاوُدَ أَبِي لَمَّا قَالَ: ’مُنْذُ الْيَوْمِ الَّذِي أَخْرَجْتُ فِيهِ شَعْبِي مِنْ مِصْرَ، لَمْ أَخْتَرْ مَدِينَةً مِنْ كُلِّ مُدُنِ قَبَائِلِ إِسْرَائِيلَ، لِيُبْنَى فِيهَا بَيْتٌ لِإِكْرَامِ اسْمِي، وَلَا اخْتَرْتُ رَجُلًا يَكُونُ رَئِيسًا عَلَى شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ. أَمَّا الْآنَ، فَقَدِ اخْتَرْتُ الْقُدْسَ لِيُكْرَمَ اسْمِي فِيهَا، وَاخْتَرْتُ دَاوُدَ لِيَحْكُمَ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ.‘ وَكَانَ فِي نِيَّةِ دَاوُدَ أَبِي أَنْ يَبْنِيَ بَيْتًا لِإِكْرَامِ اسْمِ اللهِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لَكِنَّ اللهَ قَالَ لَهُ: ’كَانَ فِي نِيَّتِكَ أَنْ تَبْنِيَ بَيْتًا لِإِكْرَامِ اسْمِي، فَحَسَنًا مَا نَوَيْتَ. وَلَكِنْ لَنْ تَبْنِيَهُ أَنْتَ، بَلِ ابْنُكَ الَّذِي مِنْ لَحْمِكَ وَدَمِكَ، هُوَ يَبْنِي الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ يُكْرَمُ اسْمِي.‘ وَتَمَّمَ اللهُ وَعْدَهُ، وَقُمْتُ أَنَا مَكَانَ دَاوُدَ أَبِي، وَجَلَسْتُ عَلَى عَرْشِ إِسْرَائِيلَ، كَمَا قَالَ اللهُ، وَبَنَيْتُ الْبَيْتَ لِإِكْرَامِ اسْمِ اللهِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَوَضَعْتُ فِيهِ الصُّنْدُوقَ الَّذِي فِيهِ عَهْدُ اللهِ، الَّذِي عَمِلَهُ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ.“ وَوَقَفَ سُلَيْمَانُ أَمَامَ مَنَصَّةِ اللهِ مُقَابِلَ كُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبَسَطَ يَدَيْهِ. وَكَانَ سُلَيْمَانُ قَدْ صَنَعَ مِنْبَرًا مِنْ نُحَاسٍ وَوَضَعَهُ فِي وَسَطِ السَّاحَةِ، طُولُهُ حَوَالَيْ مِتْرَيْنِ وَنِصْفٍ، وَعَرْضُهُ حَوَالَيْ مِتْرَيْنِ وَنِصْفٍ، وَارْتِفَاعُهُ حَوَالَيْ مِتْرٍ وَنِصْفٍ. وَوَقَفَ عَلَيْهِ ثُمَّ رَكَعَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ مُقَابِلَ كُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبَسَطَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: ”اللَّهُمَّ يَا رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لَا إِلَهَ مِثْلُكَ فِي السَّمَاءِ، وَلَا عَلَى الْأَرْضِ. أَنْتَ تَحْفَظُ الْعَهْدَ وَتَرْحَمُ عَبِيدَكَ الَّذِينَ يَسِيرُونَ فِي طَرِيقِكَ بِكُلِّ قُلُوبِهِمْ. أَنْتَ حَفِظْتَ وَعْدَكَ لِعَبْدِكَ دَاوُدَ أَبِي. وَعَدْتَ بِفَمِكَ وَنَفَّذْتَ بِيَدِكَ، كَمَا نَرَى الْيَوْمَ. وَالْآنَ، اللَّهُمَّ يَا رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، اِحْفَظْ لِعَبْدِكَ دَاوُدَ أَبِي وَعْدَكَ لَهُ لِأَنَّكَ قُلْتَ: ’إِنْ سَلَكَ أَوْلَادُكَ فِي الطَّرِيقِ الْقَوِيمِ، وَسَارُوا فِي شَرِيعَتِي كَمَا سِرْتَ أَنْتَ فِي مَحْضَرِي، فَالْمَلِكُ الَّذِي يَجْلِسُ أَمَامِي عَلَى عَرْشِ إِسْرَائِيلَ، يَكُونُ دَائِمًا وَاحِدًا مِنْ نَسْلِكَ.‘ وَالْآنَ، اللَّهُمَّ يَا رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنْ فَضْلِكَ حَقِّقْ وَعْدَكَ لِعَبْدِكَ دَاوُدَ. وَلَكِنْ، هَلْ يَسْكُنُ اللهُ حَقًّا مَعَ النَّاسِ عَلَى الْأَرْضِ؟ إِنْ كَانَتِ السَّمَاءُ بَلْ كُلُّ السَّمَاوَاتِ لَا تَسَعُكَ، فَكَيْفَ يُنَاسِبُكَ هَذَا الْبَيْتُ الَّذِي بَنَيْتُهُ؟ أَيُّهَا الْمَوْلَى إِلَهِي، أَنَا عَبْدُكَ، فَالْتَفِتْ إِلَى صَلَاتِي وَتَضَرُّعِي، وَاسْمَعْ صُرَاخِي وَالصَّلَاةَ الَّتِي أُصَلِّيهَا فِي مَحْضَرِكَ. هَذَا هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي اخْتَرْتَهُ لِنَعْبُدَ اسْمَكَ فِيهِ. فَمِنْ فَضْلِكَ احْرُسْ هَذَا الْبَيْتَ نَهَارًا وَلَيْلًا، وَاسْمَعِ الصَّلَاةَ الَّتِي أُصَلِّيهَا أَنَا عَبْدَكَ نَحْوَ هَذَا الْمَكَانِ. اِسْمَعْ تَضَرُّعَ عَبْدِكَ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ شَعْبِكَ، الَّذِينَ يُصَلُّونَ نَحْوَ هَذَا الْمَكَانِ. اِسْمَعْ وَأَنْتَ فِي السَّمَاءِ مَقَرِّ سُكْنَاكَ، وَمَتَى سَمِعْتَ فَاغْفِرْ. ”إِنْ أَخْطَأَ وَاحِدٌ فِي حَقِّ آخَرَ، وَطُلِبَ مِنْهُ أَنْ يَحْلِفَ قَسَمًا أَمَامَ الْمَنَصَّةِ الَّتِي لِعِبَادَتِكَ فِي هَذَا الْبَيْتِ، فَاسْمَعْ وَأَنْتَ فِي السَّمَاءِ، وَاحْكُمْ بَيْنَ عَبِيدِكَ. عَاقِبِ الْمُذْنِبَ وَاجْعَلْ شَرَّهُ يَقَعُ عَلَى رَأْسِهِ، وَأَظْهِرْ بَرَاءَةَ الْبَرِيءِ وَكَافِئْهُ عَلَيْهَا. ”إِذَا أَخْطَأَ شَعْبُكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي حَقِّكَ، فَإِنَّهُمْ يَنْهَزِمُونَ أَمَامَ الْعَدُوِّ. لَكِنْ مَتَى تَابُوا، وَشَهِدُوا لاسْمِكَ، وَصَلَّوْا وَتَضَرَّعُوا أَمَامَكَ فِي هَذَا الْبَيْتِ، فَاسْمَعْ وَأَنْتَ فِي السَّمَاءِ، وَاغْفِرْ خَطِيئَةَ شَعْبِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَرْجِعْهُمْ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتَهَا لَهُمْ وَلِآبَائِهِمْ. ”إِذَا أَغْلَقْتَ السَّمَاءَ وَمَنَعْتَ الْمَطَرَ عَنْهُمْ، لِأَنَّهُمْ أَخْطَأُوا فِي حَقِّكَ، فَمَتَى صَلَّوْا نَحْوَ هَذَا الْمَكَانِ، وَشَهِدُوا لِاسْمِكَ، وَتَابُوا عَنْ خَطِيئَتِهِمْ لِأَنَّكَ ضَايَقْتَهُمْ، فَاسْمَعْ وَأَنْتَ فِي السَّمَاءِ، وَاغْفِرْ خَطِيئَةَ عَبِيدِكَ وَشَعْبِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَاهْدِهِمِ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ الَّذِي يَسِيرُونَ فِيهِ، وَأَرْسِلِ الْمَطَرَ عَلَى أَرْضِكَ الَّتِي أَعْطَيْتَهَا نَصِيبًا لِشَعْبِكَ. ”إِذَا جَاءَ عَلَى الْبِلَادِ جُوعٌ أَوْ وَبَأٌ أَوْ حَرٌّ شَدِيدٌ أَوْ ذُبُولٌ أَوْ جَرَادٌ أَوْ جُنْدُبٌ، أَوْ إِذَا حَاصَرَهُمْ أَعْدَاؤُهُمْ فِي أَيِّ مَدِينَةٍ مِنْ مُدُنِهِمْ، أَوْ إِذَا جَاءَتْ عَلَيْهِمْ مُصِيبَةٌ أَوْ مَرَضٌ، فَأَيُّ وَاحِدٍ مِنْ كُلِّ شَعْبِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، يُدْرِكُ سَبَبَ تَعَاسَتِهِ وَآلَامِهِ، وَيَبْسُطُ يَدَيْهِ نَحْوَ هَذَا الْبَيْتِ، وَيُصَلِّي إِلَيْكَ وَيَتَضَرَّعُ، فَاسْمَعْ وَأَنْتَ فِي السَّمَاءِ مَقَرِّ سُكْنَاكَ، وَاغْفِرْ وَعَامِلْ كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ كُلِّ أَعْمَالِهِ، لِأَنَّكَ تَعْرِفُ قَلْبَهُ. فَأَنْتَ وَحْدَكَ تَعْرِفُ قُلُوبَ النَّاسِ. لِكَيْ يَخَافُوكَ، وَيَسِيرُوا فِي طُرُقِكَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِمْ، فِي الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتَهَا لِآبَائِنَا. ”أَمَّا الْأَجْنَبِيُّ الَّذِي لَيْسَ مِنْ شَعْبِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، بَلْ جَاءَ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ مِنْ أَجْلِ اسْمِكَ الْعَظِيمِ، وَيَدِكَ الشَّدِيدَةِ، وَذِرَاعِكَ الْقَدِيرَةِ، فَعِنْدَمَا يَأْتِي هَذَا الشَّخْصُ وَيُصَلِّي نَحْوَ هَذَا الْبَيْتِ، فَاسْمَعْ وَأَنْتَ فِي السَّمَاءِ مَقَرِّ سُكْنَاكَ، وَاعْمَلْ كُلَّ مَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ الْأَجْنَبِيُّ، لِكَيْ تَعْرِفَ كُلُّ شُعُوبِ الْأَرْضِ اسْمَكَ، وَيَخَافُوكَ كَشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ، وَلِكَيْ يَعْلَمُوا أَنَّنَا نَعْبُدُ اسْمَكَ فِي هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي بَنَيْتُهُ. ”إِنْ خَرَجَ شَعْبُكَ لِيُحَارِبَ عَدُوًّا، مَهْمَا كَانَتِ الْمَأْمُورِيَّةُ الَّتِي تُرْسِلُهُمْ فِيهَا، وَصَلَّوْا إِلَيْكَ نَحْوَ الْمَدِينَةِ الَّتِي اخْتَرْتَهَا، وَالْبَيْتِ الَّذِي بَنَيْتُهُ لِإِكْرَامِ اسْمِكَ، فَاسْمَعْ وَأَنْتَ فِي السَّمَاءِ صَلَاتَهُمْ وَتَضَرُّعَهُمْ، وَاحْكُمْ فِي صَالِحِهِمْ. ”اللَّهُمَّ لَا يُوجَدُ إِنْسَانٌ لَا يُخْطِئُ، فَإِنْ أَخْطَأُوا فِي حَقِّكَ وَغَضِبْتَ عَلَيْهِمْ وَهَزَمْتَهُمْ أَمَامَ الْعَدُوِّ، فَأَسَرَهُمْ إِلَى بِلَادٍ بَعِيدَةٍ أَوْ قَرِيبَةٍ، ثُمَّ نَدِمُوا فِي قُلُوبِهِمْ فِي الْبِلَادِ الَّتِي أُسِرُوا إِلَيْهَا، وَتَابُوا وَتَضَرَّعُوا إِلَيْكَ هُنَاكَ وَقَالُوا: ’أَخْطَأْنَا وَانْحَرَفْنَا وَأَذْنَبْنَا.‘ وَرَجَعُوا إِلَيْكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِهِمْ وَكُلِّ نَفْسِهِمْ، وَهُمْ هُنَاكَ فِي الْبِلَادِ الَّتِي أُسِرُوا إِلَيْهَا، وَصَلَّوْا نَحْوَ أَرْضِهِمُ الَّتِي أَعْطَيْتَهَا لِآبَائِهِمْ، نَحْوَ الْمَدِينَةِ الَّتِي اخْتَرْتَهَا، وَالْبَيْتِ الَّذِي بَنَيْتُهُ لِإِكْرَامِ اسْمِكَ، فَاسْمَعْ صَلَاتَهُمْ وَتَضَرُّعَهُمْ وَأَنْتَ فِي السَّمَاءِ مَقَرِّ سُكْنَاكَ، وَاحْكُمْ فِي صَالِحِهِمْ، وَاغْفِرْ لِشَعْبِكَ مَا أَخْطَأُوا بِهِ فِي حَقِّكَ. ”إِذَنِ احْرُسْ يَا إِلَهِي هَذَا الْمَكَانَ، وَاسْمَعِ الصَّلَاةَ الَّتِي تُرْفَعُ إِلَيْكَ فِيهِ. تَعَالَ أَيُّهَا الْمَوْلَى الْإِلَهُ إِلَى بَيْتِكَ، أَنْتَ وَصُنْدُوقُ الْعَهْدِ رَمْزُ قُدْرَتِكَ. أَحْبَارُكَ أَيُّهَا الْمَوْلَى الْإِلَهُ يَلْبَسُونَ النَّجَاةَ، وَالَّذِينَ يَتَّقُونَكَ يَفْرَحُونَ بِخَيْرِكَ. أَيُّهَا الْمَوْلَى الْإِلَهُ لَا تَرْفُضِ الْمَلِكَ الَّذِي اخْتَرْتَهُ. اُذْكُرْ مَحَبَّتَكَ الْعَمِيقَةَ لِدَاوُدَ عَبْدِكَ.“ وَلَمَّا انْتَهَى سُلَيْمَانُ مِنَ الصَّلَاةِ، نَزَلَتْ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ وَأَكَلَتِ الْقُرْبَانَ وَالضَّحَايَا، وَمَلَأَ جَلَالُ اللهِ الْبَيْتَ. وَلَمْ يَقْدِرِ الْأَحْبَارُ أَنْ يَدْخُلُوا بَيْتَ اللهِ لِأَنَّ جَلَالَهُ مَلَأَ الْبَيْتَ. وَرَأَى كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ النَّارَ تَنْزِلُ، وَجَلَالَ اللهِ عَلَى الْبَيْتِ، فَرَكَعُوا عَلَى الْبَلَاطِ وَوَجْهُهُمْ نَحْوَ الْأَرْضِ، وَهُمْ يَعْبُدُونَ اللهَ وَيَحْمَدُونَهُ لِأَنَّهُ طَيِّبٌ، وَرَحْمَتَهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. ثُمَّ إِنَّ الْمَلِكَ وَكُلَّ الشَّعْبِ ذَبَحُوا ضَحَايَا أَمَامَ الْمَوْلَى. فَكَانَتِ الضَّحَايَا الَّتِي ذَبَحَهَا الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ مِنَ الْبَقَرِ 22000، وَمِنَ الْغَنَمِ 120000. فَدَشَّنَ الْمَلِكُ وَكُلُّ الشَّعْبِ بَيْتَ اللهِ. وَكَانَ الْأَحْبَارُ وَاقِفِينَ فِي مَكَانِهِمِ الْمُخَصَّصِ لَهُمْ، وَيَنْفُخُونَ فِي الْأَبْوَاقِ. وَكَانَ اللَّاوِيُّونَ مُقَابِلَهُمْ يَعْزِفُونَ عَلَى آلَاتِ الْغِنَاءِ للهِ. هَذِهِ هِيَ الْآلَاتُ الَّتِي كَانَ الْمَلِكُ دَاوُدُ قَدْ عَمِلَهَا لِحَمْدِ اللهِ وَتَسْبِيحِهِ، لِأَنَّ رَحْمَتَهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. وَكَانَ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَاقِفِينَ. وَقَدَّسَ سُلَيْمَانُ وَسَطَ السَّاحَةِ الَّتِي أَمَامَ بَيْتِ اللهِ. هُنَاكَ قَدَّمَ قَرَابِينَ مُحْرَقَةً وَشَحْمَ ضَحَايَا الصُّحْبَةِ، لِأَنَّ مَنَصَّةَ النُّحَاسِ الَّتِي عَمِلَهَا سُلَيْمَانُ، لَمْ تَكُنْ كَافِيَةً لِتَسَعَ كُلَّ مَا قُدِّمَ. وَاحْتَفَلَ سُلَيْمَانُ بِالْعِيدِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ 7 أَيَّامٍ، وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَهُ، جُمْهُورٌ غَفِيرٌ جَاءَ مِنْ مَدْخَلِ حَمَاةَ إِلَى وَادِي مِصْرَ. فَعَمِلُوا تَدْشِينَ الْمَنَصَّةِ 7 أَيَّامٍ، وَالْعِيدَ 7 أَيَّامٍ، وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي عَمِلُوا احْتِفَالًا. وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ، صَرَفَ الشَّعْبَ إِلَى دِيَارِهِمْ فَرْحَانِينَ وَقُلُوبُهُمْ مَسْرُورَةٌ، مِنْ أَجْلِ الْخَيْرِ الَّذِي عَمِلَهُ اللهُ لِدَاوُدَ وَلِسُلَيْمَانَ وَلِبَنِي إِسْرَائِيلَ شَعْبِهِ. وَأَكْمَلَ سُلَيْمَانُ بَيْتَ اللهِ وَقَصْرَ الْمَلِكِ، وَنَجَحَ فِي كُلِّ مَا كَانَ بِبَالِهِ أَنْ يَعْمَلَهُ فِي بَيْتِ اللهِ وَفِي قَصْرِهِ. وَظَهَرَ اللهُ لِسُلَيْمَانَ فِي اللَّيْلِ وَقَالَ لَهُ: ”أَنَا سَمِعْتُ صَلَاتَكَ، وَاخْتَرْتُ هَذَا الْمَكَانَ لِتَقْدِيمِ الْقَرَابِينِ لِي. إِنْ أَغْلَقْتُ السَّمَاءَ وَمَنَعْتُ الْمَطَرَ، وَإِنْ أَمَرْتُ الْجَرَادَ بِأَنْ يَأْكُلَ الزَّرْعَ، وَإِنْ أَرْسَلْتُ وَبَأً عَلَى شَعْبِي، فَإِنْ تَوَاضَعَ شَعْبِيَ الَّذِي يُدْعَى بِاسْمِي، وَصَلَّوْا وَطَلَبُوا وَجْهِي، وَرَجَعُوا عَنْ سُلُوكِهِمْ، فَإِنِّي أَسْمَعُ وَأَنَا فِي السَّمَاءِ، وَأَغْفِرُ ذَنْبَهُمْ، وَأَشْفِي أَرْضَهُمْ. أَنَا سَأَحْرُسُ هَذَا الْمَكَانَ، وَأَسْمَعُ الصَّلَاةَ الَّتِي تُرْفَعُ إِلَيَّ فِيهِ. فَقَدِ اخْتَرْتُ وَقَدَّسْتُ هَذَا الْبَيْتَ لِيُكْرَمَ اسْمِي فِيهِ إِلَى الْأَبَدِ، وَسَأَحْرُسُهُ وَأَهْتَمُّ بِهِ دَائِمًا. وَأَنْتَ إِنْ سِرْتَ فِي مَحْضَرِي كَمَا سَارَ دَاوُدُ أَبُوكَ، وَعَمِلْتَ بِكُلِّ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ، وَأَطَعْتَ فَرَائِضِي وَأَحْكَامِي، فَإِنِّي أُثَبِّتُ عَرْشَكَ كَمَا عَاهَدْتُ أَبَاكَ دَاوُدَ وَقُلْتُ لَهُ: ’الْمَلِكُ الَّذِي يَحْكُمُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَكُونُ دَائِمًا وَاحِدًا مِنْ نَسْلِكَ.‘ وَلَكِنْ إِنْ رَجَعْتُمْ وَتَرَكْتُمْ فَرَائِضِي وَوَصَايَايَ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لَكُمْ، وَذَهَبْتُمْ وَعَبَدْتُمْ آلِهَةً أُخْرَى وَسَجَدْتُمْ لَهَا، فَإِنِّي أَقْلَعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِيَ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لَهُمْ، وَأَهْجُرُ هَذَا الْبَيْتَ الَّذِي قَدَّسْتُهُ لِإِكْرَامِ اسْمِي. عِنْدَ ذَلِكَ، كُلُّ الشُّعُوبِ تَضْرِبُ بِهِ الْمَثَلَ وَتَسْخَرُ مِنْهُ. وَيَصِيرُ هَذَا الْبَيْتُ الشَّامِخُ خَرَابًا، حَتَّى إِنَّ كُلَّ مَنْ يَمُرُّ بِهِ يَنْذَهِلُ وَيَقُولُ: ’لِمَاذَا فَعَلَ اللهُ كُلَّ هَذَا لِهَذِهِ الْبِلَادِ وَلِهَذَا الْبَيْتِ؟‘ وَيَكُونُ الْجَوَابُ: ’لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا الْمَوْلَى رَبَّ آبَائِهِمُ الَّذِي أَخْرَجَهُمْ مِنْ مِصْرَ، وَاتَّخَذُوا لَهُمْ آلِهَةً أُخْرَى وَسَجَدُوا لَهَا وَعَبَدُوهَا، لِذَلِكَ جَلَبَ اللهُ عَلَيْهِمْ كُلَّ هَذِهِ الْمَصَائِبِ.‘“ وَبَعْدَ نِهَايَةِ 20 سَنَةً، بَعْدَمَا بَنَى سُلَيْمَانُ بَيْتَ اللهِ وَقَصْرَهُ، بَنَى سُلَيْمَانُ الْمُدُنَ الَّتِي أَعْطَاهَا لَهُ حِيرَامُ، وَأَسْكَنَ فِيهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَذَهَبَ سُلَيْمَانُ إِلَى حَمَاةَ صُوبَةَ وَتَغَلَّبَ عَلَيْهَا. وَبَنَى تَدْمُرَ الَّتِي فِي الصَّحْرَاءِ، وَكُلَّ الْمُدُنِ الَّتِي فِيهَا الْمَخَازِنُ الَّتِي بَنَاهَا فِي حَمَاةَ. وَبَنَى بَيْتَ حُورُونَ الْعُلْيَا وَبَيْتَ حُورُونَ السُّفْلَى وَحَصَّنَهُمَا بِأَسْوَارٍ وَأَبْوَابٍ وَأَقْفَالٍ. وَأَيْضًا بَعْلَةَ وَكُلَّ الْمُدُنِ الَّتِي فِيهَا مَخَازِنُ سُلَيْمَانَ، وَكُلَّ الْمُدُنِ الَّتِي فِيهَا مَرْكَبَاتُهُ وَخَيْلُهُ، وَكُلَّ مَا أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَهُ فِي الْقُدْسِ وَفِي لُبْنَانَ وَفِي كُلِّ الْبِلَادِ الَّتِي تَحْتَ سُلْطَانِهِ. وَالَّذِينَ سَخَّرَهُمْ سُلَيْمَانُ لِهَذَا، لَمْ يَكُونُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَلْ مِنَ الشُّعُوبِ الَّتِي بَقِيَتْ فِي الْبِلَادِ، مِنَ الْحِثِّيِّينَ وَالْأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ. فَأَبْنَاؤُهُمُ الَّذِينَ بَقَوْا فِي الْبِلَادِ وَلَمْ يَقْدِرْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنْ يُفْنُوهُمْ، هُمُ الَّذِينَ سَخَّرَهُمْ سُلَيْمَانُ كَعَبِيدٍ، كَمَا يَحْدُثُ الْيَوْمَ. أَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَلَمْ يَجْعَلْ سُلَيْمَانُ مِنْهُمْ عَبِيدًا لِشُغْلِهِ. بَلْ كَانُوا رِجَالَ الْحَرْبِ، وَأَعْوَانَ الْمَلِكِ، وَضُبَّاطَهُ وَقَادَةَ مَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانَهُ. وَكَانَ عَدَدُ الْمَسْئُولِينَ الَّذِينَ عِنْدَ الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ 250، كَانُوا رُؤَسَاءَ عَلَى الْعُمَّالِ. وَنَقَلَ سُلَيْمَانُ بِنْتَ فِرْعَوْنَ مِنْ مَدِينَةِ دَاوُدَ إِلَى قَصْرِهَا الَّذِي بَنَاهُ سُلَيْمَانُ لَهَا، لِأَنَّهُ قَالَ: ”لَا تَسْكُنْ زَوْجَتِي فِي قَصْرِ دَاوُدَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ الَّتِي دَخَلَهَا صُنْدُوقُ الْعَهْدِ هِيَ أَمَاكِنُ مُقَدَّسَةٌ.“ ثُمَّ قَدَّمَ سُلَيْمَانُ قَرَابِينَ مُحْرَقَةً للهِ عَلَى مَنَصَّةِ اللهِ الَّتِي بَنَاهَا أَمَامَ الشُّرْفَةِ. وَكَانَ يَعْمَلُ هَذَا حَسَبَ الْمَطْلُوبِ فِي وَصِيَّةِ مُوسَى، مِنْ قَرَابِينَ يَوْمِيَّةٍ وَفِي أَيَّامِ السَّبْتِ وَرَأْسِ الشَّهْرِ وَالْأَعْيَادِ السَّنَوِيَّةِ الـ3: عِيدِ الْفَطِيرِ وَعِيدِ الْأَسَابِيعِ وَعِيدِ الْخِيَامِ. وَحَسَبَ مَا فَرَضَهُ دَاوُدُ أَبُوهُ، عَيَّنَ سُلَيْمَانُ فِرَقَ الْأَحْبَارِ لِيَقُومُوا بِخِدْمَتِهِمْ، وَاللَّاوِيِّينَ لِيَقُودُوا التَّسْبِيحَ، وَيُسَاعِدُوا الْأَحْبَارَ فِي أَعْمَالِهِمِ الْيَوْمِيَّةِ، وَعَيَّنَ الْبَوَّابِينَ حَسَبَ فِرَقِهِمْ لِكُلِّ بَابٍ. لِأَنَّ النَّبِيَّ دَاوُدَ أَوْصَى بِهَذَا. فَأَطَاعَ الْأَحْبَارُ وَاللَّاوِيُّونَ مَا أَوْصَى بِهِ الْمَلِكُ فِي كُلِّ أَمْرٍ، بِمَا فِي ذَلِكَ الْخَزَائِنُ. وَتَمَّ كُلُّ الْعَمَلِ الَّذِي رَغِبَ فِيهِ سُلَيْمَانُ، مِنْ وَقْتِ وَضْعِ أَسَاسِ بَيْتِ اللهِ حَتَّى إِتْمَامِهِ. وَتَمَّ بِنَاؤُهُ بِكُلِّ تَفَاصِيلِهِ. ثُمَّ ذَهَبَ سُلَيْمَانُ إِلَى عِصْيُونَ جَابِرَ وَإِلَى إِيلَاتَ، عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ فِي أَدُومَ. وَأَرْسَلَ لَهُ حِيرَامُ سُفُنًا يَقُودُهَا رِجَالُهُ الَّذِينَ لَهُمْ خِبْرَةٌ بِالْبَحْرِ، فَذَهَبُوا مَعَ رِجَالِ سُلَيْمَانَ إِلَى أُوفِيرَ وَأَحْضَرُوا مِنْ هُنَاكَ حَوَالَيْ 16 طِنًّا مِنَ الذَّهَبِ، وَأَتَوْا بِهَا إِلَى الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ. وَسَمِعَتْ مَلِكَةُ سَبَأَ عَنْ شُهْرَةِ سُلَيْمَانَ، فَجَاءَتْ إِلَى الْقُدْسِ لِتَمْتَحِنَهُ بِأَسْئِلَةٍ صَعْبَةٍ. وَدَخَلَتْ فِي مَوْكِبٍ عَظِيمٍ جِدًّا، وَمَعَهَا جِمَالٌ مُحَمَّلَةٌ بِأَطْيَابٍ وَذَهَبٍ كَثِيرٍ وَحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ. وَجَاءَتْ إِلَى سُلَيْمَانَ وَكَلَّمَتْهُ بِكُلِّ مَا كَانَ فِي قَلْبِهَا. فَأَجَابَهَا عَلَى كُلِّ أَسْئِلَتِهَا، وَلَمْ يَصْعُبْ عَلَى سُلَيْمَانَ شَيْءٌ لِيَشْرَحَهُ لَهَا. وَرَأَتْ مَلِكَةُ سَبَأَ حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ، وَالْقَصْرَ الَّذِي بَنَاهُ، وَمَائِدَتَهُ وَالطَّعَامَ الَّذِي يُقَدَّمُ عَلَيْهَا، وَرِجَالَ دَوْلَتِهِ وَمَجْلِسَهُمْ، وَخُدَّامَهُ وَنِظَامَهُمْ وَمَلَابِسَهُمْ، وَسُقَاتَهُ وَمَلَابِسَهُمْ، وَالْقَرَابِينَ الَّتِي كَانَ يُقَدِّمُهَا فِي بَيْتِ اللهِ، فَأَصَابَهَا الذُّهُولُ. وَقَالَتْ لِلْمَلِكِ: ”إِنَّ الْأَخْبَارَ الَّتِي بَلَغَتْنِي فِي بِلَادِي عَنْ أَعْمَالِكَ وَحِكْمَتِكَ، هِيَ فِعْلًا صَحِيحَةٌ. وَلَكِنِّي لَمْ أُصَدِّقْ كَلَامَهُمْ حَتَّى جِئْتُ وَرَأَيْتُ بِعَيْنَيَّ، فَوَجَدْتُ أَنَّ مَا بَلَغَنِي عَنْ عَظَمَةِ حِكْمَتِكَ لَيْسَ حَتَّى النِّصْفِ! أَنْتَ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ مَا سَمِعْتُهُ. فَهَنِيئًا لِرِجَالِكَ! وَهَنِيئًا لِأَعْوَانِكَ الْمَاثِلِينَ دَائِمًا فِي مَحْضَرِكَ يَسْمَعُونَ حِكْمَتَكَ! وَتَبَارَكَ الْمَوْلَى إِلَهُكَ الَّذِي رَضِيَ عَنْكَ، وَأَجْلَسَكَ عَلَى عَرْشِهِ مَلِكًا لَهُ. إِنَّ إِلَهَكَ أَحَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَرَادَ أَنْ يُثَبِّتَهُمْ إِلَى الْأَبَدِ، لِذَلِكَ جَعَلَكَ مَلِكًا عَلَيْهِمْ لِتَتَمَسَّكَ بِالْحَقِّ وَالصَّلَاحِ.“ وَأَعْطَتِ الْمَلِكَ حَوَالَيْ 4 أَطْنَانٍ مِنَ الذَّهَبِ، وَأَطْيَابًا كَثِيرَةً، وَحِجَارَةً كَرِيمَةً. وَكَانَتِ الْأَطْيَابُ الَّتِي أَعْطَتْهَا مَلِكَةُ سَبَأَ لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ، لَا مَثِيلَ لَهَا. وَكَذَلِكَ رِجَالُ حِيرَامَ وَرِجَالُ سُلَيْمَانَ الَّذِينَ أَحْضَرُوا ذَهَبًا مِنْ أُوفِيرَ، أَحْضَرُوا أَيْضًا خَشَبَ الصَّنْدَلِ وَحِجَارَةً كَرِيمَةً. وَعَمِلَ سُلَيْمَانُ مِنْ خَشَبِ الصَّنْدَلِ دَرَجًا لِبَيْتِ اللهِ وَلِقَصْرِ الْمَلِكِ، وَأَعْوَادًا وَرَبَابًا لِلْمُغَنِّينَ، لَمْ يُشَاهَدْ مِثْلُهَا مِنْ قَبْلُ فِي أَرْضِ يَهُوذَا. وَأَعْطَى الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ مَلِكَةَ سَبَأَ كُلَّ مَا رَغِبَتْ فِيهِ وَطَلَبَتْهُ، أَعْطَاهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَحْضَرَتْهُ هِيَ لِلْمَلِكِ. ثُمَّ انْصَرَفَتْ وَرَجَعَتْ إِلَى بِلَادِهَا هِيَ وَحَاشِيَتُهَا. وَكَانَ وَزْنُ الذَّهَبِ الَّذِي يَأْتِي إِلَى سُلَيْمَانَ فِي السَّنَةِ، حَوَالَيْ 23 طِنًّا. هَذَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى الضَّرَائِبِ الَّتِي دَفَعَهَا التُّجَّارُ وَالْبَيَّاعُونَ. كَمَا أَنَّ كُلَّ مُلُوكِ الْعَرَبِ وَحُكَّامِ الْمُدُنِ كَانُوا يُحْضِرَونَ ذَهَبًا وَفِضَّةً لِسُلَيْمَانَ. وَعَمِلَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ 200 تُرْسٍ مِنْ ذَهَبٍ مَطْرُوقٍ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَزْنُهُ حَوَالَيْ ثَلَاثَةِ كِيلُوجْرَامَاتٍ وَنِصْفٍ مِنَ الذَّهَبِ. وَ300 دِرْعٍ صَغِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ مَطْرُوقٍ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَزْنُهُ حَوَالَيْ كِيلُوجْرَامٍ وَثَلَاثَةِ أَرْبَاعٍ مِنَ الذَّهَبِ. وَوَضَعَهَا فِي قَصْرِ غَابَةِ لُبْنَانَ. وَعَمِلَ الْمَلِكُ عَرْشًا عَظِيمًا مِنَ الْعَاجِ وَغَشَّاهُ بِذَهَبٍ نَقِيٍّ. وَلِلْعَرْشِ 6 دَرَجَاتٍ، وَمُتَّصِلٌ بِهِ مَكَانٌ لِلْقَدَمَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، وَلَهُ يَدَانِ عَلَى جَانِبَيْ مَكَانِ الْجُلُوسِ، وَأَسَدٌ وَاقِفٌ بِجِوَارِ كُلِّ يَدٍ. وَ12 أَسَدًا وَاقِفَةٌ عَلَى الدَّرَجَاتِ الـ6 مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ، وَلَمْ يَكُنْ مَثِيلٌ لِهَذَا الْعَرْشِ فِي كُلِّ الْمَمَالِكِ. وَكَانَتْ كُلُّ آنِيَةِ شُرْبِ الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ مِنَ الذَّهَبِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ آنِيَةِ قَصْرِ غَابَةِ لُبْنَانَ مِنَ الذَّهَبِ النَّقِيِّ. لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنَ الْفِضَّةِ، لِأَنَّ الْفِضَّةَ لَمْ يَكُنْ لَهَا قِيمَةٌ كَبِيرَةٌ فِي أَيَّامِ سُلَيْمَانَ. وَكَانَ لِلْمَلِكِ سُفُنٌ تِجَارِيَّةٌ فِي الْبَحْرِ يَقُودُهَا رِجَالُ حِيرَامَ. فَكَانَتْ تَأْتِي مَرَّةً كُلَّ 3 سِنِينَ حَامِلَةً ذَهَبًا وَفِضَّةً وَعَاجًا وَقُرُودًا وَطَوَاوِيسَ. فَكَانَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ أَعْظَمَ مِنْ كُلِّ مُلُوكِ الْأَرْضِ فِي الْغِنَى وَالْحِكْمَةِ. وَكَانَ جَمِيعُ مُلُوكِ الْأَرْضِ يَأْتُونَ لِيَمْثُلُوا فِي مَحْضَرِ سُلَيْمَانَ لِيَسْمَعُوا حِكْمَتَهُ الَّتِي وَضَعَهَا اللهُ فِي قَلْبِهِ. وَكَانَ كُلُّ مَنْ يَأْتِي إِلَيْهِ، يُحْضِرُ مَعَهُ هَدِيَّةً مِنْ آنِيَةِ فِضَّةٍ وَآنِيَةِ ذَهَبٍ، وَمَلَابِسَ وَسِلَاحٍ وَأَطْيَابٍ، وَخَيْلٍ وَبِغَالٍ، وَذَلِكَ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ. وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ 4000 مَعْلَفٍ لِخَيْلِ مَرْكَبَاتِهِ، وَ12000 مِنَ الْخَيْلِ. فَوَضَعَ بَعْضَهَا فِي مُدُنِ الْمَرْكَبَاتِ، وَبَعْضَهَا عِنْدَهُ فِي الْقُدْسِ. وَامْتَدَّ سُلْطَانُهُ عَلَى كُلِّ الْمُلُوكِ مِنَ الْفُرَاتِ إِلَى بِلَادِ الْفِلِسْطِيِّينَ حَتَّى حُدُودِ مِصْرَ. وَجَعَلَ الْمَلِكُ الْفِضَّةَ فِي الْقُدْسِ شَيْئًا عَادِيًّا كَالْحِجَارَةِ، وَجَعَلَ الْأَرْزَ كَثِيرًا كَالْجُمَّيْزِ الَّذِي فِي السَّهْلِ. وَكَانَتِ الْخَيْلُ تُسْتَوْرَدُ لِسُلَيْمَانَ مِنْ مِصْرَ وَمِنْ كُلِّ الْبِلَادِ الْأُخْرَى. أَمَّا بَقِيَّةُ أَخْبَارِ سُلَيْمَانَ، مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، فَهِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ نَاثَانَ النَّبِيِّ، وَفِي نُبُوَّةِ أَخِيَّا الشِّيلُونِيِّ، وَفِي رُؤَى عِدُّو الرَّائِي بِشَأْنِ يَرْبَعَامَ بْنِ نَبَاطَ. وَمَلَكَ سُلَيْمَانُ فِي الْقُدْسِ عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ 40 سَنَةً. ثُمَّ انْضَمَّ سُلَيْمَانُ إِلَى أَسْلَافِهِ، وَدُفِنَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَمَلَكَ مَكَانَهُ رَحْبَعَامُ ابْنُهُ. وَذَهَبَ رَحْبَعَامُ إِلَى شَكِيمَ، لِأَنَّ كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ اجْتَمَعُوا هُنَاكَ لِيُمَلِّكُوهُ. وَسَمِعَ يَرْبَعَامُ بْنُ نَبَاطَ بِذَلِكَ وَهُوَ فِي مِصْرَ، لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ هَرَبَ مِنَ الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ، فَرَجَعَ مِنْ مِصْرَ. وَأَرْسَلُوا وَدَعَوْهُ، فَذَهَبَ هُوَ وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَالُوا لِرَحْبَعَامَ: ”أَبُوكَ وَضَعَ عَلَيْنَا حِمْلًا ثَقِيلًا، فَالْآنَ خَفِّفْ أَنْتَ مِنَ الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ الَّتِي فَرَضَهَا أَبُوكَ، وَالْحِمْلِ الثَّقِيلِ الَّذِي وَضَعَهُ عَلَيْنَا فَنَخْدِمَكَ.“ فَقَالَ لَهُمْ: ”اِرْجِعُوا إِلَيَّ بَعْدَ 3 أَيَّامٍ.“ فَذَهَبُوا. فَاسْتَشَارَ الْمَلِكُ رَحْبَعَامُ الشُّيُوخَ الَّذِينَ خَدَمُوا سُلَيْمَانَ أَبَاهُ فِي حَيَاتِهِ، وَقَالَ لَهُمْ: ”مَا هِيَ نَصِيحَتُكُمْ؟ كَيْفَ أَرُدُّ عَلَى هَذَا الشَّعْبِ؟“ فَقَالُوا لَهُ: ”إِنْ كُنْتَ تَرْأَفُ بِهَذَا الشَّعْبِ، وَتُرْضِيهِمْ وَتُكَلِّمُهُمْ بِلُطْفٍ، يَصِيرُونَ عَبِيدًا لَكَ كُلَّ الْأَيَّامِ.“ لَكِنَّ رَحْبَعَامَ رَفَضَ نَصِيحَةَ الشُّيُوخِ الَّتِي نَصَحُوهُ بِهَا، وَاسْتَشَارَ الشُّبَّانَ الَّذِينَ نَشَأُوا مَعَهُ وَكَانُوا يَخْدِمُونَهُ. وَقَالَ لَهُمْ: ”مَا هِيَ نَصِيحَتُكُمْ أَنْتُمْ؟ كَيْفَ نَرُدُّ عَلَى هَذَا الشَّعْبِ الَّذِي قَالَ لِي: ’خَفِّفْ مِنَ الْحِمْلِ الَّذِي وَضَعَهُ عَلَيْنَا أَبُوكَ‘؟“ فَأَجَابَهُ الشُّبَّانُ الَّذِينَ نَشَأُوا مَعَهُ وَقَالُوا: ”الشَّعْبُ الَّذِي قَالَ لَكَ: ’أَبُوكَ وَضَعَ عَلَيْنَا حِمْلًا ثَقِيلًا، فَالْآنَ خَفِّفْ أَنْتَ مِنَ الْحِمْلِ الَّذِي عَلَيْنَا.‘ تَقُولُ لَهُمْ: ’إِصْبَعِيَ الصَّغِيرُ أَغْلَظُ مِنْ رِجْلِ أَبِي. أَبِي وَضَعَ عَلَيْكُمْ حِمْلًا ثَقِيلًا، وَأَنَا أَزِيدُ عَلَى حِمْلِكُمْ. أَبِي أَدَّبَكُمْ بِالسِّيَاطِ، وَأَنَا أُؤَدِّبُكُمْ بِالْعَقَارِبِ.‘“ وَبَعْدَ 3 أَيَّامٍ، رَجَعَ يَرْبَعَامُ وَكُلُّ الشَّعْبِ إِلَى رَحْبَعَامَ، كَمَا قَالَ الْمَلِكُ: ”اِرْجِعُوا إِلَيَّ بَعْدَ 3 أَيَّامٍ.“ فَرَدَّ الْمَلِكُ عَلَيْهِمْ بِقَسَاوَةٍ، وَرَفَضَ نَصِيحَةَ الشُّيُوخِ. وَكَلَّمَهُمْ بِمَا نَصَحَهُ بِهِ الشُّبَّانُ وَقَالَ: ”أَبِي وَضَعَ عَلَيْكُمْ حِمْلًا ثَقِيلًا، وَأَنَا أَزِيدُ عَلَى حِمْلِكُمْ. أَبِي أَدَّبَكُمْ بِالسِّيَاطِ، وَأَنَا أُؤَدِّبُكُمْ بِالْعَقَارِبِ.“ وَلَمْ يَسْمَعِ الْمَلِكُ لِلشَّعْبِ. فَإِنَّ اللهَ سَبَّبَ هَذَا، لِيُحَقِّقَ وَعْدَهُ لِيَرْبَعَامَ بْنِ نَبَاطَ بِوَاسِطَةِ أَخِيَّا الشِّيلُونِيِّ. وَلَمَّا رَأَى كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ الْمَلِكَ لَمْ يَسْمَعْ لَهُمْ، قَالُوا لَهُ: ”لَا نَصِيبَ لَنَا فِي بَيْتِ دَاوُدَ، وَلَا عَلَاقَةَ بِنَا مَعَ ابْنِ يَسَّى! اِرْجِعُوا إِلَى دِيَارِكُمْ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ! دَبِّرْ أُمُورَ بَيْتِكَ يَا دَاوُدُ!“ فَرَجَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى دِيَارِهِمْ. أَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ السَّاكِنُونَ فِي مُدُنِ يَهُوذَا، فَمَلَكَ عَلَيْهِمْ رَحْبَعَامُ. وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ رَحْبَعَامُ أَدُونِيرَامَ الْمُشْرِفَ عَلَى أَشْغَالِ السُّخْرَةِ، فَرَجَمَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالْحِجَارَةِ فَمَاتَ. فَأَسْرَعَ الْمَلِكُ رَحْبَعَامُ وَصَعِدَ إِلَى مَرْكَبَتِهِ وَهَرَبَ إِلَى الْقُدْسِ. فَتَمَرَّدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى بَيْتِ دَاوُدَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. وَلَمَّا وَصَلَ رَحْبَعَامُ إِلَى الْقُدْسِ، جَمَعَ بَيْتَ يَهُوذَا وَبِنْيَمِينَ 180000 مِنْ رِجَالِ الْجَيْشِ، لِيُحَارِبُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَيَرُدُّوا الْمَمْلَكَةَ لِرَحْبَعَامَ. وَلَكِنَّ اللهَ قَالَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ لِلنَّبِيِّ شَمَعْيَا: ”قُلْ لِرَحْبَعَامَ بْنِ سُلَيْمَانَ مَلِكِ يَهُوذَا وَكُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ فِي يَهُوذَا وَبِنْيَمِينَ: ’هَذَا كَلَامُ اللهِ: لَا تَذْهَبُوا لِتُحَارِبُوا إِخْوَتَكُمْ، بَلِ ارْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى دَارِهِ، لِأَنِّي أَنَا عَمِلْتُ هَذَا.‘“ فَأَطَاعُوا كَلَامَ اللهِ، وَرَجَعُوا وَلَمْ يُحَارِبُوا يَرْبَعَامَ. وَأَقَامَ رَحْبَعَامُ فِي الْقُدْسِ وَحَصَّنَ مُدُنَ يَهُوذَا لِيَحْمِيَهَا. فَحَصَّنَ بَيْتَ لَحْمَ وَعِيطَمَ وَتَقُوعَ وَبَيْتَ صُورَ وَسُوكُو وَعَدْلَامَ وَجَتَّ وَمَرِيشَةَ وَزِيفَ وَأَدُورَايِمَ وَلَخِيشَ وَعَزِيقَةَ وَصَرْعَةَ وَأَيْلُونَ وَحَبْرُونَ. فَكَانَتْ هَذِهِ مُدُنًا مُحَصَّنَةً فِي يَهُوذَا وَبِنْيَمِينَ. وَشَدَّدَ دِفَاعَهَا، وَوَضَعَ فِيهَا قَادَةً، وَمَخَازِنَ طَعَامٍ وَزَيْتٍ وَخَمْرٍ. كَمَا وَضَعَ أَتْرَاسًا وَرِمَاحًا فِي كُلِّ مَدِينَةٍ وَشَدَّدَهَا جِدًّا. فَكَانَتْ يَهُوذَا وَبِنْيَمِينُ تَحْتَ حُكْمِهِ. وَانْضَمَّ إِلَى رَحْبَعَامَ الْأَحْبَارُ وَاللَّاوِيُّونَ الَّذِينَ فِي كُلِّ إِسْرَائِيلَ، وَجَاءُوا إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ بِلَادِهِمْ. فَتَرَكَ اللَّاوِيُّونَ قُرَاهُمْ وَأَمْلَاكَهُمْ، وَجَاءُوا إِلَى يَهُوذَا وَالْقُدْسِ. لِأَنَّ يَرْبَعَامَ وَبَنِيهِ مَنَعُوهُمْ مِنْ أَنْ يَخْدِمُوا كَأَحْبَارٍ للهِ، بَلْ عَيَّنَ لِنَفْسِهِ كَهَنَةً لِلْمَعَابِدِ وَتَمَاثِيلِ التُّيُوسِ وَالْعُجُولِ الَّتِي عَمِلَهَا. وَآخَرُونَ مِنْ كُلِّ قَبَائِلِ إِسْرَائِيلَ، أَرَادُوا أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ قُلُوبِهِمْ، فَهَؤُلَاءِ أَيْضًا تَبِعُوا اللَّاوِيِّينَ إِلَى الْقُدْسِ لِيُقَدِّمُوا الضَّحَايَا لِلْمَوْلَى رَبِّ آبَائِهِمْ. فَشَدَّدُوا مَمْلَكَةَ يَهُوذَا وَسَانَدُوا رَحْبَعَامَ بْنَ سُلَيْمَانَ 3 سِنِينَ، لِأَنَّهُمْ تَبِعُوا مِثَالَ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ 3 سِنِينَ. وَتَزَوَّجَ رَحْبَعَامُ مَحْلَةَ بِنْتَ يَرِيمُوثَ وَأَبِيحَائِلَ. وَيَرِيمُوثُ هُوَ ابْنُ دَاوُدَ، وَأَبِيحَائِلُ هِيَ بِنْتُ أَلِيآبَ بْنِ يَسَّى. فَوَلَدَتْ مَحْلَةُ لِرَحْبَعَامَ بَنِينَ: يَعُوشَ وَشَمَرْيَا وَزَاهَمَ. ثُمَّ تَزَوَّجَ مَعْكَةَ بِنْتَ أَبْشَلُومَ، فَوَلَدَتْ لَهُ أَبِيَّا وَعَتَّايَ وَزِيزَا وَشَلُومِيثَ. وَأَحَبَّ رَحْبَعَامُ مَعْكَةَ بِنْتَ أَبْشَلُومَ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ زَوْجَاتِهِ وَجَوَارِيهِ، لِأَنَّهُ أَخَذَ 18 زَوْجَةً، وَ60 جَارِيَةً، وَأَنْجَبَ 28 ابْنًا وَ60 بِنْتًا. وَعَيَّنَ رَحْبَعَامُ أَبِيَّا ابْنَ مَعْكَةَ رَئِيسًا عَلَى إِخْوَتِهِ وَقَائِدًا لَهُمْ، لِيَكُونَ هُوَ الْمَلِكَ بَعْدَهُ. وَتَصَرَّفَ بِحِكْمَةٍ، فَفَرَّقَ بَعْضَ بَنِيهِ فِي كُلِّ مَنَاطِقِ يَهُوذَا وَبِنْيَمِينَ. وَأَرْسَلَهُمْ إِلَى كُلِّ الْمُدُنِ الْمُحَصَّنَةِ، وَأَعْطَاهُمْ زَادًا وَفِيرًا، وَزَوَّجَهُمْ نِسَاءَ كَثِيرَاتٍ. فَلَمَّا ثَبَتَ مُلْكُ رَحْبَعَامَ وَرَسَخَ، تَرَكَ شَرِيعَةَ اللهِ هُوَ وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَهُ. وَلِأَنَّهُمْ خَانُوا اللهَ، هَجَمَ شِيشَقُ مَلِكُ مِصْرَ عَلَى الْقُدْسِ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ لِلْمَلِكِ رَحْبَعَامَ. وَكَانَ مَعَهُ 1200 مَرْكَبَةٍ وَ60000 فَارِسٍ وَعَدَدٌ لَا يُحْصَى مِنْ جُنُودٍ لِيبِيِّينَ وَسُكِّيِّينَ وَمِنَ الْحَبَشَةِ جَاءُوا مَعَهُ مِنْ مِصْرَ. وَاسْتَوْلَى عَلَى مُدُنِ يَهُوذَا الْمُحَصَّنَةِ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى الْقُدْسِ. فَجَاءَ شَمَعْيَا النَّبِيُّ إِلَى رَحْبَعَامَ وَرُؤَسَاءِ يَهُوذَا، الَّذِينَ اجْتَمَعُوا فِي الْقُدْسِ خَائِفِينَ مِنْ شِيشَقَ، وَقَالَ لَهُمْ: ”هَذَا كَلَامُ اللهِ: ’أَنْتُمْ تَرَكْتُمُونِي، وَأَنَا أَيْضًا أَتْرُكُكُمْ فِي يَدِ شِيشَقَ.‘“ فَتَوَاضَعَ رُؤَسَاءُ إِسْرَائِيلَ وَالْمَلِكُ وَقَالُوا: ”الْمَوْلَى عَادِلٌ.“ وَلَمَّا رَأَى اللهُ أَنَّهُمْ تَوَاضَعُوا، قَالَ لِشَمَعْيَا: ”لِأَنَّهُمْ تَوَاضَعُوا، لَنْ أُهْلِكَهُمْ بَلْ أُعْطِيَهُمْ بَعْضَ النَّجَاةِ، وَلَنْ يَنْصَبَّ غَضَبِي عَلَى الْقُدْسِ بِوَاسِطَةِ شِيشَقَ، لَكِنَّهُمْ يَكُونُونَ عَبِيدًا لَهُ، لِكَيْ يَعْرِفُوا الْفَرْقَ بَيْنَ خِدْمَتِي وَخِدْمَةِ مُلُوكِ الْبِلَادِ الْأُخْرَى.“ وَهَجَمَ شِيشَقُ مَلِكُ مِصْرَ عَلَى الْقُدْسِ، وَاسْتَوْلَى عَلَى خَزَائِنِ بَيْتِ اللهِ وَخَزَائِنِ قَصْرِ الْمَلِكِ، وَأَخَذَ كُلَّ مَا فِيهَا، وَأَخَذَ أَتْرَاسَ الذَّهَبِ الَّتِي عَمِلَهَا سُلَيْمَانُ. فَعَمِلَ الْمَلِكُ رَحْبَعَامُ بَدَلًا مِنْهَا أَتْرَاسَ نُحَاسٍ، وَسَلَّمَهَا لِقَادَةِ الْحَرَسِ الَّذِينَ عَلَى بَابِ قَصْرِ الْمَلِكِ. وَكَانَ عِنْدَمَا يَدْخُلُ الْمَلِكُ بَيْتَ اللهِ، يَأْتِي الْحَرَسُ مَعَهُ مُسَلَّحِينَ بِالْأَتْرَاسِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يُرْجِعُونَهَا إِلَى غُرْفَةِ الْحَرَسِ. وَلَمَّا تَوَاضَعَ رَحْبَعَامُ، رَجَعَ عَنْهُ غَضَبُ اللهِ، فَلَمْ يُهْلِكْهُ تَمَامًا. وَكَانَ مَا زَالَ فِي يَهُوذَا بَعْضُ الْأُمُورِ الصَّالِحَةِ. وَتَقَوَّى الْمَلِكُ رَحْبَعَامُ فِي الْقُدْسِ، وَاسْتَمَرَّ يَمْلِكُ. كَانَ ابْنَ 41 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 17 سَنَةً فِي الْقُدْسِ، الْمَدِينَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا اللهُ مِنْ بَيْنِ كُلِّ قَبَائِلِ إِسْرَائِيلَ، لِيَعْبُدَهُ النَّاسُ فِيهَا. وَاسْمُ أُمِّهِ نِعْمَةُ الْعَمُّونِيَّةُ. وَعَمِلَ الشَّرَّ وَلَمْ يَفْتَحْ قَلْبَهُ لِيَطْلُبَ اللهَ. وَكُلُّ أَعْمَالِ رَحْبَعَامَ، مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كُتُبِ شَمَعْيَا النَّبِيِّ وَعِدُّو الرَّائِي الَّتِي تَذْكُرُ الْأَنْسَابَ. وَكَانَتْ حَرْبٌ مُسْتَمِرَّةٌ بَيْنَ رَحْبَعَامَ وَيَرْبَعَامَ. ثُمَّ انْضَمَّ رَحْبَعَامُ إِلَى أَسْلَافِهِ، وَدُفِنَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. وَمَلَكَ مَكَانَهُ أَبِيَّا ابْنُهُ. فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ لِلْمَلِكِ يَرْبَعَامَ، مَلَكَ أَبِيَّا عَلَى يَهُوذَا. وَدَامَ مُلْكُهُ 3 سِنِينَ فِي الْقُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ مَعْكَةُ حَفِيدَةُ أُورِيلَ مِنْ جِبْعَةَ. وَكَانَتْ حَرْبٌ بَيْنَ أَبِيَّا وَيَرْبَعَامَ. وَدَخَلَ أَبِيَّا الْحَرْبَ بِجَيْشٍ مِنْ 400000 رَجُلٍ مِنَ الْمُحَارِبِينَ الْأَشِدَّاءِ. وَاسْتَعَدَّ يَرْبَعَامُ لِمُحَارَبَتِهِ بِـ800000 رَجُلٍ مُخْتَارٍ مِنَ الْأَقْوِيَاءِ. وَوَقَفَ أَبِيَّا عَلَى جَبَلِ صَمَارَايِمَ الَّذِي فِي مُرْتَفَعَاتِ أَفْرَايِمَ، وَقَالَ: ”اِسْمَعُونِي يَا يَرْبَعَامُ وَكُلَّ إِسْرَائِيلَ. أَلَا تَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَعْطَى الْمُلْكَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ لِدَاوُدَ وَنَسْلِهِ إِلَى الْأَبَدِ، بِعَهْدٍ لَا يُنْقَضُ؟ وَلَكِنَّ يَرْبَعَامَ بْنَ نَبَاطَ، وَهُوَ خَادِمٌ عِنْدَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، تَمَرَّدَ عَلَى سَيِّدِهِ! وَاجْتَمَعَ حَوْلَهُ بَعْضُ الرِّجَالِ الْبَطَّالِينَ الْمُشَاغِبِينَ، وَثَارُوا عَلَى رَحْبَعَامَ بْنِ سُلَيْمَانَ، الَّذِي كَانَ شَابًّا قَلِيلَ الْخِبْرَةِ، فَلَمْ يَثْبُتْ أَمَامَهُمْ. وَأَنْتُمُ الْآنَ تَظُنُّونَ أَنَّ فِي إِمْكَانِكُمْ أَنْ تُقَاوِمُوا الْمَمْلَكَةَ الَّتِي أَقَامَهَا اللهُ وَوَضَعَهَا فِي يَدِ بَنِي دَاوُدَ، لِأَنَّكُمْ جُمْهُورٌ كَثِيرٌ وَمَعَكُمْ عُجُولُ ذَهَبٍ عَمِلَهَا يَرْبَعَامُ لِتَكُونَ آلِهَتَكُمْ. أَنْتُمْ طَرَدْتُمْ أَحْبَارَ اللهِ بَنِي هَارُونَ وَاللَّاوِيِّينَ، وَعَمِلْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ كَهَنَةً كَشُعُوبِ الْبِلَادِ الْأُخْرَى! فَكُلُّ مَنْ جَاءَ لِيُكَرِّسَ نَفْسَهُ وَمَعَهُ ثَوْرٌ مِنَ الْبَقَرِ وَ7 كِبَاشٍ، يَصِيرُ كَاهِنًا لِمَنْ هُمْ لَيْسُوا آلِهَةً! أَمَّا نَحْنُ، فَاللهُ هُوَ إِلَهُنَا وَلَمْ نَتْرُكْهُ. وَالْأَحْبَارُ الَّذِينَ يَخْدِمُونَ اللهَ عِنْدَنَا، هُمْ بَنُو هَارُونَ، وَاللَّاوِيُّونَ يُسَاعِدُونَهُمْ. وَهُمْ يُقَدِّمُونَ للهِ قَرَابِينَ مُحْرَقَةً وَبَخُورًا عَطِرًا كُلَّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ. وَيَضَعُونَ الْخُبْزَ عَلَى الْمَائِدَةِ الطَّاهِرَةِ، وَيُشْعِلُونَ مَصَابِيحَ مَنَارَةِ الذَّهَبِ كُلَّ مَسَاءٍ. فَنَحْنُ نَعْمَلُ بِفَرَائِضِ الْمَوْلَى إِلَهِنَا، أَمَّا أَنْتُمْ فَقَدْ تَرَكْتُمُوهُ. فَاللهُ مَعَنَا يَقُودُنَا، وَأَحْبَارُهُ سَيَنْفُخُونَ فِي الْأَبْوَاقِ بِهُتَافِ الْحَرْبِ ضِدَّكُمْ! فَلَا تُحَارِبُوا الْمَوْلَى إِلَهَ آبَائِكُمْ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، لِأَنَّكُمْ لَا تَنْجَحُونَ.“ وَلَكِنَّ يَرْبَعَامَ أَرْسَلَ بَعْضَ جَيْشِهِ فَدَارُوا وَكَمَنُوا وَرَاءَ جَيْشِ يَهُوذَا. فَكَانَ يَرْبَعَامُ وَجَيْشُهُ مِنَ الْأَمَامِ، وَالْكَمِينُ مِنَ الْوَرَاءِ. فَالْتَفَتَ جُنُودُ يَهُوذَا، وَوَجَدُوا أَنَّ جَيْشَ يَرْبَعَامَ يُحَارِبُهُمْ مِنْ قُدَّامٍ وَمِنْ وَرَاءٍ. فَصَرَخُوا إِلَى اللهِ، وَنَفَخَ الْأَحْبَارُ فِي الْأَبْوَاقِ، وَهَتَفَ رِجَالُ يَهُوذَا. وَلَمَّا هَتَفُوا، هَزَمَ اللهُ يَرْبَعَامَ وَكُلَّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ أَمَامَ أَبِيَّا وَيَهُوذَا. فَهَرَبَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ أَمَامِ يَهُوذَا، لِأَنَّ اللهَ نَصَرَ يَهُوذَا عَلَيْهِمْ. وَأَلْحَقَ أَبِيَّا وَشَعْبُهُ بِهِمْ خَسَائِرَ فَادِحَةً، فَمَاتَ مِنْ إِسْرَائِيلَ 500000 مِنَ الرِّجَالِ الْأَشِدَّاءِ. فَانْكَسَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَانْتَصَرَ بَنُو يَهُوذَا لِأَنَّهُمُ اتَّكَلُوا عَلَى الْمَوْلَى رَبِّ آبَائِهِمْ. وَطَارَدَ أَبِيَّا يَرْبَعَامَ، وَأَخَذَ مِنْهُ بَيْتَ إِيلَ وَيَشَانَةَ وَعَفْرُونَ، وَالْقُرَى الْمُحِيطَةَ بِهَذِهِ الْمُدُنِ. وَلَمْ يَسْتَرِدَّ يَرْبَعَامُ قُوَّتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ طُولَ أَيَّامِ أَبِيَّا، وَضَرَبَهُ اللهُ فَمَاتَ. أَمَّا أَبِيَّا فَزَادَ قُوَّةً، وَأَخَذَ 14 زَوْجَةً، وَأَنْجَبَ 22 ابْنًا، وَ16 بِنْتًا. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ أَبِيَّا وَأَعْمَالُهُ وَأَقْوَالُهُ، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ عِدُّو. ثُمَّ انْضَمَّ أَبِيَّا إِلَى أَسْلَافِهِ، وَدُفِنَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. وَمَلَكَ مَكَانَهُ آسَا ابْنُهُ. وَاسْتَرَاحَتِ الْبِلَادُ مِنَ الْحَرْبِ 10 سِنِينَ فِي أَيَّامِ آسَا. وَعَمِلَ آسَا مَا هُوَ طَيِّبٌ وَصَالِحٌ فِي نَظَرِ الْمَوْلَى إِلَهِهِ. وَهَدَمَ مَنَصَّاتِ الْقُرْبَانِ وَمَعَابِدَ الْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ، وَحَطَّمَ التَّمَاثِيلَ، وَكَسَّرَ الْأَعْمِدَةَ الَّتِي كَانَ النَّاسُ يَعْبُدُونَهَا. وَأَمَرَ شَعْبَ يَهُوذَا أَنْ يَطْلُبُوا الْمَوْلَى رَبَّ آبَائِهِمْ، وَأَنْ يَعْمَلُوا بِشَرَائِعِهِ وَوَصَايَاهُ. وَاسْتَرَاحَتِ الْمَمْلَكَةُ فِي أَيَّامِهِ، لِأَنَّهُ هَدَمَ مَعَابِدَ الْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ وَمَنَصَّاتِ تَقْدِيمِ الْبَخُورِ مِنْ كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا. وَبَنَى مُدُنًا مُحَصَّنَةً فِي يَهُوذَا، فِي الْوَقْتِ الَّذِي اسْتَرَاحَتْ فِيهِ الْبِلَادُ. وَلَمْ يُحَارِبْهُ أَحَدٌ فِي تِلْكَ السِّنِينَ، لِأَنَّ اللهَ أَرَاحَهُ. وَقَالَ آسَا لِشَعْبِ يَهُوذَا: ”تَعَالَوْا نَبْنِي هَذِهِ الْمُدُنَ، وَنُحَوِّطُهَا بِأَسْوَارٍ لَهَا أَبْرَاجٌ وَأَبْوَابٌ وَأَقْفَالٌ. إِنَّ الْأَرْضَ لَنَا، لِأَنَّنَا طَلَبْنَا الْمَوْلَى إِلَهَنَا. طَلَبْنَاهُ فَأَرَاحَنَا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ.“ فَبَنَوْا وَنَجَحُوا. وَكَانَ لِآسَا جَيْشٌ مُكَوَّنٌ مِنْ 300000 مِنْ يَهُوذَا يَحْمِلُونَ الْأَتْرَاسَ وَالرِّمَاحَ، وَ280000 مِنْ بِنْيَمِينَ يَحْمِلُونَ الْأَتْرَاسَ وَالْأَقْوَاسَ. كُلُّ هَؤُلَاءِ مُحَارِبُونَ بَوَاسِلُ. وَزَحَفَ عَلَيْهِمْ زَارَحُ الْحَبَشِيُّ بِجَيْشٍ مِنْ أُلُوفٍ وَأُلُوفٍ، وَبِـ300 مَرْكَبَةٍ، وَجَاءَ إِلَى مَرِيشَةَ. فَخَرَجَ آسَا لِيُحَارِبَهُ، وَاسْتَعَدُّوا لِلْمَعْرَكَةِ فِي وَادِي صَفَاتَةَ بِالْقُرْبِ مِنْ مَرِيشَةَ. وَدَعَا آسَا الْمَوْلَى إِلَهَهُ وَقَالَ: ”يَا رَبُّ، أَنْتَ وَحْدَكَ قَادِرٌ أَنْ تُسَاعِدَ الضَّعِيفَ عَلَى الْقَوِيِّ، فَسَاعِدْنَا يَا رَبُّ يَا إِلَهَنَا، لِأَنَّنَا اتَّكَلْنَا عَلَيْكَ، وَبِاسْمِكَ أَقْدَمْنَا عَلَى هَذَا الْجَيْشِ. يَا رَبُّ أَنْتَ إِلَهُنَا، وَلَا إِنْسَانَ يَقْوَى عَلَيْكَ.“ فَهَزَمَ اللهُ الْحَبَشِيِّينَ أَمَامَ آسَا وَيَهُوذَا فَهَرَبُوا. وَطَارَدَهُمْ آسَا وَالشَّعْبُ الَّذِي مَعَهُ إِلَى جَرَارَ. وَمَاتَ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ الْحَبَشِيِّينَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُمْ ذِكْرٌ، لِأَنَّهُمُ انْكَسَرُوا أَمَامَ اللهِ وَأَمَامَ جَيْشِهِ. وَأَخَذَ رِجَالُ يَهُوذَا غَنِيمَةً كَثِيرَةً جِدًّا. وَهَدَمُوا كُلَّ الْقُرَى الَّتِي حَوْلَ جَرَارَ، لِأَنَّ رُعْبَ اللهِ حَلَّ عَلَيْهِمْ. وَنَهَبُوا كُلَّ الْقُرَى، لِأَنَّهُ كَانَ فِيهَا غَنِيمَةٌ كَثِيرَةٌ. وَهَاجَمُوا أَيْضًا حَظَائِرَ الْمَاشِيَةِ، وَأَخَذُوا الْكَثِيرَ مِنَ الْغَنَمِ وَالْجِمَالِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى الْقُدْسِ. وَحَلَّ رُوحُ اللهِ عَلَى عَزَرْيَا بْنِ عُودِيدَ. فَخَرَجَ لِيُقَابِلَ آسَا وَقَالَ لَهُ: ”اِسْمَعُونِي يَا آسَا وَكُلَّ يَهُوذَا وَبِنْيَمِينَ. اللهُ مَعَكُمْ مَا دُمْتُمْ مَعَهُ. وَإِنْ طَلَبْتُمُوهُ تَجِدُوهُ، وَإِنْ تَرَكْتُمُوهُ يَتْرُكْكُمْ. وَمُنْذُ زَمَنٍ طَوِيلٍ وَبَنُو إِسْرَائِيلَ بِلَا إِلَهٍ حَقٍّ، وَبِلَا حَبْرٍ يُعَلِّمُهُمْ، وَبِلَا شَرِيعَةٍ. فَلَمَّا تَضَايَقُوا، وَرَجَعُوا إِلَى اللهِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَطَلَبُوهُ، وَجَدُوهُ. فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ، لِأَنَّ اضْطِرَابَاتٍ كَثِيرَةً عَمَّتْ كُلَّ سُكَّانِ الْأَرْضِ. أُمَّةٌ تَسْحَقُ أُمَّةً، وَمَدِينَةٌ تُهْلِكُ مَدِينَةً! لِأَنَّ اللهَ ابْتَلَاهُمْ بِكُلِّ أَنْوَاعِ الضِّيقِ. أَمَّا أَنْتُمْ فَكُونُوا أَقْوِيَاءَ وَلَا تَيْأَسُوا، لِأَنَّكُمْ سَتَنَالُونَ أَجْرَ عَمَلِكُمُ الصَّالِحِ.“ وَلَمَّا سَمِعَ آسَا هَذَا الْكَلَامَ وَنُبُوَّةَ عَزَرْيَا بْنِ عُودِيدَ النَّبِيِّ، تَشَجَّعَ وَأَزَالَ الْأَصْنَامَ الْقَبِيحَةَ مِنْ كُلِّ أَرْضِ يَهُوذَا وَبِنْيَمِينَ، وَمِنَ الْمُدُنِ الَّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ. وَجَدَّدَ مَنَصَّةَ عِبَادَةِ اللهِ الَّتِي أَمَامَ شُرْفَةِ الْبَيْتِ. وَجَمَعَ كُلَّ يَهُوذَا وَبِنْيَمِينَ وَالْمُقِيمِينَ بَيْنَهُمْ مِنْ شَعْبِ أَفْرَايِمَ وَمَنَسَّى وَشَمْعُونَ، فَقَدِ انْضَمَّ إِلَيْهِ كَثِيرُونَ مِنْ إِسْرَائِيلَ، لَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَهُ مَعَهُ. فَاجْتَمَعُوا فِي الْقُدْسِ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ مِنْ مُلْكِ آسَا. وَقَدَّمُوا ضَحَايَا للهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْغَنِيمَةِ الَّتِي اسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا: 700 ثَوْرٍ وَ7000 خَرُوفٍ. وَعَمِلُوا عَهْدًا أَنْ يَطْلُبُوا الْمَوْلَى رَبَّ آبَائِهِمْ بِكُلِّ قَلْبِهِمْ وَكُلِّ نَفْسِهِمْ. وَكُلُّ مَنْ لَا يَطْلُبُ اللهَ رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقْتَلُ، سَوَاءً كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً. وَحَلَفُوا للهِ عَلَى ذَلِكَ بِصَوْتٍ عَالٍ وَهُتَافٍ وَبِأَبْوَاقٍ وَقُرُونٍ. وَفَرِحَ كُلُّ يَهُوذَا لِأَنَّهُمْ حَلَفُوا بِكُلِّ قَلْبِهِمْ، وَطَلَبُوا اللهَ بِرَغْبَةٍ شَدِيدَةٍ، فَوَجَدُوهُ وَأَرَاحَهُمْ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. وَخَلَعَ الْمَلِكُ آسَا جَدَّتَهُ مَعْكَةَ مِنْ مَرْكَزِهَا كَمَلِكَةٍ، لِأَنَّهَا عَمِلَتْ عَمُودًا لِتَعْبُدَهُ، فَكَسَّرَ الْعَمُودَ وَأَحْرَقَهُ فِي وَادِي قَدْرُونَ. وَمَعَ أَنَّ آسَا لَمْ يَهْدِمْ كُلَّ مَعَابِدِ الْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ، إِلَّا أَنَّ قَلْبَهُ كَانَ مُخْلِصًا للهِ كُلَّ أَيَّامِهِ. وَأَدْخَلَ إِلَى بَيْتِ اللهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي كَرَّسَهَا أَبُوهُ وَالْأَشْيَاءَ الَّتِي كَرَّسَهَا هُوَ لِذَلِكَ، مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَآنِيَةٍ. وَلَمْ تَحْدُثْ حَرْبٌ إِلَى السَّنَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ مُلْكِ آسَا. فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ مُلْكِ آسَا هَجَمَ بَعْشَا مَلِكُ إِسْرَائِيلَ عَلَى يَهُوذَا، وَحَصَّنَ الرَّامَةَ لِكَيْ يَمْنَعَ النَّاسَ مِنَ الدُّخُولِ إِلَى يَهُوذَا، أَيْ بِلَادِ آسَا، وَمِنَ الْخُرُوجِ مِنْهَا. فَأَخَذَ آسَا فِضَّةً وَذَهَبًا مِنْ خَزَائِنِ بَيْتِ اللهِ وَمِنْ خَزَائِنِ قَصْرِهِ هُوَ، وَأَرْسَلَهَا إِلَى بَنْهَدَدَ مَلِكِ آرَامَ الَّذِي فِي دِمَشْقَ، وَقَالَ لَهُ: ”لِنَعْمَلْ عَهْدًا بَيْنِي وَبَيْنَكَ، كَمَا كَانَ بَيْنَ أَبِي وَأَبِيكَ. وَقَدْ أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ هَذِهِ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ، فَانْقُضْ عَهْدَكَ مَعَ بَعْشَا مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، فَيَنْصَرِفَ عَنِّي.“ فَوَافَقَ بَنْهَدَدُ عَلَى طَلَبِ الْمَلِكِ آسَا، وَأَرْسَلَ قَادَةَ جُيُوشِهِ، فَهَجَمُوا عَلَى مُدُنِ إِسْرَائِيلَ وَهَزَمُوا عُيُونَ وَدَانَ وَآبَلَ الْمِيَاهِ وَكُلَّ مَخَازِنِ مُدُنِ نَفْتَالِي. وَلَمَّا سَمِعَ بَعْشَا بِهَذَا، كَفَّ عَنْ تَحْصِينِ الرَّامَةِ وَأَوْقَفَ عَمَلَهُ. وَأَخَذَ الْمَلِكُ آسَا كُلَّ شَعْبِ يَهُوذَا، فَحَمَلُوا مِنَ الرَّامَةِ الْحِجَارَةَ وَالْخَشَبَ الَّتِي كَانَ يَسْتَخْدِمُهَا بَعْشَا فِي الْبِنَاءِ. وَبَنَى بِهَا الْمَلِكُ آسَا جِبْعَ وَالْمِصْفَاةَ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، جَاءَ حَنَانِي الرَّائِي إِلَى آسَا مَلِكِ يَهُوذَا، وَقَالَ لَهُ: ”أَنْتَ اتَّكَلْتَ عَلَى مَلِكِ آرَامَ وَلَمْ تَتَّكِلْ عَلَى الْمَوْلَى إِلَهِكَ، لِذَلِكَ نَجَا جَيْشُ مَلِكِ آرَامَ مِنْ يَدِكَ. أَلَمْ يَكُنْ جَيْشُ الْحَبَشِيِّينَ وَاللِّيبِيِّينَ كَبِيرًا بِمَرْكَبَاتٍ وَفُرْسَانٍ كَثِيرَةٍ جِدًّا؟ وَلَكِنَّكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ اتَّكَلْتَ عَلَى اللهِ فَنَصَرَكَ عَلَيْهِمْ. إِنَّ عَيْنَيِ اللهِ تَجُولَانِ فِي كُلِّ الْأَرْضِ، لِيُقَوِّيَ الَّذِينَ قُلُوبُهُمْ مُخْلِصَةٌ لَهُ. أَنْتَ تَصَرَّفْتَ بِحَمَاقَةٍ فِي هَذَا، فَمِنَ الْآنَ تَأْتِي عَلَيْكَ الْحُرُوبُ.“ فَغَضِبَ آسَا عَلَى الرَّائِي وَاغْتَاظَ مِنْهُ جِدًّا لِهَذَا الْكَلَامِ، وَوَضَعَهُ فِي السِّجْنِ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَخَذَ آسَا يُضَايِقُ بَعْضَ الشَّعْبِ. وَكُلُّ أَعْمَالِ آسَا، مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ مُلُوكِ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلَ. وَمَرِضَ آسَا فِي رِجْلَيْهِ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ مُلْكِهِ. وَاشْتَدَّ مَرَضُهُ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَطْلُبْ مَعُونَةَ اللهِ بَلِ الْأَطِبَّاءِ. ثُمَّ انْضَمَّ آسَا إِلَى أَسْلَافِهِ وَمَاتَ فِي السَّنَةِ الْحَادِيَةِ وَالْأَرْبَعِينَ مِنْ مُلْكِهِ. فَدَفَنُوهُ فِي قَبْرِهِ الَّذِي حَفَرَهُ لِنَفْسِهِ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. وَوَضَعُوهُ فِي سَرِيرٍ مَمْلُوءٍ بِالْأَطْيَابِ وَمُخْتَلِفِ أَنْوَاعِ الْعُطُورِ الْمَصْنُوعَةِ بِمَهَارَةٍ وَعَمِلُوا لَهُ حَرِيقَةً عَظِيمَةً لِتَكْرِيمِهِ. وَمَلَكَ مَكَانَهُ يُوشَافَاطُ ابْنُهُ، وَأَخَذَ يُقَوِّي نَفْسَهُ ضِدَّ إِسْرَائِيلَ. وَوَضَعَ جَيْشًا فِي كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا الْمُحَصَّنَةِ، وَحَامِيَاتٍ عَسْكَرِيَّةً فِي بِلَادِ يَهُوذَا وَفِي مُدُنِ أَفْرَايِمَ الَّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا آسَا أَبُوهُ. وَكَانَ اللهُ مَعَ يُوشَافَاطَ، لِأَنَّهُ مِنْ بَدْءِ حُكْمِهِ تَبِعَ مِثَالَ أَبِيهِ دَاوُدَ، وَلَمْ يَعْبُدِ الْبَعْلَ. بَلْ طَلَبَ إِلَهَ أَبِيهِ، وَعَمِلَ بِوَصَايَاهُ، وَلَيْسَ كَأَعْمَالِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَثَبَّتَ اللهُ الْمُلْكَ فِي يَدِهِ، وَقَدَّمَ كُلُّ يَهُوذَا هَدَايَا لِيُوشَافَاطَ، فَكَانَ غَنِيًّا جِدًّا وَمُكَرَّمًا. وَسَارَ فِي طُرُقِ اللهِ مِنْ قَلْبِهِ، وَأَزَالَ مِنْ يَهُوذَا مَعَابِدَ الْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ وَالْأَعْمِدَةَ الَّتِي كَانَ النَّاسُ يَعْبُدُونَهَا. وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ مُلْكِهِ، أَرْسَلَ إِلَى وُكَلَائِهِ بِنْحَيْلَ وَعُوبَدْيَا وَزَكَرِيَّا وَنَثَنْئِيلَ وَمِيخَا، لِكَيْ يُعَلِّمُوا فِي مُدُنِ يَهُوذَا. وَمَعَهُمْ مِنَ اللَّاوِيِّينَ شَمَعْيَا وَنَتَنْيَا وَزَبَدْيَا وَعَسَائِيلُ وَشَمِيرَامُوثُ وَيُونَاثَانُ وَأَدُونْيَا وَطُوبْيَا وَطُوبُ أَدُونْيَا، وَأَيْضًا الْحَبْرَانِ أَلِيشَمَعُ وَيُورَامُ. فَعَلَّمُوا فِي يَهُوذَا. أَخَذُوا مَعَهُمْ كِتَابَ شَرِيعَةِ اللهِ، وَتَجَوَّلُوا فِي كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا، وَعَلَّمُوا الشَّعْبَ. وَحَلَّ خَوْفُ اللهِ عَلَى كُلِّ مَمَالِكِ الْبِلَادِ الَّتِي حَوْلَ يَهُوذَا، فَلَمْ يُحَارِبُوا يُوشَافَاطَ. بَلْ أَحْضَرَ لَهُ بَعْضُ الْفِلِسْطِيِّينَ جِزْيَةً مِنْ هَدَايَا وَفِضَّةٍ. وَالْعَرَبُ أَيْضًا أَحْضَرُوا لَهُ غَنَمًا، 7700 خَرُوفٍ، وَ7700 تَيْسٍ. وَزَادَتْ عَظَمَةُ يُوشَافَاطَ، وَبَنَى حُصُونًا وَمُدُنَ مَخَازِنَ فِي يَهُوذَا. وَنَفَّذَ أَشْغَالًا كَثِيرَةً فِي مُدُنِ يَهُوذَا، وَوَضَعَ مُحَارِبِينَ أَشِدَّاءَ فِي الْقُدْسِ. وَهَذَا عَدَدُهُمْ حَسَبَ أَقْسَامِ عَائِلَاتِهِمْ. مِنْ يَهُوذَا: قَادَةُ أُلُوفٍ عَدَنَةُ الْقَائِدُ وَمَعَهُ 300000 مِنَ الْمُحَارِبِينَ الْأَشِدَّاءِ. وَبَعْدَهُ يُوحَانَانُ الْقَائِدُ وَمَعَهُ 280000. وَبَعْدَهُ عَمَسْيَا بْنُ زِكْرِي وَمَعَهُ 200000. وَعَمَسْيَا هَذَا هُوَ الَّذِي تَطَوَّعَ لِخِدْمَةِ اللهِ. وَمِنْ بِنْيَمِينَ: أَلِيَادَاعُ وَهُوَ مُحَارِبٌ بَاسِلٌ، وَمَعَهُ 200000 مِنَ الْمُسَلَّحِينَ بِالْأَقْوَاسِ وَالْأَتْرَاسِ. وَبَعْدَهُ يُوزَابَادُ وَمَعَهُ 180000 مُسَلَّحُونَ لِلْقِتَالِ. هَؤُلَاءِ خُدَّامُ الْمَلِكِ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى الَّذِينَ وَضَعَهُمُ الْمَلِكُ فِي الْمُدُنِ الْمُحَصَّنَةِ فِي كُلِّ يَهُوذَا. وَكَانَ يُوشَافَاطُ غَنِيًّا جِدًّا وَمُكَرَّمًا. وَصَاهَرَ آخَابَ. وَبَعْدَ بِضْعِ سِنِينَ ذَهَبَ يُوشَافَاطُ لِزِيَارَةِ آخَابَ فِي السَّامِرَةِ. فَذَبَحَ آخَابُ لَهُ وَلِمُرَافِقِيهِ غَنَمًا وَبَقَرًا بِكَثْرَةٍ، وَأَغْرَاهُ أَنْ يَذْهَبَ مَعَهُ إِلَى رَامُوتَ فِي جِلْعَادَ لِمُحَارَبَتِهَا. وَقَالَ آخَابُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِيُوشَافَاطَ مَلِكِ يَهُوذَا: ”هَلْ تَذْهَبُ مَعِي إِلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ؟“ فَقَالَ لَهُ يُوشَافَاطُ: ”أَعْمَلُ مَا تَعْمَلُهُ، وَيَكُونُ جَيْشِي كَجَيْشِكَ، فَنَحْنُ مَعَكَ فِي الْحَرْبِ.“ ثُمَّ قَالَ يُوشَافَاطُ لِمَلِكِ إِسْرَائِيلَ: ”وَلَكِنْ تَعَالَ نَسْتَشِيرُ اللهَ أَوَّلًا.“ فَجَمَعَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ 400 رَجُلٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَسَأَلَهُمْ: ”هَلْ نَذْهَبُ إِلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ لِنُحَارِبَ أَمْ لَا؟“ فَقَالُوا: ”اِذْهَبْ، لِأَنَّ اللهَ يَنْصُرُكَ عَلَيْهَا أَيُّهَا الْمَلِكُ.“ فَقَالَ يُوشَافَاطُ: ”أَلَا يُوجَدُ هُنَا نَبِيٌّ للهِ فَنَسْتَشِيرَهُ؟“ فَقَالَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِيُوشَافَاطَ: ”مَا زَالَ يُوجَدُ رَجُلٌ وَاحِدٌ يُمْكِنُنَا أَنْ نَسْتَشِيرَ اللهَ بِوَاسِطَتِهِ. وَلَكِنِّي أَكْرَهُهُ، لِأَنَّهُ يَتَنَبَّأُ عَلَيَّ بِالشَّرِّ لَا بِالْخَيْرِ، وَهُوَ مِيخَا بْنُ يَمْلَةَ.“ فَقَالَ يُوشَافَاطُ: ”لَا تَقُلْ هَذَا الْكَلَامَ أَيُّهَا الْمَلِكُ!“ فَنَادَى مَلِكُ إِسْرَائِيلَ خَادِمًا وَقَالَ لَهُ: ”أَحْضِرْ لِي مِيخَا بْنَ يَمْلَةَ بِسُرْعَةٍ.“ وَكَانَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَيُوشَافَاطُ مَلِكُ يَهُوذَا لَابِسَيْنِ ثِيَابَهُمَا الْمَلَكِيَّةَ، وَجَالِسَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى عَرْشِهِ، فِي سَاحَةٍ عِنْدَ مَدْخَلِ بَوَّابَةِ السَّامِرَةِ، وَكُلُّ الْأَنْبِيَاءِ يَتَنَبَّأُونَ أَمَامَهُمَا. وَعَمِلَ صِدْقِيَا بْنُ كَنْعَنَةَ قُرُونَ حَدِيدٍ وَقَالَ: ”هَذَا كَلَامُ اللهِ: ’بِهَذِهِ الْقُرُونِ تَنْطَحُ الْأَرَامِيِّينَ حَتَّى يَفْنَوْا.‘“ وَتَنَبَّأَ كُلُّ الْأَنْبِيَاءِ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ وَقَالُوا: ”اُهْجُمْ عَلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ فَتَغْلِبَ، لِأَنَّ اللهَ يَنْصُرُكَ عَلَيْهَا أَيُّهَا الْمَلِكُ.“ أَمَّا الرَّسُولُ الَّذِي رَاحَ لِيَسْتَدْعِيَ مِيخَا، فَقَالَ لَهُ: ”لَاحِظْ أَنَّ كُلَّ الْأَنْبِيَاءِ الْآخَرِينَ يَتَنَبَّأُونَ لِلْمَلِكِ بِالنَّصْرِ. فَهُمْ مُتَّفِقُونَ فِي هَذَا. لِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُكَ مِثْلَ كَلَامِهِمْ، وَتُبَشِّرَهُ بِالْخَيْرِ!“ فَقَالَ مِيخَا: ”أُقْسِمُ بِاللهِ، إِنِّي أَقُولُ لَهُ مَا يَقُولُهُ إِلَهِي.“ وَلَمَّا وَصَلَ، سَأَلَهُ الْمَلِكُ: ”يَا مِيخَا، هَلْ نَذْهَبُ إِلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ لِنُحَارِبَ أَمْ لَا؟“ فَأَجَابَهُ: ”اُهْجُمُوا فَتَغْلِبُوا، لِأَنَّ اللهَ يَنْصُرُكُمْ عَلَيْهِمْ.“ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: ”كَمْ مَرَّةً أُحَلِّفُكَ أَنْ لَا تَقُولَ لِي إِلَّا الْحَقَّ بِاسْمِ اللهِ؟“ فَأَجَابَهُ مِيخَا: ”رَأَيْتُ كُلَّ جَيْشِ إِسْرَائِيلَ مُشَتَّتًا عَلَى الْجِبَالِ كَخِرَافٍ لَا رَاعِيَ لَهَا. فَقَالَ اللهُ: ’هَؤُلَاءِ لَا قَائِدَ لَهُمْ، فَيَجِبُ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى دِيَارِهِمْ وَلَا يُحَارِبُوا.‘“ فَقَالَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِيُوشَافَاطَ: ”أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّهُ يَتَنَبَّأُ عَلَيَّ بِالشَّرِّ لَا بِالْخَيْرِ؟“ فَقَالَ مِيخَا: ”إِذَنْ فَاسْمَعْ رِسَالَةَ اللهِ. فَقَدْ رَأَيْتُ الْمَوْلَى جَالِسًا عَلَى عَرْشِهِ، وَكُلُّ مَلَائِكَةِ السَّمَاءِ وَاقِفَةٌ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ. فَقَالَ اللهُ: ’مَنْ يَخْدَعُ آخَابَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ لِيَهْجُمَ عَلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ وَيَمُوتَ هُنَاكَ؟‘ فَأَجَابَ الْبَعْضُ بِشَيْءٍ، وَالْبَعْضُ بِشَيْءٍ آخَرَ. ثُمَّ تَقَدَّمَ رُوحٌ وَوَقَفَ أَمَامَ الْمَوْلَى وَقَالَ: ’أَنَا أَخْدَعُهُ.‘ فَقَالَ لَهُ اللهُ: ’كَيْفَ؟‘ فَقَالَ: ’أَذْهَبُ وَأَدْخُلُ فِي كُلِّ أَنْبِيَائِهِ، وَأَكُونُ رُوحًا كَذَّابًا أَتَكَلَّمُ بِفَمِهِمْ.‘ فَقَالَ اللهُ: ’أَنْتَ تَخْدَعُهُ وَتَنْجَحُ فِي هَذَا، فَاذْهَبْ وَاعْمَلْ كَمَا قُلْتَ.‘ إِذَنْ قَدْ وَضَعَ اللهُ فِي كُلِّ أَنْبِيَائِكَ هَؤُلَاءِ رُوحًا كَذَّابًا يَتَكَلَّمُ بِفَمِهِمْ، لِأَنَّ اللهَ قَضَى عَلَيْكَ بِالشَّرِّ.“ فَتَقَدَّمَ صِدْقِيَا بْنُ كَنْعَنَةَ وَصَفَعَ مِيخَا عَلَى خَدِّهِ وَقَالَ لَهُ: ”هَلْ تَظُنُّ أَنَّ رُوحَ اللهِ يَتْرُكُنِي وَيُكَلِّمُكَ أَنْتَ؟“ فَقَالَ مِيخَا: ”سَتَعْرِفُ ذَلِكَ يَوْمَ تَدْخُلُ لِتَخْتَبِئَ فِي غُرْفَةٍ دَاخِلِيَّةٍ!“ فَقَالَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِأَحَدِ أَعْوَانِهِ: ”خُذْ مِيخَا وَسَلِّمْهُ إِلَى آمُونَ حَاكِمِ الْمَدِينَةِ، وَإِلَى يُوآشَ ابْنِ الْمَلِكِ، وَقُلْ: ’هَذَا أَمْرُ الْمَلِكِ: ”ضَعُوا هَذَا الشَّخْصَ فِي السِّجْنِ، وَلَا تُعْطُوهُ غَيْرَ الْقَلِيلِ مِنَ الْخُبْزِ وَالْمَاءِ، حَتَّى أَرْجِعَ بِسَلَامٍ.“‘“ فَقَالَ مِيخَا لِلْمَلِكِ: ”إِنْ رَجَعْتَ بِسَلَامٍ، فَلَا يَكُونُ اللهُ قَدْ تَكَلَّمَ بِوَاسِطَتِي، فَتَذَكَّرُوا كَلَامِي يَا كُلَّ الشَّعْبِ!“ وَصَعِدَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَيُوشَافَاطُ مَلِكُ يَهُوذَا إِلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ. وَقَالَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِيُوشَافَاطَ: ”أَنَا أَتَنَكَّرُ وَأَدْخُلُ الْحَرْبَ، أَمَّا أَنْتَ فَالْبَسْ ثِيَابَكَ الْمَلَكِيِّةَ.“ فَتَنَكَّرَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَدَخَلَ الْحَرْبَ. وَكَانَ مَلِكُ آرَامَ قَدْ أَمَرَ قَادَةَ مَرْكَبَاتِهِ وَقَالَ لَهُمْ: ”لَا تُحَارِبُوا أَحَدًا مَهْمَا كَانَتْ رُتْبَتُهُ، إِلَّا مَلِكَ إِسْرَائِيلَ وَحْدَهُ!“ وَلَمَّا رَأَى قَادَةُ الْمَرْكَبَاتِ يُوشَافَاطَ، ظَنُّوا أَنَّهُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ، فَذَهَبُوا إِلَيْهِ لِيُقَاتِلُوهُ. فَصَرَخَ يُوشَافَاطُ وَسَاعَدَهُ اللهُ وَأَبْعَدَهُمْ عَنْهُ. وَعَرَفَ قَادَةُ الْمَرْكَبَاتِ أَنَّهُ لَيْسَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ، فَرَجَعُوا عَنْهُ. لَكِنَّ جُنْدِيًّا أَرَامِيًّا أَطْلَقَ سَهْمًا مِنْ قَوْسِهِ بِلَا هَدَفٍ، فَأَصَابَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ مِنْ فَتْحَةٍ بَيْنَ أَجْزَاءِ الدِّرْعِ. فَقَالَ الْمَلِكُ لِسَائِقِ مَرْكَبَتِهِ: ”دُرْ وَأَخْرِجْنِي مِنَ الْمَعْرَكَةِ لِأَنِّي جُرِحْتُ.“ وَدَارَتِ الْمَعْرَكَةُ طُولَ النَّهَارِ. وَأَسْنَدُوا مَلِكَ إِسْرَائِيلَ فِي الْمَرْكَبَةِ مُقَابِلَ الْأَرَامِيِّينَ إِلَى الْمَسَاءِ. وَعِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مَاتَ. وَرَجَعَ يُوشَافَاطُ مَلِكُ يَهُوذَا بِالسَّلَامَةِ إِلَى قَصْرِهِ فِي الْقُدْسِ. وَذَهَبَ يَاهُو بْنُ حَنَانِي الرَّائِي لِيُقَابِلَهُ. وَقَالَ لَهُ: ”كَيْفَ تُسَاعِدُ الشِّرِّيرَ، وَتُحِبُّ مَنْ يَكْرَهُونَ اللهَ؟ لِذَلِكَ غَضِبَ اللهُ عَلَيْكَ. وَلَكِنَّ فِيكَ أُمُورًا صَالِحَةً، لِأَنَّكَ أَزَلْتَ الْأَعْمِدَةَ الَّتِي كَانَ النَّاسُ يَعْبُدُونَهَا، وَفَتَحْتَ قَلْبَكَ لِطَلَبِ اللهِ.“ وَكَانَ يُوشَافَاطُ يَسْكُنُ فِي الْقُدْسِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ بَيْنَ الشَّعْبِ، مِنْ بِئْرَ سَبْعَ إِلَى جَبَلِ أَفْرَايِمَ، لِيَرُدَّهُمْ إِلَى الْمَوْلَى رَبِّ آبَائِهِمْ. وَعَيَّنَ قُضَاةً فِي الْبِلَادِ، فِي كُلِّ مَدِينَةٍ مِنْ مُدُنِ يَهُوذَا الْمُحَصَّنَةِ. وَقَالَ لِلْقُضَاةِ: ”فَكِّرُوا فِي مَا تَعْمَلُونَ. يَجِبُ أَنْ تَحْكُمُوا لَا لِإِرْضَاءِ النَّاسِ بَلْ لِإِرْضَاءِ اللهِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ مَعَكُمْ فِي أَثْنَاءِ الْحُكْمِ. إِذَنِ اتَّقُوا اللهَ، وَانْتَبِهُوا لِمَا تَعْمَلُونَ، لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَنَا لَا يُطِيقُ الظُّلْمَ وَلَا التَّحَيُّزَ فِي صَفِّ أَحَدٍ وَلَا الرَّشْوَةَ.“ وَعَيَّنَ يُوشَافَاطُ أَيْضًا فِي الْقُدْسِ بَعْضَ اللَّاوِيِّينَ وَالْأَحْبَارِ وَبَعْضَ رُؤَسَاءِ عَائِلَاتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِيَحْكُمُوا فِي الْقَضَايَا الَّتِي تَخُصُّ شَرِيعَةَ اللهِ، وَالدَّعَاوَى الْأُخْرَى. وَكَانَ مَقَرُّهُمْ فِي الْقُدْسِ. وَأَمَرَهُمْ وَقَالَ: ”اُحْكُمُوا بِتَقْوَى اللهِ، بِأَمَانَةٍ وَقَلْبٍ مُخْلِصٍ. وَفِي كُلِّ دَعْوَى تَأْتِي لَكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمُ الَّذِينَ فِي مُدُنِهِمْ، سَوَاءً عَنْ قَتْلٍ أَوْ أَمْرٍ يَخُصُّ الشَّرِيعَةَ وَالْوَصَايَا وَالْفَرَائِضَ وَالْأَحْكَامَ، حَذِّرُوهُمْ فَلَا يُخْطِئُوا فِي حَقِّ اللهِ. لِئَلَّا يَغْضَبَ عَلَيْكُمْ وَعَلَى إِخْوَتِكُمْ. اِعْمَلُوا هَذَا فَلَا تُخْطِئُوا. وَسَيَكُونُ فَوْقَكُمْ أَمَرْيَا رَئِيسُ الْأَحْبَارِ فِي كُلِّ الشُّؤُونِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِاللهِ، وَزَبَدْيَا بْنُ يَشْمَعِيلَ رَئِيسُ قَبِيلَةِ يَهُوذَا فِي كُلِّ الشُؤُونِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْمَلِكِ، وَبَاقِي اللَّاوِيِّينَ يُسَاعِدُونَكُمْ. فَاحْكُمُوا بِشَجَاعَةٍ، إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّالِحِينَ.“ وَبَعْدَ ذَلِكَ جَاءَ الْمُوآبِيُّونَ وَالْعَمُّونِيُّونَ وَالْمَعُونِيُّونَ لِيُحَارِبُوا يُوشَافَاطَ. فَجَاءَ بَعْضُ النَّاسِ وَبَلَّغُوا يُوشَافَاطَ وَقَالُوا لَهُ: ”جَيْشٌ كَبِيرٌ قَادِمٌ عَلَيْكَ مِنْ أَدُومَ مِنْ جِهَةِ الْبَحْرِ الْمَيِّتِ، وَقَدْ وَصَلُوا إِلَى حَزَازُونَ تَامَارَ، أَيْ عَيْنَ جَدْيَ.“ فَخَافَ يُوشَافَاطُ وَصَمَّمَ أَنْ يَسْأَلَ اللهَ. فَنَادَى بِصَوْمٍ فِي كُلِّ يَهُوذَا. وَاجْتَمَعَ شَعْبُ يَهُوذَا، جَاءُوا مِنْ كُلِّ بِلَادِ يَهُوذَا، لِيَطْلُبُوا مَعُونَةَ اللهِ. وَوَقَفَ يُوشَافَاطُ فِي جَمَاعَةِ يَهُوذَا وَالْقُدْسِ، أَمَامَ الدَّارِ الْجَدِيدَةِ فِي بَيْتِ اللهِ وَقَالَ: ”يَا رَبُّ، يَا إِلَهَ آبَائِنَا، أَنْتَ هُوَ اللهُ فِي السَّمَاءِ، أَنْتَ الْمُتَسَلِّطُ عَلَى كُلِّ مَمَالِكِ الْأُمَمِ. الْقُوَّةُ وَالسُّلْطَانُ فِي يَدِكَ، وَلَا وَاحِدٌ يَقِفُ ضِدَّكَ. اللَّهُمَّ، أَنْتَ طَرَدْتَ سُكَّانَ هَذِهِ الْبِلَادِ مِنْ أَمَامِ شَعْبِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَعْطَيْتَهَا إِلَى الْأَبَدِ لِنَسْلِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِكَ. فَسَكَنُوا فِيهَا، وَبَنَوْا لَكَ فِيهَا بَيْتًا لِإِكْرَامِ اسْمِكَ وَقَالُوا: ’إِذَا جَاءَتْ عَلَيْنَا مُصِيبَةٌ، سَوَاءٌ حَرْبٌ أَوْ عِقَابٌ أَوْ وَبَأٌ أَوْ جُوعٌ، نَقِفُ فِي مَحْضَرِكَ أَمَامَ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي هُوَ لِإِكْرَامِ اسْمِكَ، وَنَصْرُخُ إِلَيْكَ فِي ضِيقِنَا، وَأَنْتَ تَسْمَعُنَا وَتُنْقِذُنَا.‘ وَالْآنَ، جَاءَ عَلَيْنَا جَيْشُ بَنِي عَمُّونَ وَمُوآبَ وَأَدُومَ، الَّذِينَ لَمْ تَسْمَحْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ مِصْرَ، بِأَنْ يَدْخُلُوا بِلَادَهُمْ، بَلْ حَادُوا عَنْهُمْ وَلَمْ يُهْلِكُوهُمْ. وَهُمُ الْآنَ يُكَافِئُونَا بِالْهُجُومِ عَلَيْنَا لِيَطْرُدُونَا مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتَهَا نَصِيبًا لَنَا. اللَّهُمَّ عَاقِبْهُمْ، فَنَحْنُ لَيْسَ فِينَا قُوَّةٌ لِنُوَاجِهَ هَذَا الْجَيْشَ الْكَبِيرَ الَّذِي يُهَاجِمُنَا. وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ مَاذَا نَعْمَلُ، إِنَّمَا نَرْفَعُ عُيُونَنَا إِلَيْكَ.“ وَكَانَ كُلُّ رِجَالِ يَهُوذَا وَاقِفِينَ فِي مَحْضَرِ اللهِ مَعَ أَطْفَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ. فَحَلَّ رُوحُ اللهِ عَلَى يَحْزِيلَ بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ بَنَايَا بْنِ يَعِيلَ بْنِ مَتَنْيَا اللَّاوِيِّ مِنْ بَنِي آسَافَ. فَوَقَفَ وَسَطَ الْجَمَاعَةِ وَقَالَ: ”اِسْمَعُوا أَيُّهَا الْمَلِكُ يُوشَافَاطُ وَكُلُّ يَهُوذَا وَسُكَّانُ الْقُدْسِ. يَقُولُ اللهُ لَكُمْ: ’لَا تَخَافُوا وَلَا تَرْتَعِبُوا بِسَبَبِ هَذَا الْجَيْشِ الْكَثِيرِ، لِأَنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي يُدِيرُ الْحَرْبَ لَا أَنْتُمْ! غَدًا انْزِلُوا عَلَيْهِمْ، فَتَجِدُوهُمْ صَاعِدِينَ فِي مَمَرِّ صِيصَ، وَتُلَاقُوهُمْ فِي طَرَفِ الْوَادِي فِي صَحْرَاءِ يَرُوئِيلَ. لَيْسَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحَارِبُوا فِي هَذِهِ الْمَعْرَكَةِ! إِنَّمَا قِفُوا وَاثْبُتُوا وَانْظُرُوا نَصْرَ اللهِ لَكُمْ. يَا شَعْبَ يَهُوذَا وَالْقُدْسِ لَا تَخَافُوا وَلَا تَرْتَعِبُوا. اِذْهَبُوا غَدًا لِمُوَاجَهَتِهِمْ وَاللهُ مَعَكُمْ.‘“ فَانْحَنَى يُوشَافَاطُ وَوَجْهُهُ نَحْوَ الْأَرْضِ، وَرَكَعَ مَعَهُ أَمَامَ اللهِ كُلُّ شَعْبِ يَهُوذَا وَسُكَّانِ الْقُدْسِ، وَتَعَبَّدُوا للهِ. ثُمَّ قَامَ اللَّاوِيُّونَ مِنْ بَنِي قَهَاتَ وَمِنْ بَنِي قُورَحَ لِيُسَبِّحُوا اللهَ رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِصَوْتٍ عَالٍ جِدًّا. وَفِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ خَرَجَ يُوشَافَاطُ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِلَى صَحْرَاءِ تَقُوعَ. وَوَقَفَ يُوشَافَاطُ وَقَالَ: ”اِسْمَعُوا يَا شَعْبَ يَهُوذَا وَسُكَّانَ الْقُدْسِ، آمِنُوا بِالْمَوْلَى إِلَهِكُمْ فَتَأْمَنُوا، آمِنُوا بِأَنْبِيَائِهِ فَتَنْجَحُوا.“ وَاسْتَشَارَ يُوشَافَاطُ الشَّعْبَ، ثُمَّ عَيَّنَ مُغَنِّينَ لِيُسَبِّحُوا اللهَ لِأَنَّهُ الْقُدُّوسُ الْبَهِيُّ، وَذَلِكَ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ عَلَى رَأْسِ الْجَيْشِ. فَقَالُوا: ”اِحْمَدُوا اللهَ، لِأَنَّ رَحْمَتَهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ.“ وَلَمَّا بَدَأُوا فِي الْغِنَاءِ وَالتَّسْبِيحِ، وَضَعَ اللهُ كَمِينًا لِبَنِي عَمُّونَ وَمُوآبَ وَأَدُومَ الْقَادِمِينَ عَلَى يَهُوذَا، فَانْهَزَمُوا. وَانْقَلَبَ بَنُو عَمُّونَ وَمُوآبَ عَلَى بَنِي أَدُومَ وَقَضَوْا عَلَيْهِمْ. وَلَمَّا انْتَهَوْا مِنْ إِبَادَتِهِمْ، تَحَارَبَ بَنُو عَمُّونَ وَبَنُو مُوآبَ. وَلَمَّا وَصَلَ رِجَالُ يَهُوذَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يُطِلُّ عَلَى الصَّحْرَاءِ، رَأَوْا جَيْشَ الْعَدُوِّ وَقَدْ سَقَطُوا عَلَى الْأَرْضِ جُثَثًا، وَلَمْ يَهْرُبْ مِنْهُمْ أَحَدٌ. فَذَهَبَ يُوشَافَاطُ وَشَعْبُهُ لِيَنْهَبُوا غَنِيمَتَهُمْ. وَوَجَدُوا أَمْوَالًا وَثِيَابًا وَأَشْيَاءَ ثَمِينَةً كَثِيرَةً، فَأَخَذُوهَا لَهُمْ. لَكِنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى حَمْلِهَا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَظَلُّوا يَنْهَبُونَ الْغَنِيمَةَ 3 أَيَّامٍ. وَفِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ، اِجْتَمَعُوا فِي وَادِي بَرَكَةَ، حَيْثُ بَارَكُوا اللهَ. لِذَلِكَ دَعَوْا ذَلِكَ الْمَكَانَ وَادِي بَرَكَةَ إِلَى الْيَوْمِ. ثُمَّ رَجَعَ كُلُّ رِجَالِ يَهُوذَا وَالْقُدْسِ بِفَرَحٍ وَعَلَى رَأْسِهِمْ يُوشَافَاطُ. فَإِنَّ اللهَ فَرَّحَهُمْ، لِأَنَّهُ نَصَرَهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ. وَدَخَلُوا الْقُدْسَ. وَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، ذَهَبُوا إِلَى بَيْتِ اللهِ وَهُمْ يَعْزِفُونَ عَلَى الرَّبَابِ وَالْأَعْوَادِ وَيَنْفُخُونَ الْأَبْوَاقَ. وَحَلَّ خَوْفُ اللهِ عَلَى كُلِّ مَمَالِكِ الْبِلَادِ، لَمَّا سَمِعُوا أَنَّ اللهَ حَارَبَ أَعْدَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَاسْتَرَاحَتْ مَمْلَكَةُ يُوشَافَاطَ، لِأَنَّ إِلَهَهُ أَرَاحَهُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. كَانَ يُوشَافَاطُ ابْنَ 35 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ عَلَى يَهُوذَا، وَدَامَ مُلْكُهُ 25 سَنَةً فِي الْقُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ عَزُوبَةُ بِنْتُ شَلْحِي. وَتَبِعَ مِثَالَ آسَا أَبِيهِ، وَلَمْ يَنْحَرِفْ عَنْهُ. فَعَمِلَ مَا هُوَ صَالِحٌ فِي نَظَرِ اللهِ. إِلَّا أَنَّ مَعَابِدَ الْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ لَمْ تُهْدَمْ، لِأَنَّ الشَّعْبَ لَمْ يَفْتَحْ قَلْبَهُ لِرَبِّ آبَائِهِمْ. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ يُوشَافَاطَ، مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ يَاهُو بْنِ حَنَانِي الْمَذْكُورِ فِي كِتَابِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. وَبَعْدَ ذَلِكَ اتَّحَدَ يُوشَافَاطُ مَلِكُ يَهُوذَا، مَعَ أَخَزْيَا مَلِكِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي كَانَتْ أَعْمَالُهُ سَيِّئَةً. فَاتَّحَدَ مَعَهُ فِي بِنَاءِ سُفُنٍ تِجَارِيَّةٍ. وَلَكِنْ بَعْدَ بِنَائِهَا فِي عِصْيُونَ جَابِرَ، تَنَبَّأَ أَلِيعَزَرُ بْنُ دُودَاوَا الَّذِي مِنْ مَرِيشَةَ عَلَى يُوشَافَاطَ وَقَالَ لَهُ: ”أَنْتَ اتَّحَدْتَ مَعَ أَخَزْيَا، لِذَلِكَ يُحَطِّمُ اللهُ مَا عَمِلْتَ.“ فَتَحَطَّمَتِ السُّفُنُ وَلَمْ تَذْهَبْ لِلتِّجَارَةِ. وَانْضَمَّ يُوشَافَاطُ إِلَى أَسْلَافِهِ وَدُفِنَ مَعَهُمْ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. وَمَلَكَ مَكَانَهُ يُورَامُ ابْنُهُ. وَكَانَ إِخْوَتُهُ بَنُو يُوشَافَاطَ هُمْ: عَزَرْيَا وَيَحِيئِيلُ وَزَكَرِيَّا وَعَزَرْيَاهُو وَمِيخَائِيلُ وَشَفَطْيَا. كُلُّ هَؤُلَاءِ بَنُو يُوشَافَاطَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ. وَأَعْطَاهُمْ أَبُوهُمْ هِبَاتٍ كَثِيرَةً مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَأَشْيَاءَ ثَمِينَةٍ، مَعَ مُدُنٍ مُحَصَّنَةٍ فِي يَهُوذَا. أَمَّا الْمُلْكُ فَأَعْطَاهُ لِيُورَامَ لِأَنَّهُ الْبِكْرُ. فَلَمَّا أَمْسَكَ يُورَامُ بِزِمَامِ الْحُكْمِ عَلَى مَمْلَكَةِ أَبِيهِ وَتَقَوَّى، قَتَلَ كُلَّ إِخْوَتِهِ بِالسَّيْفِ، كَمَا قَتَلَ أَيْضًا بَعْضَ أُمَرَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. كَانَ يُورَامُ ابْنَ 32 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 8 سِنِينَ فِي الْقُدْسِ. وَتَبِعَ مِثَالَ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ، كَمَا فَعَلَتْ عَائِلَةُ آخَابَ، لِأَنَّ بِنْتَ آخَابَ كَانَتْ زَوْجَتَهُ. فَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ. وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَرْغَبِ اللهُ فِي أَنْ يُبِيدَ عَائِلَةَ دَاوُدَ، بِسَبَبِ الْعَهْدِ الَّذِي عَمِلَهُ مَعَ دَاوُدَ، وَلِأَنَّ اللهَ وَعَدَ بِأَنْ يُعْطِيَهُ هُوَ وَأَوْلَادَهُ مِصْبَاحًا إِلَى الْأَبَدِ. وَفِي أَيَّامِ يُورَامَ تَمَرَّدَ الْأَدُومِيُّونَ عَلَى يَهُوذَا وَأَقَامُوا عَلَيْهِمْ مَلِكًا. فَعَبَرَ يُورَامُ إِلَى هُنَاكَ وَمَعَهُ ضُبَّاطُهُ وَكُلُّ مَرْكَبَاتِهِ. فَحَاصَرَهُ الْأَدُومِيُّونَ، وَلَكِنَّهُ قَامَ فِي اللَّيْلِ هُوَ وَقَادَةُ الْمَرْكَبَاتِ وَاخْتَرَقَ الْحِصَارَ. وَمَا زَالَ الْأَدُومِيُّونَ مُتَمَرِّدِينَ عَلَى يَهُوذَا إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تَمَرَّدَتْ لِبْنَةُ أَيْضًا، لِأَنَّ يُورَامَ تَرَكَ الْمَوْلَى رَبَّ آبَائِهِ. وَهُوَ أَيْضًا بَنَى مَعَابِدَ لِلْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ فِي جِبَالِ يَهُوذَا، وَجَعَلَ سُكَّانَ الْقُدْسِ يَخُونُونَ اللهَ، وَأَضَلَّ يَهُوذَا. فَأَرْسَلَ إِلْيَاسُ النَّبِيُّ خِطَابًا لِيُورَامَ يَقُولُ لَهُ فِيهِ: ”هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى إِلَهِ دَاوُدَ أَبِيكَ: ’أَنْتَ لَمْ تَتْبَعْ مِثَالَ يُوشَافَاطَ أَبِيكَ وَمِثَالَ آسَا مَلِكِ يَهُوذَا. بَلْ تَبِعْتَ مِثَالَ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ، وَجَعَلْتَ يَهُوذَا وَسُكَّانَ الْقُدْسِ يَخُونُونَ اللهَ كَمَا فَعَلَتْ عَائِلَةُ آخَابَ. وَأَنْتَ قَتَلْتَ أَيْضًا إِخْوَتَكَ أَوْلَادَ أَبِيكَ، الَّذِينَ هُمْ خَيْرٌ مِنْكَ. لِذَلِكَ فَإِنَّ اللهَ يَضْرِبُ شَعْبَكَ وَأَوْلَادَكَ وَزَوْجَاتِكَ وَكُلَّ مَا لَكَ، ضَرْبَةً شَدِيدَةً. وَأُصِيبُكَ بِأَمْرَاضٍ كَثِيرَةٍ، وَبِمَرَضٍ خَطِيرٍ فِي أَمْعَائِكَ، يَجْعَلُ أَمْعَاءَكَ تَخْرُجُ بِمُرُورِ الْوَقْتِ.‘“ وَأَثَارَ اللهُ عَلَى يُورَامَ عَدَاءَ الْفِلِسْطِيِّينَ وَالْعَرَبِ الَّذِينَ هُمْ جِيرَانُ الْحَبَشِيِّينَ. فَهَاجَمُوا يَهُوذَا وَهَزَمُوهَا، وَاسْتَوْلَوْا عَلَى كُلِّ الْأَمْوَالِ الْمَوْجُودَةِ فِي قَصْرِ الْمَلِكِ، وَأَخَذُوا أَوْلَادَهُ وَزَوْجَاتِهِ. وَلَمْ يَبْقَ لَهُ إِلَّا أَخَزْيَا أَصْغَرُ أَوْلَادِهِ. وَبَعْدَ كُلِّ هَذَا، ضَرَبَهُ اللهُ فِي أَمْعَائِهِ بِمَرَضٍ لَا شِفَاءَ لَهُ. وَبِمُرُورِ الْوَقْتِ خَرَجَتْ أَمْعَاؤُهُ فِي نِهَايَةِ سَنَتَيْنِ، بِسَبَبِ مَرَضِهِ. وَمَاتَ وَهُوَ فِي أَلَمٍ شَدِيدٍ. وَلَمْ يَعْمَلْ لَهُ شَعْبُهُ حَرِيقَةً لِتَكْرِيمِهِ، كَمَا عَمِلُوا لِآبَائِهِ. كَانَ ابْنَ 32 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 8 سِنِينَ فِي الْقُدْسِ. وَمَاتَ غَيْرَ مَأْسُوفٍ عَلَيْهِ. وَدَفَنُوهُ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي قُبُورِ الْمُلُوكِ. وَجَعَلَ أَهْلُ الْقُدْسِ أَخَزْيَا، أَصْغَرَ أَوْلَادِ يُورَامَ، مَلِكًا مَكَانَ أَبِيهِ. لِأَنَّ الْغُزَاةَ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَ الْعَرَبِ إِلَى الْمُعَسْكَرِ، قَتَلُوا كُلَّ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ. فَمَلَكَ أَخَزْيَا بْنُ يُورَامَ عَلَى يَهُوذَا. كَانَ أَخَزْيَا ابْنَ 22 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ سَنَةً وَاحِدَةً فِي الْقُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ عَثَلْيَا حَفِيدَةُ عُمْرِي. وَهُوَ أَيْضًا تَبِعَ مِثَالَ عَائِلَةِ آخَابَ، لِأَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ تُشِيرُ عَلَيْهِ بِعَمَلِ الشَّرِّ. فَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ كَعَائِلَةِ آخَابَ، لِأَنَّهُ بَعْدَمَا مَاتَ أَبُوهُ، كَانُوا هُمْ مُسْتَشَارِيهِ، مِمَّا سَبَّبَ هَلَاكَهُ. فَعَمِلَ بِمَشُورَتِهِمْ، وَذَهَبَ مَعَ يُورَامَ بْنِ آخَابَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، لِمُحَارَبَةِ حَزَائِيلَ مَلِكِ آرَامَ فِي رَامُوتَ جِلْعَادَ، وَأَصَابَ الْأَرَامِيُّونَ يُورَامَ. فَرَجَعَ إِلَى يَزْرَعِيلَ لِيَبْرَأَ مِنَ الْجُرُوحِ الَّتِي أَصَابُوهُ بِهَا فِي رَامُوتَ لَمَّا حَارَبَ حَزَائِيلَ مَلِكَ آرَامَ. وَذَهَبَ أَخَزْيَا بْنُ يُورَامَ مَلِكُ يَهُوذَا إِلَى يَزْرَعِيلَ لِزِيَارَةِ يُورَامَ بْنِ آخَابَ فِي مَرَضِهِ. وَكَانَ هَذَا بِتَرْتِيبٍ مِنَ اللهِ، لِأَنَّ أَخَزْيَا قُتِلَ بِسَبَبِ زِيَارَتِهِ لِيُورَامَ. فَالَّذِي حَدَثَ هُوَ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ أَخَزْيَا، خَرَجَ مَعَ يُورَامَ لِمُقَابَلَةِ يَاهُو بْنِ نِمْشِي الَّذِي مَسَحَهُ اللهُ لِإِبَادَةِ عَائِلَةِ آخَابَ. وَبَيْنَمَا كَانَ يَاهُو يَقْضِي عَلَى عَائِلَةِ آخَابَ، قَابَلَ رُؤَسَاءَ يَهُوذَا وَأَقَارِبَ أَخَزْيَا الَّذِينَ كَانُوا يُرَافِقُونَهُ، فَقَتَلَهُمْ. ثُمَّ أَمَرَ رِجَالَهُ أَنْ يَبْحَثُوا عَنْ أَخَزْيَا، فَوَجَدُوهُ مُخْتَبِئًا فِي السَّامِرَةِ، وَقَبَضُوا عَلَيْهِ وَأَحْضَرُوهُ إِلَى يَاهُو، وَقَتَلُوهُ وَدَفَنُوهُ. فَإِنَّهُمْ قَالُوا: ”هُوَ ابْنُ يُوشَافَاطَ الَّذِي طَلَبَ اللهَ بِكُلِّ قَلْبِهِ.“ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ عَائِلَةِ أَخَزْيَا مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَتَوَلَّى الْمَمْلَكَةَ. وَلَمَّا رَأَتْ عَثَلْيَا أُمُّ أَخَزْيَا أَنَّ ابْنَهَا مَاتَ، قَتَلَتْ كُلَّ النَّسْلِ الْمَلَكِيِّ الَّذِي عَلَى بَيْتِ يَهُوذَا. وَلَكِنَّ يُوشَبْعَةَ بِنْتَ الْمَلِكِ يُورَامَ، أَخَذَتْ يُوآشَ بْنَ أَخَزْيَا مِنْ بَيْنِ بَنِي الْمَلِكِ فِي أَثْنَاءِ قَتْلِهِمْ، وَسَرَقَتْهُ وَوَضَعَتْهُ هُوَ وَمُرْضِعَتَهُ فِي غُرْفَةٍ لِلنَّوْمِ، وَخَبَّأَتْهُ. لِأَنَّ يُوشَبْعَةَ بِنْتَ الْمَلِكِ يُورَامَ وَزَوْجَةَ يُويَادَاعَ الْحَبْرِ، كَانَتْ أُخْتَ أَخَزْيَا، فَخَبَّأَتِ الْوَلَدَ مِنْ عَثَلْيَا فَلَمْ تَقْتُلْهُ. وَكَانَ يُوآشُ مَعَهُمْ مُخْتَبِئًا فِي بَيْتِ اللهِ 6 سِنِينَ، كَانَتْ عَثَلْيَا فِي أَثْنَائِهَا مَلِكَةً عَلَى الْبِلَادِ. وَفِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ، تَشَجَّعَ يُويَادَاعُ وَعَمِلَ عَهْدًا مَعَ قَادَةِ الْوَحْدَاتِ الْعَسْكَرِيَّةِ: عَزَرْيَا بْنِ يَرُوحَامَ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ يُوحَانَانَ، وَعَزَرْيَا بْنِ عُبَيْدَ، وَمَعَسْيَا بْنِ عَدَايَا، وَأَلِيشَافَاطَ بْنِ زِكْرِي. وَطَافُوا فِي يَهُوذَا، وَجَمَعُوا اللَّاوِيِّينَ وَرُؤَسَاءَ عَائِلَاتِ إِسْرَائِيلَ مِنْ كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا، وَجَاءُوا إِلَى الْقُدْسِ. وَعَمِلَتْ كُلُّ الْجَمَاعَةِ عَهْدًا فِي بَيْتِ اللهِ. وَقَالَ يُويَادَاعُ لَهُمْ: ”هَذَا هُوَ ابْنُ الْمَلِكِ، فَيَمْلِكُ كَمَا وَعَدَ اللهُ بِشَأْنِ نَسْلِ دَاوُدَ. فَاعْمَلُوا هَذَا: هُنَاكَ 3 فِرَقٍ مِنْكُمْ أَنْتُمُ الْأَحْبَارِ وَاللَّاوِيِّينَ عَلَيْهِمُ الْحِرَاسَةُ يَوْمَ السَّبْتِ، فَأُرِيدُ أَنَّ فِرْقَةً تَحْرُسُ أَبْوَابَ بَيْتِ اللهِ، وَفِرْقَةً أُخْرَى تَحْرُسُ بَوَّابَةَ الْأَسَاسِ، وَبَاقِي النَّاسِ كُلِّهِمْ يَكُونُونَ فِي سَاحَاتِ بَيْتِ اللهِ. وَلَا يَدْخُلْ بَيْتَ اللهِ إِلَّا الْأَحْبَارُ وَالَّذِينَ يَخْدِمُونَ مِنَ اللَّاوِيِّينَ. فَهُمْ يَدْخُلُونَ لِأَنَّهُمْ مُقَدَّسُونَ لِلْخِدْمَةِ. وَبَاقِي النَّاسِ يَعْمَلُونَ بِمَا أَمَرَ بِهِ اللهُ. وَيَجِبُ أَنْ يُحِيطَ اللَّاوِيُّونَ بِالْمَلِكِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ يَحْمِلُ سِلَاحَهُ فِي يَدِهِ، وَمَنْ يُحَاوِلُ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ اللهِ يُقْتَلُ. وَكُونُوا مَعَ الْمَلِكِ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَذْهَبُ إِلَيْهِ.“ فَعَمِلَ اللَّاوِيُّونَ وَرِجَالُ يَهُوذَا كُلَّ مَا أَمَرَ بِهِ يُويَادَاعُ الْحَبْرُ. وَأَحْضَرَ كُلُّ قَائِدٍ رِجَالَهُ سَوَاءً كَانَتْ عَلَيْهِمُ الْحِرَاسَةُ يَوْمَ السَّبْتِ أَوْ لَا. لِأَنَّ يُويَادَاعَ لَمْ يَسْمَحْ لِأَيِّ فِرْقَةٍ بِالِانْصِرَافِ. وَأَعْطَى يُويَادَاعُ الْحَبْرُ لِقَادَةِ الْوَحْدَاتِ الْعَسْكَرِيَّةِ الْحِرَابَ وَالدُّرُوعَ وَالتُّرُوسَ الَّتِي لِلْمَلِكِ دَاوُدَ فِي بَيْتِ اللهِ. وَأَوْقَفَ النَّاسَ كُلَّ وَاحِدٍ فِي مَكَانِهِ وَسِلَاحُهُ فِي يَدِهِ، فَكَانُوا فِي بَيْتِ اللهِ مِنَ الْجَانِبِ الْجَنُوبِيِّ إِلَى الْجَانِبِ الشَّمَالِيِّ، وَعِنْدَ الْمَنَصَّةِ وَالْبَيْتِ وَحَوْلَ الْمَلِكِ. وَأَخْرَجَ يُويَادَاعُ وَأَوْلَادُهُ ابْنَ الْمَلِكِ، وَوَضَعُوا التَّاجَ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَدَّمُوا لَهُ نُسْخَةً مِنَ الشَّرِيعَةِ. فَنَصَّبُوهُ مَلِكًا وَمَسَحُوهُ. وَهَتَفَ الشَّعْبُ: ”يَحْيَا الْمَلِكُ!“ فَلَمَّا سَمِعَتْ عَثَلْيَا صَوْتَ النَّاسِ يَجْرُونَ وَيَهْتِفُونَ لِلْمَلِكِ، دَخَلَتْ إِلَى الشَّعْبِ فِي بَيْتِ اللهِ. وَرَأَتِ الْمَلِكَ وَاقِفًا عَلَى مِنْبَرِهِ فِي الْمَدْخَلِ، وَالْقَادَةَ وَالَّذِينَ يَنْفُخُونَ فِي الْأَبْوَاقِ بِجِوَارِهِ، وَكُلَّ النَّاسِ فَرْحَانِينَ وَيَنْفُخُونَ فِي الْأَبْوَاقِ، وَالْمُغَنِّينَ يَقُودُونَ التَّسْبِيحَ بِآلَاتِ الْغِنَاءِ. فَمَزَّقَتْ عَثَلْيَا ثِيَابَهَا وَقَالَتْ: ”يَا خَوَنَةٌ! يَا خَوَنَةٌ!“ فَأَرْسَلَ يُويَادَاعُ الْحَبْرُ قَادَةَ وَحْدَاتِ الْجَيْشِ وَقَالَ لَهُمْ: ”أَخْرِجُوهَا مِنْ هُنَا وَاقْتُلُوا بِالسَّيْفِ كُلَّ مَنْ يَتْبَعُهَا.“ وَقَالَ: ”لَا تَقْتُلُوهَا فِي بَيْتِ اللهِ.“ فَقَبَضُوا عَلَيْهَا وَكَانَتْ قَدْ وَصَلَتْ إِلَى قَصْرِ الْمَلِكِ عِنْدَ مَدْخَلِ بَابِ الْخَيْلِ، فَقَتَلُوهَا هُنَاكَ. وَعَمِلَ يُويَادَاعُ عَهْدًا أَنَّهُ هُوَ وَكُلَّ الشَّعْبِ وَالْمَلِكَ يَكُونُونَ شَعْبَ اللهِ. وَدَخَلَ كُلُّ الشَّعْبِ إِلَى مَعْبَدِ الْبَعْلِ وَخَرَّبُوهُ، وَهَدَمُوا مَنَصَّاتِ الْقُرْبَانِ، وَحَطَّمُوا تَمَاثِيلَهُ، وَقَتَلُوا مَتَّانَ كَاهِنَ الْبَعْلِ أَمَامَ الْمَنَصَّاتِ. ثُمَّ وَضَعَ يُويَادَاعُ مَسْئُولِيَّةَ الْإِشْرَافِ عَلَى بَيْتِ اللهِ، فِي يَدِ الْأَحْبَارِ اللَّاوِيِّينَ الَّذِينَ أَعْطَاهُمْ دَاوُدُ وَاجِبَاتِ الْخِدْمَةِ فِي بَيْتِ اللهِ. وَطَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يُقَدِّمُوا الْقَرَابِينَ للهِ، حَسَبَ مَا هُوَ وَارِدٌ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى، وَبِفَرَحٍ وَغِنَاءٍ كَمَا أَمَرَ دَاوُدُ. وَوَضَعَ يُويَادَاعُ حَرَسًا عَلَى أَبْوَابِ بَيْتِ اللهِ، لِيَمْنَعُوا مَنْ هُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ لِسَبَبٍ مَا مِنَ الدُّخُولِ. وَأَخَذَ مَعَهُ قَادَةَ الْوَحْدَاتِ الْعَسْكَرِيَّةِ وَالْعُظَمَاءَ وَالْحُكَّامَ وَكُلَّ الشَّعْبِ، وَأَنْزَلَ الْمَلِكَ مِنْ بَيْتِ اللهِ، وَدَخَلُوا إِلَى قَصْرِ الْمَلِكِ مِنَ الْبَابِ الْعَالِي. وَأَجْلَسُوا يُوآشَ عَلَى عَرْشِ الْمَمْلَكَةِ. وَفَرِحَ كُلُّ الشَّعْبِ، وَهَدَأَتِ الْمَدِينَةُ لِأَنَّ عَثَلْيَا قُتِلَتْ بِالسَّيْفِ. كَانَ يُوآشُ ابْنَ 7 سِنِينَ لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 40 سَنَةً فِي الْقُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ ظَبْيَةُ مِنْ بِئْرَ سَبْعَ. وَعَمِلَ يُوآشُ مَا هُوَ صَالِحٌ فِي نَظَرِ اللهِ كُلَّ أَيَّامِ يُويَادَاعَ الْحَبْرِ. وَزَوَّجَهُ يُويَادَاعُ بِامْرَأَتَيْنِ، فَأَنْجَبَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ. وَبَعْدَ ذَلِكَ صَمَّمَ يُوآشُ أَنْ يُجَدِّدَ بَيْتَ اللهِ. فَجَمَعَ الْأَحْبَارَ وَاللَّاوِيِّينَ وَقَالَ لَهُمْ: ”اِذْهَبُوا عَاجِلًا إِلَى مُدُنِ يَهُوذَا، وَاجْمَعُوا مِنْ كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَالَ الضَّرِيبَةِ السَّنَوِيَّةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِمْ، لِكَيْ نُرَمِّمَ بَيْتَ اللهِ.“ لَكِنَّ اللَّاوِيِّينَ لَمْ يَذْهَبُوا. فَاسْتَدْعَى الْمَلِكُ يُويَادَاعَ رَئِيسَهُمْ وَقَالَ لَهُ: ”لِمَاذَا لَمْ تَطْلُبْ مِنَ اللَّاوِيِّينَ أَنْ يَجْمَعُوا مِنْ شَعْبِ يَهُوذَا وَالْقُدْسِ الضَّرِيبَةَ الَّتِي فَرَضَهَا مُوسَى عَبْدُ اللهِ عَلَى الشَّعْبِ لِلْعِنَايَةِ بِخَيْمَةِ الْعَهْدِ؟“ فَإِنَّ عَثَلْيَا الشِّرِّيرَةَ وَأَوْلَادَهَا هَدَمُوا بَيْتَ اللهِ، وَاسْتَعْمَلُوا أَدَوَاتِهِ الْمُقَدَّسَةَ لِعِبَادَةِ الْبَعْلِ! وَبِنَاءً عَلَى أَمْرِ الْمَلِكِ، عَمِلُوا صُنْدُوقًا وَوَضَعُوهُ فِي الْخَارِجِ عِنْدَ بَابِ بَيْتِ اللهِ. وَأَصْدَرُوا نِدَاءً فِي يَهُوذَا وَالْقُدْسِ، بِأَنْ يُحْضِرَ الشَّعْبُ للهِ الضَّرِيبَةَ الَّتِي فَرَضَهَا مُوسَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الصَّحْرَاءِ. فَفَرِحَ كُلُّ الرُّؤَسَاءِ وَكُلُّ الشَّعْبِ، وَأَحْضَرُوا الْمَالَ وَوَضَعُوهُ فِي الصُّنْدُوقِ حَتَّى امْتَلَأَ. وَكُلَّمَا رَأَوْا أَنَّ الْمَالَ كَثُرَ فِي الصُّنْدُوقِ، يَأْتِي كَاتِبُ الْمَلِكِ وَوَكِيلُ رَئِيسِ الْأَحْبَارِ، وَيُحْضِرَانِ الصُّنْدُوقَ يَحْمِلُهُ اللَّاوِيُّونَ، إِلَى وُكَلَاءِ الْمَلِكِ، وَيُفْرِغَانِهِ ثُمَّ يَأْخُذَانِهِ وَيَرُدَّانِهِ إِلَى مَكَانِهِ. فَكَانُوا يَعْمَلُونَ هَذَا يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ حَتَّى جَمَعُوا مَالًا كَثِيرًا. وَدَفَعَ الْمَلِكُ وَيُويَادَاعُ الْمَالَ لِلْمُشْرِفِينَ عَلَى الْعَمَلِ الْمَطْلُوبِ فِي بَيْتِ اللهِ، فَكَانُوا يَسْتَأْجِرُونَ بَنَّائِينَ وَنَجَّارِينَ وَحَدَّادِينَ وَنَحَّاسِينَ لِتَجْدِيدِ بَيْتِ اللهِ وَتَرْمِيمِهِ. وَجَدَّ الْمُشْرِفُونَ فِي عَمَلِهِمْ، وَنَجَحُوا فِي تَنْفِيذِ الْمَشْرُوعِ. فَأَعَادُوا بَيْتَ اللهِ إِلَى شَكْلِهِ السَّابِقِ وَثَبَاتِهِ. وَلَمَّا انْتَهَوْا، أَحْضَرُوا بَقِيَّةَ الْمَالِ إِلَى الْمَلِكِ وَيُويَادَاعَ. فَعَمِلُوا آنِيَةً لِبَيْتِ اللهِ، آنِيَةً لِلْخِدْمَةِ وَلِتَقْدِيمِ الْقُرْبَانِ وَصُحُونًا وَآنِيَةً أُخْرَى مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ. وَكَانُوا يُقَدِّمُونَ قَرَابِينَ مُحْرَقَةً فِي بَيْتِ اللهِ دَائِمًا، كُلَّ أَيَّامِ يُويَادَاعَ. وَشَاخَ يُويَادَاعُ وَشَبِعَ مِنَ الْحَيَاةِ وَمَاتَ. وَكَانَ ابْنَ 130 سَنَةً عِنْدَ وَفَاتِهِ. فَدَفَنُوهُ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مَعَ الْمُلُوكِ، تَقْدِيرًا لِخِدْمَتِهِ لِشَعْبِهِ وَللهِ وَبَيْتِهِ. وَبَعْدَ مَوْتِ يُويَادَاعَ، جَاءَ رُؤَسَاءُ يَهُوذَا إِلَى الْمَلِكِ وَأَكَّدُوا وَلَاءَهُمْ لَهُ. فَأَجَابَ الْمَلِكُ طَلَبَهُمْ. فَتَرَكَ الشَّعْبُ بَيْتَ الْمَوْلَى رَبِّ آبَائِهِمْ، وَعَبَدُوا الْأَعْمِدَةَ وَالْأَصْنَامَ. فَغَضِبَ اللهُ عَلَى يَهُوذَا وَالْقُدْسِ بِسَبَبِ شَرِّهِمْ هَذَا. وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَ لِيُرْجِعُوهُمْ إِلَى اللهِ وَيُنْذِرُوهُمْ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا. فَحَلَّ رُوحُ اللهِ عَلَى زَكَرِيَّا بْنِ يُويَادَاعَ الْحَبْرِ، فَوَقَفَ أَمَامَ الشَّعْبِ وَقَالَ لَهُمْ: ”قَالَ اللهُ: ’لِمَاذَا تُخَالِفُونَ وَصَايَايَ وَتَجْلِبُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمُ الْفَشَلَ؟ أَنْتُمْ تَرَكْتُمُ اللهَ لِذَلِكَ تَرَكَكُمُ اللهُ.‘“ فَتَآمَرُوا عَلَيْهِ، وَبِأَمْرِ الْمَلِكِ رَجَمُوهُ بِحِجَارَةٍ فِي سَاحَةِ بَيْتِ اللهِ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَلِكُ يُوآشُ الْمَعْرُوفَ الَّذِي عَمِلَهُ مَعَهُ يُويَادَاعُ، بَلْ قَتَلَ زَكَرِيَّا ابْنَهُ. وَقَالَ زَكَرِيَّا عِنْدَ مَوْتِهِ: ”اللهُ يَرَى وَيَنْتَقِمُ.“ وَفِي نِهَايَةِ السَّنَةِ، زَحَفَ جَيْشُ آرَامَ ضِدَّ يُوآشَ، وَهَاجَمُوا يَهُوذَا وَالْقُدْسَ، وَقَتَلُوا كُلَّ قَادَةِ الشَّعْبِ، وَأَرْسَلُوا كُلَّ الْغَنِيمَةِ إِلَى مَلِكِهِمْ فِي دِمَشْقَ. وَمَعَ أَنَّ جَيْشَ آرَامَ الَّذِي جَاءَ، كَانَ جَمَاعَةً قَلِيلَةً، لَكِنَّ اللهَ نَصَرَهُمْ عَلَى جَيْشٍ أَكْبَرَ مِنْهُمْ جِدًّا، لِأَنَّ شَعْبَ يَهُوذَا تَرَكُوا الْمَوْلَى رَبَّ آبَائِهِمْ. فَنَفَّذَ جَيْشُ آرَامَ قَضَاءَ اللهِ عَلَى يُوآشَ. ثُمَّ رَجَعُوا وَتَرَكُوهُ مُصَابًا بِجِرَاحٍ كَثِيرَةٍ. وَتَآمَرَ أَعْوَانُهُ ضِدَّهُ، وَقَتَلُوهُ فِي سَرِيرِهِ، لِأَنَّهُ قَتَلَ ابْنَ يُويَادَاعَ الْحَبْرِ. فَمَاتَ وَدَفَنُوهُ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي قُبُورِ الْمُلُوكِ. وَنَفَّذَ الْمُؤَامَرَةَ زَابَادُ ابْنُ شَمْعَةَ الْعَمُّونِيَّةِ وَيُوزَابَادُ ابْنُ شِمْرِيتَ الْمُوآبِيَّةِ. أَمَّا أَخْبَارُ أَوْلَادِهِ، وَالنُّبُوَّاتُ الْكَثِيرَةُ بِشَأْنِهِ، وَعَمَلِيَّةُ تَرْمِيمِ بَيْتِ اللهِ، فَهِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ تَارِيخِ الْمُلُوكِ. وَمَلَكَ مَكَانَهُ أَمَصْيَا ابْنُهُ. كَانَ أَمَصْيَا ابْنَ 25 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 29 سَنَةً فِي الْقُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ يُوعَدَانُ مِنَ الْقُدْسِ. وَعَمِلَ مَا هُوَ صَالِحٌ فِي نَظَرِ اللهِ، وَلَكِنْ لَيْسَ مِنْ كُلِّ الْقَلْبِ. وَلَمَّا أَمْسَكَ بِزِمَامِ الْحُكْمِ، قَتَلَ أَعْوَانَهُ الَّذِينَ قَتَلُوا أَبَاهُ الْمَلِكَ. وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ أَوْلَادَهُمْ، بَلْ كَمَا هُوَ وَارِدٌ فِي تَوْرَاةِ مُوسَى، حَيْثُ أَمَرَ اللهُ وَقَالَ: ”لَا يُقْتَلُ الْآبَاءُ بِسَبَبِ مَا ارْتَكَبَهُ أَوْلَادُهُمْ، وَلَا الْأَوْلَادُ بِسَبَبِ مَا ارْتَكَبَهُ آبَاؤُهُمْ. كُلُّ وَاحِدٍ يَمُوتُ بِذَنْبِهِ.“ وَجَمَعَ أَمَصْيَا رِجَالَ يَهُوذَا، وَجَعَلَهُمْ فِرَقًا حَسَبَ عَائِلَاتِهِمْ، وَعَيَّنَ لَهُمْ قَادَةً لِلْأُلُوفِ وَلِلْمِئَاتِ، فِي كُلِّ يَهُوذَا وَبِنْيَمِينَ. وَأَحْصَاهُمْ مِنِ ابْنِ 20 سَنَةً وَمَا فَوْقُ، فَوَجَدَهُمْ 300000 مِنَ الرِّجَالِ الْأَقْوِيَاءِ، الْقَادِرِينَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الرُّمْحِ وَالتُّرْسِ، وَمُسْتَعِدِّينَ لِلْحَرْبِ. وَاسْتَأْجَرَ أَيْضًا مِنْ إِسْرَائِيلَ 100000 مُحَارِبٍ بِحَوَالَيْ ثَلَاثَةِ أَطْنَانٍ وَنِصْفٍ مِنَ الْفِضَّةِ. وَلَكِنْ جَاءَ إِلَيْهِ أَحَدُ الْأَنْبِيَاءِ وَقَالَ لَهُ: ”أَيُّهَا الْمَلِكُ، لَا تَأْخُذْ مَعَكَ هَذَا الْجَيْشَ الَّذِي مِنْ إِسْرَائِيلَ، لِأَنَّ اللهَ لَيْسَ مَعَ إِسْرَائِيلَ وَلَيْسَ مَعَ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي أَفْرَايِمَ. إِنْ ذَهَبْتَ، فَحَتَّى لَوْ حَارَبْتَ بِبَسَالَةٍ، فَإِنَّ اللهَ يَهْزِمُكَ أَمَامَ الْعَدُوِّ. لِأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ الْقُدْرَةُ أَنْ يَنْصُرَ أَوْ يَهْزِمَ.“ فَقَالَ أَمَصْيَا لِلنَّبِيِّ: ”فَمَاذَا نَعْمَلُ بِشَأْنِ كُلِّ الْفِضَّةِ الَّتِي دَفَعْنَاهَا لِجَيْشِ إِسْرَائِيلَ؟“ فَقَالَ النَّبِيُّ: ”الْمَوْلَى قَادِرٌ أَنْ يُعْطِيَكَ أَكْثَرَ مِنْهَا.“ فَصَرَفَ أَمَصْيَا الْجُنُودَ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَيْهِ مِنْ أَفْرَايِمَ، وَأَرْسَلَهُمْ إِلَى بِلَادِهِمْ. فَغَضِبُوا جِدًّا عَلَى يَهُوذَا، وَرَجَعُوا إِلَى بِلَادِهِمْ فِي غَضَبٍ شَدِيدٍ. أَمَّا أَمَصْيَا، فَتَشَجَّعَ وَقَادَ جَيْشَهُ إِلَى وَادِي الْمِلْحِ، وَقَتَلَ 10000 مِنَ الْأَدُومِيِّينَ. وَأَسَرَ جَيْشُ يَهُوذَا 10000 رَجُلٍ أَحْيَاءً، وَأَخَذُوهُمْ إِلَى قِمَّةِ صَخْرَةٍ وَطَرَحُوهُمْ مِنْ هُنَاكَ فَتَحَطَّمُوا كُلُّهُمْ. أَمَّا رِجَالُ الْجَيْشِ الَّذِينَ أَرْجَعَهُمْ أَمَصْيَا، وَلَمْ يَسْمَحْ لَهُمْ بِأَنْ يُحَارِبُوا مَعَهُ، فَإِنَّهُمْ غَزَوْا مُدُنَ يَهُوذَا مِنَ السَّامِرَةِ إِلَى بَيْتَ حُورُونَ، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ 3000، وَنَهَبُوا غَنِيمَةً كَثِيرَةً. وَلَمَّا رَجَعَ أَمَصْيَا مِنْ مُحَارَبَةِ الْأَدُومِيِّينَ، أَحْضَرَ مَعَهُ آلِهَتَهُمْ، وَأَقَامَهَا آلِهَةً لَهُ، وَسَجَدَ أَمَامَهَا، وَأَحْرَقَ لَهَا الْبَخُورَ! فَغَضِبَ اللهُ جِدًّا عَلَى أَمَصْيَا، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ نَبِيًّا يَقُولُ لَهُ: ”لِمَاذَا تَعْبُدُ آلِهَةَ هَذَا الشَّعْبِ؟ إِنَّهَا لَمْ تَقْدِرْ أَنْ تُنْقِذَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَهَا مِنْ يَدِكَ!“ وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ، قَاطَعَهُ الْمَلِكُ، وَقَالَ: ”وَمَنْ جَعَلَكَ مُسْتَشَارًا لِلْمَلِكِ؟ اُسْكُتْ! وَإِلَّا قَتَلْتُكَ!“ فَسَكَتَ النَّبِيُّ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: ”عَلِمْتُ الْآنَ أَنَّ اللهَ قَضَى عَلَيْكَ بِالْهَلَاكِ، لِأَنَّكَ عَمِلْتَ هَذَا، وَلَمْ تَسْمَعْ لِنَصِيحَتِي.“ وَاسْتَشَارَ أَمَصْيَا مَلِكُ يَهُوذَا أَعْوَانَهُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى يُوآشَ بْنِ يُوأَحَازَ بْنِ يَاهُو مَلِكِ إِسْرَائِيلَ يَقُولُ لَهُ: ”تَعَالَ حَارِبْنِي وَجْهًا لِوَجْهٍ!“ فَرَدَّ يُوآشُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ عَلَى أَمَصْيَا مَلِكِ يَهُوذَا وَقَالَ: ”شَجَرَةُ شَوْكٍ فِي لُبْنَانَ أَرْسَلَتْ إِلَى شَجَرَةِ أَرْزٍ تَقُولُ: ’أَعْطُونَا بِنْتَكُمْ لِتَكُونَ زَوْجَةً لِابْنِي!‘ فَخَرَجَ حَيَوَانٌ بَرِّيٌّ مِنْ غَابَةِ لُبْنَانَ وَدَاسَ شَجَرَةَ الشَّوْكِ! مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّكَ هَزَمْتَ أَدُومَ، وَلَكِنْ أَصَابَكَ الْغُرُورُ! أَقِمْ فِي دَارِكَ وَافْتَخِرْ، لِمَاذَا تَسِيرُ بِقَدَمَيْكَ إِلَى كَارِثَةٍ، فَتَنْهَزِمَ أَنْتَ وَيَهُوذَا مَعَكَ؟“ فَلَمْ يَسْمَعْ أَمَصْيَا. وَكَانَ هَذَا بِتَرْتِيبٍ مِنَ اللهِ، لِكَيْ يَهْزِمَ يَهُوذَا عَلَى يَدِ يُوآشَ، لِأَنَّهُمْ عَبَدُوا آلِهَةَ أَدُومَ. فَتَقَدَّمَ يُوآشُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ، وَتَقَابَلَ وَجْهًا لِوَجْهٍ مَعَ أَمَصْيَا مَلِكِ يَهُوذَا فِي بَيْتَ شَمْسَ الَّتِي فِي يَهُوذَا. فَانْهَزَمَ يَهُوذَا أَمَامَ إِسْرَائِيلَ، وَهَرَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى دَارِهِ. وَقَبَضَ يُوآشُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ فِي بَيْتَ شَمْسَ، عَلَى أَمَصْيَا مَلِكِ يَهُوذَا ابْنِ يُوآشَ بْنِ أَخَزْيَا. وَأَحْضَرَهُ إِلَى الْقُدْسِ، وَهَدَمَ سُورَهَا مِنْ بَابِ أَفْرَايِمَ إِلَى بَابِ الزَّاوِيَةِ حَوَالَيْ 180 مِتْرًا. وَأَخَذَ كُلَّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَكُلَّ الْآنِيَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي بَيْتِ اللهِ فِي عُهْدَةِ عَائِلَةِ عُبَيْدَ أَدُومَ، وَالْمَوْجُودَةِ فِي خَزَائِنِ قَصْرِ الْمَلِكِ. وَأَخَذَ أَيْضًا رَهَائِنَ وَرَجَعَ إِلَى السَّامِرَةِ. وَعَاشَ أَمَصْيَا بْنُ يُوآشَ مَلِكُ يَهُوذَا بَعْدَ وَفَاةِ يُوآشَ بْنِ يُوأَحَازَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ 15 سَنَةً. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ أَمَصْيَا، مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ مُلُوكِ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلَ. وَمِنَ الْوَقْتِ الَّذِي انْحَرَفَ أَمَصْيَا عَنِ اتِّبَاعِ اللهِ، دَبَّرُوا ضِدَّهُ مُؤَامَرَةً فِي الْقُدْسِ، فَهَرَبَ إِلَى لَخِيشَ. فَأَرْسَلُوا وَرَاءَهُ رِجَالًا إِلَى لَخِيشَ وَقَتَلُوهُ هُنَاكَ. وَحَمَلُوهُ عَلَى الْخَيْلِ، وَدَفَنُوهُ مَعَ أَسْلَافِهِ فِي مَدِينَةِ يَهُوذَا. وَأَخَذَ كُلُّ شَعْبِ يَهُوذَا عُزِّيَّا وَهُوَ ابْنُ 16 سَنَةً، وَجَعَلُوهُ مَلِكًا مَكَانَ أَمَصْيَا أَبِيهِ. وَهُوَ الَّذِي، بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ، اِسْتَرَدَّ إِيلَاتَ لِيَهُوذَا وَبَنَاهَا. كَانَ عُزِّيَّا ابْنَ 16 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 52 سَنَةً فِي الْقُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ يَكُلْيَا وَهِيَ مِنَ الْقُدْسِ. وَعَمِلَ مَا هُوَ صَالِحٌ فِي نَظَرِ اللهِ، تَمَامًا كَمَا عَمِلَ أَمَصْيَا أَبُوهُ. وَكَانَ يَطْلُبُ اللهَ فِي أَيَّامِ زَكَرِيَّا الَّذِي كَانَ يُرْشِدُهُ إِلَى التَّقْوَى، فَلَمَّا كَانَ يَطْلُبُ اللهَ، كَانَ اللهُ يُنْجِحُهُ. وَذَهَبَ وَحَارَبَ الْفِلِسْطِيِّينَ، وَهَدَمَ أَسْوَارَ جَتَّ وَيَبْنَةَ وَأَشْدُودَ، وَبَنَى مُدُنًا بِالْقُرْبِ مِنْ أَشْدُودَ وَفِي بَاقِي فِلِسْطَةَ. وَأَعَانَهُ اللهُ عَلَى الْفِلِسْطِيِّينَ، وَعَلَى الْعَرَبِ الَّذِينَ فِي جُورَ بَعْلَ، وَعَلَى الْمَعُونِيِّينَ. وَدَفَعَ الْعَمُّونِيُّونَ جِزْيَةً إِلَى عُزِّيَّا وَذَاعَ صِيتُهُ حَتَّى وَصَلَ إِلَى حُدُودِ مِصْرَ، لِأَنَّهُ صَارَ قَوِيًّا جِدًّا. وَبَنَى عُزِّيَّا أَبْرَاجًا فِي الْقُدْسِ، عِنْدَ بَابِ الزَّاوِيَةِ وَعِنْدَ بَابِ الْوَادِي وَعِنْدَ الزَّاوِيَةِ، وَحَصَّنَهَا. وَبَنَى أَيْضًا أَبْرَاجًا فِي الصَّحْرَاءِ، وَحَفَرَ آبَارًا كَثِيرَةً، لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ مَاشِيَةٌ كَثِيرَةٌ فِي السَّاحِلِ وَالسَّهْلِ. كَمَا كَانَ عِنْدَهُ عُمَّالٌ يَشْتَغِلُونَ فِي حُقُولِهِ وَكُرُومِهِ الَّتِي فِي الْجِبَالِ وَفِي الْأَرَاضِي الْخِصْبَةِ، لِأَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الْفِلَاحَةَ. وَكَانَ لِعُزِّيَّا جَيْشٌ مِنْ جُنُودٍ مُدَرَّبِينَ، يَخْرُجُونَ لِلْحَرْبِ فِي فِرَقٍ مُنَظَّمَةٍ حَسَبَ عَدَدِهِمْ. وَذَلِكَ وِفْقًا لِإِحْصَاءِ يَعِيلَ الْكَاتِبِ وَمَعَسْيَا الْقَائِدِ، تَحْتَ إِشْرَافِ حَنَنْيَا أَحَدِ أَعْوَانِ الْمَلِكِ. وَكَانَ عَدَدُ رُؤَسَاءِ الْعَائِلَاتِ مِنَ الْمُحَارِبِينَ 2600. وَيُشْرِفُونَ عَلَى جَيْشٍ يَبْلُغُ عَدَدُهُ 307500 مِنَ الْجُنُودِ الْمُدَرَّبِينَ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ بِبَسَالَةٍ لِنَصْرِ الْمَلِكِ عَلَى أَعْدَائِهِ. وَزَوَّدَ عُزِّيَّا كُلَّ الْجَيْشِ بِأَتْرَاسٍ وَرِمَاحٍ وَخُوَذٍ وَدُرُوعٍ وَأَقْوَاسٍ وَحِجَارَةٍ لِلْمِقْلَاعِ. كَمَا عَمِلَ فِي الْقُدْسِ آلَاتٍ لِرَمْيِ السِّهَامِ وَالْحِجَارَةِ الضَّخْمَةِ، اِخْتَرَعَهَا عُمَّالٌ مَهَرَةٌ، وَوَضَعُوهَا عَلَى الْأَبْرَاجِ وَزَوَايَا سُورِ الْمَدِينَةِ. وَذَاعَ صِيتُهُ حَتَّى وَصَلَ إِلَى أَمَاكِنَ بَعِيدَةٍ، لِأَنَّ اللهَ أَعَانَهُ جِدًّا وَقَوَّاهُ. وَلَكِنْ لَمَّا صَارَ عُزِّيَّا قَوِيًّا، أَصَابَهُ الْغُرُورُ وَأَدَّى بِهِ إِلَى الْهَلَاكِ وَخِيَانَةِ الْمَوْلَى إِلَهِهِ. فَقَدْ دَخَلَ بَيْتَ اللهِ لِيَحْرِقَ الْبَخُورَ عَلَى الْمَنَصَّةِ! فَدَخَلَ وَرَاءَهُ عَزَرْيَا الْحَبْرُ، وَمَعَهُ 80 مِنْ أَحْبَارِ اللهِ الْبَوَاسِلِ. وَقَاوَمُوا الْمَلِكَ وَقَالُوا لَهُ: ”لَا يَصِحُّ لَكَ يَا عُزِّيَّا أَنْ تَحْرِقَ الْبَخُورَ للهِ! فَهَذَا مِنْ حَقِّ الْأَحْبَارِ بَنِي هَارُونَ الْمُقَدَّسِينَ لِذَلِكَ. اُخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ، لِأَنَّكَ ارْتَكَبْتَ خِيَانَةً، وَضَاعَتْ كَرَامَتُكَ عِنْدَ الْمَوْلَى الْإِلَهِ!“ فَغَضِبَ عُزِّيَّا، وَكَانَ فِي يَدِهِ مَبْخَرَةٌ لِيَحْرِقَ فِيهَا الْبَخُورَ. فَلَمَّا غَضِبَ عَلَى الْأَحْبَارِ، ظَهَرَ بَرَصٌ فِي جَبْهَتِهِ أَمَامَ الْأَحْبَارِ، وَهُوَ فِي بَيْتِ اللهِ بِجِوَارِ مَنَصَّةِ الْبَخُورِ! وَنَظَرَ إِلَيْهِ رَئِيسُ الْأَحْبَارِ عَزَرْيَا وَبَاقِي الْأَحْبَارِ، وَرَأَوْا أَنَّهُ أَبْرَصُ فِي جَبْهَتِهِ، فَطَرَدُوهُ مِنْ هُنَاكَ. بَلْ هُوَ نَفْسُهُ أَسْرَعَ لِيَخْرُجَ، لِأَنَّ اللهَ ضَرَبَهُ بِالْبَرَصِ. وَبَقِيَ عُزِّيَّا الْمَلِكُ أَبْرَصَ إِلَى يَوْمِ وَفَاتِهِ. وَأَقَامَ فِي مَكَانٍ مُنْعَزِلٍ لِأَنَّهُ أَبْرَصُ، وَمُنِعَ مِنْ دُخُولِ بَيْتِ اللهِ. وَأَصْبَحَ يُوتَامُ ابْنُهُ مَسْئُولًا عَنِ الْقَصْرِ وَحَاكِمًا عَلَى الْبِلَادِ. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ عُزِّيَّا، مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، كَتَبَهَا إِشَعْيَا بْنُ آمُوصَ النَّبِيُّ. وَانْضَمَّ عُزِّيَّا إِلَى أَسْلَافِهِ وَدُفِنَ مَعَهُمْ. وَلَكِنْ فِي مَقْبَرَةٍ أُخْرَى لِلْمُلُوكِ، حَيْثُ إِنَّهُ كَانَ أَبْرَصَ. وَمَلَكَ يُوتَامُ ابْنُهُ مَكَانَهُ. كَانَ يُوتَامُ ابْنَ 25 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 16 سَنَةً فِي الْقُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ يَرُوشَةُ بِنْتُ صَادِقَ. وَعَمِلَ مَا هُوَ صَالِحٌ فِي نَظَرِ اللهِ، تَمَامًا كَمَا عَمِلَ عُزِّيَّا أَبُوهُ. إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بَيْتَ اللهِ لِيَحْرِقَ الْبَخُورَ. لَكِنَّ الشَّعْبَ اسْتَمَرَّ فِي ارْتِكَابِ الشَّرِّ. وَبَنَى يُوتَامُ الْبَابَ الْعَالِيَ لِبَيْتِ اللهِ، وَأَضَافَ كَثِيرًا إِلَى السُّورِ فِي مِنْطَقَةِ عُوفَلَ. وَبَنَى مُدُنًا فِي جِبَالِ يَهُوذَا، كَمَا بَنَى حُصُونًا وَأَبْرَاجًا فِي الْغَابَاتِ. وَحَارَبَ مَلِكَ عَمُّونَ، وَانْتَصَرَ عَلَيْهِمْ. فَدَفَعُوا لَهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، حَوَالَيْ ثَلَاثَةِ أَطْنَانٍ وَنِصْفٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَ 50000 كِيسٍ مِنَ الْقَمْحِ، وَ 50000 كِيسٍ مِنَ الشَّعِيرِ. ثُمَّ دَفَعُوا لَهُ كَذَلِكَ نَفْسَ الشَّيْءِ فِي السَّنَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَأَيْضًا فِي السَّنَةِ الَّتِي بَعْدَهَا. وَصَارَ يُوتَامُ قَوِيًّا، لِأَنَّهُ أَطَاعَ الْمَوْلَى إِلَهَهُ دَائِمًا. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ يُوتَامَ وَكُلُّ حُرُوبِهِ وَأَعْمَالِهِ، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا. كَانَ ابْنَ 25 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 16 سَنَةً فِي الْقُدْسِ. ثُمَّ انْضَمَّ يُوتَامُ إِلَى أَسْلَافِهِ، وَدُفِنَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ، وَمَلَكَ آحَازُ ابْنُهُ مَكَانَهُ. كَانَ آحَازُ ابْنَ 20 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 16 سَنَةً فِي الْقُدْسِ. وَعَلَى الْعَكْسِ مِنْ دَاوُدَ أَبِيهِ، لَمْ يَعْمَلْ مَا هُوَ صَالِحٌ فِي نَظَرِ اللهِ. بَلْ تَبِعَ مِثَالَ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ، حَتَّى إِنَّهُ عَمِلَ تَمَاثِيلَ مَسْبُوكَةً لِعِبَادَةِ الْبَعْلِ، وَقَدَّمَ الْقَرَابِينَ فِي وَادِي ابْنِ هِنُّومَ، وَأَحْرَقَ بَنِيهِ فِي النَّارِ قُرْبَانًا، حَسَبَ الْأَشْيَاءِ الْقَبِيحَةِ الَّتِي تَفْعَلُهَا الْأُمَمُ الَّتِي طَرَدَهَا اللهُ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَقَدَّمَ الضَّحَايَا وَأَحْرَقَ الْبَخُورَ فِي مَعَابِدِ الْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ، وَعَلَى التِّلَالِ وَفِي ظِلِّ كُلِّ شَجَرَةٍ كَبِيرَةٍ. فَأَوْقَعَهُ الْمَوْلَى إِلَهُهُ فِي يَدِ مَلِكِ آرَامَ. فَهَزَمَهُ الْأَرَامِيُّونَ وَأَسَرُوا مِنْهُ شَعْبًا كَثِيرًا وَأَخَذُوهُمْ إِلَى دِمَشْقَ. كَمَا أَوْقَعَهُ اللهُ أَيْضًا فِي يَدِ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ فَهَزَمَهُ هَزِيمَةً عَظِيمَةً. فَفِي يَوْمٍ وَاحِدٍ قَتَلَ فَقْحُ بْنُ رَمَلْيَا 120000 مُحَارِبٍ مِنْ يَهُوذَا، لِأَنَّ شَعْبَ يَهُوذَا تَرَكُوا الْمَوْلَى رَبَّ آبَائِهِمْ. كَمَا أَنَّ زِكْرِي الْمُحَارِبَ مِنْ أَفْرَايِمَ، قَتَلَ مَعَسْيَا ابْنَ الْمَلِكِ وَعَزْرِيقَامَ الْمَسْئُولَ عَنِ الْقَصْرِ وَأَلْقَانَةَ نَائِبَ الْمَلِكِ. وَأَسَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ إِخْوَتِهِمْ بَنِي يَهُوذَا 200000 مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ. وَنَهَبُوا أَيْضًا مِنْهُمْ غَنِيمَةً كَثِيرَةً، وأَخَذُوهَا إِلَى السَّامِرَةِ. وَكَانَ هُنَاكَ نَبِيٌّ للهِ اسْمُهُ عُودِيدُ، فَخَرَجَ لِيُقَابِلَ الْجَيْشَ الرَّاجِعَ إِلَى السَّامِرَةِ. وَقَالَ لَهُمْ: ”الْمَوْلَى إِلَهُ آبَائِكُمْ غَضِبَ عَلَى يَهُوذَا، لِذَلِكَ أَوْقَعَهُمْ فِي يَدِكُمْ. لَكِنَّكُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ بِمَذْبَحَةٍ سَبَّبَتْ غَضَبَ اللهِ! وَالْآنَ أَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُخْضِعُوا شَعْبَ يَهُوذَا وَالْقُدْسِ، لِيَكُونُوا عَبِيدَكُمْ! وَلَكِنَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا ارْتَكَبْتُمُ الشَّرَّ فِي حَقِّ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ. فَالْآنَ اسْمَعُوا لِي، وَأَرْجِعُوا إِخْوَتَكُمُ الَّذِينَ أَسَرْتُمُوهُمْ، لِأَنَّ اللهَ غَضْبَانٌ جِدًّا عَلَيْكُمْ.“ ثُمَّ قَامَ رِجَالٌ مِنْ قَادَةِ أَفْرَايِمَ هُمْ: عَزَرْيَا بْنُ يُوحَانَانَ، وَبَرَكْيَا بْنُ مَشْلِيمُوتَ، وَيَحَزْقِيَّا بْنُ شَلُّومَ، وَعَمَاسَا بْنُ حِدْلَايَ، وَاعْتَرَضُوا سَبِيلَ الْقَادِمِينَ مِنَ الْحَرْبِ. وَقَالُوا لَهُمْ: ”لَا تُدْخِلُوا الْأَسْرَى إِلَى هُنَا، فَنَحْنُ أَخْطَأْنَا فِي حَقِّ اللهِ، وَأَنْتُمْ تَزِيدُونَ ذُنُوبَنَا وَشُرُورَنَا، لِأَنَّنَا ارْتَكَبْنَا شُرُورًا كَثِيرَةً، وَالْمَوْلَى غَضْبَانٌ جِدًّا عَلَى إِسْرَائِيلَ.“ فَتَرَكَ الْجُنُودُ الْأَسْرَى وَالْغَنِيمَةَ أَمَامَ الرُّؤَسَاءِ وَكُلِّ الشَّعْبِ. وَتَقَدَّمَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ الْمَذْكُورَةُ أَسْمَاؤُهُمْ وَاعْتَنَوْا بِالْأَسْرَى. فَأَعْطَوْا كُلَّ الْعُرْيَانِينَ مِنْهُمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ مَلَابِسَ وَأَحْذِيَةً، وَكَذَلِكَ أَطْعَمُوهُمْ وَأَسْقَوْهُمْ وَضَمَّدُوا جُرُوحَهُمْ، وَأَرْكَبُوا كُلَّ الضُّعَفَاءِ مِنْهُمْ عَلَى حَمِيرٍ، وَأَخَذُوهُمْ إِلَى أَهْلِهِمْ فِي أَرِيحَا مَدِينَةِ النَّخْلِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى السَّامِرَةِ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَرْسَلَ الْمَلِكُ آحَازُ إِلَى مَلِكِ أَشُّورَ يَطْلُبُ مِنْهُ الْعَوْنَ. لِأَنَّ الْأَدُومِيِّينَ جَاءُوا مَرَّةً أُخْرَى، وَهَاجَمُوا يَهُوذَا وَأَخَذُوا مِنْهُمْ أَسْرَى. كَمَا أَنَّ الْفِلِسْطِيِّينَ أَيْضًا غَزَوْا مُدُنَ السَّاحِلِ وَجَنُوبَ يَهُوذَا، وَاسْتَوْلَوْا عَلَى بَيْتَ شَمْسَ وَأَيْلُونَ وَجَدِيرُوتَ وَسُوكُو وَمُجَاوَرَاتِهَا وَتِمْنَةَ وَمُجَاوَرَاتِهَا وَجِمْزُو وَمُجَاوَرَاتِهَا، وَسَكَنُوا فِيهَا. فَإِنَّ اللهَ أَذَلَّ يَهُوذَا بِسَبَبِ آحَازَ الْمَلِكِ، لِأَنَّهُ أَضَلَّ الشَّعْبَ، وَخَانَ اللهَ جِدًّا. وَجَاءَ عَلَيْهِ تَغْلَثْ فَلَاسَرُ مَلِكُ أَشُّورَ، وَضَايَقَهُ بَدَلًا مِنْ أَنْ يُسَاعِدَهُ. وَأَخَذَ آحَازُ أَشْيَاءَ ثَمِينَةً مِنْ بَيْتِ اللهِ، وَمِنْ قَصْرِ الْمَلِكِ، وَمِنْ رُؤَسَاءِ الشَّعْبِ، وَأَعْطَاهَا لِمَلِكِ أَشُّورَ. لَكِنَّ كُلَّ هَذَا لَمْ يَنْفَعْهُ. وَهَذَا الْمَلِكُ آحَازُ، لَمَّا اشْتَدَّتْ مَتَاعِبُهُ، خَانَ اللهَ أَكْثَرَ. فَقَدَّمَ ضَحَايَا لِآلِهَةِ شَعْبِ دِمَشْقَ الَّذِي هَزَمَهُ لِأَنَّهُ قَالَ: ”بِمَا أَنَّ هَذِهِ الْآلِهَةَ تُسَاعِدُ مُلُوكَ آرَامَ، أُقَدِّمُ لَهَا الضَّحَايَا لِكَيْ تُسَاعِدَنِي!“ لَكِنَّهَا كَانَتْ سَبَبَ خَرَابِهِ هُوَ وَكُلِّ شَعْبِهِ. وَجَمَعَ آحَازُ آنِيَةَ بَيْتِ اللهِ وَحَطَّمَهَا، وَأَغْلَقَ أَبْوَابَ بَيْتِ اللهِ. وَبَنَى لِنَفْسِهِ مَنَصَّاتٍ لِتَقْدِيمِ الْقُرْبَانِ فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ فِي الْقُدْسِ. وَبَنَى فِي كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا مَعَابِدَ لِإِحْرَاقِ الْبَخُورِ لِلْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ، فَأَغْضَبَ الْمَوْلَى رَبَّ آبَائِهِ. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ آحَازَ وَكُلُّ تَصَرُّفَاتِهِ، مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ مُلُوكِ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلَ. وَانْضَمَّ آحَازُ إِلَى أَسْلَافِهِ، وَدُفِنَ فِي مَدِينَةِ الْقُدْسِ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي قُبُورِ الْمُلُوكِ. وَمَلَكَ حَزَقِيَّا ابْنُهُ مَكَانَهُ. كَانَ حَزَقِيَّا ابْنَ 25 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 29 سَنَةً فِي الْقُدْسِ، وَاسْمُ أُمِّهِ أَبِيَّةُ بِنْتُ زَكَرِيَّا. وَعَمِلَ مَا هُوَ صَالِحٌ فِي نَظَرِ اللهِ، تَمَامًا كَمَا عَمِلَ دَاوُدُ أَبُوهُ. فَفِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ مِنَ السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ مُلْكِهِ، فَتَحَ أَبْوَابَ بَيْتِ اللهِ وَرَمَّمَهَا. وَأَدْخَلَ الْأَحْبَارَ وَاللَّاوِيِّينَ وَجَمَعَهُمْ فِي السَّاحَةِ الشَّرْقِيَّةِ. وَقَالَ لَهُمْ: ”اِسْمَعُونِي أَيُّهَا اللَّاوِيُّونَ! طَهِّرُوا أَنْفُسَكُمُ الْآنَ، وَطَهِّرُوا بَيْتَ الْمَوْلَى إِلَهِ آبَائِكُمْ، وَأَزِيلُوا النَّجَاسَةَ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ. لِأَنَّ آبَاءَنَا خَانُوا اللهَ، وَعَمِلُوا مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ الْمَوْلَى إِلَهِنَا، وَتَرَكُوهُ وَأَهْمَلُوا بَيْتَهُ وَرَفَضُوهُ. وَأَغْلَقُوا أَيْضًا أَبْوَابَ الشُّرْفَةِ، وَأَطْفَأُوا الْمَصَابِيحَ، وَلَمْ يَحْرِقُوا الْبَخُورَ، وَلَمْ يُقَدِّمُوا الْقَرَابِينَ الْمُحْرَقَةَ فِي هَذَا الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ لِرَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَحَلَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى يَهُوذَا وَالْقُدْسِ، حَتَّى ارْتَعَبَتِ الْأُمَمُ مِمَّا جَرَى لَنَا، وَصَارُوا يَهْزَأُونَ بِنَا وَيَسْخَرُونَ مِنَّا، كَمَا تَرَوْنَ بِعُيُونِكُمْ! وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي أَنَّ آبَاءَنَا قُتِلُوا بِالسَّيْفِ، وَأَبْنَاءَنَا وَبَنَاتِنَا وَنِسَاءَنَا أُخِذُوا أَسْرَى. لِذَلِكَ قَرَّرْتُ أَنْ أَعْمَلَ عَهْدًا مَعَ اللهِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِكَيْ يَرُدَّ عَنَّا غَضَبَهُ الشَّدِيدَ. فَلَا تُهْمِلُوا هَذَا يَا أَوْلَادِي، لِأَنَّ اللهَ اخْتَارَكُمْ لِتَأْتُوا إِلَى مَحْضَرِهِ وَتَخْدِمُوهُ وَتَعْبُدُوهُ وَتَحْرِقُوا لَهُ الْبَخُورَ.“ فَبَدَأَ هَؤُلَاءِ اللَّاوِيُّونَ الْعَمَلَ: مِنْ بَنِي قَهَاتَ، مَحَثُ بْنُ عَمَاسَايَ وَيُوئِيلُ بْنُ عَزَرْيَا. مِنْ بَنِي مَرَارِي، قَيْسُ بْنُ عَبْدِي وَعَزَرْيَا بْنُ يَهْلَلْئِيلَ. مِنْ بَنِي جَرْشُونَ، يُوآخُ بْنُ زِمَّةَ وَعِيدَنُ بْنُ يُوآخَ. مِنْ بَنِي أَلِيصَافَانَ، شِمْرِي وَيَعِيلُ. مِنْ بَنِي آسَافَ، زَكَرِيَّا وَمَتَنْيَا. مِنْ بَنِي هِيمَانَ، يَحِيئِيلُ وَشَمْعِي. مِنْ بَنِي يَدُوثُونَ، شَمَعْيَا وَعُزِّيلُ. وَجَمَعُوا إِخْوَتَهُمْ، وَقَدَّسُوا أَنْفُسَهُمْ، وَدَخَلُوا لِيُطَهِّرُوا بَيْتَ اللهِ كَمَا أَمَرَ الْمَلِكُ، حَسَبَ كَلَامِ اللهِ. وَدَخَلَ الْأَحْبَارُ إِلَى قُدْسِ اللهِ لِيُطَهِّرُوهُ فَكَانُوا يُخْرِجُونَ إِلَى سَاحَةِ بَيْتِ اللهِ كُلَّ شَيْءٍ نَجِسٍ يَجِدُونَهُ دَاخِلَ الْبَيْتِ، فَيَأْخُذُهُ اللَّاوِيُّونَ وَيُخْرِجُونَهُ إِلَى وَادِي قَدْرُونَ. بَدَأُوا فِي تَطْهِيرِ بَيْتِ اللهِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ وَصَلُوا إِلَى شُرْفَةِ الْبَيْتِ. وَاسْتَمَرَّ الْعَمَلُ 8 أَيَّامٍ أُخْرَى، حَتَّى انْتَهَوْا مِنْ تَطْهِيرِ بَيْتِ اللهِ فِي الْيَوْمِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ. ثُمَّ ذَهَبُوا إِلَى الْمَلِكِ حَزَقِيَّا فِي قَصْرِهِ وَقَالُوا لَهُ: ”طَهَّرْنَا بَيْتَ اللهِ كُلَّهُ، وَمَنَصَّةَ الْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ، وَكُلَّ أَدَوَاتِهَا وَمَائِدَةَ الْخُبْزِ الْمُقَدَّسِ وَكُلَّ أَدَوَاتِهَا. وَكُلَّ الْأَدَوَاتِ الَّتِي أَزَالَهَا الْمَلِكُ آحَازُ فِي مُلْكِهِ لَمَّا خَانَ اللهَ، أَرْجَعْنَاهَا وَقَدَّسْنَاهَا وَهِيَ الْآنَ أَمَامَ مَنَصَّةِ اللهِ.“ وَفِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ جَمَعَ الْمَلِكُ حَزَقِيَّا رُؤَسَاءَ الْمَدِينَةِ، وَذَهَبَ إِلَى بَيْتِ اللهِ. فَأَحْضَرُوا 7 ثِيرَانٍ وَ7 كِبَاشٍ وَ7 خِرَافٍ وَ7 تُيُوسٍ، لِلتَّكْفِيرِ عَنْ خَطِيئَةِ أُسْرَةِ الْمَلِكِ وَبَيْتِ اللهِ وَشَعْبِ يَهُوذَا. وَأَمَرَ الْمَلِكُ الْأَحْبَارَ بَنِي هَارُونَ أَنْ يُقَدِّمُوهَا عَلَى مَنَصَّةِ اللهِ. فَذَبَحُوا الثِّيرَانَ، وَأَخَذَ الْأَحْبَارُ دَمَهَا وَرَشُّوهُ عَلَى الْمَنَصَّةِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ ذَبَحُوا الْكِبَاشَ وَرَشُّوا دَمَهَا عَلَى الْمَنَصَّةِ. ثُمَّ ذَبَحُوا الْخِرَافَ وَرَشُّوا دَمَهَا عَلَى الْمَنَصَّةِ. ثُمَّ أَحْضَرُوا التُّيُوسَ الَّتِي لِلتَّكْفِيرِ عَنِ الْخَطِيئَةِ أَمَامَ الْمَلِكِ وَالْجَمَاعَةِ، فَوَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهَا. وَذَبَحَهَا الْأَحْبَارُ، وَقَدَّمُوا دَمَهَا عَلَى الْمَنَصَّةِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْ خَطِيئَةِ كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. لِأَنَّ الْمَلِكَ قَالَ إِنَّ الْقُرْبَانَ الَّذِي يُحْرَقُ وَقُرْبَانَ التَّكْفِيرِ عَنِ الْخَطِيئَةِ هُمَا عَنْ كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَأَمَرَ الْمَلِكُ اللَّاوِيِّينَ أَنْ يَقِفُوا فِي بَيْتِ اللهِ وَيَعْزِفُوا عَلَى النَّاقُوسِ وَالرَّبَابِ وَالْأَعْوَادِ، وَذَلِكَ كَمَا أَمَرَ دَاوُدُ وَجَادُ رَائِي الْمَلِكِ وَنَاثَانُ النَّبِيُّ. فَاللهُ هُوَ الَّذِي أَوْصَى بِهَذَا بِوَاسِطَةِ أَنْبِيَائِهِ. وَوَقَفَ اللَّاوِيُّونَ وَمَعَهُمْ آلَاتُ دَاوُدَ، وَالْأَحْبَارُ وَمَعَهُمُ الْأَبْوَاقُ. وَأَمَرَ حَزَقِيَّا بِتَقْدِيمِ الْقُرْبَانِ عَلَى الْمَنَصَّةِ. وَلَمَّا بَدَأَ تَقْدِيمُ الْقُرْبَانِ، بَدَأُوا يُنْشِدُونَ للهِ وَيَنْفُخُونَ فِي الْأَبْوَاقِ وَيَعْزِفُونَ عَلَى آلَاتِ دَاوُدَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ. وَسَجَدَ كُلُّ النَّاسِ، وَغَنَّى الْمُغَنُّونَ، وَبَوَّقَ الْمُبَوِّقُونَ. وَاسْتَمَرَّ كُلُّ هَذَا إِلَى أَنِ انْتَهَى تَقْدِيمُ الْقُرْبَانِ. وَعِنْدَ انْتِهَاءِ تَقْدِيمِهِ، رَكَعَ الْمَلِكُ وَكُلُّ الْمَوْجُودِينَ مَعَهُ وَسَجَدُوا. وَطَلَبَ الْمَلِكُ حَزَقِيَّا وَأَعْوَانُهُ مِنَ اللَّاوِيِّينَ أَنْ يُسَبِّحُوا اللهَ بِالْأَنَاشِيدِ الَّتِي كَتَبَهَا دَاوُدُ وَآسَافُ الرَّائِي. فَسَبَّحُوا بِابْتِهَاجٍ وَرَكَعُوا وَعَبَدُوا اللهَ. ثُمَّ قَالَ حَزَقِيَّا لِلنَّاسِ: ”أَنْتُمْ كَرَّسْتُمْ أَنْفُسَكُمْ للهِ، فَتَعَالَوْا وَأَحْضِرُوا ضَحَايَا وَقَرَابِينَ شُكْرٍ إِلَى بَيْتِ اللهِ.“ فَأَحْضَرَتِ الْجَمَاعَةُ ضَحَايَا وَقَرَابِينَ شُكْرٍ. وَكُلُّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَبَرَّعَ، قَدَّمَ قَرَابِينَ تُحْرَقُ. فَكَانَ عَدَدُ الْقَرَابِينِ الَّتِي قَدَّمَتْهَا الْجَمَاعَةُ، 70 ثَوْرًا وَ100 كَبْشٍ وَ200 خَرُوفٍ. كُلُّهَا أُحْرِقَتْ للهِ. وَكَانَتْ جُمْلَةُ الْقَرَابِينِ الْمُقَدَّسَةِ 600 ثَوْرٍ وَ3000 خَرُوفٍ. وَكَانَ الْأَحْبَارُ قَلِيلِينَ، فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَسْلُخُوا كُلَّ الْقَرَابِينِ، فَسَاعَدَهُمْ إِخْوَتُهُمُ اللَّاوِيُّونَ، حَتَّى انْتَهَى الْعَمَلُ وَحَتَّى تَقَدَّسَ بَقِيَّةُ الْأَحْبَارِ. لِأَنَّ اللَّاوِيِّينَ كَانُوا أَكْثَرَ اهْتِمَامًا بِتَطْهِيرِ أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْأَحْبَارِ. وَكَانَتِ الْقَرَابِينُ الَّتِي تُحْرَقُ كَثِيرَةً، وَكَذَلِكَ شَحْمُ قَرَابِينِ الصُّحْبَةِ، وَأَيْضًا قَرَابِينُ الشَّرَابِ. فَبَدَأَتِ الْعِبَادَةُ فِي بَيْتِ اللهِ مِنْ جَدِيدٍ. وَفَرِحَ حَزَقِيَّا وَكُلُّ الشَّعْبِ، لِأَنَّ اللهَ سَاعَدَهُمْ، وَلِأَنَّ هَذَا تَمَّ بِسُرْعَةٍ. وَأَرْسَلَ حَزَقِيَّا نِدَاءً إِلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا، وَكَتَبَ أَيْضًا رَسَائِلَ إِلَى أَفْرَايِمَ وَمَنَسَّى، لِكَيْ يَأْتُوا إِلَى بَيْتِ اللهِ فِي الْقُدْسِ لِيَحْتَفِلُوا بِالْفِصْحِ للهِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَاتَّفَقَ الْمَلِكُ وَأَعْوَانُهُ وَكُلُّ الْجَمَاعَةِ فِي الْقُدْسِ، أَنْ يَحْتَفِلُوا بِالْفِصْحِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي. لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَحْتَفِلُوا بِهِ فِي وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ تَطَهَّرَ عَدَدٌ كَافٍ مِنَ الْأَحْبَارِ، وَلَمْ يَكُنِ الشَّعْبُ قَدِ اجْتَمَعَ فِي الْقُدْسِ. وَقَبِلَ الْمَلِكُ وَكُلُّ الْجَمَاعَةِ هَذَا الْقَرَارَ. فَأَمَرُوا بِإِطْلَاقِ نِدَاءٍ فِي كُلِّ إِسْرَائِيلَ، مِنْ بِئْرَ سَبْعَ إِلَى دَانَ، لِكَيْ يَأْتِيَ الشَّعْبُ إِلَى الْقُدْسِ لِلِاحْتِفَالِ بِالْفِصْحِ للهِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْتَفِلُوا بِهِ كَمَا هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ مُنْذُ زَمَنٍ طَوِيلٍ. فَذَهَبَ السُّعَاةُ حَامِلِينَ الرَّسَائِلَ مِنَ الْمَلِكِ وَأَعْوَانِهِ، إِلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا وَكَمَا أَمَرَ الْمَلِكُ كَانُوا يَقُولُونَ: ”يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، اِرْجِعُوا إِلَى الْمَوْلَى رَبِّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَإِسْرَائِيلَ، لِكَيْ يَرْجِعَ إِلَيْكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ بَقِيتُمْ وَنَجَوْتُمْ مِنْ يَدِ مُلُوكِ أَشُّورَ. وَلَا تَكُونُوا كَآبَائِكُمْ وَإِخْوَتِكُمُ الَّذِينَ خَانُوا الْمَوْلَى رَبَّ آبَائِهِمْ، فَجَعَلَهُمْ عَارًا كَمَا تَرَوْنَ. فَلَا تُعَانِدُوا كَمَا فَعَلَ آبَاؤُكُمْ، بَلِ اخْضَعُوا للهِ. تَعَالَوْا إِلَى بَيْتِهِ الَّذِي قَدَّسَهُ إِلَى الْأَبَدِ، وَاعْبُدُوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ، لِكَيْ يَرُدَّ عَنْكُمْ غَضَبَهُ الشَّدِيدَ. فَإِنْ رَجَعْتُمْ إِلَى اللهِ، يَجِدُ إِخْوَتُكُمْ وَبَنُوكُمْ رَحْمَةً عِنْدَ الَّذِينَ أَسَرُوهُمْ، فَيَعُودُونَ إِلَى هَذِهِ الْأَرْضِ. لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ رَؤُوفٌ وَرَحِيمٌ، وَإِنْ رَجَعْتُمْ إِلَيْهِ، لَا يُحَوِّلُ وَجْهَهُ عَنْكُمْ.“ فَذَهَبَ السُّعَاةُ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ فِي أَرْضِ أَفْرَايِمَ وَمَنَسَّى حَتَّى بَلَغُوا زَبُولُونَ. فَكَانَ النَّاسُ يَضْحَكُونَ عَلَيْهِمْ وَيَهْزَأُونَ بِهِمْ. لَكِنَّ الْبَعْضَ مِنْ أَشِيرَ وَمَنَسَّى وَزَبُولُونَ تَوَاضَعُوا وَجَاءُوا إِلَى الْقُدْسِ. وَكَانَتْ يَدُ اللهِ مَعَ بَنِي يَهُوذَا، وَوَحَّدَ قُلُوبَهُمْ لِيَعْمَلُوا بِأَمْرِ الْمَلِكِ وَأَعْوَانِهِ، حَسَبَ كَلَامِ اللهِ. فَاجْتَمَعَ فِي الْقُدْسِ جُمْهُورٌ غَفِيرٌ جِدًّا لِلِاحْتِفَالِ بِعِيدِ الْفَطِيرِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي. وَأَزَالُوا الْمَنَصَّاتِ الَّتِي فِي الْقُدْسِ، وَأَيْضًا كُلَّ مَنَصَّاتِ الْبَخُورِ، وَرَمَوْهَا فِي وَادِي قَدْرُونَ. وَذَبَحُوا حَمَلَ الْفِصْحِ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي. وَخَجِلَ الْأَحْبَارُ وَاللَّاوِيُّونَ مِنْ حَالَتِهِمْ، فَتَقَدَّسُوا وَقَدَّمُوا قَرَابِينَ فِي بَيْتِ اللهِ. وَوَقَفُوا فِي الْأَمَاكِنِ الْمُعَيَّنَةِ لَهُمْ حَسَبَ شَرِيعَةِ النَّبِيِّ مُوسَى. وَكَانَ الْأَحْبَارُ يَتَنَاوَلُونَ الدَّمَ مِنَ اللَّاوِيِّينَ وَيَرُشُّونَهُ. لِأَنَّ كَثِيرِينَ مِنَ الْمَوْجُودِينَ لَمْ يُقَدِّسُوا أَنْفُسَهُمْ، فَذَبَحَ اللَّاوِيُّونَ حَمَلَ الْفِصْحِ نِيَابَةً عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ غَيْرِ طَاهِرٍ وَغَيْرِ قَادِرٍ أَنْ يُقَدِّسَ الْحَمَلَ للهِ. فَإِنَّ كَثِيرِينَ مِنَ الشَّعْبِ الَّذِي جَاءَ مِنْ أَفْرَايِمَ وَمَنَسَّى وَيَسَّاكَرَ وَزَبُولُونَ، كَانُوا غَيْرَ طَاهِرِينَ، وَأَكَلُوا الْفِصْحَ عَلَى خِلَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ. لَكِنَّ حَزَقِيَّا صَلَّى مِنْ أَجْلِهِمْ وَقَالَ: ”لَعَلَّ اللهَ الصَّالِحَ يُسَامِحُ كُلَّ وَاحِدٍ فَتَحَ قَلْبَهُ لِطَلَبِ اللهِ مَوْلَاهُ وَرَبِّ آبَائِهِ، حَتَّى لَوْ كَانَ غَيْرَ طَاهِرٍ حَسَبَ شَرِيعَةِ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ.“ فَسَمِعَ اللهُ لِحَزَقِيَّا، وَشَفَى الشَّعْبَ. فَاحْتَفَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ فِي الْقُدْسِ، بِعِيدِ الْفَطِيرِ 7 أَيَّامٍ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ. وَكَانَ اللَّاوِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ يُسَبِّحُونَ اللهَ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى عَزْفِ الْمُوسِيقَى. وَظَهَرَتْ مَهَارَةُ اللَّاوِيِّينَ فِي خِدْمَةِ اللهِ، فَشَجَّعَهُمْ حَزَقِيَّا كُلَّهُمْ. وَظَلُّوا يَأْكُلُونَ نَصِيبَهُمْ 7 أَيَّامٍ، وَيُقَدِّمُونَ ضَحَايَا صُحْبَةٍ، وَيَحْمَدُونَ الْمَوْلَى رَبَّ آبَائِهِمْ. ثُمَّ اتَّفَقَتْ كُلُّ الْجَمَاعَةِ عَلَى الِاحْتِفَالِ بِالْعِيدِ 7 أَيَّامٍ أُخْرَى. فَاحْتَفَلُوا بِهَا بِفَرَحٍ عَظِيمٍ. لِأَنَّ حَزَقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا قَدَّمَ لِلْجَمَاعَةِ 1000 ثَوْرٍ وَ7000 خَرُوفٍ. كَمَا قَدَّمَ لَهُمُ الرُّؤَسَاءُ 1000 ثَوْرٍ وَ10000 خَرُوفٍ. وَتَقَدَّسَ لِهَذَا الْعَمَلِ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ الْأَحْبَارِ. وَفَرِحَ كُلُّ شَعْبِ يَهُوذَا وَالْأَحْبَارُ وَاللَّاوِيُّونَ وَكُلُّ الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ إِسْرَائِيلَ، بِمَا فِي ذَلِكَ الْغُرَبَاءُ الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ إِسْرَائِيلَ وَالْمُقِيمُونَ فِي يَهُوذَا. وَغَمَرَ الْقُدْسَ فَرَحٌ عَظِيمٌ، لِأَنَّهُ مِنْ أَيَّامِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، لَمْ يَحْدُثِ احْتِفَالٌ مِثْلُ هَذَا فِي الْقُدْسِ. وَقَامَ الْأَحْبَارُ وَاللَّاوِيُّونَ وَبَارَكُوا الشَّعْبَ، فَسَمِعَهُمُ اللهُ، لِأَنَّ صَلَاتَهُمْ بَلَغَتِ السَّمَاءَ، مَسْكَنَهُ الْمُقَدَّسَ. وَلَمَّا تَمَّ هَذَا الِاحْتِفَالُ، خَرَجَ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْحَاضِرِينَ إِلَى مُدُنِ يَهُوذَا، وَحَطَّمُوا التَّمَاثِيلَ، وَكَسَّرُوا الْأَعْمِدَةَ الَّتِي كَانَ النَّاسُ يَعْبُدُونَهَا، وَهَدَمُوا مَعَابِدَ الْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ وَمَنَصَّاتِ الْقُرْبَانِ، وَأَزَالُوهَا مِنْ كُلِّ يَهُوذَا وَبِنْيَمِينَ وَأَفْرَايِمَ وَمَنَسَّى. وَبَعْدَ ذَلِكَ رَجَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى مُدُنِهِمْ وَإِلَى دِيَارِهِمْ. وَنَظَّمَ حَزَقِيَّا فِرَقَ الْأَحْبَارِ وَاللَّاوِيِّينَ حَسَبَ خِدْمَتِهِمْ. فَكُلُّ وَاحِدٍ لَهُ عَمَلُهُ، سَوَاءٌ كَانَ حَبْرًا أَوْ لَاوِيًّا، لِتَقْدِيمِ الْقَرَابِينِ الَّتِي تُحْرَقُ وَضَحَايَا الصُّحْبَةِ، وَلِلْعِبَادَةِ، وَلِلْحَمْدِ وَالتَّسْبِيحِ عِنْدَ أَبْوَابِ بَيْتِ اللهِ. وَتَبَرَّعَ الْمَلِكُ مِنْ أَمْلَاكِهِ لِلْقَرَابِينِ الَّتِي تُحْرَقُ فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، وَفِي أَيَّامِ السَّبْتِ وَرَأْسِ الشَّهْرِ وَالْأَعْيَادِ، كَمَا هُوَ وَارِدٌ فِي شَرِيعَةِ اللهِ. وَأَمَرَ سُكَّانَ الْقُدْسِ، أَنْ يُعْطُوا الْأَحْبَارَ وَاللَّاوِيِّينَ نَصِيبَهُمْ لِكَيْ يَتَفَرَّغُوا لِشَرِيعَةِ اللهِ. فَلَمَّا ذَاعَ أَمْرُ الْمَلِكِ، قَدَّمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِكَرَمٍ مِنْ أَوَّلِ الْقَمْحِ وَالْخَمْرِ وَالزَّيْتِ وَالْعَسَلِ وَكُلِّ غَلَّةِ الْحَقْلِ. وَأَحْضَرُوا كَمِّيَّاتٍ كَبِيرَةً مِنْ عُشْرِ كُلِّ شَيْءٍ. وَبَنُو إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا السَّاكِنُونَ فِي مُدُنِ يَهُوذَا، هُمْ أَيْضًا أَحْضَرُوا عُشْرَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَأَكْوَامًا مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُقَدَّسَةِ الَّتِي كَرَّسُوهَا للهِ. بَدَأُوا فِي جَمْعِ هَذِهِ الْأَكْوَامِ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ، وَانْتَهَوْا مِنْ ذَلِكَ فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ. وَلَمَّا جَاءَ حَزَقِيَّا وَرُؤَسَاءُ الشَّعْبِ وَرَأَوْا الْأَكْوَامَ، سَبَّحُوا اللهَ وَبَارَكُوا شَعْبَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَسَأَلَ حَزَقِيَّا الْأَحْبَارَ وَاللَّاوِيِّينَ عَنْ هَذِهِ الْأَكْوَامِ. فَأَجَابَهُ عَزَرْيَا رَئِيسُ الْأَحْبَارِ الَّذِي مِنْ عَائِلَةِ صَادِقَ، وَقَالَ لَهُ: ”مُنْذُ بَدَأَ الشَّعْبُ يُحْضِرُ التَّبَرُّعَاتِ إِلَى بَيْتِ اللهِ، أَكَلْنَا وَشَبِعْنَا وَفَضَلَ عَنَّا الْكَثِيرُ، لِأَنَّ اللهَ بَارَكَ شَعْبَهُ. فَمَا تَرَاهُ هُنَا هُوَ الْكَثِيرُ الَّذِي فَضَلَ عَنَّا.“ وَأَمَرَ حَزَقِيَّا بِإِعْدَادِ مَخَازِنَ فِي بَيْتِ اللهِ فَأَعَدُّوهَا. وَأَدْخَلُوا إِلَيْهَا بِأَمَانَةٍ الْقَرَابِينَ وَالْعُشُورَ وَالْأَشْيَاءَ الْمُقَدَّسَةَ. وَعُيِّنَ كُونَنْيَا اللَّاوِيُّ مَسْئُولًا عَنْهَا، وَشَمْعِي أَخُوهُ نَائِبًا لَهُ. وَكَانَ يَعْمَلُ تَحْتَهُمَا مُشْرِفُونَ عَيَّنَهُمْ حَزَقِيَّا الْمَلِكُ وَعَزَرْيَا رَئِيسُ بَيْتِ اللهِ وَهُمْ: يَحِيئِيلُ وَعَزَرْيَا وَنَحَثُ وَعَسَائِيلُ وَيَرِيمُوثُ وَيُوزَابَادُ وَإِيلِيئِيلُ وَيَسْمَخْيَا وَمَحَثُ وَبَنَايَا. وَقُورِي بْنُ يَمْنَةَ اللَّاوِيُّ حَارِسُ الْبَابِ الشَّرْقِيِّ كَانَ مُشْرِفًا عَلَى التَّبَرُّعَاتِ الْمُقَدَّمَةِ للهِ، وَعَلَى تَوْزِيعِ التَّقْدِمَاتِ الْمُخَصَّصَةِ للهِ وَالْهِبَاتِ الْمُقَدَّسَةِ. وَيَعْمَلُ تَحْتَهُ فِي مُدُنِ الْأَحْبَارِ: عَدَنُ وَمِنْيَمِينُ وَيَشُوعُ وَشَمَعْيَا وَأَمَرْيَا وَشَكَنْيَا، وَيُوَزِّعُونَ الْعَطَايَا عَلَى زُمَلَائِهِمْ مِنَ الْأَحْبَارِ بِأَمَانَةٍ حَسَبَ فِرَقِهِمْ، الْكَبِيرِ كَالصَّغِيرِ. وَيُوَزِّعُونَ أَيْضًا عَلَى الذُّكُورِ مِنِ ابْنِ 3 سِنِينَ وَمَا فَوْقُ، الَّذِينَ كَانَتْ أَسْمَاؤُهُمْ فِي سِجِلِّ الْأَنْسَابِ، وَيَدْخُلُونَ بَيْتَ اللهِ لِيَقُومُوا بِوَاجِبَاتِهِمِ الْيَوْمِيَّةِ حَسَبَ خِدْمَةِ فِرَقِهِمْ. وَيُوَزِّعُونَ عَلَى الْأَحْبَارِ حَسَبَ عَائِلَاتِهِمْ، وَعَلَى اللَّاوِيِّينَ مِنِ ابْنِ 20 سَنَةً وَمَا فَوْقُ حَسَبَ خِدْمَتِهِمْ وَفِرَقِهِمْ. وَيُوَزِّعُونَ كَذَلِكَ عَلَى كُلِّ الْأَطْفَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْأَوْلَادِ وَالْبَنَاتِ فِي كُلِّ الْجَمَاعَةِ، الَّذِينَ كَانَتْ أَسْمَاؤُهُمْ فِي سِجِلِّ الْأَنْسَابِ. فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُقَدِّسُونَ أَنْفُسَهُمْ بِأَمَانَةٍ. وَتَمَّ تَعْيِينُ رِجَالٍ بِالِاسْمِ، لِتَوْزِيعِ أَنْصِبَةٍ عَلَى كُلِّ ذَكَرٍ مِنَ الْأَحْبَارِ الَّذِينَ فِي الْأَرْيَافِ وَفِي الْمُدُنِ، وَكُلِّ اللَّاوِيِّينَ الَّذِينَ كَانَتْ أَسْمَاؤُهُمْ فِي سِجِلِّ الْأَنْسَابِ. فَعَمِلَ حَزَقِيَّا كُلَّ هَذَا فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ يَهُوذَا وَفَعَلَ مَا هُوَ طَيِّبٌ وَصَالِحٌ وَحَقٌّ فِي نَظَرِ الْمَوْلَى إِلَهِهِ. وَكُلُّ عَمَلٍ قَامَ بِهِ حَزَقِيَّا، عَمِلَهُ بِكُلِّ قَلْبِهِ وَنَجَحَ فِيهِ. فَخَدَمَ بَيْتَ اللهِ، وَأَطَاعَ الشَّرِيعَةَ وَالْوَصِيَّةَ، وَطَلَبَ إِلَهَهُ. وَبَعْدَ كُلِّ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الَّتِي قَامَ بِهَا حَزَقِيَّا بِأَمَانَةٍ، جَاءَ سِنْحَرِيبُ مَلِكُ أَشُّورَ وَهَاجَمَ يَهُوذَا وَحَاصَرَ الْمُدُنَ الْحَصِينَةَ، وَطَمِعَ فِي الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا. فَلَمَّا رَأَى حَزَقِيَّا أَنَّ سِنْحَرِيبَ جَاءَ، وَأَنَّهُ عَازِمٌ عَلَى مُحَارَبَةِ الْقُدْسِ، اِسْتَشَارَ أَعْوَانَهُ وَقَادَةَ الْجَيْشِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى رَدْمِ مِيَاهِ الْعُيُونِ الَّتِي خَارِجَ الْمَدِينَةِ، وَسَاعَدُوهُ عَلَى ذَلِكَ. فَتَجَمَّعَ جُمْهُورٌ غَفِيرٌ، وَرَدَمُوا كُلَّ الْيَنَابِيعِ وَالنَّهْرَ الْجَارِيَ فِي الْأَرْضِ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا: ”لِمَاذَا يَأْتِي مُلُوكُ أَشُّورَ وَيَجِدُونَ مِيَاهًا غَزِيرَةً؟“ وَتَقَوَّى وَبَنَى كُلَّ الْأَجْزَاءِ الْمُنْهَدِمَةِ مِنَ السُّورِ، وَبَنَى عَلَيْهِ أَبْرَاجًا. وَبَنَى سُورًا آخَرَ خَارِجَ هَذَا السُّورِ، وَحَصَّنَ قَلْعَةَ مَدِينَةِ دَاوُدَ. وَعَمِلَ كَمِّيَّةً كَبِيرَةً مِنَ الْأَسْلِحَةِ وَالْأَتْرَاسِ. وَعَيَّنَ قَادَةً عَسْكَرِيِّينَ عَلَى الشَّعْبِ، وَجَمَعَهُمْ إِلَى السَّاحَةِ عِنْدَ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ وَشَجَّعَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: ”كُونُوا أَقْوِيَاءَ وَشُجْعَانًا. لَا تَخَافُوا وَلَا تَرْتَعِبُوا مِنْ مَلِكِ أَشُّورَ وَلَا مِنْ كُلِّ الْجَيْشِ الَّذِي مَعَهُ، لِأَنَّ مَعَنَا قُوَّةً أَعْظَمَ مِنَ الَّتِي مَعَهُ! فَمَعَهُ قُوَّةٌ بَشَرِيَّةٌ، وَمَعَنَا الْمَوْلَى إِلَهُنَا لِيُسَاعِدَنَا وَيُحَارِبَ فِي الْمَعْرَكَةِ عَنَّا.“ فَاتَّكَلَ الشَّعْبُ عَلَى كَلَامِ حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا. وَبَعْدَ هَذَا حَاصَرَ سِنْحَرِيبُ مَلِكُ أَشُّورَ هُوَ وَكُلُّ جَيْشِهِ مَدِينَةَ لَخِيشَ. وَفِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ أَرْسَلَ أَعْوَانَهُ إِلَى الْقُدْسِ وَمَعَهُمْ رِسَالَةٌ إِلَى حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا وَإِلَى شَعْبِ يَهُوذَا الَّذِينَ فِي الْقُدْسِ يَقُولُ فِيهَا: ”سِنْحَرِيبُ مَلِكُ أَشُّورَ يَقُولُ: ’مَا الَّذِي يَجْعَلُكُمْ وَاثِقِينَ كُلَّ هَذِهِ الثِّقَةِ، وَتَسْتَمِرُّونَ تَحْتَ الْحِصَارِ فِي الْقُدْسِ؟ حَزَقِيَّا يَقُولُ لَكُمْ: ”الْمَوْلَى إِلَهُنَا يُنْقِذُنَا مِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ.“ وَلَكِنَّهُ بِذَلِكَ يُضِلُّكُمْ لِكَيْ تَمُوتُوا مِنَ الْجُوْعِ وَالْعَطَشِ. لِأَنَّ حَزَقِيَّا نَفْسَهُ هَدَمَ أَمَاكِنَ عِبَادَتِهِ وَمَنَصَّاتِ تَقْدِيمِ الْقُرْبَانِ لَهُ، وَأَمَرَ شَعْبَ يَهُوذَا وَأَهْلَ الْقُدْسِ أَنْ يَسْجُدُوا أَمَامَ مَنَصَّةٍ وَاحِدَةٍ وَيُقَدِّمُوا الْقَرَابِينَ عَلَيْهَا! أَلَا تَعْلَمُونَ مَا فَعَلْتُهُ أَنَا وَآبَائِي بِكُلِّ شُعُوبِ الْأَرْضِ؟ فَهَلْ قَدَرَتْ آلِهَةُ تِلْكَ الْأُمَمِ أَنْ تُنْقِذَ بِلَادَهَا مِنْ يَدِي؟ مَنْ مِنْ كُلِّ آلِهَةِ هَذِهِ الْأُمَمِ الَّتِي أَبَادَهَا آبَائِي، أَمْكَنَهُ أَنْ يُنْقِذَ شَعْبَهُ مِنْ يَدِي؟ فَكَيْفَ يَقْدِرُ إِلَهُكُمْ أَنْ يُنْقِذَكُمْ مِنْ يَدِي؟ إِذَنْ لَا تَسْمَحُوا لِحَزَقِيَّا بِأَنْ يَخْدَعَكُمْ أَوْ يُضِلَّكُمْ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ. وَلَا تُصَدِّقُوهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ إِلَهُ أَيِّ أُمَّةٍ أَوْ مَمْلَكَةٍ أَنْ يُنْقِذَ شَعْبَهُ مِنْ يَدِي وَمِنْ يَدِ آبَائِي، فَلَنْ يَقْدِرَ إِلَهُكُمْ أَنْ يُنْقِذَكُمْ مِنْ يَدِي!‘“ وَقَالَ رِجَالُ سِنْحَرِيبَ أَشْيَاءَ سَيِّئَةً أَكْثَرَ مِنْ هَذَا، ضِدَّ الْمَوْلَى الْإِلَهِ وَضِدَّ حَزَقِيَّا عَبْدِهِ. وَكَتَبَ سِنْحَرِيبُ أَيْضًا رَسَائِلَ شَتَمَ فِيهَا اللهَ رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَالَ ضِدَّهُ: ”كَمَا أَنَّ آلِهَةَ أُمَمِ الْأَرْضِ لَمْ تَقْدِرْ أَنْ تُنْقِذَ شُعُوبَهَا مِنْ يَدِي، فَإِلَهُ حَزَقِيَّا أَيْضًا لَا يَقْدِرُ أَنْ يُنْقِذَ شَعْبَهُ مِنْ يَدِي.“ وَصَرَخَ الرُّسُلُ بِصَوْتٍ عَالٍ جِدًّا بِاللُّغَةِ الْعِبْرِيَّةِ، إِلَى شَعْبِ الْقُدْسِ الَّذِي تَجَمَّعَ عَلَى السُّورِ، لِيُخَوِّفُوهُمْ وَيُرْعِبُوهُمْ، لِكَيْ يَحْتَلُّوا الْمَدِينَةَ. وَتَكَلَّمُوا ضِدَّ إِلَهِ الْقُدْسِ، كَمَا لَوْ كَانَ مِثْلَ آلِهَةِ شُعُوبِ الْأَرْضِ الَّتِي يَصْنَعُهَا النَّاسُ بِأَيْدِيهِمْ. فَصَلَّى حَزَقِيَّا الْمَلِكُ وَإِشَعْيَا بْنُ آمُوصَ النَّبِيُّ، وَصَرَخَا إِلَى السَّمَاءِ بِسَبَبِ هَذَا. فَأَرْسَلَ اللهُ مَلَاكًا، فَأَبَادَ كُلَّ مُحَارِبٍ وَرَئِيسٍ وَقَائِدٍ فِي مُعَسْكَرِ مَلِكِ أَشُّورَ. فَانْسَحَبَ مَلِكُ أَشُّورَ إِلَى بِلَادِهِ بِخَجَلٍ. وَلَمَّا دَخَلَ مَعْبَدَ إِلَهِهِ، قَتَلَهُ هُنَاكَ اثْنَانِ مِنْ أَوْلَادِهِ بِالسَّيْفِ. فَأَنْقَذَ اللهُ حَزَقِيَّا وَسُكَّانَ الْقُدْسِ مِنْ يَدِ سِنْحَرِيبَ مَلِكِ أَشُّورَ، وَمِنْ يَدِ كُلِّ الْآخَرِينَ، وَأَرَاحَهُمْ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. وَأَحْضَرَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ قَرَابِينَ إِلَى الْقُدْسِ للهِ، وَهَدَايَا ثَمِينَةً لِحَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، وَأَصْبَحَ لَهُ اعْتِبَارٌ كَبِيرٌ فِي عُيُونِ كُلِّ الْأُمَمِ. وَفِي تِلْكَ الْأَيَّامِ مَرِضَ حَزَقِيَّا لِدَرَجَةِ أَنَّهُ أَوْشَكَ أَنْ يَمُوتَ. فَصَلَّى إِلَى اللهِ فَاسْتَجَابَ لَهُ وَأَعْطَاهُ عَلَامَةً عَلَى أَنَّهُ سَيُشْفَى. وَلَكِنْ لَمْ يَتَجَاوَبْ حَزَقِيَّا حَسَبَ الْمَعْرُوفِ الَّذِي عَمِلَهُ اللهُ مَعَهُ، بَلْ تَكَبَّرَ قَلْبُهُ. فَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى يَهُوذَا وَالْقُدْسِ. ثُمَّ تَابَ حَزَقِيَّا عَنْ كِبْرِيَاءِ قَلْبِهِ هُوَ وَسُكَّانُ الْقُدْسِ. فَلَمْ يَحِلَّ عَلَيْهِمْ غَضَبُ اللهِ فِي أَيَّامِ حَزَقِيَّا. وَكَانَ حَزَقِيَّا عَظِيمَ الْغِنَى وَالْكَرَامَةِ. وَعَمِلَ لِنَفْسِهِ خَزَائِنَ لِلْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالْحِجَارَةِ الْكَرِيمَةِ وَالْأَطْيَابِ وَالْأَتْرَاسِ وَكُلِّ شَيْءٍ نَفِيسٍ، وَمَخَازِنَ لِلْقَمْحِ وَالْخَمْرِ وَالزَّيْتِ، وَمَعَالِفَ لِكُلِّ أَنْوَاعِ الْبَهَائِمِ، وَحَظَائِرَ لِلْغَنَمِ. وَأَنْشَأَ مُدُنًا وَاقْتَنَى الْكَثِيرَ مِنَ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ، لِأَنَّ اللهَ رَزَقَهُ أَمْوَالًا كَثِيرَةً جِدًّا. وَهُوَ الَّذِي سَدَّ مَجْرَى الْمَاءِ الْأَعْلَى فِي جِيحُونَ، وَحَوَّلَهُ إِلَى قَنَاةٍ تَحْتَ الْأَرْضِ غَرْبَ مَدِينَةِ دَاوُدَ. وَنَجَحَ حَزَقِيَّا فِي كُلِّ عَمَلٍ قَامَ بِهِ. وَلَكِنْ لَمَّا بَعَثَ رُؤَسَاءُ بَابِلَ رُسُلًا إِلَى حَزَقِيَّا، لِيَسْأَلُوهُ عَنِ الْمُعْجِزَةِ الَّتِي حَدَثَتْ فِي الْبِلَادِ، تَرَكَهُ اللهُ لِيَمْتَحِنَهُ، وَيَعْرِفَ كُلَّ مَا فِي قَلْبِهِ. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ حَزَقِيَّا وَتَقْوَاهُ هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي رُؤْيَا إِشَعْيَا بْنِ آمُوصَ النَّبِيِّ فِي كِتَابِ مُلُوكِ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلَ. وَانْضَمَّ حَزَقِيَّا إِلَى أَسْلَافِهِ، وَدُفِنَ فِي قُبُورِ بَنِي دَاوُدَ الَّتِي فِي الْجَبَلِ. وَأَكْرَمَهُ كُلُّ يَهُوذَا وَسُكَّانِ الْقُدْسِ عِنْدَ مَوْتِهِ. وَمَلَكَ مَنَسَّى ابْنُهُ مَكَانَهُ. كَانَ مَنَسَّى ابْنَ 12 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 55 سَنَةً فِي الْقُدْسِ. وَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ، وَارْتَكَبَ الْمُمَارَسَاتِ الْقَبِيحَةَ الَّتِي ارْتَكَبَتْهَا الْأُمَمُ الَّتِي طَرَدَهَا اللهُ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَعَادَ فَبَنَى مَعَابِدَ الْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ الَّتِي هَدَمَهَا حَزَقِيَّا أَبُوهُ. وَبَنَى مَنَصَّاتٍ لِتَقْدِيمِ الْقُرْبَانِ لِلْبَعْلِ، وَعَمِلَ أَعْمِدَةً يَعْبُدُهَا، وَسَجَدَ لِكُلِّ نُجُومِ السَّمَاءِ وَعَبَدَهَا. وَبَنَى مَنَصَّاتٍ لِتَقْدِيمِ الْقُرْبَانِ فِي بَيْتِ اللهِ الَّذِي قَالَ اللهُ عَنْهُ: ”فِي الْقُدْسِ يُكْرِمُونَ اسْمِي إِلَى الْأَبَدِ.“ وَبَنَى مَنَصَّاتٍ لِتَقْدِيمِ الْقُرْبَانِ لِكُلِّ نُجُومِ السَّمَاءِ فِي سَاحَتَيْ بَيْتِ اللهِ. وَأَحْرَقَ بَنِيهِ فِي النَّارِ قُرْبَانًا فِي وَادِي ابْنِ هِنُّومَ. وَمَارَسَ السِّحْرَ وَالْعِلْمَ بِالْغَيْبِ وَالشَّعْوَذَةَ، وَاسْتَشَارَ مَنْ يَتَعَامَلُونَ مَعَ الْجِنِّ وَمَنْ يُحَضِّرُونَ الْأَرْوَاحَ. وَأَكْثَرَ مِنْ عَمَلِ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ لِيَغِيظَهُ. وَوَضَعَ الصَّنَمَ الَّذِي عَمِلَهُ فِي بَيْتِ اللهِ الَّذِي قَالَ اللهُ عَنْهُ لِدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ ابْنِهِ: ”فِي هَذَا الْبَيْتِ، وَفِي الْقُدْسِ الَّتِي اخْتَرْتُهَا مِنْ بَيْنِ كُلِّ قَبَائِلِ إِسْرَائِيلَ يُكْرِمُونَ اسْمِي إِلَى الْأَبَدِ. وَلَا أَعُودُ أُشَرِّدُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي عَيَّنْتُهَا لِآبَائِهِمْ، وَذَلِكَ إِنْ أَطَاعُوا وَعَمِلُوا بِكُلِّ مَا أَوْصَيْتُهُمْ بِهِ وَبِكُلِّ الشَّرِيعَةِ وَالْفَرَائِضِ وَالْأَحْكَامِ الَّتِي أَمَرْتُهُمْ بِهَا بِوَاسِطَةِ مُوسَى.“ وَلَكِنَّ مَنَسَّى أَضَلَّ يَهُوذَا وَسُكَّانَ الْقُدْسِ، فَعَمِلُوا مَا هُوَ أَكْثَرُ شَرًّا مِمَّا تَعْمَلُهُ الْأُمَمُ الَّتِي طَرَدَهَا اللهُ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَكَلَّمَ اللهُ مَنَسَّى وَشَعْبَهُ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا. فَأَرْسَلَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَادَةَ جَيْشِ مَلِكِ أَشُّورَ، فَقَبَضُوا عَلَى مَنَسَّى، وَوَضَعُوا خِزَامَةً فِي أَنْفِهِ، وَقَيَّدُوهُ بِسَلَاسِلَ نُحَاسٍ، وَأَخَذُوهُ إِلَى بَابِلَ. فَلَمَّا اشْتَدَّ بِهِ الضِّيقُ، طَلَبَ الْمَوْلَى إِلَهَهُ، وَتَوَاضَعَ جِدًّا أَمَامَ رَبِّ آبَائِهِ، وَصَلَّى إِلَيْهِ. فَاسْتَجَابَ لَهُ وَسَمِعَ تَضَرُّعَهُ وَرَدَّهُ إِلَى الْقُدْسِ إِلَى مَمْلَكَتِهِ. فَعَلِمَ مَنَسَّى أَنَّ الْمَوْلَى هُوَ اللهُ. وَبَعْدَ هَذَا، أَعَادَ مَنَسَّى بِنَاءَ السُّورِ الْخَارِجِيِّ لِمَدِينَةِ دَاوُدَ، غَرْبَ نَهْرِ جِيحُونَ فِي الْوَادِي، وَأَوْصَلَهُ إِلَى مَدْخَلِ بَوَّابَةِ السَّمَكِ، وَحَوَّطَ بِهِ مِنْطَقَةَ عُوفَلَ، وَعَلَّاهُ جِدًّا. وَعَيَّنَ قَادَةً لِلْجُيُوشِ فِي كُلِّ الْمُدُنِ الْحَصِينَةِ فِي يَهُوذَا. وَأَزَالَ الْآلِهَةَ الْغَرِيبَةَ وَالتَّمَاثِيلَ مِنْ بَيْتِ اللهِ، وَكُلَّ مَنَصَّاتِ الْقُرْبَانِ الَّتِي بَنَاهَا فِي جَبَلِ بَيْتِ اللهِ وَفِي الْقُدْسِ، وَرَمَاهَا خَارِجَ الْمَدِينَةِ. وَرَمَّمَ مَنَصَّةَ عِبَادَةِ اللهِ، وَقَدَّمَ عَلَيْهَا قَرَابِينَ سَلَامٍ وَقَرَابِينَ شُكْرٍ، وَأَمَرَ يَهُوذَا أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. إِلَّا أَنَّ الشَّعْبَ كَانَ مَا زَالَ يُقَدِّمُ الضَّحَايَا فِي مَعَابِدِ الْآلِهَةِ الْأُخْرَى، إِنَّمَا لِلْمَوْلَى إِلَهِهِمْ. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ مَنَسَّى، وَصَلَاتُهُ إِلَى رَبِّهِ، وَمَا قَالَهُ لَهُ الرَّاؤُونَ الَّذِينَ كَلَّمُوهُ بِاسْمِ اللهِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. كَمَا أَنَّ صَلَاتَهُ، وَكَيْفَ اسْتَجَابَ اللهُ لَهُ، وَكُلَّ ذُنُوبِهِ وَمَعَاصِيهِ، وَالْأَمَاكِنَ الَّتِي بَنَى فِيهَا مَعَابِدَ لِلْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ وَأَقَامَ أَعْمِدَةً لِلْعِبَادَةِ وَتَمَاثِيلَ، وَذَلِكَ قَبْلَ تَوَاضُعِهِ، كُلُّ هَذَا مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ الرَّائِينَ. وَانْضَمَّ مَنَسَّى إِلَى أَسْلَافِهِ، وَدُفِنَ فِي قَصْرِهِ. وَمَلَكَ آمُونُ ابْنُهُ مَكَانَهُ. كَانَ آمُونُ ابْنَ 22 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ سَنَتَيْنِ فِي الْقُدْسِ. وَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ، كَمَا عَمِلَ مَنَسَّى أَبُوهُ. فَقَدَّمَ قَرَابِينَ لِكُلِّ الْأَصْنَامِ الَّتِي عَمِلَهَا مَنَسَّى أَبُوهُ وَعَبَدَهَا. وَلَمْ يَتَوَاضَعْ أَمَامَ اللهِ، كَمَا تَوَاضَعَ مَنَسَّى أَبُوهُ، بَلْ زَادَ شَرًّا. وَتَآمَرَ أَعْوَانُ آمُونَ ضِدَّهُ، وَقَتَلُوهُ فِي قَصْرِهِ. فَقَتَلَ الشَّعْبُ كُلَّ الَّذِينَ تَآمَرُوا ضِدَّ الْمَلِكِ، وَجَعَلُوا يُوشِيَّا ابْنَهُ مَلِكًا مَكَانَهُ. كَانَ يُوشِيَّا ابْنَ 8 سِنِينَ لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 31 سَنَةً فِي الْقُدْسِ. وَعَمِلَ مَا هُوَ صَالِحٌ فِي نَظَرِ اللهِ، وَتَبِعَ مِثَالَ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَلَمْ يَنْحَرِفْ عَنْهُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا. وَفِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ مُلْكِهِ، وَهُوَ مَا زَالَ شَابًّا، بَدَأَ يَطْلُبُ إِلَهَ دَاوُدَ أَبِيهِ. وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ، بَدَأَ يُطَهِّرُ يَهُوذَا وَالْقُدْسَ مِنْ مَعَابِدِ الْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ وَالْأَعْمِدَةِ الَّتِي كَانَ النَّاسُ يَعْبُدُونَهَا وَالْأَصْنَامِ وَالتَّمَاثِيلِ. فَهَدَمُوا أَمَامَ عَيْنَيْهِ مَنَصَّاتِ تَقْدِيمِ الْقُرْبَانِ لِلْبَعْلِ. وَحَطَّمَ مَنَصَّاتِ الْبَخُورِ الَّتِي فَوْقَهَا، وَكَسَّرَ الْأَعْمِدَةَ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا وَالْأَصْنَامَ وَالتَّمَاثِيلَ، وَسَحَقَهَا وَرَشَّهَا عَلَى قُبُورِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا. وَأَحْرَقَ عِظَامَ كَهَنَةِ الْأَصْنَامِ عَلَى الْمَنَصَّاتِ، فَطَهَّرَ يَهُوذَا وَالْقُدْسَ. وَعَمِلَ نَفْسَ الشَّيْءِ فِي مُدُنِ مَنَسَّى وَأَفْرَايِمَ وَشَمْعُونَ حَتَّى نَفْتَالِي وَالْخَرَائِبِ الَّتِي حَوْلَهَا. فَهَدَمَ مَنَصَّاتِ الْقُرْبَانِ وَالْأَعْمِدَةَ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا، وَسَحَقَ الْأَصْنَامَ حَتَّى صَارَتْ غُبَارًا، وَحَطَّمَ مَنَصَّاتِ الْبَخُورِ فِي كُلِّ أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْقُدْسِ. وَفِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ مِنْ مُلْكِهِ، بَعْدَ أَنْ طَهَّرَ يُوشِيَّا الْبِلَادَ وَبَيْتَ اللهِ، أَرْسَلَ شَافَانَ بْنَ أَصَلْيَا، وَمَعَسْيَا حَاكِمَ الْمَدِينَةِ، وَيُوآخَ بْنَ يُوأَحَازَ الْمُسَجِّلَ لِيُرَمِّمُوا بَيْتَ الْمَوْلَى إِلَهِهِ. فَذَهَبُوا إِلَى حِلْقِيَا الْحَبْرِ الْأَعْلَى، وَأَعْطَوْهُ الْمَالَ الَّذِي دَخَلَ إِلَى بَيْتِ اللهِ، الَّذِي جَمَعَهُ اللَّاوِيُّونَ حُرَّاسُ الْبَابِ مِنْ شَعْبِ مَنَسَّى وَأَفْرَايِمَ وَمِنْ كُلِّ بَقِيَّةِ إِسْرَائِيلَ وَمِنْ كُلِّ يَهُوذَا وَبِنْيَمِينَ وَسُكَّانِ الْقُدْسِ. وَسَلَّمُوا الْمَالَ إِلَى الْوُكَلَاءِ الْمُشْرِفِينَ عَلَى الْعَمَلِ فِي بَيْتِ اللهِ، وَالْوُكَلَاءُ دَفَعُوهُ إِلَى الْعُمَّالِ الَّذِينَ كَانُوا يُجَدِّدُونَ الْبَيْتَ وَيُرَمِّمُونَهُ، مِنْ نَجَّارِينَ وَبَنَّائِينَ لِيَشْتَرُوا حِجَارَةً مَنْحُوتَةً، وَخَشَبًا لِلْعَوَارِضِ وَالسَّقْفِ لِلْبُيُوتِ الَّتِي تَرَكَهَا مُلُوكُ يَهُوذَا تَخْرَبُ. وَقَامَ الرِّجَالُ بِعَمَلِهِمْ بِأَمَانَةٍ، تَحْتَ إِشْرَافِ اللَّاوِيِّينَ يَحَثَ وَعُوبَدْيَا مِنْ بَنِي مَرَارِي وَزَكَرِيَّا وَمَشْلَامَ مِنْ بَنِي قَهَاتَ. وَبِالْإِضَافَةِ إِلَى مَهَارَةِ كُلِّ اللَّاوِيِّينَ فِي الْعَزْفِ عَلَى آلَاتِ الْغِنَاءِ، كَانَ مِنْهُمْ أَيْضًا كَتَبَةٌ وَوُكَلَاءٌ وَبَوَّابُونَ وَمُشْرِفُونَ عَلَى الْحَمَّالِينَ وَعَلَى كُلِّ الْعُمَّالِ فِي مُخْتَلِفِ أَنْوَاعِ الْعَمَلِ. وَبَيْنَمَا كَانَ اللَّاوِيُّونَ يُخْرِجُونَ الْمَالَ الَّذِي وَرَدَ إِلَى بَيْتِ اللهِ، وَجَدَ حِلْقِيَا الْحَبْرُ كِتَابَ الشَّرِيعَةِ الَّذِي أَوْحَى بِهِ اللهُ إِلَى مُوسَى. فَقَالَ حِلْقِيَا لِشَافَانَ الْكَاتِبِ: ”وَجَدْتُ كِتَابَ الشَّرِيعَةِ فِي بَيْتِ اللهِ.“ وَأَعْطَى حِلْقِيَا الْكِتَابَ لِشَافَانَ. فَأَخَذَ شَافَانُ الْكِتَابَ إِلَى الْمَلِكِ، وَقَدَّمَ تَقْرِيرًا عَنْ سَيْرِ الْعَمَلِ وَقَالَ: ”رِجَالُكَ يَقُومُونَ بِكُلِّ الْعَمَلِ الَّذِي أَوْكَلْتَهُ لَهُمْ. وَحَسَبُوا الْمَالَ الَّذِي فِي الْبَيْتِ، وَسَلَّمُوهُ إِلَى الْوُكَلَاءِ الْمُشْرِفِينَ عَلَى الْعَمَلِ.“ وَقَالَ شَافَانُ الْكَاتِبُ أَيْضًا لِلْمَلِكِ: ”أَعْطَانِي حِلْقِيَا الْحَبْرُ كِتَابًا.“ ثُمَّ قَرَأَ شَافَانُ مِنَ الْكِتَابِ أَمَامَ الْمَلِكِ. فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ كَلَامَ الشَّرِيعَةِ، مَزَّقَ ثِيَابَهُ، وَأَمَرَ حِلْقِيَا وَأَخِيقَامَ بْنَ شَافَانَ وَعَبْدُونَ بْنَ مِيخَا وَشَافَانَ الْكَاتِبَ وَعَسَايَا خَادِمَ الْمَلِكِ، وَقَالَ لَهُمْ: ”اِذْهَبُوا اسْأَلُوا اللهَ لِي وَلِمَنْ بَقِيَ مِنْ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا، عَمَّا وَرَدَ فِي هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي وُجِدَ. فَلَا شَكَّ أَنَّ اللهَ غَاضِبٌ عَلَيْنَا غَضَبًا شَدِيدًا جِدًّا، لِأَنَّ آبَاءَنَا لَمْ يُطِيعُوا كَلَامَ اللهِ، وَلَمْ يَعْمَلُوا بِكُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي هَذَا الْكِتَابِ.“ فَذَهَبَ حِلْقِيَا وَالَّذِينَ أَرْسَلَهُمُ الْمَلِكُ مَعَهُ، إِلَى خَلْدَةَ النَّبِيَّةِ زَوْجَةِ شَلُّومَ بْنِ تِقْوَةَ بْنِ حَرْحَسَ حَافِظِ الثِّيَابِ. وَكَانَتْ تُقِيمُ فِي الْحَيِّ الثَّانِي فِي الْقُدْسِ. وَسَأَلُوهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ: ”هَذَا هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي قَالَهُ اللهُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَخْبِرُوا بِهِ الرَّجُلَ الَّذِي أَرْسَلَكُمْ إِلَيَّ، يَقُولُ اللهُ: ’سَأَجْلِبُ الْمَصَائِبَ عَلَى هَذَا الْمَكَانِ وَعَلَى أَهْلِهِ، كُلَّ اللَّعَنَاتِ الْمَكْتُوبَةِ فِي الْكِتَابِ الَّذِي قَرَأُوهُ أَمَامَ مَلِكِ يَهُوذَا لِأَنَّهُمْ تَرَكُونِي، وَأَحْرَقُوا الْبَخُورَ لِآلِهَةٍ أُخْرَى، وَغَاظُونِي بِالْأَصْنَامِ الَّتِي عَمِلَتْهَا أَيْدِيهِمْ، فَحَلَّ غَضَبِي عَلَى هَذَا الْمَكَانِ وَلَنْ يَهْدَأَ.‘ أَمَّا مَلِكُ يَهُوذَا الَّذِي أَرْسَلَكُمْ لِتَسْتَشِيرُوا اللهَ، فَقُولُوا لَهُ: ’يَقُولُ اللهُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، بِشَأْنِ الْكَلَامِ الَّذِي سَمِعْتَهُ: ”أَنْتَ لَمَّا سَمِعْتَ مَا قَضَيْتُ بِهِ عَلَى هَذَا الْمَكَانِ وَعَلَى أَهْلِهِ، نَدِمْتَ وَتَوَاضَعْتَ وَمَزَّقْتَ ثِيَابَكَ وَبَكَيْتَ فِي مَحْضَرِ اللهِ، لِذَلِكَ أَنَا الْمَوْلَى أَقُولُ لَكَ إِنِّي سَمِعْتُكَ. فَأَجْعَلُكَ تَنْضَمُّ إِلَى أَسْلَافِكَ فَتُدْفَنُ بِسَلَامٍ، وَلَا تَرَى عَيْنَاكَ الْمَصَائِبَ الَّتِي سَأَجْلِبُهَا عَلَى هَذَا الْمَكَانِ وَأَهْلِهِ.“‘“ فَرَجَعَ الرُّسُلُ بِهَذَا الرَّدِّ إِلَى الْمَلِكِ. وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ وَاسْتَدْعَى كُلَّ شُيُوخِ يَهُوذَا وَالْقُدْسِ. وَذَهَبَ الْمَلِكُ إِلَى بَيْتِ اللهِ وَمَعَهُ كُلُّ قَادَةِ يَهُوذَا، وَشَعْبُ الْقُدْسِ، وَالْأَحْبَارُ وَاللَّاوِيُّونَ، كُلُّ الشَّعْبِ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ. فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ كُلَّ مَا وَرَدَ فِي كِتَابِ الْعَهْدِ الَّذِي وُجِدَ فِي بَيْتِ اللهِ. وَوَقَفَ الْمَلِكُ عَلَى مِنْبَرِهِ، وَعَمِلَ عَهْدًا فِي مَحْضَرِ اللهِ، لِيَتْبَعَ اللهَ وَيُطِيعَ وَصَايَاهُ وَإِرْشَادَاتِهِ وَفَرَائِضَهُ بِكُلِّ قَلْبِهِ وَكُلِّ نَفْسِهِ، وَيَعْمَلَ بِكَلَامِ الْعَهْدِ الْوَارِدِ فِي هَذَا الْكِتَابِ. وَطَلَبَ الْمَلِكُ مِنْ كُلِّ الْمَوْجُودِينَ مِنْ شَعْبِ الْقُدْسِ وَبِنْيَمِينَ، فَأَعْلَنُوا أَنَّهُمْ سَيُطِيعُونَ عَهْدَ اللهِ رَبِّ آبَائِهِمْ. وَأَزَالَ يُوشِيَّا كُلَّ الْأَصْنَامِ الْقَبِيحَةِ مِنْ كُلِّ بِلَادِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَطَلَبَ مِنْ كُلِّ الَّذِينَ فِي الْقُدْسِ أَنْ يَعْبُدُوا الْمَوْلَى إِلَهَهُمْ. فَلَمْ يَنْحَرِفُوا عَنِ اتِّبَاعِ اللهِ طُولَ عُمْرِهِ. وَاحْتَفَلَ يُوشِيَّا بِالْفِصْحِ للهِ فِي الْقُدْسِ. فَذَبَحُوا حَمَلَ الْفِصْحِ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ. وَعَيَّنَ الْأَحْبَارَ لِيَقُومُوا بِخِدْمَتِهِمْ، وَشَجَّعَهُمْ لِيَخْدِمُوا بَيْتَ اللهِ. وَقَالَ لِلَّاوِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا يُعَلِّمُونَ كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَدَّسُوا أَنْفُسَهُمْ للهِ: ”ضَعُوا الصُّنْدُوقَ الْمُقَدَّسَ فِي الْبَيْتِ الَّذِي بَنَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ. وَبِمَا أَنَّكُمْ لَا تَحْمِلُونَهُ عَلَى الْأَكْتَافِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ، فَيَجِبُ أَنْ تَخْدِمُوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ وَشَعْبَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَأَعِدُّوا أَنْفُسَكُمْ بِعَائِلَاتِكُمْ وَفِرَقِكُمْ حَسَبَ التَّعْلِيمَاتِ الَّتِي كَتَبَهَا دَاوُدُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَأَيْضًا ابْنُهُ سُلَيْمَانُ. فَتَخْدِمُونَ فِي الْمَقْدِسِ مَعَ فِرَقِ اللَّاوِيِّينَ الْآخَرِينَ، لِتُمَثِّلُوا عَائِلَاتِ إِخْوَتِكُمْ مِنْ عَامَّةِ الشَّعْبِ. وَقَدِّسُوا أَنْفُسَكُمْ، وَاذْبَحُوا حَمَلَ الْفِصْحِ وَأَعِدُّوهُ لِإِخْوَتِكُمْ لِيَعْمَلُوا مَا أَمَرَ بِهِ اللهُ بِوَاسِطَةِ مُوسَى.“ وَأَعْطَى يُوشِيَّا غَنَمًا لِكُلِّ عَامَّةِ الشَّعْبِ الْمَوْجُودِينَ لِيَحْتَفِلُوا بِالْفِصْحِ. فَكَانَ عَدَدُهَا 30000 مِنَ الْحُمْلَانِ وَالْجِدَاءِ. وَأَعْطَاهُمْ أَيْضًا 3000 مِنَ الْبَقَرِ. كُلُّ هَذَا مِنْ أَمْلَاكِ الْمَلِكِ. كَمَا تَبَرَّعَ أَعْوَانُهُ أَيْضًا لِلشَّعْبِ وَالْأَحْبَارِ وَاللَّاوِيِّينَ. فَأَعْطَى حِلْقِيَا وَزَكَرِيَّا وَيَحِيئِيلُ وَهُمُ الْمَسْئُولُونَ عَنْ بَيْتِ اللهِ لِلْأَحْبَارِ 2600 مِنَ الْحُمْلَانِ وَالْجِدَاءِ لِلْفِصْحِ، وَأَيْضًا 300 مِنَ الْبَقَرِ. كَمَا أَنَّ كُونَنْيَا وَشَمَعْيَا وَنَثَنْئِيلَ أَخَوَيْهِ، وَحَشَبْيَا وَيَعِيلَ وَيُوزَابَادَ وَهُمْ رُؤَسَاءُ اللَّاوِيِّينَ، قَدَّمُوا لِلَّاوِيِّينَ 5000 مِنَ الْحُمْلَانِ وَالْجِدَاءِ لِلْفِصْحِ، وَأَيْضًا 500 مِنَ الْبَقَرِ. فَلَمَّا تَمَّ إِعْدَادُ كُلِّ شَيْءٍ لِخِدْمَةِ الْفِصْحِ، وَقَفَ الْأَحْبَارُ فِي أَمَاكِنِهِمْ، وَاللَّاوِيُّونَ فِي فِرَقِهِمْ حَسَبَ أَمْرِ الْمَلِكِ. وَذَبَحُوا حَمَلَ الْفِصْحِ، وَرَشَّ الْأَحْبَارُ الدَّمَ بِأَيْدِيهِمْ، وَكَانَ اللَّاوِيُّونَ يَسْلُخُونَ الذَّبَائِحَ. ثُمَّ فَرَزُوا الْقَرَابِينَ الَّتِي تُحْرَقُ لِيُوَزِّعُوهَا عَلَى عَامَّةِ الشَّعْبِ حَسَبَ أَقْسَامِ عَائِلَاتِهِمْ، لِيُقَدِّمُوهَا للهِ كَمَا وَرَدَ فِي كِتَابِ مُوسَى. وَعَمِلُوا نَفْسَ الشَّيْءِ بِالْبَقَرِ. وَشَوَى اللَّاوِيُّونَ حَمَلَ الْفِصْحِ عَلَى النَّارِ حَسَبَ الْمَفْرُوضِ. أَمَّا الْقَرَابِينُ الْمُقَدَّسَةُ فَطَبَخُوهَا فِي الْقُدُورِ وَالْمَقَالِي وَالْأَوْعِيَةِ، وَقَدَّمُوهَا لِكُلِّ الشَّعْبِ بِسُرْعَةٍ. وَبَعْدَ ذَلِكَ أَعَدَّ اللَّاوِيُّونَ اللَّحْمَ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِلْأَحْبَارِ، لِأَنَّ الْأَحْبَارَ بَنِي هَارُونَ ظَلُّوا يُقَدِّمُونَ الْقَرَابِينَ الْمُحْرَقَةَ وَالشَّحْمَ إِلَى اللَّيْلِ. وَظَلَّ الْمُغَنُّونَ مِنْ بَنِي آسَافَ فِي أَمَاكِنِهِمْ كَمَا أَمَرَ دَاوُدُ وَآسَافُ وَهِيمَانُ وَيَدُوثُونُ رَائِي الْمَلِكِ. كَمَا ظَلَّ الْبَوَّابُونَ عَلَى كُلِّ الْأَبْوَابِ، وَلَمْ يَتْرُكُوا أَمَاكِنَهُمْ، لِأَنَّ إِخْوَتَهُمُ اللَّاوِيِّينَ أَعَدُّوا لَهُمْ طَعَامَهُمْ. فَتَمَّ إِعْدَادُ كُلِّ شَيْءٍ لِخِدْمَةِ اللهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَاحْتَفَلُوا بِالْفِصْحِ وَقَدَّمُوا الْقَرَابِينَ الْمُحْرَقَةَ عَلَى مَنَصَّةِ اللهِ كَمَا أَمَرَ الْمَلِكُ يُوشِيَّا. وَاحْتَفَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْمَوْجُودُونَ بِالْفِصْحِ وَبِعِيدِ الْفَطِيرِ 7 أَيَّامٍ. فَكَانَ فِصْحًا لَا مَثِيلَ لَهُ مِنْ قَبْلُ فِي إِسْرَائِيلَ، مُنْذُ أَيَّامِ صَمُوئِيلَ النَّبِيِّ. وَلَا مَلِكٌ مِنْ كُلِّ مُلُوكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ احْتَفَلَ بِالْفِصْحِ كَمَا احْتَفَلَ بِهِ يُوشِيَّا وَالْأَحْبَارُ وَاللَّاوِيُّونَ وَكُلُّ الْمَوْجُودِينَ مِنْ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلَ وَأَهْلُ الْقُدْسِ. فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ لِلْمَلِكِ يُوشِيَّا، اِحْتَفَلُوا بِهَذَا الْفِصْحِ. وَبَعْدَمَا نَظَّمَ يُوشِيَّا كُلَّ خِدْمَةِ بَيْتِ اللهِ، ذَهَبَ نَخْوُ مَلِكُ مِصْرَ، لِيُحَارِبَ فِي كَرْكَمِيشَ عَلَى نَهْرِ الْفُرَاتِ. فَخَرَجَ يُوشِيَّا لِيُحَارِبَهُ. فَأَرْسَلَ نَخْوُ رُسُلًا إِلَى يُوشِيَّا يَقُولُ لَهُ: ”مَا لِي وَلَكَ يَا مَلِكَ يَهُوذَا؟ أَتَيْتُ الْيَوْمَ لَا لِأُحَارِبَكَ أَنْتَ، بَلْ لِأُحَارِبَ أَعْدَائِي. وَاللهُ أَمَرَنِي أَنْ أُسْرِعَ. فَكُفَّ عَنْ مُقَاوَمَةِ اللهِ الَّذِي مَعِي لِئَلَّا يُهْلِكَكَ.“ فَلَمْ يَسْمَعْ يُوشِيَّا لِكَلَامِ نَخْوَ الَّذِي كَلَّمَهُ بِهِ اللهُ، بَلْ أَصَرَّ عَلَى مُوَاجَهَتِهِ. فَتَنَكَّرَ وَذَهَبَ لِيُحَارِبَهُ فِي سَهْلِ مَجِدُّو. وَأَصَابَ رُمَاةُ السِّهَامِ الْمَلِكَ يُوشِيَّا، فَقَالَ الْمَلِكُ لِرِجَالِهِ: ”اُنْقُلُونِي مِنْ هُنَا لِأَنَّ جُرْحِي خَطِيرٌ.“ فَنَقَلَهُ رِجَالُهُ مِنْ مَرْكَبَتِهِ إِلَى مَرْكَبَةٍ أُخْرَى لَهُ، وَأَخَذُوهُ إِلَى الْقُدْسِ. فَمَاتَ وَدُفِنَ فِي قُبُورِ آبَائِهِ، وَنَدَبَهُ كُلُّ يَهُوذَا وَالْقُدْسِ. وَرَثَاهُ إِرْمِيَا. وَمَا زَالَ جَمِيعُ الْمُغَنِّينَ وَالْمُغَنِّيَاتِ يَنْدُبُونَ يُوشِيَّا فِي مَرَاثِيهِمْ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. فَأَصْبَحَتْ هَذِهِ عَادَةً فِي إِسْرَائِيلَ، وَهِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي الْمَرَاثِي. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ يُوشِيَّا، وَتَقْوَاهُ وَعَمَلُهُ حَسَبَ شَرِيعَةِ اللهِ، كُلُّ أَخْبَارِهِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا. وَأَخَذَ الشَّعْبُ يُوأَحَازَ بْنَ يُوشِيَّا، وَجَعَلُوهُ مَلِكًا مَكَانَ أَبِيهِ فِي الْقُدْسِ. كَانَ يُوأَحَازُ ابْنَ 23 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 3 أَشْهُرٍ فِي الْقُدْسِ. وَعَزَلَهُ مَلِكُ مِصْرَ عَنْ عَرْشِهِ فِي الْقُدْسِ، وَفَرَضَ عَلَى بِلَادِ يَهُوذَا ضَرِيبَةً مِقْدَارُهَا حَوَالَيْ ثَلَاثَةِ أَطْنَانٍ وَنِصْفٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَ34 كِيلُوجْرَامًا مِنَ الذَّهَبِ. وَجَعَلَ مَلِكُ مِصْرَ أَلْيَاقِيمَ أَخَاهُ مَلِكًا عَلَى يَهُوذَا وَالْقُدْسِ، وَغَيَّرَ اسْمَهُ إِلَى يُويَاقِيمَ. أَمَّا يُوأَحَازُ، فَأَخَذَهُ نَخْوُ وَأَحْضَرَهُ إِلَى مِصْرَ. كَانَ يُويَاقِيمُ ابْنَ 25 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 11 سَنَةً فِي الْقُدْسِ. وَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ الْمَوْلَى إِلَهِهِ. فَهَجَمَ عَلَيْهِ نَبُوخَذْنَصْرُ مَلِكُ بَابِلَ، وَقَيَّدَهُ بِسَلَاسِلَ نُحَاسٍ وَأَخَذَهُ إِلَى بَابِلَ. وَأَخَذَ نَبُوخَذْنَصْرُ بَعْضَ آنِيَةِ بَيْتِ اللهِ، وَوَضَعَهَا فِي مَعْبَدِهِ فِي بَابِلَ. وَبَقِيَّةُ أَخْبَارِ يُويَاقِيمَ، وَالْأُمُورُ الْقَبِيحَةُ الَّتِي عَمِلَهَا، وَكُلُّ مَا ارْتَكَبَهُ، هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا. وَمَلَكَ يُويَاكِينُ ابْنُهُ مَكَانَهُ. كَانَ يُويَاكِينُ ابْنَ 18 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 3 أَشْهُرٍ وَ10 أَيَّامٍ فِي الْقُدْسِ. وَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ. وَفِي الرَّبِيعِ، أَرْسَلَ الْمَلِكُ نَبُوخَذْنَصْرُ وَأَخَذَهُ إِلَى بَابِلَ، مَعَ الْآنِيَةِ الثَّمِينَةِ الَّتِي فِي بَيْتِ اللهِ، وَجَعَلَ صِدْقِيَا عَمَّهُ مَلِكًا عَلَى يَهُوذَا وَالْقُدْسِ. كَانَ صِدْقِيَا ابْنَ 21 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 11 سَنَةً فِي الْقُدْسِ. وَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ الْمَوْلَى إِلَهِهِ، وَلَمْ يَتَوَاضَعْ أَمَامَ إِرْمِيَا النَّبِيِّ الَّذِي كَلَّمَهُ بِكَلَامِ اللهِ. وَتَمَرَّدَ أَيْضًا عَلَى الْمَلِكِ نَبُوخَذْنَصْرَ، الَّذِي حَلَّفَهُ بِاللهِ أَنْ يَكُونَ مُخْلِصًا لَهُ. وَكَانَ عَنِيدًا، وَتَقَسَّى قَلْبُهُ، فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى اللهِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَكَذَلِكَ كُلُّ رُؤَسَاءِ الْأَحْبَارِ وَقَادَةِ الشَّعْبِ، خَانُوا اللهَ أَكْثَرَ، وَارْتَكَبُوا كُلَّ قَبَاحَةٍ كَانَتْ تَعْمَلُهَا الْأُمَمُ، وَنَجَّسُوا بَيْتَ اللهِ الَّذِي خَصَّصَهُ اللهُ لِنَفْسِهِ فِي الْقُدْسِ. وَمَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، أَرْسَلَ الْمَوْلَى رَبُّ آبَائِهِمْ إِلَيْهِمْ لِيُحَذِّرَهُمْ بِوَاسِطَةِ رُسُلِهِ، لِأَنَّهُ شَفِقَ عَلَى شَعْبِهِ وَعَلَى مَسْكَنِهِ. فَكَانُوا يَهْزَأُونَ بِرُسُلِ اللهِ، وَرَفَضُوا كَلَامَهُ، وَاسْتَهَانُوا بِأَنْبِيَائِهِ، حَتَّى غَضِبَ اللهُ عَلَى شَعْبِهِ، وَلَمْ تَكُنْ هُنَاكَ وَسِيلَةٌ لِإِيقَافِ غَضَبِهِ. فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ مَلِكَ بَابِلَ، فَقَتَلَ شُبَّانَهُمْ بِالسَّيْفِ فِي الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ. وَلَمْ يَشْفِقْ عَلَى شَابٍّ أَوْ شَابَّةٍ، وَلَا عَلَى شَيْخٍ أَوْ أَشْيَبَ، بَلْ أَوْقَعَهُمُ اللهُ جَمِيعًا فِي يَدِهِ. وَأَخَذَ نَبُوخَذْنَصْرُ إِلَى بَابِلَ كُلَّ آنِيَةِ بَيْتِ اللهِ الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ، وَخَزَائِنِ بَيْتِ اللهِ، وَخَزَائِنِ الْمَلِكِ وَأَعْوَانِهِ. وَأَحْرَقُوا بَيْتَ اللهِ، وَهَدَمُوا سُورَ الْقُدْسِ، وَأَحْرَقُوا كُلَّ قُصُورِهَا بِالنَّارِ، وَأَتْلَفُوا كُلَّ نَفِيسٍ فِيهَا. وَالَّذِينَ بَقَوْا وَلَمْ يَمُوتُوا بِالسَّيْفِ، أَسَرَهُمْ نَبُوخَذْنَصْرُ إِلَى بَابِلَ، فَصَارُوا عَبِيدًا لَهُ وَلِبَنِيهِ حَتَّى قِيَامِ مَمْلَكَةِ فَارِسَ. وَبِذَلِكَ تَمَّ كَلَامُ اللهِ الَّذِي قَالَهُ بِوَاسِطَةِ إِرْمِيَا، فَأَصْبَحَتِ الْبِلَادُ خَرَابًا 70 سَنَةً. وَذَلِكَ تَعْوِيضًا عَنْ كُلِّ السِّنِينَ الَّتِي حُرِمَتْ فِيهَا الْأَرْضُ مِنَ الرَّاحَةِ. فِي السَّنَةِ الْأُولَى لِكُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ، وَإِتْمَامًا لِكَلَامِ اللهِ الَّذِي قَالَهُ بِوَاسِطَةِ إِرْمِيَا، أَيْقَظَ اللهُ ضَمِيرَ كُورَشَ، فَأَطْلَقَ نِدَاءً فِي كُلِّ مَمْلَكَتِهِ، وَأَصْدَرَ مَرْسُومًا مَكْتُوبًا يَقُولُ: ”مَرْسُومٌ مِنْ كُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ. الْمَوْلَى رَبُّ السَّمَاءِ أَعْطَانِي كُلَّ مَمَالِكِ الْأَرْضِ، وَهُوَ أَوْصَانِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا فِي الْقُدْسِ الَّتِي فِي يَهُوذَا. فَمَنْ مِنْكُمْ مِنْ شَعْبِهِ، يَكُونُ الْمَوْلَى إِلَهُهُ مَعَهُ فَلْيَذْهَبْ إِلَى هُنَاكَ.“ فِي السَّنَةِ الْأُولَى لِكُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ، وَإِتْمَامًا لِكَلَامِ اللهِ الَّذِي قَالَهُ بِوَاسِطَةِ إِرْمِيَا، أَيْقَظَ اللهُ ضَمِيرَ كُورَشَ، فَأَطْلَقَ نِدَاءً فِي كُلِّ مَمْلَكَتِهِ، وَأَصْدَرَ مَرْسُومًا مَكْتُوبًا يَقُولُ: ”مَرْسُومٌ مِنْ كُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ. الْمَوْلَى رَبُّ السَّمَاءِ أَعْطَانِي كُلَّ مَمَالِكِ الْأَرْضِ، وَهُوَ أَوْصَانِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا فِي الْقُدْسِ الَّتِي فِي يَهُوذَا. فَمَنْ مِنْكُمْ مِنْ شَعْبِهِ، يَكُونُ إِلَهُهُ مَعَهُ فَلْيَذْهَبْ إِلَى الْقُدْسِ الَّتِي فِي يَهُوذَا، لِيَبْنِيَ بَيْتَ الْمَوْلَى رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، الْإِلَهِ الَّذِي فِي الْقُدْسِ. فَكُلُّ مَنْ بَقِيَ مِنْ شَعْبِهِ فِي بِلَادِ الْغُرْبَةِ، يَجِبُ عَلَى جِيرَانِهِ أَنْ يُسَاعِدُوهُ فَيُعْطُوهُ فِضَّةً وَذَهَبًا وَمَؤُونَةً وَبَهَائِمَ، وَأَيْضًا يُرْسِلُوا مَعَهُ تَبَرُّعَاتٍ لِبَيْتِ اللهِ الَّذِي فِي الْقُدْسِ.“ فَاسْتَعَدَّ رُؤَسَاءُ عَائِلَاتِ يَهُوذَا وَبِنْيَمِينَ، وَالْأَحْبَارُ وَاللَّاوِيُّونَ، كُلُّ مَنْ أَيْقَظَ اللهُ ضَمِيرَهُ، لِيَذْهَبُوا إِلَى الْقُدْسِ لِبِنَاءِ بَيْتِ اللهِ. وَأَعْطَاهُمْ كُلُّ جِيرَانِهِمْ جَوَاهِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَمَؤُونَةً وَبَهَائِمَ وَهَدَايَا ثَمِينَةً، بِالْإِضَافَةِ إِلَى كُلِّ التَّبَرُّعَاتِ الْأُخْرَى. وَأَخْرَجَ الْمَلِكُ كُورَشُ أَدَوَاتِ بَيْتِ اللهِ الَّتِي كَانَ نَبُوخَذْنَصْرُ قَدْ أَخَذَهَا مِنَ الْقُدْسِ وَوَضَعَهَا فِي مَعْبَدِ إِلَهِهِ. وَأَمَرَ الْمَلِكُ مِتْرَدَاتَ أَمِينَ الْمَخَازِنِ، فَأَحْضَرَهَا وَعَدَّهَا لِشِيبْصَرَ أَمِيرِ يَهُوذَا. فَكَانَ هَذَا عَدَدَهَا: 30 صَحْنًا مِنْ ذَهَبٍ، 1000 صَحْنٍ مِنْ فِضَّةٍ، 29 سِكِّينًا، 30 كَأْسًا مِنْ ذَهَبٍ، 410 مِنْ كُؤُوسٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ فِضَّةٍ، وَ1000 قِطْعَةٍ مِنْ آنِيَةٍ أُخْرَى. وَكَانِتْ جُمْلَةُ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ 5400، وَنَقَلَهَا كُلَّهَا شِيبْصَرُ مَعَهُ، لَمَّا رَجَعَ الْمَنْفِيُّونَ مِنْ بَابِلَ إِلَى الْقُدْسِ. هَؤُلَاءِ هُمْ أَهْلُ الْبِلَادِ الَّذِينَ رَجَعُوا مِنَ الْمَنْفَى. كَانَ نَبُوخَذْنَصْرُ مَلِكُ بَابِلَ قَدْ أَسَرَهُمْ إِلَى بَابِلَ، وَالْآنَ رَجَعُوا إِلَى الْقُدْسِ وَيَهُوذَا، كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَدِينَتِهِ. وَجَاءُوا مَعَ زَرْبَابِلَ وَيَشُوعَ وَنَحَمْيَا وَسَرَايَا وَرَعْلَايَا وَمُرْدَخَايَ وَبِلْشَانَ وَمِسْفَارَ وَبِغْوَايَ وَرَحُومَ وَبَعْنَةَ. عَدَدُ رِجَالِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ: بَنُو فَرْعُوشَ 2172. وَبَنُو شَفَطْيَا 372. وَبَنُو آرَحَ 775. وَبَنُو فَحَثَ مُوآبَ مِنْ نَسْلِ يَشُوعَ وَيُوآبَ 2812. وَبَنُو عِيلَامَ 1254. وَبَنُو زَتُّو 945. وَبَنُو زَكَّايَ 760. وَبَنُو بَانِي 642. وَبَنُو بَابَايَ 623. وَبَنُو عَزْجَدَ 1222. وَبَنُو أَدُونِيقَامَ 666. وَبَنُو بِغْوَايَ 2056. وَبَنُو عَادِينَ 454. وَبَنُو آطِيرَ مِنْ نَسْلِ حَزَقِيَّا 98. وَبَنُو بِيصَايَ 323. وَبَنُو يُورَةَ 112. وَبَنُو حَشُومَ 223. وَبَنُو جِبَّارَ 95. وَبَنُو بَيْتَ لَحْمَ 123. وَرِجَالُ نَطُوفَةَ 56. وَرِجَالُ عَنَاثُوثَ 128. وَبَنُو عَزْمُوتَ 42. وَبَنُو قَرْيَةِ يَعَارِيمَ وَكَفِيرَةَ وَبَئِيرُوتَ 743. وَبَنُو الرَّامَةِ وَجِبْعَ 621. وَرِجَالُ مِكْمَاشَ 122. وَرِجَالُ بَيْتَ إِيلَ وَعَايَ 223. وَبَنُو نَبْوَ 52. وَبَنُو مَغْبِيشَ 156. وَبَنُو عِيلَامَ الْآخَرِ 1254. وَبَنُو حَارِيمَ 320. وَبَنُو لُودَ وَبَنُو حَادِيدَ وَأُونُو 725. وَبَنُو أَرِيحَا 345. وَبَنُو سَنَاءَةَ 3630. الْأَحْبَارُ: بَنُو يَدَعْيَا مِنْ عَائِلَةِ يَشُوعَ 973. وَبَنُو إِمِّيرَ 1052. وَبَنُو فَشْحُورَ 1247. وَبَنُو حَارِيمَ 1017. اللَّاوِيُّونَ: بَنُو يَشُوعَ وَقَدْمِيلَ مِنْ بَنِي هُودَوْيَا 74. الْمُغَنُّونَ: بَنُو آسَافَ 128. الْبَوَّابُونَ: بَنُو شَلُّومَ وَبَنُو آطِيرَ وَبَنُو طَلْمُونَ وَبَنُو عَقُّوبَ وَبَنُو حَطِيطَا وَبَنُو شُوبَايَ، جَمِيعُهُمْ 139. خُدَّامُ بَيْتِ اللهِ: بَنُو صِيحَا وَبَنُو حَسُوفَا وَبَنُو طَبَاعُوتَ وَبَنُو قِيرُوسَ وَبَنُو سِيعَهَا وَبَنُو فَادُونَ وَبَنُو لَبَانَةَ وَبَنُو حَجَابَا وَبَنُو عَقُّوبَ وَبَنُو حَاجَابَ وَبَنُو شَمْلَايَ وَبَنُو حَانَانَ وَبَنُو جَدِيلَ وَبَنُو جَحَرَ وَبَنُو رَآيَا وَبَنُو رَصِينَ وَبَنُو نَقُودَا وَبَنُو جَزَّامَ وَبَنُو عُزَّا وَبَنُو فَاسِيحَ وَبَنُو بِيسَايَ وَبَنُو أَسْنَةَ وَبَنُو مَعُونِيمَ وَبَنُو نَفُوسِيمَ وَبَنُو بَقْبُوقَ وَبَنُو حَقُوفَا وَبَنُو حَرْحُورَ وَبَنُو بَصْلُوتَ وَبَنُو مَحِيدَا وَبَنُو حَرْشَا وَبَنُو بَرْقُوسَ وَبَنُو سِسْرَا وَبَنُو تَامَحَ وَبَنُو نَصِيحَ وَبَنُو حَطِيفَا. بَنُو عَبِيدِ سُلَيْمَانَ: بَنُو سُوطَايَ وَبَنُو هَسُّوفَرَتَ وَبَنُو فَرُودَا وَبَنُو يَعْلَةَ وَبَنُو دَرْقُونَ وَبَنُو جَدِيلَ وَبَنُو شَفَطْيَا وَبَنُو حَطِّيلَ وَبَنُو بُوكَرَةَ الظِّبَاءِ وَبَنُو آمِي. كُلُّ خُدَّامِ بَيْتِ اللهِ وَبَنِي عَبِيدِ سُلَيْمَانَ 392. أَمَّا الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ تَلِّ الْمِلْحِ وَتَلِّ حَرْشَا وَكَرُوبَ وَأَدَّانَ وَإِمِّيرَ، فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُثْبِتُوا أَنَّ عَائِلَاتِهِمْ تَنْتَسِبُ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُمْ بَنُو دَلَايَا وَبَنُو طُوبْيَا وَبَنُو نَقُودَا 652. وَمِنْ بَيْنِ الْأَحْبَارِ بَنُو حَبَايَا وَبَنُو هَقُّوصَ وَبَنُو بَرْزِلَايَ الَّذِي أَخَذَ زَوْجَةً مِنْ بَنَاتِ بَرْزِلَايَ الْجِلْعَادِيِّ وَتَسَمَّى بِاسْمِهِمْ. هَؤُلَاءِ بَحَثُوا عَنْ سِجِلِّ أَنْسَابِهِمْ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَحُرِمُوا مِنْ أَنْ يَخْدِمُوا كَأَحْبَارٍ. وَأَمَرَهُمُ الْوَالِي أَنْ لَا يَأْكُلُوا مِنَ الطَّعَامِ الْمُكَرَّسِ للهِ إِلَى أَنْ يَقُومَ حَبْرٌ يَفْصِلُ فِي الْأَمْرِ عَنْ طَرِيقِ النُّورِ وَالْأَمَانِ. كُلُّ هَؤُلَاءِ الرَّاجِعِينَ مِنَ الْأَسْرِ 42360، بِالْإِضَافَةِ إِلَى عَبِيدِهِمْ وَجَوَارِيهِمْ وَهُمْ 7337، وَالْمُغَنِّينَ وَالْمُغَنِّيَاتِ وَهُمْ 200. وَخَيْلُهُمْ 736، وَبِغَالُهُمْ 245. وَجِمَالُهُمْ 435، وَحَمِيرُهُمْ 6720. وَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى بَيْتِ اللهِ الَّذِي فِي الْقُدْسِ، تَبَرَّعَ بَعْضُ رُؤَسَاءِ الْعَائِلَاتِ لِإِعَادَةِ بِنَاءِ بَيْتِ اللهِ فِي مَكَانِهِ. فَأَعْطَوْا حَسَبَ طَاقَتِهِمْ لِخِزَانَةِ الْعَمَلِ، حَوَالَيْ 500 كِيلُوجْرَامٍ مِنَ الذَّهَبِ، وَ3 أَطْنَانٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَ100 قَمِيصٍ لِلْأحْبَارِ. فَسَكَنَ الْأَحْبَارُ وَاللَّاوِيُّونَ وَالْمُغَنُّونَ وَالْبَوَّابُونَ وَخُدَّامُ بَيْتِ اللهِ فِي مُدُنِهِمْ وَمَعَهُمْ بَعْضُ الشَّعْبِ، وَسَكَنَ بَقِيَّةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي مُدُنِهِمْ. فَاسْتَقَرَّ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي مُدُنِهِمْ. وَلَمَّا جَاءَ الشَّهْرُ السَّابِعُ، اِجْتَمَعَ الشَّعْبُ مَعًا فِي الْقُدْسِ. فَقَامَ يَشُوعُ بْنُ يُوصَادِقَ وَالْأَحْبَارُ زُمَلَاؤُهُ، وَزَرْبَابِلُ بْنُ سَأَلْتِيلَ وَأَعْوَانُهُ، وَبَدَأُوا فِي بِنَاءِ الْمَنَصَّةِ لِرَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِيُقَدِّمُوا عَلَيْهَا قَرَابِينَ مُحْرَقَةً كَمَا هُوَ وَارِدٌ فِي تَوْرَاةِ النَّبِيِّ مُوسَى. وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ خَوْفِهِمْ مِنَ الشُّعُوبِ الَّتِي حَوْلَهُمْ، بَنَوْا الْمَنَصَّةَ فِي مَكَانِهَا الْأَوَّلِ، وَقَدَّمُوا عَلَيْهَا قَرَابِينَ مُحْرَقَةً للهِ صَبَاحًا وَمَسَاءً. وَاحْتَفَلُوا بِعِيدِ الْخِيَامِ حَسَبَ الْمَفْرُوضِ فِي الْكِتَابِ، وَقَدَّمُوا الْعَدَدَ الْمَطْلُوبَ مِنَ الْقَرَابِينِ الْمُحْرَقَةِ كُلَّ يَوْمٍ فِي يَوْمِهِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ قَدَّمُوا الْقَرَابِينَ الْعَادِيَّةَ، وَقَرَابِينَ رَأْسِ الشَّهْرِ وَكُلِّ أَعْيَادِ اللهِ الْمُقَدَّسَةِ، وَعَنْ كُلِّ مَنْ قَدَّمَ تَبَرُّعًا للهِ. بَدَأُوا يُقَدِّمُونَ الْقَرَابِينَ للهِ مِنَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ، مَعَ أَنَّ بَيْتَ اللهِ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُسِّسَ بَعْدُ. وَأَعْطَوْا مَالًا لِلْبَنَّائِينَ وَالنَّجَّارِينَ، وَطَعَامًا وَشَرَابًا وَزَيْتًا لِلصَّيْدُونِيِّينَ وَالصُّورِيِّينَ لِيُحْضِرُوا خَشَبَ أَرْزٍ مِنْ لُبْنَانَ عَنْ طَرِيقِ الْبَحْرِ إِلَى يَافَا، وَذَلِكَ كَمَا أَذِنَ لَهُمْ كُورَشُ مَلِكُ فَارِسَ. وَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، بَعْدَ وُصُولِهِمْ إِلَى بَيْتِ اللهِ فِي الْقُدْسِ بَدَأَ زَرْبَابِلُ بْنُ سَأَلْتِيلَ فِي الْعَمَلِ وَمَعَهُ يَشُوعُ بْنُ يُوصَادِقَ وَبَقِيَّةُ إِخْوَتِهِمُ الْأَحْبَارِ وَاللَّاوِيِّينَ وَكُلُّ الَّذِينَ رَجَعُوا مِنَ الْأَسْرِ إِلَى الْقُدْسِ. فَعَيَّنُوا اللَّاوِيِّينَ مِنِ ابْنِ 20 سَنَةً وَمَا فَوْقُ لِلْإِشْرَافِ عَلَى بِنَاءِ بَيْتِ اللهِ. فَقَامَ بِذَلِكَ يَشُوعُ وَبَنُوهُ وَإِخْوَتُهُ، وَقَدْمِيلُ وَبَنُوهُ، وَهُمْ مِنْ نَسْلِ هُودَايَا، وَبَنُو حِينَادَادَ وَبَنُوهُمْ وَإِخْوَتُهُمْ. كُلُّ هَؤُلَاءِ لَاوِيُّونَ، فَأَشْرَفُوا عَلَى الْعُمَّالِ فِي بِنَاءِ بَيْتِ اللهِ. وَلَمَّا أَسَّسَ الْبَنَّاؤُونَ بَيْتَ اللهِ، قَامَ الْأَحْبَارُ بِمَلَابِسِهِمْ يَنْفُخُونَ الْأَبْوَاقَ، وَاللَّاوِيُّونَ بَنُو آسَافَ يَعْزِفُونَ النَّاقُوسَ، وَسَبَّحُوا اللهَ كَمَا أَمَرَ دَاوُدُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ. وَغَنَّوْا بِالتَّسْبِيحِ وَالْحَمْدِ للهِ، لِأَنَّهُ طَيِّبٌ، وَرَحْمَتَهُ عَلَى إِسْرَائِيلَ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. وَهَتَفَ كُلُّ الشَّعْبِ هُتَافًا عَظِيمًا وَسَبَّحُوا اللهَ مِنْ أَجْلِ تَأْسِيسِ بَيْتِهِ. وَلَكِنَّ كَثِيرِينَ مِنْ كِبَارِ السِّنِّ مِنَ الْأَحْبَارِ وَاللَّاوِيِّينَ وَرُؤَسَاءِ الْعَائِلَاتِ، بَكَوْا بِصَوْتٍ عَالٍ لَمَّا رَأَوْا تَأْسِيسَ هَذَا الْبَيْتِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ رَأَوْا الْبَيْتَ الْأَوَّلَ. وَكَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْآخَرِينَ يَهْتِفُونَ بِصَوْتٍ عَالٍ بِفَرَحٍ. وَلَمْ يَقْدِرِ النَّاسُ أَنْ يُمَيِّزُوا صَوْتَ هُتَافِ الْفَرَحِ مِنْ صَوْتِ الْبُكَاءِ. لِأَنَّ الشَّعْبَ كَانَ يَهْتِفُ هُتَافًا عَظِيمًا، حَتَّى سُمِعَ الصَّوْتُ مِنْ بَعِيدٍ. وَسَمِعَ أَعْدَاءُ يَهُوذَا وَبِنْيَمِينَ أَنَّ الَّذِينَ رَجَعُوا مِنَ الْمَنْفَى يَبْنُونَ بَيْتًا لِلْمَوْلَى رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَرَاحُوا إِلَى زَرْبَابِلَ وَرُؤَسَاءِ الْعَائِلَاتِ، وَقَالُوا لَهُمْ: ”خَلُّونَا نَبْنِي مَعَكُمْ، لِأَنَّنَا مِثْلُكُمْ نَعْبُدُ إِلَهَكُمْ، وَنُقَدِّمُ لَهُ الضَّحَايَا مِنْ أَيَّامِ أَسَرْحَدُّونَ مَلِكِ أَشُّورَ الَّذِي جَاءَ بِنَا إِلَى هُنَا.“ وَلَكِنَّ زَرْبَابِلَ وَيَشُوعَ وَبَاقِيَ رُؤَسَاءِ عَائِلَاتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالُوا لَهُمْ: ”لَا يُمْكِنُ أَنْ تَشْتَرِكُوا مَعَنَا فِي بِنَاءِ بَيْتِ إِلَهِنَا. بَلْ نَحْنُ وَحْدَنَا نَبْنِيهِ لِلْمَوْلَى رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَمَا أَمَرَنَا الْمَلِكُ كُورَشُ مَلِكُ فَارِسَ.“ وَأَخَذَ أَهْلُ الْبِلَادِ يُضْعِفُونَ عَزِيمَةَ شَعْبِ يَهُوذَا وَيُخَوِّفُونَهُمْ لِكَيْ لَا يَسْتَمِرُّوا فِي الْبِنَاءِ. وَاسْتَأْجَرُوا ضِدَّهُمْ مُسْتَشَارِينَ لِيُعَطِّلُوا مَشْرُوعَ الْبِنَاءِ. وَدَامَ هَذَا كُلَّ أَيَّامِ كُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ، وَحَتَّى مَلَكَ دَارِيُوسُ مَلِكُ فَارِسَ. وَفِي ابْتِدَاءِ مُلْكِ حَشْوِيرَ، كَتَبُوا شَكْوَى ضِدَّ سُكَّانِ يَهُوذَا وَالْقُدْسِ. وَفِي أَيَّامِ أَرْتَحَشْتَا مَلِكِ فَارِسَ، كَتَبَ بِشْلَامُ وَمِتْرَدَاتُ وَطَبْئِيلُ وَبَاقِي زُمَلَائِهِمْ رِسَالَةً إِلَى أَرْتَحَشْتَا بِاللُّغَةِ الْأَرَامِيَّةِ وَمُتَرْجَمَةً. كَمَا كَتَبَ رَحُومُ الْحَاكِمُ وَشَمْشَايُ الْكَاتِبُ رِسَالَةً ضِدَّ الْقُدْسِ إِلَى الْمَلِكِ أَرْتَحَشْتَا تَقُولُ: ”مِنْ رَحُومَ الْحَاكِمِ، وَشَمْشَايَ الْكَاتِبِ، وَبَاقِي زُمَلَائِهِمَا مِنْ قَادَةٍ وَرُؤَسَاءَ عَلَى الشَّعْبِ الَّذِي مِنْ طَرَابْلُسَ وَفَارِسَ وَأَرَكَ وَبَابِلَ وَشُوشَةَ أَيْ عِيلَامَ، وَبَاقِي الشَّعْبِ الَّذِي أَسَرَهُ أَسْنَفَّرُ الْعَظِيمُ الشَّرِيفُ، وَأَسْكَنَهُ فِي مُدُنِ السَّامِرَةِ وَغَيْرِهَا غَرْبَ الْفُرَاتِ.“ وَهَذَا نَصُّ الرِّسَالَةِ الَّتِي أَرْسَلُوهَا إِلَيْهِ: ”إِلَى الْمَلِكِ أَرْتَحَشْتَا، مِنْ عَبِيدِكَ الَّذِينَ فِي غَرْبِ الْفُرَاتِ. لِيَكُنْ فِي عِلْمِ الْمَلِكِ، أَنَّ الْيَهُودَ الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ عِنْدِكَ إِلَيْنَا، ذَهَبُوا إِلَى الْقُدْسِ لِكَيْ يَبْنُوا هَذِهِ الْمَدِينَةَ الْمُتَمَرِّدَةَ الرَّدِيئَةَ، وَهُمْ يُكْمِلُونَ أَسْوَارَهَا وَيُرَمِّمُونَ أَسَاسَاتِهَا. وَلْيَكُنْ فِي عِلْمِ الْمَلِكِ أَيْضًا، أَنَّهُ إِذَا تَمَّ بِنَاءُ هَذِهِ الْمَدِينَةِ، وَأُكْمِلَتْ أَسْوَارُهَا، فَإِنَّ أَهْلَهَا لَنْ يَدْفَعُوا لَا جِزْيَةً وَلَا ضَرِيبَةَ دَخْلٍ وَلَا ضَرِيبَةَ أَمْلَاكٍ، مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى نَقْصٍ فِي دَخْلِ الْمَلِكِ. وَبِمَا أَنَّنَا أَوْفِيَاءُ لِقَصْرِ الْمَلِكِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ نَرَى ضَرَرًا يَلْحَقُ بِالْمَلِكِ، لِذَلِكَ أَرْسَلْنَا لِنُخْبِرَكَ. وَنَقْتَرِحُ أَنْ تَأْمُرَ بِالْبَحْثِ فِي سِجِلَّاتِ وَثَائِقِ آبَائِكَ، فَتَجِدَ وَتَعْلَمَ أَنَّ مَدِينَةَ الْقُدْسِ هِيَ مَدِينَةٌ مُتَمَرِّدَةٌ وَتُسَبِّبُ الْمَشَاكِلَ لِلْمُلُوكِ وَالْبِلَادِ، وَأَنَّ سُكَّانَهَا يُثِيرُونَ فِيهَا الْفِتَنَ مُنْذُ قَدِيمِ الزَّمَانِ، لِذَلِكَ حَلَّ بِهَا الْخَرَابُ. فَنَحْنُ نُخْبِرُ الْمَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَمَّ بِنَاءُ هَذِهِ الْمَدِينَةِ، وَأُكْمِلَتْ أَسْوَارُهَا، تَفْقِدُ كُلَّ مُمْتَلَكَاتِكَ فِي غَرْبِ الْفُرَاتِ.“ فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ هَذَا الرَّدَّ: ”إِلَى رَحُومَ الْحَاكِمِ وَشَمْشَايَ الْكَاتِبِ وَبَاقِي زُمَلَائِهِمَا الَّذِينَ فِي السَّامِرَةِ وَغَرْبِ الْفُرَاتِ. سَلَامٌ. رِسَالَتُكُمْ إِلَيْنَا قُرِئَتْ بِوُضُوحٍ أَمَامِي. وَأَصْدَرْتُ أَمْرًا، فَبَحَثُوا وَوَجَدُوا أَنَّ هَذِهِ الْمَدِينَةَ، مُنْذُ قَدِيمِ الزَّمَانِ، تَقُومُ عَلَى الْمُلُوكِ وَتَحْدُثُ فِيهَا الثَّوْرَاتُ وَالْفِتَنُ. وَقَدْ حَكَمَ الْقُدْسَ مُلُوكٌ أَقْوِيَاءُ، تَسَلَّطُوا عَلَى كُلِّ الْبِلَادِ غَرْبَ الْفُرَاتِ، وَجَمَعُوا الْجِزْيَةَ وَضَرِيبَةَ الدَّخْلِ وَضَرِيبَةَ الْأَمْلَاكِ. فَالْآنَ أَصْدِرُوا أَمْرًا إِلَى هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ لِيَتَوَقَّفُوا عَنِ الْعَمَلِ، حَتَّى لَا تُبْنَى هَذِهِ الْمَدِينَةُ إِلَّا بِأَمْرٍ مِنِّي. إِيَّاكُمْ أَنْ تُهْمِلُوا تَنْفِيذَ هَذَا الْأَمْرِ، لِئَلَّا يُسَبِّبُوا لِلْمَلِكِ ضَرَرًا كَبِيرًا وَخَسَارَةً.“ وَلَمَّا قُرِئَتْ رِسَالَةُ الْمَلِكِ أَرْتَحَشْتَا أَمَامَ رَحُومَ وَشَمْشَايَ الْكَاتِبِ وَزُمَلَائِهِمَا، ذَهَبُوا بِسُرْعَةٍ إِلَى الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي الْقُدْسِ، وَأَوْقَفُوهُمْ عَنِ الْعَمَلِ بِعُنْفٍ وَقُوَّةٍ. فَتَوَقَّفَ الْعَمَلُ فِي بِنَاءِ بَيْتِ اللهِ الَّذِي فِي الْقُدْسِ. وَظَلَّ مُتَوَقِّفًا إِلَى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مُلْكِ دَارِيُوسَ مَلِكِ فَارِسَ. فَتَنَبَّأَ حَجِّي النَّبِيُّ وَزَكَرِيَّا النَّبِيُّ الَّذِي مِنْ نَسْلِ عِدُّو، لِلْيَهُودِ الَّذِينَ فِي يَهُوذَا وَالْقُدْسِ، بِاسْمِ الْمَوْلَى رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ. فَقَامَ زَرْبَابِلُ بْنُ سَأَلْتِيلَ وَيَشُوعُ بْنُ يُوصَادِقَ، وَشَرَعَا فِي بِنَاءِ بَيْتِ اللهِ الَّذِي فِي الْقُدْسِ، وَمَعَهُمَا أَنْبِيَاءُ اللهِ يُسَاعِدُونَهُمَا. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، جَاءَ إِلَيْهِمْ تَتْنَايُ وَالِي مِنْطَقَةِ غَرْبِ الْفُرَاتِ، وَشَتَرُوزِي وَزُمَلَاؤُهُمَا وَسَأَلُوهُمْ: ”مَنْ صَرَّحَ لَكُمْ بِأَنْ تَبْنُوا هَذَا الْبَيْتَ وَتُكَمِّلُوا هَذَا السُّورَ؟“ وَسَأَلُوهُمْ أَيْضًا عَنْ أَسْمَاءِ الرِّجَالِ الْقَائِمِينَ بِهَذَا الْبِنَاءِ. وَلَكِنَّ عَيْنَ اللهِ كَانَتْ تَرْعَى شُيُوخَ الْيَهُودِ، فَلَمْ يُوقِفُوهُمْ عَنِ الْعَمَلِ، إِلَى أَنْ يُرْسِلُوا تَقْرِيرًا إِلَى دَارِيُوسَ وَيَتَلَقَّوْا مِنْهُ جَوَابًا مَكْتُوبًا. هَذَا نَصُّ الرِّسَالَةِ الَّتِي أَرْسَلَهَا تَتْنَايُ وَالِي مِنْطَقَةِ غَرْبِ الْفُرَاتِ، وَشَتَرُوزِي وَزُمَلَاؤُهُمَا الرُّؤَسَاءُ الَّذِينَ فِي غَرْبِ الْفُرَاتِ، إِلَى دَارِيُوسَ الْمَلِكِ. تَقُولُ الرِّسَالَةُ: ”إِلَى دَارِيُوسَ الْمَلِكِ، تَحِيَّةٌ وَسَلَامٌ. لِيَكُنْ فِي عِلْمِ الْمَلِكِ، أَنَّنَا ذَهَبْنَا إِلَى بِلَادِ يَهُوذَا، إِلَى بَيْتِ اللهِ الْعَظِيمِ، فَوَجَدْنَا النَّاسَ يَبْنُونَهُ بِحِجَارَةٍ ضَخْمَةٍ، وَيَضَعُونَ الْخَشَبَ فِي الْحِيطَانِ، وَهُمْ يَعْمَلُونَ بِنَشَاطٍ، وَالْعَمَلُ يَتَقَدَّمُ بِسُرْعَةٍ تَحْتَ إِشْرَافِهِمْ. فَسَأَلْنَا الشُّيُوخَ وَقُلْنَا لَهُمْ: ’مَنْ صَرَّحَ لَكُمْ بِأَنْ تَبْنُوا هَذَا الْبَيْتَ وَتُكَمِّلُوا هَذَا السُّورَ؟‘ وَسَأَلْنَاهُمْ أَيْضًا عَنْ أَسْمَائِهِمْ، وَكَتَبْنَا أَسْمَاءَ رُؤَسَائِهِمْ هُنَا لِنُعْلِمَكَ بِهَا. فَرَدُّوا عَلَيْنَا وَقَالُوا: ’نَحْنُ عَبِيدُ رَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَنَحْنُ نُعِيدُ بِنَاءَ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي بَنَاهُ وَأَكْمَلَهُ مُنْذُ سِنِينَ طَوِيلَةٍ مَلِكٌ عَظِيمٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. وَلَكِنْ لِأَنَّ آبَاءَنَا أَغْضَبُوا رَبَّ السَّمَاءِ، أَوْقَعَهُمْ فِي يَدِ نَبُوخَذْنَصْرَ الْكَلْدَانِيِّ مَلِكِ بَابِلَ. فَهَدَمَ هَذَا الْبَيْتَ وَأَسَرَ الشَّعْبَ إِلَى بَابِلَ. وَفِي السَّنَةِ الْأُولَى لِكُورَشَ مَلِكِ بَابِلَ، أَصْدَرَ الْمَلِكُ كُورَشُ أَمْرًا بِبِنَاءِ بَيْتِ اللهِ هَذَا. حَتَّى إِنَّ أَدَوَاتِ بَيْتِ اللهِ الَّتِي مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، الَّتِي كَانَ نَبُوخَذْنَصْرُ قَدْ أَخَذَهَا مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي فِي الْقُدْسِ وَأَحْضَرَهَا إِلَى الْمَعْبَدِ الَّذِي فِي بَابِلَ، هَذِهِ الْأَدَوَاتُ، أَخْرَجَهَا كُورَشُ الْمَلِكُ مِنَ الْمَعْبَدِ الَّذِي فِي بَابِلَ، وَسَلَّمَهَا لِوَاحِدٍ اسْمُهُ شِيبْصَرُ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمَلِكُ وَالِيًا. وَقَالَ لَهُ: ”خُذْ هَذِهِ الْأَدَوَاتِ، وَاذْهَبْ وَأَرْجِعْهَا إِلَى بَيْتِ اللهِ الَّذِي فِي الْقُدْسِ. وَابْنُوا بَيْتَ اللهِ فِي مَكَانِهِ الْأَوَّلِ.“‘ فَجَاءَ شِيبْصَرُ هَذَا، وَوَضَعَ أَسَاسَ بَيْتِ اللهِ الَّذِي فِي الْقُدْسِ. وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَى الْآنَ وَهُمْ يَبْنُونَ وَلَمْ يُكَمِّلُوهُ بَعْدُ. فَالْآنَ إِنْ كُنْتَ تُوَافِقُ يَا جَلَالَةَ الْمَلِكِ، تَأْمُرُ بِالْبَحْثِ فِي دَارِ الْوَثَائِقِ الْمَلَكِيَّةِ الَّتِي فِي بَابِلَ، لِنَرَى إِنْ كَانَ قَدْ صَدَرَ أَمْرٌ مِنْ كُورَشَ الْمَلِكِ بِبِنَاءِ بَيْتِ اللهِ هَذَا فِي الْقُدْسِ. ثُمَّ يُرْسِلُ الْمَلِكُ إِلَيْنَا قَرَارَهُ فِي هَذَا.“ عِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ دَارِيُوسُ الْمَلِكُ، فَبَحَثُوا فِي دَارِ الْمَحْفُوظَاتِ فِي بَابِلَ، حَيْثُ تُحْفَظُ الْوَثَائِقُ. فَوَجَدُوا فِي قَلْعَةِ أَحْمَثَا فِي بِلَادِ مَادِي سِجِلًّا يَقُولُ: ”مُذَكِّرَةٌ. فِي السَّنَةِ الْأُولَى لِكُورَشَ الْمَلِكِ، أَصْدَرَ الْمَلِكُ مَرْسُومًا بِشَأْنِ بَيْتِ اللهِ فِي الْقُدْسِ، جَاءَ فِيهِ: يَجِبُ بِنَاءُ الْبَيْتِ لِيَكُونَ مَكَانًا لِتَقْدِيمِ الضَّحَايَا. فَتُوضَعُ أَسَاسَاتُهُ لِيَكُونَ ارْتِفَاعُهُ 30 مِتْرًا، وَعَرْضُهُ 30 مِتْرًا. وَيَكُونُ مِنْ 3 صُفُوفٍ مِنْ حِجَارَةٍ ضَخْمَةٍ، وَصَفٍّ مِنْ خَشَبٍ جَدِيدٍ. وَيَقُومُ قَصْرُ الْمَلِكِ بِدَفْعِ النَّفَقَاتِ. وَأَدَوَاتُ بَيْتِ اللهِ الَّتِي مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، الَّتِي أَخَذَهَا نَبُوخَذْنَصْرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي فِي الْقُدْسِ، وَأَحْضَرَهَا إِلَى بَابِلَ، يَجِبُ إِرْجَاعُهَا إِلَى أَمَاكِنِهَا فِي الْبَيْتِ الَّذِي فِي الْقُدْسِ، فَتُوضَعُ فِي بَيْتِ اللهِ. ”فَالْآنَ يَا تَتْنَايُ وَالِي مِنْطَقَةِ غَرْبِ الْفُرَاتِ، وَشَتَرُوزِي وَزُمَلَاؤُكُمَا الرُّؤَسَاءُ الَّذِينَ فِي غَرْبِ الْفُرَاتِ، اِبْتَعِدُوا مِنْ هُنَاكَ. لَا تُعَطِّلُوا سَيْرَ الْعَمَلِ فِي بَيْتِ اللهِ هَذَا. أَمَّا وَالِي الْيَهُودِ وَشُيُوخُ الْيَهُودِ، فَيَجِبُ أَنْ يَبْنُوا بَيْتَ اللهِ هَذَا فِي مَكَانِهِ الْأَوَّلِ. وَإِنِّي آمُرُكُمْ بِمَا يَجِبُ أَنْ تَعْمَلُوهُ مَعَ شُيُوخِ الْيَهُودِ هَؤُلَاءِ لِبِنَاءِ بَيْتِ اللهِ، اِدْفَعُوا لَهُمْ نَفَقَاتِ الْبِنَاءِ حَالًا مِنْ مَالِ الْمَلِكِ مِنَ الْجِزْيَةِ الَّتِي تُحَصَّلُ مِنْ غَرْبِ الْفُرَاتِ، حَتَّى لَا يَتَعَطَّلُوا عَنِ الْعَمَلِ. وَأَعْطُوهُمْ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ مَا يَطْلُبُهُ الْأَحْبَارُ الَّذِينَ فِي الْقُدْسِ، حَسَبَ حَاجَتِهِمْ كُلَّ يَوْمٍ، مِنْ ثِيرَانٍ وَكِبَاشٍ وَخِرَافٍ لِتَقْدِيمِ الْقَرَابِينِ لِرَبِّ السَّمَاءِ، وَقَمْحٍ وَمِلْحٍ وَخَمْرٍ وَزَيْتٍ. لِكَيْ يُقَدِّمُوا ضَحَايَا يَرْضَى عَنْهَا رَبُّ السَّمَاءِ، وَيَطْلُبُوا مِنْهُ أَنْ يُبَارِكَ الْمَلِكَ وَأَوْلَادَهُ. وَقَدْ أَمَرْتُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُغَيِّرُ هَذَا الْكَلَامَ، تُسْحَبُ خَشَبَةٌ مِنْ دَارِهِ، وَيُعَلَّقُ وَيُشْنَقُ عَلَيْهَا، وَتُجْعَلُ دَارُهُ أَنْقَاضًا لِهَذِهِ الْجَرِيمَةِ. وَلَعَلَّ اللهَ الَّذِي اخْتَارَ هَذَا الْمَكَانَ لِإِكْرَامِ اسْمِهِ، يُهْلِكُ كُلَّ مَلِكٍ وَشَعْبٍ يَمُدُّ يَدَهُ لِتَغْيِيرِ هَذَا الْأَمْرِ أَوْ لِهَدْمِ بَيْتِ اللهِ الَّذِي فِي الْقُدْسِ. أَنَا دَارِيُوسُ أَمَرْتُ بِهَذَا، فَيَجِبُ التَّنْفِيذُ حَالًا.“ فَنَفَّذَ تَتْنَايُ وَالِي مِنْطَقَةِ غَرْبِ الْفُرَاتِ وَشَتَرُوزِي وَزُمَلَاؤُهُمَا، حَالًا مَا أَمَرَ بِهِ دَارِيُوسُ الْمَلِكُ. وَكَانَ شُيُوخُ الْيَهُودِ يَبْنُونَ وَالْعَمَلُ يَتَقَدَّمُ، كَمَا تَنَبَّأَ حَجِّي النَّبِيُّ وَزَكَرِيَّا الَّذِي مِنْ نَسْلِ عِدُّو. فَأَكْمَلُوا بِنَاءَ الْبَيْتِ كَمَا أَمَرَ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَمَا أَمَرَ كُورَشُ وَدَارِيُوسُ وَأَرْتَحَشْتَا مُلُوكُ فَارِسَ. وَكَمِلَ الْبَيْتُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ شَهْرِ آذَارَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ مِنْ مُلْكِ دَارِيُوسَ الْمَلِكِ. وَاحْتَفَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ، مِنْ أَحْبَارٍ وَلَاوِيِّينَ وَبَاقِي الرَّاجِعِينَ مِنَ الْمَنْفَى، بِتَدْشِينِ بَيْتِ اللهِ بِفَرَحٍ. وَقَدَّمُوا لِتَدْشِينِهِ 100 ثَوْرٍ وَ200 كَبْشٍ وَ400 خَرُوفٍ. كَمَا قَدَّمُوا ضَحِيَّةً لِلتَّكْفِيرِ عَنْ ذَنْبِ كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، 12 تَيْسًا عَلَى عَدَدِ قَبَائِلِهِمْ. وَنَظَّمُوا الْأَحْبَارَ فِي فِرَقِهِمْ، وَاللَّاوِيِّينَ فِي أَقْسَامِهِمْ، لِخِدْمَةِ اللهِ فِي مَدِينَةِ الْقُدْسِ، كَمَا هُوَ وَارِدٌ فِي كِتَابِ مُوسَى. وَفِي الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ احْتَفَلَ الَّذِينَ رَجَعُوا مِنَ الْمَنْفَى بِالْفِصْحِ. وَكَانَ الْأَحْبَارُ وَاللَّاوِيُّونَ قَدْ طَهَّرُوا أَنْفُسَهُمْ، فَكَانُوا كُلُّهُمْ طَاهِرِينَ. وَذَبَحَ اللَّاوِيُّونَ حَمَلَ الْفِصْحِ لِكُلِّ الَّذِينَ رَجَعُوا مِنَ الْمَنْفَى، وَلِإِخْوَتِهِمِ الْأَحْبَارِ، وَلِأَنْفُسِهِمْ. فَأَكَلَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ رَجَعُوا مِنَ الْمَنْفَى، مَعَ كُلِّ الَّذِينَ تَرَكُوا مُمَارَسَةَ الْأَشْيَاءِ الْقَبِيحَةِ الَّتِي تَعْمَلُهَا الْأُمَمُ، لِيَطْلُبُوا الْمَوْلَى رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَاحْتَفَلُوا بِعِيدِ الْفَطِيرِ 7 أَيَّامٍ بِفَرَحٍ، لِأَنَّ اللهَ فَرَّحَهُمْ وَجَعَلَ قَلْبَ مَلِكِ أَشُّورَ يَمِيلُ إِلَيْهِمْ لِيُشَجِّعَهُمْ فِي بِنَاءِ بَيْتِ اللهِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَبَعْدَ هَذِهِ الْأُمُورِ، كَانَ فِي أَيَّامِ أَرْتَحَشْتَا مَلِكِ فَارِسَ، رَجُلٌ اسْمُهُ عَزْرَا وَهُوَ ابْنُ سَرَايَا بْنِ عَزَرْيَا بْنِ حِلْقِيَا بْنِ شَلُّومَ بْنِ صَادِقَ بْنِ أَخِيطُوبَ بْنِ أَمَرْيَا بْنِ عَزَرْيَا بْنِ مَرَايُوثَ بْنِ زَرَحْيَا بْنِ عُزِّي بْنِ بُقِّي بْنِ أَبِيشُوعَ بْنِ فِينْحَاسَ بْنِ أَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ رَئِيسِ الْأَحْبَارِ. عَزْرَا هَذَا كَانَ فَقِيهًا وَأُسْتَاذًا فِي شَرِيعَةِ مُوسَى الَّتِي أَعْطَاهَا الْمَوْلَى رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَمَنَحَهُ الْمَلِكُ كُلَّ مَا طَلَبَهُ، لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَهُ أَحْسَنَ إِلَيْهِ. فَذَهَبَ عَزْرَا مِنْ بَابِلَ إِلَى الْقُدْسِ، فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ لِلْمَلِكِ أَرْتَحَشْتَا. وَذَهَبَ مَعَهُ بَعْضُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعْضُ الْأَحْبَارِ وَاللَّاوِيِّينَ وَالْمُغَنِّينَ وَالْبَوَّابِينَ وَخُدَّامِ بَيْتِ اللهِ. فَوَصَلَ إِلَى الْقُدْسِ فِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ مِنَ السَّنَةِ السَّابِعَةِ لِلْمَلِكِ. وَكَانَ قَدْ بَدَأَ رِحْلَتَهُ مِنْ بَابِلَ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، وَوَصَلَ إِلَى الْقُدْسِ فِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ، لِأَنَّ اللهَ أَحْسَنَ إِلَيْهِ وَبَارَكَهُ. لِأَنَّ عَزْرَا كَرَّسَ نَفْسَهُ لِدِرَاسَةِ شَرِيعَةِ اللهِ وَالْعَمَلِ بِهَا، وَتَعْلِيمِ الشَّعْبِ فَرَائِضِهَا وَأَحْكَامِهَا. وَهَذَا نَصُّ رِسَالَةِ الْمَلِكِ أَرْتَحَشْتَا إِلَى عَزْرَا الْحَبْرِ، الَّذِي كَانَ أُسْتَاذًا عَالِمًا فِي شُؤُونِ وَصَايَا اللهِ وَفَرَائِضِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ”مِنْ أَرْتَحَشْتَا مَلِكِ الْمُلُوكِ إِلَى عَزْرَا الْحَبْرِ أُسْتَاذِ شَرِيعَةِ رَبِّ السَّمَاءِ، سَلَامٌ. قَدْ أَمَرْتُ أَنَّ أَيَّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ فِي مَمْلَكَتِي، يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ مَعَكَ إِلَى الْقُدْسِ فَلْيَرْجِعْ، بِمَا فِي ذَلِكَ الْأَحْبَارُ وَاللَّاوِيُّونَ. فَالْمَلِكُ وَمُسْتَشَارُوهُ الـ7، أَرْسَلُوكَ لِتَسْأَلَ عَنْ مَدَى طَاعَةِ شَعْبِ يَهُوذَا وَالْقُدْسِ لِشَرِيعَةِ إِلَهِكَ الَّتِي تَحْمِلُهَا مَعَكَ. وَأَيْضًا لِتَأْخُذَ مَعَكَ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ الَّذِي تَبَرَّعَ بِهِ الْمَلِكُ وَمُسْتَشَارُوهُ لِرَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي مَسْكَنُهُ فِي الْقُدْسِ، وَتَأْخُذَ كُلَّ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ الَّتِي تَحْصُلُ عَلَيْهَا فِي كُلِّ بِلَادِ بَابِلَ، وَمَا يَتَبَرَّعُ بِهِ الشَّعْبُ وَالْأَحْبَارُ لِبَيْتِ إِلَهِهِمِ الَّذِي فِي الْقُدْسِ. ”وَاحْرِصْ أَنْ تَشْتَرِيَ بِهَذَا الْمَالِ ثِيرَانًا وَكِبَاشًا وَخِرَافًا، مَعَ قُرْبَانِ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانِ الشَّرَابِ، وَتُقَدِّمَهَا عَلَى الْمَنَصَّةِ الَّتِي فِي بَيْتِ إِلَهِكُمُ الَّذِي فِي الْقُدْسِ. وَمَا يَفْضُلُ مِنَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ، تَعْمَلُ بِهِ أَنْتَ وَزُمَلَاؤُكَ، مَا يَحْلُو لَكُمْ حَسَبَ إِرَادَةِ إِلَهِكُمْ. وَالْأَدَوَاتُ الَّتِي تُعْطَى لَكَ لِخِدْمَةِ بَيْتِ إِلَهِكَ، قَدِّمْهَا لِإِلَهِ الْقُدْسِ. وَأَيُّ شَيْءٍ آخَرَ تَرَى أَنَّ بَيْتَ إِلَهِكَ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، خُذْهُ مِنْ خَزَائِنِ الْمَلِكِ. ”وَأَنَا أَرْتَحَشْتَا الْمَلِكُ، قَدْ أَمَرْتُ كُلَّ أُمَنَاءِ الْخَزَائِنِ الَّذِينَ فِي غَرْبِ الْفُرَاتِ، أَنَّ كُلَّ مَا يَطْلُبُهُ مِنْكُمْ عَزْرَا الْحَبْرُ أُسْتَاذُ شَرِيعَةِ رَبِّ السَّمَاءِ، تُعْطُوهُ لَهُ حَالًا، حَتَّى إِلَى حَوَالَيْ ثَلَاثَةِ أَطْنَانٍ وَنِصْفٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَ500 كِيسٍ مِنَ الْقَمْحِ، وَ500 بَرْمِيلٍ مِنَ الْخَمْرِ، وَ500 بَرْمِيلٍ مِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ، وَالْمِلْحِ بِلَا حُدُودٍ. وَكُلُّ مَا أَمَرَ بِهِ رَبُّ السَّمَاءِ لِبَيْتِهِ، يَجِبُ أَنْ يُعْمَلَ بِاجْتِهَادٍ، لِئَلَّا يَغْضَبَ اللهُ عَلَى مَمْلَكَتِي أَنَا وَأَوْلَادِي. وَنُعْلِمُكُمْ أَنَّنَا لَا نَسْمَحُ بِفَرْضِ جِزْيَةٍ أَوْ ضَرِيبَةِ دَخْلٍ أَوْ ضَرِيبَةِ أَمْلَاكٍ عَلَى أَيِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَحْبَارِ أَوِ اللَّاوِيِّينَ أَوِ الْمُغَنِّينَ أَوِ الْبَوَّابِينَ أَوْ خُدَّامِ بَيْتِ اللهِ أَوْ عُمَّالِهِ الْآخَرِينَ. ”وَأَنْتَ يَا عَزْرَا، فَحَسَبَ حِكْمَةِ إِلَهِكَ الَّتِي مَعَكَ، أَقِمْ مِنْ كُلِّ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ شَرِيعَةَ إِلَهِكَ حُكَّامًا وَقُضَاةً، لِيَقْضُوا بَيْنَ كُلِّ الشَّعْبِ الَّذِي فِي غَرْبِ الْفُرَاتِ. وَالَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ فَعَلِّمُوهُمْ. وَكُلُّ مَنْ لَا يَعْمَلُ بِشَرِيعَةِ إِلَهِكَ وَشَرِيعَةِ الْمَلِكِ، يُحْكَمُ عَلَيْهِ عَاجِلًا، إِمَّا بِالْمَوْتِ أَوْ بِالنَّفْيِ أَوْ بِغَرَامَةٍ مَالِيَّةٍ أَوْ بِالْحَبْسِ.“ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ آبَائِنَا، الَّذِي وَضَعَ هَذَا فِي قَلْبِ الْمَلِكِ لِإِكْرَامِ بَيْتِ اللهِ الَّذِي فِي الْقُدْسِ. وَجَعَلَنِي أَحْظَى بِعَطْفِ الْمَلِكِ وَمُسْتَشَارِيهِ وَكُلِّ قَادَتِهِ الْكِبَارِ. فَتَقَوَّيْتُ لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهِي أَحْسَنَ إِلَيَّ، وَجَمَعْتُ بَعْضَ قَادَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِيَرْجِعُوا مَعِي. هَؤُلَاءِ رُؤَسَاءُ الْعَائِلَاتِ، وَمَنْ سُجِّلَتْ أَسْمَاؤُهُمْ مَعَهُمْ، الَّذِينَ رَجَعُوا مِنْ بَابِلَ فِي أَيَّامِ أَرْتَحَشْتَا الْمَلِكِ. مِنْ بَنِي فِينْحَاسَ: جَرْشُومُ. مِنْ بَنِي إِيتَامَارَ: دَانِيَالُ. مِنْ بَنِي دَاوُدَ: حَطُّوشُ. مِنْ بَنِي شَكَنْيَا، مِنْ نَسْلِ فَرْعُوشَ: زَكَرِيَّا، وَسُجِّلَ مَعَهُ 150 رَجُلًا. مِنْ بَنِي فَحَثَ مُوآبَ: أَلْيُوعِينَايُ بْنُ زَرَحْيَا، وَمَعَهُ 200 رَجُلٍ. مِنْ بَنِي زَتُّو: شَكَنْيَا بْنُ يَحْزِيلَ، وَمَعَهُ 300 رَجُلٍ. مِنْ بَنِي عَادِينَ: عَابِدُ بْنُ يُونَاثَانَ، وَمَعَهُ 50 رَجُلًا. مِنْ بَنِي عِيلَامَ: يَشْعِيَا بْنُ عَثَلْيَا، وَمَعَهُ 70 رَجُلًا. مِنْ بَنِي شَفَطْيَا: زَبَدْيَا بْنُ مِيخَائِيلَ، وَمَعَهُ 80 رَجُلًا. مِنْ بَنِي يُوآبَ: عُوبَدْيَا بْنُ يَحِيئِيلَ، وَمَعَهُ 218 رَجُلًا. مِنْ بَنِي بَانِي: شَلُومِيثُ بْنُ يُوشِفْيَا، وَمَعَهُ 160 رَجُلًا. مِنْ بَنِي بَابَايَ: زَكَرِيَّا بْنُ بَابَايَ، وَمَعَهُ 28 رَجُلًا. مِنْ بَنِي عَزْجَدَ: يُوحَانَانُ بْنُ هَقَاطَانَ وَمَعَهُ 110 رِجَالٍ. وَأَخِيرًا، مِنْ بَنِي أَدُونِيقَامَ: أَلِيفَلَطُ وَيَعِيلُ وَشَمَعْيَا، وَمَعَهُمْ 60 رَجُلًا. وَمِنْ بَنِي بِغْوَايَ: عُوتَايُ وَزَكُّورُ، وَمَعَهُمَا 70 رَجُلًا. فَجَمَعْتُهُمْ عِنْدَ النَّهْرِ الَّذِي يَجْرِي إِلَى مَدِينَةِ أَهُوَا. وَنَزَلْنَا هُنَاكَ 3 أَيَّامٍ. وَفَحَصْتُ الشَّعْبَ وَالْأَحْبَارَ وَلَكِنِّي لَمْ أَجِدْ بَيْنَهُمْ أَحَدًا مِنَ اللَّاوِيِّينَ. فَاسْتَدْعَيْتُ أَلِيعَزَرَ وَأَرِيئِيلَ وَشَمَعْيَا وَأَلْنَاثَانَ وَيَارِيبَ وَأَلْنَاثَانَ وَنَاثَانَ وَزَكَرِيَّا وَمَشْلَامَ وَهُمْ مِنَ الْقَادَةِ، وَأَيْضًا يُويَارِيبَ وَأَلْنَاثَانَ وَهُمَا مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَأَرْسَلْتُهُمْ إِلَى إِدُّو الْقَائِدِ الَّذِي فِي كَسِفْيَا، وَلَقَّنْتُهُمْ مَا يَقُولُونَهُ لَهُ وَلِزُمَلَائِهِ خُدَّامِ بَيْتِ اللهِ الَّذِينَ فِي كَسِفْيَا، وَطَلَبْتُ مِنْهُمْ أَنْ يُحْضِرُوا لَنَا خُدَّامًا لِبَيْتِ إِلَهِنَا. وَلِأَنَّ اللهَ أَحْسَنَ إِلَيْنَا وَبَارَكَنَا، أَحْضَرُوا لَنَا شَرَبْيَا وَهُوَ رَجُلٌ فَهِيمٌ مِنْ بَنِي مَحْلِي بْنِ لَاوِي بْنِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَهُ 18 رَجُلًا مِنْ بَنِيهِ وَإِخْوَتِهِ. وَأَحْضَرُوا أَيْضًا حَشَبْيَا وَمَعَهُ يَشْعِيَا مِنْ بَنِي مَرَارِي وَإِخْوَتَهُ وَأَوْلَادَهُمْ 20 رَجُلًا. وَمِنَ الْجَمَاعَةِ الَّتِي أَسَّسَهَا دَاوُدُ وَأَعْوَانُهُ لِلْخِدْمَةِ وَمُسَاعَدَةِ اللَّاوِيِّينَ 220. وَكُلُّ هَؤُلَاءِ سُجِّلَتْ أَسْمَاؤُهُمْ. وَنَادَيْتُ بِصَوْمٍ هُنَاكَ عِنْدَ نَهْرِ أَهُوَا، لِكَيْ نَتَذَلَّلَ أَمَامَ إِلَهِنَا لِيَمْنَحَنَا السَّلَامَةَ فِي رِحْلَتِنَا نَحْنُ وَأَطْفَالَنَا وَكُلَّ مَا مَعَنَا. لِأَنِّي خَجِلْتُ أَنْ أَطْلُبَ مِنَ الْمَلِكِ جَيْشًا وَفُرْسَانًا لِيَحْرُسُونَا مِنَ الْعَدُوِّ فِي الطَّرِيقِ. لِأَنَّنَا قُلْنَا لِلْمَلِكِ إِنَّ اللهَ يُبَارِكُ بِالْخَيْرِ كُلَّ مَنْ يَطْلُبُهُ، وَيَغْضَبُ جِدًّا عَلَى كُلِّ مَنْ يَتْرُكُهُ. فَصُمْنَا وَطَلَبْنَا هَذَا مِنْ إِلَهِنَا فَاسْتَجَابَ لَنَا. ثُمَّ اخْتَرْتُ مِنْ رُؤَسَاءِ الْأَحْبَارِ 12 هُمْ شَرَبْيَا وَحَشَبْيَا وَ10 مِنْ إِخْوَتِهِمَا. وَوَزَنْتُ لَهُمُ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ وَالْأَدَوَاتِ الَّتِي تَبَرَّعَ بِهَا لِبَيْتِ إِلَهِنَا الْمَلِكُ وَمُسْتَشَارُوهُ وَقَادَتُهُ وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا هُنَاكَ. فَكَانَ مَا وَزَنْتُهُ لَهُمْ حَوَالَيِ 22 طِنًّا مِنَ الْفِضَّةِ، وَثَلَاثَةِ أَطْنَانٍ وَنِصْفٍ مِنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ، وَثَلَاثَةِ أَطْنَانٍ وَنِصْفٍ مِنَ الذَّهَبِ. وَ20 كَأْسًا مِنَ الذَّهَبِ وَزْنُهَا حَوَالَيْ ثَمَانِيَةِ كِيلُوجْرَامَاتٍ وَنِصْفٍ، وَآنِيَةً مِنْ نُحَاسٍ نَقِيٍّ جَيِّدٍ ثَمِينٍ كَالذَّهَبِ. وَقُلْتُ لَهُمْ: ”أَنْتُمْ مُقَدَّسُونَ للهِ، وَكَذَلِكَ الْآنِيَةُ مُقَدَّسَةٌ لَهُ. وَالْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ هِيَ تَبَرُّعٌ لِلْمَوْلَى رَبِّ آبَائِكُمْ. فَاحْرُسُوهَا وَحَافِظُوا عَلَيْهَا حَتَّى تَزِنُوهَا فِي غُرَفِ بَيْتِ اللهِ فِي الْقُدْسِ، أَمَامَ رُؤَسَاءِ الْأَحْبَارِ وَاللَّاوِيِّينَ وَرُؤَسَاءِ عَائِلَاتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.“ فَتَسَلَّمَ الْأَحْبَارُ وَاللَّاوِيُّونَ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ وَالْأَدَوَاتِ الَّتِي وُزِنَتْ، لِيَأْخُذُوهَا إِلَى بَيْتِ إِلَهِنَا فِي الْقُدْسِ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، رَحَلْنَا مِنْ نَهْرِ أَهُوَا لِنَذْهَبَ إِلَى الْقُدْسِ. وَأَحْسَنَ الْمَوْلَى إِلَهُنَا إِلَيْنَا، فَأَنْقَذَنَا مِنَ الْأَعْدَاءِ وَقُطَّاعِ الطُّرُقِ. فَوَصَلْنَا إِلَى الْقُدْسِ، ثُمَّ ارْتَحْنَا هُنَاكَ 3 أَيَّامٍ. وَفِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَزَنَّا الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ وَالْأَدَوَاتِ فِي بَيْتِ إِلَهِنَا. وَتَسَلَّمَهَا مَرِيمُوثُ بْنُ أُورِيَّا الْحَبْرُ، وَمَعَهُ أَلِعَازَارُ بْنُ فِينْحَاسَ، وَمَعَهُمَا مِنَ اللَّاوِيِّينَ يُوزَابَادُ بْنُ يَشُوعَ وَنُوعَدْيَا بْنُ بَنُّويَ. كُلُّ شَيْءٍ بِالْعَدَدِ وَالْوَزْنِ، وَسَجَّلْنَا جُمْلَةَ الْوَزْنِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَقَدَّمَ الرَّاجِعُونَ مِنَ الْمَنْفَى قَرَابِينَ مُحْرَقَةً لِرَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ: 12 ثَوْرًا عَنْ كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَ96 كَبْشًا وَ77 خَرُوفًا، وَقُرْبَانَ خَطِيئَةٍ 12 تَيْسًا. كُلُّ هَذَا قُرْبَانٌ للهِ. وَسَلَّمُوا أَيْضًا أَوَامِرَ الْمَلِكِ لِوُكَلَائِهِ وَوُلَاةِ مِنْطَقَةِ غَرْبِ الْفُرَاتِ، فَقَدَّمُوا الْمَعُونَةَ لِلشَّعْبِ وَلِبَيْتِ اللهِ. وَبَعْدَمَا تَمَّ هَذَا، جَاءَ إِلَيَّ الْقَادَةُ وَقَالُوا: ”لَمْ يَحْفَظْ شَعْبُ إِسْرَائِيلَ وَالْأَحْبَارُ وَاللَّاوِيُّونَ أَنْفُسَهُمْ مِنَ الشُّعُوبِ الْأُخْرَى وَمُمَارَسَاتِهِمُ الْقَبِيحَةِ، مِثْلِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ وَالْعَمُّونِيِّينَ وَالْمُوآبِيِّينَ وَالْمِصْرِيِّينَ وَالْأَمُورِيِّينَ. لِأَنَّهُمْ أَخَذُوا مِنْ بَنَاتِهِمْ زَوْجَاتٍ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِبَنِيهِمْ، فَاخْتَلَطَ الْجِنْسُ الْمُقَدَّسُ بِالشُّعُوبِ الْأُخْرَى. وَكَانَ الرُّؤَسَاءُ وَالْوُلَاةُ هُمُ الَّذِينَ قَادُوا الْآخَرِينَ فِي هَذِهِ الْخِيَانَةِ.“ فَلَمَّا سَمِعْتُ بِهَذَا، مَزَّقْتُ ثَوْبِي وَرِدَائِي وَنَتَفْتُ شَعْرَ رَأْسِي وَذَقْنِي وَجَلَسْتُ مُرْتَعِبًا. فَاجْتَمَعَ حَوْلِي كُلُّ مَنْ خَافَ مِنْ كَلَامِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِسَبَبِ خِيَانَةِ الَّذِينَ رَجَعُوا مِنَ الْمَنْفَى. وَأَنَا جَلَسْتُ مُرْتَعِبًا حَتَّى حَانَ وَقْتُ تَقْدِيمِ قُرْبَانِ الْمَسَاءِ. ثُمَّ عِنْدَ تَقْدِيمِ قُرْبَانِ الْمَسَاءِ، قُمْتُ مِنْ تَذَلُّلِي، وَأَنَا فِي ثَوْبِي وَرِدَائِيَ الْمُمَزَّقَيْنِ، وَرَكَعْتُ عَلَى رُكْبَتَيَّ، وَبَسَطْتُ يَدَيَّ إِلَى الْمَوْلَى إِلَهِي. وَقُلْتُ: ”اللَّهُمَّ أَنَا خَجْلَانٌ وَخَزْيَانٌ أَنْ أَرْفَعَ وَجْهِي إِلَيْكَ يَا إِلَهِي، لِأَنَّ ذُنُوبَنَا زَادَتْ وَارْتَفَعَتْ فَوْقَ رُؤُوسِنَا، وَمَعَاصِينَا وَصَلَتْ إِلَى السَّمَاءِ. وَمِنْ أَيَّامِ آبَائِنَا إِلَى هَذَا الْيَوْمِ، مَعْصِيَتُنَا خَطِيرَةٌ. وَبِسَبَبِ شُرُورِنَا، وَقَعْنَا نَحْنُ وَمُلُوكُنَا وَأَحْبَارُنَا فِي أَيْدِي مُلُوكِ الْغُرَبَاءِ، فَقَتَلُونَا وَأَسَرُونَا وَنَهَبُونَا وَعَيَّرُونَا، كَمَا هُوَ الْحَالُ الْيَوْمَ. أَمَّا الْآنَ، فَإِنَّ الْمَوْلَى إِلَهَنَا عَطَفَ عَلَيْنَا لَحْظَةً قَصِيرَةً، وَتَرَكَ لَنَا بَقِيَّةً تَنْجُو، وَأَعْطَانَا مَسْكَنًا أَمِينًا فِي مَكَانِهِ الْمُقَدَّسِ. لِذَلِكَ فَإِنَّ إِلَهَنَا يُنِيرُ عُيُونَنَا، وَيُرِيحُنَا قَلِيلًا مِنْ عُبُودِيَّتِنَا. فَمَعَ أَنَّنَا عَبِيدٌ، لَكِنَّكَ اللَّهُمَّ لَمْ تَتْرُكْنَا فِي عُبُودِيَّتِنَا. بَلْ جَعَلْتَ مُلُوكَ الْفُرْسِ يَعْمَلُونَ مَعَنَا مَعْرُوفًا، وَمَنَحْتَنَا حَيَاةً جَدِيدَةً لِنَبْنِيَ بَيْتَ إِلَهِنَا وَنُرَمِّمَ خَرَابَهُ، وَأَعْطَيْتَنَا مَلْجَأً فِي يَهُوذَا وَالْقُدْسِ. ”وَالْآنَ، مَاذَا نَقُولُ يَا إِلَهَنَا، بَعْدَ هَذَا؟ لِأَنَّنَا أَهْمَلْنَا وَصَايَاكَ الَّتِي أَوْصَيْتَنَا بِهَا بِوَاسِطَةِ عَبِيدِكَ الْأَنْبِيَاءِ، لَمَّا قُلْتَ: ’الْأَرْضُ الَّتِي أَنْتُمْ دَاخِلُونَ لِتَمْلِكُوهَا، هِيَ أَرْضٌ تَنَجَّسَتْ بِشَرِّ الشُّعُوبِ الَّتِي فِيهَا. فَقَدْ مَلَأُوهَا بِالْمُمَارَسَاتِ الْقَبِيحَةِ وَالشَّرِّ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا. فَلَا تُعْطُوا بَنَاتِكُمْ لِأَبْنَائِهِمْ، وَلَا تَأْخُذُوا بَنَاتِهِمْ لِأَبْنَائِكُمْ. وَلَا تَلْتَمِسُوا سَلَامَتَهُمْ وَلَا خَيْرَهُمْ إِلَى الْأَبَدِ، لِكَيْ تَكُونُوا أَقْوِيَاءَ وَتَأْكُلُوا مِنْ خَيْرِ الْأَرْضِ، وَتُوَرِّثُوهَا لِأَوْلَادِكُمْ إِلَى الْأَبَدِ.‘ ”وَمَعَ كُلِّ الْعِقَابِ الَّذِي حَلَّ بِنَا، لِأَعْمَالِنَا الرَّدِيئَةِ وَشَرِّنَا الْعَظِيمِ، أَنْتَ يَا إِلَهَنَا جَازَيْتَنَا بِأَقَلِّ مِمَّا نَسْتَحِقُّ عَلَى شَرِّنَا، وَأَعْطَيْتَنَا بَقِيَّةً تَنْجُو بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ. فَهَلْ نَعُودُ وَنَتَعَدَّى وَصَايَاكَ، وَنُصَاهِرُ الشُّعُوبَ الَّتِي تَرْتَكِبُ هَذِهِ الْمُمَارَسَاتِ الْقَبِيحَةَ؟ أَلَا تَغْضَبُ عَلَيْنَا حَتَّى تُفْنِينَا، فَلَا تَبْقَى لَنَا بَقِيَّةٌ، وَلَا تَكُونُ لَنَا نَجَاةٌ؟ أَيُّهَا الْمَوْلَى رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَنْتَ صَالِحٌ لِأَنَّكَ أَبْقَيْتَنَا وَنَجَّيْتَنَا إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. فَنَحْنُ نَأْتِي أَمَامَكَ مُعْتَرِفِينَ بِشَرِّنَا، مَعَ أَنَّهُ بِسَبَبِ هَذَا الشَّرِّ لَا يَحِقُّ لَنَا أَنْ نَقِفَ أَمَامَكَ.“ وَبَيْنَمَا كَانَ عَزْرَا يُصَلِّي وَيَعْتَرِفُ وَيَبْكِي وَقَدْ رَمَى نَفْسَهُ أَمَامَ بَيْتِ اللهِ، اِجْتَمَعَ حَوْلَهُ شَعْبٌ غَفِيرٌ جِدًّا مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَأَوْلَادٍ. وَكَانُوا يَبْكُونَ بِحُرْقَةٍ. وَقَالَ شَكَنْيَا بْنُ يَحِيئِيلَ مِنْ بَنِي عِيلَامَ لِعَزْرَا: ”نَحْنُ خُنَّا إِلَهَنَا وَأَخَذْنَا نِسَاءً غَرِيبَةً مِنَ الشُّعُوبِ الْأُخْرَى! وَمَعَ هَذَا يُوجَدُ الْآنَ لَنَا رَجَاءٌ! تَعَالَوْا نَعْمَلُ الْآنَ عَهْدًا مَعَ إِلَهِنَا، لِنُخْرِجَ كُلَّ هَؤُلَاءِ النِّسَاءِ وَأَوْلَادِهِنَّ، حَسَبَ مَشُورَتِكَ يَا سَيِّدِي، وَمَشُورَةِ الَّذِينَ يَحْتَرِمُونَ وَصِيَّةَ إِلَهِنَا، فَنَعْمَلُ حَسَبَ الشَّرِيعَةِ. فَقُمْ لِأَنَّ الْمَسْئُولِيَّةَ عَلَيْكَ. وَنَحْنُ مَعَكَ، فَتَشَجَّعْ وَاعْمَلْ.“ فَقَامَ عَزْرَا وَحَلَّفَ رُؤَسَاءَ الْأَحْبَارِ وَاللَّاوِيِّينَ وَكُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَنْ يَعْمَلُوا بِهَذَا الِاقْتِرَاحِ، فَحَلَفُوا. ثُمَّ ذَهَبَ عَزْرَا مِنْ أَمَامِ بَيْتِ اللهِ، وَدَخَلَ إِلَى غُرْفَةِ يُوحَانَانَ بْنِ أَلْيَاشِيبَ. وَكَانَ هُنَاكَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا وَلَا يَشْرَبُ مَاءً، لِأَنَّهُ كَانَ يَنُوحُ لِخِيَانَةِ الرَّاجِعِينَ مِنَ الْمَنْفَى. وَأَصْدَرُوا نِدَاءً فِي يَهُوذَا وَالْقُدْسِ إِلَى كُلِّ الَّذِينَ رَجَعُوا مِنَ الْمَنْفَى لِكَيْ يَجْتَمِعُوا فِي الْقُدْسِ. وَكُلُّ مَنْ لَا يَحْضُرُ فِي 3 أَيَّامٍ، يَخْسَرُ كُلَّ أَمْلَاكِهِ وَيُطْرَدُ مِنْ جَمَاعَةِ الرَّاجِعِينَ مِنَ الْمَنْفَى، وَذَلِكَ حَسَبَ قَرَارِ الرُّؤَسَاءِ وَالشُّيُوخِ. فَاجْتَمَعَ كُلُّ رِجَالِ يَهُوذَا وَبِنْيَمِينَ إِلَى الْقُدْسِ فِي 3 أَيَّامٍ. وَفِي الْيَوْمِ الْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ التَّاسِعِ، جَلَسَ كُلُّ الشَّعْبِ فِي سَاحَةِ بَيْتِ اللهِ مُرْتَعِدِينَ مِنْ خُطُورَةِ الْمَوْضُوعِ وَمِنَ الْأَمْطَارِ. فَقَامَ عَزْرَا الْحَبْرُ وَقَالَ لَهُمْ: ”أَنْتُمْ خُنْتُمُ اللهَ وَأَخْذْتُمْ نِسَاءً غَرِيبَةً، وَأَضَفْتُمْ إِلَى شَرِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَاعْتَرِفُوا الْآنَ لِلْمَوْلَى رَبِّ آبَائِكُمْ، وَاعْمَلُوا بِمَا يُرْضِيهِ. اِنْفَصِلُوا عَنِ الشُّعُوبِ الْأُخْرَى وَعَنِ النِّسَاءِ الْغَرِيبَةِ.“ فَأَجَابَتِ الْجَمَاعَةُ كُلُّهَا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: ”نَعَمْ، نَعْمَلُ كَمَا قُلْتَ. وَلَكِنَّ الشَّعْبَ كَثِيرٌ، وَهَذَا فَصْلُ الْأَمْطَارِ، فَلَا نَقْدِرُ أَنْ نَقِفَ فِي الْخَارِجِ. ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ مُشْكِلَةٌ لَا يُمْكِنُ حَلُّهَا فِي يَوْمٍ أَوِ اثْنَيْنِ، لِأَنَّ ذَنْبَنَا فِي هَذَا الْأَمْرِ عَظِيمٌ. إِذَنْ نَجْعَلُ رُؤَسَاءَنَا يُمَثِّلُونَ كُلَّ الْجَمَاعَةِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الَّذِينَ فِي الْمُدُنِ، تَزَوَّجَ نِسَاءً غَرِيبَاتٍ، يَأْتِي فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَمَعَهُ شُيُوخُ مَدِينَتِهِ وَقُضَاتُهَا. بِذَلِكَ يَرْجِعُ عَنَّا غَضَبُ إِلَهِنَا الشَّدِيدُ بِسَبَبِ هَذَا الشَّرِّ.“ وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَى هَذَا غَيْرُ يُونَاثَانَ بْنِ عَسَائِيلَ وَيَحْزِيَا بْنِ تِقْوَةَ، وَأَيَّدَهُمَا فِي ذَلِكَ مَشْلَامُ وَشَبْتَايُ اللَّاوِيُّ. فَعَمِلَ الَّذِينَ رَجَعُوا مِنَ الْمَنْفَى بِهَذَا الرَّأْيِ. فَاخْتَارَ عَزْرَا الْحَبْرُ بَعْضَ الرِّجَالِ الَّذِينَ كَانُوا رُؤَسَاءَ فِرَقِ الْعَائِلَاتِ، وَكُلُّهُمْ لَهُمْ أَسْمَاءُ مَعْرُوفَةٌ. وَجَلَسُوا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الْعَاشِرِ لِلْبَحْثِ فِي الْأَمْرِ. وَفِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، اِنْتَهَوْا مِنَ النَّظَرِ فِي قَضَايَا كُلِّ الرِّجَالِ الَّذِينَ تَزَوَّجُوا نِسَاءً غَرِيبَاتٍ. فَوَجَدُوا بَيْنَ بَنِي الْأَحْبَارِ مَنْ تَزَوَّجُوا نِسَاءً غَرِيبَةً. فَمِنْ بَنِي يَشُوعَ بْنِ يُوصَادِقَ وَإِخْوَتِهِ: مَعَسْيَا وَأَلِيعَزَرُ وَيَارِيبُ وَجَدَلْيَا. وَقَدْ تَعَهَّدُوا كُلُّهُمْ أَنْ يُطَلِّقُوا نِسَاءَهُمْ وَيُقَدِّمُوا كَبْشًا مِنَ الْغَنَمِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْ ذَنْبِهِمْ. وَمِنْ بَنِي إِمِّيرَ: حَنَانِي وَزَبَدْيَا. وَمِنْ بَنِي حَارِيمَ: مَعَسْيَا وَإِيلِيَّا وَشَمَعْيَا وَيَحِيئِيلُ وَعُزِّيَّا. وَمِنْ بَنِي فَشْحُورَ: أَلْيُوعِينَايُ وَمَعَسْيَا وَإِسْمَاعِيلُ وَنَثَنْئِيلُ وَيُوزَابَادُ وَإِلْعَاسَةُ. وَمِنَ اللَّاوِيِّينَ: يُوزَابَادُ وَشَمْعِي وَقَلَايَا (أَيْ قَلِيطَا) وَفَتَحْيَا وَيَهُوذَا وَأَلِيعَزَرُ. وَمِنَ الْمُغَنِّينَ: أَلْيَاشِيبُ. وَمِنَ الْبَوَّابِينَ: شَلُّومُ وَطَالَمُ وَأُورِي. وَمِنْ بَقِيَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنْ بَنِي فَرْعُوشَ: رَمْيَا وَيَزِيَّا وَمَلَكْيَا وَمِيَّمِينُ وَأَلِعَازَارُ وَمَلَكْيَا وَبَنَايَا. وَمِنْ بَنِي عِيلَامَ: مَتَنْيَا وَزَكَرِيَّا وَيَحِيئِيلُ وَعَبْدِي وَيَرِيمُوثُ وَإِيلِيَّا. وَمِنْ بَنِي زَتُّو: أَلْيُوعِينَايُ وَأَلْيَاشِيبُ وَمَتَنْيَا وَيَرِيمُوثُ وَزَابَادُ وَعَزِيزَا. وَمِنْ بَنِي بَابَايَ: يُوحَانَانُ وَحَنَنْيَا وَزَبَايُ وَعَثْلَايُ. وَمِنْ بَنِي بَانِي: مَشْلَامُ وَمَلُّوخُ وَعَدَايَا وَيَاشُوبُ وَشَآلُ وَرَامُوتُ. وَمِنْ بَنِي فَحَثَ مُوآبَ: عَدْنَا وَكَلَالُ وَبَنَايَا وَمَعَسْيَا وَمَتَنْيَا وَبَصَلْئِيلُ وَبَنُّويُ وَمَنَسَّى. وَمِنْ بَنِي حَارِيمَ: أَلِيعَزَرُ وَيَشِيَّا وَمَلَكْيَا وَشَمَعْيَا وَشَمْعُونُ وَبِنْيَمِينُ وَمَلُّوخُ وَشَمَرْيَا. وَمِنْ بَنِي حَشُومَ: مَتْنَايُ وَمَتَّاثَا وَزَابَادُ وَأَلِيفَلَطُ وَيَرِيمَايُ وَمَنَسَّى وَشَمْعِي. وَمِنْ بَنِي بَانِي: مَعْدَايُ وَعَمْرَامُ وَأُوئِيلُ وَبَنَايَا وَبِيدْيَا وَكَلُوهِي وَوَنْيَا وَمَرِيمُوثُ وَأَلْيَاشِيبُ وَمَتَنْيَا وَمَتْنَايُ وَيَعْسُو. وَمِنْ بَنِي بَنُّويَ: شَمْعِي وَشَلَمْيَا وَنَاثَانُ وَعَدَايَا وَمَكْنَدْبَايُ وَشَاشَايُ وَشَارَايُ وَعَزْرِيلُ وَشَلَمْيَا وَشَمَرْيَا وَشَلُّومُ وَأَمَرْيَا وَيُوسِفُ. وَمِنْ بَنِي نَبْوَ: يَعِيلُ وَمَتَّثْيَا وَزَابَادُ وَزَبِينَا وَيَدُّو وَيُوئِيلُ وَبَنَايَا. كُلُّ هَؤُلَاءِ تَزَوَّجُوا نِسَاءً غَرِيبَةً، وَوَلَدَتْ بَعْضُهُنَّ لَهُمْ بَنِينَ. كَلَامُ نَحَمْيَا بْنِ حَكَلْيَا: فِي شَهْرِ كِسْلُو فِي السَّنَةِ الْعِشْرِينَ مِنْ حُكْمِ أَرْتَحَشْتَا. لَمَّا كُنْتُ فِي قَلْعَةِ شُوشَةَ، جَاءَ حَنَانِي، أَحَدُ إِخْوَتِي، وَمَعَهُ بَعْضُ رِجَالٍ مِنْ يَهُوذَا. فَسَأَلْتُهُمْ عَنْ حَالَةِ بَقِيَّةِ الْيَهُودِ الَّتِي نَجَتْ مِنَ الْأَسْرِ، وَعَنْ حَالَةِ الْقُدْسِ. فَقَالُوا لِي: ”إِنَّ الَّذِينَ نَجَوْا مِنَ الْأَسْرِ، هُمْ هُنَاكَ فِي يَهُوذَا، وَهُمْ فِي ضِيقٍ شَدِيدٍ وَحَالَةٍ مُخْجِلَةٍ، وَسُورُ الْقُدْسِ مَهْدُومٌ وَأَبْوَابُهَا مَحْرُوقَةٌ بِالنَّارِ.“ فَلَمَّا سَمِعْتُ هَذَا الْكَلَامَ، جَلَسْتُ وَبَكَيْتُ وَنُحْتُ أَيَّامًا، وَصُمْتُ وَابْتَهَلْتُ أَمَامَ رَبِّ السَّمَاءِ. وَقُلْتُ: ”أَيُّهَا الْمَوْلَى رَبُّ السَّمَاءِ، الْإِلَهُ الْعَظِيمُ الْمَهُوبُ، يَا مَنْ تَحْفَظُ الْعَهْدَ وَتَرْحَمُ مَنْ يُحِبُّونَكَ وَيَحْفَظُونَ وَصَايَاكَ، اِنْتَبِهْ وَانْظُرْ وَاسْمَعْ دُعَاءَ عَبْدِكَ الَّذِي يَدْعُوكَ نَهَارًا وَلَيْلًا، مِنْ أَجْلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَبِيدِكَ. إِنِّي أَعْتَرِفُ بِذُنُوبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّتِي ارْتَكَبْنَاهَا فِي حَقِّكَ. فَأَنَا وَأَهْلُ أَبِي أَذْنَبْنَا. نَحْنُ أَسَأْنَا إِلَيْكَ جِدًّا، وَلَمْ نُطِعِ الْوَصَايَا وَالْفَرَائِضَ وَالشَّرَائِعَ الَّتِي أَمَرْتَ بِهَا مُوسَى عَبْدَكَ. اُذْكُرْ كَلَامَكَ لِعَبْدِكَ مُوسَى لَمَّا قُلْتَ لَهُ: ’إِنْ خُنْتُمُ اللهَ، أُشَتِّتُكُمْ بَيْنَ الْأُمَمِ. وَإِنْ رَجَعْتُمْ إِلَيَّ، وَأَطَعْتُمْ وَصَايَايَ وَعَمِلْتُمْ بِهَا، فَحَتَّى إِنْ كُنْتُمْ مَنْفِيِّينَ فِي آخِرِ الدُّنْيَا، أَجْمَعُكُمْ وَآتِي بِكُمْ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي اخْتَرْتُهُ لِإِكْرَامِ اسْمِي.‘ فَهَؤُلَاءِ هُمْ عَبِيدُكَ وَشَعْبُكَ الَّذِي فَدَيْتَهُ بِقُوَّتِكَ الْعَظِيمَةِ وَيَدِكَ الْقَدِيرَةِ. اِنْتَبِهْ يَا رَبُّ، إِلَى دُعَاءِ عَبْدِكَ وَدُعَاءِ عَبِيدِكَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يُكْرِمُوكَ. وَفِّقْنِي الْيَوْمَ يَا رَبِّي، وَاجْعَلِ الْمَلِكَ يَرْضَى عَنِّي.“ لِأَنِّي كُنْتُ سَاقِيَ الْمَلِكِ. وَفِي شَهْرِ نِيسَانَ فِي السَّنَةِ الْعِشْرِينَ لِأَرْتَحَشْتَا الْمَلِكِ، أَحْضَرْنَا خَمْرًا لِلْمَلِكِ وَحَمَلْتُهَا وَقَدَّمْتُهَا لَهُ. وَلَمْ أَكُنْ مِنْ قَبْلُ كَئِيبًا فِي مَحْضَرِهِ. فَقَالَ لِيَ الْمَلِكُ: ”لِمَاذَا وَجْهُكَ كَئِيبٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مَرِيضٍ؟ لَا بُدَّ أَنَّ قَلْبَكَ حَزِينٌ.“ فَخِفْتُ جِدًّا وَقُلْتُ لِلْمَلِكِ: ”يَحْيَا الْمَلِكُ إِلَى الْأَبَدِ. كَيْفَ لَا يَكُونُ وَجْهِي كَئِيبًا، بَيْنَمَا الْمَدِينَةُ الَّتِي فِيهَا قُبُورُ آبَائِي حَلَّ بِهَا الْخَرَابُ، وَأَبْوَابُهَا أَحْرَقَتْهَا النَّارُ؟“ فَقَالَ لِيَ الْمَلِكُ: ”مَاذَا تَطْلُبُ؟“ فَابْتَهَلْتُ إِلَى رَبِّ السَّمَاءِ وَقُلْتُ لِلْمَلِكِ: ”إِنْ كُنْتَ تُوَافِقُ يَا جَلَالَةَ الْمَلِكِ، وَإِنْ كُنْتَ تَرْضَى عَنِّي أَنَا عَبْدَكَ، أَرْسِلْنِي إِلَى يَهُوذَا إِلَى الْمَدِينَةِ الَّتِي فِيهَا قُبُورُ آبَائِي فَأَبْنِيَهَا.“ وَكَانَتِ الْمَلِكَةُ جَالِسَةً بِجَانِبِهِ، فَسَأَلَنِي الْمَلِكُ: ”كَمْ يَطُولُ سَفَرُكَ، وَمَتَى تَرْجِعُ؟“ فَوَافَقَ الْمَلِكُ أَنْ يُرْسِلَنِي، وَحَدَّدْتُ مَوْعِدًا لِسَفَرِي. وَقُلْتُ أَيْضًا لِلْمَلِكِ: ”إِنْ كُنْتَ تُوَافِقُ يَا جَلَالَةَ الْمَلِكِ، أَعْطِنِي رَسَائِلَ إِلَى وُلَاةِ مِنْطَقَةِ غَرْبِ الْفُرَاتِ، لِيَسْمَحُوا لِي بِعُبُورِ بِلَادِهِمْ حَتَّى أَصِلَ إِلَى يَهُوذَا. وَرِسَالَةً إِلَى آسَافَ حَارِسِ غَابَةِ الْمَلِكِ، لِيُعْطِيَنِي خَشَبًا لِدَعَائِمِ أَبْوَابِ قَلْعَةِ بَيْتِ اللهِ وَلِسُورِ الْمَدِينَةِ وَلِلدَّارِ الَّتِي سَأَسْكُنُ فِيهَا.“ فَأَعْطَانِي الْمَلِكُ مَا طَلَبْتُهُ لِأَنَّ إِلَهِي أَحْسَنَ إِلَيَّ وَبَارَكَنِي. فَذَهَبْتُ إِلَى وُلَاةِ مِنْطَقَةِ غَرْبِ الْفُرَاتِ، وَسَلَّمْتُهُمْ رَسَائِلَ الْمَلِكِ. وَكَانَ الْمَلِكُ قَدْ أَرْسَلَ مَعِي ضُبَّاطًا مِنَ الْجَيْشِ وَفُرْسَانًا. وَلَمَّا سَمِعَ سَنْبَلَطُ الْحُورَانِيُّ وَطُوبْيَا الْعَبْدُ الْعَمُّونِيُّ، اِنْزَعَجَا جِدًّا لِأَنَّهُ جَاءَ رَجُلٌ يَسْعَى لِخَيْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَبَعْدَ 3 أَيَّامٍ مِنْ وُصُولِي إِلَى الْقُدْسِ، قُمْتُ فِي اللَّيْلِ وَمَعِي بَعْضُ الرِّجَالِ الْقَلِيلِينَ. وَلَمْ أُخْبِرْ أَحَدًا بِمَا وَضَعَهُ اللهُ فِي قَلْبِي لِأَعْمَلَهُ فِي الْقُدْسِ. وَلَمْ يَكُنْ مَعِي بَهِيمَةٌ إِلَّا الَّتِي كُنْتُ رَاكِبَهَا. فَخَرَجْتُ فِي اللَّيْلِ مِنْ بَوَّابَةِ الْوَادِي، وَاتَّجَهْتُ إِلَى عَيْنِ التِّنِّينِ وَبَوَّابَةِ الزِّبْلِ. وَأَخَذْتُ أَفْحَصُ أَسْوَارَ الْقُدْسِ الْمَهْدُومَةَ، وَأَبْوَابَهَا الَّتِي أَحْرَقَتْهَا النَّارُ. ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى بَوَّابَةِ الْعَيْنِ وَبِرْكَةِ الْمَلِكِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَهِيمَةِ الَّتِي تَحْتِي مَكَانٌ لِلْعُبُورِ. فَأَخَذْتُ أَصْعَدُ إِلَى الْوَادِي فِي اللَّيْلِ، وَأَنَا أَفْحَصُ السُّورَ. وَأَخِيرًا رَجَعْتُ وَدَخَلْتُ مِنْ بَوَّابَةِ الْوَادِي. وَلَمْ يَعْرِفِ الْحُرَّاسُ إِلَى أَيْنَ ذَهَبْتُ، وَلَا مَا عَمِلْتُهُ. كَمَا أَنَّهُ إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ أَكُنْ قَدْ قُلْتُ شَيْئًا فِي هَذَا الشَّأْنِ لِلشَّعْبِ وَالْأَحْبَارِ وَالْقَادَةِ وَالْمَسْئُولِينَ وَالْآخَرِينَ الَّذِينَ سَيَقُومُونَ بِالْعَمَلِ. فَقُلْتُ لَهُمْ: ”أَنْتُمْ تَرَوْنَ الْحَالَةَ السَّيِّئَةَ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا! الْقُدْسُ خَرِبَةٌ وَأَبْوَابُهَا مَحْرُوقَةٌ بِالنَّارِ! تَعَالَوْا نَبْنِي سُورَ الْقُدْسِ، وَنَضَعُ حَدًّا لِهَذَا الْعَارِ.“ وَأَخْبَرْتُهُمْ كَيْفَ أَنَّ إِلَهِي أَحْسَنَ إِلَيَّ وَبَارَكَنِي، وَأَيْضًا عَنْ كَلَامِ الْمَلِكِ الَّذِي قَالَهُ لِي. فَقَالُوا: ”نَقُومُ وَنَبْنِي.“ وَبَدَأُوا فِي تَنْفِيذِ هَذَا الْمَشْرُوعِ الصَّالِحِ. وَلَمَّا سَمِعَ سَنْبَلَطُ الْحُورَانِيُّ وَطُوبْيَا الْعَبْدُ الْعَمُّونِيُّ وَجَاسِمُ الْعَرَبِيُّ، هَزَأُوا بِنَا وَاحْتَقَرُونَا وَقَالُوا: ”مَاذَا تَعْمَلُونَ؟ هَلْ تَتَمَرَّدُونَ عَلَى الْمَلِكِ؟“ وَقُلْتُ لَهُمْ: ”رَبُّ السَّمَاءِ سَيُوَفِّقُنَا. وَنَحْنُ عَبِيدُهُ سَنَقُومُ وَنَبْنِي، أَمَّا أَنْتُمْ فَلَيْسَ لَكُمْ نَصِيبٌ وَلَا حَقٌّ وَلَا ذِكْرٌ فِي الْقُدْسِ.“ فَقَامَ أَلْيَاشِيبُ الْحَبْرُ الْعَظِيمُ وَزُمَلَاؤُهُ الْأَحْبَارُ، وَبَنَوْا بَوَّابَةَ الْغَنَمِ وَكَرَّسُوهَا للهِ وَوَضَعُوا فِيهَا الْبَابَيْنِ. وَرَمَّمُوا السُّورَ إِلَى بُرْجِ الْمِئَةِ وَكَرَّسُوهُ، ثُمَّ رَمَّمُوا إِلَى بُرْجِ حَنَنْئِيلَ. وَبِجَانِبِهِمْ بَنَى رِجَالُ أَرِيحَا، وَبِجَانِبِهِمْ بَنَى زَكُّورُ بْنُ أَمْرِي. وَبَوَّابَةُ السَّمَكِ بَنَاهَا بَنُو هَسْنَاءَةَ، وَوَضَعُوا فِيهَا الدَّعَائِمَ وَالْبَابَيْنِ وَالْأَقْفَالَ وَالْقُضْبَانَ. وَبِجَانِبِهِمْ رَمَّمَ مَرِيمُوثُ بْنُ أُورِيَّا بْنِ هَقُّوصَ، وَبِجَانِبِهِ رَمَّمَ مَشْلَامُ بْنُ بَرَكْيَا بْنِ مَشِيزَبْئِيلَ، وَبِجَانِبِهِ رَمَّمَ صَادِقُ بْنُ بَعْنَا. وَبِجَانِبِهِ رَمَّمَ التَّقُوعِيُّونَ، إِلَّا أَنَّ قَادَتَهُمْ رَفَضُوا أَنْ يَخْضَعُوا فِي هَذَا الْعَمَلِ لِأَوَامِرِ الْقَائِمِينَ بِهِ. وَالْبَوَّابَةُ الْعَتِيقَةُ رَمَّمَهَا يُويَادَاعُ بْنُ فَاسِيحَ وَمَشْلَامُ بْنُ بَسُودْيَا، وَوَضَعَا فِيهَا الدَّعَائِمَ وَالْبَابَيْنِ وَالْأَقْفَالَ وَالْقُضْبَانَ. وَبِجَانِبِهِمَا مَلَطْيَا الْجِبْعُونِيُّ وَيَادُونُ الْمِيرُونُوثِيُّ، وَآخَرُونَ مِنْ أَهْلِ جِبْعُونَ وَالْمِصْفَاةِ، رَمَّمُوا الْقِسْمَ الَّذِي تَحْتَ سُلْطَةِ وَالِي مِنْطَقَةِ غَرْبِ الْفُرَاتِ. وَبِجَانِبِهِمْ رَمَّمَ عُزِّيلُ بْنُ حَرْهَايَا الصَّائِغُ. وَبِجَانِبِهِ رَمَّمَ حَنَنْيَا الْعَطَّارُ، حَتَّى وَصَلَ بِنَاءُ الْقُدْسِ إِلَى السُّورِ الْعَرِيضِ. وَبِجَانِبِهِمَا رَمَّمَ رَفَايَا بْنُ حُورَ، حَاكِمُ نِصْفِ مِنْطَقَةِ الْقُدْسِ. وَبِجَانِبِهِ رَمَّمَ يَدَايَا بْنُ حَرُومَافَ مُقَابِلَ بَيْتِهِ. وَبِجَانِبِهِ رَمَّمَ حَطُّوشُ بْنُ حَشَبْنِيَا. وَرَمَّمَ مَلَكْيَا بْنُ حَارِيمَ وَحَشُوبُ بْنُ فَحَثَ مُوآبَ قِسْمًا آخَرَ وَبُرْجَ الْأَفْرَانِ. وَبِجَانِبِهِمَا رَمَّمَ شَلُّومُ بْنُ هَلُّوحِيشَ، حَاكِمُ نِصْفِ مِنْطَقَةِ الْقُدْسِ، هُوَ وَبَنَاتُهُ. وَبَوَّابَةُ الْوَادِي رَمَّمَهَا حَنُونُ وَسُكَّانُ زَانُوحَ. بَنَوْهَا وَوَضَعُوا فِيهَا الْبَابَيْنِ وَالْأَقْفَالَ وَالْقُضْبَانَ، كَمَا رَمَّمُوا حَوَالَيْ 500 مِتْرٍ مِنَ السُّورِ إِلَى بَوَّابَةِ الزِّبْلِ. أَمَّا بَوَّابَةُ الزِّبْلِ، فَرَمَّمَهَا مَلَكْيَا بْنُ رِكَابَ، حَاكِمُ مِنْطَقَةِ بَيْتَ الْكَرْمِ، بَنَاهَا وَوَضَعَ فِيهَا الْبَابَيْنِ وَالْأَقْفَالَ وَالْقُضْبَانَ. وَبَوَّابَةُ الْعَيْنِ رَمَّمَهَا شَلُّونُ بْنُ كَلْحُوزَةَ، حَاكِمُ مِنْطَقَةِ الْمِصْفَاةِ، بَنَاهَا وَوَضَعَ فِيهَا الدَّعَائِمَ وَالْبَابَيْنِ وَالْأَقْفَالَ وَالْقُضْبَانَ. كَمَا رَمَّمَ سُورَ بِرْكَةِ سِلْوَانَ عِنْدَ حَدِيقَةِ الْمَلِكِ إِلَى السُّلَّمِ النَّازِلِ مِنْ مَدِينَةِ دَاوُدَ. وَبَعْدَهُ نَحَمْيَا بْنُ عَزْبُوقَ حَاكِمُ نِصْفِ مِنْطَقَةِ بَيْتَ صُورَ، رَمَّمَ إِلَى مُقَابِلِ قُبُورِ دَاوُدَ وَالْبِرْكَةِ الِاصْطِنَاعِيَّةِ وَدَارِ الْحَامِيَةِ الْعَسْكَرِيَّةِ. وَبَعْدَهُ رَمَّمَ اللَّاوِيُّونَ بِقِيَادَةِ رَحُومَ بْنِ بَانِي. وَبِجَانِبِهِ حَشَبْيَا حَاكِمُ نِصْفِ مِنْطَقَةِ قَعِيلَةَ، رَمَّمَ فِي مِنْطَقَتِهِ. وَبَعْدَهُ اللَّاوِيُّونَ بِقِيَادَةِ بَنُّويَ بْنِ حِينَادَادَ حَاكِمِ نِصْفِ مِنْطَقَةِ قَعِيلَةَ الْأُخْرَى. وَبِجَانِبِهِ عَازَرُ بْنُ يَشُوعَ حَاكِمُ الْمِصْفَاةِ، رَمَّمَ قِسْمًا ثَانِيًا مِنْ مُقَابِلِ مَطْلَعِ بَيْتِ السِّلَاحِ إِلَى الزَّاوِيَةِ. وَبَعْدَهُ بَارُوخُ بْنُ زَبَّايَ رَمَّمَ بِحَمَاسٍ قِسْمًا آخَرَ مِنْ عِنْدِ الزَّاوِيَةِ إِلَى مَدْخَلِ دَارِ أَلْيَاشِيبَ الْحَبْرِ الْعَظِيمِ. وَبَعْدَهُ رَمَّمَ مَرِيمُوثُ بْنُ أُورِيَّا بْنِ هَقُّوصَ قِسْمًا ثَانِيًا مِنْ مَدْخَلِ دَارِ أَلْيَاشِيبَ إِلَى آخِرِ الدَّارِ. وَبَعْدَهُ رَمَّمَ الْأَحْبَارُ مِنَ الْمَنَاطِقِ الْمُجَاوِرَةِ. وَبَعْدَهُمْ رَمَّمَ بِنْيَمِينُ وَحَشُوبُ مُقَابِلَ دَارِهِمَا، وَبَعْدَهُمَا رَمَّمَ عَزَرْيَا بْنُ مَعَسْيَا بْنِ عَنَنْيَا بِجَانِبِ دَارِهِ. وَبَعْدَهُ رَمَّمَ بَنُّويُ بْنُ حِينَادَادَ قِسْمًا آخَرَ مِنْ بَيْتِ عَزَرْيَا إِلَى الزَّاوِيَةِ وَإِلَى الْمُنْحَنَى. وَفَالَالُ بْنُ أُوزَايَ رَمَّمَ مِنْ مُقَابِلِ الزَّاوِيَةِ وَالْبُرْجِ الْخَارِجِ مِنَ الطَّابِقِ الْعُلْوِيِّ فِي قَصْرِ الْمَلِكِ بِالْقُرْبِ مِنْ سَاحَةِ الْحَرَسِ. وَبَعْدَهُ فَدَايَا بْنُ فَرْعُوشَ. وَخُدَّامُ بَيْتِ اللهِ السَّاكِنُونَ فِي عُوفَلَ، رَمَّمُوا إِلَى مُقَابِلِ بَوَّابَةِ الْمَاءِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْقِ وَالْبُرْجِ الْبَارِزِ إِلَى الْخَارِجِ. وَبَعْدَهُمْ رَمَّمَ التَّقُوعِيُّونَ مُقَابِلَ الْبُرْجِ الْعَظِيمِ الْبَارِزِ إِلَى الْخَارِجِ قِسْمًا آخَرَ إِلَى سُورِ عُوفَلَ. وَرَمَّمَ الْأَحْبَارُ مَا بَعْدَ بَوَّابَةِ الْخَيْلِ، كُلُّ وَاحِدٍ مُقَابِلَ دَارِهِ. وَبَعْدَهُمْ رَمَّمَ صَادِقُ بْنُ إِمِّيرَ مُقَابِلَ دَارِهِ. وَبَعْدَهُ رَمَّمَ شَمَعْيَا بْنُ شَكَنْيَا حَارِسُ الْبَوَّابَةِ الشَّرْقِيَّةِ. وَبَعْدَهُ رَمَّمَ حَنَنْيَا بْنُ شَلَمْيَا وَحَنُونُ الِابْنُ السَّادِسُ لِصَالَافَ قِسْمًا آخَرَ مِنَ السُّورِ. وَبَعْدَهُمَا رَمَّمَ مَشْلَامُ بْنُ بَرَكْيَا مُقَابِلَ غُرْفَتِهِ. وَبَعْدَهُ رَمَّمَ مَلَكْيَا الصَّائِغُ إِلَى دَارِ خُدَّامِ بَيْتِ اللهِ وَسَاحَةِ التُّجَّارِ، مُقَابِلَ بَوَّابَةِ الْعَدِّ حَتَّى إِلَى الْغُرْفَةِ الَّتِي فَوْقَ الزَّاوِيَةِ. وَمَا بَيْنَ هَذِهِ الْغُرْفَةِ وَبَوَّابَةِ الْغَنَمِ رَمَّمَهُ الصَّاغَةُ وَالتُّجَّارُ. وَلَمَّا سَمِعَ سَنْبَلَطُ أَنَّنَا نَبْنِي السُّورَ، غَضِبَ وَاغْتَاظَ جِدًّا، وَهَزَأَ بِالْيَهُودِ. وَقَالَ أَمَامَ زُمَلَائِهِ وَأَمَامَ حَامِيَةِ السَّامِرَةِ: ”مَاذَا يَعْمَلُ هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ الضُّعَفَاءُ؟ هَلْ يَقْدِرُونَ أَنْ يَبْنُوا السُّورَ؟ وَهَلْ يَعُودُونَ إِلَى تَقْدِيمِ الضَّحَايَا؟ هَلْ يُكَمِّلُونَ الْعَمَلَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ؟ وَهَلْ يُعِيدُونَ لِلْحِجَارَةِ عَظَمَتَهَا بَعْدَمَا احْتَرَقَتْ وَصَارَتْ أَنْقَاضًا وَتُرَابًا؟“ وَكَانَ طُوبْيَا الْعَمُّونِيُّ بِجَانِبِهِ فَقَالَ: ”إِنْ صَعِدَ ثَعْلَبٌ عَلَى السُّورِ الَّذِي يَبْنُونَهُ يَهْدِمُ حِجَارَتَهُ!“ فَدَعَوْتُ اللهَ وَقُلْتُ: ”اِسْمَعْ يَا إِلَهَنَا لِأَنَّهُمْ يَحْتَقِرُونَا. رُدَّ شَتَائِمَهُمْ عَلَى رُؤُوسِهِمْ وَاجْعَلْهُمْ غَنِيمَةً وَأَسْرَى فِي بِلَادِ أَعْدَائِهِمْ. وَلَا تَسْتُرْ ذُنُوبَهُمْ وَلَا تَمْحُ خَطِيئَتَهُمْ مِنْ أَمَامِكَ، لِأَنَّهُمْ شَتَمُوا الْبَنَّائِينَ.“ فَثَابَرْنَا عَلَى بِنَاءِ السُّورِ، وَاتَّصَلَ كُلُّهُ وَارْتَفَعَ إِلَى نِصْفِهِ، لِأَنَّ الشَّعْبَ كَانَ مُتَحَمِّسًا. وَلَمَّا سَمِعَ سَنْبَلَطُ وَطُوبْيَا وَالْعَرَبُ وَالْعَمُّونِيُّونَ وَالْأَشْدُودِيُّونَ، أَنَّنَا رَمَّمْنَا أَسْوَارَ الْقُدْسِ وَبَدَأْنَا نَسُدُّ الثُّغْرَاتِ، غَضِبُوا جِدًّا، وَتَآمَرُوا كُلُّهُمْ مَعًا لِيَأْتُوا وَيُحَارِبُوا الْقُدْسَ، وَيُثِيرُوا فِيهَا الْفَوْضَى. فَتَضَرَّعْنَا إِلَى إِلَهِنَا، وَأَقَمْنَا حُرَّاسًا نَهَارًا وَلَيْلًا لِنُوَاجِهَ تَهْدِيدَهُمْ. وَقَالَ شَعْبُ يَهُوذَا: ”ضَعُفَتْ قُوَّةُ الْحَمَّالِينَ، وَالْأَنْقَاضُ كَثِيرَةٌ، وَنَحْنُ لَا نَقْدِرُ أَنْ نَبْنِيَ السُّورَ.“ وَقَالَ أَعْدَاؤُنَا: ”نَنْزِلُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَلَا يَرَوْنَ وَنَقْتُلُهُمْ وَنُوقِفُ الْعَمَلَ.“ ثُمَّ جَاءَ إِلَيْنَا الْيَهُودُ الَّذِينَ كَانُوا جِيرَانَ أَعْدَائِنَا، وَقَالُوا لَنَا 10 مَرَّاتٍ: ”سَيَهْجُمُونَ عَلَيْكُمْ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ.“ فَأَوْقَفْتُ الشَّعْبَ وَرَاءَ السُّورِ فِي الْأَمَاكِنِ الْوَاطِئَةِ وَالْمَكْشُوفَةِ، وَنَظَّمْتُهُمْ حَسَبَ عَائِلَاتِهِمْ وَمَعَهُمْ سُيُوفُهُمْ وَرِمَاحُهُمْ وَأَقْوَاسُهُمْ. وَتَأَمَّلْتُ حَوْلِي، ثُمَّ قُمْتُ وَقُلْتُ لِلْقَادَةِ وَالْوُلَاةِ وَبَقِيَّةِ الشَّعْبِ: ”لَا تَخَافُوا مِنْهُمْ. بَلِ اذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ الرَّهِيبَ، وَحَارِبُوا مِنْ أَجْلِ إِخْوَتِكُمْ وَبَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ وَنِسَائِكُمْ وَدِيَارِكُمْ.“ فَلَمَّا سَمِعَ أَعْدَاؤُنَا أَنَّنَا عَرَفْنَا مُؤَامَرَتَهُمْ وَأَنَّ اللهَ أَبْطَلَهَا، رَجَعْنَا كُلُّنَا إِلَى السُّورِ، كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى شُغْلِهِ. وَمِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، كَانَ نِصْفُ رِجَالِي يَعْمَلُونَ فِي الْبِنَاءِ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يُمْسِكُونَ الرِّمَاحَ وَالْأَتْرَاسَ وَالْأَقْوَاسَ وَالدُّرُوعَ، وَالرُّؤَسَاءُ يُشْرِفُونَ عَلَى كُلِّ شَعْبِ يَهُوذَا فِي بِنَاءِ السُّورِ. وَكَانَ الْحَمَّالُونَ يَحْمِلُونَ مَوَادَّ الْبِنَاءِ بِيَدٍ، وَالسِّلَاحَ فِي الْيَدِ الْأُخْرَى. أَمَّا الْبَنَّاؤُونَ، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَقُومُ بِعَمَلِهِ وَهُوَ مُتَقَلِّدٌ سَيْفَهُ عَلَى جَنْبِهِ. وَكَانَ نَافِخُ الْبُوقِ بِجَانِبِي. وَقُلْتُ لِلْقَادَةِ وَالْوُلَاةِ وَبَقِيَّةِ الشَّعْبِ: ”الْعَمَلُ كَبِيرٌ وَفِي بُقْعَةٍ مُتَّسِعَةٍ، وَنَحْنُ مُتَفَرِّقُونَ عَلَى السُّورِ وَبَعِيدُونَ بَعْضُنَا عَنْ بَعْضٍ. فَالْمَكَانُ الَّذِي تَسْمَعُونَ مِنْهُ صَوْتَ الْبُوقِ، تَجْتَمِعُونَ إِلَيْنَا فِيهِ. وَإِلَهُنَا سَيُحَارِبُ عَنَّا!“ وَبِذَلِكَ كُنَّا نَقُومُ بِالْعَمَلِ وَنِصْفُنَا يُمْسِكُ الرِّمَاحَ، مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى ظُهُورِ النُّجُومِ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، قُلْتُ أَيْضًا لِلشَّعْبِ: ”يَجِبُ أَنْ يَبِيتَ كُلُّ وَاحِدٍ وَمُسَاعِدُهُ دَاخِلَ الْقُدْسِ، لِيَكُونُوا لَنَا حُرَّاسًا فِي اللَّيْلِ وَعُمَّالًا فِي النَّهَارِ.“ وَلَمْ أَكُنْ أَنَا وَلَا إِخْوَتِي وَلَا رِجَالِي وَلَا الْحُرَّاسُ الَّذِينَ مَعِي نَخْلَعُ ثِيَابَنَا، بَلْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَذْهَبُ إِلَى الْمَاءِ وَمَعَهُ سِلَاحُهُ. وَاشْتَكَى بَعْضُ الرِّجَالِ وَنِسَائِهِمْ بِصَوْتٍ عَالٍ ضِدَّ إِخْوَتِهِمِ الْيَهُودِ. وَقَالُوا: ”نَحْنُ وَبَنُونَا وَبَنَاتُنَا كَثِيرُونَ وَنَحْتَاجُ إِلَى الْقَمْحِ لِنَأْكُلَ وَنَعِيشَ.“ وَالْبَعْضُ الْآخَرُ قَالَ: ”رَهَنَّا حُقُولَنَا وَكُرُومَنَا وَدِيَارَنَا لِنَحْصُلَ عَلَى الْقَمْحِ فِي هَذِهِ الْمَجَاعَةِ.“ وَآخَرُونَ قَالُوا: ”اِقْتَرَضْنَا مَالًا لِنَدْفَعَ ضَرِيبَةَ الْمَلِكِ عَلَى حُقُولِنَا وَكُرُومِنَا. نَحْنُ كَبَاقِي إِخْوَتِنَا وَأَوْلَادُنَا كَأَوْلَادِهِمْ، لَكِنَّنَا عَلَى وَشْكِ أَنْ نَبِيعَ أَوْلَادَنَا وَبَنَاتِنَا عَبِيدًا! بَلْ إِنَّ بَعْضَ بَنَاتِنَا مُسْتَعْبَدَاتٌ فِعْلًا، وَمَا بِيَدِنَا حِيلَةٌ، لِأَنَّ حُقُولَنَا وَكُرُومَنَا أَصْبَحَتْ لِغَيْرِنَا.“ فَغَضِبْتُ جِدًّا لَمَّا سَمِعْتُ شَكْوَاهُمْ. وَبَعْدَمَا فَكَّرْتُ فِي الْمَوْضُوعِ جَيِّدًا، وَبَّخْتُ الْقَادَةَ وَالْوُلَاةَ وَقُلْتُ لَهُمْ: ”أَنْتُمْ تَأْخُذُونَ الرِّبَا مِنْ إِخْوَتِكُمْ!“ ثُمَّ اسْتَدْعَيْتُ جَمْعًا غَفِيرًا لِلنَّظَرِ فِي أَمْرِهِمْ. وَقُلْتُ لَهُمْ: ”نَحْنُ حَسَبَ طَاقَتِنَا اشْتَرَيْنَا إِخْوَتَنَا الْيَهُودَ الَّذِينَ كَانُوا عَبِيدًا لِلْأَجَانِبِ، وَالْآنَ أَنْتُمْ تَبِيعُونَهُمْ عَبِيدًا لَنَا!“ فَسَكَتُوا وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُجَاوِبُوا بِشَيْءٍ. فَقُلْتُ: ”عَمَلُكُمْ هَذَا لَا يَصِحُّ أَبَدًا. خَافُوا إِلَهَنَا لِكَيْ لَا يَهْزَأَ بِنَا أَعْدَاؤُنَا الْأَجَانِبُ. أَنَا وَإِخْوَتِي وَرِجَالِي أَقْرَضْنَا هَؤُلَاءِ النَّاسَ مَالًا وَقَمْحًا، دَعُونَا نَتْرُكُ الرِّبَا! وَرُدُّوا لَهُمْ هَذَا الْيَوْمَ حُقُولَهُمْ وَكُرُومَهُمْ وَزَيْتُونَهُمْ وَدِيَارَهُمْ، وَأَيْضًا الْوَاحِدَ فِي الْمِئَةِ الَّذِي تَأْخُذُونَهُ مِنْهُمْ رِبًا مِنَ الْمَالِ وَالْقَمْحِ وَالْخَمْرِ وَالزَّيْتِ.“ فَقَالُوا: ”نَرُدُّ وَلَا نَطْلُبُ مِنْهُمْ شَيْئًا، وَنَعْمَلُ كَمَا تَقُولُ.“ فَاسْتَدْعَيْتُ الْأَحْبَارَ، وَحَلَّفْتُ الْقَادَةَ وَالْوُلَاةَ لِيَعْمَلُوا حَسَبَ هَذَا الْكَلَامِ. ثُمَّ نَفَضْتُ حِجْرِي وَقُلْتُ: ”بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ يَنْفُضُ اللهُ كُلَّ مَنْ لَا يَعْمَلُ بِهَذَا الْكَلَامِ! يَنْفُضُهُ مِنْ دَارِهِ وَمِنْ ثَمَرَةِ تَعَبِهِ، فَيَكُونُ مَنْفُوضًا وَفَارِغًا.“ فَقَالَتِ الْجَمَاعَةُ كُلُّهَا: ”آمِينَ.“ وَسَبَّحُوا اللهَ. وَعَمِلَ الشَّعْبُ حَسَبَ هَذَا الْكَلَامِ. وَأَيْضًا، مُنْذُ عَيَّنَنِي الْمَلِكُ وَالِيًا عَلَى بِلَادِ يَهُوذَا، مِنَ السَّنَةِ الْعِشْرِينَ إِلَى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ لِأَرْتَحَشْتَا الْمَلِكِ، أَيْ مُدَّةَ 12 سَنَةً، لَمْ آكُلْ أَنَا وَلَا إِخْوَتِيَ الْأَطْعِمَةَ الَّتِي مِنْ حَقِّ الْوَالِي. بِعَكْسِ الْوُلَاةِ السَّابِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلِي، الَّذِينَ ثَقَّلُوا عَلَى الشَّعْبِ، وَأَخَذُوا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ حَوَالَيْ نِصْفِ كِيلُوجْرَامٍ مِنَ الْفِضَّةِ وَطَعَامًا وَخَمْرًا. كَمَا تَسَلَّطَ رِجَالُهُمْ عَلَى الشَّعْبِ. أَمَّا أَنَا فَلَمْ أَعْمَلْ هَذَا، لِأَنِّي أَتَّقِي اللهَ. وَكَرَّسْتُ نَفْسِي لِبِنَاءِ السُّورِ، وَكَانَ كُلُّ رِجَالِي مَعًا فِي الْعَمَلِ هُنَاكَ، وَلَمْ نَشْتَرِ أَرْضًا. كَمَا كَانَ يَأْكُلُ عَلَى مَائِدَتِي 150 مِنَ الْيَهُودِ وَالْوُلَاةِ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى الَّذِينَ جَاءُوا إِلَيْنَا مِنَ الشُّعُوبِ الَّتِي حَوْلَنَا. فَكُنَّا نَعْمَلُ كُلَّ يَوْمٍ ثَوْرًا وَ6 خِرَافٍ مُخْتَارَةٍ وَبَعْضَ الطُّيُورِ. وَنُقَدِّمُ كُلَّ 10 أَيَّامٍ خَمْرًا كَثِيرَةً مِنْ كُلِّ نَوْعٍ. وَمَعَ هَذَا لَمْ أَطْلُبِ الْأَطْعِمَةَ الَّتِي مِنْ حَقِّ الْوَالِي، لِأَنَّ الضَّرَائِبَ كَانَتْ ثَقِيلَةً عَلَى هَذَا الشَّعْبِ. فَاذْكُرْنِي يَا إِلَهِي بِالْخَيْرِ عَلَى كُلِّ مَا عَمِلْتُهُ لِهَذَا الشَّعْبِ. وَلَمَّا سَمِعَ سَنْبَلَطُ وَطُوبْيَا وَجَاسِمُ الْعَرَبِيُّ وَبَاقِي أَعْدَائِنَا، بِأَنِّي بَنَيْتُ السُّورَ وَلَمْ تَبْقَ فِيهِ ثُغْرَةٌ، مَعَ أَنِّي لَمْ أَكُنْ إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ قَدْ أَقَمْتُ الْأَبْوَابَ فِي مَكَانِهَا، أَرْسَلَ سَنْبَلَطُ وَجَاسِمُ إِلَيَّ يَقُولَانِ: ”تَعَالَ نَجْتَمِعُ مَعًا فِي إِحْدَى قُرَى سَهْلِ أُونُو.“ وَكَانَا يَنْوِيَانِ لِيَ الشَّرَّ. فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِمَا رُسُلًا بِهَذَا الرَّدِّ: ”أَنَا أَقُومُ بِعَمَلٍ عَظِيمٍ، وَلَا أَقْدِرُ أَنْ أَنْزِلَ. لِمَاذَا يَتَوَقَّفُ الْعَمَلُ بَيْنَمَا أَتْرُكُهُ وَأَذْهَبُ إِلَيْكُمَا؟“ وَأَرْسَلَا إِلَيَّ بِنَفْسِ الْكَلَامِ 4 مَرَّاتٍ، وَجَاوَبْتُهُمَا بِنَفْسِ الْجَوَابِ. وَفِي الْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ، أَرْسَلَ إِلَيَّ سَنْبَلَطُ بِنَفْسِ الْكَلَامِ مَعَ خَادِمِهِ، وَمَعَهُ أَيْضًا رِسَالَةٌ مَفْتُوحَةٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا: ”شَاعَ خَبَرٌ بَيْنَ الشُّعُوبِ، وَجَاسِمُ يَقُولُ إِنَّهُ خَبَرٌ صَحِيحٌ، أَنَّكَ أَنْتَ وَالْيَهُودَ عَازِمُونَ أَنْ تَتَمَرَّدُوا، لِذَلِكَ أَنْتَ تَبْنِي السُّورَ، لِتَكُونَ مَلِكًا عَلَيْهِمْ. وَبِالْإِضَافَةِ إِلَى هَذَا، أَقَمْتَ أَنْبِيَاءَ لِيُنَادُوا بِكَ فِي الْقُدْسِ وَيَقُولُوا: ’عِنْدَنَا مَلِكٌ فِي يَهُوذَا‘ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ سَيَبْلُغُ الْمَلِكَ، لِذَلِكَ تَعَالَ الْآنَ نَتَشَاوَرُ مَعًا فِي الْأَمْرِ.“ فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ وَقُلْتُ: ”هَذَا الْكَلَامُ الَّذِي تَقُولُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ أَنْتَ تَخْتَرِعُهُ مِنْ فِكْرِكَ.“ وَكَانُوا كُلُّهُمْ يُخَوِّفُونَا وَيَقُولُونَ: ”ضَعُفَتْ قُوَّتُهُمْ وَلَنْ يُتَمِّمُوا الْعَمَلَ.“ فَدَعَوْتُ اللهَ وَقُلْتُ: ”يَا إِلَهِي زِدْ قُوَّتِي.“ وَذَاتَ يَوْمٍ ذَهَبْتُ إِلَى دَارِ شَمَعْيَا بْنِ دَلَايَا بْنِ مَهِيطَبِيلَ، لِأَنَّهُ كَانَ مُلَازِمًا الدَّارِ. فَقَالَ لِي: ”تَعَالَ نَجْتَمِعُ دَاخِلَ بَيْتِ اللهِ وَنَقْفِلُ أَبْوَابَهُ، لِأَنَّ الْبَعْضَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْتُوا لِيَقْتُلُوكَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ.“ فَقُلْتُ لَهُ: ”أَرَجُلٌ مِثْلِي يَهْرُبُ، وَهَلْ أَذْهَبُ إِلَى بَيْتِ اللهِ لِأَنْجُوَ بِحَيَاتِي؟ لَا لَنْ أَذْهَبَ!“ وَتَحَقَّقْتُ فِي الْأَمْرِ، فَوَجَدْتُ أَنَّ اللهَ لَمْ يُرْسِلْهُ، بَلِ اسْتَأْجَرَهُ طُوبْيَا وَسَنْبَلَطُ فَتَنَبَّأَ ضِدِّي كِذْبًا. فَاسْتَأْجَرَاهُ لِكَيْ أَخَافَ وَأَعْمَلَ كَمَا قَالَ فَأُخْطِئَ وَتَسُوءَ سُمْعَتِي لِيُعَيِّرَانِي. فَدَعَوْتُ اللهَ وَقُلْتُ: ”اُذْكُرْ يَا إِلَهِي طُوبْيَا وَسَنْبَلَطَ وَأَعْمَالَهُمَا، وَأَيْضًا نُوعَدْيَةَ النَّبِيَّةَ وَبَاقِيَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يُخَوِّفُونِي.“ وَتَمَّ بِنَاءُ السُّورِ فِي الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ أَيْلُولَ، أَيْ فِي 52 يَوْمًا. وَسَمِعَ بِهَذَا كُلُّ أَعْدَائِنَا، وَرَأَتْ كُلُّ الْأُمَمِ الَّتِي حَوْلَنَا، فَفَقَدُوا الثِّقَةَ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَأَدْرَكُوا أَنَّنَا عَمِلْنَا هَذَا بِمَعُونَةِ إِلَهِنَا. وَأَيْضًا فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، كَانَ قَادَةُ يَهُوذَا يُرْسِلُونَ رَسَائِلَ إِلَى طُوبْيَا، وَطُوبْيَا يُرْسِلُ لَهُمْ رَسَائِلَ. لِأَنَّ كَثِيرِينَ فِي يَهُوذَا تَحَالَفُوا مَعَهُ، لِأَنَّهُ صِهْرُ شَكَنْيَا بْنِ آرَحَ، كَمَا أَنَّ يُوحَانَانَ ابْنَهُ أَخَذَ بِنْتَ مَشْلَامَ بْنِ بَرَكْيَا. وَكَانُوا أَيْضًا يَتَحَدَّثُونَ أَمَامِي عَنْ حَسَنَاتِهِ، ثُمَّ يُخْبِرُونَهُ بِمَا قُلْتُ. وَأَرْسَلَ طُوبْيَا رَسَائِلَ لِيُخَوِّفَنِي. وَلَمَّا تَمَّ بِنَاءُ السُّورِ وَأَقَمْتُ الْأَبْوَابَ وَنَظَّمْنَا الْبَوَّابِينَ وَالْمُغَنِّينَ وَاللَّاوِيِّينَ، عَيَّنْتُ لِإِدَارَةِ شُؤُونِ الْقُدْسِ حَنَانِي أَخِي وَحَنَنْيَا قَائِدَ الْقَلْعَةِ، لِأَنَّهُ رَجُلٌ نَزِيهٌ يَتَّقِي اللهَ أَكْثَرَ مِنْ أَغْلَبِ النَّاسِ. وَقُلْتُ لَهُمَا: ”لَا تُفْتَحْ أَبْوَابُ الْقُدْسِ إِلَى أَنْ تَحْمَى الشَّمْسُ. كَمَا يَجِبُ عَلَى الْبَوَّابِينَ أَنْ يَتَأَكَّدُوا أَنَّهُمْ أَغْلَقُوا الْأَبْوَابَ بِالْأَقْفَالِ قَبْلَ أَنْ يَتْرُكُوا نَوْبَةَ الْحِرَاسَةِ. وَعَيِّنُوا حُرَّاسًا مِنْ سُكَّانِ الْقُدْسِ، بَعْضُهُمْ فِي مَرَاكِزِ الْحِرَاسَةِ وَبَعْضُهُمْ كُلُّ وَاحِدٍ عِنْدَ دَارِهِ.“ وَكَانَتِ الْمَدِينَةُ وَاسِعَةً وَكَبِيرَةً وَالشَّعْبُ قَلِيلًا فِي وَسَطِهَا، وَلَمْ تَكُنِ الْبُيُوتُ قَدْ بُنِيَتْ. فَأَلْهَمَنِي إِلَهِي أَنْ أَجْمَعَ الْقَادَةَ وَالْوُلَاةَ وَعَامَّةَ الشَّعْبِ لِيُسَجَّلُوا حَسَبَ عَائِلَاتِهِمْ. وَوَجَدْتُ سِجِلَّ نَسَبِ أَوَّلِ مَنْ رَجَعُوا مِنَ الْمَنْفَى، وَوَجَدْتُ مَكْتُوبًا فِيهِ: هَؤُلَاءِ هُمْ أَهْلُ الْبِلَادِ الَّذِينَ رَجَعُوا مِنَ الْمَنْفَى. كَانَ نَبُوخَذْنَصْرُ مَلِكُ بَابِلَ قَدْ أَسَرَهُمْ، وَالْآنَ رَجَعُوا إِلَى الْقُدْسِ وَيَهُوذَا، كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَدِينَتِهِ. وَجَاءُوا مَعَ زَرْبَابِلَ وَيَشُوعَ وَنَحَمْيَا وَعَزَرْيَا وَرَعَمْيَا وَنَحْمَانِي وَمُرْدَخَايَ وَبِلْشَانَ وَمِسْفَارَتَ وَبِغْوَايَ وَنَحُومَ وَبَعْنَةَ. عَدَدُ رِجَالِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ. بَنُو فَرْعُوشَ 2172. وَبَنُو شَفَطْيَا 372. وَبَنُو آرَحَ 652. وَبَنُو فَحَثَ مُوآبَ مِنْ نَسْلِ يَشُوعَ وَيُوآبَ 2818. وَبَنُو عِيلَامَ 1254. وَبَنُو زَتُّو 845. وَبَنُو زَكَّايَ 760. وَبَنُو بَنُّويَ 648. وَبَنُو بَابَايَ 628. وَبَنُو عَزْجَدَ 2322. وَبَنُو أَدُونِيقَامَ 667. وَبَنُو بِغْوَايَ 2067. وَبَنُو عَادِينَ 655. وَبَنُو آطِيرَ مِنْ نَسْلِ حَزَقِيَّا 98. وَبَنُو حَشُومَ 328. وَبَنُو بِيصَايَ 324. وَبَنُو حَارِيفَ 112. وَبَنُو جِبْعُونَ 95. وَبَنُو بَيْتَ لَحْمَ وَنَطُوفَةَ 188. وَرِجَالُ عَنَاثُوثَ 128. وَبَنُو بَيْتَ عَزْمُوتَ 42. وَبَنُو قَرْيَةِ يَعَارِيمَ وَكَفِيرَةَ وَبَئِيرُوتَ 743. وَبَنُو الرَّامَةِ وَجِبْعَ 621. وَرِجَالُ مِكْمَاشَ 122. وَرِجَالُ بَيْتَ إِيلَ وَعَايَ 123. وَرِجَالُ نَبْوَ الْأُخْرَى 52. وَبَنُو عِيلَامَ الْآخَرِ 1254. وَبَنُو حَارِيمَ 320. وَبَنُو أَرِيحَا 345. وَبَنُو لُودَ وَبَنُو حَادِيدَ وَأُونُو 721. وَبَنُو سَنَاءَةَ 3930. وَالْأَحْبَارُ: بَنُو يَدَعْيَا مِنْ عَائِلَةِ يَشُوعَ 973. وَبَنُو إِمِّيرَ 1052. وَبَنُو فَشْحُورَ 1247. وَبَنُو حَارِيمَ 1017. اللَّاوِيُّونَ: بَنُو يَشُوعَ وَقَدْمِيلَ مِنْ بَنِي هُودَوْيَا 74. الْمُغَنُّونَ: بَنُو آسَافَ 148. الْبَوَّابُونَ: بَنُو شَلُّومَ وَبَنُو آطِيرَ وَبَنُو طَلْمُونَ وَبَنُو عَقُّوبَ وَبَنُو حَطِيطَا وَبَنُو شُوبَايَ 138. خُدَّامُ بَيْتِ اللهِ: بَنُو صِيحَا وَبَنُو حَسُوفَا وَبَنُو طَبَاعُوتَ وَبَنُو قِيرُوسَ وَبَنُو سِيعَا وَبَنُو فَادُونَ وَبَنُو لَبَانَةَ وَبَنُو حَجَابَا وَبَنُو سَلْمَايَ وَبَنُو حَانَانَ وَبَنُو جَدِيلَ وَبَنُو جَحَرَ وَبَنُو رَآيَا وَبَنُو رَصِينَ وَبَنُو نَقُودَا وَبَنُو جَزَّامَ وَبَنُو عُزَّا وَبَنُو فَاسِيحَ وَبَنُو بِيسَايَ وَبَنُو مَعُونِيمَ وَبَنُو نَفُوسِيمَ وَبَنُو بَقْبُوقَ وَبَنُو حَقُوفَا وَبَنُو حَرْحُورَ وَبَنُو بَصْلُوتَ وَبَنُو مَحِيدَا وَبَنُو حَرْشَا وَبَنُو بَرْقُوسَ وَبَنُو سِسْرَا وَبَنُو تَامَحَ وَبَنُو نَصِيحَ وَبَنُو حَطِيفَا. بَنُو عَبِيدِ سُلَيْمَانَ: بَنُو سُوطَايَ وَبَنُو سُوفَرَتَ وَبَنُو فَرِيدَا وَبَنُو يَعْلَةَ وَبَنُو دَرْقُونَ وَبَنُو جَدِيلَ وَبَنُو شَفَطْيَا وَبَنُو حَطِّيلَ وَبَنُو بُوكَرَةَ الظِّبَاءِ وَبَنُو آمُونَ. كُلُّ خُدَّامِ بَيْتِ اللهِ وَبَنِي عَبِيدِ سُلَيْمَانَ 392. أَمَّا الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ تَلِّ الْمِلْحِ وَتَلِّ حَرْشَا وَكَرُوبَ وَأَدُونَ وَإِمِّيرَ، فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُثْبِتُوا أَنَّ عَائِلَاتِهِمْ تَنْتَسِبُ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُمْ بَنُو دَلَايَا وَبَنُو طُوبْيَا وَبَنُو نَقُودَا 642. وَمِنْ بَيْنِ الْأَحْبَارِ بَنُو حَبَايَا وَبَنُو هَقُّوصَ وَبَنُو بَرْزِلَايَ الَّذِي أَخَذَ زَوْجَةً مِنْ بَنَاتِ بَرْزِلَايَ الْجِلْعَادِيِّ وَتَسَمَّى بِاسْمِهِمْ. هَؤُلَاءِ بَحَثُوا عَنْ سِجِلِّ نَسَبِهِمْ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَحُرِمُوا مِنْ أَنْ يَخْدِمُوا كَأَحْبَارٍ. وَأَمَرَهُمُ الْوَالِي أَنْ لَا يَأْكُلُوا مِنَ الطَّعَامِ الْمُكَرَّسِ للهِ إِلَى أَنْ يَقُومَ حَبْرٌ يَفْصِلُ فِي الْأَمْرِ عَنْ طَرِيقِ النُّورِ وَالْأَمَانِ. كُلُّ هَؤُلَاءِ الرَّاجِعِينَ مِنَ الْأَسْرِ 42360، بِالْإِضَافَةِ إِلَى عَبِيدِهِمْ وَجَوَارِيهِمْ وَهُمْ 7337، وَالْمُغَنِّينَ وَالْمُغَنِّيَاتِ وَهُمْ 245. وَخَيْلُهُمْ 736، وَبِغَالُهُمْ 245. وَجِمَالُهُمْ 435، وَحَمِيرُهُمْ 6720. وَتَبَرَّعَ بَعْضُ رُؤَسَاءِ الْعَائِلَاتِ لِلْعَمَلِ. فَأَعْطَى الْوَالِي لِلْخِزَانَةِ حَوَالَيْ 8 كِيلُوجْرَامَاتٍ مِنَ الذَّهَبِ، وَ50 كَأْسًا، وَ530 قَمِيصًا لِلْأَحْبَارِ. وَأَعْطَى بَعْضُ رُؤَسَاءِ الْعَائِلَاتِ لِخِزَانَةِ الْعَمَلِ حَوَالَيْ 170 كِيلُوجْرَامًا مِنَ الذَّهَبِ، وَطِنٍّ وَخُمْسٍ مِنَ الْفِضَّةِ. وَبَقِيَّةُ الشَّعْبِ أَعْطُوا حَوَالَيْ 170 كِيلُوجْرَامًا مِنَ الذَّهَبِ، وَطِنٍّ وَعُشْرٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَ67 قَمِيصًا لِلْأَحْبَارِ. فَسَكَنَ الْأَحْبَارُ وَاللَّاوِيُّونَ وَالْبَوَّابُونَ وَالْمُغَنُّونَ وَبَعْضُ الشَّعْبِ وَالْوَالِي وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي مُدُنِهِمْ. فَاسْتَقَرَّ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي مُدُنِهِمْ. وَلَمَّا جَاءَ الشَّهْرُ السَّابِعُ، اِجْتَمَعَ كُلُّ الشَّعْبِ مَعًا فِي السَّاحَةِ الَّتِي أَمَامَ بَوَّابَةِ الْمَاءِ. وَقَالُوا لِعَزْرَا الْفَقِيهِ فِي الشَّرِيعَةِ أَنْ يُحْضِرَ تَوْرَاةَ مُوسَى الَّتِي أَعْطَاهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. وَفِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ أَحْضَرَ عَزْرَا الْحَبْرُ التَّوْرَاةَ أَمَامَ الْجَمَاعَةِ، مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَكُلِّ قَادِرٍ أَنْ يَفْهَمَ مَا يَسْمَعُهُ. وَأَخَذَ عَزْرَا يَقْرَأُهَا فِي السَّاحَةِ الَّتِي أَمَامَ بَوَّابَةِ الْمَاءِ، مِنَ الصُّبْحِ إِلَى الظُّهْرِ، أَمَامَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْفَاهِمِينَ. وَكَانَ كُلُّ الشَّعْبِ يُصْغِي إِلَى كَلَامِ التَّوْرَاةِ. وَوَقَفَ عَزْرَا الْفَقِيهُ عَلَى مِنْبَرِ الْخَشَبِ الَّذِي عَمِلُوهُ لِهَذَا الْقَصْدِ، وَوَقَفَ عَنْ يَمِينِهِ مَتَّثْيَا وَشَمَعُ وَعَنَايَا وَأُورِيَّا وَحِلْقِيَا وَمَعَسْيَا، وَعَنْ شِمَالِهِ فَدَايَا وَمِيشَائِيلُ وَمَلَكْيَا وَحَشُومُ وَحَشْبَدَانَةُ وَزَكَرِيَّا وَمَشْلَامُ. وَفَتَحَ عَزْرَا الْكِتَابَ، فَرَآهُ كُلُّ الشَّعْبِ لِأَنَّهُ كَانَ وَاقِفًا فِي مَكَانٍ أَعْلَى مِنْهُمْ. فَلَمَّا فَتَحَهُ وَقَفَ كُلُّ الشَّعْبِ. وَبَارَكَ عَزْرَا الْمَوْلَى الْإِلَهَ الْعَظِيمَ، وَرَفَعَ كُلُّ الشَّعْبِ أَيْدِيَهُمْ وَقَالُوا: ”آمِينَ، آمِينَ.“ ثُمَّ رَكَعُوا وَسَجَدُوا للهِ بِوُجُوهِهِمْ نَحْوَ الْأَرْضِ. وَكَانَ اللَّاوِيُّونَ يَشُوعُ وَبَانِي وَشَرَبْيَا وَيَامِينُ وَعَقُّوبُ وَشَبْتَايُ وَهُودِيَّا وَمَعَسْيَا وَقَلِيطَا وَعَزَرْيَا وَيُوزَابَادُ وَحَانَانُ وَفَلَايَا، يَشْرَحُونَ الشَّرِيعَةَ لِلشَّعْبِ، وَالشَّعْبُ وَاقِفٌ فِي مَكَانِهِ. وَكَانُوا يَقْرَأُونَ مِنْ كِتَابِ تَوْرَاةِ اللهِ بِوُضُوحٍ، وَيُفَسِّرُونَ الْمَعْنَى لِيَفْهَمَ النَّاسُ الْكَلَامَ. فَبَكَى كُلُّ الشَّعْبِ لَمَّا سَمِعُوا كَلَامَ التَّوْرَاةِ، فَقَالَ لَهُمْ نَحَمْيَا الْوَالِي وَعَزْرَا الْحَبْرُ الْفَقِيهُ وَاللَّاوِيُّونَ الَّذِينَ كَانُوا يُفَهِّمُونَ الشَّعْبَ: ”هَذَا الْيَوْمُ مُقَدَّسٌ لِلْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، فَلَا تَنُوحُوا وَلَا تَبْكُوا!“ وَقَالَ نَحَمْيَا: ”رُوحُوا كُلُوا مَا طَابَ لَكُمْ وَاشْرَبُوا مَا حَلَا لَكُمْ، وَابْعَثُوا أَنْصِبَةً لِمَنْ لَيْسَ عِنْدَهُمْ. هَذَا الْيَوْمُ مُقَدَّسٌ لِرَبِّنَا، فَلَا تَحْزَنُوا لِأَنَّ الْفَرَحَ الَّذِي مِنَ اللهِ يُقَوِّيكُمْ.“ وَكَانَ اللَّاوِيُّونَ يُسَكِّتُونَ كُلَّ الشَّعْبِ وَقَالُوا لَهُمْ: ”اُسْكُتُوا لِأَنَّ هَذَا الْيَوْمَ مُقَدَّسٌ، فَلَا تَحْزَنُوا.“ فَانْصَرَفَ كُلُّ الشَّعْبِ لِيَأْكُلُوا وَيَشْرَبُوا وَيَبْعَثُوا أَنْصِبَةً وَيَفْرَحُوا فَرَحًا عَظِيمًا، لِأَنَّهُمْ فَهِمُوا الْكَلَامَ الَّذِي تَعَلَّمُوهُ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي اجْتَمَعَ كُلُّ رُؤَسَاءِ عَائِلَاتِ الشَّعْبِ وَالْأَحْبَارُ وَاللَّاوِيُّونَ، مَعَ عَزْرَا الْفَقِيهِ لِيَدْرُسُوا التَّوْرَاةَ. فَوَجَدُوا مَكْتُوبًا فِي التَّوْرَاةِ الَّتِي أَعْطَاهَا اللهُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ بِوَاسِطَةِ مُوسَى، أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُقِيمُوا فِي خِيَامٍ، فِي أَثْنَاءِ الْعِيدِ الَّذِي فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ. وَأَنْ يُذِيعُوا وَيُنَادُوا فِي كُلِّ مُدُنِهِمْ وَفِي الْقُدْسِ وَيَقُولُوا: ”اُخْرُجُوا إِلَى الْجَبَلِ، وَهَاتُوا أَغْصَانَ زَيْتُونٍ وَصَنُوبَرٍ وَرَيْحَانٍ وَنَخْلٍ وَأَغْصَانَ شَجَرٍ كَثِيفٍ وَاعْمَلُوا خِيَامًا كَمَا يَقُولُ الْكِتَابُ.“ فَخَرَجَ الشَّعْبُ وَأَحْضَرُوا الْأَغْصَانَ، وَعَمِلُوا لِأَنْفُسِهِمْ خِيَامًا، كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى سَطْحِهِ أَوْ فِي سَاحَةِ دَارِهِ، وَأَيْضًا فِي سَاحَاتِ بَيْتِ اللهِ، وَفِي سَاحَةِ بَوَّابَةِ الْمَاءِ، وَفِي سَاحَةِ بَوَّابَةِ أَفْرَايِمَ. فَعَمِلَ كُلُّ الَّذِينَ رَجَعُوا مِنَ الْمَنْفَى خِيَامًا، وَأَقَامُوا فِيهَا. وَمِنْ أَيَّامِ يَشُوعَ بْنِ نُونَ إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ، لَمْ يَحْتَفِلْ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِعِيدِ الْخِيَامِ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ. وَكَانُوا فَرْحَانِينَ جِدًّا. وَقَرَأَ لَهُمْ عَزْرَا مِنْ تَوْرَاةِ اللهِ كُلَّ يَوْمٍ، مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ فِي الْعِيدِ إِلَى آخِرِ يَوْمٍ. فَعَمِلُوا الْعِيدَ 7 أَيَّامٍ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ عَمِلُوا احْتِفَالًا حَسَبَ الْمَفْرُوضِ. وَفِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ نَفْسِ الشَّهْرِ، اِجْتَمَعَ الشَّعْبُ صَائِمِينَ وَلَابِسِينَ الْخَيْشَ وَعَلَيْهِمْ تُرَابٌ. وَالَّذِينَ هُمْ أَصْلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَرَزُوا أَنْفُسَهُمْ عَنْ كُلِّ الْغُرَبَاءِ، وَوَقَفُوا وَاعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ وَشُرُورِ آبَائِهِمْ. وَبَقَوْا فِي أَمَاكِنِهِمْ، بَيْنَمَا كَانَتْ تُقْرَأُ عَلَيْهِمُ التَّوْرَاةُ، أَيْ كِتَابُ اللهِ، حَوَالَيْ 3 سَاعَاتٍ. وَكَانُوا يَحْمَدُونَ اللهَ وَيَسْجُدُونَ لَهُ 3 سَاعَاتٍ أُخْرَى. وَكَانَ يَشُوعُ وَبَانِي وَقَدْمِيلُ وَشَبَنْيَا وَبُنِّي وَشَرَبْيَا وَبَانِي وَكَنَانِي، وَاقِفِينَ عَلَى مِنْبَرِ اللَّاوِيِّينَ، وَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَالٍ إِلَى الْمَوْلَى إِلَهِهِمْ. وَقَالَ اللَّاوِيُّونَ يَشُوعُ وَقَدْمِيلُ وَبَانِي وَحَشَبْنِيَا وَشَرَبْيَا وَهُودِيَّا وَشَبَنْيَا وَفَتَحْيَا: ”قُومُوا بَارِكُوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ وَقُولُوا: ’تَبَارَكَ اسْمُكَ الْجَلِيلُ مِنَ الْأَزَلِ إِلَى الْأَبَدِ، فَهُوَ أَسْمَى مِنْ كُلِّ بَرَكَةٍ وَتَسْبِيحٍ. أَنْتَ وَحْدَكَ هُوَ اللهُ. أَنْتَ صَنَعْتَ السَّمَاءَ، بَلْ كُلَّ السَّمَاوَاتِ وَكَوَاكِبَهَا، وَالْأَرْضَ وَكُلَّ مَا عَلَيْهَا، وَالْبِحَارَ وَكُلَّ مَا فِيهَا. أَنْتَ وَاهِبُ الْحَيَاةِ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَمَلَائِكَةُ السَّمَاءِ تَسْجُدُ لَكَ. ”’أَنْتَ هُوَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ الَّذِي اخْتَرْتَ أَبْرَامَ، وَأَخْرَجْتَهُ مِنْ أُورَ الْكَلْدَانِيِّينَ وَسَمَّيْتَهُ إِبْرَاهِيمَ. وَوَجَدْتَ قَلْبَهُ أَمِينًا لَكَ، وَعَمِلْتَ مَعَهُ عَهْدًا أَنْ تُعْطِيَ نَسْلَهُ أَرْضَ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ. وَأَتْمَمْتَ وَعْدَكَ لِأَنَّكَ صَالِحٌ. فَرَأَيْتَ ذُلَّ آبَائِنَا فِي مِصْرَ، وَسَمِعْتَ صُرَاخَهُمْ عِنْدَ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ. وَأَرْسَلْتَ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ عَلَى فِرْعَوْنَ وَكُلِّ عَبِيدِهِ وَكُلِّ شَعْبِ بِلَادِهِ، لِأَنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُمْ أَسَاءُوا إِلَيْهِمْ. فَاشْتَهَرْتَ بِهَذَا إِلَى الْيَوْمِ. وَفَلَقْتَ الْبَحْرَ أَمَامَهُمْ، فَعَبَرُوا فِي وَسَطِهِ عَلَى أَرْضٍ يَابِسَةٍ. أَمَّا الَّذِينَ كَانُوا يُطَارِدُونَهُمْ، فَطَرَحْتَهُمْ فِي الْأَعْمَاقِ كَحَجَرٍ غَاصَ فِي مِيَاهٍ هَائِجَةٍ. وَهَدَيْتَ آبَاءَنَا بِعَمُودِ سَحَابٍ فِي النَّهَارِ، وَبِعَمُودِ نَارٍ فِي اللَّيْلِ، لِتُنِيرَ لَهُمُ الطَّرِيقَ الَّتِي يَسِيرُونَ فِيهَا. وَنَزَلْتَ عَلَى جَبَلِ سِينَاءَ، وَكَلَّمْتَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ، وَأَعْطَيْتَهُمْ أَحْكَامًا وَشَرَائِعَ عَادِلَةً وَمُسْتَقِيمَةً وَفَرَائِضَ وَوَصَايَا صَالِحَةً. وَعَلَّمْتَهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا لَكَ يَوْمَ السَّبْتِ مُقَدَّسًا. وَأَمَرْتَهُمْ بِوَصَايَا وَفَرَائِضَ وَشَرَائِعَ بِوَاسِطَةِ مُوسَى عَبْدِكَ. فَلَمَّا جَاعُوا أَعْطَيْتَهُمْ خُبْزًا مِنَ السَّمَاءِ، وَلَمَّا عَطِشُوا أَخْرَجْتَ لَهُمْ مَاءً مِنَ الصَّخْرَةِ. وَقُلْتَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا وَيَمْلِكُوا الْأَرْضَ الَّتِي حَلَفْتَ يَمِينًا أَنْ تُعْطِيَهَا لَهُمْ. ”’لَكِنَّ آبَاءَنَا تَكَبَّرُوا وَعَانَدُوا وَلَمْ يُطِيعُوا وَصَايَاكَ. رَفَضُوا أَنْ يَسْمَعُوا، وَلَمْ يَذْكُرُوا عَجَائِبَكَ الَّتِي صَنَعْتَهَا لَهُمْ، بَلْ عَانَدُوا وَتَمَرَّدُوا وَاخْتَارُوا لَهُمْ قَائِدًا لِيَرْجِعُوا إِلَى الْعُبُودِيَّةِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا. لَكِنَّكَ إِلَهٌ غَفُورٌ وَحَنُونٌ وَرَحِيمٌ وَحَلِيمٌ، أَنْتَ مُحِبٌّ جِدًّا فَلَمْ تَتْرُكْهُمْ. هَذَا مَعَ أَنَّهُمْ صَنَعُوا لَهُمْ عِجْلًا مَسْبُوكًا وَقَالُوا: ”هَذَا إِلَهُنَا الَّذِي أَخْرَجَنَا مِنْ مِصْرَ.“ وَأَهَانُوكَ جِدًّا. لَكِنَّكَ مِنْ رَحْمَتِكَ الْوَفِيرَةِ لَمْ تَتْرُكْهُمْ فِي الصَّحْرَاءِ، بَلْ هَدَيْتَهُمْ بِعَمُودِ سَحَابٍ فِي النَّهَارِ، وَبِعَمُودِ نَارٍ فِي اللَّيْلِ، لِتُنِيرَ لَهُمُ الطَّرِيقَ الَّتِي يَسِيرُونَ فِيهَا. وَأَعْطَيْتَهُمْ رُوحَكَ الصَّالِحَ لِيُعَلِّمَهُمْ، وَلَمْ تَمْنَعِ الْمَنَّ عَنْ أَفْوَاهِهِمْ، وَلَمَّا عَطِشُوا أَعْطَيْتَهُمْ مَاءً. وَعُلْتَهُمْ 40 سَنَةً فِي الصَّحْرَاءِ، فَلَمْ يَحْتَاجُوا وَلَا بَلِيَتْ ثِيَابُهُمْ وَلَا تَوَرَّمَتْ أَرْجُلُهُمْ. وَأَعْطَيْتَهُمْ مَمَالِكَ وَشُعُوبًا وَحُدُودًا بَعِيدَةً، فَمَلَكُوا أَرْضَ سِيحُونَ مَلِكِ حَشْبُونَ وَأَرْضَ عُوجَ مَلِكِ بَاشَانَ. وَجَعَلْتَ بَنِيهِمْ كَثِيرِينَ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، وَأَحْضَرْتَهُمْ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي قُلْتَ لِآبَائِهِمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا وَيَمْتَلِكُوهَا. فَدَخَلَ بَنُوهُمْ وَامْتَلَكُوا الْأَرْضَ. وَأَخْضَعْتَ لَهُمُ الْكَنْعَانِيِّينَ سُكَّانَ الْبِلَادِ، وَنَصَرْتَهُمْ عَلَى الْكَنْعَانِيِّينَ وَعَلَى مُلُوكِهِمْ وَعَلَى شُعُوبِ الْبِلَادِ فَعَمِلُوا بِهِمْ مَا أَرَادُوا. وَاسْتَوْلَوْا عَلَى مُدُنٍ حَصِينَةٍ وَأَرْضٍ خَصِيبَةٍ، وَامْتَلَكُوا دِيَارًا مَلْآنَةً كُلَّ خَيْرٍ وَآبَارًا مَحْفُورَةً وَكُرُومًا وَزَيْتُونًا وَأَشْجَارًا مُثْمِرَةً بِوَفْرَةٍ، فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا وَسَمِنُوا وَتَمَتَّعُوا بِخَيْرِكَ الْعَمِيمِ. وَلَكِنَّهُمْ عَصَوْكَ وَتَمَرَّدُوا عَلَيْكَ، وَطَرَحُوا شَرِيعَتَكَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ الَّذِينَ أَنْذَرُوهُمْ لِيُرْجِعُوهُمْ إِلَيْكَ، وَأَهَانُوكَ جِدًّا. فَأَوْقَعْتَهُمْ فِي يَدِ أَعْدَائِهِمْ فَضَايَقُوهُمْ. فَلَمَّا اسْتَغَاثُوا بِكَ فِي ضِيقِهِمْ، اِسْتَجَبْتَ مِنَ السَّمَاءِ وَحَسَبَ رَحْمَتِكَ الْوَفِيرَةِ أَعْطَيْتَهُمْ مُنْقِذِينَ أَنْقَذُوهُمْ مِنْ يَدِ أَعْدَائِهِمْ. لَكِنَّهُمْ لَمَّا ارْتَاحُوا، رَجَعُوا إِلَى عَمَلِ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِكَ، فَتَرَكْتَهُمْ فِي يَدِ أَعْدَائِهِمْ، فَتَسَلَّطُوا عَلَيْهِمْ. فَلَمَّا عَادُوا وَاسْتَغَاثُوا بِكَ، اِسْتَجَبْتَ مِنَ السَّمَاءِ وَحَسَبَ رَحْمَتِكَ الْوَفِيرَةِ أَنْقَذْتَهُمْ مِرَارًا كَثِيرَةً. وَأَنْذَرْتَهُمْ لِيَرْجِعُوا إِلَى شَرِيعَتِكَ، لَكِنَّهُمْ تَكَبَّرُوا وَلَمْ يَسْمَعُوا لِوَصَايَاكَ. إِنْ أَطَاعَ الْوَاحِدُ أَحْكَامَكَ يَحْيَا، لَكِنَّهُمْ أَخْطَأُوا ضِدَّ أَحْكَامِكَ، وَرَفَضُوا وَعَانَدُوا وَلَمْ يَسْمَعُوا. فَاحْتَمَلْتَهُمْ سِنِينَ كَثِيرَةً، وَأَنْذَرْتَهُمْ بِرُوحِكَ بِوَاسِطَةِ أَنْبِيَائِكَ، فَلَمْ يَنْتَبِهُوا. فَأَوْقَعْتَهُمْ فِي يَدِ الشُّعُوبِ الْأُخْرَى. وَلَكِنَّكَ بِسَبَبِ رَحْمَتِكَ الْوَفِيرَةِ، لَمْ تُفْنِهِمْ وَلَمْ تَتْرُكْهُمْ، لِأَنَّكَ إِلَهٌ حَنُونٌ رَحِيمٌ. ”’فَالْآنَ يَا إِلَهَنَا، أَيُّهَا الْإِلَهُ الْعَظِيمُ الْقَدِيرُ الرَّهِيبُ، يَا مَنْ تَحْفَظُ الْعَهْدَ وَتَرْحَمُ، لَا تَظُنَّ أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الضِّيقَاتِ بَسِيطَةٌ، الَّتِي أَصَابَتْنَا نَحْنُ وَمُلُوكَنَا وَرُؤَسَاءَنَا وَأَحْبَارَنَا وَأَنْبِيَاءَنَا وَآبَاءَنَا وَكُلَّ شَعْبِكَ مِنْ أَيَّامِ مُلُوكِ أَشُّورَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. أَنْتَ عَادِلٌ وَعَلَى حَقٍّ فِي كُلِّ مَا جَاءَ عَلَيْنَا، لِأَنَّنَا أَذْنَبْنَا، وَلَمْ يَعْمَلْ مُلُوكُنَا وَرُؤَسَاؤُنَا وَأَحْبَارُنَا وَآبَاؤُنَا بِشَرِيعَتِكَ، وَلَا انْتَبَهُوا إِلَى وَصَايَاكَ وَإِنْذَارَاتِكَ الَّتِي أَنْذَرْتَهُمْ بِهَا. وَلَمْ يَعْبُدُوكَ لَمَّا كَانُوا فِي مَمْلَكَتِهِمْ يَتَمَتَّعُونَ بِخَيْرِكَ الْكَثِيرِ، وَفِي الْأَرْضِ الْوَاسِعَةِ الْخَصِيبَةِ الَّتِي وَهَبْتَهَا لَهُمْ، وَلَمْ يَتُوبُوا عَنْ سُلُوكِهِمِ الرَّدِيءِ. فَنَحْنُ الْيَوْمَ عَبِيدٌ فِي الْأَرْضِ الَّتيِ أَعْطَيْتَهَا لِآبَائِنَا لِيَأْكُلُوا ثَمَرَهَا وَخَيْرَهَا. حَتَّى إِنَّ غَلَّاتِهَا الْوَفِيرَةَ يَأْخُذُهَا الْمُلُوكُ الَّذِينَ وَضَعْتَهُمْ فَوْقَنَا لِأَنَّنَا أَخْطَأْنَا، وَهُمْ يَتَسَلَّطُونَ عَلَى أَجْسَامِنَا وَعَلَى بَهَائِمِنَا كَمَا يَشَاءُونَ، وَنَحْنُ فِي ضِيقٍ شَدِيدٍ. وَبِسَبَبِ كُلِّ هَذَا، نَحْنُ نَعْمَلُ عَهْدًا وَنَكْتُبُهُ، وَرُؤَسَاؤُنَا وَلَاوِيُّونَا وَأَحْبَارُنَا يَخْتِمُونَ.‘“ وَالَّذِينَ خَتَمُوا هُمْ نَحَمْيَا الْوَالِي ابْنُ حَكَلْيَا وَصِدْقِيَا وَسَرَايَا وَعَزَرْيَا وَيَرْمِيَا وَفَشْحُورُ وَأَمَرْيَا وَمَلَكْيَا وَحَطُّوشُ وَشَبَنْيَا وَمَلُّوخُ وَحَارِيمُ وَمَرِيمُوثُ وَعُوبَدْيَا وَدَانِيَالُ وَجِنْثُونُ وَبَارُوخُ وَمَشْلَامُ وَأَبِيَّا وَمِيَّمِينُ وَمَعَزْيَا وَبِلْجَايُ وَشَمَعْيَا. هَؤُلَاءِ هُمُ الْأَحْبَارُ. وَاللَّاوِيُّونَ: يَشُوعُ بْنُ أَسْنِيَا وَبَنُّويُ مِنْ بَنِي حِينَادَادَ وَقَدْمِيلُ وَزُمَلَاؤُهُمْ شَبَنْيَا وَهُودِيَّا وَقَلِيطَا وَفَلَايَا وَحَانَانُ. وَمِيخَا وَرَحُوبُ وَحَشَبْيَا وَزَكُّورُ وَشَرَبْيَا وَشَبَنْيَا وَهُودِيَّا وَبَانِي وَبَنِينُو. وَرُؤَسَاءُ الشَّعْبِ: فَرْعُوشُ وَفَحَثُ مُوَآبَ وَعِيلَامُ وَزَتُّو وَبَانِي وَبُنِّي وَعَزْجَدُ وَبَابَايُ وَأَدُونْيَا وَبِغْوَايُ وَعَادِينُ وَآطِيرُ وَحَزَقِيَّا وَعَزُّورُ وَهُودِيَّا وَحَشُومُ وَبِيصَايُ وَحَارِيفُ وَعَنَاثُوثُ وَنِيبَايُ وَمَجْفِيعَاشُ وَمَشْلَامُ وَحَزِيرُ وَمَشِيزَبْئِيلُ وَصَادِقُ وَيَدُّوعُ وَفَلَطْيَا وَحَانَانُ وَعَنَايَا وَهُوشَعُ وَحَنَنْيَا وَحَشُوبُ وَهَلُوحِيشُ وَفِلْحَا وَشُوبِيقُ وَرَحُومُ وَحَشَبْنَا وَمَعَسْيَا وَأَخِيَّا وَحَانَانُ وَعَانَانُ وَمَلُّوخُ وَحَارِيمُ وَبَعْنَةُ. وَبَاقِي الشَّعْبِ مِنْ أَحْبَارٍ وَلَاوِيِّينَ وَبَوَّابِينَ وَمُغَنِّينَ وَخُدَّامِ بَيْتِ اللهِ وَكُلِّ الَّذِينَ فَرَزُوا أَنْفُسَهُمْ عَنِ الشُّعُوبِ الْأُخْرَى، لِيَعْمَلُوا بِشَرِيعَةِ اللهِ، وَنِسَائِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ وَبَنَاتِهِمْ وَكُلِّ قَادِرٍ أَنْ يَعْرِفَ وَيَفْهَمَ، اِنْضَمُّوا إِلَى إِخْوَتِهِمْ وَقَادَتِهِمْ، وَتَعَهَّدُوا وَحَلَفُوا أَنْ يَسْلُكُوا حَسَبَ شَرِيعَةِ اللهِ الَّتِي أَعْطَاهَا بِوَاسِطَةِ مُوسَى عَبْدِهِ، وَأَنْ يُطِيعُوا كُلَّ وَصَايَا الْمَوْلَى إِلَهِنَا وَأَحْكَامِهِ وَفَرَائِضِهِ وَيَعْمَلُوا بِهَا. وَقَالُوا: ”نَتَعَهَّدُ أَنْ لَا نُعْطِيَ بَنَاتِنَا لِلشُّعُوبِ الْأُخْرَى، وَلَا نَأْخُذَ بَنَاتِهِمْ لِأَوْلَادِنَا. وَعِنْدَمَا يَأْتِي أَفْرَادُ هَذِهِ الشُّعُوبِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ لِيَبِيعُوا الْبَضَائِعَ وَالطَّعَامَ، لَا نَشْتَرِي مِنْهُمْ فِي السَّبْتِ وَلَا فِي أَيِّ يَوْمٍ مُقَدَّسٍ. وَأَنْ نَمْتَنِعَ عَنْ زِرَاعَةِ الْأَرْضِ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ، وَنُلْغِيَ فِيهَا كُلَّ الدُّيُونِ. وَأَنْ نَفْرِضَ عَلَى أَنْفُسِنَا أَنْ نَدْفَعَ 4 جِرَامَاتٍ مِنَ الْفِضَّةِ كُلَّ سَنَةٍ، لِخِدْمَةِ بَيْتِ إِلَهِنَا، لِإِعْدَادِ الْخُبْزِ الْمُقَدَّسِ الَّذِي يُوضَعُ فِي مَحْضَرِ اللهِ، وَقُرْبَانِ الدَّقِيقِ الْيَوْمِيِّ، وَالْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ يَوْمِيًّا، وَقَرَابِينِ السَّبْتِ وَرَأْسِ الشَّهْرِ وَالْأَعْيَادِ، وَالْقُرْبَانِ الْمُقَدَّسِ، وَقُرْبَانِ الذَّنْبِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلِكُلِّ عَمَلٍ فِي بَيْتِ إِلَهِنَا. ”وَنَحْنُ الْأَحْبَارُ وَاللَّاوِيُّونَ وَالشَّعْبُ، أَلْقَيْنَا قُرْعَةً لِتَأْتِيَ كُلُّ عَائِلَةٍ مِنَّا فِي أَوْقَاتٍ مُعَيَّنَةٍ كُلَّ سَنَةٍ، بِتَبَرُّعٍ مِنَ الْحَطَبِ اللَّازِمِ لِيُحْرَقَ عَلَى مَنَصَّةِ اللهِ، كَمَا هُوَ وَارِدٌ فِي التَّوْرَاةِ. وَنَتَعَهَّدُ أَيْضًا أَنْ نُحْضِرَ إِلَى بَيْتِ اللهِ كُلَّ سَنَةٍ أَوَّلَ غَلَّةِ أَرْضِنَا وَأَوَّلَ ثَمَرِ كُلِّ شَجَرَةٍ. وَكَمَا هُوَ وَارِدٌ أَيْضًا فِي التَّوْرَاةِ، نُحْضِرُ أَبْكَارَ أَوْلَادِنَا وَبَهَائِمِنَا، وَأَبْكَارَ بَقَرِنَا وَغَنَمِنَا، إِلَى بَيْتِ الْمَوْلَى إِلَهِنَا، إِلَى الْأَحْبَارِ الَّذِينَ يَخْدِمُونَ فِيهِ. كَمَا نَتَعَهَّدُ أَنْ نُحْضِرَ إِلَى مَخَازِنِ بَيْتِ إِلَهِنَا، إِلَى الْأَحْبَارِ، أَوَّلَ عَجِينِنَا وَقَرَابِينِنَا، وَأَوَّلَ ثَمَرِ كُلِّ أَشْجَارِنَا وَخَمْرِنَا وَزَيْتِنَا. وَنُحْضِرَ إِلَى اللَّاوِيِّينَ عُشْرَ مَحَاصِيلِ أَرْضِنَا، لِأَنَّ اللَّاوِيِّينَ يَجْمَعُونَ الْعُشْرَ فِي كُلِّ الْبِلَادِ الَّتِي نَعْمَلُ فِيهَا. وَيَكُونُ حَبْرٌ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ مَعَ اللَّاوِيِّينَ حِينَ يَجْمَعُونَ الْعُشْرَ. وَيَضَعُ اللَّاوِيُّونَ عُشْرَ الْعُشْرِ فِي مَخَازِنِ بَيْتِ إِلَهِنَا. فَيُحْضِرُ الشَّعْبُ وَبَنُو لَاوِي تَبَرُّعَاتِهِمْ مِنْ قَمْحٍ وَخَمْرٍ وَزَيْتٍ إِلَى الْمَخَازِنِ، حَيْثُ تُحْفَظُ الْآنِيَةُ الْمُقَدَّسَةُ، وَحَيْثُ يُقِيمُ الْأَحْبَارُ وَالْخَدَّامُ وَالْبَوَّابُونَ وَالْمُغَنُّونَ. فَلَنْ نُهْمِلَ بَيْتَ إِلَهِنَا.“ وَسَكَنَ رُؤَسَاءُ الشَّعْبِ فِي الْقُدْسِ. أَمَّا بَقِيَّةُ الشَّعْبِ، فَأَلْقَوْا قُرْعَةً لِيَخْتَارُوا وَاحِدًا مِنْ كُلِّ 10 لِيَسْكُنَ فِي الْقُدْسِ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَيَسْكُنَ الـ9 الْبَاقُونَ فِي الْمُدُنِ الْأُخْرَى. وَبَارَكَ الشَّعْبُ كُلَّ الَّذِينَ تَطَوَّعُوا لِلسَّكَنِ فِي الْقُدْسِ. فَسَكَنَ فِي بَعْضِ الْمُدُنِ الْأُخْرَى فِي يَهُوذَا، بَعْضُ الشَّعْبِ وَالْأَحْبَارِ وَاللَّاوِيِّينَ، وَخُدَّامُ بَيْتِ اللهِ وَبَنُو عَبِيدِ سُلَيْمَانَ. وَسَكَنَ فِي الْقُدْسِ رُؤَسَاءُ الْبِلَادِ. وَهَؤُلَاءِ مِنْ بَنِي يَهُوذَا وَمِنْ بَنِي بِنْيَمِينَ الَّذِينَ سَكَنُوا فِي الْقُدْسِ. مِنْ بَنِي يَهُوذَا: عَثَايَا بْنُ عُزِّيَّا بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَمَرْيَا بْنِ شَفَطْيَا بْنِ مَهْلَلْئِيلَ مِنْ بَنِي فَارِصَ. وَمَعَسْيَا بْنُ بَارُوخَ بْنِ كَلْحُوزَةَ بْنِ حَزَايَا بْنِ عَدَايَا بْنِ يُويَارِيبَ بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ الشِّيلُونِيِّ. كُلُّ بَنِي فَارِصَ الَّذِينَ سَكَنُوا فِي الْقُدْسِ 468 مِنَ الرِّجَالِ الْأَشِدَّاءِ. مِنْ بَنِي بِنْيَمِينَ: سَلُّو بْنُ مَشْلَامَ بْنِ يُوعِيدَ بْنِ فَدَايَا بْنِ قُولَايَا بْنِ مَعَسْيَا بْنِ إِيثِيئِيلَ بْنِ يَشْعِيَا. وَمَعَهُ جَبَّايُ وَسَلَايُ، وَكُلُّهُمْ 928. وَكَانَ يُوئِيلُ بْنُ زِكْرِي وَكِيلًا عَلَيْهِمْ، وَيَهُوذَا بْنُ هَسْنُوأَةَ مُسَاعِدًا لَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ. وَمِنَ الْأَحْبَارِ: يَدَعْيَا بْنُ يُويَارِيبَ وَيَاكِينُ وَسَرَايَا بْنُ حِلْقِيَا بْنِ مَشْلَامَ بْنِ صَادِقَ بْنِ مَرَايُوثَ بْنِ أَخِيطُوبَ رَئِيسُ بَيْتِ اللهِ، وَزُمَلَاؤُهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَقُومُونَ بِالْعَمَلِ فِي بَيْتِ اللهِ 822. وَعَدَايَا بْنُ يَرُوحَامَ بْنِ فَلَلْيَا بْنِ أَمْصِي بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ فَشْحُورَ بْنِ مَلَكْيَا، وَزُمَلَاؤُهُ الَّذِينَ كَانُوا رُؤَسَاءَ عَائِلَاتٍ 242. وَعَمْشِسَايُ بْنُ عَزْرِيلَ بْنِ أَخْزَايَ بْنِ مَشْلِيمُوثَ بْنِ إِمِّيرَ، وَزُمَلَاؤُهُ مِنَ الْأَشِدَّاءِ 128. وَالْوَكِيلُ عَلَيْهِمْ زَبْدِيلُ بْنُ هَجْدُولِيمَ. وَمِنَ اللَّاوِيِّينَ: شَمَعْيَا بْنُ حَشُوبَ بْنِ عَزْرِيقَامَ بْنِ حَشَبْيَا بْنِ بُنِّي. وَشَبْتَايُ وَيُوزَابَادُ وَهُمَا مِنْ رُؤَسَاءِ اللَّاوِيِّينَ، وَكَانَا يُشْرِفَانِ عَلَى الْعَمَلِ الْخَارِجِيِّ فِي بَيْتِ اللهِ. وَمَتَنْيَا بْنُ مِيخَا بْنِ زَبَدِي بْنِ آسَافَ رَئِيسُ فِرْقَةِ التَّرْنِيمِ الَّذِي يَقُودُ التَّسْبِيحَ وَالصَّلَاةَ. وَمُسَاعِدُهُ بَيْنَ زُمَلَائِهِ بَقْبُقْيَا، ثُمَّ عَبْدَا بْنُ شَمُّوعَ بْنِ جَلَالَ بْنِ يَدُوثُونَ. كُلُّ اللَّاوِيِّينَ فِي الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ 284. الْبَوَّابُونَ: عَقُّوبُ وَطَلْمُونُ وَزُمَلَاؤُهُمَا حَرَسُ الْأَبْوَابِ 172. أَمَّا بَقِيَّةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْأَحْبَارِ وَاللَّاوِيِّينَ، فَسَكَنُوا فِي كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا، كُلُّ وَاحِدٍ فِي مِلْكِهِ. وَسَكَنَ خُدَّامُ بَيْتِ اللهِ فِي عُوفَلَ، وَكَانَ صِيحَا وَجَشْفَا يُشْرِفَانِ عَلَيْهِمْ. وَكَانَ رَئِيسُ اللَّاوِيِّينَ فِي الْقُدْسِ، عُزِّيَ بْنَ بَانِي بْنِ حَشَبْيَا بْنِ مَتَنْيَا بْنِ مِيخَا. وَعُزِّي هُوَ مِنْ بَنِي آسَافَ الْمُغَنِّينَ الْمَسْئُولِينَ عَنْ خِدْمَةِ بَيْتِ اللهِ. لِأَنَّ الْمَلِكَ أَصْدَرَ أَمْرًا بِشَأْنِ الْمُغَنِّينَ لِتَنْظِيمِ عَمَلِهِمِ الْيَوْمِيِّ. وَكَانَ فَتَحْيَا بْنُ مَشِيزَبْئِيلَ مِنْ بَنِي زَارَحَ بْنِ يَهُوذَا، وَكِيلًا لِلْمَلِكِ عَلَى كُلِّ أُمُورِ الشَّعْبِ. وَفِي الْقُرَى مَعَ حُقُولِهَا، سَكَنَ بَعْضُ بَنِي يَهُوذَا فِي قَرْيَةِ أَرْبَعَ وَالْقُرَى الَّتِي حَوَالَيْهَا، وَدِيبُونَ وَالْقُرَى الَّتِي حَوَالَيْهَا، وَفِي يَقَبْصَئِيلَ وَقُرَاهَا. وَفِي يَشُوعَ وَمُولَادَةَ وَبَيْتَ فَالَطَ. وَفِي حَصَرَ شُوعَالَ وَبِئْرَ سَبْعَ وَقُرَاهَا. وَفِي صِقْلَغَ وَمَكُونَةَ وَقُرَاهَا. وَفِي عَيْنَ رِمُّونَ وَصَرْعَةَ وَيَرْمُوتَ. وَزَانُوحَ وَعَدْلَامَ وَقُرَاهُمَا، وَلَخِيشَ وَحُقُولِهَا، وَعَزِيقَةَ وَقُرَاهَا. فَسَكَنُوا مِنْ بِئْرَ سَبْعَ إِلَى وَادِي هِنُّومَ. وَبَنُو بِنْيَمِينَ سَكَنُوا فِي جِبْعَ وَمِكْمَاشَ وَعَيَّا وَبَيْتَ إِيلَ وَقُرَاهَا وَعَنَاثُوثَ وَنُوبَ وَعَنَنْيَةَ وَحَاصُورَ وَرَامَةَ وَجَتَّايِمَ وَحَادِيدَ وَصَبُوعِيمَ وَنَبَلَاطَ وَلُودَ وَأُونُو وَفِي وَادِي الصُّنَّاعِ. وَبَعْضُ فِرَقِ اللَّاوِيِّينَ الَّذِينَ مِنْ يَهُوذَا سَكَنُوا فِي بِنْيَمِينَ. هَؤُلَاءِ هُمُ الْأَحْبَارُ وَاللَّاوِيُّونَ الَّذِينَ رَجَعُوا مَعَ زَرْبَابِلَ بْنِ سَأَلْتِيلَ وَيَشُوعَ: سَرَايَا وَيَرْمِيَا وَعَزْرَا وَأَمَرْيَا وَمَلُّوخُ وَحَطُّوشُ وَشَكَنْيَا وَرَحُومُ وَمَرِيمُوثُ وَعِدُّو وَجِنْتُونُ وَأَبِيَّا وَمِيَّمِينُ وَمُعَدْيَا وَبِلْجَةُ وَشَمَعْيَا وَيُويَارِيبُ وَيَدَعْيَا وَسَلُّو وَعَامُوقُ وَحِلْقِيَا وَيَدَعْيَا. كَانَ هَؤُلَاءِ هُمْ رُؤَسَاءَ الْأَحْبَارِ وَمُسَاعِدِيهِمْ فِي أَيَّامِ يَشُوعَ. وَاللَّاوِيُّونَ هُمْ: يَشُوعُ وَبَنُّويُ وَقَدْمِيلُ وَشَرَبْيَا وَيَهُوذَا وَمَتَنْيَا الَّذِي كَانَ هُوَ وَزُمَلَاؤُهُ مَسْئُولِينَ عَنِ الْحَمْدِ وَالتَّسْبِيحِ. وَكَانَ بَقْبُقْيَا وَعُنِّي زَمِيلَاهُمْ يَقِفُونَ أَمَامَهُمْ يُشَارِكُونَ فِي الْخِدْمَةِ. وَيَشُوعُ أَنْجَبَ يُويَاقِيمَ وَيُويَاقِيمُ أَنْجَبَ أَلْيَاشِيبَ وَأَلْيَاشِيبُ أَنْجَبَ يُويَادَاعَ. وَيُويَادَاعُ أَنْجَبَ يُونَاثَانَ وَيُونَاثَانُ أَنْجَبَ يَدُّوعَ. وَفِي أَيَّامِ يُويَاقِيمَ كَانَ رُؤَسَاءُ عَائِلَاتِ الْأَحْبَارِ هُمْ: مَرَايَا لِعَائِلَةِ سَرَايَا، وَحَنَنْيَا لِعَائِلَةِ يَرْمِيَا، وَمَشْلَامَ لِعَائِلَةِ عَزْرَا، وَيُوحَانَانَ لِعَائِلَةِ أَمَرْيَا، وَيُونَاثَانَ لِعَائِلَةِ مَلُّوخَ، وَيُوسِفَ لِعَائِلَةِ شَكَنْيَا، وَعَدْنَا لِعَائِلَةِ حَرِيمَ، وَحِلْقَايَ لِعَائِلَةِ مَرِيمُوثَ، وَزَكَرِيَّا لِعَائِلَةِ عِدُّو، وَمَشْلَامَ لِعَائِلَةِ جِنْتُونَ، وَزِكْرِي لِعَائِلَةِ أَبِيَّا، وَفِلْطَايَ لِعَائِلَةِ مِنْيَمِينَ وَعَائِلَةِ مُعَدْيَا، وَشَمُّوعَ لِعَائِلَةِ بِلْجَةَ، وَيُونَاثَانَ لِعَائِلَةِ شَمَعْيَا، وَمَتْنَايَ لِعَائِلَةِ يُويَارِيبَ، وَعُزِّيَ لِعَائِلَةِ يَدَعْيَا، وَقَلَايَ لِعَائِلَةِ سَلُّو، وَعَابِرَ لِعَائِلَةِ عَامُوقَ، وَحَشَبْيَا لِعَائِلَةِ حِلْقِيَا، وَنَثَنْئِيلَ لِعَائِلَةِ يَدَعْيَا. وَفِي أَيَّامِ أَلْيَاشِيبَ وَيُويَادَاعَ وَيُوحَانَانَ وَيَدُّوعَ، كَانَ رُؤَسَاءُ عَائِلَاتِ اللَّاوِيِّينَ وَالْأَحْبَارِ مَكْتُوبِينَ فِي سِجِلِّ الْأَنْسَابِ وَحَتَّى إِلَى مُلْكِ دَارِيُوسَ الْفَارِسِيِّ. وَكَانَ رُؤَسَاءُ عَائِلَاتِ بَنِي لَاوِي مَكْتُوبِينَ فِي كِتَابِ الْأَخْبَارِ حَتَّى إِلَى أَيَّامِ يُوحَانَانَ بْنِ أَلْيَاشِيبَ. وَكَانَ رُؤَسَاءُ اللَّاوِيِّينَ حَشَبْيَا وَشَرَبْيَا وَيَشُوعُ بْنُ قَدْمِيلَ يُقَدِّمُونَ الْحَمْدَ وَالتَّسْبِيحَ، بَيْنَمَا وَقَفَ زُمَلَاؤُهُمْ مُقَابِلَهُمْ لِيَرُدُّوا عَلَيْهِمْ، أَيْ جَمَاعَةٌ تَرُدُّ عَلَى جَمَاعَةٍ، وَذَلِكَ حَسَبَ وَصِيَّةِ النَّبِيِّ دَاوُدَ. وَكَانَ مَتَنْيَا وَبَقْبُقْيَا وَعُوبَدْيَا وَمَشْلَامُ وَطَلْمُونُ وَعَقُّوبُ بَوَّابِينَ يَحْرُسُونَ الْمَخَازِنَ الَّتِي عِنْدَ الْأَبْوَابِ. هَؤُلَاءِ كَانُوا فِي أَيَّامِ يُويَاقِيمَ بْنِ يَشُوعَ بْنِ يُوصَادِقَ، وَفِي أَيَّامِ نَحَمْيَا الْوَالِي وَعَزْرَا الْحَبْرِ الْفَقِيهِ. وَعِنْدَ تَدْشِينِ سُورِ الْقُدْسِ، طُلِبَ مِنَ اللَّاوِيِّينَ أَنْ يَأْتُوا مِنْ كُلِّ أَمَاكِنِهِمْ إِلَى الْقُدْسِ، لِيُدَشِّنُوا بِفَرَحٍ وَحَمْدٍ وَغِنَاءٍ، عَلَى أَنْغَامِ النَّاقُوسِ وَالرَّبَابِ وَالْأَعْوَادِ. وَأَحْضَرُوا أَيْضًا مُغَنِّينَ مِنَ الْمِنْطَقَةِ الَّتِي حَوْلَ الْقُدْسِ، وَمِنْ قُرَى النَّطُوفَاتِيِّينَ، وَمِنْ بَيْتِ الْجِلْجَالِ، وَمِنْ حُقُولِ جِبْعَ وَعَزْمُوتَ، لِأَنَّ الْمُغَنِّينَ بَنَوْا لِأَنْفُسِهِمْ قُرًى حَوْلَ الْقُدْسِ. وَطَهَّرَ الْأَحْبَارُ وَاللَّاوِيُّونَ أَنْفُسَهُمْ، ثُمَّ طَهَّرُوا الشَّعْبَ وَالْبَوَّابَاتِ وَالسُّورَ. وَجَعَلْتُ رُؤَسَاءَ يَهُوذَا يَطْلَعُونَ فَوْقَ السُّورِ، وَعَيَّنْتُ فِرْقَتَيْنِ كَبِيرَتَيْنِ لِلتَّسْبِيحِ. فَذَهَبَتِ الْأُولَى فِي مَوْكِبٍ فَوْقَ السُّورِ إِلَى الْيَمِينِ نَحْوَ بَوَّابَةِ الزِّبْلِ. وَسَارَ وَرَاءَهَا هُوشَعْيَا وَنِصْفُ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، وَعَزَرْيَا وَعَزْرَا وَمَشْلَامُ وَيَهُوذَا وَبِنْيَمِينُ وَشَمَعْيَا وَيَرْمِيَا وَأَيْضًا بَعْضُ الْأَحْبَارِ بِالْأَبْوَاقِ، ثُمَّ زَكَرِيَّا بْنُ يُونَاثَانَ بْنِ شَمَعْيَا بْنِ مَتَنْيَا بْنِ مِيخَايَا بْنِ زَكُّورَ بْنِ آسَافَ، وَزُمَلَاؤُهُ شَمَعْيَا وَعَزْرِيلُ وَمِلَلَايُ وَجِلَلَايُ وَمَاعَايُ وَنَثَنْئِيلُ وَيَهُوذَا وَحَنَانِي، بِآلَاتِ الْغِنَاءِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ دَاوُدُ. وَكَانَ عَزْرَا الْفَقِيهُ يَتَقَدَّمُهُمْ. وَعِنْدَ بَوَّابَةِ الْعَيْنِ صَعِدُوا مُبَاشَرَةً سُلَّمَ مَدِينَةِ دَاوُدَ، عِنْدَ مَطْلَعِ السُّورِ، فَوْقَ دَارِ دَاوُدَ، إِلَى بَوَّابَةِ الْمَاءِ شَرْقًا. أَمَّا فِرْقَةُ التَّسْبِيحِ الثَّانِيَةُ، فَذَهَبَتْ فِي مَوْكِبٍ إِلَى الشِّمَالِ فَوْقَ السُّورِ، وَأَنَا وَرَاءَهَا وَمَعَنَا نِصْفُ الشَّعْبِ، وَمَرَرْنَا مِنْ عِنْدِ بُرْجِ الْأَفْرَانِ إِلَى السُّورِ الْعَرِيضِ، وَمِنْ فَوْقِ بَوَّابَةِ أَفْرَايِمَ وَالْبَوَّابَةِ الْقَدِيمَةِ وَبَوَّابَةِ السَّمَكِ وَبُرْجِ حَنَنْئِيلَ وَبُرْجِ الْمِئَةِ حَتَّى إِلَى بَوَّابَةِ الْغَنَمِ. وَوَقَفُوا عِنْدَ بَوَّابَةِ الْحَرَسِ. فَوَقَفَتْ فِرْقَتَا التَّسْبِيحِ فِي بَيْتِ اللهِ، وَأَيْضًا أَنَا وَمَعِي نِصْفُ الْقَادَةِ، وَالْأَحْبَارُ أَلْيَاقِيمُ وَمَعَسْيَا وَمِنْيَمِينُ وَمِيخَايَا وَأَلْيُوعِينَايُ وَزَكَرِيَّا وَحَنَنْيَا وَمَعَهُمُ الْأَبْوَاقُ، وَكَذَلِكَ مَعَسْيَا وَشَمَعْيَا وَأَلِعَازَارُ وَعُزِّي وَيُوحَانَانُ وَمَلَكْيَا وَعِيلَامُ وَعَازِرُ. وَغَنَّى الْمُغَنُّونَ بِقِيَادَةِ يَزْرَحْيَا. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَدَّمُوا ضَحَايَا كَثِيرَةً للهِ، وَكَانُوا فَرْحَانِينَ لِأَنَّ اللهَ فَرَّحَهُمْ جِدًّا. وَفَرِحَتِ النِّسَاءُ وَالْأَوْلَادُ أَيْضًا. وَسُمِعَ فَرَحُ الْقُدْسِ مِنْ بَعِيدٍ. وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عُيِّنَ بَعْضُ الرِّجَالِ لِيَكُونُوا مَسْئُولِينَ عَنْ غُرَفِ الْمَخَازِنِ الَّتِي تُوضَعُ فِيهَا التَّبَرُّعَاتُ وَأَوَّلُ الْغَلَّةِ وَالْعُشُورُ. لِيَجْمَعُوا فِيهَا مِنَ الْحُقُولِ الَّتِي حَوْلَ الْمُدُنِ، مَا قَرَّرَتْهُ الشَّرِيعَةُ نَصِيبًا لِلْأَحْبَارِ وَاللَّاوِيِّينَ. لِأَنَّ شَعْبَ يَهُوذَا فَرِحُوا بِخِدْمَةِ الْأَحْبَارِ وَاللَّاوِيِّينَ. لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَخْدِمُونَ إِلَهَهُمْ وَيَقُومُونَ بِفَرَائِضِ التَّطْهِيرِ. كَمَا كَانَ الْمُغَنُّونَ وَالْبَوَّابُونَ يَعْمَلُونَ حَسَبَ وَصِيَّةِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ ابْنِهِ. لِأَنَّهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مِنْ أَيَّامِ دَاوُدَ وَآسَافَ، كَانَ هُنَاكَ قَادَةٌ لِلْمُغَنِّينَ لِقِيَادَةِ أَغَانِي التَّسْبِيحِ وَالْحَمْدِ للهِ. وَكَانَ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فِي أَيَّامِ زَرْبَابِلَ وَأَيَّامِ نَحَمْيَا، يُقَدِّمُونَ الْأَنْصِبَةَ الْيَوْمِيَّةَ لِلْمُغَنِّينَ وَالْبَوَّابِينَ. فَكَانُوا يُقَدِّمُونَ تَبَرُّعَاتِهِمِ الْمُقَدَّسَةَ لِلَّاوِيِّينَ، وَاللَّاوِيُّونَ يُقَدِّمُونَ تَبَرُّعَاتِهِمِ الْمُقَدَّسَةَ لِبَنِي هَارُونَ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَرَأُوا مِنْ كِتَابِ مُوسَى عَلَى مَسَامِعِ الشَّعْبِ. فَوَجَدُوا مَكْتُوبًا فِيهِ هَذَا: ”لَا يَدْخُلْ عَمُّونِيٌّ وَلَا مُوآبِيٌّ فِي جَمَاعَةِ اللهِ إِلَى الْأَبَدِ. لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَقْبِلُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالْخُبْزِ وَالْمَاءِ، بَلِ اسْتَأْجَرُوا عَلَيْهِمْ بَلْعَامَ لِيَلْعَنَهُمْ. لَكِنَّ إِلَهَنَا حَوَّلَ اللَّعْنَةَ إِلَى بَرَكَةٍ.“ فَلَمَّا سَمِعَ الشَّعْبُ كَلَامَ التَّوْرَاةِ، عَزَلُوا كُلَّ الْغُرَبَاءِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَقَبْلَ هَذَا، كَانَ أَلْيَاشِيبُ الْحَبْرُ الْمَسْئُولُ عَنْ مَخَازِنِ بَيْتِ إِلَهِنَا، لَهُ عَلَاقَةٌ حَمِيمَةٌ مَعَ طُوبْيَا، وَأَعَدَّ لَهُ غُرْفَةً كَبِيرَةً كَانَتْ سَابِقًا تُسْتَعْمَلُ لِتَخْزِينِ الْقَرَابِينِ وَالْبَخُورِ وَالْآنِيَةِ، وَعُشْرِ الْقَمْحِ وَالْخَمْرِ وَالزَّيْتِ الْمُخَصَّصِ لِلَّاوِيِّينَ وَالْمُغَنِّينَ وَالْبَوَّابِينَ، وَأَيْضًا لِتَخْزِينِ التَّبَرُّعَاتِ الْمُقَدَّمَةِ لِلْأَحْبَارِ. وَلَمَّا حَدَثَ كُلُّ هَذَا، لَمْ أَكُنْ مَوْجُودًا فِي الْقُدْسِ. لِأَنِّي فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ لِأَرْتَحَشْتَا مَلِكِ بَابِلَ، رَجَعْتُ إِلَى الْمَلِكِ. ثُمَّ بَعْدَ فَتْرَةٍ، اِسْتَأْذَنْتُ مِنَ الْمَلِكِ، وَجِئْتُ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى الْقُدْسِ، حَيْثُ عَلِمْتُ بِالشَّرِّ الَّذِي ارْتَكَبَهُ أَلْيَاشِيبُ، بِأَنْ قَدَّمَ لِطُوبْيَا غُرْفَةً فِي سَاحَةِ بَيْتِ اللهِ. فَأَغْضَبَنِي ذَلِكَ جِدًّا، وَرَمَيْتُ كُلَّ أَمْتِعَةِ دَارِ طُوبْيَا خَارِجَ الْغُرْفَةِ. وَأَمَرْتُ فَطَهَّرُوا الْغُرَفَ، وَأَرْجَعْتُ إِلَيْهَا أَمْتِعَةَ بَيْتِ اللهِ مَعَ الْقُرْبَانِ وَالْبَخُورِ. وَعَلِمْتُ أَيْضًا أَنَّ اللَّاوِيِّينَ لَمْ يَتَسَلَّمُوا الْأَنْصِبَةَ الْمُخَصَّصَةَ لَهُمْ، فَتَرَكُوا الْخِدْمَةَ هُمْ وَالْمُغَنُّونَ، وَرَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى حَقْلِهِ. فَوَبَّخْتُ الْمَسْئُولِينَ وَقُلْتُ لَهُمْ: ”لِمَاذَا أَهْمَلْتُمْ بَيْتَ اللهِ؟“ ثُمَّ جَمَعْتُ اللَّاوِيِّينَ وَالْمُغَنِّينَ وَأَرْجَعْتُهُمْ إِلَى عَمَلِهِمْ. وَأَحْضَرَ كُلُّ شَعْبِ يَهُوذَا عُشْرَ الْقَمْحِ وَالْخَمْرِ وَالزَّيْتِ إِلَى الْمَخَازِنِ. وَأَقَمْتُ هَؤُلَاءِ الرِّجَالَ لِيَكُونُوا مَسْئُولِينَ عَنِ الْمَخَازِنِ: شَلَمْيَا الْحَبْرَ، وَصَادِقَ الْفَقِيهَ، وَفَدَايَا اللَّاوِيَّ، وَمَعَهُمْ حَانَانُ بْنُ زَكُّورَ بْنِ مَتَنْيَا. هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ كَانُوا أُمَنَاءَ، وَكَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُوَزِّعُوا الْأَنْصِبَةَ عَلَى إِخْوَتِهِمْ. فَاذْكُرْنِي يَا إِلَهِي لِهَذَا، وَلَا تَنْسَ حَسَنَاتِيَ الَّتِي عَمِلْتُهَا لِبَيْتِكَ وَلِخِدْمَتِهِ. فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ رَأَيْتُ فِي يَهُوذَا بَعْضَ النَّاسِ يَدُوسُونَ الْمَعَاصِرَ فِي السَّبْتِ، وَيُحَمِّلُونَ حَمِيرَهُمْ بِالْقَمْحِ وَالْخَمْرِ وَالْعِنَبِ وَالتِّينِ وَمَا إِلَى ذَلِكَ، وَيُحْضِرُونَهَا إِلَى الْقُدْسِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ. فَأَنْذَرْتُهُمْ أَنْ لَا يَبِيعُوا طَعَامًا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَكَانَ الصُّورِيُّونَ الْمُقِيمُونَ فِي الْقُدْسِ، يُحْضِرُونَ سَمَكًا وَكُلَّ بِضَاعَةٍ وَيَبِيعُونَهَا فِي الْقُدْسِ لِبَنِي يَهُوذَا فِي السَّبْتِ. فَوَبَّخْتُ قَادَةَ يَهُوذَا وَقُلْتُ لَهُمْ: ”مَا هَذَا الشَّرُّ الَّذِي تَرْتَكِبُونَهُ وَتُنَجِّسُونَ يَوْمَ السَّبْتِ؟ آبَاؤُكُمْ عَمِلُوا نَفْسَ الشَّيْءِ، فَجَلَبَ إِلَهُنَا كُلَّ هَذِهِ الْمُصِيبَةِ عَلَيْنَا وَعَلَى هَذِهِ الْمَدِينَةِ. وَأَنْتُمُ الْآنَ تُنَجِّسُونَ السَّبْتَ، فَتَجْلِبُونَ مَزِيدًا مِنْ غَضَبِ اللهِ عَلَى إِسْرَائِيلَ.“ وَأَمَرْتُ بِإِغْلَاقِ بَوَّابَاتِ الْقُدْسِ عِنْدَ حُلُولِ الظَّلَامِ عَلَيْهَا قَبْلَ السَّبْتِ، وَأَنْ لَا يَفْتَحُوهَا حَتَّى يَنْتَهِيَ السَّبْتُ. وَوَضَعْتُ بَعْضَ رِجَالِي لِكَيْ لَا يَدْخُلَ حِمْلٌ فِي يَوْمِ السَّبْتِ. فَبَاتَ التُّجَّارُ وَبَاعَةُ كُلِّ أَنْوَاعِ الْبِضَاعَةِ، خَارِجَ الْقُدْسِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ. فَأَنْذَرْتُهُمْ وَقُلْتُ لَهُمْ: ”لِمَاذَا تَبِيتُونَ بِجَانِبِ السُّورِ؟ إِنْ فَعَلْتُمْ هَذَا مَرَّةً أُخْرَى، أَقْبِضُ عَلَيْكُمْ!“ فَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَأْتُوا فِي السَّبْتِ. ثُمَّ أَمَرْتُ اللَّاوِيِّينَ أَنْ يُطَهِّرُوا أَنْفُسَهُمْ وَيَأْتُوا وَيَحْرُسُوا بَوَّابَاتِ الْمَدِينَةِ، لِيَكُونَ السَّبْتُ مُقَدَّسًا. فَاذْكُرْنِي يَا إِلَهِي لِهَذَا أَيْضًا، وَارْحَمْنِي بِعَظِيمِ رَحْمَتِكَ. وَفِي تِلْكَ الْأَيَّامِ أَيْضًا، رَأَيْتُ رِجَالَ يَهُوذَا الَّذِينَ تَزَوَّجُوا نِسَاءً مِنْ أَشْدُودَ وَعَمُّونَ وَمُوآبَ. وَلَاحَظْتُ أَنَّ نِصْفَ كَلَامِ أَوْلَادِهِمْ هُوَ بِلُغَةِ أَشْدُودَ أَوِ الْبِلَادِ الْأُخْرَى، وَلَا يُحْسِنُونَ التَّكَلُّمَ بِلُغَةِ يَهُوذَا. فَوَبَّخْتُهُمْ وَلَعَنْتُهُمْ وَضَرَبْتُ بَعْضَهُمْ وَنَتَفْتُ شَعْرَهُمْ، وَحَلَّفْتُهُمْ بِاللهِ وَقُلْتُ: ”لَا تُعْطُوا بَنَاتِكُمْ لِبَنِيهِمْ، وَلَا تَأْخُذُوا مِنْ بَنَاتِهِمْ لِبَنِيكُمْ وَلَا لَكُمْ. فَإِنَّ سُلَيْمَانَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ أَخْطَأَ بِسَبَبِ الزَّوَاجِ مِنْ أَجْنَبِيَّاتٍ. وَمَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَلِكٌ مِثْلَهُ فِي الْأُمَمِ الْكَثِيرَةِ، وَأَحَبَّهُ اللهُ إِلَهُهُ وَجَعَلَهُ مَلِكًا عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ، لَكِنْ حَتَّى هُوَ، جَعَلَتْهُ النِّسَاءُ الْأَجْنَبِيَّاتُ يُخْطِئُ. فَهَلْ نَسْكُتُ لَكُمْ عَلَى فِعْلِ كُلِّ هَذَا الشَّرِّ الْفَظِيعِ، حَيْثُ تَخُونُونَ إِلَهَنَا وَتَتَزَوَّجُونَ نِسَاءً أَجْنَبِيَّاتٍ؟“ وَكَانَ وَاحِدٌ مِنْ بَنِي يُويَادَاعَ بْنِ أَلْيَاشِيبَ الْحَبْرِ الْأَعْلَى، زَوْجَ بِنْتِ سَنْبَلَطَ الْحُورَانِيِّ، فَطَرَدْتُهُ مِنْ عِنْدِي. فَاذْكُرْهُمْ يَا إِلَهِي، لِأَنَّهُمْ نَجَّسُوا خِدْمَةَ الْأَحْبَارِ وَعَهْدَ الْأَحْبَارِ وَاللَّاوِيِّينَ. فَطَهَّرْتُ الْأَحْبَارَ وَاللَّاوِيِّينَ مِنْ كُلِّ غَرِيبٍ، وَعَيَّنْتُ لَهُمْ وَاجِبَاتِهِمْ، كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ خِدْمَتِهِ. كَمَا نَظَّمْتُ عَمَلِيَّةَ إِحْضَارِ الْحَطَبِ لِلْقُرْبَانِ فِي أَوْقَاتٍ مُحَدَّدَةٍ، وَإِحْضَارِ أَوَّلِ الْغَلَّةِ. فَاذْكُرْنِي يَا إِلَهِي بِالْخَيْرِ. حَدَثَ هَذَا فِي أَيَّامِ حَشْوِيرَ. هُوَ حَشْوِيرُ الَّذِي امْتَدَّ مُلْكُهُ مِنَ الْهِنْدِ إِلَى الْحَبَشَةِ عَلَى 127 وِلَايَةً. وَكَانَ يَجْلِسُ عَلَى عَرْشِ الْمَمْلَكَةِ الَّذِي فِي قَلْعَةِ شُوشَةَ. فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ مُلْكِهِ، عَمِلَ وَلِيمَةً لِكُلِّ عُظَمَائِهِ وَأَعْوَانِهِ وَقَادَةِ جَيْشِ فَارِسَ وَمَادِي وَالْأُمَرَاءِ وَحُكَّامِ الْوِلَايَاتِ. وَدَامَتِ الْوَلِيمَةُ وَقْتًا طَوِيلًا، 180 يَوْمًا، أَظْهَرَ فِيهَا الْمَلِكُ غِنَى مَمْلَكَتِهِ وَمَجْدَهَا، وَقُوَّتَهُ وَثَرْوَتَهُ وَعَظَمَتَهُ. وَلَمَّا مَضَتْ هَذِهِ الْأَيَّامُ، عَمِلَ الْمَلِكُ وَلِيمَةً دَامَتْ 7 أَيَّامٍ فِي سَاحَةِ حَدِيقَةِ الْقَصْرِ، لِكُلِّ النَّاسِ الَّذِينَ فِي قَلْعَةِ شُوشَةَ مِنَ الْكَبِيرِ إِلَى الصَّغِيرِ. وَكَانَتِ السَّاحَةُ مُزَيَّنَةً بِسَتَائِرَ بَيْضَاءَ وَزَرْقَاءَ مِنْ كَتَّانٍ، مُعَلَّقَةً بِحِبَالٍ بَنَفْسَجِيَّةٍ فِي حَلَقَاتٍ مِنْ فِضَّةٍ، عَلَى أَعْمِدَةٍ مِنْ رُخَامٍ. وَكَانَتِ الْمَقَاعِدُ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَالْأَرْضُ مَرْصُوفَةً بِرُخَامٍ أَبْيَضَ وَمَرْمَرٍ وَدُرٍّ وَرُخُامٍ أَسْوَدَ. وَكَانَتِ الْخَمْرُ تُقَدَّمُ بِوَفْرَةٍ حَسَبَ كَرَمِ الْمَلِكِ، وَفِي كُؤُوسٍ مِنْ ذَهَبٍ مُخْتَلِفَةِ الْأَشْكَالِ. وَأَمَرَ الْمَلِكُ الْمَسْئُولِينَ فِي الْقَصْرِ، أَنْ يَشْرَبَ الْمَدْعُوُّونَ حَسَبَ رَغْبَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُغْصَبَ أَحَدٌ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ رِضَاهُ. وَعَمِلَتِ الْمَلِكَةُ وَشْتِي أَيْضًا وَلِيمَةً لِلنِّسَاءِ فِي قَصْرِ الْمَلِكِ حَشْوِيرَ. وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ، لَمَّا امْتَلَأَ قَلْبُ الْمَلِكِ طَرَبًا مِنَ الْخَمْرِ، أَمَرَ مَهُومَانَ وَبِزْتَا وَحَرْبُونَا وَبِغْتَا وَأَبْغَتَا وَزِيتَارَ وَكَرْكَسَ وَهُمُ الْخِصْيَانُ الـ7 الَّذِينَ يَخْدِمُونَ فِي مَحْضَرِهِ، أَنْ يُحْضِرُوا إِلَيْهِ الْمَلِكَةَ وَشْتِي وَعَلَى رَأْسِهَا التَّاجُ الْمَلَكِيُّ، لِيَرَى النَّاسُ وَالْعُظَمَاءُ جَمَالَهَا، لِأَنَّهَا كَانَتْ جَمِيلَةً جِدًّا. فَأَخْبَرَ الْخِصْيَانُ الْمَلِكَةَ وَشْتِي بِأَمْرِ الْمَلِكِ، لَكِنَّهَا رَفَضَتْ أَنْ تَحْضُرَ. فَاغْتَاظَ الْمَلِكُ وَغَضِبَ جِدًّا. وَكَانَ مِنْ عَادَةِ الْمَلِكِ أَنْ يَسْتَشِيرَ خُبَرَاءَ الْقَانُونِ وَالْقَضَاءِ. فَسَأَلَ الْحُكَمَاءَ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ مَا يَجِبُ عَمَلُهُ، وَهُمْ 7 مِنْ عُظَمَاءِ فَارِسَ وَمَادِي: كَرْشَنَا وَشِيتَارُ وَأَدْمَاتَا وَتَرْشِيشُ وَمَرَسُ وَمَرْسَنَا وَمَمُوكَانُ. هَؤُلَاءِ كَانُوا مُقَرَّبِينَ إِلَى الْمَلِكِ، وَلَهُمِ امْتِيَازُ الْمُثُولِ فِي مَحْضَرِهِ، وَيَحْتَلُّونَ أَعْلَى الْمَنَاصِبِ فِي الْمَمْلَكَةِ. فَقَالَ لَهُمُ الْمَلِكُ: ”حَسَبَ الْقَانُونِ، مَاذَا نَفْعَلُ بِالْمَلِكَةِ وَشْتِي، الَّتِي رَفَضَتْ أَنْ تُطِيعَ أَمْرَ الْمَلِكِ حَشْوِيرَ الَّذِي أَخْبَرَهَا بِهِ الْخِصْيَانُ؟“ فَأَجَابَ مَمُوكَانُ فِي مَحْضَرِ الْمَلِكِ وَالْعُظَمَاءِ: ”إِنَّ الْمَلِكَةَ وَشْتِي أَذْنَبَتْ، لَا فِي حَقِّ الْمَلِكِ وَحْدَهُ، بَلْ فِي حَقِّ كُلِّ الْعُظَمَاءِ وَالشُّعُوبِ فِي جَمِيعِ بِلَادِ الْمَلِكِ حَشْوِيرَ. لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنَّ خَبَرَ مَا فَعَلَتْهُ الْمَلِكَةُ يَصِلُ إِلَى كُلِّ النِّسَاءِ، فَيَحْتَقِرْنَ أَزْوَاجَهُنَّ وَيَقُلْنَ: ’الْمَلِكُ حَشْوِيرُ أَمَرَ أَنْ يُحْضِرُوا إِلَيْهِ الْمَلِكَةَ وَشْتِي فَرَفَضَتْ.‘ بَلْ فِي هَذَا الْيَوْمِ، نِسَاءُ عُظَمَاءِ فَارِسَ وَمَادِي اللَّوَاتِي سَمِعْنَ خَبَرَ مَا فَعَلَتْهُ الْمَلِكَةُ، يَقُلْنَ هَذَا الْكَلَامَ لِكُلِّ عُظَمَاءِ الْمَلِكِ، فَيَنْتَشِرُ الِاحْتِقَارُ وَالْغَضَبُ. فَإِنْ كُنْتَ تُوَافِقُ يَا جَلَالَةَ الْمَلِكِ، تُصْدِرُ أَمْرًا مَلَكِيًّا بِأَنْ تُمْنَعَ وَشْتِي مِنَ الدُّخُولِ إِلَى مَحْضَرِ الْمَلِكِ حَشْوِيرَ. وَيُسَجَّلُ هَذَا فِي قَوَانِينِ فَارِسَ وَمَادِي الَّتِي لَا تُلْغَى. ثُمَّ يُنْعِمُ الْمَلِكُ عَلَى وَاحِدَةٍ أَحْسَنَ مِنْهَا لِتَكُونَ مَلِكَةً. فَعِنْدَمَا يَصِلُ الْأَمْرُ الَّذِي يُصْدِرُهُ الْمَلِكُ إِلَى جَمِيعِ أَنْحَاءِ مَمْلَكَتِهِ الشَّاسِعَةِ، تَحْتَرِمُ كُلُّ النِّسَاءِ أَزْوَاجَهُنَّ مِنَ الْكَبِيرِ إِلَى الصَّغِيرِ.“ فَرَأَى الْمَلِكُ وَالْعُظَمَاءُ أَنَّ الْفِكْرَةَ طَيِّبَةٌ، وَعَمِلَ الْمَلِكُ كَمَا قَالَ مَمُوكَانُ، وَبَعَثَ رَسَائِلَ إِلَى جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْمَمْلَكَةِ، كُلُّ وِلَايَةٍ بِلُغَتِهَا، وَكُلُّ شَعْبٍ بِلَهْجَتِهِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ يَسْمَعُ هَذَا بِلُغَتِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ رَجُلٍ سَيِّدًا فِي دَارِهِ. وَبَعْدَ فَتْرَةٍ مِنَ الْوَقْتِ، هَدَأَ غَضَبُ الْمَلِكِ حَشْوِيرَ. ثُمَّ تَذَكَّرَ وَشْتِي وَمَا عَمِلَتْهُ وَمَا حَكَمَ بِهِ عَلَيْهَا. فَقَالَ لَهُ رِجَالُهُ الَّذِينَ يَخْدِمُونَهُ: ”اِسْمَحْ لَنَا أَيُّهَا الْمَلِكُ، بِأَنْ نَبْحَثَ لَكَ عَنْ بَنَاتٍ عَذَارَى جَمِيلَاتٍ. فَتَخْتَارُ وُكَلَاءَ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ فِي مَمْلَكَتِكَ، لِيُحْضِرُوا كُلَّ الْبَنَاتِ الْعَذَارَى الْجَمِيلَاتِ إِلَى جَنَاحِ الْحَرِيمِ فِي قَلْعَةِ شُوشَةَ. فَيَكُنَّ هُنَاكَ تَحْتَ إِشْرَافِ هِيجَايَ خَصِيِّ الْمَلِكِ الْمَسْئُولِ عَنِ الْحَرِيمِ، وَيُعْطِيهِنَّ مَا يَلْزَمُ مِنْ أَدَوَاتِ التَّجْمِيلِ. وَالْبِنْتُ الَّتِي تُعْجِبُ الْمَلِكَ، تُصْبِحُ مَلِكَةً مَكَانَ وَشْتِي.“ فَرَأَى الْمَلِكُ أَنَّ الْفِكْرَةَ طَيِّبَةٌ، فَعَمِلَ بِهَا. وَكَانَ فِي قَلْعَةِ شُوشَةَ رَجُلٌ يَهُودِيٌّ مِنْ قَبِيلَةِ بِنْيَمِينَ، اِسْمُهُ مُرْدَخَايُ بْنُ يَائِرَ بْنِ شَمْعِي بْنِ قَيْسَ الَّذِي كَانَ قَدْ أُسِرَ مِنَ الْقُدْسِ مَعَ جُمْلَةِ الْأَسْرَى الَّذِينَ أَخَذَهُمْ نَبُوخَذْنَصْرُ مَلِكُ بَابِلَ، مَعَ يُويَاكِينَ مَلِكِ يَهُوذَا. وَكَانَ مُرْدَخَايُ مُرَبِّيًا لِبِنْتِ عَمِّهِ هِدَسَّةَ أَيْ إِسْتِيرَ، لِأَنَّهَا فَقَدَتْ أَبَاهَا وَأُمَّهَا. وَكَانَتِ الْبِنْتُ جَمِيلَةَ الشَّكْلِ وَحَسْنَاءَ، وَلَمَّا مَاتَ أَبُوهَا وَأُمُّهَا تَبَنَّاهَا مُرْدَخَايُ. وَذَاعَ مَرْسُومُ الْمَلِكِ وَأَمْرُهُ، وَجُمِعَتْ بَنَاتٌ كَثِيرَاتٌ إِلَى قَلْعَةِ شُوشَةَ تَحْتَ إِشْرَافِ هِيجَايَ. وَأُخِذَتْ إِسْتِيرُ أَيْضًا إِلَى قَصْرِ الْمَلِكِ، لِتَكُونَ تَحْتَ إِشْرَافِ هِيجَايَ الْمَسْئُولِ عَنِ الْحَرِيمِ. فَأَعْجَبَتْ هِيجَايَ وَنَالَتْ رِضَاهُ، فَأَسْرَعَ وَأَعْطَاهَا مَا يَلْزَمُهَا مِنْ أَدَوَاتِ التَّجْمِيلِ، وَطَعَامَهَا الْخَاصَّ. وَاخْتَارَ لَهَا 7 خَادِمَاتٍ مِنْ قَصْرِ الْمَلِكِ. وَنَقَلَهَا مَعَ خَادِمَاتِهَا إِلَى أَحْسَنِ مَكَانٍ فِي جَنَاحِ الْحَرِيمِ. وَلَمْ تَكْشِفْ إِسْتِيرُ عَنْ جِنْسِيَّتِهَا وَأَصْلِهَا، لِأَنَّ مُرْدَخَايَ أَوْصَاهَا بِذَلِكَ. وَكَانَ مُرْدَخَايُ يَتَمَشَّى كُلَّ يَوْمٍ أَمَامَ سَاحَةِ جَنَاحِ الْحَرِيمِ، لِيَسْتَعْلِمَ عَنْ سَلَامَةِ إِسْتِيرَ وَمَا يَحْدُثُ لَهَا. وَكَانَتْ كُلُّ بِنْتٍ تَقْضِي سَنَةً كَامِلَةً لِتَجْمِيلِهَا وَإِعْدَادِهَا حَسَبَ النِّظَامِ الْمُتَّبَعِ مَعَ النِّسَاءِ: 6 أَشْهُرٍ بِزَيْتِ الْمُرِّ، وَ6 أَشْهُرٍ بِالْعُطُورِ وَأَدَوَاتِ التَّجْمِيلِ الْأُخْرَى. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَأْتِي دَوْرُهَا لِتَدْخُلَ إِلَى الْمَلِكِ حَشْوِيرَ. وَحِينَ تَدْخُلُ إِلَى الْمَلِكِ، يُمْكِنُهَا أَنْ تَأْخُذَ مَعَهَا كُلَّ مَا تَطْلُبُهُ مِنْ جَنَاحِ الْحَرِيمِ إِلَى قَصْرِ الْمَلِكِ. وَكَانَتْ تَدْخُلُ فِي الْمَسَاءِ، ثُمَّ فِي الصُّبْحِ تَرْجِعُ إِلَى قِسْمٍ آخَرَ فِي جَنَاحِ الْحَرِيمِ، يُشْرِفُ عَلَيْهِ شَعْشَزُ خَصِيُّ الْمَلِكِ الْمَسْئُولُ عَنِ الْجَوَارِي، وَلَا تَدْخُلُ إِلَى الْمَلِكِ مَرَّةً أُخْرَى إِلَّا إِذَا كَانَتْ قَدْ أَعْجَبَتْهُ فَيَطْلُبُهَا بِاسْمِهَا. ثُمَّ جَاءَ دَوْرُ إِسْتِيرَ لِتَدْخُلَ إِلَى الْمَلِكِ. هَذِهِ هِيَ الْفَتَاةُ الَّتِي تَبَنَّاهَا مُرْدَخَايُ وَهِيَ بِنْتُ عَمِّهِ أَبِيحَائِلَ. فَلَمْ تَطْلُبْ شَيْئًا إِلَّا مَا قَالَ عَنْهُ هِيجَايُ خَصِيُّ الْمَلِكِ الْمَسْئُولُ عَنِ الْحَرِيمِ. وَكَانَتْ إِسْتِيرُ تَنَالُ إِعْجَابَ كُلِّ مَنْ رَآهَا. فَأُخِذَتْ إِلَى الْمَلِكِ حَشْوِيرَ فِي قَصْرِهِ فِي الشَّهْرِ الْعَاشِرِ أَيْ شَهْرِ طِيبِيتَ، فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ مِنْ مُلْكِهِ. فَأَحَبَّ الْمَلِكُ إِسْتِيرَ أَكْثَرَ مِنْ بَاقِي النِّسَاءِ، وَنَالَتْ رِضَاهُ وَأُعْجِبَ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ بَاقِي الْعَذَارَى. فَوَضَعَ التَّاجَ الْمَلَكِيَّ عَلَى رَأْسِهَا، وَجَعَلَهَا مَلِكَةً مَكَانَ وَشْتِي. وَعَمِلَ الْمَلِكُ وَلِيمَةً عَظِيمَةً لِكُلِّ عُظَمَائِهِ وَأَعْوَانِهِ تَكْرِيمًا لِإِسْتِيرَ. وَأَعْلَنَ يَوْمَ رَاحَةٍ فِي الْبِلَادِ، وَأَعْطَى هَدَايَا حَسَبَ كَرَمِهِ كَمَلِكٍ. وَلَمَّا جُمِعَتِ الْعَذَارَى مَرَّةً ثَانِيَةً، كَانَ مُرْدَخَايُ قَدْ عُيِّنَ لِعَمَلٍ عِنْدَ بَابِ الْمَلِكِ. وَلَمْ تَكُنْ إِسْتِيرُ قَدْ كَشَفَتْ عَنْ أَصْلِهَا وَجِنْسِيَّتِهَا، كَمَا أَوْصَاهَا مُرْدَخَايُ. وَكَانَتْ تَعْمَلُ بِكَلَامِ مُرْدَخَايَ كَمَا حِينَ كَانَتْ تَحْتَ رِعَايَتِهِ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، غَضِبَ اثْنَانِ مِنْ أَعْوَانِ الْمَلِكِ هُمَا بِغْثَانَا وَتَرَشُ حَارِسَا الْبَابِ، وَتَآمَرَا لِقَتْلِ الْمَلِكِ حَشْوِيرَ. وَكَانَ مُرْدَخَايُ يَقُومُ بِعَمَلِهِ عِنْدَ بَابِ الْمَلِكِ. فَاكْتَشَفَ مُرْدَخَايُ الْمُؤَامَرَةَ وَأَخْبَرَ بِهَا الْمَلِكَةَ إِسْتِيرَ. وَإِسْتِيرُ أَخْبَرَتِ الْمَلِكَ وَقَالَتْ لَهُ إِنَّ مُرْدَخَايَ هُوَ الَّذِي أَخْبَرَهَا. فَلَمَّا فَحَصُوا الْمَوْضُوعَ، وَجَدُوا أَنَّهُ صَحِيحٌ. فَأُعْدِمَ الْمُتَآمِرَانِ عَلَى خَشَبَةٍ، وَسُجِّلَتِ الْوَاقِعَةُ أَمَامَ الْمَلِكِ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ الْمَمْلَكَةِ. بَعْدَ هَذِهِ الْأَحْدَاثِ، أَكْرَمَ الْمَلِكُ حَشْوِيرُ هَامَانَ بْنَ هَمَدَاثَا الْأَجَاجِيَّ وَرَقَّاهُ، وَجَعَلَهُ فَوْقَ كُلِّ الْعُظَمَاءِ الْآخَرِينَ. فَكَانَ كُلُّ أَعْوَانِ الْمَلِكِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ عِنْدَ بَابِ الْمَلِكِ يَنْحَنُونَ وَيَسْجُدُونَ لِهَامَانَ، كَمَا أَمَرَ الْمَلِكُ. أَمَّا مُرْدَخَايُ فَرَفَضَ أَنْ يَنْحَنِيَ أَوْ يَسْجُدَ. فَقَالَ أَعْوَانُ الْمَلِكِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ عِنْدَ بَابِ الْمَلِكِ لِمُرْدَخَايَ: ”لِمَاذَا تَتَعَدَّى أَمْرَ الْمَلِكِ؟“ وَكَانُوا يَقُولُونَ لَهُ هَذَا يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ لَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ يَهُودِيٌّ. فَأَخْبَرُوا هَامَانَ لِيَرَوْا إِنْ كَانَ يَسْكُتُ عَلَى تَصَرُّفِ مُرْدَخَايَ. وَلَمَّا رَأَى هَامَانُ أَنَّ مُرْدَخَايَ لَا يَنْحَنِي وَلَا يَسْجُدُ لَهُ، غَضِبَ جِدًّا. وَاعْتَبَرَ أَنَّهُ مِنَ التَّافِهِ أَنْ يَقُومَ بِقَتْلِ مُرْدَخَايَ وَحْدَهُ، لِأَنَّهُ عَرَفَ مَنْ هُمْ شَعْبُ مُرْدَخَايَ. فَأَخَذَ يَبْحَثُ عَنْ طَرِيقَةٍ لِيَقْتُلَ كُلَّ الْيَهُودِ، شَعْبِ مُرْدَخَايَ الَّذِينَ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ مَمْلَكَةِ حَشْوِيرَ. وَفِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، أَيْ نِيسَانَ، مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ لِلْمَلِكِ حَشْوِيرَ، أَلْقَوْا قُرْعَةً أَمَامَ هَامَانَ لِيَخْتَارُوا الْيَوْمَ وَالشَّهْرَ. وَكَانَتِ الْقُرْعَةُ تُسَمَّى الْفُورَ. فَاخْتَارُوا الشَّهْرَ الثَّانِيَ عَشَرَ أَيْ آذَارَ. فَقَالَ هَامَانُ لِلْمَلِكِ حَشْوِيرَ: ”يُوجَدُ شَعْبٌ مَا مُتَشَتِّتٌ وَمُتَفَرِّقٌ بَيْنَ الشُّعُوبِ فِي كُلِّ وِلَايَاتِ مَمْلَكَتِكَ، وَلَهُمْ عَادَاتٌ تُخَالِفُ كُلَّ الشُّعُوبِ الْأُخْرَى، وَهُمْ لَا يَعْمَلُونَ بِقَوَانِينِ الْمَلِكِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ تَتْرُكَهُمْ. فَإِنْ كُنْتَ تُوَافِقُ يَا جَلَالَةَ الْمَلِكِ، تَأْمُرُ بِإِبَادَتِهِمْ، وَأَنَا أَدْفَعُ لِخَزَائِنِ الْمَلِكِ حَوَالَيْ 345 طِنًّا مِنَ الْفِضَّةِ، لِتُعْطَى لِلَّذِينَ يَقُومُونَ بِهَذَا الْعَمَلِ.“ فَنَزَعَ الْمَلِكُ خَاتِمَهُ مِنْ يَدِهِ، وَأَعْطَاهُ لِهَامَانَ بْنِ هَمَدَاثَا الْأَجَاجِيِّ عَدُوِّ الْيَهُودِ. وَقَالَ الْمَلِكُ لِهَامَانَ: ”اِحْتَفِظْ بِالْفِضَّةِ، وَاعْمَلْ بِالشَّعْبِ مَا تَشَاءُ.“ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، نَادَوْا كُتَّابَ الْمَلِكِ، فَكَتَبُوا كُلَّ مَا أَمَرَ بِهِ هَامَانُ إِلَى كُلِّ وِلَايَةٍ بِلُغَتِهَا وَكُلِّ شَعْبٍ بِلَهْجَتِهِ. وَكَانَتِ الْأَوَامِرُ بِاسْمِ الْمَلِكِ حَشْوِيرَ، وَخُتِمَتْ بِخَاتِمِهِ، وَأُرْسِلَتْ إِلَى وُكَلَاءِ الْمَلِكِ وَحُكَّامِ كُلِّ الْوِلَايَاتِ وَرُؤَسَاءِ كُلِّ الشُّعُوبِ. وَحَمَلَ السُّعَاةُ الرَّسَائِلَ إِلَى كُلِّ وِلَايَاتِ الْمَلِكِ، لِإِهْلَاكِ وَقَتْلِ وَإِبَادَةِ كُلِّ الْيَهُودِ، صِغَارًا وَكِبَارًا، وَأَطْفَالًا وَنِسَاءً، فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فِي الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِيَ عَشَرَ أَيْ آذَارَ، وَأَخْذِ مَا لَهُمْ غَنِيمَةً. وَنُشِرَتْ نُسْخَةٌ مِنْ هَذَا الْقَرَارِ الَّذِي صَدَرَ كَقَانُونٍ فِي كُلِّ الْوِلَايَاتِ وَبَيْنَ كُلِّ الشُّعُوبِ، لِيَسْتَعِدُّوا لِهَذَا الْيَوْمِ. فَخَرَجَ السُّعَاةُ مُسْرِعِينَ كَمَا أَمَرَ الْمَلِكُ. وَأُذِيعَ هَذَا الْأَمْرُ فِي قَلْعَةِ شُوشَةَ. وَجَلَسَ الْمَلِكُ وَهَامَانُ يَشْرَبَانِ الْخَمْرَ. أَمَّا مَدِينَةُ شُوشَةَ فَارْتَبَكَتْ. وَلَمَّا عَلِمَ مُرْدَخَايُ بِكُلِّ مَا عُمِلَ، مَزَّقَ ثِيَابَهُ وَلَبِسَ الْخَيْشَ وَوَضَعَ الرَّمَادَ عَلَى رَأْسِهِ، وَخَرَجَ إِلَى وَسَطِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ يَصْرُخُ صُرَاخًا عَالِيًا وَمُرًّا. وَوَصَلَ إِلَى أَمَامِ بَابِ الْمَلِكِ وَتَوَقَّفَ هُنَاكَ، لِأَنَّهُ لَا يُسْمَحُ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْخُلَ بَابَ الْمَلِكِ وَهُوَ لَابِسٌ الْخَيْشَ. وَفِي كُلِّ وِلَايَةٍ وَصَلَ إِلَيْهَا أَمْرُ الْمَلِكِ وَحُكْمُهُ، كَانَ حُزْنٌ عَظِيمٌ عِنْدَ الْيَهُودِ فَصَامُوا وَبَكَوْا وَصَرَخُوا. وَكَثِيرُونَ مِنْهُمْ رَقَدُوا عَلَى الْخَيْشِ وَالرَّمَادِ تَعْبِيرًا عَنْ حُزْنِهِمْ. فَجَاءَتْ جَوَارِي إِسْتِيرَ وَخِصْيَانُهَا وَأَخْبَرُوهَا بِهَذَا. فَحَزِنَتِ الْمَلِكَةُ جِدًّا، وَأَرْسَلَتْ ثِيَابًا لِمُرْدَخَايَ، لِيَلْبَسَهَا بَدَلَ الْخَيْشِ، فَلَمْ يَقْبَلْ. وَكَانَ الْمَلِكُ قَدْ عَيَّنَ هَتَاخَ، أَحَدَ خِصْيَانِهِ، لِخِدْمَةِ إِسْتِيرَ. فَنَادَتْ إِسْتِيرُ هَتَاخَ وَأَمَرَتْهُ أَنْ يَسْتَعْلِمَ مِنْ مُرْدَخَايَ مَا حَدَثَ وَلِمَاذَا يَتَصَرَّفُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ. فَخَرَجَ هَتَاخُ إِلَى مُرْدَخَايَ وَهُوَ فِي سَاحَةِ الْمَدِينَةِ أَمَامَ بَابِ الْمَلِكِ. فَأَخْبَرَهُ مُرْدَخَايُ بِكُلِّ مَا أَصَابَهُ، وَعَنْ مَبْلَغِ الْمَالِ الَّذِي وَعَدَ هَامَانُ بِأَنْ يَدْفَعَهُ لِخَزَائِنِ الْمَلِكِ لِإِبَادَةِ الْيَهُودِ. كَمَا أَعْطَاهُ نُسْخَةً مِنَ الْقَرَارِ الَّذِي صَدَرَ فِي شُوشَةَ، الَّذِي يَقْضِي بِهَلَاكِ الْيَهُودِ، لِكَيْ يُرِيَهَا لِإِسْتِيرَ وَيَشْرَحَ لَهَا الْمَوْضُوعَ وَيُوصِيَهَا أَنْ تَدْخُلَ إِلَى الْمَلِكِ وَتَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ وَتَتَشَفَّعَ عِنْدَهُ عَنْ شَعْبِهَا. فَجَاءَ هَتَاخُ وَأَخْبَرَ إِسْتِيرَ بِكَلَامِ مُرْدَخَايَ. فَأَرْسَلَتْهُ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى مُرْدَخَايَ لِيَقُولَ لَهُ هَذَا الْكَلَامَ: ”إِنَّ كُلَّ أَعْوَانِ الْمَلِكِ وَشُعُوبِ وِلَايَاتِهِ، يَعْلَمُونَ أَنَّهُ إِنْ دَخَلَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ إِلَى الْمَلِكِ فِي قَاعَتِهِ الْخَاصَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْعَى، فَلَهُ قَانُونٌ وَاحِدٌ هُوَ الْمَوْتُ. إِلَّا إِذَا مَدَّ لَهُ الْمَلِكُ عَصَا الذَّهَبِ فَيَحْيَا. وَأَنَا مُنْذُ 30 يَوْمًا، لَمْ يَدْعُنِي الْمَلِكُ إِلَى مَحْضَرِهِ.“ فَلَمَّا بَلَغَ مُرْدَخَايَ كَلَامُ إِسْتِيرَ، أَرْسَلَ لَهَا هَذَا الرَّدَّ: ”لَا تَقُولِي فِي نَفْسِكِ: ’أَنَا فِي قَصْرِ الْمَلِكِ، فَسَأَنْجُو دُونَ كُلِّ الْيَهُودِ!‘ بَلْ إِنْ سَكَتِّ وَصَمَتِّ فِي هَذَا الْوَقْتِ، يَأْتِي الْفَرَجُ وَالْعَوْنُ مِنْ مَكَانٍ آخَرَ. أَمَّا أَنْتِ وَأَهْلُ أَبِيكِ فَتَهْلِكُونَ. وَمَنْ يَعْلَمُ؟ رُبَّمَا لِوَقْتٍ كَهَذَا، وَصَلْتِ إِلَى الْمُلْكِ!“ فَأَرْسَلَتْ إِسْتِيرُ هَذَا الرَّدَّ لِمُرْدَخَايَ: ”اِذْهَبِ اجْمَعْ كُلَّ الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي شُوشَةَ، وَصُومُوا لِأَجْلِي وَلَا تَأْكُلُوا وَلَا تَشْرَبُوا 3 أَيَّامٍ لَيْلًا وَنَهَارًا. وَأَنَا أَيْضًا وَجَوَارِيَّ نَصُومُ بِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ. ثُمَّ أَدْخُلُ إِلَى الْمَلِكِ خِلَافًا لِلْقَانُونِ، فَإِنْ هَلَكْتُ هَلَكْتُ!“ فَانْصَرَفَ مُرْدَخَايُ، وَعَمِلَ بِكُلِّ مَا أَوْصَتْهُ بِهِ إِسْتِيرُ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، لَبِسَتْ إِسْتِيرُ ثِيَابَهَا الْمَلَكِيَّةَ وَوَقَفَتْ فِي قَاعَةِ الْمَلِكِ الْخَاصَّةِ، أَمَامَ الْبَهْوِ الْمَلَكِيِّ فِي الْقَصْرِ وَكَانَ الْمَلِكُ جَالِسًا عَلَى عَرْشِهِ فِي الْبَهْوِ يُوَاجِهُ الْمَدْخَلَ. فَلَمَّا رَأَى الْمَلِكُ إِسْتِيرَ الْمَلِكَةَ وَاقِفَةً فِي الْقَاعَةِ، فَرِحَ بِهَا وَمَدَّ لَهَا عَصَا الذَّهَبِ الَّتِي بِيَدِهِ. فَاقْتَرَبَتْ إِسْتِيرُ وَلَمَسَتْ طَرَفَ الْعَصَا. وَقَالَ لَهَا الْمَلِكُ: ”مَا لَكِ أَيَّتُهَا الْمَلِكَةُ إِسْتِيرُ؟ مَا هُوَ طَلَبُكِ فَأُعْطِيَهُ لَكِ وَلَوْ كَانَ نِصْفَ الْمَمْلَكَةِ؟“ فَقَالَتْ إِسْتِيرُ: ”إِنْ كُنْتَ تُوَافِقُ يَا جَلَالَةَ الْمَلِكِ، فَتَعَالَ أَنْتَ وَهَامَانُ الْيَوْمَ إِلَى الْوَلِيمَةِ الَّتِي عَمِلْتُهَا لَكَ.“ فَقَالَ الْمَلِكُ: ”هَاتُوا هَامَانَ بِسُرْعَةٍ لِكَيْ نَعْمَلَ كَمَا قَالَتْ إِسْتِيرُ.“ فَجَاءَ الْمَلِكُ وَهَامَانُ إِلَى الْوَلِيمَةِ الَّتِي عَمِلَتْهَا إِسْتِيرُ. وَبَيْنَمَا هُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، قَالَ الْمَلِكُ لِإِسْتِيرَ: ”مَا هُوَ سُؤَالُكِ فَأُعْطِيَهُ لَكِ؟ وَمَا هُوَ طَلَبُكِ فَأُنَفِّذَهُ، وَلَوْ كَانَ نِصْفَ الْمَمْلَكَةِ؟“ فَأَجَابَتْ إِسْتِيرُ: ”هَذَا هُوَ سُؤَالِي وَطَلَبِي، إِنْ كُنْتَ تَرْضَى عَنِّي يَا جَلَالَةَ الْمَلِكِ، وَإِنْ كُنْتَ تُوَافِقُ أَنْ تُعْطِيَنِي سُؤَالِي وَتُنَفِّذَ طَلَبِي، فَمِنْ فَضْلِكَ يَا جَلَالَةَ الْمَلِكِ، تَأْتِي أَنْتَ وَهَامَانُ إِلَى الْوَلِيمَةِ الَّتِي أَعْمَلُهَا لَكُمَا غَدًا. وَعِنْدَ ذَلِكَ أُجِيبُ عَلَى سُؤَالِكَ.“ فَخَرَجَ هَامَانُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَرْحَانًا وَمَسْرُورَ الْقَلْبِ. وَلَكِنَّهُ لَمَّا رَأَى مُرْدَخَايَ عِنْدَ بَابِ الْمَلِكِ وَلَمْ يَقُمْ وَلَا تَحَرَّكَ لَهُ، اِمْتَلَأَ بِالْغَيْظِ عَلَى مُرْدَخَايَ. وَلَكِنَّ هَامَانَ ضَبَطَ نَفْسَهُ وَرَجَعَ إِلَى دَارِهِ، وَأَرْسَلَ وَأَحْضَرَ أَصْدِقَاءَهُ وَزَرَشَ زَوْجَتَهُ. وَأَخَذَ يَفْتَخِرُ لَهُمْ بِثَرْوَتِهِ الْكَبِيرَةِ وَبَنِيهِ الْكَثِيرِينَ وَكَيْفَ أَنَّ الْمَلِكَ أَكْرَمَهُ جِدًّا وَرَقَّاهُ فَوْقَ عُظَمَاءِ الْمَلِكِ وَأَعْوَانِهِ. وَقَالَ هَامَانُ: ”لِدَرَجَةِ أَنَّ الْمَلِكَةَ إِسْتِيرَ دَعَتْنِي أَنَا وَحْدِي مَعَ الْمَلِكِ، إِلَى الْوَلِيمَةِ الَّتِي عَمِلَتْهَا! وَدَعَتْنِي أَيْضًا إِلَى وَلِيمَةٍ أُخْرَى مَعَ الْمَلِكِ غَدًا! وَلَكِنَّ كُلَّ هَذَا لَا يُسْعِدُنِي، مَا دُمْتُ أَرَى ذَلِكَ الْيَهُودِيَّ مُرْدَخَايَ يَعْمَلُ عِنْدَ بَابِ الْمَلِكِ!“ فَقَالَتْ لَهُ زَرَشُ زَوْجَتُهُ وَكُلُّ أَصْحَابِهِ: ”اِعْمَلُوا مَشْنَقَةً مِنْ خَشَبٍ ارْتِفَاعُهَا 25 مِتْرًا. وَفِي الصُّبْحِ اطْلُبْ مِنَ الْمَلِكِ أَنْ يَشْنِقُوا مُرْدَخَايَ عَلَيْهَا. ثُمَّ ادْخُلْ مَعَ الْمَلِكِ إِلَى الْوَلِيمَةِ وَأَنْتَ فَرْحَانٌ.“ فَأُعْجِبَ هَامَانُ بِالْفِكْرَةِ، وَأَمَرَ بِعَمَلِ الْمَشْنَقَةِ. فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، لَمْ يَقْدِرِ الْمَلِكُ أَنْ يَنَامَ. فَأَمَرَ بِأَنْ يُحْضِرُوا كِتَابَ أَخْبَارِ الْمَمْلَكَةِ وَيَقْرَأُوهُ لَهُ. فَوَجَدُوا مَكْتُوبًا فِيهِ أَنَّ اثْنَيْنِ مِنْ أَعْوَانِ الْمَلِكِ هُمَا بِغْثَانَا وَتَرَشُ حَارِسَا الْبَابِ، تَآمَرَا لِقَتْلِ الْمَلِكِ حَشْوِيرَ، وَأَنَّ مُرْدَخَايَ هُوَ الَّذِي كَشَفَ الْمُؤَامَرَةَ. فَقَالَ الْمَلِكُ: ”مَاذَا عَمِلْنَا لِنُكْرِمَ مُرْدَخَايَ وَنُعَظِّمَهُ عَلَى هَذَا؟“ فَقَالَ خُدَّامُهُ: ”لَا شَيْءَ!“ فَقَالَ الْمَلِكُ: ”مَنْ فِي الْقَاعَةِ؟“ وَكَانَ هَامَانُ قَدْ دَخَلَ الْقَاعَةَ الْخَارِجِيَّةَ فِي الْقَصْرِ، لِيَطْلُبَ مِنَ الْمَلِكِ أَنْ يَشْنِقُوا مُرْدَخَايَ عَلَى الْمَشْنَقَةِ الَّتِي أَعَدَّهَا لَهُ. فَقَالَ خُدَّامُ الْمَلِكِ: ”هَامَانُ وَاقِفٌ فِي الْقَاعَةِ.“ فَأَمَرَ الْمَلِكُ بِأَنْ يَدْخُلَ. فَلَمَّا دَخَلَ هَامَانُ قَالَ لَهُ الْمَلِكُ: ”مَاذَا نَعْمَلُ لِرَجُلٍ يُرِيدُ الْمَلِكُ أَنْ يُكْرِمَهُ؟“ فَقَالَ هَامَانُ فِي نَفْسِهِ: ”مَنْ يُرِيدُ الْمَلِكُ أَنْ يُكْرِمَهُ أَكْثَرَ مِنِّي؟“ ثُمَّ قَالَ لِلْمَلِكِ: ”الرَّجُلُ الَّذِي يُرِيدُ الْمَلِكُ أَنْ يُكْرِمَهُ يُحْضِرُونَ لَهُ رِدَاءً مَلَكِيًّا مِمَّا يَلْبَسُهُ الْمَلِكُ، وَفَرَسًا مِمَّا يَرْكَبُهُ الْمَلِكُ، وَتُوضَعُ عَلَى رَأْسِ الْفَرَسِ زِينَةٌ مَلَكِيَّةٌ. وَيَتَسَلَّمُ وَاحِدٌ مِنْ كِبَارِ عُظَمَاءِ الْمَلِكِ الرِّدَاءَ وَالْفَرَسَ، وَيُلْبِسُونَ الرَّجُلَ الَّذِي يُرِيدُ الْمَلِكُ أَنْ يُكْرِمَهُ، وَيُرْكِبُونَهُ عَلَى الْفَرَسِ فِي سَاحَةِ الْمَدِينَةِ، وَيُنَادُونَ قُدَّامَهُ: ’الرَّجُلُ الَّذِي يُرِيدُ الْمَلِكُ أَنْ يُكْرِمَهُ، نَعْمَلُ مَعَهُ هَذَا!‘“ فَقَالَ الْمَلِكُ لِهَامَانَ: ”اِذْهَبْ بِسُرْعَةٍ وَخُذِ الرِّدَاءَ وَالْفَرَسَ كَمَا قُلْتَ، وَاعْمَلْ كُلَّ هَذَا لِمُرْدَخَايَ الْيَهُودِيِّ الَّذِي يَعْمَلُ عِنْدَ بَابِ الْمَلِكِ. لَا تُهْمِلْ شَيْئًا مِنْ كُلِّ مَا قُلْتَهُ.“ فَأَخَذَ هَامَانُ الرِّدَاءَ وَالْفَرَسَ، وَأَلْبَسَ مُرْدَخَايَ وَأَرْكَبَهُ فِي سَاحَةِ الْمَدِينَةِ، وَأَخَذَ يُنَادِي قُدَّامَهُ: ”الرَّجُلُ الَّذِي يُرِيدُ الْمَلِكُ أَنْ يُكْرِمَهُ، نَعْمَلُ مَعَهُ هَذَا!“ وَبَعْدَ ذَلِكَ رَجَعَ مُرْدَخَايُ إِلَى عَمَلِهِ عِنْدَ بَابِ الْمَلِكِ. أَمَّا هَامَانُ فَذَهَبَ إِلَى دَارِهِ حَزِينًا وَقَدْ غَطَّى رَأْسَهُ مِنَ الْخَجَلِ. وَحَكَى هَامَانُ لِزَرَشَ زَوْجَتِهِ وَكُلِّ أَصْحَابِهِ عَنْ كُلِّ مَا جَرَى لَهُ. فَقَالَ لَهُ مُسْتَشَارُوهُ وَزَوْجَتُهُ: ”أَنْتَ بَدَأْتَ تَنْهَزِمُ أَمَامَ مُرْدَخَايَ. وَبِمَا أَنَّهُ يَهُودِيٌّ، فَلَنْ تَقْدِرَ أَنْ تَغْلِبَهُ، بَلْ سَتَنْهَزِمُ جِدًّا أَمَامَهُ!“ وَبَيْنَمَا هُمْ يُكَلِّمُونَهُ، وَصَلَ خُدَّامُ الْمَلِكِ، وَأَخَذُوا هَامَانَ بِسُرْعَةٍ إِلَى الْوَلِيمَةِ الَّتِي عَمِلَتْهَا إِسْتِيرُ. فَذَهَبَ الْمَلِكُ وَهَامَانُ إِلَى الْوَلِيمَةِ عِنْدَ الْمَلِكَةِ إِسْتِيرَ. وَبَيْنَمَا هُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الثَّانِي، قَالَ الْمَلِكُ لِإِسْتِيرَ مَرَّةً أُخْرَى: ”مَا هُوَ سُؤَالُكِ أَيَّتُهَا الْمَلِكَةُ إِسْتِيرُ فَأُعْطِيَهُ لَكِ؟ وَمَا هُوَ طَلَبُكِ فَأُنَفِّذَهُ، وَلَوْ كَانَ نِصْفَ الْمَمْلَكَةِ؟“ فَأَجَابَتْهُ الْمَلِكَةُ إِسْتِيرُ وَقَالَتْ: ”إِنْ كُنْتَ تَرْضَى عَنِّي يَا جَلَالَةَ الْمَلِكِ، وَإِنْ كُنْتَ تُوَافِقُ، فَمِنْ فَضْلِكَ أَنْقِذْ حَيَاتِي وَأَنْقِذْ شَعْبِي! هَذَا هُوَ سُؤَالِي، وَهَذَا هُوَ طَلَبِي! لِأَنَّ أَحَدَهُمْ بَاعَنَا أَنَا وَشَعْبِي لِنُبَادَ وَنُقْتَلَ وَنُفْنَى. فَلَوْ أَنَّهُ بَاعَنَا عَبِيدًا وَجَوَارِيَ، لَكُنْتُ سَكَتُّ، لِأَنَّ الْعَدُوَّ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ نُزْعِجَ بِهِ الْمَلِكَ!“ فَقَالَ الْمَلِكُ حَشْوِيرُ لِلْمَلِكَةِ إِسْتِيرَ: ”مَنْ هُوَ هَذَا، وَأَيْنَ هُوَ؟ وَكَيْفَ يَجْرُؤُ أَنْ يَعْمَلَ هَذَا الْعَمَلَ؟“ فَقَالَتْ إِسْتِيرُ: ”هَذَا هُوَ خَصْمُنَا، وَهَذَا هُوَ عَدُوُّنَا، هَامَانُ الْقَذِرُ!“ فَارْتَعَبَ هَامَانُ أَمَامَ الْمَلِكِ وَالْمَلِكَةِ. فَقَامَ الْمَلِكُ وَهُوَ غَضْبَانٌ، وَتَرَكَ الْخَمْرَ وَخَرَجَ إِلَى حَدِيقَةِ الْقَصْرِ. أَمَّا هَامَانُ فَبَقِيَ لِيَتَوَسَّلَ إِلَى الْمَلِكَةِ إِسْتِيرَ لِتُنْقِذَ حَيَاتَهُ، لِأَنَّهُ أَدْرَكَ أَنَّ المَلِكَ قَرَّرَ إِعْدَامَهُ. وَلَمَّا رَجَعَ الْمَلِكُ مِنْ حَدِيقَةِ الْقَصْرِ إِلَى قَاعَةِ الْوَلِيمَةِ، وَجَدَ هَامَانَ مُنْطَرِحًا عَلَى السَّرِيرِ الَّذِي تَجْلِسُ عَلَيْهِ إِسْتِيرُ. فَقَالَ الْمَلِكُ: ”هَلْ يَتَعَرَّضُ أَيْضًا لِلْمَلِكَةِ وَهِيَ مَعِي وَفِي بَيْتِي!“ وَلَمَّا خَرَجَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ فَمِ الْمَلِكِ، غَطَّوْا وَجْهَ هَامَانَ. فَقَالَ حَرْبُونَا أَحَدُ الْخِصْيَانِ الَّذِينَ يَخْدِمُونَ الْمَلِكَ: ”تُوجَدُ فِي دَارِ هَامَانَ مَشْنَقَةٌ ارْتِفَاعُهَا 25 مِتْرًا، عَمِلَهَا لِمُرْدَخَايَ الَّذِي صَنَعَ خَيْرًا مَعَ الْمَلِكِ.“ فَقَالَ الْمَلِكُ: ”اُشْنُقُوهُ عَلَيْهَا.“ فَشَنَقُوا هَامَانَ عَلَى الْمَشْنَقَةِ الَّتِي أَعَدَّهَا لِمُرْدَخَايَ. وَبَعْدَ ذَلِكَ هَدَأَ غَضَبُ الْمَلِكِ. فِي نَفْسِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، أَعْطَى الْمَلِكُ حَشْوِيرُ لِلْمَلِكَةِ إِسْتِيرَ أَمْلَاكَ هَامَانَ عَدُوِّ الْيَهُودِ. وَدَخَلَ مُرْدَخَايُ إِلَى مَحْضَرِ الْمَلِكِ، لِأَنَّ إِسْتِيرَ أَخْبَرَتِ الْمَلِكَ بِأَنَّهُ قَرِيبُهَا. وَنَزَعَ الْمَلِكُ خَاتِمَهُ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ هَامَانَ، وَأَعْطَاهُ لِمُرْدَخَايَ. وَعَيَّنَتْ إِسْتِيرُ مُرْدَخَايَ وَكِيلًا عَلَى أَمْلَاكِ هَامَانَ. وَكَلَّمَتْ إِسْتِيرُ الْمَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى. فَرَمَتْ نَفْسَهَا عِنْدَ قَدَمَيْهِ وَبَكَتْ وَتَوَسَّلَتْ إِلَيْهِ لِكَيْ يُلْغِيَ مُؤَامَرَةَ هَامَانَ الْأَجَاجِيِّ وَخِطَّتَهُ الَّتِي دَبَّرَهَا ضِدَّ الْيَهُودِ. فَمَدَّ الْمَلِكُ لِإِسْتِيرَ عَصَا الذَّهَبِ، فَقَامَتْ إِسْتِيرُ وَوَقَفَتْ أَمَامَ الْمَلِكِ وَقَالَتْ: ”إِنْ كُنْتَ تُوَافِقُ يَا جَلَالَةَ الْمَلِكِ، وَإِنْ كُنْتَ تَرْضَى عَنِّي، وَتَرَى أَنَّ طَلَبِي مَعْقُولٌ، وَأَنِّي أَنَا مَقْبُولَةٌ عِنْدَكَ، فَمِنْ فَضْلِكَ تَطْلُبُ أَنْ يَكْتُبُوا مَرْسُومًا لِإِلْغَاءِ مَا دَبَّرَهُ هَامَانُ بْنُ هَمَدَاثَا الْأَجَاجِيُّ. فَإِنَّهُ كَتَبَ رَسَائِلَ لِإِبَادَةِ الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي كُلِّ وِلَايَاتِ الْمَلِكِ. لِأَنِّي لَا أَحْتَمِلُ أَنْ أَرَى الْمُصِيبَةَ تَحِلُّ بِشَعْبِي. لَا أَحْتَمِلُ أَنْ أَرَى هَلَاكَ أَهْلِي.“ فَقَالَ الْمَلِكُ حَشْوِيرُ لِلْمَلِكَةِ إِسْتِيرَ وَمُرْدَخَايَ الْيَهُودِيِّ: ”لِأَنَّ هَامَانَ حَاوَلَ أَنْ يُسِيءَ إِلَى الْيَهُودِ، فَقَدْ أَعْطَيْتُ أَمْلَاكَهُ لِإِسْتِيرَ، وَشَنَقْتُهُ هُوَ عَلَى الْمَشْنَقَةِ. فَاكْتُبَا أَنْتُمَا أَمْرًا إِلَى الْيَهُودِ كَمَا يَحْسُنُ لَدَيْكُمَا، وَيَكُونُ بِاسْمِ الْمَلِكِ، وَمَخْتُومًا بِخَاتِمِهِ. لِأَنَّ الْمُسْتَنَدَ الْمَكْتُوبَ بِاسْمِ الْمَلِكِ، وَالْمَخْتُومَ بِخَاتِمِهِ لَا يُلْغَى.“ فَنَادَوْا كُتَّابَ الْمَلِكِ بِسُرْعَةٍ، فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّالِثِ أَيْ سِيوَانَ. فَكَتَبُوا كُلَّ مَا أَمَرَ بِهِ مُرْدَخَايُ إِلَى كُلِّ وِلَايَةٍ بِلُغَتِهَا وَكُلِّ شَعْبٍ بِلَهْجَتِهِ وَإِلَى الْيَهُودِ بِلُغَتِهِمْ وَلَهْجَتِهِمْ. وَأُرْسِلَتِ الْأَوَامِرُ إِلَى الْيَهُودِ وَوُكَلَاءِ الْمَلِكِ وَالْحُكَّامِ وَرُؤَسَاءِ الْبِلَادِ الَّتِي مِنَ الْهِنْدِ إِلَى الْحَبَشَةِ، 127 وِلَايَةً. فَكَتَبَ مُرْدَخَايُ الرَّسَائِلَ بِاسْمِ الْمَلِكِ حَشْوِيرَ، وَخَتَمَهَا بِخَاتِمِ الْمَلِكِ، وَأَرْسَلَهَا مَعَ سُعَاةٍ رَاكِبِينَ عَلَى خَيْلِ الْمَلِكِ السَّرِيعَةِ الْأَصِيلَةِ. فِي هَذِهِ الرَّسَائِلِ، أَعْطَى الْمَلِكُ الْيَهُودَ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ، الْحَقَّ أَنْ يَتَجَمَّعُوا لِيُدَافِعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ. وَأَنْ يُهْلِكُوا وَيَقْتُلُوا وَيُبِيدُوا أَيَّ قُوَّةٍ مُسَلَّحَةٍ مُعَادِيَةٍ لَهُمْ مِنْ أَيِّ جِنْسِيَّةٍ أَوْ وِلَايَةٍ، حَتَّى الْأَطْفَالَ وَالنِّسَاءَ، وَيَأْخُذُونَ مَا لَهُمْ غَنِيمَةً. وَذَلِكَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فِي كُلِّ وِلَايَاتِ الْمَلِكِ حَشْوِيرَ، وَهُوَ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِيَ عَشَرَ أَيْ آذَارَ. وَنُشِرَتْ نُسْخَةٌ مِنْ هَذَا الْقَرَارِ الَّذِي صَدَرَ كَقَانُونٍ فِي كُلِّ الْوِلَايَاتِ وَبَيْنَ كُلِّ الشُّعُوبِ، لِيَكُونَ الْيَهُودُ مُسْتَعِدِّينَ لِهَذَا الْيَوْمِ لِيَنْتَقِمُوا مِنْ أَعْدَائِهِمْ. فَخَرَجَ السُّعَاةُ رَاكِبِينَ عَلَى خَيْلِ الْمَلِكِ، وَمُسْرِعِينَ جِدًّا كَمَا أَمَرَ الْمَلِكُ. وَأُذِيعَ هَذَا الْأَمْرُ فِي قَلْعَةِ شُوشَةَ. وَخَرَجَ مُرْدَخَايُ مِنْ مَحْضَرِ الْمَلِكِ، وَهُوَ لَابِسٌ رِدَاءً مَلَكِيًّا أَزْرَقَ وَأَبْيَضَ، وَتَاجًا كَبِيرًا مِنْ ذَهَبٍ، وَعَبَايَةً بَنَفْسَجِيَّةً مِنْ كَتَّانٍ نَاعِمٍ. وَأَخَذَ شَعْبُ شُوشَةَ يَهْتِفُ فَرَحًا. وَأَشْرَقَ النُّورُ لِلْيَهُودِ، فَامْتَلَأُوا بِالْفَرَحِ وَالْبَهْجَةِ وَالشُّعُورِ بِالْكَرَامَةِ. وَفِي كُلِّ وِلَايَةٍ وَمَدِينَةٍ وَمَكَانٍ وَصَلَ إِلَيْهِ كَلَامُ الْمَلِكِ وَأَمْرُهُ، كَانَ فَرَحٌ وَبَهْجَةٌ عِنْدَ الْيَهُودِ فَعَمِلُوا الْوَلَائِمَ وَاحْتَفَلُوا. وَكَثِيرُونَ مِنْ أَبْنَاءِ الشُّعُوبِ الْأُخْرَى أَصْبَحُوا يَهُودًا، لِأَنَّهُمْ خَافُوا جِدًّا مِنَ الْيَهُودِ. فِي الْيَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِيَ عَشَرَ أَيْ آذَارَ، حَانَ تَنْفِيذُ كَلَامِ الْمَلِكِ وَأَمْرِهِ. كَانَ هَذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي انْتَظَرَ فِيهِ أَعْدَاءُ الْيَهُودِ أَنْ يَتَسَلَّطُوا عَلَيْهِمْ، وَالْآنَ انْقَلَبَ الْمَوْقِفُ، فَتَسَلَّطَ الْيَهُودُ عَلَى الَّذِينَ يَكْرَهُونَهُمْ. وَتَجَمَّعَ الْيَهُودُ فِي مُدُنِهِمْ فِي كُلِّ بِلَادِ الْمَلِكِ حَشْوِيرَ، لِيَهْجُمُوا عَلَى الَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يُسِيئُوا إِلَيْهِمْ. فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يُقَاوِمَهُمْ، لِأَنَّ كُلَّ النَّاسِ خَافُوا مِنْهُمْ جِدًّا. وَكَانَ كُلُّ رُؤَسَاءِ الْبِلَادِ وَوُكَلَاءِ الْمَلِكِ وَالْحُكَّامِ وَعُمَّالِ الْمَلِكِ يُسَاعِدُونَ الْيَهُودَ، لِأَنَّهُمْ خَافُوا جِدًّا مِنْ مُرْدَخَايَ. وَكَانَ مُرْدَخَايُ لَهُ مَرْكَزٌ كَبِيرٌ فِي قَصْرِ الْمَلِكِ، وَانْتَشَرَتْ سُمْعَتُهُ فِي كُلِّ الْبِلَادِ، وَزَادَ نُفُوذُهُ. فَضَرَبَ الْيَهُودُ كُلَّ أَعْدَائِهِمْ بِالسَّيْفِ، فَقَتَلُوهُمْ وَأَهْلَكُوهُمْ، وَعَمِلُوا بِالَّذِينَ يَكْرَهُونَهُمْ مَا شَاءُوا. وَفِي قَلْعَةِ شُوشَةَ، قَتَلَ الْيَهُودُ وَأَهْلَكُوا 500 رَجُلٍ. وَقَتَلُوا أَيْضًا فَرْشَنْدَاتَا وَدَلْفُونَ وَأَسْفَاتَا. وَفُورَاتَا وَأَدَلْيَا وَأَرِيدَاتَا وَفَرْمَشْتَا وَأَرِيسَايَ وَأَرِيدَايَ وَيَزَاتَا. وَهُمْ 10 أَبْنَاءِ هَامَانَ بْنِ هَمَدَاثَا عَدُوِّ الْيَهُودِ. قَتَلُوهُمْ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَمُدُّوا أَيْدِيَهُمْ إِلَى غَنِيمَةٍ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، بَلَغَ الْمَلِكَ عَدَدُ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي قَلْعَةِ شُوشَةَ. فَقَالَ الْمَلِكُ لِلْمَلِكَةِ إِسْتِيرَ: ”قَتَلَ الْيَهُودُ وَأَهْلَكُوا فِي قَلْعَةِ شُوشَةَ وَحْدَهَا، 500 رَجُلٍ وَبَنِي هَامَانَ الْـ10. فَيَا تُرَى مَاذَا فَعَلُوا فِي بَاقِي بِلَادِ الْمَلِكِ؟ فَهَلْ عِنْدَكِ سُؤَالٌ آخَرُ فَأُعْطِيَهُ لَكِ؟ أَوْ طَلَبٌ آخَرُ فَأُنَفِّذَهُ؟“ فَقَالَتْ إِسْتِيرُ: ”إِنْ كُنْتَ تُوَافِقُ يَا جَلَالَةَ الْمَلِكِ، فَاسْمَحْ لِلْيَهُودِ بِأَنْ يَعْمَلُوا غَدًا فِي قَلْعَةِ شُوشَةَ كَمَا عَمِلُوا الْيَوْمَ، وَيُعَلِّقُوا بَنِي هَامَانَ الْـ10 عَلَى الْمَشْنَقَةِ.“ فَأَمَرَ الْمَلِكُ بِأَنْ يَعْمَلُوا هَذَا. وَصَدَرَ الْأَمْرُ فِي شُوشَةَ، فَعَلَّقُوا بَنِي هَامَانَ الْـ10. وَتَجَمَّعَ الْيَهُودُ الَّذِينَ فِي شُوشَةَ، فِي الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ أَيْضًا مِنْ شَهْرِ آذَارَ، وَقَتَلُوا فِي شُوشَةَ 300 رَجُلٍ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَمُدُّوا أَيْدِيَهُمْ إِلَى غَنِيمَةٍ. وَبَاقِي الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي بِلَادِ الْمَلِكِ تَجَمَّعُوا لِيُدَافِعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَيَتَخَلَّصُوا مِنْ أَعْدَائِهِمْ. فَقَتَلُوا مِنَ الَّذِينَ يَكْرَهُونَهُمْ 75000، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَمُدُّوا أَيْدِيَهُمْ إِلَى غَنِيمَةٍ. وَتَمَّ ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ آذَارَ، وَاسْتَرَاحُوا فِي الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ، وَجَعَلُوهُ يَوْمَ وَلَائِمَ وَفَرَحٍ أَمَّا الْيَهُودُ الَّذِينَ فِي شُوشَةَ، فَتَجَمَّعُوا عَلَى أَعْدَائِهِمْ فِي الثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ، وَاسْتَرَاحُوا فِي الْخَامِسَ عَشَرَ، وَجَعَلُوهُ يَوْمَ وَلَائِمَ وَفَرَحٍ. لِذَلِكَ فَإِنَّ الْيَهُودَ السَّاكِنِينَ فِي الرِّيفِ وَالْقُرَى الصَّغِيرَةِ، جَعَلُوا الْيَوْمَ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ آذَارَ يَوْمَ فَرَحٍ وَوَلَائِمَ، وَيَوْمَ خَيْرٍ يَتَبَادَلُونَ فِيهِ الْهَدَايَا بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ. وَكَتَبَ مُرْدَخَايُ هَذِهِ الْأَحْدَاثَ، وَأَرْسَلَ رَسَائِلَ إِلَى كُلِّ الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي جَمِيعِ بِلَادِ الْمَلِكِ حَشْوِيرَ قَرِيبِهَا وَبَعِيدِهَا. وَطَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يَحْتَفِلُوا كُلَّ سَنَةٍ، فِي الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ وَالْيَوْمِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ آذَارَ. لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْوَقْتُ الَّذِي تَخَلَّصَ فِيهِ الْيَهُودُ مِنْ أَعْدَائِهِمْ، وَهَذَا هُوَ الشَّهْرُ الَّذِي تَحَوَّلَ فِيهِ حُزْنُهُمْ إِلَى فَرَحٍ وَصُرَاخُهُمْ إِلَى مَرَحٍ. وَطَلَبَ مِنْهُمْ مُرْدَخَايُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عِيدًا يَعْمَلُونَ فِيهِ الْوَلَائِمَ وَيَفْرَحُونَ وَيَتَبَادَلُونَ الْهَدَايَا بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ، وَيُعْطُونَ عَطَايَا لِلْفُقَرَاءِ. فَقَبِلَ الْيَهُودُ مَا طَلَبَهُ مِنْهُمْ مُرْدَخَايُ وَهُوَ أَنْ يَسْتَمِرُّوا فِي الِاحْتِفَالِ بِهَذَا الْعِيدِ الَّذِي بَدَأُوهُ. لِأَنَّ هَامَانَ بْنَ هَمَدَاثَا الْأَجَاجِيَّ عَدُوَّ كُلِّ الْيَهُودِ تَآمَرَ أَنْ يُبِيدَ الْيَهُودَ، وَأَلْقَى قُرْعَةً لِيُهْلِكَهُمْ وَيُبِيدَهُمْ. وَكَانَتِ الْقُرْعَةُ تُسَمَّى الْفُورَ. لَوْلَا إِسْتِيرُ الَّتِي دَخَلَتْ إِلَى الْمَلِكِ، فَأَصْدَرَ الْمَلِكُ أَمْرًا مَكْتُوبًا بِأَنَّ الْمُؤَامَرَةَ الْخَبِيثَةَ الَّتِي دَبَّرَهَا هَامَانُ ضِدَّ الْيَهُودِ، تَرْتَدُّ عَلَى رَأْسِهِ، فَيُشْنَقُ هُوَ وَبَنُوهُ عَلَى الْمَشْنَقَةِ. وَصَارَ اسْمُ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ الْفُورِيمَ، مِنْ كَلِمَةِ الْفُورِ. وَبِسَبَبِ كُلِّ مَا وَرَدَ فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ، وَمَا رَآهُ الْيَهُودُ وَمَا جَرَى مَعَهُمْ، طُلِبَ مِنْهُمْ وَقَبِلُوا أَنْ يُعَيِّدُوا هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ، هُمْ وَأَوْلَادُهُمْ وَكُلُّ الَّذِينَ يَنْضَمُّونَ إِلَيْهِمْ. وَأَنْ لَا يَبْطُلَ الِاحْتِفَالُ بِهَذَا الْعِيدِ كُلَّ سَنَةٍ، حَسَبَ الْمَفْرُوضِ، وَفِي مَوْعِدِهِمَا. وَأَنْ يَذْكُرُوا هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ، وَيَحْتَفِلُوا بِهِمَا فِي كُلِّ جِيلٍ وَفِي كُلِّ عَشِيرَةٍ وَوِلَايَةٍ وَمَدِينَةٍ. فَلَا يَكُفُّ الْيَهُودُ عَنِ الِاحْتِفَالِ بِهِمَا، وَلَا يَنْسَى نَسْلُهُمْ ذِكْرَهُمَا. وَاسْتَخْدَمَتِ الْمَلِكَةُ إِسْتِيرُ بِنْتُ أَبِيحَائِلَ وَمُرْدَخَايُ الْيَهُودِيُّ، كُلَّ النُّفُوذِ الَّذِي لَهُمَا، فَكَتَبَا مَا يُثْبِتُ صِحَّةَ هَذِهِ الرِّسَالَةِ الثَّانِيَةِ، رِسَالَةِ الْفُورِيمِ. وَأُرْسِلَتِ الرَّسَائِلُ إِلَى كُلِّ الْيَهُودِ، فِي كُلِّ وِلَايَاتِ مَمْلَكَةِ حَشْوِيرَ الْـ127، مَعَ تَمَنِّيَاتِ إِسْتِيرَ وَمُرْدَخَايَ لَهُمْ بِالْخَيْرِ وَالْأَمَانِ، لِلِاحْتِفَالِ بِهَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ، يَوْمَيِ الْفُورِيمِ، فِي مَوْعِدِهِمَا. وَذَلِكَ كَمَا طَلَبَ مِنْهُمْ مُرْدَخَايُ الْيَهُودِيُّ وَالْمَلِكَةُ إِسْتِيرُ، وَكَمَا قَبِلُوا ذَلِكَ لَهُمْ وَلِأَوْلَادِهِمْ، وَأَنْ يَصُومُوا وَيَنُوحُوا. فَأَوْضَحَتْ رِسَالَةُ إِسْتِيرَ تَفَاصِيلَ الْفُورِيمِ، وَكُتِبَتْ فِي السِّجِلَّاتِ. وَفَرَضَ الْمَلِكُ حَشْوِيرُ جِزْيَةً عَلَى كُلِّ الْمَمْلَكَةِ بِمَا فِي ذَلِكَ جَزَائِرِ الْبَحْرِ. وَكُلُّ مَا عَمِلَهُ الْمَلِكُ بِنُفُوذِهِ وَقُوَّتِهِ، وَكَيْفَ رَفَعَ مَقَامَ مُرْدَخَايَ، مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مُلُوكِ مَادِي وَفَارِسَ. فَإِنَّ مُرْدَخَايَ الْيَهُودِيَّ كَانَ نَائِبَ الْمَلِكِ حَشْوِيرَ، وَعَظِيمًا بَيْنَ الْيَهُودِ، وَصَاحِبَ نُفُوذٍ عِنْدَ مُعْظَمِ بَنِي قَوْمِهِ، وَيَعْمَلُ لِخَيْرِ شَعْبِهِ، وَيُدَافِعُ عَنْ مَصَالِحِهِمْ جَمِيعًا. كَانَ فِي أَرْضِ عُوصَ رَجُلٌ اسْمُهُ أَيُّوبُ. وَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ كَامِلًا وَصَالِحًا، يَتَّقِي اللهَ وَيَبْتَعِدُ عَنِ الشَّرِّ. وَكَانَ عِنْدَهُ 7 بَنِينَ وَ3 بَنَاتٍ. وَكَانَتْ مَوَاشِيهِ 7000 خَرُوفٍ، وَ3000 جَمَلٍ، وَ500 زَوْجٍ مِنَ الْبَقَرِ، وَ500 حِمَارَةٍ، وَكَانَ خَدَمُهُ كَثِيرِينَ جِدًّا. فَكَانَ أَيُّوبُ أَعْظَمَ رَجُلٍ فِي الشَّرْقِ كُلِّهِ. وَكَانَ بَنُوهُ يَذْهَبُونَ وَيَعْمَلُونَ وَلِيمَةً فِي دَارِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ دَوْرِهِ. وَكَانُوا يُرْسِلُونَ وَيَسْتَدْعُونَ أَخَوَاتِهِمِ الـ3 لِيَأْكُلْنَ وَيَشْرَبْنَ مَعَهُمْ. وَبَعْدَمَا تَنْتَهِي الْوَلِيمَةُ، كَانَ أَيُّوبُ يُحْضِرُهُمْ وَيُطَهِّرُهُمْ، وَيَقُومُ فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ وَيُقَدِّمُ قَرَابِينَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ”رُبَّمَا أَخْطَأَ بَنِيَّ وَكَفَرُوا بِاللهِ فِي قُلُوبِهِمْ.“ فَكَانَ أَيُّوبُ يَعْمَلُ هَذَا دَائِمًا. وَذَاتَ يَوْمٍ جَاءَ الْمَلَائِكَةُ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ اللهِ، وَجَاءَ الشَّيْطَانُ أَيْضًا مَعَهُمْ. فَقَالَ اللهُ لِلشَّيْطَانِ: ”مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟“ فَقَالَ الشَّيْطَانُ: ”كُنْتُ أَتَجَوَّلُ فِي الْأَرْضِ وَأَتَمَشَّى فِيهَا.“ فَقَالَ اللهُ لِلشَّيْطَانِ: ”لَعَلَّكَ لَاحَظْتَ عَبْدِي أَيُّوبَ، فَإِنَّهُ لَا مَثِيلَ لَهُ فِي الْأَرْضِ، رَجُلٌ كَامِلٌ وَصَالِحٌ، يَتَّقِي اللهَ وَيَبْتَعِدُ عَنِ الشَّرِّ.“ فَقَالَ الشَّيْطَانُ للهِ: ”هَلْ أَيُّوبُ يَتَّقِي اللهَ مَجَّانًا؟ أَنْتَ وَضَعْتَ سُورًا حَوْلَهُ وَحَافَظْتَ عَلَيْهِ هُوَ وَعَائِلَتِهِ وَكُلِّ مَا لَهُ. وَبَارَكْتَ أَعْمَالَهُ، فَمَلَأَتْ مَوَاشِيهِ الْأَرْضَ. وَلَكِنْ مُدَّ يَدَكَ الْآنَ وَاضْرِبْ كُلَّ مَا لَهُ، فَإِنَّهُ يَكْفُرُ بِكَ فِي وَجْهِكَ!“ فَقَالَ اللهُ لِلشَّيْطَانِ: ”إِذَنْ، سَلَّمْتُكَ كُلَّ مَا لَهُ. إِنَّمَا لَا تَمُدَّ يَدَكَ إِلَيْهِ.“ ثُمَّ خَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ مَحْضَرِ اللهِ. وَذَاتَ يَوْمٍ كَانَ أَبْنَاءُ أَيُّوبَ وَبَنَاتُهُ، يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ خَمْرًا فِي دَارِ أَخِيهِمِ الْأَكْبَرِ. فَجَاءَ رَسُولٌ إِلَى أَيُّوبَ وَقَالَ: ”كَانَتِ الْبَقَرُ تَحْرُثُ، وَالْحَمِيرُ تَرْعَى بِالْقُرْبِ مِنْهَا، فَهَجَمَ عَلَيْنَا السَّبَئِيُّونَ وَأَخَذُوهَا وَقَتَلُوا الرُّعَاةَ بِالسَّيْفِ، وَنَجَوْتُ أَنَا وَحْدِي لِأُخْبِرَكَ.“ وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ، جَاءَ رَسُولٌ آخَرُ وَقَالَ: ”نَزَلَتْ صَاعِقَةٌ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، فَأَحْرَقَتِ الْغَنَمَ وَالرُّعَاةَ وَقَتَلَتْهُمْ، وَنَجَوْتُ أَنَا وَحْدِي لِأُخْبِرَكَ.“ وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ، جَاءَ رَسُولٌ ثَالِثٌ وَقَالَ: ”جَاءَتْ 3 عِصَابَاتٍ مِنَ الْكَلْدَانِيِّينَ، وَهَجَمَتْ عَلَى الْجِمَالِ وَأَخَذُوهَا وَقَتَلُوا الرُّعَاةَ بِالسَّيْفِ، وَنَجَوْتُ أَنَا وَحْدِي لِأُخْبِرَكَ.“ وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ، جَاءَ رَسُولٌ رَابِعٌ وَقَالَ: ”بَنُوكَ وَبَنَاتُكَ كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ خَمْرًا فِي دَارِ أَخِيهِمِ الْأَكْبَرِ، وَفَجْأَةً هَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ مِنَ الصَّحْرَاءِ، وَصَدَمَتْ زَوَايَا الدَّارِ الْـ4، فَسَقَطَتْ عَلَى الْأَوْلَادِ فَمَاتُوا كُلُّهُمْ، وَنجَوْتُ أَنَا وَحْدِي لِأُخْبِرَكَ.“ فَقَامَ أَيُّوبُ وَمَزَّقَ رِدَاءَهُ، وَحَلَقَ شَعْرَ رَأْسِهِ، وَرَمَى نَفْسَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَسَجَدَ للهِ، وَقَالَ: ”عُرْيَانًا خَرَجْتُ مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَعُرْيَانًا أَدْخُلُ الْقَبْرَ. اللهُ أَعْطَى وَاللهُ أَخَذَ، تَبَارَكَ اسْمُ اللهِ.“ فِي كُلِّ هَذَا، لَمْ يَرْتَكِبْ أَيُّوبُ خَطَأً، وَلَا اعْتَبَرَ أَنَّ اللهَ أَسَاءَ إِلَيْهِ. وَذَاتَ يَوْمٍ آخَرَ جَاءَ الْمَلَائِكَةُ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ اللهِ، وَجَاءَ الشَّيْطَانُ أَيْضًا مَعَهُمْ، لِيَمْثُلَ أَمَامَ اللهِ. فَقَالَ اللهُ لِلشَّيْطَانِ: ”مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟“ فَقَالَ الشَّيْطَانُ: ”كُنْتُ أَتَجَوَّلُ فِي الْأَرْضِ وَأَتَمَشَّى فِيهَا.“ فَقَالَ اللهُ لِلشَّيْطَانِ: ”لَعَلَّكَ لَاحَظْتَ عَبْدِي أَيُّوبَ، فَإِنَّهُ لَا مَثِيلَ لَهُ فِي الْأَرْضِ، رَجُلٌ كَامِلٌ وَصَالِحٌ، يَتَّقِي اللهَ وَيَبْتَعِدُ عَنِ الشَّرِّ. أَنْتَ حَرَّضْتَنِي عَلَيْهِ بِلَا سَبَبٍ، فَابْتَلَيْتُهُ وَمَعَ هَذَا فَهُوَ إِلَى الْآنَ مُتَمَسِّكٌ بِكَمَالِهِ.“ فَقَالَ الشَّيْطَانُ للهِ: ”لِأَنَّهُ نَجَا بِجِلْدِهِ! فَالْإِنْسَانُ مُسْتَعِدٌّ أَنْ يُضَحِّيَ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ لِيُنَجِّيَ نَفْسَهُ. وَلَكِنْ مُدَّ يَدَكَ الْآنَ وَاضْرِبْهُ فِي عَظْمِهِ وَلَحْمِهِ، فَإِنَّهُ يَكْفُرُ بِكَ فِي وَجْهِكَ!“ فَقَالَ اللهُ لِلشَّيْطَانِ: ”إِذَنْ، سَلَّمْتُهُ لَكَ، إِنَّمَا لَا تَقْتُلْهُ.“ فَخَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ مَحْضَرِ اللهِ، وَضَرَبَ أَيُّوبَ بِقُرُوحٍ مُؤْلِمَةٍ مِنْ بَطْنِ قَدَمِهِ إِلَى قِمَّةِ رَأْسِهِ. فَتَنَاوَلَ أَيُّوبُ شَقْفَةً، وَأَخَذَ يَحُكُّ بِهَا جِسْمَهُ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى الرَّمَادِ. فَقَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ: ”أَنْتَ إِلَى الْآنَ مُتَمَسِّكٌ بِكَمَالِكَ! اُكْفُرْ بِاللهِ وَمُتْ!“ فَقَالَ لَهَا: ”تَتَكَلَّمِينَ كَوَاحِدَةٍ جَاهِلَةٍ! هَلْ نَقْبَلُ الْخَيْرَ مِنَ اللهِ، وَلَا نَقْبَلُ الشَّرَّ؟“ فِي كُلِّ هَذَا، لَمْ يَرْتَكِبْ أَيُّوبُ خَطَأً بِشَفَتَيْهِ. فَلَمَّا سَمِعَ أَصْحَابُ أَيُّوبَ الـ3 بِكُلِّ مَا أَصَابَهُ مِنْ شَرٍّ، جَاءُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَكَانِهِ، وَتَقَابَلُوا بِمِيعَادٍ. ثُمَّ ذَهَبُوا لِيُوَاسُوهُ وَيُعَزُّوهُ. وَهُمْ أَلِيفَازُ التِّيمَانِيُّ، وَبِلْدَدُ الشُّوحِيُّ، وَصُوفَرُ النِّعْمَاتِيُّ. فَلَمَّا رَأَوْهُ مِنْ بَعِيدٍ، لَمْ يَعْرِفُوهُ. فَبَكَوْا بِصَوْتٍ عَالٍ وَمَزَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ رِدَاءَهُ وَوَضَعُوا تُرَابًا عَلَى رُؤُوسِهِمْ. وَقَعَدُوا مَعَهُ عَلَى الْأَرْضِ، 7 أَيَّامٍ وَ7 لَيَالٍ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُكَلِّمَهُ أَحَدٌ بِكَلِمَةٍ، لِأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّهُ فِي كَآبَةٍ شَدِيدَةٍ. بَعْدَ هَذَا فَتَحَ أَيُّوبُ فَمَهُ، وَلَعَنَ الْيَوْمَ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ. فَقَالَ: ”لَيْتَهُ هَلَكَ يَوْمُ مِيلَادِي، وَاللَّيْلَةُ الَّتِي تَكَوَّنْتُ فِيهَا! هُوَ يَوْمٌ مُظْلِمٌ، لَا يَهْتَمُّ بِهِ اللهُ مِنْ فَوْقُ، وَلَا يُشْرِقُ فِيهِ نُورٌ. بَلْ يُطْبِقُ عَلَيْهِ الظَّلَامُ وَالسَّوَادُ، يَحِلُّ عَلَيْهِ السَّحَابُ وَتُغَطِّيهِ الظُّلْمَةُ. وَتِلْكَ اللَّيْلَةُ هِيَ لَيْلَةٌ سَوْدَاءُ، لَا تُحْسَبُ بَيْنَ أَيَّامِ السَّنَةِ، وَتُمْحَى مِنْ كُلِّ الشُّهُورِ. هِيَ لَيْلَةٌ لَا يُولَدُ فِيهَا أَحَدٌ، وَلَا يُسْمَعُ فِيهَا هُتَافٌ. يَلْعَنُهَا الَّذِينَ يَلْعَنُونَ الْأَيَّامَ، وَيُثِيرُونَ لُويَاثَانَ. لَا يُشْرِقُ فِي مَسَائِهَا نَجْمٌ، وَتَنْتَظِرُ النُّورَ فَلَا يَطْلَعُ لَهَا صُبْحٌ. لِأَنَّهَا لَمْ تُغْلِقْ بَطْنَ أُمِّي عَلَيَّ، وَلَمْ تُبْعِدِ التَّعَاسَةَ عَنِّي. ”لَيْتَنِي مُتُّ لَمَّا وُلِدْتُ! لَيْتَنِي مُتُّ لَمَّا خَرَجْتُ مِنَ الْبَطْنِ. لِمَاذَا وَجَدْتُ رُكْبَتَيْنِ تَقْبَلَانِي، وَثَدْيَيْنِ يُرْضِعَانِي. لَوْلَا ذَلِكَ لَكُنْتُ الْآنَ رَاقِدًا فِي هُدُوءٍ، وَنَائِمًا فِي رَاحَةٍ. مَعَ مُلُوكِ الْأَرْضِ وَعُظَمَائِهَا، الَّذِينَ بَنَوْا أَهْرَامًا لِأَنْفُسِهِمْ. أَوْ مَعَ الْحُكَّامِ الَّذِينَ مَلَأُوا بُيُوتَهُمْ ذَهَبًا وَفِضَّةً. أَوْ كَجَنِينٍ مَيِّتٍ يُطْمَرُ فِي الْأَرْضِ، كَجَنِينٍ لَمْ يَرَ النُّورَ. هُنَاكَ يَكُفُّ الْأَشْرَارُ عَنْ إِثَارَةِ الْمَشَاكِلِ، وَهُنَاكَ يَسْتَرِيحُ الْمُتْعَبُونَ. هُنَاكَ يَطْمَئِنُّ الْأَسْرَى، وَلَا يَسْمَعُونَ صَوْتَ الْمُسَخِّرِ. هُنَاكَ يَتَسَاوَى الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ، وَيَتَحَرَّرُ الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ. ”لِمَاذَا النُّورُ لِلتُّعَسَاءِ، وَالْحَيَاةُ لِمَنْ نَفْسُهُمْ مُرَّةٌ؟ الَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ الْمَوْتَ فَلَا يَأْتِي، وَيَبْحَثُونَ عَنْهُ أَكْثَرَ مِنَ الْكُنُوزِ. الَّذِينَ يَبْتَهِجُونَ جِدًّا وَيَفْرَحُونَ إِذَا وَجَدُوا قَبْرًا! لِمَاذَا الْحَيَاةُ لِمَنْ لَا يَرَى طَرِيقَهُ، لِأَنَّ اللهَ سَدَّ عَلَيْهِ الْمَسَالِكَ؟ أَصْبَحَ الْأَنِينُ طَعَامِي، وَتَنَهُّدِي كَأَنَّهُ نَهْرٌ. جَاءَنِي مَا كُنْتُ أَخَافُ مِنْهُ، وَحَلَّ بِي مَا كُنْتُ أَخْشَاهُ. لَا سَلَامَ لِي وَلَا هُدُوءَ وَلَا رَاحَةَ بَعْدَمَا جَاءَنِي الضِّيقُ.“ فَقَالَ أَلِيفَازُ التِّيمَانِيُّ: ”هَلْ تَسْتَاءُ إِنْ قُلْنَا لَكَ شَيْئًا؟ لَكِنْ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنِ الْكَلَامِ؟ تَذَكَّرْ كَيْفَ أَنَّكَ أَرْشَدْتَ كَثِيرِينَ، وَشَدَّدْتَ مَنْ ضَعُفَتْ عَزِيمَتُهُمْ. كَلَامُكَ أَقَامَ الْعَاثِرِينَ، وَثَبَّتَ مَنْ وَهَنَتْ قُوَّتُهُمْ. وَلَكِنْ أَصَابَكَ الضِّيقُ فَفَشِلْتَ، مَسَّكَ فَارْتَعَبْتَ. أَلَا تُرِيدُ أَنْ تَعْتَمِدَ عَلَى تَقْوَاكَ، وَيَكُونَ عِنْدَكَ رَجَاءٌ لِكَمَالِكَ؟ هَلْ تَذْكُرُ بَرِيئًا هَلَكَ، أَوْ صَالِحًا أُبِيدَ؟ أَنْتَ تَعْرِفُ أَنَّ الَّذِينَ يَزْرَعُونَ وَيَرْعَوْنَ الشَّرَّ وَالشَّقَاءَ، لَا يَحْصُدُونَ إِلَّا الشَّرَّ وَالشَّقَاءَ. بِنَفْخَةٍ مِنَ اللهِ يَبِيدُونَ، وَبِعَاصِفَةِ غَضَبِهِ يَهْلِكُونَ. الْأَسَدُ يَزْأَرُ وَيُزَمْجِرُ، وَلَكِنْ حَتَّى الْأَسَدُ الْقَوِيُّ تَتَكَسَّرُ أَنْيَابُهُ. إِنْ لَمْ تُوجَدْ فَرِيسَةٌ يَهْلِكُ الْأَسَدُ، وَتَتَبَدَّدُ أَشْبَالُ اللَّبْوَةِ. ”بَلَغَتْنِي كَلِمَةٌ فِي السِّرِّ، هَمْسَةٌ سَمِعَتْهَا أُذُنِي. أَثْنَاءَ حُلْمٍ مُزْعِجٍ فِي اللَّيْلِ، وَأَنَا نَائِمٌ نَوْمًا عَمِيقًا. فَارْتَعَبْتُ وَارْتَعَشْتُ، وَكُلُّ عِظَامِي رَجَفَتْ. مَرَّتْ رُوحٌ أَمَامَ وَجْهِي، فَاقْشَعَرَّ شَعْرُ جِسْمِي. ثُمَّ وَقَفَتْ، وَلَكِنِّي لَمْ أَتَبَيَّنْ مَلَامِحَهَا. كَانَ الشَّكْلُ أَمَامَ عَيْنَيَّ، وَسَمِعْتُ صَوْتًا هَادِئًا يَقُولُ: ’هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَصِيرَ الْإِنْسَانُ صَالِحًا فِي نَظَرِ اللهِ؟ أَوْ يَصِيرَ الْمَخْلُوقُ طَاهِرًا فِي نَظَرِ خَالِقِهِ. إِنْ كَانَ اللهُ لَا يَأْتَمِنُ مَلَائِكَتَهُ وَيَنْسِبُ إِلَيْهِمْ حَمَاقَةً، فَمَا مَوْقِفُ الْبَشَرِ الْمَصْنُوعِينَ مِنْ طِينٍ، وَهُمْ أَصْلًا تُرَابٌ، وَيُسْحَقُونَ كَالْعُثِّ؟ بَيْنَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ يُحَطَّمُونَ، فَيَهْلِكُونَ إِلَى الْأَبَدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلَاحِظَ أَحَدٌ! تُقْلَعُ حِبَالُ خَيْمَتِهِمْ، وَيَمُوتُونَ بِلَا حِكْمَةٍ.‘ ”إِنْ دَعَوْتَ، فَهَلْ يُجِيبُكَ أَحَدٌ؟ وَإِلَى أَيِّ الْأَطْهَارِ تَذْهَبُ؟ الْغَيْظُ يَقْتُلُ الْغَبِيَّ، وَالْغِيرَةُ تُمِيتُ الْأَحْمَقَ. أَنَا رَأَيْتُ غَبِيًّا نَجَحَ، وَلَكِنْ فَجْأَةً خَرِبَتْ دَارُهُ. أَوْلَادُهُ مَحْرُومُونَ مِنَ الْأَمَانِ، مَهْزُومُونَ فِي السَّاحَةِ، وَلَا مَنْ يُدَافِعُ عَنْهُمْ. حَصَادُهُمْ يَأْكُلُهُ الْجَوْعَانُ، وَيَأْخُذُهُ حَتَّى إِنْ طَلَعَ بَيْنَ الشَّوْكِ، وَثَرْوَتُهُمْ يَشْرَبُهَا الْعَطْشَانُ. فَالْبَلْوَى لَا تَنْبُتُ مِنَ التُّرَابِ، وَالشَّقَاءُ لَا يَطْلَعُ مِنَ الْأَرْضِ. لَكِنَّ الْإِنْسَانَ يُخْلَقُ لِيَشْقَى، كَمَا أَنَّ الطُّيُورَ تُخْلَقُ لِتَطِيرَ. ”فَلَوْ كُنْتُ مَكَانَكَ، لَكُنْتُ أَطْلُبُ اللهَ، وَأَرْفَعُ أَمْرِي إِلَيْهِ تَعَالَى. فَهُوَ يَعْمَلُ عَجَائِبَ لَا تُحَدُّ، وَمُعْجِزَاتٍ لَا تُعَدُّ. يُنْزِلُ مَطَرًا عَلَى الْأَرْضِ، وَيُرْسِلُ مَاءً إِلَى الْحُقُولِ. يَرْفَعُ الْمُتَوَاضِعِينَ، وَيُقِيمُ الْحَزَانَى إِلَى الْأَمَانِ. يُفَشِّلُ مُؤَامَرَةَ الْمُحْتَالِينَ، فَلَا تَنْجَحُ خِطَّتُهُمْ. يُوقِعُ الْمَاكِرِينَ فِي احْتِيَالِهِمْ، وَيُفْسِدُ مَشُورَةَ الْخَادِعِينَ. فِي النَّهَارِ يَحِلُّ عَلَيْهِمْ ظَلَامٌ، وَفِي الظُّهْرِ يَتَحَسَّسُونَ حَوْلَهُمْ. يُنْقِذُ الْمِسْكِينَ مِنْ كَلَامِ الْأَشْرَارِ، وَمِنْ قَبْضَةِ الْأَقْوِيَاءِ. فَيَكُونُ لِلْبَائِسِ رَجَاءٌ، وَيَسُدُّ الظَّالِمُ فَمَهُ. ”هَنِيئًا لِلرَّجُلِ الَّذِي يُؤَدِّبُهُ اللهُ، فَلَا تَرْفُضْ تَأْدِيبَ الْقَدِيرِ. لِأَنَّهُ يَجْرَحُ وَيُضَمِّدُ، يَضْرِبُ وَيَدَاهُ تَشْفِيَانِ. مِنْ 6 مَصَائِبَ يُنَجِّيكَ، بَلْ فِي 7 لَا يَمَسُّكَ سُوءٌ. فِي الْمَجَاعَةِ يَفْدِيكَ مِنَ الْمَوْتِ، وَفِي الْحَرْبِ مِنْ ضَرْبَةِ السَّيْفِ. تُحْفَظُ مِنْ هَجَمَاتِ اللِّسَانِ، وَلَا تَخَافُ مِنَ الْخَرَابِ إِذَا جَاءَ. تَضْحَكُ عَلَى الْخَرَابِ وَالْمَجَاعَةِ، وَلَا تَخَافُ وُحُوشَ الْأَرْضِ. تُعَاهِدُكَ حِجَارَةُ الْحَقْلِ، وَتُسَالِمُكَ الْوُحُوشُ. فَتَعْلَمُ أَنَّ دَارَكَ آمِنَةٌ، تَزُورُ حَظَائِرَكَ فَتَجِدُ أَنَّكَ لَمْ تَفْقِدْ شَيْئًا. وَتَعْلَمُ أَنَّ نَسْلَكَ كَثِيرٌ، وَذُرِّيَّتَكَ تَنْمُو كَعُشْبِ الْأَرْضِ. تَبْقَى قَوِيًّا حَتَّى الْمَوْتَ، كَمَا تُرْفَعُ الْحُزَمُ فِي الْمَوْسِمِ. نَحْنُ فَحَصْنَا هَذَا وَوَجَدْنَا أَنَّهُ حَقٌّ، فَاسْمَعْهُ وَاعْمَلْ بِهِ لِصَالِحِكَ.“ فَأَجَابَ أَيُّوبُ: ”إِنْ وُزِنَتْ تَعَاسَتِي وَكُلُّ مَصَائِبِي، لَكَانَتْ أَثْقَلَ مِنْ رَمْلِ الْبَحْرِ! لِذَلِكَ أَتَسَرَّعُ فِي الْكَلَامِ. لِأَنَّ سِهَامَ الْقَدِيرِ انْغَرَزَتْ فِيَّ، رُوحِي تَشْرَبُ سِمَّهَا. أَهْوَالُ اللهِ مُصْطَفَّةٌ ضِدِّي. هَلْ يَنْهَقُ الْحِمَارُ الْوَحْشِيُّ وَعِنْدَهُ عُشْبٌ؟ وَهَلْ يَصْرُخُ الثَّوْرُ وَعِنْدَهُ عَلَفٌ؟ أَكْلُ الطَّعَامِ بِغَيْرِ مِلْحٍ صَعْبٌ، وَبَيَاضُ الْبَيْضَةِ لَا طَعْمَ لَهُ. أَنَا أَرْفُضُ أَنْ آكُلَهُ، لِأَنِّي لَا أُطِيقُهُ. ”لَيْتَ طَلَبِي يُسْتَجَابُ، فَيُعْطِيَنِي اللهُ رَجَائِي. لَيْتَ اللهَ يَرْضَى بِأَنْ يُحَطِّمَنِي، وَيَمُدَّ يَدَهُ وَيَقْطَعَنِي. عِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ عَزَائِي وَفَرَحِي فِي أَلَمِيَ الرَّهِيبِ، أَنِّي لَمْ أَرْفُضْ كَلَامَ الْقُدُّوسِ. مَا هِيَ قُوَّتِي حَتَّى أَنْتَظِرَ أَكْثَرَ؟ وَمَا هُوَ رَجَائِي حَتَّى أُصَبِّرَ نَفْسِي؟ هَلْ لِي قُوَّةُ الْحِجَارَةِ؟ هَلْ لَحْمِي نُحَاسٌ؟ لَا، بَلْ لَا حَوْلَ لِي، وَهَرَبَ النَّصْرُ عَنِّي! ”يَائِسٌ مِثْلِي، حَتَّى وَلَوِ ابْتَعَدَ عَنْ تَقْوَى الْقَدِيرِ، يَسْتَحِقُّ الْمَعْرُوفَ مِنْ أَصْحَابِهِ. أَمَّا إِخْوَانِي فَلَا يُمْكِنُ الِاتِّكَالُ عَلَيْهِمْ. هُمْ كَالْمَجْرَى الَّذِي تَجِدُ فِيهِ الْمَاءَ، وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ الْوَقْتِ! فَهُوَ يَمْتَلِئُ إِلَى شُطُوطِهِ عِنْدَمَا يَذُوبُ الثَّلْجُ وَيَنْصَهِرُ الْجَلِيدُ، ثُمَّ وَقْتَ الْجَفَافِ يَنْقَطِعُ مِنْهُ الْمَاءُ، وَفِي الْحَرِّ يَخْتَفِي مِنْ مَكَانِهِ. فَيَنْحَرِفُ الْمُسَافِرُونَ مِنْ طَرِيقِهِ، وَيَتِيهُونَ فِي الْقَفْرِ وَيَهْلِكُونَ. قَوَافِلُ تِيمَاءَ تَبْحَثُ عَنْهُ، تُجَّارُ سَبَأَ يَأْمَلُونَ أَنْ يَجِدُوهُ. اِنْزَعَجُوا لِأَنَّهُمْ وَضَعُوا ثِقَتَهُمْ فِيهِ، خَابَ أَمَلُهُمْ لَمَّا جَاءُوا إِلَيْهِ. وَأَنْتُمْ أَيْضًا بِالنِّسْبَةِ لِي، لَا فَائِدَةَ مِنْكُمْ! رَأَيْتُمْ مَا أَصَابَنِي فَفَزِعْتُمْ. هَلْ قُلْتُ لَكُمْ: ’أَعْطُونِي شَيْئًا، أَوْ أَنْفِقُوا عَلَيَّ مِنْ مَالِكُمْ، أَوْ أَنْقِذُونِي مِنْ يَدِ الْعَدُوِّ، أَوِ افْدُونِي مِنْ قَبْضَةِ الظَّالِمِينَ؟‘ ”فَهِّمُونِي فَأَسْكُتَ، أَرُونِي خَطَأِي! الْكَلَامُ الْحَقُّ صَعْبٌ، وَلَكِنَّ تَوْبِيخَكُمْ لَا يُبَرْهِنُ عَلَى شَيْءٍ! هَلْ تَلُومُونِي عَلَى كَلَامِي، وَتَعْتَبِرُونَ كَلَامَ الْيَائِسِ رِيحًا؟ أَنْتُمْ تُقَامِرُونَ بِالْيَتِيمِ، وَتَبِيعُونَ صَاحِبَكُمْ! مِنْ فَضْلِكُمُ انْظُرُوا إِلَيَّ، فَلَنْ أَكْذِبَ عَلَيْكُمْ. غَيِّرُوا فِكْرَكُمْ وَلَا تَظْلِمُونِي، غَيِّرُوا فِكْرَكُمْ لِأَنَّكُمْ طَعَنْتُمْ فِي أَمَانَتِي. هَلْ عَلَى لِسَانِي شَرٌّ؟ هَلْ فَمِي لَا يُمَيِّزُ الْفَسَادَ؟ ”حَيَاةُ الْإِنْسَانِ عَلَى الْأَرْضِ شَقَاءٌ، وَأَيَّامُهُ كَأَيَّامِ الْأَجِيرِ. كَالْعَبْدِ الَّذِي يَشْتَاقُ إِلَى الظِّلِّ، وَالْأَجِيرِ الَّذِي يَنْتَظِرُ أُجْرَتَهُ. نَصِيبِي شُهُورُ بُؤْسٍ، وَقِسْمَتِي لَيَالِي شَقَاءٍ. حِينَ أَرْقُدُ أَقُولُ: ’مَتَى أَقُومُ؟‘ لِأَنَّ اللَّيْلَ طَوِيلٌ، وَأَشْبَعُ قَلَقًا حَتَّى الصُّبْحِ. جِسْمِي غَطَّاهُ الدُّودُ وَالْقُرُوحُ، وَجِلْدِيَ الْتَهَبَ وَتَشَقَّقَ. أَيَّامِي تَمْضِي أَسْرَعَ مِنْ مَكُّوكِ الْخَيَّاطِ، وَتَنْتَهِي بِلَا رَجَاءٍ. ”اللَّهُمَّ اذْكُرْ أَنَّ حَيَاتِي مُجَرَّدُ نَفْخَةٍ، فَلَنْ تَرَى عَيْنَايَ الْخَيْرَ مَرَّةً أُخْرَى. فَالْعَيْنُ الَّتِي تَرَانِي الْآنَ، لَنْ تَرَانِي فِيمَا بَعْدُ. تَنْظُرُ إِلَيَّ عَيْنَاكَ فَلَا تَجِدُنِي. كَمَا يَخْتَفِي السَّحَابُ وَيَزُولُ، كَذَلِكَ مَنْ يَنْزِلُ إِلَى الْقَبْرِ لَا يَرْجِعُ. لَا يَعُودُ إِلَى دَارِهِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مَكَانُهُ فِيمَا بَعْدُ. لِذَلِكَ لَا أَسْكُتُ، بَلْ أَتَكَلَّمُ بِرُوحٍ مُعَذَّبَةٍ، وَأَشْكُو بِنَفْسٍ مُرَّةٍ. أَنَا لَسْتُ الْبَحْرَ، وَلَا وَحْشَ الْبَحْرِ، فَلِمَاذَا وَضَعْتَ عَلَيَّ حَارِسًا؟ إِنْ قُلْتُ إِنَّ سَرِيرِي يُعَزِّينِي وَفِرَاشِي يُخَفِّفُ أَلَمِي، تُخَوِّفُنِي بِالْأَحْلَامِ وَتُرْهِبُنِي بِالرُّؤَى. لِذَلِكَ أَخْتَارُ أَنْ أُخْنَقَ وَأَمُوتَ وَلَا هَذَا الْعَذَابُ. يَئِسْتُ، لَا أُرِيدُ الْحَيَاةَ، فَاتْرُكْنِي لِأَنَّ أَيَّامِي بِلَا مَعْنَى. ”مَا هُوَ الْإِنْسَانُ حَتَّى تَنْتَبِهَ إِلَيْهِ وَتَهْتَمَّ بِهِ؟ ثُمَّ تَمْتَحِنَهُ كُلَّ صَبَاحٍ، وَتَخْتَبِرَهُ كُلَّ لَحْظَةٍ! أَلَا تُحَوِّلُ نَظَرَكَ عَنِّي، وَتُمْهِلُنِي لِأَبْلَعَ رِيقِي؟ إِنْ كُنْتُ أَخْطَأْتُ، فَهَلْ هَذَا يُؤَثِّرُ عَلَيْكَ أَنْتَ يَا رَقِيبَ الْبَشَرِ؟ لِمَاذَا جَعَلْتَنِي هَدَفًا لَكَ؟ لِمَاذَا أَصْبَحْتُ حِمْلًا عَلَيْكَ؟ لِمَاذَا لَا تَغْفِرُ ذَنْبِي وَتَصْفَحُ عَنْ مَعْصِيَتِي؟ لِأَنِّي قَرِيبًا سَأَرْقُدُ فِي التُّرَابِ، وَتَبْحَثُ عَنِّي فَلَا تَجِدُنِي.“ فَقَالَ بِلْدَدُ الشُّوحِيُّ: ”كَلَامُكَ كَرِيحٍ شَدِيدَةٍ، فَحَتَّى مَتَى تَظَلُّ تَتَكَلَّمُ؟ هَلِ اللهُ يَجُورُ فِي الْحُكْمِ؟ هَلِ الْقَدِيرُ يُحَرِّفُ الْحَقَّ؟ لَا شَكَّ أَنَّ أَوْلَادَكَ أَخْطَأُوا إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ بِهِمْ عِقَابَ ذُنُوبِهِمْ. فَإِنْ طَلَبْتَ اللهَ وَتَضَرَّعْتَ إِلَى الْقَدِيرِ، وَإِنْ كُنْتَ طَاهِرًا وَتَقِيًّا، فَإِنَّهُ يَلْتَفِتُ إِلَيْكَ الْآنَ، وَيَرُدُّكَ إِلَى مَكَانَتِكَ الصَّالِحَةِ. فَمَعَ أَنَّ بِدَايَتَكَ كَانَتْ مُتَوَاضِعَةً، يَكُونُ مُسْتَقْبَلُكَ عَظِيمًا جِدًّا. ”اِسْأَلْ كِبَارَ السِّنِّ، وَاعْرِفْ مَا تَعَلَّمَهُ آبَاؤُهُمْ. لِأَنَّنَا نَحْنُ أَوْلَادُ أَمْسٍ، وَلَا نَعْرِفُ شَيْئًا، وَأَيَّامُنَا عَلَى الْأَرْضِ كَظِلٍّ. فَهُمْ يُعَلِّمُونَكَ. يُخْبِرُونَكَ وَيُكَلِّمُونَكَ بِمَا يَعْرِفُونَهُ. لَا يَنْمُو الْبَرْدِيُّ حَيْثُ لَا مُسْتَنْقَعَ، وَلَا يَطْلَعُ الْقَصَبُ بِلَا مَاءٍ. بَلْ وَهُوَ مُزْدَهِرٌ وَقَبْلَ أَنْ يُقْطَعَ، يَيْبَسُ أَسْرَعَ مِنَ الْعُشْبِ. هَذَا مَصِيرُ كُلِّ مَنْ يَنْسَى اللهَ، وَبِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ يَخِيبُ أَمَلُ الشِّرِّيرِ. يَتَحَطَّمُ مَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يَتَّكِلُ عَلَى خُيُوطِ الْعَنْكَبُوتِ. يَسْتَنِدُ عَلَيْهَا فَتَنْهَدِمُ، وَيَتَعَلَّقُ بِهَا فَتَنْقَطِعُ. يَزْدَهِرُ كَشَجَرَةٍ تِجَاهَ الشَّمْسِ، تَمُدُّ فُرُوعَهَا فِي الْحَدِيقَةِ، وَتَلُفُّ جُذُورَهَا حَوْلَ الْحِجَارَةِ، وَتُعَمِّقُهَا بَيْنَ الصُّخُورِ. وَلَكِنْ إِنْ قُلِعَتْ مِنْ مَكَانِهَا، لَا يَعْرِفُ أَحَدٌ أَنَّهَا كَانَتْ هُنَاكَ. فَتَذْبُلُ وَتَمُوتُ، ثُمَّ يَطْلَعُ غَيْرُهَا مِنَ الْأَرْضِ. ”اللهُ لَا يَرْفُضُ الْكَامِلَ، وَلَا يَأْخُذُ بِيَدِ مَنْ يَعْمَلُونَ الشَّرَّ. إِنَّمَا يَمْلَأُ فَمَكَ ضِحْكًا وَشَفَتَيْكَ هُتَافًا. أَعْدَاؤُكَ يَلْبَسُونَ الْعَارَ، وَدِيَارُ الْأَشْرَارِ تَزُولُ.“ فَأَجَابَ أَيُّوبُ: ”نَعَمْ، أَنَا عَارِفٌ أَنَّ هَذَا صَحِيحٌ. لَكِنْ كَيْفَ يُمْكِنُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَصِيرَ صَالِحًا عِنْدَ اللهِ؟ إِنْ أَرَادَ وَاحِدٌ أَنْ يُجَادِلَ مَعَ اللهِ، لَا يَقْدِرُ أَنْ يُجَاوِبَهُ وَلَوْ مَرَّةً فِي الْـ1000. اللهُ عَظِيمُ الْحِكْمَةِ وَشَدِيدُ الْقُوَّةِ، مَنِ الَّذِي يُعَانِدُهُ وَيَسْلَمُ؟ يُزَحْزِحُ الْجِبَالَ مِنْ مَكَانِهَا وَهِيَ لَا تَعْلَمُ، يَغْضَبُ فَيَقْلِبُهَا. يُزَلْزِلُ الْأَرْضَ مِنْ مَقَرِّهَا، وَيَهُزُّ أَعْمِدَتَهَا. يَأْمُرُ الشَّمْسَ فَلَا تُشْرِقُ، وَيُغَطِّي النُّجُومَ. هُوَ وَحْدَهُ بَسَطَ السَّمَاءَ، وَمَشَى عَلَى أَمْوَاجِ الْبَحْرِ. هُوَ الَّذِي صَنَعَ النَّعْشَ وَالْجَوْزَاءَ وَالثُّرَيَّا وَكَوَاكِبَ الْجَنُوبِ. يَعْمَلُ عَجَائِبَ لَا تُحَدُّ، وَمُعْجِزَاتٍ لَا تُعَدُّ. يَمُرُّ أَمَامِي وَلَا أَرَاهُ. يَعْبُرُ مِنْ عِنْدِي وَلَا أَشْعُرُ بِهِ. إِنْ خَطَفَ مِنَّا شَيْئًا فَمَنْ يَرُدُّهُ؟ وَمَنْ يَقُولُ لَهُ: ’مَاذَا تَفْعَلُ؟‘ غَضَبُ اللهِ شَدِيدٌ، الْجَبَابِرَةُ يَرْمُونَ أَنْفُسَهُمْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ. ”فَكَيْفَ لِي أَنْ أُجَاوِبَ اللهَ؟ وَمِنْ أَيْنَ أَجِدُ الْكَلِمَاتِ لِأَرُدَّ عَلَيْهِ؟ وَحَتَّى إِنْ كُنْتُ بَرِيئًا، لَا أَقْدِرُ أَنْ أُجَاوِبَهُ، إِنَّمَا أَلْتَمِسُ رَحْمَةً مِنَ اللهِ الَّذِي يُحَاكِمُنِي. إِنْ دَعَوْتُ وَاسْتَجَابَ لِي، فَلَا أُصَدِّقُ أَنَّهُ يَسْمَعُنِي. بَلْ يَسْحَقُنِي بِعَاصِفَةٍ، وَيَزِيدُ جُرُوحِي بِلَا سَبَبٍ. لَا يَتْرُكُنِي آخُذُ نَفَسِي، بَلْ يُشْبِعُنِي ذُلًّا. مِنْ جِهَةِ الْقُوَّةِ، لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَقْوَى عَلَيْهِ، وَمِنْ جِهَةِ الْقَضَاءِ، مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يُحَاكِمَهُ؟ إِنْ كُنْتُ بَرِيئًا فَمِي يَحْكُمُ عَلَيَّ، وَإِنْ كُنْتُ كَامِلًا يُعْلِنُ ذَنْبِي. ”أَنَا كَامِلٌ، وَلَكِنِّي لَا أُبَالِي بِنَفْسِي. كَرِهْتُ حَيَاتِي! الْكُلُّ مُتَسَاوُونَ، لِذَلِكَ أَقُولُ، اللهُ يُفْنِي الْكَامِلَ وَالشِّرِّيرَ عَلَى السَّوَاءِ. إِنْ جَاءَ الْمَوْتُ فَجْأَةً بِسَبَبِ مُصِيبَةٍ، يَضْحَكُ اللهُ عَلَى شَقَاءِ الْأَبْرِيَاءِ. إِنْ وَقَعَتِ الْبِلَادُ فِي يَدِ الْأَشْرَارِ، يَحْجُبُ عُيُونَ قُضَاتِهَا. إِنْ لَمْ يَكُنِ اللهُ هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ هَذَا، إِذَنْ مَنْ؟ أَيَّامِي تَمْضِي أَسْرَعَ مِنْ وَاحِدٍ يَجْرِي، تَطِيرُ وَلَا تَرَى خَيْرًا. تَنْطَلِقُ كَقَارِبٍ مِنَ الْبَرْدِيِّ، كَنِسْرٍ يَنْقَضُّ عَلَى فَرِيسَتِهِ. إِنْ قُلْتُ، سَأَنْسَى شَكْوَايَ وَأُغَيِّرُ تَعْبِيرَاتِ وَجْهِي وَأَبْتَسِمُ، أَخَافُ مِنْ كُلِّ أَوْجَاعِي، لِأَنِّي عَارِفٌ أَنَّكَ لَا تُبْرِئُنِي. أَنَا مَحْسُوبٌ مُذْنِبًا، فَلِمَاذَا أَتْعَبُ بِلَا فَائِدَةٍ؟ حَتَّى وَإِنِ اغْتَسَلْتُ بِالصَّابُونِ، وَنَظَّفْتُ يَدَيَّ بِالْمَوَادِ الْمُنَظِّفَةِ، فَإِنَّكَ تَغْمِسُنِي فِي وَحْلٍ نَتِنٍ، حَتَّى تَكْرَهَنِي ثِيَابِي. ”اللهُ لَيْسَ بَشَرًا مِثْلِي فَأُجَاوِبَهُ، أَوْ لِنَأْتِيَ مَعًا إِلَى الْقَضَاءِ. لَوْ كَانَ هُنَاكَ حَكَمٌ بَيْنَنَا يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْنَا، وَيَرْفَعُ عَنِّي عَصَا اللهِ، فَلَا يُخَوِّفُنِي رُعْبُهُ، لَكُنْتُ أَتَكَلَّمُ وَلَا أَخَافُ مِنْهُ، لِأَنِّي لَسْتُ كَمَا يَظُنُّونِي. ”كَرِهْتُ حَيَاتِي! لِذَلِكَ أَشْكُو وَأَشْكُو وَأَتَكَلَّمُ بِنَفْسٍ مُرَّةٍ. أَقُولُ للهِ: ’لَا تَعْتَبِرْنِي مُذْنِبًا، فَهِّمْنِي لِمَاذَا تُخَاصِمُنِي! هَلْ يَصِحُّ أَنْ تَظْلِمَنِي؟ أَنْ تَتَخَلَّى عَنِ الْمَخْلُوقِ الَّذِي عَمِلْتَهُ، وَتَبْتَسِمَ عَلَى مُؤَامَرَاتِ الْأَشْرَارِ؟ هَلْ لَكَ عَيْنَانِ كَعُيُونِ الْبَشَرِ، فَتَرَى مَا نَرَاهُ فَقَطْ؟ هَلْ أَيَّامُكَ كَأَيَّامِ الْإِنْسَانِ، وَعُمْرُكَ مَحْدُودٌ كَعُمْرِنَا؟ فَلِمَاذَا تَبْحَثُ عَنْ مَعْصِيَتِي وَتُفَتِّشُ عَنْ خَطِيئَتِي؟ أَنْتَ عَارِفٌ أَنِّي لَسْتُ مُذْنِبًا، وَأَنَّهُ لَا يُوجَدُ مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ يَدِكَ. ”’أَنْتَ كَوَّنْتَنِي وَصَنَعْتَنِي بِيَدَيْكَ، فَهَلْ تُحَطِّمُنِي؟ تَذَكَّرْ أَنَّكَ شَكَّلْتَنِي كَطِينٍ، فَهَلْ تُعِيدُنِي إِلَى التُّرَابِ؟ كَوَّنْتَنِي فِي بَطْنِ أُمِّي، كَالْجُبْنِ مِنَ اللَّبَنِ الْحَلِيبِ. كَسَوْتَنِي جِلْدًا وَلَحْمًا، وَنَسَجْتَنِي بِعِظَامٍ وَعَصَبٍ. أَعْطَيْتَنِي حَيَاةً وَرَحْمَةً، وَعِنَايَتُكَ حَفِظَتْ رُوحِي. ”’لَكِنَّكَ كَتَمْتَ فِي قَلْبِكَ شَيْئًا آخَرَ، وَأَنَا عَرَفْتُ أَنَّ هَذَا قَصْدُكَ! أَنْتَ تُرَاقِبُنِي، فَإِنْ أَخْطَأْتُ لَا تَتْرُكُنِي بِلَا عِقَابٍ عَلَى مَعْصِيَتِي! إِنْ كُنْتُ مُذْنِبًا فَالْوَيْلُ لِي! وَإِنْ كُنْتُ بَرِيئًا فَلَا أَقْدِرُ أَنْ أَرْفَعَ رَأْسِي، لِأَنِّي شَبْعَانُ مِنَ الْهَوَانِ، وَغَارِقٌ فِي الذُّلِّ. إِنْ رَفَعْتُ رَأْسِي تَنْقَضُّ عَلَيَّ كَالْأَسَدِ، وَتَعُودُ تُبَيِّنُ قُوَّتَكَ الرَّهِيبَةَ فَوْقِي! تُحْضِرُ شُهُودًا آخَرِينَ ضِدِّي، وَتَزِيدُ غَضَبَكَ عَلَيَّ، وَتُرْسِلُ عَلَيَّ جُيُوشَكَ الْوَاحِدَ بَعْدَ الْآخَرِ. ”’لِمَاذَا أَخْرَجْتَنِي مِنَ الرَّحِمِ؟ لَيْتَنِي مُتُّ قَبْلَ مَا تَرَانِي عَيْنٌ، فَحَمَلُونِي مِنَ الرَّحِمِ إِلَى الْقَبْرِ، وَكَأَنِّي لَمْ أَكُنْ! أَيَّامِي قَلِيلَةٌ وَأَوْشَكَتْ أَنْ تَنْتَهِيَ، فَاتْرُكْنِي لَعَلِّي أَتَمَتَّعُ لَحْظَةً. لِأَنِّي قَرِيبًا سَأَمْضِي إِلَى مَكَانٍ لَا أَعُودُ مِنْهُ، سَأَمْضِي إِلَى أَرْضِ الظَّلَامِ وَالسَّوَادِ، أَرْضِ اللَّيْلِ الْمُعْتِمِ حَيْثُ الظَّلَامُ وَالْفَوْضَى، حَتَّى نُورُهَا هُوَ لَيْلٌ مُعَتِمٌ.‘“ فَقَالَ صُوفَرُ النِّعْمَاتِيُّ: ”هَلْ نَرُدُّ عَلَى مَنْ زَادَ فِي الْكَلَامِ، أَمْ إِنَّ هَذَا الثَّرْثَارَ عَلَى حَقٍّ؟ هَلْ تَفْتَرِي فَتُسَكِّتَ النَّاسَ، وَهَلْ تَهْزَأُ وَلَا يُوَبِّخُكَ أَحَدٌ؟ أَنْتَ تَقُولُ: ’عَقِيدَتِي طَاهِرَةٌ، وَأَنَا صَالِحٌ فِي نَظَرِ اللهِ.‘ وَلَكِنْ، لَيْتَ اللهَ يَتَكَلَّمُ وَيَفْتَحُ شَفَتَيْهِ وَيَرُدُّ عَلَيْكَ، وَيُعْلِنُ لَكَ مَا خَفِيَ مِنْ حِكْمَةٍ لِأَنَّهَا تَفُوقُ كُلَّ فَهْمٍ. فَاعْلَمْ إِذَنْ أَنَّ اللهَ يُعَاقِبُكَ بِأَقَلِّ مِمَّا تَسْتَحِقُّهُ مَعَاصِيكَ. ”هَلْ يُمْكِنُكَ أَنْ تَفْهَمَ أَسْرَارَ اللهِ، أَوْ تَبْلُغَ إِلَى حُدُودِ الْقَدِيرِ؟ هِيَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاءِ، فَلَا تَصِلُ إِلَيْهَا! وَأَعْمَقُ مِنَ الْقَبْرِ، فَلَا تَفْهَمُهَا! حُدُودُهُ أَطْوَلُ مِنَ الْأَرْضِ وَأَعْرَضُ مِنَ الْبَحْرِ. إِنْ جَاءَ وَوَضَعَكَ فِي السِّجْنِ، أَوْ أَحْضَرَكَ إِلَى الْمُحَاكَمَةِ، فَمَنْ يَمْنَعُهُ؟ هُوَ يَعْرِفُ أَهْلَ السُّوءِ، وَإِنْ رَأَى شَرًّا يُلَاحِظُهُ. إِنْ وُلِدَ حِمَارُ الْوَحْشِ أَلِيفًا، يَصِيرُ الْأَحْمَقُ حَكِيمًا! وَلَكِنْ إِنْ وَجَّهْتَ قَلْبَكَ للهِ، وَبَسَطْتَ إِلَيْهِ يَدَيْكَ، وَأَبْعَدْتَ الْإِثْمَ الَّذِي فِي يَدِكَ، وَمَنَعْتَ الشَّرَّ مِنَ السَّكَنِ فِي دَارِكَ، عِنْدَ ذَلِكَ تَرْفَعُ وَجْهَكَ بِلَا خَجَلٍ، وَتَكُونُ ثَابِتًا وَلَا تَخَافُ. وَتَنْسَى الشَّقَاءَ الَّذِي أَصَابَكَ، وَلَا تَذْكُرُهُ إِلَّا كَسَيْلٍ عَبَرَ. وَتُشْرِقُ حَيَاتُكَ أَكْثَرَ مِنَ الظُّهْرِ، وَيَتَحَوَّلُ الظَّلَامُ لَكَ إِلَى نُورِ الصُّبْحِ، وَتَطْمَئِنُّ لِأَنَّهُ يُوجَدُ رَجَاءٌ، وَتَنْظُرُ حَوْلَكَ وَتَرْتَاحُ فِي أَمَانٍ، وَتَرْقُدُ وَلَا يُزْعِجُكَ أَحَدٌ، وَكَثِيرُونَ يَطْلُبُونَ رِضَاكَ. أَمَّا الْأَشْرَارُ فَتَعْمَى عُيُونُهُمْ، وَلَا يُمْكِنُهُمُ الْهَرَبُ، بَلْ يَرْجُونَ الْمَوْتَ.“ فَأَجَابَ أَيُّوبُ: ”تَظُنُّونَ أَنَّكُمْ عُظَمَاءُ، وَإِنْ مُتُّمْ تَمُوتُ مَعَكُمُ الْحِكْمَةُ! لَكِنِّي أَفْهَمُ مِثْلَكُمْ، لَسْتُ أَقَلَّ مِنْكُمْ! وَكُلُّ وَاحِدٍ يَعْرِفُ مَا تَقُولُونَهُ. أَصْحَابِي يَضْحَكُونَ عَلَيَّ. أَدْعُو اللهَ لِكَيْ يَسْتَجِيبَ لِي، فَيَضْحَكُونَ عَلَيَّ مَعَ أَنِّي صَالِحٌ وَكَامِلٌ. الْمُطْمَئِنُّ يَحْتَقِرُ مَنْ تَحِلُّ عَلَيْهِ الْمَصَائِبُ، وَيَظُنُّ أَنَّ هَذَا نَصِيبُ مَنْ يَقَعُ فِي زَلَّةٍ. دِيَارُ اللُّصُوصِ مُسْتَرِيحَةٌ، وَالَّذِينَ يَغِيظُونَ اللهَ مُطْمَئِنُّونَ، إِلَهُهُمْ تَحْتَ أَمْرِهِمْ. ”لَكِنِ اسْأَلِ الْبَهَائِمَ فَتُعَلِّمَكَ، وَطُيُورَ السَّمَاءِ فَتُخْبِرَكَ. أَوْ كَلِّمِ الْأَرْضَ فَتُعَلِّمَكَ، أَوْ خَلِّ سَمَكَ الْبَحْرِ يُحَدِّثُكَ. فَكُلُّ هَذِهِ تَعْلَمُ أَنَّ يَدَ اللهِ صَنَعَتْ هَذَا، وَبِيَدِهِ حَيَاةُ كُلِّ مَخْلُوقٍ وَرُوحُ كُلِّ بَشَرٍ. الْأُذُنُ تَمْتَحِنُ الْكَلَامَ، كَمَا أَنَّ الْفَمَ يَذُوقُ الطَّعَامَ. الشَّيْخُ حَكِيمٌ، وَكَثِيرُ الْأَيَّامِ فَهِيمٌ. ”إِنَّمَا اللهُ وَحْدَهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْقَدِيرُ، وَالْمُشِيرُ الْفَهِيمُ. مَا يَهْدِمُهُ لَا يُبْنَى، وَإِنْ أَغْلَقَ عَلَى أَحَدٍ لَا يُفْتَحُ لَهُ. إِنْ مَنَعَ الْمَاءَ يَأْتِي الْجَفَافُ، وَإِنْ أَطْلَقَهُ يُغْرِقُ الْأَرْضَ. هُوَ الْعَزِيزُ الْمُنْتَصِرُ، وَلَهُ الْمُضِلُّ وَالضَّالُّ. يَسُوقُ الْمُشِيرِينَ أَسْرَى، وَيَجْعَلُ الْقُضَاةَ حَمْقَى. يَكْسِرُ قَبْضَةَ الْمُلُوكِ، وَيَرْبِطُهُمْ بِقُيُودٍ حَوْلَ وَسَطِهِمْ. يَسُوقُ الرُّؤَسَاءَ أَسْرَى، وَيُحَطِّمُ الْأَقْوِيَاءَ. يَمْنَعُ الْخُبَرَاءَ مِنَ الْكَلَامِ، وَيَحْرِمُ الشُّيُوخَ مِنَ التَّمْيِيزِ. يَصُبُّ الْإِهَانَةَ عَلَى الْعُظَمَاءِ، وَيُزِيلُ قُوَّةَ الْأَشِدَّاءِ. يَكْشِفُ أَعْمَاقَ الظَّلَامِ، وَيُحَوِّلُ الْعَتْمَةَ إِلَى نُورٍ. يُكَثِّرُ الْأُمَمَ ثُمَّ يُحَطِّمُهَا، يُوَسِّعُ لِلشُّعُوبِ ثُمَّ يُشَتِّتُهَا. يَحْرِمُ حُكَّامَ الْبِلَادِ مِنَ الْعَقْلِ، وَيُرْسِلُهُمْ تَائِهِينَ فِي صَحْرَاءَ بِلَا طَرِيقٍ. يَتَحَسَّسُونَ فِي الظَّلَامِ بِلَا نُورٍ، وَيَتَرَنَّحُونَ كَالسَّكْرَانِ. ”هَذَا كُلُّهُ رَأَتْهُ عَيْنِي، وَسَمِعَتْهُ وَفَهِمَتْهُ أُذُنِي. أَنَا أَعْرِفُ مَا تَعْرِفُونَهُ، فَلَسْتُ أَقَلَّ مِنْكُمْ. وَلَكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُكَلِّمَ الْقَدِيرَ، وَأَنْ أُقَدِّمَ احْتِجَاجِي للهِ. أَنْتُمْ كُلُّكُمْ أَطِبَّاءُ بِلَا فَائِدَةٍ، تُلَفِّقُونَ عَلَيَّ الْكِذْبَ. فَلَيْتَكُمْ تَسْكُتُونَ تَمَامًا، لِكَيْ تَظْهَرُوا كَأَنَّكُمْ حُكَمَاءُ! اِسْمَعُوا الْآنَ حُجَّتِي، وَأَصْغُوا إِلَى دَعْوَايَ. هَلْ تَظُنُّونَ أَنَّكُمْ تُدَافِعُونَ عَنِ اللهِ وَأَنْتُمْ تَتَكَلَّمُونَ بِالشَّرِّ وَتَقُولُونَ الْغِشَّ؟ هَلْ تَتَحَيَّزُونَ فِي صَفِّهِ، أَمْ تَحْتَجُّونَ نِيَابَةً عَنْهُ؟ لَوِ امْتَحَنَكُمْ فَهَلْ تَنْجَحُونَ، أَمْ تَخْدَعُونَهُ كَمَا تَخْدَعُونَ النَّاسَ؟ بَلْ حَقًّا يُوَبِّخُكُمْ، حَتَّى إِنْ تَحَيَّزْتُمْ لَهُ فِي السِّرِّ. أَلَا يُرْهِبُكُمْ جَلَالُهُ، وَيَسْتَوْلِي عَلَيْكُمْ رُعْبُهُ؟ أَقْوَالُكُمْ وَأَمْثَالُكُمْ هِيَ مُجَرَّدُ رَمَادٍ، وَحُجَجُكُمْ تَنْهَارُ كَأَنَّهَا مِنْ طِينٍ! ”اُسْكُتُوا فَأَتَكَلَّمَ، وَلْيَحِلَّ بِي مَا يَحِلُّ! لِمَاذَا أُعَرِّضُ نَفْسِي لِلْمَشَاكِلِ، وَأُخَاطِرُ بِحَيَاتِي؟ حَتَّى إِنْ قَتَلَنِي، يَبْقَى أَمَلِي فِيهِ. لَكِنِّي سَأُدَافِعُ عَنْ سُلُوكِي فِي مَحْضَرِهِ، وَبِذَلِكَ أَنْجُو. أَمَّا الشِّرِّيرُ فَلَا يَأْتِي أَمَامَهُ. اِنْتَبِهُوا جَيِّدًا لِكَلَامِي، وَاسْمَعُوا مَا أَقُولُ. فَإِنِّي أَعْدَدْتُ قَضِيَّتِي، وَأَنَا عَارِفٌ أَنِّي عَلَى حَقٍّ. إِنْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَشْتَكِي ضِدِّي، فَإِنِّي أَسْكُتُ حَتَّى أَمُوتَ! ”اللَّهُمَّ، مِنْ فَضْلِكَ هَبْنِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ، بِذَلِكَ لَا أَخْتَفِي مِنْ مَحْضَرِكَ: اِرْفَعْ يَدَكَ عَنِّي، وَلَا تُخَوِّفْنِي بِرُعْبِكَ. ثُمَّ تُنَادِينِي فَأُجِيبُ، أَوْ أَنَا أَتَكَلَّمُ وَأَنْتَ تُجِيبُ. كَمْ هِيَ آثَامِي وَخَطَايَايَ؟ عَرِّفْنِي ذَنْبِي وَخَطِيئَتِي. لِمَاذَا تَحْجُبُ وَجْهَكَ وَتَعْتَبِرُنِي عَدُوَّكَ؟ هَلْ تُعَذِّبُ وَرَقَةً مُنْدَفِعَةً فِي الرِّيحِ، وَتُطَارِدُ قَشًّا يَابِسًا؟ أَنْتَ تَتَّهِمُنِي بِأَشْيَاءَ رَهِيبَةٍ، وَتُعَاقِبُنِي عَلَى آثَامِ صِبَايَ. وَضَعْتَ رِجْلَيَّ فِي قُيُودٍ، وَرَاقَبْتَ كُلَّ خَطَوَاتِي، وَفَحَصْتَ آثَارَ قَدَمَيَّ! أَنَا كَشَجَرَةٍ أَكَلَهَا السُّوسُ، وَكَثَوْبٍ أَتْلَفَهُ الْعُثُّ. ”الْإِنْسَانُ مَوْلُودُ الْمَرْأَةِ أَيَّامُهُ قَلِيلَةٌ، وَشَقَاؤُهُ كَثِيرٌ. يَنْبُتُ كَالزَّهْرَةِ ثُمَّ يَذْبُلُ، يَزُولُ كَالظِّلِّ وَلَا يَبْقَى. فَهَلْ تَضَعُ عَيْنَكَ عَلَى مِثْلِ هَذَا، وَتُحْضِرُهُ إِلَى الْحِسَابِ أَمَامَكَ؟ مَنْ يُخْرِجُ طَاهِرًا مِنَ النَّجِسِ؟ لَا أَحَدٌ! أَيَّامُ الْإِنْسَانِ مَحْدُودَةٌ، أَنْتَ عَيَّنْتَ عَدَدَ شُهُورِهِ، وَقَضَيْتَ لَهُ أَجَلًا لَا يَتَعَدَّاهُ. إِذَنْ حَوِّلْ نَظَرَكَ عَنْهُ لِيَسْتَرِيحَ، حَتَّى يَفْرَحَ بِانْتِهَاءِ يَوْمِهِ كَالْأَجِيرِ. ”الشَّجَرَةُ لَهَا رَجَاءٌ، فَإِنْ قُطِعَتْ تَنْمُو مَرَّةً أُخْرَى، وَتُنْبِتُ أَغْصَانًا جَدِيدَةً. لَوْ أَصْبَحَ جِذْرُهَا قَدِيمًا فِي الْأَرْضِ، أَوْ مَاتَ فِي التُّرَابِ سَاقُهَا، فَمَتَى شَمَّتِ الْمَاءَ، تَنْمُو وَتُخْرِجُ فُرُوعًا كَنَبَاتٍ جَدِيدٍ! أَمَّا الْإِنْسَانُ فَيَمُوتُ وَيَنْتَهِي، مَتَى تُوُفِّيَ لَا يُوجَدُ فِيمَا بَعْدُ. يَخْتَفِي الْمَاءُ مِنَ الْبُحَيْرَةِ، وَيَنْشَفُ النَّهْرُ وَيَجِفُّ. كَذَلِكَ يَرْقُدُ الْإِنْسَانُ وَلَا يَقُومُ، لَا يَسْتَيْقِظُ وَلَا يَنْتَبِهُ مِنْ نَوْمِهِ إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاوَاتُ. ”لَيْتَكَ تُخْفِينِي فِي عَالَمِ الْأَمْوَاتِ، وَتَسْتُرُنِي إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ غَضَبُكَ. لَيْتَكَ تُحَدِّدُ لِي مَوْعِدًا وَتَذْكُرُنِي. بَعْدَمَا يَمُوتُ الْإِنْسَانُ، هَلْ يَعُودُ إِلَى الْحَيَاةِ؟ كُلُّ أَيَّامِي كِفَاحٌ، وَأَنْتَظِرُ أَنْ يَأْتِيَ الْفَرَجُ. تَدْعُونِي فَأُجِيبُكَ، تَشْتَاقُ إِلَى الْمَخْلُوقِ الَّذِي عَمِلْتَهُ. تُرَاقِبُ خَطَوَاتِي، وَلَا تَحْسِبُ ذُنُوبِي. بَلْ تُغَطِّي مَعَاصِيَّ، وَتَسْتُرُ آثَامِي. ”كَمَا يَسْقُطُ الْجَبَلُ وَيَتَفَتَّتُ، وَكَمَا يُزَحْزَحُ الصَّخْرُ مِنْ مَكَانِهِ، وَكَمَا أَنَّ الْمِيَاهَ تَجْعَلُ الْحِجَارَةَ تَتَآكَلُ، وَالسَّيْلَ يَجْرُفُ التُّرَابَ، كَذَلِكَ أَنْتَ تُبِيدُ رَجَاءَ الْإِنْسَانِ. تَغْلِبُهُ مَرَّةً فَيَنْتَهِي، تُغَيِّرُ وَجْهَهُ وَتَطْرُدُهُ. يُكْرَمُ بَنُوهُ وَلَا يَعْلَمُ، يُذَلُّ نَسْلُهُ وَلَا يَدْرِي! لَا يَشْعُرُ إِلَّا بِأَلَمِهِ، وَلَا يَتَأَسَّفُ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ!“ فَقَالَ أَلِيفَازُ التِّيمَانِيُّ: ”الْحَكِيمُ لَا يَرُدُّ بِكَلَامٍ فَارِغٍ، وَلَا يَمْلَأُ بَطْنَهُ بِالرِّيحِ الشَّرْقِيَّةِ الْحَارَّةِ، وَلَا يُجَادِلُ بِأَقْوَالٍ لَا تُفِيدُ، وَلَا بِأَحَادِيثَ لَا تَنْفَعُ! أَمَّا أَنْتَ فَأَبْعَدْتَ عَنْكَ مَخَافَةَ اللهِ، وَتَخَلَّيْتَ عَنْ تَقْوَاهُ. كَلَامُكَ يَدُلُّ عَلَى شَرِّكَ، فَأَنْتَ اخْتَرْتَ لُغَةَ الْخِدَاعِ. فَمُكَ يَحْكُمُ عَلَيْكَ لَا أَنَا، وَشَفَتَاكَ تَشْهَدَانِ ضِدَّكَ. ”أَنْتَ لَسْتَ أَوَّلَ إِنْسَانٍ خُلِقَ، وَلَا أُبْدِعْتَ قَبْلَ التِّلَالِ! هَلْ سَمِعْتَ مَا يَدُورُ فِي مَجْلِسِ اللهِ؟ هَلْ أَنْتَ وَحْدَكَ حَكِيمٌ؟ مَاذَا تَعْرِفُ وَنَحْنُ لَا نَعْرِفُهُ؟ وَمَاذَا تَفْهَمُ وَنَحْنُ لَا نُدْرِكُهُ؟ بَيْنَنَا شُيُوخٌ وَمَنْ شَابَ شَعْرُهُمْ أَكْبَرُ سِنًّا مِنْ أَبِيكَ! هَلْ قَلِيلٌ عَلَيْكَ أَنَّ اللهَ يُعَزِّيكَ وَيُكَلِّمُكَ بِرِفْقٍ؟ ”لِمَاذَا أَضَلَّكَ قَلْبُكَ، وَلِمَاذَا الْغَضَبُ فِي عَيْنَيْكَ؟ بِأَيِّ حَقٍّ تَغْضَبُ عَلَى اللهِ، وَيَخْرُجُ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ فَمِكَ؟ مَا هُوَ الْإِنْسَانُ لِيَكُونَ طَاهِرًا، وَمَا هُوَ مَوْلُودُ الْمَرْأَةِ لِيَكُونَ صَالِحًا؟ إِنْ كَانَ اللهُ لَا يَأْتَمِنُ مَلَائِكَتَهُ، وَيَعْتَبِرُ السَّمَاءَ غَيْرَ طَاهِرَةٍ، فَمَا مَوْقِفُ الْإِنْسَانِ وَهُوَ كَرِيهٌ وَفَاسِدٌ وَيَشْرَبُ الْإِثْمَ كَأَنَّهُ مَاءٌ؟ ”اِسْمَعْنِي فَأُخْبِرَكَ، دَعْنِي أُحَدِّثُكَ بِمَا رَأَيْتُهُ، وَبِمَا رَوَاهُ الْحُكَمَاءُ عَنْ آبَائِهِمْ، وَلَمْ يَكْتُمُوهُ. فَهَذِهِ الْأَرْضُ كَانَتْ لَهُمْ وَحْدَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ غَرِيبٌ. الشِّرِّيرُ يَتَعَذَّبُ طُولَ عُمْرِهِ، وَأَيَّامُ الطَّاغِيَةِ مَعْدُودَةٌ. أَصْوَاتٌ مُرْعِبَةٌ فِي أُذُنَيْهِ، وَفِي وَقْتِ الْأَمَانِ يَهْجُمُ عَلَيْهِ اللُّصُوصُ. لَا يَأْمَلُ فِي الْهُرُوبِ مِنَ الظَّلَامِ، وَمَصِيرُهُ الْهَلَاكُ بِالسَّيْفِ. يُطْرَحُ كَطَعَامٍ لِلْجَوَارِحِ، وَيَعْلَمُ أَنَّ يَوْمًا أَسْوَدَ يَنْتَظِرُهُ. الْقَلَقُ وَالضِّيقُ يُرْعِبَانِهِ، يَنْزِلَانِ عَلَيْهِ كَمَلِكٍ مُسْتَعِدٍّ لِلْحَرْبِ. لِأَنَّهُ هَزَّ قَبْضَتَهُ نَحْوَ اللهِ، وَتَحَدَّى الْقَدِيرَ. وَتَقَدَّمَ بِإِصْرَارٍ لِيَتَعَدَّى عَلَيْهِ بِأَسْلِحَةٍ قَوِيَّةٍ. وَمَعَ أَنَّ وَجْهَهُ تَغَطَّى بِاللَّحْمِ، وَوَسَطَهُ تَغَشَّى بِالشَّحْمِ، لَكِنَّهُ يَسْكُنُ مُدُنًا خَرِبَةً، وَدِيَارًا مَهْجُورَةً تَصِيرُ خَرَائِبَ عَنْ قَرِيبٍ. لَا يَغْتَنِي، وَلَا تَدُومُ ثَرْوَتُهُ، وَلَا تَمْتَدُّ أَمْلَاكُهُ فِي الْبِلَادِ. لَا يَهْرُبُ مِنَ الظَّلَامِ، وَتَحْرِقُ النَّارُ فُرُوعَهُ، وَيَزُولُ بِنَفْخَةٍ مِنْ فَمِ اللهِ. يَخْدَعُ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ يَتَّكِلُ عَلَى الشَّرِّ، فَيَكُونُ الشَّرُّ أُجْرَتَهُ. يَزُولُ قَبْلَ الْأَوَانِ، وَلَا تَخْضَرُّ فُرُوعُهُ. يَكُونُ مِثْلَ كَرْمَةٍ سَقَطَ عِنَبُهَا قَبْلَ مَا يَنْضَجُ، وَكَزَيْتُونَةٍ تَنَاثَرَ زَهْرُهَا. لِأَنَّ الْأَشْرَارَ جَمَاعَةٌ لَا تُثْمِرُ، وَالَّذِينَ يَأْخُذُونَ الرَّشْوَةَ تَأْكُلُ النَّارُ دِيَارَهُمْ. يَحْبَلُونَ شَرًّا، وَيَلِدُونَ إِثْمًا، وَقُلُوبُهُمْ تُدَبِّرُ غِشًّا.“ فَأَجَابَ أَيُّوبُ: ”أَنَا سَمِعْتُ كُلَّ هَذَا مِنْ قَبْلُ! كُلُّكُمْ مُعَزُّونَ مُتْعِبُونَ! وَكَلَامُكُمُ الْفَارِغُ لَا نِهَايَةَ لَهُ. لَكِنْ مَاذَا يَجْبُرُكُمْ أَنْ تَرُدُّوا؟ لَوْ كُنْتُمْ مَكَانِي، لَكُنْتُ أَنَا أَيْضًا أَتَكَلَّمُ مِثْلَكُمْ، فَأَقُولُ مَا يُوجِعُكُمْ وَأَهُزُّ رَأْسِي عَلَيْكُمْ. لَا، أَبَدًا! بَلْ كُنْتُ أُشَجِّعُكُمْ بِكَلَامِي، وَأُعَزِّيكُمْ وَأَسْنُدُكُمْ بِأَقْوَالِي. ”إِنْ تَكَلَّمْتُ لَا يَخِفُّ حُزْنِي، وَإِنْ سَكَتُّ لَا يَبْتَعِدُ عَنِّي. اللَّهُمَّ، أَنْتَ أَفْنَيْتَ قُوَّتِي، وَحَطَّمْتَ أُسْرَتِي. أَضْعَفْتَنِي فَصَارَ ضَعْفِي يَشْهَدُ ضِدِّي، وَأَهْزَلْتَنِي فَقَامَ هُزَالِي يَتَّهِمُنِي فِي وَجْهِي. اِفْتَرَسَنِي اللهُ وَمَزَّقَنِي بِغَضَبِهِ، أَصَرَّ عَلَيَّ بِأَسْنَانِهِ، خَصْمِي يُهَاجِمُنِي بِنَظَرَاتِهِ. ضَحِكَ النَّاسُ عَلَيَّ، لَطَمُونِي عَلَى خَدِّي وَهَزَأُوا بِي، اِتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَيَّ. أَسْلَمَنِي اللهُ إِلَى الظَّالِمِينَ، وَرَمَانِي فِي يَدِ الْأَشْرَارِ. كُنْتُ مُسْتَرِيحًا فَكَسَّرَنِي، وَأَمْسَكَ بِرَقَبَتِي وَحَطَّمَنِي! نَصَبَنِي لَهُ هَدَفًا. طَارَتْ سِهَامُهُ حَوْلِي. شَقَّ كُلْيَتَيَّ بِلَا رَحْمَةٍ، وَسَفَكَ عَلَى الْأَرْضِ مَرَارَتِي. يَطْعَنُنِي طَعْنَةً بَعْدَ الْأُخْرَى، وَيَهْجُمُ عَلَيَّ كَأَنَّهُ مُحَارِبٌ! لَفَفْتُ الْخَيْشَ عَلَى جِلْدِي، وَوَضَعْتُ فِي التُّرَابِ كَرَامَتِي. اِحْمَرَّ وَجْهِي مِنَ الْبُكَاءِ، أَحَاطَ السَّوَادُ بِجُفُونِي. كُلُّ هَذَا، مَعَ أَنَّ يَدِي لَمْ تَرْتَكِبْ عُنْفًا، وَصَلَاتِي مُخْلِصَةٌ. ”يَا أَرْضُ لَا تُغَطِّي دَمِي، وَلَا تُسْكِتِي صُرَاخِي. الْآنَ لِي فِي السَّمَاءِ مَنْ يَشْهَدُ مَعِي، وَفِي الْأَعَالِي مَنْ يُدَافِعُ عَنِّي. يَا أَصْحَابِيَ اشْفَعُوا فِيَّ عِنْدَ اللهِ، تَسِيلُ عَيْنَيَّ بِالدُّمُوعِ. تَضَرَّعُوا للهِ مِنْ أَجْلِي، كَمَا يَتَضَرَّعُ الْوَاحِدُ مِنْ أَجْلِ صَاحِبِهِ. لِأَنَّ عُمْرِيَ الْقَصِيرَ يَمْضِي، وَأَسِيرُ فِي طَرِيقٍ لَا أَعُودُ مِنْهَا. ”ضَاعَ أَمَلِي، اِنْتَهَى عُمْرِي، وَالْقَبْرُ يَنْتَظِرُنِي. مَنْ يَهْزَأُونَ بِي هُمْ حَوْلِي، حَتَّى عِنْدَمَا أُغْلِقُ عَيْنَيَّ أَرَاهُمْ غَاضِبِينَ عَلَيَّ! اللَّهُمَّ اضْمَنِّي عِنْدَكَ، فَلَا يُوجَدُ غَيْرُكَ يَتَعَهَّدُ بِضَمَانِي. أَنْتَ أَغْلَقْتَ عُقُولَهُمْ عَنِ الْفَهْمِ، فَمِنْ فَضْلِكَ لَا تَنْصُرْهُمْ عَلَيَّ. مَنْ يَخُونُ أَصْحَابَهُ لِأَجْلِ أُجْرَةٍ، تَعْمَى عُيُونُ أَوْلَادِهِ. جَعَلَ اللهُ النَّاسَ يَضْرِبُونَ بِيَ الْمَثَلَ، وَيَبْصُقُونَ فِي وَجْهِي. اِنْطَفَأَتْ عَيْنَايَ مِنَ الْحُزْنِ، وَأَصْبَحَ جِسْمِي كَأَنَّهُ مُجَرَّدُ ظِلٍّ. رَأَى الْأَتْقِيَاءُ حَالَتِي فَانْزَعَجُوا، غَضِبَ الصَّالِحُونَ عَلَى الْأَشْرَارِ. أَمَّا الصِّدِّيقُ فَيَتَمَسَّكُ بِطَرِيقِهِ، وَالَّذِي هُوَ طَاهِرُ الْيَدَيْنِ يَزْدَادُ قُوَّةً. ”تَعَالَوْا كُلُّكُمْ، حَاوِلُوا مَرَّةً أُخْرَى، فَلَنْ أَجِدَ فِيكُمْ حَكِيمًا! أَيَّامِيَ انْتَهَتْ، ضَاعَ هَدَفِي، وَضَاعَتْ مَعَهُ آمَالِي. هَؤُلَاءِ يَظُنُّونَ أَنَّ اللَّيْلَ نَهَارٌ، وَفِي الظَّلَامِ يَقُولُونَ: ’النُّورُ قَرِيبٌ!‘ مَا الْأَمَلُ وَقَدْ صَارَتْ دَارُ الْأَمْوَاتِ دَارِي، وَرَتَّبْتُ فِي الظَّلَامِ فِرَاشِي؟ مَا الْأَمَلُ وَقَدْ دَعَوْتُ الْقَبْرَ أَبِي، وَالدُّودَ أُمِّي وَأُخْتِي؟ فَهَلْ بَقِيَ لِي أَمَلٌ؟ مَنْ يَرَى أَيَّ أَمَلٍ لِي؟ إِنَّمَا يَنْزِلُ مَعِي إِلَى دَارِ الْأَمْوَاتِ، وَنَرْتَاحُ مَعًا فِي التُّرَابِ.“ فَقَالَ بِلْدَدُ الشُّوحِيُّ: ”مَتَى تَكُفُّ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ؟ تَعَقَّلْ أَوَّلًا ثُمَّ تَكَلَّمْ! هَلْ تَحْسِبُنَا بَهَائِمَ، وَتَعْتَبِرُنَا أَغْبِيَاءَ؟ يَا مَنْ تُمَزِّقُ نَفْسَكَ بِالْغَضَبِ، هَلْ تُخْلَى الْأَرْضُ لَكَ أَنْتَ وَحْدَكَ؟ أَوْ مِنْ أَجْلِكَ تُزَالُ الصُّخُورُ مِنْ مَكَانِهَا؟ ”نُورُ الشِّرِّيرِ يَنْطَفِئُ، وَمِصْبَاحُهُ لَا يُضِيءُ. النُّورُ يُظْلِمُ فِي دَارِهِ، وَمِصْبَاحُهُ يَنْطَفِئُ عَلَيْهِ. تَضْعُفُ خَطَوَاتُهُ الَّتِي كَانَتْ قَوِيَّةً، وَيَقَعُ فِي الْمُؤَامَرَةِ الَّتِي دَبَّرَهَا. لِأَنَّ رِجْلَيْهِ تَسُوقَانِهِ إِلَى مَصْيَدَةٍ، يَسِيرُ إِلَى شَبَكَةٍ. يُمْسِكُ الْفَخُّ بِكَعْبِهِ، وَيُطْبِقُ الشَّرَكُ عَلَيْهِ. أُخْفِيَ لَهُ حَبْلٌ فِي الْأَرْضِ، وَنُصِبَتْ لَهُ مَصْيَدَةٌ فِي الطَّرِيقِ. تُفَاجِئُهُ الْأَهْوَالُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَتُفْزِعُهُ فِي كُلِّ خَطْوَةٍ. الْجُوعُ يُضَيِّعُ قُوَّتَهُ، وَالْمَصَائِبُ لَهُ بِالْمِرْصَادِ! يَأْكُلُ الْمَرَضُ جِلْدَهُ، وَيَأْكُلُ الْمَوْتُ أَطْرَافَهُ. يُنْزَعُ مِنَ الْأَمَانِ فِي دَارِهِ، وَيُسَاقُ إِلَى مَلِكِ الْأَهْوَالِ. تُحْرَقُ دَارُهُ بِالنَّارِ، وَيُرَشُّ مَسْكَنُهُ بِالْكِبْرِيتِ. مِنْ تَحْتُ تَيْبَسُ جُذُورُهُ، وَمِنْ فَوْقُ تُقْطَعُ فُرُوعُهُ. يَبِيدُ ذِكْرُهُ مِنَ الْأَرْضِ، وَيَزُولُ اسْمُهُ مِنَ الْبِلَادِ. يُطْرَدُ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلْمَةِ، وَيُنْفَى مِنَ الدُّنْيَا. لَا نَسْلَ وَلَا ذُرِّيَّةَ لَهُ بَيْنَ شَعْبِهِ، وَلَا يَبْقَى لَهُ حَيٌّ فِي مَسَاكِنِهِ. يَفْزَعُ الْغَرْبِيُّونَ مِنْ مَصِيرِهِ، وَيَرْتَعِبُ الشَّرْقِيُّونَ. هَذَا مَصِيرُ مَنْ يَرْتَكِبُ الشَّرَّ، وَهَذَا مَآلُ مَنْ لَا يَعْرِفُ اللهَ.“ فَأَجَابَ أَيُّوبُ: ”إِلَى مَتَى تُعَذِّبُونِي وَتَسْحَقُونِي بِالْكَلَامِ؟ شَتَمْتُمُونِي 10 مَرَّاتٍ، وَهَجَمْتُمْ عَلَيَّ بِلَا خَجَلٍ. وَلْنَفْرِضْ أَنِّي فِعْلًا ضَلَلْتُ، فَأَنَا الْمَسْئُولُ عَنْ ضَلَالِي. أَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّكُمْ أَحْسَنُ مِنِّي، وَتَسْتَخْدِمُونَ عَارِي حُجَّةً ضِدِّي. إِذَنِ اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَسَاءَ إِلَيَّ، وَأَلْقَى شَبَكَتَهُ عَلَيَّ. أَصْرُخُ مِنَ الظُّلْمِ وَلَا مَنْ يُجِيبُ، وَأَطْلُبُ الْعَوْنَ وَلَا مَنْ يُنْصِفُ. سَدَّ الطَّرِيقَ عَلَيَّ فَلَا أَعْبُرُ، وَغَطَّى بِالظَّلَامِ سَبِيلِي. أَزَالَ عَنِّي كَرَامَتِي، وَنَزَعَ التَّاجَ عَنْ رَأْسِي. هَدَمَنِي مِنْ كُلِّ جِهَةٍ فَتَلَاشَيْتُ، وَقَلَعَ كَشَجَرَةٍ رَجَائِي. أَشْعَلَ غَضَبَهُ ضِدِّي، وَحَسِبَنِي عَدُوًّا لَهُ. زَحَفَتْ جُيُوشُهُ مَعًا، جَاءُوا لِمُهَاجَمَتِي، وَحَاصَرُوا مَسْكَنِي. ”أَبْعَدَ عَنِّي إِخْوَتِي، وَمَعَارِفِي هَجَرُونِي. أَقَارِبِي تَرَكُونِي، وَأَصْحَابِي نَسُونِي. ضُيُوفِي وَجَوَارِيَّ يُعَامِلُونِي كَأَجْنَبِيٍّ، صِرْتُ كَغَرِيبٍ فِي عُيُونِهِمْ. إِنْ نَادَيْتُ عَبْدِي لَا يُجِيبُ، وَلَوْ تَوَسَّلْتُ إِلَيْهِ أَنَا نَفْسِي. زَوْجَتِي لَا تُطِيقُ رَائِحَةَ فَمِي، وَعَائِلَتِي تَكْرَهُنِي. حَتَّى الصِّغَارُ يَحْتَقِرُونِي، إِذَا قُمْتُ لِأَذْهَبَ يَتَكَلَّمُونَ عَلَيَّ. كُلُّ رِجَالِي كَرِهُونِي، وَالَّذِينَ أُحِبُّهُمُ انْقَلَبُوا عَلَيَّ. أَصْبَحْتُ جِلْدًا عَلَى عَظْمٍ، وَنَجَوْتُ بِجِلْدِ أَسْنَانِي. اِشْفِقُوا عَلَيَّ يَا أَصْحَابِي! اِشْفِقُوا عَلَيَّ، لِأَنَّ يَدَ اللهِ ضَرَبَتْنِي. لِمَاذَا تُطَارِدُونِي مِثْلَ اللهِ، وَلَا تَشْبَعُونَ مِنْ لَحْمِي؟ ”لَيْتَ كَلَامِي يُسَجَّلُ، لَيْتَهُ يُكْتَبُ فِي كِتَابٍ، أَوْ يُنْقَشُ بِقَلَمٍ مِنْ حَدِيدٍ عَلَى لَوْحٍ مِنْ رَصَاصٍ، أَوْ يُحْفَرُ فِي الصَّخْرِ إِلَى الْأَبَدِ. أَنَا عَارِفٌ أَنَّ فَادِيَّ حَيٌّ، وَأَنَّهُ فِي النِّهَايَةِ سَيَقُومُ هُنَا لِيُدَافِعَ عَنِّي. وَحَتَّى إِنْ فَنِيَ جِلْدِي، فَإِنِّي بِهَذَا الْجِسْمِ أَرَى اللهَ. فَأَرَاهُ أَنَا بِنَفْسِي، لَا غَيْرِي، بِعَيْنَيَّ أَنَا. وَكَمْ يَشْتَاقُ قَلْبِي فِي دَاخِلِي إِلَى هَذَا! تَقُولُونَ: ’كَيْفَ نُضَايِقُهُ، لِأَنَّهُ هُوَ أَسَاسُ الْمَتَاعِبِ؟‘ خَافُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ مِنَ السَّيْفِ، لِأَنَّ غَضَبَ اللهِ يُنْزِلُ عَلَيْكُمْ سَيْفَ الْعِقَابِ، فَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ يُوجَدُ حِسَابٌ.“ فَقَالَ صُوفَرُ النِّعْمَاتِيُّ: ”أَفْكَارِي مُضْطَرِبَةٌ وَتَجْعَلُنِي أَرُدُّ، لِأَنِّي تَضَايَقْتُ جِدًّا. أَنْتَ تُوَبِّخُنِي وَتَعِيبُ فِي كَرَامَتِي، وَأَنَا عِنْدِيَ الْفَهْمُ لِأَرُدَّ عَلَيْكَ. ”لَا شَكَّ أَنَّكَ تَعْرِفُ أَنَّهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ وُضِعَ الْإِنْسَانُ عَلَى الْأَرْضِ، فَرَحُ الشِّرِّيرِ قَصِيرٌ، وَبَهْجَةُ الْفَاجِرِ لَا تَدُومُ. وَلَوْ بَلَغَتْ عَظَمَتُهُ السَّمَاءَ، وَلَمَسَتْ رَأْسُهُ السَّحَابَ، يَزُولُ إِلَى الْأَبَدِ كَالْغُبَارِ. فَيَقُولُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْرِفُونَهُ: ’أَيْنَ هُوَ؟‘ يَتَلَاشَى كَحُلْمٍ وَلَا يُوجَدُ، وَكَرُؤْيَا اللَّيْلِ يَفْنَى. يَخْتَفِي عَنِ الْأَنْظَارِ، حَتَّى دَارُهُ لَا تَعُودُ تَرَاهُ. أَوْلَادُهُ يَرُدُّونَ لِلْفُقَرَاءِ حَقَّهُمْ، يَدَاهُ تُرْجِعَانِ الثَّرْوَةَ الَّتِي سَلَبَهَا. عِظَامُهُ فِي عِزِّ الشَّبَابِ، تَرْقُدُ مَعَهُ فِي التُّرَابِ. الشَّرُّ حُلْوٌ فِي فَمِهِ، يُخْفِيهِ تَحْتَ لِسَانِهِ. يُبْقِيهِ وَلَا يُبْعِدُهُ، بَلْ يَحْفَظُهُ فِي فَمِهِ. لَكِنْ يَنْقَلِبُ الطَّعَامُ فِي مَعِدَتِهِ، إِلَى سِمِّ الثُّعْبَانِ فِي دَاخِلِهِ. بَلَعَ ثَرْوَةً فَيَتَقَيَّأُهَا، اللهُ يَطْرُدُهَا مِنْ بَطْنِهِ. رَضَعَ سِمَّ الثَّعَابِينِ، فَقَتَلَهُ لِسَانُ الْحَيَّةِ. لَا يَتَمَتَّعُ بِالْأَنْهَارِ الْجَارِيَةِ، وَلَا بِالْجَدَاوِلِ الَّتِي تَفِيضُ عَسَلًا وَزُبْدًا. يَرُدُّ مَكَاسِبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَفِيدَ مِنْهَا، وَيُرْجِعُ أَرْبَاحَهُ وَلَا يَتَمَتَّعُ بِهَا. لِأَنَّهُ ظَلَمَ الْمَسَاكِينَ وَضَايَقَهُمْ، وَاغْتَصَبَ دَارًا لَمْ يَبْنِهَا. ”طَمَّاعٌ لَا يَعْرِفُ الْقَنَاعَةَ، وَالْآنَ كُلُّ مَا جَمَعَهُ لَا يُنَجِّيهِ! لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ آخَرُ لِيَحْصُلَ عَلَيْهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَدُومُ لَهُ الْخَيْرُ. عَلَى الرَّغْمِ مِنْ غِنَاهُ، يُصِيبُهُ الضِّيقُ وَيَحِلُّ بِهِ الشَّقَاءُ. بَعْدَمَا يَمْلَأُ بَطْنَهُ، يَصُبُّ اللهُ عَلَيْهِ غَضَبَهُ الشَّدِيدَ، وَيُنْزِلُ بِهِ الْعِقَابَ كَالْمَطَرِ. إِنْ هَرَبَ مِنْ سِلَاحِ حَدِيدٍ، تَخْتَرِقُهُ قَوْسُ نُحَاسٍ. مِنْ ظَهْرِهِ يَنْفُذُ السَّهْمُ، وَمِنْ كَبِدِهِ يَلْمَعُ النَّصْلُ، فَتَحِلُّ عَلَيْهِ الْأَهْوَالُ. يَكْمُنُ لَهُ ظَلَامٌ قَاتِمٌ، تَأْكُلُهُ نَارٌ لَمْ يَنْفُخْ فِيهَا أَحَدٌ، فَتَحْرِقُ مَا بَقِيَ فِي دَارِهِ. السَّمَاءُ تُعْلِنُ ذَنْبَهُ، وَالْأَرْضُ تَقُومُ ضِدَّهُ. يَوْمَ غَضَبِ اللهِ، يَجْرُفُ السَّيْلُ دَارَهُ وَيُحَطِّمُهَا. هَذَا حَظُّ الشِّرِّيرِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَنَصِيبُهُ بِأَمْرِ الْقَدِيرِ.“ فَأَجَابَ أَيُّوبُ: ”اِنْتَبِهُوا وَاسْمَعُوا كَلَامِي، فَيَكُونَ هَذَا عَزَاءً لِي مِنْكُمْ! اِحْتَمِلُونِي وَأَنَا أَتَكَلَّمُ، وَبَعْدَ ذَلِكَ اسْخَرُوا مِنِّي. ”أَنَا لَا أَشْتَكِي ضِدَّ إِنْسَانٍ، لِذَلِكَ مِنْ حَقِّي أَنْ يَضِيقَ صَدْرِي! مُجَرَّدُ نَظْرَةٍ إِلَيَّ تَجْعَلُكُمْ تُصْدَمُونَ وَتَضَعُونَ يَدَكُمْ عَلَى فَمِكُمْ. أُفَكِّرُ فِي هَذَا فَأَرْتَعِبُ، وَيَرْتَعِشُ جِسْمِي كُلُّهُ. لِمَاذَا يَحْيَا الْأَشْرَارُ، وَيَطُولُ عُمْرُهُمْ، وَتَزِيدُ قُوَّتُهُمْ؟ يَرَوْنَ أَوْلَادَهُمْ مُسْتَقِرِّينَ حَوْلَهُمْ، وَنَسْلَهُمْ يَزْدَهِرُ أَمَامَهُمْ. بُيُوتُهُمْ آمِنَةٌ مِنَ الْخَوْفِ، وَعَصَا اللهِ لَا تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ. ثِيرَانُهُمْ تَتَنَاسَلُ وَتَكْثُرُ، بَقَرُهُمْ يَلِدُ وَيَزِيدُ. أَطْفَالُهُمْ يَقْفِزُونَ وَيَلْعَبُونَ كَالْقَطِيعِ، أَوْلَادُهُمْ يَرْقُصُونَ. يُغَنُّونَ عَلَى مُوسِيقَى الدُّفِّ وَالْعُودِ، وَصَوْتُ الْمِزْمَارِ يُطْرِبُهُمْ. يَقْضُونَ عُمْرَهُمْ بِخَيْرٍ، وَبِسَلَامٍ يَنْزِلُونَ إِلَى الْقَبْرِ. مَعَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ للهِ: ’اُبْعُدْ عَنَّا! لَا نُرِيدُ أَنْ نَعْرِفَ طُرُقَكَ. مَنْ هُوَ الْقَدِيرُ حَتَّى نَعْبُدَهُ، وَمَاذَا نَسْتَفِيدُ إِنْ طَلَبْنَاهُ؟‘ وَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ بِقُوَّتِهِمْ يَنْجَحُونَ! لِذَلِكَ أَرْفُضُ مَشُورَةَ الْأَشْرَارِ. ”كَمْ مَرَّةً يَنْطَفِئُ مِصْبَاحُ الْأَشْرَارِ؟ كَمْ مَرَّةً تَأْتِي عَلَيْهِمُ الْمَصَائِبُ، وَيُعَاقِبُهُمُ اللهُ بِغَضَبِهِ؟ صَارُوا كَالتِّبْنِ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ، وَكَالْقَشِّ الَّذِي تُبَدِّدُهُ الزَّوْبَعَةُ. فَرُبَّمَا تَقُولُونَ: ’اللهُ يَخْزِنُ عِقَابَ الشِّرِّيرِ لِبَنِيهِ!‘ لَكِنِّي أَقُولُ: ’كَانَ يَجِبُ أَنْ يُعَاقِبَ اللهُ الشِّرِّيرَ نَفْسَهُ فَيَعْلَمَ، وَيَرَى الْهَلَاكَ بِعَيْنَيْهِ، وَيَشْرَبَ مِنْ غَضَبِ الْقَدِيرِ. فَهُوَ لَا يَهُمُّهُ مَصِيرُ أَهْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ، بَعْدَمَا يَنْتَهِي عُمْرُهُ الْمَحْدُودُ.‘ ”مَنْ يُعَلِّمُ اللهَ مَعْرِفَةً، وَهُوَ دَيَّانُ الَّذِينَ فِي الْأَعَالِي؟ هُنَاكَ مَنْ يَمُوتُ فِي عِزِّ قُوَّتِهِ وَهُوَ فِي مُنْتَهَى الْأَمَانِ وَالرَّاحَةِ، وَجِسْمُهُ سَلِيمٌ وَعِظَامُهُ قَوِيَّةٌ. وَهُنَاكَ مَنْ يَمُوتُ بِنَفْسٍ مُرَّةٍ، وَلَمْ يَذُقْ هَنَاءً. لَكِنَّهُمَا يَرْقُدَانِ مَعًا فِي التُّرَابِ، وَيُغَطِّيهِمَا الدُّودُ. ”أَنَا عَارِفٌ أَفْكَارَكُمْ تَمَامًا، وَالظُّلْمَ الَّذِي تُدَبِّرُونَهُ لِي. فَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: ’أَيْنَ دَارُ الْعَظِيمِ؟ أَيْنَ مَسْكَنُ الْأَشْرَارِ؟‘ أَلَمْ تَسْأَلُوا الْمُسَافِرِينَ؟ أَلَمْ تَسْمَعُوا حِكَايَاتِهِمْ؟ أَنَّ الشِّرِّيرَ يُفْلِتُ فِي يَوْمِ الْمُصِيبَةِ، وَأَنَّهُ يَنْجُو فِي يَوْمِ الْغَضَبِ؟ مَنْ يُوَبِّخُهُ فِي وَجْهِهِ عَلَى سُلُوكِهِ، وَمَنْ يُجَازِيهِ عَلَى عَمَلِهِ؟ يَحْمِلُونَهُ إِلَى الْقَبْرِ، يَسْهَرُونَ عَلَى مَدْفَنِهِ. طِينُ الْوَادِي حُلْوٌ لَهُ، جُمْهُورٌ غَفِيرٌ يَمْشِي وَرَاءَهُ، وَعَدَدٌ لَا يُحْصَى أَمَامَهُ. إِذَنْ كَيْفَ تُعَزُّونِي بِكَلَامٍ تَافِهٍ، وَتَرُدُّونَ عَلَيَّ بِهَذَا الْخِدَاعِ؟“ فَقَالَ أَلِيفَازُ التِّيمَانِيُّ: ”هَلِ الْإِنْسَانُ يَنْفَعُ اللهَ؟ حَتَّى الْحَكِيمُ، هَلْ هُوَ نَافِعٌ للهِ؟ إِنْ كُنْتَ صَالِحًا، فَهَلْ يَسْتَفِيدُ الْقَدِيرُ مِنْ ذَلِكَ؟ وَإِنْ كَانَ سُلُوكُكَ كَامِلًا، فَمَاذَا يَرْبَحُ مِنْكَ؟ هَلْ تَظُنُّ أَنَّهُ بِسَبَبِ تَقْوَاكَ، يُوَبِّخُكَ وَإِلَى الْمُحَاكَمَةِ يُقَدِّمُكَ؟ لَا! بَلْ لِأَنَّ شَرَّكَ عَظِيمٌ، وَذُنُوبَكَ لَا نِهَايَةَ لَهَا! أَخَذْتَ رَهْنًا مِنْ إِخْوَتِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ، سَلَبْتَ ثِيَابَهُمْ وَتَرَكْتَهُمْ عُرَاةً. لَمْ تَسْقِ الْعَطْشَانَ مَاءً، وَلَمْ تُعْطِ الْجَوْعَانَ خُبْزًا. هَذَا مَعَ أَنَّكَ كُنْتَ قَوِيًّا وَصَاحِبَ أَمْلَاكٍ وَلَكَ مَكَانَةٌ عَالِيَةٌ وَتَسْكُنُ فِي الْأَرْضِ! لَكِنَّكَ أَرْسَلْتَ الْأَرْمَلَةَ فَارِغَةً، وَحَطَّمْتَ أَمَلَ الْيَتِيمِ. لِذَلِكَ حَوْلَكَ فِخَاخٌ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَيَحِلُّ بِكَ خَطَرٌ مُفَاجِئٌ يُرْعِبُكَ. وَلِذَلِكَ جَاءَ عَلَيْكَ ظَلَامٌ فَلَا تَرَى، وَغَطَّاكَ سَيْلُ الْمِيَاهِ. ”اللهُ فِي أَعْلَى السَّمَاوَاتِ، وَيَرَى النُّجُومَ مَهْمَا كَانَتْ عَالِيَةً. لَكِنَّكَ قُلْتَ: ’كَيْفَ يَعْلَمُ اللهُ؟ هَلْ يَقْضِي مِنْ وَرَاءِ الضَّبَابِ؟‘ لِأَنَّ السَّحَابَ الْكَثِيفَ يَحْجُبُهُ فَلَا يَرَى، وَعَلَى قُبَّةِ السَّمَاءِ يَمْشِي. فَأَنْتَ بِذَلِكَ سِرْتَ فِي الطَّرِيقِ الْقَدِيمَةِ، الَّتِي سَلَكَهَا الْأَشْرَارُ، فَهَلَكُوا قَبْلَ الْأَوَانِ، وَجَرَفَ السَّيْلُ أَسَاسَهُمْ. الَّذِينَ قَالُوا للهِ: ’اُبْعُدْ عَنَّا! مَاذَا يُمْكِنُ أَنْ يَفْعَلَ الْقَدِيرُ لَنَا؟‘ مَعَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي مَلَأَ دِيَارَهُمْ بِالْخَيْرِ. لِذَلِكَ أَرْفُضُ مَشُورَةَ الْأَشْرَارِ. يَرَى الصَّالِحُونَ خَرَابَهُمْ وَيَفْرَحُونَ، وَالْأَبْرِيَاءُ يَهْزَأُونَ بِهِمْ وَيَقُولُونَ: ’هَلَكَ خُصُومُنَا، وَأَكَلَتِ النَّارُ ثَرْوَتَهُمْ!‘ ”أَسْلِمْ للهِ وَتَصَالَحْ مَعَهُ، يَأْتِيكَ خَيْرٌ. اِقْبَلِ التَّعْلِيمَ مِنْ فَمِهِ، وَضَعْ كَلَامَهُ فِي قَلْبِكَ. إِنْ رَجَعْتَ إِلَى الْقَدِيرِ يَرُدُّكَ. وَإِنْ أَبْعَدْتَ الشَّرَّ عَنْ دَارِكَ، وَرَمَيْتَ ذَهَبَكَ فِي التُّرَابِ، ذَهَبَكَ الْجَيِّدَ مَعَ حَصَى النَّهْرِ، يَكُونُ الْقَدِيرُ ذَهَبَكَ، وَأَحْسَنَ فِضَّةٍ لَكَ. وَتَجِدُ لَذَّةً فِي الْقَدِيرِ، وَتَرْفَعُ وَجْهَكَ للهِ. تُصَلِّي لَهُ فَيَسْمَعُكَ، وَتُوفِي لَهُ نُذُورَكَ. تَعْزِمُ عَلَى أَمْرٍ فَيَتِمُّ لَكَ، وَيُشْرِقُ النُّورُ فِي طَرِيقِكَ. إِنَّ اللهَ يُذِلُّ الْمُتَكَبِّرِينَ، وَيَنْصُرُ الْمُتَوَاضِعِينَ، وَيُنَجِّي الْأَبْرِيَاءَ، فَطَهِّرْ يَدَيْكَ لِتَنْجُوَ!“ فَأَجَابَ أَيُّوبُ: ”مَا زِلْتُ أَشْكُو بِمَرَارَةٍ. يَدُهُ ثَقِيلَةٌ عَلَيَّ، لِذَلِكَ أَتَنَهَّدُ. لَوْ عَرَفْتُ أَيْنَ أَجِدُهُ، أَوْ كَيْفَ أَصِلُ إِلَى مَسْكَنِهِ! لِأَعْرِضَ عَلَيْهِ قَضِيَّتِي، وَأَمْلَأَ فَمِي حُجَجًا. وَأَعْرِفَ بِمَاذَا يُجَاوِبُنِي، وَأَفْهَمَ مَا يَقُولُهُ لِي. فَهَلْ يَسْتَخْدِمُ قُوَّتَهُ فِي مُحَاكَمَتِي؟ لَا، بَلْ يَنْتَبِهُ إِلَيَّ، وَيَرَى أَنَّ خَصْمَهُ صَالِحٌ، وَبِذَلِكَ أَرْبَحُ الْقَضِيَّةَ بِصِفَةٍ نِهَائِيَةٍ! ”وَلَكِنِّي أَرُوحُ شَرْقًا فَلَا أَجِدُهُ، وَغَرْبًا فَلَا أَشْعُرُ بِهِ! أَبْحَثُ عَنْهُ شَمَالًا فَلَا أَنْظُرُهُ، أَتَّجِهُ جَنُوبًا فَلَا أَرَاهُ. لَكِنَّهُ يَعْرِفُ الطَّرِيقَ الَّتِي أَسْلُكُهَا، إِنِ امْتَحَنَنِي أَخْرُجُ كَالذَّهَبِ. تَسِيرُ قَدَمِي فِي إِثْرِ خَطَوَاتِهِ، أَسْلُكُ فِي طَرِيقِهِ وَلَا أَنْحَرِفُ عَنْهُ. لَمْ أَبْتَعِدْ عَنْ وَصَايَاهُ الَّتِي أَمَرَ بِهَا، بَلْ حَفِظْتُ فِي قَلْبِي كَلَامَهُ الَّذِي قَالَهُ. أَمَّا هُوَ، فَهُوَ اللهُ وَحْدَهُ، وَمَنْ يُعَارِضُهُ؟ يَعْمَلُ مَا يَشَاءُ. يُنَفِّذُ مَا قَضَى بِهِ عَلَيَّ، وَعِنْدَهُ خِطَطٌ أُخْرَى كَثِيرَةٌ. لِهَذَا أَرْتَعِبُ فِي مَحْضَرِهِ، أُفَكِّرُ فِي هَذَا فَأَخَافُ مِنْهُ. أَضْعَفَ اللهُ قَلْبِي، الْقَدِيرُ يُرْعِبُنِي. الظَّلَامُ حَوْلِي، السَّوَادُ غَطَّى وَجْهِي، وَمَعَ ذَلِكَ لَا أَسْكُتُ. ”الْقَدِيرُ يَعْرِفُ تَارِيخَ يَوْمِ الدِّينِ، فَلِمَاذَا لَا يُخْبِرُ بِهِ الَّذِينَ يَتَّقُونَهُ؟ يَنْقُلُ الْأَشْرَارُ الْحُدُودَ، يَسْرِقُونَ قَطِيعًا وَيَرْعَوْنَهُ. يَسُوقُونَ حِمَارَ الْيَتِيمِ، وَيَأْخُذُونَ ثَوْرَ الْأَرْمَلَةِ كَرَهْنٍ. يَطْرُدُونَ الْفُقَرَاءَ مِنَ الطَّرِيقِ، فَيَخْتَبِئُ مِنْهُمْ كُلُّ مَسَاكِينِ الْأَرْضِ. ”الْمَسَاكِينُ كَحِمَارِ الْوَحْشِ فِي الصَّحْرَاءِ، يَشْتَغِلُونَ وَيَتْعَبُونَ مِنْ أَجْلِ الطَّعَامِ، فَيُعْطِيهِمِ الْقَفْرُ خُبْزًا لِأَوْلَادِهِمْ. يَجْمَعُونَ طَعَامًا مِنَ الْحَقْلِ، وَيَقْطِفُونَ مَا تَرَكَهُ الشِّرِّيرُ فِي كَرْمِهِ. يَبِيتُونَ عُرَاةً بِلَا مَلَابِسَ، وَبِلَا غِطَاءٍ يَحْفَظُهُمْ مِنَ الْبَرْدِ. يُبَلِّلُهُمْ مَطَرُ الْجِبَالِ، وَلِعَدَمِ الْمَأْوَى يَحْضِنُونَ الصَّخْرَ. ”الْأَشْرَارُ يَخْطِفُونَ الْيَتِيمَ عَنِ الثَّدْيِ، وَيَأْخُذُونَ رَهْنًا مِنَ الْمَسَاكِينِ. فَيَذْهَبُ الْمَسَاكِينُ عُرَاةً بِلَا مَلَابِسَ، وَجَائِعِينَ مَعَ أَنَّهُمْ يَحْمِلُونَ حُزَمًا. يَعْصِرُونَ الزَّيْتَ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، وَيَعْصِرُونَ الْخَمْرَ وَيَظَلُّونَ عَطْشَانِينَ. يَئِنُّونَ فِي الْمَدِينَةِ كَأَنَّهُمْ عَلَى وَشْكِ الْمَوْتِ، يَسْتَغِيثُونَ كَأَنَّهُمْ جَرْحَى، لَكِنَّ اللهَ لَا يَنْتَبِهُ لِدُعَائِهِمْ. ”هُنَاكَ مَنْ يُحَارِبُونَ النُّورَ، لَا يَعْرِفُونَ طُرُقَ اللهِ، وَلَا يَسْتَمِرُّونَ فِي سُبُلِهِ. فَحِينَ يَذْهَبُ نُورُ النَّهَارِ، يَقُومُ الْقَاتِلُ وَيَقْتُلُ الْمِسْكِينَ وَالْفَقِيرَ، يَتَسَلَّلُ فِي اللَّيْلِ كَلِصٍّ. يَنْتَظِرُ الزَّانِي حُلُولَ الْعَتْمَةِ، يَظُنُّ أَنَّ لَا أَحَدَ يَرَاهُ، وَيَضَعُ غِطَاءً عَلَى وَجْهِهِ. وَفِي الظَّلَامِ يَنْقُبُ اللِّصُّ الْبُيُوتَ. فِي النَّهَارِ يُغْلِقُ عَلَى نَفْسِهِ، لَا يُرِيدُ أَنْ يَعْرِفَ النُّورَ. فَبِالنِّسْبَةِ لَهُمْ جَمِيعًا، الظَّلَامُ الشَّدِيدُ هُوَ كَالصُّبْحِ! تَعَوَّدُوا عَلَى أَهْوَالِ السَّوَادِ. وَمَعَ ذَلِكَ هُمْ فُقَّاعَةٌ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، مَلْعُونٌ نَصِيبُهُمْ فِي الْأَرْضِ. وَلَا وَاحِدٌ يَذْهَبُ إِلَى كَرْمِهِمْ. دَارُ الْأَمْوَاتِ تَبْلَعُ الْخُطَاةَ، كَمَا يَبْلَعُ الْحَرُّ وَالْجَفَافُ الْمَاءَ الْمُنْصَهِرَ مِنَ الثَّلْجِ. الشِّرِّيرُ تَنْسَاهُ أُمُّهُ، يَحْلُو طَعْمُهُ لِلدُّودِ، لَا يُذْكَرُ فِيمَا بَعْدُ، يُحَطَّمُ كَعَصًا. يُسِيءُ إِلَى الْعَاقِرِ الَّتِي لَمْ تَلِدْ، وَلَا يَشْفِقُ عَلَى الْأَرْمَلَةِ. ”لَكِنَّ اللهَ بِقُدْرَتِهِ يُزِيلُ الْأَقْوِيَاءَ، يَقُومُ عَلَيْهِمْ فَلَا يَأْمَنُونَ عَلَى حَيَاتِهِمْ. قَدْ يُعْطِيهِمْ بَعْضَ الِاطْمِئْنَانِ وَالرَّاحَةِ، وَلَكِنَّهُ يُرَاقِبُ طُرُقَهُمْ. يَرْتَفِعُونَ إِلَى حِينٍ ثُمَّ يَنْتَهُونَ، يَمُوتُونَ وَكَالْآخَرِينَ يُدْفَنُونَ، وَكَرَأْسِ السُّنْبُلَةِ يُقْطَعُونَ. هَذَا هُوَ الْوَاقِعُ، وَإِلَّا مَنْ مِنْكُمْ يَقْدِرُ أَنْ يُكَذِّبَنِي وَيُثْبِتَ أَنَّ كَلَامِي تَافِهٌ؟“ فَقَالَ بِلْدَدُ الشُّوحِيُّ: ”اللهُ هُوَ صَاحِبُ السُّلْطَانِ وَالْهَيْبَةِ، هُوَ صَانِعُ السَّلَامِ فِي أَعَالِيهِ. لَا أَحَدَ يَقْدِرُ أَنْ يَعُدَّ جُيُوشَهُ! عَلَى الْكُلِّ يُشْرِقُ نُورُهُ. فَكَيْفَ يَصِيرُ الْإِنْسَانُ صَالِحًا عِنْدَ اللهِ؟ وَكَيْفَ يَصِيرُ مَوْلُودُ الْمَرْأَةِ طَاهِرًا؟ إِنْ كَانَ فِي نَظَرِهِ الْقَمَرُ غَيْرَ مُنِيرٍ، وَالنُّجُومُ غَيْرَ صَافِيَةٍ، فَمَا مَوْقِفُ الْإِنْسَانِ وَهُوَ رِمَّةٌ! وَابْنُ آدَمَ وَهُوَ دُودَةٌ!“ فَأَجَابَ أَيُّوبُ: ”يُعْجِبُنِي فِيكَ أَنَّكَ مُعِينٌ لِلْعَاجِزِ، وَنَاصِرٌ لِلْمَغْلُوبِ! نَصَحْتَ الْجَاهِلَ، وَأَظْهَرْتَ فَهْمًا عَظِيمًا! يَا تُرَى مَنْ سَاعَدَكَ لِتَقُولَ هَذَا الْكَلَامَ؟ وَمَنْ أَوْحَى إِلَيْكَ بِهَذِهِ الْأَفْكَارِ؟ ”يَرْتَعِبُ الْأَمْوَاتُ، الَّذِينَ تَحْتَ الْأَرْضِ وَالَّذِينَ فِي الْمِيَاهِ. الْكُلُّ مَكْشُوفٌ للهِ فِي دَارِ الْأَمْوَاتِ، مَكَانُ الْهَلَاكِ هُوَ بِلَا غِطَاءٍ أَمَامَهُ. هُوَ الَّذِي يَمُدُّ السَّمَاءَ عَلَى الْفَرَاغِ، وَيُعَلِّقُ الْأَرْضَ عَلَى لَا شَيْءٍ. يَصُرُّ الْمِيَاهَ فِي سُحُبِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَتَمَزَّقُ الْغَيْمُ مِنْ ثِقْلِ الْمِيَاهِ! يُغَطِّي وَجْهَ الْقَمَرِ، وَيَنْشُرُ عَلَيْهِ سُحُبَهُ. يَرْسُمُ الْأُفُقَ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ، حَيْثُ يَلْتَقِي النُّورُ وَالظَّلَامُ. أَعْمِدَةُ السَّمَاءِ تَتَزَعْزَعُ وَتَرْتَعِبُ مِنْ تَوْبِيخِهِ. بِقُوَّتِهِ يُهَدِّئُ الْبَحْرَ، وَبِحِكْمَتِهِ يُحَطِّمُ وَحْشَ الْبَحْرِ. بِنَفْخَتِهِ تَصْفُو السَّمَاءُ، وَيَدُهُ تَطْعَنُ الْحَيَّةَ الْهَارِبَةَ. هَذِهِ أَمْثِلَةٌ بَسِيطَةٌ لِأَعْمَالِهِ، وَمُجَرَّدُ هَمْسَةٍ خَفِيفَةٍ نَسْمَعُهَا مِنْهُ! فَمَنْ يَفْهَمُ رَعْدَ قُوَّتِهِ؟“ وَتَابَعَ أَيُّوبُ حَدِيثَهُ فَقَالَ: ”أُقْسِمُ بِاللهِ الَّذِي حَرَمَنِي مِنْ حَقِّي، وَبِالْقَدِيرِ الَّذِي أَذَاقَنِي الْمُرَّ، إِنَّهُ مَا دَامَتِ الْحَيَاةُ فِيَّ، وَنَسَمَةُ اللهِ فِي أَنْفِي، لَنْ تَنْطِقَ شَفَتَايَ بِالشَّرِّ، وَلَنْ يَلْفِظَ لِسَانِي بِالْغِشِّ. وَإِلَى أَنْ أَمُوتَ لَنْ أَعْتَرِفَ أَبَدًا أَنَّكُمْ عَلَى حَقٍّ، وَلَنْ أُنْكِرَ أَنِّي كَامِلٌ! بَلْ أُصِرُّ أَنِّي صَالِحٌ وَلَا أَتَرَاجَعُ عَنْ ذَلِكَ، وَضَمِيرِي لَا يُؤَنِّبُنِي عَلَى شَيْءٍ. لِيَكُنْ أَعْدَائِي كَالْأَشْرَارِ، وَخُصُومِي كَالظَّالِمِينَ! مَا هُوَ رَجَاءُ الْكَافِرِ عِنْدَمَا يَأْتِي الْمَوْتُ وَيَأْخُذُ اللهُ حَيَاتَهُ؟ هَلْ يَسْمَعُ اللهُ صُرَاخَهُ، عِنْدَمَا يَحِلُّ بِهِ الضِّيقُ؟ إِنَّهُ لَا يُسَرُّ بِالْقَدِيرِ، حَتَّى وَإِنْ كَانَ يَدْعُو اللهَ كُلَّ حِينٍ! ”تَعَالَوْا أُعَلِّمُكُمْ عَنْ قُوَّةِ اللهِ، وَلَا أَكْتُمُ عَنْكُمْ أَعْمَالَ الْقَدِيرِ. فَإِنْ كُنْتُمْ كُلُّكُمْ رَأَيْتُمْ هَذِهِ الْأُمُورَ، فَلِمَاذَا تَقُولُونَ كُلَّ هَذَا الْكَلَامِ التَّافِهِ؟ ”هَذَا حَظُّ الشِّرِّيرِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَنَصِيبُ الطَّاغِيَةِ الَّذِي يَنَالُهُ مِنَ الْقَدِيرِ: مَهْمَا كَثُرَ أَوْلَادُهُ فَمَصِيرُهُمُ السَّيْفُ، نَسْلُهُ لَا يَشْبَعُ خُبْزًا، يَقْتُلُ الْوَبَأُ الْبَاقِينَ مِنْهُمْ، وَلَا تَبْكِي أَرَامِلُهُمْ عَلَيْهِمْ. حَتَّى وَإِنْ جَمَعَ الْفِضَّةَ كَالتُّرَابِ، وَكَوَّمَ الْمَلَابِسَ كَالطِّينِ، فَهُوَ يُكَوِّمُ وَالصِّدِّيقُ يَلْبَسُهَا، وَفِضَّتُهُ يَرِثُهَا الصَّالِحُ. الشِّرِّيرُ يَبْنِي دَارًا كَبَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ، أَوْ كَمَظَلَّةٍ يَصْنَعُهَا حَارِسُ الْكَرْمِ. الشِّرِّيرُ يَرْقُدُ غَنِيًّا، وَيَقُومُ مُعْدَمًا. يَفْتَحُ عَيْنَيْهِ فَيَجِدُ أَنَّ ثَرْوَتَهُ زَالَتْ. تَلْحَقُ بِهِ الْأَهْوَالُ كَالسَّيْلِ، وَالْعَاصِفَةُ تَخْطِفُهُ فِي اللَّيْلِ. تَحْمِلُهُ الرِّيحُ الشَّرْقِيَّةُ فَيَذْهَبُ، لِأَنَّهَا تَجْرُفُهُ مِنْ مَكَانِهِ، وَتَنْزِلُ عَلَيْهِ بِلَا رَحْمَةٍ، وَهُوَ يُحَاوِلُ أَنْ يَهْرُبَ مِنْ شِدَّتِهَا. وَكَأَنَّهَا تُصَفِّقُ عَلَيْهِ بِيَدَيْهَا، وَتُصَفِّرُ عَلَيْهِ، وَهُوَ يُحَاوِلُ أَنْ يَهْرُبَ مِنْهَا. ”تُوجَدُ مَنَاجِمُ لِاسْتِخْرَاجِ الْفِضَّةِ، وَأَمَاكِنُ لِتَنْقِيَةِ الذَّهَبِ. وَالْحَدِيدُ يُؤْخَذُ مِنَ الْأَرْضِ، وَالنُّحَاسُ يُصْهَرُ مِنَ الْخَامِ. طَرَدُوا الظَّلَامَ لِيَبْحَثُوا عَنِ الْخَامِ فِي أَعْمَاقٍ بَعِيدَةٍ، فِي الظَّلَامِ الشَّدِيدِ. حَفَرُوا عَمِيقًا، بَعِيدًا عَنْ مَسَاكِنِ النَّاسِ، فِي أَمَاكِنَ لَا يَسِيرُ فِيهَا إِنْسَانٌ. وَبَعِيدًا عَنِ النَّاسِ يَتَدَلَّوْنَ بِالْحِبَالِ وَيَتَأَرْجَحُونَ. وَالْأَرْضُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا الْخُبْزُ، يَنْقَلِبُ بَاطِنُهَا كَمَا بِالنَّارِ! فِي حِجَارَتِهَا يَاقُوتٌ أَزْرَقُ، وَتُرَابُهَا فِيهِ ذَهَبٌ. هَذِهِ الطَّرِيقُ لَا يَعْرِفُهَا طَيْرٌ جَارِحٌ، وَلَا تَرَاهَا عَيْنُ صَقْرٍ! الْوُحُوشُ الضَّارِيَةُ لَا تَسِيرُ فِيهَا، وَالْأَسَدُ لَا يَعْبُرُ هُنَاكَ. أَمَّا الْإِنْسَانُ فَيَمُدُّ يَدَهُ إِلَى حَجَرِ الصَّوَّانِ، وَيَكْشِفُ أَسَاسَاتِ الْجِبَالِ. يَحْفِرُ مَمَرًّا فِي الصَّخْرِ، وَيَرَى الْكُنُوزَ بِعَيْنَيْهِ. يَفْحَصُ مَنَابِعَ الْأَنْهَارِ، وَيُخْرِجُ مَا هُوَ خَفِيٌّ إِلَى النُّورِ. ”وَلَكِنْ أَيْنَ تُوجَدُ الْحِكْمَةُ؟ وَأَيْنَ يَسْكُنُ الْفَهْمُ؟ الْإِنْسَانُ لَا يَعْرِفُ قِيمَتَهَا، فَهِيَ لَا تُوجَدُ بَيْنَ الْأَحْيَاءِ. أَعْمَاقُ الْأَرْضِ تَقُولُ: ’لَيْسَتْ هُنَا!‘ وَالْبَحْرُ يَقُولُ: ’لَيْسَتْ عِنْدِي!‘ الْحِكْمَةُ لَا تُشْتَرَى بِذَهَبٍ خَالِصٍ، وَثَمَنُهَا لَا يُقَدَّرُ بِفِضَّةٍ. لَا تُشْتَرَى بِذَهَبٍ جَيِّدٍ، وَلَا بِجَزْعٍ كَرِيمٍ، وَلَا بِيَاقُوتٍ أَزْرَقَ. لَا يُعَادِلُهَا ذَهَبٌ وَلَا بِلَّوْرٌ، وَلَا تُسْتَبْدَلُ بِمُجَوْهَرَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ. هِيَ أَغْلَى مِنَ الْمَرْجَانِ وَالْمَاسِ وَاللَّآلِئِ، بَلْ هَذِهِ لَا تَسْتَحِقُّ أَنْ تُذْكَرَ بِالْمُقَارَنَةِ مَعَ الْحِكْمَةِ. الْيَاقُوتُ الْأَصْفَرُ لَا يُعَادِلُهَا، الْحِكْمَةُ لَا تُشْتَرَى بِذَهَبٍ نَقِيٍّ. ”إِذَنْ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي الْحِكْمَةُ؟ وَأَيْنَ يَسْكُنُ الْفَهْمُ؟ إِنَّهَا أُخْفِيَتْ عَنْ عُيُونِ الْأَحْيَاءِ، وَسُتِرَتْ عَنْ طُيُورِ السَّمَاءِ. الْهَلَاكُ وَالْمَوْتُ يَقُولَانِ: ’بَلَغَنَا فَقَطْ أَخْبَارٌ عَنْهَا.‘ إِنَّمَا اللهُ وَحْدَهُ يَفْهَمُ الطَّرِيقَ إِلَيْهَا، هُوَ وَحْدَهُ يَعْرِفُ أَيْنَ تَسْكُنُ. لِأَنَّهُ يَرَى آخِرَ الْأَرْضِ، وَيُلَاحِظُ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ السَّمَاوَاتِ. لَمَّا أَعْطَى الرِّيحَ قُوَّتَهَا، وَكَالَ الْمِيَاهَ بِمِكْيَالٍ. وَجَعَلَ لِلْمَطَرِ نِظَامًا، وَرَسَمَ لِلرَّعْدِ طَرِيقًا. بَعْدَ ذَلِكَ نَظَرَ إِلَى الْحِكْمَةِ وَقَدَّرَ قِيمَتَهَا، وَأَقَامَهَا وَاخْتَبَرَهَا. ثُمَّ قَالَ لِلْإِنْسَانِ: ’مَخَافَةُ اللهِ هِيَ الْحِكْمَةُ، وَالِابْتِعَادُ عَنِ الشَّرِّ هُوَ الْفَهْمُ.‘“ وَتَابَعَ أَيُّوبُ حَدِيثَهُ فَقَالَ: ”كَمْ أَشْتَاقُ أَنْ يَعُودَ الْمَاضِي، وَتَرْجِعَ الْأَيَّامُ الَّتِي كَانَ اللهُ فِيهَا يَحْرُسُنِي! لَمَّا أَنَارَ مِصْبَاحُهُ طَرِيقِي، فَسِرْتُ فِي الظَّلَامِ عَلَى هُدَى نُورِهِ. لَمَّا كُنْتُ فِي عِزِّ قُوَّتِي، وَكَانَ اللهُ صَدِيقِيَ الْحَمِيمَ الَّذِي بَارَكَ دَارِي. لَمَّا كَانَ الْقَدِيرُ مَا زَالَ مَعِي، وَأَوْلَادِي حَوْلِي. لَمَّا كُنْتُ أَغْسِلُ قَدَمَيَّ بِاللَّبَنِ، وَكَانَ الصَّخْرُ يَفِيضُ لِي أَنْهَارَ زَيْتٍ. ”كَمْ أَشْتَاقُ أَنْ تَرْجِعَ الْأَيَّامُ الَّتِي كُنْتُ فِيهَا أَخْرُجُ إِلَى بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ، لِأَجْلِسَ فِي مَقْعَدِي فِي السَّاحَةِ. فَيَرَانِي الشُّبَّانُ وَيُفْسِحُونَ لِيَ الطَّرِيقَ، وَالشُّيُوخُ فَيَقُومُونَ احْتِرَامًا. وَالرُّؤَسَاءُ فَيَمْتَنِعُونَ عَنِ الْكَلَامِ، وَيَضَعُونَ يَدَهُمْ عَلَى فَمِهِمْ. وَالْأُمَرَاءُ فَيَسْكُتُونَ، وَلِسَانُهُمْ يَلْصَقُ بِفَمِهِمْ. كُلُّ مَنْ سَمِعَنِي كَانَ يَمْدَحُنِي، وَكُلُّ مَنْ رَآنِي كَانَ يُثْنِي عَلَيَّ. لِأَنِّي أَنْقَذْتُ الْمِسْكِينَ الَّذِي اسْتَغَاثَ، وَالْيَتِيمَ الَّذِي لَا مُعِينَ لَهُ. مَنْ كَانَ عَلَى وَشْكِ الْمَوْتِ بَارَكَنِي، وَفَرَّحْتُ قَلْبَ الْأَرْمَلَةِ. لَبِسْتُ الصَّلَاحَ رِدَاءً لِي، وَكَانَ الْعَدْلُ جُبَّتِي وَعِمَامَتِي. كُنْتُ عَيْنًا لِلْأَعْمَى وَرِجْلًا لِلْأَعْرَجِ. كُنْتُ أَبًا لِلْفَقِيرِ، وَدَافَعْتُ عَنْ حَقِّ الْغَرِيبِ. كَسَّرْتُ أَنْيَابَ الظَّالِمِ، وَمِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ نَزَعْتُ الْفَرِيسَةَ. ”فَكُنْتُ أَظُنُّ أَنِّي سَأَمُوتُ فِي عُشِّي بَعْدَ عُمْرٍ طَوِيلٍ كَعُمْرِ حَبَّاتِ الرَّمْلِ، وَأَنَّ جُذُورِي تَمْتَدُّ إِلَى الْمِيَاهِ، وَأَنَّ النَّدَى يَبْقَى طُولَ اللَّيْلِ عَلَى فُرُوعِي. وَأَنَّ كَرَامَتِي تَزِيدُ دَائِمًا، وَقُوَّتِي تَتَجَدَّدُ. ”كَانَ النَّاسُ يَسْتَمِعُونَ لِي بِشَوْقٍ، وَيُصْغُونَ إِلَى مَشُورَتِي فِي صَمْتٍ. لَمْ يُضِيفُوا شَيْئًا إِلَى كَلَامِي، وَحَدِيثِي نَزَلَ بِرِقَّةٍ عَلَى آذَانِهِمْ. اِنْتَظَرُونِي كَأَنِّي الْمَطَرُ، وَقَبِلُوا كَلَامِي كَأَنَّهُ مَطَرُ الرَّبِيعِ. اِبْتَسَمْتُ لَهُمْ، لَمَّا كَانُوا فِي شَكٍّ. أَنَارَ وَجْهِي عَلَيْهِمْ، فَرَاحَ غَمُّهُمْ. كُنْتُ قَائِدَهُمْ وَرَئِيسَهُمْ، فَكُنْتُ بَيْنَهُمْ كَمَلِكٍ يَقُودُ جُيُوشَهُ، وَيُعَزِّي الْحَزَانَى فِيهِمْ. ”أَمَّا الْآنَ فَيَهْزَأُ بِي شُبَّانٌ أَصْغَرُ مِنِّي، كُنْتُ أَرْفُضُ أَنْ أَضَعَ آبَاءَهُمْ مَعَ كِلَابِ غَنَمِي! وَهَلْ كَانَتْ تَنْفَعُنِي قُوَّتُهُمْ، بَعْدَمَا أَصَابَهُمْ مِنْ عَجْزٍ؟ أَضْعَفَهُمُ الْفَقْرُ وَالْجُوعُ، فَكَانُوا تَائِهِينَ فِي قَفْرٍ وَخَرَائِبَ مَهْجُورَةٍ فِي اللَّيْلِ. كَانُوا يَجْمَعُونَ الْخُبَّيْزَةَ وَالْعُلَّيْقَ، وَيَأْكُلُونَ جُذُورَ النَّبَاتَاتِ! طَرَدَهُمُ النَّاسُ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَصَاحُوا عَلَيْهِمْ كَأَنَّهُمْ لُصُوصٌ. فَسَكَنُوا فِي الْوِدْيَانِ الْيَابِسَةِ، وَفِي الْمَغَارَاتِ، وَبَيْنَ الصُّخُورِ. نَهَقُوا كَالْحَمِيرِ بَيْنَ الْعُلَّيْقِ، وَرَبَضُوا تَحْتَ الشَّوْكِ. هُمْ أَدْنِيَاءُ بِلَا اسْمٍ، طُرِدُوا مِنَ الْبِلَادِ. ”أَمَّا الْآنَ فَيَسْخَرُونَ مِنِّي فِي أَغَانِيهِمْ، وَيَضْرِبُونَ بِيَ الْمَثَلَ. يَكْرَهُونِي وَيَبْتَعِدُونَ عَنِّي، وَيَتَجَرَّأُونَ أَنْ يَبْصُقُوا فِي وَجْهِي. وَلِأَنَّ اللهَ أَضْعَفَنِي وَأَذَلَّنِي، لَا يَهُمُّهُمْ مَا يَعْمَلُونَ فِي مَحْضَرِي. جَاءَ عَلَيَّ الرَّعَاعُ مِنَ الْيَمِينِ، نَصَبُوا فَخًّا لِقَدَمِي، وَاسْتَعَدُّوا لِلْهُجُومِ عَلَيَّ. سَدُّوا عَلَيَّ الطَّرِيقَ، تَعَاوَنُوا عَلَى هَلَاكِي، وَأَنَا لَا مُعِينَ لِي. جَاءُوا عَلَيَّ كَمَا مِنْ فَجْوَةٍ وَاسِعَةٍ، اِنْدَفَعُوا بَيْنَ الْخَرَائِبِ. حَلَّ بِي خَوْفٌ شَدِيدٌ، فِي مَهَبِّ الرِّيحِ رَاحَتْ كَرَامَتِي، وَكَسَحَابَةٍ تَلَاشَتْ سَعَادَتِي. ”وَالْآنَ حَيَاتِي تُوشِكُ أَنْ تَنْتَهِيَ، أَيَّامُ الشَّقَاءِ جَاءَتْ عَلَيَّ. فِي اللَّيْلِ عِظَامِي تُوجِعُنِي، وَالْآلَامُ الْفَظِيعَةُ لَا تَتْرُكُنِي. اللهُ بِقُوَّتِهِ الشَّدِيدَةِ أَمْسَكَنِي مِنْ ثِيَابِي، أَخَذَ يَخْنُقُنِي مِنْ رَقَبَةِ رِدَائِي، رَمَانِي فِي الْوَحْلِ، أَصْبَحْتُ كَالتُّرَابِ وَالرَّمَادِ. ”اللَّهُمَّ أَصْرُخُ إِلَيْكَ، فَلَا تَسْتَجِيبُ لِي! أَقِفُ مُتَضَرِّعًا، فَلَا تَنْتَبِهُ لِي! أَصْبَحْتَ قَاسِيًا عَلَيَّ لَا تَرْحَمُ، وَبِيَدِكَ الشَّدِيدَةِ تَهْجُمُ. خَطَفْتَنِي وَرَمَيْتَنِي لِلرِّيحِ، قَذَفْتَنِي لِلْعَاصِفَةِ. أَنَا عَارِفٌ أَنَّكَ إِلَى الْمَوْتِ تَسُوقُنِي، إِلَى الدَّارِ الَّتِي يَرُوحُ إِلَيْهَا كُلُّ حَيٍّ. لَكِنْ أَلَيْسَ مِنْ حَقِّ مَنْ سَقَطَ أَنْ يَمُدَّ يَدَهُ، وَأَنْ يَسْتَغِيثَ فِي مُصِيبَتِهِ؟ ”أَنَا بَكَيْتُ لِمَنْ أَصَابَهُ ضِيقٌ، وَأَشْفَقْتُ عَلَى الْمِسْكِينِ. وَلَكِنِّي انْتَظَرْتُ الْخَيْرَ فَجَاءَ الشَّرُّ، اِنْتَظَرْتُ النُّورَ فَجَاءَ الظَّلَامُ. أَحْشَائِي تَغْلِي وَلَا تَهْدَأُ، أَيَّامُ الشَّقَاءِ جَاءَتْ تُوَاجِهُنِي. سَوَّدَنِي الذُّلُّ لَا الشَّمْسُ، أَقِفُ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ وَأَصْرُخُ. أَنَا أَخُو الذِّئَابِ، وَصَدِيقُ الْبُومِ! اِسْوَدَّ جِلْدِي وَتَقَشَّرَ، وَاحْتَرَقَتْ عِظَامِي مِنَ الْحُمَّى. عُودِي يَعْزِفُ أَنْغَامًا حَزِينَةً، وَمِزْمَارِي يُرَافِقُ صَوْتَ الْبَاكِينَ. ”عَمِلْتُ مَعَ عَيْنَيَّ عَهْدًا، أَنْ لَا أَنْظُرَ لِبِنْتٍ بِشَهْوَةٍ. لِأَنَّهُ مَا هُوَ نَصِيبُ الْإِنْسَانِ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَحَظُّهُ مِنَ الْعَلِيِّ الْقَدِيرِ؟ نَصِيبُ الشِّرِّيرِ هُوَ الْخَرَابُ، وَحَظُّ عُمَّالِ السُّوءِ هُوَ الْهَلَاكُ. اللهُ يَرَى طُرُقِي، وَيَعُدُّ كُلَّ خَطَوَاتِي. ”هَلْ سَلَكْتُ فِي الضَّلَالِ؟ أَوْ أَسْرَعَتْ قَدَمِي إِلَى الْغِشِّ؟ لَيْتَ اللهَ يَضَعُنِي فِي مِيزَانِ الْحَقِّ، فَيَعْرِفَ أَنِّي كَامِلٌ! لَوْ كُنْتُ انْحَرَفْتُ عَنِ الْحَقِّ، وَضَلَّ قَلْبِي وَرَاءَ عَيْنَيَّ لِعَمَلِ الشَّرِّ، أَوْ تَوَسَّخَتْ يَدَايَ بِالْعَيْبِ، فَجَزَاءُ هَذَا هُوَ أَنِّي أَزْرَعُ وَغَيْرِي يَأْكُلُ، وَمَحَاصِيلِي تُقْلَعُ. ”لَوْ شُغِفَ قَلْبِي بِامْرَأَةِ غَيْرِي، أَوْ كَمَنْتُ بِالْقُرْبِ مِنْ بَابِهِ، فَجَزَاءُ هَذَا هُوَ أَنَّ امْرَأَتِي تَطْحَنُ الْقَمْحَ لِغَيْرِي، وَيَرْقُدُ مَعَهَا آخَرُونَ. لِأَنَّ مَا عَمِلْتُهُ هُوَ رَذِيلَةٌ، بَلْ شَرٌّ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ، وَأَكُونُ قَدْ أَشْعَلْتُ نَارًا تُحْرِقُنِي وَتُهْلِكُنِي، وَتَقْضِي عَلَى كُلِّ غَلَّاتِي. ”لَوْ كُنْتُ حَرَمْتُ عَبْدِي وَجَارِيَتِي مِنْ حَقِّهِمَا، حِينَ كَانَتْ لَهُمَا شَكْوَى ضِدِّي، فَمَاذَا أَعْمَلُ عِنْدَمَا أُوَاجِهُ اللهَ؟ وَكَيْفَ أَرُدُّ عَلَيْهِ عِنْدَمَا يُحَاسِبُنِي؟ فَالَّذِي صَنَعَنِي فِي بَطْنِ أُمِّي، هُوَ نَفْسُهُ صَنَعَهُمَا أَيْضًا، وَهُوَ نَفْسُهُ الَّذِي صَوَّرَنَا كُلَّنَا. ”لَمْ أَحْرِمْ مِسْكِينًا مِنْ رَغْبَتِهِ، وَلَمْ أُسَبِّبِ الْبُكَاءَ وَالدُّمُوعَ لِأَرْمَلَةٍ. لَمْ آكُلْ لُقْمَتِي وَحْدِي، بَلْ أَعْطَيْتُ الْيَتِيمَ مِنْهَا لِيَأْكُلَ مَعِي. وَمُنْذُ صِغَرِهِ رَبَّيْتُهُ كَأَنِّي أَبُوهُ، وَمُنْذُ وُلِدَ أَرْشَدْتُهُ. لَمَّا كُنْتُ أَرَى ذَلِيلًا عَارِيًا أَوْ مِسْكِينًا بِلَا رِدَاءٍ، كُنْتُ أُعْطِيهِ مِنْ صُوفِ غَنَمِي، فَيَدْفَأُ وَيُبَارِكُنِي مِنْ قَلْبِهِ. لَمْ أَرَفَعْ يَدِي لِأُهَدِّدَ يَتِيمًا، مَعَ كُلِّ نُفُوذِي فِي بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ. لَوْ كُنْتُ فَعَلْتُ هَذَا فَجَزَائِي هُوَ أَنْ تَنْكَسِرَ ذِرَاعِي وَتَقَعَ مِنْ مَكَانِهَا! بَلْ كُنْتُ أَخَافُ مِنِ انْتِقَامِ اللهِ، وَأَنَا لَا قُوَّةَ لِي أَمَامَ جَلَالِهِ. ”لَوْ كُنْتُ اتَّكَلْتُ عَلَى الذَّهَبِ، أَوْ ظَنَنْتُ أَنَّ الْكُنُوزَ أَمَانٌ، لَوْ كُنْتُ فَرِحْتُ بِثَرْوَتِيَ الْعَظِيمَةِ، أَوْ بِأَنِّي حَصَلْتُ عَلَى مَكَاسِبَ وَفِيرَةٍ، لَوْ كُنْتُ نَظَرْتُ إِلَى الشَّمْسِ فِي جَلَالِهَا، أَوْ إِلَى الْقَمَرِ يَسِيرُ بِبَهَاءٍ، وَضَلَّ قَلْبِي سِرًّا، وَقَبَّلْتُ يَدِي عِبَادَةً لَهُمَا، فَهَذَا أَيْضًا شَرٌّ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ، لِأَنِّي أَكُونُ قَدِ ارْتَكَبْتُ خِيَانَةً ضِدَّ اللهِ تَعَالَى. ”لَمْ أَفْرَحْ لِمُصِيبَةِ عَدُوِّي، وَلَمْ أَشْمَتْ حِينَ أَصَابَهُ سُوءٌ. بَلْ مَنَعْتُ فَمِي عَنِ الْخَطَأِ، وَلَمْ أَلْعَنْ عَدُوِّي. كَانَ أَهْلُ بَيْتِي يَقُولُونَ: ’هَلْ هُنَاكَ مَنْ لَمْ يَشْبَعْ مِنْ خَيْرِ أَيُّوبَ؟‘ حَتَّى الْغَرِيبُ لَمْ نَتْرُكْهُ يَبِيتُ فِي الشَّارِعِ، بَلْ فَتَحْتُ أَبْوَابِي لِلْمُسَافِرِ. لَمْ أَكْتُمْ كَالنَّاسِ خَطِيئَتِي، وَلَا خَبَّأْتُ فِي قَلْبِي مَعْصِيَتِي. لَمْ أَكُنْ أَخَافُ أَقَاوِيلَ النَّاسِ، وَلَمْ أَكُنْ أَخْشَى احْتِقَارَ الْأَقَارِبِ، فَلَمْ أَسْكُتْ، وَلَمْ أَقْعُدْ فِي الدَّارِ. لَيْتَ هُنَاكَ مَنْ يَسْمَعُنِي! هَذَا هُوَ إِمْضَائِي عَلَى دِفَاعِي، فَلَعَلَّ الْقَدِيرَ يَرُدُّ عَلَيَّ! وَلَيْتَ خَصْمِي يُقَدِّمُ شَكْوَاهُ مَكْتُوبَةً! فَكُنْتُ أَحْمِلُهَا عَلَى كَتِفِي، وَأَلْبَسُهَا تَاجًا لِي. وَكُنْتُ أُقَدِّمُ لَهُ حِسَابًا عَنْ كُلِّ خَطَوَاتِي، وَأَقْتَرِبُ مِنْهُ كَأَنِّي أَمِيرٌ. ”لَوْ كَانَتْ أَرْضِيَ احْتَجَّتْ عَلَيَّ، وَبَكَتْ صُفُوفُ زَرْعِهَا بِالدُّمُوعِ ضِدِّي، لِأَنِّي أَكَلْتُ غَلَّتَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ أَدْفَعَ الثَّمَنَ، أَوْ لِأَنِّي أَسَأْتُ إِلَى عُمَّالِهَا، فَجَزَاءُ هَذَا هُوَ أَنْ يَطْلَعَ شَوْكٌ بَدَلَ الْقَمْحِ، وَزَوَانٌ بَدَلَ الشَّعِيرِ.“ تَمَّتْ أَقُوالُ أَيُّوبَ. فَكَفَّ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ الـ3 عَنْ جِدَالِهِمْ مَعَ أَيُّوبَ، لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ نَفْسَهُ صَالِحًا. فَغَضِبَ أَلِيهُو بْنُ بَرَكِيلَ الْبُوزِيُّ مِنْ عَائِلَةِ رَامَ. غَضِبَ عَلَى أَيُّوبَ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ نَفْسَهُ عَلَى حَقٍّ دُونَ اللهِ! وَغَضِبَ أَيْضًا عَلَى أَصْحَابِ أَيُّوبَ الـ3، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَرُدُّوا عَلَى أَيُّوبَ مَعَ أَنَّهُمْ حَكَمُوا بِأَنَّهُ مُذْنِبٌ. وَكَانَ أَلِيهُو قَدْ صَبِرَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ مَعَ أَيُّوبَ، لِأَنَّهُمْ أَكْبَرُ سِنًّا مِنْهُ. وَلَكِنَّهُ غَضِبَ لَمَّا رَأَى أَنَّ الرِّجَالَ الـ3 فَشِلُوا فِي الرَّدِّ. فَقَالَ أَلِيهُو بْنُ بَرَكِيلَ الْبُوزِيُّ: ”أَنَا صَغِيرُ السِّنِّ وَأَنْتُمْ شُيُوخٌ، لِذَلِكَ خِفْتُ وَلَمْ أَجْرُؤْ أَنْ أُعَبِّرَ لَكُمْ عَنْ رَأْيِي. قُلْتُ أَتْرُكُ كِبَارَ السِّنِّ يَتَكَلَّمُونَ، وَالَّذِينَ طَالَ عُمْرُهُمْ يُعَلِّمُونَا الْحِكْمَةَ. وَلَكِنَّ الْحَقِيقَةَ هِيَ أَنَّ الَّذِي يَمْنَحُ الْفَهْمَ هُوَ الرُّوحُ الَّذِي فِي الْإِنْسَانِ، أَيْ نَسَمَةُ الْقَدِيرِ. إِذَنْ لَيْسَ كِبَارُ السِّنِّ وَحْدَهُمْ هُمُ الْحُكَمَاءُ، وَلَا الشُّيُوخُ فَقَطْ هُمُ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ الْحَقَّ. لِذَلِكَ أَرْجُو أَنْ تَسْمَعُونِي، فَأُعَبِّرُ أَنَا أَيْضًا عَنْ رَأْيِي. فَإِنِّي صَبِرْتُ حَتَّى تَتَكَلَّمُوا، أَصْغَيْتُ إِلَى حُجَجِكُمْ، وَأَنْتُمْ تَبْحَثُونَ عَنِ الْكَلِمَاتِ. اِنْتَبَهْتُ إِلَيْكُمْ جَيِّدًا، وَلَكِنْ وَلَا وَاحِدٌ مِنْكُمْ أَفْحَمَ أَيُّوبَ، وَلَا وَاحِدٌ مِنْكُمْ رَدَّ عَلَى كَلَامِهِ! فَمِنْ فَضْلِكُمْ، لَا تَقُولُوا لِي إِنَّهُ مِنْ حِكْمَتِكُمْ سَتَتْرُكُونَ اللهَ يَغْلِبُهُ لَا أَنْتُمْ. فَهُوَ لَمْ يُوَجِّهْ حَدِيثَهُ ضِدِّي، وَأَنَا لَنْ أَرُدَّ عَلَيْهِ بِمِثْلِ كَلَامِكُمْ. ”إِنَّهُمُ انْهَزَمُوا يَا أَيُّوبُ وَلَمْ يَرُدُّوا، ضَاعَ الْكَلَامُ مِنْهُمْ! فَهَلْ أَنْتَظِرُ لِأَنَّهُمْ سَكَتُوا، وَلِأَنَّهُمْ تَوَقَّفُوا عَنِ الرَّدِّ؟ لَا، بَلْ أَنَا أَيْضًا أَتَكَلَّمُ، وَأَنَا أَيْضًا أُعَبِّرُ عَنْ رَأْيِي. لِأَنَّ عِنْدِي كَلَامًا كَثِيرًا، وَرُوحِي فِي دَاخِلِي تَجْبُرُنِي أَنْ أَتَكَلَّمَ. أَنَا مِنَ الدَّاخِلِ كَأَنِّي وِعَاءُ خَمْرٍ، كَأَنِّي قِرْبَةٌ جَدِيدَةٌ عَلَى وَشْكِ أَنْ تَنْفَجِرَ! لِذَلِكَ أَتَكَلَّمُ لِأُفَرِّجَ عَنْ نَفْسِي، أَفْتَحُ شَفَتَيَّ وَأَرُدُّ. لَا أَتَحَيَّزُ لِبَشَرٍ، وَلَا أَتَمَلَّقُ إِنْسَانًا. فَأَنَا لَا أَعْرِفُ التَّمَلُّقَ، وَلَوْ تَمَلَّقْتُ يَقْضِي عَلَيَّ صَانِعِي. ”فَالْآنَ اسْمَعْ كَلَامِي يَا أَيُّوبُ، وَانْتَبِهْ إِلَى كُلِّ مَا أَقُولُهُ. أَنَا أَفْتَحُ فَمِي، فَيَنْطَلِقُ لِسَانِي بِالْحَدِيثِ. كَلَامِي يَخْرُجُ مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ، وَأَتَحَدَّثُ بِإِخْلَاصٍ عَمَّا أَعْرِفُهُ. رُوحُ اللهِ صَنَعَنِي، وَنَسَمَةُ الْقَدِيرِ أَحْيَتْنِي. رُدَّ عَلَيَّ يَا أَيُّوبُ إِنْ كُنْتَ تَقْدِرُ، اِسْتَعِدَّ وَدَافِعْ عَنْ نَفْسِكَ أَمَامِي. فَأَنَا مِثْلُكَ عِنْدَ اللهِ، وَأَنَا أَيْضًا مِنَ الطِّينِ صُنِعْتُ. إِذَنْ لَا تَخَفْ مِنِّي، فَلَنْ أَكُونَ صَعْبًا عَلَيْكَ. ”أَنَا سَمِعْتُ أَقْوَالَكَ، وَانْتَبَهْتُ لِكَلَامِكَ. أَنْتَ قُلْتَ: ’أَنَا بَرِيءٌ وَبِلَا ذَنْبٍ، وَطَاهِرٌ وَبِلَا شَرٍّ. وَلَكِنَّ اللهَ يُلَاحِقُنِي لِيَجِدَ فِيَّ عَيْبًا. يَعْتَبِرُنِي عَدُوًّا لَهُ. وَضَعَ رِجْلَيَّ فِي قُيُودٍ، وَرَاقَبَ كُلَّ خَطَوَاتِي.‘ ”أَنْتَ لَسْتَ عَلَى حَقٍّ فِي هَذَا الْكَلَامِ يَا أَيُّوبُ، لِأَنَّ اللهَ أَعْظَمُ مِنَ الْإِنْسَانِ. لِمَاذَا تَتَّهِمُهُ بِأَنَّهُ لَا يَرُدُّ عَلَى أَحَدٍ؟ بَلْ إِنَّ اللهَ يَتَكَلَّمُ بِطَرِيقَةٍ أَوْ بِأُخْرَى، حَتَّى وَإِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ لَا يُلَاحِظُ. فَيَتَكَلَّمُ فِي حُلْمٍ مَثَلًا، أَوْ فِي رُؤْيَا فِي اللَّيْلِ، عِنْدَمَا يَكُونُ الْوَاحِدُ نَائِمًا فِي فِرَاشِهِ. يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي آذَانِهِمْ، وَيُنْذِرُهُمْ وَيُرْعِبُهُمْ لِيُبْعِدَ الْإِنْسَانَ عَنِ الشَّرِّ، وَيَحْفَظَهُ مِنَ الْكِبْرِيَاءِ. لِيُنْقِذَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَمِنَ الْهَلَاكِ بِالسَّيْفِ. ”أَوْ رُبَّمَا يُؤَدِّبُ بِالْوَجَعِ، أَوِ الْمَرَضِ فِي الْفِرَاشِ، أَوِ الْأَلَمِ الْمُسْتَمِرِّ فِي الْعِظَامِ. فَيَكْرَهُ الْوَاحِدُ الطَّعَامَ، وَأَشْهَى الْمَأْكُولَاتِ. حَتَّى يَبْلَى لَحْمُهُ وَيَخْتَفِيَ، وَتَظْهَرَ عِظَامُهُ الَّتِي كَانَتْ لَا تُرَى. وَيَقْتَرِبَ مِنَ الْقَبْرِ، وَمِنْ رُسُلِ الْمَوْتِ. وَلَكِنْ إِنْ وَجَدَ لَهُ مَلَاكًا يَشْفَعُ فِيهِ، وَاحِدًا مِنْ 1000، لِيُخْبِرَ الْإِنْسَانَ بِمَا هُوَ صَالِحٌ لَهُ، وَيَعْطِفَ عَلَيْهِ وَيَقُولَ: ’مِنْ فَضْلِكَ أَنْقِذْهُ مِنَ الْمَوْتِ، لِأَنِّي وَجَدْتُ لَهُ فِدْيَةً.‘ يَصِيرُ جِسْمُهُ كَصَبِيٍّ، وَيَعُودُ إِلَى أَيَّامِ شَبَابِهِ. يَدْعُو اللهَ فَيَرْضَى عَنْهُ، يَرَى وَجْهَ اللهِ وَيَهْتِفُ فَرَحًا، وَيَرُدُّهُ اللهُ إِلَى الصَّلَاحِ. فَيُعْلِنُ لِلنَّاسِ وَيَقُولُ: ’أَخْطَأْتُ وَحَرَّفْتُ الْحَقَّ، وَلَمْ أُعَاقَبْ عَلَى ذَلِكَ. فَدَانِي اللهُ مِنَ الِانْحِدَارِ إِلَى الْمَوْتِ، أَشْرَقَتِ الْحَيَاةُ لِي.‘ ”كُلُّ هَذَا يَعْمَلُهُ اللهُ مَرَّتَيْنِ وَ3 مَرَّاتٍ مَعَ الْإِنْسَانِ، لِكَيْ لَا يَمُوتَ عِقَابًا عَلَى ذُنُوبِهِ، بَلْ يُشْرِقَ عَلَيْهِ نُورُ الْحَيَاةِ. إِذَنِ انْتَبِهْ يَا أَيُّوبُ وَاسْتَمِعْ لِي، اُسْكُتْ فَأَتَكَلَّمَ. وَإِنْ كَانَ عِنْدَكَ كَلَامٌ فَرُدَّ عَلَيَّ، تَكَلَّمْ لِأَنِّي أُرِيدُ أَنْ أُبَرِّرَكَ. وَإِلَّا فَاسْتَمِعْ أَنْتَ لِي، اُسْكُتْ فَأُعَلِّمَكَ الْحِكْمَةَ.“ ثُمَّ قَالَ أَلِيهُو: ”اِسْمَعُوا كَلَامِي أَيُّهَا الْحُكَمَاءُ، وَانْتَبِهُوا لِي يَا أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ. لِأَنَّ الْأُذُنَ تَخْتَبِرُ الْكَلَامَ، كَمَا يَذُوقُ اللِّسَانُ الطَّعَامَ. تَعَالَوْا نَبْحَثُ مَعًا عَنِ الْحَقِّ، وَنَتَبَيَّنُ مَا هُوَ طَيِّبٌ. ”لِأَنَّ أَيُّوبَ قَالَ: ’أَنَا بَرِيءٌ، لَكِنَّ اللهَ حَرَمَنِي مِنْ حَقِّي. يُكَذِّبُنِي مَعَ أَنِّي عَلَى حَقٍّ، أَصَابَنِي سَهْمُهُ بِجُرْحٍ عَدِيمِ الشِّفَاءِ مَعَ أَنِّي بِلَا ذَنْبٍ.‘ فَمَنْ فِي النَّاسِ كَأَيُّوبَ يَشْرَبُ الْهُزْءَ كَالْمَاءِ؟ يُصَاحِبُ فَاعِلِي الشَّرِّ، وَيُرَافِقُ الْفَاسِدِينَ. لِأَنَّهُ يَقُولُ: ’لَا فَائِدَةَ مِنْ إِرْضَاءِ اللهِ!‘ ”لِذَلِكَ اسْمَعُونِي يَا أَهْلَ الْفَهْمِ. مُنَزَّهٌ اللهُ عَنْ عَمَلِ الشَّرِّ، وَالْقَدِيرُ عَنِ ارْتِكَابِ الظُّلْمِ! بَلْ هُوَ يُجَازِي الْإِنْسَانَ عَلَى عَمَلِهِ، وَيُعْطِيهِ مَا يَسْتَحِقُّهُ سُلُوكُهُ. حَقًّا إِنَّ اللهَ لَا يَعْمَلُ الشَّرَّ، وَالْقَدِيرَ لَا يَجُورُ فِي الْحُكْمِ. فَمَنْ يَا تُرَى وَكَّلَهُ عَلَى الْأَرْضِ؟ أَوْ كَلَّفَهُ بِمَسْئُولِيَّةِ الْعَالَمِينَ؟ لَوْ قَرَّرَ أَنْ يَأْخُذَ رُوحَهُ وَنَسَمَتَهُ مِنَ النَّاسِ، يَمُوتُ كُلُّ الْبَشَرِ مَعًا، وَيَعُودُ الْإِنْسَانُ إِلَى التُّرَابِ. ”فَإِنْ كُنْتَ تَفْهَمُ، فَاسْمَعْ هَذَا وَانْتَبِهْ إِلَى كَلَامِي. هَلْ تَظُنُّ أَنَّ مَنْ يَكْرَهُ الْحَقَّ يَحْكُمُ؟ وَهَلْ تَلُومُ اللهَ وَهُوَ الْعَادِلُ الْقَدِيرُ؟ فَهُوَ الَّذِي يَقُولُ لِلْمُلُوكِ إِنَّهُمْ بِلَا قِيمَةٍ، وَلِلْعُظَمَاءِ إِنَّهُمْ أَشْرَارٌ! وَهُوَ لَا يَتَحَيَّزُ لِلرُّؤَسَاءِ، وَلَا يُفَضِّلُ الْأَغْنِيَاءَ عَلَى الْفُقَرَاءِ، لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ عَمَلُ يَدَيْهِ. فَجْأَةً فِي نِصْفِ اللَّيْلِ يَمُوتُونَ، بِضَرْبَةٍ يَفْنَوْنَ، يَزُولُ الْأَقْوِيَاءُ بِلَا مَجْهُودٍ مِنْهُ. ”لِأَنَّ اللهَ يُرَاقِبُ طُرُقَ النَّاسِ، وَيَرَى كُلَّ خَطَوَاتِهِمْ. لَا يُوجَدُ مَكَانٌ مَهْمَا كَانَ مُظْلِمًا أَوْ مُعْتِمًا، حَيْثُ يَقْدِرُ فَاعِلُ الشَّرِّ أَنْ يَخْتَبِئَ فِيهِ. إِنَّ اللهَ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يُعْطِيَ النَّاسَ مَوْعِدًا، لِيَأْتُوا فِيهِ أَمَامَهُ لِلْحِسَابِ. وَهُوَ يُحَطِّمُ الْأَقْوِيَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَجْوِبَهُمْ، وَيُقِيمُ آخَرِينَ مَكَانَهُمْ. فَهُوَ يَعْرِفُ أَعْمَالَهُمْ، لِذَلِكَ يَقْلِبُهُمْ فِي اللَّيْلِ فَيَنْسَحِقُونَ. يُعَاقِبُهُمْ عَلَى شَرِّهِمْ، أَمَامَ كُلِّ النَّاسِ. لِأَنَّهُمُ انْحَرَفُوا مِنْ وَرَائِهِ، وَلَمْ يَنْتَبِهُوا لِشَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ. جَعَلُوا صُرَاخَ الْمِسْكِينِ يَصِلُ إِلَيْهِ، فَسَمِعَ اسْتِغَاثَةَ الْبَائِسِ. وَلَكِنْ إِنْ سَكَتَ اللهُ فَمَنْ يَلُومُهُ عَلَى ذَلِكَ؟ وَإِنْ أَخْفَى وَجْهَهُ فَمَنْ يَرَاهُ؟ اللهُ هُوَ السُّلْطَانُ فَوْقَ الْأُمَمِ وَالْبَشَرِ عَلَى السَّوَاءِ. فَالشِّرِّيرُ لَا يَمْلِكُ، وَلَا مَنْ يُضِلُّ الشَّعْبَ! ”يَا أَيُّوبُ، أَنْتَ لَمْ تَقُلْ للهِ: ’أَنَا مُذْنِبٌ، وَلَنْ أَعُودَ إِلَى عَمَلِ الشَّرِّ. عَلِّمْنِي مَا لَا أَقْدِرُ أَنْ أَرَاهُ. إِنْ كُنْتُ قَدِ ارْتَكَبْتُ الْخَطَأَ، لَنْ أَعُودَ إِلَيْهِ.‘ بَلْ أَنْتَ تَرْفُضُ أَنْ تَتُوبَ، فَهَلْ تَنْتَظِرُ أَنْ يُكَافِئَكَ اللهُ كَمَا تُحِبُّ؟ قَرِّرْ أَنْتَ، لَا أَنَا! وَأَخْبِرْنَا بِرَدِّكَ. ”أَهْلُ الْفَهْمِ يُعْلِنُونَ هَذَا، وَالْحُكَمَاءُ الَّذِينَ يَسْمَعُونِي يَقُولُونَ لِي: ’أَيُّوبُ يَتَكَلَّمُ بِلَا مَعْرِفَةٍ! كَلَامُهُ بِلَا تَعَقُّلٍ! إِذَنْ لَيْتَ أَيُّوبَ يُمْتَحَنُ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا، لِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ كَأَهْلِ الشَّرِّ. وَأَضَافَ إِلَى خَطِيئَتِهِ مَعْصِيَةً، وَيُصَفِّقُ يَدَيْهِ بِسُخْرِيَةٍ بَيْنَنَا، وَيَقُولُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً ضِدَّ اللهِ.‘“ ثُمَّ قَالَ أَلِيهُو: ”هَلْ تَظُنُّ أَنَّهُ مِنَ الصَّوَابِ أَنْ تَعْتَبِرَ نَفْسَكَ عَلَى حَقٍّ دُونَ اللهِ؟ أَنْتَ قُلْتَ: ’مَا الْفَائِدَةُ إِنْ كُنْتُ لَا أُخْطِئُ؟ هَلْ هَذَا يَنْفَعُنِي؟‘ أَنَا سَأَرُدُّ عَلَيْكَ، وَعَلَى أَصْحَابِكَ مَعَكَ. اُنْظُرْ إِلَى السَّمَاءِ وَتَأَمَّلْ، تَطَلَّعْ فِي السُّحُبِ الْعَالِيَةِ فَوْقَكَ. إِنْ أَخْطَأْتَ فَهَلْ هَذَا يُؤَثِّرُ عَلَى اللهِ؟ وَإِنْ زَادَتْ مَعَاصِيكَ فَهَلْ هَذَا يَضُرُّهُ؟ إِنْ كُنْتَ صَالِحًا فَهَلْ يَسْتَفِيدُ مِنْكَ، أَوْ يَنَالُ شَيْئًا مِنْ يَدِكَ؟ شَرُّكَ يُؤَثِّرُ فَقَطْ عَلَى الْبَشَرِ الَّذِينَ مِثْلُكَ، وَصَلَاحُكَ يَنْفَعُ بَنِي آدَمَ وَحْدَهُمْ. ”يَصْرُخُ النَّاسُ مِنْ شِدَّةِ الظُّلْمِ، يَسْتَغِيثُونَ لِلنَّجَاةِ مِنْ قَبْضَةِ الْأَقْوِيَاءِ. وَلَكِنْ وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ يَقُولُ: ’أَيْنَ اللهُ صَانِعِي، الَّذِي يُعْطِي الْأَغَانِيَّ فِي اللَّيْلِ؟ الَّذِي جَعَلَنَا أَكْثَرَ عِلْمًا مِنْ بَهَائِمِ الْأَرْضِ، وَأَوْفَرَ حِكْمَةً مِنْ طُيُورِ السَّمَاءِ.‘ هُمْ يَصْرُخُونَ وَلَكِنَّهُ لَا يَسْتَجِيبُ، بِسَبَبِ كِبْرِيَاءِ الْأَشْرَارِ. لِأَنَّ اللهَ لَا يَسْتَمِعُ إِلَى الدُّعَاءِ الْفَارِغِ، الْقَدِيرَ لَا يَنْتَبِهُ إِلَيْهِ. فَهُوَ لَا يَسْمَعُكَ إِنْ كُنْتَ تَقُولُ إِنَّهُ لَا يَرَاكَ! يَا أَيُّوبُ، قَضِيَّتُكَ أَمَامَهُ فَاصْبِرْ. وَلَا تَقُلْ إِنَّ اللهَ لَا يَغْضَبُ وَلَا يُعَاقِبُ وَلَا يُبَالِي بِالْمَعَاصِي. إِذَنْ أَيُّوبُ يَنْطِقُ بِأَقْوَالٍ بِلَا مَعْنَى، وَبِكَلَامٍ كَثِيرٍ بِلَا مَعْرِفَةٍ.“ وَتَابَعَ أَلِيهُو حَدِيثَهُ فَقَالَ: ”اِصْبِرْ عَلَيَّ قَلِيلًا، فَأُبَيِّنَ لَكَ أَنَّ عِنْدِيَ الْمَزِيدَ مِنَ الْكَلَامِ عَنِ اللهِ. أَنَا حَصَلْتُ عَلَى مَعْرِفَتِي مِنْ بَعِيدٍ، وَسَأُبَرْهِنُ لَكَ أَنَّ صَانِعِي عَادِلٌ. أُؤَكِّدُ لَكَ أَنَّ كَلَامِي لَا كِذْبَ فِيهِ، فَمَعَكَ هُنَا وَاحِدٌ يَعْرِفُ جَيِّدًا. ”اللهُ قَدِيرٌ لَكِنَّهُ لَا يَحْتَقِرُ الْبَشَرَ، هُوَ قَدِيرٌ وَقَصْدُهُ عَظِيمٌ. لَا يَتْرُكُ الشِّرِّيرَ يَحْيَا، بَلْ يُعْطِي الْبَائِسَ حَقَّهُ. عَيْنُهُ دَائِمًا عَلَى الصَّالِحِينَ، مَعَ الْمُلُوكِ عَلَى عُرُوشٍ يُجْلِسُهُمْ، وَإِلَى الْأَبَدِ يُكْرِمُهُمْ. بَعْدَ ذَلِكَ رُبَّمَا نَرَاهُمْ مَرْبُوطِينَ بِقُيُودٍ، وَمُقَيَّدِينَ بِحِبَالٍ وَمَذْلُولِينَ. فَيُخْبِرُهُمْ بِمَا عَمِلُوهُ، وَأَنَّهُمْ أَخْطَأُوا وَتَكَبَّرُوا. وَيُكَلِّمُهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَيُنْذِرُهُمْ، وَيَأْمُرُهُمْ بِأَنْ يَتُوبُوا عَنِ الشَّرِّ. فَإِنْ سَمِعُوا وَأَطَاعُوا، يَقْضُونَ أَيَّامَهُمْ فِي خَيْرٍ، وَعُمْرَهُمْ فِي هَنَاءٍ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا، يَهْلِكُونَ بِالسَّيْفِ، وَيَمُوتُونَ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ. ”قَلْبُ الْكَفَرَةِ عَامِرٌ بِالْحِقْدِ، حَتَّى إِذَا عَاقَبَهُمُ اللهُ لَا يَسْتَغِيثُونَ. يَمُوتُونَ فِي الصِّبَا بَيْنَ الْعَاهِرِينَ الَّذِينَ يُمَارِسُونَ الشُّذُوذَ الْجِنْسِيَّ. أَمَّا الْبَائِسُ فَيُنَجِّيهِ مِنْ بُؤْسِهِ، وَيُكَلِّمُهُ فِي الضِّيقِ. ”اللهُ يُنْقِذُكَ مِنْ مَخَالِبِ الضِّيقِ، إِلَى مَكَانٍ رَحْبٍ بِلَا حُدُودٍ. وَيَمْلَأُ مَائِدَتَكَ بِالْخَيْرِ وَأَفْخَرِ الطَّعَامِ. أَمَّا الْآنَ فَأَنْتَ تَنَالُ عِقَابَ الْأَشْرَارِ، قَدْ حَلَّ بِكَ الْعِقَابُ وَالْحِسَابُ. فَاحْذَرْ لِئَلَّا يُبْعِدَكَ الْغِنَى عَنِ اللهِ، وَلِئَلَّا تُضِلَّكَ الثَّرْوَةُ عَنْهُ. لَا أَمْوَالُكَ الْكَثِيرَةُ، وَلَا مَجْهُودَاتُكَ الْعَظِيمَةُ تَسْنُدُكَ وَتَحْفَظُكَ مِنَ الضِّيقِ! لَا تَتَشَوَّقْ إِلَى اللَّيْلِ الَّذِي يَأْخُذُ النَّاسَ مِنْ دِيَارِهِمْ. اِحْذَرْ مِنْ أَنْ تَلْجَأَ إِلَى الشَّرِّ، فَيَبْدُوَ أَنَّكَ تُفَضِّلُ هَذَا عَلَى الْأَلَمِ! ”اللهُ عَظِيمٌ بِقُدْرَتِهِ، لَا مُعَلِّمَ مِثْلَهُ. مَنْ رَسَمَ لَهُ الطَّرِيقَ الَّتِي يَسْلُكُهَا؟ وَمَنْ يَقُولُ لَهُ: ’أَنْتَ أَخْطَأْتَ‘؟ فَتَذَكَّرْ أَنْ تُعَظِّمَهُ عَلَى أَعْمَالِهِ، الَّتِي يَتَغَنَّى النَّاسُ بِهَا. فَكُلُّ الْبَشَرِ يَرَوْنَهَا، مِنْ بَعِيدٍ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا. عَظِيمٌ هُوَ اللهُ فَوْقَ إِدْرَاكِنَا، وَلَا وَاحِدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَحْسِبَ عُمْرَهُ! يَجْذِبُ قَطَرَاتِ الْمَاءِ، يَجْعَلُهَا سَحَابًا، ثُمَّ يُنْزِلُهَا مَطَرًا. فَيَنْسَكِبُ الْمَطَرُ مِنَ السَّحَابِ، وَتَنْزِلُ السُّيُولُ الْغَزِيرَةُ عَلَى النَّاسِ. مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَفْهَمَ كَيْفَ يَنْشُرُ اللهُ السُّحُبَ، أَوْ كَيْفَ يُرْسِلُ الرَّعْدَ مِنْ قُبَّةِ السَّمَاءِ؟ لَاحِظْ كَيْفَ يَنْشُرُ نُورَهُ حَوْلَهُ، وَيُغَطِّي أَعْمَاقَ الْبَحْرِ. بِهَذَا يَتَسَلَّطُ اللهُ عَلَى الشُّعُوبِ، وَبِهَذَا أَيْضًا يَرْزُقُهُمُ الْقُوتَ بِوَفْرَةٍ. يُمْسِكُ الْبَرْقَ بِيَدَيْهِ، وَيَأْمُرُهُ بِإِصَابَةِ الْهَدَفِ! رَعْدُهُ يُنْذِرُ بِاقْتِرَابِ الْعَاصِفَةِ، حَتَّى الْمَوَاشِي أَيْضًا تُخْبِرُ بِاقْتِرَابِهَا. ”لِهَذَا قَلْبِي يَدُقُّ، وَيَكَادُ يَقْفِزُ مِنْ مَكَانِهِ. فَاسْمَعُوا زَئِيرَ صَوْتِهِ، وَزَمْجَرَةَ فَمِهِ. يُطْلِقُ بَرْقَهُ تَحْتَ كُلِّ السَّمَاءِ، وَيُرْسِلُهُ إِلَى آخِرِ الْأَرْضِ. بَعْدَ ذَلِكَ يَزْأَرُ بِصَوْتِهِ، يُرْعِدُ بِصَوْتِهِ بِجَلَالٍ، وَلَكِنَّ الْبَرْقَ لَا يَتَوَقَّفُ عِنْدَمَا يُدَوِّي صَوْتُهُ. اللهُ يُرْعِدُ بِصَوْتِهِ بِطُرُقٍ عَجِيبَةٍ، يَصْنَعُ أَشْيَاءَ عَظِيمَةً لَا نُدْرِكُهَا. يَقُولُ لِلثَّلْجِ: ’اُسْقُطْ عَلَى الْأَرْضِ.‘ وَلِلْأَمْطَارِ: ’اِنْزِلِي بِغَزَارَةٍ.‘ وَبِذَلِكَ يُوقِفُ كُلَّ النَّاسِ عَنْ مُتَابَعَةِ أَعْمَالِهِمْ، لِيَعْرِفَ كُلُّ الْبَشَرِ خَالِقَهُمْ. فَتَلْجَأُ الْبَهَائِمُ إِلَى مَآوِيهَا، وَتَبْقَى هُنَاكَ فِي حَظَائِرِهَا. تَهُبُّ الْعَاصِفَةُ مِنَ الْجَنُوبِ، وَيَأْتِي الْبَرْدُ مِنَ الشَّمَالِ. نَسَمَةُ اللهِ تَصْنَعُ الْجَلِيدَ، وَبِهَا يَتَجَمَّدُ سَطْحُ الْمِيَاهِ. يَمْلَأُ السُّحُبَ بِالْمَاءِ، وَيَبْعَثُ بَرْقَهُ بَيْنَهَا. يَأْمُرُهَا فَتَدُورُ وَتَتَحَرَّكُ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الْأَرْضِ، وَتُنَفِّذُ كُلَّ مَا يَأْمُرُ بِهِ. يُرْسِلُهَا مَرَّةً لِيُعَاقِبَ النَّاسَ، وَمَرَّةً لِيُرْوِيَ أَرْضَهُ، وَمَرَّةً رَحْمَةً بِالنَّاسِ. ”فَاسْمَعْ هَذَا يَا أَيُّوبُ، قِفْ وَتَأَمَّلْ عَجَائِبَ اللهِ! هَلْ تَعْرِفُ كَيْفَ يَتَحَكَّمُ اللهُ فِي السُّحُبِ، وَكَيْفَ يَجْعَلُ بُرُوقَهُ تُضِيءُ؟ هَلْ تَعْرِفُ كَيْفَ تَتَعَلَّقُ السُّحُبُ فِي السَّمَاءِ؟ هَلْ تَعْرِفُ مُعْجِزَاتِ اللهِ الْعَلِيمِ بِكُلِّ شَيْءٍ؟ لِمَاذَا تَسْخُنُ ثِيَابُكَ عِنْدَمَا تَهْدَأُ الْأَرْضُ بِفِعْلِ رِيحِ الْجَنُوبِ؟ هَلْ تَقْدِرُ أَنْ تُسَاعِدَ اللهَ، لِيَمُدَّ السَّمَاءَ كَأَنَّهَا مِرْآةٌ صُلْبَةٌ مِنْ مَعْدِنٍ مَسْبُوكٍ؟ ”أَخْبِرْنَا مَاذَا نَقُولُ لَهُ، لِأَنَّنَا لَا نُحْسِنُ عَرْضَ قَضِيَّتِنَا بِسَبَبِ الظَّلَامِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ. هَلْ يَصِحُّ أَنْ أَطْلُبَ مِنَ اللهِ أَنْ تَكُونَ لِي كَلِمَةٌ مَعَهُ؟ بَلْ مَنْ يَطْلُبُ الْهَلَاكَ لِنَفْسِهِ؟ وَلَا وَاحِدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الشَّمْسِ الْمُشْرِقَةِ فِي السَّمَاءِ، بَعْدَمَا تَكُونُ الرِّيحُ قَدْ بَدَّدَتْ عَنْهَا السُّحُبَ. يَأْتِي اللهُ مِنَ الشَّمَالِ فِي بَهَاءٍ كَالذَّهَبِ، يَأْتِي اللهُ بِجَلَالٍ وَرَهْبَةٍ. الْقَدِيرُ لَا نُدْرِكُهُ، عَظِيمٌ فِي قُوَّتِهِ، عَادِلٌ وَصَالِحٌ جِدًّا، لَا يَظْلِمُ أَحَدًا. لِهَذَا يَخَافُهُ النَّاسُ، وَهُوَ لَا يُبَالِي بِكُلِّ مَنْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ.“ فَقَالَ اللهُ لِأَيُّوبَ مِنَ الْعَاصِفَةِ: ”مَنْ هَذَا الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِلَا مَعْرِفَةٍ، وَيَجْعَلُ مَشُورَتِي تَبْدُو كَأَنَّهَا ظَلَامٌ؟ اِسْتَعِدَّ الْآنَ وَقِفْ كَرَجُلٍ، لِكَيْ أَسْأَلَكَ فَتُجِيبَنِي. ”أَيْنَ كُنْتَ لَمَّا أَسَّسْتُ الْأَرْضَ؟ أَخْبِرْنِي إِنْ كُنْتَ تَفْهَمُ! مَنْ قَرَّرَ مَقَايِيسَهَا؟ لَا شَكَّ أَنَّكَ تَعْلَمُ! وَمَنْ مَدَّ عَلَيْهَا خَيْطَ الْقِيَاسِ؟ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ اسْتَقَرَّتْ قَوَاعِدُهَا، وَمَنْ وَضَعَ حَجَرَ الزَّاوِيَةِ لِبِنَائِهَا، لَمَّا غَنَّتْ نُجُومُ الصُّبْحِ مَعًا، وَهَتَفَتْ كُلُّ الْمَلَائِكَةِ؟ ”مَنْ وَضَعَ حُدُودًا لِلْبَحْرِ، لَمَّا انْدَفَقَ وَخَرَجَ مِنْ بَطْنِ الْأَرْضِ؟ وَلَمَّا جَعَلْتُ السُّحُبَ كَرِدَاءٍ لَهُ، وَلَفَفْتُهُ فِي الضَّبَابِ؟ وَلَمَّا أَقَمْتُ لَهُ حُدُودًا، وَوَضَعْتُ لَهُ بَوَّابَاتٍ وَأَقْفَالَ؟ وَلَمَّا قُلْتُ لَهُ، تَأْتِي إِلَى هُنَا لَا أَكْثَرَ! لَا تَتَعَدَّى مَكَانَكَ، وَأَمْوَاجُكَ الْعَالِيَةُ تَقِفُ هُنَا؟ ”هَلْ أَمَرْتَ الصُّبْحَ مَرَّةً بِأَنْ يَطْلَعَ؟ أَوْ قُلْتَ لِلْفَجْرِ أَنْ يُشْرِقَ، لِيَمْلَأَ الْأَرْضَ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، وَيَتَخَلَّصَ مِنْ أَشْرَارِهَا؟ عِنْدَ الْفَجْرِ تَتَحَوَّلُ الْأَرْضُ كَأَنَّهَا طِينٌ أَحْمَرُ، وَتَبْدُو كَأَنَّهَا رِدَاءٌ. وَيُحْرَمُ الْأَشْرَارُ مِنَ النُّورِ، يَرْفَعُونَ ذِرَاعَهُمْ فَتَنْكَسِرُ. ”هَلْ وَصَلْتَ إِلَى قَاعِ الْبَحْرِ؟ أَوْ تَمَشَّيْتَ فِي أَعْمَاقِ الْمُحِيطِ؟ هَلِ انْفَتَحَتْ أَمَامَكَ بَوَّابَاتُ الْمَوْتِ، وَهَلْ رَأَيْتَ بَوَّابَاتِ الظُّلْمَةِ؟ هَلْ تَعْرِفُ عَرْضَ الْأَرْضِ؟ أَخْبِرْنِي إِنْ كُنْتَ تَعْرِفُ كُلَّ هَذَا! ”أَيْنَ الطَّرِيقُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَسْكُنُ فِيهِ النُّورُ؟ وَأَيْنَ تَسْكُنُ الظُّلْمَةُ؟ هَلْ تَقْدِرُ أَنْ تَأْخُذَ كُلًّا مِنْهُمَا إِلَى مَكَانِهِ، وَتَذْهَبَ بِهِ إِلَى دَارِهِ؟ لَا شَكَّ أَنَّكَ تَعْرِفُ، لِأَنَّكَ وُلِدْتَ قَبْلَ كُلِّ هَذِهِ! لَا شَكَّ أَنَّ عُمْرَكَ طَوِيلٌ جِدًّا! ”هَلْ دَخَلْتَ إِلَى مَخَازِنِ الثَّلْجِ، أَوْ رَأَيْتَ مَخَازِنَ الْبَرَدِ، الَّتِي حَفِظْتُهَا لِوَقْتِ الْمَصَائِبِ، وَلِأَيَّامِ الْحَرْبِ وَالْقِتَالِ؟ كَيْفَ يَنْتَشِرُ النُّورُ، وَتَتَوَزَّعُ الرِّيحُ الشَّرْقِيَّةُ عَلَى الْأَرْضِ؟ مَنْ شَقَّ الْقَنَوَاتِ لِلْمَطَرِ النَّازِلِ؟ وَمَنْ رَسَمَ طَرِيقًا لِلصَّاعِقَةِ؟ لِيُمْطِرَ عَلَى أَرْضٍ لَا يَعِيشُ فِيهَا إِنْسَانٌ، وَعَلَى صَحْرَاءَ لَا أَحَدَ فِيهَا! وَيُرْوِيَ الْخَرَائِبَ وَالْقِفَارَ وَيَجْعَلَهَا تُنْبِتُ عُشْبًا! هَلْ لِلْمَطَرِ أَبٌ؟ مَنْ هُوَ أَبُو النَّدَى؟ مِنْ بَطْنِ مَنْ خَرَجَ الثَّلْجُ؟ وَمَنْ وَلَدَ صَقِيعَ السَّمَاءِ؟ تَصِيرُ الْمِيَاهُ كَحَجَرٍ، وَيَتَجَمَّدُ سَطْحُ الْمُحِيطِ! ”هَلْ تَقْدِرُ أَنْ تَرْبِطَ نُجُومَ الثُّرَيَّا مَعًا، أَوْ تَحِلَّ رِبَاطَ الْجَوْزَاءِ؟ هَلْ تَقْدِرُ أَنْ تَجْعَلَ الْكَوَاكِبَ تَطْلَعُ فِي وَقْتِهَا، أَوْ تَقُودَ النَّعْشَ مَعَ بَنَاتِهِ فِي السَّمَاءِ؟ هَلْ تَعْرِفُ قَوَانِينَ السَّمَاءِ، وَتَفْهَمُ سُلْطَانَ اللهِ عَلَى الْأَرْضِ؟ هَلْ تَقْدِرُ أَنْ تَصْرُخَ إِلَى السَّحَابِ، وَتَأْمُرَهُ لِيُغَطِّيَكَ بِمَاءٍ غَزِيرٍ؟ هَلْ تُرْسِلُ الْبَرْقَ فَيَذْهَبَ وَيَقُولَ لَكَ: ’سَمْعًا وَطَاعَةً‘؟ مَنْ وَضَعَ فِي الْقَلْبِ حِكْمَةً، وَفِي الْعَقْلِ فَهْمًا؟ مَنْ هُوَ الْحَكِيمُ الَّذِي يُحْصِي السُّحُبَ؟ وَمَنْ يَصُبُّ الْمَاءَ مِنْ أَوْعِيَةِ السَّمَاءِ، فَيَصِيرَ التُّرَابُ كُتْلَةً، وَيَتَمَاسَكَ الطِّينُ مَعًا؟ ”هَلْ أَنْتَ تَصِيدُ فَرِيسَةً لِلَّبْوَةِ، لِتُشْبِعَ جُوعَ أَوْلَادِهَا؟ حَيْثُ يَقْعُدُونَ فِي الْمَأْوَى، أَوْ يَرْبِضُونَ وَيَنْتَظِرُونَ فِي الْغَابَةِ! مَنْ يَرْزُقُ الْغُرَابَ طَعَامَهُ، عِنْدَمَا تَصْرُخُ فِرَاخُهُ إِلَى اللهِ، وَتَهِيمُ بِلَا قُوتٍ؟ ”هَلْ تَعْرِفُ مَتَى تَلِدُ الْمَاعِزُ الْجَبَلِيَّةُ صِغَارَهَا؟ هَلْ تُسَاعِدُ الْغَزَالَةَ عِنْدَمَا تَلِدُ؟ هَلْ تَحْسِبُ شُهُورَ حَمْلِهَا؟ أَوْ تَعْرِفُ مَتَى تَلِدُ؟ فَهِيَ تَبْرُكُ وَتَلِدُ أَوْلَادَهَا، وَتَتَخَلَّصُ مِنْ آلَامِهَا. تَكْبَرُ أَوْلَادُهَا فِي الْقَفْرِ وَتَنْمُو، ثُمَّ تَخْرُجُ وَلَا تَرْجِعُ إِلَيْهَا. ”مَنْ أَطْلَقَ حِمَارَ الْوَحْشِ حُرًّا، وَمَنْ حَلَّ الرِّبَاطَ عَنْهُ؟ أَنَا جَعَلْتُ الْقَفْرَ دَارَهُ، وَالْأَرْضَ الْمَالِحَةَ مَسْكَنَهُ. يَضْحَكُ عَلَى ضَجَّةِ الْمُدُنِ، وَلَا يَسْمَعُ صِيَاحَ مَنْ يُحَاوِلُ أَنْ يَسُوقَهُ. يَجُولُ فِي الْجِبَالِ لِيَرْعَى، وَيَبْحَثَ عَنْ كُلِّ أَخْضَرَ. ”هَلْ يَرْضَى الثَّوْرُ الْوَحْشِيُّ بِأَنْ يَخْدِمَكَ؟ هَلْ يَبِيتُ عِنْدَ مَعْلَفِكَ؟ هَلْ تَقْدِرُ أَنْ تَرْبِطَهُ بِالنِّيرِ إِلَى الْمِحْرَاثِ؟ هَلْ يَحْرُثُ الْحَقْلَ وَرَاءَكَ؟ هَلْ تَتَّكِلُ عَلَيْهِ لِقُوَّتِهِ الْعَظِيمَةِ؟ هَلْ تُكَلِّفُهُ بِأَنْ يَقُومَ بِأَعْمَالِكَ؟ هَلْ تَثِقُ فِيهِ لِيَحْصُدَ لَكَ قَمْحَكَ، وَيَجْمَعَهُ فِي بَيْدَرِكَ؟ ”جَنَاحُ النَّعَامَةِ يُرَفْرِفُ بِفَرَحٍ، لَكِنَّهَا هَلْ تَطِيرُ كَالصَّقْرِ؟ إِنَّهَا تَتْرُكُ بَيْضَهَا عَلَى الْأَرْضِ، لِيَدْفَأَ بِالتُّرَابِ! وَتَنْسَى أَنَّهُ رُبَّمَا يُدَاسُ تَحْتَ الْأَقْدَامِ، أَوْ قَدْ يُكَسِّرُهُ حَيَوَانٌ عَابِرٌ. تُعَامِلُ صِغَارَهَا بِقَسْوَةٍ، كَأَنَّهَا لَيْسَتْ أَوْلَادَهَا، وَلَا يَهُمُّهَا أَنْ يَضِيعَ تَعَبُهَا. لِأَنَّ اللهَ حَرَمَهَا مِنَ الْحِكْمَةِ، وَلَمْ يُعْطِهَا نَصِيبًا مِنَ الْفَهْمِ. وَلَكِنَّهَا عِنْدَمَا تَفْتَحُ جَنَاحَيْهَا لِتَجْرِيَ، تَضْحَكُ عَلَى الْفَرَسِ وَرَاكِبِهِ! ”هَلْ أَنْتَ الَّذِي تُعْطِي الْفَرَسَ قُوَّتَهُ، وَبِالشَّعْرِ الطَّوِيلِ تَكْسُو رَقَبَتَهُ؟ هَلْ أَنْتَ الَّذِي تَجْعَلُهُ يَقْفِزُ كَجَرَادَةٍ، وَيُخَوِّفُ النَّاسَ بِصَهِيلِهِ؟ يَشُقُّ الْأَرْضَ بِحَوَافِرِهِ، وَيَمْرَحُ بِنَشَاطٍ، وَيَقْتَحِمُ الْمَعْرَكَةَ. يَسْخَرُ مِنَ الْخَوْفِ، وَلَا يَخْشَى شَيْئًا، وَلَا يَتَرَاجَعُ أَمَامَ السَّيْفِ. وَصَلِيلُ السِّلَاحِ حَوْلَهُ، مِنْ سِهَامٍ وَرِمَاحٍ وَسُيُوفٍ. يَقْفِزُ وَيَنْهَبُ الْأَرْضَ بِحَمَاسٍ، وَلَا يَهْدَأُ إِلَى أَنْ يَضْرِبَ بُوقُ الْحَرْبِ. يَضْحَكُ عِنْدَمَا يُدَوِّي الْبُوقُ، وَمِنْ بَعِيدٍ يَشُمُّ رَائِحَةَ الْقِتَالِ، وَيَسْمَعُ صُرَاخَ الْقَادَةِ، وَصَيْحَةَ الْحَرْبِ. ”هَلْ بِحِكْمَتِكَ أَنْتَ يَطِيرُ الصَّقْرُ، وَيَبْسُطُ جَنَاحَيْهِ وَيَذْهَبُ جَنُوبًا؟ هَلْ أَنْتَ الَّذِي أَمَرْتَ النِّسْرَ بِأَنْ يَطِيرَ، وَيَبْنِيَ عُشَّهُ فِي الْأَعَالِي؟ يَسْكُنُ عَلَى صَخْرَةٍ، وَهُنَاكَ يَبِيتُ فِي عُشِّهِ عَلَى سِنِّ صَخْرَةٍ. مِنْ هُنَاكَ يَبْحَثُ عَنْ فَرِيسَةٍ، مِنْ بَعِيدٍ تَرَاهَا عَيْنَاهُ. فِرَاخُهُ تَأْكُلُ الدَّمَ، وَحَيْثُ يَكُونُ قَتْلَى، فَهُوَ هُنَاكَ.“ وَقَالَ اللهُ لِأَيُّوبَ: ”أَنَا الْقَدِيرُ فَهَلْ مِنْ حَقِّكَ أَنْ تُجَادِلَنِي وَتَلُومَنِي؟ إِذَنْ رُدَّ عَلَيَّ يَا مَنْ تَشْتَكِي عَلَى اللهِ!“ فَقَالَ أَيُّوبُ للهِ: ”أَنَا حَقِيرٌ، فَكَيْفَ أَرُدُّ عَلَيْكَ؟ بَلْ أَضَعُ يَدِي عَلَى فَمِي. تَكَلَّمْتُ مَرَّةً فَلَنْ أَرُدَّ، بَلْ مَرَّتَيْنِ فَلَنْ أَقُولَ أَكْثَرَ.“ فَقَالَ اللهُ لِأَيُّوبَ مِنَ الْعَاصِفَةِ: ”اِسْتَعِدَّ الْآنَ وَقِفْ كَرَجُلٍ، لِكَيْ أَسْأَلَكَ فَتُجِيبَنِي. هَلْ تَشُكُّ فِي عَدَالَتِي؟ وَهَلْ تَلُومُنِي لِتَظْهَرَ أَنْتَ بَرِيئًا؟ هَلْ لَكَ قُدْرَةُ اللهِ؟ وَهَلْ صَوْتُكَ يُرْعِدُ كَصَوْتِهِ؟ إِذَنْ، تَزَيَّنْ بِالْجَلَالِ وَالْبَهَاءِ، وَالْبَسِ الْكَرَامَةَ وَالْعَظَمَةَ! صُبَّ غَضَبَكَ الشَّدِيدَ، وَانْظُرْ كُلَّ مُتَكَبِّرٍ وَاخْفِضْهُ. اُنْظُرْ كُلَّ مُتَعَظِّمٍ وَأَذِلَّهُ، وَحَطِّمِ الْأَشْرَارَ فِي مَكَانِهِمْ. اِدْفِنْهُمْ فِي التُّرَابِ مَعًا، وَغَطِّ وُجُوهَهُمْ فِي الْقَبْرِ. إِنْ كُنْتَ تَفْعَلُ هَذَا، فَأَنَا نَفْسِي أَمْدَحُكَ، لِأَنَّكَ تَقْدِرُ أَنْ تُنْقِذَ نَفْسَكَ. ”اُنْظُرْ إِلَى بَهِيمُوثَ الَّذِي صَنَعْتُهُ كَمَا صَنَعْتُكَ، الَّذِي يَأْكُلُ الْعُشْبَ كَالْبَقَرِ. وَجِسْمُهُ قَوِيٌّ جِدًّا، وَعَضَلَاتُ بَطْنِهِ شَدِيدَةٌ. ذَيْلُهُ كَشَجَرَةِ أَرْزٍ، عَضَلَاتُ فَخْذَيْهِ مَضْفُورَةٌ. عِظَامُهُ أَنَابِيبُ نُحَاسٍ، وَأَطْرَافُهُ قُضْبَانُ حَدِيدٍ. هُوَ أَوَّلُ أَعْمَالِ اللهِ، وَلَا يَهْزِمُهُ إِلَّا الَّذِي صَنَعَهُ. الْجِبَالُ تُعْطِيهِ طَعَامَهُ، وَكُلُّ وُحُوشِ الْأَرْضِ تَلْعَبُ بِالْقُرْبِ مِنْهُ. يَرْقُدُ تَحْتَ الْبَرْدِيِّ، يَخْتَبِئُ بَيْنَ الْقَصَبِ الَّذِي عَلَى الْمُسْتَنْقَعِ. يُخْفِيهِ الْبَرْدِيُّ فِي ظِلِّهِ، يُحِيطُ بِهِ الصَّفْصَافُ الَّذِي عَلَى مَجَارِي الْمِيَاهِ. لَا يَضْطَرِبُ إِنْ فَاضَ النَّهْرُ، هُوَ مُطْمَئِنٌّ وَلَوِ انْدَفَقَ الْأُرْدُنُّ فِي فَمِهِ. هَلْ يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَصِيدَهُ مِنَ الْأَمَامِ؟ هَلْ يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَثْقُبَ أَنْفَهُ بِخِزَامَةٍ؟ ”هَلْ تَقْدِرُ أَنْ تَصِيدَ لُويَاثَانَ بِصِنَّارَةٍ، أَوْ تَرْبِطَ لِسَانَهُ بِحَبْلٍ؟ هَلْ تَقْدِرُ أَنْ تَضَعَ حَبْلًا فِي أَنْفِهِ، أَوْ تَثْقُبَ فَكَّهُ بِخِزَامَةٍ؟ هَلْ يَتَضَرَّعُ إِلَيْكَ لِتَرْحَمَهُ، أَوْ يُكَلِّمُكَ بِلُطْفٍ؟ هَلْ يَعْمَلُ مَعَكَ عَهْدًا، لِيَكُونَ لَكَ عَبْدًا مُؤَبَّدًا؟ هَلْ تُلَاعِبُهُ كَأَنَّهُ عُصْفُورٌ، أَوْ تَرْبِطُهُ لِتَلْعَبَ مَعَهُ بَنَاتُكَ؟ هَلْ يَبِيعُهُ الصَّيَّادُونَ، أَوْ يَقْسِمُونَهُ لِلْبَيَّاعِينَ؟ هَلْ تَمْلَأُ جِلْدَهُ بِالْحِرَابِ، أَوْ رَأْسَهُ بِالسِّهَامِ؟ إِنْ حَاوَلْتَ أَنْ تَقْبِضَ عَلَيْهِ، سَتَذْكُرُ ضَرَاوَتَهُ وَلَنْ تَعُودَ إِلَى ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى! لَا رَجَاءَ فِي إِخْضَاعِهِ، وَمُجَرَّدُ النَّظَرِ إِلَيْهِ مُرْعِبٌ. وَلَا وَاحِدٌ عِنْدَهُ الشَّجَاعَةُ أَنْ يُثِيرَهُ! إِذَنْ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَتَحَدَّانِي؟ مَنْ أَعْطَانِي شَيْئًا فَأَرُدَّ لَهُ الدَّيْنَ؟ كُلُّ مَا تَحْتَ السَّمَاءِ هُوَ لِي. ”وَلَنْ أَنْسَى أَنْ أَتَحَدَّثَ عَنْ أَذْرُعِهِ وَأَرْجُلِهِ وَقُوَّتِهِ الْعَظِيمَةِ وَشَكْلِهِ الضَّخْمِ. فَمَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَنْزِعَ عَنْهُ جِلْدَهُ، أَوْ يَقْتَرِبَ مِنْهُ بِلِجَامٍ؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَفْتَحَ فَمَهُ الْمَمْلُوءَ بِأَسْنَانٍ مُرْعِبَةٍ؟ ظَهْرُهُ مُغَطًّى بِصُفُوفِ تُرُوسٍ مُتَلَاصِقَةٍ مُحْكَمَةٍ مَعًا. الْوَاحِدُ قَرِيبٌ مِنَ الْآخَرِ، فَلَا يَنْفُذُ مِنْ بَيْنِهَا حَتَّى الْهَوَاءُ. مُتَّصِلَةٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، وَمُتَمَاسِكَةٌ لَا تَنْفَصِلُ. يَعْطُسُ فَيَبْعَثُ نُورًا، عَيْنَاهُ كَأَنَّهُمَا أَشِعَّةُ الْفَجْرِ. لَهِيبٌ يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ، شَرَارُ نَارٍ يَتَطَايَرُ مِنْهُ. دُخَانٌ يَخْرُجُ مِنْ أَنْفِهِ، كَأَنَّهُ مِنْ قِدْرٍ تَغْلِي عَلَى نَارٍ حَامِيَةٍ. نَفْخَةٌ مِنْهُ تُشْعِلُ جَمْرًا، وَمِنْ فَمِهِ يَنْطَلِقُ لَهِيبٌ. فِي رَقَبَتِهِ قُوَّةٌ عَظِيمَةٌ، وَمِنْ أَمَامِهِ يَهْرُبُ النَّاسُ خَوْفًا. ثَنَايَا جِلْدِهِ مُتَلَاصِقَةٌ مُحْكَمَةٌ لَا تَتَزَحْزَحُ. قَلْبُهُ صُلْبٌ كَالصَّخْرِ، وَقَاسٍ كَحَجَرِ الرَّحَى. يَقُومُ فَيَرْتَعِبُ الْأَقْوِيَاءُ، يَتَقَدَّمُ فَيَتَرَاجَعُونَ فِي خَوْفٍ. يُصِيبُهُ السَّيْفُ فَلَا يَطْعَنُهُ، وَلَا الرُّمْحُ وَلَا السَّهْمُ وَلَا الْحَرْبَةُ. الْحَدِيدُ عِنْدَهُ كَالتِّبْنِ، وَالنُّحَاسُ كَالْخَشَبِ الْمُسَوَّسِ. السَّهْمُ لَا يَجْعَلُهُ يَهْرُبُ، وَحِجَارَةُ الْمِقْلَاعِ عِنْدَهُ كَالْقَشِّ. الْعَصَا الْغَلِيظَةُ عِنْدَهُ كَأَنَّهَا قَشَّةٌ، وَيَضْحَكُ عِنْدَمَا يُصَوِّبُونَ الرُّمْحَ نَحْوَهُ. بَطْنُهُ خَزَفٌ حَادٌّ، آثَارُهُ فِي الطِّينِ مِثْلُ سَكَاكِينِ نَوْرَجٍ. يَجْعَلُ أَعْمَاقَ الْبَحْرِ تَغْلِي كَالْقِدْرِ، يَجْعَلُ الْبَحْرَ كَأَنَّهُ قِدْرُ زَيْتٍ. يَسْبَحُ فَيَتْرُكُ وَرَاءَهُ خَطًّا أَبْيَضَ، وَكَأَنَّ الْبَحْرَ أَصَابَهُ الشَّيْبُ. لَا مَثِيلَ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَهُوَ مَخْلُوقٌ عَدِيمُ الْخَوْفِ. يَنْظُرُ بِاحْتِقَارٍ إِلَى كُلِّ مُتَعَالٍ، هُوَ مَلِكٌ فَوْقَ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ.“ فَقَالَ أَيُّوبُ للهِ: ”أَنَا عَارِفٌ أَنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَلَا يَصْعُبُ عَلَيْكَ أَمْرٌ. أَنْتَ سَأَلْتَنِي وَقُلْتَ: ’مَنْ هَذَا الَّذِي بِلَا مَعْرِفَةٍ يَجْعَلُ مَشُورَتِي كَأَنَّهَا ظَلَامٌ؟‘ صَحِيحٌ أَنَا تَكَلَّمْتُ عَنْ أَشْيَاءَ لَا أَفْهَمُهَا، وَعَنْ عَجَائِبَ تَفُوقُ إِدْرَاكِي. وَقُلْتَ لِي: ’اِسْمَعِ الْآنَ فَأَتَكَلَّمَ، أَسْأَلُكَ فَتُجِيبُنِي.‘ مِنْ قَبْلُ سَمِعْتُ عَنْكَ بِأُذُنِي، وَالْآنَ شَاهَدَتْكَ عَيْنِي. لِذَلِكَ أَحْتَقِرُ نَفْسِي، وَأَتُوبُ وَأَجْلِسُ فِي التُّرَابِ وَالرَّمَادِ.“ وَبَعْدَمَا قَالَ اللهُ هَذَا الْكَلَامَ لِأَيُّوبَ، قَالَ لِأَلِيفَازَ التِّيمَانِيِّ: ”أَنَا غَضْبَانٌ عَلَيْكَ وَعَلَى صَاحِبَيْكَ، لِأَنَّكُمْ لَمْ تَقُولُوا الْحَقَّ بِشَأْنِي كَمَا قَالَ عَبْدِي أَيُّوبُ. فَخُذُوا لَكُمْ 7 ثِيرَانٍ وَ7 كِبَاشٍ، وَارْجِعُوا إِلَى عَبْدِي أَيُّوبَ، وَقَدِّمُوا قُرْبَانًا لِلتَّكْفِيرِ عَنْكُمْ. وَعَبْدِي أَيُّوبُ يَدْعُونِي مِنْ أَجْلِكُمْ، وَأَنَا أَسْتَجِيبُ لَهُ. وَلَا أُعَامِلُكُمْ حَسَبَ جَهَالَتِكُمْ، فَأَنْتُمْ لَمْ تَقُولُوا الْحَقَّ بِشَأْنِي كَمَا قَالَ عَبْدِي أَيُّوبُ.“ فَرَاحَ أَلِيفَازُ التِّيمَانِيُّ وَبِلْدَدُ الشُّوحِيُّ وَصُوفَرُ النِّعْمَاتِيُّ، وَعَمِلُوا كَمَا قَالَ اللهُ لَهُمْ، فَاسْتَجَابَ اللهُ لِأَيُّوبَ. وَلَمَّا دَعَا أَيُّوبُ اللهَ مِنْ أَجْلِ أَصْحَابِهِ، أَغْنَاهُ اللهُ مَرَّةً أُخْرَى، وَأَعْطَاهُ ضِعْفَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ قَبْلُ. وَجَاءَ إِلَيْهِ كُلُّ إِخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ وَكُلُّ مَعَارِفِهِ السَّابِقِينَ، وَأَكَلُوا مَعَهُ الطَّعَامَ فِي دَارِهِ وَعَزَّوْهُ وَوَاسُوهُ عَنْ كُلِّ الْبَلَايَا الَّتِي جَلَبَهَا اللهُ عَلَيْهِ. وَأَعْطَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قِطْعَةً مِنَ الْفِضَّةِ وَخَاتِمًا مِنْ ذَهَبٍ. وَبَارَكَ اللهُ أَيُّوبَ فِي أَيَّامِهِ الْأَخِيرَةِ أَكْثَرَ مِنَ الْأُولَى. فَكَانَ عِنْدَهُ 14000 خَرُوفٍ، وَ6000 جَمَلٍ، وَ1000 زَوْجٍ مِنَ الْبَقَرِ، وَ1000 حِمَارَةٍ. وَكَانَ عِنْدَهُ 7 بَنِينَ وَ3 بَنَاتٍ. وَسَمَّى الْأُولَى يَمَامَةَ، وَالثَّانِيَةَ سَنَاءَ، وَالثَّالِثَةَ جَمِيلَةَ. وَلَمْ يَكُنْ فِي كُلِّ الْبِلَادِ نِسَاءٌ جَمِيلَاتٌ كَبَنَاتِ أَيُّوبَ. وَأَعْطَاهُنَّ أَبُوهُنَّ مِيرَاثًا بَيْنَ إِخْوَتِهِنَّ. وَعَاشَ أَيُّوبُ بَعْدَ هَذَا 140 سَنَةً، وَرَأَى أَوْلَادَهُ وَأَحْفَادَهُ إِلَى 4 أَجْيَالٍ. وَمَاتَ أَيُّوبُ شَيْخًا وَقَدْ شَبِعَ مِنَ الْحَيَاةِ. هَنِيئًا لِمَنْ لَا يَتْبَعُ مَشُورَةَ الْأَشْرَارِ، وَلَا يَسِيرُ فِي طَرِيقِ الْخُطَاةِ، وَلَا يَجْلِسُ مَعَ السَّاخِرِينَ. بَلْ يَفْرَحُ بِشَرِيعَةِ اللهِ، وَيَتَأَمَّلُ فِيهَا نَهَارًا وَلَيْلًا. فَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِي الْمِيَاهِ، تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي أَوَانِهِ، وَوَرَقُهَا لَا يَذْبُلُ، وَكُلُّ مَا يَعْمَلُهُ يَنْجَحُ. لَيْسَ هَذَا حَالَ الْأَشْرَارِ، بَلْ هُمْ كَالتِّبْنِ الَّذِي تُبَدِّدُهُ الرِّيحُ. لِذَلِكَ لَا يَهْرُبُ الْأَشْرَارُ مِنْ عِقَابِ يَوْمِ الدِّينِ، وَلَا يَكُونُ الْخُطَاةُ فِي جَمَاعَةِ الصَّالِحِينَ. لِأَنَّ اللهَ يَحْفَظُ الصَّالِحِينَ فِي الطَّرِيقِ، أَمَّا الْأَشْرَارُ فَهُمْ فِي طَرِيقِ الْهَلَاكِ. لِمَاذَا هَاجَتِ الْأُمَمُ؟ وَلِمَاذَا فَكَّرَتِ الشُّعُوبُ فِي أُمُورٍ بَاطِلَةٍ؟ اِسْتَعَدَّ مُلُوكُ الْأَرْضِ، وَاجْتَمَعَ الْحُكَّامُ مَعًا، ضِدَّ اللهِ وَضِدَّ الْمَسِيحِ مُخْتَارِهِ وَقَالُوا: ”لِنَقْطَعْ عَنَّا قُيُودَهُمَا، وَنَتَحَرَّرْ مِنْ رُبُطِهِمَا.“ الْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِ فِي السَّمَاءِ يَضْحَكُ، رَبُّنَا يَهْزَأُ بِهِمْ. ثُمَّ يُوَبِّخُهُمْ فِي غَضَبِهِ، وَيُرْعِبُهُمْ بِغَيْظِهِ. وَيَقُولُ: ”أَنَا اخْتَرْتُ لِي مَلِكًا يَحْكُمُ شَعْبِي فِي الْقُدْسِ.“ أُخْبِرُ بِمَا أَعْلَنَهُ اللهُ، فَقَدْ قَالَ لِي: ”أَنْتَ ابْنِي، أَنَا الْيَوْمَ تَوَّجْتُكَ ابْنًا لِي. اُطْلُبْ مِنِّي فَأُعْطِيَكَ الْأُمَمَ نَصِيبًا، وَالْأَرْضَ إِلَى آخِرِهَا مُلْكًا لَكَ. فَتَحْكُمَهَا بِعَصًا مِنْ حَدِيدٍ، وَتُحَطِّمَهَا مِثْلَ آنِيَةٍ مِنْ فَخَّارٍ.“ لِذَلِكَ تَعَقَّلُوا أَيُّهَا الْمُلُوكُ، وَاحْذَرُوا يَا حُكَّامَ الْأَرْضِ. اُعْبُدُوا اللهَ بِخَوْفٍ، وَابْتَهِجُوا أَمَامَهُ بِاحْتِرَامٍ. قَبِّلُوا الْمَلِكَ لِئَلَّا يَغْضَبَ، فَتَهْلِكُوا فِي الطَّرِيقِ، لِأَنَّهُ عَنْ قَرِيبٍ يَشْتَعِلُ غَضَبُهُ. هَنِيئًا لِكُلِّ الَّذِينَ يَلْجَأُونَ إِلَيْهِ. مزمور لداود لما هرب من ابنه أبشلوم يَا رَبُّ مَا أَكْثَرَ أَعْدَائِي! مَا أَكْثَرَ الَّذِينَ يَقُومُونَ عَلَيَّ! كَثِيرُونَ يَقُولُونَ عَنِّي: ”اللهُ لَنْ يُنْقِذَهُ.“ لَكِنَّكَ أَنْتَ يَا رَبُّ تَحْمِينِي مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. أَنْتَ مَجْدِي وَرَافِعُ رَأْسِي. أَصْرُخُ إِلَى اللهِ، فَيُجِيبُنِي مِنْ جَبَلِهِ الْمُقَدَّسِ. أَرْقُدُ وَأَنَامُ، ثُمَّ أَقُومُ لِأَنَّ اللهَ يَسْنُدُنِي. لَا أَخَافُ مِنْ عَشَرَاتِ الْأُلُوفِ الَّذِينَ جَاءُوا عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. تَعَالَ وَأَنْقِذْنِي يَا رَبِّي وَإِلَهِي! أَنْتَ ضَرَبْتَ كُلَّ أَعْدَائِي عَلَى الْفَكِّ، فَهَشَّمْتَ أَسْنَانَ الْأَشْرَارِ. اللهُ يُنَجِّينِي، يَا رَبُّ بَارِكْ شَعْبَكَ. مزمورلداود. لقائد المغنين، على الآلات الوترية يَا إِلَهِيَ الصَّالِحَ، اِسْتَجِبْ لِي حِينَ أَدْعُوكَ. أَعِنِّي فِي الضِّيقِ، اِرْحَمْنِي وَاسْمَعْ صَلَاتِي. أَيُّهَا النَّاسُ، إِلَى مَتَى تُحَوِّلُونَ مَجْدِي إِلَى عَارٍ؟ إِلَى مَتَى تُحِبُّونَ الْبَاطِلَ وَتَلْجَأُونَ إِلَى الْكِذْبِ؟ اِعْلَمُوا أَنَّ اللهَ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ مَنْ يُخْلِصُ لَهُ. اللهُ يَسْمَعُ حِينَ أَدْعُوهُ. إِنْ غَضِبْتُمْ فَلَا تُخْطِئُوا. اِفْحَصُوا قُلُوبَكُمْ بِهُدُوءٍ وَأَنْتُمْ فِي فِرَاشِكُمْ. قَدِّمُوا قَرَابِينَ الصَّلَاحِ، وَاتَّكِلُوا عَلَى اللهِ. كَثِيرُونَ يَقُولُونَ: ”مَنْ يُرِينَا خَيْرًا؟“ أَشْرِقْ عَلَيْنَا بِنُورِ وَجْهِكَ يَا رَبُّ. مَلَأْتَ قَلْبِي بِفَرَحٍ أَعْظَمَ مِنْ فَرَحِ مَنِ امْتَلَأَتْ دِيَارُهُمْ بِالْغِلَالِ وَالْخَمْرِ. أَرْقُدُ وَأَنَامُ فِي سَلَامٍ، لِأَنَّكَ أَنْتَ وَحْدَكَ يَا رَبُّ تَحْفَظُنِي فِي أَمَانٍ. مزمور لداود. لقائد المغنين، على المزمار قَرِّبْ أُذُنَكَ إِلَى كَلَامِي يَا رَبُّ، اُنْظُرْ إِلَى شَكْوَايَ. اِسْمَعْ صُرَاخِي يَا مَلِكِي وَإِلَهِي، فَإِنِّي إِلَيْكَ أُصَلِّي. فِي الصَّبَاحِ تَسْمَعُ صَوْتِي يَا رَبُّ، فِي الصَّبَاحِ أُقَدِّمُ طِلْبَتِي لَكَ وَأَنْتَظِرُكَ. أَنْتَ إِلَهٌ لَا يُسَرُّ بِالشَّرِّ. فَالشِّرِّيرُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُقِيمَ مَعَكَ. وَلَا الْمُتَكَبِّرُونَ أَنْ يَقِفُوا فِي مَحْضَرِكَ. أَنْتَ تَكْرَهُ كُلَّ عُمَّالِ السُّوءِ، وَتُهْلِكُ الْكَذَّابِينَ. رَبُّنَا يُبْغِضُ الَّذِينَ يَسْفِكُونَ الدَّمَ وَالْغَشَّاشِينَ. أَمَّا أَنَا فَأَدْخُلُ بَيْتَكَ بِفَضْلِ رَحْمَتِكَ الْعَظِيمَةِ، وَأَسْجُدُ فِي بَيْتِكَ الْمُقَدَّسِ بِخُشُوعٍ. بِسَبَبِ أَعْدَائِي يَا رَبُّ، اِهْدِنِي بِصَلَاحِكَ، وَسَهِّلْ طَرِيقَكَ أَمَامِي. لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي فَمِهِمْ صِدْقٌ. فِي قَلْبِهِمْ فَسَادٌ، حَلْقُهُمْ مِثْلُ قَبْرٍ مَفْتُوحٍ. لِسَانُهُمْ يَكْذِبُ. اللَّهُمَّ احْكُمْ عَلَيْهِمْ، أَوْقِعْهُمْ فِي مُؤَامَرَاتِهِمْ، اُطْرُدْهُمْ بِسَبَبِ ذُنُوبِهِمِ الْكَثِيرَةِ، لِأَنَّهُمْ تَمَرَّدُوا عَلَيْكَ. يَبْتَهِجُ كُلُّ الَّذِينَ يَلْجَأُونَ إِلَيْكَ، دَائِمًا يَهْتِفُونَ بِفَرَحٍ. أَنْتَ تُظَلِّلُ الَّذِينَ يُحِبُّونَ اسْمَكَ، فَيَفْرَحُونَ بِكَ. أَنْتَ يَا رَبُّ تُبَارِكُ الصَّالِحَ، وَتُحِيطُهُ بِرِضَاكَ كَتُرْسٍ. مزمور لداود. لقائد المغنين، على الآلات الوترية، على الدرجة الثامنة يَا رَبُّ لَا تُوَبِّخْنِي بِغَضَبِكَ، وَلَا تُؤَدِّبْنِي بِغَيْظِكَ. اِرْحَمْنِي يَا رَبُّ لِأَنِّي ضَعِيفٌ. اِشْفِنِي يَا رَبُّ لِأَنَّ عِظَامِي تُوجِعُنِي. نَفْسِي مُضْطَرِبَةٌ جِدًّا. وَأَنْتَ يَا رَبُّ فَإِلَى مَتَى تَنْتَظِرُ؟ اِرْجِعْ يَا رَبُّ وَأَنْقِذْنِي، نَجِّنِي مِنْ أَجْلِ رَحْمَتِكَ. فَلَيْسَ بَيْنَ الْمَوْتَى مَنْ يَذْكُرُكَ، وَلَا فِي الْقَبْرِ مَنْ يَحْمَدُكَ. تَعِبْتُ مِنَ التَّنَهُّدِ. طُولَ اللَّيْلِ أُرْوِي سَرِيرِي بِدُمُوعِي وَأُبَلِّلُ بِهَا فِرَاشِي. ضَعُفَتْ عَيْنَايَ مِنَ الْغَمِّ، تَعِبَتَا بِسَبَبِ كُلِّ أَعْدَائِي. اُبْعُدُوا عَنِّي يَا كُلَّ عُمَّالِ الشَّرِّ، لِأَنَّ اللهَ سَمِعَ بُكَائِي. سَمِعَ اللهُ تَضَرُّعِي. اللهُ يَقْبَلُ دُعَائِي. كُلُّ أَعْدَائِي يَخْجَلُونَ وَيَرْتَاعُونَ، فَجْأَةً بِخَجَلٍ يَتَرَاجَعُونَ. قصيدة لداود، غناها لله بسبب كلام كوش البنيميني الذي قاله ضده يَا رَبِّي وَإِلَهِي، أَنْتَ مَلْجَأِي، أَنْقِذْنِي وَنَجِّنِي مِنْ كُلِّ مَنْ يُطَارِدُنِي. لِئَلَّا يَفْتَرِسَنِي كَالْأَسَدِ وَيُمَزِّقَنِي، وَلَا أَحَدَ يُنْقِذُنِي. يَا رَبِّي وَإِلَهِي، إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ هَذَا، إِنْ كَانَ فِي يَدَيَّ شَرٌّ، إِن كُنْتُ أَسَأْتُ لِمَنْ أَحْسَنَ إِلَيَّ، وَسَلَبْتُ عَدُوِّي بِلَا سَبَبٍ، فَاجْعَلِ الْعَدُوَّ يُطَارِدُنِي وَيَلْحَقُنِي، وَيَدُوسُ فِي الْأَرْضِ حَيَاتِي، وَيُمَرِّغُ فِي التُّرَابِ كَرَامَتِي. تَقَدَّمْ بِغَضَبٍ يَا رَبُّ، اُهْجُمْ ضِدَّ غَضَبِ أَعْدَائِي، اللَّهُمَّ انْهَضْ وَطَالِبْ بِالْعَدْلِ. لِتَجْتَمِعِ الشُّعُوبُ حَوْلَكَ، فَتَحْكُمَهَا مِنَ السَّمَاءِ. يُحَاكِمُ اللهُ الْأُمَمَ. أَنْصِفْنِي يَا رَبُّ حَسَبَ صَلَاحِي وَحَسَبَ نَزَاهَتِي. ضَعْ حَدًّا لِشَرِّ الْأَشْرَارِ، وَثَبِّتِ الصَّالِحِينَ أَيُّهَا الْإِلَهُ الصَّالِحُ، يَا فَاحِصَ الْقُلُوبِ وَالْأَفْكَارِ. اللهُ يَحْمِينِي. فَهُوَ يُنْقِذُ مَنْ قُلُوبُهُمْ نَقِيَّةٌ. اللهُ قَاضٍ عَادِلٌ، وَهُوَ دَائِمًا يُعَاقِبُ الْأَشْرَارَ. فَإِنْ لَمْ يَتُوبُوا، يَصْقِلُ سَيْفَهُ وَيَشُدُّ قَوْسَهُ وَيُجَهِّزُهَا. يُعِدُّ أَسْلِحَتَهُ الْقَاتِلَةَ، وَيُجَهِّزُ سِهَامَهُ الْمُشْتَعِلَةَ. الشِّرِّيرُ يُدَبِّرُ الشَّرَّ، وَيُخَطِّطُ الْمَتَاعِبَ، وَيُنْتِجُ الْخِدَاعَ. يَحْفِرُ حُفْرَةً وَيُعَمِّقُهَا، هُوَ نَفْسُهُ يَسْقُطُ فِيهَا. شَرُّهُ يَأْتِي عَلَيْهِ، وَظُلْمُهُ يَنْصَبُّ عَلَى رَأْسِهِ. أَحْمَدُ اللهَ عَلَى عَدْلِهِ، أُسَبِّحُ اسْمَ اللهِ الْعَلِيِّ. مزمور لداود. لقائد المغنين، على الجتية اللَّهُمَّ يَا رَبَّنَا، مَا أَعْظَمَ اسْمَكَ فِي الدُّنْيَا كُلِّهَا! أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ جَلَالُكَ. جَعَلْتَ الْأَطْفَالَ وَالرُّضَّعَ يَرْفَعُونَ السُّبْحَ لَكَ قُدَّامَ أَعْدَائِكَ، لِتُسْكِتَ الْخَصْمَ وَالْمُعَارِضَ. حِينَ أَتَأَمَّلُ سَمَاوَاتِكَ الَّتِي أَبْدَعَتْهَا أَصَابِعُكَ، وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ الَّتِي وَضَعْتَهَا فِي أَمَاكِنِهَا، أَقُولُ: مَا هُوَ الْإِنْسَانُ حَتَّى تُفَكِّرَ فِيهِ؟ وَمَا هُوَ الْبَشَرُ حَتَّى تَهْتَمَّ بِهِ؟ جَعَلْتَهُ أَقَلَّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَلِيلًا، ثُمَّ تَوَّجْتَهُ بِالْجَلَالِ وَالْكَرَامَةِ. وَلَّيْتَهُ عَلَى أَعْمَالِ يَدَيْكَ، وَأَخْضَعْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ: كُلَّ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْوُحُوشِ، وَطُيُورِ السَّمَاءِ، وَسَمَكِ الْبَحْرِ، وَكُلَّ مَا يَسْبَحُ فِي الْمَاءِ. اللَّهُمَّ يَا رَبَّنَا، مَا أَعْظَمَ اسْمَكَ فِي الدُّنْيَا كُلِّهَا! مزمور لداود. لقائد المغنين، على نغمة موت الابن أَحْمَدُكَ يَا رَبُّ مِنْ كُلِّ قَلْبِي. أُخْبِرُ بِكُلِّ عَجَائِبِكَ. أَفْرَحُ بِكَ وَأَبْتَهِجُ، أُسَبِّحُ اسْمَكَ أَيُّهَا الْعَلِيُّ. يَتَرَاجَعُ أَعْدَائِي إِلَى الْوَرَاءِ، يَسْقُطُونَ وَيَبِيدُونَ أَمَامَ وَجْهِكَ. لِأَنَّكَ جَلَسْتَ عَلَى عَرْشِكَ تَقْضِي بِالْحَقِّ، فَحَكَمْتَ لِي فِي صَالِحِي. وَبَّخْتَ الْأُمَمَ، أَهْلَكْتَ الْأَشْرَارَ، مَحَوْتَ اسْمَهُمْ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ. هَزَمْتَ الْعَدُوَّ، أَفْنَيْتَهُ تَمَامًا، دَمَّرْتَ مُدُنَهُ حَتَّى بَادَ ذِكْرُهُ. اللهُ يَمْلِكُ إِلَى الْأَبَدِ، ثَبَّتَ عَرْشَهُ لِلْقَضَاءِ. يَقْضِي لِلْعَالَمِ بِالْحَقِّ، يَحْكُمُ الشُّعُوبَ بِالْعَدْلِ. اللهُ مَلْجَأٌ لِلْمَظْلُومِ، وَحِصْنٌ فِي وَقْتِ الضِّيقِ. يَتَّكِلُ عَلَيْكَ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ اسْمَكَ، لِأَنَّكَ يَا رَبُّ لَا تَتَخَلَّى عَنْ طَالِبِيكَ أَبَدًا. غَنُّوا للهِ السَّاكِنِ فِي الْقُدْسِ، أَذِيعُوا أَعْمَالَهُ بَيْنَ الْأُمَمِ. هُوَ الَّذِي يَثْأَرُ لِسَفْكِ الدَّمِ، وَيَعْتَنِي بِالْمَسَاكِينِ ولَا يَتَجَاهَلُ صُرَاخَهُمْ. اِرْحَمْنِي يَا رَبُّ، اُنْظُرْ كَيْفَ يَضْطَهِدُنِي أَعْدَائِي. أَنْقِذْنِي مِنْ أَبْوَابِ الْمَوْتِ، لِكَيْ أُسَبِّحَكَ عِنْدَ بَوَّابَاتِ الْقُدْسِ، وَأَبْتَهِجَ بِنَجَاتِكَ. سَقَطَتِ الْأُمَمُ فِي الْحُفْرَةِ الَّتِي حَفَرَتْهَا، وَوَقَعَتْ فِي الْفَخِّ الَّذِي نَصَبَتْهُ. اللهُ مَعْرُوفٌ بِعَدْلِهِ. الشِّرِّيرُ يَقَعُ فِي شَرَكِ أَعْمَالِهِ. مَصِيرُ الْأَشْرَارِ إِلَى الْجَحِيمِ، كُلِّ الْأُمَمِ الَّتِي نَسِيَتِ اللهَ. لَا يُنْسَى الْبَائِسُ. لَا يَخِيبُ رَجَاءُ الْمِسْكِينِ أَبَدًا. تَعَالَ يَا رَبُّ وَلَا تَجْعَلِ الْبَشَرَ يَغْلِبُونَ، حَاكِمِ الْأُمَمَ قُدَّامَكَ. أَرْعِبْهُمْ يَا رَبُّ، عَرِّفِ الْأُمَمَ أَنَّهُمْ مُجَرَّدُ بَشَرٍ. لِمَاذَا تَقِفُ بَعِيدًا يَا رَبُّ؟ لِمَاذَا تَحْتَجِبُ فِي وَقْتِ الضِّيقِ؟ الشِّرِّيرُ يَتَكَبَّرُ وَيَضْطَهِدُ الْمَسَاكِينَ، وَيُوقِعُهُمْ فِي الْمَكَايِدِ الَّتِي يَعْمَلُهَا. الشِّرِّيرُ يَفْتَخِرُ بِشَهَوَاتِ قَلْبِهِ وَيُبَارِكُ الطَّمَّاعَ وَيَكْفُرُ بِاللهِ. الشِّرِّيرُ يَتَكَبَّرُ وَلَا يَطْلُبُ اللهَ، لَا مَكَانَ للهِ فِي أَفْكَارِهِ. دَائِمًا يَنْجَحُ، لَا يُبَالِي بِالْعِقَابِ الْقَادِمِ عَلَيْهِ، يَحْتَقِرُ أَعْدَاءَهُ. يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: ”لَنْ يُزَعْزِعَنِي شَيْءٌ، أَكُونُ سَعِيدًا فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَلَا يُصِيبُنِي مَكْرُوهٌ.“ فَمُهُ مَمْلُوءٌ لَعْنَةً وَغِشًّا وَظُلْمًا. تَحْتَ لِسَانِهِ خُبْثٌ وَشَرٌّ. يَتَرَبَّصُ عِنْدَ الْقُرَى، يَخْتَبِئُ لِيَقْتُلَ الْبَرِيءَ، فِي السِّرِّ يُرَاقِبُ ضَحَايَاهُ. يَكْمُنُ فِي الْخَفَاءِ كَأَسَدٍ، يَكْمُنُ لِيَخْطِفَ الْمِسْكِينَ، يَخْطِفُ الْمِسْكِينَ وَيَأْخُذُهُ فِي شَبَكَتِهِ. يَسْحَقُ ضَحَايَاهُ وَيُحَطِّمُهُمْ عِنْدَمَا يَقَعُونَ فِي قَبْضَتِهِ. يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: ”اللهُ يَنْسَى، يَحْجُبُ وَجْهَهُ، وَلَا يَرَى مَا يَجْرِي.“ تَعَالَ يَا رَبُّ وَارْفَعْ يَدَكَ، لَا تَنْسَ الْمَسَاكِينَ. لِمَاذَا يَكْفُرُ الشِّرِّيرُ بِاللهِ وَيَقُولُ فِي نَفْسِهِ إِنَّكَ لَنْ تُحَاسِبَهُ؟ وَلَكِنَّكَ اللَّهُمَّ تَرَى، أَنْتَ تُلَاحِظُ الشَّقَاءَ وَالْغَمَّ. أَنْتَ تُجَازِي بِيَدِكَ، إِلَيْكَ يُسَلِّمُ الْمِسْكِينُ أَمْرَهُ، أَنْتَ نَاصِرُ الْيَتِيمِ. حَطِّمْ ذِرَاعَ الشِّرِّيرِ الْأَثِيمِ. حَاسِبْهُ عَلَى شَرِّهِ، حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ. رَبُّنَا هُوَ الْمَلِكُ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ، وَهُوَ يُبِيدُ مِنْ أَرْضِهِ الْكَافِرِينَ. أَنْتَ يَا رَبُّ تَسْمَعُ طَلَبَ الْمُتَضَايِقِينَ، وَتُشَجِّعُهُمْ وَتُصْغِي إِلَى صُرَاخِهِمْ. أَنْتَ تُحَامِي عَنِ الْيَتِيمِ وَالْمَظْلُومِ، فَلَا يَعُودُ الْإِنْسَانُ الْفَانِي يُخَوِّفُهُمْ. لداود. لقائد المغنين إِلَى اللهِ لَجَأْتُ، فَكَيْفَ تَقُولُونَ لِي: ”اُهْرُبْ إِلَى الْجِبَالِ كَالْعُصْفُورِ. لِأَنَّ الْأَشْرَارَ يَشُدُّونَ قَوْسَهُمْ، جَهَّزُوا سَهْمَهُمْ فِي الْوَتَرِ، لِيُطْلِقُوهُ فِي الظَّلَامِ عَلَى مَنْ قُلُوبُهُمْ نَقِيَّةٌ. إِنِ انْهَارَ الْأَسَاسُ فَمَاذَا يَعْمَلُ الصَّالِحُ؟“ اللهُ فِي بَيْتِهِ الْمُقَدَّسِ، اللهُ عَرْشُهُ فِي السَّمَاءِ. يُرَاقِبُ بَنِي آدَمَ، بِعَيْنَيْهِ يَفْحَصُهُمْ. اللهُ يَفْحَصُ الصَّالِحَ وَالشِّرِّيرَ. نَفْسُهُ تَكْرَهُ الشِّرِّيرَ وَمَنْ يُحِبُّ الظُّلْمَ. عَلَى الْأَشْرَارِ يُمْطِرُ نَارًا وَكِبْرِيتًا، وَيَبْتَلِيهِمْ بِعَوَاصِفِ الْحَيَاةِ. لِأَنَّ اللهَ عَادِلٌ وَيُحِبُّ الْعَدْلَ. يَرَى الْأَتْقِيَاءُ وَجْهَهُ. مزمور لداود لقائد المغنين، على الدرجة الثامنة الْعَوْنُ يَا رَبُّ! فَقَدِ انْقَرَضَ الْأَتْقِيَاءُ، زَالَ الْأُمَنَاءُ مِنْ بَيْنِ الْبَشَرِ. كُلُّ وَاحِدٍ يَغُشُّ صَاحِبَهُ. يَتَكَلَّمُونَ بِشِفَاهٍ مَاكِرَةٍ، وَقُلُوبٍ خَادِعَةٍ. أَسْكَتَ اللهُ كُلَّ الشِّفَاهِ الْمَاكِرَةِ، وَكُلَّ لِسَانٍ مُتَكَبِّرٍ، كُلَّ الَّذِينَ قَالُوا: ”نَغْلِبُ بِلِسَانِنَا، الْكَلَامُ نَصِيرُنَا، فَمَنْ يَسُودُ عَلَيْنَا؟“ قَالَ اللهُ: ”مِنْ أَجْلِ الضُّعَفَاءِ الْمَظْلُومِينَ، وَالْمُحْتَاجِينَ الَّذِينَ يَئِنُّونَ، أَقُومُ وَأَحْمِيهِمْ مِنَ الَّذِينَ يُضَايِقُونَهُمْ.“ كَلَامُ اللهِ كَلَامٌ نَقِيٌّ، كَفِضَّةٍ مُنَقَّاةٍ فِي بُوتَقَةٍ، صُفِّيَتْ 7 مَرَّاتٍ. أَنْتَ يَا رَبُّ تَحْفَظُنَا وَتَحْمِينَا إِلَى الْأَبَدِ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّاسِ. حِينَ تُكْرَمُ الرَّذِيلَةُ بَيْنَ النَّاسِ، يَتَبَخْتَرُ الْأَشْرَارُ حَوْلَنَا. لداود. لقائد المغنين إِلَى مَتَى يَا رَبُّ تَنْسَانِي؟ هَلْ إِلَى الْأَبَدِ؟ إِلَى مَتَى تَحْجُبُ وَجْهَكَ عَنِّي؟ إِلَى مَتَى أَفْكَارِي تُعَذِّبُنِي، وَالْحُزْنُ فِي قَلْبِي كُلَّ يَوْمٍ؟ إِلَى مَتَى يَنْتَصِرُ عَدُوِّي عَلَيَّ؟ اُنْظُرْ إِلَيَّ وَاسْتَجِبْ لِي يَا رَبِّي وَإِلَهِي. نَوِّرْ عَيْنَيَّ لِئَلَّا أَنَامَ نَوْمَةَ الْمَوْتِ. فَيَقُولَ عَدُوِّي: ”غَلَبْتُهُ!“ وَيَفْرَحَ خُصُومِي بِسُقُوطِي. لَكِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى رَحْمَتِكَ، يَفْرَحُ قَلْبِي لِأَنَّكَ تُنْقِذُنِي. أُغَنِّي لِرَبِّي لِأَنَّهُ أَحْسَنَ إِلَيَّ. لداود. لقائد المغنين قَالَ الْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: ”لَا يُوجَدُ إِلَهٌ.“ فَسَدَ الْبَشَرُ. أَعْمَالُهُمْ كَرِيهَةٌ. وَلَا وَاحِدٌ يَعْمَلُ الصَّلَاحَ. أَطَلَّ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى بَنِي الْبَشَرِ، لِيَرَى إِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ حَكِيمٌ يَطْلُبُ اللهَ. كُلُّهُمْ ضَلُّوا، كُلُّهُمْ فَسَدُوا، وَلَا وَاحِدٌ يَعْمَلُ الصَّلَاحَ، وَلَا حَتَّى وَاحِدٌ. أَلَا يَعْرِفُ فَاعِلُو الشَّرِّ، أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ شَعْبِي كَمَا يَأْكُلُونَ الْخُبْزَ، وَلَا يَدْعُونَ اللهَ؟ لِذَلِكَ يَسْتَوْلِي عَلَيْهِمُ الْخَوْفُ، لِأَنَّ اللهَ فِي صَفِّ الْأَتْقِيَاءِ. الْأَشْرَارُ يُعَارِضُونَ رَأْيَ الْمِسْكِينِ، لَكِنَّ اللهَ مَلْجَأُهُ. مَنْ يَأْتِي مِنَ الْقُدْسِ وَيَنْصُرُ أُمَّةَ اللهِ؟ حِينَ يَرُدُّ اللهُ ثَرْوَةَ شَعْبِهِ، يَفْرَحُ بَنُو يَعْقُوبَ وَيَبْتَهِجُ بَنُو إِسْرَائِيلَ. مزمور لداود يَا رَبُّ، مَنْ يَنْزِلُ فِي دَارِكَ؟ مَنْ يَسْكُنُ فِي جَبَلِكَ الْمُقَدَّسِ؟ الَّذِي يَسْلُكُ بِالْكَمَالِ، وَيَعْمَلُ الصَّلَاحَ، وَيَتَكَلَّمُ بِالصِّدْقِ مِنْ قَلْبِهِ، وَلَا يُشَوِّهُ سُمْعَةَ الْآخَرِينَ. الَّذِي لَا يُسِيءُ إِلَى صَاحِبِهِ، وَلَا يَرْتَكِبُ الْعَيْبَ فِي حَقِّ قَرِيبِهِ. الَّذِي يَحْتَقِرُ الشَّخْصَ النَّجِسَ، وَيُكْرِمُ مَنْ يَتَّقِي اللهَ. الَّذي يُوفِي بِمَا وَعَدَ مَهْمَا كَانَ الثَّمَنُ. الَّذِي لَا يُقْرِضُ مَالَهُ بِالرِّبَا، وَلَا يَقْبَلُ رَشْوَةً لِيَشْهَدَ ضِدَّ بَرِيءٍ. مَنْ يَعْمَلُ هَذَا لَا يَتَزَعْزَعُ أَبَدًا. كتابة لداود اللَّهُمَّ احْفَظْنِي لِأَنِّي إِلَيْكَ لَجَأْتُ. قُلْتُ للهِ: ”أَنْتَ رَبِّي، وَلَا هَنَاءَ لِي بَعِيدًا عَنْكَ.“ أَوْلِيَاءُ اللهِ الَّذِينَ فِي الْبِلَادِ، أُولَئِكَ الْأَفَاضِلُ، أَنَا أَفْرَحُ بِهِمْ جِدًّا. أَمَّا الَّذِينَ يَتْبَعُونَ آلِهَةً أُخْرَى، فَيَجْلِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مَصَائِبَ لَا تَنْتَهِي. لَنْ أَشْتَرِكَ مَعَهُمْ فِي عِبَادَتِهِمْ، وَلَنْ أَذْكُرَ أَسْمَاءَ آلِهَتِهِمْ عَلَى لِسَانِي. أَنْتَ يَا رَبُّ حَظِّي وَنَصِيبِي، وَفِيكَ سَدَادُ كُلِّ حَاجَتِي. أَنْتَ ضَامِنُ قِسْمَتِي. فِي أَحْسَنِ الْأَرْضِ جَاءَتْ حِصَّتِي، فَمَا أَجْوَدَ نَصِيبِي! أُبَارِكُ اللهَ الَّذِي يُرْشِدُنِي، وَحَتَّى فِي اللَّيْلِ قَلْبِي يُنْذِرُنِي. اللهُ أَمَامِي دَائِمًا، هُوَ عَنْ يَمِينِي، فَلَا أَضْطَرِبُ. لِهَذَا قَلْبِي فَرْحَانٌ وَلِسَانِي مُتَهَلِّلٌ، وَجِسْمِي أَيْضًا يَرْقُدُ عَلَى رَجَاءٍ. لِأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي عَالَمِ الْأَمْوَاتِ، وَلَنْ تَسْمَحَ لِقُدُّوسِكَ أَنْ يَتَعَفَّنَ فِي الْقَبْرِ. هَدَيْتَنِي إِلَى طَرِيقِ الْحَيَاةِ، تَمْلَأُنِي بِالْفَرَحِ فِي مَحْضَرِكَ، وَعَنْ يَمِينِكَ النَّعِيمُ الْمُقِيمُ. دعاء لداود اِسْتَمِعْ يَا رَبُّ لِلْحَقِّ، اِسْمَعْ صُرَاخِي! قَرِّبْ أُذُنَكَ إِلَى دُعَائِي، إِنَّهُ يَأْتِي مِنْ شَفَتَيْنِ لَا غِشَّ فِيهِمَا. دَافِعْ أَنْتَ عَنِّي، عَيْنَاكَ تَرَيَانِ الِاسْتِقَامَةَ. اِخْتَبَرْتَ قَلْبِي، رَاقَبْتَنِي فِي اللَّيْلِ، اِمْتَحَنْتَنِي. فَلَمْ تَجِدْ فِيَّ سُوءًا، وَلَا خَطِيئَةً فِي فَمِي. مَا لِي وَأَعْمَالُ النَّاسِ! بِفَضْلِ كَلَامِ شَفَتَيْكَ، حَفِظْتُ نَفْسِي مِنْ طَرِيقِ الْعُنْفِ. ثَبَّتُّ خَطَوَاتِي فِي طُرُقِكَ فَلَمْ تَزِلَّ قَدَمَايَ. أَدْعُوكَ اللَّهُمَّ لِأَنَّكَ تَسْتَجِيبُ لِي، قَرِّبْ أُذُنَكَ لِي وَاسْمَعْ صَلَاتِي. أَظْهِرْ بَدِيعَ رَحْمَتِكَ. الَّذِينَ يَلْجَأُونَ إِلَيْكَ مِنْ أَعْدَائِهِمْ، أَنْتَ تُنْقِذُهُمْ بِيَمِينِكَ. اِحْفَظْنِي كَحَدَقَةِ عَيْنِكَ، وَاسْتُرْنِي بِظِلِّ جَنَاحَيْكَ، مِنَ الْأَشْرَارِ الَّذِينَ يَهْجُمُونَ عَلَيَّ، مِنْ أَعْدَاءِ نَفْسِيَ الَّذِينَ يُحِيطُونَ بِي. قَلْبُهُمُ الْمُتَحَجِّرُ لَا يَشْفِقُ، أَفْوَاهُهُمْ تَتَكَلَّمُ بِعَجْرَفَةٍ. لَحِقُوا بِي، وَالْآنَ حَاصَرُونِي، وَثَبَّتُوا عُيُونَهُمْ عَلَيَّ لِيَطْرَحُونِي أَرْضًا. هُمْ كَأَسَدٍ جَائِعٍ إِلَى فَرِيسَةٍ، وَكَشِبْلٍ كَامِنٍ فِي مَخْبَأِهِ. تَقَدَّمْ يَا رَبُّ وَقِفْ فِي طَرِيقِهِمْ وَاصْرَعْهُمْ. نَجِّنِي مِنَ الشِّرِّيرِ بِسَيْفِكَ. أَنْقِذْنِي بِيَدِكَ يَا رَبُّ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّاسِ، مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الدُّنْيَا الَّذِينَ نَصِيبُهُمْ هُوَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ. اِمْتَلَأَتْ بُطُونُهُمْ مِنْ خَزَائِنِكَ، كَثُرَ أَبْنَاؤُهُمْ، يَتْرُكُونَ ثَرْوَةً لِأَوْلَادِهِمْ. أَمَّا أَنَا فَبِالصَّلَاحِ أُشَاهِدُ وَجْهَكَ. حِينَ أَسْتَيْقِظُ أَشْبَعُ بِطَلْعَتِكَ. لقائد المغنين. لداود عبد الله. فقد أنشد كلمات هذه الأغنية لله لما أنقذه من أيدي كل أعدائه ومن يد شاول أُحِبُّكَ يَا رَبُّ يَا قُوَّتِي. اللهُ مَلْجَأِي وَحِصْنِي وَمُنْقِذِي. إِلَهِي هُوَ مَلْجَأِي، وَبِهِ أَعْتَصِمُ. هُوَ حَامِيَّ وَمُنْقِذِيَ الْقَوِيُّ. هُوَ قَلْعَتِيَ الْحَصِينَةُ. أَدْعُو اللهَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ كُلَّ حَمْدٍ، فَأَنْجُو مِنْ أَعْدَائِي. حِبَالُ الْمَوْتِ حَاصَرَتْنِي، وَسُيُولُ الْهَلَاكِ غَمَرَتْنِي. حِبَالُ الْقَبْرِ الْتَفَّتْ حَوْلِي، وَفِخَاخُ الْمَوْتِ نُصِبَتْ لِي. فِي ضِيقِي دَعَوْتُ اللهَ، وَإِلَى إِلَهِي صَرَخْتُ. فَسَمِعَ صَوْتِي مِنْ بَيْتِهِ، وَصُرَاخِي إِلَيْهِ بَلَغَ أُذُنَيْهِ. فَارْتَعَشَتِ الْأَرْضُ وَتَزَلْزَلَتْ، اِرْتَجَفَتْ أُسُسُ الْجِبَالِ وَارْتَعَشَتْ لِأَنَّهُ غَضِبَ. طَلَعَ دُخَانٌ مِنْ أَنْفِهِ، وَنَارٌ آكِلَةٌ مِنْ فَمِهِ، كَأَنَّهَا جَمْرٌ مُشْتَعِلٌ. شَقَّ السَّمَاوَاتِ وَنَزَلَ، وَتَحْتَ قَدَمَيْهِ غُيُومٌ قَاتِمَةٌ. رَكِبَ الْمَلَائِكَةَ الْمُقَرَّبِينَ وَطَارَ، وَحَلَّقَ عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيحِ. جَعَلَ الظَّلَامَ غِطَاءً لَهُ، وَالضَّبَابَ الْقَاتِمَ وَالسَّحَابَ فِي السَّمَاءِ سِتَارًا حَوْلَهُ. مِنْ بَهَاءِ وُجُودِهِ عَبَرَتِ السُّحُبُ أَمَامَهُ، ثُمَّ بَرَدٌ وَبَرْقٌ. أَرْعَدَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ، رَفَعَ الْعَلِيُّ صَوْتَهُ. أَطْلَقَ سِهَامَهُ فَشَتَّتَ الْأَعْدَاءَ، وَأَرْسَلَ بَرْقًا عَظِيمًا فَهَزَمَهُمْ. ظَهَرَتْ أَعْمَاقُ الْبَحْرِ وَانْكَشَفَتْ أَسَاسَاتُ الْأَرْضِ، مِنْ تَوْبِيخِكَ يَا رَبُّ وَمِنْ حَرَارَةِ رِيحِ أَنْفِكَ. مَدَّ يَدَهُ مِنَ السَّمَاءِ وَأَمْسَكَنِي، وَانْتَشَلَنِي مِنَ الْمِيَاهِ الْعَمِيقَةِ. أَنْقَذَنِي مِنْ عَدُوِّيَ الْقَوِيِّ، وَمِنْ خُصُومِي لِأَنَّهُمْ أَقْوَى مِنِّي. فِي يَوْمِ بَلِيَّتِي هَجَمُوا عَلَيَّ، لَكِنَّ اللهَ كَانَ سَنَدِي. أَخْرَجَنِي إِلَى الرَّحْبِ، أَنْقَذَنِي لِأَنَّهُ فَرِحَ بِي. يُعَوِّضُنِي اللهُ حَسَبَ صَلَاحِي، يُكَافِئُنِي حَسَبَ طَهَارَةِ يَدَيَّ. لِأَنِّي سَلَكْتُ فِي طَرِيقِ اللهِ، وَلَمْ أَحِدْ عَنْ إِلَهِي إِلَى الشَّرِّ. أَحْكَامُهُ كُلُّهَا أَمَامِي، وَلَمْ أَحِدْ عَنْ فَرَائِضِهِ. وَكُنْتُ كَامِلًا مَعَهُ، وَحَفِظْتُ نَفْسِي مِنَ الْخَطِيئَةِ. يُكَافِئُنِي اللهُ حَسَبَ صَلَاحِي، وَحَسَبَ طَهَارَةِ يَدَيَّ قُدَّامَ عَيْنَيْهِ. أَنْتَ أَمِينٌ مَعَ الْأَمِينِ، وَكَامِلٌ مَعَ الْكَامِلِ. أَنْتَ طَاهِرٌ مَعَ الطَّاهِرِ، وَمَاكِرٌ مَعَ الْأَعْوَجِ. أَنْتَ تُنْقِذُ الْمُتَوَاضِعِينَ، وَتَخْفِضُ الْمُتَكَبِّرِينَ. أَنْتَ مِصْبَاحِي يَا رَبُّ، إِلَهِي يُحَوِّلُ ظَلَامِي إِلَى نُورٍ. بِمَعُونَتِكَ أَقْتَحِمُ جَيْشًا، بِمَعُونَةِ إِلَهِي أَتَسَلَّقُ الْأَسْوَارَ. طَرِيقُ اللهِ كَامِلٌ. كَلِمَةُ اللهِ نَقِيَّةٌ. وَهُوَ يَحْمِي كُلَّ الَّذِينَ يَلْجَأُونَ إِلَيْهِ. لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَلَا مَلْجَأَ غَيْرَ رَبِّنَا. هُوَ الْإِلَهُ الَّذِي يُسَلِّحُنِي بِالْقُوَّةِ، وَيَجْعَلُنِي أَسْلُكُ بِالْكَمَالِ. يُعْطِي رِجْلَيَّ سُرْعَةَ الْغَزَالَةِ، وَيُثَبِّتُنِي فِي الْأَعَالِي. يُعَلِّمُ يَدَيَّ الْقِتَالَ، فَتَحْنِي ذِرَاعَايَ قَوْسًا مِنْ نُحَاسٍ. أَنْتَ تَحْمِينِي وَتَنْصُرُنِي، يَمِينُكَ تَسْنُدُنِي، تُعَظِّمُنِي بِلُطْفِكَ. وَسَّعْتَ السَّبِيلَ لِخَطَوَاتِي، فَمَا زَلَّتْ قَدَمَايَ. أُطَارِدُ أَعْدَائِي وَأَلْحَقُهُمْ، وَلَا أَرْجِعُ حَتَّى أُفْنِيَهُمْ. أَصْرَعُهُمْ فَلَا يَقُومُونَ، بَلْ يَسْقُطُونَ تَحْتَ قَدَمَيَّ. تُسَلِّحُنِي بِالْقُوَّةِ لِلْقِتَالِ، وَتُخْضِعُ لِيَ الْقَائِمِينَ عَلَيَّ. تَجْعَلُ أَعْدَائِي يُدِيرُونَ الْقَفَا وَيَهْرُبُونَ، وَالَّذِينَ يُبْغِضُونِي أُفْنِيهِمْ. يَسْتَغِيثُونَ وَلَا مَنْ يُنْقِذُ، يَدْعُونَ اللهَ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَهُمْ. أَسْحَقُهُمْ كَالْغُبَارِ الَّذِي تُذَرِّيهِ الرِّيحُ، أَدُوسُهُمْ كَالطِّينِ فِي الشَّوَارِعِ. تُنْقِذُنِي مِنْ نِزَاعِ الشَّعْبِ، تَجْعَلُنِي سَيِّدًا لِلْأُمَمِ، شَعْبٌ لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ يَخْدِمُنِي. يَسْمَعُونَ أَمْرِي فَيُطِيعُونَ، الْغُرَبَاءُ يَتَذَلَّلُونَ لِي. الْغُرَبَاءُ يَرْتَعِبُونَ، يَخْرُجُونَ مِنْ حُصُونِهِمْ مُرْتَعِدِينَ. اللهُ حَيٌّ! تَبَارَكَ مَلْجَأِي! تَعَالَى اللهُ مُنْقِذِي! اللهُ يَنْتَقِمُ لِي، وَيُخْضِعُ الشُّعُوبَ تَحْتَ سُلْطَانِي. يُنْقِذُنِي مِنْ أَعْدَائِي. أَنْتَ تَرْفَعُنِي فَوْقَ الْقَائِمِينَ عَلَيَّ، وَمِنَ الظَّالِمِينَ تُنَجِّينِي. لِذَلِكَ أَحْمَدُكَ بَيْنَ الشُّعُوبِ يَا رَبُّ، وَأُرَنِّمُ لِاسْمِكَ. هُوَ مَانِحُ النَّصْرِ الْعَظِيمِ لِمَلِكِهِ، وَصَانِعُ الرَّحْمَةِ لِمُخْتَارِهِ، لِدَاوُدَ وَنَسْلِهِ إِلَى الْأَبَدِ. مزمور لداود. لقائد المغنين السَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِجَلَالِ اللهِ، قُبَّةُ السَّمَاءِ تُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ. يَوْمٌ يُخْبِرُ يَوْمًا وَلَيْلٌ يُعَلِّمُ لَيْلًا. وَذَلِكَ بِلَا كَلَامٍ وَلَا لُغَةٍ وَلَا صَوْتٍ مَسْمُوعٍ. وَمَعَ ذَلِكَ صَوْتُهُمْ يَبْلُغُ الْأَرْضَ كُلَّهَا، وَكَلَامُهُمْ يَصِلُ إِلَى جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْعَالَمِ. أَعَدَّ مَكَانًا فِي السَّمَاوَاتِ تَرُوحُ إِلَيْهِ الشَّمْسُ. وَهِيَ مِثْلُ الْعَرِيسِ الْخَارِجِ مِنْ غُرْفَتِهِ، وَمِثْلُ بَطَلٍ فَرْحَانٍ لِلسِّبَاقِ. تُشْرِقُ مِنْ آخِرِ السَّمَاوَاتِ، وَتَدُورُ إِلَى آخِرِهَا، وَلَا شَيْءَ يَخْتَفِي مِنْ حَرِّهَا. شَرِيعَةُ اللهِ كَامِلَةٌ تُنْعِشُ النَّفْسَ. قَانُونُ اللهِ صَادِقٌ يَجْعَلُ الْجَاهِلَ حَكِيمًا. وَصَايَا اللهِ مُسْتَقِيمَةٌ تُفَرِّحُ الْقَلْبَ. أَمْرُ اللهِ نَقِيٌّ يُنِيرُ الْعَيْنَيْنِ. مَخَافَةُ اللهِ طَاهِرَةٌ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. أَحْكَامُ اللهِ حَقٌ وَعَادِلَةٌ كُلُّهَا. هِيَ أَثْمَنُ مِنَ الذَّهَبِ النَّقِيِّ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ الَّذِي يَقْطُرُ مِنْ أَقْرَاصِ الشَّهْدِ. عَبْدُكَ يَهْتَدِي بِهَا، وَفِي إِطَاعَتِهَا ثَوَابٌ عَظِيمٌ. مَنْ يَتَنَبَّهُ إِلَى سَهَوَاتِهِ؟ مِنَ الْخَطَايَا الْخَفِيَّةِ نَقِّنِي. وَمِنَ الْكَبَائِرِ أَيْضًا احْفَظْ عَبْدَكَ لِكَيْ لَا تَتَسَلَّطَ عَلَيَّ، فَأَكُونَ كَامِلًا وَأَتَبَرَّأَ مِنْ ذَنْبٍ عَظِيمٍ. لِتَكُنْ أَقْوَالُ فَمِي وَخَوَاطِرُ قَلْبِي مَرْضِيَّةً أَمَامَكَ، يَا رَبُّ يَا مَلْجَأِي وَفَادِيَّ. مزمور لداود. لقائد المغنين يَسْتَجِيبُ اللهُ لَكَ حِينَ تَكُونُ فِي ضِيقٍ، يَحْمِيكَ اسْمُ رَبِّ يَعْقُوبَ. يُرْسِلُ لَكَ عَوْنًا مِنْ بَيْتِهِ، وَسَنَدًا مِنْ جَبَلِهِ الْمُقَدَّسِ. يَرْضَى عَنْ كُلِّ قَرَابِينِكَ، وَيَقْبَلُ كُلَّ ضَحِيَّةٍ مِنْكَ. يُعْطِيكَ مُنْيَةَ قَلْبِكَ، وَيُتَمِّمُ لَكَ كُلَّ مَقَاصِدِكَ. فَنَهْتِفُ لِأَنَّكَ مَنْصُورٌ، وَبِاسْمِ إِلَهِنَا نَرْفَعُ رَايَتَنَا. يُعْطِيكَ اللهُ كُلَّ طَلَبٍ لَكَ. الْآنَ عَلِمْتُ أَنَّ اللهَ يُنْقِذُ مُخْتَارَهُ، وَيَسْتَجِيبُ لَهُ مِنْ سَمَاوَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ بِقُدْرَةِ يَمِينِهِ الْمُنْقِذَةِ. يَتَّكِلُ الْبَعْضُ عَلَى الْمَرْكَبَاتِ الْحَرْبِيَّةِ، وَالْبَعْضُ الْآخَرُ عَلَى الْخَيْلِ، أَمَّا نَحْنُ فَنَتَّكِلُ عَلَى اسْمِ الْمَوْلَى إِلَهِنَا. هُمْ يَتَرَنَّحُونَ وَيَسْقُطُونَ، أَمَّا نَحْنُ فَنَقُومُ وَنَثْبُتُ. يَا رَبُّ انْصُرِ الْمَلِكَ، وَاسْتَجِبْ لَنَا حِينَ نَدْعُوكَ. مزمور لداود. لقائد المغنين يَا رَبُّ، بِقُوَّتِكَ يَفْرَحُ الْمَلِكُ، وَبِنَصْرِكَ يَبْتَهِجُ جِدًّا. أَعْطَيْتَهُ رَغْبَةَ قَلْبِهِ، وَلَمْ تَمْنَعْ عَنْهُ مَا طَلَبَهُ. قَابَلْتَهُ بِبَرَكَاتٍ غَنِيَّةٍ، وَوَضَعْتَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجًا مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ. طَلَبَ مِنْكَ حَيَاةً فَأَعْطَيْتَهَا لَهُ، عُمْرًا طَوِيلًا إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ. مَجْدُهُ عَظِيمٌ بِفَضْلِ نَصْرِكَ، حَمَّلْتَهُ بِالْبَهَاءِ وَالْجَلَالِ. أَعْطَيْتَهُ بَرَكَاتٍ أَبَدِيَّةً، وَمَلَأْتَهُ بِالْفَرَحِ فِي مَحْضَرِكَ. لِأَنَّ الْمَلِكَ يَتَوَكَّلُ عَلَى اللهِ، وَبِنِعْمَةِ الْعَلِيِّ لَا يَتَزَعْزَعُ. يَدُكَ تَظْفَرُ بِكُلِّ أَعْدَائِكَ، يَمِينُكَ تَبْلُغُ إِلَى خُصُومِكَ. حِينَ تَأْتِي تَحْرِقُهُمْ كَمَا فِي كَانُونٍ مُشْتَعِلٍ، فِي غَضَبِكَ تَبْلَعُهُمْ، وَنَارُكَ تَأْكُلُهُمْ. تُبِيدُ نَسْلَهُمْ مِنَ الْأَرْضِ، وَذُرِّيَّتَهُمْ مِنْ بَيْنِ بَنِي آدَمَ. مَعَ أَنَّهُمْ يَتَآمَرُونَ بِالشَّرِّ ضِدَّكَ، وَيُدَبِّرُونَ مَكِيدَةً، لَكِنَّهُمْ لَا يَنْجَحُونَ. لِأَنَّكَ تَجْعَلُهُمْ يُدِيرُونَ الْقَفَا حِينَ تُصَوِّبُ الْقَوْسَ نَحْوَهُمْ. اِرْتَفِعْ يَا رَبُّ بِقُوَّتِكَ، فَنُغَنِّيَ وَنُسَبِّحَ قُدْرَتَكَ. مزمور لداود. لقائد المغنين، على نغمة ”غزالة الصبح“ إِلَهِي، إِلَهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟ لِمَاذَا أَنْتَ بَعِيدٌ عَنْ إِنْقَاذِي، وَعَنْ صَوْتِ تَنَهُّدِي؟ إِلَهِي، أَصْرُخُ فِي النَّهَارِ فَلَا تُجِيبُنِي، وَفِي اللَّيْلِ فَلَا رَاحَةَ لِي. مَعَ أَنَّكَ أَنْتَ الْقُدُّوسُ الْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِ، وَشَعْبُكَ يُسَبِّحُكَ. عَلَيْكَ اتَّكَلَ آبَاؤُنَا، اتَّكَلُوا عَلَيْكَ فَنَجَّيْتَهُمْ. صَرَخُوا إِلَيْكَ فَنَجَوْا، وَاتَّكَلُوا عَلَيْكَ فَلَمْ يَخِيبُوا. أَمَّا أَنَا فَدُودَةٌ لَا إِنْسَانٌ. مُحْتَقَرٌ بَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْبُوذٌ بَيْنَ الشَّعْبِ. كُلُّ الَّذِينَ يَرَوْنِي يَهْزَأُونَ بِي، يَشْتِمُونِي وَيَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ: ”كَانَ يَتَوَكَّلُ عَلَى اللهِ، فَلَعَلَّ اللهَ يُنْقِذُهُ وَيُنَجِّيهِ لِأَنَّهُ سُرَّ بِهِ.“ أَنْتَ أَخْرَجْتَنِي مِنَ الْبَطْنِ، جَعَلْتَنِي مُطْمَئِنًّا وَأَنَا مَا زِلْتُ عَلَى صَدْرِ أُمِّي. مُنْذُ وِلَادَتِي وَأَنْتَ تَرْعَانِي، مُنْذُ كُنْتُ فِي بَطْنِ أُمِّي أَنْتَ إِلَهِي. لَا تَبْعُدْ عَنِّي، لِأَنَّ الضِّيقَ قَرِيبٌ وَلَا مُعِينَ لِي. أَعْدَاءٌ كَثِيرُونَ وَأَشِدَّاءُ مِثْلُ ثِيرَانِ بَاشَانَ أَحَاطُوا بِي وَحَاصَرُونِي. فَتَحُوا لِي أَفْوَاهَهُمْ كَأُسُودٍ مُفْتَرِسَةٍ مُزَمْجِرَةٍ. اِنْسَكَبْتُ كَالْمَاءِ. اِنْحَلَّتْ كُلُّ عِظَامِي. صَارَ قَلْبِي كَالشَّمْعِ، ذَابَ فِي دَاخِلِي. يَبِسَتْ قُوَّتِي كَشَقْفَةٍ مِنَ الْخَزَفِ. لَصِقَ لِسَانِي بِحَنَكِي. فِي تُرَابِ الْمَوْتِ تَضَعُنِي. أَحَاطَتِ الْكِلَابُ بِي، عِصَابَةٌ مِنَ الْأَشْرَارِ طَوَّقَتْنِي. ثَقَبُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ. فِي إِمْكَانِي أَنْ أَعُدَّ كُلَّ عِظَامِي، وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيَّ وَيَتَفَرَّسُونَ فِيَّ. يَقْسِمُونَ ثِيَابِي بَيْنَهُمْ، وَعَلَى مَلَابِسِي يُلْقُونَ قُرْعَةً. يَا رَبُّ لَا تَبْعُدْ عَنِّي. يَا قُوَّتِي أَسْرِعْ إِلَى مَعُونَتِي. أَنْقِذْ حَيَاتِي مِنَ السَّيْفِ، حَيَاتِيَ الْغَالِيَةَ مِنْ مَخَالِبِ الْكِلَابِ. أَنْقِذْنِي مِنْ فَمِ الْأَسَدِ، نَجِّنِي مِنْ بَيْنِ قُرُونِ الثِّيرَانِ الْوَحْشِيَّةِ. أُعْلِنُ اسْمَكَ لِإِخْوَتِي، وَأُسَبِّحُكَ وَسَطَ الْجَمَاعَةِ. سَبِّحُوا رَبَّنَا يَا كُلَّ مَنْ يَتَّقُونَهُ! أَكْرِمُوهُ يَا جَمِيعَ نَسْلِ يَعْقُوبَ! اِخْشَوْهُ يَا كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. لِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَقِرْ وَلَمْ يَنْفُرْ مِنْ بُؤْسِ الْمِسْكِينِ، وَلَا حَجَبَ عَنْهُ وَجْهَهُ، بَلِ اسْتَجَابَ لَهُ لَمَّا صَرَخَ إِلَيْهِ. أُسَبِّحُكَ يَا رَبُّ فِي الْمَحْفَلِ الْعَظِيمِ. أُوفِي نُذُورِي أَمَامَ الَّذِينَ يَتَّقُونَكَ. يَأْكُلُ الْوُدَعَاءُ وَيَشْبَعُونَ، وَالَّذِينَ يَطْلُبُونَ اللهَ يُسَبِّحُونَهُ. تَحْيَا قُلُوبُكُمْ إِلَى الْأَبَدِ. كُلُّ أَنْحَاءِ الْأَرْضِ تَتَذَكَّرُ وَتَرْجِعُ إِلَى اللهِ، وَكُلُّ قَبَائِلِ الْأُمَمِ تَسْجُدُ لَهُ. لِأَنَّ الْمُلْكَ للهِ، وَهُوَ يَتَسَلَّطُ عَلَى الْأُمَمِ. كُلُّ أَغْنِيَاءِ الْأَرْضِ يَأْكُلُونَ وَيَعْبُدُونَكَ يَا رَبُّ، كُلُّ النَّازِلِينَ إِلَى التُّرَابِ وَمَنْ هُمْ إِلَى الْفَنَاءِ يَسْجُدُونَ لَكَ. نَسْلُهُمْ يَعْبُدُكَ، وَالْجِيلُ الْقَادِمُ يَسْمَعُ عَنْ رَبِّنَا. وَيُخْبِرُ الَّذِينَ سَيُولَدُونَ فِيمَا بَعْدُ عَنْ صَلَاحِهِ وَأَعْمَالِهِ. مزمور لداود اللهُ رَاعِيَّ فَلَا أَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ. فِي مَرَاعٍ خَضْرَاءَ يُرِيحُنِي، إِلَى مِيَاهٍ هَادِئَةٍ يَهْدِينِي. يُنْعِشُ نَفْسِي، يُرْشِدُنِي إِلَى طُرُقٍ صَالِحَةٍ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ. حَتَّى إِنْ سِرْتُ فِي وَادِي الْمَوْتِ الْمُظْلِمِ، لَا أَخَافُ الْأَذَى لِأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ يُعَزِّيَانِي. تَبْسُطُ قُدَّامِي وَلِيمَةً، عَلَى مَشْهَدٍ مِنْ أَعْدَائِي. تَدْهِنُ بِالزَّيْتِ رَأْسِي، وَتَمْلَأُ كَأْسِي حَتَّى تَفِيضَ. حَقًّا، خَيْرٌ وَرَحْمَةٌ يُرَافِقَانِي طُولَ عُمْرِي، وَأَسْكُنُ فِي دَارِكَ يَا رَبُّ كُلَّ الْأَيَّامِ. مزمور لداود لِرَبِّنَا الْأَرْضُ وَكُلُّ مَا عَلَيْهَا. لَهُ الدُّنْيَا وَكُلُّ سُكَّانِهَا. لِأَنَّهُ هُوَ أَسَّسَهَا عَلَى الْبِحَارِ، وَعَلَى الْأَنْهَارِ ثَبَّتَهَا. مَنْ يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَصْعَدَ جَبَلَ اللهِ، وَيَقِفَ فِي بَيْتِهِ الْمُقَدَّسِ؟ الَّذِي هُوَ طَاهِرُ الْيَدَيْنِ وَنَقِيُّ الْقَلْبِ، لَا يَعْبُدُ إِلَهًا بَاطِلًا وَلَا يَحْلِفُ كِذْبًا. يَنَالُ بَرَكَةً مِنْ رَبِّهِ، وَصَلَاحًا مِنَ اللهِ مُنْقِذِهِ. هَذَا نَصِيبُ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ، وَيَطْلُبُ وَجْهَ رَبِّ يَعْقُوبَ. اِنْفَتِحِي أَيَّتُهَا الْبَوَّابَاتُ، اِنْفَتِحِي عَلَى آخِرِكِ أَيَّتُهَا الْبَوَّابَاتُ الْقَدِيمَةُ، فَيَدْخُلَ الْمَلِكُ صَاحِبُ الْجَلَالَةِ. مَنْ هُوَ هَذَا الْمَلِكُ صَاحِبُ الْجَلَالَةِ؟ هُوَ رَبُّنَا الْقَوِيُّ الْقَدِيرُ، رَبُّنَا الْقَدِيرُ فِي الْحَرْبِ. اِنْفَتِحِي أَيَّتُهَا الْبَوَّابَاتُ، اِنْفَتِحِي عَلَى آخِرِكِ أَيَّتُهَا الْبَوَّابَاتُ الْقَدِيمَةُ، فَيَدْخُلَ الْمَلِكُ صَاحِبُ الْجَلَالَةِ. مَنْ هُوَ هَذَا الْمَلِكُ صَاحِبُ الْجَلَالَةِ؟ رَبُّنَا الْجَبَّارُ هُوَ الْمَلِكُ صَاحِبُ الْجَلَالَةِ. لداود لَكَ وَهَبْتُ نَفْسِي يَا رَبُّ، وَعَلَيْكَ أَتَوَكَّلُ يَا إِلَهِي. فَلَا تَسْمَحْ بِأَنْ أَخِيبَ، وَلَا بِأَنْ يَشْمَتَ بِي أَعْدَائِي. كُلُّ مَنْ يَرْجُوكَ لَا يَخِيبُ. أَمَّا الَّذِينَ يَغْدِرُونَ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَيَخِيبُونَ. يَا رَبُّ عَرِّفْنِي طُرُقَكَ، عَلِّمْنِي سُبُلَكَ، اِهْدِنِي إِلَى حَقِّكَ وَعَلِّمْنِي، لِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ مُنْقِذِي، وَإِيَّاكَ أَرْجُو طُولَ النَّهَارِ. اُذْكُرْ يَا رَبُّ رَحْمَتَكَ وَإِحْسَانَكَ لِأَنَّهُمَا مُنْذُ الْأَزَلِ. لَا تَذْكُرْ ذُنُوبِي وَمَعَاصِيَّ الَّتِي ارْتَكَبْتُهَا فِي صِبَايَ. بَلِ اذْكُرْنِي فِي رَحْمَتِكَ يَا رَبُّ، لِأَنَّكَ طَيِّبٌ. رَبُّنَا طَيِّبٌ وَصَالِحٌ، لِذَلِكَ يُرْشِدُ الضَّالِّينَ إِلَى الطَّرِيقِ. يَهْدِي الْوُدَعَاءَ إِلَى الْحَقِّ وَيُعَلِّمُهُمْ طَرِيقَهُ. كُلُّ طُرُقِ اللهِ رَحْمَةٌ وَأَمَانَةٌ لِمَنْ يُطِيعُونَ عَهْدَهُ وَإِرْشَادَاتِهِ. مِنْ أَجْلِ اسْمِكَ يَا رَبُّ، اِغْفِرْ ذَنْبِي لِأَنَّهُ عَظِيمٌ. مَنْ هُوَ الْإِنْسَانُ الَّذِي يَتَّقِي اللهَ؟ اللهُ يُرْشِدُهُ إِلَى طَرِيقٍ يَخْتَارُهَا لَهُ. يَقْضِي أَيَّامَهُ فِي خَيْرٍ، وَنَسْلُهُ يَمْلِكُ الْأَرْضَ. رَبُّنَا يُعْطِي سِرَّهُ لِمَنْ يَتَّقُونَهُ، وَيُطْلِعُهُمْ عَلَى عَهْدِهِ. عَيْنَايَ عَلَى اللهِ دَائِمًا، لِأَنَّهُ هُوَ يُخْرِجُ مِنَ الْفَخِّ رِجْلَيَّ. اِلْتَفِتْ إِلَيَّ وَتَحَنَّنْ عَلَيَّ، لِأَنِّي وَحِيدٌ وَمِسْكِينٌ. زَادَتْ مَتَاعِبُ قَلْبِي، أَفْرِجْ عَنِّي كَرْبِي. اُنْظُرْ إِلَى ضِيقِي وَذُلِّي، وَاغْفِرْ كُلَّ ذُنُوبِي. اُنْظُرْ كَيْفَ كَثُرَ أَعْدَائِي، وَهُمْ يَكْرَهُونِي وَيُبْغِضُونِي جِدًّا. اِحْفَظْ نَفْسِي وَأَنْقِذْنِي، لَا تَسْمَحْ بِأَنْ أَخِيبَ، لِأَنِّي إِلَيْكَ لَجَأْتُ. نَزَاهَتِي وَاسْتِقَامَتِي تَحْفَظَانِي، لِأَنَّ رَجَائِي فِيكَ. اللَّهُمَّ افْدِ شَعْبَكَ مِنْ كُلِّ ضِيقَاتِهِ. لداود أَنْصِفْنِي يَا رَبُّ لِأَنِّي سَلَكْتُ بِالْإِخْلَاصِ. تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ بِلَا تَرَدُّدٍ. اِخْتَبِرْنِي يَا رَبُّ وَامْتَحِنِّي، اِفْحَصْ قَلْبِي وَفِكْرِي. أَرَى رَحْمَتَكَ أَمَامِي، وَدَائِمًا تَقُودُنِي بِأَمَانَتِكَ. لَا أَجْلِسُ مَعَ الْمَاكِرِينَ، وَلَا أَنْسَجِمُ مَعَ الْمُنَافِقِينَ. أَكْرَهُ اجْتِمَاعَ أَهْلِ السُّوءِ، وَأَرْفُضُ أَنْ أَجْلِسَ مَعَ الْأَشْرَارِ. أَغْسِلُ يَدَيَّ فَتَظْهَرُ بَرَاءَتِي. أَطُوفُ بِمَنَصَّةِ قُرْبَانِكَ يَا رَبُّ، وَأَهْتِفُ بِحَمْدِكَ، وَأُخْبِرُ بِكُلِّ أَعْمَالِكَ الْعَجِيبَةِ. أُحِبُّ الدَّارَ الَّتِي تُقِيمُ فِيهَا يَا رَبُّ، وَالْمَكَانَ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ جَلَالُكَ. فَلَا تَجْمَعْ مَعَ الْخُطَاةِ نَفْسِي، وَلَا حَيَاتِي مَعَ الَّذِينَ يَسْفِكُونَ الدَّمَ، الَّذِينَ فِي أَيْدِيهِمْ شَرٌّ، وَيَمِينُهُمْ مَلْآنَةٌ رَشْوَةً. أَمَّا أَنَا فَأَسْلُكُ بِالْإِخْلَاصِ، اِفْدِنِي وَارْحَمْنِي. رِجْلَايَ وَاقِفَتَانِ عَلَى أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ، أُبَارِكُ اللهَ فِي الْمَحْفَلِ الْعَظِيمِ. لداود اللهُ نُورِي وَنَجَاتِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟ اللهُ حِصْنُ حَيَاتِي، مِمَّنْ أَرْتَعِبُ؟ حِينَ يَأْتِي عَلَيَّ الْأَشْرَارُ لِيَأْكُلُوا لَحْمِي، حِينَ يَهْجُمُ عَلَيَّ أَعْدَائِي وَخُصُومِي، يَعْثُرُونَ وَيَسْقُطُونَ. إِنِ اصْطَفَّ ضِدِّي جَيْشٌ، لَا يَخَافُ قَلْبِي. إِنْ نَشَبَتْ عَلَيَّ حَرْبٌ، أَبْقَى فِي ذَلِكَ مُطْمَئِنًّا. طَلَبْتُ مِنَ اللهِ أَمْرًا وَاحِدًا، وَهَذَا هُوَ مُلْتَمَسِي، أَنْ أُقِيمَ فِي دَارِهِ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي، لِكَيْ أَتَأَمَّلَ فِي جَمَالِهِ، وَأَطْلُبَ وَجْهَهُ فِي بَيْتِهِ. لِأَنَّهُ فِي يَوْمِ الشَّرِّ يَحْمِينِي فِي دَارِهِ، وَيُخَبِّئُنِي دَاخِلَ خَيْمَتِهِ. عَلَى صَخْرَةٍ عَالِيَةٍ يَرْفَعُنِي، فَتَرْتَفِعُ رَأْسِي عَلَى أَعْدَائِيَ الَّذِينَ يُحِيطُونَ بِي. أُقَدِّمُ لَهُ الْقَرَابِينَ فِي خَيْمَتِهِ بِهُتَافِ الْفَرَحِ. أُغَنِّي وَأَعْزِفُ للهِ. اِسْمَعْ صَوْتِي يَا رَبُّ حِينَ أَدْعُوكَ، اِرْحَمْنِي وَاسْتَجِبْ لِي. أَنْتَ قُلْتَ: ”اُطْلُبُوا وَجْهِي!“ لِذَلِكَ قَالَ قَلْبِي لَكَ: ”يَا رَبُّ أَطْلُبُ وَجْهَكَ.“ لَا تَحْجُبْ وَجْهَكَ عَنِّي. لَا تَغْضَبْ عَلَيَّ، وَلَا تُبْعِدْنِي عَنْكَ. أَنْتَ مُعِينِي. لَا تَرْفُضْنِي وَلَا تَتْرُكْنِي، أَنْتَ مُنْقِذِي يَا اللهُ. حَتَّى وَإِنْ تَرَكَنِي أَبِي وَأُمِّي، فَاللهُ يَرْعَانِي. عَلِّمْنِي يَا رَبُّ طَرِيقَكَ، اِهْدِنِي إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ لِأَنَّ لِي أَعْدَاءَ. لَا تُسَلِّمْنِي إِلَى إِرَادَةِ خُصُومِي، لِأَنَّهُ قَامَ عَلَيَّ شُهُودُ زُورٍ يُهَدِّدُونِي بِالْعُنْفِ. لَكِنِّي أَثِقُ بِأَنِّي سَأَرَى إِحْسَانَ اللهِ وَأَنَا حَيٌّ. اِنْتَظِرْ رَبَّكَ، تَقَوَّ وَتَشَجَّعْ وَانْتَظِرْ رَبَّكَ. لداود إِلَيْكَ أَصْرُخُ يَا رَبُّ يَا مَلْجَأِي، فَلَا تَسُدَّ أُذُنَيْكَ عَنِّي. إِنْ كُنْتَ لَا تَنْتَبِهُ إِلَيَّ، أُشْبِهُ النَّازِلِينَ إِلَى الْحُفْرَةِ. اِسْمَعْ تَضَرُّعِي. إِنِّي أَسْتَغِيثُ بِكَ. إِلَيْكَ أَرْفَعُ يَدَيَّ نَحْوَ مِحْرَابِكَ الْمُقَدَّسِ. لَا تَطْرَحْنِي مَعَ الْأَشْرَارِ وَالَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ، الَّذِينَ يُكَلِّمُونَ أَصْحَابَهُمْ بِمَوَدَّةٍ، وَلَكِنَّهُمْ يُضْمِرُونَ الشَّرَّ فِي قُلُوبِهِمْ. جَازِهِمْ عَلَى أَفْعَالِهِمْ وَسَيِّئَاتِهِمْ، جَازِهِمْ عَلَى عَمَلِ أَيْدِيهِمْ، أَعْطِهِمْ مَا يَسْتَحِقُّونَ. إِنَّهُمْ لَا يُبَالُونَ بِأَعْمَالِ اللهِ وَلَا بِمَا صَنَعَتْهُ يَدَاهُ، لِذَلِكَ يَهْدِمُهُمْ وَلَا يَعُودُ يَبْنِيهِمْ. تَبَارَكَ اللهُ لِأَنَّهُ سَمِعَ تَضَرُّعِي. اللهُ قُوَّتِي وَحَامِيَّ. عَلَيْهِ اتَّكَلَ قَلْبِي فَانْتَصَرْتُ. قَلْبِي فَرْحَانٌ، أَحْمَدُهُ بِالْغِنَاءِ. اللهُ قُوَّةُ شَعْبِهِ، وَحِصْنُ نَجَاةِ مُخْتَارِهِ. أَنْقِذْ شَعْبَكَ، وَبَارِكْ نَصِيبَكَ، كُنْ رَاعِيًا لَهُمْ وَاحْمِلْهُمْ إِلَى الْأَبَدِ. مزمور لداود قَدِّمِي للهِ أَيَّتُهَا الْكَائِنَاتُ السَّمَائِيَّةُ، قَدِّمِي للهِ مَجْدًا وَعِزًّا. قَدِّمِي للهِ مَجْدًا لِاسْمِهِ. اُعْبُدِي اللهَ لِأَنَّهُ مَجِيدٌ وَقُدُّوسٌ. صَوْتُ اللهِ يُدَوِّي فَوْقَ الْمِيَاهِ. صَاحِبُ الْجَلَالَةِ أَرْعَدَ، اللهُ أَرْعَدَ فَوْقَ الْمِيَاهِ الْغَزِيرَةِ. صَوْتُ اللهِ يُدَوِّي بِقُوَّةٍ، صَوْتُ اللهِ يُدَوِّي بِجَلَالٍ. صَوْتُ اللهِ يُكَسِّرُ شَجَرَ الْأَرْزِ، اللهُ يُكَسِّرُ أَرْزَ لُبْنَانَ. يَجْعَلُ لُبْنَانَ يَقْفِزُ كَالْعِجْلِ، وَجَبَلَ حَرْمُونَ يَقْفِزُ كَالثَّوْرِ الصَّغِيرِ. صَوْتُ اللهِ يَقْدَحُ لَهِيبًا وَبَرْقًا. صَوْتُ اللهِ يُزَلْزِلُ الصَّحْرَاءَ، اللهُ يُزَلْزِلُ صَحْرَاءَ قَادِشَ. صَوْتُ اللهِ يَلْوِي الْبَلُّوطَ، وَيُجَرِّدُ الْغَابَةَ، وَفِي بَيْتِهِ الْكُلُّ يَهْتِفُ: ”مَجْدًا.“ اللهُ عَلَى الْعَرْشِ مَلِكٌ فَوْقَ الطُّوفَانِ، اللهُ عَلَى الْعَرْشِ مَلِكٌ إِلَى الْأَبَدِ. اللهُ يُعْطِي قُوَّةً لِشَعْبِهِ، اللهُ يُبَارِكُ شَعْبَهُ بِالسَّلَامِ. مزمور لداود. نشيد تدشين الدار أُعَظِّمُكَ يَا رَبُّ لِأَنَّكَ أَنْقَذْتَنِي، وَلَمْ تَجْعَلْ أَعْدَائِي يَشْمَتُونَ بِي. اِسْتَغَثْتُ بِكَ فَشَفَيْتَنِي يَا رَبِّي وَإِلَهِي. يَا رَبُّ أَنْتَ أَخْرَجْتَنِي مِنَ الْقَبْرِ، وَنَجَّيْتَنِي مِنَ النُّزُولِ إِلَى الْحُفْرَةِ. يَا مَنْ تَتَّقُونَ اللهَ غَنُّوا لَهُ، سَبِّحُوا اسْمَهُ الْقُدُّوسَ. غَضَبُهُ يَبْقَى لَحْظَةً فَقَطْ، أَمَّا رِضَاهُ فَطُولَ الْعُمْرِ. يَظَلُّ الْبُكَاءُ لَيْلَةً، وَفِي الصُّبْحِ يَأْتِي الْفَرَحُ. أَنَا فِي طُمَأْنِينَتِي قُلْتُ: ”لَا أَتَزَعْزَعُ أَبَدًا.“ لَمَّا رَضِيتَ عَلَيَّ يَا رَبُّ جَعَلْتَنِي أَثْبُتُ كَالْجَبَلِ الرَّاسِخِ، لَكِنْ لَمَّا حَجَبْتَ وَجْهَكَ عَنِّي ارْتَعَبْتُ. إِلَيْكَ أَصْرُخُ يَا رَبُّ، إِلَى اللهِ أَتَضَرَّعُ. مَا الْفَائِدَةُ مِنْ مَوْتِي وَنُزُولِي إِلَى الْحُفْرَةِ؟ هَلْ يَحْمَدُكَ التُّرَابُ؟ أَوْ يُخْبِرُ بِأَمَانَتِكَ؟ اِسْمَعْ يَا رَبُّ وَارْحَمْنِي، كُنْ مُعِينِي يَا رَبُّ. حَوَّلْتَ نَوْحِي إِلَى رَقْصٍ. خَلَعْتَ عَنِّي خَيْشَ الْحِدَادِ، وَأَلْبَسْتَنِي ثَوْبَ الْفَرَحِ. لِكَيْ يُغَنِّيَ قَلْبِي لَكَ وَلَا يَسْكُتَ. أَحْمَدُكَ إِلَى الْأَبَدِ يَا رَبِّي وَإِلَهِي. مزمور لداود. لقائد المغنين إِلَيْكَ لَجَأْتُ يَا رَبُّ، لَا تَسْمَحْ بِأَنْ أَخِيبَ، بَلْ نَجِّنِي بِصَلَاحِكَ. قَرِّبْ لِي أُذُنَكَ، أَسْرِعْ إِلَى نَجَاتِي. كُنْ لِي صَخْرَةً تَحْمِينِي، حِصْنًا قَوِيًّا يُنْقِذُنِي. أَنْتَ مَلْجَأِي وَحِصْنِي، وَمِنْ أَجْلِ اسْمِكَ تَهْدِينِي وَتُرْشِدُنِي. أَخْرِجْنِي مِنَ الْفَخِّ الَّذِي نَصَبُوهُ لِي، لِأَنَّكَ أَنْتَ مَلْجَأِي. أَضَعُ رُوحِي وَدِيعَةً فِي يَدَيْكَ، فَدَيْتَنِي يَا رَبُّ، يَا إِلَهِيَ الْأَمِينَ. كَرِهْتُ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ التَّافِهَةَ. أَمَّا أَنَا فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ. أَبْتَهِجُ وَأَفْرَحُ بِرَحْمَتِكَ، لِأَنَّكَ رَأَيْتَ ذُلِّي، وَاعْتَنَيْتَ بِي فِي ضِيقِي. لَمْ تُسَلِّمْنِي إِلَى يَدِ الْعَدُوِّ، بَلْ وَضَعْتَنِي فِي مَكَانٍ فَسِيحٍ. اِرْحَمْنِي يَا رَبُّ، لِأَنِّي فِي ضِيقٍ. ضَعُفَتْ عَيْنَايَ مِنَ الْغَمِّ، وَأَيْضًا نَفْسِي وَجِسْمِي. ضَاعَتْ حَيَاتِي فِي الْحُزْنِ وَعُمْرِي فِي الْأَنِينِ. ضَعُفَتْ قُوَّتِي مِنَ الشَّقَاءِ، وَبَلِيَتْ عِظَامِي. كُلُّ أَعْدَائِي يَحْتَقِرُونِي، أَصْبَحْتُ ثَقِيلًا عَلَى جِيرَانِي. أَصْحَابِي يَخَافُونَ مِنِّي، وَالَّذِينَ يَرَوْنِي فِي الشَّارِعِ يَهْرُبُونَ مِنِّي. نَسُونِي كَأَنِّي مَيِّتٌ، وَكَأَنِّي إِنَاءٌ مَكْسُورٌ. أَنَا خَائِفٌ جِدًّا لِأَنِّي سَمِعْتُ افْتِرَاءَ الْكَثِيرِينَ عَلَيَّ، يَتَآمَرُونَ ضِدِّي وَيُدَبِّرُونَ قَتْلِي. وَلَكِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَيْكَ يَا رَبُّ، وَقُلْتُ: ”أَنْتَ إِلَهِي.“ مَصِيرِي فِي يَدِكَ. نَجِّنِي مِنْ يَدِ أَعْدَائِي. وَمِنَ الَّذِينَ يُطَارِدُونِي. أَشْرِقْ بِوَجْهِكَ عَلَى عَبْدِكَ. أَنْقِذْنِي بِرَحْمَتِكَ. لَا تَسْمَحْ بِأَنْ أَخِيبَ يَا رَبُّ حِينَ أَدْعُوكَ، بَلِ اجْعَلِ الْأَشْرَارَ يَخِيبُونَ وَيَهْبِطُونَ إِلَى الْقَبْرِ وَيَصْمُتُونَ. لَيْتَ شِفَاهَ الْكَذَّابِينَ تَخْرَسُ، الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ عَلَى الصَّالِحِ بِوَقَاحَةٍ وَكِبْرِيَاءَ وَاسْتِهَانَةٍ. مَا أَعْظَمَ جُودَكَ الَّذِي ذَخَرْتَهُ لِمَنْ يَتَّقُونَكَ، وَأَنْعَمْتَ بِهِ عَلَى مَنْ يَلْجَأُونَ إِلَيْكَ، وَذَلِكَ عَلَى مَرْأَى كُلِّ الْبَشَرِ. تَحْمِيهِمْ عِنْدَكَ فِي مَخْبَأِكَ مِنْ مُؤَامَرَاتِ النَّاسِ، وَتَحْفَظُهُمْ فِي أَمَانٍ مِنْ بَطْشِ اللِّسَانِ. تَبَارَكَ اللهُ الَّذِي أَظْهَرَ رَحْمَتَهُ الْعَجِيبَةَ لِي لَمَّا كُنْتُ فِي مَدِينَةٍ مُحَاصَرَةٍ! جَاءَتْ عَلَيَّ حَالَةٌ مِنَ الرُّعْبِ وَقُلْتُ: ”إِنَّهُ أَبْعَدَنِي عَنْ نَظَرِهِ.“ لَكِنَّكَ سَمِعْتَ تَضَرُّعِي لَمَّا صَرَخْتُ إِلَيْكَ. أَحِبُّوا اللهَ يَا كُلَّ عَبِيدِهِ الْأَوْفِيَاءِ، إِنَّهُ يَحْفَظُ الْأُمَنَاءَ، وَيُجَازِي الْمُتَكَبِّرَ أَشَدَّ الْجَزَاءِ. تَقَوَّوْا وَتَشَجَّعُوا يَا مَنْ تَرْجُونَ اللهَ كُلُّكُمْ. لداود. تعليم هَنِيئًا لِمَنْ يَغْفِرُ اللهُ لَهُ ذُنُوبَهُ، وَيُسَامِحُهُ عَلَى خَطَايَاهُ. هَنِيئًا لِمَنْ لَا يَحْسِبُ اللهُ لَهُ خَطِيئَةً، وَلَا فِي رُوحِهِ غِشٌّ. لَمَّا سَكَتُّ، بَلِيَتْ عِظَامِي مِنْ أَنِينِي طُولَ الْيَوْمِ. لِأَنَّ يَدَكَ كَانَتْ ثَقِيلَةً عَلَيَّ نَهَارًا وَلَيْلًا. يَبِسَتْ نَضَارَتِي كَالْعُشْبِ فِي حَرِّ الصَّيْفِ. ثُمَّ اعْتَرَفْتُ لَكَ بِخَطِيئَتِي وَلَمْ أَكْتُمْ إِثْمِي، بَلْ قُلْتُ: ”أَعْتَرِفُ للهِ بِمَعَاصِيَّ.“ فَغَفَرْتَ لِي ذُنُوبِي. لِذَلِكَ يَدْعُوكَ كُلُّ تَقِيٍّ فِي وَقْتِ الضِّيقِ، فَحَتَّى إِنْ جَاءَتِ السُّيُولُ، لَا تَصِلُ إِلَيْهِ. أَنْتَ سِتْرٌ لِي، فِي الضِّيقِ تَحْرُسُنِي، وَبِأَنَاشِيدِ النَّجَاةِ تُحِيطُنِي. يَقُولُ اللهُ: ”أُعَلِّمُكَ وَأُرْشِدُكَ الطَّرِيقَ الَّتِي تَسِيرُ فِيهَا. أَنْصَحُكَ، عَيْنِي عَلَيْكَ. لَا تَكُنْ غَبِيًّا كَالْفَرَسِ أَوِ الْبَغْلِ الَّذِي بِلَا فَهْمٍ، يُضْبَطُ بِلِجَامٍ وَحَبْلٍ لِكَيْ يُطِيعَ.“ مَصَائِبُ الشِّرِّيرِ كَثِيرَةٌ، أَمَّا مَنْ يَتَوَكَّلُ عَلَى اللهِ فَالرَّحْمَةُ تُحِيطُ بِهِ. اِفْرَحُوا وَابْتَهِجُوا بِاللهِ أَيُّهَا الصَّالِحُونَ، اِهْتِفُوا يَا كُلَّ مَنْ قُلُوبُهُمْ نَقِيَّةٌ. اِهْتِفُوا للهِ بِفَرَحٍ أَيُّهَا الصَّالِحُونَ، يَلِيقُ بِالْأَتْقِيَاءِ أَنْ يَحْمَدُوهُ. اِحْمَدُوا اللهَ عَلَى الْعُودِ، اِعْزِفُوا لَهُ عَلَى رَبَابٍ بِـ10 أَوْتَارٍ. غَنُّوا لَهُ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً. اِعْزِفُوا أَحْسَنَ عَزْفٍ وَاهْتِفُوا. كَلِمَةُ اللهِ حَقٌّ، وَهُوَ أَمِينٌ فِي كُلِّ مَا يَعْمَلُ. اللهُ يُحِبُّ الصَّلَاحَ وَالْعَدْلَ. اِمْتَلَأَتِ الْأَرْضُ مِنْ رَحْمَتِهِ. بِكَلِمَةِ اللهِ صُنِعَتِ السَّمَاوَاتُ، وَبِنَفْخَةٍ مِنْ فَمِهِ كُلُّ كَوَاكِبِهَا. جَمَعَ مِيَاهَ الْبِحَارِ كَمَا فِي أَوْعِيَةٍ، وَوَضَعَ الْمُحِيطَ فِي مَخَازِنَ. اِتَّقِي اللهَ يَا كُلَّ الْأَرْضِ، أَكْرِمُوهُ يَا جَمِيعَ النَّاسِ. لِأَنَّهُ قَالَ فَكَانَ، وَأَمَرَ فَصَارَ. اللهُ يُحْبِطُ مُؤَامَرَاتِ الْأُمَمِ، يُبْطِلُ أَفْكَارَ الشُّعُوبِ. أَمَّا خِطَطُ اللهِ فَتَثْبُتُ إِلَى الْأَبَدِ، وَمَقَاصِدُهُ تَدُومُ إِلَى كُلِّ الْأَجْيَالِ. هَنِيئًا لِلْأُمَّةِ الَّتِي رَبُّهَا هُوَ اللهُ، وَلِلشَّعْبِ الَّذِي اخْتَارَهُ اللهُ لِنَفْسِهِ نَصِيبًا. اللهُ يَنْظُرُ مِنَ السَّمَاءِ وَيَرَى كُلَّ الْبَشَرِ. وَمِنْ مَقَرِّهِ يُرَاقِبُ كُلَّ أَهْلِ الْأَرْضِ. فَهُوَ صَانِعُ قُلُوبِهِمْ جَمِيعًا وَعَلِيمٌ بِأَعْمَالِهِمْ. لَا يَنْتَصِرُ الْمَلِكُ بِكَثْرَةِ جَيْشِهِ، وَلَا يَفُوزُ الْمُحَارِبُ بِعَظَمَةِ قُوَّتِهِ. الْفَرَسُ لَا يُنَجِّي أَحَدًا. قُوَّتُهُ الْعَظِيمَةُ لَا تُنْقِذُ. عَيْنُ اللهِ عَلَى مَنْ يَتَّقُونَهُ، الَّذِينَ يَتَوَكَّلُونَ عَلَى رَحْمَتِهِ، لِيُنْقِذَهُمْ مِنَ الْمَوْتِ وَيَحْفَظَهُمْ أَحْيَاءً فِي الْمَجَاعَةِ. نَنْتَظِرُ اللهَ بِرَجَاءٍ، هُوَ عَوْنُنَا وَحَامِينَا. بِهِ تَفْرَحُ قُلُوبُنَا، لِأَنَّنَا تَوَكَّلْنَا عَلَى اسْمِهِ الْقُدُّوسِ. يَا رَبُّ، لِتَكُنْ رَحْمَتُكَ عَلَيْنَا حَسَبَ رَجَائِنَا فِيكَ. لداود، لما تظاهر أمام أبيملك بالجنون فطرده عنه فانصرف أُبَارِكُ اللهَ فِي كُلِّ وَقْتٍ. تَسْبِيحُهُ فِي فَمِي دَائِمًا. تَفْتَخِرُ نَفْسِي بِرَبِّي. يَسْمَعُ الْوُدَعَاءُ فَيَفْرَحُونَ. عَظِّمُوا اللهَ مَعِي، وَلْنَرْفَعِ اسْمَهُ مَعًا. طَلَبْتُ اللهَ فَاسْتَجَابَ لِي وَأَنْقَذَنِي مِنْ كُلِّ مَخَاوِفِي. اُنْظُرُوا إِلَيْهِ فَتُشْرِقَ وُجُوهُكُمْ، وَلَا تَخْجَلَ أَبَدًا. هَذَا الْمِسْكِينُ صَرَخَ، فَسَمِعَهُ اللهُ وَنَجَّاهُ مِنْ كُلِّ مَتَاعِبِهِ. مَلَاكُ اللهِ يُعَسْكِرُ حَوْلَ مَنْ يَتَّقُونَهُ وَيُنَجِّيهِمْ. ذُوقُوا وَانْظُرُوا مَا أَحْلَى رَبَّنَا، هَنِيئًا لِلرَّجُلِ الَّذِي يَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ. اِتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الشَّعْبُ الْمُخَصَّصُ لَهُ، لِأَنَّ الَّذِينَ يَتَّقُونَهُ لَا يَفْتَقِرُونَ إِلَى شَيْءٍ. تَحْتَاجُ الْأَشْبَالُ وَتَجُوعُ، أَمَّا الَّذِينَ يَطْلُبُونَ اللهَ فَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ. تَعَالَوْا يَا أَوْلَادِي وَأَصْغُوا إِلَيَّ، فَأُعَلِّمَكُمْ تَقْوَى اللهِ. مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَمَتَّعَ بِالْحَيَاةِ، وَيَرَى أَيَّامًا طَوِيلَةً، فَيَجِبُ أَنْ يَمْنَعَ لِسَانَهُ عَنِ الشَّرِّ وَشَفَتَيْهِ عَنِ الْكِذْبِ، وَيَبْتَعِدَ عَنِ الشَّرِّ وَيَعْمَلَ الْخَيْرَ، وَيَبْغِيَ السَّلَامَ وَيَتْبَعَهُ. لِأَنَّ عَيْنَيِ اللهِ عَلَى الصَّالِحِينَ، وَأُذُنَيْهِ تُصْغِيَانِ إِلَى دُعَائِهِمْ. لَكِنَّهُ يَقِفُ ضِدَّ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الشَّرَّ، لِيَقْطَعَ مِنَ الْأَرْضِ ذِكْرَهُمْ. يَسْتَغِيثُ الصَّالِحُونَ، فَيَسْمَعُهُمُ اللهُ وَيُنَجِّيهِمْ مِنْ كُلِّ مَتَاعِبِهِمْ. رَبُّنَا قَرِيبٌ مِنَ الَّذِينَ قَلْبُهُمْ مَكْسُورٌ، وَيُنْقِذُ الَّذِينَ رُوحُهُمْ مُنْسَحِقَةٌ. مَتَاعِبُ الصَّالِحِ كَثِيرَةٌ، لَكِنَّ اللهَ يُنَجِّيهِ مِنْهَا كُلِّهَا. يَحْفَظُ كُلَّ عِظَامِهِ، فَلَا يُكْسَرُ وَاحِدٌ مِنْهَا. الشَّرُّ يُمِيتُ الشِّرِّيرَ، وَالَّذِينَ يَكْرَهُونَ الصَّالِحَ يُعَاقَبُونَ. اللهُ يَفْدِي نُفُوسَ عَبِيدِهِ، وَكُلُّ مَنِ اتَّكَلَ عَلَيْهِ لَا يُعَاقَبُ. لداود يَا رَبُّ خَاصِمِ الَّذِينَ يُخَاصِمُونِي، وَحَارِبِ الَّذِينَ يُحَارِبُونِي. تَقَلَّدْ تُرْسًا وَدِرْعًا وَتَعَالَ سَاعِدْنِي. صَوِّبْ رُمْحًا وَحَرْبَةً ضِدَّ الَّذِينَ يُطَارِدُونِي، وَقُلْ لِي: ”أَنَا مُنْقِذُكَ.“ لَيْتَ الَّذِينَ يَسْعَوْنَ لِقَتْلِي يَخْجَلُونَ وَيَرْتَبِكُونَ. لَيْتَ الَّذِينَ يُدَبِّرُونَ أَذِيَّتِي يَتَرَاجَعُونَ خَائِبِينَ. وَيَكُونُونَ كَالتِّبْنِ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ، وَمَلَاكُ اللهِ يَسُوقُهُمْ بَعِيدًا. وَتَكُونُ طَرِيقُهُمْ مُظْلِمَةً، وَتَزِلُّ أَقْدَامُهُمْ، وَمَلَاكُ اللهِ يُطَارِدُهُمْ. لِأَنَّهُمْ بِلَا سَبَبٍ نَصَبُوا لِي فَخًّا، وَبِلَا سَبَبٍ حَفَرُوا لِي حُفْرَةً. لِذَلِكَ فَجْأَةً يَهْلِكُونَ، فِي الْفَخِّ الَّذِي نَصَبُوهُ يَقَعُونَ، وَفِي الْحُفْرَةِ الَّتِي حَفَرُوهَا يَسْقُطُونَ. فَتَفْرَحُ نَفْسِي بِاللهِ وَتَبْتَهِجُ بِنَجَاتِهِ. وَيَهْتِفُ كُلُّ كِيَانِي وَيَقُولُ: ”مَنْ مِثْلُكَ يَا رَبُّ! أَنْتَ تُنْقِذُ الْمِسْكِينَ مِنَ الَّذِينَ أَقْوَى مِنْهُ، وَتُنَجِّي الْمِسْكِينَ وَالْفَقِيرَ مِنَ الَّذِينَ يَسْلُبُونَهُ.“ شُهُودٌ لَا يَرْحَمُونَ يَتَقَدَّمُونَ وَيَتَّهِمُونِي بِأُمُورٍ لَا أَعْرِفُ عَنْهَا شَيْئًا. يُجَازُونِي عَنِ الْخَيْرِ شَرًّا وَيَجْعَلُونِي بَائِسًا. أَمَّا أَنَا فَقَدْ لَبِسْتُ الْخَيْشَ حُزْنًا عَلَى مَرَضِهِمْ، وَأَذْلَلْتُ نَفْسِي بِالصَّوْمِ، لَكِنَّ صَلَاتِي رَجَعَتْ إِلَيَّ بِلَا اسْتِجَابَةٍ. أَخَذْتُ أَنُوحُ كَمَا عَلَى صَدِيقٍ أَوْ أَخٍ، وَأَحْنَيْتُ رَأْسِي حَزِينًا كَمَنْ يَبْكِي عَلَى أُمِّهِ. فَلَمَّا تَعَثَّرْتُ تَجَمَّعُوا فَرْحَانِينَ، تَجَمَّعُوا وَهَجَمُوا عَلَيَّ وَأَنَا غَيْرُ مُنْتَبِهٍ. شَتَمُونِي بِلَا تَوَقُّفٍ. لَمَّا زَلَلْتُ هَزَأُوا بِي وَسَخِرُوا مِنِّي وَصَرُّوا بِأَسْنَانِهِمْ عَلَيَّ. يَا رَبُّ، إِلَى مَتَى تَتَفَرَّجُ؟ أَنْقِذْ نَفْسِي مِنَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ هَلَاكِي، نَفْسِيَ الْوَحِيدَةَ مِنَ الْأُسُودِ. أَحْمَدُكَ فِي جُمْهُورٍ غَفِيرٍ، وَفِي شَعْبٍ كَثِيرٍ أُسَبِّحُكَ. لَا تَجْعَلِ الْعَدُوَّ الظَّالِمَ يَشْمَتُ بِي، وَلَا الَّذِينَ يَكْرَهُونِي بِلَا سَبَبٍ يَتَغَامَزُونَ عَلَيَّ. لِأَنَّهُمْ لَا يَتَكَلَّمُونَ بِالسَّلَامِ، بَلْ يَتَآمَرُونَ بِمَكْرٍ عَلَى الْمُسَالِمِينَ فِي الْأَرْضِ. فَغَرُوا فَمَهُمْ عَلَيَّ وَضَحِكُوا وَقَالُوا: ”رَأَيْنَا مَا عَمِلْتَهُ!“ يَا رَبُّ أَنْتَ رَأَيْتَ، فَلَا تَسْكُتْ وَلَا تَبْتَعِدْ عَنِّي يَا رَبُّ. تَيَقَّظْ وَقُمْ وَدَافِعْ عَنِّي فِي قَضِيَّتِي يَا إِلَهِي وَرَبِّي. أَنْصِفْنِي بِعَدْلِكَ، يَا رَبِّي، يَا إِلَهِي، وَلَا تَجْعَلْهُمْ يَشْمَتُونَ بِي. لِئَلَّا يَقُولُوا فِي أَنْفُسِهِمْ: ”بَلَغْنَا مَا أَرَدْنَاهُ!“ أَوْ يَقُولُوا: ”قَدْ حَطَّمْنَاهُ!“ لَيْتَ الَّذِينَ يَشْمَتُونَ بِي فِي مُصِيبَتِي يَخْجَلُونَ وَيَرْتَبِكُونَ. لَيْتَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ عَلَيَّ يُغَطِّيهُمُ الْعَارُ وَالْهَوَانُ. لَيْتَ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِبَرَاءَتِي يَهْتِفُونَ وَيَبْتَهِجُونَ وَيَقُولُونَ دَائِمًا: ”الْعَظَمَةُ للهِ الَّذِي يَفْرَحُ بِسَلَامَةِ عَبْدِهِ.“ لِسَانِي يَتَكَلَّمُ عَنْ عَدْلِكَ وَبِحَمْدِكَ طُولَ الْيَوْمِ. لعبد الله داود. لقائد المغنين كَلَامُ الشِّرِّيرِ يَنْبُعُ مِنَ الشَّرِّ الَّذِي فِي قَلْبِهِ. لَا يَخْطُرُ عَلَى بَالِهِ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ. بَلْ يَتَمَلَّقُ وَيَخْدَعُ نَفْسَهُ، فَلَا يَرَى خَطِيئَتَهُ وَلَا يَكْرَهُهَا. الْكَلَامُ الَّذِي يَقُولُهُ هُوَ إِثْمٌ وَغِشٌّ. كَفَّ عَنِ الْفَهْمِ وَعَنْ عَمَلِ الْخَيْرِ. يُدَبِّرُ الْإِثْمَ وَهُوَ فِي فِرَاشِهِ. يَسْلُكُ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ صَالِحٍ وَلَا يَرْفُضُ الشَّرَّ. يَا رَبُّ رَحْمَتُكَ تَبْلُغُ إِلَى السَّمَاءِ، وَأَمَانَتُكَ إِلَى السَّحَابِ. صَلَاحُكَ كَالْجِبَالِ الْعَالِيَةِ، وَعَدْلُكَ كَالْمُحِيطِ الْعَمِيقِ. أَنْتَ يَا رَبُّ تَحْفَظُ الْإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ. اللَّهُمَّ مَا أَثْمَنَ رَحْمَتَكَ، فَإِنَّ بَنِي الْبَشَرِ يَحْتَمُونَ فِي ظِلِّ جَنَاحَيْكَ. يَشْبَعُونَ مِنْ خَيْرَاتِ دَارِكَ، وَمِنْ نَهْرِ نَعِيمِكَ تَسْقِيهِمْ. لِأَنَّ عِنْدَكَ نَبْعَ الْحَيَاةِ، وَبِنُورِكَ نَرَى النُّورَ. أَدِمْ رَحْمَتَكَ لِمَنْ يَعْرِفُونَكَ، وَصَلَاحَكَ لِمَنْ قُلُوبُهُمْ نَقِيَّةٌ. لَا تَسْمَحْ لِقَدَمِ الْمُتَكَبِّرِ أَنْ تُدْرِكَنِي، وَلَا لِيَدِ الشِّرِّيرِ أَنْ تُزَحْزِحَنِي. هُنَاكَ سَقَطَ فَاعِلُو الشَّرِّ، طُرِحُوا وَلَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَقُومُوا. لَا تَقْلَقْ بِسَبَبِ الْأَشْرَارِ، وَلَا تَحْسِدْ عُمَّالَ السُّوءِ. لِأَنَّهُمْ مِثْلَ الْحَشِيشِ يَذْبُلُونَ سَرِيعًا، وَمِثْلَ الْعُشْبِ الْأَخْضَرِ يَمُوتُونَ. تَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَاعْمَلِ الْخَيْرَ. اُسْكُنْ فِي الْأَرْضِ وَارْعَ فِي أَمَانٍ. اِبْتَهِجْ بِاللهِ فَيُعْطِيَكَ أُمْنِيَةَ قَلْبِكَ. سَلِّمْ للهِ طَرِيقَكَ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ، وَهُوَ يُدَبِّرُ أَمْرَكَ. يَجْعَلُ صَلَاحَكَ سَاطِعًا كَالنَّهَارِ، وَحَقَّكَ وَاضِحًا كَالظُّهْرِ. هَدِّئْ نَفْسَكَ أَمَامَ اللهِ وَانْتَظِرْهُ بِصَبْرٍ. لَا تَقْلَقْ عِنْدَمَا يَنْجَحُ النَّاسُ فِي طُرُقِهِمْ وَعِنْدَمَا يُنَفِّذُونَ مَكَايِدَهُمُ الشِّرِّيرَةَ. كُفَّ عَنِ الْغَضَبِ وَابْعُدْ عَنِ الْغَيْظِ. لَا تَقْلَقْ لِئَلَّا تَرْتَكِبَ الشَّرَّ. لِأَنَّ الْأَشْرَارَ يُنْزَعُونَ، أَمَّا الَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ اللهَ فَيَرِثُونَ الْأَرْضَ. عَنْ قَرِيبٍ يَذْهَبُ الشِّرِّيرُ إِلَى غَيْرِ رَجْعَةٍ، تَبْحَثُ عَنْهُ فَلَا تَجِدُهُ. أَمَّا الْوُدَعَاءُ فَيَرِثُونَ الْأَرْضَ وَيَتَمَتَّعُونَ بِسَلَامٍ عَظِيمٍ. الشِّرِّيرُ يَتَآمَرُ ضِدَّ الصَّالِحِ، وَيَصِرُّ عَلَيْهِ بِأَسْنَانِهِ. لَكِنَّ اللهَ يَضْحَكُ مِنْهُ لِأَنَّهُ عَارِفٌ أَنَّ يَوْمَ عِقَابِهِ آتٍ. اِسْتَلَّ الْأَشْرَارُ سَيْفَهُمْ، وَشَدُّوا قَوْسَهُمْ لِيَصْرَعُوا الْمِسْكِينَ وَالْفَقِيرَ، وَيَقْتُلُوا الَّذِينَ يَسْلُكُونَ الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ. لَكِنْ يَدْخُلُ سَيْفُهُمْ فِي قَلْبِهِمْ، وَقَوْسُهُمْ يَنْكَسِرُ. الْقَلِيلُ الَّذِي لِلصَّالِحِ خَيْرٌ مِنْ كُلِّ ثَرْوَةِ الْأَشْرَارِ. لِأَنَّ قُوَّةَ الْأَشْرَارِ تُكْسَرُ، وَالْمَوْلَى يَسْنُدُ الصَّالِحِينَ. الْمَوْلَى عَارِفٌ أَيَّامَ الْكَامِلِينَ، وَمِيرَاثُهُمْ يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. فِي وَقْتِ الْمُصِيبَةِ لَا يَضْعُفُونَ، وَفِي أَيَّامِ الْجُوعِ يَشْبَعُونَ. أَمَّا الْأَشْرَارُ فَيَهْلِكُونَ، أَعْدَاءُ اللهِ يَفْنَوْنَ كَجَمَالِ الْحَقْلِ، يَفْنَوْنَ كَالدُّخَانِ. الشِّرِّيرُ يَقْتَرِضُ وَلَا يَفِي الدَّيْنَ، أَمَّا الصَّالِحُ فَيُعْطِي بِسَخَاءٍ. الَّذِينَ يُبَارِكُهُمُ اللهُ يَرِثُونَ الْأَرْضَ، وَالَّذِينَ يَلْعَنُهُمْ يُنْزَعُونَ مِنْهَا. اللهُ يُثَبِّتُ خَطَوَاتِ الْإِنْسَانِ الَّذِي تَسُرُّهُ طَرِيقُهُ. إِنْ تَعَثَّرَ لَا يَسْقُطُ لِأَنَّ اللهَ يَسْنُدُهُ بِيَدِهِ. كُنْتُ صَبِيًّا، وَأَنَا الْآنَ شَيْخٌ، وَمَا رَأَيْتُ صَالِحًا نَسِيَهُ اللهُ، وَلَا نَسْلَهُ يَتَسَوَّلُ لِلْخُبْزِ. إِنَّمَا يَرْأَفُ بِالْآخَرِينَ طُولَ الْيَوْمِ، وَيُقْرِضُ بِكَرَمٍ، وَنَسْلُهُ بَرَكَةٌ لِغَيْرِهِمْ. اُبْعُدْ عَنِ الشَّرِّ وَاعْمَلِ الْخَيْرَ، فَتَحْيَا إِلَى الْأَبَدِ. لِأَنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعَدْلَ، وَلَا يَنْسَى عَبِيدَهُ الْأَوْفِيَاءَ بَلْ يَحْفَظُهُمْ إِلَى الْأَبَدِ. أَمَّا نَسْلُ الْأَشْرَارِ فَيَنْقَرِضُ. الصَّالِحُونَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ، وَيَسْكُنُونَ فِيهَا إِلَى الْأَبَدِ. فَمُ الصَّالِحِ يَتَكَلَّمُ بِالْحِكْمَةِ، وَلِسَانُهُ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ. شَرِيعَةُ إِلَهِهِ فِي قَلْبِهِ، فَلَا تَزِلُّ خَطَوَاتُهُ. الشِّرِّيرُ يَكْمُنُ لِلصَّالِحِ، وَيُحَاوِلُ أَنْ يَقْتُلَهُ. لَكِنَّ اللهَ لَا يَتْرُكُهُ فِي قَبْضَتِهِ، وَلَا يَدِينُهُ عِنْدَ مُحَاكَمَتِهِ. اِنْتَظِرِ اللهَ وَاسْلُكْ فِي طَرِيقِهِ، فَيَرْفَعَكَ لِتَرِثَ الْأَرْضَ، وَتُشَاهِدَ انْقِرَاضَ الْأَشْرَارِ. رَأَيْتُ الشِّرِّيرَ بِلَا رَحْمَةٍ، وَيَمْتَدُّ كَشَجَرَةٍ كَبِيرَةٍ فِي أَرْضِهَا. فَلَمَّا مَرَرْتُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَجَدْتُ أَنَّهُ زَالَ. بَحَثْتُ عَنْهُ فَلَمْ أَجِدْهُ. لَاحِظِ الْكَامِلَ وَانْظُرِ التَّقِيَّ، فَالنِّهَايَةُ الطَّيِّبَةُ لِمَنْ يُحِبُّ السَّلَامَ. أَمَّا الْأَشْرَارُ فَكُلُّهُمْ يَبِيدُونَ. نِهَايَتُهُمُ الْهَلَاكُ. اللهُ يُنَجِّي الصَّالِحِينَ، وَهُوَ حِصْنُهُمْ فِي وَقْتِ الضِّيقِ. اللهُ يُعِينُهُمْ وَيُنَجِّيهِمْ، يُنْقِذُهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ وَيُنَجِّيهِمْ لِأَنَّهُمْ يَلْجَأُونَ إِلَيْهِ. مزمور لداود للتذكير يَا رَبُّ لَا تُوَبِّخْنِي بِغَضَبِكَ، وَلَا تُؤَدِّبْنِي بِغَيْظِكَ. لِأَنَّ سِهَامَكَ نَشَبَتْ فِيَّ، وَيَدَكَ نَزَلَتْ عَلَيَّ. بِسَبَبِ غَيْظِكَ ضَاعَتِ الصِّحَّةُ مِنْ جِسْمِي، وَعِظَامِي لَا سَلَامَةَ فِيهَا بِسَبَبِ خَطِيئَتِي. صَارَتْ آثَامِي أَعْلَى مِنْ رَأْسِي، كَحِمْلٍ ثَقِيلٍ لَا أَحْتَمِلُهُ. أَنْتَنَتْ جُرُوحِي وَتَعَفَّنَتْ بِسَبَبِ جَهَالَتِي. اِنْحَنَيْتُ وَانْكَسَرْتُ، طُولَ الْيَوْمِ أَتَمَشَّى حَزِينًا. دَاخِلِي يَحْتَرِقُ بِالْأَلَمِ، ضَاعَتِ الصِّحَّةُ مِنْ جِسْمِي. أَنَا ضَعِيفٌ وَذَلِيلٌ جِدًّا، أَئِنُّ مِنْ وَجَعِ قَلْبِي. كُلُّ رَغَبَاتِي مَكْشُوفَةٌ قُدَّامَكَ يَا رَبُّ، تَنَهُّدِي لَيْسَ مَخْفِيًّا عَنْكَ. قَلْبِي يَخْفِقُ، قُوَّتِي فَارَقَتْنِي، وَالنُّورُ رَاحَ مِنْ عَيْنَيَّ. أَصْحَابِي وَخِلَّانِي يَتَحَاشَوْنِي بِسَبَبِ مُصِيبَتِي، أَقَارِبِي وَقَفُوا بَعِيدًا. الَّذِينَ يَسْعَوْنَ لِقَتْلِي نَصَبُوا فِخَاخَهُمْ، وَالَّذِينَ يُرِيدُونَ أَذِيَّتِي دَبَّرُوا هَلَاكِي. يَتَآمَرُونَ طُولَ الْيَوْمِ. وَأَنَا كَأَطْرَشَ لَا يَسْمَعُ، وَكَأَخْرَسَ لَا يَتَكَلَّمُ. صِرْتُ كَوَاحِدٍ لَا يَسْمَعُ وَفَمُهُ لَا يُجَاوِبُ. أَنْتَظِرُكَ يَا رَبُّ. أَنْتَ تَسْتَجِيبُ يَا رَبِّي وَإِلَهِي. لِأَنِّي قُلْتُ: ”لَا تَجْعَلْهُمْ يَشْمَتُونَ بِي، وَلَا يَتَعَظَّمُونَ عَلَيَّ إِنْ زَلَّتْ قَدَمِي.“ أَنَا عَلَى وَشْكِ السُّقُوطِ، وَالْأَلَمُ مَعِي دَائِمًا. أَعْتَرِفُ بِإِثْمِي، وَأَحْزَنُ بِسَبَبِ خَطِيئَتِي. أَعْدَائِي كَثِيرُونَ وَأَقْوِيَاءُ، كَثِيرُونَ هُمُ الَّذِينَ يُبْغِضُونِي بِلَا سَبَبٍ. وَالَّذِينَ يُجَازُونَ الْخَيْرَ بِالشَّرِّ يَفْتَرُونَ عَلَيَّ لِأَنِّي أَتْبَعُ الصَّلَاحَ. يَا رَبُّ لَا تَتْرُكْنِي، يَا إِلَهِي لَا تَبْعُدْ عَنِّي. أَسْرِعْ لِمَعُونَتِي يَا رَبُّ يَا مُنْقِذِي. مزمور لداود. لقائد المغنين على يدوثون قُلْتُ: ”أُرَاقِبُ سُلُوكِي، وَأَحْفَظُ لِسَانِي مِنَ الْخَطَأِ. أَضَعُ كِمَامَةً عَلَى فَمِي مَا دَامَ الشِّرِّيرُ أَمَامِي.“ سَكَتُّ وَصَمَتُّ وَلَمْ أَتَكَلَّمْ حَتَّى بِالْخَيْرِ، فَزَادَ أَلَمِي. اِلْتَهَبَ قَلْبِي فِي دَاخِلِي وَفِي تَأَمُّلِي اشْتَعَلَتِ النَّارُ فِيَّ، فَتَكَلَّمْتُ وَقُلْتُ: ”عَرِّفْنِي يَا رَبُّ نِهَايَتِي، وَعَدَدَ أَيَّامِي، فَأَعْرِفَ كَيْفَ أَنِّي زَائِلٌ. جَعَلْتَ حَيَاتِي قَصِيرَةً وَعُمْرِي كَلَا شَيْءٍ أَمَامَكَ. كُلُّ إِنْسَانٍ هُوَ نَفْخَةٌ. هُوَ خَيَالٌ يَتَمَشَّى، يُكَافِحُ عَبَثًا، يَجْمَعُ ثَرْوَةً وَلَا يَعْرِفُ مَنْ يَأْخُذُهَا. ”وَالْآنَ يَا رَبُّ، مَاذَا أَنْتَظِرُ؟ فِيكَ رَجَائِي. نَجِّنِي مِنْ كُلِّ مَعَاصِيَّ، وَلَا تَجْعَلْنِي هُزْأَةً لِلْغَبِيِّ. سَكَتُّ، لَا أَفْتَحُ فَمِي، لِأَنَّكَ أَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا. اِرْفَعْ عَنِّي ضَرْبَكَ، فَإِنِّي مِنْ وَقْعِ يَدِكَ فَنِيتُ. أَنْتَ تُوَبِّخُ وَتُؤَدِّبُ الْإِنْسَانَ عَلَى خَطِيئَتِهِ. أَنْتَ تُتْلِفُ ثَرْوَتَهُ كَمَا يَفْعَلُ الْعُثُّ. كُلُّ إِنْسَانٍ هُوَ نَفْخَةٌ. ”أَصْغِ إِلَى دُعَائِي يَا رَبُّ، وَاسْمَعْ صُرَاخِي، لَا تَتَجَاهَلْ دُمُوعِي، لِأَنِّي غَرِيبٌ عِنْدَكَ، وَعَابِرُ سَبِيلٍ كَكُلِّ آبَائِي. حَوِّلْ غَضَبَكَ عَنِّي فَأَنْتَعِشَ، قَبْلَ مَا أَمُوتُ وَأَزُولُ.“ مزمور لداود. لقائد المغنين اِنْتَظَرْتُ اللهَ بِصَبْرٍ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ وَسَمِعَ صُرَاخِي. رَفَعَنِي مِنْ حُفْرَةِ الْهَلَاكِ، وَمِنْ طِينِ الْمُسْتَنْقَعِ. ثَبَّتَ قَدَمَيَّ عَلَى صَخْرَةٍ، مَشَّانِي بِخُطًى رَاسِخَةٍ. وَضَعَ فِي فَمِي أُغْنِيَةً جَدِيدَةً، نَشِيدَ حَمْدٍ لِإِلَهِنَا. كَثِيرُونَ يَرَوْنَ ذَلِكَ، فَيَخَافُونَ وَيَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ. هَنِيئًا لِلرَّجُلِ الَّذِي يَتَوَكَّلُ عَلَى اللهِ، وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَى الْمُتَكَبِّرِينَ وَالضَّالِّينَ فِي الْكِذْبِ. كَثِيرَةٌ هِيَ الْعَجَائِبُ الَّتِي صَنَعْتَهَا يَا رَبِّي وَإِلَهِي، وَمَقَاصِدُكَ نَحْوَنَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ نَعُدَّهَا، وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ نَصِفَهَا أَوْ نَشْرَحَهَا. أَنْتَ لَا تُرِيدُ ضَحِيَّةً وَلَا قُرْبَانًا، بَلْ فَتَحْتَ أُذُنَيَّ. أَنْتَ لَمْ تَطْلُبْ قُرْبَانًا يُحْرَقُ، وَلَا قُرْبَانَ التَّكْفِيرِ عَنِ الذَّنْبِ. فَقُلْتُ: ”لَبَّيْكَ إِنِّي جِئْتُ كَمَا قَالَ الْكِتَابُ عَنِّي فِي صُحُفِهِ. اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَتَكَ. شَرِيعَتُكَ فِي قَلْبِي.“ أُعْلِنُ صَلَاحَكَ فِي الْمَحْفَلِ الْعَظِيمِ. أَنْتَ تَعْلَمُ يَا رَبُّ أَنِّي لَا أُغْلِقُ شَفَتَيَّ. لَا أَكْتُمُ صَلَاحَكَ فِي قَلْبِي. بَلْ أُعْلِنُ أَمَانَتَكَ وَنَجَاتَكَ. لَا أُخْفِي رَحْمَتَكَ وَحَقَّكَ عَنِ الْمَحْفَلِ الْعَظِيمِ. وَأَنْتَ يَا رَبُّ، لَا تَمْنَعْ رَأْفَتَكَ عَنِّي. بَلِ احْفَظْنِي دَائِمًا بِرَحْمَتِكَ وَأَمَانَتِكَ. لِأَنَّ شُرُورًا لَا تُحْصَى أَحَاطَتْ بِي. آثَامِي أَدْرَكَتْنِي فَأَعْمَتْنِي لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ شَعْرِ رَأْسِي، وَقَلْبِي خَذَلَنِي. يَا رَبُّ مِنْ فَضْلِكَ أَنْقِذْنِي، يَا رَبُّ أَسْرِعْ إِلَى مَعُونَتِي. لَيْتَ كُلَّ الَّذِينَ يُطَالِبُونَ بِحَيَاتِي يَخْجَلُونَ وَيَرْتَبِكُونَ، لَيْتَ كُلَّ الْمَسْرُورِينَ بِأَذِيَّتِي يَتَرَاجَعُونَ خَائِبِينَ. لَيْتَ الَّذِينَ يَضْحَكُونَ عَلَيَّ يَرْتَعِبُونَ مِنْ خَجَلِهِمْ. وَلَيْتَ كُلَّ الَّذِينَ يَطْلُبُونَكَ يَفْرَحُونَ وَيَبْتَهِجُونَ بِكَ. لَيْتَ كُلَّ الَّذِينَ يَشْتَاقُونَ إِلَى نَجَاتِكَ يَقُولُونَ دَائِمًا: ”يَتَعَظَّمُ اللهُ.“ أَمَّا أَنَا فَمِسْكِينٌ وَفَقِيرٌ. رَبِّي يَهْتَمُّ بِي. أَنْتَ مُعِينِي وَمُنْقِذِي. لَا تَتَأَخَّرْ يَا إِلَهِي. مزمور لداود. لقائد المغنين هَنِيئًا لِمَنْ يَعْتَنِي بِالضَّعِيفِ، فَإِنَّ اللهَ يُنْقِذُهُ فِي يَوْمِ الشَّرِّ. اللهُ يَحْمِيهِ وَيَحْفَظُ حَيَاتَهُ وَيُسْعِدُهُ فِي الْأَرْضِ، وَلَا يُسَلِّمُهُ إِلَى رَغْبَةِ أَعْدَائِهِ. اللهُ يَعْضُدُهُ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِ الْمَرَضِ، وَيَرُدُّ قُوَّتَهُ. أَنَا قُلْتُ: ”يَا رَبُّ ارْحَمْنِي. اِشْفِنِي لِأَنِّي أَخْطَأْتُ فِي حَقِّكَ.“ وَقَالَ أَعْدَائِي بِخُبْثٍ: ”مَتَى يَمُوتُ وَيَنْقَرِضُ اسْمُهُ؟“ إِنْ جَاءَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لِيَزُورَنِي، يَتَكَلَّمُ بِالْكِذْبِ. يُحَاوِلُ أَنْ يَجِدَ شَيْئًا لِيَفْتَرِيَ بِهِ عَلَيَّ، ثُمَّ يَخْرُجُ وَيُشِيعُهُ عَنِّي. كُلُّ أَعْدَائِي يَتَهَامَسُونَ مَعًا عَلَيَّ، وَعَلَيَّ يَتَآمَرُونَ بِالسُّوءِ. يَقُولُونَ: ”أَصَابَهُ مَرَضٌ رَدِيءٌ، وَلَنْ يَقُومَ مِنْ فِرَاشِهِ.“ حَتَّى صَدِيقِيَ الْحَمِيمُ، الَّذِي وَثِقْتُ بِهِ، الَّذِي أَكَلَ مِنْ خُبْزِي، اِنْقَلَبَ ضِدِّي. أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَارْحَمْنِي، وَأَقِمْنِي فَأُجَازِيَهُمْ. أَنَا عَارِفٌ أَنَّكَ رَضِيتَ عَلَيَّ، لِأَنَّ عَدُوِّي لَنْ يَغْلِبَنِي. فِي نَزَاهَتِي أَنْتَ تَسْنُدُنِي، وَتُقِيمُنِي فِي مَحْضَرِكَ إِلَى الْأَبَدِ. تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْأَزَلِ وَإِلَى الْأَبَدِ. آمِينَ وَآمِينَ. تعليم. لقائد المغنين، لبني قورح كَمَا يَشْتَاقُ الْغَزَالُ إِلَى جَدَاوِلِ الْمَاءِ، تَشْتَاقُ نَفْسِي إِلَيْكَ يَا اللهُ. عَطِشَتْ نَفْسِي إِلَى اللهِ، إِلَى الْإِلَهِ الْحَيِّ، فَمَتَى أَرُوحُ وَأَمْثُلُ فِي مَحْضَرِهِ؟ صَارَتْ دُمُوعِي طَعَامِي نَهَارًا وَلَيْلًا، لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِي طُولَ الْيَوْمِ: ”أَيْنَ إِلَهُكَ؟“ فَأَسْكُبُ نَفْسِي فِي حُزْنٍ، وَأَتَذَكَّرُ كَيْفَ كُنْتُ أَذْهَبُ مَعَ الْجَمَاهِيرِ، وَأَقُودُ الْمَوْكِبَ إِلَى بَيْتِ اللهِ، بِهُتَافِ الْفَرَحِ وَالْحَمْدِ وَسَطَ حُشُودِ الْمُعَيِّدِينَ. لِمَاذَا أَنْتِ كَئِيبَةٌ يَا نَفْسِي؟ وَلِمَاذَا أَنْتِ مُنْزَعِجَةٌ فِي دَاخِلِي؟ ضَعِي رَجَاءَكِ فِي اللهِ. سَأَظَلُّ أَحْمَدُهُ، هُوَ مُنْقِذِي وَإِلَهِي. نَفْسِي كَئِيبَةٌ، لِذَلِكَ أَذْكُرُكَ مِنْ أَرْضِ الْأُرْدُنِّ وَمِنْ جِبَالِ حَرْمُونَ وَمِنْ جَبَلِ مِصْعَرَ. بَحْرٌ عَمِيقٌ يُنَادِي لِآخَرَ عِنْدَ زَئِيرِ شَلَّالَاتِكَ. كُلُّ أَمْوَاجِكَ وَتَيَّارَاتِكَ غَطَّتْنِي. فِي النَّهَارِ يَتَعَهَّدُنِي اللهُ بِرَحْمَتِهِ، وَفِي اللَّيْلِ تُرَافِقُنِي أُغْنِيَتُهُ. أَدْعُو رَبَّ حَيَاتِي، أَقُولُ للهِ مَلْجَأِي: ”لِمَاذَا نَسِيتَنِي؟ لِمَاذَا أَتَمَشَّى حَزِينًا مِنْ مُضَايَقَةِ الْعَدُوِّ؟“ فِي عِظَامِي وَجَعٌ مُمِيتٌ، وَأَعْدَائِي يَسْخَرُونَ مِنِّي وَيَقُولُونَ لِي طُولَ الْيَوْمِ: ”أَيْنَ إِلَهُكَ؟“ لِمَاذَا أَنْتِ كَئِيبَةٌ يَا نَفْسِي؟ وَلِمَاذَا أَنْتِ مُنْزَعِجَةٌ فِي دَاخِلِي؟ ضَعِي رَجَاءَكِ فِي اللهِ، سَأَظَلُّ أَحْمَدُهُ، هُوَ مُنْقِذِي وَإِلَهِي. اللَّهُمَّ أَنْصِفْنِي وَدَافِعْ عَنِّي مَعَ شَعْبٍ لَا يَرْحَمُ. أَنْقِذْنِي مِنَ الْغَشَّاشِ وَالظَّالِمِ. أَنْتَ اللهُ، أَنْتَ حِصْنِي، فَلِمَاذَا رَفَضْتَنِي؟ لِمَاذَا أَتَمَشَّى حَزِينًا مِنْ مُضَايَقَةِ الْعَدُوِّ؟ أَرْسِلْ نُورَكَ وَحَقَّكَ فَيَهْدِيَانِي، وَيَأْتِيَانِ بِي إِلَى جَبَلِكَ الْمُقَدَّسِ وَإِلَى مَسَاكِنِكَ. فَأَذْهَبُ إِلَى مَكَانِ عِبَادَةِ اللهِ، إِلَى اللهِ فَرَحِي وَبَهْجَتِي، وَأُسَبِّحُكَ عَلَى الْعُودِ اللَّهُمَّ يَا إِلَهِي. لِمَاذَا أَنْتِ كَئِيبَةٌ يَا نَفْسِي؟ وَلِمَاذَا أَنْتِ مُنْزَعِجَةٌ فِي دَاخِلِي؟ ضَعِي رَجَاءَكِ فِي اللهِ، سَأَظَلُّ أَحْمَدُهُ، هُوَ مُنْقِذِي وَإِلَهِي. تعليم. لقائد المغنين، لبني قورح اللَّهُمَّ سَمِعْنَا بِآذَانِنَا، وَأَخْبَرَنَا آبَاؤُنَا بِمَا عَمِلْتَهُ فِي أَيَّامِهِمْ، فِي الْأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ. أَنَّكَ بِيَدِكَ نَزَعْتَ الْأُمَمَ وَغَرَسْتَ آبَاءَنَا، حَطَّمْتَ الشُّعُوبَ، وَأَنْمَيْتَ آبَاءَنَا. لَمْ يَمْتَلِكُوا الْأَرْضَ بِسَيْفِهِمْ، وَلَمْ يَنْتَصِرُوا بِقُوَّةِ ذِرَاعِهِمْ، إِنَّمَا بِفَضْلِ يَمِينِكَ وَذِرَاعِكَ وَنُورِ وَجْهِكَ، لِأَنَّكَ رَضِيتَ عَنْهُمْ. اللَّهُمَّ أَنْتَ مَلِكِي، أَنْتَ نَاصِرُ بَنِي يَعْقُوبَ. بِكَ نَصُدُّ أَعْدَاءَنَا، وَبِاسْمِكَ نَدُوسُ خُصُومَنَا. أَنَا لَا أَتَّكِلُ عَلَى قَوْسِي. سَيْفِي لَا يَنْصُرُنِي. بَلْ أَنْتَ نَصَرْتَنَا عَلَى أَعْدَائِنَا، وَخَيَّبْتَ مُبْغِضِينَا. بِاللهِ نَفْتَخِرُ طُولَ الْيَوْمِ، وَنَحْمَدُ اسْمَكَ إِلَى الْأَبَدِ. لَكِنَّكَ رَفَضْتَنَا وَأَخْزَيْتَنَا، وَلَمْ تَعُدْ تُرَافِقُ جُنُودَنَا إِلَى الْحَرْبِ. جَعَلْتَنَا نَتَرَاجَعُ أَمَامَ الْعَدُوِّ، فَأَخَذَ مُبْغِضُونَا غَنِيمَةً لِأَنْفُسِهِمْ. أَسْلَمْتَنَا كَالْغَنَمِ لِلْأَكْلِ، وَبَدَّدْتَنَا بَيْنَ الْأُمَمِ. بِعْتَ شَعْبَكَ بِثَمَنٍ زَهِيدٍ، وَلَمْ تَرْبَحْ مِنَ الْبَيْعِ. تَجْعَلُ جِيرَانَنَا يَسْخَرُونَ مِنَّا، وَالَّذِينَ حَوْلَنَا يَهْزَأُونَ بِنَا وَيَحْتَقِرُونَا. تَجْعَلُ الْأُمَمَ تَضْرِبُ بِنَا الْمَثَلَ، وَالشُّعُوبَ تَضْحَكُ عَلَيْنَا! أُوَاجِهُ الْعَارَ طُولَ الْيَوْمِ، غَطَّى الْخَجَلُ وَجْهِي، مِنْ صُرَاخِ الْمُحْتَقِرِ الشَّاتِمِ، وَبِسَبَبِ الْعَدُوِّ الْمُنْتَقِمِ. كُلُّ هَذَا جَاءَ عَلَيْنَا مَعَ أَنَّنَا مَا نَسِينَاكَ وَلَا خُنَّا عَهْدَكَ. لَمْ يَرْتَدَّ قَلْبُنَا عَنْكَ، وَلَا ضَلَّتْ خَطَوَاتُنَا عَنْ طَرِيقِكَ. لَكِنَّكَ سَحَقْتَنَا فِي أَوْكَارِ الْوُحُوشِ، وَغَطَّيْتَنَا بِالظَّلَامِ الْحَالِكِ. لَوْ كُنَّا نَسِينَا اسْمَ إِلَهِنَا، وَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا نُصَلِّي إِلَى إِلَهٍ غَرِيبٍ، أَلَا يَعْرِفُ اللهُ ذَلِكَ، وَهُوَ الْعَالِمُ بِمَا خَفِيَ فِي الْقُلُوبِ؟ نَحْنُ فِي سَبِيلِكَ نُوَاجِهُ الْمَوْتَ طُولَ الْيَوْمِ، وَنُحْسَبُ كَغَنَمٍ لِلذَّبْحِ. تَيَقَّظْ يَا رَبُّ! لِمَاذَا تَنَامُ؟ اِنْتَبِهْ وَلَا تَرْفُضْنَا إِلَى الْأَبَدِ. لِمَاذَا تَحْجُبُ وَجْهَكَ؟ لِمَاذَا تَنْسَى شَقَاءَنَا وَضِيقَنَا؟ اِنْحَنَتْ إِلَى التُّرَابِ نُفُوسُنَا، وَلَصِقَتْ بِالْأَرْضِ أَجْسَامُنَا. قُمْ وَأَعِنَّا وَافْدِنَا مِنْ أَجْلِ رَحْمَتِكَ. تعليم. لقائد المغنين، على نغمة ”السوسن“ لبني قورح، أغنية للعرس فَاضَ قَلْبِي بِكَلَامٍ رَائِعٍ، فَأُكَلِّمُ الْمَلِكَ بِمَا أَنْشَأْتُهُ مِنْ شِعْرٍ، وَلِسَانِي فَصِيحٌ مِثْلُ قَلَمِ كَاتِبٍ مَاهِرٍ. أَنْتَ أَبْرَعُ جَمَالًا مِنْ كُلِّ النَّاسِ. كَلَامُ النِّعْمَةِ يَتَدَفَّقُ مِنْ شَفَتَيْكَ، لِأَنَّ اللهَ بَارَكَكَ إِلَى الْأَبَدِ. أَيُّهَا الْمَلِكُ الْجَلِيلُ، أَيُّهَا الْمُحَارِبُ الْقَدِيرُ، تَقَلَّدْ سَيْفَكَ عَلَى جَنْبِكَ، وَارْكَبْ بِجَلَالٍ وَانْصُرِ الْحَقَّ وَالرَّحْمَةَ وَالصَّلَاحَ، وَاصْنَعْ بِيَمِينِكَ أَعْمَالًا رَهِيبَةً. سِهَامُكَ الْمَسْنُونَةُ تَخْتَرِقُ قُلُوبَ أَعْدَاءِ الْمَلِكِ، تَحْتَ قَدَمَيْكَ تَسْقُطُ الشُّعُوبُ. اللَّهُمَّ، عَرْشُكَ ثَابِتٌ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ. أَنْتَ تَمْلِكُ عَلَى شَعْبِكَ بِالْعَدْلِ. أَنْتَ تُحِبُّ الْحَقَّ وَتَكْرَهُ الْبَاطِلَ، لِهَذَا عَظَّمَكَ اللهُ إِلَهُكَ فَوْقَ أَصْحَابِكَ، فَمَسَحَكَ بِزَيْتِ الْفَرَحِ. ثِيَابُكَ كُلُّهَا مُعَطَّرَةٌ بِالْمُرِّ وَالْعُودِ وَالطِّيبِ. أَطْرَبَتْكَ مُوسِيقَى الْأَوْتَارِ تَصْدَحُ مِنْ قُصُورٍ مُزَيَّنَةٍ بِالْعَاجِ. أَمِيرَاتٌ بَيْنَ حَظِيَّاتِكَ، وَالْعَرُوسَةُ الْمَلَكِيَّةُ عَنْ يَمِينِكَ مُزَيَّنَةٌ بِالذَّهَبِ الْجَيِّدِ. اِسْمَعِي يَا بِنْتُ وَانْظُرِي وَقَرِّبِي أُذُنَكِ: اِنْسَيْ شَعْبَكِ وَدَارَ أَبِيكِ. الْمَلِكُ مَفْتُونٌ بِجَمَالِكِ، أَكْرِمِيهِ لِأَنَّهُ مَوْلَاكِ. شَعْبُ صُورَ يَأْتِي إِلَيْكِ بِهَدِيَّةٍ، وَأَغْنَى النَّاسِ يَطْلُبُونَ رِضَاكِ. عَرُوسَةُ الْمَلِكِ جَمِيلَةٌ جِدًّا فِي قَصْرِهَا، ثَوْبُ عُرْسِهَا مَنْسُوجٌ بِخُيُوطٍ مِنْ ذَهَبٍ. تُزَفُّ إِلَى الْمَلِكِ بِمَلَابِسَ مُطَرَّزَةٍ، تَتْبَعُهَا وَصِيفَاتُهَا الْعَذَارَى قَادِمَاتٍ إِلَيْكَ. يُحْضَرْنَ بِفَرَحٍ وَابْتِهَاجٍ، وَيَدْخُلْنَ إِلَى قَصْرِ الْمَلِكِ. فَيَكُونُ لَكَ أَوْلَادٌ يَخْلِفُونَ آبَاءَكَ، وَتَجْعَلُهُمْ أُمَرَاءَ فِي كُلِّ الْبِلَادِ. وَأَنَا أُخَلِّدُ ذِكْرَاكَ فِي كُلِّ الْأَجْيَالِ، لِذَلِكَ تَحْمَدُكَ الشُّعُوبُ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ. نشيد. لقائد المغنين، لبني قورح، على صوت العذارى اللهُ لَنَا مَلْجَأٌ وَقُوَّةٌ، وَعَوْنٌ دَائِمٌ فِي الضِّيقِ. لِذَلِكَ لَا نَخَافُ وَلَوِ انْقَلَبَتِ الْأَرْضُ، وَلَوْ سَقَطَتِ الْجِبَالُ إِلَى أَعْمَاقِ الْبِحَارِ، وَلَوْ هَاجَتْ وَثَارَتْ مِيَاهُهَا، وَلَوْ تَزَلْزَلَتِ الْجِبَالُ مِنْ عُنْفِ هَيَجَانِهَا. يُوجَدُ نَهْرٌ جَدَاوِلُهُ تُفَرِّحُ مَدِينَةَ اللهِ، الْمَكَانَ الْمُقَدَّسَ حَيْثُ يَسْكُنُ الْعَلِيُّ. اللهُ فِي وَسَطِهَا فَلَنْ تَتَزَعْزَعَ، يُعِينُهَا اللهُ فِي الْفَجْرِ. هَاجَتِ الشُّعُوبُ وَانْقَلَبَتِ الْمَمَالِكُ، دَوَّى بِصَوْتِهِ فَذَابَتِ الْأَرْضُ. اللهُ الْقَدِيرُ مَعَنَا، رَبُّ يَعْقُوبَ هُوَ حِصْنُنَا. تَعَالَوْا وَانْظُرُوا أَعْمَالَ اللهِ، وَالْعَجَائِبَ الَّتِي صَنَعَهَا فِي الْأَرْضِ. يُوقِفُ الْحُرُوبَ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا. يَكْسِرُ الْقَوْسَ وَيُحَطِّمُ الرُّمْحَ وَيَحْرِقُ الدُّرُوعَ بِالنَّارِ. اِهْدَأُوا وَاعْلَمُوا أَنِّي أَنَا اللهُ، الْعَلِيُّ بَيْنَ الْأُمَمِ، الْعَلِيُّ فِي الْأَرْضِ. اللهُ الْقَدِيرُ مَعَنَا، رَبُّ يَعْقُوبَ هُوَ حِصْنُنَا. مزمور. لقائد المغنين، لبني قورح يَا جَمِيعَ الْأُمَمِ صَفِّقُوا بِالْأَيَادِي. اِهْتِفُوا للهِ هُتَافَ الْفَرَحِ. لِأَنَّ اللهَ عَلِيٌّ مَهُوبٌ، مَلِكٌ عَظِيمٌ عَلَى كُلِّ الْأَرْضِ. يُخْضِعُ الشُّعُوبَ لَنَا، وَيَطْرَحُ الْأُمَمَ تَحْتَ أَقْدَامِنَا. اِخْتَارَ لَنَا نَصِيبَنَا، الْأَرْضَ الَّتِي يَفْخَرُ بِهَا حَبِيبُهُ يَعْقُوبُ. اِرْتَفَعَ اللهُ وَسَطَ الْهُتَافِ، اِرْتَفَعَ رَبُّنَا وَسَطَ دَوِيِّ الْبُوقِ. غَنُّوا للهِ، غَنُّوا. غَنُّوا لِمَلِكِنَا، غَنُّوا. هُوَ مَالِكُ الْمُلْكِ، غَنُّوا لَهُ قَصِيدَةَ حَمْدٍ. مَلَكَ اللهُ عَلَى الْأُمَمِ، مِنْ عَرْشِهِ الْمُقَدَّسِ يَحْكُمُ. اِجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الشُّعُوبِ مَعًا، صَارُوا شَعْبَ رَبِّ إِبْرَاهِيمَ. لِأَنَّ للهِ عُظَمَاءَ الدُّنْيَا، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ. نشيد. مزمور لبني قورح رَبُّنَا عَظِيمٌ، وَيَسْتَحِقُّ كُلَّ تَسْبِيحٍ فِي مَدِينَتِهِ، فِي جَبَلِهِ الْمُقَدَّسِ. الْجَبَلُ الْمُقَدَّسُ جَمِيلٌ وَشَامِخٌ، وَيُفَرِّحُ كُلَّ الْأَرْضِ إِلَى أَقْصَى الشَّمَالِ، هُوَ مَدِينَةُ الْمَلِكِ الْعَظِيمِ. اللهُ مَوْجُودٌ فِيهَا يُدَافِعُ عَنْهَا، وَأَثْبَتَ أَنَّهُ فِعْلًا حَامِيهَا. جَمَعَ الْمُلُوكُ قُوَّاتِهِمْ، وَتَقَدَّمُوا مَعًا. فَلَمَّا رَأَوْهَا ذُهِلُوا وَخَافُوا وَهَرَبُوا. هُنَاكَ ارْتَعَدُوا وَتَوَجَّعُوا كَامْرَأَةٍ تَلِدُ. أَنْتَ حَطَّمْتَهُمْ كَمَا تَفْعَلُ الرِّيحُ الشَّرْقِيَّةُ بِسُفُنِ تَرْشِيشَ. مَا سَمِعْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، رَأَيْنَاهُ الْآنَ فِي مَدِينَةِ الْمَوْلَى الْقَدِيرِ، مَدِينَةِ إِلَهِنَا. يَحْمِيهَا اللهُ إِلَى الْأَبَدِ. اللَّهُمَّ، دَاخِلَ بَيْتِكَ نَتَأَمَّلُ فِي رَحْمَتِكَ. اللَّهُمَّ، مِثْلُ اسْمِكَ يَبْلُغُ حَمْدُكَ إِلَى آخِرِ الْأَرْضِ، لِأَنَّ يَمِينَكَ مَلْآنَةٌ صَلَاحًا. يَفْرَحُ الْجَبَلُ الْمُقَدَّسُ، وَتَبْتَهِجُ مُدُنُ يَهُوذَا بِسَبَبِ أَحْكَامِكَ. تَعَالَوْا نَطُوفُ فِي الْقُدْسِ وَنَدُورُ حَوْلَهَا، وَنَعُدُّ أَبْرَاجَهَا. فَنَرَى أَسْوَارَهَا الْمَنِيعَةَ وَنُشَاهِدُ حُصُونَهَا، وَنُخْبِرُ الْأَجْيَالَ الْقَادِمَةَ، أَنَّ اللهَ هَذَا هُوَ إِلَهُنَا إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ، وَهُوَ هَادِينَا إِلَى النِّهَايَةِ. مزمور لبني قورح، لقائد المغنين اِسْمَعُوا هَذَا يَا كُلَّ الشُّعُوبِ، أَصْغُوا يَا جَمِيعَ سُكَّانِ الدُّنْيَا، عُظَمَاءَ وَأَدْنِيَاءَ، أَغْنِيَاءَ وَفُقَرَاءَ عَلَى السَّوَاءِ. فَمِي يَنْطِقُ حِكْمَةً، وَقَلْبِي يَهْمِسُ فَهْمًا. أُصْغِي بِأُذُنِي إِلَى مَثَلٍ، وَعَلَى عَزْفِ الْعُودِ أَشْرَحُ لُغْزِي. لِمَاذَا أَخَافُ فِي أَيَّامِ الشَّرِّ عِنْدَمَا يُحِيطُ بِي شَرُّ مُطَارِدِيَّ؟ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَتَّكِلُونَ عَلَى ثَرْوَتِهِمْ، وَيَفْتَخِرُونَ بِوَفْرَةِ غِنَاهُمْ! لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَفْدِيَ أَخَاهُ، وَلَا أَنْ يُقَدِّمَ للهِ فِدْيَةً عَنْهُ. لِأَنَّ فِدَاءَ النَّفْسِ بَاهِظُ الثَّمَنِ، لَا سَبِيلَ لِلْحُصُولِ عَلَيْهِ، لِكَيْ نَحْيَا إِلَى الْأَبَدِ وَلَا نَرَى الْقَبْرَ. فَكُلُّنَا نَرَى أَنَّ الْحُكَمَاءَ يَمُوتُونَ، وَالْجُهَلَاءَ وَالْأَغْنِيَاءَ يَهْلِكُونَ، وَيَتْرُكُونَ ثَرْوَتَهُمْ لِغَيْرِهِمْ. مَعَ أَنَّهُمْ أَطْلَقُوا أَسْمَاءَهُمْ عَلَى أَرَاضِيهِمْ، فَالْآنَ الْقَبْرُ هُوَ دَارُهُمْ إِلَى الْأَبَدِ وَمَسْكَنُهُمْ مِنْ جِيلٍ إِلَى جِيلٍ. فَالْإِنْسَانُ لَا يَدُومُ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ غِنَاهُ، بَلْ يُشْبِهُ الْبَهَائِمَ الَّتِي تَفْنَى. هَذَا هُوَ مَصِيرُ الَّذِينَ يَتَّكِلُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَمَصِيرُ أَتْبَاعِهِمِ الَّذِينَ يُوَافِقُونَ عَلَى كَلَامِهِمْ. هُمْ كَالْغَنَمِ، وَالْمَوْتُ كَالرَّاعِي يَسُوقُهُمْ إِلَى الْقَبْرِ. فِي الصُّبْحِ يَتَسَلَّطُ الْأُمَنَاءُ عَلَيْهِمْ. تُمْحَى صُورَتُهُمْ، وَيَصِيرُ الْقَبْرُ دَارَهُمْ. لَكِنَّ اللهَ يَفْدِي نَفْسِي مِنْ قَبْضَةِ الْمَوْتِ، لِأَنَّهُ يَأْخُذُنِي إِلَيْهِ. لَا تَخَفْ إِذَا اغْتَنَى إِنْسَانٌ، وَزَادَ الْجَاهُ فِي دَارِهِ. لِأَنَّهُ عِنْدَمَا يَمُوتُ، لَا يَأْخُذُ شَيْئًا مَعَهُ، وَلَا يُرَافِقُهُ الْجَاهُ. وَمَعَ أَنَّهُ وَهُوَ حَيٌّ كَانَ يَعْتَبِرُ نَفْسَهُ سَعِيدًا، وَكَانَ النَّاسُ يَمْدَحُونَهُ لِغِنَاهُ، لَكِنَّهُ يَلْحَقُ بِآبَائِهِ الَّذِينَ لَنْ يَرَوْا نُورَ الْحَيَاةِ مَرَّةً أُخْرَى. لِأَنَّ الْإِنْسَانَ الْغَنِيَّ الَّذِي لَا يَفْهَمُ، يُشْبِهُ الْبَهَائِمَ الَّتِي تَفْنَى. مزمور لآساف رَبُّنَا الْإِلَهُ الْقَدِيرُ يَتَكَلَّمُ وَيُنَادِي الدُّنْيَا كُلَّهَا، مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا. مِنَ الْقُدْسِ الْكَامِلَةِ الْجَمَالِ يُشْرِقُ اللهُ. يَأْتِي إِلَهُنَا وَلَا يَصْمُتُ، قُدَّامَهُ نَارٌ تَأْكُلُ وَحَوْلَهُ عَاصِفَةٌ ثَائِرَةٌ. يُنَادِي السَّمَاوَاتِ مِنْ فَوْقُ وَالْأَرْضَ لِكَيْ يُحَاكِمَ شَعْبَهُ. وَيَقُولُ: ”اِجْتَمِعُوا إِلَيَّ يَا أَتْقِيَائِي يَا مَنْ عَمِلْتُمْ مَعِي عَهْدًا عَلَى ضَحِيَّةٍ.“ وَتُعْلِنُ السَّمَاوَاتُ أَنَّهُ عَادِلٌ، لِأَنَّ اللهَ هُوَ الدَّيَّانُ. ”اِسْمَعْ يَا شَعْبِي فَأَتَكَلَّمَ، يَا إِسْرَائِيلُ إِنِّي أَشْهَدُ عَلَيْكَ. أَنَا اللهُ إِلَهُكَ. لَا أُوَبِّخُكَ عَلَى ضَحَايَاكَ، لِأَنَّ قَرَابِينَكَ قُدَّامِي دَائِمًا. لَا أَحْتَاجُ إِلَى ثَوْرٍ مِنْ دَارِكَ، وَلَا إِلَى كَبْشٍ مِنْ حَظَائِرِكَ. لِأَنَّ كُلَّ حَيَوَانَاتِ الْغَابَةِ، وَالْبَهَائِمِ الْمُنْتَشِرَةِ عَلَى أُلُوفِ الْجِبَالِ، هِيَ لِي. أَنَا عَالِمٌ بِكُلِّ طُيُورِ الْجِبَالِ، وَلِي أَيْضًا كُلُّ الْمَخْلُوقَاتِ فِي الْوِدْيَانِ. إِنْ جُعْتُ فَلَا أَقُولُ لَكَ، لِأَنَّ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا هِيَ لِي. هَلْ أَنَا آكُلُ لَحْمَ الثِّيرَانِ، أَوْ أَشْرَبُ دَمَ الْكِبَاشِ؟ بَلْ قَدِّمْ قُرْبَانَكَ للهِ لِتُعَبِّرَ عَنْ شُكْرِكَ لَهُ. أَوْفِ نُذُورَكَ لِلْعَلِيِّ. اُدْعُنِي فِي يَوْمِ الضِّيقِ، أُنْقِذُكَ فَتُكْرِمَنِي.“ أَمَّا الشِّرِّيرُ فَقَالَ اللهُ لَهُ: ”بِأَيِّ حَقٍّ تَتَحَدَّثُ بِشَرَائِعِي، وَتَتَكَلَّمُ عَنْ عَهْدِي؟ أَنْتَ تَكْرَهُ وَصَايَايَ، وَرَمَيْتَ كَلَامِي وَرَاءَكَ! إِذَا رَأَيْتَ سَارِقًا وَافَقْتَهُ، وَمَعَ الزُّنَاةِ نَصِيبُكَ! أَطْلَقْتَ فَمَكَ بِالشَّرِّ، وَلِسَانُكَ يَخْتَرِعُ الْغِشَّ! جَلَسْتَ تَتَكَلَّمُ بِالسُّوءِ عَلَى أَخِيكَ، اِبْنُ أُمِّكَ تَفْتَرِي عَلَيْهِ! كُلُّ هَذَا أَنْتَ فَعَلْتَهُ، وَأَنَا سَكَتُّ. فَظَنَنْتَ أَنِّي مِثْلُكَ، لَكِنِّي أُوَبِّخُكَ وَأَتَّهِمُكَ فِي وَجْهِكَ. اِفْهَمُوا هَذَا يَا مَنْ نَسِيتُمُ اللهَ، لِئَلَّا أَفْتَرِسَكُمْ وَلَا مُنْقِذَ مِنْ يَدِي. مَنْ يُقَدِّمُ لِي قُرْبَانَ الشُّكْرِ يُكْرِمُنِي، وَمَنْ يَسْلُكُ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، أَنَا اللهُ أُنْقِذُهُ.“ لقائد المغنين مزمور لداود، بعدما زاره ناثان ووبخه لما فعله مع بتشبع اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي لِأَنَّكَ رَحْمَانٌ، اُمْحُ مَعَاصِيَّ لِأَنَّكَ دَائِمًا رَحِيمٌ. اِغْسِلْنِي مِنْ كُلِّ إِثْمِي، وَمِنْ خَطِيئَتِي طَهِّرْنِي. أَنَا عَارِفٌ مَعَاصِيَّ، وَلَا أَقْدِرُ أَنْ أَنْسَى خَطِيئَتِي. إِنِّي أَخْطَأْتُ فِي حَقِّكَ، فِي حَقِّكَ أَنْتَ وَحْدَكَ، وَفَعَلْتُ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِكَ. وَأَنْتَ صَادِقٌ فِي كَلَامِكَ، وَعَادِلٌ فِي حُكْمِكَ. أَنَا جِئْتُ إِلَى هَذِهِ الدُّنْيَا مُذْنِبًا، وَوَلَدَتْنِي أُمِّي خَاطِئًا. أَنْتَ تُحِبُّ الْأَمَانَةَ فِي الْقَلْبِ، عَلِّمْنِي الْحِكْمَةَ فِي أَعْمَاقِ نَفْسِي. طَهِّرْنِي بِحُزْمَةٍ مِنَ السَّعْتَرِ فَأَطْهُرَ، اِغْسِلْنِي فَأَبْيَضَّ أَكْثَرَ مِنَ الثَّلْجِ. أَسْمِعْنِي سُرُورًا وَفَرَحًا، فَتَبْتَهِجَ الْعِظَامُ الَّتِي سَحَقْتَهَا. حَوِّلْ نَظَرَكَ عَنْ ذُنُوبِي، وَامْسَحْ كُلَّ آثَامِي. اللَّهُمَّ اخْلُقْ فِيَّ قَلْبًا طَاهِرًا، وَضَعْ فِيَّ رُوحًا جَدِيدَةً أَمِينَةً. لَا تَطْرُدْنِي مِنْ مَحْضَرِكَ، وَلَا تَنْزِعْ مِنِّي رُوحَكَ الْقُدُّوسَ. فَرِّحْنِي مِنْ جَدِيدٍ بِأَنَّكَ نَجَّيْتَنِي، وَقَوِّنِي بِرُوحٍ رَاضِيَةٍ. فَأُعَلِّمَ الْعُصَاةَ طُرُقَكَ، فَيَرْجِعَ الْخُطَاةُ إِلَيْكَ. اللَّهُمَّ، أَيُّهَا الْإِلَهُ مُنْقِذِي، أَنْقِذْنِي مِنْ سَفْكِ الدَّمِ، فَيُغَنِّيَ لِسَانِي بِصَلَاحِكَ. اِفْتَحْ شَفَتَيَّ يَا رَبُّ، فَيُعْلِنَ فَمِي حَمْدَكَ. لِأَنَّكَ لَا تُسَرُّ بِضَحِيَّةٍ، وَإِلَّا فَكُنْتُ أُقَدِّمُهَا، وَلَا تَرْضَى بِقُرْبَانٍ يُحْرَقُ. بَلِ الضَّحِيَّةُ الَّتِي يَطْلُبُهَا اللهُ هِيَ الرُّوحُ الْمُنْكَسِرَةُ. الْقَلْبُ الْمُنْكَسِرُ وَالْمُنْسَحِقُ لَا يَحْتَقِرُهُ اللهُ. أَحْسِنْ إِلَى الْقُدْسِ وَارْضَ عَنْهَا. اِبْنِ أَسْوَارَهَا. فَنُقَدِّمَ ضَحَايَا لَائِقَةً تُسَرُّ بِهَا، وَقَرَابِينَ وَثِيرَانًا عَلَى مَنَصَّتِكَ. لقائد المغنين. تعليم لداود، لما راح دواغ الأدومي إلى شاول وأخبره بأن داود ذهب إلى دار أخيملك لِمَاذَا تَفْتَخِرُ بِالشَّرِّ طُولَ الْيَوْمِ أَيُّهَا الْجَبَّارُ؟ حَقِيرٌ أَنْتَ فِي نَظَرِ اللهِ! تُدَبِّرُ الْهَلَاكَ! لِسَانُكَ الْمَاكِرُ حَادٌّ كَالْمُوسَى. أَحْبَبْتَ الشَّرَّ أَكْثَرَ مِنَ الْخَيْرِ، وَالْكِذْبَ أَكْثَرَ مِنَ الصِّدْقِ. أَحْبَبْتَ كُلَّ كَلَامٍ يَضُرُّ وَلِسَانٍ مَاكِرٍ. سَيَهْدِمُكَ اللهُ إِلَى الْأَبَدِ، وَيَخْطِفُكَ وَيَنْزِعُكَ مِنْ دَارِكَ، وَيَقْلَعُكَ مِنْ بَيْنِ الْأَحْيَاءِ. فَيَرَى الصَّالِحُونَ ذَلِكَ وَيَخَافُونَ، ثُمَّ يَضْحَكُونَ عَلَيْكَ وَيَقُولُونَ: ”اُنْظُرُوا الرَّجُلَ الَّذِي لَمْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ، بَلِ اتَّكَلَ عَلَى غِنَاهُ وَتَقَوَّى بِشَرِّهِ!“ أَمَّا أَنَا فَمِثْلُ زَيْتُونَةٍ خَضْرَاءَ فِي بَيْتِ اللهِ. تَوَكَّلْتُ عَلَى رَحْمَةِ اللهِ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ. أَحْمَدُكَ إِلَى الْأَبَدِ عَلَى مَا فَعَلْتَ. أَضَعُ رَجَائِي فِي اسْمِكَ الصَّالِحِ فِي مَحْضَرِ أَتْقِيَائِكَ. تعليم لداود. لقائد المغنين، على العود قَالَ الْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: ”لَا يُوجَدُ إِلَهٌ.“ فَسَدَ الْبَشَرُ. طُرُقُهُمْ كَرِيهَةٌ. وَلَا وَاحِدٌ يَعْمَلُ الصَّلَاحَ. أَطَلَّ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى بَنِي الْبَشَرِ، لِيَرَى إِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ حَكِيمٌ يَطْلُبُ اللهَ. كُلُّهُمْ ضَلُّوا، كُلُّهُمْ فَسَدُوا، وَلَا وَاحِدٌ يَعْمَلُ الصَّلَاحَ، وَلَا حَتَّى وَاحِدٌ. أَلَا يَعْرِفُ فَاعِلُو الشَّرِّ أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ شَعْبِي كَمَا يَأْكُلُونَ الْخُبْزَ، وَلَا يَدْعُونَ اللهَ؟ لِذَلِكَ يَسْتَوْلِي عَلَيْهِمُ الْخَوْفُ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مَا يُخَوِّفُ. يُبَعْثِرُ اللهُ عِظَامَ أَعْدَائِكُمْ، تَهْزِمُونَهُمْ لِأَنَّ اللهَ رَفَضَهُمْ. مَنْ يَأْتِي مِنَ الْقُدْسِ وَيَنْصُرُ أُمَّةَ اللهِ؟ حِينَ يَرُدُّ اللهُ ثَرْوَةَ شَعْبِهِ، يَفْرَحُ بَنُو يَعْقُوبَ وَيَبْتَهِجُ بَنُو إِسْرَائِيلَ. لقائد المغنين على الآلات الوترية. تعليم لداود لما راح أهل مدينة زيف إلى شاول وقالوا له إن داود مختبئ عندهم اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَنْقِذْنِي، وَبِقُوَّتِكَ أَنْصِفْنِي. اللَّهُمَّ اسْمَعْ صَلَاتِي، وَأَصْغِ إِلَى كَلَامِي. لِأَنَّ غُرَبَاءَ قَامُوا عَلَيَّ، جَمَاعَةً لَا تَرْحَمُ تَسْعَى لِقَتْلِي. لَمْ يَجْعَلُوا للهِ اعْتِبَارًا. لَكِنَّ اللهَ هُوَ مُعِينِي، اللهُ هُوَ سَنَدِي. رُدَّ الشَّرَّ عَلَى أَعْدَائِي، أَفْنِهِمْ حَسَبَ أَمَانَتِكَ. طَوْعًا أُضَحِّي لَكَ، أُسَبِّحُ اسْمَكَ يَا رَبُّ لِأَنَّهُ طَيِّبٌ. لِأَنَّهُ نَجَّانِي مِنْ كُلِّ ضِيقٍ، وَرَأَيْتُ بِعَيْنَيَّ هَزِيمَةَ أَعْدَائِي. تعليم لداود. لقائد المغنين، على الآلات الوترية اللَّهُمَّ أَصْغِ إِلَى دُعَائِي وَلَا تَغْفَلْ عَنْ تَضَرُّعِي. اِسْمَعْنِي وَاسْتَجِبْ لِي. أَنَا حَيْرَانٌ وَقَلِقٌ فِي فِكْرِي، مِنْ صِيَاحِ الْأَعْدَاءِ وَمِنْ مُضَايَقَةِ الْأَشْرَارِ، لِأَنَّهُمْ يَجْلِبُونَ عَلَيَّ الْمَتَاعِبَ، وَبِغَضَبٍ يَضْطَهِدُونِي. قَلْبِي فِي دَاخِلِي يُوجِعُنِي، وَأَهْوَالُ الْمَوْتِ حَلَّتْ عَلَيَّ. أَنَا خَائِفٌ وَمُرْتَعِدٌ. غَمَرَنِي رُعْبٌ. فَقُلْتُ: ”لَيْتَ لِي جَنَاحًا كَالْحَمَامَةِ فَأَطِيرَ وَأَرْتَاحَ. كُنْتُ أَهْرُبُ بَعِيدًا وَأُقِيمُ فِي الْبَرِّيَّةِ. كُنْتُ أُسْرِعُ لِأَنْجُوَ مِنَ الرِّيَاحِ وَالْعَوَاصِفِ.“ يَا رَبُّ خَيِّبِ الْأَشْرَارَ، وَبَلْبِلْ أَلْسِنَتَهُمْ، لِأَنِّي أَرَى فِي الْمَدِينَةِ ظُلْمًا وَخِصَامًا، لَيْلًا وَنَهَارًا يُحِيطَانِ بِأَسْوَارِهَا. الشَّرُّ وَالْفَسَادُ فِي دَاخِلِهَا. اِنْتَشَرَ الْهَلَاكُ فِيهَا، وَلَا يُفَارِقُ الظُّلْمُ وَالْخِدَاعُ شَوَارِعَهَا. لَوْ كَانَ الَّذِي يَشْتِمُنِي عَدُوًّا، لَكُنْتُ أَحْتَمِلُ. وَلَوْ كَانَ الَّذِي يَتَجَبَّرُ عَلَيَّ خَصْمًا، لَكُنْتُ أَخْتَبِئُ مِنْهُ. لَكِنْ أَنْتَ! وَاحِدٌ مِثْلِي، صَاحِبِي وَصَدِيقِيَ الْحَمِيمُ. الَّذِي كَانَتْ لِي عِشْرَةٌ طَيِّبَةٌ مَعَهُ، وَكُنَّا نَذْهَبُ مَعًا إِلَى بَيْتِ اللهِ فِي جُمْهُورِ الْعَابِدِينَ! لَيْتَ الْمَوْتَ يُفَاجِئُ أَعْدَائِي، فَيَنْزِلُوا إِلَى الْقَبْرِ أَحْيَاءً. لِأَنَّ الشَّرَّ سَاكِنٌ فِي وَسَطِهِمْ. أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أَدْعُو اللهَ. رَبِّي يُنْقِذُنِي. مَسَاءً وَصَبَاحًا وَظُهْرًا أَصْرُخُ إِلَيْهِ وَأَشْكُو، فَيَسْمَعُ صَوْتِي. يَفْدِينِي فِي الْقِتَالِ، وَيُعْطِينِي الْأَمَانَ، مَعَ أَنَّ كَثِيرِينَ قَامُوا عَلَيَّ. اللهُ الْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِ مُنْذُ الْأَزَلِ يَسْمَعُ وَيُذِلُّهُمْ، الَّذِينَ لَا يُغَيِّرُونَ طُرُقَهُمْ وَلَا يَتَّقُونَ اللهَ. صَاحِبِي يُهَاجِمُ أَصْدِقَاءَهُ، يَنْقُضُ عَهْدَهُ. كَلَامُهُ أَنْعَمُ مِنَ الزُّبْدَةِ، وَفِي قَلْبِهِ يُضْمِرُ الْقِتَالَ. كَلِمَاتُهُ أَلْيَنُ مِنَ الزَّيْتِ، لَكِنَّهَا سُيُوفٌ مَسْلُولَةٌ. أَلْقِ هَمَّكَ عَلَى اللهِ، فَهُوَ يَعُولُكَ. لَا يَتْرُكُ الصَّالِحَ يَسْقُطُ أَبَدًا. اللَّهُمَّ أَنْتَ تَطْرَحُ الْأَشْرَارَ إِلَى حُفْرَةِ الْهَلَاكِ، وَتُقَصِّرُ عُمْرَ الَّذِينَ يَسْفِكُونَ الدَّمَ وَالْغَشَّاشِينَ. أَمَّا أَنَا فَأَتَّكِلُ عَلَيْكَ. كتابة لداود، لما أمسكه الفلسطيون في جت. لقائد المغنين، على نغمة ”حمامة على البلوط البعيد“ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي، لِأَنَّ النَّاسَ يُطَارِدُونِي، طُولَ الْيَوْمِ يُحَارِبُونِي وَيُضَايِقُونِي. أَعْدَائِي يُطَارِدُونِي طُولَ الْيَوْمِ. كَثِيرُونَ يُهَاجِمُونِي بِكِبْرِيَاءَ. لَكِنْ حَتَّى وَأَنَا خَائِفٌ، أَتَّكِلُ عَلَيْكَ. اللَّهُمَّ أَحْمَدُكَ عَلَى كَلَامِكَ. أَتَّكِلُ عَلَى اللهِ فَلَا أَخَافُ. مَاذَا يُمْكِنُ لِلْإِنْسَانِ الزَّائِلِ أَنْ يَصْنَعَ بِي؟ طُولَ الْيَوْمِ يُحَرِّفُونَ كَلَامِي. دَائِمًا يُفَكِّرُونَ فِي أَذِيَّتِي. يَتَآمَرُونَ سِرًّا، يُرَاقِبُونَ كُلَّ مَا أَعْمَلُهُ، وَيُرِيدُونَ أَنْ يَقْتُلُونِي. اللَّهُمَّ جَازِهِمْ عَلَى شَرِّهِمْ، أَخْضِعِ الشُّعُوبَ بِغَضَبِكَ. أَنْتَ تَعْرِفُ أَحْزَانِي، اِجْمَعْ دُمُوعِي فِي قَارُورَةٍ عِنْدَكَ. أَلَيْسَتْ هِيَ مُسَجَّلَةً فِي كِتَابِكَ؟ حِينَ أَدْعُوكَ، يَتَقَهْقَرُ أَعْدَائِي إِلَى الْوَرَاءِ. اللهُ مَعِي وَأَنَا مُتَأَكِّدٌ مِنْ هَذَا. اللَّهُمَّ أَحْمَدُكَ عَلَى كَلَامِكَ، يَا رَبُّ أَحْمَدُكَ عَلَى كَلَامِكَ. أَتَّكِلُ عَلَى اللهِ فَلَا أَخَافُ. مَاذَا يُمْكِنُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَصْنَعَ بِي؟ اللَّهُمَّ لَكَ عَلَيَّ نُذُورٌ، أُوفِيكَ بِقُرْبَانِ الشُّكْرِ. لِأَنَّكَ نَجَّيْتَ نَفْسِي مِنَ الْمَوْتِ، وَرِجْلَيَّ مِنَ الِانْزِلَاقِ، لِكَيْ أَسِيرَ فِي مَحْضَرِ اللهِ فِي نُورِ الْحَيَاةِ. كتابة لداود، لما هرب من شاول إلى المغارة. لقائد المغنين، على نغمة ”لا تهلك“ اِرْحَمْنِي اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي، لِأَنَّ نَفْسِي لَجَأَتْ إِلَيْكَ. أَحْتَمِي فِي ظِلِّ جَنَاحَيْكَ إِلَى أَنْ تَعْبُرَ الْمَصَائِبُ. أَصْرُخُ إِلَى اللهِ الْعَلِيِّ، إِلَى اللهِ الَّذِي يُتَمِّمُ قَصْدَهُ فِي حَيَاتِي. يُرْسِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَيُنْقِذُنِي، وَيُوَبِّخُ الَّذِينَ يُطَارِدُونِي. يُرْسِلُ اللهُ رَحْمَتَهُ وَأَمَانَتَهُ. أَنَا وَسَطَ أُسُودٍ، أَرْقُدُ بَيْنَ وُحُوشٍ مُفْتَرِسَةٍ، هُمْ بَشَرٌ لَكِنَّ أَنْيَابَهُمْ رِمَاحٌ وَسِهَامٌ، وَأَلْسِنَتَهُمْ سُيُوفٌ حَادَّةٌ. اِرْتَفِعِ اللَّهُمَّ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ، وَلْيَرْتَفِعْ جَلَالُكَ فَوْقَ كُلِّ الْأَرْضِ. نَصَبُوا فَخًّا لِرِجْلَيَّ، فَانْحَنَيْتُ مِنَ الْهَمِّ. حَفَرُوا حُفْرَةً فِي طَرِيقِي، فَسَقَطُوا فِيهَا. قَلْبِي ثَابِتٌ، اللَّهُمَّ قَلْبِي ثَابِتٌ. أُغَنِّي وَأَعْزِفُ. اِسْتَيْقِظِي يَا نَفْسِي، اِسْتَيْقِظْ يَا عُودُ وَيَا رَبَابُ، أَنَا أَسْتَيْقِظُ فِي الْفَجْرِ. أَحْمَدُكَ يَا رَبُّ بَيْنَ الشُّعُوبِ، أُغَنِّي لَكَ بَيْنَ الْأُمَمِ. لِأَنَّ رَحْمَتَكَ عَظِيمَةٌ بَلَغَتْ إِلَى السَّمَاوَاتِ، وَأَمَانَتَكَ إِلَى السَّحَابِ. اِرْتَفِعِ اللَّهُمَّ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ، وَلْيَرْتَفِعْ جَلَالُكَ فَوْقَ كُلِّ الْأَرْضِ. كتابة لداود. لقائد المغنين، على نغمة ”لا تهلك“ هَلْ فِعْلًا تَتَكَلَّمُونَ بِالْحَقِّ أَيُّهَا الْحُكَّامُ؟ هَلْ تَحْكُمُونَ بِالْعَدْلِ بَيْنَ النَّاسِ؟ لَا! بَلْ تُدَبِّرُونَ الشَّرَّ فِي قُلُوبِكُمْ، وَأَيْدِيكُمْ تَرْتَكِبُ الظُّلْمَ فِي الْأَرْضِ. زَاغَ الْأَشْرَارُ حَتَّى وَهُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، ضَلُّوا وَكَذَبُوا مُنْذُ أَنْ وُلِدُوا. مِثْلُ سِمِّ الْحَيَّةِ سِمُّهُمْ. سَدُّوا آذَانَهُمْ مِثْلَ الْأَفْعَى الصَّمَّاءِ، الَّتِي لَا تَسْمَعُ نَغَمَ الْحَاوِي مَهْمَا كَانَ مَاهِرًا فِي سِحْرِهِ. اللَّهُمَّ كَسِّرْ أَسْنَانَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ. حَطِّمْ أَنْيَابَ الظَّالِمِينَ يَا رَبُّ. اِجْعَلْهُمْ يَتَلَاشَوْنَ كَالْمَاءِ الْمَكْبُوبِ. كَسِّرْ سِهَامَهُمْ حِينَ يُصَوِّبُونَهَا. اِجْعَلْهُمْ يَزُولُونَ كَحَشَرَةٍ، وَكَجَنِينٍ مَيِّتٍ لَمْ يَرَ الشَّمْسَ. اِنْزِعْهُمْ أَسْرَعَ مِمَّا يَحْمَى الْوِعَاءُ بِنَارِ الشَّوْكِ. يَفْرَحُ الصَّالِحُ عِنْدَمَا يَرَى عِقَابَ الْأَشْرَارِ، وَيَغْسِلُ قَدَمَيْهِ بِدَمِهِمْ. وَيَقُولُ النَّاسُ: ”حَقًّا لِلصَّالِحِ أَجْرٌ، حَقًّا فِي الْأَرْضِ إِلَهٌ يَقْضِي.“ كتابة لداود لما أرسل شاول بعض الناس ليراقبوا الدار ليقتلوه. لقائد المغنين، على نغمة ”لا تهلك“ نَجِّنِي مِنْ أَعْدَائِي يَا إِلَهِي، وَاحْمِنِي مِنَ الَّذِينَ يُقَاوِمُونِي. نَجِّنِي مِنْ فَاعِلِي الشَّرِّ، وَأَنْقِذْنِي مِنَ الَّذِينَ يَسْفِكُونَ الدَّمَ. إِنَّهُمْ يَكْمُنُونَ لِي، أَقْوِيَاءُ يَتَآمَرُونَ ضِدِّي دُونَ أَنْ أَرْتَكِبَ خَطَأً أَوْ مَعْصِيَةً يَا رَبُّ. لَمْ أَقْتَرِفْ إِثْمًا، وَلَكِنَّهُمْ يُسْرِعُونَ لِلْهُجُومِ عَلَيَّ. قُمْ وَسَاعِدْنِي وَانْظُرْ حَالَتِي. يَا رَبَّنَا الْإِلَهَ الْقَدِيرَ، يَا رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، اِسْتَيْقِظْ وَعَاقِبْ كُلَّ الْأُمَمِ، لَا تَرْحَمْ هَؤُلَاءِ الْغَادِرِينَ الْآثِمِينَ، الَّذِينَ يَخْرُجُونَ فِي اللَّيْلِ، يَنْبَحُونَ كَالْكِلَابِ، يَطُوفُونَ فِي الْمَدِينَةِ. تَفِيضُ أَفْوَاهُهُمْ سُوءًا، وَمِنْ شِفَاهِهِمْ تَخْرُجُ كَلِمَاتٌ جَارِحَةٌ، وَيَقُولُونَ: ”مَنْ يَسْمَعُنَا؟“ لَكِنَّكَ تَضْحَكُ عَلَيْهِمْ يَا رَبُّ، تَهْزَأُ بِجَمِيعِ الْأُمَمِ. يَا قُوَّتِي إِيَّاكَ أَنْتَظِرُ. اللَّهُمَّ أَنْتَ حِصْنِي. إِلَهِيَ الرَّحِيمُ يَسِيرُ قُدَّامِي، إِلَهِي يُرِينِي هَزِيمَةَ أَعْدَائِي. لَكِنْ لَا تَقْتُلْهُمْ لِئَلَّا يَنْسَى شَعْبِي، بَلْ شَتِّتْهُمْ بِقُدْرَتِكَ، وَاطْرَحْهُمْ إِلَى الْأَرْضِ يَا رَبُّ، يَا حَامِينَا. بِسَبَبِ خَطِيئَةِ أَفْوَاهِهِمْ وَكَلَامِ شِفَاهِهِمْ، اِجْعَلْهُمْ يُمْسَكُونَ فِي كِبْرِيَائِهِمْ. بِسَبَبِ اللَّعْنِ وَالْكِذْبِ الَّذِي يَقُولُونَهُ، أَفْنِهِمْ بِغَضَبِكَ، أَفْنِهِمْ حَتَّى لَا تَبْقَى لَهُمْ بَقِيَّةٌ. فَيَعْرِفَ النَّاسُ حَتَّى آخِرِ الْأَرْضِ، أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَاكِمُ عَلَى يَعْقُوبَ. يَخْرُجُونَ فِي اللَّيْلِ، يَنْبَحُونَ كَالْكِلَابِ، يَطُوفُونَ فِي الْمَدِينَةِ. يَبْحَثُونَ هُنَا وَهُنَاكَ عَنِ الطَّعَامِ، يَصْرُخُونَ إِنْ لَمْ يَشْبَعُوا. أَمَّا أَنَا فَأُغَنِّي بِقُوَّتِكَ. أُرَتِّلُ فِي الصَّبَاحِ عَنْ رَحْمَتِكَ لِأَنَّكَ حِصْنِي وَمَلْجَأِي فِي يَوْمِ الضِّيقِ. أُسَبِّحُكَ يَا قُوَّتِي. اللَّهُمَّ أَنْتَ حِصْنِي، إِلَهِيَ الرَّحِيمُ. لقائد المغنين، على نغمة ”سوسن العهد“ كتابة لداود للتعليم، لما حارب آرام النهرين وآرام صوبة ورجع يوآب وضرب 12000 أدومي في وادي الملح اللَّهُمَّ أَنْتَ رَفَضْتَنَا وَسَحَقْتَنَا وَغَضِبْتَ عَلَيْنَا. فَمِنْ فَضْلِكَ أَرْجِعْنَا إِلَيْكَ. زَلْزَلْتَ الْأَرْضَ فَانْشَقَّتْ، فَاجْبُرْ كَسْرَهَا لِأَنَّهَا تَهْتَزُّ. أَرَيْتَ شَعْبَكَ عُسْرًا، سَقَيْتَنَا مُسْكِرًا، جَعَلْتَنَا نَدُوخُ. أَمَّا الَّذِينَ يَخَافُونَكَ فَرَفَعْتَ لَهُمْ رَايَةً يَهْرُبُونَ إِلَيْهَا وَقْتَ الْخَطَرِ، لِكَيْ يَنْجُوَ أَحِبَّاؤُكَ. أَنْقِذْ بِيَمِينِكَ وَاسْتَجِبْ لَنَا. تَكَلَّمَ اللهُ مِنْ مَقْدِسِهِ وَقَالَ: ”أَنْتَصِرُ وَأَقْسِمُ أَرْضَ شَكِيمَ، وَأَقِيسُ وَادِي سُكُّوتَ. جِلْعَادُ لِي، وَمَنَسَّى لِي. أَفْرَايِمُ خُوذَةُ رَأْسِي، وَيَهُوذَا هِيَ لِي عَصَا الْمَلِكِ. مُوآبُ حَوْضٌ أَغْتَسِلُ فِيهِ، وَعَلَى أَدُومَ أَطْرَحُ نَعْلِي، وَعَلَى فِلِسْطَةَ أَهْتِفُ مُنْتَصِرًا.“ مَنْ يَأْخُذُنِي إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُحَصَّنَةِ؟ مَنْ يَقُودُنِي إِلَى أَدُومَ؟ أَلَيْسَ أَنْتَ اللَّهُمَّ الَّذِي رَفَضْتَنَا وَلَمْ تَعُدْ تَخْرُجُ مَعَ جُيُوشِنَا؟ سَاعِدْنَا عَلَى أَعْدَائِنَا، لِأَنَّ عَوْنَ الْبَشَرِ بَاطِلٌ. بِعَوْنِ اللهِ نَنْتَصِرُ، وَهُوَ يَدُوسُ أَعْدَاءَنَا. لداود. لقائد المغنين، على الآلات الوترية اللَّهُمَّ اسْمَعْ صُرَاخِي، وَأَصْغِ إِلَى صَلَاتِي. إِنِ انْكَسَرَ قَلْبِي أَدْعُوكَ مِنْ آخِرِ الْأَرْضِ، فَتَهْدِينِي إِلَى صَخْرةٍ عَالِيَةٍ. لِأَنَّكَ أَنْتَ مَلْجَأِي، وَبُرْجٌ حَصِينٌ يَحْمِينِي مِنَ الْعَدُوِّ. أَسْكُنُ فِي خَيْمَتِكَ إِلَى الْأَبَدِ، وَأَحْتَمِي فِي ظِلِّ جَنَاحَيْكَ. لِأَنَّكَ اللَّهُمَّ سَمِعْتَ نُذُورِي، وَأَعْطَيْتَ نَصِيبًا لِمَنْ يَخَافُونَ اسْمَكَ. طَوِّلْ عُمْرَ الْمَلِكِ، وَمُدَّ أَيَّامَهُ إِلَى أَجْيَالٍ كَثِيرَةٍ. يَبْقَى عَلَى عَرْشِهِ أَمَامَ اللهِ إِلَى الْأَبَدِ، وَاحْفَظْهُ بِرَحْمَتِكَ وَأَمَانَتِكَ. أُسَبِّحُ اسْمَكَ دَائِمًا، وَأُوفِي نُذُورِي يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ. مزمور لداود. لقائد المغنين، على يدوثون أَنْتَظِرُ اللهَ بِهُدُوءٍ. هُوَ يُنَجِّينِي. هُوَ مَلْجَأِي وَنَجَاتِي وَحِصْنِي، فَلَا أَتَزَعْزَعُ أَبَدًا. إِلَى مَتَى تُهَاجِمُونَ الْإِنْسَانَ، كُلُّكُمْ تُحَاوِلُونَ هَدْمَهُ كَأَنَّهُ حَائِطٌ مَائِلٌ أَوْ سُورٌ عَلَى وَشْكِ السُّقُوطِ. يَتَآمَرُونَ لِيُنْزِلُوهُ عَنْ مَكَانَتِهِ الْعَالِيَةِ. يَفْرَحُونَ بِالْكِذْبِ. بِأَفْوَاهِهِمْ يُبَارِكُونَ، وَبِقُلُوبِهِمْ يَلْعَنُونَ. أَنْتَظِرُ اللهَ بِهُدُوءٍ. يَأْتِي رَجَائِي مِنْ عِنْدِهِ. هُوَ مَلْجَأِي وَنَجَاتِي وَحِصْنِي، فَلَا أَتَزَعْزَعُ. اللهُ يُنَجِّينِي وَيُكْرِمُنِي. هُوَ مَلْجَأِيَ الْقَوِيُّ وَسِتْرِي. أَيُّهَا النَّاسُ، تَوَكَّلُوا عَلَيْهِ دَائِمًا، اِفْتَحُوا قُلُوبَكُمْ لَهُ، لِأَنَّ اللهَ سِتْرٌ لَنَا. بَنُو آدَمَ هُمْ نَفْخَةٌ، بَنُو الْبَشَرِ هُمْ لَا شَيْءٌ. إِنْ وُضِعُوا فِي الْمِيزَانِ، لَا يَزِنُونَ شَيْئًا، هُمْ مُجَرَّدُ نَفْخَةٍ. لَا تَتَّكِلُوا عَلَى الظُّلْمِ، وَلَا تَفْتَخِرُوا بِالسَّرِقَةِ. حَتَّى وَإِنْ زَادَتْ ثَرْوَتُكُمْ، فَلَا تَعْتَمِدُوا عَلَيْهَا. أَمْرٌ تَكَلَّمَ بِهِ الْمَوْلَى، وَأَمْرَانِ سَمِعْتُهُمَا: ”اللَّهُمَّ لَكَ الْعِزَّةُ، وَأَنْتَ رَحِيمٌ يَا رَبُّ.“ لِأَنَّكَ حَقًّا تُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِهِ. مزمور لداود لما كان في صحراء يهوذا اللَّهُمَّ أَنْتَ إِلَهِي. أَطْلُبُكَ بِشَغَفٍ. نَفْسِي عَطْشَانَةٌ إِلَيْكَ. يَشْتَاقُ إِلَيْكَ جِسْمِي فِي أَرْضٍ نَاشِفَةٍ وَيَابِسَةٍ بِلَا مَاءٍ. فَأَرَاكَ فِي مَقْدِسِكَ، وَأُشَاهِدُ قُوَّتَكَ وَجَلَالَكَ. رَحْمَتُكَ أَحْسَنُ مِنَ الْحَيَاةِ نَفْسِهَا. لِذَلِكَ تُسَبِّحُكَ شَفَتَايَ. أُسَبِّحُكَ مَا دُمْتُ حَيًّا، بِاسْمِكَ أَرْفَعُ يَدَيَّ بِالدُّعَاءِ. نَفْسِي تَشْبَعُ كَمَا مِنْ وَلِيمَةٍ. فَمِي يُسَبِّحُكَ وَالِابْتِهَاجُ عَلَى شَفَتَيَّ. أَنْتَ فِي فِكْرِي وَأَنَا رَاقِدٌ فِي فِرَاشِي، طُولَ اللَّيْلِ أَذْكُرُكَ. لِأَنَّكَ أَنْتَ مُعِينِي، وَفِي ظِلِّ جَنَاحَيْكَ أُغَنِّي بِفَرَحٍ. نَفْسِي تَلْتَصِقُ بِكَ، وَيَمِينُكَ تَسْنُدُنِي. الَّذِينَ يَسْعَوْنَ لِقَتْلِي يَهْلِكُونَ، يَهْبِطُونَ إِلَى أَعْمَاقِ الْأَرْضِ. يَمُوتُونَ بِالسَّيْفِ، وَيَصِيرُونَ طَعَامًا لِلْوُحُوشِ. أَمَّا الْمَلِكُ فَيَفْرَحُ بِاللهِ، يَفْتَخِرُ كُلُّ مَنْ يَحْلِفُ بِهِ، وَأَفْوَاهُ الْكَذَّابِينَ تُسَدُّ. مزمور لداود. لقائد المغنين اللَّهُمَّ اسْمَعْنِي حِينَ أَشْكُو إِلَيْكَ، وَاحْفَظْ حَيَاتِي مِنْ تَخْوِيفِ الْعَدُوِّ. اُسْتُرْنِي مِنْ مُؤَامَرَةِ الْأَشْرَارِ مِنْ عِصَابَةِ فَاعِلِي الْإِثْمِ، الَّذِينَ سَنُّوا أَلْسِنَتَهُمْ كَالسَّيْفِ، وَصَوَّبُوا كَلَامَهُمْ كَسِهَامٍ قَاتِلَةٍ. يَكْمُنُونَ لِيَرْمُوا الْكَامِلَ، يَرْمُونَهُ فَجْأَةً وَلَا يَخَافُونَ. يُشَدِّدُونَ أَنْفُسَهُمْ لِلشَّرِّ وَيَقُولُونَ: ”تَعَالَوْا نَنْصُبُ الْفِخَاخَ، لَنْ يَرَانَا أَحَدٌ.“ يُدَبِّرُونَ الْمَكَايِدَ وَيَقُولُونَ: ”خِطَّتُنَا مُحْكَمَةٌ.“ فَمَا أَمْكَرَ مَا فِي فِكْرِ الْإِنْسَانِ وَقَلْبِهِ! لَكِنَّ اللهَ يَرْمِيهِمْ بِسَهْمِهِ، يُصَابُونَ فَجْأَةً. يُوقِعُهُمْ وَيُحَوِّلُ لِسَانَهُمْ ضِدَّهُمْ. كُلُّ مَنْ يَرَاهُمْ يَهُزُّ رَأْسَهُ احْتِقَارًا. فَيَخَافُ كُلُّ النَّاسِ، وَيُذِيعُونَ مَا فَعَلَهُ اللهُ، وَيَتَأَمَّلُونَ صَنَائِعَهُ. يَفْرَحُ الصَّالِحُ بِاللهِ وَيَحْتَمِي بِهِ وَيَبْتَهِجُ كُلُّ مَنْ قُلُوبُهُمْ نَقِيَّةٌ. نشيد، مزمور لداود. لقائد المغنين اللَّهُمَّ، أَنْتَ تَسْتَحِقُّ أَنْ نُسَبِّحَكَ فِي الْقُدْسِ، وَلَكَ نُوفِي نُذُورَنَا. يَا سَامِعَ الصَّلَاةِ إِلَيْكَ يَأْتِي كُلُّ إِنْسَانٍ. غَلَبَتْنَا آثَامُنَا، لَكِنَّكَ أَنْتَ وَحْدَكَ تَمْحُو مَعَاصِيَنَا. هَنِيئًا لِمَنْ تَخْتَارُهُ وَتُقَرِّبُهُ لِيَسْكُنَ فِي دِيَارِكَ. نَشْبَعُ مِنْ خَيْرَاتِ دَارِكَ، خَيْرَاتِ بَيْتِكَ الْمُقَدَّسِ. أَنْتَ تَسْتَجِيبُ لَنَا بِأَعْمَالِ الصَّلَاحِ الْعَجِيبَةِ، اللَّهُمَّ يَا مُنْقِذَنَا، يَا رَجَاءَ النَّاسِ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْأَرْضِ وَعَبْرَ الْبِحَارِ الْبَعِيدَةِ. أَنْتَ كَوَّنْتَ الْجِبَالَ بِقُوَّتِكَ، وَتَسَلَّحْتَ بِالْقُدْرَةِ. تُهَدِّئُ الْبِحَارَ الْمُضْطَرِبَةَ، وَالْأَمْوَاجَ الْهَائِجَةَ، وَضَجِيجَ الْأُمَمِ. يَخَافُ سُكَّانُ أَقَاصِي الْأَرْضِ مِنْ آيَاتِكَ، أَنْتَ تَغْمُرُ بِالْبَهْجَةِ إِشْرَاقَ الصُّبْحِ وَغُرُوبَ الْمَسَاءِ. تَعْتَنِي بِالْأَرْضِ وَتُرْوِيهَا وَتَجْعَلُهَا خِصْبَةً جِدًّا. أَنْهَارُ اللهِ مَلْآنَةٌ مَاءً. أَنْتَ تُعْطِي النَّاسَ الْمَحَاصِيلَ، حَسَبَ تَدْبِيرِكَ. تُرْوِي حُقُولَهَا وَتُمَهِّدُ صُفُوفَهَا، تُلَيِّنُهَا بِالْأَمْطَارِ وَتُبَارِكُ غَلَّتَهَا. كَلَّلْتَ السَّنَةَ بِجُودِكَ، وَحَيْثُ سِرْتَ يَحِلُّ الْخَيْرُ. مَرَاعِي الْقِفَارِ مُزْدَهِرَةٌ، اِمْتَلَأَتِ الْجِبَالُ بِالْبَهْجَةِ. اِكْتَسَتِ الْمُرُوجُ بِالْقُطْعَانِ، وَتَغَطَّتِ الْوِدْيَانُ بِالْغِلَالِ. يَهْتِفُ الْكُلُّ بِالْفَرَحِ وَالتَّسْبِيحِ. نشيد، مزمور. لقائد المغنين اِهْتِفِي للهِ بِفَرَحٍ يَا كُلَّ الْأَرْضِ. غَنُّوا بِجَلَالِ اسْمِهِ. قَدِّمُوا لَهُ السُّبْحَ وَالْجَلَالَ. قُولُوا للهِ: ”مَا أَرْوَعَ أَعْمَالَكَ! يَرْتَعِدُ أَعْدَاؤُكَ مِنْكَ لِأَنَّ قُوَّتَكَ عَظِيمَةٌ. كُلُّ الْأَرْضِ تَسْجُدُ لَكَ وَتُسَبِّحُكَ، إِنَّهَا تُسَبِّحُ اسْمَكَ.“ تَعَالَوْا انْظُرُوا أَعْمَالَ اللهِ، مَا أَرْوَعَ صَنِيعَهُ مَعَ بَنِي آدَمَ. حَوَّلَ الْبَحْرَ إِلَى أَرْضٍ نَاشِفَةٍ. عَبَرَ الشَّعْبُ النَّهْرَ بِأَرْجُلِهِمْ. هُنَاكَ فَرِحْنَا بِهِ. يَحْكُمُ بِقُوَّتِهِ إِلَى الْأَبَدِ، عَيْنَاهُ تُرَاقِبَانِ الْأُمَمَ، فَلَا يَتَشَامَخُ عَلَيْهِ الْمُتَمَرِّدُونَ. بَارِكُوا إِلَهَنَا أَيُّهَا الشُّعُوبُ، سَبِّحُوهُ بِصَوْتٍ مَسْمُوعٍ. هُوَ الَّذِي يُبْقِينَا أَحْيَاءً، وَيَحْفَظُ أَرْجُلَنَا مِنَ الزَّلَلِ. لِأَنَّكَ اخْتَبَرْتَنَا يَا اللهُ، وَنَقَّيْتَنَا كَالْفِضَّةِ. أَوْقَعْتَنَا فِي الشَّبَكَةِ، وَوَضَعْتَ حِمْلًا ثَقِيلًا عَلَى ظُهُورِنَا. جَعَلْتَ النَّاسَ يَرْكَبُونَ عَلَى رُؤُوسِنَا، دَخَلْنَا فِي النَّارِ وَالْمَاءِ، وَلَكِنَّكَ أَخْرَجْتَنَا إِلَى الرَّخَاءِ. أَدْخُلُ بَيْتَكَ وَمَعِي قَرَابِينُ، لِأُوفِيَكَ نُذُورِيَ الَّتِي نَطَقَتْ بِهَا شَفَتَايَ، وَتَكَلَّمَ بِهَا فَمِي فِي وَقْتِ ضِيقِي. أُقَدِّمُ لَكَ ضَحَايَا سَمِينَةً، قُرْبَانًا أَرْفَعُهُ لَكَ مِنْ كِبَاشٍ وَثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ. تَعَالَوْا اسْمَعُوا يَا مَنْ تَتَّقُونَ اللهَ جَمِيعًا، فَأُخْبِرَكُمْ بِمَا صَنَعَ لِي. صَرَخْتُ إِلَيْهِ بِفَمِي، وَسَبَّحْتُهُ بِلِسَانِي. إِنْ دَبَّرْتُ الشَّرَّ فِي قَلْبِي، لَا يَسْتَمِعُ اللهُ لِي. لَكِنَّ اللهَ أَصْغَى وَسَمِعَ دُعَائِي. تَبَارَكَ اللهُ الَّذِي لَمْ يَرْفُضْ دُعَائِي، وَلَمْ يَمْنَعْ رَحْمَتَهُ عَنِّي. نشيد، مزمور. لقائد المغنين، على الآلات الوترية لَيْتَ اللهَ يَتَحَنَّنُ عَلَيْنَا وَيُبَارِكُنَا، لَيْتَهُ يُنِيرُ بِوَجْهِهِ عَلَيْنَا. لِكَيْ تَعْرِفَ كُلُّ الْأَرْضِ طَرِيقَكَ، وَكُلُّ الْأُمَمِ نَجَاتَكَ. تَحْمَدُكَ الشُّعُوبُ يَا اللهُ، تَحْمَدُكَ الشُّعُوبُ كُلُّهَا. تَبْتَهِجُ الْأُمَمُ وَتَهْتِفُ بِفَرَحٍ لِأَنَّكَ تَحْكُمُ الشُّعُوبَ بِالْعَدْلِ، وَتَهْدِي أُمَمَ الْأَرْضِ. تَحْمَدُكَ الشُّعُوبُ يَا اللهُ، تَحْمَدُكَ الشُّعُوبُ كُلُّهَا. أَعْطَتِ الْأَرْضُ غَلَّتَهَا. يُبَارِكُنَا اللهُ إِلَهُنَا. يُبَارِكُنَا اللهُ فَيَخَافُهُ النَّاسُ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْأَرْضِ. نشيد، مزمور. لقائد المغنين تَقَدَّمْ يَا رَبُّ وَبَدِّدْ أَعْدَاءَكَ، اِجْعَلْ خُصُومَكَ يَهْرُبُونَ مِنْ أَمَامِكَ. تُفْنِيهِمْ كَمَا يَفْنَى الدُّخَانُ. وَكَمَا يَذُوبُ الشَّمْعُ قُدَّامَ النَّارِ، يَهْلِكُ الْأَشْرَارُ قُدَّامَ اللهِ. أَمَّا الصَّالِحُونَ فَيَبْتَهِجُونَ وَيَفْرَحُونَ وَيَطْرَبُونَ سُرُورًا قُدَّامَهُ. غَنُّوا للهِ، سَبِّحُوا اسْمَهُ، بَارِكُوهُ هُوَ الَّذِي يَرْكَبُ عَلَى السَّحَابِ، وَافْرَحُوا قُدَّامَهُ، إِنَّ اسْمَهُ هُوَ اللهُ. اللهُ فِي مَسْكَنِهِ الْمُقَدَّسِ، هُوَ أَبُو الْيَتَامَى، وَحَامِي الْأَرَامِلِ. الْوَحِيدُ يُعْطِيهِ عَائِلَةً، وَالسَّجِينُ يُطْلِقُهُ إِلَى النَّجَاحِ، أَمَّا الْمُتَمَرِّدُونَ فَيَسْكُنُونَ أَرْضًا مُجْدِبَةً. اللَّهُمَّ لَمَّا قُدْتَ شَعْبَكَ، وَسِرْتَ فِي الْقَفْرِ، رَجَفَتِ الْأَرْضُ وَأَمْطَرَتِ السَّمَاءُ، أَمَامَكَ يَا رَبَّ سِينَاءَ، أَمَامَكَ يَا رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. اللَّهُمَّ أَرْسَلْتَ مَطَرًا غَزِيرًا، وَأَنْعَشْتَ أَرْضَكَ الْعَطْشَانَةَ. فِيهَا أَقَامَ شَعْبُكَ، وَمِنْ خَيْرِكَ اللَّهُمَّ، أَنْعَمْتَ عَلَى الْمَسَاكِينِ. أَعْلَنَ اللهُ الْكَلِمَةَ، وَجَمَاعَةٌ عَظِيمَةٌ تُبَشِّرُ بِهَا. مُلُوكٌ وَجُيُوشٌ يَفِرُّونَ وَيَهْرُبُونَ. الَّذِينَ انْتَظَرُوا فِي الْمُعَسْكَرِ يَقْسِمُونَ الْغَنَائِمَ. حَتَّى الَّذِينَ رَقَدُوا بَيْنَ الْحَظَائِرِ، لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ فِضَةٍ كَأَجْنِحَةِ الْحَمَامَةِ، وَمِنْ ذَهَبٍ كَرِيشِهَا الْأَصْفَرِ. شَتَّتَ الْقَدِيرُ الْمُلُوكَ فِي الْأَرْضِ كَالثَّلْجِ السَّاقِطِ عَلَى جَبَلِ صَلْمُونَ. جَبَلُ بَاشَانَ جَبَلٌ عَظِيمٌ، جَبَلُ بَاشَانَ كَثِيرُ الْقِمَمِ. أَيَّتُهَا الْجِبَالُ الْكَثِيرَةُ الْقِمَمِ، لِمَاذَا تَنْظُرِينَ بِحَسَدٍ إِلَى الْجَبَلِ الَّذِي اخْتَارَهُ اللهُ لِيَسْكُنَ فِيهِ؟ رَبُّنَا يَسْكُنُ فِيهِ إِلَى الْأَبَدِ! مَرْكَبَاتُ اللهِ أُلُوفٌ وَمَلَايِينُ، جَاءَ رَبُّنَا فِيهَا مِنْ سِينَاءَ إِلَى مَقْدِسِهِ. لَمَّا صَعِدْتَ إِلَى الْأَعَالِي أَخَذْتَ مَعَكَ أَسْرَى كَثِيرِينَ، وَقَبِلْتَ هَدَايَا مِنَ النَّاسِ. حَتَّى مِنَ الْمُتَمَرِّدِينَ أَيْضًا، لِكَيْ تَسْكُنَ هُنَاكَ يَا رَبَّنَا وَإِلَهَنَا. تَبَارَكَ اللهُ الَّذِي يَحْمِلُ أَثْقَالَنَا كُلَّ يَوْمٍ. هُوَ اللهُ مُنْقِذُنَا. إِلَهُنَا هُوَ إِلَهٌ يُنْقِذُ. إِلَهُنَا وَرَبُّنَا عِنْدَهُ الْمَلَاذُ مِنَ الْمَوْتِ. حَقًّا إِنَّ اللهَ يَسْحَقُ رُؤُوسَ أَعْدَائِهِ، رَأْسَ كُلِّ شِرِّيرٍ مُتَكَبِّرٍ بِشَعْرِهِ الطَّوِيلِ. قَالَ اللهُ: ”أُرْجِعُ الْعَدُوَّ مِنْ بَاشَانَ، أُرْجِعُهُمْ مِنْ أَعْمَاقِ الْبَحْرِ. لِكَيْ تَغُوصَ أَرْجُلُكُمْ فِي دَمِ أَعْدَائِكُمْ، وَتَنَالَ أَلْسِنَةُ كِلَابِكُمْ نَصِيبَهَا.“ رَأَيْنَا مَوْكِبَكَ اللَّهُمَّ، مَوْكِبَ إِلَهِي وَمَلِكِي إِلَى الْقُدْسِ. مِنْ قُدَّامٍ الْمُغَنُّونَ، وَبَعْدَهُمْ الْعَازِفُونَ عَلَى الْأَوْتَارِ، وَمَعَهُمْ فَتَيَاتٌ يَضْرِبْنَ الدُّفُوفَ. بَارِكُوا اللهَ فِي الْمَحْفَلِ الْعَظِيمِ، بَارِكُوا اللهَ يَا جَمَاعَةَ شَعْبِهِ. فِي الْمُقَدِّمَةِ بِنْيَمِينُ الصَّغِيرُ، ثُمَّ جُمْهُورٌ عَظِيمٌ مِنْ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، وَرُؤَسَاءِ زَبُولُونَ وَنَفْتَالِي. اللَّهُمَّ أَظْهِرْ قُوَّتَكَ، اللَّهُمَّ أَيِّدْ مَا صَنَعْتَهُ لَنَا مِنْ بَيْتِكَ الْمُرْتَفِعِ فَوْقَ الْقُدْسِ، فَيُقَدِّمَ الْمُلُوكُ لَكَ هَدَايَاهُمْ. وَبِّخْ ذَلِكَ الْوَحْشَ الَّذِي يَعِيشُ بَيْنَ الْقَصَبِ، وَبِّخْ تِلْكَ الْأُمَّةَ الَّتِي رُؤَسَاؤُهَا وَشَعْبُهَا كَالثِّيرَانِ الْجَامِحَةِ. اِجْعَلْهُمْ يَأْتُونَ بِجِزْيَةٍ مِنْ سَبَائِكِ فِضَّةٍ. شَتِّتْ تِلْكَ الْأُمَمَ الَّتِي تُحِبُّ الْحَرْبَ. فَيَأْتِي سُفَرَاءُ مِنْ مِصْرَ، وَيَرْفَعُ أَهْلُ الْحَبَشَةِ الدُّعَاءَ للهِ. غَنِّي للهِ يَا مَمَالِكَ الْأَرْضِ، سَبِّحِي اللهَ. هُوَ الرَّاكِبُ عَلَى السَّمَاوَاتِ الْقَدِيمَةِ مِنْ فَوْقُ. اِسْمَعُوا! إِنَّهُ يُرْعِدُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ. قَدِّمُوا الْعِزَّةَ للهِ. جَلَالُهُ فَوْقَ شَعْبِهِ. قُوَّتُهُ فِي السَّحَابِ. اللَّهُمَّ أَنْتَ مَهُوبٌ فِي مَقْدِسِكَ، رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُعْطِي قُوَّةً وَقُدْرَةً لِشَعْبِهِ. تَبَارَكَ اللهُ. لقائد المغنين. على نغمة ”السوسن.“ لداود اللَّهُمَّ أَنْقِذْنِي، لِأَنِّي عَلَى وَشْكِ الْغَرَقِ. أَغُوصُ فِي مُسْتَنْقَعٍ عَمِيقٍ لَا مُسْتَقَرَّ فِيهِ. غَمَرَتْنِي مِيَاهٌ عَمِيقَةٌ، وَغَطَّانِي السَّيْلُ. تَعِبْتُ مِنَ الصُّرَاخِ. يَبِسَ حَلْقِي. ضَعُفَتْ عَيْنَايَ مِنِ انْتِظَارِ إِلَهِي. الَّذِينَ يَكْرَهُونِي بِلَا سَبَبٍ هُمْ أَكْثَرُ مِنْ شَعْرِ رَأْسِي. أَعْدَائِي أَقْوِيَاءُ وَظَالِمُونَ وَيَسْعَوْنَ لِهَلَاكِي. أَرْجَعْتُ مَا لَمْ أَغْتَصِبْهُ. اللَّهُمَّ أَنْتَ عَارِفٌ غَبَائِي، وَذُنُوبِي لَا تَخْفَى عَنْكَ. يَا رَبَّنَا وَمَوْلَانَا الْقَدِيرَ، لَا تَسْمَحْ بِأَنْ أُخَيِّبَ الَّذِينَ يَطْلُبُونَكَ، وَلَا بِأَنْ أُخْجِلَ الَّذِينَ يَلْتَمِسُونَكَ يَا رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. لِأَنِّي مِنْ أَجْلِكَ احْتَمَلْتُ الْإِهَانَةَ، وَغَطَّى الْخَجَلُ وَجْهِي. صِرْتُ أَجْنَبِيًّا عِنْدَ إِخْوَتِي، وَغَرِيبًا عِنْدَ بَنِي أُمِّي. لِأَنَّ الْغِيرَةَ عَلَى بَيْتِكَ تَأْكُلُنِي، وَشَتَائِمَ الَّذِينَ شَتَمُوكَ جَاءَتْ عَلَيَّ أَنَا. بَكَيْتُ وَصُمْتُ فَشَتَمُونِي. لَبِسْتُ الْخَيْشَ، فَضَحِكُوا عَلَيَّ. صِرْتُ حَدِيثَ الْجَالِسِينَ فِي بَابِ الْمَدِينَةِ وَأُغْنِيَةً لِلسَّكَارَى. لَكِنِّي أَدْعُوكَ يَا رَبُّ، فَفِي وَقْتِ رِضَاكَ، وَمِنْ أَجْلِ رَحْمَتِكَ الْعَظِيمَةِ، اِسْتَجِبْ لِيَ اللَّهُمَّ بِنَجَاةٍ مَضْمُونَةٍ. أَنْقِذْنِي مِنَ الطِّينِ فَلَا أَغْرَقَ. نَجِّنِي مِنَ الَّذِينَ يَكْرَهُونِي وَمِنَ الْمِيَاهِ الْعَمِيقَةِ. لَا تَسْمَحْ بِأَنْ تَغْمُرَنِي السُّيُولُ، وَلَا بِأَنْ تَبْلَعَنِي الْمِيَاهُ الْعَمِيقَةُ، وَلَا بِأَنْ يُطْبِقَ الْقَبْرُ فَمَهُ عَلَيَّ. اِسْتَجِبْ لِي يَا رَبُّ لِأَنَّ مَحَبَّتَكَ صَالِحَةٌ، اِلْتَفِتْ إِلَيَّ حَسَبَ رَحْمَتِكَ الْوَفِيرَةِ. لَا تَحْجُبْ وَجْهَكَ عَنْ عَبْدِكَ، أَسْرِعْ وَاسْتَجِبْ لِي لِأَنِّي فِي ضِيقٍ. اِقْتَرِبْ مِنِّي وَأَنْقِذْنِي، نَجِّنِي مِنْ أَعْدَائِي. أَنْتَ عَارِفٌ مَا لَحِقَ بِي مِنْ إِهَانَةٍ وَعَارٍ وَخَجَلٍ. كُلُّ أَعْدَائِي أَنْتَ تَعْرِفُهُمْ جَيِّدًا. الْإِهَانَةُ كَسَرَتْ قَلْبِي فَمَرِضْتُ، اِلْتَمَسْتُ الْعَطْفَ فَلَمْ أَجِدْ، وَانْتَظَرْتُ الْمُعَزِّينَ فَلَمْ يَأْتُوا. وَضَعُوا عَلْقَمًا فِي طَعَامِي، وَلَمَّا عَطِشْتُ أَعْطَوْنِي خَلًّا. لَيْتَ مَائِدَتَهُمْ تَصِيرُ مَصْيَدَةً وَعِقَابًا وَفَخًّا. لَيْتَ عُيُونَهُمْ تَعْمَى فَلَا يَرَوْا، وَظُهُورَهُمْ تَكُونُ مَحْنِيَّةً دَائِمًا. صُبَّ عَلَيْهِمْ غَضَبَكَ، اِجْعَلْ غَيْظَكَ الشَّدِيدَ يُدْرِكُهُمْ. لَيْتَ دَارَهُمْ تَصِيرُ خَرَابًا، وَخِيَامَهُمْ لَا سَاكِنَ فِيهَا. لِأَنَّهُمْ يَضْطَهِدُونَ الَّذِينَ ضَرَبْتَهُمْ، وَيَزِيدُونَ وَجَعَ الَّذِينَ جَرَحْتَهُمْ. كَوِّمِ الذُّنُوبَ عَلَى رَأْسِهِمْ، وَاحْرِمْهُمْ مِنْ صَلَاحِكَ. اِمْسَحْ أَسْمَاءَهُمْ مِنْ كِتَابِ الْحَيَاةِ، وَلَا تَكْتُبْهُمْ مَعَ الصَّالِحِينَ. أَنَا مُتَضَايِقٌ وَمُتَأَلِّمٌ، اللَّهُمَّ ارْفَعْنِي بِنَجَاتِكَ. أُسَبِّحُ اسْمَ اللهِ بِنَشِيدٍ، وَأُعَظِّمُهُ بِحَمْدٍ. فَيَرْضَى رَبُّنَا بِهَذَا أَكْثَرَ مِنْ ثَوْرٍ مِنَ الْبَقَرِ بِقُرُونٍ وَأَظْلَافٍ. يَرَى الْوُدَعَاءُ ذَلِكَ فَيَفْرَحُونَ، وَتَنْتَعِشُ قُلُوبُكُمْ يَا مَنْ تَطْلُبُونَ اللهَ. رَبُّنَا يَسْمَعُ الْمُحْتَاجِينَ، وَلَا يَحْتَقِرُ شَعْبَهُ الْأَسِيرَ. تُسَبِّحُهُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَالْبِحَارُ، وَكُلُّ مَا يَتَحَرَّكُ فِيهَا. لِأَنَّ اللهَ يُنْقِذُ الْقُدْسَ، وَيَبْنِي مُدُنَ يَهُوذَا. فَيَسْكُنُ الشَّعْبُ فِيهَا وَيَمْتَلِكُهَا. يَرِثُهَا نَسْلُ عَبِيدِهِ، وَالَّذِينَ يُحِبُّونَ اسْمَهُ يَسْكُنُونَ فِيهَا. مزمور لداود. لقائد المغنين، للتذكير اللَّهُمَّ أَسْرِعْ وَأَنْقِذْنِي، يَا رَبُّ أَسْرِعْ إِلَى مَعُونَتِي. لَيْتَ الَّذِينَ يَسْعَوْنَ لِقَتْلِي يَخْجَلُونَ وَيَرْتَبِكُونَ، لَيْتَ كُلَّ الْمَسْرُورِينَ بِأَذِيَّتِي يَتَرَاجَعُونَ خَائِبِينَ. لَيْتَ الَّذِينَ يَضْحَكُونَ عَلَيَّ يَرْجِعُونَ بِخَجَلٍ. وَلَيْتَ كُلَّ الَّذِينَ يَطْلُبُونَكَ يَفْرَحُونَ وَيَبْتَهِجُونَ بِكَ. لَيْتَ كُلَّ الَّذِينَ يَشْتَاقُونَ إِلَى نَجَاتِكَ يَقُولُونَ دَائِمًا: ”الْعَظَمَةُ للهِ.“ أَمَّا أَنَا فَمِسْكِينٌ وَفَقِيرٌ. اللَّهُمَّ أَسْرِعْ إِلَيَّ. أَنْتَ مُعِينِي وَمُنْقِذِي. لَا تَتَأَخَّرْ يَا رَبُّ. إِلَيْكَ لَجَأْتُ يَا رَبُّ، لَا تَسْمَحْ بِأَنْ أَخِيبَ. أَنْقِذْنِي وَنَجِّنِي بِصَلَاحِكَ. قَرِّبْ لِي أُذُنَكَ وَأَنْقِذْنِي. كُنْ لِي صَخْرَةً تَحْمِينِي أَلْجَأُ إِلَيْهَا دَائِمًا. أَنْتَ أَمَرْتَ بِنَجَاتِي لِأَنَّكَ مَلْجَأِي وَحِصْنِي. يَا إِلَهِي نَجِّنِي مِنْ يَدِ الشِّرِّيرِ، مِنْ قَبْضَةِ الْأَثِيمِ وَالظَّالِمِ. أَنْتَ رَجَائِيَ اللَّهُمَّ يَا رَبِّي، يَا مُعْتَمَدِي مُنْذُ صِبَايَ. عَلَيْكَ اتَّكَلْتُ مُنْذُ وِلَادَتِي، أَنْتَ أَخْرَجْتَنِي مِنْ بَطْنِ أُمِّي، فَأُسَبِّحُكَ دَائِمًا. صِرْتُ مَثَلًا لِكَثِيرِينَ، أَمَّا أَنْتَ فَمَلْجَأِيَ الْقَوِيُّ. يَمْتَلِئُ فَمِي مِنْ تَسْبِيحِكَ، وَيُعْلِنُ مَجْدَكَ طُولَ النَّهَارِ. لَا تَرْفُضْنِي وَأَنَا عَجُوزٌ، وَلَا تَتْرُكْنِي حِينَ تَفْنَى قُوَّتِي. لِأَنَّ أَعْدَائِي يَتَآمَرُونَ ضِدِّي وَيُرَاقِبُونِي لِيَقْتُلُونِي. وَيَقُولُونَ: ”اللهُ تَرَكَهُ، طَارِدُوهُ وَأَمْسِكُوهُ، لِأَنَّهُ لَا نَصِيرَ لَهُ.“ اللَّهُمَّ لَا تَبْعُدْ عَنِّي، يَا إِلَهِي أَسْرِعْ إِلَى مَعُونَتِي. يَخْجَلُ وَيَفْنَى خُصُومِي، يُغَطِّي الْعَارُ وَالْهَوَانُ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ أَذِيَّتِي. أَمَّا أَنَا فَيَدُومُ رَجَائِي، وَأُسَبِّحُكَ كَثِيرًا. أُخْبِرُ بِصَلَاحِكَ، أُخْبِرُ طُولَ الْيَوْمِ بِنَجَاتِكَ، مَعَ أَنِّي لَا أَعْرِفُ لَهَا قِيَاسًا. آتِي وَأُخْبِرُ بِأَعْمَالِكَ الْقَدِيرَةِ اللَّهُمَّ يَا رَبِّي، أُخْبِرُ بِصَلَاحِكَ أَنْتَ وَحْدَكَ. اللَّهُمَّ أَنْتَ عَلَّمْتَنِي مُنْذُ صِبَايَ، وَطُولَ عُمْرِي أُخْبِرُ بِأَعْمَالِكَ الْعَجِيبَةِ. فَالْآنَ وَأَنَا شَيْخٌ أَشْيَبُ، لَا تَتْرُكْنِي اللَّهُمَّ، حَتَّى أُخْبِرَ هَذَا الْجِيلَ بِقُدْرَتِكَ وَالْأَجْيَالَ الْقَادِمَةَ بِقُوَّتِكَ. اللَّهُمَّ صَلَاحُكَ بَلَغَ الْعُلَا، اللَّهُمَّ مَنْ مِثْلُكَ يَا صَانِعَ الْعَظَائِمِ؟ أَنْتَ أَرَيْتَنِي ضِيقَاتٍ كَثِيرَةً وَقَاسِيَةً، لَكِنَّكَ تَرُدُّ لِيَ الْحَيَاةَ مِنْ جَدِيدٍ، وَتُصْعِدُنِي مِنْ أَعْمَاقِ الْأَرْضِ. تَزِيدُنِي شَرَفًا وَتُعَزِّينِي مِنْ جَدِيدٍ. أُغَنِّي لَكَ عَلَى الْعُودِ مِنْ أَجْلِ أَمَانَتِكَ يَا إِلَهِي. أُسَبِّحُكَ عَلَى الرَّبَابَةِ أَيُّهَا الْقُدُّوسُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. أُسَبِّحُكَ فَتَبْتَهِجُ شَفَتَايَ، وَتَبْتَهِجُ نَفْسِيَ الَّتِي فَدَيْتَهَا. يُخْبِرُ لِسَانِي بِصَلَاحِكَ طُولَ الْيَوْمِ، لِأَنَّ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ أَذِيَّتِي خَجِلُوا وَارْتَبَكُوا. لسليمان اللَّهُمَّ أَعْطِ مِنْ عَدْلِكَ لِلْمَلِكِ، وَمِنْ صَلَاحِكَ لِلِابْنِ الْمَلَكِيِّ. فَيَقْضِيَ لِشَعْبِكَ بِالصَّلَاحِ وَلِمَسَاكِينِكَ بِالْعَدْلِ. تَحْمِلُ الْجِبَالُ وَالتِّلَالُ لِلشَّعْبِ خَيْرًا وَصَلَاحًا. وَهُوَ يُدَافِعُ عَنْ مَسَاكِينِ الشَّعْبِ، وَيُنْقِذُ أَبْنَاءَ الْبَائِسِينَ، وَيُحَطِّمُ الظَّالِمَ. يَتَّقِيكَ الشَّعْبُ دَائِمًا، كَدَوَامِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إِلَى كُلِّ الْأَجْيَالِ. وَيَكُونُ الْمَلِكُ كَالْمَطَرِ النَّازِلِ عَلَى الْعُشْبِ الْمَجْزُوزِ، وَكَالْغَيْثِ الَّذِي يَسْقِي الْأَرْضَ. يَزْدَهِرُ الصَّالِحُ فِي أَيَّامِهِ، وَيَزِيدُ الْخَيْرُ مَا دَامَ الْقَمَرُ يُشْرِقُ. يَمْتَدُّ مُلْكُهُ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمِنْ نَهْرِ الْفُرَاتِ إِلَى آخِرِ الْأَرْضِ. تَرْكَعُ لَهُ قَبَائِلُ الصَّحْرَاءِ، وَأَعْدَاؤُهُ يَلْحَسُونَ التُّرَابَ. مُلُوكُ تَرْشِيشَ وَالسَّوَاحِلِ وَالْجُزُرِ يَأْتُونَ لَهُ بِجِزْيَةٍ، مُلُوكُ شَبَا وَسَبَأَ يُقَدِّمُونَ لَهُ هَدِيَّةً. يَسْجُدُ لَهُ كُلُّ الْمُلُوكِ، وَتَعْبُدُهُ كُلُّ الْأُمَمِ. لِأَنَّهُ يُنَجِّي الْبَائِسَ الَّذِي يَسْتَغِيثُ، وَالْمِسْكِينَ الَّذِي لَا مُعِينَ لَهُ. يَشْفِقُ عَلَى الضَّعِيفِ وَالْمِسْكِينِ، وَيُنْقِذُ الْمَسَاكِينَ مِنَ الْمَوْتِ. يُنْقِذُهُمْ مِنَ الظُّلْمِ وَالْعُنْفِ، لِأَنَّ حَيَاتَهُمْ غَالِيَةٌ فِي نَظَرِهِ. يَحْيَا الْمَلِكُ! يُعْطُونَهُ ذَهَبًا مِنْ شَبَا، يَدْعُونَ لَهُ بِالْخَيْرِ دَائِمًا، وَيُبَارِكُونَهُ طُولَ الْيَوْمِ. تَكْثُرُ الْغِلَالُ فِي الْأَرْضِ، وَعَلَى أَعَالِي الْجِبَالِ تَتَمَاوَجُ. تُثْمِرُ مَحَاصِيلُهَا كَلُبْنَانَ، وَتَزْدَهِرُ كَعُشْبِ الْحَقْلِ. يَخْلُدُ اسْمُهُ إِلَى الْأَبَدِ، يَدُومُ كَدَوَامِ الشَّمْسِ، بِوَاسِطَتِهِ يُبَارِكُ اللهُ كُلَّ الْأُمَمِ، وَيَدْعُونَهُ مُبَارَكًا. تَبَارَكَ اللهُ رَبُّنَا، رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، هُوَ وَحْدَهُ صَانِعُ الْأَعْمَالِ الْعَجِيبَةِ. تَبَارَكَ اسْمُهُ الْجَلِيلُ إِلَى الْأَبَدِ، وَلْتَمْتَلِئِ الْأَرْضُ كُلُّهَا مِنْ جَلَالِهِ. آمِينَ وَآمِينَ. هُنَا تَنْتَهِي صَلَوَاتُ دَاوُدَ بْنِ يَسَّى. مزمور لآساف حَقًّا إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ مَعَ شَعْبِهِ، مَعَ الَّذِينَ قُلُوبُهُمْ نَقِيَّةٌ. أَمَّا أَنَا فَكَادَتْ تَزِلُّ قَدَمَايَ، كُنْتُ فِعْلًا عَلَى وَشْكِ السُّقُوطِ. لِأَنِّي غِرْتُ مِنَ الْمُتَكَبِّرِينَ، فَقَدْ رَأَيْتُ الْأَشْرَارَ فِي خَيْرٍ. لَا يُقَاسُونَ الْمَتَاعِبَ، وَجِسْمُهُمْ سَلِيمٌ وَبَدِينٌ. لَا يُعَانُونَ مِنْ ضِيقٍ مِثْلَ بَاقِي الْبَشَرِ، وَلَا مِنْ مَصَائِبَ مِثْلَ بَاقِي النَّاسِ. لِذَلِكَ لَبِسُوا الْكِبْرِيَاءَ كَزِينَةٍ، وَالْعُنْفَ كَثَوْبٍ. يَقْطُرُ الْمَكْرُ مِنْ شَحْمِ أَبْدَانِهِمْ، وَخِدَاعُ قُلُوبِهِمْ لَا حُدُودَ لَهُ. يَهْزَأُونَ وَيَتَكَلَّمُونَ بِالشَّرِّ، يُدَبِّرُونَ الْعُنْفَ بِعَجْرَفَةٍ. فَمُهُمْ يُطَالِبُ بِالسَّمَاءِ، وَلِسَانُهُمْ لَا يَسْكُتُ فِي الْأَرْضِ. فَيَذْهَبُ الشَّعْبُ وَرَاءَهُمْ، وَيَبْلَعُ كَلَامَهُمْ. يَقُولُونَ: ”كَيْفَ يَعْرِفُ اللهُ؟ هَلْ عِنْدَ الْعَلِيِّ عِلْمٌ؟“ هَذَا حَالُ الْأَشْرَارِ، دَائِمًا فِي رَاحَةٍ وَثَرْوَتُهُمْ تَنْمُو. حَقًّا حَفِظْتُ قَلْبِي طَاهِرًا وَيَدَيَّ نَقِيَّتَيْنِ، وَلَكِنْ بِلَا فَائِدَةٍ! طُولَ الْيَوْمِ تَأْتِي عَلَيَّ الْمَصَائِبُ، وَكُلَّ صُبْحٍ يَحِلُّ بِيَ الْعِقَابُ. لَوْ تَكَلَّمْتُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، أَصِيرُ خَائِنًا لِشَعْبِكَ. فَلَمَّا حَاوَلْتُ أَنْ أَفْهَمَ هَذَا، وَجَدْتُ أَنَّ فَهْمَهُ صَعْبٌ عَلَيَّ. حَتَّى دَخَلْتُ إِلَى مَقْدِسِ اللهِ، فَرَأَيْتُ بِوُضُوحٍ مَصِيرَهُمْ. حَقًّا أَنْتَ وَضَعْتَهُمْ فِي أَرْضٍ زَلِقَةٍ، طَرَحْتَهُمْ إِلَى الْخَرَابِ. تَحَطَّمُوا فَجْأَةً، زَالُوا تَمَامًا مِنَ الْفَزَعِ. كَحُلْمٍ حِينَ يَتَيَقَّظُ الْوَاحِدُ. تَحْتَقِرُهُمْ كَخَيَالٍ عِنْدَمَا تَقُومُ يَا رَبُّ. لَمَّا حَزِنَ قَلْبِي وَأَنَّبَنِي ضَمِيرِي، أَدْرَكْتُ أَنِّي غَبِيٌّ لَا أَفْهَمُ، بَلْ كَبَهِيمَةٍ عِنْدَكَ. وَلَكِنِّي دَائِمًا مَعَكَ، وَأَنْتَ أَمْسَكْتَ بِيَدِيَ الْيُمْنَى. تَهْدِينِي بِمَشُورَتِكَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ تَأْخُذُنِي إِلَى الْمَجْدِ. مَنْ لِي فِي السَّمَاءِ غَيْرُكَ؟ وَلَسْتُ أَبْغِي فِي الْأَرْضِ شَيْئًا مَعَكَ. جِسْمِي وَقَلْبِي يَفْنَيَانِ، لَكِنَّ اللهَ هُوَ مَلْجَأُ قَلْبِي وَنَصِيبِي إِلَى الْأَبَدِ. الْبَعِيدُونَ عَنْكَ يَهْلِكُونَ، أَنْتَ تُحَطِّمُ كُلَّ مَنْ يَخُونُكَ. أَمَّا أَنَا فَخَيْرٌ لِي أَنْ أَقْتَرِبَ إِلَى اللهِ. جَعَلْتُكَ مَلْجَأِيَ اللَّهُمَّ يَا رَبِّي، فَأُخْبِرُ بِكُلِّ أَعْمَالِكَ. تعليم. لآساف اللَّهُمَّ لِمَاذَا رَفَضْتَنَا تَمَامًا؟ لِمَاذَا اشْتَعَلَ غَضَبُكَ عَلَى غَنَمِكَ الَّتِي تَرْعَاهَا؟ اُذْكُرْ شَعْبَكَ الَّذِي اخْتَرْتَهُ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ، الْقَبِيلَةَ الَّتِي فَدَيْتَهَا لِتَكُونَ نَصِيبَكَ، اُذْكُرِ الْجَبَلَ الْمُقَدَّسَ الَّذِي سَكَنْتَ فِيهِ. تَمَشَّ وَسَطَ هَذَا الْخَرَابِ الْفَظِيعِ يَا رَبُّ، وَانْظُرْ كَيْفَ دَمَّرَ الْعَدُوُّ كُلَّ شَيْءٍ فِي مَقْدِسِكَ. يَزْأَرُ خُصُومُكَ وَسَطَ بَيْتِكَ، يَرْفَعُونَ أَعْلَامَهُمْ رَمْزَ انْتِصَارِهِمْ. جَاءُوا وَمَعَهُمْ فُؤُوسٌ كَأَنَّهُمْ سَيَقْطَعُونَ شَجَرًا كَثِيفًا. حَطَّمُوا الْجُدْرَانَ الْمَنْقُوشَةَ بِالْفُؤُوسِ وَالْمَعَاوِلِ. أَشْعَلُوا النَّارَ فِي مَقْدِسِكَ، نَجَّسُوا الْمَكَانَ الَّذِي تُقِيمُ فِيهِ. قَالُوا فِي قُلُوبِهِمْ: ”نَفْنِيهِمْ تَمَامًا.“ أَحْرَقُوا كُلَّ بُيُوتِ اللهِ فِي الْأَرْضِ. وَنَحْنُ لَمْ نَعُدْ نَرَى مُعْجِزَاتٍ، وَلَمْ يَبْقَ عِنْدَنَا نَبِيٌّ، وَلَا وَاحِدٌ فِينَا يَعْرِفُ مَتَى تَنْتَهِي هَذِهِ الْحَالَةُ. اللَّهُمَّ إِلَى مَتَى يَهْزَأُ الْعَدُوُّ؟ هَلْ يَظَلُّ الْخَصْمُ يَسْتَهِينُ بِاسْمِكَ إِلَى الْأَبَدِ؟ لِمَاذَا تَمْنَعُ يَدَكَ؟ لِمَاذَا تَمْنَعُ يَمِينَكَ؟ أَخْرِجْهَا وَأَفْنِهِمْ. أَنْتَ اللَّهُمَّ مَلِكِي مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ. أَنْتَ صَانِعُ النَّجَاةِ فِي الْأَرْضِ. أَنْتَ الَّذِي فَلَقْتَ الْبَحْرَ بِقُوَّتِكَ. أَنْتَ حَطَّمْتَ رُؤُوسَ الْوَحْشِ فِي الْمَاءِ. أَنْتَ كَسَّرْتَ رُؤُوسَ لُويَاثَانَ وَرَمَيْتَهُ طَعَامًا لِلْوُحُوشِ. أَنْتَ فَتَحْتَ الْيَنَابِيعَ وَالْمَجَارِيَ، وَجَفَّفْتَ أَنْهَارًا كَانْتَ تَجْرِي دَائِمًا. لَكَ النَّهَارُ وَلَكَ أَيْضًا اللَّيْلُ. أَنْتَ كَوَّنْتَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ. أَنْتَ رَسَمْتَ كُلَّ مَنَاطِقِ الْأَرْضِ. أَنْتَ خَلَقْتَ الصَّيْفَ وَالشِّتَاءَ. اُذْكُرْ يَا رَبُّ كَيْفَ هَزَأَ الْعَدُوُّ بِكَ، كَيْفَ اسْتَهَانَ الشَّعْبُ الْغَبِيُّ بِاسْمِكَ. لَا تُسَلِّمْ لِلْوُحُوشِ الْحَمَامَةَ الَّتِي تُحِبُّهَا، وَلَا تَنْسَ شَعْبَكَ الْمُتَضَايِقَ. اُذْكُرْ عَهْدَكَ، لِأَنَّ كُلَّ رُكْنٍ فِي الْأَرْضِ صَارَ وَكْرًا لِلْعُنْفِ. لَا تَسْمَحْ لِلْمَظْلُومِ أَنْ يَخْجَلَ وَيَتَرَاجَعَ، بَلْ يُسَبِّحَ الْمِسْكِينُ وَالْفَقِيرُ اسْمَكَ. اِعْمَلْ شَيْئًا يَا رَبُّ وَدَافِعْ عَنْ حَقِّكَ. اُذْكُرْ كَيْفَ يَهْزَأُ الْأَغْبِيَاءُ بِكَ طُولَ الْيَوْمِ. لَا تَنْسَ ضَجِيجَ مُبْغِضِيكَ، وَلَا صَخَبَ أَعْدَائِكَ الْمُتَزَايِدَ. نشيد، مزمور لآساف. لقائد المغنين، على نغمة ”لا تهلك“ نَحْمَدُكَ اللَّهُمَّ نَحْمَدُكَ، لِأَنَّ اسْمَكَ قَرِيبٌ. يُخْبِرُ النَّاسُ بِأَعْمَالِكَ الْعَجِيبَةِ. أَنْتَ تَقُولُ: ”أَنَا أَخْتَارُ الْمِيعَادَ، وَأَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ بِالْمُسَاوَاةِ. حِينَ تَتَزَلْزَلُ الْأَرْضُ بِكُلِّ سُكَّانِهَا، أَنَا أَسْنُدُ أَعْمِدَتَهَا. ”أَقُولُ لِلْمُتَكَبِّرِينَ: ’لَا تَفْتَخِرُوا.‘ وَلِلْأَشْرَارِ: ’لَا تَشْمَخُوا. لَا تَشْمَخُوا نَحْوَ الْعُلَا، وَلَا تَتَكَلَّمُوا بِكِبْرِيَاءَ.‘“ فَالرِّفْعَةُ تَأْتِي لَا مِنَ الشَّرْقِ وَلَا مِنَ الْغَرْبِ وَلَا مِنَ الصَّحْرَاءِ. إِنَّمَا اللهُ هُوَ الدَّيَّانُ، يَخْفِضُ وَاحِدًا وَيَرْفَعُ آخَرَ. فِي يَدِ اللهِ كَأْسُ غَضَبٍ مَلْآنَةٌ مِنْ خَمْرٍ مُزْبِدَةٍ مَمْزُوجَةٍ بِتَوَابِلَ، يَصُبُّهَا فَيَشْرَبُهَا كُلُّ الْأَشْرَارِ حَتَّى تِفْلِهَا. أَمَّا أَنَا فَأُخْبِرُ إِلَى الْأَبَدِ عَنْ رَبِّ يَعْقُوبَ وَأُسَبِّحُهُ. يُحَطِّمُ قُوَّةَ الْأَشْرَارِ، أَمَّا قُوَّةُ الصَّالِحِ فَتَزِيدُ. نشيد، مزمور لآساف. لقائد المغنين، على الآلات الوترية اللهُ مَعْرُوفٌ فِي يَهُوذَا، اِسْمُهُ عَظِيمٌ بَيْنَ شَعْبِهِ. خَيْمَتُهُ فِي الْقُدْسِ، مَسْكَنُهُ فِي الْجَبَلِ الْمُقَدَّسِ. هُنَاكَ حَطَّمَ السِّهَامَ وَالتُّرُوسَ وَالسُّيُوفَ وَأَسْلِحَةَ الْحَرْبِ. أَنْتَ مَهُوبٌ يَا رَبُّ وَأَبْهَى مِنَ الْجِبَالِ الْخَالِدَةِ. فَقَدَ الْأَبْطَالُ غَنِيمَتَهُمْ، نَامُوا نَوْمَ الْمَوْتِ، وَلَا مُحَارِبٌ رَفَعَ يَدَهُ. يُصْرَعُ الْفَارِسُ وَالْخَيْلُ مِنْ تَوْبِيخِكَ يَا رَبَّ يَعْقُوبَ. أَنْتَ مَهُوبٌ يَا رَبُّ، فَمَنْ يَقِفُ قُدَّامَكَ حِينَ تَغْضَبُ؟ مِنَ السَّمَاءِ أَصْدَرْتَ حُكْمًا، فَخَافَتِ الْأَرْضُ وَسَكَتَتْ، لِأَنَّكَ قُمْتَ اللَّهُمَّ لِتَقْضِيَ وَتُنْقِذَ كُلَّ مَسَاكِينِ الْأَرْضِ. يَحْمَدُكَ النَّاسُ لِغَضَبِكَ عَلَى الشَّرِّ، وَالَّذِينَ يَنْجُونَ مِنْ غَضَبِكَ يَلْتَفُّونَ حَوْلَكَ. اُنْذُرُوا لِلْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، وَأَوْفُوا نُذُورَكُمْ. يَا كُلَّ جِيرَانِنَا قَدِّمُوا هَدِيَّةً لِلْمَهُوبِ. فَهُوَ يَكْسِرُ نَفْسَ الْعُظَمَاءِ، وَيُخَوِّفُ مُلُوكَ الْأَرْضِ. مزمور لآساف. لقائد المغنين، على يدوثون صَرَخْتُ إِلَى اللهِ، رَفَعْتُ صَوْتِي إِلَيْهِ فَسَمِعَنِي. فِي يَوْمِ ضِيقِي طَلَبْتُ اللهَ، فِي اللَّيْلِ بَسَطْتُ يَدَيَّ بِلَا تَعَبٍ. رَفَضَ قَلْبِي أَنْ يَتَعَزَّى. أَذْكُرُ اللهَ فَأَتَنَهَّدُ، أُفَكِّرُ فِيهِ فَيَنْكَسِرُ قَلْبِي. حَرَمْتَنِي مِنَ النَّوْمِ. اضْطَرَبْتُ فَعَجَزْتُ عَنِ الْكَلَامِ. تَذَكَّرْتُ الْأَيَّامَ الْأُولَى، السِّنِينَ الَّتِي مَضَتْ مُنْذُ زَمَنٍ. تَذَكَّرْتُ أَغَانِيَّ فِي اللَّيْلِ. أُفَكِّرُ وَنَفْسِي تَسْأَلُ: ”هَلِ اللهُ رَفَضَنَا تَمَامًا؟ وَلَنْ يَرْضَى عَنَّا أَبَدًا؟ هَلِ انْتَهَتْ رَحْمَتُهُ كُلِّيَّةً؟ وَلَنْ يَفِيَ بِوَعْدِهِ أَبَدًا؟ هَلْ نَسِيَ اللهُ أَنْ يَرْحَمَ؟ هَلْ فِي غَضَبِهِ مَنَعَ حَنَانَهُ؟“ ثُمَّ قُلْتُ: ”الَّذِي يُحْزِنُنِي هُوَ أَنَّ يَمِينَ الْعَلِيِّ تَحَوَّلَتْ عَنَّا.“ أَتَذَكَّرُ أَعْمَالَ اللهِ، أَتَذَكَّرُ أَعْمَالَكَ الْعَجِيبَةَ الَّتِي صَنَعْتَهَا فِي الْقَدِيمِ. أَتَأَمَّلُ كُلَّ أَعْمَالِكَ، أَتَأَمَّلُ كُلَّ مَا صَنَعْتَ. اللَّهُمَّ طُرُقُكَ مُقَدَّسَةٌ. مَنْ هُوَ إِلَهٌ عَظِيمٌ مِثْلُ اللهِ؟ أَنْتَ هُوَ الْإِلَهُ الَّذِي يَصْنَعُ الْمُعْجِزَاتِ. أَظْهَرْتَ قُوَّتَكَ لِلْأُمَمِ. بِذِرَاعِكَ الْقَدِيرَةِ فَدَيْتَ شَعْبَكَ، نَسْلَ يَعْقُوبَ وَيُوسِفَ. رَأَتْكَ الْمِيَاهُ اللَّهُمَّ، رَأَتْكَ الْمِيَاهُ فَفَزِعَتْ، اِهْتَزَّتْ أَعْمَاقُ الْبَحْرِ، سَكَبَتِ السُّحُبُ مَاءً، أَرْعَدَتِ السَّمَاءُ، اِشْتَعَلَ بَرْقُكَ هُنَا وَهُنَاكَ كَسِهَامٍ. صَوْتُ رَعْدِكَ فِي الزَّوْبَعَةِ، الْبَرْقُ أَضَاءَ الدُّنْيَا، اِرْتَعَشَتِ الْأَرْضُ وَتَزَلْزَلَتْ. أَنْتَ سِرْتَ فِي الْبَحْرِ، عَبَرْتَ فِي الْمِيَاهِ الْغَزِيرَةِ، وَلَا وَاحِدٌ رَأَى آثَارَ خَطَوَاتِكَ. أَنْتَ هَدَيْتَ شَعْبَكَ مِثْلَ قَطِيعٍ بِيَدِ مُوسَى وَهَارُونَ. تعليم، لآساف اِسْمَعْ يَا شَعْبِي تَعْلِيمِي، أَصْغِ إِلَى الْكَلَامِ الَّذِي أَقُولُهُ. بِالْأَمْثَالِ أَتَكَلَّمُ، وَأُعْلِنُ أَشْيَاءَ كَانَتْ مَخْفِيَّةً مُنْذُ قَدِيمِ الزَّمَانِ، أَشْيَاءَ سَمِعْنَاهَا وَعَرَفْنَاهَا وَأَخْبَرَنَا بِهَا آبَاؤُنَا. فَلَا نُخْفِيهَا عَنْ أَوْلَادِهِمْ، بَلْ نُخْبِرُ الْجِيلَ الْآتِيَ، عَنْ عَظَمَةِ اللهِ وَقُوَّتِهِ وَأَعْمَالِهِ الْعَجِيبَةِ. فَإِنَّهُ وَضَعَ فَرَائِضَ لِنَسْلِ يَعْقُوبَ، وَأَعْطَى الشَّرِيعَةَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. وَأَمَرَ آبَاءَنَا أَنْ يُعَلِّمُوهَا لِأَوْلَادِهِمْ. لِكَيْ يَعْرِفَهَا الْجِيلُ الْآتِي، الْأَوْلَادُ الَّذِينَ لَمْ يُولَدُوا بَعْدُ، لِيُخْبِرُوا هُمْ أَيْضًا أَوْلَادَهُمْ. لِكَيْ يَتَّكِلُوا عَلَى اللهِ، وَلَا يَنْسُوا أَعْمَالَهُ، بَلْ يَعْمَلُوا بِوَصَايَاهُ. وَلَا يَكُونُوا مِثْلَ آبَائِهِمْ، جِيلًا عَنِيدًا مُتَمَرِّدًا، قَلْبُهُ غَيْرُ وَفِيٍّ للهِ وَرُوحُهُ غَيْرُ أَمِينَةٍ لَهُ. بَنُو أَفْرَايِمَ، مَعَ أَنَّهُمْ مُسَلَّحُونَ بِأَقْوَاسٍ، تَرَاجَعُوا وَهَرَبُوا فِي يَوْمِ الْمَعْرَكَةِ. لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْفَظُوا عَهْدَ اللهِ، وَرَفَضُوا أَنْ يَعْمَلُوا بِشَرِيعَتِهِ. نَسُوا مَا صَنَعَ، الْأَعْمَالَ الْعَجِيبَةَ الَّتِي أَظْهَرَهَا لَهُمْ، وَالْمُعْجِزَاتِ الَّتِي رَآهَا آبَاؤُهُمْ فِي مِنْطَقَةِ صُوعَنَ، فِي أَرْضِ مِصْرَ. عِنْدَمَا شَقَّ الْبَحْرَ وَعَبَّرَهُمْ، وَجَعَلَ الْمِيَاهَ تَقِفُ كَحَائِطٍ. هَدَاهُمْ بِالسَّحَابَةِ فِي النَّهَارِ، وَبِنُورِ نَارٍ طُولَ اللَّيْلِ. شَقَّ صُخُورًا فِي الصَّحْرَاءِ، وَسَقَاهُمْ مَاءً غَزِيرًا كَأَنَّهُ بَحْرٌ. أَخْرَجَ يَنَابِيعَ مِنْ صَخْرَةٍ، وَجَعَلَ الْمَاءَ يَجْرِي كَأَنْهَارٍ. لَكِنَّهُمْ عَادُوا وَأَخْطَأُوا ضِدَّهُ، تَمَرَّدُوا ضِدَّ الْعَلِيِّ فِي الصَّحْرَاءِ. اِمْتَحَنُوا اللهَ بِعِنَادٍ، فَطَلَبُوا الطَّعَامَ الَّذِي اشْتَهَتْهُ قُلُوبُهُمْ. تَكَلَّمُوا ضِدَّ اللهِ وَقَالُوا: ”هَلْ يَقْدِرُ اللهُ أَنْ يُقَدِّمَ مَائِدَةً فِي الصَّحْرَاءِ؟ لَمَّا ضَرَبَ الصَّخْرَةَ، اِنْفَجَرَ الْمَاءُ وَفَاضَتِ الْأَنْهَارُ. فَهَلْ يَقْدِرُ أَنْ يُعْطِيَنَا خُبْزًا، أَوْ أَنْ يُقَدِّمَ لَحْمًا لِشَعْبِهِ؟“ فَلَمَّا سَمِعَ اللهُ هَذَا غَضِبَ جِدًّا، اِشْتَعَلَتْ النَّارُ ضِدَّ نَسْلِ يَعْقُوبَ، وَثَارَ غَيْظُهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. لِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ، وَلَمْ يَتَّكِلُوا عَلَى نَجَاتِهِ. وَمَعَ ذَلِكَ، أَمَرَ السَّحَابَ مِنْ فَوْقُ، وَفَتَحَ أَبْوَابَ السَّمَاءِ. أَمْطَرَ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ لِيَأْكُلُوا، أَعْطَاهُمْ غَلَّةَ السَّمَاءِ. فَأَكَلَ الْإِنْسَانُ خُبْزَ الْمَلَائِكَةِ، أَرْسَلَ لَهُمْ طَعَامًا بِوَفْرَةٍ. أَهَاجَ الرِّيحَ الشَّرْقِيَّةَ مِنَ السَّمَاءِ، وَأَرْسَلَ الرِّيحَ الْجَنُوبِيَّةَ بِقُوَّتِهِ. أَمْطَرَ عَلَيْهِمْ لَحْمًا كَثِيرًا كَالتُّرَابِ، طُيُورًا بِكَثْرَةٍ كَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ. جَعَلَهَا تَسْقُطُ وَسَطَ خِيَامِهِمْ حَوْلَ مَسَاكِنِهِمْ. فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، لِأَنَّهُ أَعْطَاهُمْ مَا اشْتَهَوْهُ. وَبَيْنَمَا هُمْ يُشْبِعُونَ شَهْوَتَهُمْ، وَالطَّعَامُ مَا زَالَ فِي أَفْوَاهِهِمْ، ثَارَ غَضَبُ اللهِ عَلَيْهِمْ، فَقَتَلَ أَقْوَاهُمْ، وَصَرَعَ شُبَّانَهُمْ. وَمَعَ كُلِّ هَذَا، ظَلُّوا يُخْطِئُونَ وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِعَجَائِبِهِ. فَجَعَلَ أَيَّامَهُمْ تَضِيعُ بِلَا فَائِدَةٍ، وَسِنِيهِمْ تَنْقَضِي فِي فَزَعٍ. لَمَّا أَرْسَلَ الْمَوْتَ عَلَيْهِمْ، طَلَبُوهُ وَرَجَعُوا إِلَيْهِ بِسُرْعَةٍ. تَذَكَّرُوا أَنَّ اللهَ هُوَ مَلْجَأُهُمْ، أَنَّ اللهَ الْعَلِيَّ هُوَ فَادِيهِمْ. لَكِنَّهُمْ قَالُوا لَهُ كَلَامًا مَعْسُولًا، وَكَذَبُوا عَلَيْهِ بِأَلْسِنَتِهِمْ. لَمْ تَكُنْ قُلُوبُهُمْ وَفِيَّةً لَهُ وَلَمْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ لِعَهْدِهِ. لَكِنَّهُ رَحِيمٌ، فَغَفَرَ آثَامَهُمْ وَلَمْ يُهْلِكْهُمْ. وَكَثِيرًا مَا هَدَّأَ غَضَبَهُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُشْعِلْ كُلَّ غَيْظِهِ. يَعْرِفُ أَنَّهُمْ بَشَرٌ، رِيحٌ تَعْبُرُ وَلَا تَرْجِعُ. كَمْ تَمَرَّدُوا عَلَيْهِ فِي الصَّحْرَاءِ، وَأَحْزَنُوهُ فِي الْقَفْرِ! اِمْتَحَنُوا اللهَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، غَاظُوا الْقُدُّوسَ رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. لَمْ يَتَذَكَّرُوا قُوَّتَهُ، يَوْمَ فَدَاهُمْ مِنَ الْعَدُوِّ. لَمَّا أَظْهَرَ آيَاتِهِ فِي مِصْرَ، وَعَجَائِبَهُ فِي مِنْطَقَةِ صُوعَنَ. لِأَنَّهُ حَوَّلَ أَنْهَارَهُمْ وَسَوَاقِيَهُمْ إِلَى دَمٍ، فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَشْرَبُوا. أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ ذُبَابًا أَكَلَهُمْ، وَضَفَادِعَ أَتْلَفَتْهُمْ. أَعْطَى زَرْعَهُمْ لِلْجَرَادِ، وَثَمَرَهُمْ لِلْحَشَرَاتِ. أَتْلَفَ عِنَبَهُمْ بِالْبَرَدِ، وَتِينَهُمْ بِالصَّقِيعِ. سَلَّمَ بَهَائِمَهُمْ لِلْبَرَدِ، وَمَوَاشِيَهُمْ لِلْبَرْقِ. أَطْلَقَ عَلَيْهِمْ لَهِيبَ غَضَبِهِ، غَيْظًا وَسَخَطًا وَضِيقًا وَجَيْشًا مِنْ مَلَائِكَةِ الْهَلَاكِ. سَيَّبَ غَضَبَهُ عَلَيْهِمْ، لَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنَ الْمَوْتِ، بَلْ أَهْلَكَهُمْ بِالْوَبَأِ. قَتَلَ كُلَّ أَبْكَارِ مِصْرَ، أَوَّلَ ثِمَارِ الرُّجُولَةِ فِي مَسَاكِنِ بَنِي حَامَ. وَأَخْرَجَ شَعْبَهُ كَغَنَمٍ، قَادَهُمْ مِثْلَ قَطِيعٍ فِي الصَّحْرَاءِ. هَدَاهُمْ فِي أَمَانٍ غَيْرَ خَائِفِينَ، لَكِنَّ أَعْدَاءَهُمْ بَلَعَهُمُ الْبَحْرُ. أَحْضَرَ شَعْبَهُ إِلَى أَرْضِهِ الْمُقَدَّسَةِ، إِلَى الْجَبَلِ الَّذِي امْتَلَكَهُ بِيَمِينِهِ. طَرَدَ شُعُوبًا مِنْ أَمَامِهِمْ، وَأَعْطَى أَرْضَهُمْ مِلْكًا لِشَعْبِهِ. وَأَسْكَنَ فِي دِيَارِهِمْ قَبَائِلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. لَكِنَّهُمْ جَرَّبُوا اللهَ، وَتَمَرَّدُوا ضِدَّ الْعَلِيِّ، وَلَمْ يَحْفَظُوا إِرْشَادَاتِهِ. بَلْ كَآبَائِهِمِ ارْتَدُّوا عَنْهُ وَغَدَرُوا وَانْحَرَفُوا كَقَوْسٍ مُخْطِئَةٍ. غَاظُوهُ بِأَمَاكِنِ عِبَادَتِهِمْ، وَأَثَارُوا غِيرَتَهُ بِأَصْنَامِهِمْ. سَمِعَهُمُ اللهُ فَغَضِبَ جِدًّا، وَرَفَضَ إِسْرَائِيلَ تَمَامًا. هَجَرَ خَيْمَتَهُ فِي شِيلُوهَ، الْمَسْكَنَ الَّذِي أَقَامَ فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ. أَرْسَلَ صُنْدُوقَ الْعَهْدِ، رَمْزَ قُدْرَتِهِ إِلَى الْأَسْرِ؛ سَلَّمَ بَهَاءَهُ لِيَدِ الْعَدُوِّ. دَفَعَ شَعْبَهُ إِلَى السَّيْفِ، وَغَضِبَ عَلَى نَصِيبِهِ. أَحْرَقَتِ النَّارُ شُبَّانَهُمْ، وَلَمْ تُنْشِدْ شَابَّاتُهُمْ أُغْنِيَةَ الْعُرْسِ. مَاتَ أَحْبَارُهُمْ قَتْلَى بِالسَّيْفِ، وَلَمْ تَنْدُبْ أَرَامِلُهُمْ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ قَامَ الْمَوْلَى كَمَا مِنْ نَوْمٍ، أَوْ كَجَبَّارٍ تَيَقَّظَ مِنَ الْخَمْرِ. ضَرَبَ أَعْدَاءَهُ وَقَهَرَهُمْ، جَعَلَهُمْ عَارًا إِلَى الْأَبَدِ. وَرَفَضَ قَبِيلَةَ يُوسِفَ، لَمْ يَخْتَرْ قَبِيلَةَ أَفْرَايِمَ. بَلِ اخْتَارَ قَبِيلَةَ يَهُوذَا، الْجَبَلَ الْمُقَدَّسَ الَّذِي أَحَبَّهُ. بَنَى مَقْدِسَهُ كَالْجِبَالِ الْعَالِيَةِ، كَالْأَرْضِ الَّتِي أَسَّسَهَا إِلَى الْأَبَدِ. اِخْتَارَ دَاوُدَ عَبْدَهُ، وَأَخَذَهُ مِنْ حَظَائِرِ الْغَنَمِ. جَاءَ بِهِ مِنْ وَرَاءِ الْخِرَافِ، لِيَرْعَى يَعْقُوبَ شَعْبَهُ وَإِسْرَائِيلَ نَصِيبَهُ. فَرَعَاهُمْ بِقَلْبٍ نَزِيهٍ، وَقَادَهُمْ بِيَدٍ مَاهِرَةٍ. مزمور لآساف اللَّهُمَّ دَخَلَتِ الْأُمَمُ بِلَادَكَ، وَنَجَّسَتْ بَيْتَكَ الْمُقَدَّسَ، وَجَعَلَتْ مَدِينَةَ الْقُدْسِ خَرَابًا. رَمَوْا جُثَثَ عَبِيدِكَ طَعَامًا لِطُيُورِ السَّمَاءِ، لَحْمَ أَتْقِيَائِكَ لِوُحُوشِ الْأَرْضِ. سَفَكُوا دَمَهُمْ كَالْمَاءِ حَوْلَ الْقُدْسِ، وَلَا وَاحِدٌ يَدْفِنُ الْمَوْتَى. صِرْنَا عَارًا عِنْدَ جِيرَانِنَا، وَهُزْأَةً وَسُخْرِيَةً عِنْدَ الَّذِينَ حَوْلَنَا. إِلَى مَتَى يَا رَبُّ؟ هَلْ تَغْضَبُ إِلَى الْأَبَدِ؟ إِلَى مَتَى تَشْتَعِلُ غِيرَتُكَ كَالنَّارِ؟ صُبَّ غَضَبَكَ عَلَى الْأُمَمِ الَّتِي لَا تَعْرِفُكَ، وَعَلَى الْمَمَالِكِ الَّتِي لَا تَدْعُو بِاسْمِكَ. لِأَنَّهُمْ أَكَلُوا بَنِي يَعْقُوبَ، وَخَرَّبُوا دَارَهُمْ. لَا تَحْسِبْ عَلَيْنَا ذُنُوبَ أَسْلَافِنَا، لَيْتَ رَحْمَتَكَ تُلَاقِينَا سَرِيعًا لِأَنَنَّا تَذَلَّلْنَا جِدًّا. اللَّهُمَّ يَا مُنْقِذَنَا، أَعِنَّا مِنْ أَجْلِ مَجْدِ اسْمِكَ، نَجِّنَا وَاغْفِرْ ذُنُوبَنَا مِنْ أَجْلِ اسْمِكَ. لِمَاذَا تَقُولُ الْأُمَمُ: ”أَيْنَ إِلَهُهُمْ؟“ اِجْعَلْنَا نَرَى بِعُيُونِنَا كَيْفَ أَنَّكَ تَنْتَقِمُ مِنَ الْأُمَمِ لِدَمِ عَبِيدِكَ الَّذِي سَفَكُوهُ. لَيْتَ أَنِينَ الْمَسَاجِينِ يَصِلُ إِلَيْكَ، وَبِقُدْرَتِكَ الْعَظِيمَةِ أَنْقِذِ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِمْ بِالْمَوْتِ. رُدَّ عَلَى جِيرَانِنَا الْإِهَانَةَ الَّتِي أَهَانُوكَ بِهَا يَا رَبُّ، 7 أَضْعَافٍ فِي أَحْضَانِهِمْ. أَمَّا نَحْنُ شَعْبُكَ وَغَنَمُكَ الَّتِي تَرْعَاهَا فَنَحْمَدُكَ إِلَى الْأَبَدِ، وَنُخْبِرُ بِتَسْبِيحِكَ مِنْ جِيلٍ إِلَى جِيلٍ. مزمور. شهادة لآساف. لقائد المغنين، على نغمة ”سوسن العهد“ اِسْمَعْنَا يَا رَاعِيَ شَعْبِكَ، يَا مَنْ قُدْتَ أَهْلَ يُوسِفَ مِثْلَ قَطِيعٍ، أَشْرِقْ أَيُّهَا الْجَالِسُ عَلَى عَرْشِكَ فَوْقَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ. أَظْهِرْ قُدْرَتَكَ الْعَظِيمَةَ لِأَفْرَايِمَ وَبِنْيَمِينَ وَمَنَسَّى، وَتَعَالَ وَأَنْقِذْنَا. اللَّهُمَّ أَرْجِعْنَا وَأَشْرِقْ بِوَجْهِكَ عَلَيْنَا فَنَنْجُوَ. يَا رَبَّنَا الْإِلَهَ الْقَدِيرَ، إِلَى مَتَى يَشْتَعِلُ غَضَبُكَ ضِدَّ دُعَاءِ شَعْبِكَ؟ جَعَلْتَ الْحُزْنَ طَعَامَنَا، وَالدُّمُوعَ الْغَزِيرَةَ شَرَابَنَا. جَعَلْتَ جِيرَانَنَا يَتَنَازَعُونَ بِسَبَبِنَا، وَأَعْدَاءَنَا يَضْحَكُونَ عَلَيْنَا. أَيُّهَا الْإِلَهُ الْقَدِيرُ أَرْجِعْنَا وَأَشْرِقْ بِوَجْهِكَ عَلَيْنَا فَنَنْجُوَ. أَنْتَ نَقَلْتَ كَرْمَةً مِنْ مِصْرَ، طَرَدْتَ الْأُمَمَ لِكَيْ تَزْرَعَهَا. هَيَّأْتَ الْأَرْضَ لَهَا، فَنَمَتْ جُذُورُهَا وَمَلَأَتِ الْبِلَادَ. ظِلُّهَا غَطَّى الْجِبَالَ، وَفُرُوعُهَا ظَلَّلَتْ عَلَى الْأَرْزِ الْعَظِيمِ. أَغْصَانُهَا بَلَغَتْ إِلَى الْبَحْرِ، وَفُرُوعُهَا إِلَى النَّهْرِ. فَلِمَاذَا هَدَمْتَ سُورَهَا؟ فَالْآنَ كُلُّ مَنْ يَعْبُرُ بِهَا يَقْطِفُ عِنَبَهَا! خِنْزِيرُ الْغَابَةِ يُتْلِفُهَا، وَحْشُ الْبَرِّيَّةِ يَأْكُلُهَا. اِرْجِعْ إِلَيْنَا أَيُّهَا الْإِلَهُ الْقَدِيرُ، تَطَلَّعْ مِنَ السَّمَاءِ وَانْظُرْ، وَتَعَهَّدْ هَذِهِ الْكَرْمَةَ. اِحْفَظْ مَا زَرَعَتْهُ يَمِينُكَ، الْغُصْنَ الَّذِي أَقَمْتَهُ لِنَفْسِكَ. قَطَعُوهَا وَأَحْرَقُوهَا بِالنَّارِ، لَيْتَ نَظْرَتَكَ الْغَاضِبَةَ تُهْلِكُهُمْ. ضَعْ يَدَكَ عَلَى الْإِنْسَانِ الَّذِي عَنْ يَمِينِكَ، عَلَى ابْنِ آدَمَ الَّذِي أَقَمْتَهُ لِنَفْسِكَ، فَلَا نَرْجِعُ عَنْكَ. أَحْيِنَا فَنَدْعُوَ بِاسْمِكَ. يَا رَبَّنَا الْإِلَهَ الْقَدِيرَ أَرْجِعْنَا وَأَشْرِقْ بِوَجْهِكَ عَلَيْنَا فَنَنْجُوَ. لآساف. لقائد المغنين، على الجتية غَنُّوا بِفَرَحٍ للهِ قُوَّتِنَا، اِهْتِفُوا لِرَبِّ يَعْقُوبَ. اِبْدَأُوا الْعَزْفَ، اِلْعَبُوا عَلَى الدُّفِّ وَالْعُودِ الْحُلْوِ وَالرَّبَابِ. اُنْفُخُوا الْبُوقَ فِي رَأْسِ الشَّهْرِ، وَفِي وَقْتِ الْهِلَالِ يَوْمِ عِيدِنَا. لِأَنَّ هَذَا فَرْضٌ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، حُكْمٌ أَوْجَبَهُ رَبُّ يَعْقُوبَ. جَعَلَهُ فَرِيضَةً عَلَى أَهْلِ يُوسِفَ لَمَّا أَخْرَجَنَا مِنْ مِصْرَ. سَمِعْنَا كَلَامًا غَيْرَ مَعْهُودٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: ”رَفَعْتُ الْحِمْلَ عَنْ كَتِفِكَ، وَحَرَّرْتُ يَدَيْكَ مِنْ سَلَّةِ الطُّوبِ. دَعَوْتَنِي فِي الضِّيقِ فَنَجَّيْتُكَ. اِسْتَجَبْتُكَ بِالرَّعْدِ. اِمْتَحَنْتُكَ عِنْدَ مَاءِ مَرِيبَةَ. ”اِسْمَعْ يَا شَعْبِي فَأُحَذِّرَكَ، أَصْغُوا يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ! لَا تَعْبُدُوا إِلَهًا غَيْرِي، وَلَا تَسْجُدُوا لِمَعْبُودٍ آخَرَ. أَنَا هُوَ الْمَوْلَى إِلَهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ مِصْرَ. اِفْتَحْ فَمَكَ عَلَى آخِرِهِ وَأَنَا أَمْلَأُهُ. ”لَكِنَّ شَعْبِي لَمْ يَسْمَعْ لِي، بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَرْضَوْا بِي. فَتَرَكْتُهُمْ يَذْهَبُونَ حَسَبَ عِنَادِهِمْ، لِيَتْبَعُوا مَا يَحْلُو لَهُمْ. لَيْتَ شَعْبِي سَمِعَ لِي، وَلَيْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَلَكُوا فِي طُرُقِي. فَكُنْتُ سَرِيعًا أُخْضِعُ أَعْدَاءَهُمْ، وَأَمُدُّ يَدِي عَلَى خُصُومِهِمْ. الَّذِينَ يَكْرَهُونَ اللهَ يَتَذَلَّلُونَ لَهُ، وَعِقَابُهُمْ يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. وَكُنْتُ أُطْعِمُ شَعْبِي بِأَفْخَرِ الطَّعَامِ، وَأُشْبِعُهُ عَسَلًا مِنَ الصَّخْرَةِ.“ مزمور لآساف جَلَسَ اللهُ يَرْأَسُ الْمَجْلِسَ الْإِلَهِيَّ، لِيَقْضِيَ بَيْنَ الْحُكَّامِ، فَقَالَ: ”إِلَى مَتَى تَقْضُونَ بِالظُّلْمِ، وَتَنْحَازُونَ لِلْأَشْرَارِ؟ بَلْ دَافِعُوا عَنْ حَقِّ الضَّعِيفِ وَالْيَتِيمِ، أَنْصِفُوا الْمِسْكِينَ وَالْمَظْلُومَ. أَنْقِذُوا الضَّعِيفَ وَالْفَقِيرَ، أَنْقِذُوهُمَا مِنْ قَبْضَةِ الْأَشْرَارِ. ”أَنْتُمْ لَا تَعْرِفُونَ شَيْئًا وَلَا تَفْهَمُونَ شَيْئًا، بَلْ تَسِيرُونَ فِي الظَّلَامِ بَيْنَمَا تَنْهَارُ أَسَاسَاتُ الدُّنْيَا. فَهَذَا هُوَ حُكْمِي: أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ وَأَبْنَاءُ الْعَلِيِّ كُلُّكُمْ، لَكِنَّكُمْ تَمُوتُونَ كَبَاقِي الْبَشَرِ، وَتَسْقُطُونَ كَبَاقِي الرُّؤَسَاءِ.“ اللَّهُمَّ قُمْ، وَاحْكُمْ فِي الْأَرْضِ، لِأَنَّ كُلَّ الْأُمَمِ هِيَ لَكَ. نشيد. مزمور لآساف اللَّهُمَّ لَا تَصْمُتْ، اللَّهُمَّ لَا تَسْكُتْ وَلَا تَهْدَأْ. لِأَنَّ أَعْدَاءَكَ يَهِيجُونَ، وَخُصُومَكَ رَفَعُوا رَأْسَهُمْ. يَتَآمَرُونَ بِمَكْرٍ ضِدَّ شَعْبِكَ، يَتَشَاوَرُونَ ضِدَّ الْغَالِينَ عَلَيْكَ. يَقُولُونَ: ”نُبِيدُهُمْ مِنْ بَيْنِ الشُّعُوبِ، فَلَا يُذْكَرُ اسْمُ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ الْآنَ.“ تَآمَرُوا فِي قُلُوبِهِمْ مَعًا، وَتَحَالَفُوا ضِدَّكَ. بَنُو أَدُومَ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّونَ، مُوآبُ وَالْهَاجِرِيُّونَ. أَهْلُ جُبَيْلَ وَعَمُّونَ وَعَمَالِيقَ وَفِلِسْطَةَ وَصُورَ. حَتَّى أَشُّورُ تَحَالَفَتْ مَعَهُمْ لِتُسَاعِدَ بَنِي لُوطَ. فَافْعَلْ بِهِمْ كَمَا فَعَلْتَ بِمِدْيَانَ، وَكَمَا فَعَلْتَ بِسِسْرَا وَيَابِينَ عِنْدَ نَهْرِ قِيشُونَ، الَّذِينَ هَلَكُوا فِي عَيْنَ دُورَ، وَصَارُوا زِبَالَةً فِي الْأَرْضِ. اِجْعَلْ رُؤَسَاءَهُمْ مِثْلَ غُرَابٍ وَذِئْبٍ، اِجْعَلْ كُلَّ أُمَرَائِهِمْ مِثْلَ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ. الَّذِينَ قَالُوا: ”نَمْلِكُ لِأَنْفُسِنَا بِلَادَ اللهِ.“ يَا إِلَهِي شَتِّتْهُمْ مِثْلَ الْقَشِّ وَمِثْلَ التِّبْنِ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ. وَكَمَا تَحْرِقُ النَّارُ الْغَابَةَ، وَكَمَا يَمْتَدُّ اللَّهِيبُ فِي الْجِبَالِ، اُطْرُدْهُمْ بِعَاصِفَتِكَ، وَخَوِّفْهُمْ بِزَوْبَعَتِكَ. اِمْلَأْ وُجُوهَهُمْ بِالْخَجَلِ، حَتَّى يَطْلُبُوا اسْمَكَ يَا رَبُّ. أَذْلِلْهُمْ وَأَرْعِبْهُمْ دَائِمًا وَأَخْجِلْهُمْ وَأَهْلِكْهُمْ. حَتَّى يَعْرِفُوا أَنَّكَ الْمَوْلَى، وَأَنَّكَ وَحْدَكَ الْعَلِيُّ عَلَى كُلِّ الْأَرْضِ. مزمور لبني قورح. لقائد المغنين، على الجتية مَا أَحْلَى بَيْتَكَ يَا رَبَّنَا الْقَدِيرَ! تَشْتَاقُ نَفْسِي وَتَحِنُّ جِدًّا إِلَى دِيَارِ اللهِ. قَلْبِي وَجِسْمِي يَهْتِفَانِ بِفَرَحٍ لِلْإِلَهِ الْحَيِّ. حَتَّى الْعُصْفُورُ وَجَدَ مَنْزِلًا، وَالْيَمَامَةُ عُشًّا تَضَعُ فِيهِ صِغَارَهَا، بِجِوَارِ مَنَصَّةِ قُرْبَانِكَ يَا رَبَّنَا الْقَدِيرَ، يَا مَلِكِي وَإِلَهِي. هَنِيئًا لِمَنْ يَسْكُنُونَ فِي بَيْتِكَ، يُسَبِّحُونَكَ دَائِمًا. هَنِيئًا لِمَنْ يَجِدُونَ قُوَّتَهُمْ فِيكَ، لِمَنْ عَزَمُوا فِي قُلُوبِهِمْ أَنْ يَحِجُّوا إِلَى بَيْتِكَ. يَعْبُرُونَ الْوَادِيَ الْقَاحِلَ فَيَجْعَلُونَهُ عُيُونَ مَاءٍ، وَأَيْضًا يَغْمُرُهُ مَطَرُ الْخَرِيفِ بِالْبَرَكَاتِ. يَصْعَدُونَ مِنْ عُلُوٍّ إِلَى عُلُوٍّ، ثُمَّ يَمْثُلُونَ فِي مَحْضَرِ اللهِ فِي الْقُدْسِ. يَا رَبَّنَا الْإِلَهَ الْقَدِيرَ اسْمَعْ صَلَاتِي، اِسْتَمِعْ لِي يَا رَبَّ يَعْقُوبَ. اللَّهُمَّ يَا حَامِينَا، تَطَلَّعْ وَانْظُرْ بِعَيْنِ الرِّضَى إِلَى الْمَلِكِ الَّذِي اخْتَرْتَهُ. يَوْمٌ وَاحِدٌ فِي دِيَارِكَ خَيْرٌ مِنْ 1000 يَوْمٍ فِي أَيِّ مَكَانٍ آخَرَ. أَحْسَنُ لِي أَنْ أَكُونَ بَوَّابًا فِي بَيْتِ إِلَهِي، مِنْ أَنْ أُقِيمَ فِي مَسَاكِنِ الْأَشْرَارِ. لِأَنَّ الْمَوْلَى الْإِلَهَ نُورُنَا وَحَامِينَا، اللهُ يُعْطِي نِعْمَةً وَكَرَامَةً، لَا يَمْنَعُ خَيْرًا عَنِ الَّذِينَ يَسْلُكُونَ بِالْكَمَالِ. يَا رَبَّنَا الْقَدِيرَ، هَنِيئًا لِمَنْ يَتَّكِلُ عَلَيْكَ. مزمور لبني قورح. لقائد المغنين أَنْتَ رَضِيتَ عَنْ أَرْضِكَ يَا رَبُّ، أَرْجَعْتَ لِبَنِي يَعْقُوبَ مَجْدَهُمْ. غَفَرْتَ إِثْمَ شَعْبِكَ، وَسَتَرْتَ كُلَّ ذُنُوبِهِمْ. مَنَعْتَ كُلَّ غَيْظِكَ، وَأَبْعَدْتَ غَضَبَكَ الشَّدِيدَ. أَرْجِعْنَا اللَّهُمَّ يَا مُنْقِذَنَا، وَاصْرِفْ عَنَّا غَيْظَكَ. هَلْ تَغْضَبُ عَلَيْنَا إِلَى الْأَبَدِ؟ هَلْ يَدُومُ غَضَبُكَ عَلَيْنَا إِلَى كُلِّ الْأَجْيَالِ؟ أَلَا تُحْيِينَا مِنْ جَدِيدٍ، لِكَيْ يَفْرَحَ بِكَ شَعْبُكَ؟ أَظْهِرْ لَنَا رَحْمَتَكَ يَا رَبُّ، وَامْنَحْنَا نَجَاتَكَ. أُصْغِي لِكَلَامِ اللهِ رَبِّنَا، فَهُوَ يَعِدُ شَعْبَهُ الْأَمِينَ بِالسَّلَامِ، فَلَيْتَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ إِلَى الْجَهَالَةِ. نَجَاتُهُ قَرِيبَةٌ مِنَ الَّذِينَ يَتَّقُونَهُ، لِكَيْ يَحِلَّ جَلَالُهُ فِي أَرْضِنَا. تَقَابَلَتِ الرَّحْمَةُ مَعَ الْأَمَانَةِ، تَعَانَقَ الصَّلَاحُ مَعَ السَّلَامِ. تَنْبُتُ الْأَمَانَةُ مِنَ الْأَرْضِ وَيُطِلُّ الصَّلَاحُ مِنَ السَّمَاءِ. اللهُ يُعْطِي الْخَيْرَ، وَتُنْتِجُ الْأَرْضُ غَلَّتَهَا. يَذْهَبُ الصَّلَاحُ قُدَّامَهُ، وَيُمَهِّدُ لَهُ الطَّرِيقَ. دعاء لداود اِسْمَعْ يَا رَبُّ وَاسْتَجِبْ لِي، لِأَنِّي مِسْكِينٌ وَفَقِيرٌ. اِحْفَظْ نَفْسِي لِأَنِّي تَقِيٌّ. أَنْتَ إِلَهِي، أَنْقِذْ عَبْدَكَ الْمُتَّكِلَ عَلَيْكَ. اِرْحَمْنِي يَا رَبُّ، لِأَنِّي أَدْعُوكَ طُولَ النَّهَارِ. فَرِّحْ عَبْدَكَ، لِأَنِّي إِلَيْكَ يَا رَبُّ أَرْفَعُ قَلْبِي. أَنْتَ يَا رَبُّ غَفُورٌ وَطَيِّبٌ وَمُحِبٌّ جِدًّا لِكُلِّ الَّذِينَ يَدْعُونَكَ. أَصْغِ إِلَى صَلَاتِي يَا رَبُّ، اِسْمَعْ صُرَاخِي. فِي يَوْمِ ضِيقِي أَدْعُوكَ، لِأَنَّكَ تَسْتَجِيبُ لِي. لَا يُوجَدُ مِثْلُكَ بَيْنَ الْآلِهَةِ يَا رَبُّ، وَلَا يُوجَدُ مِثْلُ أَعْمَالِكَ. كُلُّ الْأُمَمِ الَّتِي صَنَعْتَهَا تَأْتِي وَتَسْجُدُ قُدَّامَكَ يَا رَبُّ وَتُمَجِّدُ اسْمَكَ. لِأَنَّكَ عَظِيمٌ وَتَصْنَعُ أَعْمَالًا عَجِيبَةً، أَنْتَ اللهُ وَحْدَكَ. عَلِّمْنِي طَرِيقَكَ يَا رَبُّ، فَأَسْلُكَ حَسَبَ حَقِّكَ. اِجْعَلْ لِقَلْبِي هَدَفًا وَاحِدًا هُوَ أَنْ أَخَافَ اسْمَكَ. أَحْمَدُكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِي، وَأُمَجِّدُ اسْمَكَ إِلَى الْأَبَدِ، يَا رَبُّ يَا إِلَهِي. لِأَنَّ رَحْمَتَكَ لِي عَظِيمَةٌ، أَنْتَ أَنْقَذْتَ نَفْسِي مِنَ الْهَاوِيَةِ. اللَّهُمَّ الْمُتَكَبِّرُونَ قَامُوا عَلَيَّ، جَمَاعَةٌ لَا تَرْحَمُ تَسْعَى لِقَتْلِي، جَمَاعَةٌ لَا تَخَافُكَ. أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَأَنْتَ اللهُ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ، أَنْتَ حَلِيمٌ وَمُحِبٌّ وَوَفِيٌّ جِدًّا. اِلْتَفِتْ لِي وَارْحَمْنِي، أَعْطِ عَبْدَكَ قُوَّتَكَ، وَأَنْقِذِ ابْنَ خَادِمَتِكَ. اِصْنَعْ آيَةً تُبَيِّنُ لُطْفَكَ نَحْوِي، فَيَرَى أَعْدَائِي وَيَخْجَلُوا لِأَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبُّ أَعَنْتَنِي وَعَزَّيْتَنِي. نشيد. مزمور لبني قورح اللهُ أَسَّسَ الْقُدْسَ فِي الْجَبَلِ الْمُقَدَّسِ. وَهُوَ يُحِبُّ أَبْوَابَ هَذِهِ الْمَدِينَةِ أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ مَكَانٍ آخَرَ فِي بِلَادِ بَنِي يَعْقُوبَ. يَا مَدِينَةَ اللهِ، مَا أَعْجَبَ مَا يَقُولُونَهُ عَنْكِ! مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي تَعْرِفُنِي أَذْكُرُ مِصْرَ وَبَابِلَ وَفِلِسْطَةَ وَصُورَ وَالْحَبَشَةَ، حَيْثُ يَقُولُونَ: ”هَذَا الشَّخْصُ وُلِدَ فِي الْقُدْسِ.“ نَعَمْ، يَقُولُونَ عَنِ الْقُدْسِ: ”هَذَا الشَّخْصُ، أَوْ ذَلِكَ الشَّخْصُ وُلِدَ فِيهَا. وَالْعَلِيُّ يُثَبِّتُهَا.“ وَفِي سِجِلِّ الشُّعُوبِ، يَكْتُبُ اللهُ: ”هَذَا الشَّخْصُ وُلِدَ فِي الْقُدْسِ.“ وَالْمُغَنُّونَ وَالْعَازِفُونَ يَقُولُونَ: ”فِيكِ يَنْبُوعُ كُلِّ الْخَيْرِ لِي.“ نشيد. مزمور لبني قورح. لقائد المغنين. تعليم لهيمان البلدي. عن المرض والألم يَا رَبِّي وَإِلَهِي وَمُنْقِذِي، قُدَّامَكَ أَصْرُخُ نَهَارًا وَلَيْلًا. لَيْتَ دُعَائِي يَصِلُ إِلَيْكَ، قَرِّبْ أُذُنَكَ إِلَى صُرَاخِي، لِأَنَّ نَفْسِي شَبِعَتْ مِنَ الْمَصَائِبِ، وَحَيَاتِيَ اقْتَرَبَتْ مِنَ الْقَبْرِ. أَنَا مَحْسُوبٌ مَعَ النَّازِلِينَ إِلَى الْحُفْرَةِ. صِرْتُ كَرَجُلٍ بِلَا قُوَّةٍ. بَيْنَ الْأَمْوَاتِ فِرَاشِي، مِثْلَ الْقَتْلَى الرَّاقِدِينَ فِي الْقَبْرِ، الَّذِينَ لَا تَذْكُرُهُمْ وَلَا تَعْتَنِي بِهِمْ. وَضَعْتَنِي فِي قَعْرِ الْحُفْرَةِ، فِي ظَلَامِ الْأَعْمَاقِ. اِسْتَقَرَّ غَضَبُكَ عَلَيَّ، وَغَمَرْتَنِي بِكُلِّ أَمْوَاجِكَ. أَبْعَدْتَ عَنِّي أَصْحَابِي، وَجَعَلْتَهُمْ يَكْرَهُونِي. أَنَا مَحْبُوسٌ وَلَا أَقْدِرُ أَنْ أَخْرُجَ. اِنْطَفَأَتْ عَيْنَايَ مِنَ الْحُزْنِ. أَدْعُوكَ يَا رَبُّ كُلَّ يَوْمٍ، أَبْسُطُ يَدَيَّ وَأَبْتَهِلُ إِلَيْكَ. هَلْ تَصْنَعُ عَجَائِبَ مَعَ الْمَوْتَى؟ أَمْ تَقُومُ أَرْوَاحُهُمْ لِتُسَبِّحَكَ؟ هَلْ يَتَحَدَّثُونَ فِي الْقَبْرِ عَنْ رَحْمَتِكَ؟ أَوْ فِي الْهَاوِيَةِ عَنْ أَمَانَتِكَ؟ هَلْ يَعْرِفُونَ عَجَائِبَكَ فِي الظَّلَامِ؟ أَوْ يَذْكُرُونَ أَعْمَالَكَ الصَّالِحَةَ فِي أَرْضِ النِّسْيَانِ؟ أَمَّا أَنَا فَإِلَيْكَ أَصْرُخُ يَا رَبُّ، فِي الصَّبَاحِ تَأْتِي صَلَاتِي إِلَيْكَ. يَا رَبُّ لِمَاذَا تَرْفُضُنِي وَتَحْجُبُ وَجْهَكَ عَنِّي؟ أَنَا مِسْكِينٌ مُنْذُ صِبَايَ، وَقَرِيبٌ مِنَ الْمَوْتِ. اِحْتَمَلْتُ أَهْوَالَكَ وَتَحَيَّرْتُ. غَضَبُكَ غَمَرَنِي، أَهْوَالُكَ حَطَّمَتْنِي. حَاصَرَتْنِي طُولَ الْيَوْمِ كَالسَّيْلِ. أَحَاطَتْ بِي تَمَامًا. أَخَذْتَ مِنِّي أَصْحَابِي وَأَحِبَّائِي، فَصَارَ الظَّلَامُ رَفِيقِي. تعليم. لإيثان البلدي بِرَحْمَةِ اللهِ أُغَنِّي إِلَى الْأَبَدِ. إِلَى كُلِّ الْأَجْيَالِ أُعْلِنُ بِفَمِي عَنْ أَمَانَتِكَ. وَأَقُولُ: ”رَحْمَتُكَ تَثْبُتُ إِلَى الْأَبَدِ، وَأَمَانَتُكَ قَائِمَةٌ فِي السَّمَاءِ.“ قُلْتَ: ”أَقَمْتُ عَهْدًا مَعَ الرَّجُلِ الَّذِي اخْتَرْتُهُ، حَلَفْتُ لِدَاوُدَ عَبْدِي وَقُلْتُ لَهُ: ’أُقِيمُ نَسْلَكَ إِلَى الْأَبَدِ، وَأُثَبِّتُ عَرْشَكَ إِلَى كُلِّ الْأَجْيَالِ.‘“ السَّمَاءُ تُسَبِّحُ بِعَجَائِبِكَ يَا رَبُّ، وَجَمَاعَةُ الْأَتْقِيَاءِ بِأَمَانَتِكَ. لِأَنَّهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ يُعَادِلُ اللهَ؟ مَنْ يُشْبِهُ اللهَ بَيْنَ كُلِّ الْكَائِنَاتِ السَّمَائِيَّةِ؟ هُوَ إِلَهٌ مَهُوبٌ جِدًّا فِي مَحْفَلِ الْأَتْقِيَاءِ، وَمَخُوفٌ جِدًّا عِنْدَ كُلِّ الَّذِينَ حَوْلَهُ. مَنْ مِثْلُكَ يَا رَبَّنَا الْإِلَهَ الْقَدِيرَ؟ أَنْتَ قَدِيرٌ يَا رَبُّ، وَأَمَانَتُكَ مِنْ حَوْلِكَ. أَنْتَ مُتَسَلِّطٌ عَلَى الْبَحْرِ الْهَائِجِ، وَعِنْدَمَا تَرْتَفِعُ أَمْوَاجُهُ، أَنْتَ تُهَدِّئُهَا. أَنْتَ سَحَقْتَ رَهَبَ، وَحْشَ الْبَحْرِ، وَقَتَلْتَهُ. وَبِقُوَّةِ ذِرَاعِكَ فَرَّقْتَ أَعْدَاءَكَ. لَكَ السَّمَاوَاتُ، وَلَكَ أَيْضًا الْأَرْضُ. أَنْتَ أَسَّسْتَ الْعَالَمَ وَكُلَّ مَا فِيهِ. أَنْتَ خَلَقْتَ الشَّمَالَ وَالْجَنُوبَ. جَبَلُ تَابُورَ وَجَبَلُ حَرْمُونَ يَهْتِفَانِ بِفَرَحٍ لِاسْمِكَ. ذِرَاعُكَ قَدِيرَةٌ، يَدُكَ قَوِيَّةٌ، يَمِينُكَ مُرْتَفِعَةٌ. الصَّلَاحُ وَالْعَدْلُ قَاعِدَةُ عَرْشِكَ، الرَّحْمَةُ وَالْأَمَانَةُ تَسِيرَانِ قُدَّامَكَ. هَنِيئًا لِلشَّعْبِ الَّذِي يَعْرِفُ أَنْ يَهْتِفَ لَكَ. يَسِيرُونَ فِي نُورِ مَحْضَرِكَ يَا رَبُّ. يَفْرَحُونَ بِاسْمِكَ طُولَ الْيَوْمِ، وَيَفْتَخِرُونَ بِصَلَاحِكَ. لِأَنَّكَ أَنْتَ فَخْرُهُمْ وَقُوَّتُهُمْ، وَبِرِضَاكَ تَنْصُرُنَا. اللهُ هُوَ حَامِينَا. الْقُدُّوسُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ هُوَ مَلِكُنَا. كَلَّمْتَ شَعْبَكَ الَّذِي يَتَّقِيكَ فِي رُؤْيَا وَقُلْتَ لَهُ: ”أَنَا نَصَرْتُ مُحَارِبًا، رَفَعْتُ وَاحِدًا اخْتَرْتُهُ مِنْ بَيْنِ الشَّعْبِ. وَجَدْتُ دَاوُدَ عَبْدِي، مَسَحْتُهُ بِزَيْتِيَ الْمُقَدَّسِ. يَدِي تَعْضُدُهُ، وَذِرَاعِي تُشَدِّدُهُ. فَلَا يَغْلِبُهُ عَدُوٌّ، وَلَا يَضُرُّهُ شِرِّيرٌ. أُحَطِّمُ أَعْدَاءَهُ أَمَامَهُ، وَأَضْرِبُ الَّذِينَ يُبْغِضُونَهُ. أَمَانَتِي وَرَحْمَتِي مَعَهُ، وَبِاسْمِي يَنْتَصِرُ. أَبْسُطُ يَدَهُ عَلَى الْبَحْرِ، وَيَمِينَهُ عَلَى الْأَنْهَارِ. يَقُولُ لِي: ’أَنْتَ أَبِي وَإِلَهِي وَمَلْجَأُ نَجَاتِي.‘ أَنَا أَيْضًا أَجْعَلُهُ الْأَوَّلَ فَوْقَ الْكُلِّ. أَعْلَى مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا. أَحْفَظُ رَحْمَتِي لَهُ إِلَى الْأَبَدِ، وَعَهْدِي مَعَهُ لَا يَزُولُ. أُثَبِّتُ نَسْلَهُ إِلَى الْأَبَدِ، وَعَرْشَهُ مَا دَامَتِ السَّمَاءُ. ”إِنْ تَرَكَ بَنُوهُ شَرِيعَتِي، وَلَمْ يَسْلُكُوا حَسَبَ أَحْكَامِي، إِنْ نَقَضُوا فَرَائِضِي، وَلَمْ يَعْمَلُوا بِوَصَايَايَ، أُعَاقِبُ ذَنْبَهُمْ بِالْعَصَا، وَشَرَّهُمْ بِالضَّرْبِ. لَكِنِّي لَا أَنْزِعُ عَنْهُ رَحْمَتِي، وَلَا أَتَرَاجَعُ عَنْ أَمَانَتِي. لَا أَنْقُضُ عَهْدِي، وَلَا أُغَيِّرُ كَلَامِي. حَلَفْتُ أَنَا الْقُدُّوسُ، وَلَنْ أَكْذِبَ عَلَى دَاوُدَ أَبَدًا. أَنْ يَبْقَى نَسْلُهُ إِلَى الْأَبَدِ، وَيَدُومَ عَرْشُهُ قُدَّامِي كَالشَّمْسِ. يَثْبُتُ إِلَى الْأَبَدِ كَالْقَمَرِ، ذَلِكَ الشَّاهِدُ الْأَمِينُ فِي السَّمَاءِ.“ لَكِنَّكَ رَفَضْتَ الْمَلِكَ الَّذِي اخْتَرْتَهُ وَتَخَلَّيْتَ عَنْهُ وَغَضِبْتَ عَلَيْهِ. نَقَضْتَ الْعَهْدَ مَعَ عَبْدِكَ، وَمَرَّغْتَ تَاجَهُ فِي التُّرَابِ. هَدَمْتَ كُلَّ أَسْوَارِهِ، وَجَعَلْتَ حُصُونَهُ خَرَابًا. نَهَبَهُ كُلُّ عَابِرِي الطَّرِيقِ، فَأَصْبَحَ هُزْأَةً عِنْدَ جِيرَانِهِ. رَفَعْتَ يَمِينَ خُصُومِهِ، وَفَرَّحْتَ كُلَّ أَعْدَائِهِ. أَتْلَفْتَ حَدَّ سَيْفِهِ، وَلَمْ تَنْصُرْهُ فِي الْقِتَالِ. أَبْطَلْتَ بَهَاءَهُ، وَطَرَحْتَ عَرْشَهُ إِلَى الْأَرْضِ. قَصَّرْتَ أَيَّامَ شَبَابِهِ، وَغَطَّيْتَهُ بِالْعَارِ. إِلَى مَتَى يَا رَبُّ؟ هَلْ تَحْتَجِبُ إِلَى الْأَبَدِ؟ إِلَى مَتَى يَشْتَعِلُ غَضَبُكَ كَنَارٍ؟ اُذْكُرْ كَيْفَ أَنَا زَائِلٌ، فَأَنْتَ خَلَقْتَ كُلَّ بَنِي آدَمَ لِلزَّوَالِ. أَيُّ إِنْسَانٍ يَحْيَا وَلَا يَرَى الْمَوْتَ؟ وَمَنْ يُنَجِّي نَفْسَهُ مِنَ الْقَبْرِ؟ يَا رَبُّ أَيْنَ عَظِيمُ رَحْمَتِكَ الْأُولَى الَّتِي وَعَدْتَ بِهَا دَاوُدَ بِأَمَانَتِكَ؟ يَا رَبُّ اذْكُرْ كَيْفَ شَتَمُونِي أَنَا عَبْدُكَ، وَأَنِّي حَمَلْتُ فِي صَدْرِي شَتَائِمَ مِنْ كُلِّ الشُّعُوبِ. أَعْدَاؤُكَ شَتَمُونِي يَا رَبُّ، شَتَمُوا الْمَلِكَ الَّذِي اخْتَرْتَهُ فِي كُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا. تَبَارَكَ اللهُ إِلَى الْأَبَدِ. آمِينَ وَآمِينَ. دعاء للنبي موسى أَنْتَ يَا رَبُّ مَلْجَأُنَا فِي كُلِّ الْأَجْيَالِ. قَبْلَ مَا أَنْشَأْتَ الْجِبَالَ، أَوْ كَوَّنْتَ الْأَرْضَ وَالْعَالَمَ، مِنَ الْأَزَلِ إِلَى الْأَبَدِ أَنْتَ اللهُ. تُرْجِعُ الْإِنْسَانَ إِلَى التُّرَابِ وَتَقُولُ: ”اِرْجِعُوا يَا بَنِي آدَمَ إِلَى التُّرَابِ.“ 1000 سَنَةٍ فِي عَيْنَيْكَ كَيَوْمِ أَمْسِ الَّذِي عَبَرَ، أَوْ كَجُزْءٍ مِنَ اللَّيْلِ. تَجْرُفُ النَّاسَ فَيَزُولُونَ كَالْحُلْمِ عِنْدَ الصَّبَاحِ، وَكَعُشْبٍ فِي الصُّبْحِ يَنْبُتُ وَيَنْمُو، وَعِنْدَ الْمَسَاءِ يَجِفُّ وَيَذْبُلُ. غَضَبُكَ أَفْنَانَا، وَسَخَطُكَ أَرْعَبَنَا. جَعَلْتَ آثَامَنَا قُدَّامَكَ، وَذُنُوبَنَا الْخَفِيَّةَ ظَاهِرَةً عِنْدَكَ. فَتَنْقَضِي أَيَّامُنَا فِي غَيْظِكَ الشَّدِيدِ، وَتَنْتَهِي سِنِينَا بِآهَةٍ. قَدْ نَعِيشُ 70 سَنَةً، أَوْ 80 إِنْ كُنَّا أَشِدَّاءَ، وَمُعْظَمُهَا تَعَبٌ وَحُزْنٌ، وَتَمُرُّ سَرِيعًا مُرُورَ الطَّيْرِ. مَنْ يَعْرِفُ شِدَّةَ غَضَبِكَ؟ مَنْ يَعْرِفُ الرُّعْبَ الَّذِي يُسَبِّبُهُ غَيْظُكَ؟ عَلِّمْنَا أَنْ نَحْسِبَ أَيَّامَنَا، فَتَدْخُلَ الْحِكْمَةُ إِلَى قُلُوبِنَا. اِرْجِعْ يَا رَبُّ! إِلَى مَتَى؟ أَشْفِقْ عَلَى عَبِيدِكَ. أَشْبِعْنَا فِي الصُّبْحِ مِنْ رَحْمَتِكَ، فَنَهْتِفَ بِفَرَحٍ وَنَبْتَهِجَ كُلَّ أَيَّامِنَا. أَبْهِجْنَا بِمِقْدَارِ الْأَيَّامِ الَّتِي فِيهَا أَذْلَلْتَنَا، وَبِمِقْدَارِ السِّنِينَ الَّتِي رَأَيْنَا فِيهَا الشَّقَاءَ. أَظْهِرْ صَنِيعَكَ لِعَبِيدِكَ، وَجَلَالَكَ لِبَنِيهِمْ. أَنْعِمْ عَلَيْنَا أَيُّهَا الْمَوْلَى إِلَهُنَا، وَاحْفَظْ لَنَا عَمَلَ أَيْدِينَا، نَعَمْ، عَمَلَ أَيْدِينَا احْفَظْهُ. الَّذِي يَسْكُنُ فِي سِتْرِ الْعَلِيِّ، يَرْتَاحُ فِي ظِلِّ الْقَدِيرِ. أَقُولُ لِرَبِّي: ”أَنْتَ مَلْجَأِي وَحِصْنِي وَإِلَهِيَ الَّذِي أَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ.“ رَبُّنَا يُنَجِّيكَ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِ، وَمِنَ الْوَبَأِ الْمُهْلِكِ. بِرِيشِهِ يُظَلِّلُكَ، وَتَحْتَ أَجْنِحَتِهِ تَحْتَمِي. أَمَانَتُهُ هِيَ تُرْسُكَ وَدِرْعُكَ. فَلَا تَخَافُ مِنْ هَوْلِ اللَّيْلِ، وَلَا مِنْ سَهْمٍ يَطِيرُ فِي النَّهَارِ، وَلَا مِنْ وَبَأٍ يَأْتِي فِي الظَّلَامِ، وَلَا مِنْ بَلِيَّةٍ تُهْلِكُ فِي الظَّهِيرَةِ. يَسْقُطُ عَنْ جَانِبِكَ 1000، وَعَنْ يَمِينِكَ 10000، وَأَنْتَ لَا يَمَسُّكَ سُوءٌ. تَنْظُرُ فَقَطْ بِعَيْنَيْكَ، وَتَرَى عِقَابَ الْأَشْرَارِ. إِنْ جَعَلْتَ اللهَ مَلْجَأَكَ، إِنْ جَعَلْتَ الْعَلِيَّ حِمَاكَ، لَا يُصِيبُكَ شَرٌّ، وَلَا تَقْتَرِبُ مُصِيبَةٌ مِنْ مَسْكَنِكَ. لِأَنَّهُ يُوصِي مَلَائِكَتَهُ بِكَ لِيَحْرُسُوكَ فِي كُلِّ خَطْوَةٍ تَخْطُوهَا. عَلَى أَيْدِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ، فَلَا تَصْدِمُ رِجْلَكَ بِحَجَرٍ. تَدُوسُ عَلَى الْأَسَدِ وَالْأَفْعَى، تَطَأُ عَلَى الشِّبْلِ وَالثُّعْبَانِ. وَيَقُولُ اللهُ: ”أُنَجِّيكَ لِأَنَّكَ تُحِبُّنِي، أَحْمِيكَ لِأَنَّكَ تَعْرِفُنِي. تَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَكَ. فِي الضِّيقِ أَنَا مَعَكَ. أُنْقِذُكَ وَأُكْرِمُكَ. أُشْبِعُكَ بِعُمْرٍ طَوِيلٍ، وَأُرِيكَ نَجَاتِي.“ نشيد. مزمور. ليوم السبت مَا أَحْلَى أَنْ نَحْمَدَ اللهَ، وَأَنْ نُرَتِّلَ لِاسْمِكَ أَيُّهَا الْعَلِيُّ. أُخْبِرُ فِي الصُّبْحِ بِرَحْمَتِكَ، وَفِي اللَّيْلِ بِأَمَانَتِكَ. عَلَى أَنْغَامِ عُودٍ بِـ10 أَوْتَارٍ، وَرَبَابٍ جَمِيلِ الْأَلْحَانِ. لِأَنَّكَ يَا رَبُّ فَرَّحْتَنِي بِصَنِيعِكَ، أَهْتِفُ بِفَرَحٍ بِأَعْمَالِ يَدَيْكَ. مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ! وَمَا أَعْمَقَ أَفْكَارَكَ! الْغَبِيُّ لَا يَعْرِفُهَا وَالْجَاهِلُ لَا يَفْهَمُهَا. إِنْ زَهَا الْأَشْرَارُ كَالْعُشْبِ، وَنَجَحَ كُلُّ فَاعِلِي الشَّرِّ، فَإِنَّهُمْ يَهْلِكُونَ إِلَى الْأَبَدِ. أَنْتَ يَا رَبُّ عَلِيٌّ إِلَى الْأَبَدِ. أَعْدَاؤُكَ يَا رَبُّ، أَعْدَاؤُكَ يَهْلِكُونَ. يَتَبَدَّدُ كُلُّ فَاعِلِي الشَّرِّ. جَعَلْتَنِي قَوِيَّا كَالثَّوْرِ الْوَحْشِيِّ، وَدَهَنْتَنِي بِزَيْتٍ مُنْعِشٍ. رَأَيْتُ بِعَيْنَيَّ هَزِيمَةَ مُبْغِضِيَّ، وَسَمِعْتُ بِأُذُنَيَّ هَزِيمَةَ خُصُومِيَ الْأَشْرَارِ. الصَّالِحُ يَزْهُو كَالنَّخْلَةِ، وَكَأَرْزِ لُبْنَانَ يَنْمُو. الْمَغْرُوسُونَ فِي بَيْتِ اللهِ يُزْهِرُونَ فِي دِيَارِ رَبِّنَا. يُثْمِرُونَ حَتَّى فِي الشَّيْبِ، وَيَظَلُّونَ فِي صِحَّةٍ جَيِّدَةٍ وَحَيَوِيَّةٍ. يُخْبِرُونَ بِأَنَّ اللهَ صَالِحٌ، هُوَ صَخْرَتِي، وَلَا شَرَّ فِيهِ. مَلَكَ اللهُ وَلَبِسَ الْجَلَالَ. لَبِسَ اللهُ الْقُدْرَةَ وَتَسَلَّحَ بِهَا. ثَبَتَ الْكَوْنُ، فَلَا يَتَزَعْزَعُ. عَرْشُكَ ثَابِتٌ مِنَ الْبَدْءِ، مِنَ الْأَزَلِ أَنْتَ اللهُ. رَفَعَتِ الْبِحَارُ يَا رَبُّ، رَفَعَتِ الْبِحَارُ صَوْتَهَا، رَفَعَتِ الْبِحَارُ أَمْوَاجَهَا الْعَاتِيَةَ. اللهُ الْعَلِيُّ أَقْوَى مِنْ صَوْتِ الْمِيَاهِ الْغَزِيرَةِ، أَقْوَى مِنْ أَمْوَاجِ الْبَحْرِ الْهَائِجَةِ. فَرَائِضُكَ ثَابِتَةٌ، وَبَيْتُكَ مُقَدَّسٌ إِلَى الْأَبَدِ يَا رَبُّ. أَيُّهَا الْمَوْلَى الْإِلَهُ الْمُنْتَقِمُ، أَيُّهَا الْإِلَهُ الْمُنْتَقِمُ أَشْرِقْ. قُمْ يَا دَيَّانَ الْأَرْضِ، عَاقِبِ الْمُتَكَبِّرِينَ عَلَى أَعْمَالِهِمْ. إِلَى مَتَى يَمْرَحُ الْأَشْرَارُ يَا رَبُّ؟ إِلَى مَتَى؟ كُلُّ فَاعِلِي الشَّرِّ يَتَكَلَّمُونَ دَائِمًا بِوَقَاحَةٍ وَيَفْتَخِرُونَ. يَسْحَقُونَ شَعْبَكَ يَا رَبُّ، يَضْطَهِدُونَ نَصِيبَكَ. يَقْتُلُونَ الْأَرْمَلَةَ وَالْغَرِيبَ، وَيُحَطِّمُونَ الْيَتِيمَ. يَقُولُونَ: ”اللهُ لَا يَرَى. رَبُّ يَعْقُوبَ لَا يُبَالِي.“ اِفْهَمُوا أَيُّهَا الْأَغْبِيَاءُ بَيْنَ الشَّعْبِ! وَيَا جُهَّالُ مَتَى تَعْقِلُونَ؟ صَانِعُ الْأُذُنِ أَلَا يَسْمَعُ؟ وَخَالِقُ الْعَيْنِ أَلَا يَرَى؟ مُؤَدِّبُ الْأُمَمِ أَلَا يُعَاقِبُ؟ وَمُعَلِّمُ الْبَشَرِ أَلَا يَعْلَمُ؟ اللهُ يَعْرِفُ أَفْكَارَ النَّاسِ، وَيَعْلَمُ أَنَّهَا تَافِهَةٌ. هَنِيئًا لِمَنْ تُؤَدِّبُهُ يَا رَبُّ، وَتُعَلِّمُهُ مِنْ شَرِيعَتِكَ. لِتُرِيحَهُ مِنْ أَيَّامِ السُّوءِ، إِلَى أَنْ تُحْفَرَ لِلشِّرِّيرِ حُفْرَةٌ. لِأَنَّ اللهَ لَا يَرْفُضُ شَعْبَهُ، وَلَا يَتْرُكُ نَصِيبَهُ. يَرْجِعُ الْعَدْلُ وَيَكُونُ أَسَاسًا لِلْقَضَاءِ، وَيَتْبَعُهُ كُلُّ مَنْ قُلُوبُهُمْ نَقِيَّةٌ. مَنْ يَقُومُ مَعِي عَلَى الْأَشْرَارِ؟ مَنْ يَقِفُ مَعِي ضِدَّ فَاعِلِي الْإِثْمِ؟ لَوْ لَمْ يَكُنِ اللهُ نَصِيرِي، لَسَكَنْتُ فِي صَمْتِ الْقَبْرِ. قُلْتُ: ”زَلَّتْ قَدَمِي.“ لَكِنَّ رَحْمَتَكَ يَا رَبُّ تَسْنُدُنِي. إِنْ مَلَأَتِ الْهُمُومُ قَلْبِي، تَعْزِيَاتُكَ تُنْعِشُ نَفْسِي. هَلْ يَتَحَالَفُ مَعَكَ الْحَاكِمُ الْفَاسِدُ، الَّذِي يَجْلِبُ الشَّقَاءَ بِقَوَانِينِهِ؟ يَجْتَمِعُونَ مَعًا ضِدَّ الصَّالِحِ، وَيَحْكُمُونَ بِالْمَوْتِ عَلَى الْبَرِيءِ. لَكِنَّ اللهَ هُوَ حِصْنِي، وَإِلَهِي هُوَ الصَّخْرَةُ الَّتِي أَلْجَأُ إِلَيْهَا. يُجَازِيهِمْ عَلَى ذُنُوبِهِمْ، وَيُهْلِكُهُمْ بِسَبَبِ شَرِّهِمْ. الْمَوْلَى إِلَهُنَا يُهْلِكُهُمْ. تَعَالَوْا نُغَنِّي بِفَرَحٍ للهِ، نَهْتِفُ لِمَلْجَأِنَا وَمُنْقِذِنَا. نَأْتِي قُدَّامَهُ بِحَمْدٍ، وَنُسَبِّحُهُ بِالتَّرْتِيلِ. لِأَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الْإِلَهُ الْعَظِيمُ، الْمَلِكُ الْكَبِيرُ فَوْقَ كُلِّ الْآلِهَةِ. فِي يَدِهِ أَعْمَاقُ الْأَرْضِ، وَقِمَمُ الْجِبَالِ لَهُ. لَهُ الْبَحْرُ لِأَنَّهُ صَنَعَهُ، وَلَهُ الْأَرْضُ لِأَنَّ يَدَهُ عَمِلَتْهَا. تَعَالَوْا نَسْجُدُ وَنَرْكَعُ لَهُ، نَعْبُدُ اللهَ خَالِقَنَا. لِأَنَّهُ هُوَ إِلَهُنَا، وَنَحْنُ شَعْبُهُ الَّذِي يَرْعَاهُ، غَنَمُهُ الَّتِي يَعْتَنِي بِهَا. اِسْمَعُوا صَوْتَهُ الْيَوْمَ، وَلَا تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ كَمَا فَعَلْتُمْ عِنْدَ مَرِيبَةَ، كَمَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ عِنْدَ مَسَّةَ فِي الصَّحْرَاءِ، لَمَّا اخْتَبَرَنِي آبَاؤُكُمْ وَامْتَحَنُونِي، مَعَ أَنَّهُمْ رَأَوْا أَعْمَالِي. فَغَضِبْتُ عَلَى ذَلِكَ الْجِيلِ 40 سَنَةً. وَقُلْتُ: ”إِنَّ قَلْبَ هَذَا الشَّعْبِ ضَالٌّ، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ طُرُقِي.“ لِذَلِكَ أَقْسَمْتُ فِي غَضَبِي، أَنَّهُمْ لَنْ يَدْخُلُوا إِلَى رَاحَتِي. غَنُّوا للهِ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً، غَنِّي للهِ يَا كُلَّ الْأَرْضِ. غَنُّوا للهِ، سَبِّحُوا اسْمَهُ، بَشِّرُوا بِنَصْرِهِ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ. أَخْبِرُوا بَيْنَ الْأُمَمِ عَنْ جَلَالِهِ، وَبَيْنَ كُلِّ الشُّعُوبِ عَنْ أَعْمَالِهِ الْعَجِيبَةِ. لِأَنَّ اللهَ عَظِيمٌ وَيَسْتَحِقُّ أَنْ نُسَبِّحَهُ، مَهُوبٌ هُوَ فَوْقَ كُلِّ الْآلِهَةِ. لِأَنَّ كُلَّ آلِهَةِ الْأُمَمِ هِيَ أَصْنَامٌ، أَمَّا اللهُ فَهُوَ الَّذِي صَنَعَ السَّمَاوَاتِ. الْبَهَاءُ وَالْجَلَالُ فِي مَحْضَرِهِ، الْقُوَّةُ وَالْجَمَالُ فِي مَقْدِسِهِ. قَدِّمُوا للهِ يَا كُلَّ شُعُوبِ الْأَرْضِ، قَدِّمُوا للهِ الْجَلَالَ وَالْقُوَّةَ. قَدِّمُوا للهِ الْجَلَالَ الَّذِي يَلِيقُ بِاسْمِهِ. هَاتُوا قُرْبَانًا وَتَعَالَوْا إِلَى دِيَارِهِ. اُعْبُدُوا اللهَ فَهُوَ الْقُدُّوسُ الْبَهِيُّ. اِرْتَعِشِي فِي مَحْضَرِهِ يَا كُلَّ الْأَرْضِ! قُولُوا بَيْنَ الْأُمَمِ: ”مَلَكَ اللهُ، ثَبَتَ الْكَوْنُ فَلَا يَتَزَعْزَعُ، يُحَاكِمُ الشُّعُوبَ بِالْحَقِّ.“ لِتَفْرَحِ السَّمَاوَاتُ، وَتَبْتَهِجِ الْأَرْضُ، وَيَهْتِفِ الْبَحْرُ وَكُلُّ مَا بِدَاخِلِهِ، وَيَتَهَلَّلِ الْحَقْلُ وَكُلُّ مَا فِيهِ، وَيُرَنِّمْ كُلُّ شَجَرِ الْغَابَةِ أَمَامَ رَبِّنَا لِأَنَّهُ يَأْتِي. يَأْتِي لِيُحَاكِمَ الْأَرْضَ، يُحَاكِمَ الْعَالَمَ بِالْعَدْلِ وَالشُّعُوبَ حَسَبَ أَمَانَتِهِ. مَلَكَ اللهُ. لِتَبْتَهِجِ الْأَرْضُ، وَتَفْرَحِ السَّوَاحِلُ وَالْجُزُرُ كُلُّهَا. السَّحَابُ وَالضَّبَابُ حَوْلَهُ، الصَّلَاحُ وَالْعَدْلُ قَاعِدَةُ عَرْشِهِ. تَنْطَلِقُ النَّارُ قُدَّامَهُ، وَتَحْرِقُ أَعْدَاءَهُ حَوْلَهُ. تُنِيرُ بُرُوقُهُ الْكَوْنَ، تَرَى الْأَرْضُ وَتَرْتَعِشُ. تَذُوبُ الْجِبَالُ قُدَّامَ اللهِ كَالشَّمْعِ، قُدَّامَ رَبِّ الْأَرْضِ كُلِّهَا. السَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِصَلَاحِهِ، وَتَرَى كُلُّ الشُّعُوبِ جَلَالَهُ. يَخْجَلُ كُلُّ مَنْ يَعْبُدُونَ التَّمَاثِيلَ، الَّذِينَ يَفْتَخِرُونَ بِالْأَصْنَامِ. اُسْجُدُوا لَهُ يَا كُلَّ الْآلِهَةِ. تَسْمَعُ الْقُدْسُ وَتَفْرَحُ، تَبْتَهِجُ مُدُنُ يَهُوذَا بِسَبَبِ أَحْكَامِكَ يَا رَبُّ. لِأَنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيُّ عَلَى كُلِّ الْأَرْضِ يَا رَبُّ. أَنْتَ الْعَلِيُّ فَوْقَ كُلِّ الْآلِهَةِ. يَا مَنْ تُحِبُّونَ اللهَ، اِكْرَهُوا الشَّرَّ. اللهُ يَحْفَظُ حَيَاةَ عَبِيدِهِ الْأَوْفِيَاءِ، وَمِنْ يَدِ الْأَشْرَارِ يُنْقِذُهُمْ. النُّورُ يُشْرِقُ عَلَى الصَّالِحِ، وَالْفَرَحُ لِمَنْ قُلُوبُهُمْ نَقِيَّةٌ. اِفْرَحُوا بِاللهِ أَيُّهَا الصَّالِحُونَ، وَسَبِّحُوا اسْمَهُ الْقُدُّوسَ. مزمور غَنُّوا للهِ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً، لِأَنَّهُ صَنَعَ عَجَائِبَ. أَحْرَزَ النَّصْرَ بِيَمِينِهِ، بِذِرَاعِهِ الْمُقَدَّسَةِ. أَعْلَنَ اللهُ نَصْرَهُ، وَكَشَفَ أَمَامَ عُيُونِ الْأُمَمِ عَنْ صَلَاحِهِ. ذَكَرَ رَحْمَتَهُ وَأَمَانَتَهُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، رَأَتْ جَمِيعُ أَنْحَاءِ الْأَرْضِ نَصْرَ إِلَهِنَا. اِهْتِفِي للهِ يَا كُلَّ الْأَرْضِ، هَلِّلُوا وَرَنِّمُوا وَاعْزِفُوا. اِعْزِفُوا للهِ عَلَى الْعُودِ، عَلَى الْعُودِ وَبِصَوْتِ نَشِيدٍ، بِالْأَبْوَاقِ وَصَوْتِ النَّفِيرِ، اِهْتِفُوا أَمَامَ رَبِّنَا الْمَلِكِ. لِيَهْتِفِ الْبَحْرُ وَكُلُّ مَا بِدَاخِلِهِ، الدُّنْيَا وَكُلُّ سُكَّانِهَا. وَتُصَفِّقِ الْأَنْهَارُ بِالْأَيَادِي، وَتُنْشِدِ الْجِبَالُ مَعًا، أَمَامَ اللهِ، لِأَنَّهُ يَأْتِي لِيُحَاكِمَ الْأَرْضَ، يُحَاكِمَ الْعَالَمَ بِالْعَدْلِ وَالشُّعُوبَ بِالْحَقِّ. مَلَكَ اللهُ فَتَرْتَعِدُ الْأُمَمُ. جَلَسَ عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، فَتَرْتَجِفُ الْأَرْضُ. اللهُ عَظِيمٌ فِي الْقُدْسِ، هُوَ عَلِيٌّ فَوْقَ كُلِّ الْأُمَمِ. يُسَبِّحُونَ اسْمَكَ الْعَظِيمَ الْمَهُوبَ. هُوَ قُدُّوسٌ. الْمَلِكُ قَدِيرٌ وَيُحِبُّ الْعَدْلَ. أَنْتَ أَقَمْتَ الْحَقَّ، وَعَمِلْتَ الْعَدْلَ وَالصَّلَاحَ فِي يَعْقُوبَ. عَظِّمُوا رَبَّنَا وَإِلَهَنَا، وَاسْجُدُوا عِنْدَ قَدَمَيْهِ. هُوَ قُدُّوسٌ. كَانَ مُوسَى وَهَارُونُ مِنْ أَحْبَارِهِ، وَكَانَ صَمُوئِيلُ مِنَ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِاسْمِهِ. دَعَوْا اللهَ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ. كَلَّمَهُمْ فِي عَمُودِ السَّحَابِ. عَمِلُوا بِأَقْوَالِهِ وَبِالْفَرَائِضِ الَّتِي أَعْطَاهَا لَهُمْ. أَيُّهَا الْمَوْلَى إِلَهُنَا، أَنْتَ اسْتَجَبْتَ لَهُمْ، وَكُنْتَ لَهُمْ غَفُورًا، مَعَ أَنَّكَ عَاقَبْتَهُمْ عَلَى سُوءِ أَفْعَالِهِمْ. عَظِّمُوا رَبَّنَا وَإِلَهَنَا، وَاسْجُدُوا فِي جَبَلِهِ الْمُقَدَّسِ، لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَنَا قُدُوسٌ. مزمور حمد اِهْتِفِي للهِ يَا كُلَّ الْأَرْضِ. اُعْبُدُوا اللهَ بِفَرَحٍ، تَعَالَوْا قُدَّامَهُ مُرَنِّمِينَ. اِعْلَمُوا أَنَّ الْمَوْلَى هُوَ اللهُ. هُوَ صَنَعَنَا، نَحْنُ لَهُ. نَحْنُ شَعْبُهُ، وَغَنَمُهُ الَّتِي يَرْعَاهَا. اُدْخُلُوا أَبْوَابَهُ بِالْحَمْدِ، وَدِيَارَهُ بِالتَّسْبِيحِ. اِحْمَدُوهُ وَسَبِّحُوا اسْمَهُ، لِأَنَّ اللهَ طَيِّبٌ، وَرَحْمَتَهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ، وَأَمَانَتَهُ إِلَى كُلِّ الْأَجْيَالِ. مزمور لداود أُغَنِّي عَنْ رَحْمَتِكَ وَعَدْلِكَ، أُسَبِّحُكَ يَا رَبُّ. أَسْلُكُ بِتَعَقُّلٍ وَكَمَالٍ فِي الْحَيَاةِ. مَتَى تَأْتِي إِلَيَّ؟ أَسْلُكُ بِالْكَمَالِ مَعَ أَهْلِ بَيْتِي. لَا أَضَعُ أَمْرًا رَدِيئًا قُدَّامَ عَيْنَيَّ. أَكْرَهُ الضَّلَالَ، لَا عَلَاقَةَ لِي بِهِ. أَطْرُدُ عَنِّي كُلَّ مُنْحَرِفِ الْقَلْبِ، وَلَا أَتَعَامَلُ مَعَ الشِّرِّيرِ. أُسْكِتُ مَنْ يَغْتَابُ الْآخَرِينَ، وَلَا أَحْتَمِلُ صَاحِبَ الْعَيْنِ الْمُتَكَبِّرَةِ وَالْقَلْبِ الْمُنْتَفِخِ. بَلْ أَخْتَارُ أَصْحَابِي مِنْ أُمَنَاءِ الْأَرْضِ لِيَسْكُنُوا مَعِي، وَخُدَّامِي مِنَ الَّذِينَ يَسْلُكُونَ بِالْكَمَالِ. لَا يَسْكُنُ غَشَّاشٌ فِي دَارِي، وَلَا يَقِفُ كَذَّابٌ فِي مَحْضَرِي. كُلَّ صَبَاحٍ أَقْضِي عَلَى جَمِيعِ الْأَشْرَارِ فِي الْبِلَادِ، وَأَمْحُو مِنْ مَدِينَةِ اللهِ كُلَّ فَاعِلِي الْإِثْمِ. دعاء مسكين انهارت عزيمته وقدم شكواه لله اِسْمَعْ دُعَائِي يَا رَبُّ، لَيْتَ صُرَاخِي يَصِلُ إِلَيْكَ. لَا تَحْجُبْ وَجْهَكَ عَنِّي فِي يَوْمِ الضِّيقِ. قَرِّبْ لِي أُذُنَكَ حِينَ أَدْعُوكَ. أَسْرِعْ وَاسْتَجِبْ لِي. لِأَنَّ أَيَّامِي تَفْنَى كَالدُّخَانِ، وَعِظَامِي تَحْتَرِقُ كَأَنَّهَا جَمْرٌ مُتَّقِدٌ. قَلْبِي مَرِيضٌ وَيَابِسٌ كَالْعُشْبِ، حَتَّى نَسِيتُ أَنْ آكُلَ طَعَامِي. وَمِنْ شِدَّةِ نَحِيبِي أَصْبَحْتُ جِلْدًا عَلَى عَظْمٍ. أَنَا كَغُرَابٍ فِي الْبَرِّيَّةِ، كَبُومَةٍ فِي الْخَرَائِبِ. أَسْهَرُ اللَّيَالِي. أَنَا كَعُصْفُورٍ وَحِيدٍ عَلَى السَّطْحِ. طُولَ الْيَوْمِ يَهْزَأُ بِي أَعْدَائِي، يَشْتِمُونِي وَيَلْعَنُونِي. أَكَلْتُ الرَّمَادَ كَالْخُبْزِ، وَمَزَجْتُ شَرَابِي بِدُمُوعِي، بِسَبَبِ غَضَبِكَ الشَّدِيدِ، لِأَنَّكَ رَفَعْتَنِي وَرَمَيْتَنِي بِعُنْفٍ. أَيَّامِي تَزُولُ كَظِلٍّ فِي آخِرِ النَّهَارِ، أَنَا يَبِسْتُ كَالْعُشْبِ. أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ، فَإِنَّكَ جَالِسٌ عَلَى عَرْشِكَ إِلَى الْأَبَدِ، وَذِكْرُكَ يَبْقَى إِلَى كُلِّ الْأَجْيَالِ. أَنْتَ تَقُومُ وَتَرْحَمُ الْقُدْسَ. جَاءَ الْوَقْتُ لِتَرْأَفَ بِهَا، آنَ الْأَوَانُ. عَبِيدُكَ يُحِبُّونَ حَتَّى حِجَارَتَهَا، وَيَهْتَمُّونَ حَتَّى بِتُرَابِهَا. فَتَخَافُ الْأُمَمُ اسْمَ اللهِ، وَيَهَابُ كُلُّ مُلُوكِ الْأَرْضِ جَلَالَكَ. لِأَنَّ اللهَ يَبْنِي الْقُدْسَ، وَيَظْهَرُ فِي جَلَالِهِ. يَلْتَفِتُ إِلَى دُعَاءِ الْمَحْرُومِينَ، وَلَا يَحْتَقِرُ دُعَاءَهُمْ. يُكْتَبُ هَذَا لِلْجِيلِ الْقَادِمِ، وَالَّذِينَ سَيُولَدُونَ فِيمَا بَعْدُ يُسَبِّحُونَ اللهَ وَيَقُولُونَ: ”أَطَلَّ اللهُ مِنْ مَقْدِسِهِ فِي الْأَعَالِي، مِنَ السَّمَاءِ نَظَرَ إِلَى الْأَرْضِ، لِيَسْمَعَ أَنِينَ الْمَسَاجِينِ، وَيُطْلِقَ سَرَاحَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِمْ بِالْمَوْتِ.“ فَيُعْلِنُوا اسْمَ اللهِ فِي الْقُدْسِ، وَيُخْبِرُوا بِتَسْبِيحِهِ هُنَاكَ. عِنْدَمَا تَجْتَمِعُ الشُّعُوبُ وَالْمَمَالِكُ مَعًا لِتَعْبُدَ اللهَ. أَضْعَفَ قُوَّتِي وَأَنَا فِي نِصْفِ الطَّرِيقِ، قَصَّرَ أَيَّامَ حَيَاتِي. فَأَقُولُ: ”يَا إِلَهِي، لَا تَنْزِعْنِي فِي نِصْفِ عُمْرِي. أَنْتَ الْبَاقِي إِلَى الْأَبَدِ. أَنْتَ فِي الْبَدْءِ أَسَّسْتَ الْأَرْضَ، وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ، هِيَ تَفْنَى وَأَنْتَ تَبْقَى، كُلُّهَا تَبْلَى كَمَا يَبْلَى الثَّوْبُ. تُغَيِّرُهَا كَرِدَاءٍ فَتَتَغَيَّرُ. أَمَّا أَنْتَ فَتَدُومُ وَلَا تَتَغَيَّرُ، وَسِنُوكَ لَا تَنْتَهِي. أَبْنَاءُ عَبِيدِكَ يَسْكُنُونَ فِي أَمَانٍ، وَنَسْلُهُمْ يَثْبُتُ فِي مَحْضَرِكَ.“ لداود بَارِكِي اللهَ يَا نَفْسِي، وَيَا كُلَّ كِيَانِي بَارِكِ اسْمَهُ الْقُدُّوسَ. بَارِكِي اللهَ يَا نَفْسِي، وَلَا تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ. فَهُوَ يَغْفِرُ كُلَّ ذُنُوبِي، وَيَشْفِي كُلَّ أَمْرَاضِي. يُنْقِذُنِي مِنْ حُفْرَةِ الْمَوْتِ، وَيُتَوِّجُنِي بِالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ. يَمْلَأُنِي بِالْخَيْرِ طُولَ عُمْرِي، فَيَعُودُ لِي شَبَابِي كَالنِّسْرِ. اللهُ يَعْمَلُ الْحَقَّ وَالْعَدْلَ لِكُلِّ الْمَظْلُومِينَ. عَرَّفَ مُوسَى طُرُقَهُ، وَعَرَّفَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَعْمَالَهُ. اللهُ رَحْمَانٌ رَحِيمٌ، اللهُ حَلِيمٌ وَمُحِبٌّ جِدًّا. لَا يَتَّهِمُ دَائِمًا، وَلَا يَدُومُ غَضَبُهُ إِلَى الْأَبَدِ. لَا يُعَامِلُنَا حَسَبَ ذُنُوبِنَا، وَلَا يُجَازِينَا حَسَبَ آثَامِنَا. كَمَا أَنَّ السَّمَاءَ أَعْلَى مِنَ الْأَرْضِ جِدًّا، رَحْمَتُهُ عَلَى الَّذِين يَتَّقُونَهُ عَظِيمَةٌ جِدًّا. كَبُعْدِ الشَّرْقِ عَنِ الْغَرْبِ، أَبْعَدَ عَنَّا مَعَاصِيَنَا. كَمَا يَعْطِفُ الْأَبُ عَلَى أَوْلَادِهِ، يَعْطِفُ اللهُ عَلَى مَنْ يَتَّقُونَهُ. لِأَنَّهُ عَارِفٌ ضَعْفَ كِيَانِنَا، وَيَذْكُرُ أَنَّنَا تُرَابٌ. فَالْإِنْسَانُ أَيَّامُهُ كَالْعُشْبِ، يُزْهِرُ مِثْلَ زَهْرَةِ الْحَقْلِ. ثُمَّ تَهُبُّ عَلَيْهِ الرِّيحُ، فَيَزُولُ وَلَا يَبْقَى لَهُ ذِكْرٌ. أَمَّا رَحْمَةُ اللهِ فَتَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ لِمَنْ يَتَّقُونَهُ، وَصَلَاحُهُ لِأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ، لِمَنْ يَحْفَظُونَ عَهْدَهُ، وَيَذْكُرُونَ وَصَايَاهُ لِيَعْمَلُوا بِهَا. اللهُ ثَبَّتَ عَرْشَهُ فِي السَّمَاءِ، وَمُلْكُهُ فَوْقَ الْكُلِّ. بَارِكُوا اللهَ يَا مَلَائِكَتَهُ، أَيُّهَا الْأَبْطَالُ الْأَقْوِيَاءُ، يَا مَنْ تُنَفِّذُونَ أَمْرَهُ وَتُطِيعُونَ كَلَامَهُ. بَارِكُوا اللهَ يَا مَلَائِكَتَهُ السَّمَائِيَّةَ، يَا خُدَّامَهُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مَشِيئَتَهُ. بَارِكُوا اللهَ يَا كُلَّ مَخْلُوقَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ تَحْتَ سُلْطَانِهِ. بَارِكِي اللهَ يَا نَفْسِي. بَارِكِي اللهَ يَا نَفْسِي. مَا أَعْظَمَكَ يَا رَبِّي وَإِلَهِي! لَبِسْتَ الْبَهَاءَ وَالْجَلَالَ. لَبِسْتَ النُّورَ كَثَوْبٍ، وَنَصَبْتَ السَّمَاوَاتِ كَخَيْمَةٍ. رَفَعْتَ دَارَكَ فِي الْعُلَا عَلَى الْمِيَاهِ. جَعَلْتَ السَّحَابَ مَرْكَبَةً لَكَ. رَكِبْتَ عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيحِ. صَنَعْتَ مَلَائِكَتَكَ رِيَاحًا، وَخُدَّامَكَ لَهِيبَ نَارٍ. أَسَّسْتَ الْأَرْضَ عَلَى قَوَاعِدِهَا، فَلَا تُزَاحُ مِنْ مَكَانِهَا أَبَدًا. غَطَّيْتَهَا بِالْمُحِيطَاتِ كَثَوْبٍ. طَلَعَتِ الْمِيَاهُ فَوْقَ الْجِبَالِ، لَكِنَّهَا هَرَبَتْ مِنْ تَوْبِيخِكَ، وَفَرَّتْ مِنْ صَوْتِ رَعْدِكَ. صَعِدَتْ إِلَى الْجِبَالِ، وَنَزَلَتْ إِلَى الْوِدْيَانِ، إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي عَيَّنْتَهُ لَهَا. وَضَعْتَ لَهَا حَدًّا لَا تَتَعَدَّاهُ، فَلَنْ تُغَطِّيَ الْأَرْضَ مَرَّةً أُخْرَى. أَنْتَ تُفَجِّرُ يَنَابِيعَ الْمِيَاهِ، فَتَجْرِي أَنْهَارًا بَيْنَ الْجِبَالِ. مِنْهَا تَشْرَبُ كُلُّ الْوُحُوشِ، وَتُرْوِي حَمِيرُ الْوَحْشِ عَطَشَهَا. بِالْقُرْبِ مِنْهَا تُعَشِّشُ طُيُورُ السَّمَاءِ، وَتُغَنِّي بَيْنَ الْأَغْصَانِ. أَنْتَ تَسْقِي الْجِبَالَ مِنْ سَمَائِكَ، تُشْبِعُ الْأَرْضَ مِنْ إِمْدَادِكَ. أَنْتَ تُنْبِتُ الْعُشْبَ لِلْبَهَائِمِ، وَالْخُضْرَوَاتِ لِيَسْتَعْمِلَهَا الْإِنْسَانُ لِيَحْصُلَ عَلَى طَعَامِهِ مِنَ الْأَرْضِ. أَنْتَ تُعْطِيهِ خَمْرًا تُفَرِّحُ قَلْبَهُ، وَزَيْتًا يَجْعَلُ وَجْهَهُ مُشْرِقًا، وَخُبْزًا يَسْنُدُ بِهِ قَلْبَهُ. يَرْتَوِي شَجَرُ الْمَوْلَى، الْأَرْزُ الَّذِي غَرَسَهُ فِي لُبْنَانَ. فِيهِ تُعَشِّشُ الْعَصَافِيرُ، وَفِي السَّرْوِ يَبْنِي اللَّقْلَقُ بَيْتَهُ. فِي الْجِبَالِ الْعَالِيَةِ تَسْكُنُ الْمَاعِزُ الْبَرِّيَّةُ، وَالصُّخُورُ هِيَ مَلْجَأُ الْوِبَارِ. صَنَعْتَ الْقَمَرَ لِتَحْدِيدِ الشُّهُورِ، وَالشَّمْسَ لِتَعْرِفَ مَوْعِدَ غُرُوبِهَا. تُرْسِلُ الظَّلَامَ فَيَحِلُّ اللَّيْلُ، وَتَخْرُجُ حَيَوَانَاتُ الْغَابَةِ. تَزْأَرُ الْأَشْبَالُ طَلَبًا لِلْفَرِيسَةِ، وَتَلْتَمِسُ مِنَ اللهِ طَعَامَهَا. حِينَ تُشْرِقُ الشَّمْسُ، تَنْصَرِفُ وَتَرْجِعُ لِتَرْبِضَ فِي مَآوِيهَا. وَيَخْرُجُ الْإِنْسَانُ إِلَى عَمَلِهِ وَشُغْلِهِ حَتَّى الْمَسَاءِ. مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ! صَنَعْتَهَا كُلَّهَا بِحِكْمَةٍ. الْأَرْضُ مَلْآنَةٌ مِنْ غِنَاكَ. فَهُنَاكَ الْبَحْرُ الْعَظِيمُ الْوَاسِعُ، مَمْلُوءٌ بِكَائِنَاتٍ لَا تُحْصَى، مَخْلُوقَاتٍ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ. هُنَاكَ تَجْرِي السُّفُنُ، وَفِيهِ يَمْرَحُ لُويَاثَانُ الَّذِي خَلَقْتَهُ. هَذِهِ كُلُّهَا تَنْظُرُ إِلَيْكَ لِتَرْزُقَهَا طَعَامَهَا فِي حِينِهِ. أَنْتَ تُعْطِيهَا رِزْقَهَا وَهِيَ تَأْخُذُ. أَنْتَ تَمُدُّ يَدَكَ وَهِيَ تَشْبَعُ مِنَ الْخَيْرِ. تَحْجُبُ وَجْهَكَ عَنْهَا فَتَفْزَعُ، وَتَنْزِعُ عَنْهَا أَرْوَاحَهَا فَتَمُوتُ وَتَرْجِعُ إِلَى التُّرَابِ. تُرْسِلُ رُوحَكَ فَتَخْلِقُهَا، وَتُجَدِّدُ وَجْهَ الْأَرْضِ. جَلَالُ اللهِ يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. يَفْرَحُ اللهُ بِأَعْمَالِهِ. يَنْظُرُ لِلْأَرْضِ فَتَرْتَعِشُ، وَيَلْمِسُ الْجِبَالَ فَتَصِيرُ دُخَانًا. أُغَنِّي للهِ طُولَ عُمْرِي، أُرَنِّمُ لِإِلَهِي مَا دُمْتُ حَيًّا. لَيْتَ نَشِيدِيَ يُرْضِيهُ، أَنَا أَفْرَحُ بِاللهِ. يَنْقَرِضُ الْخُطَاةُ مِنَ الْأَرْضِ، وَلَا يَبْقَى فِيهَا الْأَشْرَارُ. بَارِكِي اللهَ يَا نَفْسِي. للهِ الْحَمْدُ. اِحْمَدُوا اللهَ، اِدْعُوا بِاسْمِهِ. أَخْبِرُوا بَيْنَ الْأُمَمِ عَنْ أَعْمَالِهِ. غَنُّوا لَهُ، سَبِّحُوهُ وَحَدِّثُوا بِكُلِّ أَعْمَالِهِ الْعَجِيبَةِ. اِفْتَخِرُوا بِاسْمِهِ الْقُدُّوسِ. لِتَفْرَحْ قُلُوبُ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ اللهَ. اُطْلُبُوا اللهَ وَقُوَّتَهُ. اُطْلُبُوا وَجْهَهُ دَائِمًا. اُذْكُرُوا عَجَائِبَهُ الَّتِي صَنَعَهَا، وَمُعْجِزَاتِهِ وَأَحْكَامَهُ الَّتِي نَطَقَ بِهَا. يَا نَسْلَ إِبْرَاهِيمَ عَبْدِهِ، يَا بَنِي يَعْقُوبَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ. هُوَ الْمَوْلَى إِلَهُنَا، فِي كُلِّ الْأَرْضِ أَحْكَامُهُ. يَفِي بِعَهْدِهِ إِلَى الْأَبَدِ، وَإِلَى 1000 جِيلٍ يَحْفَظُ وَعْدَهُ الَّذِي نَطَقَ بِهِ. الْعَهْدَ الَّذِي عَمِلَهُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ، وَالْيَمِينَ الَّتِي أَقْسَمَهَا لِإِسْحَاقَ. وَجَعَلَهُ فَرِيضَةً لِيَعْقُوبَ، وَعَهْدًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. وَقَالَ: ”لَكَ أُعْطِي أَرْضَ كَنْعَانَ نَصِيبًا تَمْتَلِكُهُ.“ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانُوا نَفَرًا قَلِيلًا، قَلِيلِينَ جِدًّا وَغُرَبَاءَ فِي الْأَرْضِ. مُتَنَقِّلِينَ مِنْ أُمَّةٍ إِلَى أُمَّةٍ، وَمِنْ مَمْلَكَةٍ إِلَى أُخْرَى. لَكِنَّهُ لَمْ يَسْمَحْ لِأَحَدٍ بِأَنْ يُؤْذِيَهُمْ، بَلْ مِنْ أَجْلِهِمْ وَبَّخَ مُلُوكًا. وَقَالَ: ”لَا تَمَسُّوا الَّذِينَ اخْتَرْتُهُمْ، وَلَا تُؤْذُوا أَنْبِيَائِي.“ ثُمَّ أَنْزَلَ مَجَاعَةً عَلَى الْبِلَادِ، وَقَطَعَ عَنْهُمْ كُلَّ مَدَدِ الْخُبْزِ. لَكِنَّهُ أَرْسَلَ قُدَّامَهُمْ رَجُلًا، يُوسِفَ الَّذِي بَاعُوهُ كَعَبْدٍ. جَرَحُوا رِجْلَيْهِ بِالْقُيُودِ، وَطَوَّقُوا رَقَبَتَهُ بِالْحَدِيدِ. حَتَّى تَمَّ مَا تَنَبَّأَ بِهِ، وَأَظْهَرَتْ كَلِمَةُ اللهِ أَنَّهُ صَادِقٌ. أَرْسَلَ الْمَلِكُ وَأَطْلَقَهُ، حَاكِمُ الشَّعْبِ حَرَّرَهُ. جَعَلَهُ سَيِّدًا عَلَى دَارِهِ، وَمُتَسَلِّطًا عَلَى كُلِّ أَمْلَاكِهِ. يُؤَدِّبُ عُظَمَاءَهُ كَمَا يَشَاءُ، وَيُعَلِّمُ مُشِيرِيهِ حِكْمَةً. ثُمَّ جَاءَ إِسْرَائِيلُ إِلَى مِصْرَ، وَعَاشَ يَعْقُوبُ كَغَرِيبٍ فِي بِلَادِ حَامَ. أَثْمَرَ اللهُ شَعْبَهُ جِدًّا، وَجَعَلَهُمْ أَقْوَى مِنْ أَعْدَائِهِمْ. وَغَيَّرَ قُلُوبَ الْمِصْرِيِّينَ لِيَكْرَهُوا شَعْبَهُ وَيَتَآمَرُوا ضِدَّ عَبِيدِهِ. أَرْسَلَ مُوسَى عَبْدَهُ، وَهَارُونَ الَّذِي اخْتَارَهُ. صَنَعَا بَيْنَهُمْ مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ فِي بِلَادِ حَامَ. أَرْسَلَ الظَّلَامَ فَأَظْلَمَتِ الْبِلَادُ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَسْمَعِ الْمِصْرِيُّونَ كَلَامَهُ. حَوَّلَ مِيَاهَهُمْ إِلَى دَمٍ فَمَاتَ سَمَكُهُمْ. اِنْتَشَرَتِ الضَّفَادِعُ فِي بِلَادِهِمْ، حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى قَصْرِ الْمَلِكِ. أَمَرَ فَجَاءَ الذُّبَابُ وَالْبَعُوضُ وَمَلَأَ كُلَّ بِلَادِهِمْ. أَمْطَرَ عَلَيْهِمْ بَرَدًا، وَأَرْسَلَ بَرْقًا عَلَى بِلَادِهِمْ. ضَرَبَ كُرُومَهُمْ وَتِينَهُمْ، وَكَسَّرَ شَجَرَهُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ. أَمَرَ فَجَاءَ الْجَرَادُ وَالْجُنْدُبُ بِغَيْرِ عَدَدٍ. فَأَكَلَ كُلَّ عُشْبِ بِلَادِهِمْ، وَالْتَهَمَ ثِمَارَ أَرْضِهِمْ. قَتَلَ كُلَّ أَبْكَارِ بِلَادِهِمْ، أَوَّلَ ثِمَارِ الرُّجُولَةِ. أَخْرَجَ شَعْبَهُ مُحَمَّلِينَ بِفِضَّةٍ وَذَهَبٍ، وَلَمْ يَتَعَثَّرْ فِي السَّيْرِ أَحَدٌ مِنْ قَبَائِلِهِمْ. فَرِحَتْ مِصْرُ لَمَّا خَرَجُوا، لِأَنَّهُمْ خَافُوا مِنْهُمْ جِدًّا. بَسَطَ سَحَابًا يُظَلِّلُهُمْ، وَنَارًا تُضِيءُ لَهُمْ فِي اللَّيْلِ. طَلَبُوا فَأَعْطَاهُمُ السَّلْوَى، وَأَشْبَعَهُمْ مِنْ خُبْزِ السَّمَاءِ. شَقَّ الصَّخْرَةَ فَانْفَجَرَتِ الْمِيَاهُ، وَجَرَتْ كَنَهْرٍ فِي الصَّحْرَاءِ. لِأَنَّهُ حَفِظَ وَعْدَهُ الْمُقَدَّسَ لِإِبْرَاهِيمَ عَبْدِهِ. فَأَخْرَجَ شَعْبَهُ بِابْتِهَاجٍ، وَالَّذِينَ اخْتَارَهُمْ بِالتَّرْنِيمِ. أَعْطَاهُمْ أَرَاضِيَ الْأُمَمِ، فَوَرِثُوا مَا تَعِبَ فِيهِ الْآخَرُونَ. لِكَيْ يَحْفَظُوا فَرَائِضَهُ، وَيُطِيعُوا شَرَائِعَهُ. للهِ الْحَمْدُ. للهِ الْحَمْدُ. اِحْمَدُوا اللهَ لِأَنَّهُ طَيِّبٌ. رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يُخْبِرَ بِأَعْمَالِ اللهِ الْقَدِيرَةِ، وَيُعْلِنَ كُلَّ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ تَسْبِيحٍ؟ هَنِيئًا لِمَنْ يَتَمَسَّكُ بِالْحَقِّ وَيَعْمَلُ الصَّلَاحَ دَائِمًا. اُذْكُرْنِي يَا رَبُّ حِينَ تَرْضَى عَنْ شَعْبِكَ، أَحْسِنْ إِلَيَّ بِنَجَاتِكَ! لِكَيْ أَتَمَتَّعَ بِخَيْرِ الَّذِينَ اخْتَرْتَهُمْ، وَأَفْرَحَ بِفَرَحِ أُمَّتِكَ، وَأَفْتَخِرَ مَعَ الَّذِينَ هُمْ نَصِيبُكَ. أَخْطَأْنَا كَآبَائِنَا، وَارْتَكَبْنَا الْإِثْمَ وَالشَّرَّ. آبَاؤُنَا فِي مِصْرَ لَمْ يَفْهَمُوا عَجَائِبَكَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا رَحْمَتَكَ الْوَفِيرَةَ، بَلْ تَمَرَّدُوا عَلَيْكَ عِنْدَ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ. لَكِنَّ اللهَ أَنْقَذَهُمْ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ، لِيُعَرِّفَ بِقُوَّتِهِ الْعَظِيمَةِ. وَبَّخَ الْبَحْرَ الْأَحْمَرَ فَجَفَّ، قَادَهُمْ فِي الْبَحْرِ الْعَمِيقِ كَمَا فِي الصَّحْرَاءِ. أَنْقَذَهُمْ مِنْ يَدِ الْخَصْمِ، مِنْ يَدِ الْعَدُوِّ فَدَاهُمْ. غَطَّتِ الْمِيَاهُ الْقَائِمِينَ عَلَيْهِمْ، لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ وَلَا وَاحِدٌ. فَآمَنُوا بِكَلَامِهِ، وَغَنُّوا بِتَسْبِيحِهِ. لَكِنَّهُمْ نَسُوا أَعْمَالَهُ حَالًا، وَلَمْ يَنْتَظِرُوا مَشُورَتَهُ. اِنْسَاقُوا لِشَهْوَتِهِمْ فِي الصَّحْرَاءِ، وَامْتَحَنُوا اللهَ فِي الْقَفْرِ. فَأَعْطَاهُمْ مَا طَلَبُوهُ، لَكِنَّهُ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ مَرَضًا أَهْزَلَهُمْ. حَسَدُوا مُوسَى فِي الْمُخَيَّمِ، وَأَيْضًا هَارُونَ الْمُكَرَّسَ للهِ. فَانْفَتَحَتِ الْأَرْضُ وَبَلَعَتْ دَاثَانَ، وَأَطْبَقَتْ عَلَى جَمَاعَةِ أَبِيرَامَ. اِشْتَعَلَتِ النَّارُ فِي جَمَاعَتِهِمْ، وَأَحْرَقَ اللَّهِيبُ الْأَشْرَارَ. صَنَعُوا عِجْلًا فِي حُورِيبَ، وَسَجَدُوا لِتِمْثَالٍ مَسْبُوكٍ. أَبْدَلُوا إِلَهَهُمْ صَاحِبَ الْجَلَالَةِ، بِتِمْثَالِ ثَوْرٍ يَأْكُلُ الْحَشِيشَ. نَسُوا اللهَ الَّذِي أَنْقَذَهُمْ، الَّذِي صَنَعَ أُمُورًا عَظِيمَةً فِي مِصْرَ. وَمُعْجِزَاتٍ فِي بِلَادِ حَامَ، وَأَشْيَاءَ مُخِيفَةً عِنْدَ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ. فَقَرَّرَ أَنْ يُهْلِكَهُمْ، لَكِنَّ مُوسَى مُخْتَارَهُ وَقَفَ فِي الثُّغْرَةِ قُدَّامَهُ، لِيَرُدَّ غَضَبَهُ لِكَيْ لَا يُفْنِيَهُمْ. ثُمَّ احْتَقَرُوا الْأَرْضَ الطَّيِّبَةَ، لَمْ يُؤْمِنُوا بِكَلَامِهِ. تَذَمَّرُوا فِي خِيَامِهِمْ، وَلَمْ يُطِيعُوا اللهَ. فَحَلَفَ لَهُمْ يَمِينًا بِأَنْ يُسْقِطَهُمْ مَيِّتِينَ فِي الصَّحْرَاءِ. وَيُسْقِطَ نَسْلَهُمْ بَيْنَ الْأُمَمِ، وَيُبَدِّدَهُمْ فِي الْبُلْدَانِ. أَشْرَكُوا وَعَبَدُوا بَعْلَ فَغُورَ، وَأَكَلُوا قَرَابِينَ مُقَدَّمَةً لِآلِهَةٍ مَيِّتَةٍ. غَاظُوا اللهَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَتَفَشَّى بَيْنَهُمُ الْوَبَأُ. قَامَ فِينْحَاسُ وَسِيطًا لَهُمْ، فَتَوَقَّفَ الْوَبَأُ. فَاعْتَبَرَ اللهُ ذَلِكَ لَهُ صَلَاحًا، جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ إِلَى الْأَبَدِ. أَغْضَبُوا اللهَ عِنْدَ مَاءِ مَرِيبَةَ، وَسَبَّبُوا لِمُوسَى الضَّرَرَ. تَمَرَّدُوا ضِدَ رُوحِ اللهِ، فَنَطَقَ مُوسَى بِكَلَامٍ لَا يَصِحُّ. لَمْ يَسْتَأْصِلُوا الشُّعُوبَ كَمَا أَمَرَهُمُ اللهُ. بَلِ اخْتَلَطُوا بِالْأُمَمِ، وَتَعَلَّمُوا أَعْمَالَهُمْ، وَعَبَدُوا أَصْنَامَهُمْ، فَصَارَتْ لَهُمْ فَخًّا. ذَبَحُوا بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ لِلشَّيَاطِينِ. سَفَكُوا دَمَ الْأَبْرِيَاءِ، دَمَ بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمِ الَّذِينَ ذَبَحُوهُمْ لِأَصْنَامِ كَنْعَانَ، فَتَنَجَّسَتِ الْأَرْضُ بِدَمِهِمْ. وَتَنَجَّسُوا بِأَعْمَالِهِمْ، وَخَانُوا اللهَ بِأَفْعَالِهِمْ. غَضِبَ اللهُ عَلَى شَعْبِهِ، وَكَرِهَ نَصِيبَهُ. سَلَّمَهُمْ لِلْأُمَمِ، فَتَسَلَّطَ خُصُومُهُمْ عَلَيْهِمْ. ضَايَقَهُمْ أَعْدَاؤُهُمْ وَأَذَلُّوهُمْ تَحْتَهُمْ. أَنْقَذَهُمْ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً، لَكِنَّهُمُ اسْتَمَرُّوا فِي عِصْيَانِهِمْ، وَانْحَطُّوا بِضَلَالِهِمْ. لَكِنَّهُ سَمِعَ صُرَاخَهُمْ، وَرَأَى ضِيقَهُمْ. حَفِظَ عَهْدَهُ لَهُمْ، وَرَجَعَ مِنْ أَجْلِ رَحْمَتِهِ الْعَظِيمَةِ. وَجَعَلَ الَّذِينَ أَسَرُوهُمْ يَرِقُّونَ لَهُمْ. أَنْقِذْنَا أَيُّهَا الْمَوْلَى إِلَهُنَا، وَاجْمَعْنَا مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ، لِكَيْ نَحْمَدَ اسْمَكَ الْقُدُّوسَ وَنَفْتَخِرَ بِتَسْبِيحِكَ. تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْأَزَلِ وَإِلَى الْأَبَدِ. وَيَقُولُ كُلُّ الشَّعْبِ: ”آمِينَ، للهِ الْحَمْدُ.“ اِحْمَدُوا اللهَ لِأَنَّهُ طَيِّبٌ، وَرَحْمَتَهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. لِيَقُلْ هَذَا الَّذِينَ فَدَاهُمُ اللهُ، الَّذِينَ فَدَاهُمْ مِنْ يَدِ الْعَدُوِّ، وَجَمَعَهُمْ مِنْ مُخْتَلِفِ الْبِلَادِ، مِنَ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، وَمِنَ الشَّمَالِ وَالْجَنُوبِ. تَاهُوا فِي صَحْرَاءَ مُقْفِرَةٍ، لَمْ يَجِدُوا طَرِيقًا إِلَى مَدِينَةٍ يَسْكُنُونَ فِيهَا. جَاعُوا وَعَطِشُوا وَضَعُفَتْ نُفُوسُهُمْ. صَرَخُوا إِلَى اللهِ فِي ضِيقِهِمْ، فَأَنْقَذَهُمْ مِنْ مَصَائِبِهِمْ. هَدَاهُمْ فِي الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، إِلَى مَدِينَةٍ يَسْكُنُونَ فِيهَا. فَلْيَحْمَدُوا اللهَ عَلَى رَحْمَتِهِ، وَعَلَى أَعْمَالِهِ الْعَجِيبَةِ لِبَنِي آدَمَ. لِأَنَّهُ يُرْوِي الْعَطْشَانَ، وَيُشْبِعُ الْجَوْعَانَ بِالْخَيْرِ. جَلَسُوا فِي الظَّلَامِ وَالْعَتْمَةِ أَذِلَّاءَ وَمُقَيَّدِينَ بِالسَّلَاسِلِ. لِأَنَّهُمْ عَصَوْا كَلَامَ اللهِ، وَاسْتَهَانُوا بِمَشُورَةِ الْعَلِيِّ. فَأَذَلَّهُمْ بِالْعَمَلِ الشَّاقِّ، وَعَثَرُوا وَلَيْسَ لَهُمْ مُعِينٌ. صَرَخُوا إِلَى اللهِ فِي ضِيقِهِمْ، فَأَنْقَذَهُمْ مِنْ مَصَائِبِهِمْ. أَخْرَجَهُمْ مِنَ الظَّلَامِ وَالْعَتْمَةِ، وَحَطَّمَ قُيُودَهُمْ. فَلْيَحْمَدُوا اللهَ عَلَى رَحْمَتِهِ، وَعَلَى أَعْمَالِهِ الْعَجِيبَةِ لِبَنِي آدَمَ. لِأَنَّهُ حَطَّمَ أَبْوَابَ النُّحَاسِ وَكَسَّرَ قُضْبَانَ الْحَدِيدِ. فَقَدُوا صَوَابَهُمْ بِسَبَبِ مَعْصِيَتِهِمْ، وَمَرِضُوا بِسَبَبِ شَرِّهِمْ. كَرِهُوا كُلَّ طَعَامٍ، وَاقْتَرَبُوا مِنْ أَبْوَابِ الْمَوْتِ. صَرَخُوا إِلَى اللهِ فِي ضِيقِهِمْ، فَأَنْقَذَهُمْ مِنْ مَصَائِبِهِمْ. أَرْسَلَ كَلِمَتَهُ فَشَفَاهُمْ وَنَجَّاهُمْ مِنَ الْمَوْتِ. فَلْيَحْمَدُوا اللهَ عَلَى رَحْمَتِهِ، وَعَلَى أَعْمَالِهِ الْعَجِيبَةِ لِبَنِي آدَمَ. وَلْيُقَدِّمُوا لَهُ قَرَابِينَ الشُّكْرِ، وَيُخْبِرُوا عَنْ أَعْمَالِهِ بِالتَّرْنِيمِ. رَكِبُوا سُفُنًا فِي الْبَحْرِ، فِي الْمِيَاهِ الْهَائِجَةِ، لِيُتَاجِرُوا. رَأَوْا أَعْمَالَ اللهِ وَعَجَائِبَهُ فِي الْمُحِيطِ الْعَمِيقِ. أَمَرَ فَهَاجَتْ رِيحٌ عَاصِفَةٌ، وَارْتَفَعَتْ أَمْوَاجُ الْبَحْرِ. فَكَانَتْ تَعْلُو بِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ، وَتَهْبِطُ بِهِمْ إِلَى الْأَعْمَاقِ، حَتَّى ذَابَتْ قُلُوبُهُمْ مِنَ الْفَزَعِ. تَمَايَلُوا وَتَرَنَّحُوا كَالسَّكْرَانِ، وَلَمْ يَعْلَمُوا مَاذَا يَفْعَلُونَ. صَرَخُوا إِلَى اللهِ فِي ضِيقِهِمْ، فَأَنْقَذَهُمْ مِنْ مَصَائِبِهِمْ. هَدَّأَ الْعَاصِفَةَ فَهَدَأَتْ، وَسَكَتَتْ أَمْوَاجُ الْبَحْرِ. فَرِحُوا لَمَّا هَدَأَتْ، وَقَادَهُمْ إِلَى الْمِينَاءِ الَّتِي قَصَدُوهَا. فَلْيَحْمَدُوا اللهَ عَلَى رَحْمَتِهِ، وَعَلَى أَعْمَالِهِ الْعَجِيبَةِ لِبَنِي آدَمَ. وَلْيُعَظِّمُوهُ فِي مَحْفَلِ الشَّعْبِ، وَيُسَبِّحُوهُ فِي مَجْلِسِ الشُّيُوخِ. حَوَّلَ الْأَنْهَارَ إِلَى قَفْرٍ، وَالْيَنَابِيعَ الْجَارِيَةَ إِلَى أَرْضٍ عَطْشَانَةٍ، وَالتُّرْبَةَ الْخِصْبَةَ إِلَى أَرْضٍ مَالِحَةٍ، بِسَبَبِ شَرِّ سُكَّانِهَا. حَوَّلَ الصَّحْرَاءَ إِلَى عُيُونِ مَاءٍ، وَالْأَرْضَ الْقَاحِلَةَ إِلَى يَنَابِيعَ جَارِيَةٍ. أَسْكَنَ هُنَاكَ الْجِيَاعَ، فَأَنْشَأُوا مَدِينَةً وَأَقَامُوا فِيهَا. زَرَعُوا حُقُولًا وَغَرَسُوا كُرُومًا، فَأَنْتَجَتْ لَهُمْ مَحْصُولًا وَفِيرًا. بَارَكَهُمْ فَكَثُرُوا جِدًّا، وَلَمْ يُقَلِّلْ بَهَائِمَهُمْ. عِنْدَمَا يَقِلُّ الشَّعْبُ وَيَنْحَنِي بِسَبَبِ الذُّلِّ وَالشَّقَاءِ وَالْحُزْنِ، يَصُبُّ اللهُ الْهَوَانَ عَلَى الرُّؤَسَاءِ، وَيَجْعَلُهُمْ يَتِيهُونَ فِي قَفْرٍ لَا طَرِيقَ فِيهِ. لَكِنَّهُ يَرْفَعُ الْمَسَاكِينَ مِنَ الْبُؤْسِ، وَيُكَثِّرُ عَائِلَاتِهِمْ مِثْلَ قُطْعَانِ الْغَنَمِ. يَرَى الْأَتْقِيَاءُ هَذَا فَيَفْرَحُونَ، أَمَّا الْأَشْرَارُ فَيَسُدُّونَ فَمَهُمْ. الْحَكِيمُ يَحْفَظُ هَذَا فِي قَلْبِهِ، وَيَتَأَمَّلُ فِي رَحْمَةِ اللهِ. نشيد. مزمور لداود اللَّهُمَّ قَلْبِي ثَابِتٌ، أُغَنِّي وَأَعْزِفُ لَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِي. اِسْتَيْقِظْ يَا رَبَابُ وَيَا عُودُ. أَنَا أَسْتَيْقِظُ فِي الْفَجْرِ. أَحْمَدُكَ يَا رَبُّ بَيْنَ الشُّعُوبِ، أُغَنِّي لَكَ بَيْنَ الْأُمَمِ. لِأَنَّ رَحْمَتَكَ عَظِيمَةٌ، أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ، وَأَمَانَتَكَ بَلَغَتْ إِلَى السَّحَابِ. اِرْتَفِعِ اللَّهُمَّ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ، وَلْيَرْتَفِعْ جَلَالُكَ فَوْقَ كُلِّ الْأَرْضِ. أَنْقِذْنَا بِيَمِينِكَ وَسَاعِدْنَا، لِكَيْ يَنْجُوَ الَّذِينَ تُحِبُّهُمْ. تَكَلَّمَ اللهُ مِنْ مَقْدِسِهِ وَقَالَ: ”أَنْتَصِرُ وَأَقْسِمُ أَرْضَ شَكِيمَ وَأَقِيسُ وَادِي سُكُّوتَ. جِلْعَادُ لِي، وَمَنَسَّى لِي. أَفْرَايِمُ خُوذَةُ رَأْسِي، وَيَهُوذَا هِيَ لِي عَصَا الْمَلِكِ. مُوآبُ حَوْضٌ أَغْتَسِلُ فِيهِ، وَعَلَى أَدُومَ أَطْرَحُ نَعْلِي، وَعَلَى فِلِسْطَةَ أَهْتِفُ مُنْتَصِرًا.“ مَنْ يَأْخُذُنِي إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُحَصَّنَةِ؟ مَنْ يَقُودُنِي إِلَى أَدُومَ؟ أَلَيْسَ أَنْتَ اللَّهُمَّ الَّذِي رَفَضْتَنَا وَلَمْ تَعُدْ تَخْرُجُ مَعَ جُيُوشِنَا؟ سَاعِدْنَا عَلَى أَعْدَائِنَا، لِأَنَّ عَوْنَ الْبَشَرِ بَاطِلٌ. بِعَوْنِ اللهِ نَنْتَصِرُ، وَهُوَ يَدُوسُ أَعْدَاءَنَا. لقائد المغنين. مزمور لداود سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ، لَا تَسْكُتْ! لِأَنَّ الْأَشْرَارَ وَالْمَاكِرِينَ يَتَكَلَّمُونَ ضِدِّي، وَيَكْذِبُونَ عَلَيَّ. يُحَاصِرُونِي بِكَلَامٍ كُلُّهُ كَرَاهِيَةٌ، وَبِلَا سَبَبٍ يُهَاجِمُونِي. بَدَلَ مَحَبَّتِي لَهُمْ يُخَاصِمُونِي، وَأَنَا أَدْعُو لَهُمْ بِالْبَرَكَةِ. يُجَازُونِي عَنِ الْخَيْرِ شَرًّا، وَعَنِ الْمَحَبَّةِ كَرَاهِيَةً. لِذَلِكَ اللَّهُمَّ، اِجْعَلِ الشِّرِّيرَ يُقَاوِمُ عَدُوِّيَ، اِجْعَلِ الْخَصْمَ يَتَّهِمُهُ. فَعِنْدَ مُحَاكَمَتِهِ يَجِدُونَهُ مُذْنِبًا، وَتُعْتَبَرُ صَلَاتُهُ خَطِيئَةً. لِتَكُنْ أَيَّامُهُ قَلِيلَةً، وَلْيَأْخُذْ وَظِيفَتَهُ وَاحِدٌ آخَرُ. لِيَكُنْ بَنُوهُ يَتَامَى، وَزَوْجَتُهُ أَرْمَلَةً. لِيَتَشَرَّدْ بَنُوهُ وَيَتَسَوَّلُوا، مَطْرُودِينَ عَنْ دِيَارِهِمِ الْخَرِبَةِ. لِيَأْخُذِ الْمُدَايِنُ كُلَّ مَا عِنْدَهُ، وَيَنْهَبِ الْغُرَبَاءُ تَعَبَهُ. لَا يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَرْحَمُهُ، وَلَا مَنْ يَتَحَنَّنُ عَلَى أَيْتَامِهِ. لِيَنْقَرِضْ نَسْلُهُ، وَيُمْسَحِ اسْمُهُمْ مِنَ الْجِيلِ الْقَادِمِ. لِيَذْكُرِ الْمَوْلَى شَرَّ آبَائِهِ، وَلَا يَغْفِرْ خَطِيئَةَ أُمِّهِ، بَلْ تَبْقَى ذُنُوبُهُمْ دَائِمًا أَمَامَ الْمَوْلَى. لِيَقْطَعْ مِنَ الْأَرْضِ ذِكْرَهُمْ. لِأَنَّهُ لَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِهِ أَنْ يَكُونَ رَحِيمًا، بَلِ اضْطَهَدَ الْمِسْكِينَ وَالْفَقِيرَ وَكَسِيرَ الْقَلْبِ حَتَّى الْمَوْتِ. أَحَبَّ أَنْ يَلْعَنَ فَحَلَّتْ عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ، وَكَرِهَ أَنْ يُبَارِكَ فَابْتَعَدَتْ عَنْهُ الْبَرَكَةُ. لَبِسَ اللَّعْنَةَ كَرِدَاءٍ، فَدَخَلَتْ إِلَى جِسْمِهِ كَالْمَاءِ، وَإِلَى عِظَامِهِ كَالزَّيْتِ. فَلْتَكُنْ كَرِدَاءٍ يُغَطِّيهِ، وَكَحِزَامٍ يَلْبَسُهُ دَائِمًا. لِتَكُنْ هَذِهِ أُجْرَةَ خُصُومِيَ الَّتِي يُعْطِيهَا اللهُ لَهُمْ، أُجْرَةَ مَنْ يَتَكَلَّمُونَ عَلَيَّ بِالشَّرِّ. أَمَّا أَنْتَ اللَّهُمَّ يَا رَبِّي، فَأَحْسِنْ لِي مِنْ أَجْلِ اسْمِكَ، أَنْقِذْنِي لِأَنَّ رَحْمَتَكَ صَالِحَةٌ. لِأَنِّي مِسْكِينٌ وَفَقِيرٌ، وَقَلْبِي فِي دَاخِلِي مَجْرُوحٌ. تَلَاشَيْتُ كَظِلٍّ فِي آخِرِ النَّهَارِ، وَكَحَشَرَةٍ تُنْفَضُ عَنِ الثَّوْبِ. اِرْتَعَشَتْ رُكْبَتَايَ مِنَ الصَّوْمِ، جِسْمِي هَزِيلٌ وَنَحِيفٌ. صِرْتُ عَارًا عِنْدَهُمْ، يَنْظُرُونَ إِلَيَّ وَيَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ. أَعِنِّي يَا رَبِّي وَإِلَهِي. أَنْقِذْنِي حَسَبَ رَحْمَتِكَ. فَيَعْرِفُوا أَنَّ هَذِهِ هِيَ يَدُكَ، وَأَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبُّ فَعَلْتَ هَذَا. هُمْ يَلْعَنُونِي، وَأَنْتَ تُبَارِكُنِي. هُمْ يُهَاجِمُونِي، وَأَنْتَ تُخْزِيهِمْ. لِذَلِكَ يَفْرَحُ عَبْدُكَ. يَلْبَسُ خُصُومِيَ الْخَجَلَ، يُغَطِّيهِمِ الْعَارُ كَرِدَاءٍ. أُبَارِكُ اللهَ كَثِيرًا بِفَمِي، وَفِي وَسَطِ جُمْهُورٍ غَفِيرٍ أُسَبِّحُهُ. لِأَنَّهُ يُدَافِعُ عَنِ الْفَقِيرِ، لِيُنْقِذَهُ مِنَ الَّذِينَ يَحْكُمُونَ عَلَيْهِ. مزمور لداود قَالَ اللهُ لِسَيِّدِي: ”اِجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ تَحْتَ قَدَمَيْكَ.“ يَمُدُّ اللهُ سُلْطَانَكَ وَقُدْرَتَكَ مِنَ الْقُدْسِ، فَتَتَسَلَّطَ عَلَى أَعْدَائِكَ. يَوْمَ الْمَعْرَكَةِ، يَتَطَوَّعُ لَكَ شَعْبُكَ، يَأْتِي إِلَيْكَ شُبَّانُكَ فِي ثِيَابٍ مُقَدَّسَةٍ كَنَدَى الصُّبْحِ. أَقْسَمَ اللهُ وَلَنْ يَتَرَاجَعَ فِي كَلَامِهِ: ”أَنْتَ حَبْرٌ إِلَى الْأَبَدِ مِثْلُ الْمَلِكِ صَادِقَ.“ رَبُّنَا يُدَافِعُ عَنْكَ، فِي يَوْمِ غَضَبِهِ يُحَطِّمُ مُلُوكًا. يَقْضِي بَيْنَ الْأُمَمِ، وَيَمْلَأُ الْأَرْضَ الْوَاسِعَةَ بِجُثَثِ رُؤَسَائِهَا. يَشْرَبُ الْمَلِكُ مِنْ نَهْرٍ بِجَانِبِ الطَّرِيقِ، وَيَرْفَعُ الرَّأْسَ عَالِيًا. للهِ الْحَمْدُ. أُبَارِكُ اللهَ مِنْ كُلِّ قَلْبِي، فِي جَمَاعَةِ الْأَتْقِيَاءِ وَمَحْفَلِهِمْ. عَظِيمَةٌ هِيَ أَعْمَالُ اللهِ، يَتَأَمَّلُهَا كُلُّ الْمَسْرُورِينَ بِهَا. صَنِيعُهُ جَلِيلٌ وَمَجِيدٌ، صَلَاحُهُ يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. اِشْتَهَرَ بِمُعْجِزَاتِهِ. اللهُ حَنُونٌ وَرَحِيمٌ. يُعْطِي الَّذِينَ يَتَّقُونَهُ طَعَامًا، يَفِي بِعَهْدِهِ إِلَى الْأَبَدِ. أَظْهَرَ قُوَّتَهُ لِشَعْبِهِ، لَمَّا أَعْطَاهُمْ أَرْضَ الْأُمَمِ. أَعْمَالُهُ أَمِينَةٌ وَعَادِلَةٌ، وَكُلُّ وَصَايَاهُ صَادِقَةٌ. تَبْقَى ثَابِتَةً إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ، مَصْنُوعَةً بِالْأَمَانَةِ وَالِاسْتِقَامَةِ. أَرْسَلَ وَفَدَى شَعْبَهُ. جَعَلَ عَهْدَهُ مَعَهُمْ إِلَى الْأَبَدِ. اِسْمُهُ قُدُّوسٌ وَمَهُوبٌ. مَخَافَةُ اللهِ هِيَ بَدْءُ الْحِكْمَةِ، وَكُلُّ مَنْ يَعْمَلُ بِوَصَايَاهُ هُوَ فَهِيمٌ. تَسْبِيحُ اللهِ يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. للهِ الْحَمْدُ. هَنِيئًا لِلرَّجُلِ الَّذِي يَتَّقِي اللهَ وَيَفْرَحُ جِدًّا بِوَصَايَاهُ. يَكُونُ نَسْلُهُ قَوِيًّا فِي الْأَرْضِ، لِأَنَّ اللهَ يُبَارِكُ أَوْلَادَ التَّقِيِّ. الثَّرْوَةُ وَالْغِنَى فِي دَارِهِ، وَصَلَاحُهُ يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. حَتَّى فِي الظَّلَامِ يُشْرِقُ نُورٌ لِلتَّقِيِّ، لِأَنَّهُ حَنُونٌ وَرَحِيمٌ وَصَالِحٌ. سَعِيدٌ هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يُقْرِضُ بِرَأْفَةٍ، وَيُدَبِّرُ أُمُورَهُ بِالْحَقِّ. لِأَنَّهُ لَا يَتَزَعْزَعُ أَبَدًا. ذِكْرُ الصَّالِحِ يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. لَا يَخَافُ مِنْ خَبَرِ السُّوءِ، يَتَّكِلُ عَلَى اللهِ بِقَلْبٍ ثَابِتٍ. قَلْبُهُ ثَابِتٌ فَلَا يَخَافُ، وَسَيَرَى هَزِيمَةَ خُصُومِهِ. وَزَّعَ بِسَخَاءٍ، أَعْطَى الْفُقَرَاءَ، صَلَاحُهُ يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ، يَزِيدُ رِفْعَةً وَكَرَامَةً. يَرَى الشِّرِّيرُ ذَلِكَ فَيَغْتَاظُ، يَصِرُّ بِأَسْنَانِهِ وَتَتَدَهْوَرُ حَالَتُهُ، لِأَنَّ رَغْبَةَ الشِّرِّيرِ لَا تَتَحَقَّقُ. للهِ الْحَمْدُ. سَبِّحُوا يَا عَبِيدَ اللهِ، سَبِّحُوا اسْمَ اللهِ. لِيَكُنِ اسْمُ اللهِ مُبَارَكًا مِنَ الْآنَ وَإِلَى الْأَبَدِ. مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا يُسَبِّحُ النَّاسُ اسْمَ اللهِ. رَبُّنَا عَلِيٌّ فَوْقَ كُلِّ الْأُمَمِ، أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ جَلَالُهُ. مَنْ مِثْلُ الْمَوْلَى إِلَهِنَا السَّاكِنِ فِي الْأَعَالِي؟ يُطِلُّ مِنْ أَعَالِيهِ لِيَرَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ. يُقِيمُ الْمِسْكِينَ مِنَ التُّرَابِ، وَيَرْفَعُ الْفَقِيرَ مِنَ الْمَزْبَلَةِ. يُجْلِسُهُ مَعَ الْعُظَمَاءِ، مَعَ عُظَمَاءِ شَعْبِهِ. يَرْزُقُ الْعَاقِرَ أَوْلَادًا، يَجْعَلُهَا أُمًّا سَعِيدَةً فِي دَارِهَا. للهِ الْحَمْدُ. لَمَّا خَرَجَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ، لَمَّا ذَهَبَ بَنُو يَعْقُوبَ مِنْ بَيْنِ شَعْبٍ أَعْجَمِيٍّ، صَارَ شَعْبُ يَهُوذَا مَقْدِسَ اللهِ، وَبَنُو إِسْرَائِيلَ مَقَرَّ سُلْطَانِهِ. رَأَى الْبَحْرُ الْأَحْمَرُ ذَلِكَ فَهَرَبَ، وَنَهْرُ الْأُرْدُنِّ تَرَاجَعَ إِلَى الْوَرَاءِ. قَفَزَتِ الْجِبَالُ كَأَنَّهَا كِبَاشٌ، وَالتِّلَالُ كَأَنَّهَا حُمْلَانٌ. مَا لَكَ يَا بَحْرُ هَرَبْتَ؟ وَمَا لَكَ يَا نَهْرُ رَجَعْتَ إِلَى الْوَرَاءِ؟ مَا لَكِ يَا جِبَالُ تَقْفِزِينَ كَالْكِبَاشِ؟ وَيَا تِلَالُ كَالْحُمْلَانِ؟ اِرْتَعِشِي يَا أَرْضُ فِي مَحْضَرِ اللهِ، فِي مَحْضَرِ اللهِ رَبِّ يَعْقُوبَ. الَّذِي حَوَّلَ الصَّخْرَةَ إِلَى عُيُونِ مَاءٍ، وَالصَّوَّانَ إِلَى يَنَابِيعَ جَارِيَةٍ. لَا لَنَا يَا رَبُّ، لَا لَنَا، بَلْ لِاسْمِكَ أَعْطِ الْجَلَالَ، مِنْ أَجْلِ رَحْمَتِكَ وَأَمَانَتِكَ. لِمَاذَا تَقُولُ الْأُمَمُ: ”أَيْنَ إِلَهُهُمْ؟“ إِلَهُنَا فِي السَّمَاءِ، يَعْمَلُ مَا يَشَاءُ. أَمَّا هُمْ فَأَصْنَامُهُمْ مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ، مِنْ صُنْعِ أَيْدِي الْبَشَرِ. لَهَا أَفْوَاهٌ وَلَا تَتَكَلَّمُ، لَهَا عُيُونٌ وَلَا تَرَى، لَهَا آذَانٌ وَلَا تَسْمَعُ، لَهَا أُنُوفٌ وَلَا تَشُمُّ. لَهَا أَيْدٍ وَلَا تَلْمِسُ، لَهَا أَرْجُلٌ وَلَا تَمْشِي، وَلَا تَنْطِقُ بِحَنَاجِرِهَا. مِثْلَهَا يَكُونُ صَانِعُوهَا، وَأَيْضًا كُلُّ مَنْ يَتَّكِلُ عَلَيْهَا. يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، اِتَّكِلُوا عَلَى اللهِ، فَهُوَ مُعِينُكُمْ وَحَامِيكُمْ. يَا بَيْتَ هَارُونَ، اِتَّكِلُوا عَلَى اللهِ، فَهُوَ مُعِينُكُمْ وَحَامِيكُمْ. يَا مَنْ تَتَّقُونَ اللهَ، اِتَّكِلُوا عَلَيْهِ، فَهُوَ مُعِينُكُمْ وَحَامِيكُمْ. الْمَوْلَى يَذْكُرُنَا وَيُبَارِكُنَا. يُبَارِكُ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، يُبَارِكُ بَيْتَ هَارُونَ. يُبَارِكُ مَنْ يَتَّقُونَ اللهَ صِغَارًا وَكِبَارًا. لَيْتَ اللهَ يَزِيدُكُمْ جِدًّا، أَنْتُمْ وَأَوْلَادَكُمْ. لِيُبَارِكْكُمُ اللهُ، صَانِعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. السَّمَاوَاتُ هِيَ للهِ وَحْدَهُ، أَمَّا الْأَرْضُ فَأَعْطَاهَا لِبَنِي آدَمَ. الْأَمْوَاتُ لَا يُسَبِّحُونَ اللهَ، وَلَا السَّاكِنُونَ فِي الْقُبُورِ. أَمَّا نَحْنُ فَنُبَارِكُهُ، مِنَ الْآنَ وَإِلَى اْلأَبَدِ. للهِ الْحَمْدُ. أُحِبُّ اللهَ لِأَنَّهُ يَسْمَعُنِي وَيَسْتَجِيبُ تَضَرُّعِي. يُقَرِّبُ أُذُنَهُ لِي، لِذَلِكَ أَدْعُوهُ مَا دُمْتُ حَيًّا. حِبَالُ الْمَوْتِ حَاصَرَتْنِي، آلَامُ الْقَبْرِ أَصَابَتْنِي. قَاسَيْتُ الضِّيقَ وَالْحُزْنَ. فَدَعَوْتُ بِاسْمِ اللهِ: ”آهِ يَا رَبُّ نَجِّنِي.“ اللهُ حَنُونٌ وَصَالِحٌ، إِلَهُنَا رَحِيمٌ. رَبُّنَا يَحْفَظُ الْبُسَطَاءَ، تَذَلَّلْتُ فَأَنْقَذَنِي. اِرْجِعِي يَا نَفْسِي إِلَى هُدُوئِكِ، لِأَنَّ اللهَ أَحْسَنَ إِلَيْكِ. أَنْتَ يَا رَبُّ نَجَّيْتَ نَفْسِيَ مِنَ الْمَوْتِ، وَعَيْنَيَّ مِنَ الدُّمُوعِ، وَرِجْلَيَّ مِنَ الِانْزِلَاقِ. أَسِيرُ فِي مَحْضَرِ اللهِ بَيْنَ الْأَحْيَاءِ. آمَنْتُ لِذَلِكَ تَكَلَّمْتُ. أَنَا عَانَيْتُ كَثِيرًا، وَقُلْتُ فِي حَيْرَتِي: ”كُلُّ وَاحِدٍ كَذَّابٌ.“ مَاذَا أَرُدُّ للهِ عَنْ كُلِّ إِحْسَانِهِ لِي؟ أَتَنَاوَلُ كَأْسَ النَّجَاةِ، وَأَدْعُو بِاسْمِهِ. أُوفِي نُذُورِي للهِ قُدَّامَ كُلِّ شَعْبِهِ. يَعِزُّ عَلَى اللهِ مَوْتُ الَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. يَا رَبُّ أَنَا عَبْدُكَ، عَبْدُكَ وَابْنُ خَادِمَتِكَ، أَنْتَ حَلَلْتَ قُيُودِي. أُقَدِّمُ لَكَ قُرْبَانَ الشُّكْرِ، وَأَدْعُو بِاسْمِ اللهِ. أُوفِي نُذُورِي للهِ قُدَّامَ كُلِّ شَعْبِهِ، فِي دِيَارِ بَيْتِ اللهِ، فِي وَسَطِكِ يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ. للهِ الْحَمْدُ. سَبِّحُوا اللهَ يَا كُلَّ الْأُمَمِ، عَظِّمُوهُ يَا كُلَّ الشُّعُوبِ. لِأَنَّ رَحْمَتَهُ عَظِيمَةٌ عَلَيْنَا، وَأَمَانَتَهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. للهِ الْحَمْدُ. اِحْمَدُوا اللهَ لِأَنَّهُ طَيِّبٌ، وَرَحْمَتَهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قُولُوا: ”رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ.“ يَا بَيْتَ هَارُونَ قُولُوا: ”رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ.“ يَا مَنْ تَتَّقُونَ اللهَ قُولُوا: ”رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ.“ دَعَوْتُ اللهَ فِي ضِيقِي، فَاسْتَجَابَ لِي وَأَرَاحَنِي. اللهُ مَعِي فَلَا أَخَافُ، مَاذَا يُمْكِنُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَصْنَعَ بِي؟ اللهُ مَعِي وَهُوَ مُعِينِي، وَسَأَرَى هَزِيمَةَ أَعْدَائِي. الِاحْتِمَاءُ بِاللهِ خَيْرٌ مِنَ الِاتِّكَالِ عَلَى الْبَشَرِ. الِاحْتِمَاءُ بِاللهِ خَيْرٌ مِنَ الِاتِّكَالِ عَلَى الْعُظَمَاءِ. حَاصَرَتْنِي كُلُّ الْأُمَمِ، لَكِنْ بِاسْمِ اللهِ أُبِيدُهُمْ. حَاصَرُونِي مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، لَكِنْ بِاسْمِ اللهِ أُبِيدُهُمْ. حَاصَرُونِي كَالنَّحْلِ، لَكِنَّهُمُ انْطَفَأُوا كَنَارِ الشَّوْكِ. بِاسْمِ اللهِ أُبِيدُهُمْ. دَفَعُونِي بِعُنْفٍ لِأَسْقُطَ، لَكِنَّ اللهَ أَعَانَنِي. اللهُ قُوَّتِي وَأُغْنِيَتِي، وَقَدْ صَارَ نَجَاتِي. هُتَافُ الْفَرَحِ وَالنَّصْرِ يُدَوِّي فِي خِيَامِ الصَّالِحِينَ: ”يَمِينُ اللهِ صَنَعَتْ أُمُورًا عَظِيمَةً. يَمِينُ اللهِ مُرْتَفِعَةٌ، يَمِينُ اللهِ صَنَعَتْ أُمُورًا عَظِيمَةً.“ لَا أَمُوتُ بَلْ أَحْيَا وَأُذِيعُ أَعْمَالَ اللهِ. الْمَوْلَى أَدَّبَنِي لَكِنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْنِي إِلَى الْمَوْتِ. اِفْتَحُوا لِي أَبْوَابَ الصَّلَاحِ، فَأَدْخُلَ وَأَحْمَدَ اللهَ. هَذَا هُوَ بَابُ الْمَوْلَى، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّالِحُونَ. أَحْمَدُكَ لِأَنَّكَ اسْتَجَبْتَ لِي، وَصِرْتَ لِي نَجَاةً. الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ صَارَ تَاجَ الْبِنَاءِ. رَبُّنَا عَمِلَ هَذَا، وَهُوَ شَيْءٌ عَجِيبٌ فِي نَظَرِنَا. هَذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي صَنَعَهُ اللهُ، فَلْنَبْتَهِجْ وَنَفْرَحْ فِيهِ. يَا رَبُّ أَنْقِذْنَا، يَا رَبُّ نَجِّحْنَا. تَبَارَكَ الْآتِي بِاسْمِ اللهِ، مِنْ بَيْتِ اللهِ نُبَارِكُكُمْ. اللهُ هُوَ رَبُّنَا، وَقَدْ أَشْرَقَ بِنُورِهِ عَلَيْنَا. اِبْدَأُوا الْمَوْكِبَ وَالْأَغْصَانُ فِي أَيْدِيكُمْ، حَتَّى تَصِلُوا إِلَى مَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ. أَنْتَ إِلَهِي فَأَحْمَدُكَ. أَنْتَ إِلَهِي فَأُعَظِّمُكَ. اِحْمَدُوا اللهَ لِأَنَّهُ طَيِّبٌ، وَرَحْمَتَهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. هَنِيئًا لِمَنْ يَسِيرُونَ فِي الطَّرِيقِ الْكَامِلِ، وَيَعِيشُونَ حَسَبَ شَرِيعَةِ اللهِ. هَنِيئًا لِمَنْ يَحْفَظُونَ وَصَايَاهُ، وَيَطْلُبُونَهُ بِكُلِّ قَلْبِهِمْ. وَلَا يَرْتَكِبُونَ إِثْمًا، بَلْ يَسِيرُونَ فِي طُرُقِهِ. أَنْتَ أَعْطَيْتَنَا وَصَايَاكَ، وَأَمَرْتَ أَنْ نَعْمَلَ بِهَا كُلِّهَا. لَيْتَنِي أَسِيرُ بِثَبَاتٍ فِي طَاعَةِ فَرَائِضِكَ. بِذَلِكَ لَا أَخْجَلُ حِينَ أَتَأَمَّلُ فِي كُلِّ وَصَايَاكَ. أَحْمَدُكَ بِقَلْبٍ نَقِيٍّ، حِينَ أَتَعَلَّمُ أَحْكَامَكَ الصَّالِحَةَ. أَنَا أُطِيعُ وَصَايَاكَ، فَلَا تَتْرُكْنِي أَبَدًا. كَيْفَ يَسْلُكُ الشَّابُّ بِطَهَارَةٍ؟ بِأَنْ يَعِيشَ حَسَبَ كَلِمَتِكَ. أَطْلُبُكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِي، فَلَا تَجْعَلْنِي أَضِلُّ عَنْ وَصَايَاكَ. خَبَّأْتُ كَلَامَكَ فِي قَلْبِي، لِئَلَّا أُخْطِئَ إِلَيْكَ. مُبَارَكٌ أَنْتَ يَا رَبُّ، عَلِّمْنِي فَرَائِضَكَ. بِشَفَتَيَّ أُخْبِرُ بِكُلِّ الْأَحْكَامِ الَّتِي نَطَقْتَ بِهَا. أَفْرَحُ بِالسَّيْرِ فِي طَرِيقِ إِرْشَادَاتِكَ كَمَنْ وَجَدَ ثَرْوَةً عَظِيمَةً. أَتَأَمَّلُ فِي وَصَايَاكَ، وَأَحْفَظُ نَظَرِي عَلَى سُبُلِكَ. أَتَلَذَّذُ بِفَرَائِضِكَ، وَلَا أَنْسَى كَلِمَتَكَ. أَحْسِنْ إِلَى عَبْدِكَ، فَأَحْيَا وَأَعْمَلَ بِكَلِمَتِكَ. اِفْتَحْ عَيْنَيَّ، فَأَرَى الْعَجَائِبَ الَّتِي فِي شَرِيعَتِكَ. أَنَا غَرِيبٌ فِي الْأَرْضِ، فَلَا تَحْجُبْ عَنِّي وَصَايَاكَ. تَحِنُّ نَفْسِي شَوْقًا إِلَى أَحْكَامِكَ دَائِمًا. أَنْتَ تُوَبِّخُ الْمُتَكَبِّرِينَ الْمَلَاعِينَ الَّذِينَ ضَلُّوا عَنْ وَصَايَاكَ. أَبْعِدْ عَنِّيَ الْعَارَ وَالْهَوَانَ، لِأَنِّي أَعْمَلُ بِإِرْشَادَاتِكَ. جَلَسَ الرُّؤَسَاءُ وَافْتَرَوْا عَلَيَّ، أَمَّا عَبْدُكَ فَيَتَأَمَّلُ فِي فَرَائِضِكَ. وَصَايَاكَ هِيَ لَذَّتِي، وَفِيهَا أَجِدُ الْمَشُورَةَ الْحُسْنَى. رَقَدْتُ فِي التُّرَابِ ذَلِيلًا، فَأَحْيِنِي حَسَبَ كَلِمَتِكَ. أَخْبَرْتُكَ عَنْ سُوءِ حَالِي فَاسْتَجَبْتَ لِي، عَلِّمْنِي فَرَائِضَكَ. فَهِّمْنِي تَعَالِيمَ وَصَايَاكَ، فَأَتَأَمَّلَ فِي عَجَائِبِكَ. ذَابَتْ نَفْسِي مِنَ الْحُزْنِ، أَقِمْنِي حَسَبَ كَلَامِكَ. أَبْعِدْنِي عَنْ طَرِيقِ الْكِذْبِ، وَتَحَنَّنْ عَلَيَّ بِشَرِيعَتِكَ. اِخْتَرْتُ طَرِيقَ الْحَقِّ، وَجَعَلْتُ أَحْكَامَكَ أَمَامِي. تَمَسَّكْتُ بِإِرْشَادَاتِكَ يَا رَبُّ، لَا تَجْعَلْنِي أَخِيبُ. أَتْبَعُ وَصَايَاكَ بِشَغَفٍ، لِأَنَّكَ حَرَّرْتَنِي. عَلِّمْنِي يَا رَبُّ طَرِيقَ فَرَائِضِكَ، فَأَعْمَلَ بِهَا إِلَى النِّهَايَةِ. أَعْطِنِي فَهْمًا لِأُطِيعَ شَرِيعَتَكَ، وَأَعْمَلَ بِهَا مِنْ كُلِّ قَلْبِي. اِهْدِنِي فِي طَرِيقِ وَصَايَاكَ، لِأَنِّي أَفْرَحُ بِهَا. أَمِلْ قَلْبِي إِلَى إِرْشَادَاتِكَ، لَا إِلَى طَلَبِ الرِّبْحِ. حَوِّلْ عَيْنَيَّ بَعِيدًا عَنِ الْأُمُورِ الْبَاطِلَةِ، أَحْيِنِي حَسَبَ كَلِمَتِكَ. حَقِّقْ لِعَبْدِكَ وَعْدَكَ الَّذِي وَعَدْتَ بِهِ مَنْ يَتَّقُونَكَ. أَزِلْ عَنِّيَ الْعَارَ الَّذِي أَخْشَاهُ، لِأَنَّ أَحْكَامَكَ صَالِحَةٌ. كَمْ أَشْتَاقُ إِلَى وَصَايَاكَ، بِصَلَاحِكَ أَحْيِنِي. أَنْعِمْ عَلَيَّ يَا رَبُّ بِرَحْمَتِكَ وَنَجَاتِكَ حَسَبَ وَعْدِكَ. فَأَرُدَّ عَلَى مَنْ يَهَزَأُ بِي، لِأَنِّي اتَّكَلْتُ عَلَى كَلَامِكَ. لَا تَنْزِعْ كَلِمَةَ الْحَقِّ مِنْ فَمِي، لِأَنِّي وَضَعْتُ رَجَائِي فِي أَحْكَامِكَ. أَعْمَلُ بِشَرِيعَتِكَ دَائِمًا، إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ. أَسِيرُ فِي حُرِّيَّةٍ، لِأَنِّي طَلَبْتُ وَصَايَاكَ. وَأَتَحَدَّثُ بِإِرْشَادَاتِكَ قُدَّامَ مُلُوكٍ وَلَا أَخْجَلُ. لِأَنِّي أَتَلَذَّذُ بِوَصَايَاكَ وَأُحِبُّهَا. أَرْفَعُ يَدَيَّ لِلدُّعَاءِ بِوَصَايَاكَ وَأُحِبُّهَا. أَتَأَمَّلُ فِي فَرَائِضِكَ. اُذْكُرِ الْكَلَامَ الَّذِي قُلْتَهُ لِعَبْدِكَ، وَالَّذِي عَلَّمْتَنِي أَنْ أَضَعَ فِيهِ رَجَائِي. إِنَّ عَزَائِي فِي الضِّيقِ هُوَ أَنَّ كَلَامَكَ أَحْيَانِي. بِلَا حُدُودٍ يَهْزَأُ بِيَ الْمُتَكَبِّرُونَ، لَكِنِّي لَا أَحِيدُ عَنْ شَرِيعَتِكَ. أَذْكُرُ أَحْكَامَكَ مُنْذُ الْقَدِيمِ يَا رَبُّ فَأَتَعَزَّى. تَمَلَّكَنِي الْغَضَبُ بِسَبَبِ الْأَشْرَارِ الَّذِينَ أَهْمَلُوا شَرِيعَتَكَ. صَارَتْ فَرَائِضُكَ تَرَانِيمَ لِي فِي دَارِ غُرْبَتِي. أَذْكُرُ اسْمَكَ فِي اللَّيْلِ يَا رَبُّ، وَأُطِيعُ شَرِيعَتَكَ. فَهَذَا هُوَ نَصِيبِي لِأَنِّي أَطَعْتُ وَصَايَاكَ. أَنْتَ نَصِيبِي يَا رَبُّ، وَأَنَا وَعَدْتُ أَنْ أُطِيعَ كَلَامَكَ. طَلَبْتُ وَجْهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِي. اِرْحَمْنِي حَسَبَ وَعْدِكَ. تَأَمَّلْتُ حَيَاتِي، وَقَرَّرْتُ أَنْ أَتْبَعَ إِرْشَادَاتِكَ. أَسْرَعْتُ وَلَمْ أَتَأَخَّرْ لِإِطَاعَةِ وَصَايَاكَ. دَبَّرَ الْأَشْرَارُ الْمَكَايِدَ لِي، وَلَكِنِّي لَا أَنْسَى شَرِيعَتَكَ. أَقُومُ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ لِأَحْمَدَكَ عَلَى أَحْكَامِكَ الصَّالِحَةِ. أَنَا صَدِيقٌ لِكُلِّ مَنْ يَتَّقُونَكَ، لِكُلِّ مَنْ يَعْمَلُونَ بِوَصَايَاكَ. رَحْمَتُكَ يَا رَبُّ مَلَأَتِ الْأَرْضَ، فَعَلِّمْنِي وَصَايَاكَ. صَنَعْتَ خَيْرًا مَعَ عَبْدِكَ يَا رَبُّ، حَسَبَ كَلَامِكَ. أَعْطِنِي تَمْيِيزًا وَمَعْرِفَةً، لِأَنِّي آمَنْتُ بِوَصَايَاكَ. قَبْلَ مَا عَانَيْتُ الذُّلَّ أَنَا ضَلَلْتُ، أَمَّا الْآنَ فَأُطِيعُ كَلَامَكَ. أَنْتَ طَيِّبٌ وَمُحْسِنٌ، فَعَلِّمْنِي فَرَائِضَكَ. اِفْتَرَى الْمُتَكَبِّرُونَ عَلَيَّ كِذْبًا، أَمَّا أَنَا فَمِنْ كُلِّ قَلْبِي أَعْمَلُ بِوَصَايَاكَ. قُلُوبُهُمْ مُتَحَجِّرَةٌ وَبِلَا إِحْسَاسٍ، أَمَّا أَنَا فَأَتَلَذَّذُ بِشَرِيعَتِكَ. الذُّلُّ الَّذِي عَانَيْتُهُ كَانَ لِخَيْرِي، لِأَنِّي تَعَلَّمْتُ فَرَائِضَكَ. شَرِيعَةُ فَمِكَ خَيْرٌ لِي مِنْ أُلُوفِ عُمْلَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ. يَدَاكَ صَنَعَتَانِي وَكَوَّنَتَانِي، أَعْطِنِي فَهْمًا فَأَتَعَلَّمَ وَصَايَاكَ. يَرَانِي الَّذِينَ يَتَّقُونَكَ فَيَفْرَحُونَ، لِأَنِّي وَضَعْتُ رَجَائِي فِي كَلَامِكَ. أَنَا عَارِفٌ يَا رَبُّ أَنَّ أَحْكَامَكَ صَالِحَةٌ، وَأَنَّكَ بِالْحَقِّ جَعَلْتَنِي أُعَانِي الذُّلَّ. رَحْمَتُكَ تَعْزِيَةٌ لِي، حَسَبَ وَعْدِكَ لِعَبْدِكَ. تَرْحَمُنِي فَأَحْيَا، لِأَنَّ شَرِيعَتَكَ هِيَ لَذَّتِي. يَخْجَلُ الْمُتَكَبِّرُونَ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَيَّ، أَمَّا أَنَا فَأَتَأَمَّلُ فِي وَصَايَاكَ. يَأْتِي إِلَيَّ الَّذِينَ يَتَّقُونَكَ، الَّذِينَ يَعْرِفُونَ وَصَايَاكَ. مِنْ كُلِّ قَلْبِي أَعْمَلُ بِفَرَائِضِكَ، فَلَنْ أَخِيبَ. نَفْسِي مُتَلَهِّفَةٌ إِلَى نَجَاتِكَ، وَضَعْتُ رَجَائِي فِي كَلَامِكَ. ضَعُفَتْ عَيْنَايَ مِنِ انْتِظَارِ كَلِمَةٍ مِنْكَ، وَأَقُولُ: ”مَتَى تُعَزِّينِي؟“ أَصْبَحْتُ مِثْلَ قِرْبَةِ خَمْرٍ أَتْلَفَهَا الدُّخَانُ، وَلَكِنِّي لَمْ أَنْسَ فَرَائِضَكَ. إِلَى مَتَى يَنْتَظِرُ عَبْدُكَ، لِتَحْكُمَ عَلَى مَنْ يَضْطَهِدُونِي؟ الْمُتَكَبِّرُونَ حَفَرُوا لِي حُفَرًا، وَبِذَلِكَ خَالَفُوا شَرِيعَتَكَ. كُلُّ وَصَايَاكَ صَادِقَةٌ، أَعِنِّي لِأَنَّ النَّاسَ يَضْطَهِدُونِي بِلَا سَبَبٍ. كَادُوا أَنْ يُفْنُونِي مِنَ الْأَرْضِ، وَلَكِنِّي لَمْ أَبْتَعِدْ عَنْ وَصَايَاكَ. أَحْيِنِي حَسَبَ رَحْمَتِكَ، فَأُطِيعَ إِرْشَادَاتِكَ. كَلِمَتُكَ يَا رَبُّ ثَابِتَةٌ فِي السَّمَاوَاتِ إِلَى الْأَبَدِ. أَمَانَتُكَ تَدُومُ إِلَى كُلِّ الْأَجْيَالِ، أَنْتَ أَسَّسْتَ الْأَرْضَ فَثَبَتَتْ. ثَبَتَتْ إِلَى الْيَوْمِ عَلَى أَحْكَامِكَ، لِأَنَّ الْكُلَّ فِي خِدْمَتِكَ. لَوْ لَمْ تَكُنْ شَرِيعَتُكَ لَذَّتِي، لَهَلَكْتُ فِي تَعَاسَتِي. لَنْ أَنْسَى وَصَايَاكَ أَبَدًا، لِأَنَّكَ بِهَا أَحْيَيْتَنِي. أَنَا لَكَ فَأَنْقِذْنِي، لِأَنِّي طَلَبْتُ وَصَايَاكَ. اِنْتَظَرَنِي الْأَشْرَارُ لِيُهْلِكُونِي، لَكِنِّي أَتَأَمَّلُ فِي إِرْشَادَاتِكَ. كُلُّ كَمَالٍ رَأَيْتُ لَهُ حُدُودًا، أَمَّا وَصِيَّتُكَ فَلَا حُدُودَ لَهَا. كَمْ أُحِبُّ شَرِيعَتَكَ! أَتَأَمَّلُ فِيهَا طُولَ الْيَوْمِ. وَصِيَّتُكَ جَعَلَتْنِي أَحْكَمَ مِنْ أَعْدَائِي، لِأَنَّهَا لَا تُفَارِقُنِي أَبَدًا. صِرْتُ أَكْثَرَ مَعْرِفَةً مِنْ كُلِّ مُعَلِّمِيَّ، لِأَنِّي أَتَأَمَّلُ فِي إِرْشَادَاتِكَ. صِرْتُ أَكْثَرَ فَهْمًا مِنَ الشُّيُوخِ، لِأَنِّي أُطِيعُ وَصَايَاكَ. مَنَعْتُ قَدَمَيَّ عَنْ طَرِيقِ السُّوءِ، لِكَيْ أُطِيعَ كَلَامَكَ. لَا أَبْتَعِدُ عَنْ أَحْكَامِكَ، لِأَنَّكَ أَنْتَ عَلَّمْتَنِي. مَا أَحْلَى كَلَامَكَ عَلَى لِسَانِي، هُوَ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ فِي فَمِي. وَصَايَاكَ تَزِيدُنِي فَهْمًا، لِذَلِكَ أَكْرَهُ كُلَّ طَرِيقٍ بَاطِلٍ. كَلَامُكَ هُوَ مِصْبَاحٌ لِرِجْلِي، وَنُورٌ لِطَرِيقِي. أَقْسَمْتُ وَسَأَفِي بِالْقَسَمِ، أَنْ أَعْمَلَ بِأَحْكَامِكَ الصَّالِحَةِ. قَاسَيْتُ كَثِيرًا، فَأَحْيِنِي يَا رَبُّ حَسَبَ كَلَامِكَ. اِقْبَلْ يَا رَبُّ قُرْبَانَ الْحَمْدِ مِنْ فَمِي، وَعَلِّمْنِي أَحْكَامَكَ. أُخَاطِرُ دَائِمًا بِحَيَاتِي، وَلَكِنِّي لَا أَنْسَى شَرِيعَتَكَ. نَصَبَ الْأَشْرَارُ لِي فَخًّا، وَلَكِنِّي لَا أَنْحَرِفُ عَنْ وَصَايَاكَ. إِرْشَادَاتُكَ هِيَ نَصِيبِيَ الْخَالِدُ، وَهِيَ بَهْجَةُ قَلْبِي. وَجَّهْتُ قَلْبِي لِلْعَمَلِ بِفَرَائِضِكَ دَائِمًا وَإِلَى النِّهَايَةِ. أَكْرَهُ الْمُتَقَلِّبِينَ، وَأُحِبُّ شَرِيعَتَكَ. أَنْتَ مَلْجَأِي وَحَامِيَّ، وَضَعْتُ رَجَائِي فِي كَلَامِكَ. اُبْعُدُوا عَنِّي أَيُّهَا الْأَشْرَارُ، فَأَعْمَلَ بِوَصَايَا إِلَهِي. اُسْنُدْنِي حَسَبَ وَعْدِكَ فَأَحْيَا، وَلَا تُخَيِّبْ رَجَائِي. أَيِّدْنِي فَأَنْجُوَ، وَأَعْمَلَ بِفَرَائِضِكَ دَائِمًا. أَنْتَ تَرْفُضُ كُلَّ الضَّالِّينَ عَنْ فَرَائِضِكَ، وَمَكْرُهُمْ لَا يَنْفَعُهُمْ. أَنْتَ تَرْفُضُ كُلَّ أَشْرَارِ الْأَرْضِ كَنُفَايَةٍ، لِذَلِكَ أُحِبُّ إِرْشَادَاتِكَ. يَقْشَعِرُّ جِسْمِي خَوْفًا مِنْكَ، وَأَحْكَامُكَ أَرْهَبُهَا. حَكَمْتُ بِالْإِنْصَافِ وَالْعَدْلِ، فَلَا تُسَلِّمْنِي إِلَى الظَّالِمِينَ. اِضْمَنِ الْخَيْرَ لِعَبْدِكَ، وَلَا تَجْعَلِ الْمُتَكَبِّرِينَ يَظْلِمُونِي. ضَعُفَتْ عَيْنَايَ مِنِ انْتِظَارِ نَجَاتِكَ وَكَلَامِكَ الصَّالِحِ. عَامِلْ عَبْدَكَ حَسَبَ رَحْمَتِكَ، وَعَلِّمْنِي فَرَائِضَكَ. أَنَا عَبْدُكَ، أَعْطِنِي بَصِيرَةً فَأَفْهَمَ إِرْشَادَاتِكَ. حَانَ الْوَقْتُ أَنْ تَعْمَلَ يَا رَبُّ، لِأَنَّهُمْ كَسَرُوا شَرِيعَتَكَ. أَنَا أُحِبُّ وَصَايَاكَ أَكْثَرَ مِنَ الذَّهَبِ، أَكْثَرَ مِنَ الذَّهَبِ النَّقِيِّ. أَرَى كُلَّ وَصَايَاكَ مُسْتَقِيمَةً فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِذَلِكَ أَكْرَهُ كُلَّ طَرِيقٍ بَاطِلٍ. إِرْشَادَاتُكَ عَجِيبَةٌ، لِذَلِكَ أُطِيعُهَا. شَرْحُ كَلَامِكَ يُنِيرُ الْفَهْمَ، وَيَجْعَلُ الْجَاهِلَ حَكِيمًا. أَفْتَحُ فَمِي وَأَلْهَثُ مُتَلَهِّفًا إِلَى وَصَايَاكَ. اِلْتَفِتْ إِلَيَّ وَارْحَمْنِي، كَمَا تَفْعَلُ دَائِمًا مَعَ الَّذِينَ يُحِبُّونَ اسْمَكَ. وَجِّهْ خَطَوَاتِي حَسَبَ كَلِمَتِكَ، فَلَا يَتَسَلَّطَ عَلَيَّ شَرٌّ. أَنْقِذْنِي مِنْ ظُلْمِ الْبَشَرِ، فَأَعْمَلَ بِوَصَايَاكَ. أَشْرِقْ بِوَجْهِكَ عَلَى عَبْدِكَ، وَعَلِّمْنِي فَرَائِضَكَ. أَنْهَارُ دُمُوعٍ فَاضَتْ مِنْ عَيْنَيَّ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا بِشَرِيعَتِكَ. أَنْتَ صَالِحٌ يَا رَبُّ، وَأَحْكَامُكَ مُسْتَقِيمَةٌ. فَرَائِضُكَ الَّتِي وَضَعْتَهَا هِيَ صَالِحَةٌ وَصَادِقَةٌ جِدًّا. الْغِيرَةُ أَتْعَبَتْنِي لِأَنَّ أَعْدَائِي نَسُوا كَلَامَكَ. كَلِمَتُكَ نَقِيَّةٌ جِدًّا، وَعَبْدُكَ يُحِبُّهَا. مَعَ أَنِّي صَغِيرٌ وَحَقِيرٌ، لَكِنِّي لَا أَنْسَى وَصَايَاكَ. صَلَاحُكَ إِلَى الْأَبَدِ، وَشَرِيعَتُكَ حَقٌّ. أَصَابَنِي الضِّيقُ وَالْكَرْبُ، لَكِنَّ وَصَايَاكَ هِيَ لَذَّتِي. إِرْشَادَاتُكَ صَادِقَةٌ إِلَى الْأَبَدِ، فَهِّمْنِي إِيَّاهَا فَأَحْيَا. أَدْعُوكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِي، فَاسْتَجِبْ لِي يَا رَبُّ لِأَعْمَلَ بِفَرَائِضِكَ. أَدْعُوكَ فَأَنْقِذْنِي لِأُطِيعَ إِرْشَادَاتِكَ. أَقُومُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَأَسْتَغِيثُ بِكَ، وَضَعْتُ رَجَائِي فِي كَلَامِكَ. عَيْنَايَ مَفْتُوحَتَانِ طُولَ اللَّيْلِ، لِكَيْ أَتَأَمَّلَ فِي أَقْوَالِكَ. اِسْمَعْ صَوْتِي حَسَبَ رَحْمَتِكَ، وَأَحْيِنِي يَا رَبُّ حَسَبَ أَحْكَامِكَ. الَّذِينَ يَضْطَهِدُونِي اقْتَرَبُوا، لَكِنَّهُمْ عَنْ شَرِيعَتِكَ ابْتَعَدُوا. أَنْتَ يَا رَبُّ قَرِيبٌ مِنِّي، وَكُلُّ وَصَايَاكَ حَقٌّ. مُنْذُ الْقَدِيمِ عَرَفْتُ مِنْ إِرْشَادَاتِكَ أَنَّكَ وَضَعْتَهَا لِتَثْبُتَ إِلَى الْأَبَدِ. اُنْظُرْ إِلَى آلَامِي وَأَنْقِذْنِي، لِأَنِّي لَا أَنْسَى شَرِيعَتَكَ. دَافِعْ عَنِّي وَافْدِنِي، أَحْيِنِي حَسَبَ كَلِمَتِكَ. النَّجَاةُ بَعِيدَةٌ عَنِ الْأَشْرَارِ، لِأَنَّهُمْ لَا يَطْلُبُونَ فَرَائِضَكَ. رَحْمَتُكَ عَظِيمَةٌ يَا رَبُّ، أَحْيِنِي حَسَبَ أَحْكَامِكَ. أَعْدَائِيَ الَّذِينَ يَضْطَهِدُونِي كَثِيرُونَ، لَكِنِّي لَمْ أَحِدْ عَنْ إِرْشَادَاتِكَ. أَرَى الْغَادِرِينَ فَأَحْزَنُ، لِأَنَّهُمْ لَا يُطِيعُونَ كَلِمَتَكَ. اُنْظُرْ كَيْفَ أَنِّي أُحِبُّ وَصَايَاكَ، يَا رَبُّ أَحْيِنِي حَسَبَ رَحْمَتِكَ. كُلُّ كَلَامِكَ حَقٌّ، وَكُلُّ أَحْكَامِكَ الصَّالِحَةِ هِيَ إِلَى الْأَبَدِ. الرُّؤَسَاءُ يَضْطَهِدُونِي بِلَا سَبَبٍ، لَكِنِّي أَرْهَبُ كَلَامَكَ. أَبْتَهِجُ بِكَلَامِكَ كَمَنْ وَجَدَ غَنِيمَةً وَافِرَةً. أَكْرَهُ الْكِذْبَ وَأُبْغِضُهُ، أَمَّا شَرِيعَتُكَ فَأُحِبُّهَا. أُسَبِّحُكَ 7 مَرَّاتٍ فِي النَّهَارِ عَلَى أَحْكَامِكَ الصَّالِحَةِ. سَلَامٌ جَزِيلٌ لِمَنْ يُحِبُّونَ شَرِيعَتَكَ، وَلَنْ يُعْثِرَهُمْ شَيْءٌ. أَنْتَظِرُ نَجَاتَكَ يَا رَبُّ، وَأَعْمَلُ بِوَصَايَاكَ. أُطِيعُ إِرْشَادَاتِكَ، لِأَنِّي أُحِبُّهَا جِدًّا. أُطِيعُ وَصَايَاكَ وَإِرْشَادَاتِكَ، وَأَنْتَ تَعْرِفُ كُلَّ سُلُوكِي. لَيْتَ صُرَاخِي يَصِلُ إِلَيْكَ يَا رَبُّ، أَعْطِنِي فَهْمًا حَسَبَ كَلِمَتِكَ. لَيْتَ تَضَرُّعِي يَصِلُ إِلَى مَحْضَرِكَ، نَجِّنِي حَسَبَ وَعْدِكَ. تَفِيضُ شَفَتَايَ بِالتَّسْبِيحِ، لِأَنَّكَ عَلَّمْتَنِي فَرَائِضَكَ. يُغَنِّي لِسَانِي بِكَلَامِكَ، لِأَنَّ كُلَّ وَصَايَاكَ صَالِحَةٌ. يَدُكَ تَنْصُرُنِي، لِأَنِّي اخْتَرْتُ وَصَايَاكَ. أَشْتَاقُ إِلَى نَجَاتِكَ يَا رَبُّ، وَشَرِيعَتُكَ هِيَ لَذَّتِي. أَحْيِنِي فَأُسَبِّحَكَ، وَأَحْكَامُكَ تَنْصُرُنِي. ضَلَلْتُ كَخَرُوفٍ ضَائِعٍ، فَابْحَثْ عَنْ عَبْدِكَ لِأَنِّي لَمْ أَنْسَ وَصَايَاكَ. نشيد الحجاج فِي ضِيقِي صَرَخْتُ إِلَى اللهِ فَاسْتَجَابَ لِي. نَجِّنِي يَا رَبُّ مِنَ الشِّفَاهِ الْكَاذِبَةِ وَاللِّسَانِ الْمَاكِرِ. مَاذَا يَصْنَعُ اللهُ لَكَ، بِمَاذَا يُجَازِيكَ يَا صَاحِبَ اللِّسَانِ الْمَاكِرِ؟ يَقْذِفُكَ بِسِهَامِ جَبَّارٍ مَسْنُونَةٍ، وَجَمْرٍ أَحْمَرَ مُلْتَهِبٍ. وَيْلٌ لِي لِأَنِّي أَقَمْتُ فِي مَاشِكَ وَسَكَنْتُ فِي خِيَامِ قِيدَارَ. طَالَ سَكَنِي مَعَ مَنْ يَكْرَهُونَ السَّلَامَ. أَنَا رَجُلُ سَلَامٍ، وَكُلَّمَا دَعَوْتُ لِلسَّلَامِ يَدْعُونَ لِلْحَرْبِ. نشيد الحجاج أَرْفَعُ عَيْنَيَّ إِلَى الْجِبَالِ وَأَسْأَلُ: ”مِنْ أَيْنَ يَأْتِي عَوْنِي؟“ عَوْنِي يَأْتِي مِنْ عِنْدِ اللهِ، صَانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. لَا يَدَعُ قَدَمَكَ تَزِلُّ، لِأَنَّ حَارِسَكَ لَا يَنْعَسُ. حَارِسُ شَعْبِهِ لَا يَنْعَسُ وَلَا يَنَامُ. رَبُّنَا حَارِسُكَ، رَبُّنَا ظِلٌّ لَكَ عَنْ يَمِينِكَ. لَا تَضْرِبُكَ الشَّمْسُ فِي النَّهَارِ، وَلَا الْقَمَرُ فِي اللَّيْلِ. رَبُّنَا يَحْرُسُكَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ. يَحْرُسُ حَيَاتَكَ. رَبُّنَا يَحْرُسُكَ فِي ذَهَابِكَ وَإِيَابِكَ مِنَ الْآنَ وَإِلَى الْأَبَدِ. نشيد الحجاج. لداود فَرِحْتُ بِالَّذِينَ قَالُوا لِي: ”تَعَالَ نَذْهَبُ مَعًا إِلَى بَيْتِ اللهِ.“ وَالْآنَ أَقْدَامُنَا وَاقِفَةٌ هُنَاكَ، دَاخِلَ أَبْوَابِكِ يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ. الْقُدْسُ مَدِينَةٌ مَبْنِيَّةٌ مُتَمَاسِكَةٌ وَمُتَّحِدَةٌ. إِلَى هُنَاكَ تَصْعَدُ الْقَبَائِلُ، قَبَائِلُ شَعْبِ اللهِ، لِيَحْمَدُوا اسْمَهُ حَسَبَ فَرِيضَتِهِ لَنَا. هُنَاكَ أُقِيمَتْ عُرُوشُ الْقَضَاءِ، عُرُوشُ بَيْتِ دَاوُدَ. اُدْعُوا اللهَ مِنْ أَجْلِ سَلَامِ الْقُدْسِ، لَيْتَ الَّذِينَ يُحِبُّونَكِ يَطْمَئِنُّونَ. لِيَكُنْ سَلَامٌ دَاخِلَ أَسْوَارِكِ، وَأَمَانٌ دَاخِلَ قُصُورِكِ. مِنْ أَجْلِ إِخْوَتِي وَأَصْحَابِي، أَدْعُو لَكِ بِالسَّلَامِ. مِنْ أَجْلِ بَيْتِ رَبِّنَا وَإِلَهِنَا، أَطْلُبُ لَكِ الْخَيْرَ. نشيد الحجاج أَرْفَعُ عَيْنَيَّ إِلَيْكَ، يَا مَنْ عَرْشُكَ فِي السَّمَاءِ. كَمَا تَتَطَلَّعُ عُيُونُ الْعَبِيدِ إِلَى أَيْدِي سَادَتِهِمْ، وَعَيْنَا الْجَارِيَةِ إِلَى يَدِ سَيِّدَتِهَا، تَتَطَلَّعُ عُيُونُنَا إِلَى رَبِّنَا وَإِلَهِنَا حَتَّى يَتَحَنَّنَ عَلَيْنَا. اِرْحَمْنَا يَا رَبُّ ارْحَمْنَا، لِأَنَّنَا شَبِعْنَا هَوَانًا. شَبِعْنَا مِنْ هُزْءِ الْمُتَكَبِّرِينَ وَإِهَانَةِ الْمُتَعَجْرِفِينَ. نشيد الحجاج. لداود لَوْ لَمْ يَكُنِ اللهُ مَعَنَا، قُولُوا هَذَا يَا شَعْبَ اللهِ، لَوْ لَمْ يَكُنِ اللهُ مَعَنَا حِينَ قَامَ النَّاسُ عَلَيْنَا، وَحِينَ اشْتَعَلَ غَضَبُهُمْ ضِدَّنَا، لَكَانُوا بَلَعُونَا وَنَحْنُ أَحْيَاءٌ، وَجَرَفَتْنَا الْأَمْوَاجُ، وَغَطَّانَا السَّيْلُ، وَأَغْرَقَتْنَا الْمِيَاهُ الْهَائِجَةُ. تَبَارَكَ اللهُ الَّذِي لَمْ يَتْرُكْنَا فَرِيسَةً لِأَسْنَانِ أَعْدَائِنَا. هَرَبْنَا كَعُصْفُورٍ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِ. الْفَخُّ انْكَسَرَ وَنَحْنُ هَرَبْنَا. عَوْنُنَا بِاسْمِ اللهِ صَانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. نشيد الحجاج الْمُتَوَكِّلُونَ عَلَى اللهِ هُمْ كَجَبَلِ الْقُدْسِ الرَّاسِخِ الَّذِي لَا يَتَزَعْزَعُ إِلَى الْأَبَدِ. كَمَا تُحِيطُ الْجِبَالُ بِالْقُدْسِ، كَذَلِكَ يُحِيطُ اللهُ بِشَعْبِهِ مِنَ الْآنَ وَإِلَى الْأَبَدِ. وَهُوَ لَا يَسْمَحُ لِقُوَّاتِ الشَّرِّ أَنْ تَتَسَلَّطَ فِي بِلَادِ الصَّالِحِينَ، لِئَلَّا يَمُدَّ الصَّالِحُونَ أَيْدِيَهُمْ إِلَى الشَّرِّ. أَحْسِنْ يَا رَبُّ إِلَى الصَّالِحِينَ وَإِلَى مَنْ قُلُوبُهُمْ نَقِيَّةٌ. أَمَّا الَّذِينَ يَنْحَرِفُونَ إِلَى طُرُقٍ مُعْوَجَّةٍ، فَإِنَّ اللهَ يُهْلِكُهُمْ مَعَ فَاعِلِي الْإِثْمِ. سَلَامٌ عَلَى شَعْبِهِ. نشيد الحجاج لَمَّا أَرْجَعَ اللهُ أَهْلَ الْقُدْسِ مِنَ الْأَسْرِ، صِرْنَا كَمَنْ يَرَى حُلْمًا. اِمْتَلَأَتْ أَفْوَاهُنَا بِالضِّحْكِ، وَأَلْسِنَتُنَا بِالتَّرْنِيمِ. وَقَالَتِ الْأُمَمُ: ”صَنَعَ اللهُ أُمُورًا عَظِيمَةً مَعَ هَؤُلَاءِ النَّاسِ.“ نَعَمْ، صَنَعَ اللهُ أُمُورًا عَظِيمَةً مَعَنَا، فَفَرِحْنَا جِدًّا. أَرْجِعْ أَسْرَانَا يَا رَبُّ، كَمَا تُعِيدُ الْمِيَاهَ إِلَى الْجَدَاوِلِ الْجَافَّةِ فِي النَّقَبِ. مَنْ يَزْرَعُ بِالدُّمُوعِ، يَحْصُدُ بِالتَّرْنِيمِ. مَنْ يَذْهَبُ بَاكِيًا حَامِلًا بِذَارَهُ، يَرْجِعُ مُرَنِّمًا حَامِلًا حُزَمَهُ. نشيد الحجاج. لسليمان إِنْ لَمْ يَبْنِ اللهُ الْبَيْتَ، يَتْعَبِ الْبَنَّاؤُونَ بِلَا فَائِدَةٍ. إِنْ لَمْ يَحْرُسِ اللهُ الْمَدِينَةَ، يَسْهَرِ الْحَارِسُ بِلَا فَائِدَةٍ. لَا فَائِدَةٌ مِنْ أَنْ تَقُومُوا مُبَكِّرِينَ، وَتَنَامُوا مُتَأَخِّرِينَ، وَتَكِدُّوا طُولَ الْيَوْمِ لِلْحُصُولِ عَلَى الرِّزْقِ، لِأَنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي يَرْزُقُ أَحِبَّاءَهُ حَتَّى وَهُمْ نِيَامٌ. الْبَنُونَ بَرَكَةٌ مِنَ اللهِ، الْأَوْلَادُ أُجْرَةٌ مِنْهُ. الْبَنُونَ الَّذِينَ يُنْجِبُهُمُ الْوَاحِدُ فِي شَبَابِهِ هُمْ كَسِهَامٍ فِي يَدِ جَبَّارٍ. هَنِيئًا لِلرَّجُلِ الَّذِي عِنْدَهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُ لَا يَتَرَاجَعُ حِينَ يُوَاجِهُ الْأَعْدَاءَ عِنْدَ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ. نشيد الحجاج هَنِيئًا لِكُلِّ مَنْ يَتَّقِي اللهَ وَيَسْلُكُ فِي طُرُقِهِ. لِأَنَّكَ تَتَمَتَّعُ بِثِمَارِ تَعَبِكَ، وَتَكُونُ مُبَارَكًا وَفِي خَيْرٍ. تَكُونُ امْرَأَتُكَ مِثْلَ كَرْمَةٍ مُثْمِرَةٍ فِي دَارِكَ، وَبَنُوكَ كَأَغْرَاسِ الزَّيْتُونِ حَوْلَ مَائِدَتِكَ. هَذِهِ هِيَ الْبَرَكَاتُ الْمُعَدَّةُ لِمَنْ يَتَّقِي اللهَ. يُبَارِكُكَ اللهُ مِنَ الْجَبَلِ الْمُقَدَّسِ، فَتَرَى خَيْرَ مَدِينَةِ الْقُدْسِ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. وَتَعِيشُ لِتَرَى أَوْلَادَ أَوْلَادِكَ. سَلَامٌ عَلَى شَعْبِ اللهِ. نشيد الحجاج ضَايَقُونِي جِدًّا مُنْذُ حَدَاثَتِي، قُولُوا هَذَا يَا شَعْبَ اللهِ. ضَايَقُونِي جِدًّا مُنْذُ حَدَاثَتِي، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَغْلِبُونِي. جَلَدُونِي عَلَى ظَهْرِي، وَتَرَكُوا جُرُوحًا طَوِيلَةً مِثْلَ خُطُوطِ حَقْلٍ مَحْرُوثٍ. لَكِنَّ اللهَ صَالِحٌ، فَقَطَعَ عَنِّي قُيُودَ الْأَشْرَارِ. لَيْتَ كُلَّ الَّذِينَ يَكْرَهُونَ الْقُدْسَ يَتَرَاجَعُونَ خَائِبِينَ. وَيَكُونُونَ كَالْحَشِيشِ الَّذِي يَنْبُتُ عَلَى السَّطْحِ وَيَمُوتُ قَبْلَ مَا يَنْمُو. فَلَا الْحَاصِدُ يَمْلَأُ كَفَّهُ مِنْهُ، وَلَا مَنْ يَحْزِمُ الْحُزَمَ يَمْلَأُ حِضْنَهُ. وَلَا يَقُولُ عَابِرُو السَّبِيلِ لَهُمْ: ”بَرَكَةُ اللهِ عَلَيْكُمْ، نُبَارِكُكُمْ بِاسْمِ اللهِ.“ نشيد الحجاج مِنَ الْأَعْمَاقِ أَصْرُخُ إِلَيْكَ يَا رَبُّ. يَا رَبُّ اسْمَعْ صَوْتِي، وَأَصْغِ إِلَى تَضَرُّعِي. يَا رَبُّ إِنْ كُنْتَ تَحْسِبُ آثَامَنَا، فَمَنْ يَنْجُو؟ لَكِنَّكَ تَغْفِرُ لَنَا فَنَخَافُكَ. أَنْتَظِرُ اللهَ. نَفْسِي تَنْتَظِرُهُ. وَضَعْتُ رَجَائِي فِي كَلَامِهِ. نَفْسِي تَنْتَظِرُ اللهَ، أَكْثَرَ مِنَ الْحَارِسِ الَّذِي يَشْتَاقُ إِلَى طُلُوعِ الصُّبْحِ. نَعَمْ، أَكْثَرَ مِنَ الْحَارِسِ الَّذِي يَشْتَاقُ إِلَى طُلُوعِ الصُّبْحِ. يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ضَعُوا رَجَاءَكُمْ فِي اللهِ، لِأَنَّ عِنْدَهُ الرَّحْمَةَ وَالْفِدَاءَ الْوَفِيرَ. وَهُوَ يَفْدِي شَعْبَهُ مِنْ كُلِّ ذُنُوبِهِ. نشيد الحجاج. لداود يَا رَبُّ لَمْ يَتَكَبَّرْ قَلْبِي، وَلَمْ تَرْتَفِعْ عَيْنَايَ، وَلَا شَغَلْتُ نَفْسِي بِأُمُورٍ كَبِيرَةٍ وَلَا بِمَا هُوَ أَعْلَى مِنِّي. بَلْ سَكَّنْتُ وَهَدَّأْتُ نَفْسِي، كَطِفْلٍ مَفْطُومٍ عَلَى صَدْرِ أُمِّهِ. يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ضَعُوا رَجَاءَكُمْ فِي اللهِ مِنَ الْآنَ وَإِلَى الْأَبَدِ. نشيد الحجاج يَا رَبُّ اذْكُرْ دَاوُدَ وَكُلَّ الْعَنَاءِ الَّذِي احْتَمَلَهُ. وَكَيْفَ حَلَفَ للهِ، وَنَذَرَ لِلْقَدِيرِ رَبِّ يَعْقُوبَ وَقَالَ: ”لَا أَدْخُلُ دَارِي، وَلَا أَرْقُدُ فِي فِرَاشِي، وَلَا أُعْطِي لِعَيْنَيَّ نَوْمًا، وَلَا لِأَجْفَانِي نُعَاسًا. حَتَّى أَجِدَ مَكَانًا للهِ، مَسْكَنًا لِلْقَدِيرِ رَبِّ يَعْقُوبَ.“ سَمِعْنَا أَنَّ صُنْدُوقَ الْعَهْدِ فِي أَفْرَاتَةَ، وَجَدْنَاهُ فِي حُقُولِ يَعَارِيمَ. تَعَالَوْا نَدْخُلُ إِلَى مَسْكَنِهِ، نَسْجُدُ عِنْدَ قَدَمَيْهِ. تَعَالَ يَا رَبُّ إِلَى بَيْتِكَ، أَنْتَ وَصُنْدُوقُ الْعَهْدِ رَمْزُ قُدْرَتِكَ. أَحْبَارُكَ يَلْبَسُونَ الصَّلَاحَ، وَالَّذِينَ يَتَّقُونَكَ يَهْتِفُونَ بِفَرَحٍ. مِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِكَ، لَا تَرْفُضِ الْمَلِكَ الَّذِي اخْتَرْتَهُ. أَقْسَمَ اللهُ يَمِينًا لِدَاوُدَ وَلَنْ يَتَرَاجَعَ، وَقَالَ: ”أَضَعُ وَاحِدًا مِنْ نَسْلِكَ عَلَى عَرْشِكَ. إِنْ حَفِظَ بَنُوكَ عَهْدِي وَإِرْشَادَاتِيَ الَّتِي أُعَلِّمُهُمْ إِيَّاهَا، فَبَنُوهُمْ أَيْضًا يَجْلِسُونَ عَلَى عَرْشِكَ إِلَى الْأَبَدِ.“ لِأَنَّ اللهَ اخْتَارَ الْقُدْسَ وَرَغِبَ أَنْ تَكُونَ مَسْكَنًا لَهُ. وَقَالَ: ”هَذَا هُوَ بَيْتِي إِلَى الْأَبَدِ، فِيهَا أَسْكُنُ لِأَنِّي أَحْبَبْتُهَا. أُبَارِكُهَا بِطَعَامٍ وَفِيرٍ، وَأُشْبِعُ مَسَاكِينَهَا خُبْزًا. أُلْبِسُ أَحْبَارَهَا ثَوْبَ النَّجَاةِ، وَيَهْتِفُ الْأَتْقِيَاءُ فِيهَا بِفَرَحٍ. هُنَاكَ أُقِيمُ مَلِكًا مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ، وَأُعِدُّ مِصْبَاحًا مُنِيرًا لِلْمَلِكِ الَّذِي اخْتَرْتُهُ. وَأُغَطِّي أَعْدَاءَهُ بِالْعَارِ، أَمَّا هُوَ فَإِنَّ تَاجَهُ يَتَأَلَّقُ عَلَى رَأْسِهِ.“ نشيد الحجاج. لداود مَا أَحْسَنَ وَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَسْكُنَ الْإِخْوَةُ مَعًا فِي وِئَامٍ! فَذَلِكَ مِثْلُ الزَّيْتِ الْعَطِرِ، الَّذِي يُوضَعُ عَلَى الرَّأْسِ وَيَنْزِلُ عَلَى اللِّحْيَةِ، لِحْيَةِ هَارُونَ، وَيَنْزِلُ إِلَى طَرَفِ ثَوْبِهِ. وَمِثْلُ نَدَى حَرْمُونَ يَنْزِلُ عَلَى جِبَالِ الْقُدْسِ، هُنَاكَ أَمَرَ اللهُ أَنْ تَحِلَّ الْبَرَكَةُ وَالْحَيَاةُ إِلَى الْأَبَدِ. نشيد الحجاج بَارِكُوا اللهَ يَا كُلَّ عَبِيدِهِ، يَا مَنْ تَقُومُونَ بِخِدْمَةِ بَيْتِ اللهِ فِي اللَّيَالِي. اِرْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ نَحْوَ الْمَقْدِسِ، وَبَارِكُوا اللهَ. اللهُ صَانِعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُبَارِكُكَ مِنَ الْقُدْسِ. للهِ الْحَمْدُ. سَبِّحُوا اسْمَ اللهِ، سَبِّحُوهُ يَا عَبِيدَ اللهِ، يَا مَنْ تَقُومُونَ بِخِدْمَةِ بَيْتِ اللهِ، فِي دِيَارِ بَيْتِ إِلَهِنَا. سَبِّحُوا اللهَ لِأَنَّهُ طَيِّبٌ، رَتِّلُوا لِاسْمِهِ لِأَنَّهُ حُلْوٌ. لِأَنَّهُ اخْتَارَ بَنِي يَعْقُوبَ لِيَكُونُوا لَهُ، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ لِيَكُونُوا شَعْبَهُ الْخَاصَّ. أَنَا عَارِفٌ أَنَّ اللهَ عَظِيمٌ، أَنَّ رَبَّنَا أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ الْآلِهَةِ. رَبُّنَا يَصْنَعُ كُلَّ مَا يَشَاءُ، فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْبِحَارِ وَكُلِّ الْمُحِيطَاتِ الْعَمِيقَةِ. يُصْعِدُ السَّحَابَ مِنْ آخِرِ الْأَرْضِ، وَيُرْسِلُ بُرُوقًا مَعَ الْمَطَرِ، وَيَجْعَلُ الرِّيَاحَ تَنْطَلِقُ مِنْ مَخَازِنِهِ. هُوَ الَّذِي قَتَلَ أَبْكَارَ مِصْرَ، أَبْكَارَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ. وَأَرْسَلَ آيَاتٍ وَمُعْجِزَاتٍ فِي وَسَطِكِ يَا مِصْرُ، عَلَى فِرْعَوْنَ وَعَلَى كُلِّ عَبِيدِهِ. وَأَهْلَكَ أُمَمًا كَثِيرَةً، وَقَتَلَ مُلُوكًا أَقْوِيَاءَ. سِيحُونَ مَلِكَ الْأَمُورِيِّينَ، وَعُوجَ مَلِكَ بَاشَانَ، وَكُلَّ مُلُوكِ كَنْعَانَ. وَأَعْطَى بِلَادَهُمْ نَصِيبًا، نَصِيبًا لِشَعْبِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. يَا رَبُّ اسْمُكَ يَبْقَى إِلَى الْأَبَدِ، وَذِكْرُكَ إِلَى كُلِّ الْأَجْيَالِ. اللهُ يَحْكُمُ بِالْعَدْلِ لِشَعْبِهِ، وَيَشْفِقُ عَلَى عَبِيدِهِ. أَصْنَامُ الْأُمَمِ مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ، مِنْ صُنْعِ أَيْدِي الْبَشَرِ. لَهَا أَفْوَاهٌ وَلَا تَتَكَلَّمُ، لَهَا عُيُونٌ وَلَا تَرَى، لَهَا آذَانٌ وَلَا تَسْمَعُ، وَلَا نَفَسَ فِي أَفْوَاهِهَا. مِثْلَهَا يَكُونُ صَانِعُوهَا، وَأَيْضًا كُلُّ مَنْ يَتَّكِلُ عَلَيْهَا. يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ بَارِكُوا اللهَ. يَا بَيْتَ هَارُونَ بَارِكُوا اللهَ. يَا بَيْتَ لَاوِي بَارِكُوا اللهَ. يَا مَنْ يَتَّقُونَ اللهَ بَارِكُوا اللهَ. تَبَارَكَ اللهُ مِنْ مَدِينَةِ الْقُدْسِ، اللهُ السَّاكِنُ فِيهَا. للهِ الْحَمْدُ. اِحْمَدُوا اللهَ لِأَنَّهُ طَيِّبٌ. رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. اِحْمَدُوا إِلَهَ الْآلِهَةِ. رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. اِحْمَدُوا رَبَّ الْأَرْبَابِ. رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. الَّذِي صَنَعَ الْعَجَائِبَ الْعَظِيمَةَ وَحْدَهُ. رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. وَصَنَعَ السَّمَاوَاتِ بِفَهْمٍ. رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. وَبَسَطَ الْأَرْضَ عَلَى الْمِيَاهِ. رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. وَصَنَعَ الْأَنْوَارَ الْعَظِيمَةَ. رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. الشَّمْسَ لِحُكْمِ النَّهَارِ. رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ لِحُكْمِ اللَّيْلِ. رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. قَتَلَ أَبْكَارَ مِصْرَ. رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. وَأَخْرَجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ وَسَطِهِمْ. رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. بِيَدٍ شَدِيدَةٍ وَذِرَاعٍ قَدِيرَةٍ. رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. شَقَّ الْبَحْرَ الْأَحْمَرَ إِلَى قِسْمَيْنِ. رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. وَعَبَّرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِهِ. رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. أَغْرَقَ فِرْعَوْنَ وَجَيْشَهُ فِي الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ. رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. قَادَ شَعْبَهُ فِي الصَّحْرَاءِ. رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. قَتَلَ مُلُوكًا عُظَمَاءَ. رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. أَمَاتَ مُلُوكًا أَقْوِيَاءَ. رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. سِيحُونَ مَلِكَ الْأَمُورِيِّينَ. رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. وَعُوجَ مَلِكَ بَاشَانَ. رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. وَأَعْطَى بِلَادَهُمْ نَصِيبًا. رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. نَصِيبًا لِإِسْرَائِيلَ عَبْدِهِ. رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. ذَكَرَنَا فِي مَذَلَّتِنَا. رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. وَنَجَّانَا مِنْ أَعْدَائِنَا. رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. يَرْزُقُ كُلَّ وَاحِدٍ بِالْخُبْزِ. رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. اِحْمَدُوا رَبَّ السَّمَاءِ. رَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. عَلَى أَنْهَارِ بَابِلَ جَلَسْنَا نَبْكِي، لَمَّا تَذَكَّرْنَا الْقُدْسَ. هُنَاكَ عَلَّقْنَا أَعْوَادَنَا عَلَى شَجَرِ الصَّفْصَافِ. لِأَنَّ الَّذِينَ أَسَرُونَا طَلَبُوا مِنَّا هُنَاكَ أَنْ نُغَنِّيَ لَهُمْ، الَّذِينَ عَذَّبُونَا طَلَبُوا مِنَّا أَنْ نُطْرِبَهُمْ وَقَالُوا: ”رَنِّمُوا لَنَا مِنْ تَرَانِيمِ الْقُدْسِ.“ كَيْفَ نُرَنِّمُ تَرَانِيمَ رَبِّنَا فِي بِلَادٍ غَرِيبَةٍ؟ إِنْ نَسِيتُكِ يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ، تُشَلُّ يَمِينِي! يَلْصَقُ لِسَانِي بِحَنَكِي، إِنْ كُنْتُ لَا أَذْكُرُكِ، إِنْ كُنْتُ لَا أُفَضِّلُكِ يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ عَلَى أَعْظَمِ فَرَحِي. اُذْكُرْ يَا رَبُّ لِبَنِي أَدُومَ مَا فَعَلُوهُ يَوْمَ سُقُوطِ مَدِينَةِ الْقُدْسِ، لَمَّا قَالُوا: ”اِهْدِمُوهَا، اِهْدِمُوهَا إِلَى أَسَاسَاتِهَا.“ يَا مَدِينَةَ بَابِلَ الَّتِي مَصِيرُهَا الْهَلَاكُ، هَنِيئًا لِمَنْ يُجَازِيكِ عَلَى مَا فَعَلْتِهِ لَنَا. هَنِيئًا لِمَنْ يُمْسِكُ أَطْفَالَكِ وَيَضْرِبُ بِهِمُ الصَّخْرَةَ. لداود أَحْمَدُكَ يَا رَبُّ مِنْ كُلِّ قَلْبِي. أُرَنِّمُ لَكَ قُدَّامَ الْعُظَمَاءِ. أَسْجُدُ فِي بَيْتِكَ الْمُقَدَّسِ، وَأَحْمَدُ اسْمَكَ، مِنْ أَجْلِ رَحْمَتِكَ وَأَمَانَتِكَ، لِأَنَّكَ عَظَّمْتَ كَلِمَتَكَ وَاسْمَكَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ. لَمَّا دَعَوْتُكَ، أَجَبْتَنِي وَشَجَّعْتَنِي وَقَوَّيْتَنِي. يَحْمَدُكَ كُلُّ مُلُوكِ الْأَرْضِ مَتَى سَمِعُوا كَلَامَكَ يَا رَبُّ. يُسَبِّحُونَ بِأَعْمَالِ اللهِ، لِأَنَّ جَلَالَ اللهِ عَظِيمٌ. الْمَوْلَى عَالٍ لَكِنَّهُ يَهْتَمُّ بِالْمُتَوَاضِعِ، أَمَّا الْمُتَكَبِّرُ فَيَعْرِفُهُ مِنْ بَعِيدٍ. مَعَ أَنَّ الضِّيقَ يُحِيطُ بِي، لَكِنَّكَ تُحْيِينِي. بِقُوَّتِكَ تَرُدُّ عَنِّي غَضَبَ أَعْدَائِي، وَبِيَمِينِكَ تُنْقِذُنِي. الْمَوْلَى يُتَمِّمُ قَصْدَهُ فِي حَيَاتِي. يَا رَبُّ رَحْمَتُكَ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. فَلَا تَتْرُكْنِي، أَنَا عَمَلُ يَدَيْكَ. لقائد المغنين. مزمور لداود يَا رَبُّ، أَنْتَ اخْتَبَرْتَنِي وَعَرَفْتَنِي. أَنْتَ تَعْرِفُنِي فِي وَقْتِ رَاحَتِي، وَفِي وَقْتِ عَمَلِي. أَنْتَ تَعْرِفُ أَفْكَارِي مِنْ بَعِيدٍ. أَنْتَ تُرَاقِبُ سَفَرِي وَإِقَامَتِي، وَتَعْرِفُ كُلَّ الطُّرُقِ الَّتِي أَسِيرُ فِيهَا. قَبْلَ مَا أَتَكَلَّمُ، أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ مَا سَأَقُولُهُ يَا رَبُّ. أَنْتَ تَحْرُسُنِي مِنْ وَرَاءٍ وَمِنْ قُدَّامٍ، وَجَعَلْتَ يَدَكَ فَوْقِي. مَعْرِفَتُكَ هَذِهِ مَا أَعْجَبَهَا! إِنَّهَا فَوْقَ إِدْرَاكِي، لَا أَسْتَطِيعُ الْوُصُولَ إِلَيْهَا. إِلَى أَيْنَ أَهْرُبُ مِنْ رُوحِكَ؟ إِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ مِنْ مَحْضَرِكَ؟ إِنْ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَاوَاتِ فَأَنْتَ هُنَاكَ! وَإِنْ فَرَشْتُ لِنَفْسِي فِي عَالَمِ الْمَوْتَى، فَأَنْتَ هُنَاكَ أَيْضًا! لَوْ كَانَتْ لِي أَجْنِحَةٌ وَطِرْتُ إِلَى آخِرِ الْأَرْضِ مِنَ الشَّرْقِ، أَوْ إِنْ سَكَنْتُ فِي آخِرِ الْبَحْرِ مِنَ الْغَرْبِ، فَهُنَاكَ أَيْضًا يَدُكَ تَهْدِينِي وَيَمِينُكَ تُمْسِكُنِي. إِنْ قُلْتُ فِي نَفْسِي: ”رُبَّمَا الظَّلَامُ يَحْجُبُنِي، وَالنُّورُ الَّذِي حَوْلِي يَصِيرُ لَيْلًا.“ لَكِنَّ الظَّلَامَ لَا يَحْجُبُ عَنْكَ شَيْئًا، وَاللَّيْلَ يُضِيءُ كَالنَّهَارِ، فَالظَّلَامُ عِنْدَكَ كَالنُّورِ. أَنْتَ خَلَقْتَ تَرْكِيبِيَ الدَّاخِلِيَّ، صَنَعْتَنِي فِي بَطْنِ أُمِّي. أَحْمَدُكَ لِأَنَّكَ خَلَقْتَنِي بِطَرِيقَةٍ رَائِعَةٍ وَبَدِيعَةٍ. كُلُّ أَعْمَالِكَ عَجِيبَةٌ. وَأَنَا أَعْلَمُ هَذَا تَمَامًا. لَمْ يَكُنْ كِيَانِي مَخْفِيًّا عَنْكَ، لَمَّا صُنِعْتُ فِي رَحِمِ أُمِّي، وَتَكَوَّنْتُ فِي الْخَفَاءِ. رَأَتْنِي عَيْنَاكَ وَأَنَا جَنِينٌ. كَتَبْتَ أَيَّامِي كُلَّهَا فِي كِتَابِكَ وَحَدَّدْتَهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَبْدَأَ. اللَّهُمَّ أَفْكَارُكَ بِشَأْنِي ثَمِينَةٌ، مَا أَكْثَرَهَا! إِنْ حَاوَلْتُ أَنْ أَعُدَّهَا، فَهِيَ أَكْثَرُ مِنَ الرَّمْلِ. حِينَ أَتَيَقَّظُ، أَجِدُ نَفْسِي مَا زِلْتُ مَعَكَ. اللَّهُمَّ لَيْتَكَ تَقْتُلُ الْأَشْرَارَ، اُبْعُدُوا عَنِّي يَا مَنْ تَسْفِكُونَ الدَّمَ! إِنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ عَلَيْكَ بِالشَّرِّ وَيَعْبَثُونَ بِاسْمِكَ. يَا رَبُّ إِنِّي أَكْرَهُ الَّذِينَ يَكْرَهُونَكَ، وَأُبْغِضُ الَّذِينَ يُقَاوِمُونَكَ. أَكْرَهُهُمْ جِدًّا وَأَعْتَبِرُهُمْ أَعْدَائِي. اللَّهُمَّ اخْتَبِرْنِي وَاعْرِفْ قَلْبِي، اِمْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي. وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقُ سُوءٍ، وَاهْدِنِي فِي طَرِيقِ الْخُلُودِ. لقائد المغنين. مزمور لداود أَنْقِذْنِي يَا رَبُّ مِنَ الْأَشْرَارِ، نَجِّنِي مِنَ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يُدَبِّرُونَ الشَّرَّ فِي قُلُوبِهِمْ، وَيُثِيرُونَ الْحَرْبَ كُلَّ يَوْمٍ. أَلْسِنَتُهُمْ حَادَّةٌ كَالْحَيَّةِ، شِفَاهُهُمْ تَحْتَهَا سِمُّ الثَّعَابِينِ. اِحْفَظْنِي يَا رَبُّ مِنْ قَبْضَةِ الْأَشْرَارِ، نَجِّنِي مِنَ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يُدَبِّرُونَ أَنْ يُوقِعُونِي. أَخْفَى لِيَ الْمُتَكَبِّرُونَ مَصْيَدَةً، بَسَطُوا شَبَكَةً فِي طَرِيقِي، وَنَصَبُوا لِي فَخًّا. قُلْتُ للهِ: ”أَنْتَ إِلَهِي.“ فَاسْمَعْ تَضَرُّعِي يَا رَبُّ. اللَّهُمَّ يَا رَبِّي، يَا مُنْقِذِيَ الْقَوِيَّ، أَنْتَ ظَلَّلْتَ رَأْسِي فِي يَوْمِ الْمَعْرَكَةِ. لَا تُحَقِّقْ رَغْبَةَ الْأَشْرَارِ يَا رَبُّ، وَلَا تُنَجِّحْ خِطَّتَهُمْ لِئَلَّا يَسْتَكْبِرُوا. وَالَّذِينَ يُحَاصِرُونِي رُدَّ عَلَى رُؤُوسِهِمْ كَلَامَهُمُ الْفَاسِدَ. لِيَسْقُطْ عَلَيْهِمْ جَمْرٌ مُلْتَهِبٌ، وَيُطْرَحُوا فِي النَّارِ، وَفِي حُفْرَةٍ عَمِيقَةٍ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا. لَا بَقَاءَ لِلْمُفْتَرِينَ فِي الْأَرْضِ. الشَّرُّ يَصِيدُ الظَّالِمِينَ فَيَهْلِكُونَ. أَنَا عَارِفٌ أَنَّ اللهَ يَحْكُمُ بِالْعَدْلِ لِلْفُقَرَاءِ وَبِالْحَقِّ لِلْمَسَاكِينِ. الصَّالِحُونَ يَحْمَدُونَ اسْمَكَ، وَالْأَتْقِيَاءُ يُقِيمُونَ فِي مَحْضَرِكَ. مزمور لداود أَدْعُوكَ يَا رَبُّ فَأَسْرِعْ إِلَيَّ، اِسْمَعْ صَوْتِي حِينَ أَدْعُوكَ. اِقْبَلْ صَلَاتِي كَبَخُورٍ قُدَّامَكَ، وَحِينَ أَرْفَعُ يَدَيَّ بِالتَّضَرُّعِ إِلَيْكَ اقْبَلْ ذَلِكَ كَأَنَّهُ قُرْبَانُ الْمَسَاءِ. ضَعْ حَارِسًا عَلَى فَمِي يَا رَبُّ، وَاحْفَظْ بَابَ شَفَتَيَّ. لَا تَجْعَلْ قَلْبِي يَنْجَذِبُ إِلَى الشَّرِّ، فَأَعْمَلَ السُّوءَ مَعَ فَاعِلِي الشَّرِّ، وَلَا تَجْعَلْنِي آكُلُ مِنْ طَيِّبَاتِهِمْ. إِنْ كَانَ صَالِحٌ يَضْرِبُنِي، فَهُوَ يَعْمَلُ مَعِي مَعْرُوفًا. وَإِنْ كَانَ يُوَبِّخُنِي، فَكَأَنَّهُ يَدْهِنُ رَأْسِي بِالزَّيْتِ، وَرَأْسِي لَنْ تَرْفُضَهُ. وَلَكِنِّي أَدْعُو ضِدَّ أَعْمَالِ الْأَشْرَارِ. يُطْرَحُ رُؤَسَاؤُهُمْ مِنْ عَلَى الصَّخْرَةِ، فَيَعْلَمُ النَّاسُ أَنَّ كَلَامِي كَانَ عَلَى حَقٍّ. وَكَمَا تُحْرَثُ الْأَرْضُ وَتُشَقُّ، تُبَعْثَرُ عِظَامُهُمْ فَوْقَ الْقُبُورِ. لَكِنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكَ اللَّهُمَّ يَا رَبِّي، أَنْتَ مَلْجَأِي، لَا تَتْرُكْنِي أَمُوتُ. اِحْفَظْنِي مِنَ الْفَخِّ الَّذِي نَصَبُوهُ لِي، وَمِنَ الْمَصْيَدَةِ الَّتِي وَضَعَهَا فَاعِلُو الشَّرِّ. يَسْقُطُ الْأَشْرَارُ فِي شَبَكَتِهِمْ، وَأَنَا أَسِيرُ فِي أَمَانٍ. تعليم. لداود لما كان في المغارة. صلاة بِصَوْتِي إِلَى اللهِ أَصْرُخُ، بِصَوْتِي إِلَى اللهِ أَتَضَرَّعُ. أُقَدِّمُ لَهُ شَكْوَايَ، وَأُحَدِّثُهُ عَنْ مَتَاعِبِي. عِنْدَمَا يُغْشَى عَلَيَّ، أَنْتَ تُرَاقِبُ خَطَوَاتِي، لِأَنَّهُمْ أَخْفَوْا لِي فَخًّا فِي طَرِيقِي. أَنْظُرُ إِلَى يَمِينِي فَلَا أَرَى مَنْ يَهْتَمُّ بِي، لَا مَكَانَ أَلْجَأُ إِلَيْهِ، وَلَا وَاحِدَ يَسْأَلُ عَنِّي. إِلَيْكَ أَصْرُخُ يَا رَبُّ وَأَقُولُ: ”أَنْتَ مَلْجَأِي وَنَصِيبِي فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ.“ اِسْمَعْ صُرَاخِي لِأَنِّي تَذَلَّلْتُ جِدًّا، أَنْقِذْنِي مِنَ الَّذِينَ يَضْطَهِدُونِي لِأَنَّهُمْ أَشَدُّ مِنِّي. أَنْقِذْنِي مِنْ هَذَا السِّجْنِ، فَأُسَبِّحَ اسْمَكَ، فَيَلْتَفَّ حَوْلِيَ الصَّالِحُونَ، لِأَنَّكَ أَحْسَنْتَ إِلَيَّ. مزمور لداود يَا رَبُّ اسْمَعْ صَلَاتِي، وَأَصْغِ إِلَى تَضَرُّعِي. أَعِنِّي حَسَبَ أَمَانَتِكَ وَصَلَاحِكَ. لَا تُحَاكِمْ عَبْدَكَ، لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ بَيْنَ الْأَحْيَاءِ صَالِحٌ قُدَّامَكَ. الْعَدُوُّ يَضْطَهِدُنِي، سَحَقَنِي تَحْتَ الْأَقْدَامِ، وَضَعَنِي فِي سِجْنٍ مُظْلِمٍ، فَصِرْتُ كَالَّذِينَ مَاتُوا وَانْتَهَى ذِكْرُهُمْ. أَنَا خَائِفٌ وَقَلْبِي يَائِسٌ. أَتَذَكَّرُ الْأَيَّامَ الْقَدِيمَةَ، فَأَتَأَمَّلُ كُلَّ أَعْمَالِكَ، وَأُفَكِّرُ فِي مَا صَنَعَتْ يَدَاكَ. أَبْسُطُ يَدَيَّ إِلَيْكَ، نَفْسِي عَطْشَانَةٌ إِلَيْكَ كَأَرْضٍ يَابِسَةٍ. أَسْرِعْ وَاسْتَجِبْ لِي يَا رَبُّ. رَاحَتْ قُوَّتِي. لَا تَحْجُبْ وَجَهْكَ عَنِّي لِئَلَّا أَصِيرَ كَالنَّازِلِينَ إِلَى الْحُفْرَةِ. كَلِّمْنِي فِي الصُّبْحِ عَنْ رَحْمَتِكَ، لِأَنِّي عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ. عَلِّمْنِي الطَّرِيقَ الَّتِي أَسْلُكُهَا، لِأَنِّي إِلَيْكَ رَفَعْتُ نَفْسِي. أَنْقِذْنِي مِنْ أَعْدَائِي يَا رَبُّ، لِأَنِّي إِلَيْكَ لَجَأْتُ. عَلِّمْنِي أَنْ أَعْمَلَ مَا يُرْضِيكَ، لِأَنَّكَ أَنْتَ إِلَهِي. رُوحُكَ الصَّالِحُ يَهْدِينِي فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ. أَحْيِنِي مِنْ أَجْلِ اسْمِكَ يَا رَبُّ. بِصَلَاحِكَ أَخْرِجْنِي مِنَ الضِّيقِ. مِنْ أَجْلِ رَحْمَتِكَ حَطِّمْ أَعْدَائِي وَأَزِلْ خُصُومِي، لِأَنِّي أَنَا عَبْدُكَ. لداود تَبَارَكَ اللهُ مَلْجَأِي، يُعَلِّمُ يَدَيَّ الْقِتَالَ وَأَصَابِعِيَ الْحَرْبَ. هُوَ إِلَهِيَ الرَّحِيمُ، هُوَ قَلْعَتِي وَحِصْنِي وَمُنْقِذِي وَحَامِيَّ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَهُوَ يُخْضِعُ الشُّعُوبَ لِي. يَا رَبُّ، مَا هُوَ الْإِنْسَانُ حَتَّى تُفَكِّرَ فِيهِ؟ وَمَا هُوَ الْبَشَرُ حَتَّى تَهْتَمَّ بِهِ؟ الْإِنْسَانُ هُوَ كَنَفْخَةٍ. أَيَّامُهُ كَالظِّلِّ تَزُولُ. يَا رَبُّ شُقَّ سَمَاوَاتِكَ وَانْزِلْ، اِلْمِسِ الْجِبَالَ فَتُدَخِّنَ. أَرْسِلْ بُرُوقًا وَشَتِّتْ أَعْدَائِي، أَطْلِقْ سِهَامَكَ وَاهْزِمْهُمْ. مُدَّ يَدَكَ مِنَ السَّمَاءِ. أَنْقِذْنِي وَنَجِّنِي مِنَ الْمِيَاهِ الْغَزِيرَةِ، وَمِنْ أَيْدِي الْغُرَبَاءِ الَّذِينَ كَلَامُهُمْ كِذْبٌ، وَيَمِينُهُمْ زُورٌ. اللَّهُمَّ، أَعْزِفُ لَكَ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً، أَعْزِفُ لَكَ عَلَى عُودٍ بِـ10 أَوْتَارٍ. يَا نَاصِرَ الْمُلُوكِ، وَيَا مُنْقِذَ دَاوُدَ عَبْدِكَ مِنَ السَّيْفِ الْقَاتِلِ، أَنْقِذْنِي وَنَجِّنِي مِنْ أَيْدِي الْغُرَبَاءِ الَّذِينَ كَلَامُهُمْ كِذْبٌ، وَيَمِينُهُمْ زُورٌ. فَيَكُونُ بَنُونَا فِي شَبَابِهِمْ كَشَجَرٍ مُزْدَهِرٍ، وَبَنَاتُنَا كَأَعْمِدَةٍ مَنْحُوتَةٍ لِتَزْيِينِ قَصْرٍ. تَمْتَلِئُ مَخَازِنُنَا إِلَى آخِرِهَا مِنْ كُلِّ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ، وَتُنْتِجُ غَنَمُنَا آلَافًا مُؤَلَّفَةً فِي مَرَاعِينَا. ثِيرَانُنَا قَوِيَّةٌ. لَا يُهَاجِمُنَا أَحَدٌ، وَلَا يَأْسِرُنَا أَحَدٌ، وَلَا صُرَاخٌ فِي شَوَارِعِنَا. هَنِيئًا لِشَعْبٍ لَهُ هَذِهِ الْبَرَكَاتُ، هَنِيئًا لِشَعْبٍ الْمَوْلَى هُوَ إِلَهُهُ. مزمور حمد. لداود أُعَظِّمُكَ اللَّهُمَّ أَيُّهَا الْمَلِكُ، وَأُسَبِّحُ اسْمَكَ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ. أُسَبِّحُكَ كُلَّ يَوْمٍ، وَأُبَارِكُ اسْمَكَ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ. رَبُّنَا عَظِيمٌ وَيَسْتَحِقُّ كُلَّ تَسْبِيحٍ، وَعَظَمَتُهُ لَا حُدُودَ لَهَا. كُلُّ جِيلٍ يَمْدَحُ أَعْمَالَكَ لِلْجِيلِ الَّذِي بَعْدَهُ. يُخْبِرُونَ عَنْ قُدْرَتِكَ. يَتَحَدَّثُونَ عَنْ جَلَالِكَ وَمَجْدِكَ وَبَهَائِكَ، وَأَنَا أَتَأَمَّلُ أَعْمَالَكَ الْعَجِيبَةَ. يَتَحَدَّثُونَ عَنْ قُوَّةِ أَعْمَالِكَ الرَّهِيبَةِ، وَأَنَا أُخْبِرُ بِعَظَمَتِكَ. دَائِمًا يَذْكُرُونَ خَيْرَكَ الْعَمِيمَ، وَبِصَلَاحِكَ يُرَنِّمُونَ. رَبُّنَا حَنُونٌ وَرَحِيمٌ وَحَلِيمٌ وَكَثِيرُ الْحَنَانِ. رَبُّنَا طَيِّبٌ مَعَ الْكُلِّ، وَرَحْمَتُهُ تَشْمَلُ كُلَّ خَلِيقَتِهِ. تُسَبِّحُكَ كُلُّ خَلِيقَتِكَ يَا رَبُّ، وَيُبَارِكُكَ الَّذِينَ يَتَّقُونَكَ. يَتَحَدَّثُونَ عَنْ جَلَالِ مَمْلَكَتِكَ، وَيَتَكَلَّمُونَ عَنْ قُدْرَتِكَ. لِكَيْ يَعْرِفَ الْكُلُّ أَعْمَالَكَ الْقَدِيرَةَ وَجَلَالَ وَمَجْدَ مَمْلَكَتِكَ. مَمْلَكَتُكَ هِيَ إِلَى الْأَبَدِ، وَسُلْطَانُكَ يَدُومُ إِلَى كُلِّ الْأَجْيَالِ. رَبُّنَا يَسْنُدُ الْعَاثِرِينَ، وَيَرْفَعُ الْمُنْحَنِينَ. عُيُونُ الْكُلِّ تَنْظُرُ إِلَيْكَ، وَأَنْتَ تَرْزُقُهُمْ طَعَامَهُمْ فِي حِينِهِ. تَفَتَحُ يَدَكَ وَتُشْبِعُ رَغْبَةَ كُلِّ كَائِنٍ حَيٍّ. رَبُّنَا صَالِحٌ فِي كُلِّ طُرُقِهِ، وَرَحِيمٌ فِي كُلِّ أَعْمَالِهِ. رَبُّنَا قَرِيبٌ لِكُلِّ الَّذِينَ يَدْعُونَهُ، الَّذِينَ يَدْعُونَهُ بِالْحَقِّ. يُحَقِّقُ رَغْبَةَ الَّذِينَ يَتَّقُونَهُ، وَيَسْمَعُ تَضَرُّعَهُمْ وَيُنْقِذُهُمْ. رَبُّنَا يَحْفَظُ كُلَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُ، وَيُهْلِكُ جَمِيعَ الْأَشْرَارِ. فَمِي يَنْطِقُ بِتَسْبِيحِ اللهِ. يَا كُلَّ الْبَشَرِ سَبِّحُوا اسْمَهُ الْقُدُّوسَ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ. للهِ الْحَمْدُ. سَبِّحِي اللهَ يَا نَفْسِي. أُسَبِّحُ اللهَ طُولَ عُمْرِي. أُرَنِّمُ لِإِلَهِي مَا دُمْتُ حَيًّا. لَا تَتَّكِلُوا عَلَى الْعُظَمَاءِ، وَلَا عَلَى ابْنِ آدَمَ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُنْقِذَكُمْ. تَخْرُجُ رُوحُهُ فَيَعُودُ إِلَى التُّرَابِ، فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَنْتَهِي كُلُّ خِطَطِهِ. هَنِيئًا لِمَنْ كَانَ رَبُّ يَعْقُوبَ عَوْنَهُ، وَوَضَعَ أَمَلَهُ فِي الْمَوْلَى إِلَهِهِ، صَانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْبَحْرِ وَكُلِّ مَا فِيهَا. رَبُّنَا يَبْقَى وَفِيًّا إِلَى الْأَبَدِ. هُوَ يُنْصِفُ الْمَظْلُومِينَ، وَيُعْطِي خُبْزًا لِلْجَائِعِينَ. رَبُّنَا يُطْلِقُ سَرَاحَ الْمَسْجُونِينَ. رَبُّنَا يَفْتَحُ عُيُونَ الْعُمْيِ. رَبُّنَا يَرْفَعُ الْمُنْحَنِينَ. رَبُّنَا يُحِبُّ الصَّالِحِينَ. رَبُّنَا يَحْفَظُ الْغُرَبَاءَ، وَيَسْنُدُ الْيَتِيمَ وَالْأَرْمَلَةَ وَلَكِنَّهُ يُخَيِّبُ سَبِيلَ الْأَشْرَارِ. رَبُّنَا يَمْلِكُ إِلَى الْأَبَدِ. يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ، هُوَ رَبُّكِ إِلَى كُلِّ الْأَجْيَالِ. للهِ الْحَمْدُ. للهِ الْحَمْدُ. التَّرْنِيمُ لِإِلَهِنَا حُلْوٌ وَطَيِّبٌ وَمُنَاسِبٌ. رَبُّنَا يَبْنِي مَدِينَةَ الْقُدْسِ، وَيَجْمَعُ شَمْلَ الْمَنْفِيِّينَ مِنْ شَعْبِهِ. يَشْفِي الَّذِينَ قَلْبُهُمْ مَكْسُورٌ، وَيُضَمِّدُ جُرُوحَهُمْ. يُحْصِي عَدَدَ النُّجُومِ، وَيَدْعُوهَا كُلَّهَا بِأَسْمَاءٍ. رَبُّنَا عَظِيمٌ، وَقُوَّتُهُ عَظِيمَةٌ، وَفَهْمُهُ بِلَا حُدُودٍ. رَبُّنَا يَسْنُدُ الْوُدَعَاءَ، وَيَطْرَحُ الْأَشْرَارَ إِلَى الْأَرْضِ. غَنُّوا للهِ بِالْحَمْدِ، اِعْزِفُوا لِإِلَهِنَا عَلَى الْعُودِ. يُغَطِّي السَّمَاءَ بِالسَّحَابِ، وَيُعْطِي الْأَرْضَ مَطَرًا، وَيُنْبِتُ الْعُشْبَ عَلَى الْجِبَالِ. يَرْزُقُ الْبَهَائِمَ طَعَامَهَا، وَكَذَلِكَ صِغَارَ الْغِرْبَانِ حِينَ تَصْرُخُ. لَا يُسَرُّ بِقُوَّةِ الْخَيْلِ، وَلَا تُرْضِيهِ سُرْعَةُ سَاقَيِ الرَّجُلِ. بَلْ يَرْضَى اللهُ عَنِ الَّذِينَ يَتَّقُونَهُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ. سَبِّحِي اللهَ يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ، سَبِّحِي رَبَّكِ يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ. لِأَنَّهُ جَعَلَ أَبْوَابَكِ مَتِينَةً، وَبَارَكَ شَعْبَكِ فِيكِ. يَجْعَلُ حُدُودَكِ آمِنَةً، وَيُشْبِعُكِ بِأَفْخَرِ الطَّعَامِ. يُصْدِرُ أَمْرَهُ إِلَى الْأَرْضِ، وَكَلِمَتُهُ تَجْرِي بِسُرْعَةٍ. يَفْرِشُ الثَّلْجَ كَالصُّوفِ، وَيُذَرِّي الصَّقِيعَ كَالرَّمَادِ. يَرْمِي الْبَرَدَ كَالْحَصَى، وَمَنْ يَقِفُ أَمَامَ زَوْبَعَةِ جَلِيدٍ مِنْ عِنْدِهِ؟ ثُمَّ يُصْدِرُ أَمْرَهُ فَيُذِيبُهَا، يُرْسِلُ رِيَاحَهُ فَتَسِيلُ الْمِيَاهُ. يُعْلِنُ كَلِمَتَهُ لِبَنِي يَعْقُوبَ، وَفَرَائِضَهُ وَأَحْكَامَهُ لِشَعْبِهِ. لَمْ يُعَامِلْ أُمَّةً أُخْرَى بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، وَلَمْ يُعَرِّفْهَا أَحْكَامَهُ. للهِ الْحَمْدُ. للهِ الْحَمْدُ. سَبِّحُوا اللهَ مِنَ السَّمَاوَاتِ، سَبِّحُوهُ فِي الْأَعَالِي. سَبِّحُوهُ يَا كُلَّ مَلَائِكَتِهِ، سَبِّحُوهُ يَا كُلَّ مَلَائِكَتِهِ السَّمَائِيَّةِ. سَبِّحِيهِ يَا شَمْسُ وَيَا قَمَرُ، سَبِّحِيهِ يَا كُلَّ النُّجُومِ الْمُشْرِقَةِ. سَبِّحِيهِ يَا أَعْلَى السَّمَاوَاتِ، وَيَا أَيَّتُهَا الْمِيَاهُ الَّتِي فَوْقَ السَّمَاوَاتِ. كُلُّ هَذِهِ، لِتُسَبِّحِ اسْمَ اللهِ، فَهُوَ الَّذِي خَلَقَهَا بِأَمْرِهِ. وَثَبَّتَهَا إِلَى الْأَبَدِ، وَأَقَامَ لَهَا حَدًّا لَا تَتَعَدَّاهُ. سَبِّحِي اللهَ مِنَ الْأَرْضِ يَا وُحُوشَ الْبَحْرِ، وَيَا أَعْمَاقَ الْمُحِيطَاتِ. سَبِّحُوا اللهَ أَيُّهَا الْبَرْقُ وَالْبَرَدُ، وَالثَّلْجُ وَالسَّحَابُ، وَالرِّيحُ الْعَاصِفَةُ الْمُنَفِّذَةُ أَمْرَهُ، وَالْجِبَالُ وَالتِّلَالُ، وَالشَّجَرُ الْمُثْمِرُ وَكُلُّ الْأَرْزِ، وَالْوُحُوشُ وَكُلُّ الْبَهَائِمِ، وَالزَّوَاحِفُ وَالطُّيُورُ، وَمُلُوكُ الْأَرْضِ وَكُلُّ الْأُمَمِ، وَالْعُظَمَاءُ وَكُلُّ حُكَّامِ الْأَرْضِ، وَالشُّبَّانُ وَالشَّابَّاتُ، وَالشُّيُوخُ وَالْأَطْفَالُ، سَبِّحُوا اسْمَ اللهِ، لِأَنَّهُ قَدْ تَعَالَى اسْمُهُ وَحْدَهُ وَجَلَالُهُ فَوْقَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ. يُعْطِي شَعْبَهُ مَلِكًا يُكْرِمُهُ كُلُّ الْأَتْقِيَاءِ، كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الشَّعْبُ الْمُقَرَّبُ إِلَيْهِ. للهِ الْحَمْدُ. للهِ الْحَمْدُ. غَنُّوا للهِ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً. سَبِّحُوهُ فِي مَحْفَلِ الْأَتْقِيَاءِ. يَفْرَحُ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِخَالِقِهِمْ، وَيَبْتَهِجُ بَنُو الْقُدْسِ بِمَلِكِهِمْ. يُسَبِّحُونَ اسْمَهُ بِالرَّقْصِ، وَيَعْزِفُونَ عَلَى الدُّفِّ وَالْعُودِ. لِأَنَّ اللهَ رَضِيَ عَنْ شَعْبِهِ، وَهُوَ يُتَوِّجُ الْوُدَعَاءَ بِالنَّصْرِ. يَفْرَحُ الْأَتْقِيَاءُ بِهَذَا الشَّرَفِ، وَيُرَنِّمُونَ فِي فِرَاشِهِمْ. تَسْبِيحُ اللهِ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ، وَسَيْفٌ بِحَدَّيْنِ فِي أَيْدِيهِمْ. لِكَيْ يَنْتَقِمُوا مِنَ الْأُمَمِ، وَيُعَاقِبُوا الشُّعُوبَ. يُقَيِّدُونَ مُلُوكَهُمْ بِالسَّلَاسِلِ، وَعُظَمَاءَهُمْ بِقُيُودٍ مِنْ حَدِيدٍ. يُنْزِلُونَ بِهِمُ الْقَضَاءَ الْمَكْتُوبَ. وَيُكْرِمُ اللهُ كُلَّ الَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. للهِ الْحَمْدُ. للهِ الْحَمْدُ. سَبِّحُوا اللهَ فِي مَقْدِسِهِ. سَبِّحُوهُ فِي السَّمَاءِ الَّتِي صَنَعَهَا بِقُدْرَتِهِ. سَبِّحُوهُ عَلَى أَعْمَالِهِ الْقَدِيرَةِ، سَبِّحُوهُ عَلَى عَظَمَتِهِ الْفَائِقَةِ. سَبِّحُوهُ بِصَوْتِ الْبُوقِ، سَبِّحُوهُ بِرَبَابٍ وَعُودٍ. سَبِّحُوهُ بِدُفٍّ وَرَقْصٍ، سَبِّحُوهُ بِأَوْتَارٍ وَمِزْمَارٍ. سَبِّحُوهُ بِنَاقُوسٍ يُدَوِّي، سَبِّحُوهُ بِنَاقُوسٍ يَصْدَحُ. كُلُّ مَا فِيهِ نَسَمَةٌ لِيُسَبِّحِ اللهَ. للهِ الْحَمْدُ. أَمْثَالُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ مَلِكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. بِهَا يَتَعَلَّمُ الْإِنْسَانُ الْحِكْمَةَ وَالْأَدَبَ، وَيَفْهَمُ الْكَلَامَ الَّذِي لَهُ مَعَانٍ عَمِيقَةٌ. وَيَكُونُ مُؤَدَّبًا وَعَاقِلًا لِيَعْمَلَ الْحَقَّ وَالْعَدْلَ وَالِاسْتِقَامَةَ. تَجْعَلُ الْجَاهِلَ يَتَعَقَّلُ، وَتُعْطِي قَلِيلَ الْخِبْرَةِ الْمَعْرِفَةَ وَحُسْنَ التَّدْبِيرِ. يَسْمَعُهَا الْحَكِيمُ فَيَزْدَادُ عِلْمًا، وَالْفَهِيمُ فَيَكْتَسِبُ هِدَايَةً، وَيَفْهَمُ الْأَمْثَالَ وَمَعَانِيَهَا، وَأَقْوَالَ الْحُكَمَاءِ وَأَلْغَازَهُمْ. مَخَافَةُ اللهِ هِيَ بَدْءُ الْمَعْرِفَةِ، أَمَّا الْجُهَّالُ فَيَحْتَقِرُونَ الْحِكْمَةَ وَالْأَدَبَ. اِسْمَعْ يَا ابْنِي وَصِيَّةَ أَبِيكَ، وَلَا تُهْمِلْ نَصِيحَةَ أُمِّكَ. فَإِنَّهُمَا تَاجٌ يُزَيِّنُ رَأْسَكَ، وَسِلْسِلَةٌ تُجَمِّلُ رَقَبَتَكَ. يَا ابْنِي، إِنْ أَغْرَاكَ الْأَشْرَارُ فَلَا تَقْبَلْ. إِنْ قَالُوا: ”تَعَالَ مَعَنَا نَخْتَبِئُ لِنَسْفِكَ دَمًا، نَكْمُنُ لِنَقْتُلَ بَرِيئًا، نَبْلَعُهُمْ كَالْهَاوِيَةِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَكَالنَّازِلِينَ إِلَى الْقَبْرِ وَهُمْ فِي صِحَّةٍ جَيِّدَةٍ. فَنَحْصُلَ عَلَى أَشْيَاءَ فَاخِرَةٍ، وَنَمْلَأَ دِيَارَنَا مِنَ الْغَنِيمَةِ. يَكُونُ نَصِيبُكَ كَنَصِيبِنَا، وَلَنَا مَحْفَظَةٌ مُشْتَرَكَةٌ.“ فَلَا تَذْهَبْ مَعَهُمْ يَا ابْنِي، بَلِ امْنَعْ رِجْلَكَ عَنِ السَّيْرِ فِي طَرِيقِهِمْ. لِأَنَّ أَرْجُلَهُمْ تَجْرِي إِلَى فِعْلِ الشَّرِّ، وَتُسْرِعُ إِلَى سَفْكِ الدَّمِ. لِأَنَّهُ بِلَا فَائِدَةٍ تُنْصَبُ الشَّبَكَةُ عَلَى مَرْأَى الطَّيْرِ. فَهُمْ يَخْتَبِئُونَ لِسَفْكِ دَمِهِمْ هُمْ، وَيَكْمُنُونَ لِأَنْفُسِهِمْ. هَذَا هُوَ مَصِيرُ كُلِّ مَنْ يَجْرِي وَرَاءَ الرِّبْحِ الْحَرَامِ، يَحْصُلُ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ يُضَيِّعُ نَفْسَهُ. الْحِكْمَةُ تُنَادِي فِي الشَّارِعِ، وَتَرْفَعُ صَوْتَهَا فِي السُّوقِ، وَتَصْرُخُ عِنْدَ مُفْتَرَقِ الطُّرُقِ، وَتَتَكَلَّمُ فِي مَدْخَلِ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ، وَتَقُولُ: ”إِلَى مَتَى أَيُّهَا الْجُهَّالُ تُحِبُّونَ الْجَهْلَ، وَالسَّاخِرُونَ تَفْرَحُونَ بِالسُّخْرِيَةِ، وَالْبُلَدَاءُ تَكْرَهُونَ الْمَعْرِفَةَ؟ فَإِنْ سَمِعْتُمْ تَوْبِيخِي وَرَجَعْتُمْ، أُفِيضُ رُوحِي عَلَيْكُمْ، وَأَعَلِّمُكُمْ كَلَامِي. وَلَكِنَّكُمْ رَفَضْتُمْ دَعْوَتِي، وَلَمْ تُبَالُوا بِيَدِيَ الْمَمْدُودَةِ إِلَيْكُمْ. وَتَجَاهَلْتُمْ كُلَّ نَصَائِحِي، وَلَمْ تَقْبَلُوا تَوْبِيخِي. لِذَلِكَ أَضْحَكُ عِنْدَمَا تَأْتِيكُمْ مُصِيبَةٌ، وَأَشْمَتُ حِينَ يَحِلُّ الرُّعْبُ بِكُمْ. فَمَتَى حَلَّ الرُّعْبُ بِكُمْ كَعَاصِفَةٍ، وَجَاءَتْ مُصِيبَتُكُمْ كَزَوْبَعَةٍ، وَأَصَابَكُمْ ضِيقٌ وَشِدَّةٌ، تَدْعُونِي فَلَا أُجِيبُ، وَتَطْلُبُونِي فَلَا تَجِدُونِي. لِأَنَّكُمْ كَرِهْتُمُ الْمَعْرِفَةَ، وَلَمْ تَخْتَارُوا مَخَافَةَ اللهِ. لَمْ تَقْبَلُوا نَصَائِحِي، وَاسْتَهَنْتُمْ بِكُلِّ تَوْبِيخِي. فَتَأْكُلُونَ ثِمَارَ أَعْمَالِكُمْ، وَتَشْبَعُونَ مِنْ نَتَائِجِ مُؤَامَرَاتِكُمْ. لِأَنَّ ضَلَالَ الْجُهَّالِ يَقْتُلُهُمْ، وَتَرَاخِيَ الْبُلَدَاءِ يُهْلِكُهُمْ. أَمَّا مَنْ يَسْمَعُ لِي فَيَسْكُنُ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، وَلَا يُخِيفُهُ ضَرَرٌ.“ يَا ابْنِي، إِنْ قَبِلْتَ كَلَامِي، وَحَفِظْتَ وَصَايَايَ فِي قَلْبِكَ، وَانْتَبَهْتَ إِلَى الْحِكْمَةِ، وَجَعَلْتَ قَلْبَكَ يَفْهَمُ. إِنْ دَعَوْتَ الْمَعْرِفَةَ، وَنَادَيْتَ إِلَيْكَ الْفَهْمَ. إِنْ طَلَبْتَهُمَا كَالْفِضَّةِ، وَبَحَثْتَ عَنْهُمَا كَالْكُنُوزِ. عِنْدَ ذَلِكَ تَفْهَمُ كَيْفَ تَخَافُ اللهَ، وَتَكْتَشِفُ كَيْفَ تَعْرِفُهُ. لِأَنَّ اللهَ يُعْطِي حِكْمَةً، وَمِنْ فَمِهِ تَأْتِي الْمَعْرِفَةُ وَالْفَهْمُ. عِنْدَهُ كَنْزٌ مِنَ الْحِكْمَةِ لِلْأَتْقِيَاءِ، وَكَتُرْسٍ يَحْمِي الْأُمَنَاءَ. يَحْرُسُ سَبِيلَ الصَّالِحِينَ، وَيَحْفَظُ طَرِيقَ الَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. عِنْدَ ذَلِكَ تَفْهَمُ الْحَقَّ وَالْعَدْلَ وَالِاسْتِقَامَةَ وَكُلَّ سَبِيلٍ صَالِحٍ. إِذَا دَخَلَتِ الْحِكْمَةُ قَلْبَكَ، وَتَلَذَّذَتْ نَفْسُكَ بِالْمَعْرِفَةِ. فَحُسْنُ التَّدْبِيرِ يَحْفَظُكَ، وَالْفَهْمُ يَحْرُسُكَ. فَتَنْجُو مِنْ طَرِيقِ الْأَشْرَارِ، وَمِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ بِالْكِذْبِ، الَّذِينَ يَتْرُكُونَ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، لِيَسِيرُوا فِي الطَّرِيقِ الْمُظْلِمِ، الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِعَمَلِ السُّوءِ، وَيَبْتَهِجُونَ بِالشَّرِّ وَالْكِذْبِ، الَّذِينَ طُرُقُهُمْ مُعْوَجَّةٌ، وَسُبُلُهُمْ مُلْتَوِيَةٌ. وَتَنْجُو أَيْضًا مِنَ الْمَرْأَةِ الزَّانِيَةِ الْفَاجِرَةِ، وَمِنْ كَلَامِهَا الْمَعْسُولِ. الَّتِي تَرَكَتْ رَفِيقَهَا الَّذِي تَزَوَّجَتْهُ فِي صِبَاهَا، وَنَسِيَتْ تَعَهُّدَهَا أَمَامَ اللهِ. دَارُهَا هِيَ طَرِيقٌ تُؤَدِّي إِلَى الْمَوْتِ، وَسُبُلُهَا تَقُودُ إِلَى عَالَمِ الْمَوْتَى. كُلُّ مَنْ يَذْهَبُ إِلَيْهَا لَا يَرْجِعُ، وَلَا يَجِدُ سَبِيلَ الْحَيَاةِ. إِذَنْ سِرْ فِي طَرِيقِ الصِّدِّيقِينَ، وَاسْلُكْ فِي سُبُلِ الصَّالِحِينَ. لِأَنَّ الْأَتْقِيَاءَ يَسْكُنُونَ الْأَرْضَ، وَالْكَامِلِينَ يَبْقَوْنَ فِيهَا. أَمَّا الْأَشْرَارُ فَيَنْقَرِضُونَ مِنَ الْأَرْضِ، وَالْغَادِرُونَ يُنْزَعُونَ مِنْهَا. يَا ابْنِي، لَا تَنْسَ شَرِيعَتِي، بَلِ احْفَظْ وَصَايَايَ فِي قَلْبِكَ. لِأَنَّهَا تَجْلِبُ لَكَ الْعُمْرَ الطَّوِيلَ وَالسِّنِينَ الطَّيِّبَةَ وَالْخَيْرَ. لَا تَجْعَلِ الرَّحْمَةَ وَالْأَمَانَةَ تَتْرُكَانِكَ، بَلْ زَيِّنْ بِهِمَا رَقَبَتَكَ، وَاكْتُبْهُمَا عَلَى صَفْحَةِ قَلْبِكَ. فَيَرْضَى عَنْكَ اللهُ وَالنَّاسُ، وَتَكُونَ لَكَ سُمْعَةٌ طَيِّبَةٌ عِنْدَهُمْ. تَوَكَّلْ عَلَى اللهِ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَلَا تَعْتَمِدْ عَلَى فَهْمِكَ. اُطْلُبْ مَشِيئَةَ اللهِ فِي كُلِّ مَا تَعْمَلُهُ، وَهُوَ يُسَهِّلُ لَكَ الطَّرِيقَ. لَا تَعْتَبِرْ نَفْسَكَ حَكِيمًا، بَلِ اتَّقِ اللهَ وَابْعُدْ عَنِ الشَّرِّ. فَهَذَا يَجْلِبُ الصِّحَّةَ لِجِسْمِكَ، وَالْغِذَاءَ لِعِظَامِكَ. أَكْرِمِ اللهَ مِنْ مَالِكَ، وَبِأَوَّلِ كُلِّ غَلَّتِكَ. فَتَمْتَلِئَ مَخَازِنُكَ إِلَى آخِرِهَا، وَتَفِيضَ جِرَارُكَ خَمْرًا. يَا ابْنِي، لَا تَحْتَقِرْ تَأْدِيبَ اللهِ، وَلَا تَكْرَهْ تَوْبِيخَهُ، لِأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ اللهُ يُؤَدِّبُهُ، كَمَا يُؤَدِّبُ الْأَبُ ابْنَهُ لِأَنَّهُ يَرْضَى بِهِ. هَنِيئًا لِمَنْ يَجِدُ الْحِكْمَةَ وَيَنَالُ الْفَهْمَ. الْحِكْمَةُ تَجْلِبُ أَرْبَاحًا أَفْضَلَ مِنَ الْفِضَّةِ، وَمَكَاسِبَ أَفْضَلَ مِنَ الذَّهَبِ. هِيَ أَغْلَى مِنَ اللَّآلِئِ، وَكُلُّ كُنُوزِكَ لَا تُسَاوِيهَا. تُقَدِّمُ لَكَ فِي يَمِينِهَا حَيَاةً طَوِيلَةً، وَفِي شِمَالِهَا غِنًى وَإِكْرَامًا. طُرُقُهَا تَقُودُ إِلَى الْهَنَاءِ، وَمَسَالِكُهَا إِلَى الْفَلَاحِ. هِيَ شَجَرَةُ حَيَاةٍ لِمَنْ يُمَارِسُهَا، وَمَنْ يَتَمَسَّكُ بِهَا هَنِيئًا لَهُ. رَبُّنَا بِالْحِكْمَةِ أَسَّسَ الْأَرْضَ، وَبِالْفَهْمِ ثَبَّتَ السَّمَاوَاتِ. بِعِلْمِهِ تَفَجَّرَتِ الْمِيَاهُ مِنَ الْأَعْمَاقِ، وَأَنْزَلَتِ السُّحُبُ مَطَرًا. يَا ابْنِي، تَمَسَّكْ بِالرَّأْيِ الصَّائِبِ وَحُسْنِ التَّدْبِيرِ، وَلَا تَجْعَلْهُمَا يَغِيبَانِ عَنْكَ. لِأَنَّهُمَا حَيَاةٌ لِنَفْسِكَ وَزِينَةٌ لِرَقَبَتِكَ. فَتَسِيرَ فِي طَرِيقِكَ فِي أَمَانٍ، وَلَا تَعْثُرَ رِجْلُكَ. وَتَرْقُدَ بِلَا خَوْفٍ، وتَنَامَ وَيَحْلُوَ نَوْمُكَ. إِذَنْ لَا تَخَفْ مِنْ مُصِيبَةٍ مُفَاجِئَةٍ، وَلَا مِنَ الْخَرَابِ الَّذِي يَحِلُّ بِالْأَشْرَارِ. لِأَنَّ اللهَ يَكُونُ سَنَدًا لَكَ، وَيَحْفَظُ رِجْلَكَ مِنَ الزَّلَلِ. لَا تَمْنَعِ الْخَيْرَ عَنْ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ، إِنْ كَانَ فِي إِمْكَانِكَ أَنْ تَعْمَلَهُ. إِنْ طَلَبَ أَحَدٌ مِنْكَ شَيْئًا وَكَانَ مَا يَطْلُبُهُ عِنْدَكَ، فَلَا تَقُلْ لَهُ: ”اِذْهَبِ الْآنَ، وَارْجِعْ مَرَّةً أُخْرَى، غَدًا أُعْطِيكَ.“ لَا تَتَآمَرْ بِالشَّرِّ عَلَى أَحَدٍ، وَهُوَ سَاكِنٌ مَعَكَ مُطْمَئِنًّا. لَا تُخَاصِمْ أَحَدًا بِغَيْرِ سَبَبٍ، مَا دَامَ لَمْ يُعَامِلْكَ بِالسُّوءِ. لَا تَحْسِدِ الظَّالِمَ، وَلَا تَعْمَلْ أَعْمَالَهُ. لِأَنَّ رَبَّنَا يَكْرَهُ الْمُلْتَوِيَ، وَيَثِقُ فِي الْأَتْقِيَاءِ. لَعْنَةُ اللهِ فِي دَارِ الشِّرِّيرِ، وَبَرَكَتُهُ فِي مَنْزِلِ الصَّالِحِينَ. يَسْخَرُ مِنَ السَّاخِرِينَ، وَيُنْعِمُ عَلَى الْمُتَوَاضِعِينَ. نَصِيبُ الْحُكَمَاءِ الْإِكْرَامُ، وَالْأَغْبِيَاءُ يَلْبَسُونَ الْعَارَ. اِسْمَعُوا أَيُّهَا الْبَنُونَ وَصِيَّةَ أَبِيكُمْ، وَانْتَبِهُوا لِتَحْصُلُوا عَلَى الْفَهْمِ. لِأَنِّي أُعْطِيكُمْ تَعْلِيمًا صَالِحًا، فَلَا تُهْمِلُوا شَرِيعَتِي. لَمَّا كُنْتُ صَغِيرًا لِأَبِي، وَلَطِيفًا وَحِيدًا لِأُمِّي، كَانَ أَبِي يُعَلِّمُنِي وَيَقُولُ لِي: ”اِحْفَظْ كَلَامِي فِي قَلْبِكَ، وَاعْمَلْ بِوَصَايَايَ فَتَحْيَا. اُحْصُلْ عَلَى الْحِكْمَةِ، اُحْصُلْ عَلَى الْفَهْمِ. لَا تَنْسَ كَلَامِي وَلَا تَنْحَرِفْ عَنْهُ. لَا تُهْمِلِ الْحِكْمَةَ فَتَحْفَظَكَ، أَحِبَّهَا فَتَحْرُسَكَ. الْحِكْمَةُ هِيَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، فَاحْصُلْ عَلَى الْحِكْمَةِ، وَاحْصُلْ عَلَى الْفَهْمِ، حَتَّى وَإِنْ كَلَّفَكَ ذَلِكَ كُلَّ مَا تَمْلِكُ. عَظِّمْهَا فَتُعَظِّمَكَ، وَاعْتَنِقْهَا فَتُكْرِمَكَ. الْحِكْمَةُ تَضَعُ عَلَى رَأْسِكَ إِكْلِيلَ جَمَالٍ، وَتَمْنَحُكَ تَاجَ جَلَالٍ.“ اِسْمَعْ أَقْوَالِي يَا ابْنِي وَاقْبَلْهَا، فَيَطُولَ عُمْرُكَ. أُرْشِدُكَ فِي طَرِيقِ الْحِكْمَةِ، وَأَهْدِيكَ فِي الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ. حِينَ تَمْشِي لَا تَتَأَخَّرُ، وَحِينَ تَجْرِي لَا تَعْثُرُ. تَمَسَّكْ بِوَصَايَايَ وَلَا تَتْرُكْهَا، حَافِظْ عَلَيْهَا فَهِيَ حَيَاتُكَ. لَا تَذْهَبْ مَعَ الْأَشْرَارِ، وَلَا تَمْشِ فِي طَرِيقِ الْخُطَاةِ. بَلْ تَجَنَّبْهُ، لَا تَمُرَّ بِهِ، اُبْعُدْ عَنْهُ وَاعْبُرْ فِي طَرِيقِكَ. لِأَنَّهُمْ لَا يَنَامُونَ حَتَّى يَعْمَلُوا السُّوءَ، وَلَا يَنْعَسُونَ حَتَّى يُسْقِطُوا أَحَدًا. يَحْصُلُونَ عَلَى خُبْزِهِمْ عَنْ طَرِيقِ الشَّرِّ، وَعَلَى خَمْرِهِمْ عَنْ طَرِيقِ الْعُنْفِ. سَبِيلُ الصَّالِحِينَ كَنُورِ الْفَجْرِ، يَزِيدُ إِشْرَاقًا حَتَّى يَطْلَعَ النَّهَارُ. وَطَرِيقُ الْأَشْرَارِ كَظَلَامٍ قَاتِمٍ، فَلَا يَعْرِفُونَ مَاذَا أَسْقَطَهُمْ. اِنْتَبِهْ يَا ابْنِي إِلَى كَلَامِي. قَرِّبْ أُذُنَكَ إِلَى أَقْوَالِي. لَا تَجْعَلْهَا تَغِيبُ عَنْكَ، بَلِ احْفَظْهَا فِي قَلْبِكَ. لِأَنَّهَا حَيَاةٌ لِمَنْ يَجِدُونَهَا، وَدَوَاءٌ لِكُلِّ الْجِسْمِ. حَافِظْ عَلَى قَلْبِكَ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ كَنْزٍ عِنْدَكَ، لِأَنَّ حَيَاتَكَ تَعْتَمِدُ عَلَيْهِ. اِنْزِعْ عَنْ فَمِكَ الْكَلَامَ الْمَلْوِيَّ، وَأَبْعِدْ عَنْ شَفَتَيْكَ الْقَوْلَ الْخَبِيثَ. اُنْظُرْ بِعَيْنَيْكَ إِلَى الْأَمَامِ، وَثَبِّتْ نَظَرَكَ إِلَى قُدَّامٍ. سِرْ فِي الطَّرِيقِ الْمُمَهَّدِ، فَتَأْمَنَ مَخَاطِرَ السَّبِيلِ. لَا تَنْحَرِفْ إِلَى الْيَمِينِ أَوْ إِلَى الشِّمَالِ، فَتَمْنَعَ قَدَمَكَ عَنِ الشَّرِّ. يَا ابْنِي أَصْغِ إِلَى حِكْمَتِي، قَرِّبْ أُذُنَكَ إِلَى كَلَامِيَ الَّذِي لَهُ مَعَانٍ عَمِيقَةٌ، لِكَيْ يَكُونَ عِنْدَكَ حُسْنُ التَّدْبِيرِ، وَتَحْتَفِظَ شَفَتَاكَ بِالْعِلْمِ. لِأَنَّ شَفَتَيِ الزَّانِيَةِ تَقْطُرَانِ عَسَلًا، وَكَلَامَهَا أَنْعَمُ مِنَ الزَّيْتِ. لَكِنَّهَا فِي الْآخِرِ مُرَّةٌ كَالْعَلْقَمِ، وَحَادَّةٌ كَسَيْفٍ بِحَدَّيْنِ. تَنْحَدِرُ قَدَمَاهَا إِلَى الْمَوْتِ، وَخَطَوَاتُهَا تَقُودُ إِلَى الْهَاوِيَةِ. لَا تَتَأَمَّلُ طَرِيقَ الْحَيَاةِ، سُلُوكُهَا أَعْوَجُ وَلَا تَشْعُرُ بِذَلِكَ. وَالْآنَ اسْمَعُونِي أَيُّهَا الْبَنُونَ، وَلَا تَحِيدُوا عَنْ كَلَامِي. أَبْعِدْ طَرِيقَكَ عَنْهَا، وَلَا تَقْتَرِبْ مِنْ بَابِ دَارِهَا. لِئَلَّا تُعْطِيَ زَهْرَةَ قُوَّتِكَ لِلْآخَرِينَ، وَشَرَفَ رُجُولَتِكَ لِمَنْ لَا يَرْحَمُ. فَيَشْبَعَ الْغُرَبَاءُ مِنْ ثَرْوَتِكَ، وَيَذْهَبَ تَعَبُكَ إِلَى دَارِ وَاحِدٍ غَيْرِكَ. وَتُصْبِحَ جِلْدًا عَلَى عَظْمٍ، وَتَنْتَهِيَ حَيَاتُكَ بِأَنِينٍ. وَتَقُولَ: ”كَرِهْتُ التَّأْدِيبَ، وَرَفَضَ قَلْبِيَ التَّقْوِيمَ. لَمْ أُطِعْ مَنْ أَرْشَدُونِي، وَلَمْ أَسْتَمِعْ لِمَنْ عَلَّمُونِي. حَتَّى وَصَلْتُ إِلَى هَذَا الْهَوَانِ، قُدَّامَ كُلِّ النَّاسِ.“ اِشْرَبْ مَاءً مِنْ بِئْرِكَ، مَاءً عَذْبًا مِنْ يَنْبُوعِكَ. هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَفِيضَ يَنَابِيعُكَ إِلَى الشَّوَارِعِ، وَتَصُبَّ جَدَاوِلُكَ فِي السَّاحَاتِ؟ لِتَكُنْ لَكَ أَنْتَ وَحْدَكَ، وَلَيْسَ لِغُرَبَاءَ مَعَكَ. لِيَكُنْ يَنْبُوعُكَ مُبَارَكًا، وَافْرَحْ بِالْمَرْأَةِ الَّتِي تَزَوَّجْتَهَا فِي شَبَابِكَ. هِيَ لَكَ الْغَزَالَةُ الْمَحْبُوبَةُ، الْغَزَالَةُ الْحُلْوَةُ، تَرْتَوِي بِوِدَادِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَتَهِيمُ بِحُبِّهَا دَائِمًا. فَلِمَاذَا يَا ابْنِي تَهِيمُ بِزَانِيَةٍ، وَلِمَاذَا تَحْضِنُ فَاجِرَةً؟ رَبُّنَا يَرَى تَصَرُّفَاتِ الْإِنْسَانِ، وَيُرَاقِبُ كُلَّ أَعْمَالِهِ. فَيَقَعُ الشِّرِّيرُ فِي شَرِّهِ، وَشَبَكَةُ ذَنْبِهِ تُطْبِقُ عَلَيْهِ. يَهْلِكُ مِنْ عَدَمِ التَّأْدِيبِ، وَيَضِيعُ مِنْ كَثْرَةِ جَهْلِهِ. يَا ابْنِي إِنْ ضَمِنْتَ شَخْصًا، إِنْ أَصْبَحْتَ مَسْئُولًا عَنْ قَرْضٍ عَلَى وَاحِدٍ غَرِيبٍ، إِنْ وَقَعْتَ فِي كَلَامِكَ، وَأَصْبَحَ لَا مَفَرَّ مِمَّا قُلْتَهُ، فَافْعَلْ هَذَا يَا ابْنِي، وَنَجِّ نَفْسَكَ، لِأَنَّكَ أَصْبَحْتَ تَحْتَ رَحْمَةِ هَذَا الشَّخْصِ: اِذْهَبْ تَذَلَّلْ لَهُ، وَتَوَسَّلْ إِلَيْهِ. لَا تَسْمَحْ لِعَيْنَيْكَ بِالنَّوْمِ، وَلَا لِأَجْفَانِكَ بِالنُّعَاسِ، نَجِّ نَفْسَكَ كَالْغَزَالِ مِنَ الْمَصْيَدَةِ، وَكَالْعُصْفُورِ مِنْ يَدِ الصَّيَّادِ. اِذْهَبْ إِلَى النَّمْلَةِ أَيُّهَا الْكَسْلَانُ. تَأَمَّلْ تَصَرُّفَاتِهَا وَكُنْ حَكِيمًا! فَلَيْسَ لَهَا قَائِدٌ أَوْ مُشْرِفٌ أَوْ حَاكِمٌ، لَكِنَّهَا تَخْزِنُ طَعَامَهَا فِي الصَّيْفِ، وَتَجْمَعُ مَؤُونَتَهَا فِي الْحَصَادِ. فَإِلَى مَتَى تَنَامُ أَيُّهَا الْكَسْلَانُ؟ مَتَى تَقُومُ مِنْ نَوْمِكَ؟ تُرِيدُ أَنْ تَنَامَ قَلِيلًا، وَتَنْعَسَ بَعْضَ الْوَقْتِ، وَتَطْوِيَ يَدَيْكَ لِلرَّاحَةِ، فَيَأْتِيَ عَلَيْكَ الْفَقْرُ كَلِصٍّ، وَالْعَوَزُ كَوَاحِدٍ مُسَلَّحٍ. الْخَبِيثُ عَدِيمُ الْأَخْلَاقِ كَلَامُهُ أَعْوَجُ. يَغْمِزُ بِعَيْنِهِ، وَيُشِيرُ بِرِجْلِهِ، وَيُعَبِّرُ بِأَصَابِعِهِ. قَلْبُهُ خَادِعٌ يَخْتَرِعُ الشَّرَّ، وَيُثِيرُ النِّزَاعَ دَائِمًا. فَتَحِلُّ عَلَيْهِ مُصِيبَةٌ فَجْأَةً، وَيَتَحَطَّمُ فِي الْحَالِ وَلَا شِفَاءَ لَهُ. 6 أَشْيَاءَ يَكْرَهُهَا اللهُ، بَلْ 7 يُبْغِضُهَا. عَيْنٌ مُتَكَبِّرَةٌ، لِسَانٌ كَاذِبٌ، يَدَانِ تَسْفِكَانِ دَمَ الْأَبْرِيَاءِ، قَلْبٌ يَتَآمَرُ بِالشَّرِّ، رِجْلَانِ تُسْرِعَانِ إِلَى السُّوءِ، شَاهِدُ زُورٍ يَقُولُ الْكِذْبَ، وَمَنْ يُثِيرُ النِّزَاعَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ. يَا ابْنِي اعْمَلْ بِوَصَايَا أَبِيكَ، وَلَا تُهْمِلْ نَصِيحَةَ أُمِّكَ. اِحْفَظْهَا دَائِمًا فِي قَلْبِكَ، وَزَيِّنْ بِهَا رَقَبَتَكَ. فَتَهْدِيَكَ فِي السَّيْرِ، وَتَحْرُسَكَ فِي النَّوْمِ، وَتُنَاجِيَكَ فِي الْيَقَظَةِ. لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مِصْبَاحٌ، وَالشَّرِيعَةَ نُورٌ، وَالتَّوْبِيخَ وَالتَّأْدِيبَ هُمَا طَرِيقُ الْحَيَاةِ. إِنَّهَا تَحْفَظُكَ مِنَ الْمَرْأَةِ الشِّرِّيرَةِ الْفَاجِرَةِ وَلِسَانِهَا الْمَعْسُولِ. لَا تَشْتَهِ جَمَالَهَا فِي قَلْبِكَ، وَلَا تَسْحَرْكَ بِعُيُونِهَا. لِأَنَّهُ بِسَبَبِ امْرَأَةٍ عَاهِرَةٍ يَفْتَقِرُ الْإِنْسَانُ إِلَى رَغِيفِ خُبْزٍ، وَالزَّانِيَةُ تَفْتَرِسُ حَيَاتَكَ. هَلْ يَضَعُ الْوَاحِدُ نَارًا فِي حِضْنِهِ وَلَا تَحْتَرِقُ ثِيَابُهُ؟ أَوْ يَمْشِي عَلَى جَمْرٍ وَلَا تَكْتَوِي قَدَمَاهُ؟ وَبِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ مَنْ يَزْنِي بِامْرَأَةِ غَيْرِهِ، مَنْ يَمَسُّهَا لَا يَنْجُو مِنْ عَوَاقِبِ فِعْلِهِ. اللِّصُّ الَّذِي يَسْرِقُ لِيُشْبِعَ جُوعَ بَطْنِهِ، لَا يَتَعَرَّضُ لِلْإِهَانَةِ. إِنَّمَا إِنْ أَمْسَكُوهُ، يُطَالِبُونَهُ بِأَنْ يَرُدَّ 7 أَضْعَافٍ، حَتَّى وَإِنْ كَلَّفَهُ ذَلِكَ كُلَّ مَا فِي دَارِهِ. أَمَّا مَنْ يَزْنِي بِامْرَأَةٍ، فَوَضْعُهُ يَخْتَلِفُ، لِأَنَّهُ عَدِيمُ الْفَهْمِ وَيَخْرِبُ نَفْسَهُ. يَتَعَرَّضُ لِلضَّرْبِ وَالْإِهَانَةِ، وَعَارُهُ لَا يُمْحَى أَبَدًا. لِأَنَّ الْغِيرَةَ تُثِيرُ غَضَبَ الزَّوْجِ، فَلَا يَرْحَمُ عِنْدَمَا يَنْتَقِمُ. وَلَا يَقْبَلُ تَعْوِيضًا، وَمَهْمَا قَدَّمْتَ لَهُ مِنْ هَدَايَا لَا يُمْكِنُ أَنْ تُرْضِيَهُ. اِعْمَلْ يَا ابْنِي بِكَلَامِي، وَاحْفَظْ وَصَايَايَ عِنْدَكَ. اِعْمَلْ بِوَصَايَايَ فَتَحْيَا، حَافِظْ عَلَى شَرِيعَتِي كَحَدَقَةِ عَيْنِكَ. اِلْبَسْهَا كَخَاتِمٍ عَلَى إِصْبَعِكَ، وَاكْتُبْهَا عَلَى صَفْحَةِ قَلْبِكَ. قُلْ لِلْحِكْمَةِ: ”أَنْتِ أُخْتِي.“ وَلِلْفَهْمِ: ”أَنْتَ قَرِيبِي.“ فَهُمَا يَحْفَظَانِكَ مِنَ الْمَرْأَةِ الزَّانِيَةِ الْفَاجِرَةِ، وَمِنْ كَلَامِهَا الْمَعْسُولِ. لِأَنِّي تَطَلَّعْتُ مِنْ نَافِذَةِ بَيْتِي، مِنْ وَرَاءِ الشُّبَّاكِ، فَرَأَيْتُ بَيْنَ الْجُهَّالِ، وَلَاحَظْتُ بَيْنَ الشُّبَّانِ، شَابًّا عَدِيمَ الْفَهْمِ. يَعْبُرُ عِنْدَ مُنْحَنَى الشَّارِعِ، وَيَسِيرُ بِاتِّجَاهِ الطَّرِيقِ إِلَى دَارِهَا. كَانَ ذَلِكَ فِي الْعِشَاءِ، عِنْدَ الْمَسَاءِ وَتَحْتَ سِتَارِ اللَّيْلِ وَالظَّلَامِ. وَإِذَا بِامْرَأَةٍ تَسْتَقْبِلُهُ، لَابِسَةً كَعَاهِرَةٍ وَكُلُّهَا خُبْثٌ. خَفِيفَةُ الْعَقْلِ، مُتَمَرِّدَةٌ، وَلَا تَسْتَقِرُّ قَدَمَاهَا فِي دَارِهَا. تَرَاهَا مَرَّةً فِي الشَّارِعِ، وَمَرَّةً فِي السَّاحَاتِ، وَتَكْمُنُ عِنْدَ كُلِّ مُنْحَنَى. فَأَمْسَكَتْهُ وَقَبَّلَتْهُ وَقَالَتْ لَهُ بِوَجْهٍ وَقِحٍ: ”كَانَ عَلَيَّ نَذْرٌ وَأَوْفَيْتُهُ الْيَوْمَ، فَقَدَّمْتُ قُرْبَانَ صُحْبَةٍ. لِذَلِكَ خَرَجْتُ لِلِقَائِكَ، وَبَحَثْتُ عَنْكَ حَتَّى وَجَدْتُكَ. فَرَشْتُ سَرِيرِي بِأَغْطِيَةٍ مِنْ كَتَّانٍ مُلَوَّنٍ مُسْتَوْرَدٍ مِنْ مِصْرَ. عَطَّرْتُ فِرَاشِي بِمُرٍّ وَعُودٍ وَقِرْفَةٍ. تَعَالَ نَرْتَوِي بِالْحُبِّ إِلَى الصَّبَاحِ، وَنَتَمَتَّعُ بِالْغَرَامِ. لِأَنَّ زَوْجِي لَيْسَ فِي الدَّارِ، بَلْ ذَهَبَ فِي رِحْلَةٍ بَعِيدَةٍ. أَخَذَ مَعَهُ صُرَّةَ الْفِضَّةِ، وَلَنْ يَعُودَ قَبْلَ نِصْفِ الشَّهْرِ.“ أَغْوَتْهُ بِمَفَاتِنِهَا، وَأَوْقَعَتْهُ بِكَلَامِهَا الْمَعْسُولِ. فِي الْحَالِ ذَهَبَ وَرَاءَهَا، كَثَوْرٍ يُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَمُغَفَّلٍ يَقَعُ فِي فَخٍّ، وَكَعُصْفُورٍ يَنْدَفِعُ إِلَى مَصْيَدَةٍ، وَلَمْ يَعْرِفْ أَنَّ هَذَا يُكَلِّفُهُ نَفْسَهُ، حَتَّى نَفَذَ السَّهْمُ إِلَى قَلْبِهِ. وَالْآنَ أَيُّهَا الْأَبْنَاءُ، اِسْمَعُوا لِي وَأَصْغُوا إِلَى كَلَامِي. لَا تَسْمَحُوا لِقُلُوبِكُمْ بِأَنْ تَنْحَرِفَ إِلَى طُرُقِهَا، أَوْ تَضِلَّ فِي مَسَالِكِهَا. لِأَنَّهَا أَوْقَعَتْ كَثِيرِينَ ضَحَايَا، وَكُلُّ الَّذِينَ صَرَعَتْهُمْ مِنَ الْعُظَمَاءِ. دَارُهَا هِيَ طَرِيقٌ إِلَى الْقَبْرِ، وَتَقُودُ إِلَى مَكَانِ الْمَوْتَى. اِسْمَعِ الْحِكْمَةَ تُنَادِي، وَالْفَهْمَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ. الْحِكْمَةُ تَقِفُ عَلَى قِمَمِ الْجِبَالِ، وَفِي الشَّوَارِعِ، وَعِنْدَ مُفْتَرَقِ الطُّرُقِ، وَبِجَانِبِ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ عِنْدَ الْمَدْخَلِ، وَتَصِيحُ وَتَقُولُ: ”أَيُّهَا النَّاسُ، أَنَا أُنَادِيكُمْ! يَا بَنِي آدَمَ، كَلَامِي مُوَجَّهٌ لَكُمْ! تَعَقَّلُوا يَا جُهَّالُ، وَافْهَمُوا يَا أَغْبِيَاءُ. اِسْمَعُونِي لِأَنَّ كَلَامِي مُهِمٌ، وَمَا يَخْرُجُ مِنْ شَفَتَيَّ وَاضِحٌ. فَمِي يَتَكَلَّمُ بِالصِّدْقِ، وَشَفَتَايَ تَكْرَهَانِ الْكِذْبَ. كُلُّ كَلَامِ فَمِي عَدْلٌ، لَا عِوَجٌ وَلَا خُبْثٌ. كُلُّهُ وَاضِحٌ لِمَنْ عِنْدَهُ فَهْمٌ، وَبَسِيطٌ لِمَنْ عِنْدَهُ مَعْرِفَةٌ. خُذُوا وَصِيَّتِي بَدَلَ الْفِضَّةِ، وَاخْتَارُوا الْمَعْرِفَةَ بَدَلَ الذَّهَبِ الْخَالِصِ. لِأَنَّ الْحِكْمَةَ أَغْلَى مِنَ اللَّآلِئِ، وَكُلَّ كُنُوزِكَ لَا تُسَاوِيهَا. ”أَنَا الْحِكْمَةُ، أَمْنَحُ التَّعَقُّلَ، وَأُبَيِّنُ طَرِيقَ الْمَعْرِفَةِ وَحُسْنِ التَّدْبِيرِ. إِنْ كُنْتَ تَخَافُ اللهَ فَاكْرَهِ الشَّرَّ. أَنَا أَكْرَهُ الْكِبْرِيَاءَ وَالْعَجْرَفَةَ وَالسُّلُوكَ السَّيِّئَ وَالْكَلَامَ الْخَبِيثَ. عِنْدِيَ الْمَشُورَةُ وَالرَّأْيُ الصَّائِبُ، عِنْدِيَ الْفَهْمُ وَالْقُدْرَةُ. بِي يَمْلِكُ الْمُلُوكُ، وَيُصْدِرُ الْحُكَّامُ الْقَوَانِينَ الْعَادِلَةَ. بِي يَحْكُمُ الرُّؤَسَاءُ وَالزُّعَمَاءُ وَكُلُّ قُضَاةِ الْأَرْضِ. أُحِبُّ مَنْ يُحِبُّونِي، وَمَنْ يَبْحَثُ عَنِّي يَجِدُنِي. عِنْدِيَ الْغِنَى وَالْكَرَامَةُ وَالثَّرْوَةُ الْبَاقِيَةُ وَالْخَيْرُ. ثَمَرِي أَفْضَلُ مِنَ الذَّهَبِ الْخَالِصِ، وَغَلَّتِي أَحْسَنُ مِنَ الْفِضَّةِ النَّقِيَّةِ. أَسِيرُ فِي طَرِيقِ الصَّلَاحِ، وَفِي سُبُلِ الْعَدْلِ. أَمْنَحُ مَنْ يُحِبُّونِي غِنًى، وَأَمْلَأُ خَزَائِنَهُمْ. ”اللهُ اقْتَنَانِي فِي أَوَّلِ طَرِيقِهِ، مِنْ قَبْلِ أَعْمَالِهِ الْقَدِيمَةِ. تَعَيَّنْتُ مُنْذُ الْأَزَلِ، مُنْذُ الْبَدْءِ، مِنْ قَبْلِ مَا تُوجَدُ الدُّنْيَا. وُلِدْتُ قَبْلَ الْمُحِيطَاتِ، وَقَبْلَ الْيَنَابِيعِ بِمِيَاهِهَا الْغَزِيرَةِ. قَبْلَ مَا اسْتَقَرَّتِ الْجِبَالُ وَالتِّلَالُ فِي أَمَاكِنِهَا أَنَا وُلِدْتُ، قَبْلَ مَا خَلَقَ اللهُ الْأَرْضَ بِمِيَاهِهَا وَتُرَابِهَا. كُنْتُ هُنَاكَ لَمَّا ثَبَّتَ السَّمَاوَاتِ، وَلَمَّا رَسَمَ الْأُفُقَ عَلَى سَطْحِ الْأَعْمَاقِ، وَلَمَّا وَضَعَ السَّحَابَ فِي السَّمَاءِ، وَخَلَقَ الْيَنَابِيعَ الَّتِي تَمْلَأُ الْمُحِيطَاتِ، وَلَمَّا وَضَعَ لِلْبَحْرِ حُدُودَهُ، فَلَا تَتَعَدَّى الْمِيَاهُ أَمْرَهُ، وَلَمَّا رَسَمَ أَسَاسَاتِ الْأَرْضِ. فِي كُلِّ هَذَا، كُنْتُ أَنَا الْمُهَنْدِسَةَ عِنْدَهُ، مَسْرُورَةً كُلَّ يَوْمٍ، وَفَرْحَانَةً دَائِمًا فِي مَحْضَرِهِ. فَرْحَانَةً بِأَرْضِهِ الْعَامِرَةِ، وَمَسْرُورَةً بِبَنِي آدَمَ. ”فَالْآنَ أَيُّهَا الْبَنُونَ اسْمَعُونِي، هَنِيئًا لِمَنْ يَتْبَعُونَ طُرُقِي. اِسْمَعُوا وَصِيَّتِي وَكُونُوا حُكَمَاءَ، وَلَا تُهْمِلُوهَا. هَنِيئًا لِلْإِنْسَانِ الَّذِي يَسْتَمِعُ لِي، وَيَسْهَرُ عِنْدَ أَبْوَابِي يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَيَنْتَظِرُ عِنْدَ مَدْخَلِ دَارِي. لِأَنَّ مَنْ يَجِدُنِي يَجِدُ الْحَيَاةَ، وَيَرْضَى عَنْهُ اللهُ. وَمَنْ يَنْحَرِفُ عَنِّي يَضُرُّ نَفْسَهُ. كُلُّ مَنْ يَكْرَهُنِي يُحِبُّ الْمَوْتَ.“ الْحِكْمَةُ بَنَتْ دَارَهَا، وَنَحَتَتْ أَعْمِدَتَهَا الـ7. ذَبَحَتْ ذَبَائِحَهَا، وَمَزَجَتْ خَمْرَهَا، وَأَعَدَّتْ مَائِدَتَهَا. أَرْسَلَتْ جَوَارِيَهَا تُنَادِي مِنْ أَعْلَى مَكَانٍ فِي الْمَدِينَةِ وَتَقُولُ: ”كُلُّ جَاهِلٍ لِيَأْتِ إِلَى هُنَا.“ وَعَدِيمُ الْفَهْمِ تَقُولُ لَهُ: ”تَعَالَ كُلْ مِنْ طَعَامِي، وَاشْرَبْ مِنَ الْخَمْرِ الَّتِي مَزَجْتُهَا. اُتْرُكُوا الْجَهَالَةَ فَتَحْيَوْا، وَاسْلُكُوا فِي طَرِيقِ الْفَهْمِ.“ الَّذِي يُؤَدِّبُ السَّاخِرَ يُهَانُ، وَالَّذِي يُوَبِّخُ الشِّرِّيرَ يُعَابُ. لَا تُوَبِّخِ السَّاخِرَ لِئَلَّا يَكْرَهَكَ، وَبِّخِ الْحَكِيمَ فَيُحِبَّكَ. أَرْشِدِ الْحَكِيمَ فَيَزْدَادَ حِكْمَةً، وَعَلِّمِ الصَّالِحَ فَيَزْدَادَ عِلْمًا. مَخَافَةُ اللهِ هِيَ بَدْءُ الْحِكْمَةِ، وَمَعْرِفَةُ الْقُدُّوسِ فَهْمٌ. الْحِكْمَةُ تَزِيدُ أَيَّامَكَ وَتُطَوِّلُ عُمْرَكَ. إِنْ كُنْتَ حَكِيمًا تَنْفَعُكَ حِكْمَتُكَ، وَإِنْ كُنْتَ سَاخِرًا فَأَنْتَ الْجَانِي عَلَى نَفْسِكَ. الْمَرْأَةُ الْغَبِيَّةُ خَفِيفَةُ الْعَقْلِ، غَيْرُ مُؤَدَّبَةٍ، وَبِلَا مَعْرِفَةٍ. تَقْعُدُ عِنْدَ بَابِ دَارِهَا، عَلَى كُرْسِيٍّ فِي أَعْلَى مَكَانٍ فِي الْمَدِينَةِ، وَتُنَادِي الْمَارَّةَ السَّائِرِينَ فِي طَرِيقِهِمْ، وَتَقُولُ: ”كُلُّ جَاهِلٍ لِيَأْتِ إِلَى هُنَا.“ وَعَدِيمُ الْفَهْمِ تَقُولُ لَهُ: ”الْمِيَاهُ الْمَسْرُوقَةُ حُلْوَةٌ، وَالْخُبْزُ الَّذِي نَأْكُلُهُ سِرًّا لَذِيذٌ.“ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَنَّ الدَّاخِلِينَ هُنَاكَ أَمْوَاتٌ، وَأَنَّ ضُيُوفَهَا فِي الْقَبْرِ. أَمْثَالُ سُلَيْمَانَ: الِابْنُ الْحَكِيمُ يُفَرِّحُ أَبَاهُ، وَالِابْنُ الْجَاهِلُ حَسْرَةٌ لِأُمِّهِ. الْمَالُ الْحَرَامُ لَا يَنْفَعُ، أَمَّا الصِّدْقُ فَيُنَجِّي مِنَ الْمَوْتِ. رَبُّنَا لَا يَسْمَحُ بِأَنْ يَجُوعَ الصَّالِحُ، وَلَكِنَّهُ يَرْفُضُ رَغْبَةَ الْأَشْرَارِ. الْيَدُ الْكَسْلَانَةُ تَجْلِبُ الْفَقْرَ لِصَاحِبِهَا، وَالْيَدُ الْمُجْتَهِدَةُ تَجْلِبُ الْغِنَى. الْعَاقِلُ يَحْصُدُ فِي الصَّيْفِ، وَالْمُغَفَّلُ يَنَامُ فِي الْحَصَادِ. بَرَكَاتٌ عَلَى رَأْسِ الصَّالِحِ، وَفَمُ الْأَشْرَارِ مَمْلُوءٌ بِالْعُنْفِ. ذِكْرُ الصَّالِحِ بَرَكَةٌ، وَاسْمُ الشِّرِّيرِ يَبْلَى. مَنْ قَلْبُهُ حَكِيمٌ يَقْبَلُ الْوَصَايَا، وَمَنْ كَلَامُهُ سَفِيهٌ يُحَطَّمُ. النَّزِيهُ يَسِيرُ فِي أَمَانٍ، وَمَنْ يُعَوِّجُ طُرُقَهُ يُفْضَحُ. مَنْ يَغْمِزُ بِالْعَيْنِ يُسَبِّبُ الْحُزْنَ، وَمَنْ كَلَامُهُ سَفِيهٌ يُحَطَّمُ. فَمُ الصَّالِحِ يَنْبُعُ بِالْحَيَاةِ، وَفَمُ الْأَشْرَارِ مَمْلُوءٌ بِالْعُنْفِ. الْكَرَاهِيَةُ تُثِيرُ النِّزَاعَ، وَالْمَحَبَّةُ تَسْتُرُ كُلَّ الذُّنُوبِ. كَلَامُ الْعَاقِلِ فِيهِ حِكْمَةٌ، وَالْعَصَا لِظَهْرِ عَدِيمِ الْفَهْمِ. الْحُكَمَاءُ يَخْزِنُونَ الْمَعْرِفَةَ، وَكَلَامُ الْغَبِيِّ يُسَبِّبُ الْخَرَابَ. ثَرْوَةُ الْغَنِيِّ مَدِينَةٌ حَصِينَةٌ لَهُ، وَالْفَقْرُ يُسَبِّبُ هَلَاكَ الْمَسَاكِينِ. أُجْرَةُ الصَّالِحِ حَيَاةٌ، وَرِبْحُ الشِّرِّيرِ يَخْرِبُهُ. مَنْ يَقْبَلُ التَّأْدِيبَ يَسِيرُ فِي طَرِيقِ الْحَيَاةِ، وَمَنْ يَرْفُضُ التَّقْوِيمَ هُوَ ضَالٌّ. مَنْ يُخْفِي الْكَرَاهِيَةَ يَكْذِبُ بِشَفَتَيْهِ، وَمَنْ يَغْتَابُ الْآخَرِينَ هُوَ غَبِيٌّ. كَثْرَةُ الْكَلَامِ لَا تَخْلُو مِنْ مَعْصِيَةٍ، وَمَنْ يَضْبِطُ شَفَتَيْهِ هُوَ عَاقِلٌ. لِسَانُ الصَّالِحِ فِضَّةٌ نَقِيَّةٌ، وَقَلْبُ الشِّرِّيرِ قِيمَتُهُ تَافِهَةٌ. كَلَامُ الصَّالِحِ يَهْدِي كَثِيرِينَ، وَالْأَغْبِيَاءُ يَمُوتُونَ مِنْ عَدَمِ الْفَهْمِ. بَرَكَةُ اللهِ تَجْلِبُ غِنًى لَا يَصْحَبُهُ حُزْنٌ. الْجَاهِلُ يَجِدُ لَذَّةً فِي عَمَلِ الشَّرِّ، وَالْفَهِيمُ يُسَرُّ بِالْحِكْمَةِ. مَا يَخَافُ مِنْهُ الشِّرِّيرُ يَحِلُّ بِهِ، وَرَغْبَةُ الصَّالِحِينَ تُمْنَحُ لَهُمْ. حِينَ تَهُبُّ الْعَاصِفَةُ يَزُولُ الشِّرِّيرُ، أَمَّا الصَّالِحُ فَيَثْبُتُ إِلَى الْأَبَدِ. الْكَسْلَانُ يَكُونُ تَأْثِيرُهُ عَلَى مَنْ أَرْسَلَهُ كَالْخَلِّ لِلْأَسْنَانِ وَكَالدُّخَانِ لِلْعَيْنَيْنِ. مَخَافَةُ اللهِ تُطِيلُ الْعُمْرَ، أَمَّا حَيَاةُ الْأَشْرَارِ فَقَصِيرَةٌ. رَجَاءُ الصَّالِحِينَ يُفَرِّحُ، وَأَمَلُ الْأَشْرَارِ يَزُولُ. طَرِيقُ اللهِ مَلْجَأٌ لِلصَّالِحِينَ وَهَلَاكٌ لِفَاعِلِي الْإِثْمِ. الصَّالِحُ لَنْ يُزَحْزَحَ أَبَدًا، وَالْأَشْرَارُ لَنْ يَدُومُوا فِي الْأَرْضِ. فَمُ الصَّالِحِ يَفِيضُ حِكْمَةً، وَاللِّسَانُ الْخَبِيثُ يُقْطَعُ. كَلَامُ الصَّالِحِ مُنَاسِبٌ لِلظُّرُوفِ، وَكَلَامُ الشِّرِّيرِ كُلُّهُ خَبِيثٌ. رَبُّنَا يَكْرَهُ الْمِيزَانَ الْمَغْشُوشَ، وَيَرْضَى بِالْمِكْيَالِ السَّلِيمِ. مَعَ الْكِبْرِيَاءِ يَأْتِي هَوَانٌ، وَمَعَ التَّوَاضُعِ تَأْتِي حِكْمَةٌ. نَزَاهَةُ الْأَتْقِيَاءِ تَهْدِيهِمْ، وَعِوَجُ الْغَادِرِينَ يُهْلِكُهُمْ. لَا يَنْفَعُ الْغِنَى فِي يَوْمِ الْعِقَابِ، أَمَّا الصَّلَاحُ فَيُنَجِّي مِنَ الْمَوْتِ. صَلَاحُ الْكَامِلِ يُسَهِّلُ لَهُ الطَّرِيقَ، وَالشِّرِّيرُ يَسْقُطُ بِشَرِّهِ. صَلَاحُ الْأَتْقِيَاءِ يُنَجِّيهِمْ، وَشَهَوَاتُ الْغَادِرِينَ تُوقِعُهُمْ. عِنْدَ مَوْتِ الشِّرِّيرِ يَنْتَهِي أَمَلُهُ، وَرَجَاءُ الْمُذْنِبِ يَزُولُ. الصَّالِحُ يَنْجُو مِنَ الضِّيقِ، وَيَأْتِي الشِّرِّيرُ مَكَانَهُ. الشِّرِّيرُ يَخْرِبُ صَاحِبَهُ بِكَلَامِهِ، وَالصَّالِحُ يَنْجُو بِمَعْرِفَتِهِ. حِينَ يَحِلُّ الْخَيْرُ بِالصَّالِحِينَ تَفْرَحُ الْمَدِينَةُ، وَحِينَ يَهْلِكُ الْأَشْرَارُ تَهْتِفُ. حِينَ تَحِلُّ الْبَرَكَةُ عَلَى التَّقِيِّ تَعْلُو الْمَدِينَةُ، وَحِينَ يَتَكَلَّمُ الشِّرِّيرُ تَخْرَبُ. عَدِيمُ الْفَهْمِ يَحْتَقِرُ الْآخَرِينَ، وَالْفَهِيمُ يَسْكُتُ. النَّمَّامُ يُفْشِي السِّرَّ، وَالْأَمِينُ يَكْتُمُهُ. يَسْقُطُ الشَّعْبُ مِنْ عَدَمِ الْهِدَايَةِ، وَالنَّصْرُ بِكَثْرَةِ الْمُشِيرِينَ. مَنْ يَضْمَنُ غَرِيبًا يَتَعَرَّضُ لِلضَّرَرِ، وَمَنْ يَرْفُضُ أَنْ يَكُونَ مَسْئُولًا عَنْ قَرْضٍ عَلَى وَاحِدٍ آخَرَ يَطْمَئِنُّ. الْمَرْأَةُ الرَّقِيقَةُ الْقَلْبِ تُكْرَمُ، وَغَيْرُ الرَّحِيمِ يَحْصُلُ عَلَى ثَرْوَةٍ فَقَطْ. الرَّحِيمُ يُحْسِنُ إِلَى نَفْسِهِ، وَالْقَاسِي يُحْزِنُ قَلْبَهُ. الشِّرِّيرُ يَكْسِبُ أُجْرَةً خَادِعَةً، وَمَنْ يَزْرَعُ الصَّلَاحَ لَهُ ثَوَابٌ أَكِيدٌ. مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالصَّلَاحِ يَحْيَا، وَمَنْ يَتْبَعُ الشَّرَّ يَمُوتُ. رَبُّنَا يَكْرَهُ كُلَّ مُنْحَرِفِ الْقَلْبِ، وَيُسَرُّ بِمَنْ سِيرَتُهُ نَقِيَّةٌ. لَا شَكَّ أَنَّ الشِّرِّيرَ لَا يُفْلِتُ مِنَ الْعِقَابِ، أَمَّا نَسْلُ الصَّالِحِينَ فَيَنْجُو. جَمَالُ امْرَأَةٍ غَيْرِ عَاقِلَةٍ، هُوَ خَاتِمٌ مِنْ ذَهَبٍ فِي أَنْفِ خِنْزِيرَةٍ. مَا يَتَمَنَّاهُ الصَّالِحُونَ يَقُودُ إِلَى الْخَيْرِ فَقَطْ، وَمَا يَرْجُوهُ الْأَشْرَارُ يَقُودُ إِلَى الْغَضَبِ. يُوجَدُ مَنْ يُعْطِي بِسَخَاءٍ فَيَزْدَادُ غِنًى، وَمَنْ يُمْسِكُ أَكْثَرَ مِنَ اللَّازِمِ فَيَفْتَقِرُ. الْكَرِيمُ يَزْدَادُ خَيْرًا، وَمَنْ يُرْوِي الْآخَرِينَ يُرْوَى. مَنْ يَحْتَكِرُ الْقَمْحَ يَلْعَنُهُ الشَّعْبُ، وَمَنْ يَبِيعُهُ تَحِلُّ عَلَيْهِ الْبَرَكَةُ. مَنْ يَطْلُبُ الْخَيْرَ يَجِدُ الرِّضَى، وَمَنْ يَطْلُبُ الشَّرَّ يَأْتِيهِ الشَّرُّ. مَنْ يَتَّكِلُ عَلَى غِنَاهُ يَسْقُطُ، وَالصَّالِحُ يَزْدَهِرُ كَالْوَرَقِ الْأَخْضَرِ. مَنْ يُسَبِّبُ الْمَشَاكِلَ لِأَهْلِهِ لَا يَرِثُ شَيْئًا، وَالْغَبِيُّ يُصْبِحُ خَادِمًا لِلْحَكِيمِ. الصَّالِحُ هُوَ كَشَجَرَةٍ تُعْطِي ثِمَارَ الْحَيَاةِ، وَمَنْ يَرْبَحُ النُّفُوسَ حَكِيمٌ. إِنْ كَانَ الصَّالِحُ يُجَازَى هُنَا فِي الْأَرْضِ، فَكَمْ بِالْأَوْلَى يَكُونُ جَزَاءُ الشِّرِّيرِ وَالْخَاطِئِ! مَنْ يُحِبُّ التَّأْدِيبَ يُحِبُّ الْمَعْرِفَةَ، وَمَنْ يَكْرَهُ التَّقْوِيمَ فَهُوَ غَبِيٌّ. الصَّالِحُ يَرْضَى عَنْهُ اللهُ، وَالْخَبِيثُ يَنَالُ عِقَابًا. لَا يَثْبُتُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ، وَالصَّالِحُ لَا يُزَحْزَحُ مِنْ مَكَانِهِ. الْمَرْأَةُ الْفَاضِلَةُ تَاجٌ لِزَوْجِهَا، وَالْمُغَفَّلَةُ كَالْوَجَعِ فِي عِظَامِهِ. مَقَاصِدُ الصَّالِحِينَ عَادِلَةٌ، وَتَدَابِيرُ الْأَشْرَارِ خَادِعَةٌ. كَلَامُ الْأَشْرَارِ هُوَ كَمِينٌ لِسَفْكِ الدَّمِ، وَكَلَامُ الْأَتْقِيَاءِ يُنَجِّيهِمْ. يَنْقَلِبُ الْأَشْرَارُ فَيَزُولُونَ، أَمَّا بَيْتُ الصَّالِحِينَ فَيَثْبُتُ. يُمْدَحُ الْإِنْسَانُ لِتَعَقُّلِهِ، وَأَعْوَجُ الْقَلْبِ يُحْتَقَرُ. الْبَسِيطُ الَّذِي لَهُ عَبْدٌ هُوَ خَيْرٌ مِنَ الْعَظِيمِ الَّذِي يَحْتَاجُ لِلْخُبْزِ. الصَّالِحُ يَهْتَمُّ حَتَّى بِبَهِيمَتِهِ، وَرَحْمَةُ الشِّرِّيرِ قَاسِيَةٌ. مَنْ يَفْلَحُ أَرْضَهُ يَشْبَعُ طَعَامًا، وَمَنْ يَتْبَعُ الْأَوْهَامَ هُوَ عَدِيمُ الْفَهْمِ. يَشْتَهِي الشِّرِّيرُ صَيْدَ الْأَشْرَارِ، وَجِذْرُ الصَّالِحِ يُثْمِرُ. الشِّرِّيرُ يَقَعُ فِي فَخِّ كَلَامِهِ الْبَطَّالِ، وَالصَّالِحُ يَنْجُو مِنَ الضِّيقِ. يَشْبَعُ الْإِنْسَانُ خَيْرًا بِسَبَبِ كَلَامِهِ الطَّيِّبِ، وَتَأْتِيهِ الْمُكَافَأَةُ عَلَى تَعَبِ يَدَيْهِ. طَرِيقُ الْجَاهِلِ تَبْدُو مُسْتَقِيمَةً فِي نَظَرِهِ، وَالْحَكِيمُ يَسْمَعُ الْمَشُورَةَ. الْغَبِيُّ يُبَيِّنُ غَيْظَهُ فِي الْحَالِ، وَالْعَاقِلُ يَتَجَاهَلُ الْإِهَانَةَ. الشَّاهِدُ الْأَمِينُ يَقُولُ الْحَقَّ، وَشَاهِدُ الزُّورِ يَكْذِبُ. كَلَامُ الْمُتَهَوِّرِ مِثْلُ طَعْنِ السَّيْفِ، وَأَقْوَالُ الْحَكِيمِ فِيهَا شِفَاءٌ. الْكَلَامُ الصَّادِقُ يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ، وَالْكِذْبُ يَبْقَى لَحْظَةً وَفَقَطْ. الْغِشُّ فِي قَلْبِ مَنْ يَتَآمَرُ بِالشَّرِّ، وَالْفَرَحُ فِي قَلْبِ مَنْ يَسْعَى إِلَى السَّلَامِ. الصَّالِحُ لَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ، وَالْأَشْرَارُ يَشْبَعُونَ ضِيقًا. رَبُّنَا يَكْرَهُ الْكِذْبَ، وَيُسَرُّ بِالصِّدْقِ. الْعَاقِلُ يَحْتَفِظُ بِعِلْمِهِ لِنَفْسِهِ، وَقَلْبُ الْمُغَفَّلِ يَقْذِفُ غَبَاءً. الْيَدُ الْمُجْتَهِدَةُ تَسُودُ، وَالْكَسْلَانُ يَخْدِمُ بِالسُّخْرَةِ. الْغَمُّ فِي الْقَلْبِ يَحْنِي الْإِنْسَانَ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ تُفَرِّحُهُ. الصَّالِحُ يَهْدِي صَاحِبَهُ، وَطَرِيقُ الْأَشْرَارِ تَقُودُهُمْ إِلَى الضَّلَالِ. الْكَسْلَانُ لَا يَشْوِي صَيْدَهُ، وَالْمُجْتَهِدُ يُعِزُّ مَا عِنْدَهُ. طَرِيقُ الصَّلَاحِ يَقُودُ إِلَى الْحَيَاةِ، طَرِيقُ الصَّلَاحِ يَقُودُ إِلَى الْخُلُودِ. الِابْنُ الْحَكِيمُ يَقْبَلُ نَصِيحَةَ أَبِيهِ، وَالسَّاخِرُ لَا يَسْمَعُ التَّوْبِيخَ. مَنْ كَلَامُهُ طَيِّبٌ يَتَمَتَّعُ بِالْخَيْرِ، وَالْغَادِرُ يَشْتَاقُ لِلْعُنْفِ. مَنْ يَضْبِطُ شَفَتَيْهِ يَحْفَظُ نَفْسَهُ، وَكَثِيرُ الْكَلَامِ يَهْلِكُ. الْكَسْلَانُ يَتَمَنَّى وَلَا يَنَالُ شَيْئًا، وَالْمُجْتَهِدُ يُفْلِحُ وَيَشْبَعُ. الصَّالِحُ يَكْرَهُ الْكِذْبَ، وَالشِّرِّيرُ يُسَبِّبُ الْعَارَ وَالْخَجَلَ. الصَّلَاحُ يَحْفَظُ الرَّجُلَ النَّزِيهَ، وَالشَّرُّ يَقْلِبُ الْخَاطِئَ. يُوجَدُ مَنْ يَتَظَاهَرُ بِأَنَّهُ غَنِيٌّ بَيْنَمَا هُوَ مُعْدَمٌ، وَمَنْ يَتَظَاهَرُ بِأَنَّهُ فَقِيرٌ بَيْنَمَا عِنْدَهُ ثَرْوَةٌ كَبِيرَةٌ. قَدْ يُطْلَبُ مِنَ الْغَنِيِّ أَنْ يَدْفَعَ فِدْيَةً، أَمَّا الْفَقِيرُ فَلَا يَهُمُّهُ التَّهْدِيدُ. نُورُ الصَّالِحِينَ يُضِيءُ، وَسِرَاجُ الْأَشْرَارِ يَنْطَفِئُ. الْكِبْرِيَاءُ تُوَلِّدُ الْخِصَامَ، وَالْحِكْمَةُ عِنْدَ مَنْ يَتَشَاوَرُونَ. الْمَالُ الْحَرَامُ يَتَبَدَّدُ، وَالْمَالُ الَّذِي مِنْ تَعَبِ الْيَدَيْنِ يَزِيدُ. أَمَلٌ لَمْ يَتَحَقَّقْ يُمْرِضُ الْقَلْبَ، وَأُمْنِيَةٌ تَحَقَّقَتْ هِيَ شَجَرَةُ حَيَاةٍ. مَنِ اسْتَهَانَ بِالنَّصِيحَةِ يَهْلِكُ، وَمَنِ احْتَرَمَ الْوَصِيَّةَ يُكَافَأُ. مَشُورَةُ الْحَكِيمِ هِيَ نَبْعُ حَيَاةٍ وَتُبْعِدُكَ عَنْ فِخَاخِ الْمَوْتِ. الْفَهْمُ الْجَيِّدُ يَجْلِبُ الرِّضَى، وَطَرِيقُ الْغَادِرِينَ وَعِرَةٌ. الْعَاقِلُ يَتَصَرَّفُ بِمَعْرِفَةٍ، وَالْغَبِيُّ يَعْرِضُ غَبَاءَهُ. الرَّسُولُ الشِّرِّيرُ يُسَبِّبُ الْمَشَاكِلَ، وَالسَّفِيرُ الْأَمِينُ يُسَبِّبُ الشِّفَاءَ. الْفَقْرُ وَالْإِهَانَةُ لِمَنْ يَرْفُضُ التَّأْدِيبَ، وَالْإِكْرَامُ لِمَنْ يَقْبَلُ التَّقْوِيمَ. أُمْنِيَةٌ تَحَقَّقَتْ حُلْوَةٌ لِلنَّفْسِ، وَالْأَغْبِيَاءُ يَكْرَهُونَ تَجَنُّبَ الشَّرِّ. مَنْ يُعَاشِرُ الْحُكَمَاءَ يَصِيرُ حَكِيمًا، وَرَفِيقُ الْأَغْبِيَاءِ يُضَرُّ. الْمَصَائِبُ تُلَاحِقُ الْأَشْرَارَ، وَجَزَاءُ الصَّالِحِينَ خَيْرٌ. الصَّالِحُ يَتْرُكُ مِيرَاثًا لِأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ، وَثَرْوَةُ الْخَاطِئِ تُخْزَنُ لِلصَّالِحِ. قَدْ يُنْتِجُ حَقْلُ الْفَقِيرِ طَعَامًا وَفِيرًا، وَهُنَاكَ مَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ. مَنْ لَا يَسْتَعْمِلُ عَصَاهُ يَكْرَهُ ابْنَهُ، وَمَنْ يُحِبُّ ابْنَهُ يُؤَدِّبُهُ. الصَّالِحُ يَأْكُلُ وَيَشْبَعُ، وَالشِّرِّيرُ يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ. الْمَرْأَةُ الْحَكِيمَةُ تَبْنِي بَيْتَهَا، وَالْغَبِيَّةُ تَهْدِمُهُ بِيَدَيْهَا. مَنْ يَسْلُكُ بِاسْتِقَامَةٍ يَخَافُ اللهَ، وَمَنْ طَرِيقُهُ أَعْوَجُ يَحْتَقِرُهُ. كَلَامُ الْجَاهِلِ يُسَبِّبُ لَهُ الضَّرْبَ وَالْإِهَانَةَ، وَكَلَامُ الْحُكَمَاءِ يَحْفَظُهُمْ. حَيْثُ لَا ثِيرَانٌ يَكُونُ الْمَخْزَنُ فَارِغًا، وَبِقُوَّةِ الثَّوْرِ تَكْثُرُ الْغِلَالُ. الشَّاهِدُ الْأَمِينُ لَا يَكْذِبُ، وَشَاهِدُ الزُّورِ كُلُّ كَلَامِهِ كِذْبٌ. السَّاخِرُ يَطْلُبُ الْحِكْمَةَ وَلَا يَجِدُهَا، وَالْفَهِيمُ يَنَالُ الْمَعْرِفَةَ بِسُهُولَةٍ. اِبْتَعِدْ عَنِ الْجَاهِلِ لِأَنَّكَ لَنْ تَسْمَعَ مِنْهُ كَلَامًا لَهُ مَعْنَى. حِكْمَةُ الْعَاقِلِ تَجْعَلُهُ يَفْهَمُ طَرِيقَهُ، وَغَبَاوَةُ الْجُهَّالِ تَخْدَعُهُمْ. يَسْخَرُ الْأَغْبِيَاءُ مِنْ فِكْرَةِ إِصْلَاحِ الْخَطَأِ، أَمَّا الْأَتْقِيَاءُ فَيَنَالُونَ الرِّضَى. الْقَلْبُ وَحْدَهُ يَعْرِفُ مَشَاكِلَهُ وَلَا يُشَارِكُهُ فِي فَرَحِهِ أَحَدٌ. دَارُ الْأَشْرَارِ تَخْرَبُ، وَمَسْكَنُ الْأَتْقِيَاءِ يَزْدَهِرُ. رُبَّ طَرِيقٍ تَبْدُو لِلْإِنْسَانِ مُسْتَقِيمَةً، لَكِنَّهَا فِي الْآخِرِ تَقُودُ إِلَى الْمَوْتِ. قَدْ يَضْحَكُ الْإِنْسَانُ وَقَلْبُهُ كَئِيبٌ، وَقَدْ تَكُونُ عَاقِبَةُ الْفَرَحِ حُزْنًا. صَاحِبُ الْقَلْبِ الْمُرْتَدِّ يَنَالُ جَزَاءَ سُلُوكِهِ، وَالصَّالِحُ يَنَالُ جَزَاءَ صَلَاحِهِ. الْمُغَفَّلُ يُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ، وَالْعَاقِلُ يَنْتَبِهُ لِخَطَوَاتِهِ. الْحَكِيمُ يَخَافُ وَيَبْتَعِدُ عَنِ الشَّرِّ، وَالْجَاهِلُ يَتَسَرَّعُ وَيَتَهَوَّرُ. السَّرِيعُ الْغَضَبِ يَتَصَرَّفُ بِغَبَاءٍ، وَالْمَاكِرُ مَكْرُوهٌ. الْمُغَفَّلُ يَرِثُ غَبَاءً، وَالْعَاقِلُ يُتَوَّجُ بِالْمَعْرِفَةِ. الْأَشْرَارُ يَنْحَنُونَ أَمَامَ الْأَخْيَارِ، وَالْمُذْنِبُ أَمَامَ الصَّالِحِ. الْفَقِيرُ يَكْرَهُهُ حَتَّى قَرِيبُهُ، وَالَّذِينَ يُحِبُّونَ الْغَنِيَّ كَثِيرُونَ. مَنْ يَحْتَقِرُ قَرِيبَهُ يُخْطِئُ، وَهَنِيئًا لِمَنْ يَرْحَمُ الْمَسَاكِينَ. مَنْ يَتَآمَرُونَ بِالشَّرِّ يَضِلُّونَ، وَمَنْ يُدَبِّرُونَ الْخَيْرَ يُلَاقُونَ الرَّحْمَةَ وَالْأَمَانَةَ. كُلُّ كِفَاحٍ يَأْتِي بِرِبْحٍ، وَمُجَرَّدُ الْكَلَامِ يَقُودُ إِلَى الْفَقْرِ. ثَرْوَةُ الْحُكَمَاءِ هِيَ تَاجُهُمْ، وَغَبَاوَةُ الْجُهَّالِ هِيَ زِينَتُهُمْ. الشَّاهِدُ الْأَمِينُ يُنْقِذُ النُّفُوسَ، وَالشَّاهِدُ الزُّورُ خَادِعٌ. مَنْ يَتَّقِي اللهَ لَهُ حِصْنٌ أَمِينٌ، وَلِبَنِيهِ مَلْجَأٌ. مَخَافَةُ اللهِ هِيَ نَبْعُ حَيَاةٍ، لِأَنَّهَا تُبْعِدُ الْإِنْسَانَ عَنْ فِخَاخِ الْمَوْتِ. الشَّعْبُ الْكَثِيرُ كَرَامَةٌ لِلْمَلِكِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَعْبٌ فَالْأَمِيرُ لَا قِيمَةَ لَهُ. الْبَطِيءُ الْغَضَبِ عِنْدَهُ فَهْمٌ عَظِيمٌ، وَالسَّرِيعُ الْغَضَبِ يُظْهِرُ غَبَاءَهُ. سَلَامُ الْقَلْبِ يُعْطِي صِحَّةً لِلْجِسْمِ، وَالْحَسَدُ يُوجِعُ الْعِظَامَ. مَنْ يَظْلِمُ الْفَقِيرَ يَحْتَقِرُ خَالِقَهُ، وَمَنْ يَرْحَمُ الْمِسْكِينَ يُكْرِمُ اللهَ. تَأْتِي مُصِيبَةٌ فَتُطِيحُ بِالشِّرِّيرِ، أَمَّا الصَّالِحُ فَحَتَّى عِنْدَ مَوْتِهِ لَهُ مَلْجَأٌ. الْحِكْمَةُ تَسْكُنُ فِي قَلْبِ الْفَهِيمِ، أَمَّا قَلْبُ الْجُهَّالِ فَلَا يَعْرِفُهَا. الصَّلَاحُ يَرْفَعُ شَأْنَ الْأُمَّةِ، وَالْخَطِيئَةُ هِيَ عَارُ الشُّعُوبِ. يَرْضَى الْمَلِكُ عَنِ الْعَبْدِ الْعَاقِلِ، وَيُنْزِلُ عِقَابَهُ عَلَى الْعَبْدِ الْمُخْزِي. الْجَوَابُ الرَّقِيقُ يَصْرِفُ الْغَضَبَ، وَالْكَلَامُ الْمُوجِعُ يُثِيرُ السَّخَطَ. لِسَانُ الْحَكِيمِ يَجُودُ بِالْمَعْرِفَةِ، وَفَمُ الْجَاهِلِ يَفِيضُ جَهَالَةً. عَيْنَا اللهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، تُرَاقِبَانِ الْأَشْرَارَ وَالصَّالِحِينَ. الْكَلَامُ اللَّطِيفُ يُعْطِي حَيَاةً، وَالْكَلَامُ الْخَادِعُ يَكْسِرُ النَّفْسَ. الْغَبِيُّ يَسْتَهِينُ بِتَأْدِيبِ أَبِيهِ، وَمَنْ يَقْبَلُ التَّقْوِيمَ هُوَ عَاقِلٌ. فِي دَارِ الصَّالِحِ كَنْزٌ عَظِيمٌ، وَرِبْحُ الْأَشْرَارِ يَجْلِبُ التَّعَبَ. شِفَاهُ الْحُكَمَاءِ تَنْشُرُ مَعْرِفَةً، وَقُلُوبُ الْجُهَّالِ غَيْرُ أَمِينَةٍ. رَبُّنَا يَكْرَهُ الضَّحِيَّةَ الَّتِي يُقَدِّمُهَا الْأَشْرَارُ، وَتَسُرُّهُ صَلَاةُ الْأَتْقِيَاءِ. رَبُّنَا يَكْرَهُ سُلُوكَ الْأَشْرَارِ، وَيُحِبُّ مَنْ يَتْبَعُ الصَّلَاحَ. مَنْ يَتْرُكُ طَرِيقَ اللهِ جَزَاؤُهُ التَّأْدِيبُ الْقَاسِي، وَمَنْ يَكْرَهُ التَّقْوِيمَ يَمُوتُ. أَعْمَاقُ الْهَاوِيَةِ وَالْهَلَاكِ مَكْشُوفَةٌ أَمَامَ اللهِ، فَكَمْ بِالْأَوْلَى قُلُوبُ بَنِي آدَمَ! السَّاخِرُ لَا يُحِبُّ التَّقْوِيمَ، وَلَا يَسْتَشِيرُ الْحُكَمَاءَ. الْقَلْبُ الْفَرْحَانُ يَجْعَلُ الْوَجْهَ مَسْرُورًا، وَالْقَلْبُ الْحَزِينُ يَكْسِرُ النَّفْسَ. الْقَلْبُ الْفَهِيمُ يَطْلُبُ الْمَعْرِفَةَ، وَفَمُ الْغَبِيِّ يَأْكُلُ غَبَاءً. أَيَّامُ الْمِسْكِينِ كُلُّهَا شَقَاءٌ، وَالْقَلْبُ الْمَسْرُورُ فِي عِيدٍ دَائِمٍ. الْقَلِيلُ مَعَ مَخَافَةِ اللهِ، خَيْرٌ مِنْ ثَرْوَةٍ عَظِيمَةٍ وَمَعَهَا هَمٌّ. أَكْلَةٌ مِنَ الْبُقُولِ وَمَعَهَا مَحَبَّةٌ، خَيْرٌ مِنْ عِجْلٍ مُسَمَّنٍ وَمَعَهُ كَرَاهِيَةٌ. مَنْ يَغْضَبُ بِسُهُولَةٍ يُثِيرُ النِّزَاعَ، وَطَوِيلُ الْبَالِ يُهَدِّئُ الْخِصَامَ. طَرِيقُ الْكَسْلَانِ مَسْدُودٌ بِالشَّوْكِ، وَطَرِيقُ الْأَتْقِيَاءِ مُمَهَّدٌ. الِابْنُ الْحَكِيمُ يُفَرِّحُ أَبَاهُ، وَالْجَاهِلُ يَحْتَقِرُ أُمَّهُ. الْغَبَاءُ يُفَرِّحُ عَدِيمَ الْفَهْمِ، أَمَّا الْفَهِيمُ فَسُلُوكُهُ مُسْتَقِيمٌ. بِغَيْرِ مَشُورَةٍ تَفْشَلُ الْخِطَّةُ، وَبِكَثْرَةِ الْمُشِيرِينَ تَنْجَحُ. الْجَوَابُ الْمُنَاسِبُ يُفَرِّحُ الْإِنْسَانَ، وَمَا أَحْلَى كَلِمَةً فِي حِينِهَا. طَرِيقُ الْعَاقِلِ تَصْعَدُ بِهِ إِلَى الْحَيَاةِ، وَتَحْفَظُهُ مِنَ النُّزُولِ إِلَى الْهَاوِيَةِ. رَبُّنَا يَقْلَعُ دَارَ الْمُتَكَبِّرِينَ، وَيَحْمِي أَمْلَاكَ الْأَرْمَلَةِ. رَبُّنَا يَكْرَهُ أَفْكَارَ الشِّرِّيرِ، وَكَلَامُ الْأَطْهَارِ يَسُرُّهُ. الطَّمَّاعُ يَجْلِبُ الْمَتَاعِبَ لِأَهْلِهِ، وَمَنْ يَكْرَهُ الرَّشْوَةَ يَحْيَا. قَلْبُ الصَّالِحِ يَتَرَوَّى فِي الْجَوَابِ، وَفَمُ الشِّرِّيرِ يَفِيضُ شَرًّا. رَبُّنَا بَعِيدٌ عَنِ الْأَشْرَارِ، لَكِنَّهُ يَسْمَعُ صَلَاةَ الصَّالِحِينَ. الْوَجْهُ الْمُنِيرُ يُفَرِّحُ الْقَلْبَ، وَالْخَبَرُ الطَّيِّبُ يَشْفِي الْعِظَامَ. مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَى التَّوْبِيخِ الَّذِي يَقُودُ إِلَى الْحَيَاةِ، يَكُونُ مَكَانُهُ بَيْنَ الْحُكَمَاءِ. مَنْ يَتَجَاهَلُ التَّأْدِيبَ يَحْتَقِرُ نَفْسَهُ، وَمَنْ يَقْبَلُ التَّقْوِيمَ يَرْبَحُ الْفَهْمَ. مَخَافَةُ اللهِ تُعَلِّمُ الْإِنْسَانَ الْحِكْمَةَ، وَقَبْلَ الْكَرَامَةِ يَأْتِي التَّوَاضُعُ. قَلْبُ الْإِنْسَانِ يُدَبِّرُ، لَكِنَّ اللهَ لَهُ الْكَلِمَةُ الْفَاصِلَةُ. كُلُّ تَصَرُّفَاتِ الْإِنْسَانِ تَبْدُو سَلِيمَةً لَهُ، لَكِنَّ اللهَ يَعْرِفُ مَا فِي النُّفُوسِ. سَلِّمْ للهِ أَعْمَالَكَ، فَتَنْجَحَ مَقَاصِدُكَ. رَبُّنَا صَنَعَ الْكُلَّ لِغَرَضٍ مَا، حَتَّى الشِّرِّيرَ لِيَوْمِ الْبَلِيَّةِ. رَبُّنَا يَكْرَهُ كُلَّ مَنْ قَلْبُهُمْ مُتَكَبِّرٌ، لَا شَكَّ أَنَّهُمْ لَنْ يُفْلِتُوا مِنَ الْعِقَابِ. بِالرَّحْمَةِ وَالْأَمَانَةِ تُسْتَرُ الْخَطِيئَةُ، وَبِمَخَافَةِ اللهِ يَتَجَنَّبُ الْإِنْسَانُ الشَّرَّ. إِنْ رَضِيَ اللهُ عَنْ تَصَرُّفَاتِ إِنْسَانٍ، يَجْعَلُ حَتَّى أَعْدَاءَهُ يُسَالِمُونَهُ. الْقَلِيلُ مَعَ الصَّلَاحِ، خَيْرٌ مِنْ دَخْلٍ كَبِيرٍ مِنَ الْحَرَامِ. قَلْبُ الْإِنْسَانِ يُدَبِّرُ طَرِيقَهُ، لَكِنَّ اللهَ يَهْدِي خَطَوَاتِهِ. كَلَامُ الْمَلِكِ وَحْيٌ، فَمُهُ يُصْدِرُ الْحُكْمَ وَلَا يُخْطِئُ. يَهْتَمُّ اللهُ بِالْمِيزَانِ الصَّحِيحِ وَالْمِعْيَارِ الْعَادِلِ، كُلُّ مِكْيَالٍ سَلِيمٍ مِنْ صُنْعِهِ. يَكْرَهُ الْمُلُوكُ عَمَلَ السُّوءِ، لِأَنَّ الْعَرْشَ يَثْبُتُ بِالصَّلَاحِ. يُسَرُّ الْمُلُوكُ بِالْكَلَامِ الصَّادِقِ، وَيُحِبُّونَ مَنْ يَقُولُ الْحَقَّ. غَضَبُ الْمَلِكِ هُوَ رَسُولُ الْمَوْتِ، وَالرَّجُلُ الْحَكِيمُ يَسْتَعْطِفُهُ. يُنِيرُ وَجْهُ الْمَلِكِ فَيَمْنَحُ حَيَاةً، وَرِضَاهُ كَسَحَابِ مَطَرٍ فِي الرَّبِيعِ. اِقْتِنَاءُ الْحِكْمَةِ خَيْرٌ مِنَ الذَّهَبِ، وَاقْتِنَاءُ الْفَهْمِ خَيْرٌ مِنَ الْفِضَّةِ. طَرِيقُ الْأَتْقِيَاءِ يَتَجَنَّبُ الشَّرَّ، وَمَنْ يُرَاقِبُ خَطَوَاتِهِ يَحْفَظُ نَفْسَهُ. قَبْلَ الْخَرَابِ تَأْتِي الْكِبْرِيَاءُ، وَقَبْلَ السُّقُوطِ تَأْتِي الْعَجْرَفَةُ. أَنْ تَكُونَ مُتَوَاضِعًا وَبَيْنَ الْمَسَاكِينِ، أَفْضَلَ مِنْ أَنْ تَقْسِمَ غَنِيمَةً مَعَ الْمُتَكَبِّرِينَ. مَنْ يَقْبَلُ النَّصِيحَةَ يَنَالُ خَيْرًا، وَهَنِيئًا لِمَنْ يَتَوَكَّلُ عَلَى اللهِ. مَنْ قَلْبُهُ حَكِيمٌ يُدْعَى فَهِيمًا، وَالْكَلَامُ الْحُلْوُ يَزِيدُ الْعِلْمَ. الْفَهْمُ هُوَ نَبْعُ حَيَاةٍ لِصَاحِبِهِ، وَالْغَبَاءُ يَجْلِبُ الْعِقَابَ لِلْأَغْبِيَاءِ. قَلْبُ الْحَكِيمِ يُرْشِدُ فَمَهُ، وَيَزِيدُ كَلَامَهُ عِلْمًا. الْكَلَامُ الْحَسَنُ شَهْدُ عَسَلٍ حُلْوٌ لِلنَّفْسِ وَيَشْفِي الْعِظَامَ. رُبَّ طَرِيقٍ تَبْدُو لِلْإِنْسَانِ مُسْتَقِيمَةً، لَكِنَّهَا فِي الْآخِرِ تَقُودُ إِلَى الْمَوْتِ. جُوعُ الْعَامِلِ هُوَ لِصَالِحِهِ، لِأَنَّ هَذَا الْجُوعَ يَدْفَعُهُ إِلَى الْعَمَلِ. الْخَبِيثُ يَنْبِشُ الشَّرَّ، وَكَلَامُهُ نَارٌ مُتَّقِدَةٌ. الْخَبِيثُ يُثِيرُ النِّزَاعَ، وَالنَّمَّامُ يُفَرِّقُ الْأَصْحَابَ. الْعَنِيفُ يُغْوِي صَاحِبَهُ، وَيَقُودُهُ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ صَالِحٍ. مَنْ يَغْمِزُ بِعَيْنِهِ يَتَآمَرُ بِالسُّوءِ، وَمَنْ يَعُضُّ عَلَى شَفَتَيْهِ يَسْتَعِدُّ لِلشَّرِّ. الشَّيْبَةُ تَاجُ بَهَاءٍ، يَنَالُهُ مَنْ يَحْيَا حَيَاةً صَالِحَةً. بَطِيءُ الْغَضَبِ خَيْرٌ مِنْ مُحَارِبٍ قَوِيٍّ، وَضَابِطُ نَفْسِهِ خَيْرٌ مِنْ قَاهِرِ مَدِينَةٍ. تُلْقَى الْقُرْعَةُ فِي الْحِجْرِ، وَنَتِيجَتُهَا هِيَ بِإِذْنِ اللهِ. لُقْمَةٌ يَابِسَةٌ وَمَعَهَا سَلَامٌ، خَيْرٌ مِنْ دَارٍ مَمْلُوءَةٍ بِالْوَلَائِمِ وَمَعَهَا خِصَامٌ. الْعَبْدُ الْعَاقِلُ يَتَسَلَّطُ عَلَى الِابْنِ الْمُغَفَّلِ، وَيُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ فِي الْمِيرَاثِ. الْبُوتَقَةُ لِتَنْقِيَةِ الْفِضَّةِ، وَالْكُورُ لِتَنْقِيَةِ الذَّهَبِ، وَالَّذِي يَمْتَحِنُ الْقُلُوبَ هُوَ اللهُ. الشِّرِّيرُ يُصْغِي لِكَلَامِ السُّوءِ، وَالْكَذَّابُ يَسْتَمِعُ لِلْأَقْوَالِ الْفَاسِدَةِ. مَنْ يَهْزَأُ بِالْفَقِيرِ يَحْتَقِرُ خَالِقَهُ، وَمَنْ يَفْرَحُ بِالْمَصَائِبِ لَا يُفْلِتُ مِنَ الْعِقَابِ. أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ هُمْ تَاجُ الشُّيُوخِ، وَفَخْرُ الْأَوْلَادِ آبَاؤُهُمْ. الْفَصَاحَةُ لَا تَلِيقُ بِالْجَاهِلِ، وَالْكِذْبُ لَا يَلِيقُ بِالشَّرِيفِ. الرَّشْوَةُ لَهَا فِعْلُ التَّعْوِيذَةِ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ يُعْطِيهَا، لِأَنَّهُ حَيْثُمَا يَتَّجِهُ يَنْجَحُ. مَنْ يَسْتُرُ الْأَخْطَاءَ يُقَوِّي الْمَحَبَّةَ، وَمَنْ يُعِيدُ ذِكْرَهَا يُفَرِّقُ الْأَصْحَابَ. التَّوْبِيخُ يُؤَثِّرُ فِي الْفَهِيمِ، أَكْثَرَ مِنْ 100 جَلْدَةٍ فِي الْجَاهِلِ. الشِّرِّيرُ يَسْعَى لِلتَّمَرُّدِ، فَيَضْرِبُهُ رَسُولٌ لَا يَرْحَمُ. أَنْ تُصَادِفَ دُبَّةً فَقَدَتْ أَوْلَادَهَا، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُصَادِفَ غَبِيًّا فِي غَبَائِهِ. مَنْ يُجَازِي عَنِ الْخَيْرِ شَرًّا، لَا يُغَادِرُ الشَّرُّ دَارَهُ. يَبْدَأُ النِّزَاعُ كَمِيَاهٍ تَنْفَجِرُ، فَاتْرُكِ الْمَوْضُوعَ قَبْلَ أَنْ يَشْتَعِلَ الْخِصَامُ. تَبْرِئَةُ الْمُذْنِبِ وَمُعَاقَبَةُ الْبَرِيءِ، كِلَاهُمَا يَكْرَهُهُ اللهُ. مَا الْفَائِدَةُ مِنَ الْمَالِ الَّذِي يَمْلِكُهُ الْجَاهِلُ؟ هَلْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْصُلَ عَلَى الْحِكْمَةِ وَهُوَ عَدِيمُ الْفَهْمِ؟ الصَّاحِبُ يُبَيِّنُ مَحَبَّتَهُ فِي كُلِّ الظُّرُوفِ، وَالْأَخُ يُولَدُ لِيُشَارِكَ فِي الْمَتَاعِبِ. عَدِيمُ الْفَهْمِ يُصْبِحُ مَسْئُولًا عَنْ قَرْضٍ عَلَى غَيْرِهِ، وَيَضْمَنُ آخَرَ. مَنْ يُحِبُّ النِّزَاعَ يُحِبُّ الْخَطِيئَةَ، وَمَنْ يُعَظِّمُ نَفْسَهُ يَجْلِبُ عَلَى نَفْسِهِ الْمَشَاكِلَ. مُنْحَرِفُ الْقَلْبِ لَا يَنْجَحُ، وَمَاكِرُ اللِّسَانِ يَقَعُ فِي الْمَشَاكِلِ. أَبُو الْجَاهِلِ حَزِينٌ، وَأَبُو الْغَبِيِّ لَا يَعْرِفُ الْفَرَحَ. الْقَلْبُ الْمَسْرُورُ دَوَاءٌ يَشْفِي، وَالرُّوحُ الْمُنْسَحِقَةُ تُمْرِضُ الْعِظَامَ. الشِّرِّيرُ يَقْبَلُ الرَّشْوَةَ سِرًّا، لِيُحَوِّلَ مَجْرَى الْعَدْلِ. الْفَهِيمُ يُرَكِّزُ نَظَرَهُ عَلَى الْحِكْمَةِ، وَعَيْنُ الْجَاهِلِ زَائِغَةٌ فِي كُلِّ مَكَانٍ. الِابْنُ الْجَاهِلُ هُوَ حَسْرَةٌ لِأَبِيهِ، وَمَرَارَةٌ لِمَنْ وَلَدَتْهُ. لَا يَصِحُّ أَنْ يُعَاقَبَ الْبَرِيءُ، وَلَا أَنْ يُضْرَبَ الشُّرَفَاءُ لِنَزَاهَتِهِمْ. مَنْ عِنْدَهُ مَعْرِفَةٌ يَتَكَلَّمُ بِحِرْصٍ، وَمَنْ عِنْدَهُ فَهْمٌ يَكُونُ هَادِئَ الرُّوحِ. حَتَّى الْغَبِيُّ يُحْسَبُ حَكِيمًا إِذَا سَكَتَ، وَفَهِيمًا إِذَا أَغْلَقَ شَفَتَيْهِ. مَنْ يُحِبُّ الْعُزْلَةَ يَسْعَى وَرَاءَ رَغَبَاتِهِ، وَيَتَمَرَّدُ عَلَى كُلِّ رَأْيٍ صَائِبٍ. الْجَاهِلُ لَا يُسَرُّ بِالْفَهْمِ، بَلْ بِكَشْفِ مَا فِي قَلْبِهِ. مَعَ الشَّرِّ يَأْتِي احْتِقَارٌ، وَمَعَ الْهَوَانِ يَأْتِي عَارٌ. كَلَامُ الْإِنْسَانِ مِيَاهٌ عَمِيقَةٌ، وَنَبْعُ الْحِكْمَةِ نَهْرٌ فَائِضٌ. لَا يَصِحُّ التَّحَيُّزُ لِلشِّرِّيرِ، وَلَا حِرْمَانُ الْبَرِيءِ مِنَ الْعَدَالَةِ. كَلَامُ الْجَاهِلِ يَجْلِبُ لَهُ الْخِصَامَ، وَفَمُهُ يُسَبِّبُ لَهُ الضَّرْبَ. فَمُ الْجَاهِلِ يَخْرِبُهُ، وَكَلَامُهُ يُوقِعُهُ فِي الْفَخِّ. كَلَامُ النَّمَّامِ كَطَعَامٍ شَهِيٍّ، يَنْزِلُ إِلَى أَعْمَاقِ الْبَطْنِ. الْمُتَرَاخِي فِي عَمَلِهِ هُوَ أَخُو الْمُسْرِفِ. اِسْمُ اللهِ بُرْجٌ حَصِينٌ، يَجْرِي إِلَيْهِ الصَّالِحُ وَيَجِدُ الْأَمَانَ. ثَرْوَةُ الْغَنِيِّ مَدِينَةٌ حَصِينَةٌ لَهُ، وَيَظُنُّ أَنَّهَا كَسُورٍ عَالٍ. قَبْلَ الْخَرَابِ يَتَكَبَّرُ قَلْبُ الْإِنْسَانِ، وَقَبْلَ الْكَرَامَةِ يَأْتِي التَّوَاضُعُ. مَنْ أَجَابَ عَنْ أَمْرٍ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَهُ، فَهَذَا غَبَاءٌ وَعَارٌ. عَزِيمَةُ الْإِنْسَانِ تَسْنُدُهُ فِي مَرَضِهِ، فَإِنْ ضَاعَتِ الْعَزِيمَةُ، ضَاعَ الرَّجَاءُ. قَلْبُ الْفَهِيمِ يَحْصُلُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ، وَأُذُنُ الْحُكَمَاءِ تَطْلُبُ الْعِلْمَ. الْهَدِيَّةُ تَفْتَحُ الطَّرِيقَ لِمَنْ يُقَدِّمُهَا، وَتَقُودُهُ إِلَى مَحْضَرِ الْعُظَمَاءِ. مَنْ يَعْرِضُ قَضِيَّتَهُ أَوَّلًا يَبْدُو عَلَى حَقٍّ، إِلَى أَنْ يَتَقَدَّمَ آخَرُ وَيَسْتَجْوِبَهُ. الْقُرْعَةُ تَحْسِمُ النِّزَاعَ، وَتَفْصِلُ بَيْنَ الْأَقْوِيَاءِ. الْأَخُ الَّذِي أَسَأْتَ إِلَيْهِ هُوَ أَصْعَبُ مِنْ مَدِينَةٍ حَصِينَةٍ، وَالنِّزَاعُ يُفَرِّقُ بَيْنَكُمَا مِثْلُ بَوَّابَاتِ الْقَلْعَةِ. مَنْ كَلَامُهُ طَيِّبٌ تَشْبَعُ بَطْنُهُ، لِأَنَّ الْكَلَامَ الْحُلْوَ يُرْضِي. فِي إِمْكَانِ اللِّسَانِ أَنْ يُحْيِيَ أَوْ يُمِيتَ، وَمَنْ يُحِبُّ اسْتِخْدَامَهُ يَتَحَمَّلُ الْعَوَاقِبَ. مَنْ يَجِدُ زَوْجَةً يَجِدُ خَيْرًا، وَيَرْضَى عَنْهُ اللهُ. الْفَقِيرُ يَتَكَلَّمُ بِتَضَرُّعٍ، وَالْغَنِيُّ يُجَاوِبُ بِخُشُونَةٍ. كَثْرَةُ الْأَصْحَابِ تَضُرُّ، لَكِنْ يُوجَدُ صَدِيقٌ أَقْرَبُ مِنَ الْأَخِ. الْفَقِيرُ الَّذِي يَسْلُكُ بِالْكَمَالِ، خَيْرٌ مِنْ جَاهِلٍ كَلَامُهُ خَبِيثٌ. الْحَمَاسُ بِغَيْرِ مَعْرِفَةٍ لَا يَصِحُّ، وَمَنْ تَعَجَّلَ ضَلَّ الطَّرِيقَ. غَبَاءُ الْإِنْسَانِ يُحَطِّمُ حَيَاتَهُ، وَفِي قَلْبِهِ يَغْضَبُ عَلَى اللهِ. الثَّرْوَةُ تَجْذِبُ أَصْدِقَاءَ كَثِيرِينَ، أَمَّا الْفَقِيرُ فَحَتَّى قَرِيبُهُ يَتَحَاشَاهُ. شَاهِدُ الزُّورِ لَا يُفْلِتُ مِنَ الْعِقَابِ، وَالْكَذَّابُ لَا يَنْجُو. كَثِيرُونَ يَسْتَعْطِفُونَ صَاحِبَ النُّفُوذِ، وَالْكُلُّ يُصَاحِبُ مَنْ يُعْطِي الْهَدَايَا. كُلُّ إِخْوَةِ الْفَقِيرِ يَكْرَهُونَهُ. حَتَّى أَصْحَابُهُ يَبْتَعِدُونَ عَنْهُ. يَتَوَسَّلُ إِلَيْهِمْ فَلَا يُبَالُونَ. مَنْ يَحْصُلُ عَلَى الْحِكْمَةِ يُحِبُّ نَفْسَهُ، وَمَنْ يَعْتَزُّ بِالْفَهْمِ يَنَالُ خَيْرًا. شَاهِدُ الزُّورِ لَا يُفْلِتُ مِنَ الْعِقَابِ، وَالْكَذَّابُ يَهْلِكُ. حَيَاةُ النَّعِيمِ لَا تَلِيقُ بِالْجَاهِلِ، وَأَسْوَأُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَتَسَلَّطَ الْعَبْدُ عَلَى الرُّؤَسَاءِ. حِكْمَةُ الْإِنْسَانِ تَجْعَلُهُ طَوِيلَ الْبَالِ، وَفَخْرُهُ أَنْ يَصْفَحَ عَنِ الْخَطَأِ. غَضَبُ الْمَلِكِ كَزَئِيرِ الْأَسَدِ، وَرِضَاهُ كَالنَّدَى عَلَى الْعُشْبِ. الِابْنُ الْجَاهِلُ مُصِيبَةٌ لِأَبِيهِ، وَالزَّوْجَةُ النَّكِدَةُ كَنَقْرِ قَطَرَاتِ الْمَاءِ الْمُتَتَابِعَةِ. الدَّارُ وَالْمَالُ مِيرَاثٌ مِنَ الْآبَاءِ، أَمَّا الزَّوْجَةُ الْعَاقِلَةُ فَمِنْ عِنْدِ اللهِ. الْكَسَلُ يُؤَدِّي إِلَى النَّوْمِ، وَالْإِنْسَانُ الْمُهْمِلُ يَجُوعُ. مَنْ يُطِيعُ الْوَصِيَّةَ يَحْفَظُ نَفْسَهُ، وَمَنْ يَتَهَاوَنُ فِي سُلُوكِهِ يَمُوتُ. مَنْ يَرْحَمُ الْفَقِيرَ يُقْرِضُ اللهَ، وَاللهُ يُكَافِئُهُ عَلَى مَعْرُوفِهِ. أَدِّبِ ابْنَكَ مَا دَامَ فِيهِ رَجَاءٌ، وَلَا تَكُنْ سَبَبًا فِي هَلَاكِهِ. مَنْ يَغْضَبُ بِسُهُولَةٍ يَتَحَمَّلُ النَّتَائِجَ، فَإِنْ حَاوَلْتَ إِنْقَاذَهُ زَادَتِ الْمُشْكِلَةُ. اِسْمَعِ الْمَشُورَةَ وَاقْبَلِ النَّصِيحَةَ، لِكَيْ تَكُونَ حَكِيمًا فِي النِّهَايَةِ. فِي قَلْبِ الْإِنْسَانِ تَدَابِيرُ كَثِيرَةٌ، لَكِنَّ قَصْدَ اللهِ هُوَ الَّذِي يَنْفُذُ. الْمَعْرُوفُ زِينَةُ النَّاسِ، وَالْفَقِيرُ خَيْرٌ مِنَ الْكَذَّابِ. مَخَافَةُ اللهِ تُؤَدِّي إِلَى الْحَيَاةِ، وَبِهَا يَرْتَاحُ الْإِنْسَانُ وَلَا يُصِيبُهُ ضَرَرٌ. الْكَسْلَانُ يَغْمِسُ يَدَهُ فِي الصَّحْنِ، وَلَا يَرُدُّهَا إِلَى فَمِهِ. اِضْرِبِ السَّاخِرَ، يَتَعَقَّلُ الْمُغَفَّلُ. وَبِّخِ الْفَهِيمَ، يَكْتَسِبُ مَعْرِفَةً. مَنْ يَنْهَبُ أَبَاهُ وَيَطْرُدُ أُمَّهُ، هُوَ ابْنٌ يَجْلِبُ الْعَارَ وَالْهَوَانَ. إِنِ امْتَنَعْتَ يَا ابْنِي عَنِ الِاسْتِمَاعِ لِلنَّصِيحَةِ، تَضِلُّ عَنْ كَلَامِ الْمَعْرِفَةِ. الشَّاهِدُ الْخَبِيثُ يَسْخَرُ مِنَ الْقَضَاءِ، وَفَمُ الْأَشْرَارِ يَبْلَعُ الشَّرَّ. الْعِقَابُ جَاهِزٌ لِلسَّاخِرِينَ، وَالضَّرْبُ لِظَهْرِ الْجُهَّالِ. الْخَمْرُ تَجْعَلُ الْوَاحِدَ سَاخِرًا وَالْمُسْكِرُ يَجْعَلُهُ صَخَّابًا، وَمَنْ يَضِلُّ بِالشَّرَابِ هُوَ غَيْرُ حَكِيمٍ. غَيْظُ الْمَلِكِ كَزَئِيرِ الْأَسَدِ، مَنْ يُغْضِبُهُ يُسِيءُ إِلَى نَفْسِهِ. الِابْتِعَادُ عَنِ الْخِصَامِ كَرَامَةٌ لِلْإِنْسَانِ، وَكُلُّ جَاهِلٍ يَتَنَازَعُ. الْكَسْلَانُ لَا يَحْرُثُ فِي الْمَوْسِمِ، فِي الْحَصَادِ يَطْلُبُ غَلَّةً وَلَا يَجِدُ. نِيَّةُ قَلْبِ الْإِنْسَانِ كَمِيَاهٍ عَمِيقَةٍ، وَالْفَهِيمُ هُوَ الَّذِي يَسْتَخْرِجُهَا. أَكْثَرُ النَّاسِ يَدَّعُونَ الصَّلَاحَ، أَمَّا الْأَمِينُ فَمَنْ يَجِدُهُ؟ الصَّالِحُ يَسْلُكُ بِالْكَمَالِ، هَنِيئًا لِأَوْلَادِهِ مِنْ بَعْدِهِ. عِنْدَمَا يَجْلِسُ الْمَلِكُ عَلَى عَرْشِهِ لِلْقَضَاءِ، بِنَظْرَةٍ مِنْهُ يُمَيِّزُ كُلَّ شَرٍّ. مَنِ الَّذِي يَقُولُ: ”قَلْبِي طَاهِرٌ، أَنَا نَقِيٌّ وَبِلَا خَطِيئَةٍ“؟ رَبُّنَا يَكْرَهُ اسْتِعْمَالَ أَوْزَانٍ وَمَكَايِيلَ مُخْتَلِفَةٍ، نَوْعٌ لِلْبَيْعِ وَنَوْعٌ لِلشِّرَاءِ. حَتَّى الطِّفْلُ يُعْرَفُ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ، إِنْ كَانَ سُلُوكُهُ سَلِيمًا وَقَوِيمًا. اللهُ هُوَ الَّذِي صَنَعَ الْأُذُنَ الْمُطِيعَةَ وَالْعَيْنَ الْبَصِيرَةَ. لَا تُحِبَّ النَّوْمَ لِئَلَّا تَفْتَقِرَ، تَيَقَّظْ وَاجْتَهِدْ تَشْبَعْ. يَقُولُ الْمُشْتَرِي: ”بِضَاعَةٌ رَدِيئَةٌ! بِضَاعَةٌ رَدِيئَةٌ!“ وَبَعْدَمَا يَذْهَبُ يَفْتَخِرُ بِمَا اشْتَرَاهُ! الذَّهَبُ مَوْجُودٌ وَاللَّآلِئُ كَثِيرَةٌ، أَمَّا كَلَامُ الْمَعْرِفَةِ فَجَوْهَرَةٌ نَادِرَةٌ. خُذْ رِدَاءَ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ ضَمِنَ غَرِيبًا، اِعْتَبِرْهُ مَسْئُولًا بَدَلًا مِنَ الشَّخْصِ الْآخَرِ. الْخُبْزُ الْمُكْتَسَبُ عَنْ طَرِيقِ الْحَرَامِ طَعْمُهُ حُلْوٌ، لَكِنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَحَوَّلُ إِلَى حَصًى فِي الْفَمِ. نَفِّذْ خِطَّتَكَ بَعْدَ اسْتِشَارَةِ الْآخَرِينَ، وَلَا تَدْخُلِ الْحَرْبَ بِغَيْرِ هِدَايَةٍ. النَّمَّامُ يُفْشِي السِّرَّ، فَتَجَنَّبْ مَنْ كَلَامُهُ كَثِيرٌ. مَنْ سَبَّ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ، يَنْطَفِئُ مِصْبَاحُهُ فِي قَلْبِ الظَّلَامِ. الْأَمْلَاكُ الَّتِي تُقْتَنَى بِسُرْعَةٍ، قَدْ لَا تَكُونُ فِي آخِرَتِهَا بَرَكَةٌ. لَا تَقُلْ: ”سَأُعَاقِبُ مَنْ أَخْطَأَ فِي حَقِّي.“ اِنْتَظِرِ اللهَ فَيَنْصُرَكَ. رَبُّنَا يَكْرَهُ اسْتِعْمَالَ أَوْزَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، نَوْعٌ لِلْبَيْعِ وَنَوْعٌ لِلشِّرَاءِ، وَالْمِيزَانُ الْمَغْشُوشُ لَا يُرْضِيهِ. اللهُ هُوَ الَّذِي يُوَجِّهُ خَطَوَاتِ الْإِنْسَانِ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ لِلْوَاحِدِ أَنْ يَفْهَمَ طَرِيقَهُ؟ مِنَ الْخَطَرِ أَنْ يَتَسَرَّعَ الْإِنْسَانُ فِي النَّذْرِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْدَمُ عَلَى مَا نَذَرَ. الْمَلِكُ الْحَكِيمُ يُبَدِّدُ الْأَشْرَارَ، وَيَسْحَقُهُمْ بِالنَّوْرَجِ. رُوحُ الْإِنْسَانِ هِيَ مِصْبَاحُ اللهِ الَّذِي يَفْحَصُ كُلَّ مَا فِي دَاخِلِ النَّفْسِ. الرَّحْمَةُ وَالْحَقُّ يَحْفَظَانِ الْمَلِكَ، عَرْشُهُ يُسْنَدُ بِالرَّحْمَةِ. فَخْرُ الشُّبَّانِ قُوَّتُهُمْ، وَبَهَاءُ الشُّيُوخِ الشَّيْبَةُ. اللَّطَمَاتُ وَالْجُرُوحُ تُنَقِّي مِنَ الشَّرِّ، وَالضَّرَبَاتُ تُطَهِّرُ دَاخِلَ النَّفْسِ. قَلْبُ الْمَلِكِ فِي يَدِ اللهِ كَجَدْوَلِ مَاءٍ، يُوَجِّهُهُ كَمَا يَشَاءُ. كُلُّ تَصَرُّفَاتِ الْإِنْسَانِ تَبْدُو صَحِيحَةً لَهُ، لَكِنَّ اللهَ يَعْرِفُ مَا فِي الْقَلْبِ. أَنْ تَعْمَلَ الْحَقَّ وَالْعَدْلَ أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِنْ تَقْدِيمِ ضَحِيَّةٍ. الْعَيْنُ الْمُتَكَبِّرَةُ وَالْقَلْبُ الْمُنْتَفِخُ مِنْ مَظَاهِرِ خَطِيئَةِ الْأَشْرَارِ. خِطَطُ الْمُجْتَهِدِ تُغْنِيهِ، وَكُلُّ مَنْ يَتَعَجَّلُ يَفْتَقِرُ. جَمْعُ الثَّرْوَةِ عَنْ طَرِيقِ الْكِذْبِ، بُخَارٌ يَتَبَدَّدُ وَفَخٌّ مُمِيتٌ. ظُلْمُ الْأَشْرَارِ يَجْرُفُهُمْ، لِأَنَّهُمْ يَرْفُضُونَ إِجْرَاءَ الْعَدْلِ. طَرِيقُ الْمُذْنِبِ مُلْتَوِيَةٌ، أَمَّا الْبَرِيءُ فَسُلُوكُهُ مُسْتَقِيمٌ. السَّكَنُ فِي زَاوِيَةٍ عَلَى السَّطْحِ، أَحْسَنُ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ مَعَ زَوْجَةٍ نَكِدَةٍ. الشِّرِّيرُ يَتَمَنَّى الشَّرَّ، وَلَا يَرْحَمُ حَتَّى صَاحِبَهُ. عَاقِبِ السَّاخِرَ، يَصِيرُ الْجَاهِلُ حَكِيمًا. أَرْشِدِ الْحَكِيمَ، يَنَالُ مَعْرِفَةً. رَبُّنَا الْعَادِلُ يُرَاقِبُ دَارَ الشِّرِّيرِ، وَيَقْلِبُ الْأَشْرَارَ إِلَى الْخَرَابِ. مَنْ يَسُدُّ أُذُنَيْهِ عَنْ صُرَاخِ الْمِسْكِينِ، هُوَ أَيْضًا يَصْرُخُ وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُ. هَدِيَّةٌ تُعْطَى فِي الْخَفَاءِ تُهَدِّئُ الْغَضَبَ، وَرَشْوَةٌ تُوضَعُ فِي الْجَيْبِ تُخْمِدُ الْغَيْظَ الشَّدِيدَ. الْحُكْمُ بِالْعَدْلِ يُفَرِّحُ الصَّالِحَ وَيُرْعِبُ فَاعِلِي الشَّرِّ. مَنْ يَضِلُّ عَنْ طَرِيقِ الْفَهْمِ، يَسْكُنُ بَيْنَ جَمَاعَةِ الْمَوْتَى. مَنْ يُحِبُّ الْمَرَحَ يَفْتَقِرُ، وَمَنْ يُحِبُّ الْخَمْرَ وَالْوَلَائِمَ لَا يَغْتَنِي. الشِّرِّيرُ فِدْيَةٌ لِلصَّالِحِ، وَالْغَادِرُ لِلتَّقِيِّ. السَّكَنُ فِي مَكَانٍ مُقْفِرٍ، أَحْسَنُ مِنَ السَّكَنِ مَعَ زَوْجَةٍ نَكِدَةٍ شَرِسَةٍ. فِي دَارِ الْحَكِيمِ طَعَامٌ مَخْزُونٌ وَزَيْتٌ، أَمَّا الْجَاهِلُ فَيُبَدِّدُ مَا عِنْدَهُ. مَنْ يَسْعَى وَرَاءَ الصَّلَاحِ وَالرَّحْمَةِ، يَجِدُ الْحَيَاةَ وَالْخَيْرَ وَالْكَرَامَةَ. الْحَكِيمُ يُهَاجِمُ مَدِينَةَ الْجَبَابِرَةِ، وَيُدَمِّرُ الْحِصْنَ الَّذِي يَحْتَمُونَ فِيهِ. مَنْ يَضْبِطُ فَمَهُ وَلِسَانَهُ، يَحْفَظُ نَفْسَهُ مِنَ الْمَتَاعِبِ. الرَّجُلُ الْمُتَكَبِّرُ وَالْمُنْتَفِخُ اسْمُهُ السَّاخِرُ، لِأَنَّهُ مُعْجَبٌ بِنَفْسِهِ وَمُتَشَامِخٌ. أُمْنِيَةُ الْكَسْلَانِ تَقْتُلُهُ، لِأَنَّ يَدَيْهِ تَرْفُضَانِ الشُّغْلَ. يَظَلُّ فِي أَمَانِيهِ طُولَ النَّهَارِ، أَمَّا الصَّالِحُ فَيُعْطِي وَلَا يَبْخَلُ. رَبُّنَا يَكْرَهُ الضَّحِيَّةَ الَّتِي يُقَدِّمُهَا الشِّرِّيرُ، فَكَمْ بِالْأَوْلَى إِنْ كَانَ يُقَدِّمُهَا بِنِيَّةٍ سَيِّئَةٍ! شَاهِدُ الزُّورِ يُفْضَحُ، وَمَنْ يَقُولُ الْحَقَّ تَسْمَعُهُ الْمَحْكَمَةُ. الشِّرِّيرُ خَشِنُ الْمَظْهَرِ، وَالتَّقِيُّ يَنْتَبِهُ لِطَرِيقِهِ. مَا مِنْ حِكْمَةٍ وَلَا مَعْرِفَةٍ وَلَا مُؤَامَرَةٍ تَنْجَحُ ضِدَّ اللهِ. الْفَرَسُ مُعَدٌّ لِيَوْمِ الْقِتَالِ، أَمَّا النَّصْرُ فَمِنَ اللهِ. السُّمْعَةُ الطَّيِّبَةُ أَحْسَنُ مِنَ الْغِنَى الْعَظِيمِ، وَالْكَرَامَةُ أَحْسَنُ مِنَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ. الْغَنِيُّ يُشْبِهُ الْفَقِيرَ فِي أَنَّ اللهَ صَنَعَهُمَا. الْعَاقِلُ يَرَى الْخَطَرَ فَيَحْتَجِبُ عَنِ الْأَنْظَارِ، وَالْمُغَفَّلُ يَسْتَمِرُّ فِي سَيْرِهِ وَيَجْنِي الْعَوَاقِبَ. بِالتَّوَاضُعِ وَمَخَافَةِ اللهِ، تَأْتِي الثَّرْوَةُ وَالْكَرَامَةُ وَالْحَيَاةُ. تُوجَدُ أَشْوَاكٌ وَفِخَاخٌ فِي طَرِيقِ الشِّرِّيرِ، فَمَنْ يَحْفَظُ نَفْسَهُ يَبْتَعِدُ عَنْهَا. رَبِّ الطِّفْلَ فِي طَرِيقِهِ، فَمَتَى كَبِرَ لَا يَحِيدُ عَنْهَا. الْغَنِيُّ يَتَسَلَّطُ عَلَى الْفَقِيرِ، وَالْمُقْتَرِضُ عَبْدٌ لِلْمُقْرِضِ. مَنْ يَزْرَعُ الشَّرَّ يَحْصُدُ التَّعَبَ، وَيَنْتَهِي سُلْطَانُ غَضَبِهِ. الْكَرِيمُ يَتَمَتَّعُ بِالْبَرَكَةِ، لِأَنَّهُ يَقْتَسِمُ خُبْزَهُ مَعَ الْفَقِيرِ. اُطْرُدِ السَّاخِرَ فَيَخْرُجَ الْخِصَامُ، وَيَنْتَهِيَ النِّزَاعُ وَالسَّبُّ. مَنْ يُحِبُّ طَهَارَةَ الْقَلْبِ، وَمَنْ كَانَ كَلَامُهُ طَيِّبًا، يُصَاحِبُهُ الْمَلِكُ. عَيْنَا اللهِ تُرَاقِبَانِ الْمَعْرِفَةَ، وَهُوَ يُشَوِّشُ عَلَى كَلَامِ الْغَادِرِينَ. يَقُولُ الْكَسْلَانُ: ”يُوجَدُ أَسَدٌ فِي الشَّارِعِ، فَإِنْ خَرَجْتُ يَقْتُلُنِي.“ فَمُ الزَّانِيَةِ حُفْرَةٌ عَمِيقَةٌ، فَمَنْ يَغْضَبُ عَلَيْهِ اللهُ يَسْقُطُ فِيهَا. الْجَهَالَةُ مُتَأَصِّلَةٌ فِي قَلْبِ الطِّفْلِ، وَعَصَا التَّأْدِيبِ تُبْعِدُهَا عَنْهُ. إِنْ ظَلَمْتَ الْفَقِيرَ لِتَغْتَنِيَ، أَوْ أَعْطَيْتَ الْغَنِيَّ هَدَايَا، فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ أَنْتَ الْخَاسِرُ. اِنْتَبِهْ وَاسْمَعْ كَلَامَ الْحُكَمَاءِ، تَأَمَّلِ الْمَعْرِفَةَ الَّتِي أُعْطِيهَا لَكَ. حَسَنٌ أَنْ تَحْفَظَهَا فِي قَلْبِكَ، وَأَنْ يَتَكَلَّمَ فَمُكَ بِهَا كُلِّهَا. فَإِنِّي أُعَلِّمُكَ إِيَّاهَا الْيَوْمَ، لِكَيْ تَتَّكِلَ عَلَى اللهِ. وَقَدْ كَتَبْتُهَا لَكَ فِي 30 حِكْمَةً وَكُلُّهَا مَشُورَةٌ وَعِلْمٌ، لِأُعَلِّمَكَ الْكَلَامَ الْحَقَّ الصَّحِيحَ، لِكَيْ تُعْطِيَ تَقْرِيرًا حَسَنًا لِمَنْ أَرْسَلُوكَ. لَا تَسْلُبْ فَقِيرًا لِأَنَّهُ فَقِيرٌ، وَلَا تَظْلِمْ مِسْكِينًا فِي الْقَضَاءِ. لِأَنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنْهُمَا، وَيُهْلِكُ مَنْ يُسِيءُ إِلَيْهِمَا. لَا تُصَاحِبْ مَنْ يَغْضَبُ بِسُهُولَةٍ، وَلَا تُرَافِقْ مَنْ يَثُورُ. لِئَلَّا تَأْلَفَ تَصَرُّفَاتِهِ، وَتُوقِعَ نَفْسَكَ فِي الشَّرَكِ. لَا تَكُنْ مَسْئُولًا عَنْ قَرْضٍ عَلَى غَيْرِكَ، وَلَا تَضْمَنْ دُيُونَ الْآخَرِينَ. فَإِنْ كُنْتَ لَا تَمْلِكُ مَا تَفِي بِهِ الدَّيْنَ، يَأْخُذُونَ فِرَاشَكَ الَّذِي تَنَامُ عَلَيْهِ. لَا تَنْقُلِ الْحُدُودَ الْقَدِيمَةَ الَّتِي وَضَعَهَا آبَاؤُكَ. هَلْ رَأَيْتَ إِنْسَانًا مُجْتَهِدًا فِي عَمَلِهِ؟ هَذَا يَخْدِمُ الْمُلُوكَ لَا عَامَّةَ الشَّعْبِ. إِذَا جَلَسْتَ تَأْكُلُ مَعَ مَنْ لَهُ سُلْطَةٌ، فَلَاحِظْ جَيِّدًا مَا هُوَ أَمَامَكَ. وَضَعْ سِكِّينًا فِي حَلْقِكَ إِنْ كُنْتَ شَرِهًا. لَا تَشْتَهِ طَيِّبَاتِهِ، لِأَنَّهَا طَعَامٌ خَادِعٌ. لَا تُجْهِدْ نَفْسَكَ لِتَصِيرَ غَنِيًّا، كُفَّ عَنْ ذَلِكَ بِالْحِكْمَةِ. فَالْغِنَى يَزُولُ فِي غَمْضَةِ عَيْنٍ، يَصْنَعُ لَهُ أَجْنِحَةً وَيَطِيرُ كَالنِّسْرِ فِي السَّمَاءِ. لَا تَأْكُلْ طَعَامَ الْبَخِيلِ، وَلَا تَشْتَهِ طَيِّبَاتِهِ. لِأَنَّهُ يُفَكِّرُ دَائِمًا فِي التَّكَالِيفِ. يَقُولُ لَكَ: ”تَفَضَّلْ، كُلْ وَاشْرَبْ.“ وَلَكِنَّهُ لَا يَقُولُهَا مِنْ قَلْبِهِ. اللُّقْمَةُ الَّتِي أَكَلْتَهَا تَتَقَيَّأُهَا، وَتَخْسَرُ كَلِمَاتِكَ الطَّيِّبَةَ الَّتِي مَدَحْتَهُ بِهَا. لَا تُكَلِّمِ الْجَاهِلَ، لِأَنَّهُ يَحْتَقِرُ حِكْمَةَ كَلَامِكَ. لَا تَنْقُلِ الْحُدُودَ الْقَدِيمَةَ، وَلَا تَتَعَدَّ عَلَى أَمْلَاكِ الْأَيْتَامِ. لِأَنَّ حَامِيَهُمْ هُوَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ، يَقِفُ مَعَهُمْ ضِدَّكَ. تَأَمَّلْ نَصِيحَتِي، وَاسْمَعْ كَلَامَ الْمَعْرِفَةِ. لَا تَمْنَعِ التَّأْدِيبَ عَنِ الطِّفْلِ، إِنْ عَاقَبْتَهُ بِالْعَصَا لَا يَمُوتُ. تَضْرِبُهُ بِالْعَصَا فَتُنْقِذُ نَفْسَهُ مِنَ الْهَلَاكِ. يَا ابْنِي إِنْ كَانَ قَلْبُكَ حَكِيمًا، يَفْرَحُ قَلْبِي. عِنْدَمَا تَنْطِقُ شَفَتَاكَ بِالْحَقِّ، يَبْتَهِجُ كِيَانِي. لَا تَسْمَحْ لِقَلْبِكَ بِأَنْ يَحْسِدَ الْأَشْرَارَ، بَلِ اتَّقِ اللهَ دَائِمًا. يُوجَدُ مُسْتَقْبَلٌ بَاهِرٌ لَكَ، وَأَمَلُكَ لَنْ يَخِيبَ. اِسْمَعْ يَا ابْنِي وَكُنْ حَكِيمًا، وَأَرْشِدْ قَلْبَكَ فِي الطَّرِيقِ. لَا تَكُنْ وَاحِدًا مِنَ الَّذِينَ يُدْمِنُونَ الْخَمْرَ، وَلَا الَّذِينَ يَأْكُلُونَ كَثِيرًا. لِأَنَّ السِّكِّيرَ وَالشَّرِهَ يَفْتَقِرَانِ، وَكَثْرَةُ النَّوْمِ تُلْبِسُكَ الْخِرَقَ. اِسْمَعْ لِأَبِيكَ الَّذِي أَنْجَبَكَ، وَلَا تَحْتَقِرْ أُمَّكَ إِذَا شَاخَتْ. اِشْتَرِ الْحَقَّ وَلَا تَبِعْهُ، وَكَذَلِكَ الْحِكْمَةَ وَالتَّأْدِيبَ وَالْفَهْمَ. أَبُو الصَّالِحِ يَفْرَحُ جِدًّا، وَمَنْ لَهُ ابْنٌ حَكِيمٌ يَبْتَهِجُ بِهِ. فَأَبْهِجْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، فَرِّحِ الَّتِي وَلَدَتْكَ. يَا ابْنِي أَعْطِنِي قَلْبَكَ، وَلْتُرَاقِبْ عَيْنَاكَ طُرُقِي. لِأَنَّ الْعَاهِرَةَ حُفْرَةٌ عَمِيقَةٌ، وَالْفَاجِرَةَ بِئْرٌ ضَيِّقَةٌ. تَكْمُنُ كَلِصٍّ، وَتَجْعَلُ رِجَالًا كَثِيرِينَ غَيْرَ أَوْفِيَاءَ لِزَوْجَاتِهِمْ. لِمَنِ الْوَيْلُ؟ لِمَنِ الشَّقَاءُ؟ لِمَنِ الْخِصَامُ؟ لِمَنِ التَّعَاسَةُ؟ لِمَنِ الْجُرُوحُ بِلَا سَبَبٍ؟ لِمَنِ احْمِرَارُ الْعَيْنَيْنِ؟ لِلَّذِينَ يُدْمِنُونَ الْخَمْرَ وَيَطْلُبُونَ الْمُسْكِرَ. فَلَا تَجْعَلِ الْخَمْرَ تُغْرِيكَ بِلَوْنِهَا الْأَحْمَرِ، وَفُقَّاعَاتِهَا فِي الْكَأْسِ، وَطَعْمِهَا النَّاعِمِ. لِأَنَّهَا فِي الْآخِرِ تَلْسَعُ كَالْحَيَّةِ، وَتَلْدَغُ كَالثُّعْبَانِ. فَتَرَى عَيْنَاكَ أُمُورًا غَرِيبَةً، وَيَرْتَبِكُ فِكْرُكَ وَكَلَامُكَ. وَتَكُونُ كَوَاحِدٍ رَاقِدٍ فَوْقَ أَمْوَاجِ الْبَحْرِ، أَوْ نَائِمٍ عَلَى قِمَّةِ سَارِيَةٍ. تَقُولُ: ”ضَرَبُونِي وَلَمْ يُوجِعْنِي الضَّرْبُ، لَكَمُونِي وَلَمْ أَشْعُرْ، فَعِنْدَمَا أُفِيقُ أَعُودُ إِلَى شُرْبِهَا.“ لَا تَحْسِدْ أَهْلَ الشَّرِّ، وَلَا تَشْتَهِ أَنْ تَكُونَ مَعَهُمْ. لِأَنَّ قَلْبَهُمْ يَتَآمَرُ بِالظُّلْمِ وَشِفَاهَهُمْ تَتَكَلَّمُ بِالْإِسَاءَةِ. بِالْحِكْمَةِ يُبْنَى الْبَيْتُ، وَبِالْفَهْمِ يَثْبُتُ، وَبِالْمَعْرِفَةِ تَمْتَلِئُ غُرَفُهُ بِكُلِّ نَفِيسٍ وَجَمِيلٍ. الْحِكْمَةُ تُعْطِي قُوَّةً، وَالْمَعْرِفَةُ تُعْطِي قُدْرَةً. لَا تَدْخُلِ الْحَرْبَ بِغَيْرِ هِدَايَةٍ، فَالنَّصْرُ بِكَثْرَةِ الْمُشِيرِينَ. الْحِكْمَةُ أَسْمَى مِنْ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا الْغَبِيُّ، لِذَلِكَ لَا يَفْتَحُ فَمَهُ عِنْدَ بَابِ الْمَدِينَةِ. مَنْ يُدَبِّرُ السُّوءَ، اِسْمُهُ أَبُو الْمَكَايِدِ. خِطَّةُ الْغَبِيِّ شَرٌّ، وَالسَّاخِرُ يَكْرَهُهُ النَّاسُ. إِنِ ارْتَخَتْ عَزِيمَتُكَ فِي يَوْمِ الضِّيقِ، فَمَا أَضْعَفَكَ! أَنْقِذِ الْمُنْقَادِينَ إِلَى الْمَوْتِ، وَنَجِّ الْمُنْسَاقِينَ إِلَى الْقَتْلِ. إِنْ حَاوَلْتَ أَنْ تَتَهَرَّبَ مِنَ الْمَسْئُولِيَّةِ وَقُلْتَ إِنَّكَ لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُ، فَاللهُ وَازِنُ الْقُلُوبِ يَعْلَمُ، وَالَّذِي يُرَاقِبُكَ يَعْرِفُ، وَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِهِ. يَا ابْنِي كُلِ الْعَسَلَ لِأَنَّهُ طَيِّبٌ، وَشَهْدَ الْعَسَلِ لِأَنَّ طَعْمَهُ حُلْوٌ. وَاعْرِفْ أَيْضًا أَنَّ الْحِكْمَةَ حُلْوَةٌ لِنَفْسِكَ، إِنْ وَجَدْتَهَا فَلَكَ مُسْتَقْبَلٌ بَاهِرٌ، وَأَمَلُكَ لَنْ يَخِيبَ. لَا تَكْمُنْ كَالْمُجْرِمِ لِدَارِ الصَّالِحِ، وَلَا تُهَاجِمْ مَسْكَنَهُ. قَدْ يَسْقُطُ الصَّالِحُ 7 مَرَّاتٍ لَكِنَّهُ يَقُومُ، أَمَّا الْأَشْرَارُ فَالْمَصَائِبُ تُحَطِّمُهُمْ. لَا تَفْرَحْ إِنْ سَقَطَ عَدُوُّكَ، وَلَا يَبْتَهِجْ قَلْبُكَ إِنْ عَثَرَ. لِئَلَّا يَرَى اللهُ ذَلِكَ فَيَسْتَاءَ، وَيَرْجِعَ عَنْ غَضَبِهِ عَلَى عَدُوِّكَ. لَا تَقْلَقْ بِسَبَبِ الْأَشْرَارِ، وَلَا تَحْسِدِ الْمُذْنِبِينَ. لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلشِّرِّيرِ مُسْتَقْبَلٌ، وَمِصْبَاحُ الْمُذْنِبِ يَنْطَفِئُ. اِتَّقِ اللهَ وَالْمَلِكَ يَا ابْنِي. وَلَا تُخَالِطِ الْمُتَمَرِّدِينَ، لِأَنَّ هَلَاكَهُمْ يَحِلُّ فَجْأَةً. وَمَنْ يَعْلَمُ شِدَّةَ الْمُصِيبَةِ الَّتِي يُنْزِلُهَا بِهِمُ اللهُ وَالْمَلِكُ! وَهَذِهِ أَيْضًا مِنْ أَقْوَالِ الْحُكَمَاءِ: لَا يَصِحُّ التَّحَيُّزُ فِي الْقَضَاءِ. فَالْقَاضِي الَّذِي يَقُولُ لِلْمُذْنِبِ: ”أَنْتَ بَرِيءٌ.“ يَلْعَنُهُ الشَّعْبُ وَيَكُونُ مَكْرُوهًا فِي الْبِلَادِ. أَمَّا الَّذِي يَحْكُمُ عَلَى الْمُذْنِبِ، فَيَنْجَحُ وَتَحِلُّ عَلَيْهِ بَرَكَةٌ عَمِيمَةٌ. الْجَوَابُ الْأَمِينُ مِثْلُ الْقُبْلَةِ عَلَى الشَّفَتَيْنِ. تَمِّمِ الْمَطْلُوبَ عَمَلُهُ فِي الْخَارِجِ، وَجَهِّزِ الْأَرْضَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ تَبْنِي بَيْتَكَ. لَا تَشْهَدْ عَلَى أَحَدٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَا تَنْطِقْ بِالْخِدَاعِ. لَا تَقُلْ: ”سَأُعَامِلُهُ كَمَا عَامَلَنِي، وَأُجَازِيهِ حَسَبَ فِعْلِهِ.“ مَرَرْتُ بِحَقْلِ الْكَسْلَانِ، وَبِكَرْمِ الْعَدِيمِ الْفَهْمِ. فَرَأَيْتُ الشَّوْكَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَالْأَعْشَابَ تُغَطِّي الْأَرْضَ، وَحِجَارَةَ السُّورِ مَهْدُومَةً. فَتَأَمَّلْتُ فِي قَلْبِي، وَتَعَلَّمْتُ دَرْسًا مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَاحَظْتُهَا وَرَأَيْتُهَا. تُرِيدُ أَنْ تَنَامَ قَلِيلًا، وَتَنْعَسَ بَعْضَ الْوَقْتِ، وَتَطْوِيَ يَدَيْكَ لِلرَّاحَةِ، فَيَأْتِيَ عَلَيْكَ الْفَقْرُ كَلِصٍّ، وَالْعَوَزُ كَوَاحِدٍ مُسَلَّحٍ. هَذِهِ أَيْضًا أَمْثَالُ سُلَيْمَانَ الَّتِي نَقَلَهَا رِجَالُ حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا: نَحْنُ نُمَجِّدُ اللهَ لِمَا يُخْفِيهِ، وَنُكْرِمُ الْمُلُوكَ لِمَا يُظْهِرُونَهُ. السَّمَاءُ عَالِيَةٌ وَالْأَرْضُ عَمِيقَةٌ، وَقُلُوبُ الْمُلُوكِ لَا تُكْشَفُ. أَزِلِ الشَّوَائِبَ مِنَ الْفِضَّةِ، فَتَصْلُحَ لِلصَّائِغِ. وَأَزِلِ الشِّرِّيرَ مِنْ مَحْضَرِ الْمَلِكِ، فَيَثْبُتَ عَرْشُهُ بِالصَّلَاحِ. لَا تَفْتَخِرْ فِي مَحْضَرِ الْمَلِكِ، وَلَا تَرْفَعْ نَفْسَكَ بَيْنَ الْعُظَمَاءِ، أَحْسَنُ أَنْ يَقُولُوا لَكَ: ”اِرْتَفِعْ إِلَى هُنَا“ مِنْ أَنْ تُحَطَّ مَكَانَتُكَ أَمَامَ الرَّئِيسِ. لَا تُسْرِعْ إِلَى الْقَضَاءِ لِتُخْبِرَ عَنْ أَمْرٍ رَأَيْتَهُ، وَإِلَّا مَاذَا تَفْعَلُ إِنْ أَثْبَتَ خَصْمُكَ أَنَّكَ عَلَى خَطَأٍ؟ إِنْ نَاقَشْتَ تُهْمَةً مَعَ خَصْمِكَ، فَلَا تُفْشِ سِرَّ غَيْرِكَ. لِئَلَّا يُعَيِّرَكَ أَحَدُ السَّامِعِينَ، وَلَا تَزُولَ فَضِيحَتُكَ. كَلِمَةٌ تُقَالُ فِي أَوَانِهَا، مِثْلُ تُفَّاحٍ مِنْ ذَهَبٍ فِي وِعَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ. تَوْبِيخُ الْحَكِيمِ فِي الْأُذُنِ السَّامِعَةِ، مِثْلُ قُرْطٍ مِنْ ذَهَبٍ وَحِلْيَةٍ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ. الرَّسُولُ الْأَمِينُ يَكُونُ تَأْثِيرُهُ عَلَى مَنْ أَرْسَلُوهُ كَبُرُودَةِ الثَّلْجِ فِي يَوْمِ الْحَصَادِ، لِأَنَّهُ يُنْعِشُ نَفْسَ سَادَتِهِ. مَنْ يَفْتَخِرُ بِأَنَّهُ يُعْطِي هَدَايَا وَهُوَ لَا يُعْطِي، هُوَ كَسَحَابٍ وَرِيحٍ بِلَا مَطَرٍ. بِالصَّبْرِ يُمْكِنُ إِقْنَاعُ الْحَاكِمِ، وَاللِّسَانُ اللَّيِّنُ يَكْسِرُ الْعَظْمَ. إِنْ وَجَدْتَ عَسَلًا فَكُلْ حَتَّى تَشْبَعَ، إِنْ أَكَلْتَ أَكْثَرَ تَتَقَيَّأُهُ. لَا تَدْخُلْ دَارَ صَاحِبِكَ كَثِيرًا، لِئَلَّا يَمَلَّ مِنْكَ وَيَكْرَهَكَ. مَنْ يَشْهَدُ بِالزُّورِ عَلَى الْآخَرِينَ، هُوَ مِثْلُ مِطْرَقَةٍ وَسَيْفٍ وَسَهْمٍ مَسْنُونٍ. الِاتِّكَالُ عَلَى غَيْرِ الْأَمِينِ فِي وَقْتِ الضِّيقِ، مِثْلُ سِنٍّ مَكْسُورَةٍ أَوْ رِجْلٍ مَخْلُوعَةٍ. مَنْ يُغَنِّي لِقَلْبٍ حَزِينٍ هُوَ كَمَنْ يَخْلَعُ الثِّيَابَ فِي يَوْمٍ بَارِدٍ، وَكَمَنْ يَضَعُ الْخَلَّ عَلَى الْجُرْحِ. إِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ أَطْعِمْهُ خُبْزًا، وَإِنْ عَطِشَ اسْقِهِ مَاءً، لِأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هَذَا، تَضَعُ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ، وَاللهُ يُكَافِئُكَ. رِيحُ الشَّمَالِ تَجْلِبُ الْمَطَرَ، وَاللِّسَانُ الْمَاكِرُ يَجْلِبُ النَّظْرَةَ الْغَاضِبَةَ. السَّكَنُ فِي زَاوِيَةٍ عَلَى السَّطْحِ، أَحْسَنُ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ مَعَ زَوْجَةٍ نَكِدَةٍ. الْخَبَرُ الطَّيِّبُ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ، مِيَاهٌ بَارِدَةٌ لِنَفْسٍ عَطْشَانَةٍ. الصَّالِحُ الَّذِي يَتَخَاذَلُ أَمَامَ الشِّرِّيرِ، هُوَ يَنْبُوعٌ عَكِرٌ وَبِئْرٌ فَاسِدَةٌ. أَكْلُ الْكَثِيرِ مِنَ الْعَسَلِ يَضُرُّ، وَطَلَبُ الْإِكْرَامِ يُؤَدِّي إِلَى الْهَوَانِ. مَنْ لَا يَتَحَكَّمُ فِي نَفْسِهِ، هُوَ كَمَدِينَةٍ مُنْهَدِمَةٍ بِلَا سُورٍ. الْكَرَامَةُ لَا تَلِيقُ بِالْجَاهِلِ، كَالثَّلْجِ فِي الصَّيْفِ وَكَالْمَطَرِ فِي الْحَصَادِ. لَعْنَةٌ بِلَا سَبَبٍ لَا تُؤَثِّرُ فِي شَيْءٍ، كَعُصْفُورٍ يُرَفْرِفُ وَكَيَمَامَةٍ طَائِرَةٍ. السَّوْطُ لِلْفَرَسِ، وَاللِّجَامُ لِلْحِمَارِ، وَالْعَصَا لِظَهْرِ الْجُهَّالِ. لَا تُجَاوِبِ الْجَاهِلَ حَسَبَ جَهْلِهِ، لِئَلَّا تُصْبِحَ مِثْلَهُ. جَاوِبِ الْجَاهِلَ حَسَبَ جَهْلِهِ، لِئَلَّا يَعْتَبِرَ نَفْسَهُ حَكِيمًا. إِنْ بَعَثْتَ رِسَالَةً مَعَ جَاهِلٍ، تَكُونُ كَأَنَّكَ قَطَعْتَ رِجْلَكَ أَوْ شَرِبْتَ سِمًّا. الْمَثَلُ فِي فَمِ الْجُهَّالِ بِلَا فَائِدَةٍ كَسَاقَيِ الْأَعْرَجِ. مَنْ يُعْطِي الْجَاهِلَ كَرَامَةً، كَمَنْ يَرْبِطُ حَجَرًا فِي الْمِقْلَاعِ ثُمَّ يُحَاوِلُ أَنْ يَقْذِفَهُ! الْمَثَلُ فِي فَمِ الْجُهَّالِ، كَالشَّوْكِ فِي يَدِ السَّكْرَانِ. مَنْ يَسْتَأْجِرُ الْجَاهِلَ أَوْ أَيَّ عَابِرِ سَبِيلٍ، يَكُونُ كَوَاحِدٍ يَرْمِي سِهَامًا وَيُصِيبُ عَلَى غَيْرِ هُدًى. الْجَاهِلُ يَرْجِعُ إِلَى جَهْلِهِ، مِثْلُ كَلْبٍ رَجَعَ لِيَأْكُلَ مَا تَقَيَّأَهُ. هَلْ رَأَيْتَ وَاحِدًا يَعْتَبِرُ نَفْسَهُ حَكِيمًا؟ يُوجَدُ أَمَلٌ فِي الْجَاهِلِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ. يَقُولُ الْكَسْلَانُ: ”يُوجَدُ أَسَدٌ فِي الطَّرِيقِ، أَسَدٌ مُفْتَرِسٌ فِي الشَّوَارِعِ.“ كَالْبَابِ الَّذِي يَدُورُ عَلَى مَفَاصِلِهِ، يَتَقَلَّبُ الْكَسْلَانُ فِي فِرَاشِهِ. الْكَسْلَانُ يَغْمِسُ يَدَهُ فِي الصَّحْنِ، وَمِنَ الصَّعْبِ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهَا إِلَى فَمِهِ. الْكَسْلَانُ يَعْتَبِرُ نَفْسَهُ أَحْكَمَ مِنْ 7 يُجِيبُونَ بِفَهْمٍ. مَنْ يَتَدَخَّلُ فِي مُشَاجَرَةٍ لَا تَعْنِيهِ وَهُوَ عَابِرٌ فِي السَّبِيلِ، كَمَنْ يُمْسِكُ كَلْبًا بِأُذُنَيْهِ. مَنْ كَالْمَجْنُونِ الَّذِي يَقْذِفُ نَارًا وَسِهَامًا وَمَوْتًا؟ الرَّجُلُ الَّذِي يَخْدَعُ صَاحِبَهُ ثُمَّ يَقُولُ: ”أَنَا أَمْزَحُ فَقَطْ!“ بِغَيْرِ حَطَبٍ تَنْطَفِئُ النَّارُ، وَبِغِيَابِ النَّمَّامِ يَنْتَهِي النِّزَاعُ. الْفَحْمُ يَزِيدُ الْجَمْرَ، وَالْحَطَبُ يَزِيدُ النَّارَ، وَمَنْ يُحِبُّ الْعِرَاكَ يُشْعِلُ الْخِصَامَ. كَلَامُ النَّمَّامِ كَطَعَامٍ شَهِيٍّ، يَنْزِلُ إِلَى أَعْمَاقِ الْبَطْنِ. الْكَلَامُ الْمَعْسُولُ الصَّادِرُ عَنْ قَلْبٍ شِرِّيرٍ، مِثْلُ شَقْفَةٍ مِنَ الْفَخَّارِ مَطْلِيَّةٍ بِشَوَائِبِ الْفِضَّةِ. الْخَبِيثُ يَتَسَتَّرُ وَرَاءَ كَلَامٍ حُلْوٍ، وَقَلْبُهُ مَمْلُوءٌ بِالْخِدَاعِ. إِنْ جَذَبَكَ بِحَدِيثِهِ، فَلَا تَأْتَمِنْهُ، لِأَنَّ فِي قَلْبِهِ 7 أَنْوَاعٍ مِنَ الْقَبَاحَاتِ. مَهْمَا سَتَرَ خُبْثَهُ وَخِدَاعَهُ، يُفْضَحُ شَرُّهُ أَمَامَ النَّاسِ. مَنْ يَحْفِرُ حُفْرَةً يَسْقُطُ فِيهَا، وَمَنْ يُدَحْرِجُ حَجَرًا يَرْجِعُ عَلَيْهِ. اللِّسَانُ الْكَاذِبُ يَكْرَهُ ضَحَايَاهُ، وَالْفَمُ الْمُتَمَلِّقُ يُسَبِّبُ الْخَرَابَ. لَا تَفْتَخِرْ بِالْغَدِ، لِأَنَّكَ لَا تَعْلَمُ مَاذَا يَجْلِبُ لَكَ. خَلِّ الْغَرِيبَ يَمْدَحُكَ لَا فَمَكَ، خَلِّ وَاحِدًا آخَرَ يُثْنِي عَلَيْكَ لَا شَفَتَيْكَ. الْحَجَرُ ثَقِيلٌ وَالرَّمْلُ ثَقِيلٌ، وَغَضَبُ الْجَاهِلِ أَثْقَلُ مِنْهُمَا. الْغَضَبُ قَاسٍ وَالْغَيْظُ قَهَّارٌ، وَمَنْ يَقِفُ فِي طَرِيقِ الْغِيرَةِ؟ التَّوْبِيخُ الَّذِي تُظْهِرُهُ، أَحْسَنُ مِنَ الْحُبِّ الَّذِي تُخْفِيهِ. جُرُوحُ الْمُحِبِّ أَمِينَةٌ، وَقُبُلَاتُ الْعَدُوِّ خَائِنَةٌ. الشَّبْعَانُ يَدُوسُ الْعَسَلَ، وَالْجَائِعُ يَجِدُ الْمُرَّ حُلْوًا. الْإِنْسَانُ الشَّارِدُ عَنْ وَطَنِهِ، كَالْعُصْفُورِ الشَّارِدِ عَنْ عُشِّهِ. الْعِطْرُ وَالْبَخُورُ يُفَرِّحَانِ الْقَلْبَ، وَحَلَاوَةُ الصَّاحِبِ فِي نَصِيحَتِهِ الْمُخْلِصَةِ. لَا تَتْرُكْ صَدِيقَكَ وَلَا صَدِيقَ أَبِيكَ، وَلَا تَذْهَبْ إِلَى دَارِ أَهْلِكَ بِمُجَرَّدِ مَا تَحِلُّ بِكَ الْمَشَاكِلُ، الْجَارُ الْقَرِيبُ خَيْرٌ مِنَ الْأَخِ الْبَعِيدِ. كُنْ حَكِيمًا يَا ابْنِي وَفَرِّحْ قَلْبِي، فَأَرُدَّ عَلَى مَنْ يَهْزَأُ بِي. الْعَاقِلُ يَرَى الْخَطَرَ فَيَحْتَجِبُ عَنِ الْأَنْظَارِ، وَالْمُغَفَّلُ يَسْتَمِرُّ فِي سَيْرِهِ وَيَجْنِي الْعَوَاقِبَ. خُذْ رِدَاءَ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ ضَمِنَ غَرِيبًا، اِعْتَبِرْهُ مَسْئُولًا بَدَلًا مِنَ الشَّخْصِ الْآخَرِ. إِنْ كُنْتَ تُوقِظُ جَارَكَ فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ بِتَحِيَّةٍ عَالِيَةٍ، تُعْتَبَرُ لَعْنَةً لَا بَرَكَةً. الزَّوْجَةُ النَّكِدَةُ كَنَقْرِ قَطَرَاتِ الْمَاءِ الْمُتَتَابِعَةِ فِي يَوْمٍ مُمْطِرٍ. مَنْ يَضْبِطُهَا كَمَنْ يَضْبِطُ الرِّيحَ أَوْ يَقْبِضُ بِيَدِهِ عَلَى زَيْتٍ. الْحَدِيدُ يَصْقِلُ الْحَدِيدَ، وَالْإِنْسَانُ يَصْقِلُ صَاحِبَهُ. مَنْ يَحْمِي تِينَةً يَأْكُلُ ثَمَرَهَا، وَمَنْ يُحَافِظُ عَلَى سَيِّدِهِ يُكْرَمُ. كَمَا أَنَّ الْمَاءَ يَعْكِسُ صُورَةَ الْوَجْهِ، كَذَلِكَ الْقَلْبُ يَعْكِسُ الْإِنْسَانَ نَفْسَهُ. الْهَاوِيَةُ وَالْهَلَاكُ لَا يَشْبَعَانِ، وَكَذَلِكَ عَيْنَا الْإِنْسَانِ. الْبُوتَقَةُ لِتَنْقِيَةِ الْفِضَّةِ، وَالْكُورُ لِتَنْقِيَةِ الذَّهَبِ، وَالْمَدِيحُ يَمْتَحِنُ الْإِنْسَانَ. إِنْ دَقَقْتَ الْجَاهِلَ بِمَدَقٍّ فِي هَاوُنٍ، لَا يُفَارِقُهُ جَهْلُهُ. اِجْتَهِدْ فِي مَعْرِفَةِ حَالِ غَنَمِكَ، وَاهْتَمَّ بِقُطْعَانِكَ. لِأَنَّ الْغِنَى لَا يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ، وَلَا التَّاجَ يَبْقَى إِلَى كُلِّ الْأَجْيَالِ. يَنْتَهِي التِّبْنُ، وَيَطْلَعُ الْحَشِيشُ الْجَدِيدُ، وَيُجْمَعُ الْعُشْبُ مِنَ الْجِبَالِ، فَتَمُدُّكَ الْحُمْلَانُ بِالْمَلَابِسِ، وَالْجِدَاءُ بِثَمَنِ حَقْلٍ، وَيَكُونُ عِنْدَكَ مِنْ لَبَنِ الْمَاعِزِ مَا يَكْفِي طَعَامًا لَكَ، وَقُوتًا لِعِيَالِكَ، وَمَعِيشَةً لِجَوَارِيكَ. الشِّرِّيرُ يَهْرُبُ بِلَا مُطَارِدٍ، وَالصَّالِحُ يَثْبُتُ كَالْأَسَدِ. بِسَبَبِ مَعْصِيَةِ الْبِلَادِ يَكْثُرُ حُكَّامُهَا، وَتَثْبُتُ بِمَنْ عِنْدَهُ الْفَهْمُ وَالْمَعْرِفَةُ. الْفَقِيرُ الَّذِي يَظْلِمُ الْفُقَرَاءَ، كَمَطَرٍ جَارِفٍ لَا يُبْقِي عَلَى طَعَامٍ. مَنْ يُهْمِلُ الشَّرِيعَةَ يَمْدَحُ الشِّرِّيرَ، وَمَنْ يَعْمَلُ بِهَا يُخَاصِمُهُ. الْأَشْرَارُ لَا يَفْهَمُونَ الْعَدْلَ، وَمَنْ يَطْلُبُونَ اللهَ يَفْهَمُونَهُ تَمَامًا. الْفَقِيرُ الَّذِي يَسْلُكُ بِالْكَمَالِ، خَيْرٌ مِنَ الْغَنِيِّ الَّذِي طَرِيقُهُ أَعْوَجُ. مَنْ يَعْمَلُ بِالشَّرِيعَةِ هُوَ ابْنٌ فَهِيمٌ، وَمَنْ يُصَاحِبُ الْمُنْحَرِفِينَ يُخْجِلُ أَبَاهُ. مَنْ يَجْمَعُ ثَرْوَتَهُ بِالرِّبَا الْفَاحِشِ فَهُوَ يُكَوِّمُهَا لِمَنْ يَشْفِقُ عَلَى الْفُقَرَاءِ. مَنْ يَرْفُضُ طَاعَةَ الشَّرِيعَةِ، لَا تُسْمَعُ صَلَاتُهُ. مَنْ يُضِلُّ الْأَتْقِيَاءَ إِلَى طَرِيقِ الشَّرِّ، يَسْقُطُ فِي حُفْرَتِهِ، أَمَّا الْكَامِلُونَ فَيَنَالُونَ نَصِيبًا طَيِّبًا. قَدْ يَعْتَبِرُ الْغَنِيُّ نَفْسَهُ حَكِيمًا، لَكِنَّ الْفَقِيرَ الَّذِي عِنْدَهُ فَهْمٌ يَعْرِفُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ. حِينَ يَنْتَصِرُ الصَّالِحُونَ يَفْتَخِرُ النَّاسُ، وَحِينَ يَرْتَفِعُ الْأَشْرَارُ يَخْتَبِئُ النَّاسُ. مَنْ يُخْفِي خَطَايَاهُ لَا يَنْجَحُ، وَمَنْ يَعْتَرِفُ بِهَا وَيَتْرُكُهَا يُرْحَمُ. هَنِيئًا لِلْإِنْسَانِ الَّذِي يَتَّقِي اللهَ دَائِمًا، وَمَنْ يُقَسِّي قَلْبَهُ يَقَعُ فِي الْمَشَاكِلِ. الشِّرِّيرُ الَّذِي يَتَسَلَّطُ عَلَى شَعْبٍ مِسْكِينٍ، هُوَ كَأَسَدٍ زَائِرٍ أَوْ دُبٍّ ثَائِرٍ. الْحَاكِمُ الْمُسْتَبِدُّ عَدِيمُ الْفَهْمِ، وَمَنْ يَكْرَهُ الْمَالَ الْحَرَامَ يَطُولُ عُمْرُهُ. الْقَاتِلُ الْمُثَقَّلُ بِجَرِيمَتِهِ، يَقْفِزُ إِلَى بِئْرٍ لِكَيْ لَا يُقْبَضَ عَلَيْهِ. مَنْ يَسْلُكُ بِالْكَمَالِ يَنْجُو، وَمَنْ طَرِيقُهُ أَعْوَجُ يَسْقُطُ فَجْأَةً. مَنْ يَفْلَحُ أَرْضَهُ يَشْبَعُ طَعَامًا، وَمَنْ يَتْبَعُ الْأَوْهَامَ يَشْبَعُ فَقْرًا. الْأَمِينُ يَنَالُ بَرَكَاتٍ كَثِيرَةً، وَمَنْ يَسْعَى لِلثَّرَاءِ الْعَاجِلِ لَا يُفْلِتُ مِنَ الْعِقَابِ. لَا يَصِحُّ التَّحَيُّزُ لِأَحَدٍ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَرْتَكِبُ الْإِسَاءَةَ لِأَجْلِ كِسْرَةِ خُبْزٍ. الْبَخِيلُ يَسْعَى وَرَاءَ الْغِنَى، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ الْفَقْرَ يَنْتَظِرُهُ. وَبِّخْ إِنْسَانًا فَفِي النِّهَايَةِ تَحْصُلُ عَلَى الْمَدِيحِ أَكْثَرَ مِنْ صَاحِبِ اللِّسَانِ الْمُتَمَلِّقِ. مَنْ يَسْرِقُ مِنْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ وَيَقُولُ: ”لَا خَطَأَ فِي هَذَا“ هُوَ شَرِيكُ مَنْ يُخْرِبُ. الطَّمَّاعُ يُثِيرُ النِّزَاعَ، وَمَنْ يَتَوَكَّلُ عَلَى اللهِ يَنَالُ خَيْرًا. مَنْ يَتَّكِلُ عَلَى قَلْبِهِ هُوَ جَاهِلٌ، وَمَنْ يَسْلُكُ بِالْحِكْمَةِ يَنْجُو. مَنْ يُعْطِي الْفُقَرَاءَ لَا يَفْتَقِرُ، وَمَنْ يُغْمِضُ عَيْنَيْهِ عَنْ أَعْوَازِهِمْ يُلْعَنُ كَثِيرًا. حِينَ يَرْتَفِعُ الْأَشْرَارُ يَخْتَبِئُ النَّاسُ، وَحِينَ يَهْلِكُ الْأَشْرَارُ يَزْدَهِرُ الصَّالِحُونَ. مَنْ يَسْتَمِرُّ فِي عِنَادِهِ بَعْدَ التَّوْبِيخِ الْكَثِيرِ، يَتَحَطَّمُ فَجْأَةً وَلَا شِفَاءَ لَهُ. حِينَ يَزْدَهِرُ الصَّالِحُونَ يَفْرَحُ الشَّعْبُ، وَحِينَ يَتَسَلَّطُ الْأَشْرَارُ يَئِنُّ الشَّعْبُ. مَنْ يُحِبُّ الْحِكْمَةَ يُفَرِّحُ أَبَاهُ، وَصَاحِبُ الْعَاهِرَاتِ يُبَدِّدُ ثَرْوَتَهُ. الْمَلِكُ بِالْعَدْلِ يَجْعَلُ الْبِلَادَ تَسْتَقِرُّ، وَالطَّامِعُ فِي الرَّشْوَةِ يَخْرِبُهَا. مَنْ يَتَمَلَّقُ صَاحِبَهُ، يَنْصُبُ شَبَكَةً لِرِجْلَيْهِ. الشِّرِّيرُ يَقَعُ فِي فَخِّ مَعْصِيَتِهِ، أَمَّا الصَّالِحُ فَيُغَنِّي وَيَبْتَهِجُ. الصَّالِحُ يَهُمُّهُ حَقُّ الْفَقِيرِ، أَمَّا الشِّرِّيرُ فَهَذَا لَا يَهُمُّهُ. السَّاخِرُونَ يُشْعِلُونَ الْفِتْنَةَ فِي الْمَدِينَةِ، وَالْحُكَمَاءُ يُطْفِئُونَ الْغَضَبَ. الْحَكِيمُ الَّذِي يُقَاضِي مُغَفَّلًا، لَا يَجِدُ رَاحَةً سَوَاءً غَضِبَ الْمُغَفَّلُ أَوْ ضَحِكَ. الَّذِينَ يَسْفِكُونَ الدَّمَ يَكْرَهُونَ النَّزِيهَ، وَيُحَاوِلُونَ أَنْ يَقْتُلُوا الْأَتْقِيَاءَ. الْجَاهِلُ يُظْهِرُ كُلَّ غَضَبِهِ، وَالْحَكِيمُ يُمْسِكُ نَفْسَهُ. إِنْ أَصْغَى الْحَاكِمُ لِلْكِذْبِ، يُصْبِحُ كُلُّ خُدَّامِهِ أَشْرَارًا. يَتَشَابَهُ الْفَقِيرُ وَالظَّالِمُ فِي أَنَّ اللهَ أَعْطَاهُمَا نِعْمَةَ النَّظَرِ. الْمَلِكُ الَّذِي يَحْكُمُ لِلْفُقَرَاءِ بِالْحَقِّ، يَثْبُتُ عَرْشُهُ دَائِمًا. عَصَا التَّأْدِيبِ تَمْنَحُ حِكْمَةً، وَالْوَلَدُ الْمَتْرُوكُ عَلَى هَوَاهُ يُخْجِلُ أُمَّهُ. حِينَ يَزْدَهِرُ الْأَشْرَارُ تَكْثُرُ الْمَعَاصِي، وَلَكِنْ يَرَى الصَّالِحُونَ سُقُوطَهُمْ. أَدِّبِ ابْنَكَ فَيُرِيحَكَ، وَيَمْلَأَ نَفْسَكَ بِالسُّرُورِ. حَيْثُ لَا كَلِمَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ يَجْمَحُ الشَّعْبُ، وَهَنِيئًا لِمَنْ يَعْمَلُ بِالشَّرِيعَةِ. مُجَرَّدُ الْكَلَامِ لَا يَنْفَعُ لِتَأْدِيبِ الْعَبْدِ، لِأَنَّهُ حَتَّى وَلَوْ فَهِمَ لَا يَسْتَجِيبُ. هَلْ رَأَيْتَ وَاحِدًا يَتَسَرَّعُ فِي كَلَامِهِ؟ يُوجَدُ أَمَلٌ فِي الْجَاهِلِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ. دَلِّلْ عَبْدَكَ فِي صِغَرِهِ، يَتَمَرَّدُ عَلَيْكَ فِي كِبَرِهِ. مَنْ صَدْرُهُ ضَيِّقٌ يُثِيرُ النِّزَاعَ، وَمَنْ يَغْضَبُ بِسُهُولَةٍ كَثِيرُ الْمَعَاصِي. كِبْرِيَاءُ الْإِنْسَانِ تُنْزِلُ مِنْ قَدْرِهِ، وَالْمُتَوَاضِعُ الرُّوحِ يَنَالُ كَرَامَةً. شَرِيكُ السَّارِقِ عَدُوُّ نَفْسِهِ، يُقْسِمُ أَنْ يَشْهَدَ، وَلَا يُقِرُّ بِمَا حَدَثَ. الْخَوْفُ مِنَ الْبَشَرِ هُوَ فَخٌّ مَنْصُوبٌ، وَمَنْ يَتَوَكَّلُ عَلَى اللهِ يَأْمَنُ. كَثِيرُونَ يَطْلُبُونَ مُقَابَلَةً مَعَ الْحَاكِمِ، لَكِنَّ رَبَّنَا هُوَ الَّذِي يُنْصِفُ النَّاسَ. الصَّالِحُ يَكْرَهُ الظَّالِمَ، وَالشِّرِّيرُ يَكْرَهُ التَّقِيَّ. هَذَا كَلَامُ أَجُورَ بْنِ يَاقَةَ مِنْ مَسَّا. قَالَ هَذَا الرَّجُلُ لِإِيثِيئِيلَ، لِإِيثِيئِيلَ وَأُكَّالَ: ”أَنَا أَغْبَى النَّاسِ، وَلَا أَفْهَمُ كَبَاقِي الْبَشَرِ. وَلَمْ أَتَعَلَّمِ الْحِكْمَةَ، وَلَا أَمْلِكُ مَعْرِفَةَ الْقُدُّوسِ. مَنْ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ وَنَزَلَ؟ وَمَنْ جَمَعَ الرِّيحَ فِي حَفْنَتَيْهِ؟ مَنْ صَرَّ الْمِيَاهَ فِي ثَوْبٍ؟ مَنْ ثَبَّتَ جَمِيعَ أَنْحَاءِ الْأَرْضِ؟ مَا اسْمُهُ وَمَا اسْمُ ابْنِهِ؟ أَخْبِرْنِي إِنْ كُنْتَ تَعْرِفُ! كُلُّ كَلِمَةٍ مِنَ اللهِ نَقِيَّةٌ. وَهُوَ يَحْمِي الَّذِينَ يَلْجَأُونَ إِلَيْهِ. لَا تَزِدْ عَلَى كَلَامِ اللهِ، لِئَلَّا يُوَبِّخَكَ وَيُبَيِّنَ أَنَّكَ كَذَّابٌ. ”أَمْرَيْنِ طَلَبْتُ مِنْكَ يَا رَبُّ، فَلَا تَحْرِمْنِي مِنْهُمَا قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ: أَبْعِدْ عَنِّيَ الْبَاطِلَ وَالْكِذْبَ، لَا تُعْطِنِي فَقْرًا وَلَا غِنًى. اُرْزُقْنِي مَا يَكْفِينِي مِنَ الطَّعَامِ. لِئَلَّا أَشْبَعَ وَأَكْفُرَ وَأَقُولَ: ’مَنْ هُوَ اللهُ؟‘ أَوْ أَفْتَقِرَ وَأَسْرِقَ وَأَجْلِبَ الْعَارَ عَلَى اسْمِ إِلَهِي. ”لَا تَشْكُ عَبْدًا إِلَى سَيِّدِهِ، لِئَلَّا يَلْعَنَكَ وَتُعَانِيَ الْمَشَاكِلَ. يُوجَدُ مَنْ يَسُبُّ أَبَاهُ وَلَا يُبَارِكُ أُمَّهُ. يُوجَدُ مَنْ يَعْتَبِرُ نَفْسَهُ طَاهِرًا، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَغْتَسِلْ مِنْ وَسَخِهِ. يُوجَدُ مَنْ عَيْنُهُ مُتَكَبِّرَةٌ، وَنَظَرَاتُهُ مُتَعَالِيَةٌ. يُوجَدُ مَنْ أَسْنَانُهُ سُيُوفٌ وَأَنْيَابُهُ سَكَاكِينُ، لِيَفْتَرِسَ الْمَسَاكِينَ فِي الْأَرْضِ، وَالْفُقَرَاءَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ. ”الطَّمَّاعُ لَهُ ابْنَانِ: وَاحِدٌ اسْمُهُ هَاتِ، وَالْآخَرُ اسْمُهُ هَاتِ! 3 أَشْيَاءَ لَا تَشْبَعُ، بَلْ 4 لَا تَكْتَفِي: الْقَبْرُ وَالرَّحِمُ الْعَقِيمُ وَأَرْضٌ لَا تَرْتَوِي وَنَارٌ لَا تَكْتَفِي. إِنْ كُنْتَ تَسْخَرُ مِنْ أَبِيكَ، وَتَرْفُضُ أَنْ تُطِيعَ أُمَّكَ، تَقْلَعُ غِرْبَانُ الْوَادِي عَيْنَيْكَ، وَتَأْكُلُهُمَا الْجَوَارِحُ. ”3 أَشْيَاءَ أَعْجَبُ مِنْ أَنْ أُدْرِكَهَا، بَلْ 4 لَا أَفْهَمُهَا: طَرِيقُ النِّسْرِ فِي السَّمَاءِ، وَطَرِيقُ الْحَيَّةِ عَلَى الصَّخْرِ، وَطَرِيقُ السَّفِينَةِ فِي قَلْبِ الْبَحْرِ، وَطَرِيقُ الرَّجُلِ مَعَ فَتَاةٍ. ”هَذَا هُوَ سُلُوكُ الزَّانِيَةِ، تَأْكُلُ وَتَمْسَحُ فَمَهَا وَتَقُولُ: ’لَمْ أَرْتَكِبْ شَرًّا.‘ ”3 بِسَبَبِهَا تَضْطَرِبُ الْبِلَادُ، بَلْ 4 لَا يُمْكِنُ احْتِمَالُهَا: عَبْدٌ صَارَ مَلِكًا، وَمُغَفَّلٌ شَبِعَ خُبْزًا، وَقَبِيحَةٌ تَزَوَّجَتْ، وَخَادِمَةٌ وَرِثَتْ سَيِّدَتَهَا. ”4 هِيَ الصُّغْرَى فِي الْأَرْضِ، وَلَكِنَّهَا حَكِيمَةٌ جِدًّا: النَّمْلُ جَمَاعَةٌ لَا قُوَّةَ لَهَا، لَكِنَّهُ يَخْزِنُ فِي الصَّيْفِ طَعَامَهُ. وَالْوِبَارُ جَمَاعَةٌ لَا قُدْرَةَ لَهَا، لَكِنَّهَا تَعْمَلُ بُيُوتَهَا فِي شُقُوقِ الصَّخْرِ. وَالْجَرَادُ لَا مَلِكَ لَهُ، لَكِنَّهُ يَتَقَدَّمُ فِي أَسْرَابٍ مُنَظَّمَةٍ. وَالْعَنْكَبُوتُ تَتَعَلَّقُ بِأَيْدِيهَا فِي قُصُورِ الْمُلُوكِ. ”3 تَخْطُو بِجَلَالٍ، بَلْ 4 تَتَقَدَّمُ بِوَقَارٍ: الْأَسَدُ جَبَّارُ الْوُحُوشِ، الَّذِي لَا يَتَرَاجَعُ أَمَامَ أَحَدٍ. وَالدِّيكُ الْمُخْتَالُ، وَالتَّيْسُ، وَالْمَلِكُ عَلَى رَأْسِ جَيْشِهِ. ”إِنْ تَصَرَّفْتَ بِغَبَاءٍ وَعَظَّمْتَ نَفْسَكَ، أَوْ إِنْ دَبَّرْتَ الشَّرَّ، فَضَعْ يَدَكَ عَلَى فَمِكَ. لِأَنَّ خَضَّ اللَّبَنِ يُنْتِجُ زُبْدَةً، وَالضَّغْطَ عَلَى الْأَنْفِ يُخْرِجُ دَمًا، وَإِثَارَةَ الْغَضَبِ تُوَلِّدُ خِصَامًا.“ هَذَا كَلَامُ لَمُوئِيلَ مَلِكِ مَسَّا، الَّذِي تَعَلَّمَهُ مِنْ أُمِّهِ: ”مَاذَا أَقُولُ يَا ابْنِي، يَا ابْنَ أَحْشَائِي، يَا مَنْ جَاءَ اسْتِجَابَةً لِدُعَائِي؟ لَا تُضَيِّعْ حَيْلَكَ عَلَى النِّسَاءِ، وَلَا قُوَّتَكَ عَلَى مُهْلِكَاتِ الْمُلُوكِ. لَا يَصِحُّ لِلْمُلُوكِ يَا لَمُوئِيلُ، لَا يَصِحُّ لِلْمُلُوكِ أَنْ يَشْرَبُوا الْخَمْرَ، وَلَا لِلْعُظَمَاءِ أَنْ يَشْرَبُوا الْمُسْكِرَ. لِئَلَّا يَسْكَرُوا فَيَنْسُوا الْفَرَائِضَ، وَيَحْرِمُوا الْبَائِسِينَ مِنْ حُقُوقِهِمْ. أَعْطُوا الْمُسْكِرَ لِلْهَالِكِينَ، وَالْخَمْرَ لِمَنْ هُمْ فِي مَرَارَةٍ. فَيَسْكَرُوا وَيَنْسُوا فَقْرَهُمْ، وَلَا يَذْكُرُوا شَقَاءَهُمْ فِيمَا بَعْدُ. ”تَكَلَّمْ وَدَافِعْ عَنِ الَّذِينَ لَا عَوْنَ لَهُمْ، وَعَنْ حُقُوقِ مَنْ لَا رَجَاءَ لَهُمْ. تَكَلَّمْ وَاحْكُمْ بِالْعَدْلِ، وَأَنْصِفِ الْمِسْكِينَ وَالْفَقِيرَ.“ الزَّوْجَةُ الْفَاضِلَةُ، مَنْ يَجِدُهَا؟ قِيمَتُهَا تَفُوقُ اللَّآلِئَ. زَوْجُهَا يَثِقُ فِيهَا كُلَّ الثِّقَةِ، وَمَعَهَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى غَنِيمَةٍ. طُولَ عُمْرِهَا تَأْتِيهِ بِالْخَيْرِ، لَا بِالشَّرِّ. تَطْلُبُ صُوفًا وَكَتَّانًا، وَتَشْتَغِلُ بِيَدَيْنِ رَاضِيَتَيْنِ. هِيَ كَالسُّفُنِ التِّجَارِيَّةِ، تَجْلِبُ طَعَامَهَا مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ. تَقُومُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَتُعِدُّ طَعَامًا لِأُسْرَتِهَا وَعَمَلًا لِخَادِمَاتِهَا. تَفْحَصُ حَقْلًا وَتَشْتَرِيهِ، وَمِنْ رِبْحِهَا الْخَاصِّ تَغْرِسُ كَرْمًا. تَشْتَغِلُ بِهِمَّةٍ، وَتَعْمَلُ بِعَزْمٍ. تَرَى أَنَّ تِجَارَتَهَا رَابِحَةٌ، لَا يَنْطَفِئُ مِصْبَاحُهَا فِي اللَّيْلِ. تَغْزِلُ الصُّوفَ بِأَصَابِعِهَا، وَتَحِيكُ الْمَلَابِسَ بِيَدَيْهَا. تَبْسُطُ كَفَّيْهَا لِلْفَقِيرِ، وَتَمُدُّ يَدَيْهَا إِلَى الْمِسْكِينِ. لَا تَخَافُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهَا مِنَ الثَّلْجِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ لَابِسٌ ثَوْبَيْنِ. تَعْمَلُ لِنَفْسِهَا أَغْطِيَةً جَمِيلَةً، وَتَلْبَسُ الْكَتَّانَ النَّاعِمَ وَالْأُرْجُوَانَ. زَوْجُهَا مَعْرُوفٌ فِي بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ، حَيْثُ يَجْلِسُ بَيْنَ شُيُوخِهَا. تَصْنَعُ قُمْصَانًا وَتَبِيعُهَا، وَتُزَوِّدُ التُّجَّارَ بِالْأَحْزِمَةِ. لِبَاسُهَا الْعِزُّ وَالشَّرَفُ، وَتَضْحَكُ عَلَى الْغَدِ. فَمُهَا يَنْطِقُ بِالْحِكْمَةِ، وَتُعَلِّمُ الْآخَرِينَ الْمَعْرُوفَ. تُرَاقِبُ شُؤُونَ أَهْلِ بَيْتِهَا، وَلَا تُعَانِي مِنَ الْكَسَلِ. يَقُومُ أَوْلَادُهَا وَيُبَارِكُونَهَا، زَوْجُهَا أَيْضًا يَمْدَحُهَا وَيَقُولُ: ”نِسَاءٌ كَثِيرَاتٌ قُمْنَ بِأَعْمَالٍ نَبِيلَةٍ، وَأَنْتِ تَفَوَّقْتِ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا.“ الْحَسْنُ يَغُشُّ وَالْجَمَالُ يَزُولُ، أَمَّا الْمَرْأَةُ الَّتِي تَتَّقِي اللهَ فَيَجِبُ أَنْ تُمْدَحَ. أَعْطُوهَا مُكَافَأَةَ تَعَبِهَا، وَامْدَحُوهَا عَلَنًا عَلَى أَعْمَالِهَا. كَلَامُ الْحَكِيمِ ابْنِ دَاوُدَ مَلِكِ الْقُدْسِ. يَقُولُ الْحَكِيمُ: ”بِلَا مَعْنَى أَبَدًا! بِلَا مَعْنَى أَبَدًا! الْكُلُّ بِلَا مَعْنَى!“ مَاذَا يَسْتَفِيدُ الْإِنْسَانُ مِنْ كُلِّ تَعَبِهِ الَّذِي يَتْعَبُهُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا؟ جِيلٌ يَرُوحُ وَجِيلٌ يَجِيءُ، وَالْأَرْضُ مَوْجُودَةٌ إِلَى الْأَبَدِ. الشَّمْسُ تُشْرِقُ وَالشَّمْسُ تَغْرُبُ، ثُمَّ تُسْرِعُ إِلَى مَكَانِهَا الَّذِي تَطْلَعُ مِنْهُ. الرِّيحُ تَذْهَبُ إِلَى الْجَنُوبِ، وَتَدُورُ إِلَى الشَّمَالِ، وَتَدُورُ وَتَدُورُ ثُمَّ تَرْجِعُ لِلدَّوَرَانِ مَرَّةً أُخْرَى. كُلُّ الْأَنْهَارِ تَصُبُّ فِي الْبَحْرِ، وَالْبَحْرُ لَا يَمْتَلِئُ. ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَاءُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي جَرَتْ مِنْهُ الْأَنْهَارُ. كُلُّ شَيْءٍ مُتْعِبٌ وَلَا يُمْكِنُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَشْرَحَهُ. الْعَيْنُ لَا تَشْبَعُ مِنَ النَّظَرِ، وَالْأُذُنُ لَا تَمْتَلِئُ مِنَ السَّمْعِ. مَا حَدَثَ فِي الْمَاضِي يَعُودُ يَحْدُثُ، وَمَا صُنِعَ فِي الْمَاضِي يَعُودُ يُصْنَعُ، لَا جَدِيدَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا. لَا يُوجَدُ شَيْءٌ يُمْكِنُ أَنْ تَقُولَ عَنْهُ: ”اُنْظُرْ، هَذَا جَدِيدٌ.“ بَلْ هُوَ مَوْجُودٌ مُنْذُ وَقْتٍ طَوِيلٍ، مُنْذُ الْعُصُورِ الَّتِي قَبْلَنَا. لَا أَحَدَ يَتَذَكَّرُ الَّذِينَ سَبَقُونَا، وَكَذَلِكَ الَّذِينَ يَأْتُونَ بَعْدَنَا لَنْ يَتَذَكَّرَهُمْ أَحَدٌ مِنَ الَّذِينَ يَأْتُونَ بَعْدَهُمْ. أَنَا الْحَكِيمُ كُنْتُ مَلِكًا فِي الْقُدْسِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَكَرَّسْتُ نَفْسِي لِلدَّرْسِ وَالْبَحْثِ، بِوَاسِطَةِ الْحِكْمَةِ، عَنْ كُلِّ مَا عُمِلَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا. إِنَّهَا مَأْمُورِيَّةٌ شَاقَّةٌ أَعْطَاهَا اللهُ لِبَنِي آدَمَ لِيَشْغَلَهُمْ بِهَا. رَأَيْتُ كُلَّ شَيْءٍ عُمِلَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، فَإِذَا الْكُلُّ بِلَا مَعْنَى وَكَأَنَّكَ تَقْبِضُ عَلَى الرِّيحِ. الْأَعْوَجُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُقَوِّمَهُ، وَغَيْرُ الْمَوْجُودِ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَحْسِبَهُ. فَقُلْتُ فِي قَلْبِي: ”صِرْتُ عَظِيمًا، وَزَادَتْ حِكْمَتِي أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ الَّذِينَ حَكَمُوا الْقُدْسَ قَبْلِي وَاخْتَبَرْتُ الْكَثِيرَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَالْمَعْرِفَةِ.“ وَرَكَّزْتُ اهْتِمَامِي عَلَى مَعْرِفَةِ الْحِكْمَةِ، وَأَيْضًا مَعْرِفَةِ الْغَبَاءِ وَالْجَهْلِ. فَعَرَفْتُ أَنَّ هَذَا أَيْضًا كَأَنَّكَ تَقْبِضُ عَلَى الرِّيحِ. لِأَنَّ فِي كَثْرَةِ الْحِكْمَةِ كَثْرَةَ الْغَمِّ، وَمَنْ زَادَ عِلْمًا زَادَ حُزْنًا. ثُمَّ قُلْتُ فِي قَلْبِي: ”أُجَرِّبُ اللَّذَّةَ، وَأُمَتِّعُ نَفْسِي.“ فَوَجَدْتُ هَذَا أَيْضًا بِلَا مَعْنَى. وَقُلْتُ: ”الضِّحْكُ غَبَاءٌ وَاللَّذَّةُ بِلَا فَائِدَةٍ.“ وَمَعَ أَنِّي لَمْ أَتْرُكِ الْحِكْمَةَ، حَاوَلْتُ أَنْ أَطْرِبَ نَفْسِي بِالْخَمْرِ، وَجَرَّبْتُ أَشْيَاءَ غَبِيَّةً، وَكَانَ قَصْدِي هُوَ أَنْ أَرَى مَا هُوَ نَافِعٌ لِلنَّاسِ لِيَعْمَلُوهُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أَثْنَاءَ حَيَاتِهِمْ. فَقُمْتُ بِأَعْمَالٍ عَظِيمَةٍ: بَنَيْتُ لِي بُيُوتًا وَغَرَسْتُ لِي كُرُومًا. أَنْشَأْتُ لِي جَنَائِنَ وَبَسَاتِينَ، وَغَرَسْتُ فِيهَا أَشْجَارَ فَاكِهَةٍ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ. صَنَعْتُ لِي بِرَكَ مَاءٍ لِأَسْقِيَ الْأَشْجَارَ النَّامِيَةَ. اِشْتَرَيْتُ عَبِيدًا وَجَوَارِيَ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْعَبِيدِ الْمَوْلُودِينَ فِي دَارِي. حَصَلْتُ عَلَى بَقَرٍ وَغَنَمٍ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْقُدْسِ قَبْلِي. جَمَعْتُ لِي فِضَّةً وَذَهَبًا وَكُنُوزًا مِنْ مُلُوكٍ وَمِنْ دُوَلٍ. وَاتَّخَذْتُ مُغَنِّينَ وَمُغَنِّيَاتٍ، وَزَوْجَةً وَجَوَارِيَ، وَكُلَّ مَا يَنْعَمُ بِهِ الْبَشَرُ. فَصِرْتُ عَظِيمًا أَكْثَرَ جِدًّا مِنْ كُلِّ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْقُدْسِ قَبْلِي. وَفِي كُلِّ هَذَا بَقِيَتْ حِكْمَتِي مَعِي. وَلَمْ أَحْرِمْ نَفْسِي مِنْ شَيْءٍ اشْتَهَتْهُ عَيْنَايَ، وَلَمْ أَمْنَعْ عَنْ قَلْبِي أَيَّ لَذَّةٍ، بَلْ فَرِحَ قَلْبِي بِكُلِّ تَعَبِي، وَكَانَ هَذَا مُكَافَأَتِي عَلَى كُلِّ تَعَبِي. فَلَمَّا تَأَمَّلْتُ كُلَّ مَا عَمِلَتْهُ يَدَايَ، وَالتَّعَبَ الَّذِي تَعِبْتُهُ لِعَمَلِ هَذَا، وَجَدْتُ أَنَّ الْكُلَّ بِلَا مَعْنَى وَكَأَنَّكَ تَقْبِضُ عَلَى الرِّيحِ وَلَا فَائِدَةَ مِنْ شَيْءٍ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا. ثُمَّ اتَّجَهْتُ لِأُفَكِّرَ فِي الْحِكْمَةِ وَالْأَعْمَالِ الْجُنُونِيَّةِ وَالْغَبَاءِ. وَقُلْتُ: ”مَاذَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْمَلَ الْمَلِكُ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي أَكْثَرَ مِمَّا عَمِلْتُهُ؟“ فَوَجَدْتُ أَنَّ الْحِكْمَةَ أَفْضَلُ مِنَ الْغَبَاءِ، كَمَا أَنَّ النُّورَ أَفْضَلُ مِنَ الظَّلَامِ. الْحَكِيمُ عَيْنَاهُ فِي رَأْسِهِ، وَالْجَاهِلُ يَسِيرُ فِي الظَّلَامِ، لَكِنِّي عَرَفْتُ أَنَّ مَصِيرَهُمَا وَاحِدٌ. فَقُلْتُ فِي قَلْبِي: ”مَصِيرِي أَنَا وَالْجَاهِلُ وَاحِدٌ! فَمَا الْفَائِدَةُ مِنْ حِكْمَتِي؟“ وَقُلْتُ فِي قَلْبِي: ”هَذَا أَيْضًا بِلَا مَعْنَى.“ فَإِنَّ الْحَكِيمَ كَالْجَاهِلِ، لَا يَدُومُ ذِكْرُهُمَا إِلَى الْأَبَدِ، وَفِي الْأَيَّامِ الْآتِيَةِ كِلَاهُمَا يُنْسَى. وَيَا لِلْأَسَفِ، كَيْفَ يَمُوتُ الْحَكِيمُ؟ كَالْجَاهِلِ! فَكَرِهْتُ الْحَيَاةَ لِأَنَّ مَا يُعْمَلُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا رَدِيءٌ فِي نَظَرِي، وَكُلُّهُ بِلَا مَعْنَى وَكَأَنَّكَ تَقْبِضُ عَلَى الرِّيحِ. وَكَرِهْتُ كُلَّ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَعِبْتُ فِيهَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لِأَنِّي سَأَتْرُكُهَا لِمَنْ يَأْتِي بَعْدِي. وَمَنْ يَعْلَمُ هَلْ يَكُونُ حَكِيمًا أَوْ جَاهِلًا؟ وَمَعَ ذَلِكَ يَسْتَوْلِي عَلَى كُلِّ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَعِبْتُ فِيهَا جِدًّا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا. وَهَذَا أَيْضًا بِلَا مَعْنَى. فَتَحَوَّلْتُ وَاسْتَسْلَمْتُ لِلْيَأْسِ مِنْ كُلِّ التَّعَبِ الَّذِي عَانَيْتُهُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا. فَقَدْ يَتْعَبُ الْإِنْسَانُ وَيَسْتَعْمِلُ الْحِكْمَةَ وَالْمَعْرِفَةَ وَالْمَهَارَةَ، ثُمَّ يَتْرُكُ الْكُلَّ لِوَاحِدٍ لَمْ يَتْعَبْ فِيهِ. هَذَا أَيْضًا بِلَا مَعْنَى وَشَرٌّ عَظِيمٌ. فَمَاذَا يَجْنِي الْإِنْسَانُ مِنْ كُلِّ تَعَبِهِ وَجُهْدِهِ الَّذِي يَبْذِلُهُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا؟ أَيَّامُهُ حُزْنٌ، وَعَمَلُهُ غَمٌّ. حَتَّى فِي اللَّيْلِ لَا يَرْتَاحُ بَالُهُ. هَذَا أَيْضًا بِلَا مَعْنَى. لَا مَقْدِرَةَ لِلْإِنْسَانِ عَلَى التَّمَتُّعِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَثِمَارِ تَعَبِهِ. إِنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي يُنْعِمُ عَلَيْهِ بِهَذَا. وَبِدُونِهِ مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْكُلَ وَيَتَمَتَّعَ؟ يُعْطِي اللهُ لِمَنْ يُرْضِيهِ حِكْمَةً وَمَعْرِفَةً وَفَرَحًا، أَمَّا الشِّرِّيرُ فَيَشْغَلُهُ بِجَمْعِ الثَّرْوَةِ وَتَكْوِيمِهَا، لِيُعْطِيَهَا لِمَنْ يُرْضِي اللهَ. هَذَا أَيْضًا بِلَا مَعْنَى وَكَأَنَّكَ تَقْبِضُ عَلَى الرِّيحِ. لِكُلِّ شَيْءٍ وَقْتٌ، وَلِكُلِّ أَمْرٍ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أَوَانٌ. لِلْوِلَادَةِ وَقْتٌ وَلِلْمَوْتِ وَقْتٌ. لِلْغَرْسِ وَقْتٌ وَلِقَلْعِ الْمَغْرُوسِ وَقْتٌ. لِلْقَتْلِ وَقْتٌ وَلِلشِّفَاءِ وَقْتٌ. لِلْهَدْمِ وَقْتٌ وَلِلْبِنَاءِ وَقْتٌ. لِلْبُكَاءِ وَقْتٌ وَلِلضِّحْكِ وَقْتٌ. لِلنَّوْحِ وَقْتٌ وَلِلرَّقْصِ وَقْتٌ. لِبَعْثَرَةِ الْحِجَارَةِ وَقْتٌ وَلِجَمْعِ الْحِجَارَةِ وَقْتٌ. لِلْمُعَانَقَةِ وَقْتٌ وَلِلِامْتِنَاعِ عَنِ الْمُعَانَقَةِ وَقْتٌ. لِلتَّحْصِيلِ وَقْتٌ وَلِلْإِضَاعَةِ وَقْتٌ. لِلْحِفْظِ وَقْتٌ وَلِلطَّرْحِ وَقْتٌ. لِلتَّمْزِيقِ وَقْتٌ وَلِلْخِيَاطَةِ وَقْتٌ. لِلسُّكُوتِ وَقْتٌ وَلِلْكَلَامِ وَقْتٌ. لِلْحُبِّ وَقْتٌ وَلِلْكُرْهِ وَقْتٌ. لِلْحَرْبِ وَقْتٌ وَلِلسِّلْمِ وَقْتٌ. فَمَاذَا يَسْتَفِيدُ الْعَامِلُ مِنْ تَعَبِهِ؟ رَأَيْتُ الْمَأْمُورِيَّةَ الَّتِي أَعْطَاهَا اللهُ لِبَنِي آدَمَ لِيَشْغَلَهُمْ بِهَا. صَنَعَ اللهُ كُلَّ شَيْءٍ مُنَاسِبًا لِوَقْتِهِ، وَأَعْطَى النَّاسَ إِحْسَاسًا بِشَأْنِ الْخُلُودِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَفْهَمُونَ أَعْمَالَهُ الَّتِي يَعْمَلُهَا مِنْ أَوَّلِ الزَّمَنِ إِلَى آخِرِهِ. وَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ لَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَفْرَحُوا وَيَعْمَلُوا الْخَيْرَ فِي حَيَاتِهِمْ. إِنَّ نِعْمَةَ اللهِ عَلَى الْإِنْسَانِ هِيَ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَتَمَتَّعَ بِثِمَارِ تَعَبِهِ. وَعَرَفْتُ أَنَّ كُلَّ مَا يَعْمَلُهُ اللهُ يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ، لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَهُوَ إِنَّمَا عَمِلَهُ لِيَخْشَعَ النَّاسُ أَمَامَهُ. مَا هُوَ كَائِنٌ الْآنَ، مَوْجُودٌ مِنْ قَبْلُ. وَمَا سَيَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، هُوَ الَّذِي كَانَ فِي الْمَاضِي. وَاللهُ يُعِيدُ مَا مَضَى. وَرَأَيْتُ شَيْئًا آخَرَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا: الظُّلْمَ مَكَانَ الْعَدْلِ، وَالْخَطَأَ مَكَانَ الْحَقِّ. فَقُلْتُ فِي قَلْبِي: ”اللهُ يُحَاسِبُ الصَّالِحَ وَالشِّرِّيرَ، لِأَنَّ لِكُلِّ أَمْرٍ وَلِكُلِّ عَمَلٍ وَقْتَهُ.“ وَقُلْتُ أَيْضًا فِي قَلْبِي: ”بِالنِّسْبَةِ لِلنَّاسِ، فَإِنَّ اللهَ يَمْتَحِنُهُمْ لِيُرِيَهُمْ أَنَّهُمْ كَالْبَهَائِمِ. فَمَصِيرُ الْإِنْسَانِ كَمَصِيرِ الْبَهَائِمِ، هُوَ مَصِيرٌ وَاحِدٌ: كَمَا يَمُوتُ هَذَا، يَمُوتُ ذَاكَ. وَالْكُلُّ لَهُمْ نَسَمَةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ امْتِيَازٌ عَلَى الْبَهَائِمِ. فَكُلُّ شَيْءٍ بِلَا مَعْنَى. يَذْهَبُ الْكُلُّ إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ، فَالْكُلُّ مِنَ التُّرَابِ وَإِلَى التُّرَابِ يَعُودُ. وَمَنْ يَعْرِفُ إِنْ كَانَتْ رُوحُ الْإِنْسَانِ تَطْلَعُ إِلَى فَوْقُ، وَرُوحُ الْبَهِيمَةِ تَنْزِلُ إِلَى أَسْفَلِ الْأَرْضِ؟“ فَرَأَيْتُ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ لِلْإِنْسَانِ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَفْرَحَ بِعَمَلِهِ، لِأَنَّ هَذَا نَصِيبُهُ. وَمَنْ يُرْجِعُهُ لِيَرَى مَا يَجْرِي مِنْ بَعْدِهِ؟ ثُمَّ نَظَرْتُ فَرَأَيْتُ كُلَّ الظُّلْمِ الَّذِي يَجْرِي فِي هَذِهِ الدُّنْيَا: رَأَيْتُ دُمُوعَ الْمَظْلُومِينَ وَلَا مَنْ يُعَزِّيهِمْ. ظَالِمُوهُمْ يَبْطِشُونَ، أَمَّا هُمْ فَلَا مَنْ يُعَزِّيهِمْ. إِذَنْ هَنِيئًا لِلْأَمْوَاتِ الَّذِينَ انْتَهَوْا، فَهُمْ أَسْعَدُ حَالًا مِنَ الْأَحْيَاءِ الْبَاقِينَ لِلْآنَ. وَأَحْسَنُ مِنَ الِاثْنَيْنِ، مَنْ لَمْ يُولَدْ بَعْدُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ الشَّرَّ الَّذِي يُرْتَكَبُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا. وَرَأَيْتُ أَنَّ كُلَّ التَّعَبِ وَكُلَّ مَا يَحْصُلُ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ، هُوَ نَاتِجٌ عَنِ الْمُنَافَسَةِ بَيْنَ شَخْصٍ وَآخَرَ. هَذَا أَيْضًا بِلَا مَعْنَى وَكَأَنَّكَ تَقْبِضُ عَلَى الرِّيحِ. الْكَسْلَانُ يَطْوِي يَدَيْهِ وَيَخْرِبُ نَفْسَهُ. حَفْنَةٌ وَاحِدَةٌ وَمَعَهَا رَاحَةٌ، خَيْرٌ مِنْ حَفْنَتَيْنِ وَمَعَهُمَا تَعَبٌ وَالْقَبْضُ عَلَى الرِّيحِ. وَرَأَيْتُ شَيْئًا آخَرَ بِلَا مَعْنَى فِي هَذِهِ الدُّنْيَا: إِنْسَانٌ وَحِيدٌ، لَا ابْنٌ لَهُ وَلَا أَخٌ، وَلَا نِهَايَةٌ لِكُلِّ تَعَبِهِ، وَلَا تَشْبَعُ عَيْنُهُ مِنَ الثَّرْوَةِ، وَلَا يَقُولُ: ”لِمَنْ أَتْعَبُ وَأَحْرِمُ نَفْسِي مِنَ الْمَسَرَّاتِ؟“ هَذَا أَيْضًا بِلَا مَعْنَى وَعَنَاءٌ وَشَقَاءٌ. اِثْنَانِ أَحْسَنُ مِنْ وَاحِدٍ، لِأَنَّ لَهُمَا جَزَاءً أَفْضَلَ عَلَى عَمَلِهِمَا مَعًا، وَإِنْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا يُقِيمُهُ صَاحِبُهُ. مِسْكِينٌ مَنْ هُوَ وَحْدَهُ، لِأَنَّهُ إِنْ وَقَعَ لَا يُوجَدُ مَنْ يُقِيمُهُ. أَيْضًا إِنْ رَقَدَ اثْنَانِ مَعًا يَدْفَآنِ، أَمَّا مَنْ هُوَ وَحْدَهُ، فَكَيْفَ يَدْفَأُ؟ وَإِنْ كَانَ شَخْصٌ يَغْلِبُ مَنْ هُوَ وَحْدَهُ، فَإِنَّ الِاثْنَيْنِ يَقْدِرَانِ عَلَى الْمُقَاوَمَةِ، وَالْخَيْطُ الْمُثَلَّثُ لَا يَنْقَطِعُ بِسُهُولَةٍ. شَابٌّ فَقِيرٌ حَكِيمٌ خَيْرٌ مِنْ مَلِكٍ شَيْخٍ جَاهِلٍ لَا يَقْبَلُ النَّصِيحَةَ. حَتَّى وَإِنْ كَانَ الشَّابُّ قَدْ خَرَجَ مِنَ السِّجْنِ لِيُصْبِحَ مَلِكًا، أَوْ وُلِدَ فَقِيرًا فِي تِلْكَ الْمَمْلَكَةِ. رَأَيْتُ كُلَّ الْأَحْيَاءِ السَّائِرِينَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، يُنَاصِرُونَ الْمَلِكَ وَابْنَهُ الَّذِي يَحِلُّ مَكَانَهُ. رُبَّمَا يَحْكُمُ الْمَلِكُ شَعْبًا لَا يُحْصَى، وَلَكِنْ وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ يَفْرَحُ بِهِ. هَذَا أَيْضًا بِلَا مَعْنَى وَكَأَنَّكَ تَقْبِضُ عَلَى الرِّيحِ. اِنْتَبِهْ إِلَى سُلُوكِكَ حِينَ تَذْهَبُ إِلَى بَيْتِ اللهِ. تَقَرَّبْ وَاسْمَعْ، فَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ تَقْدِيمِ قُرْبَانٍ مِنْ جَاهِلٍ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ يَرْتَكِبُ الشَّرَّ. لَا تَتَسَرَّعْ فِي الْكَلَامِ، وَلَا تَتَعَجَّلْ فِي وُعُودِكَ للهِ، لِأَنَّ اللهَ فِي السَّمَاءِ وَأَنْتَ عَلَى الْأَرْضِ، فَلْتَكُنْ كَلِمَاتُكَ قَلِيلَةً. تَأْتِي الْأَحْلَامُ مِنْ كَثْرَةِ الْمَتَاعِبِ، وَقَوْلُ الْجَهْلِ مِنْ كَثْرَةِ الْكَلَامِ. حِينَ تَنْذِرُ للهِ فَلَا تَتَأَخَّرْ عَنِ الْوَفَاءِ، لِأَنَّهُ لَا يَرْضَى عَنِ الْجُهَّالِ. أَوْفِ نَذْرَكَ. أَنْ لَا تَنْذِرَ أَحْسَنُ مِنْ أَنْ تَنْذِرَ وَلَا تَفِيَ. لَا تَجْعَلْ فَمَكَ يَقُودُكَ لِلْخَطِيئَةِ، ثُمَّ تَقُولُ لِرَجُلِ الدِّينِ إِنَّكَ لَمْ تَكُنْ تَقْصِدُ أَنْ تَنْذِرَ. لِئَلَّا يَغْضَبَ اللهُ مِنْ كَلَامِكَ، وَيُحَطِّمَ مَجْهُودَكَ. الْوُعُودُ الْكَثِيرَةُ كَالْأَحْلَامِ الْكَثِيرَةِ، لَا فَائِدَةٌ مِنْهَا، لِذَلِكَ اتَّقِ اللهَ. لَا تَتَعَجَّبْ إِنْ رَأَيْتَ الْفَقِيرَ مَظْلُومًا وَمَحْرُومًا مِنَ الْعَدْلِ وَمِنْ حَقِّهِ، لِأَنَّ فَوْقَ الْمَسْئُولِ مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ يُرَاقِبُهُ، وَفَوْقَهُمَا مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُمَا يُرَاقِبُهُمَا. غَلَّةُ الْأَرْضِ تَنْفَعُ الْكُلَّ، وَالْمَلِكُ يَسْتَفِيدُ مِنَ الْحُقُولِ. مَنْ يُحِبُّ الْفِضَّةَ لَا يَشْبَعُ مِنَ الْفِضَّةِ، وَمَنْ يُحِبُّ الثَّرْوَةَ لَا يَشْبَعُ مِنْ دَخْلٍ. هَذَا أَيْضًا بِلَا مَعْنَى. إِنْ كَثُرَتِ الْخَيْرَاتُ كَثُرَ مَنْ يَأْكُلُونَهَا، وَمَاذَا يَسْتَفِيدُ صَاحِبُهَا إِلَّا أَنْ يَرَاهَا بِعَيْنَيْهِ! نَوْمُ الْعَامِلِ يَحْلُو، سَوَاءٌ أَكَلَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا. وَثَرْوَةُ الْغَنِيِّ تَجْعَلُهُ لَا يَنَامُ. رَأَيْتُ شَّرًّا فَظِيعًا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا: وَاحِدٌ يَجْمَعُ ثَرْوَةً فَتَنْقَلِبُ لِضَرَرِهِ. أَوْ تَضِيعُ ثَرْوَتُهُ بِسَبَبِ خَسَارَةٍ، فَلَا يَبْقَى عِنْدَهُ شَيْءٌ يُوَرِّثُهُ لِابْنِهِ. يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ عُرْيَانًا، وَكَمَا جَاءَ يَرْجِعُ، لَا يَأْخُذُ مِنْ تَعَبِهِ شَيْئًا يَحْمِلُهُ فِي يَدِهِ. وَهَذَا أَيْضًا شَرٌّ فَظِيعٌ، أَنْ يَرْجِعَ كَمَا جَاءَ، فَمَاذَا اسْتَفَادَ؟ لَا شَيْءَ! لِأَنَّ تَعَبَهُ ضَاعَ هَبَاءً. وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، يَقْضِي كُلَّ أَيَّامِهِ فِي الْهَمِّ وَالْغَمِّ الشَّدِيدِ، وَفِي الضِّيقِ وَالْحِقْدِ. فَأَدْرَكْتُ أَنَّهُ مِنَ الْأَحْسَنِ وَالْأَفْضَلِ أَنْ يَأْكُلَ الْإِنْسَانُ وَيَشْرَبَ وَيَتَمَتَّعَ بِثِمَارِ تَعَبِهِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، مُدَّةَ أَيَّامِ حَيَاتِهِ الَّتِي وَهَبَهَا اللهُ لَهُ، لِأَنَّ هَذَا نَصِيبُهُ. إِنَّهَا عَطِيَّةٌ مِنَ اللهِ حِينَ يَرْزُقُنَا بِثَرْوَةٍ وَمَالٍ، وَيَجْعَلُنَا نَتَمَتَّعُ بِهَا وَنَرْضَى بِنَصِيبِنَا وَنَفْرَحُ بِثِمَارِ تَعَبِنَا، وَلَا نَنْشَغِلُ كَثِيرًا بِأَيَّامِنَا الَّتِي تَتَوَالَى، لِأَنَّ اللهَ يَمْلَأُ وَقْتَنَا بِفَرَحِ الْقَلْبِ. يُوجَدُ شَرٌّ رَأَيْتُهُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا يُعَانِي مِنْهُ النَّاسُ: وَاحِدٌ رَزَقَهُ اللهُ ثَرْوَةً وَمَالًا وَكَرَامَةً، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ يَرْغَبُ فِيهِ، وَلَكِنَّ اللهَ لَا يَمْنَحُهُ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّمَتُّعِ بِهَا، بَلْ يَتَمَتَّعُ بِهَا غَرِيبٌ. هَذَا بِلَا مَعْنَى، وَشَقَاءٌ وَمَأْسَاةٌ. إِنْ أَنْجَبَ وَاحِدٌ 100، وَعَاشَ سِنِينَ كَثِيرَةً، وَطَالَ عُمْرُهُ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَتَمَتَّعْ بِالْخَيْرِ، وَلَمْ يُدْفَنْ كَمَا يَجِبُ، أَقُولُ إِنَّ الْجَنِينَ الْمَيِّتَ خَيْرٌ مِنْهُ. فَإِنَّ الْجَنِينَ الْمَيِّتَ يَأْتِي بِلَا مَعْنَى، وَيَذْهَبُ إِلَى الظَّلَامِ، وَفِي الظَّلَامِ يَخْتَفِي اسْمُهُ. لَا يَرَى الشَّمْسَ، وَلَا يَعْرِفُ شَيْئًا، لَكِنَّهُ يَرْتَاحُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ. حَتَّى وَإِنْ عَاشَ هَذَا الرَّجُلُ 2000 سَنَةٍ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَتَمَتَّعْ بِالْخَيْرِ، فَهُوَ وَالْجَنِينُ الْمَيِّتُ يَذْهَبَانِ إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ. كُلُّ مَا يَتْعَبُ فِيهِ الْإِنْسَانُ يَذْهَبُ إِلَى فَمِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَشْبَعُ بَطْنُهُ. فَمَاذَا عِنْدَ الْحَكِيمِ أَكْثَرُ مِنَ الْجَاهِلِ؟ وَمَاذَا عِنْدَ الْفَقِيرِ الَّذِي يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِي الْحَيَاةِ؟ مَا تَرَاهُ الْعَيْنُ خَيْرٌ مِمَّا تَشْتَهِيهِ النَّفْسُ. هَذَا أَيْضًا بِلَا مَعْنَى وَكَأَنَّكَ تَقْبِضُ عَلَى الرِّيحِ. كُلُّ مَا فِي الْوُجُودِ لَهُ اسْمٌ مُنْذُ الْقَدِيمِ، وَالْإِنْسَانُ مَعْرُوفٌ مَا هُوَ، وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَغْلِبَ مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ. كَثْرَةُ الْكَلَامِ تُضَيِّعُ الْمَعْنَى فَمَا فَائِدَتُهُ لِلْإِنْسَانِ؟ مَنْ يَعْرِفُ مَا هُوَ خَيْرٌ لِلْإِنْسَانِ فِي الْحَيَاةِ الَّتِي تَمُرُّ أَيَّامًا قَلِيلَةً بِلَا مَعْنَى كَالظِّلِّ؟ وَمَنْ يَقْدِرُ أَنْ يُخْبِرَ الْإِنْسَانَ بِمَا سَيَحْدُثُ مِنْ بَعْدِهِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا؟ السُّمْعَةُ الطَّيِّبَةُ أَحْسَنُ مِنَ الْعِطْرِ الْجَيِّدِ، وَيَوْمُ الْوَفَاةِ أَحْسَنُ مِنْ يَوْمِ الْوِلَادَةِ. الذَّهَابُ إِلَى بَيْتٍ فِيهِ بُكَاءٌ أَحْسَنُ مِنَ الذَّهَابِ إِلَى بَيْتٍ فِيهِ وَلِيمَةٌ. لِأَنَّ الْمَوْتَ هُوَ مَصِيرُ كُلِّ إِنْسَانٍ، وَعَلَى الْحَيِّ أَنْ يَتَأَمَّلَ هَذَا فِي قَلْبِهِ. الْحُزْنُ أَحْسَنُ مِنَ الضِّحْكِ، لِأَنَّ الْوَجْهَ الْكَئِيبَ يَنْفَعُ الْقَلْبَ. قَلْبُ الْحُكَمَاءِ فِي الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ بُكَاءٌ، وَقَلْبُ الْجُهَّالِ فِي الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ مَرَحٌ. سَمَاعُ التَّوْبِيخِ مِنَ الْحَكِيمِ، أَحْسَنُ مِنْ سَمَاعِ غِنَاءِ الْجُهَّالِ. لِأَنَّ ضِحْكَ الْجُهَّالِ كَصَوْتِ الشَّوْكِ يَحْتَرِقُ تَحْتَ الْقِدْرِ، هَذَا أَيْضًا بِلَا مَعْنَى. الظُّلْمُ يَجْعَلُ الْحَكِيمَ جَاهِلًا، وَالرَّشْوَةُ تُفْسِدُ الْقَلْبَ. نِهَايَةُ الْأَمْرِ أَحْسَنُ مِنْ بِدَايَتِهِ. طُولُ الْبَالِ أَحْسَنُ مِنَ الْكِبْرِيَاءِ. لَا تُسْرِعْ إِلَى الْغَضَبِ، لِأَنَّ الْغَضَبَ يَسْتَقِرُّ فِي صُدُورِ الْجُهَّالِ. لَا تَقُلْ: ”لِمَاذَا كَانَتْ أَيَّامُ زَمَانٍ أَحْسَنَ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ؟“ لِأَنَّ هَذَا السُّؤَالَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحِكْمَةِ. الْحِكْمَةُ صَالِحَةٌ كَالْمِيرَاثِ، وَتَنْفَعُ مَنْ يَرَوْنَ الشَّمْسَ. الْحِكْمَةُ مَأْوًى، كَمَا أَنَّ الْمَالَ مَأْوَى، وَمِيزَةُ الْمَعْرِفَةِ هِيَ أَنَّ الْحِكْمَةَ تُعْطِي صَاحِبَهَا حَيَاةً. تَأَمَّلْ مَا عَمِلَهُ اللهُ، مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يُقَوِّمَ مَا عَوَّجَهُ؟ فِي يَوْمِ الْخَيْرِ كُنْ بِخَيْرٍ، وَفِي يَوْمِ الشَّرِّ اتَّعِظْ. إِنَّ اللهَ خَلَقَ هَذَا وَذَاكَ لِكَيْ لَا يَكْتَشِفَ الْإِنْسَانُ مَا يَأْتِي بَعْدَهُ. كُلُّ هَذَا رَأَيْتُهُ فِي حَيَاتِيَ الَّتِي بِلَا مَعْنَى: صَالِحٌ يَهْلِكُ فِي صَلَاحِهِ، وَشِرِّيرٌ يَطُولُ عُمْرُهُ فِي شَرِّهِ. لَا تَكُنْ صَالِحًا أَكْثَرَ مِمَّا يَجِبُ، وَلَا تَكُنْ حَكِيمًا أَكْثَرَ مِنَ اللَّازِمِ. لِمَاذَا تَخْرِبُ نَفْسَكَ؟ لَا تَكُنْ شِرِّيرًا أَكْثَرَ مِمَّا يَجِبُ، وَلَا تَكُنْ جَاهِلًا. لِمَاذَا تَمُوتُ قَبْلَ وَقْتِكَ؟ حَسَنٌ أَنْ تَتَمَسَّكَ بِوَاحِدٍ، وَلَا تَتْرُكَ الْآخَرَ، لِأَنَّ مَنْ يَخَافُ اللهَ يَنْجَحُ فِي كِلَيْهِمَا. الْحِكْمَةُ تَجْعَلُ الْحَكِيمَ أَقْوَى مِنْ 10 حُكَّامٍ فِي الْمَدِينَةِ. لَا يُوجَدُ صَالِحٌ فِي الْأَرْضِ يَعْمَلُ الْخَيْرَ وَلَا يُخْطِئُ أَبَدًا. لَا تَهْتَمَّ بِكُلِّ كَلِمَةٍ يَقُولُهَا النَّاسُ، لِئَلَّا تَسْمَعَ عَبْدَكَ يَشْتِمُكَ. لِأَنَّكَ تَعْلَمُ جَيِّدًا، أَنَّكَ أَنْتَ أَيْضًا مِرَارًا كَثِيرَةً شَتَمْتَ غَيْرَكَ. كُلُّ هَذَا امْتَحَنْتُهُ بِالْحِكْمَةِ وَقُلْتُ: ”أَكُونُ حَكِيمًا!“ فَإِذَا الْحِكْمَةُ بَعِيدَةٌ عَنِّي. هِيَ بَعِيدَةٌ جِدًّا وَعَمِيقَةٌ جِدًّا، فَمَنْ يَجِدُهَا؟ وَأَخَذْتُ أُفَكِّرُ فِي الْعِلْمِ وَالدَّرْسِ وَالْبَحْثِ عَنِ الْحِكْمَةِ وَعَنْ حَقِيقَةِ الْأُمُورِ، وَفِي مَعْرِفَةِ أَنَّ الشَّرَّ غَبَاءٌ وَأَنَّ الْجَهْلَ جُنُونٌ. فَوَجَدْتُ أَنَّ أَمَرَّ مِنَ الْمَوْتِ، الْمَرْأَةُ الَّتِى هِيَ فَخٌّ وَقَلْبُهَا مَصْيَدَةٌ وَيَدَاهَا قُيُودٌ. مَنْ يُرْضِي اللهَ يَنْجُو مِنْهَا، وَالشِّرِّيرُ يَقَعُ فِي فَخِّهَا. وَيَقُولُ الْحَكِيمُ: ”وَجَدْتُ هَذَا، بَعْدَمَا تَأَمَّلْتُ الْأُمُورَ مَعَ بَعْضِهَا لِأَفْهَمَ مَعْنَاهَا، وَبَعْدَمَا بَحَثْتُ مِنْ غَيْرِ نَتِيجَةٍ: بَيْنَ كُلِّ 1000 رَجُلٍ يُوجَدُ وَاحِدٌ صَالِحٌ، وَبَيْنَ كُلِّ النِّسَاءِ وَلَا وَاحِدَةٌ صَالِحَةٌ! إِنَّمَا وَجَدْتُ أَنَّ اللهَ عَمِلَ الْإِنْسَانَ تَقِيًّا، وَلَكِنَّ الْإِنْسَانَ يَبْحَثُ عَنِ اخْتِرَاعَاتٍ كَثِيرَةٍ.“ مَنْ كَالْحَكِيمِ؟ وَمَنْ يَعْرِفُ تَفْسِيرَ الْأُمُورِ؟ الْحِكْمَةُ تُنِيرُ وَجْهَ الْإِنْسَانِ وَتُلَيِّنُ مَظْهَرَهُ الْقَاسِيَ. أَقُولُ: ”أَطِعْ أَوَامِرَ الْمَلِكِ، لِأَنَّكَ حَلَفْتَ يَمِينًا للهِ. لَا تُسْرِعْ فِي الذَّهَابِ مِنْ مَحْضَرِهِ، وَلَا تُدَافِعْ عَنْ مَوْضُوعٍ رَدِيءٍ، لِأَنَّهُ يَصْنَعُ مَا يَشَاءُ.“ كَلِمَةُ الْمَلِكِ لَهَا سُلْطَانٌ، فَمَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: ”مَاذَا تَفْعَلُ؟“ مَنْ يُطِيعُ وَصَايَا الْمَلِكِ لَا يُصِيبُهُ أَذًى. الْقَلْبُ الْحَكِيمُ يَعْرِفُ الْوَقْتَ الْمُنَاسِبَ وَالطَّرِيقَةَ الْمُنَاسِبَةَ. لِأَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ يُوجَدُ وَقْتٌ مُنَاسِبٌ وَطَرِيقَةٌ مُنَاسِبَةٌ. لَكِنَّ شَقَاءَ الْإِنْسَانِ ثَقِيلٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْمُسْتَقْبَلَ، وَلَا أَحَدَ يُخْبِرُهُ عَنْهُ. لَا أَحَدَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الرُّوحِ لِيَمْنَعَهَا مِنْ مُفَارَقَةِ الْجَسَدِ، وَلَا سُلْطَانَ عَلَى يَوْمِ الْمَوْتِ. وَكَمَا لَا يُسَرَّحُ أَحَدٌ فِي وَقْتِ الْحَرْبِ، كَذَلِكَ لَا يُطْلِقُ الشَّرُّ سَرَاحَ الْأَشْرَارِ. رَأَيْتُ كُلَّ هَذَا لَمَّا رَكَّزْتُ تَفْكِيرِي عَلَى كُلِّ مَا يُعْمَلُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، عِنْدَمَا يَتَسَلَّطُ إِنْسَانٌ عَلَى إِنْسَانٍ وَيُؤْذِيهِ. رَأَيْتُ الْأَشْرَارَ يُدْفَنُونَ، وَالنَّاسُ فِي طَرِيقِ عَوْدَتِهِمْ مِنَ الْمَقَابِرِ يَمْدَحُونَهُمْ وَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْمَدِينَةِ الَّتِي ارْتَكَبُوا فِيهَا الشَّرَّ. هَذَا أَيْضًا بِلَا مَعْنَى. إِنْ كَانَ الْأَشْرَارُ لَا يُعَاقَبُونَ فِي الْحَالِ، فَهَذَا يُشَجِّعُ الْآخَرِينَ عَلَى ارْتِكَابِ الشَّرِّ. الْخَاطِئُ يَرْتَكِبُ الشَّرَّ 100 مَرَّةٍ وَيَطُولُ عُمْرُهُ، لَكِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ الَّذِينَ يَتَّقُونَ اللهَ وَيَخْشَعُونَ فِي مَحْضَرِهِ، يَنَالُونَ خَيْرًا. الشِّرِّيرُ لَا يَنَالُ خَيْرًا وَلَا تَطُولُ أَيَّامُهُ، بَلْ تَمْضِي كَالظِّلِّ، لِأَنَّهُ لَا يَتَّقِي اللهَ. يُوجَدُ أَمْرٌ آخَرُ بِلَا مَعْنَى يَجْرِي عَلَى الْأَرْضِ: صَالِحُونَ يَنَالُونَ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْأَشْرَارُ، وَأَشْرَارٌ يَنَالُونَ مَا يَسْتَحِقُّهُ الصَّالِحُونَ. فَأَقُولُ إِنَّ هَذَا أَيْضًا بِلَا مَعْنَى. لِذَلِكَ أُوصِي بِأَنْ يَتَمَتَّعَ الْوَاحِدُ بِالْحَيَاةِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ خَيْرٌ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا إِلَّا أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَفْرَحَ. فَهَذَا مَا يَبْقَى لَهُ مِنْ تَعَبِهِ طُولَ حَيَاتِهِ الَّتِي وَهَبَهَا اللهُ لَهُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا. لَمَّا رَكَّزْتُ تَفْكِيرِي لِأَعْرِفَ الْحِكْمَةَ، وَأَتَأَمَّلَ فِي تَعَبِ الْإِنْسَانِ عَلَى الْأَرْضِ، وَكَيْفَ لَا يَرَى النَّوْمَ بِعَيْنَيْهِ نَهَارًا وَلَيْلًا، رَأَيْتُ أَعْمَالَ اللهِ كُلَّهَا، وَلَا أَحَدٌ يَفْهَمُ مَا يَجْرِي فِي هَذِهِ الدُّنْيَا. وَمَهْمَا تَعِبَ الْإِنْسَانُ فِي بَحْثِهِ لِمَعْرِفَتِهَا فَلَنْ يُدْرِكَهَا. حَتَّى إِنْ قَالَ الْحَكِيمُ إِنَّهُ يَعْرِفُهَا، فَالْحَقِيقَةُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِفَهَا. هَذَا كُلُّهُ تَأَمَّلْتُهُ فِي قَلْبِي، وَفَهِمْتُ أَنَّ الصَّالِحِينَ وَالْحُكَمَاءَ وَأَعْمَالَهُمْ فِي يَدِ اللهِ، وَالْإِنْسَانَ لَا يَعْلَمُ مَاذَا يَنْتَظِرُهُ هَلْ حُبٌّ أَمْ كَرَاهِيَةٌ. الْكُلُّ لَهُمْ مَصِيرٌ وَاحِدٌ، لِلصَّالِحِ وَالشِّرِّيرِ، لِلطَّيِّبِ وَالرَّدِيءِ، لِلطَّاهِرِ وَالنَّجِسِ، لِمَنْ يُقَدِّمُ قُرْبَانًا وَمَنْ لَا يُقَدِّمُ. فَالطَّيِّبُ كَالْخَاطِئِ، وَمَنْ يَحْلِفُ كَمَنْ يَخَافُ أَنْ يَحْلِفَ. إِنَّ أَكْبَرَ مَأْسَاةٍ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، هِيَ أَنَّ الْكُلَّ يُلَاقُونَ نَفْسَ الْمَصِيرِ، وَأَنَّ قَلْبَ النَّاسِ مَمْلُوءٌ بِالشَّرِّ، وَأَنَّ الْجُنُونَ كَامِنٌ فِي الْقَلْبِ طُولَ الْحَيَاةِ، وَأَنَّهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ يَمُوتُونَ! مَنْ لَا يَزَالُ حَيًّا لَهُ رَجَاءٌ، فَالْكَلْبُ الْحَيُّ أَحْسَنُ مِنَ الْأَسَدِ الْمَيِّتِ. وَالْأَحْيَاءُ يَعْرِفُونَ أَنَّهُمْ سَيَمُوتُونَ، أَمَّا الْأَمْوَاتُ فَلَا يَعْرِفُونَ شَيْئًا، وَلَا أَجْرَ لَهُمْ هُنَا، بَلْ حَتَّى ذِكْرَهُمْ نُسِيَ. وَانْتَهَتْ مَحَبَّتُهُمْ وَكَرَاهِيَتُهُمْ وَغِيرَتُهُمْ، وَلَا نَصِيبَ لَهُمْ فَي شَيْءٍ مِمَّا يَجْرِي فِي هَذِهِ الدُّنْيَا. فَاذْهَبْ كُلْ خُبْزَكَ بِفَرَحٍ وَاشْرَبْ خَمْرَكَ بِقَلْبٍ مَسْرُورٍ، لِأَنَّ اللهَ رَضِيَ عَنْ أَعْمَالِكَ. لِتَكُنْ ثِيَابُكَ بَيْضَاءَ دَائِمًا، وَلَا يُعْوِزُ رَأْسَكَ الْعِطْرُ. تَمَتَّعْ بِالْحَيَاةِ مَعَ زَوْجَتِكَ الَّتِي تُحِبُّهَا، كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ الَّتِي بِلَا مَعْنَى وَالَّتِي أَعْطَاهَا لَكَ اللهُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، لِأَنَّ هَذَا نَصِيبُكَ مِنَ الْحَيَاةِ، وَمِنْ تَعَبِكَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا. كُلُّ مَا تَقُومُ بِهِ مِنْ عَمَلٍ اعْمَلْهُ بِكُلِّ قُوَّتِكَ، لِأَنَّ الْقَبْرَ الَّذِي أَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَيْهِ لَا يُوجَدُ فِيهِ عَمَلٌ وَلَا تَخْطِيطٌ وَلَا مَعْرِفَةٌ وَلَا حِكْمَةٌ. وَرَأَيْتُ أَمْرًا آخَرَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، وَهُوَ أَنَّ الْفَوْزَ فِي السِّبَاقِ لَيْسَ لِلسَّرِيعِ، وَلَا النَّصْرَ فِي الْحَرْبِ لِلْقَوِيِّ، وَلَا الْخُبْزَ لِلْحُكَمَاءِ، وَلَا الْغِنَى لِلْفُهَمَاءِ، وَلَا التَّنَعُّمَ لِلْعُلَمَاءِ، لِأَنَّهُمْ جَمِيعًا تَحْتَ رَحْمَةِ الظُّرُوفِ وَالْقَدَرِ. وَالْإِنْسَانُ لَا يَعْرِفُ مَتَى تَحِينُ سَاعَتُهُ، بَلْ كَمَا تُصَادُ الْأَسْمَاكُ بِشَبَكَةٍ مُهْلِكَةٍ، وَكَمَا تَقَعُ الْعَصَافِيرُ فِي الْفَخِّ، كَذَلِكَ تَقْتَنِصُهُ الْمَصَائِبُ فَجْأَةً فِي زَمَنِ الشَّرِّ. وَرَأَيْتُ أَيْضًا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، مَثَلًا آخَرَ لِلْحِكْمَةِ أَعْجَبَنِي جِدًّا: مَدِينَةٌ صَغِيرَةٌ فِيهَا عَدَدٌ قَلِيلٌ مِنَ النَّاسِ، جَاءَ عَلَيْهَا مَلِكٌ قَوِيٌّ وَحَاصَرَهَا، وَبَنَى حَوْلَهَا أَبْرَاجًا عَظِيمَةً. وَكَانَ فِيهَا رَجُلٌ مِسْكِينٌ حَكِيمٌ، فَأَنْقَذَ الْمَدِينَةَ بِحِكْمَتِهِ. لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ ذَلِكَ الرَّجُلَ الْمِسْكِينَ. فَقُلْتُ: ”الْحِكْمَةُ أَحْسَنُ مِنَ الْقُوَّةِ.“ لَكِنَّ حِكْمَةَ الْمِسْكِينِ مُحْتَقَرَةٌ، وَكَلَامَهُ غَيْرُ مَسْمُوعٍ. كَلَامُ الْحُكَمَاءِ الْهَادِئُ مَسْمُوعٌ أَكْثَرُ مِنْ صُرَاخِ الْحَاكِمِ بَيْنَ الْجُهَّالِ. الْحِكْمَةُ أَحْسَنُ مِنْ أَسْلِحَةِ الْحَرْبِ، وَخَاطِئٌ وَاحِدٌ يُفْسِدُ خَيْرًا كَثِيرًا. الذُّبَابُ الْمَيِّتُ يُنَتِّنُ طِيبَ الْعَطَّارِ، وَقَلِيلٌ مِنَ الْغَبَاءِ أَثْقَلُ مِنَ الْحِكْمَةِ وَالْكَرَامَةِ. قَلْبُ الْحَكِيمِ يُوَجِّهُهُ لِلطَّرِيقِ الْقَوِيمِ، وَقَلْبُ الْجَاهِلِ لِلطَّرِيقِ الْأَعْوَجِ. حِينَ يَمْشِي الْجَاهِلُ فِي الطَّرِيقِ، يَتَّضِحُ أَنَّهُ عَدِيمُ الْفَهْمِ، وَيُبَيِّنُ لِلْكُلِّ أَنَّهُ غَبِيٌّ. إِنْ هَاجَ ضِدَّكَ غَضَبُ الْحَاكِمِ، لَا تَتْرُكْ مَكَانَكَ، لِأَنَّ الْهُدُوءَ يُسَكِّنُ أَخْطَاءَ فَظِيعَةً. رَأَيْتُ شَرًّا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، هُوَ خَطَأٌ مَسْئُولٌ عَنْهُ الْحَاكِمُ، وَهُوَ أَنَّهُ يَرْفَعُ الْجُهَّالَ إِلَى مَرَاكِزَ عَالِيَةٍ جِدًّا، وَيَضَعُ الْأَغْنِيَاءَ فِي مَرَاكِزَ دَنِيئَةٍ. فَرَأَيْتُ عَبِيدًا عَلَى ظُهُورِ الْخَيْلِ، وَأُمَرَاءَ مَاشِينَ عَلَى الْأَرْضِ كَالْعَبِيدِ. مَنْ يَحْفِرُ حُفْرَةً يَسْقُطُ فِيهَا، وَمَنْ يَنْقُضُ جِدَارًا تَلْدَغُهُ حَيَّةٌ. مَنْ يَقْلَعُ حِجَارَةً يُوجَعُ بِهَا، وَمَنْ يَقْطَعُ الْأَشْجَارَ يَكُونُ فِي خَطَرٍ مِنْهَا. الْفَأْسُ الَّتِي كَلَّتْ وَلَمْ تُسَنَّ، تَحْتَاجُ إِلَى مَجْهُودٍ أَكْثَرَ فِي اسْتِعْمَالِهَا، أَمَّا الْحِكْمَةُ فَتُسَاعِدُ عَلَى النَّجَاحِ. لَا فَائِدَةَ مِنْ تَرْوِيضِ الْحَيَّةِ بَعْدَمَا تَلْدَغُكَ! كَلَامُ الْحَكِيمِ يَجْلِبُ لَهُ الْمَدِيحَ، وَكَلَامُ الْجَاهِلِ يُسَبِّبُ لَهُ الْخَرَابَ. الْجَاهِلُ أَوَّلُ كَلَامِهِ جَهْلٌ، وَآخِرُهُ جُنُونٌ وَشَرٌّ. الْجَاهِلُ كَثِيرُ الْكَلَامِ. لَا أَحَدَ يَعْلَمُ الْمُسْتَقْبَلَ، لَا أَحَدَ يَقْدِرُ أَنْ يُخْبِرَنَا بِمَا يَحْدُثُ بَعْدَ الْمَوْتِ. الْعَمَلُ يُتْعِبُ الْجَاهِلَ، لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الطَّرِيقَ إِلَى الْمَدِينَةِ. الْوَيْلُ لَكِ أَيَّتُهَا الْبِلَادُ إِنْ كَانَ مَلِكُكِ وَلَدًا، وَرُؤَسَاؤُكِ يَأْكُلُونَ حَتَّى الصَّبَاحِ. هَنِيئًا لَكِ أَيَّتُهَا الْبِلَادُ إِنْ كَانَ مَلِكُكِ مِنْ أَصْلٍ شَرِيفٍ، وَرُؤَسَاؤُكِ يَأْكُلُونَ فِي الْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ، وَذَلِكَ لِلْقُوَّةِ لَا لِلْمُجُونِ. بِسَبَبِ الْكَسَلِ يَهْبِطُ السَّقْفُ، وَبِسَبَبِ الْإِهْمَالِ يَتَسَرَّبُ الْمَاءُ إِلَى الدَّارِ. الْأَكْلُ فِي وَلِيمَةٍ يُفَرِّحُ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ يُفَرِّجُ عَنِ النَّفْسِ، أَمَّا الْمَالُ فَيَشْتَرِي كُلَّ شَيْءٍ. لَا تَلْعَنِ الْمَلِكَ حَتَّى فِي فِكْرِكَ، وَلَا الْغَنِيَّ حَتَّى فِي غُرْفَةِ نَوْمِكَ. لِأَنَّ طَيْرَ السَّمَاءِ يَنْقُلُ كَلَامَكَ، وَمَا لَهُ جَنَاحٌ يُخْبِرُ بِمَا قُلْتَ. أَرْسِلْ مَعْرُوفَكَ عَبْرَ الْبِحَارِ، وَبَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ يَرْجِعُ إِلَيْكَ بِفَائِدَةٍ. وَزِّعْ أَمْوَالَكَ عَلَى 7 مَشْرُوعَاتٍ أَوْ 8، لِأَنَّكَ لَا تَعْلَمُ أَيَّ خَطَرٍ يَحِلُّ بِالْبِلَادِ. إِذَا امْتَلَأَتِ السُّحُبُ بِالْمَطَرِ، تَصُبُّهُ عَلَى الْأَرْضِ. وَإِذَا وَقَعَتِ الشَّجَرَةُ جِهَةَ الْجَنُوبِ أَوْ جِهَةَ الشَّمَالِ، تَبْقَى فِي الْمَكَانِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ. مَنْ يَنْتَظِرُ الرِّيحَ لَا يَزْرَعُ، وَمَنْ يُرَاقِبُ السُّحُبَ لَا يَحْصُدُ. كَمَا أَنَّكَ لَا تَعْرِفُ مَسَارَ الرِّيحِ، وَلَا كَيْفَ يَتَكَوَّنُ الطِّفْلُ بِجِسْمِهِ وَرُوحِهِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، كَذَلِكَ لَا تَعْرِفُ أَعَمَالَ اللهِ صَانِعِ كُلِّ شَيْءٍ. اِزْرَعْ زَرْعَكَ فِي الصَّبَاحِ، وَلَا تَتَكَاسَلْ يَدُكَ عَنِ الْعَمَلِ إِلَى الْمَسَاءِ. لِأَنَّكَ لَا تَعْلَمُ أَيُّهُمَا يَنْمُو، الْمَزْرُوعُ فِي الصَّبَاحِ أَمْ فِي الْمَسَاءِ أَمْ كِلَاهُمَا يَنْمُو جَيِّدًا. النُّورُ حُلْوٌ، وَرُؤْيَةُ الشَّمْسِ تَسُرُّ الْعَيْنَ. مَهْمَا عَاشَ الْإِنْسَانُ مِنْ سِنِينَ كَثِيرَةٍ، فَلْيَفْرَحْ فِيهَا كُلِّهَا، وَلْيَتَذَكَّرْ أَنَّ أَيَّامَ الظَّلَامِ سَتَكُونُ كَثِيرَةً، فَإِنَّ الْمُسْتَقْبَلَ كُلَّهُ بِلَا مَعْنَى. اِفْرَحْ أَيُّهَا الشَّابُّ فِي حَدَاثَتِكَ، وَمَتِّعْ نَفْسَكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ، اِتْبَعْ مَا يَرْغَبُهُ قَلْبُكَ، وَمَا تَشْتَهِيهِ عَيْنَاكَ. وَلَكِنِ اعْلَمْ أَنَّ اللهَ سَيُحَاسِبُكَ عَلَى كُلِّ هَذَا. اِنْزِعِ الْغَمَّ مِنْ قَلْبِكَ، وَأَبْعِدِ الشَّرَّ عَنْ جِسْمِكَ، لِأَنَّ الشَّبَابَ وَالْقُوَّةَ بِلَا مَعْنَى. اُذْكُرْ خَالِقَكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ، قَبْلَ مَا تَأْتِي الْأَيَّامُ الْكَئِيبَةُ وَتَجِيءُ السَّنَوَاتُ الَّتِي لَا تَجِدُ فِيهَا لَذَّةً فِي الْحَيَاةِ. وَقَبْلَ مَا تُظْلِمُ الشَّمْسُ وَالنُّورُ، وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ، وَتَرْجِعُ السُّحُبُ بَعْدَ الْمَطَرِ. حِينَ يَرْتَعِشُ حُرَّاسُ الدَّارِ، وَيَنْحَنِي الرِّجَالُ الْأَشِدَّاءُ، وَتَبْطُلُ الطَّوَاحِينُ لِأَنَّهَا قَلَّتْ، وَالَّذِينَ يَنْظُرُونَ مِنَ النَّوَافِذِ لَا يَرَوْنَ. وَتُغْلَقُ الْأَبْوَابُ الْمُطِلَّةُ عَلَى الشَّارِعِ، وَيَنْخَفِضُ صَوْتُ الطَّاحُونَةِ، وَيَقُومُ الْوَاحِدُ عَلَى صَوْتِ الْعُصْفُورِ، وَتَسْكُتُ الطُّيُورُ الْمُغَرِّدَةُ. وَيَخَافُ الْوَاحِدُ مِنَ الْعُلُوِّ، وَمِنْ أَخْطَارِ الطَّرِيقِ، وَيُزْهِرُ شَجَرُ اللَّوْزِ، وَيَزْحَفُ الْجَرَادُ، وَتَنْتَهِي الشَّهْوَةُ. لِأَنَّ الْإِنْسَانَ ذَاهِبٌ إِلَى بَيْتِهِ الْأَبَدِيِّ، وَالنَّادِبُونَ مَوْجُودُونَ فِي الشَّارِعِ. قَبْلَ مَا يَنْقَطِعُ حَبْلُ الْفِضَّةِ، وَيَنْكَسِرُ كُوبُ الذَّهَبِ، وَتَتَحَطَّمُ الْجَرَّةُ عَلَى الْعَيْنِ، وَتَنْقَصِفُ الْبَكَرَةُ عِنْدَ الْبِئْرِ. فَيَرْجِعُ التُّرَابُ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي جَاءَ مِنْهَا، وَتَرْجِعُ الرُّوحُ إِلَى اللهِ الَّذِي أَعْطَاهَا. يَقُولُ الْحَكِيمُ: ”الْكُلُّ بِلَا مَعْنَى أَبَدًا! الْكُلُّ بِلَا مَعْنَى!“ وَبِالْإِضَافَةِ إِلَى حِكْمَةِ هَذَا الْحَكِيمِ، فَإِنَّهُ عَلَّمَ الشَّعْبَ الْمَعْرِفَةَ، وَتَأَمَّلَ وَبَحَثَ وَوَضَعَ أَمْثَالًا كَثِيرَةً. وَسَعَى الْحَكِيمُ لِيَجِدَ تَعْبِيرَاتٍ مُبْهِجَةً، لِيَقُولَ الْحَقَّ بِكَلِمَاتٍ مُنَاسِبَةٍ. أَقْوَالُ الْحُكَمَاءِ كَمِنْخَاسٍ يُوَجِّهُ الْقَطِيعَ، وَكَمِسْمَارٍ يَنْغَرِزُ فَيَثْبُتُ. كُلُّهَا إِرْشَادَاتٌ حَكِيمَةٌ تَأْتِي مِنْ رَاعٍ وَاحِدٍ. لِذَلِكَ احْذَرْ يَا ابْنِي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُخَالِفُ هَذَا، فَإِنَّ النَّاسَ لَا يَتَوَقَّفُونَ عَنْ تَأْلِيفِ الْكُتُبِ، وَكَثْرَةُ الدِّرَاسَةِ تُتْعِبُكَ. وَالْآنَ لِنَسْمَعْ خِتَامَ الْأَمْرِ كُلِّهِ: اِتَّقِ اللهَ وَاعْمَلْ بِوَصَايَاهُ، فَهَذَا فَرْضٌ عَلَى كُلِّ النَّاسِ. لِأَنَّ اللهَ سَيُحَاسِبُنَا عَلَى كُلِّ عَمَلِنَا مَهْمَا كَانَ خَفِيًّا، خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا. أَعْظَمُ أَنَاشِيدِ سُلَيْمَانَ: قَبِّلْنِي بِقُبُلَاتِ فَمِكَ، لِأَنَّ حُبَّكَ أَحْلَى مِنَ الْخَمْرِ. رَائِحَةُ عِطْرِكَ حُلْوَةٌ، اِسْمُكَ مِثْلُ الْعِطْرِ الذَّكِيِّ فَلَا عَجَبَ أَنْ تُحِبَّكَ الْبَنَاتُ! خُذْنِي مَعَكَ. تَعَالَ نَجْرِي مَعًا. يَأْخُذُنِي الْمَلِكُ إِلَى قَصْرِهِ. نَفْرَحُ وَنَبْتَهِجُ بِكَ. نَمْدَحُ حُبَّكَ أَكْثَرَ مِنَ الْخَمْرِ. عَنْ حَقٍّ يُحِبُّونَكَ. يَا بَنَاتِ الْقُدْسِ، أَنَا سَوْدَاءُ لَكِنِّي جَمِيلَةٌ، كَخِيَامِ قِيدَارَ، كَسَتَائِرِ سُلَيْمَانَ. لَا تَنْظُرْنَ إِلَى سَوَادِي، فَالشَّمْسُ لَوَّحَتْنِي. بَنُو أُمِّي غَضِبُوا عَلَيَّ، وَجَعَلُونِي حَارِسَةَ الْكُرُومِ، فَلَمْ أَحْرُسْ كَرْمِي. أَخْبِرْنِي يَا حَبِيبَ قَلْبِي، أَيْنَ تَرْعَى غَنَمَكَ؟ أَيْنَ تُرِيحُهَا وَقْتَ الظُّهْرِ؟ لِمَاذَا أَبْحَثُ عَنْكَ بَيْنَ قُطْعَانِ أَصْحَابِكَ فَيَعْتَبِرُونِي كَوَاحِدَةٍ مُحَجَّبَةٍ؟ إِنْ كُنْتِ لَا تَعْرِفِينَ، يَا أَجْمَلَ الْبَنَاتِ، فَاتْبَعِي آثَارَ الْغَنَمِ، وَارْعَيْ جِدَاءَكِ عِنْدَ خِيَامِ الرُّعَاةِ. أَنْتِ يَا حَبِيبَتِي كَفَرَسٍ فِي مَرْكَبَاتِ فِرْعَوْنَ. مَا أَجْمَلَ خَدَّيْكِ بِالزِّينَةِ، وَرَقَبَتَكِ بِالْجَوَاهِرِ. نَصْنَعُ لَكِ زِينَةً مِنْ ذَهَبٍ مُرَصَّعَةً بِالْفِضَّةِ. بَيْنَمَا الْمَلِكُ فِي مَجْلِسِهِ، تَنْتَشِرُ رَائِحَةُ عِطْرِي. حَبِيبِي هُوَ صُرَّةٌ مِنَ الْمُرِّ، يَرْقُدُ فِي اللَّيْلِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ. حَبِيبِي هُوَ بَاقَةٌ مِنَ الزُّهُورِ، مِنْ حَدَائِقِ عَيْنَ جَدْيَ. أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي، أَنْتِ جَمِيلَةٌ وَعَيْنَاكِ كَحَمَامَتَيْنِ. أَنْتَ جَمِيلٌ يَا حَبِيبِي، أَنْتَ حُلْوٌ، وَالْحَشِيشُ الْأَخْضَرُ سَرِيرُنَا. أَشْجَارُ الْأَرْزِ هِيَ حِيطَانُ دَارِنَا، وَالسَّرْوُ هُوَ السَّقْفُ. أَنَا نَرْجِسٌ مِنْ سَهْلِ شَارُونَ، سُوسَنَّةٌ مِنَ الْوِدْيَانِ. كَالسُّوسَنَّةِ بَيْنَ الشَّوْكِ، حَبِيبَتِي بَيْنَ الْبَنَاتِ. كَشَجَرَةِ التُّفَّاحِ بَيْنَ أَشْجَارِ الْغَابَةِ، حَبِيبِي بَيْنَ الشُّبَّانِ. فِي ظِلِّهِ اشْتَهَيْتُ أَنْ أَجْلِسَ. ثَمَرُهُ حُلْوٌ فِي فَمِي. أَدْخَلَنِي إِلَى قَاعَةِ الْوَلِيمَةِ، حُبُّهُ يُرَفْرِفُ فَوْقِي كَالْعَلَمِ. أَسْنِدُونِي بِأَقْرَاصِ الزَّبِيبِ، أَنْعِشُونِي بِالتُّفَّاحِ، فَأَنَا مَرِيضَةٌ مِنَ الْحُبِّ. شِمَالُهُ تَحْتَ رَأْسِي، وَيَمِينُهُ تُعَانِقُنِي. يَا بَنَاتِ الْقُدْسِ، اِحْلِفْنَ لِي بِالْغِزْلَانِ وَأَيَائِلِ الْغَابَةِ، أَنْ لَا تُوقِظْنَ وَتُنَبِّهْنَ الْحَبِيبَ حَتَّى يَشَاءَ. أَسْمَعُ صَوْتَ حَبِيبِي، اُنْظُرُوا! إِنَّهُ قَادِمٌ، يَطْفِرُ عَلَى الْجِبَالِ وَيَقْفِزُ عَلَى التِّلَالِ. حَبِيبِي هُوَ كَغَزَالٍ أَوْ إِيَّلٍ صَغِيرٍ، اُنْظُرُوا! إِنَّهُ وَاقِفٌ وَرَاءَ حَائِطِنَا، يَتَطَلَّعُ مِنَ النَّوَافِذِ، وَيَتَفَرَّسُ مِنَ الشَّبَابِيكِ. تَكَلَّمَ حَبِيبِي وَقَالَ لِي: ”قُومِي يَا حَبِيبَتِي، يَا جَمِيلَتِي، وَتَعَالَيْ مَعِي. لِأَنَّ الشِّتَاءَ مَضَى، وَالْمَطَرَ انْتَهَى وَزَالَ. الزُّهُورُ ظَهَرَتْ فِي الْأَرْضِ، حَانَ الْوَقْتُ لِلْغِنَاءِ، وَصَوْتُ الْيَمَامَةِ سُمِعَ فِي أَرْضِنَا. التِّينَةُ أَخْرَجَتْ ثِمَارَهَا، وَالْكُرُومُ أَزْهَرَتْ وَفَاحَ عَبِيرُهَا، فَقُومِي يَا حَبِيبَتِي يَا جَمِيلَتِي وَتَعَالَيْ مَعِي.“ حَبِيبَتِي كَحَمَامَةٍ فِي شُقُوقِ الصَّخْرِ، وَفِي الْمَخَابِئِ عَلَى سَفْحِ الْجَبَلِ. أَرِينِي وَجْهَكِ، أَسْمِعِينِي صَوْتَكِ. لِأَنَّ صَوْتَكِ حُلْوٌ، وَوَجْهَكِ جَمِيلٌ. صِيدُوا لَنَا الثَّعَالِبَ، الثَّعَالِبَ الصَّغِيرَةَ الَّتِي تُتْلِفُ الْكُرُومَ، لِأَنَّ كُرُومَنَا أَزْهَرَتْ. حَبِيبِي لِي وَأَنَا لَهُ، هُوَ الرَّاعِي بَيْنَ السَّوْسَنِ. قَبْلَ أَنْ يَطْلَعَ النَّهَارُ، وَتَخْتَفِيَ الظِّلَالُ، اِرْجِعْ يَا حَبِيبِي وَكُنْ كَالْغَزَالِ، أَوِ الْإِيَّلِ الصَّغِيرِ عَلَى الْجِبَالِ الْوَعِرَةِ. طُولَ اللَّيْلِ وَأَنَا فِي فِرَاشِي، طَلَبْتُ حَبِيبَ قَلْبِي، طَلَبْتُهُ فَمَا وَجَدْتُهُ. فَقُمْتُ أَطُوفُ فِي الْمَدِينَةِ، فِي شَوَارِعِهَا وَسَاحَاتِهَا، أَطْلُبُ حَبِيبَ قَلْبِي، طَلَبْتُهُ فَمَا وَجَدْتُهُ. وَجَدَنِي الْحَرَسُ وَهُمْ يَطُوفُونَ فِي الْمَدِينَةِ، فَسَأَلْتُهُمْ: ”هَلْ رَأَيْتُمْ حَبِيبَ قَلْبِي؟“ وَبِمُجَرَّدِ مَا تَرَكْتُهُمْ وَجَدْتُ حَبِيبَ قَلْبِي، فَأَمْسَكْتُهُ وَلَمْ أَتْرُكْهُ يَذْهَبُ. بَلْ أَخَذْتُهُ إِلَى دَارِ أُمِّي، وَإِلَى حُجْرَةِ مَنْ حَبِلَتْ بِي. يَا بَنَاتِ الْقُدْسِ، اِحْلِفْنَ لِي بِالْغِزْلَانِ وَأَيَائِلِ الْغَابَةِ، أَلَّا تُوقِظْنَ وَتُنَبِّهْنَ الْحَبِيبَ حَتَّى يَشَاءَ. مَنْ هَذِهِ الطَّالِعَةُ مِنَ الصَّحْرَاءِ كَعَمُودِ دُخَانٍ مُعَطَّرَةً بِالْمُرِّ وَالْبَخُورِ وَكُلِّ عُطُورِ التَّاجِرِ؟ اُنْظُرُوا! هَذِهِ مَرْكَبَةُ سُلَيْمَانَ يَحْرُسُهَا 60 مُحَارِبًا مِنْ نُبَلَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. كُلُّهُمْ حَامِلُونَ السُّيُوفِ وَخُبَرَاءُ فِي الْحَرْبِ. كُلُّ وَاحِدٍ سَيْفُهُ عَلَى فَخْذِهِ، وَمُسْتَعِدٌّ لِمَخَاطِرِ اللَّيْلِ. الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ عَمِلَ لِنَفْسِهِ الْمَرْكَبَةَ مِنْ خَشَبِ لُبْنَانَ. وَعَمِلَ أَعْمِدَتَهَا مِنْ فِضَّةٍ، وَسَقْفَهَا مِنْ ذَهَبٍ، وَمَقْعَدَهَا مُغَطًّى بِالْأُرْجُوَانِ، وَمِنَ الدَّاخِلِ رَصَّعَتْهَا بَنَاتُ الْقُدْسِ مَحَبَّةً مِنْهُنَّ. اُخْرُجْنَ يَا بَنَاتِ الْقُدْسِ، وَانْظُرْنَ الْمَلِكَ سُلَيْمَانَ بِالتَّاجِ الَّذِي تَوَّجَتْهُ بِهِ أُمُّهُ، فِي يَوْمِ عُرْسِهِ، فِي يَوْمِ فَرَحِ قَلْبِهِ. أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي، أَنْتِ جَمِيلَةٌ، وَعَيْنَاكِ مِنْ وَرَاءِ حِجَابِكِ كَحَمَامَتَيْنِ. شَعْرُكِ أَسْوَدُ كَقَطِيعِ مَعْزٍ نَازِلٍ مِنْ جَبَلِ جِلْعَادَ. أَسْنَانُكِ بَيْضَاءُ كَقَطِيعِ خِرْفَانٍ مَجْزُوزٍ طَالِعٍ مِنَ الِاغْتِسَالِ، كُلُّ وَاحِدٍ مَعَهُ تَوْأَمُهُ، وَلَا وَاحِدٌ بِمُفْرَدِهِ. شَفَتَاكِ كَشَرِيطٍ مِنَ الْقِرْمِزِ. فَمُكِ حُلْوٌ. خَدَّاكِ كَنِصْفَيْ رُمَّانَةٍ مِنْ وَرَاءِ حِجَابِكِ. رَقَبَتُكِ كَبُرْجِ دَاوُدَ الْمَبْنِيِّ لِلْأَسْلِحَةِ، مُعَلَّقٌ فِيهِ 1000 تُرْسٍ، كُلُّهَا تُرُوسُ أَبْطَالٍ. ثَدْيَاكِ كَتَوْأَمَيْ ظَبْيَةٍ صَغِيرَيْنِ يَرْعَيَانِ بَيْنَ السَّوْسَنِ. قَبْلَ أَنْ يَطْلَعَ النَّهَارُ، وَتَخْتَفِيَ الظِّلَالُ، أَذْهَبُ إِلَى جَبَلِ الْمُرِّ، وَإِلَى تَلِّ الْبَخُورِ. كُلُّكِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي، وَلَا عَيْبَ فِيكِ. تَعَالَيْ مَعِي مِنْ لُبْنَانَ يَا عَرُوسَتِي، تَعَالَيْ مَعِي مِنْ لُبْنَانَ. اِنْزِلِي مِنْ قِمَّةِ جَبَلِ أَمَانَةَ، مِنْ قِمَّةِ سَنِيرَ وَحَرْمُونَ، مِنْ حَيْثُ تَرْبِضُ الْأُسُودُ، مِنَ الْجِبَالِ الَّتِي فِيهَا النُّمُورُ. أَنْتِ سَلَبْتِ قَلْبِي يَا أُخْتِي، يَا عَرُوسَتِي، أَنْتِ سَلَبْتِ قَلْبِي بِنَظْرَةٍ مِنْ عَيْنَيْكِ، وَبِجَوْهَرَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ قِلَادَتِكِ. مَا أَحْلَى حُبَّكِ يَا أُخْتِي، يَا عَرُوسَتِي! حُبُّكِ أَحْلَى بِكَثِيرٍ مِنَ الْخَمْرِ، وَرَائِحَةُ عِطْرِكِ أَحْلَى بِكَثِيرٍ مِنْ كُلِّ الْأَطْيَابِ. شَفَتَاكِ تَقْطُرَانِ شَهْدًا يَا عَرُوسَتِي، تَحْتَ لِسَانِكِ عَسَلٌ وَلَبَنٌ. وَرَائِحَةُ ثِيَابِكِ كَرَائِحَةِ لُبْنَانَ. أَنْتِ جَنَّةٌ مُغْلَقَةٌ يَا أُخْتِي، يَا عَرُوسَتِي، أَنْتِ عَيْنٌ مُقْفَلَةٌ، وَيَنْبُوعٌ مَخْتُومٌ. أَغْرَاسُكِ هِيَ حَدِيقَةُ رُمَّانٍ فِيهَا أَشْهَى الثِّمَارِ، مَعَ زُهُورٍ وَنَارِدِينٍ. نَارِدِينٌ وَزَعْفَرَانٌ، وَكَمُّونٌ وَقِرْفَةٌ، وَكُلُّ أَنْوَاعِ الْبَخُورِ وَالْمُرِّ وَالْعُودِ وَأَفْخَرِ الْأَطْيَابِ. أَنْتِ يَنْبُوعٌ فِي جَنَّةٍ، بِئْرٌ مَاءُهُ يَجْرِي، وَأَنْهَارٌ تَتَدَفَّقُ مِنْ لُبْنَانَ. اِسْتَيْقِظِي يَا رِيحَ الشَّمَالِ، وَتَعَالَيْ يَا رِيحَ الْجَنُوبِ! هُبِّي عَلَى جَنَّتِي فَيَنْتَشِرَ عَبِيرُهَا. لِيَأْتِ حَبِيبِي وَيَأْكُلْ ثَمَرَهُ الشَّهِيَّ. دَخَلْتُ جَنَّتِي يَا أُخْتِي، يَا عَرُوسَتِي، وَقَطَفْتُ مُرِّي وَأَطْيَابِي، أَكَلْتُ شَهْدِي وَعَسَلِي، وَشَرِبْتُ خَمْرِي وَلَبَنِي. كُلُوا أَيُّهَا الْأَصْحَابُ، اِشْرَبُوا وَاسْكَرُوا أَيُّهَا الْأَحِبَّاءُ. نِمْتُ وَلَكِنَّ قَلْبِي كَانَ صَاحِيًا. هَذَا حَبِيبِي يَقْرَعُ وَيَقُولُ: ”اِفْتَحِي لِي يَا أُخْتِي، يَا حَبِيبَتِي، يَا حَمَامَتِي، يَا كَامِلَتِي، لِأَنَّ رَأْسِيَ امْتَلَأَ مِنَ الطَّلِّ وَشَعْرِي مِنْ نَدَى اللَّيْلِ.“ فَقُلْتُ: ”خَلَعْتُ ثَوْبِي فَهَلْ أَلْبَسُهُ؟ غَسَلْتُ رِجْلَيَّ فَهَلْ أُوَسِّخُهُمَا؟“ فَمَدَّ حَبِيبِي يَدَهُ مِنْ فَتْحَةِ قُفْلِ الْبَابِ، فَأَخَذَ قَلْبِي يَدُقُّ. قُمْتُ لِأَفْتَحَ لِحَبِيبِي، وَالْعِطْرُ يَقْطُرُ مِنْ يَدَيَّ، وَيَسِيلُ مِنْ أَصَابِعِي عَلَى مَقْبَضِ الْقُفْلِ. فَتَحْتُ لِحَبِيبِي، لَكِنَّ حَبِيبِي كَانَ قَدْ مَضَى وَانْصَرَفَ. قَلْبِي غَاصَ فِيَّ لَمَّا ذَهَبَ. بَحَثْتُ عَنْهُ فَلَمْ أَجِدْهُ، نَادَيْتُهُ فَلَمْ يُجِبْنِي. وَجَدَنِي الْحَرَسُ وَهُمْ يَطُوفُونَ فِي الْمَدِينَةِ، ضَرَبُونِي وَجَرَحُونِي. الَّذِينَ يَحْرُسُونَ الْأَسْوَارَ نَزَعُوا رِدَائِي عَنِّي. يَا بَنَاتِ الْقُدْسِ، اِحْلِفْنَ لِي إِنْ وَجَدْتُنَّ حَبِيبِي أَنْ تُخْبِرْنَهُ بِأَنِّي مَرِيضَةٌ مِنَ الْحُبِّ. بِمَاذَا يَمْتَازُ حَبِيبُكِ عَلَى بَاقِي الْمُحِبِّينَ يَا أَجْمَلَ الْبَنَاتِ؟ بِمَاذَا يَمْتَازُ حَبِيبُكِ عَلى بَاقِي الْمُحِبِّينَ حَتَّى تُحَلِّفِينَا بِهَذَا؟ حَبِيبِي حَسَنُ الْمَنْظَرِ وَأَسْمَرُ، هُوَ مِثَالُ الْكَمَالِ بَيْنَ الْآلَافِ. رَأْسُهُ ذَهَبٌ نَقِيٌّ، وَشَعْرُهُ مُتَمَوِّجٌ وَأَسْوَدُ بِلَوْنِ الْغُرَابِ. عَيْنَاهُ كَحَمَامَتَيْنِ عَلَى مَجَارِي الْمَاءِ، مَغْسُولَتَيْنِ بِاللَّبَنِ، جَالِسَتَيْنِ فِي مَكَانِهِمَا. خَدَّاهُ كَرَوْضَةِ أَطْيَابٍ، يَفُوحَانِ عِطْرًا. شَفَتَاهُ كَالسَّوْسَنِ، تَقْطُرَانِ مُرًّا ذَكِيًّا. يَدَاهُ كَأَنَّهُمَا مِنْ ذَهَبٍ، مُدَوَّرَتَانِ وَمُرَصَّعَتَانِ بِزَبَرْجَدٍ. جِسْمُهُ كَأَنَّهُ عَاجٌ مُغَشَّى بِيَاقُوتٍ أَزْرَقَ. سَاقَاهُ كَعَمُودَيْنِ مِنْ رُخَامٍ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ. مَنْظَرُهُ كَلُبْنَانَ، بَهِيٌّ كَأَرْزِهِ. فَمُهُ حُلْوٌ جِدًّا. هُوَ كُلُّهُ مُنْيَةُ قَلْبِي. هَذَا حَبِيبِي، وَهَذَا صَدِيقِي يَا بَنَاتِ الْقُدْسِ. أَيْنَ ذَهَبَ حَبِيبُكِ يَا أَجْمَلَ الْبَنَاتِ؟ فِي أَيِّ اتِّجَاهٍ مَضَى، فَنَبْحَثَ عَنْهُ مَعَكِ؟ حَبِيبِي نَزَلَ إِلَى جَنَّتِهِ، إِلَى رَوْضَةِ الْأَطْيَابِ، لِيَرْعَى فِي الْجَنَائِنِ وَيَجْمَعَ السَّوْسَنَ. أَنَا لِحَبِيبِي، وَحَبِيبِي لِي، هُوَ الرَّاعِي بَيْنَ السَّوْسَنِ. أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي كَتِرْصَةَ، حَسْنَاءُ كَالْقُدْسِ، رَائِعَةٌ كَجَيْشٍ يَرْفَعُ الْأَعْلَامَ. حَوِّلِي عَنِّي عَيْنَيْكِ، فَإِنَّهُمَا غَلَبَتَانِي. شَعْرُكِ أَسْوَدُ كَقَطِيعِ مَعْزٍ نَازِلٍ مِنْ جِلْعَادَ. أَسْنَانُكِ بَيْضَاءُ كَقَطِيعِ خِرْفَانٍ طَالِعٍ مِنَ الِاغْتِسَالِ، كُلُّ وَاحِدٍ مَعَهُ تَوْأَمُهُ، وَلَا وَاحِدٌ بِمُفْرَدِهِ. خَدَّاكِ كَنِصْفَيْ رُمَّانَةٍ مِنْ وَرَاءِ حِجَابِكِ. الْمَلِكَاتُ 60، وَالْجَوَارِي 80، وَالْعَذَارَى بِلَا عَدَدٍ. لَكِنَّ حَمَامَتِي، كَامِلَتِي، هِيَ فَرِيدَةٌ. هِيَ وَحِيدَةٌ لِأُمِّهَا. هِيَ الْمُفَضَّلَةُ عِنْدَ مَنْ وَلَدَتْهَا. رَأَتْهَا الْبَنَاتُ وَقُلْنَ: ”هَنِيئًا لَكِ.“ رَأَتْهَا الْمَلِكَاتُ وَالْجَوَارِي وَقُلْنَ: ”مَدِيحًا لَكِ.“ مَنْ هَذِهِ الْمُشْرِقَةُ كَالصُّبْحِ، الْجَمِيلَةُ كَالْقَمَرِ، الْبَاهِرَةُ كَالشَّمْسِ، الرَّائِعَةُ كَجَيْشٍ يَرْفَعُ الْأَعْلَامَ؟ نَزَلْتُ إِلَى حَدِيقَةِ الْجَوْزِ لِأَنْظُرَ ثَمَرَ الْوَادِي، لِأَرَى إِنْ كَانَ الْكَرْمُ قَدْ أَزْهَرَ، وَالرُّمَّانُ قَدْ نَوَّرَ. وَفَجْأَةً رَغَّبَتْنِي نَفْسِي فِي أَنْ أَكُونَ بَيْنَ مَرْكَبَاتِ الشُّرَفَاءِ. اِرْجِعِي، اِرْجِعِي يَا شُولَمِيَّةُ. اِرْجِعِي فَنَنْظُرَ إِلَيْكِ! لِمَاذَا تَنْظُرُونَ إِلَى الشُّولَمِيَّةَ كَأَنَّهَا تَرْقُصُ بَيْنَ صَفَّيْنِ؟ مَا أَجْمَلَ قَدَمَيْكِ بِالْحِذَاءِ يَا بِنْتَ الْأَمِيرِ! دَوَائِرُ فَخْذَيْكِ كَعُقْدٍ صَنَعَهُ صَائِغٌ مَاهِرٌ. سُرَّتُكِ كَأْسٌ مُدَوَّرَةٌ، لَا يَنْقُصُ خَمْرُهَا. بَطْنُكِ كُومُ قَمْحٍ يُحِيطُ بِهِ السَّوْسَنُ. ثَدْيَاكِ كَتَوْأَمَيْ ظَبْيَةٍ. رَقَبَتُكِ كَبُرْجٍ مِنَ الْعَاجِ. عَيْنَاكِ كَالْبِرْكَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي حَشْبُونَ عِنْدَ بَابِ بَيْتَ رَبِّيمَ. أَنْفُكِ كَبُرْجِ لُبْنَانَ الْمُشْرِفِ عَلَى دِمَشْقَ. رَأْسُكِ يُكَلِّلُكِ كَالْكَرْمَلِ. شَعْرُ رَأْسِكِ مُزَيَّنٌ بِالْأُرْجُوَانِ. خُصَلُ شَعْرِكِ أَسَرَتِ الْمَلِكَ. مَا أَجْمَلَكِ أَيَّتُهَا الْحَبِيبَةُ، وَمَا أَحْلَاكِ بِالْمَلَذَّاتِ! قَامَتُكِ كَالنَّخْلَةِ، وَثَدْيَاكِ كَالْعَنَاقِيدِ. فَقُلْتُ: ”أَتَسَلَّقُ النَّخْلَةَ، وَأُمْسِكُ بِثِمَارِهَا.“ فَيَكُونُ ثَدْيَاكِ كَعَنَاقِيدِ الْكَرْمَةِ، وَرَائِحَةُ نَفَسِكِ كَالتُّفَّاحِ، وَفَمُكِ كَأَحْسَنِ الْخَمْرِ، تَسِيلُ بِرِقَّةٍ لِلْحَبِيبِ عَلَى الشِّفَاهِ وَالْأَسْنَانِ. أَنَا لِحَبِيبِي، وَهُوَ مُشْتَاقٌ إِلَيَّ. تَعَالَ يَا حَبِيبِي، تَعَالَ نَخْرُجُ إِلَى الْحَقْلِ، وَنَبِيتُ فِي الْقُرَى. نَخْرُجُ مُبَكِّرِينَ إِلَى الْكُرُومِ، لِنَرَى إِنْ كَانَ الْكَرْمُ قَدْ أَزْهَرَ، وَالرُّمَّانُ قَدْ نَوَّرَ، وَهُنَاكَ أُعْطِيكَ حُبِّي. نَشَرَ اللُّفَّاحُ عَبِيرَهُ، وَعِنْدَ بَابِنَا أَشْهَى الثِّمَارِ مِنْ جَدِيدَةٍ وَقَدِيمَةٍ، حَفِظْتُهَا لَكَ يَا حَبِيبِي. لَيْتَكَ كَأَخٍ لِي، رَضَعَ ثَدْيَ أُمِّي، حَتَّى إِذَا لَقِيتُكَ فِي الْخَارِجِ، أُقَبِّلُكَ وَلَا يَحْتَقِرُنِي أَحَدٌ. ثُمَّ أَقُودُكَ وَآخُذُكَ إِلَى دَارِ أُمِّي، وَهِيَ تُعَلِّمُنِي الْحُبَّ. وَأَسْقِيكَ أَحْسَنَ الْخَمْرِ، وَعَصِيرَ رُمَّانِي. شِمَالُهُ تَحْتَ رَأْسِي، وَيَمِينُهُ تُعَانِقُنِي. يَا بَنَاتِ الْقُدْسِ، اِحْلِفْنَ لِي أَنْ لَا تُوقِظْنَ وَتُنَبِّهْنَ الْحَبِيبَ حَتَّى يَشَاءَ. مَنْ هَذِهِ الطَّالِعَةُ مِنَ الصَّحْرَاءِ مُسْتَنِدَةً عَلَى حَبِيبِهَا؟ تَحْتَ شَجَرَةِ التُّفَّاحِ أَيْقَظْتُ فِيكَ أَشْوَاقَكَ، هُنَاكَ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ، وَلَدَتْكَ الَّتِي حَبِلَتْ بِكَ. اِجْعَلْنِي كَخَاتِمٍ عَلَى قَلْبِكَ، كَخَاتِمٍ عَلَى ذِرَاعِكَ. فَإِنَّ الْحُبَّ قَوِيٌّ كَالْمَوْتِ، وَالْغِيرَةَ قَاسِيَةٌ كَالْقَبْرِ. لَهِيبُهَا كَالنَّارِ، بَلْ أَشَدُّ مِنْ كُلِّ لَهِيبٍ. الْحُبُّ لَا تُطْفِئُهُ الْمِيَاهُ الْغَزِيرَةُ، وَلَا تَغْمُرُهُ الْأَنْهَارُ. إِنْ حَاوَلَ إِنْسَانٌ أَنْ يَشْتَرِيَ الْحُبَّ بِكُلِّ مَا فِي دَارِهِ مِنْ ثَرْوَةٍ، لَا يَنَالُ غَيْرَ الِاحْتِقَارِ. لَنَا أُخْتٌ صَغِيرَةٌ لَيْسَ لَهَا ثَدْيَانِ، فَمَاذَا نَفْعَلُ لِأُخْتِنَا إِنْ جَاءَهَا وَاحِدٌ يَخْطُبُهَا؟ إِنْ كَانَتْ سُورًا، نَبْنِي عَلَيْهِ بُرْجًا مِنَ الْفِضَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ بَابًا، نُحِيطُهُ بِأَلْوَاحٍ مِنَ الْأَرْزِ. أَنَا سُورٌ وَثَدْيَايَ كَبُرْجَيْنِ. بِذَلِكَ صِرْتُ فِي عَيْنَيْهِ كَمَنْ يَجْلِبُ لَهُ السُّرُورَ. كَانَ لِسُلَيْمَانَ كَرْمٌ فِي بَعْلَ هَامُونَ، فَأَعْطَى الْكَرْمَ لِمُسْتَأْجِرِينَ، عَلَى أَنْ يَدْفَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ 1000 عُمْلَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ لِقَاءَ الثَّمَرِ. لَكِنَّ كَرْمِي هُوَ لِي وَأَنَا أُعْطِيهِ، فَاحْتَفِظْ أَنْتَ بِالْـ1000 يَا سُلَيْمَانُ، وَيَأْخُذُ حُرَّاسُ الثَّمَرِ 200. أَيَّتُهَا السَّاكِنَةُ فِي الْجَنَّاتِ، الْأَصْحَابُ يَسْمَعُونَ صَوْتَكِ، فَأَسْمِعِينِي إِيَّاهُ. اُهْرُبْ يَا حَبِيبِي، وَكُنْ كَالْغَزَالِ أَوِ الْإِيَّلِ الصَّغِيرِ عَلَى جِبَالِ الْأَطْيَابِ. هَذِهِ رُؤْيَا إِشَعْيَا بْنِ آمُوصَ الَّتِي رَآهَا بِشَأْنِ يَهُوذَا وَالْقُدْسِ، فِي أَيَّامِ عُزِّيَّا وَيُوتَامَ وَآحَازَ وَحَزَقِيَّا مُلُوكِ يَهُوذَا. اِسْمَعِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ وَأَصْغِي أَيَّتُهَا الْأَرْضُ، لِأَنَّ اللهَ يَتَكَلَّمُ: ”رَبَّيْتُ أَبْنَاءَ وَنَشَّأْتُهُمْ، لَكِنَّهُمْ تَمَرَّدُوا عَلَيَّ. الثَّوْرُ يَعْرِفُ صَاحِبَهُ وَالْحِمَارُ مَعْلَفَ سَيِّدِهِ، أَمَّا إِسْرَائِيلُ فَلَا يَعْرِفُ، شَعْبِي لَا يَفْهَمُ.“ حَسْرَةٌ عَلَى الْأُمَّةِ الْخَاطِئَةِ، الشَّعْبِ الثَّقِيلِ الْإِثْمِ، أَوْلَادِ الْأَشْرَارِ، الْبَنِينَ الْفَاسِدِينَ. تَرَكُوا اللهَ، اِسْتَهَانُوا بِالْقُدُّوسِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهَجَرُوهُ. أَيُّ عِقَابٍ آخَرَ أُوقِعُهُ عَلَيْكُمْ؟ أَنْتُمْ تُصِرُّونَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. كُلُّ الرَّأْسِ مَرِيضٌ وَكُلُّ الْقَلْبِ سَقِيمٌ. مِنْ أَسْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى قِمَّةِ الرَّأْسِ لَا صِحَّةَ فِيكُمْ، بَلْ جُرُوحٌ وَضَرَبَاتٌ وَقُرُوحٌ لَمْ تُنَظَّفْ وَلَمْ تُضَمَّدْ وَلَمْ تُلَيَّنْ بِالزَّيْتِ. بَلَدُكُمْ خَرَابٌ. مُدُنُكُمْ مَحْرُوقَةٌ بِالنَّارِ. حُقُولُكُمْ يَنْهَبُهَا الْغُرَبَاءُ أَمَامَ عُيُونِكُمْ. أَخْرَبَهَا الْغُرَبَاءُ تَمَامًا. وَبَقِيَتِ الْقُدْسُ وَحْدَهَا، كَأَنَّهَا مَظَلَّةُ حَارِسٍ فِي كَرْمٍ، أَوْ كُوخٌ فِي مَزْرَعَةٍ، أَوْ مَدِينَةٌ مُحَاصَرَةٌ. لَوْ لَمْ يَكُنِ اللهُ الْقَدِيرُ قَدْ حَفِظَ لَنَا بَقِيَّةً، لَأَصْبَحْنَا مِثْلَ سَدُومَ، وَصِرْنَا مِثْلَ عَمُورَةَ. اِسْمَعُوا كَلِمَةَ اللهِ يَا حُكَّامَ سَدُومَ! أَصْغُوا إِلَى شَرِيعَةِ رَبِّنَا يَا شَعْبَ عَمُورَةَ! قَالَ اللهُ: ”ضَحَايَاكُمُ الْكَثِيرَةُ، مَا قِيمَتُهَا بِالنِّسْبَةِ لِي؟ مَرِضْتُ مِنْ قَرَابِينِكُمْ، لَا أُرِيدُ مِنْكُمْ شَحْمَ كِبَاشٍ أَوْ مُسَمَّنَاتٍ، وَلَا أُسَرُّ بِدَمِ عُجُولٍ وَخِرْفَانٍ وَتُيُوسٍ. حِينَ تَأْتُونَ لِتَمْثُلُوا أَمَامِي، مَنْ طَلَبَ كُلَّ هَذَا مِنْكُمْ؟ لَا تَدُوسُوا دِيَارِي. لَا تُقَدِّمُوا لِي قَرَابِينَ بَاطِلَةً. كَرِهْتُ بَخُورَكُمْ وَرَأْسَ الشَّهْرِ وَالسَّبْتَ وَالْمَحَافِلَ. لَا أُطِيقُ مَوَاسِمَكُمُ الشِّرِّيرَةَ! كَرِهْتُ احْتِفَالَاتِكُمْ بِرَأْسِ الشَّهْرِ. أَعْيَادُكُمْ أَصْبَحَتْ ثَقِيلَةً عَلَيَّ. تَعِبْتُ مِنْ حَمْلِهَا. حِينَ تَبْسُطُونَ أَيْدِيَكُمْ لِلصَّلَاةِ، أَحْجُبُ عَيْنَيَّ عَنْكُمْ. وَحَتَّى إِنْ صَلَّيْتُمْ كَثِيرًا لَا أَسْتَمِعُ. أَيْدِيكُمْ مَلْآنَةٌ مِنَ الدَّمِ. اِغْتَسِلُوا، تَطَهَّرُوا، أَزِيلُوا أَعْمَالَكُمُ الشِّرِّيرَةَ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيَّ، كُفُّوا عَنْ فِعْلِ الشَّرِّ. تَعَلَّمُوا فِعْلَ الْخَيْرِ، اُطْلُبُوا الْعَدْلَ. أَنْصِفُوا الْمَظْلُومَ. دَافِعُوا عَنْ حَقِّ الْيَتِيمِ. حَامُوا عَنِ الْأَرْمَلَةِ.“ وَيَقُولُ اللهُ: ”تَعَالَوْا نُسَوِّي الْأَمْرَ مَعًا: إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ بِلَوْنِ الْقِرْمِزِ، تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ! إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالصَّبْغِ، تَصِيرُ كَالصُّوفِ! إِنْ شِئْتُمْ وَأَطَعْتُمْ تَأْكُلُونَ خَيْرَ الْأَرْضِ. وَإِنْ رَفَضْتُمْ وَتَمَرَّدْتُمْ يَأْكُلُكُمُ السَّيْفُ.“ اللهُ نَفْسُهُ تَكَلَّمَ. كَيْفَ صَارَتِ الْمَدِينَةُ الْأَمِينَةُ كَزَوْجَةٍ خَائِنَةٍ؟ كَانَتْ مَلْآنَةً بِالْعَدْلِ، وَكَانَ الصَّلَاحُ يَسْكُنُ فِيهَا، أَمَّا الْآنَ فَيَسْكُنُهَا الْقَتَلَةُ! صَارَتْ فِضَّتُكِ شَوَائِبَ، وَخَمْرُكِ مَغْشُوشَةً بِمَاءٍ. حُكَّامُكِ مُتَمَرِّدُونَ وَهُمْ شُرَكَاءُ اللُّصُوصِ. كُلُّهُمْ يُحِبُّونَ الرَّشْوَةَ، وَيَسْعَوْنَ وَرَاءَ الْهَدَايَا. لَا يُدَافِعُونَ عَنْ حَقِّ الْيَتِيمِ، وَلَا تَصِلُ إِلَيْهِمْ دَعْوَى الْأَرْمَلَةِ. لِذَلِكَ يَقُولُ مَوْلَانَا الْإِلَهُ الْقَدِيرُ، الْجَبَّارُ رَبُّ شَعْبِهِ: ”سَأُرِيحُ نَفْسِي مِنْ خُصُومِي، وَأَنْتَقِمُ مِنْ أَعْدَائِي. سَأَمُدُّ يَدِي ضِدَّكِ، وَأُنَقِّيكِ مِنْ شَوَائِبِكِ تَمَامًا، وَأُزِيلُ كُلَّ أَقْذَارِكِ. وَأُعِيدُ قُضَاتَكِ كَمَا كَانُوا فِي الْأَوَّلِ، وَمُشِيرِيكِ كَمَا كَانُوا فِي الْبِدَايَةِ. وَيَكُونُ اسْمُكِ: ’مَدِينَةَ الصَّلَاحِ، الْمَدِينَةَ الْأَمِينَةَ.‘“ بِالْعَدْلِ تُفْدَى الْقُدْسُ، وَبِالصَّلَاحِ أَهْلُهَا التَّائِبُونَ. أَمَّا الْمُتَمَرِّدُونَ وَالْخُطَاةُ فَيَهْلِكُونَ جَمِيعًا. وَالَّذِينَ يَتْرُكُونَ اللهَ يَفْنَوْنَ. ”وَتَخْجَلُونَ مِنْ عِبَادَةِ شَجَرِ الْبَلُّوطِ الَّذِي فَرِحْتُمْ بِهِ، وَتَخْزَوْنَ مِنَ الْحَدَائِقِ الَّتِي اخْتَرْتُمُوهَا. لِأَنَّكُمْ تَصِيرُونَ كَبَلُّوطَةٍ ذَبُلَ وَرَقُهَا، وَكَحَدِيقَةٍ لَا مَاءَ فِيهَا. وَيَصِيرُ الْقَوِيُّ فِيكُمْ كَالْحَطَبِ وَعَمَلُهُ كَالشَّرَارِ، فَيَحْتَرِقُ الِاثْنَانِ مَعًا وَلَا مَنْ يُطْفِئُ.“ هَذِهِ هِيَ الْأُمُورُ الَّتِي رَآهَا إِشَعْيَا بْنُ آمُوصَ بِشَأْنِ يَهُوذَا وَالْقُدْسِ: فِي الْأَيَّامِ الْأَخِيرَةِ يَكُونُ جَبَلُ بَيْتِ اللهِ أَهَمَّ كُلِّ الْجِبَالِ، وَيَرْتَفِعُ عَالِيًا فَوْقَ كُلِّ التِّلَالِ، وَتَتَوَافَدُ إِلَيْهِ كُلُّ الْأُمَمِ. وَتَأْتِي شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ وَتَقُولُ: ”تَعَالَوْا نَصْعَدُ إِلَى جَبَلِ اللهِ، إِلَى بَيْتِ رَبِّ يَعْقُوبَ، فَيُعَلِّمَنَا طُرُقَهُ، لِكَيْ نَسْلُكَ فِي سُبُلِهِ.“ لِأَنَّ الشَّرِيعَةَ تَأْتِي مِنَ الْقُدْسِ، كَلِمَةَ اللهِ تَأْتِي مِنْ هُنَاكَ. فَيَقْضِي بَيْنَ الْأُمَمِ، وَيَحْكُمُ بَيْنَ شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ، فَيَصْنَعُونَ مِنْ سُيُوفِهِمْ أَسْنَانَ مَحَارِيثَ، وَمِنْ رِمَاحِهِمْ مَنَاجِلَ. فَلَا تَرْفَعُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ سَيْفًا، وَلَا يَتَعَلَّمُونَ الْحَرْبَ فِيمَا بَعْدُ. فَيَا بَيْتَ يَعْقُوبَ تَعَالَوْا نَسِيرُ فِي نُورِ اللهِ. رَفَضْتَ يَا رَبُّ شَعْبَكَ بَيْتَ يَعْقُوبَ. اِمْتَلَأَتْ بِلَادُهُمْ مِنَ الَّذِينَ يُمَارِسُونَ الْعِلْمَ بِالْغَيْبِ، كَالشَّرْقِ وَكَفِلِسْطَةَ. تَعَاهَدُوا مَعَ الْغُرَبَاءِ. اِمْتَلَأَتْ بِلَادُهُمْ فِضَّةً وَذَهَبًا، وَكُنُوزُهُمْ لَا حَدَّ لَهَا. اِمْتَلَأَتْ بِلَادُهُمْ خَيْلًا، وَمَرْكَبَاتُهُمْ لَا حَدَّ لَهَا. اِمْتَلَأَتْ بِلَادُهُمْ أَصْنَامًا. يَسْجُدُونَ لِمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ، وَمَا صَنَعَتْهُ أَصَابِعُهُمْ. يَنْحَطُّ الْإِنْسَانُ، يَسْقُطُ الْبَشَرُ، فَلَا تَغْفِرْ لَهُمْ. اُدْخُلْ إِلَى الصَّخْرَةِ، وَاخْتَبِئْ فِي الْأَرْضِ مِنْ هَيْبَةِ اللهِ وَمِنْ بَهَاءِ جَلَالِهِ. تَنْخَفِضُ عُيُونُ الْإِنْسَانِ الْمُتَشَامِخَةُ، وَتَنْحَطُّ مَكَانَةُ النَّاسِ الرَّفِيعَةُ، وَيَتَعَظَّمُ اللهُ وَحْدَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. فَإِنَّ للهِ الْقَدِيرِ يَوْمًا عَلَى كُلِّ مُتَكَبِّرٍ وَمُتَعَالٍ وَمُتَرَفِّعٍ فَيَنْحَطُّ. وَعَلَى كُلِّ أَرْزِ لُبْنَانَ الْعَالِي الْمُرْتَفِعِ، وَعَلَى كُلِّ بَلُّوطِ بَاشَانَ، وَعَلَى كُلِّ الْجِبَالِ الْعَالِيَةِ، وَعَلَى كُلِّ التِّلَالِ الْمُرْتَفِعَةِ، وَعَلَى كُلِّ بُرْجٍ عَالٍ، وَعَلَى كُلِّ سُورٍ حَصِينٍ. وَعَلَى كُلِّ السُّفُنِ التِّجَارِيَّةِ، وَعَلَى كُلِّ الْمَرَاكِبِ الْجَمِيلَةِ. فَيَنْحَطُّ الْإِنْسَانُ الْمُتَشَامِخُ، وَتَنْخَفِضُ مَكَانَةُ النَّاسِ الرَّفِيعَةُ، وَيَتَعَظَّمُ اللهُ وَحْدَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَتَزُولُ الْأَصْنَامُ تَمَامًا. وَيَهْرُبُ النَّاسُ إِلَى مَغَارَاتِ الصُّخُورِ وَإِلَى كُهُوفِ الْأَرْضِ، مِنْ هَيْبَةِ اللهِ وَمِنْ بَهَاءِ جَلَالِهِ، عِنْدَمَا يَقُومُ لِيُزَلْزِلَ الْأَرْضَ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، يَرْمِي النَّاسُ لِلْجُرْذَانِ وَالْخَفَافِيشِ أَصْنَامَهُمُ الَّتِي مِنْ فِضَّةٍ وَمِنْ ذَهَبٍ، الَّتِي صَنَعُوهَا لِيَعْبُدُوهَا. فَيَهْرُبُونَ إِلَى الْكُهُوفِ وَالشُّقُوقِ الَّتِي فِي الصَّخْرِ، مِنْ هَيْبَةِ اللهِ وَمِنْ بَهَاءِ جَلَالِهِ، عِنْدَمَا يَقُومُ لِيُزَلْزِلَ الْأَرْضَ. فَلَا تَتَّكِلُوا عَلَى الْإِنْسَانِ، لِأَنَّهُ مَا هِيَ قِيمَتُهُ؟ لَا أَكْثَرَ مِنَ النَّسَمَةِ الَّتِي فِي أَنْفِهِ! رَبُّنَا الْإِلَهُ الْقَدِيرُ سَيَقْطَعُ عَنِ الْقُدْسِ وَيَهُوذَا الْمَدَدَ وَالدَّعْمَ، فَلَا يَكُونُ طَعَامٌ وَلَا مَاءٌ، وَلَا جَبَّارٌ وَلَا مُحَارِبٌ، وَلَا قَاضٍ وَلَا نَبِيٌّ، وَلَا عَرَّافٌ وَلَا شَيْخٌ، وَلَا قَائِدٌ وَلَا عَظِيمٌ وَلَا مُشِيرٌ، وَلَا صَانِعٌ مَاهِرٌ وَلَا سَاحِرٌ بَارِعٌ. وَأَجْعَلُ الصِّبْيَانَ رُؤَسَاءَ لَهُمْ، وَالْأَطْفَالَ حُكَّامًا عَلَيْهِمْ. وَيَظْلِمُ الشَّعْبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، الْوَاحِدُ ضِدَّ صَاحِبِهِ، وَالْجَارُ ضِدَّ جَارِهِ، وَيَقُومُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْحَقِيرُ عَلَى الشَّرِيفِ. عِنْدَ ذَلِكَ، يُمْسِكُ إِنْسَانٌ أَخَاهُ فِي دَارِ أَبِيهِ، وَيَقُولُ لَهُ: ”أَنْتَ عِنْدَكَ ثَوْبٌ، فَكُنْ قَائِدًا عَلَيْنَا، وَأَمْسِكْ بِزِمَامِ الْأُمُورِ فِي هَذِهِ الْفَوْضَى.“ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ: ”لَا أَقْدِرُ أَنْ أُصْلِحَ الْأَوْضَاعَ، بَيْنَمَا فِي دَارِي لَا يُوجَدُ طَعَامٌ أَوْ لِبَاسٌ. لَا تَجْعَلُونِي قَائِدَ الشَّعْبِ.“ وَقَعَتِ الْقُدْسُ، سَقَطَتْ يَهُوذَا. يَتَمَرَّدُونَ عَلَى اللهِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَيَسْتَهِينُونَ بِجَلَالِهِ. مَنْظَرُ وُجُوهِهِمْ يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ. يُجَاهِرُونَ بِخَطِيئَتِهِمْ كَسَدُومَ وَلَا يَسْتُرُونَهَا. فَالْوَيْلُ لَهُمْ! جَلَبُوا الشَّرَّ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. بَشِّرُوا الصَّالِحِينَ بِالْخَيْرِ، لِأَنَّهُمْ يَتَمَتَّعُونَ بِثَمَرِ أَعْمَالِهِمْ. الْوَيْلُ لِلْأَشْرَارِ، لِأَنَّ الشَّرَّ يَأْتِيهِمْ وَيَجْنُونَ جَزَاءَ مَا عَمِلُوا. أَوْلَادٌ يَظْلِمُونَ شَعْبِي، وَنِسَاءٌ تَحْكُمُ عَلَيْهِ! يَا شَعْبِي إِنَّ مُرْشِدِيكَ يُضِلُّونَكَ، وَيَقُودُونَكَ إِلَى طَرِيقٍ مُنْحَرِفٍ. جَلَسَ رَبُّنَا إِلَى مَنَصَّةِ الْقَضَاءِ، وَتَهَيَّأَ لِيَحْكُمَ عَلَى الشُّعُوبِ. رَبُّنَا يُحَاكِمُ شُيُوخَ شَعْبِهِ وَرُؤَسَاءَهُمْ: ”أَنْتُمْ نَهَبْتُمْ كَرْمِي، مَا سَلَبْتُمُوهُ مِنَ الْمِسْكِينِ مَوْجُودٌ فِي بُيُوتِكُمْ. بِأَيِّ حَقٍّ تَظْلِمُونَ شَعْبِي وَتُسِيئُونَ إِلَى الْمَسَاكِينِ؟“ هَذَا كَلَامُ مَوْلَانَا الْإِلَهِ الْقَدِيرِ. وَيَقُولُ اللهُ: ”تَشَامَخَتْ نِسَاءُ الْقُدْسِ، يَمْشِينَ بِأَعْنَاقٍ مَمْدُودَةٍ، وَيَغْمِزْنَ بِعُيُونِهِنَّ، وَيَخْطُرْنَ فِي مَشْيِهِنَّ، وَيُجَلْجِلْنَ بِخَلَاخِيلِ أَقْدَامِهِنَّ. لِذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ رُؤُوسَهُنَّ بِالْقُرُوحِ وَيُعَرِّيهُنَّ.“ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَنْزِعُ اللهُ زِينَةَ الْخَلَاخِيلِ وَالضَّفَائِرَ وَالْقَلَائِدَ الَّتِي عَلَى شَكْلِ الْهِلَالِ. وَالْحَلَقَ وَالْأَسَاوِرَ وَالْبَرَاقِعَ. وَالْعَصَائِبَ وَالسَّلَاسِلَ وَالْأَحْزِمَةَ، وَقَوَارِيرَ الْعِطْرِ وَالتَّعَاوِيذَ. وَالْخَوَاتِمَ وَخَزَائِمَ الْأَنْفِ. وَالثِّيَابَ الْمُزَخْرَفَةَ وَالْمَعَاطِفَ وَالْعَبَايَاتِ وَالْحَقَائِبَ، وَالْمَرَايَا وَالْقُمْصَانَ وَالْعَمَائِمَ وَالْمَنَادِيلَ. بَدَلَ الْعِطْرِ تَكُونُ عُفُونَةٌ، وَبَدَلَ الْحِزَامِ حَبْلٌ، وَبَدَلَ الْجَدَائِلِ صَلَعٌ، وَبَدَلَ الثِّيَابِ الْفَاخِرَةِ خَيْشٌ، وَبَدَلَ الْجَمَالِ قَبَاحَةٌ. وَيَمُوتُ رِجَالُ الْقُدْسِ بِالسَّيْفِ، وَيَسْقُطُ أَبْطَالُهَا فِي الْحَرْبِ. وَيَكُونُ صُرَاخٌ وَنَوْحٌ عِنْدَ أَبْوَابِهَا، وَتُصْبِحُ مَهْجُورَةً وَتَقْعُدُ عَلَى الْأَرْضِ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تَتَمَسَّكُ 7 نِسَاءٍ بِرَجُلٍ وَاحِدٍ وَيَقُلْنَ لَهُ: ”نَحْنُ نَتَكَفَّلُ بِطَعَامِنَا وَكِسَائِنَا، فَقَطْ تَزَوَّجْ مِنَّا فَيَكُونَ لَنَا اسْمُكَ. اِنْزِعْ عَارَنَا.“ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَكُونُ غُصْنُ اللهِ جَمِيلًا وَبَهِيًّا، وَيَكُونُ ثَمَرُ الْأَرْضِ فَخْرًا وَزِينَةً لِلنَّاجِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَكُلُّ مَنْ بَقِيَ فِي الْقُدْسِ وَتُرِكَ فِيهَا، كُلُّ مَنْ هُوَ مُسَجَّلٌ لِيَعِيشَ فِي الْقُدْسِ، يُسَمَّى مُقَدَّسًا. لِأَنَّ اللهَ يَغْسِلُ قَذَرَ نِسَاءِ الْقُدْسِ، وَيَمْحُو لَطَخَاتِ الدِّمَاءِ مِنَ الْقُدْسِ، بِرُوحِ الْقَضَاءِ وَبِرُوحِ النَّارِ الْمُحْرِقَةِ. ثُمَّ يُغَطِّي اللهُ كُلَّ جَبَلِ تِصْيُونَ، وَكُلَّ الْمُحْتَفِلِينَ هُنَاكَ، بِسَحَابَةِ دُخَانٍ فِي النَّهَارِ، وَبِنَارٍ مُنِيرَةٍ مُلْتَهِبَةٍ فِي اللَّيْلِ. فَتَكُونُ هَذِهِ غِطَاءً فَوْقَ الْأَرْضِ الْجَمِيلَةِ، وَمَظَلَّةً تَحْمِي النَّاسَ مِنْ حَرِّ النَّهَارِ، وَمَلْجَأً وَمَخْبَأً مِنَ الْعَاصِفَةِ وَالْمَطَرِ. سَأُنْشِدُ لِحَبِيبِي نَشِيدًا عَنْ كَرْمِهِ: ”كَانَ لِحَبِيبِي كَرْمٌ عَلَى تَلٍّ خَصِيبٍ. فَحَرَثَ أَرْضَهُ وَنَقَّاهُ مِنَ الْحِجَارَةِ، وَغَرَسَ فِيهِ أَفْضَلَ كَرْمَةٍ، وَبَنَى بُرْجًا فِي وَسَطِهِ، وَحَفَرَ فِيهِ مَعْصَرَةً، وَانْتَظَرَ أَنْ يُثْمِرَ لَهُ عِنَبًا فَأَنْتَجَ حِصْرِمًا. وَالْآنَ يَا أَهْلَ الْقُدْسِ وَيَا شَعْبَ يَهُوذَا، اُحْكُمُوا بَيْنِي وَبَيْنَ كَرْمِي. مَاذَا يُعْمَلُ لِكَرْمِي وَأَنَا لَمْ أَعْمَلْهُ لَهُ؟ فَلَمَّا انْتَظَرْتُ أَنْ يُثْمِرَ لِي عِنَبًا، لِمَاذَا أَنْتَجَ حِصْرِمًا؟ الْآنَ أُخْبِرُكُمْ مَاذَا أَعْمَلُ لِكَرْمِي: أَنْزِعُ سِيَاجَهُ فَيَصِيرُ مَرْعًى، وَأَهْدِمُ سُورَهُ فَتَدُوسُهُ الْأَقْدَامُ. أَجْعَلُهُ قَفْرًا لَا يُقَلَّمُ وَلَا يُفْلَحُ، فَيَطْلَعُ فِيهِ الشَّوْكُ وَالْحَسَكُ، وَأُوصِي السَّحَابَ أَنْ لَا يُمْطِرَ عَلَيْهِ أَبَدًا.“ كَرْمُ اللهِ الْقَدِيرِ هُوَ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ، وَشَعْبُ يَهُوذَا هُمُ الْغَرْسُ الَّذِي يُبْهِجُهُ. لَكِنَّهُ انْتَظَرَ الْعَدْلَ فَوَجَدَ سَفْكَ الدَّمِ، وَانْتَظَرَ الصَّلَاحَ فَسَمِعَ صُرَاخَ الظُّلْمِ. الْوَيْلُ لِلَّذِينَ يُضِيفُونَ دَارًا إِلَى دَارٍ، وَيَصِلُونَ حَقْلًا بِحَقْلٍ، حَتَّى لَا يَبْقَى مَكَانٌ لِأَحَدٍ، فَتَسْكُنُونَ فِي الْأَرْضِ وَحْدَكُمْ. قَالَ اللهُ الْقَدِيرُ فِي أُذُنِي: ”الدِّيَارُ الْعَظِيمَةُ تَصِيرُ خَرَابًا، وَالْمَنَازِلُ الْفَخْمَةُ تُصْبِحُ بِلَا سَاكِنٍ. لِأَنَّ 10 فَدَادِينِ كَرْمٍ تُعْطِي قِرْبَةً وَاحِدَةً مِنَ الْخَمْرِ، وَ10 كَيْلَاتٍ مِنَ الْبُزُورِ تُعْطِي كَيْلَةً وَاحِدَةً مِنَ الْغِلَالِ.“ الْوَيْلُ لِمَنْ يُبَكِّرُونَ صَبَاحًا فِي طَلَبِ الْمُسْكِرِ، وَيَسْهَرُونَ اللَّيْلَ وَالْخَمْرُ تُلْهِبُهُمْ. فِي وَلَائِمِهِمْ تَجِدُ الْعُودَ وَالرَّبَابَ وَالدُّفَّ وَالْمِزْمَارَ وَالْخَمْرَ. لَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى أَعْمَالِ اللهِ، وَلَا يَتَأَمَّلُونَ مَا صَنَعَتْهُ يَدَاهُ. لِهَذَا يُؤْخَذُ شَعْبِي إِلَى الْمَنْفَى لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُنِي. يَمُوتُ عُظَمَاؤُهُ مِنَ الْجُوعِ، وَتَهْلِكُ عَامَّتُهُ مِنَ الْعَطَشِ. وَلِهَذَا وَسَّعَ الْقَبْرُ نَفْسَهُ، وَفَتَحَ فَمَهُ بِلَا حَدٍّ، لِيَنْحَدِرَ إِلَيْهِ شُرَفَاءُ الْقُدْسِ وَعَامَّتُهَا فِي صَخَبِهِمْ وَمَرَحِهِمْ. يَنْحَطُّ الْإِنْسَانُ، يَسْقُطُ الْبَشَرُ، تَنْخَفِضُ عُيُونُ الْمُتَشَامِخِينَ. وَيَتَعَظَّمُ اللهُ الْقَدِيرُ بِعَدْلِهِ، الْإِلَهُ الْقُدُّوسُ يُبَيِّنُ أَنَّهُ قُدُّوسٌ بِصَلَاحِهِ. فَتَرْعَى الْخِرَافُ فِي خَرَائِبِ الْمَدِينَةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ مَرْعَاهَا، وَفِيهَا تَأْكُلُ الْجِدَاءُ أَيْضًا. الْوَيْلُ لِمَنْ يَجْذِبُونَ الْخَطِيئَةَ بِحِبَالِ الْخِدَاعِ، وَيَجْذِبُونَ الْإِثْمَ بِرُبُطٍ كَالَّتِي تَجُرُّ الْعَرَبَةَ. وَيَقُولُونَ: ”لِيُسْرِعِ الْقُدُّوسُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيُبَادِرْ فِي عَمَلِهِ حَتَّى نَرَاهُ، لِيُنَفِّذْ خِطَّتَهُ بِسُرْعَةٍ حَتَّى نَعْرِفَهَا.“ الْوَيْلُ لِمَنْ يَدْعُونَ الشَّرَّ خَيْرًا وَالْخَيْرَ شَرًّا، وَيَجْعَلُونَ الظَّلَامَ نُورًا وَالنُّورَ ظَلَامًا، وَيُصَيِّرُونَ الْمُرَّ حُلْوًا وَالْحُلْوَ مُرًّا. الْوَيْلُ لِمَنْ يَعْتَبِرُونَ أَنْفُسَهُمْ حُكَمَاءَ، وَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ فُهَمَاءُ. الْوَيْلُ لِمَنْ هُمْ أَبْطَالٌ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ، وَجَبَابِرَةٌ فِي مَزْجِ الْمُسْكِرِ. الَّذِينَ يُبَرِّئُونَ الْمُذْنِبَ لِأَجْلِ رَشْوَةٍ، وَيَحْرِمُونَ الْبَرِيءَ مِنْ حَقِّهِ. لِذَلِكَ كَمَا تَأْكُلُ أَلْسِنَةُ النَّارِ الْقَشَّ، وَكَمَا يَفْنَى الْحَشِيشُ الْيَابِسُ فِي اللَّهِيبِ، كَذَلِكَ يَتَعَفَّنُ جِذْرُهُمْ، وَيَتَطَايَرُ زَهْرُهُمْ كَالْغُبَارِ، لِأَنَّهُمْ رَفَضُوا شَرِيعَةَ اللهِ الْقَدِيرِ، وَاسْتَهَانُوا بِكَلَامِ الْقُدُّوسِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. لِذَلِكَ اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى شَعْبِهِ، فَرَفَعَ يَدَهُ عَلَيْهِمْ وَضَرَبَهُمْ. اِرْتَعَشَتِ الْجِبَالُ. صَارَتْ جُثَثُهُمْ كَالزِّبَالَةِ فِي الشَّوَارِعِ. وَمَعَ كُلِّ هَذَا لَمْ يَهْدَأْ غَضَبُهُ، بَلْ مَا زَالَتْ يَدُهُ مَرْفُوعَةً عَلَيْهِمْ. يَرْفَعُ رَايَةً لِأُمَمٍ بَعِيدَةٍ، يَصْفِرُ لِمَنْ هُمْ فِي آخِرِ الْأَرْضِ، فَيَأْتُونَ مُسْرِعِينَ جِدًّا. وَلَا وَاحِدٌ فِيهِمْ تَعْبَانٌ أَوْ مُتَعَثِّرٌ، أَوْ نَعْسَانٌ أَوْ نَائِمٌ، أَوْ حِزَامُهُ يَنْحَلُّ عَنْ وَسَطِهِ أَوْ يَنْقَطِعُ رِبَاطُ حِذَائِهِ. سِهَامُهُمْ مَسْنُونَةٌ، أَقْوَاسُهُمْ مَشْدُودَةٌ، حَوَافِرُ خَيْلِهِمْ كَأَنَّهَا حَجَرُ صَوَّانٍ، عَجَلَاتُ مَرْكَبَاتِهِمْ كَزَوْبَعَةٍ. زَئِيرُهُمْ كَالْأَسَدِ. يَزْأَرُونَ كَالشِّبْلِ. يُزَمْجِرُونَ وَيَنْقَضُّونَ عَلَى الْفَرِيسَةِ، يَخْطِفُونَهَا وَلَا مَنْ يُنْقِذُ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يُزَمْجِرُونَ عَلَيْهَا كَمَا يَثُورُ الْبَحْرُ، فَإِنْ نَظَرَ وَاحِدٌ إِلَى الْبِلَادِ يَجِدُ الظَّلَامَ وَالضِّيقَ، حَتَّى النُّورُ تَحْجُبُهُ السُّحُبُ. فِي السَّنَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا الْمَلِكُ عُزِّيَّا، رَأَيْتُ الْمَوْلَى جَالِسًا عَلَى عَرْشٍ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ وَأَطْرَافُ ثَوْبِهِ تَمْلَأُ الْبَيْتَ. وَكَانَتِ الْمَلَائِكَةُ النَّارِيَّةُ وَاقِفَةً لَدَيْهِ، كُلُّ وَاحِدٍ لَهُ 6 أَجْنِحَةٍ، بِاثْنَيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ، وَبِاثْنَيْنِ يُغَطِّي قَدَمَيْهِ، وَبِاثْنَيْنِ يَطِيرُ. وَكَانَ الْوَاحِدُ يُنَادِي الْآخَرَ وَيَقُولُ: ”قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ اللهُ الْقَدِيرُ، كُلُّ الْأَرْضِ مَمْلُوءَةٌ مِنْ جَلَالِهِ.“ فَاهْتَزَّتِ الْأَبْوَابُ وَالْعَتَبُ مِنْ صَوْتِ نِدَائِهِمْ، وَامْتَلَأَ الْبَيْتُ دُخَانًا. فَقُلْتُ: ”الْوَيْلُ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ، لِأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ، وَأَنَا أَعِيشُ مَعَ شَعْبٍ نَجِسِ الشَّفَتَيْنِ، وَقَدْ رَأَتْ عَيْنَايَ الْمَلِكَ الْمَوْلَى الْقَدِيرَ.“ فَطَارَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ النَّارِيَّةِ، وَبِيَدِهِ جَمْرَةٌ أَخَذَهَا بِمِلْقَطٍ مِنْ مَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ. وَمَسَّ بِهَا فَمِي وَقَالَ: ”هَذِهِ مَسَّتْ شَفَتَيْكَ، فَأُزِيلَ إِثْمُكَ وَكُفِّرَ عَنْ خَطِيئَتِكَ.“ ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتَ اللهِ يَقُولُ: ”مَنْ أُرْسِلُ؟ مَنْ يَكُونُ رَسُولًا لَنَا؟“ فَقُلْتُ: ”لَبَّيْكَ! أَرْسِلْنِي.“ فَقَالَ: ”اِذْهَبْ وَقُلْ لِهَذَا الشَّعْبِ: ’مَهْمَا سَمِعْتُمْ لَا تَفْهَمُونَ، وَمَهْمَا نَظَرْتُمْ لَا تَرَوْنَ.‘“ وَقَالَ: ”اِجْعَلْ قَلْبَ هَذَا الشَّعْبِ قَاسِيًا، وَسُدَّ أُذُنَيْهِ، وَأَغْمِضْ عَيْنَيْهِ، لِئَلَّا يَرَى بِعَيْنَيْهِ، وَيَسْمَعَ بِأُذُنَيْهِ، وَيَفْهَمَ بِقَلْبِهِ، فَيَرْجِعَ إِلَيَّ وَيُشْفَى.“ فَقُلْتُ: ”إِلَى مَتَى يَا رَبُّ؟“ فَقَالَ: ”إِلَى أَنْ تَصِيرَ الْمُدُنُ خَرَائِبَ بِلَا سَاكِنٍ، وَالدِّيَارُ بِلَا نَاسٍ، وَالْحُقُولُ خَرَابًا مُقْفِرًا. لِأَنَّ اللهَ يَنْفِي الشَّعْبَ مِنْهَا، فَتَكُونُ الْبِلَادُ مَهْجُورَةً. وَحَتَّى إِنْ بَقِيَ عُشْرُ أَهْلِهَا، فَإِنَّهَا تُخْرَبُ مَرَّةً أُخْرَى. لَكِنْ كَالْبُطْمَةِ أَوِ الْبَلُّوطَةِ الَّتِي بَعْدَمَا تُقْطَعُ يَبْقَى جُزْءٌ مِنْ سَاقِهَا، فَتَكُونُ بَقِيَّةُ هَذَا الشَّعْبِ كَالسَّاقِ الَّتِي تَعُودُ تَنْمُو.“ وَفِي أَيَّامِ آحَازَ بْنِ يُوتَامَ بْنِ عُزِّيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، زَحَفَ رَصِينُ مَلِكُ آرَامَ وَفَقْحُ بْنُ رَمَلْيَا مَلِكُ إِسْرَائِيلَ عَلَى الْقُدْسِ، فَلَمْ يَقْدِرَا أَنْ يَغْلِبَاهَا. وَلَمَّا وَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى آحَازَ مَلِكِ يَهُوذَا أَنَّ آرَامَ تَحَالَفَتْ مَعَ مَمْلَكَةِ أَفْرَايِمَ، اِضْطَرَبَ قَلْبُهُ وَقَلْبُ الشَّعْبِ كَمَا يَهْتَزُّ شَجَرُ الْغَابَةِ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ. فَقَالَ اللهُ لِإِشَعْيَا: ”اُخْرُجْ أَنْتَ وَشَارْيَشُوبُ ابْنُكَ، لِمُقَابَلَةِ آحَازَ عِنْدَ آخِرِ قَنَاةِ الْبِرْكَةِ الْعُلْيَا، فِي طَرِيقِ حَقْلِ الْغَسَّالِ، وَقُلْ لَهُ: ’اِنْتَبِهْ وَاهْدَأْ، لَا تَخَفْ وَلَا تَرْتَعِبْ بِسَبَبِ شِدَّةِ غَضَبِ رَصِينَ مَلِكِ آرَامَ وَابْنِ رَمَلْيَا، فَهُمَا مِثْلُ جَمْرَتَيْنِ مُدَخِّنَتَيْنِ عَلَى وَشْكِ الِانْطِفَاءِ. إِنَّ آرَامَ وَأَفْرَايِمَ وَابْنَ رَمَلْيَا تَآمَرُوا عَلَيْكَ بِالشَّرِّ وَقَالُوا: ”نَزْحَفُ عَلَى يَهُوذَا، وَنُمَزِّقُهَا وَنَقْتَسِمُهَا وَنُمَلِّكُ عَلَيْهَا ابْنَ طَبْئِيلَ.“ لَكِنْ يَقُولُ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: ”لَنْ يَحْدُثَ هَذَا وَلَنْ يَكُونَ. لِأَنَّ آرَامَ لَيْسَتْ أَعْظَمَ مِنْ عَاصِمَتِهَا دِمَشْقَ، وَدِمَشْقَ لَيْسَتْ أَعْظَمَ مِنْ مَلِكِهَا رَصِينَ. وَفِي مُدَّةِ 65 سَنَةً تَتَحَطَّمُ مَمْلَكَةُ أَفْرَايِمَ فَلَا تَكُونُ أُمَّةً. لِأَنَّ أَفْرَايِمَ لَيْسَتْ أَعْظَمَ مِنْ عَاصِمَتِهَا السَّامِرَةِ، وَالسَّامِرَةَ لَيْسَتْ أَعْظَمَ مِنْ مَلِكِهَا ابْنِ رَمَلْيَا. إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا فَلَنْ تَأْمَنُوا.“‘“ وَعَادَ اللهُ وَكَلَّمَ آحَازَ وَقَالَ: ”اُطْلُبْ مِنَ الْمَوْلَى إِلَهِكَ آيَةً، سَوَاءً كَانَتْ فِي عُمْقِ الْأَعْمَاقِ أَوْ فِي أَعْلَى الْأَعَالِي.“ فَقَالَ آحَازُ: ”لَا أَطْلُبُ وَلَا أَمْتَحِنُ اللهَ.“ فَأَجَابَ إِشَعْيَا: ”اِسْمَعُوا يَا بَيْتَ دَاوُدَ! هَلْ قَلِيلٌ عَلَيْكُمْ أَنَّكُمْ جَعَلْتُمْ صَبْرَ النَّاسِ يَنْفَدُ؟ فَهَلْ تَجْعَلُونَ صَبْرَ إِلَهِي أَيْضًا يَنْفَدُ؟ لِذَلِكَ يُعْطِيكُمُ اللهُ نَفْسُهُ آيَةً: الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ، وَتَلِدُ ابْنًا، وَتَدْعُو اسْمَهُ عَمَّانُوئِيلَ. يَأْكُلُ زُبْدًا وَعَسَلًا، حَتَّى يَعْرِفَ أَنْ يَرْفُضَ الشَّرَّ وَيَخْتَارَ الْخَيْرَ. لَكِنْ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ الصَّبِيُّ أَنْ يَرْفُضَ الشَّرَّ وَيَخْتَارَ الْخَيْرَ، تُخْرَبُ الْبِلَادُ الَّتِي أَنْتَ خَائِفٌ مِنْ مَلِكَيْهَا. وَيَجْلِبُ اللهُ عَلَيْكَ وَعَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى بَيْتِ أَبِيكَ، أَيَّامًا لَمْ يَكُنْ مِثْلُهَا مُنْذُ انْفَصَلَتْ أَفْرَايِمُ عَنْ يَهُوذَا، فَإِنَّهُ سَيُرْسِلُ عَلَيْكَ مَلِكَ أَشُّورَ.“ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَصْفِرُ اللهُ لِلْمِصْرِيِّينَ فَيَأْتُونَ كَالذُّبَابِ مِنْ مَجَارِي مِصْرَ الْبَعِيدَةِ، وَلِلْأَشُورِيِّينَ فَيَأْتُونَ كَالنَّحْلِ. وَيَحِلُّونَ كُلُّهُمْ فِي الْأَوْدِيَةِ الْمُقْفِرَةِ، وَفِي شُقُوقِ الصُّخُورِ، وَفِي كُلِّ شَجَرِ الشَّوْكِ، وَفِي كُلِّ الْمَرَاعِي. وَيَسْتَأْجِرُ اللهُ مَلِكَ أَشُّورَ مِنْ عَبْرِ نَهْرِ الْفُرَاتِ، فَيَكُونُ كَأَنَّهُ مُوسَى يَحْلِقُ بِهَا اللهُ رَأْسَ يَهُوذَا وَشَعْرَ رِجْلَيْهِ وَأَيْضًا لِحْيَتَهُ! فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ رُبَّمَا يَقْدِرُ الْوَاحِدُ أَنْ يُرَبِّيَ عِجْلَةَ بَقَرٍ وَشَاتَيْنِ. فَلَا يَكُونُ هُنَاكَ مَا يَأْكُلُونَهُ غَيْرَ الزُّبْدِ. وَكُلُّ مَنْ بَقِيَ فِي الْبِلَادِ يَرْجِعُ إِلَى أَكْلِ الزُّبْدِ وَالْعَسَلِ! لِأَنَّ الْكُرُومَ الْجَمِيلَةَ الَّتِي يُسَاوِي الْوَاحِدُ مِنْهَا الْآنَ 1000 مِنَ الْفِضَّةِ، تَمْتَلِئُ بِالشَّوْكِ وَالْحَسَكِ. فَلَا يَذْهَبُ هُنَاكَ أَحَدٌ إِلَّا بِقَوْسٍ وَسِهَامٍ لِأَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا يُغَطِّيهَا الشَّوْكُ وَالْحَسَكُ. أَمَّا الْجِبَالُ الَّتِي كَانَتْ تُفْلَحُ بِالْفَأْسِ، فَلَا يَذْهَبُ إِلَيْهَا أَحَدٌ خَوْفًا مِنَ الشَّوْكِ وَالْحَسَكِ، إِنَّمَا تَسْرَحُ فِيهَا الثِّيرَانُ وَتَدُوسُهَا الْغَنَمُ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِي: ”خُذْ لَكَ لَوْحًا كَبِيرًا، وَاكْتُبْ عَلَيْهِ بِحُرُوفٍ وَاضِحَةٍ: مَهِيرَ شَلَالَ حَاشَ بَزَ. ثُمَّ أَحْضِرْ لِي شَاهِدَيْنِ أَمِينَيْنِ هُمَا أُورِيَّا الْحَبْرُ وَزَكَرِيَّا بْنُ يَبْرَخْيَا.“ وَبَعْدَ ذَلِكَ اجْتَمَعْتُ بِامْرَأَتِي النَّبِيَّةِ، فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتِ ابْنًا. فَقَالَ اللهُ لِي: ”سَمِّهِ مَهِيرَ شَلَالَ حَاشَ بَزَ. فَقَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ الصَّبِيُّ أَنْ يَقُولَ: 'يَا أَبِي' وَ'يَا أُمِّي' يَحْمِلُ مَلِكُ أَشُّورَ ثَرْوَةَ دِمَشْقَ وَغَنِيمَةَ السَّامِرَةِ.“ وَعَادَ اللهُ وَكَلَّمَنِي وَقَالَ: ”هَذَا الشَّعْبُ رَفَضَ مِيَاهَ شِيلُوهَ الَّتِي تَجْرِي بِرِقَّةٍ، وَفَرِحَ بِرَصِينَ وَبِابْنِ رَمَلْيَا! لِذَلِكَ يَجْلِبُ اللهُ عَلَيْهِمْ مِيَاهَ نَهْرِ الْفُرَاتِ الْقَوِيَّةَ الْجَارِفَةَ، أَيْ مَلِكَ أَشُّورَ وَكُلَّ قُوَّاتِهِ، فَيَزْحَفُ عَلَيْهِمْ كَمَا يَمْلَأُ النَّهْرُ كُلَّ جَدَاوِلِهِ، وَيُغَطِّي كُلَّ شَوَاطِئِهِ. وَيَكْتَسِحُ يَهُوذَا كَالْفَيَضَانِ، وَيُغَطِّي كُلَّ شَيْءٍ وَيَصِلُ إِلَى الرَّقَبَةِ، وَيَبْسُطُ جَنَاحَيْهِ حَسَبَ عَرْضِ الْبِلَادِ!“ اللَّهُمَّ كُنْ مَعَنَا! اُصْرُخُوا أَيُّهَا الشُّعُوبُ وَانْكَسِرُوا، اِسْمَعِي أَيَّتُهَا الْبِلَادُ الْبَعِيدَةُ، اِسْتَعِدُّوا لِلْحَرْبِ وَانْكَسِرُوا، اِسْتَعِدُّوا للْحَرْبِ وَانْكَسِرُوا. اُرْسُمُوا خِطَّةً، لَكِنَّهَا تَفْشَلُ. اِقْتَرِحُوا فِكْرَةً، لَكِنَّهَا لَا تَتِمُّ. لِأَنَّ اللهَ مَعَنَا. وَكَانَتْ يَدُ اللهِ الشَّدِيدَةُ عَلَيَّ، وَكَلَّمَنِي وَأَنْذَرَنِي لِكَيْ لَا أَتْبَعَ طَرِيقَ هَذَا الشَّعْبِ، فَقَالَ لِي: ”لَا تَقُلْ ’مُؤَامَرَةً‘ عَنْ كُلِّ مَا يَدَّعِي هَذَا الشَّعْبُ أَنَّهُ مُؤَامَرَةٌ، وَلَا تَخَفْ مَا يَخَافُونَهُ وَلَا تَرْهَبْهُ. بَلِ اللهُ الْقَدِيرُ هُوَ الْقُدُّوسُ فَيَجِبُ أَنْ تَخَافَهُ وَتَرْهَبَهُ. فَيَكُونَ مَكَانًا أَمِينًا لَكَ. أَمَّا لِمَمْلَكَتَيْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَيَكُونُ حَجَرًا يَجْعَلُ النَّاسَ يَعْثُرُونَ، وَصَخْرَةً تَجْعَلُهُمْ يَسْقُطُونَ، وَيَكُونُ لِشَعْبِ الْقُدْسِ فَخًّا وَمَصْيَدَةً.“ فَيَعْثُرُ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ، وَيَسْقُطُونَ فَيَنْكَسِرُونَ، وَيَقَعُونَ فِي الْمَصْيَدَةِ وَيُؤْسَرُونَ. اِحْفَظْ عَهْدِي، أَعْطِ شَرِيعَتِي لِتَلَامِيذِي. أَنْتَظِرُ اللهَ الَّذِي حَجَبَ وَجْهَهُ عَنْ بَيْتِ يَعْقُوبَ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ. لَبَّيْكَ! وَمَعِيَ الْأَوْلَادُ الَّذِينَ أَعْطَاهُمُ اللهُ لِي، نَحْنُ آيَاتٌ وَعَجَائِبُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عِنْدِ اللهِ الْقَدِيرِ السَّاكِنِ فِي جَبَلِ تِصْيُونَ. الْبَعْضُ يَقُولُ: ”اِسْتَشِيرُوا مَنْ يَتَعَامَلُونَ مَعَ الْجِنِّ وَمَنْ يُحَضِّرُونَ الْأَرْوَاحَ الَّذِينَ يَهْمِسُونَ وَيُتَمْتِمُونَ.“ فَقُلْ لَهُمْ: ”اِسْأَلْ إِلَهَكَ أَيُّهَا الشَّعْبُ. لَا تَسْتَشِيرُوا الْمَوْتَى لِأَجْلِ الْأَحْيَاءِ!“ اِذْهَبُوا إِلَى شَرِيعَتِي وَعَهْدِي! أَمَّا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَسْتَشِيرُونَهُمْ فَلَا يَعْرِفُونَ كَلَامَ اللهِ، لِذَلِكَ مَا يَقُولُونَهُ لَيْسَ الْحَقَّ. يَتِيهُ الشَّعْبُ فِي الْأَرْضِ مَظْلُومًا جَائِعًا. وَحِينَ يَشْتَدُّ غَضَبُهُمْ بِسَبَبِ الْجُوعِ، يَنْظُرُونَ إِلَى فَوْقُ وَيَلْعَنُونَ مَلِكَهُمْ وَرَبَّهُمْ. وَيَنْظُرُونَ حَوْلَهُمْ إِلَى بِلَادِهِمْ فَلَا يَرَوْنَ غَيْرَ الْبُؤْسِ وَالظَّلَامِ وَالْخَوْفِ، وَيُطْرَدُونَ إِلَى الظَّلَامِ. لَكِنْ لَا يَكُونُ ظَلَامٌ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي ضِيقٍ. فَفِي الْمَاضِي أَذَلَّ اللهُ أَرْضَ زَبُولُونَ وَأَرْضَ نَفْتَالِي، لَكِنَّهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ سَيُكْرِمُ مِنْطَقَةَ جَلِيلِ الْأَجَانِبِ الَّتِي عَلَى طَرِيقِ الْبَحْرِ، فِي غَرْبِ الْأُرْدُنِّ. الشَّعْبُ الَّذِي يَسِيرُ فِي الظَّلَامِ رَأَى نُورًا عَظِيمًا، وَالَّذِينَ يَعِيشُونَ فِي أَرْضِ الْمَوْتِ وَظِلَالِهِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ. كَثَّرْتَ الْأُمَّةَ، زِدْتَ فَرَحَهَا. يَفْرَحُونَ أَمَامَكَ كَمَا يَفْرَحُ النَّاسُ فِي الْحَصَادِ، وَكَمَا يَبْتَهِجُ الَّذِينَ يَتَقَاسَمُونَ غَنِيمَةً. لِأَنَّهُ كَمَا فِي يَوْمِ هَزِيمَةِ مِدْيَانَ، حَطَّمْتَ النِّيرَ الَّذِي كَانُوا يَحْمِلُونَهُ، وَالْخَشَبَةَ الَّتِي كَانَتْ عَلَى أَكْتَافِهِمْ، وَالْعَصَا الَّتِي كَانَ يَسْتَخْدِمُهَا الَّذِينَ سَخَّرُوهُمْ. كُلُّ نِعَالِ الْمُحَارِبِينَ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَكُلُّ الثِّيَابِ الْمُلَطَّخَةِ بِالدِّمَاءِ، تَحْرِقُهَا وَتَجْعَلُهَا وَقُودًا لِلنَّارِ. لِأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ، وَيُعْطَى لَنَا ابْنٌ، تَكُونُ السُّلْطَةُ فِي يَدِهِ، وَيُدْعَى مُشِيرًا عَجِيبًا، إِلَهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلَامِ. تَمْتَدُّ سُلْطَتُهُ وَسَلَامُهُ بِلَا نِهَايَةٍ، عَلَى عَرْشِ دَاوُدَ وَمَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَسْنُدَهَا بِالْعَدْلِ وَالصَّلَاحِ، مِنَ الْآنَ وَإِلَى الْأَبَدِ. غِيرَةُ اللهِ الْقَدِيرِ تَصْنَعُ هَذَا. أَرْسَلَ اللهُ كَلِمَتَهُ ضِدَّ يَعْقُوبَ، فَوَقَعَتْ عَلَى إِسْرَائِيلَ. يَعْرِفُهَا كُلُّ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ وَأَهْلِ السَّامِرَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِكِبْرِيَاءَ وَقَلْبٍ مُتَعَجْرِفٍ: ”وَقَعَ الطُّوبُ لَكِنَّنَا سَنَبْنِي بِحِجَارَةٍ مَنْحُوتَةٍ، قُطِعَتْ أَشْجَارُ الْجُمَّيْزِ لَكِنَّنَا سَنَزْرَعُ مَكَانَهَا أَشْجَارَ أَرْزٍ.“ لِذَلِكَ يُثِيرُ اللهُ عَلَيْهِمْ حَتَّى أَعْدَاءَ رَصِينَ، نَعَمْ يُهَيِّجُ عَلَيْهِمْ أَعْدَاءَهُمْ، الْأَرَامِيِّينَ مِنَ الشَّرْقِ، وَالْفِلِسْطِيِّينَ مِنَ الْغَرْبِ، لِيَلْتَهِمُوا إِسْرَائِيلَ فِي بَلْعَةٍ وَاحِدَةٍ. وَمَعَ كُلِّ هَذَا لَمْ يَهْدَأْ غَضَبُهُ، بَلْ مَا زَالَتْ يَدُهُ مَرْفُوعَةً عَلَيْهِمْ. لَكِنْ لَمْ يَرْجِعِ الشَّعْبُ إِلَى اللهِ الْقَدِيرِ الَّذِي ضَرَبَهُمْ وَلَمْ يَطْلُبُوهُ. لِذَلِكَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ يَقْطَعُ اللهُ مِنْ إِسْرَائِيلَ الرَّأْسَ وَالذَّيْلَ، وَالنَّخْلَ وَالْقَصَبَ. الشُّيُوخُ وَالْوُجَهَاءُ هُمُ الرَّأْسُ، وَالْأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ بِالْكِذْبِ هُمُ الذَّيْلُ. الَّذِينَ يُرْشِدُونَ هَذَا الشَّعْبَ يُضِلُّونَهُ، وَالَّذِينَ يَتْبَعُونَهُمْ يَضِيعُونَ. لِذَلِكَ لَا يَرْضَى اللهُ عَنْ شُبَّانِهِمْ، وَلَا يَشْفِقُ عَلَى أَيْتَامِهِمْ وَأَرَامِلِهِمْ، لِأَنَّ الْكُلَّ أَشْرَارٌ وَأَثَمَةٌ، كُلُّ وَاحِدٍ يَتَكَلَّمُ بِالْحَمَاقَةِ. وَمَعَ كُلِّ هَذَا لَمْ يَهْدَأْ غَضَبُهُ، بَلْ مَا زَالَتْ يَدُهُ مَرْفُوعَةً عَلَيْهِمْ. لِأَنَّ الْفُجُورَ يَشْتَعِلُ كَالنَّارِ الَّتِي تَأْكُلُ الشَّوْكَ وَالْحَسَكَ، وَتَحْرِقُ أَشْجَارَ الْغَابَةِ، وَتَدُورُ وَتَصْعَدُ فِي عَمُودِ دُخَانٍ. اِشْتَعَلَتِ الْبِلَادُ بِغَضَبِ اللهِ الْقَدِيرِ، وَأَصْبَحَ الشَّعْبُ وَقُودًا لِلنَّارِ. لَا يَشْفِقُ الْوَاحِدُ عَلَى الْآخَرِ. بَلْ يَلْتَهِمُ عَلَى الْيَمِينِ وَيَبْقَى جَائِعًا، وَيَلْتَهِمُ عَلَى الشِّمَالِ وَلَا يَشْبَعُ. كُلُّ وَاحِدٍ يَأْكُلُ لَحْمَ أَهْلِهِ. مَنَسَّى يَأْكُلُ أَفْرَايِمَ، وَأَفْرَايِمُ يَأْكُلُ مَنَسَّى، وَهُمَا مَعًا يَأْكُلَانِ يَهُوذَا. وَمَعَ كُلِّ هَذَا لَمْ يَهْدَأْ غَضَبُهُ، بَلْ مَا زَالَتْ يَدُهُ مَرْفُوعَةً عَلَيْهِمْ. الْوَيْلُ لِلَّذِينَ يَسُنُّونَ قَوَانِينَ غَيْرَ عَادِلَةٍ، وَيُصْدِرُونَ أَوَامِرَ ظَالِمَةً. لِيَحْرِمُوا الْمَسَاكِينَ مِنْ حُقُوقِهِمْ، وَيَمْنَعُوا الْعَدْلَ عَنِ الْمَظْلُومِينَ مِنْ شَعْبِي، لِيَفْتَرِسُوا الْأَرَامِلَ، وَيَنْهَبُوا الْأَيْتَامَ. فَمَاذَا تَعْمَلُونَ يَوْمَ الْحِسَابِ، عِنْدَمَا تَأْتِي الْمُصِيبَةُ مِنْ بَعِيدٍ؟ إِلَى مَنْ تَهْرُبُونَ طَلَبًا لِلْعَوْنِ؟ وَأَيْنَ تُخَبِّئُونَ ثَرْوَتَكُمْ؟ لَا يَبْقَى شَيْءٌ غَيْرَ أَنْ تُذَلُّوا مَعَ الْأَسْرَى، وَتَسْقُطُوا مَعَ الْقَتْلَى. وَمَعَ كُلِّ هَذَا لَمْ يَهْدَأْ غَضَبُهُ، بَلْ مَا زَالَتْ يَدُهُ مَرْفُوعَةً عَلَيْهِمْ. ”الْوَيْلُ لِمَلِكِ أَشُّورَ الَّذِي هُوَ قَضِيبُ غَضَبِي، وَفِي يَدِهِ عَصَا غَيْظِي! أُرْسِلُهُ عَلَى أُمَّةٍ كَافِرَةٍ، وَأُطْلِقُهُ عَلَى شَعْبٍ يُغْضِبُنِي، لِيَنْهَبَ وَيَسْلُبَ كَمَا يَشَاءُ، وَيَدُوسَهُمْ كَالْوَحْلِ فِي الشَّوَارِعِ. لَكِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ وَلَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ مُجَرَّدُ آلَةِ عِقَابٍ فِي يَدِي. يُرِيدُ أَنْ يُحَطِّمَ وَيُبِيدَ أُمَمًا كَثِيرَةً. وَقَالَ: ’أَلَيْسَ كُلُّ الْقَادَةِ الَّذِينَ تَحْتَ أَمْرِي مُلُوكًا؟ أَلَيْسَتْ مَدِينَةُ كَلْنُو مِثْلَ كَرْكَمِيشَ؟ أَلَيْسَتْ حَمَاةُ مِثْلَ أَرْفَادَ؟ أَلَيْسَتِ السَّامِرَةُ مِثْلَ دِمَشْقَ؟ إِنَّ يَدِيَ اسْتَوْلَتْ عَلَى مَمَالِكَ تَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَتَمَاثِيلُهَا أَعْظَمُ مِنْ تَمَاثِيلِ الْقُدْسِ وَالسَّامِرَةِ. فَكَمَا عَامَلْتُ السَّامِرَةَ وَأَصْنَامَهَا، كَذَلِكَ أُعَامِلُ الْقُدْسَ وَتَمَاثِيلَهَا.‘“ وَبَعْدَ أَنْ يُكْمِلَ اللهُ عَمَلَهُ ضِدَّ جَبَلِ تِصْيُونَ وَالْقُدْسِ، يُعَاقِبُ مَلِكَ أَشُّورَ عَلَى كِبْرِيَاءِ قَلْبِهِ وَتَشَامُخِ عَيْنَيْهِ. لِأَنَّهُ قَالَ: ”بِقُدْرَةِ يَدِي وَبِحِكْمَتِي عَمِلْتُ هَذَا، لِأَنِّي فَهِيمٌ. أَزَلْتُ حُدُودَ الْأُمَمِ، وَسَلَبْتُ كُنُوزَهُمْ، وَكَجَبَّارٍ أَخْضَعْتُ مُلُوكَهُمْ. اِسْتَوْلَتْ يَدِي عَلَى ثَرْوَةِ الْأُمَمِ كَمَا عَلَى عُشٍّ، وَكَمَا يَجْمَعُ الْوَاحِدُ الْبَيْضَ الْمَتْرُوكَ فِي الْعُشِّ، جَمَعْتُ كُلَّ الْبِلَادِ. وَلَا وَاحِدٌ حَرَّكَ جَنَاحَهُ، وَلَا فَتَحَ فَمَهُ، وَلَا صَرَخَ.“ هَلْ تَفْتَخِرُ الْفَأْسُ عَلَى مَنْ يَقْطَعُ بِهَا؟ أَوْ يَتَكَبَّرُ الْمِنْشَارُ عَلَى مَنْ يَنْشُرُ بِهِ؟ كَأَنَّ الْقَضِيبَ يُحَرِّكُ مَنْ يَرْفَعُهُ، أَوِ الْعَصَا تَرْفَعُ حَامِلَهَا! سَيُرْسِلُ رَبُّنَا الْإِلَهُ الْقَدِيرُ وَبَأً عَلَى أَبْطَالِ مَلِكِ أَشُّورَ، وَنَارًا مُشْتَعِلَةً تَحْرِقُ مَجْدَهُ! فَيُصْبِحُ نُورُ إِسْرَائِيلَ نَارًا، وَالْقُدُّوسُ رَبُّهُمْ لَهِيبًا، فَيَحْرِقُ وَيَأْكُلُ شَوْكَهُ وَحَسَكَهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. وَيَخْرِبُ غَابَاتِهِ الْعَظِيمَةَ، وَحُقُولَهُ الْخِصْبَةَ، وَيُتْلِفُ الرُّوحَ وَالْجِسْمَ، فَتَكُونُ حَالُهُمْ كَمَرِيضٍ يَذْبُلُ. وَلَا يَبْقَى مِنْ أَشْجَارِ غَابَاتِهِ إِلَّا الْقَلِيلَ، حَتَّى إِنَّ صَبِيًّا يَعُدُّهَا. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، الَّذِينَ بَقَوْا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَيِ النَّاجُونَ مِنْ بَيْتِ يَعْقُوبَ، لَا يَتَوَكَّلُونَ عَلَى مَنْ ضَرَبَهُمْ بَلْ يَتَوَكَّلُونَ بِالْحَقِّ عَلَى اللهِ الْقُدُّوسِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَيَرْجِعُ الَّذِينَ بَقَوْا، أَيِ الَّذِينَ بَقَوْا مِنْ بَنِي يَعْقُوبَ، إِلَى اللهِ الْقَدِيرِ. لِأَنَّهُ حَتَّى وَإِنْ كَانَ شَعْبُكَ يَا إِسْرَائِيلُ كَثِيرًا جِدًّا كَرَمْلِ الْبَحْرِ، فَلَنْ يَبْقَى مِنْهُ إِلَّا عَدَدٌ قَلِيلٌ فَقَطْ لِيَرْجِعَ. صَدَرَ الْحُكْمُ بِالْفَنَاءِ، وَهُوَ حُكْمٌ نِهَائِيٌّ وَعَادِلٌ. وَمَوْلَانَا الْإِلَهُ الْقَدِيرُ يُنَفِّذُ حُكْمَ الْفَنَاءِ عَلَى كُلِّ الْعَالَمِ. وَهَذَا كَلَامُ مَوْلَانَا الْإِلَهِ الْقَدِيرِ: ”يَا شَعْبِيَ السَّاكِنَ فِي الْقُدْسِ، لَا تَخَفْ مِنَ الْأَشُورِيِّينَ، فَمَعَ أَنَّهُمْ يَضْرِبُونَكَ بِالْقَضِيبِ، وَيَرْفَعُونَ عَلَيْكَ الْعَصَا كَمَا فَعَلَ بِكَ الْمِصْرِيُّونَ، قَرِيبًا جِدًّا يَنْتَهِي غَضَبِي عَلَيْكَ، وَأَسْخَطُ عَلَيْهِمْ وَأُبِيدُهُمْ.“ يَجْلِدُهُمُ اللهُ الْقَدِيرُ بِسَوْطٍ، كَمَا ضَرَبَ مِدْيَانَ عِنْدَ صَخْرَةِ غُرَابٍ، وَيَرْفَعُ عَصَاهُ عَلَى الْمِيَاهِ كَمَا فَعَلَ بِمِصْرَ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، يَزُولُ حِمْلُهُمْ عَنْ كَتِفِكَ، وَيَنْكَسِرُ نِيرُهُمْ عَنْ رَقَبَتِكَ. وَصَلَتْ جُيُوشُ الْعَدُوِّ، دَخَلُوا عَيَّاتَ، مَرُّوا بِمِجْرُونَ، وَضَعُوا الْأَمْتِعَةَ فِي مِكْمَاشَ. عَبَرُوا الْمَعْبَرَ، بَاتُوا اللَّيْلَةَ فِي جِبْعَ، اِرْتَعَدَتِ الرَّامَةُ، هَرَبَتْ جِبْعَةُ شَاوُلَ. اُصْرُخِي يَا مَدِينَةَ جَلِّيمَ، اِسْمَعِيهَا يَا مَدِينَةَ لَيْشَةَ، وَرُدِّي عَلَيْهَا يَا عَنَاثُوثُ. هَرَبَتْ مَدْمِينَةُ، اِخْتَبَأَ سُكَّانُ جِبِيمَ. الْيَوْمَ يَقِفُونَ فِي نُوبَ، يُشِيرُونَ بِيَدِهِمْ لِلْهُجُومِ عَلَى جَبَلِ الْقُدْسِ، عَلَى تَلِّ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ. لَكِنَّ الْمَوْلَى الْإِلَهَ الْقَدِيرَ يَكْسِرُهُمْ بِعُنْفٍ كَالْأَغْصَانِ، الْعَالِي يَسْقُطُ وَالْمُرْتَفِعُ يَنْخَفِضُ. تُقْطَعُ أَشْجَارُ الْغَابَةِ بِفَأْسٍ، وَيَسْقُطُ لُبْنَانُ أَمَامَ الْقَدِيرِ. وَيَطْلَعُ فَرْعٌ مِنْ سَاقِ يَسَّى، وَيَنْمُو غُصْنٌ مِنْ جُذُورِهِ. يَحِلُّ عَلَيْهِ رُوحُ اللهِ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ اللهِ. فَيَفْرَحُ بِمَخَافَةِ اللهِ. وَلَا يَقْضِي بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ بِعَيْنَيْهِ، وَلَا يَحْكُمُ بِحَسَبِ مَا يَسْمَعُهُ بِأُذُنَيْهِ. إِنَّمَا يَقْضِي لِلْفُقَرَاءِ بِالْعَدْلِ، وَيَحْكُمُ لِمَسَاكِينِ الْأَرْضِ بِالْإِنْصَافِ. يُعَاقِبُ النَّاسَ بِأَمْرٍ مِنْ فَمِهِ، وَبِنَفْخَةٍ مِنْ شَفَتَيْهِ يَقْتُلُ الْأَشْرَارَ. يُقَوِّيهِ الصَّلَاحُ وَالْأَمَانَةُ كَحِزَامٍ حَوْلَ وَسَطِهِ. فَيَسْكُنُ الذِّئْبُ مَعَ الْحَمَلِ، وَيَرْقُدُ النِّمْرُ مَعَ الْجَدْيِ، وَيَأْكُلُ الْعِجْلُ مَعَ الشِّبْلِ، وَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَقُودُهَا. وَتَرْعَى الْبَقَرَةُ مَعَ الدُّبَّةِ، وَتَرْقُدُ أَوْلَادُهُمَا مَعًا. وَالْأَسَدُ يَأْكُلُ التِّبْنَ كَالثَّوْرِ. وَيَلْعَبُ الصَّغِيرُ عَلَى جُحْرِ الْأَفْعَى، وَيَمُدُّ الطِّفْلُ يَدَهُ فِي وَكْرِ الثُّعْبَانِ. لَا أَحَدَ يُؤْذِي، وَلَا أَحَدَ يَضُرُّ فِي كُلِّ جَبَلِيَ الْمُقَدَّسِ. لِأَنَّ الْأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ كَمَا تَغْمُرُ الْمِيَاهُ الْبَحْرَ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَكُونُ سَلِيلُ يَسَّى رَايَةً تَلْتَفُّ الشُّعُوبُ حَوْلَهَا، وَيَكُونُ مَسْكَنُهُ عَظِيمًا. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، يَمُدُّ اللهُ يَدَهُ مَرَّةً ثَانِيَةً، وَيَسْتَرِدُّ بَقِيَّةَ شَعْبِهِ، بَقِيَّةً تَأْتِي مِنْ أَشُّورَ وَشَمَالِ مِصْرَ وَصَعِيدِ مِصْرَ وَالْحَبَشَةِ وَعِيلَامَ وَبَابِلَ وَحَمَاةَ وَالسَّوَاحِلِ وَالْجُزُرِ. وَيَرْفَعُ رَايَةً لِلْأُمَمِ، وَيَجْمَعُ الْمَنْفِيِّينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْمُشَتَّتِينَ مِنْ شَعْبِ يَهُوذَا، مِنْ أَنْحَاءِ الْأَرْضِ الْـ4. فَيَزُولُ حَسَدُ أَفْرَايِمَ، وَتَنْتَهِي عَدَاوَةُ يَهُوذَا. أَفْرَايِمُ لَا يَحْسِدُ يَهُوذَا، وَيَهُوذَا لَا يُعَادِي أَفْرَايِمَ. بَلْ يَنْقَضُّونَ مَعًا عَلَى أَكْتَافِ الْفِلِسْطِيِّينَ إِلَى الْغَرْبِ، وَيَنْهَبُونَ الشَّعْبَ الَّذِي إِلَى الشَّرْقِ، وَيَسْتَوْلُونَ عَلَى أَدُومَ وَمُوآبَ، وَيَخْضَعُ الْعَمُّونِيُّونَ لَهُمْ. وَيُنَشِّفُ اللهُ خَلِيجَ بَحْرِ مِصْرَ، وَيُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَهْرِ الْفُرَاتِ وَيَشُقُّهُ بِرِيحِهِ اللَّافِحَةِ إِلَى 7 جَدَاوِلَ، فَيَعْبُرُ فِيهَا النَّاسُ بِالْأَحْذِيَةِ. وَيَكُونُ هُنَاكَ طَرِيقٌ لِبَقِيَّةِ شَعْبِهِ، بَقِيَّةٍ تَأْتِي مِنْ أَشُّورَ، كَمَا كَانَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ مِصْرَ. وَتَقُولُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ: ”أَحْمَدُكَ يَا رَبُّ، فَمَعَ أَنَّكَ غَضِبْتَ عَلَيَّ، تَحَوَّلَ غَضَبُكَ عَنِّي وَعَزَّيْتَنِي. اللهُ هُوَ نَجَاتِي، أَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ وَلَا أَخَافُ. اللهُ مَوْلَايَ هُوَ قُوَّتِي وَأُغْنِيَتِي وَقَدْ صَارَ نَجَاتِي.“ فَتَشْرَبُونَ الْمَاءَ بِفَرَحٍ مِنْ يَنْبُوعِ النَّجَاةِ. وَتَقُولُونَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ: ”اِحْمَدُوا اللهَ وَادْعُوا بِاسْمِهِ، أَخْبِرُوا بَيْنَ الْأُمَمِ بِأَعْمَالِهِ، وَأَعْلِنُوا أَنَّ اسْمَهُ تَعَالَى. غَنُّوا للهِ لِأَنَّهُ صَنَعَ عَظَائِمَ. أَخْبِرُوا بِهَذَا فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا. اِهْتِفُوا وَرَنِّمُوا يَا أَهْلَ الْقُدْسِ، لِأَنَّ الْقُدُّوسَ رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَظِيمٌ بَيْنَكُمْ.“ هَذَا وَحْيٌ عَنْ بَابِلَ جَاءَ لِإِشَعْيَا بْنِ آمُوصَ فِي رُؤْيَا. اِرْفَعُوا رَايَةً عَلَى جَبَلٍ أَقْرَعَ، اُصْرُخُوا لَهُمْ، أَشِيرُوا لَهُمْ بِالْيَدِ، لِيَدْخُلُوا أَبْوَابَ الْعُظَمَاءِ. إِنِّي أَمَرْتُ الَّذِينَ خَصَّصْتُهُمْ لِي، نَادَيْتُ أَبْطَالِي الْمُفْتَخِرِينَ بِانْتِصَارِي، لِيُنَفِّذُوا غَضَبِي. صَوْتٌ عَلَى الْجِبَالِ كَأَنَّهُ مِنْ جُمْهُورٍ غَفِيرٍ! إِنَّهُ ضَجِيجُ الْمَمَالِكِ. اِجْتَمَعَتِ الْأُمَمُ مَعًا. اللهُ الْقَدِيرُ يَحْشِدُ جَيْشًا لِلْقِتَالِ. يَأْتُونَ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ مِنْ آخِرِ السَّمَاوَاتِ، وَيَأْتِي رَبُّنَا وَمَعَهُ أَسْلِحَةُ غَضَبِهِ لِيَخْرِبَ الْأَرْضَ كُلَّهَا. وَلْوِلُوا لِأَنَّ يَوْمَ رَبِّنَا قَرِيبٌ، يَأْتِي كَخَرَابٍ مِنْ عِنْدِ الْقَدِيرِ. بِسَبَبِهِ تَنْهَارُ عَزِيمَةُ كُلِّ النَّاسِ، وَتَذُوبُ قُلُوبُهُمْ. يَسْتَوْلِي عَلَيْهِمُ الرُّعْبُ، يُصِيبُهُمُ الْأَلَمُ وَالضِّيقُ، يَتَلَوَّوْنَ كَامْرَأَةٍ تَلِدُ. يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ مَبْهُوتِينَ. وُجُوهُهُمْ كَاللَّهِيبِ. اُنْظُرُوا! يَوْمُ رَبِّنَا قَادِمٌ، هُوَ يَوْمٌ صَعْبٌ، يَأْتِي بِغَيْظٍ وَغَضَبٍ شَدِيدٍ، لِيَجْعَلَ الْأَرْضَ خَرَابًا، وَيُبِيدَ مِنْهَا الْخُطَاةَ. نُجُومُ السَّمَاءِ وَكَوَاكِبُهَا لَا تُرْسِلُ نُورَهَا، الشَّمْسُ تُظْلِمُ عِنْدَ طُلُوعِهَا، وَالْقَمَرُ لَا يُضِيءُ. وَأُعَاقِبُ الْعَالَمَ عَلَى شَرِّهِ، وَالْخُطَاةَ عَلَى ذَنْبِهِمْ، وَأَضَعُ حَدًّا لِعَجْرَفَةِ الْمُتَشَامِخِينَ، وَأُذِلُّ كِبْرِيَاءَ الطُّغَاةِ. وَأَجْعَلُ الْإِنْسَانَ أَنْدَرَ مِنَ الذَّهَبِ النَّقِيِّ، أَنْدَرَ مِنَ الذَّهَبِ الْجَيِّدِ. وَأُزَلْزِلُ السَّمَاءَ، وَأُزَعْزِعُ الْأَرْضَ مِنْ مَكَانِهَا، فِي غَيْظِ اللهِ الْقَدِيرِ، يَوْمَ يَشْتَعِلُ غَضَبُهُ. فَيَكُونُونَ كَغَزَالٍ يُطَارِدُهُ الصَّيَّادُ، وَكَغَنَمٍ بِلَا رَاعٍ يَجْمَعُهَا، كُلُّ وَاحِدٍ يَرْجِعُ إِلَى شَعْبِهِ، كُلُّ وَاحِدٍ يَهْرُبُ إِلَى بَلَدِهِ. وَمَنْ وَقَعَ فِي الْأَسْرِ يُطْعَنُ، وَمَنْ قُبِضَ عَلَيْهِ يُصْرَعُ بِالسَّيْفِ. تُمَزَّقُ أَطْفَالُهُمْ أَمَامَ عُيُونِهِمْ، وَتُنْهَبُ دِيَارُهُمْ، وَتُغْتَصَبُ نِسَاؤُهُمْ. أَنَا أُهَيِّجُ عَلَيْهِمُ الْمَادِيِّينَ الَّذِينَ لَا يُبَالُونَ بِالْفِضَّةِ، وَلَا يَفْرَحُونَ بِالذَّهَبِ. إِنَّمَا بِقِسِيِّهِمْ يُمَزِّقُونَ الشُّبَّانَ، وَلَا يَرْحَمُونَ الْأَطْفَالَ، وَلَا يَشْفِقُونَ عَلَى الصِّغَارِ. بَابِلُ جَوْهَرَةُ الْمَمَالِكِ، وَزِينَةُ وَفَخْرُ الْبَابِلِيِّينَ، يَقْلِبُهَا اللهُ كَسَدُومَ وَعَمُورَةَ. فَلَا تُسْكَنُ أَبَدًا، وَلَا تَعْمُرُ فِي كُلِّ الْأَجْيَالِ. لَا يَنْصُبُ فِيهَا بَدَوِيٌّ خَيْمَتَهُ، وَلَا يَرْعَى فِيهَا الرُّعَاةُ. بَلْ تَرْبِضُ فِيهَا وُحُوشُ الْقَفْرِ، وَيَمْلَأُ الْبُومُ دِيَارَهَا، وَيَسْكُنُ فِيهَا النَّعَامُ، وَفِيهَا تَقْفِزُ الْمَاعِزُ الْبَرِّيَّةُ. تَعْوِي الضِّبَاعُ فِي حُصُونِهَا، وَالذِّئَابُ فِي قُصُورِهَا الْفَخْمَةِ. إِنَّ وَقْتَهَا قَرِيبٌ، وَأَيَّامَهَا لَا تَطُولُ. سَيَرْحَمُ اللهُ بَنِي يَعْقُوبَ وَيَعُودُ يَخْتَارُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَرَّةً أُخْرَى. وَيُرِيحُهُمْ فِي أَرْضِهِمْ، فَيَأْتِي إِلَيْهِمُ الْغُرَبَاءُ، وَيَنْضَمُّونَ إِلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ. تُشَيِّعُهُمُ الْأُمَمُ، وَتَأْتِي بِهِمْ إِلَى أَرْضِهِمْ. فَيَمْتَلِكُ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ الْأُمَمَ، كَعَبِيدٍ وَجَوَارٍ فِي أَرْضِ اللهِ. وَيَأْسِرُونَ الَّذِينَ أَسَرُوهُمْ، وَيَسْتَوْلُونَ عَلَى الَّذِينَ سَخَّرُوهُمْ. وَعِنْدَمَا يُرِيحُكُمُ اللهُ مِنَ الْعَنَاءِ وَالشَّقَاءِ وَمِنَ الْعُبُودِيَّةِ الْقَاسِيَةِ، فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تَسْخَرُونَ مِنْ مَلِكِ بَابِلَ وَتَقُولُونَ: ”كَيْفَ بَادَ الظَّالِمُ! كَيْفَ انْتَهَى غَضَبُهُ! كَسَّرَ اللهُ عَصَا الْأَشْرَارِ، وَقُوَّةَ الْحُكَّامِ الَّذِينَ ضَرَبُوا النَّاسَ بِغَضَبٍ ضَرْبًا مُسْتَمِرًّا، وَأَخْضَعُوا الْأُمَمَ بِغَيْظٍ، وَاضْطَهَدُوهُمْ بِلَا رَحْمَةٍ. اِسْتَرَاحَتْ وَاطْمَأَنَّتْ كُلُّ الْبِلَادِ، هَتَفَتْ بِالْغِنَاءِ. حَتَّى أَشْجَارُ السَّرْوِ وَأَرْزُ لُبْنَانَ، تَشْمَتُ بِكَ وَتَقُولُ: ’مُنْذُ انْكَسَرْتَ، أَصْبَحَ لَا يَأْتِي إِلَيْنَا أَحَدٌ لِيَقْطَعَ أَغْصَانَنَا.‘ يَهِيجُ عَالَمُ الْأَمْوَاتِ لِوُصُولِكَ! قَادَةُ الدُّنْيَا وَالْمُلُوكُ الْعُظَمَاءُ الَّذِينَ مَاتُوا مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ يَقُومُونَ لَكَ لِاسْتِقْبَالِكَ. كُلُّهُمْ يُكَلِّمُونَكَ وَيَقُولُونَ: ’أَنْتَ أَيْضًا ضَعُفْتَ مِثْلَنَا! أَنْتَ أَيْضًا صِرْتَ كَمَا نَحْنُ! رَاحَ جَلَالُكَ وَنَزَلَ مَعَكَ إِلَى الْقَبْرِ، اِنْتَهَتْ مُوسِيقَى أَعْوَادِكَ! وَالْآنَ الْحَشَرَاتُ فِرَاشُكَ، وَالدُّودُ غِطَاؤُكَ!‘ ”كَيْفَ سَقَطْتَ مِنَ السَّمَاءِ يَا نَجْمَ الصُّبْحِ الْمُنِيرَ؟ كَيْفَ طُرِحْتَ إِلَى الْأَرْضِ يَا قَاهِرَ الْأُمَمِ؟ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: ’أَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ، أَرْفَعُ عَرْشِي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللهِ، أَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ الْآلِهَةِ، فِي أَقْصَى الشَّمَالِ. أَصْعَدُ فَوْقَ أَعَالِي السَّحَابِ، وَأَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ.‘ لَكِنَّكَ انْحَدَرْتَ إِلَى عَالَمِ الْأَمْوَاتِ، إِلَى أَعْمَاقِ الْحُفْرَةِ. الَّذِينَ يَرَوْنَكَ يَتَفَرَّسُونَ فِيكَ وَيَتَأَمَّلُونَ قَائِلِينَ: ’أَهَذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي زَلْزَلَ الْأَرْضَ وَزَعْزَعَ الْمَمَالِكَ؟ أَهَذَا هُوَ الَّذِي جَعَلَ الْعَالَمَ مِثْلَ قَفْرٍ، وَهَدَمَ مُدُنَهُ، وَالَّذِي لَمْ يُطْلِقْ أَسْرَاهُ إِلَى الْحُرِّيَّةِ؟‘ كُلُّ مُلُوكِ الْأَمَمِ رَقَدُوا بِكَرَامَةٍ، كُلُّ وَاحِدٍ فِي قَبْرِهِ. أَمَّا أَنْتَ فَطُرِحْتَ بِلَا دَفْنٍ، غُصْنًا ذَابِلًا، كَجُثَّةٍ تَدُوسُهَا الْأَقْدَامُ، يُغَطِّيكَ الْقَتْلَى الْمَطْعُونُونَ بِالسَّيْفِ، الَّذِينَ هَبَطُوا حَتَّى إِلَى حِجَارَةِ الْحُفْرَةِ. فَلَنْ تُدْفَنَ مِثْلَ أُولَئِكَ الْمُلُوكِ، لِأَنَّكَ أَخْرَبْتَ بَلَدَكَ، وَقَتَلْتَ شَعْبَكَ. لَا يُذْكَرُ نَسْلُ الْأَشْرَارِ أَبَدًا. أَعِدُّوا مَذْبَحَةً لِأَوْلَادِهِ، بِسَبَبِ ذُنُوبِ آبَائِهِمْ. فَلَا يَقُومُوا وَلَا يَرِثُوا الْأَرْضَ، وَلَا يَمْلَأُوا الْعَالَمَ بِمُدُنِهِمْ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ الْقَدِيرِ: ”أَقُومُ عَلَيْهِمْ، وَأُبِيدُ مِنْ بَابِلَ مَا بَقِيَ مِنْهَا: اِسْمَهَا، وَنَسْلَهَا، وَذُرِّيَّتَهَا.“ يَقُولُ اللهُ. ”وَأَجْعَلُهَا مِيرَاثًا لِلْقُنْفُذِ، وَمُسْتَنْقَعَاتِ مِيَاهٍ، وَأَمْسَحُهَا مِنَ الْوُجُودِ تَمَامًا.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ الْقَدِيرِ. حَلَفَ اللهُ الْقَدِيرُ وَقَالَ: ”مَا قَصَدْتُهُ يَتَحَقَّقُ، وَمَا نَوَيْتُ عَلَيْهِ يَتِمُّ. سَأُحَطِّمُ أَشُّورَ فِي أَرْضِي، وَأَدُوسُهَا عَلَى جِبَالِي. يَزُولُ نِيرُهَا عَنْ شَعْبِي، وَيُرْفَعُ حِمْلُهَا عَنْ أَكْتَافِهِمْ. هَذَا هُوَ الْقَضَاءُ الَّذِي حَكَمْتُ بِهِ عَلَى كُلِّ الْأَرْضِ، وَهَذِهِ هِيَ الْيَدُ الْمَمْدُودَةُ عَلَى كُلِّ الْأُمَمِ.“ لِأَنَّ اللهَ الْقَدِيرَ قَضَى، فَمَنْ يُبْطِلُ قَضَاءَهُ؟ وَيَدُهُ هِيَ الْمَمْدُودَةُ، فَمَنْ يَرُدُّهَا؟ فِي السَّنَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا الْمَلِكُ آحَازُ، جَاءَ هَذَا الْوَحْيُ. لَا تَفْرَحِي يَا فِلِسْطَةُ بِأَنَّ الْقَضِيبَ الَّذِي ضَرَبَكِ انْكَسَرَ، فَمِنْ أَصْلِ تِلْكَ الْحَيَّةِ يَخْرُجُ أُفْعُوَانٌ، وَنَسْلُهُ ثُعْبَانٌ سَامٌّ طَيَّارٌ. وَيَجِدُ أَفْقَرُ الْفُقَرَاءِ مَرْعًى، وَيَرْقُدُ الْمَسَاكِينُ فِي أَمَانٍ. لَكِنِّي أُهْلِكُ نَسْلَكِ بِالْمَجَاعَةِ، وَأَقْتُلُ الْبَاقِينَ مِنْكِ. وَلْوِلْ أَيُّهَا الْبَابُ! اُصْرُخِي أَيَّتُهَا الْمَدِينَةُ! ذُوبِي مِنَ الْخَوْفِ يَا فِلِسْطَةُ، لِأَنَّهُ يَأْتِي عَلَيْكِ جَيْشٌ مِنَ الشَّمَالِ، لَا شَارِدَ عَنْ صُفُوفِهِ. وَبِمَاذَا تَرُدُّ عَلَى رُسُلِ فِلِسْطَةَ؟ قُلْ لَهَا: ”اللهُ أَسَّسَ الْقُدْسَ، لِيَجِدَ فِيهَا شَعْبُهُ الْمِسْكِينُ مَلْجَأً لَهُمْ.“ وَحْيٌ عَنْ مُوآبَ. خَرِبَتْ مَدِينَةُ عَارَ الَّتِي فِي مُوآبَ، وَهَلَكَتْ فِي لَيْلَةٍ! خَرِبَتْ مَدِينَةُ قِيرَ الَّتِي فِي مُوآبَ، وَهَلَكَتْ فِي لَيْلَةٍ! يَصْعَدُ أَهْلُ دِيبُونَ إِلَى الْمَعْبَدِ، وَإِلَى أَمَاكِنِ الْعِبَادَةِ الْأُخْرَى لِلْبُكَاءِ. يُوَلْوِلُ شَعْبُ مُوآبَ عَلَى مَصِيرِ نَبْوَ وَمِيدَبَا. يَحْلِقُونَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُصُّونَ لِحَاهُمْ. يَلْبَسُونَ الْخَيْشَ فِي الشَّوَارِعِ، يُوَلْوِلُونَ عَلَى السُّطُوحِ وَفِي السَّاحَاتِ، يَبْكُونَ بِالدُّمُوعِ. يَعْلُو صُرَاخُ أَهْلِ حَشْبُونَ وَأَلِعَالَةَ، حَتَّى تُسْمَعَ أَصْوَاتُهُمْ فِي يَاهَصَ. يَنْدُبُ أَبْطَالُ مُوآبَ. نُفُوسُهُمْ مَكْرُوبَةٌ. قَلْبِي يَصْرُخُ عَلَى مُوآبَ. الْهَارِبُونَ مِنْهَا يَلْجَأُونَ إِلَى صُوغَرَ، وَإِلَى عِجْلَتْ شَلِيشَةَ. يَصْعَدُونَ بِالْبُكَاءِ فِي طَرِيقِ لُوحِيتَ. يَنْدُبُونَ فِي طَرِيقِ حُورُنِيمَ وَيَقُولُونَ: ”خَرِبْنَا.“ نَشَفَتْ مِيَاهُ نِمْرِيمَ، يَبِسَ الْعُشْبُ، مَاتَ الْكَلَأُ، لَا يُوجَدُ أَيُّ شَيْءٍ أَخْضَرَ. لِذَلِكَ يَحْمِلُونَ مَا جَمَعُوهُ مِنْ ثَرْوَةٍ وَكُنُوزٍ، وَيَعْبُرُونَ نَهْرَ الصَّفْصَافِ. يَتَرَدَّدُ صُرَاخُهُمْ عَلَى حُدُودِ مُوآبَ، وَلْوَلَتُهُمْ تَصِلُ حَتَّى إِلَى أَجْلَايِمَ وَبِئْرَ إِيلِيمَ. اِمْتَلَأَتْ مِيَاهُ دِيبُونَ بِالدَّمِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَجْلِبُ اللهُ عَلَى دِيبُونَ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا: يُطْلِقُ أَسَدًا عَلَى الْهَارِبِينَ مِنْ مُوآبَ، وَعَلَى الْبَاقِينَ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ. أَرْسِلُوا جِزْيَةً مِنَ الْغَنَمِ إِلَى حَاكِمِ الْبِلَادِ، مِنْ مَدِينَةِ سَالِعَ فِي الصَّحْرَاءِ إِلَى جَبَلِ الْقُدْسِ. نِسَاءُ مُوآبَ عَلَى ضِفَافِ نَهْرِ أَرْنُونَ، كَطُيُورٍ تَائِهَةٍ، كَفِرَاخٍ شَارِدَةٍ عَنِ الْعُشِّ، يَقُلْنَ: ”أَعْطُونَا نَصِيحَةً، قَدِّمُوا لَنَا مَشُورَةً، اِجْعَلُوا ظِلَّكُمْ يَحْمِينَا فِي الظُّهْرِ، كَمَا لَوْ كَانَ لَيْلًا. خَبِّئُوا الْهَارِبِينَ، لَا تَغْدُرُوا بِاللَّاجِئِينَ. أَضِيفُوا الْهَارِبِينَ مِنْ مُوآبَ، كُونُوا مَلْجَأً لَهُمْ مِنَ الْمُهْلِكِ.“ سَتَأْتِي نِهَايَةُ الظَّالِمِ، وَيَنْتَهِي الْخَرَابُ، وَيَفْنَى الطَّاغِيَةُ مِنَ الْأَرْضِ. فَإِنَّهُ بِالرَّحْمَةِ يَثْبُتُ الْعَرْشُ فِي بَيْتِ دَاوُدَ، وَيَجْلِسُ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ حَاكِمٌ يَقْضِي بِالْعَدْلِ وَيَسْعَى إِلَى الصَّلَاحِ. سَمِعْنَا عَنْ كِبْرِيَاءِ مُوآبَ، هِيَ مُتَكَبِّرَةٌ جِدًّا. وَلَكِنَّ تَكَبُّرَهَا وَعَجْرَفَتَهَا وَانْتِفَاخَهَا كُلَّهَا بِلَا أَسَاسٍ. لِذَلِكَ يُوَلْوِلُ الْمُوآبِيُّونَ، يُوَلْوِلُونَ مَعًا عَلَى مُوآبَ، يَنْدُبُونَ وَيَحْزَنُونَ عَلَى طَعَامِهِمِ الشَّهِيِّ فِي قِيرَ حَارِسَ. لِأَنَّ حُقُولَ حَشْبُونَ ذَبُلَتْ، وَكَذَلِكَ كُرُومَ سَبْمَةَ. أَتْلَفَ حُكَّامُ الْأُمَمِ أَفْضَلَهَا، هِيَ الَّتِي كَانَتْ فُرُوعُهَا تَصِلُ إِلَى يَعْزِيرَ، وَتَمْتَدُّ شَرْقًا إِلَى الصَّحْرَاءِ، وَغَرْبًا إِلَى الْبَحْرِ. لِذَلِكَ أَبْكِي عَلَى كُرُومِ سَبْمَةَ كَمَا تَبْكِي يَعْزِيرُ. أُرْوِيكُمَا بِدُمُوعِي يَا حَشْبُونُ وَأَلِعَالَةُ. سَكَتَ هُتَافُ الْفَرَحِ عَلَى ثَمَرِكُمُ النَّاضِجِ وَحَصَادِكُمْ. زَالَ الْفَرَحُ وَالِابْتِهَاجُ مِنَ الْبُسْتَانِ. لَا يُوجَدُ مَنْ يُغَنِّي أَوْ يُرَنِّمُ فِي الْكُرُومِ، لَا يُوجَدُ مَنْ يَدُوسُ الْخَمْرَ فِي الْمَعَاصِرِ، فَإِنِّي قَدْ سَكَّتُّ الْهُتَافَ. كَعُودٍ يَنُوحُ قَلْبِي عَلَى مُوآبَ، وَكِيَانِي عَلَى قِيرَ حَارِسَ. يَصْعَدُ الْمُوآبِيُّونَ إِلَى الْمُرْتَفَعَةِ فَيَتْعَبُونَ، يَذْهَبُونَ إِلَى الْمَعْبَدِ لِلصَّلَاةِ، فَلَا يَسْتَفِيدُونَ شَيْئًا. فَهَذِهِ هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي قَالَهَا اللهُ مِنْ قَبْلُ عَنْ مُوآبَ. أَمَّا الْآنَ فَيَقُولُ اللهُ: ”فِي 3 سِنِينَ لَا أَكْثَرَ وَلَا أَقَلَّ، يَزُولُ بَهَاءُ مُوآبَ، وَلَا يَبْقَى مِنْ شَعْبِهَا الْكَثِيرِ غَيْرُ بَقِيَّةٍ قَلِيلَةٍ وَضَعِيفَةٍ!“ وَحْيٌ عَنْ دِمَشْقَ. ”اُنْظُرُوا! لَا تَكُونُ دِمَشْقُ مَدِينَةً فِيمَا بَعْدُ، بَلْ تَصِيرُ كُومًا مِنَ الْخَرَائِبِ. تُهْجَرُ مُدُنُ عَرُوعِيرَ، وَتَصِيرُ مَكَانًا لِلْمَوَاشِي، تَرْبِضُ فِيهِ وَلَيْسَ مَنْ يُزْعِجُهَا. تَزُولُ الْحُصُونُ مِنْ أَفْرَايِمَ، وَالسُّلْطَانُ مِنْ دِمَشْقَ، وَبَقِيَّةُ آرَامَ تَكُونُ كَعَظَمَةِ إِسْرَائِيلَ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ الْقَدِيرِ. ”فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، تَنْحَطُّ عَظَمَةُ بَنِي يَعْقُوبَ، وَتَضِيعُ قُوَّتُهُمْ. وَيُصْبِحُونَ كَحَقْلٍ حَصَدُوا زَرْعَهُ، وَجَمَعُوا سَنَابِلَهُ بِمِلْءِ الذِّرَاعِ، كَحَقْلٍ فِي وَادِي رَفَايِمَ مَحْصُودٍ عَلَى آخِرِهِ. فَلَا يَبْقَى غَيْرُ عَدَدٍ قَلِيلٍ مِنَ النَّاسِ، فَتَكُونُ إِسْرَائِيلُ كَزَيْتُونَةٍ جُمِعَتْ كُلُّ حَبَّاتِهَا، مَا عَدَا حَبَّتَيْنِ أَوْ 3 عَلَى أَعْلَى فُرُوعِهَا، أَوْ 4 أَوْ 5 حَبَّاتٍ عَلَى فُرُوعِهَا الْمُثْمِرَةِ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، يَرْجِعُ النَّاسُ إِلَى صَانِعِهِمْ، وَتَنْظُرُ عُيُونُهُمْ إِلَى الْقُدُّوسِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَلَا يَرْجِعُونَ إِلَى مَنَصَّاتِ الْقُرْبَانِ الَّتِي صَنَعَتْهَا أَيْدِيهِمْ، وَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأَعْمِدَةِ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا وَمَنَصَّاتِ الْبَخُورِ الَّتِي صَنَعَتْهَا أَصَابِعُهُمْ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، تُصْبِحُ مُدُنُهُمُ الْمَنِيعَةُ مَهْجَورَةً، كَمُدُنِ الْحِثِّيِّينَ وَالْأَمُورِيِّينَ الَّتِي تَرَكُوهَا هَرَبًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَصْبَحَتْ خَرَابًا. أَنْتِ نَسِيتِ اللهَ مُنْقِذَكِ، وَلَمْ تَذْكُرِي الصَّخْرَ الَّذِي يَحْمِيكِ، وَزَرَعْتِ الْبَسَاتِينَ لِتُكْرِمِي إِلَهًا غَرِيبًا. فَحَتَّى لَوْ نَبَتَتْ وَتَرَعْرَعَتْ فِي نَفْسِ الصَّبَاحِ الَّذِي فِيهِ تَزْرَعِينَهَا، لَا يَكُونُ حَصَادٌ، بَلْ مَرَضٌ وَضَرْبَةٌ بِلَا شِفَاءٍ. هَذَا صَوْتُ هَيَجَانِ أُمَمٍ كَثِيرَةٍ، إِنَّهُ كَهَيَجَانِ الْبَحْرِ! صَوْتُ ضَجِيجِ الشُّعُوبِ كَضَجِيجِ مِيَاهٍ جَارِفَةٍ. تَضِجُّ الشُّعُوبُ كَضَجِيجِ مِيَاهٍ جَارِفَةٍ. يُوَبِّخُهُمُ اللهُ فَيَتَرَاجَعُونَ وَيَهْرُبُونَ كَالتِّبْنِ فِي الْجِبَالِ أَمَامَ الرِّيحِ، وَكَالْقَشِّ فِي الزَّوْبَعَةِ. فِي الْمَسَاءِ يَحِلُّ عَلَيْهِمْ رُعْبٌ مُفَاجِئٌ، وَقَبْلَ الصَّبَاحِ يَتَلَاشَوْنَ. هَذَا نَصِيبُ مَنْ نَهَبُونَا وَحَظُّ مَنْ سَلَبُونَا. الْوَيْلُ لِبِلَادِ الْأَجْنِحَةِ الْمُرَفْرِفَةِ الَّتِي عَلَى أَنْهَارِ الْحَبَشَةِ، الَّتِي تَبْعَثُ رُسُلًا فِي الْبَحْرِ، فِي قَوَارِبِ الْبَرْدِيِّ، فَوْقَ الْمَاءِ. اِذْهَبُوا أَيُّهَا الرُّسُلُ الْمُسْرِعُونَ إِلَى شَعْبٍ طَوِيلِ الْقَامَةِ وَنَاعِمِ الْبَشَرَةِ، إِلَى شَعْبٍ يَخَافُهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ، إِلَى أُمَّةٍ قَوِيَّةٍ وَجَبَّارَةٍ، تَشُقُّ الْأَنْهَارُ أَرْضَهَا. يَا كُلَّ أَهْلِ الدُّنْيَا، يَا سُكَّانَ الْأَرْضِ، اُنْظُرُوا حِينَ تَرْتَفِعُ الرَّايَةُ عَلَى الْجِبَالِ، وَاسْمَعُوا حِينَ يَضْرِبُ الْبُوقُ. قَالَ اللهُ لِي: ”أَنْظُرُ مِنْ مَسْكَنِي بِهُدُوءٍ، كَالْحَرِّ الشَّدِيدِ فِي النَّهَارِ، أَوْ كَسَحَابَةِ النَّدَى فِي حَرِّ الْحَصَادِ.“ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْحَصَادِ، عِنْدَمَا يَتِمُّ تَفَتُّحُ الزَّهْرِ وَتَصِيرُ الْبَرَاعِمُ عِنَبًا، تُقْطَعُ الْفُرُوعُ بِالْمَنَاجِلِ، وَتُنْزَعُ الْأَغْصَانُ الْمُمْتَدَّةُ وَتُطْرَحُ، وَتُتْرَكُ كُلُّهَا لِطُيُورِ الْجِبَالِ الْجَارِحَةِ وَلِلْوُحُوشِ فَتَأْكُلُهَا الطُّيُورُ طُولَ الصَّيْفِ، وَالْوُحُوشُ طُولَ الشِّتَاءِ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، تُقَدَّمُ هَدَايَا للهِ الْقَدِيرِ، مِنْ شَعْبٍ طَوِيلِ الْقَامَةِ وَنَاعِمِ الْبَشَرَةِ، شَعْبٍ يَخَافُهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ، أُمَّةٍ قَوِيَّةٍ وَجَبَّارَةٍ، تَشُقُّ الْأَنْهَارُ أَرْضَهَا. وَيَأْتُونَ بِهَا إِلَى جَبَلِ تِصْيُونَ، الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ اسْمُ اللهِ الْقَدِيرِ. وَحْيٌ عَنْ مِصْرَ. هَذَا هُوَ الْمَوْلَى رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ. فَتَرْتَعِدُ أَصْنَامُهَا مِنْ وَجْهِهِ، وَتَذُوبُ قُلُوبُ الْمِصْرِيِّينَ فِي دَاخِلِهِمْ. ”أُهَيِّجُ مِصْرِيِّينَ عَلَى مِصْرِيِّينَ، فَيُحَارِبُ الْأَخُ أَخَاهُ، وَالْجَارُ جَارَهُ، وَتَقُومُ مَدِينَةٌ عَلَى مَدَينَةٍ، وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ. يَرْتَعِبُ الْمِصْرِيُّونَ، وَأُبْطِلُ مَشُورَتَهُمْ، فَيَسْأَلُونَ الْأَصْنَامَ وَأَرْوَاحَ الْمَوْتَى وَمَنْ يَتَعَامَلُونَ مَعَ الْجِنِّ وَمَنْ يُحَضِّرُونَ الْأَرْوَاحَ. وَأَضَعُ الْمِصْرِيِّينَ فِي يَدِ سَيِّدٍ قَاسٍ، فَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِمْ مَلِكٌ لَا يَرْحَمُ.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ الْقَدِيرِ. وَتَنْشَفُ مِيَاهُ النِّيلِ، وَيَجِفُّ حَوْضُهُ وَيَيْبَسُ، وَتَتَعَفَّنُ التُّرَعُ، وَتَقِلُّ مَجَارِي مِصْرَ وَتَنْشَفُ، وَيَتْلَفُ الْقَصَبُ وَالْبَرْدِيُّ. وَكَذَلِكَ النَّبَاتَاتُ عَلَى ضِفَافِ النِّيلِ، وَكُلُّ الْحُقُولِ الْمَزْرُوعَةِ عَلَى جَوَانِبِهِ تَجِفُّ وَتَتَبَدَّدُ وَلَا يَبْقَى شَيْءٌ. وَيَئِنُّ الصَّيَّادُونَ، وَيَنُوحُ كُلُّ مَنْ يُلْقِي صِنَّارَةً فِي النِّيلِ، وَيَتَحَسَّرُ الَّذِينَ يَرْمُونَ شَبَكَةً عَلَى الْمِيَاهِ. وَيَتَمَلَّكُ الْيَأْسُ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ الْكَتَّانَ الْمُمَشَّطَ، وَالَّذِينَ يَحِيكُونَ الْأَنْسِجَةَ الْفَاخِرَةَ. وَيَغْتَمُّ الْعُمَّالُ الْمَهَرَةُ، وَيَكْتَئِبُ كُلُّ الْعَامِلِينَ بِالْأُجْرَةِ. رُؤَسَاءُ صُوعَنَ أَغْبِيَاءُ، أَحْكَمُ الْمُشِيرِينَ الَّذِينَ عِنْدَ فِرْعَوْنَ يُقَدِّمُونَ نَصَائِحَ سَخِيفَةً. كَيْفَ يَقُولُ الْوَاحِدُ مِنْكُمْ لِفِرْعَوْنَ: ”أَنَا ابْنُ حُكَمَاءَ، أَنَا ابْنُ مُلُوكٍ قُدَمَاءَ.“؟ فَأَيْنَ هُمْ حُكَمَاؤُكَ يَا فِرْعَوْنُ؟ دَعْهُمْ يُخْبِرُونَكَ وَيُعَرِّفُونَكَ بِمَا قَضَى بِهِ اللهُ الْقَدِيرُ عَلَى مِصْرَ! صَارَ رُؤَسَاءُ صُوعَنَ أَغْبِيَاءَ، اِنْخَدَعَ رُؤَسَاءُ مَمْفِيسَ. زُعَمَاءُ الْبِلَادِ أَضَلُّوا مِصْرَ. وَضَعَ اللهُ فِيهِمْ رُوحَ ضَلَالٍ، فَأَضَلُّوا مِصْرَ فِي كُلِّ مَا تَعْمَلُ، كَسَكْرَانٍ يَتَرَنَّحُ فِي قَيْئِهِ. فَلَا يَبْقَى لِمِصْرَ شَيْءٌ يُمْكِنُ أَنْ يَعْمَلَهُ أَحَدٌ، مَهْمَا كَانَ، عَظِيمًا أَوْ دَنِيئًا، رَفِيعًا أَوْ وَضِيعًا. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَكُونُ الْمِصْرِيُّونَ كَالنِّسَاءِ، فَيَرْتَعِدُونَ مِنَ الْخَوْفِ، لِأَنَّ اللهَ الْقَدِيرَ يَرْفَعُ يَدَهُ عَلَيْهِمْ. وَتَكُونُ أَرْضُ يَهُوذَا أَيْضًا مَصْدَرَ رُعْبٍ لِلْمِصْرِيِّينَ، فَإِذَا ذُكِرَتْ لَهُمْ يَهُوذَا يَرْتَعِبُونَ، بِسَبَبِ مَا قَضَى بِهِ عَلَيْهِمُ اللهُ الْقَدِيرُ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، يَكُونُ فِي مِصْرَ 5 مُدُنٍ تَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ كَنْعَانَ وَتُقَدِّمُ الْوَلَاءَ للهِ الْقَدِيرِ. وَاسْمُ وَاحِدَةٍ مِنْهَا 'مَدِينَةُ الشَّمْسِ.' فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، تَكُونُ مَنَصَّةُ قُرْبَانٍ للهِ فِي دَاخِلِ مِصْرَ، وَمَكَانٌ لِإِكْرَامِهِ عَلَى حُدُودِهَا، كَعَلَامَةٍ وَشَهَادَةٍ للهِ الْقَدِيرِ فِي أَرْضِ مِصْرَ. لِأَنَّهُمْ يَصْرُخُونَ إِلَى اللهِ بِسَبَبِ مُضَايِقِيهِمْ، فَيُرْسِلُ لَهُمْ مُنْقِذًا وَحَامِيًا فَيُنَجِّيهِمْ. وَيُعْلِنُ اللهُ عَنْ نَفْسِهِ لِلْمِصْرِيِّينَ، فَيَعْرِفُونَ اللهَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَيُقَدِّمُونَ لَهُ ضَحَايَا وَقَرَابِينَ، وَيَنْذِرُونَ للهِ وَيُوفُونَ بِنُذُورِهِمْ. وَيَضْرِبُ اللهُ مِصْرَ بِوَبَأٍ، يَضْرِبُهُمْ ثُمَّ يَشْفِيهِمْ، لِأَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَى اللهِ فَيَسْتَجِيبُ دُعَاءَهُمْ وَيَشْفِيهِمْ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَكُونُ طَرِيقٌ مِنْ مِصْرَ إِلَى أَشُّورَ. فَيَذْهَبُ الْأَشُورِيُّونَ إِلَى مِصْرَ، وَالْمِصْرِيُّونَ إِلَى أَشُّورَ. وَيَعْبُدُ الْمِصْرِيُّونَ وَالْأَشُورِيُّونَ اللهَ مَعًا. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَكُونُ إِسْرَائِيلُ الشَّرِيكَ الثَّالِثَ مَعَ مِصْرَ وَأَشُّورَ، كَبَرَكَةٍ عَلَى الْأَرْضِ. وَيُبَارِكُهُمُ اللهُ الْقَدِيرُ وَيَقُولُ: ”مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ، وَصَنْعَةُ يَدَيَّ أَشُّورُ، وَنَصِيبِي إِسْرَائِيلُ.“ فِي السَّنَةِ الَّتِي أَرْسَلَ سَرْجُونُ مَلِكُ أَشُّورَ قَائِدَ جَيْشِهِ إِلَى أَشْدُودَ، وَحَارَبَهَا وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا، كَلَّمَ اللهُ إِشَعْيَا بْنَ آمُوصَ، وَقَالَ لَهُ: ”اِنْزِعِ الْخَيْشَ عَنْ جِسْمِكَ، وَاخْلَعْ حِذَاءَكَ عَنْ رِجْلَيْكَ.“ فَفَعَلَ ذَلِكَ وَمَشَى عَارِيًا حَافِيًا! فَقَالَ اللهُ: ”هَذِهِ آيَةٌ وَإِنْذَارٌ لِمِصْرَ وَالْحَبَشَةِ. فَكَمَا مَشَى عَبْدِي إِشَعْيَا عَارِيًا حَافِيًا مُدَّةَ 3 سِنِينَ، كَذَلِكَ يَسُوقُ مَلِكُ أَشُّورَ الْأَسْرَى مِنْ مِصْرَ وَمِنَ الْحَبَشَةِ، صِغَارًا وَكِبَارًا، عُرَاةً حُفَاةً، مَكْشُوفَةٌ مُؤَخَّرَاتُهُمْ، فَضِيحَةً لِمِصْرَ. فَيَخَافُ وَيَخْجَلُ الَّذِينَ اتَّكَلُوا عَلَى الْحَبَشَةِ وَافْتَخَرُوا بِمِصْرَ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، يَقُولُ سُكَّانُ هَذَا السَّاحِلِ: ’اُنْظُرُوا مَا جَرَى لِمَنِ اتَّكَلْنَا عَلَيْهِمْ وَلَجَأْنَا إِلَيْهِمْ لِمُسَاعَدَتِنَا وَإِنْقَاذِنَا مِنْ مَلِكِ أَشُّورَ! فَكَيْفَ نَنْجُو نَحْنُ؟‘“ وَحْيٌ عَنْ بَابِلَ. كَالزَّوَابِعِ الَّتِي تَهُبُّ فِي النَّقَبِ، يَأْتِي الْغَازِي مِنَ الصَّحْرَاءِ، مِنْ أَرْضٍ مُخِيفَةٍ. أُعْلِنَتْ لِي رُؤْيَا رَهِيبَةٌ. النَّاهِبُ يَنْهَبُ، وَالْمُخْرِبُ يَخْرِبُ. اُهْجُمِي يَا عِيلَامُ! حَاصِرِي يَا مَادِي! إِنِّي أَضَعُ حَدًّا لِكُلِّ الْأَنِينِ الَّذِي سَبَّبَتْهُ بَابِلُ. جِسْمِي كُلُّهُ يَتَأَلَّمُ، أَتَوَجَّعُ كَامْرَأَةٍ تَلِدُ. مَا أَسْمَعُهُ أَذْهَلَنِي، وَمَا أَرَاهُ أَفْزَعَنِي. تَحَيَّرَ قَلْبِي، أَرْتَعِشُ مِنَ الْخَوْفِ. اِنْتَظَرْتُ الْمَسَاءَ لِيُخَفِّفَ عَنِّي، لَكِنَّهُ صَارَ لِي رُعْبًا. يُرَتِّبُونَ الْمَائِدَةَ، يَفْرِشُونَ السَّجَاجِيدَ، يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ! قُومُوا أَيُّهَا الضُّبَّاطُ، اِمْسَحُوا تُرُوسَكُمْ لِلْقِتَالِ! قَالَ اللهُ لِي: ”اِذْهَبْ أَقِمْ حَارِسًا لِيُخْبِرَ بِمَا يَرَى. فَإِذَا رَأَى رُكَّابًا عَلَى أَزْوَاجِ فُرْسَانٍ، أَوْ رُكَّابًا عَلَى حَمِيرٍ، أَوْ رُكَّابًا عَلَى جِمَالٍ، فَاجْعَلْهُ يَنْتَبِهُ أَشَدَّ الِانْتِبَاهِ.“ فَصَرَخَ الْحَارِسُ: ”يَا سَيِّدُ، أَنَا فِي بُرْجِ الْمُرَاقَبَةِ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَفِي مَرْكَزِ الْحِرَاسَةِ كُلَّ لَيْلَةٍ. فَالْآنَ أَرَى رُكَّابًا قَادِمِينَ عَلَى أَزْوَاجِ فُرْسَانٍ.“ ثُمَّ عَادَ الْحَارِسُ وَقَالَ: ”سَقَطَتْ، سَقَطَتْ بَابِلُ، وَتَحَطَّمَتْ إِلَى الْأَرْضِ كُلُّ تَمَاثِيلِ آلِهَتِهَا.“ فَيَا شَعْبِيَ الْمَسْحُوقَ وَالْمُشَتَّتَ، مَا سَمِعْتُهُ مِنَ اللهِ الْقَدِيرِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ. وَحْيٌ عَنْ أَدُومَ. نَادَانِي وَاحِدٌ مِنْ أَدُومَ وَقَالَ: ”أَيُّهَا الْحَارِسُ، مَاذَا بَقِيَ مِنَ اللَّيْلِ؟ أَيُّهَا الْحَارِسُ، مَتَى سَيَنْتَهِي اللَّيْلُ؟“ أَجَابَ الْحَارِسُ: ”طَلَعَ الصُّبْحُ، وَلَكِنْ جَاءَ مَعَهُ اللَّيْلُ! إِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْأَلُوا فَاسْأَلُوا، ثُمَّ ارْجِعُوا وَتَعَالَوْا.“ وَحْيٌ عَنْ بِلَادِ الْعَرَبِ. يَا قَوَافِلَ دَدَانَ يَا مَنْ تَبِيتُونَ فِي صَحْرَاءِ الْعَرَبِ، وَيَا سُكَّانَ تِيمَاءَ، هَاتُوا مَاءً لِلْعَطْشَانِ، وَأَعْطُوا طَعَامًا لِلْهَارِبِ. لِأَنَّهُمْ هَرَبُوا مِنَ السَّيْفِ، مِنَ السَّيْفِ الْمَسْلُولِ، وَمِنَ الْقَوْسِ الْمَشْدُودَةِ، وَمِنْ شِدَّةِ الْحَرْبِ. قَالَ اللهُ لِي: ”فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، لَا أَكْثَرَ وَلَا أَقَلَّ، تَزُولُ كُلُّ عَظَمَةِ قِيدَارَ. وَلَا يَبْقَى مِنْ أَبْطَالِ قِيدَارَ الَّذِينَ يَرْمُونَ بِالْقَوْسِ، غَيْرُ بَقِيَّةٍ قَلِيلَةٍ.“ الْمَوْلَى رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ تَكَلَّمَ. وَحْيٌ عَنِ الْقُدْسِ. مَاذَا جَرَى لَكُمْ حَتَّى طَلَعْتُمْ كُلُّكُمْ عَلَى السُّطُوحِ؟ أَيَّتُهَا الْمَلْآنَةُ بِالضَّجِيجِ، يَا مَدِينَةَ الضَّوْضَاءِ وَالْمَرَحِ، قَتْلَاكِ لَمْ يُقْتَلُوا بِالسَّيْفِ، وَلَمْ يَمُوتُوا فِي الْحَرْبِ. كُلُّ رُؤَسَائِكِ هَرَبُوا مَعًا، وَأُسِرُوا مِنْ غَيْرِ مُقَاوَمَةٍ. كُلُّ أَبْطَالِكِ الْعِظَامِ هَرَبُوا مَعًا، هَرَبُوا بَيْنَمَا كَانَ الْعَدُوُّ مَا زَالَ بَعِيدًا. لِذَلِكَ قُلْتُ: ”اُبْعُدُوا عَنِّي، اُتْرُكُونِي أَبْكِي بِمَرَارَةٍ، لَا تُحَاوِلُوا أَنْ تُعَزُّونِي عَلَى خَرَابِ شَعْبِي.“ يَوْمُ شَغَبٍ وَذُلٍّ وَفَوْضَى، يَأْتِي مِنْ عِنْدِ اللهِ الْقَدِيرِ، عَلَى مَدِينَةِ الْقُدْسِ. يَوْمٌ فِيهِ تُهْدَمُ الْأَسْوَارُ، وَيَصْرُخُونَ إِلَى الْجِبَالِ. عِيلَامُ تَحْمِلُ السِّلَاحَ، وَتُرْسِلُ مَرْكَبَاتِهَا وَفُرْسَانَهَا. قِيرُ تُشْهِرُ تُرْسَهَا. فَتَمْتَلِئُ أَحْسَنُ أَوْدِيَتِكِ بِالْمَرْكَبَاتِ، وَيَصْطَفُّ الْفُرْسَانُ عِنْدَ أَبْوَابِ الْمَدِينَةِ. تَفْقِدُ يَهُوذَا كُلَّ وَسَائِلِ الدِّفَاعِ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، تَنْظُرُونَ إِلَى الْأَسْلِحَةِ الَّتِي فِي قَصْرِ الْغَابَةِ. تَرَوْنَ ثُغْرَاتٍ كَثِيرَةً فِي دِفَاعِ مَدِينَةِ دَاوُدَ، فَتَخْزِنُونَ الْمَاءَ فِي الْبِرْكَةِ السُّفْلَى. وَتَعُدُّونَ دِيَارَ الْقُدْسِ، وَتَهْدِمُونَ بَعْضَهَا لِتَحْصِينِ السُّورِ. وَتَبْنُونَ خَزَّانًا بَيْنَ السُّورَيْنِ لِمِيَاهِ الْبِرْكَةِ الْقَدِيمَةِ. وَلَكِنَّكُمْ لَا تَرْجِعُونَ إِلَى مَنْ دَبَّرَ هَذَا، وَلَا تَنْظُرُونَ إِلَى مَنْ قَضَى بِهِ مُنْذُ قَدِيمِ الزَّمَانِ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، يَدْعُوكُمُ الْمَوْلَى الْإِلَهُ الْقَدِيرُ، لِتَبْكُوا وَتَنُوحُوا وَتَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ وَتَلْبَسُوا الْخَيْشَ. وَلَكِنْ بَدَلًا مِنْ هَذَا تَفْرَحُونَ وَتَمْرَحُونَ، وَتَذْبَحُونَ الثِّيرَانَ وَتَنْحَرُونَ الْغَنَمَ، وَتَأْكُلُونَ اللَّحْمَ وَتَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، وَتَقُولُونَ: ”خَلُّونَا نَأْكُلُ وَنَشْرَبُ لِأَنَّنَا غَدًا نَمْوتُ.“ فَأَعْلَنَ اللهُ الْقَدِيرُ هَذَا فِي أُذُنَيَّ: ”هَذِهِ الْخَطِيئَةُ لَنْ تُغْفَرَ لَكُمْ إِلَى أَنْ تَمُوتُوا.“ يَقُولُ الْمَوْلَى الْإِلَهُ الْقَدِيرُ. وَيَقُولُ الْمَوْلَى الْإِلَهُ الْقَدِيرُ: ”اِذْهَبْ إِلَى هَذَا الشَّخْصِ شَبْنَةَ، صَاحِبِ الْمَلِكِ وَالْمَسْئُولِ عَنِ الْقَصْرِ وَقُلْ لَهُ: ’مَاذَا تَعْمَلُ هُنَا، وَمَنْ أَعْطَاكَ الْإِذْنَ لِتَحْفِرَ لِنَفْسِكَ قَبْرًا هُنَا، يَا مَنْ حَفَرْتَ قَبْرَكَ فِي الْأَعَالِي، وَنَقَرْتَ مَسْكَنَكَ فِي الصَّخْرِ؟ اِحْتَرِسْ، فَالْمَوْلَى عَلَى وَشْكِ أَنْ يَقْبِضَ عَلَيْكَ بِعُنْفٍ، وَيَرْمِيَكَ بَعِيدًا يَا بَطَلُ! يُدَوِّرُكَ اللهُ كَالْكُرَةِ، وَيَقْذِفُكَ إِلَى أَرْضٍ وَاسِعَةٍ. هُنَاكَ تَمُوتُ، بِجِوَارِ مَرْكَبَاتِكَ الْفَاخِرَةِ، يَا عَارَ بَيْتِ سَيِّدِكَ! لِأَنِّي أَطْرُدُكَ مِنْ مَنْصِبِكَ، فَتُعْزَلُ مِنْ مَكَانَتِكَ الْعَالِيَةِ. ”’وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَدْعُو عَبْدِي أَلْيَاقِيمَ بْنَ حِلْقِيَا. وَأُلْبِسُهُ ثَوْبَكَ، وَأَشُدُّهُ بِحِزَامِكَ، وَأُعْطِيهِ سُلْطَانَكَ، فَيَكُونُ أَبًا لِسُكَّانِ الْقُدْسِ وَلِبَيْتِ يَهُوذَا. وَأَضَعُ مِفْتَاحَ بَيْتِ دَاوُدَ عَلَى كَتِفِهِ، يَفْتَحُ فَلَا يُغْلِقُ أَحَدٌ، وَيُغْلِقُ فَلَا يَفْتَحُ أَحَدٌ. وَأُثَبِّتُهُ كَوَتَدٍ فِي مَكَانٍ أَمِينٍ. وَيَكُونُ مَرْكَزَ إِكْرَامٍ لِبَيْتِ أَبِيهِ. وَيَتَعَلَّقُ عَلَيْهِ كُلُّ أَهْلِ بَيْتِ أَبِيهِ، مِنْ كِبَارٍ وَصِغَارٍ، كَمَا تُعَلَّقُ عَلَى الْوَتَدِ الْآنِيَةُ وَالْكُؤُوسُ وَالْأَوْعِيَةُ.‘“ وَيَقُولُ اللهُ الْقَدِيرُ: ”فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، يُنْزَعُ الْوَتَدُ الْمُثَبَّتُ فِي مَكَانٍ أَمِينٍ، وَيَنْكَسِرُ وَيَسْقُطُ. فَيَزُولُ مَعَهُ كُلُّ مَا كَانَ مُعَلَّقًا عَلَيْهِ، لِأَنَّ اللهَ تَكَلَّمَ.“ وَحْيٌ عَنْ صُورَ. وَلْوِلِي يَا سُفُنَ تَرْشِيشَ! لِأَنَّ صُورَ خَرِبَتْ وَتُرِكَتْ بِلَا دِيَارٍ وَلَا مِينَاءَ. جَاءَهُمُ الْخَبَرُ فِي الطَّرِيقِ، وَهُمْ رَاجِعُونَ مِنْ قُبْرُصَ. نُوحُوا يَا سُكَّانَ السَّاحِلِ! يَا تُجَّارَ صَيْدَا، يَا عَابِرِي الْمِيَاهِ الْكَثِيرَةِ، يَا مَنْ يَأْتِيكُمُ الْقَمْحُ مِنْ شِيحُورَ، مِنْ حَصَادِ النِّيلِ، وَدَخْلُكُمْ هُوَ مِنَ التِّجَارَةِ مَعَ الْأُمَمِ. اِخْجَلِي يَا صَيْدَا، يَا حِصْنَ الْبَحْرِ، لِأَنَّ الْبَحْرَ تَكَلَّمَ وَقَالَ: ”لَا جَاءَنِي وَجَعُ الْوِلَادَةِ، وَلَا وَلَدْتُ، وَلَا رَبَّيْتُ بَنِينَ، وَلَا نَشَّأْتُ بَنَاتٍ.“ وَعِنْدَمَا تَصِلُ الْأَخْبَارُ إِلَى مِصْرَ، يَتَوَجَّعُونَ مِنْ خَبَرِ صُورَ. اُعْبُرُوا إِلَى تَرْشِيشَ، وَلْوِلُوا يَا سُكَّانَ السَّاحِلِ! هَلْ هَذِهِ هِيَ مَدِينَتُكُمُ الْمَرِحَةُ؟ الْمَدِينَةُ الْقَدِيمَةُ جِدًّا، الَّتِي حَمَلَتْهَا أَقْدَامُهَا لِتَتَغَرَّبَ فِي بِلَادٍ بَعِيدَةٍ؟ مَنْ قَضَى بِهَذَا عَلَى صُورَ، وَهِيَ الَّتِي تُتَوِّجُ الْمُلُوكَ، وَالَّتِي فِيهَا التُّجَّارُ أُمَرَاءُ، وَالْبَاعَةُ شُرَفَاءُ؟ اللهُ الْقَدِيرُ قَضَى بِهَذَا، لِيُنْزِلَ كِبْرِيَاءَ كُلِّ عَالٍ وَيُذِلَّ كُلَّ الشُّرَفَاءِ. اُحْرُثُوا أَرْضَكُمْ يَا شَعْبَ تَرْشِيشَ كَالْأَرْضِ الَّتِي حَوْلَ النِّيلِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَعُدْ لِصُورَ مِينَاءُ. مَدَّ اللهُ يَدَهُ عَلَى الْبَحْرِ، وَجَعَلَ الْمَمَالِكَ تَرْتَعِدُ، وَأَمَرَ بِخَرَابِ حُصُونِ كَنْعَانَ. وَقَالَ: ”لَا تَمْرَحِي بَعْدَ الْيَوْمِ أَيَّتُهَا الْمَسْلُوبَةُ، يَا صَيْدَا الْجَمِيلَةُ! قُومِي وَاعْبُرِي إِلَى قُبْرُصَ. وَحَتَّى هُنَاكَ لَنْ تَجِدِي رَاحَةً.“ اُنْظُرِي أَرْضَ الْبَابِلِيِّينَ، إِنَّهَا بِلَا شَعْبٍ! فَإِنَّ الْأَشُورِيِّينَ جَعَلُوهَا مَكَانًا لِلْوُحُوشِ. أَقَامُوا عَلَيْهَا أَبْرَاجَ الْحِصَارِ، وَدَمَّرُوا قُصُورَهَا، وَحَوَّلُوهَا إِلَى خَرَابٍ. وَلْوِلِي يَا سُفُنَ تَرْشِيشَ، لِأَنَّ صُورَ الْحَصِينَةَ خَرِبَتْ! فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، تُنْسَى صُورُ 70 سَنَةً. أَيْ كَعُمْرِ مَلِكٍ وَاحِدٍ. وَلَكِنْ بَعْدَ هَذِهِ الـ70 سَنَةً، تَكُونُ صُورُ كَمَا تَقُولُ أُغْنِيَةُ الْعَاهِرَةِ: ”خُذِي الْعُودَ وَطُوفِي فِي الْمَدِينَةِ أَيَّتُهَا الْعَاهِرَةُ الْمَنْسِيَّةُ، أَحْسِنِي الْعَزْفَ وَغَنِّي كَثِيرًا لِكَيْ يَتَذَكَّرُوكِ.“ وَبَعْدَ الـ70 سَنَةً يَجْعَلُ اللهُ صُورَ تَرْجِعُ إِلَى حِرْفَتِهَا كَعَاهِرَةٍ، وَتَبِيعُ نَفْسَهَا لِكُلِّ مَمَالِكِ الْعَالَمِ. وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ أَرْبَاحَهَا وَمَكَاسِبَهَا تُكَرَّسُ للهِ، فَلَا تُخْزَنُ وَلَا تُدَّخَرُ، بَلْ تُنْفَقُ أَرْبَاحُهَا عَلَى الَّذِينَ يَخْدِمُونَ اللهَ، لِيَكُونَ لَدَيْهِمْ غِذَاءٌ وَفِيرٌ وَثِيَابٌ فَاخِرَةٌ. سَيَخْرِبُ اللهُ الْأَرْضَ، يُفْرِغُهَا وَيَقْلِبُ وَجْهَهَا وَيُشَتِّتُ سُكَّانَهَا. وَيَكُونُ الْحَبْرُ كَوَاحِدٍ مِنَ الشَّعْبِ، وَالسَّيِّدُ كَالْعَبْدِ، وَالسَّيِّدَةُ كَجَارِيَتِهَا، وَالْبَائِعُ كَالْمُشْتَرِي، وَالْمُقْتَرِضُ كَالْمُقْرِضِ، وَالدَّائِنُ كَالْمَدْيُونِ. تُخْرَبُ الْأَرْضُ كُلِّيَّةً، وَتُنْهَبُ تَمَامًا، لِأَنَّ اللهَ نَطَقَ بِهَذَا الْحُكْمِ. تَيْبَسُ الْأَرْضُ وَتَذْبُلُ، يَضْعُفُ الْعَالَمُ وَيَزُولُ، يَذْبُلُ عُظَمَاءُ الْأَرْضِ. تَنَجَّسَتِ الْأَرْضُ بِسَبَبِ سُكَّانِهَا، لِأَنَّهُمْ خَالَفُوا الشَّرَائِعَ، وَتَعَدَّوْا عَلَى الْفَرَائِضِ، وَنَقَضُوا الْعَهْدَ الْأَبَدِيَّ. لِهَذَا فَاللَّعْنَةُ تَأْكُلُ الْأَرْضَ، وَيَحِلُّ الْعِقَابُ بِسُكَّانِهَا. وَلِهَذَا يَحْتَرِقُ سُكَّانُ الْأَرْضِ، وَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ غَيْرُ عَدَدٍ قَلِيلٍ. وَتَجِفُّ الْخَمْرُ، وَتَذْبُلُ الْكَرْمَةُ، وَيَئِنُّ كُلُّ الْفَرْحَانِينَ. يَصْمُتُ طَرَبُ الدُّفِّ، وَيَسْكُتُ صَوْتُ الْمَرِحِينَ، وَيَتَوَقَّفُ عَزْفُ الْعُودِ. لَا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ عَلَى الْغِنَاءِ، وَيَكُونُ الْمُسْكِرُ مُرًّا لِشَارِبِيهِ. تُخْرَبُ الْمَدِينَةُ، وَتَعُمُّ الْفَوْضَى، وَيُغْلِقُ النَّاسُ دِيَارَهُمْ لِكَيْ لَا يَدْخُلَ أَحَدٌ. يَصْرُخُونَ فِي الشَّوَارِعِ طَلَبًا لِلْخَمْرِ، يَغِيبُ كُلُّ فَرَحٍ، وَيَزُولُ كُلُّ سُرُورٍ مِنَ الْأَرْضِ. وَلَا يَبْقَى فِي الْمَدِينَةِ غَيْرُ الْخَرَابِ، وَيَصِيرُ بَابُهَا حُطَامًا. فَتَكُونُ الشُّعُوبُ فِي وَسَطِ الْأَرْضِ، كَزَيْتُونَةٍ جُمِعَتْ حَبَّاتُهَا، أَوْ كَبَعْضِ الْعِنَبِ الْمَتْرُوكِ بَعْدَ الْحَصَادِ. هَؤُلَاءِ يَهْتِفُونَ وَيُرَنِّمُونَ، وَيُسَبِّحُونَ بِجَلَالِ اللهِ مِنَ الْغَرْبِ. إِذَنْ مَجِّدُوا اللهَ فِي الشَّرْقِ، مَجِّدُوا اسْمَ اللهِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي السَّوَاحِلِ وَالْجُزُرِ. مِنْ آخِرِ الْأَرْضِ نَسْمَعُ غِنَاءً: ”مَجْدًا لِلصَّالِحِ.“ لَكِنِّي قُلْتُ: ”اِنْتَهَيْتُ! اِنْتَهَيْتُ! الْوَيْلُ لِي! الْخَوَنَةُ يُمَارِسُونَ الْخِيَانَةَ! الْخَوَنَةُ يُمَارِسُونَ الْخِيَانَةَ!“ الرُّعْبُ وَالْحُفْرَةُ وَالْفَخُّ نَصِيبُكُمْ يَا سُكَّانَ الْأَرْضِ. فَمَنْ يَهْرُبُ مِنْ صَوْتِ الرُّعْبِ، يَسْقُطُ فِي الْحُفْرَةِ. وَمَنْ يَخْرُجُ مِنَ الْحُفْرَةِ، يَقَعُ فِي الْفَخِّ. لِأَنَّ بَوَّابَاتِ السَّمَاءِ انْفَتَحَتْ، وَأَسَاسَاتِ الْأَرْضِ تَزَلْزَلَتْ. تَتَحَطَّمُ الْأَرْضُ وَتَنْشَقُّ وَتَهْتَزُّ. تَتَرَنَّحُ الْأَرْضُ كَالسَّكْرَانِ. تَتَأَرْجَحُ كَخَيْمَةٍ فِي الْعَاصِفَةِ. مَعَاصِيهَا ثَقِيلَةٌ عَلَيْهَا، فَتَسْقُطُ وَلَنْ تَقُومَ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، يُعَاقِبُ اللهُ الْقُوَّاتِ السَّمَائِيَةَ مِنْ فَوْقُ، وَمُلُوكَ الْأَرْضِ مِنْ تَحْتُ. يَجْمَعُهُمْ كَأَسْرَى فِي الْحَبْسِ، وَيُغْلِقُ عَلَيْهِمْ فِي السِّجْنِ، وَيُعَاقِبُهُمْ بَعْدَ انْتِظَارٍ طَوِيلٍ. وَيَخْجَلُ الْقَمَرُ، وَتَخْزَى الشَّمْسُ، لِأَنَّ اللهَ الْقَدِيرَ يَمْلِكُ عَلَى جَبَلِ تِصْيُونَ فِي الْقُدْسِ، وَيَتَمَجَّدُ أَمَامَ شُيُوخِ شَعْبِهِ. يَا رَبُّ أَنْتَ إِلَهِي فَأُعَظِّمُكَ وَأَحْمَدُ اسْمَكَ، لِأَنَّكَ صَنَعْتَ عَجَائِبَ، أُمُورًا دَبَّرْتَهَا مُنْذُ قَدِيمِ الزَّمَانِ، وَتَمَّمْتَهَا بِأَمَانَةٍ وَصِدْقٍ. حَوَّلْتَ الْمَدِينَةَ إِلَى أَنْقَاضٍ، الْقَرْيَةَ الْحَصِينَةَ إِلَى خَرَابٍ. قَلْعَةُ الْغُرَبَاءِ صَارَتْ خَرَابًا، وَلَنْ تُبْنَى أَبَدًا. لِذَلِكَ تُكْرِمُكَ شُعُوبٌ قَوِيَّةٌ، وَتَخَافُكَ مُدُنُ أُمَمٍ لَا تَرْحَمُ. أَنْتَ حِصْنٌ لِلْمِسْكِينِ، حِصْنٌ لِلْبَائِسِ فِي ضِيقِهِ، مَلْجَأٌ مِنَ السَّيْلِ وَظِلٌّ مِنَ الْحَرِّ. لِأَنَّ غَضَبَ الطُّغَاةِ كَسَيْلٍ يَنْدَفِعُ إِلَى حَائِطٍ، وَكَحَرِّ الصَّحْرَاءِ. أَنْتَ يَا رَبُّ تُسْكِتُ ضَجِيجَ الْغُرَبَاءِ، أَنْتَ تُسْكِتُ هُتَافَ الطُّغَاةِ، كَسَحَابَةٍ تُبَرِّدُ حَرَّ النَّهَارِ. فِي هَذَا الْجَبَلِ، يَصْنَعُ اللهُ الْقَدِيرُ وَلِيمَةً لِكُلِّ الشُّعُوبِ، وَلِيمَةً عَامِرَةً بِطَعَامٍ فَاخِرٍ وَخَمْرٍ مُعَتَّقَةٍ، وَلِيمَةً فِيهَا أَحْسَنُ اللُّحُومِ وَأَفْخَرُ الْخُمُورِ. وَفِي هَذَا الْجَبَلِ يُمَزِّقُ اللهُ الْحِجَابَ الْمَسْدُولَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الشُّعُوبِ، وَالْغِطَاءَ الَّذِي يُغَطِّي كُلَّ الْأُمَمِ. وَيُزِيلُ الْمَوْتَ إِلَى الْأَبَدِ، وَيَمْسَحُ الْمَوْلَى الْإِلَهُ الدُّمُوعَ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، وَيُلَاشِي عَارَ شَعْبِهِ مِنْ كُلِّ الْأَرْضِ، لِأَنَّ اللهَ قَدْ تَكَلَّمَ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَقُولُونَ: ”حَقًّا هَذَا هُوَ إِلَهُنَا الَّذِي اتَّكَلْنَا عَلَيْهِ فَنَجَّانَا، هَذَا هُوَ اللهُ الَّذِي اتَّكَلْنَا عَلَيْهِ، فَنَفْرَحُ وَنَبْتَهِجُ بِنَجَاتِهِ.“ يَدُ اللهِ تَسْتَقِرُّ عَلَى هَذَا الْجَبَلِ، وَلَكِنَّهُ يَدُوسُ مُوآبَ تَحْتَ رِجْلَيْهِ، كَالتِّبْنِ الَّذِي يُدَاسُ فِي الزِّبْلِ. فَتَبْسُطُ مُوآبُ يَدَيْهَا كَمَنْ يَبْسُطُ يَدَيْهِ لِيَسْبَحَ، وَلَكِنْ يُذِلُّ اللهُ كِبْرِيَاءَهَا مَعَ كُلِّ حَرَكَةٍ مِنْ يَدَيْهَا. وَيَهْدِمُ أَسْوَارَ مُوآبَ الْعَالِيَةَ الْحَصِينَةَ، وَيُنْزِلُهَا إِلَى الْأَرْضِ، إِلَى التُّرَابِ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يُغَنِّي النَّاسُ هَذِهِ الْأُغْنِيَةَ فِي أَرْضِ يَهُوذَا: ”لَنَا مَدِينَةٌ قَوِيَّةٌ، بِأَسْوَارٍ وَحُصُونٍ تَجْعَلُنَا فِي أَمَانٍ. اِفْتَحُوا الْأَبْوَابَ، لِتَدْخُلَ الْأُمَّةُ الصَّالِحَةُ، الَّتِي تَحْفَظُ الْإِيمَانَ. صَاحِبُ الرَّأْيِ الثَّابِتِ، أَنْتَ يَا رَبُّ تَحْفَظُهُ فِي سَلَامٍ تَامٍّ، لِأَنَّهُ يَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ. تَوَكَّلُوا عَلَى اللهِ إِلَى الْأَبَدِ، لِأَنَّ الْمَوْلَى الْإِلَهَ هُوَ الصَّخْرُ الْأَبَدِيُّ. هُوَ يَخْفِضُ الَّذِينَ فِي الْأَعَالِي، وَيُذِلُّ الْمَدِينَةَ الْمُرْتَفِعَةَ. يُنْزِلُهَا إِلَى الْأَرْضِ، وَيَرْمِيهَا فِي التُّرَابِ. فَتَدُوسُهَا الْأَقَدَامُ، أَقْدَامُ الْبَائِسِينَ، وَأَرْجُلُ الْمَسَاكِينِ. ”طَرِيقُ الصَّالِحِ مُسْتَقِيمَةٌ، أَنْتَ يَا رَبُّ تُمَهِّدُ طَرِيقَهُ. نَسِيرُ فِي طَرِيقِ أَحْكَامِكَ وَنَنْتَظِرُكَ يَا رَبُّ. تَشْتَاقُ نُفُوسُنَا إِلَى اسْمِكَ وَذِكْرِكَ. فِي اللَّيْلِ أَشْتَاقُ إِلَيْكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِي، وَفِي الصُّبْحِ أَطْلُبُكَ. عِنْدَمَا يَحِلُّ عِقَابُكَ بِالْأَرْضِ، يَتَعَلَّمُ سُكَّانُهَا الصَّلَاحَ. فَإِنْ رَحِمْتَ الشِّرِّيرَ لَا يَتَعَلَّمُ الصَّلَاحَ، بَلْ يَسْتَمِرُّ فِي ارْتِكَابِ الشَّرِّ حَتَّى فِي أَرْضِ الِاسْتِقَامَةِ، وَلَا يَهُمُّهُ جَلَالُ اللهِ. ”يَا رَبُّ، رَفَعْتَ يَدَكَ عَلَى أَعْدَائِكَ، لَكِنَّهُمْ لَا يَرَوْنَهَا. اِجْعَلْهُمْ يُشَاهِدُونَ غِيرَتَكَ عَلَى شَعْبِكَ، فَيَخْجَلُونَ وَتَأْكُلُهُمُ النَّارُ الَّتِي أَعْدَدْتَهَا لَهُمْ. أَنْتَ يَا رَبُّ تُعْطِينَا الْخَيْرَ، لِأَنَّ أَعْمَالَنَا كُلَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ أَنْتَ عَمِلْتَهَا لَنَا. اللَّهُمَّ يَا رَبَّنَا، قَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْنَا سَادَةٌ غَيْرُكَ، لَكِنَّنَا نُكْرِمُ اسْمَكَ أَنْتَ وَحْدَكَ. هُمْ أَمْوَاتٌ لَا يَحْيَوْنَ، هُمْ أَشْبَاحٌ لَا تَقُومُ. أَنْتَ عَاقَبْتَهُمْ وَحَطَّمْتَهُمْ، وَمَسَحْتَ مِنَ الْوُجُودِ ذِكْرَهُمْ. كَثَّرْتَ الْأُمَّةَ يَا رَبُّ، كَثَّرْتَ الْأُمَّةَ وَوَسَّعْتَ حُدُودَ الْبِلَادِ، فَتَعَظَّمْتَ. ”يَا رَبُّ فِي الضِّيقِ طَلَبْنَاكَ. لَمَّا أَدَّبْتَنَا سَكَبْنَا شَكْوَانَا. يَا رَبُّ، كُنَّا فِي مَحْضَرِكَ كَالْحُبْلَى الَّتِي عَلَى وَشْكِ الْوِلَادَةِ، تَتَلَوَّى وَتَصْرُخُ مِنَ الْأَلَمِ. حَبِلْنَا وَتَلَوَّيْنَا مِنَ الْأَلَمِ، لَكِنَّنَا وَلَدْنَا الرِّيحَ. فَلَا نَحْنُ نَجَّيْنَا الْبِلَادَ، وَلَا وَلَدْنَا أَحَدًا يَزِيدُ عَدَدَ سُكَّانِ الْعَالَمِ. يَحْيَا الَّذِينَ مَاتُوا مِنْ شَعْبِكَ، تَقُومُ أَجْسَادُهُمْ! يَسْتَيْقِظُ وَيُغَنِّي سُكَّانُ التُّرَابِ! كَمَا يُنْعِشُ النَّدَى الْبَرَّاقُ الْأَرْضَ، كَذَلِكَ يُقِيمُ اللهُ الَّذِينَ مَاتُوا. ”تَعَالَوْا يَا شَعْبِي، اُدْخُلُوا بُيُوتَكُمْ وَأَغْلِقُوا أَبْوَابَكُمْ وَرَاءَكُمْ. اِخْتَبِئُوا لَحْظَةً حَتَّى يَعْبُرَ غَضَبُ اللهِ. سَيَخْرُجُ الْمَوْلَى مِنْ مَسْكَنِهِ، لِيُعَاقِبَ شَعْبَ الْأَرْضِ عَلَى ذُنُوبِهِمْ، فَتَكْشِفُ الْأَرْضُ عَنِ الدَّمِ الَّذِي سُفِكَ عَلَيْهَا، وَلَا تُغَطِّي قَتْلَاهَا فِيمَا بَعْدُ.“ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، يُعَاقِبُ اللهُ بِسَيْفِهِ الْقَاسِي الْعَظِيمِ الشَّدِيدِ، لُويَاثَانَ الْحَيَّةَ الْمُرَاوِغَةَ وَالْمُلْتَوِيَةَ، وَيَقْتُلُ وَحْشَ الْبَحْرِ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، تُغَنُّونَ عَنِ الْكَرْمَةِ الشَّهِيَّةِ. أَنَا اللهُ حَارِسُهَا، أَسْقِيهَا دَائِمًا، أَحْرُسُهَا لَيْلًا وَنَهَارًا، لِكَيْ لَا يَضُرَّهَا أَحَدٌ. أَنَا لَسْتُ غَاضِبًا عَلَيْهَا! فَإِنْ جَاءَ عَلَيْهَا شَوْكٌ وَحَسَكٌ، أَدُوسُهُ وَأَحْرِقُهُ. فَإِنْ أَرَادَ أَعْدَاءُ شَعْبِي أَنْ أَحْمِيَهُمْ، فَلْيَعْقِدُوا مَعِي صُلْحًا، نَعَمْ، لِيَعْقِدُوا مَعِي صُلْحًا. فِي الْأَيَّامِ الْمُقْبِلَةِ، يَمُدُّ يَعْقُوبُ جُذُورَهُ، يَنْبُتُ إِسْرَائِيلُ وَيُزْهِرُ، وَيَمْلَأُ كُلَّ الْعَالَمِ بِالثِّمَارِ. لَمْ يُعَاقِبِ اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمَا عَاقَبَ أَعْدَاءَهُمْ، وَلَمْ يَقْتُلْ مِنْهُمْ بِقَدْرِ مَا قَتَلَ مِنْ خُصُومِهِمْ. بَلْ عَاقَبَهُمْ، بِأَنْ خَاصَمَهُمْ وَأَرْسَلَهُمْ إِلَى الْمَنْفَى، فَأَزَالَهُمْ كَمَا بِرِيحٍ عَاصِفَةٍ تَهُبُّ مِنَ الشَّرْقِ. لَكِنْ بِهَذَا فَقَطْ يُمْكِنُ التَّكْفِيرُ عَنْ ذَنْبِ يَعْقُوبَ، وَبِهَذَا فَقَطْ تُمْحَى خَطِيئَتُهُ: بِأَنْ يُكَسِّرَ كُلَّ حِجَارَةِ مَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ، وَيَجْعَلَهَا كَحِجَارَةِ الْكِلْسِ الْمُفَتَّتَةِ، وَلَا يَتْرُكَ أَيًّا مِنَ الْأَعْمِدَةِ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا أَوْ مَنَصَّاتِ بَخُورٍ قَائِمَةً. خَرِبَتِ الْمَدِينَةُ الْحَصِينَةُ، أَصْبَحَ الْمَسْكَنُ مَهْجُورًا مَتْرُوكًا كَالْقَفْرِ. هُنَاكَ تَرْعَى الْعُجُولُ، وَهُنَاكَ تَرْبِضُ وَتَأْكُلُ أَغْصَانَهَا. وَحِينَ تَيْبَسُ أَغْصَانُهَا تَتَكَسَّرُ، فَتَأْتِي النِّسَاءُ وَيَسْتَخْدِمْنَهَا وَقُودًا لِلنَّارِ. لِأَنَّ هَذَا شَعْبٌ لَا يَفْهَمُ، لِذَلِكَ لَا يَرْحَمُهُ صَانِعُهُ، وَخَالِقُهُ لَا يَرْأَفُ بِهِ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، يَجْمَعُ اللهُ الْحَصَادَ مِنْ مَجْرَى نَهْرِ الْفُرَاتِ إِلَى وَادِي مِصْرَ، فَيَجْمَعُكُمْ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَاحِدًا وَاحِدًا. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، يَحْدُثُ صَوْتُ بُوقٍ عَظِيمٍ. فَيَأْتِي الْمُشَتَّتُونَ فِي أَشُّورَ، وَالْمَنْفِيُّونَ فِي مِصْرَ، وَيَعْبُدُونَ اللهَ فِي الْجَبَلِ الْمُقَدَّسِ، فِي الْقُدْسِ. الْوَيْلُ لِلْإِكْلِيلِ الَّذِي يَفْخَرُ بِهِ سَكَارَى أَفْرَايِمَ! الْوَيْلُ لِلْمَدِينَةِ الَّتِي تُسَيْطِرُ عَلَى الْوَادِي الْخَصِيبِ، الَّتِي جَمَالُهَا وَبَهَاؤُهَا إِنَّمَا كَزَهْرَةٍ ذَابِلَةٍ. الْوَيْلُ لِلَّذِينَ صَرَعَتْهُمُ الْخَمْرُ. إِنَّ عِنْدَ اللهِ رَجُلًا قَوِيًّا، يُرْسِلُهُ كَعَاصِفَةِ بَرْدٍ وَكَزَوْبَعَةٍ شَدِيدَةٍ، كَمَطَرٍ غَزِيرٍ وَكَسَيْلٍ جَارِفٍ، فَيَضْرِبُ الْبِلَادَ بِشِدَّةٍ. فَذَلِكَ الْإِكْلِيلُ الَّذِي يَفْخَرُ بِهِ سَكَارَى أَفْرَايِمَ يُدَاسُ بِالْأَقْدَامِ. تِلْكَ الْمَدِينَةُ الَّتِي تُسَيْطِرُ عَلَى الْوَادِي الْخَصِيبِ، الَّتِي جَمَالُهَا وَبَهَاؤُهَا إِنَّمَا كَزَهْرَةٍ ذَابِلَةٍ، تَكُونُ كَالتِّينِ الَّذِي يَنْضَجُ قَبْلَ الْمَوْسِمِ، يَرَاهُ الْوَاحِدُ فَيَقْطِفُهُ وَيَلْتَهِمُهُ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، يَكُونُ اللهُ الْقَدِيرُ تَاجًا مَجِيدًا، وَإِكْلِيلًا جَمِيلًا لِبَقِيَّةِ شَعْبِهِ. وَيَكُونُ رُوحَ عَدْلٍ لِلْجَالِسِ عَلَى كُرْسِيِّ الْقَضَاءِ، وَمَصْدَرَ قُوَّةٍ لِمَنْ يُحَارِبُونَ الْأَعْدَاءَ وَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ أَبْوَابِ الْمَدِينَةِ. ضَلَّ الْقَادَةُ بِسَبَبِ الْخَمْرِ، وَتَرَنَّحُوا بِالْمُسْكِرِ. الْأَحْبَارُ وَالْأَنْبِيَاءُ تَخَبَّطُوا سَكْرَانِينَ، وَغَرِقُوا فِي الْخَمْرِ، وَانْسَطَلُوا بِالْمُسْكِرِ. إِنْ جَاءَتْهُمْ رُؤْيَا يَضِلُّونَ، وَفِي قَرَارَاتِهِمْ يَعْثُرُونَ. اِمْتَلَأَتْ كُلُّ مَوَائِدِهِمْ بِالْقَيْءِ، وَأَصْبَحَ كُلُّ مَكَانٍ قَذِرًا. وَقَالَ النَّاسُ: ”عَلَى مَنْ يُحَاوِلُ إِشَعْيَا أَنْ يُلْقِيَ دُرُوسَهُ؟ وَلِمَنْ يَشْرَحُ رِسَالَتَهُ؟ هَلْ لِلْأَطْفَالِ الْمَفْطُومِينَ عَنِ الْحَلِيبِ، الْمَمْنُوعِينَ عَنِ الثَّدْيِ؟ لِأَنَّهُ يُثَرْثِرُ بِكَلَامٍ غَيْرِ مَفْهُومٍ، مُجَرَّدِ أَصْوَاتٍ مِنْ هُنَا وَهُنَاكَ!“ إِذَنْ سَيُكَلِّمُ اللهُ هَذَا الشَّعْبَ بِوَاسِطَةِ أَجَانِبٍ، بِوَاسِطَةِ أَشْخَاصٍ لُغَتُهُمْ غَرِيبَةٌ. فَقَدْ قَالَ لَهُمْ: ”هَذَا هُوَ مَكَانُ الرَّاحَةِ، خَلُّوا التَّعْبَانَ يَرْتَاحُ. هَذَا هُوَ مَكَانُ السُّكُونِ.“ لَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا لَهُ. لِذَلِكَ تَكُونُ كَلِمَةُ اللهِ لَهُمْ، أَنْ يُثَرْثِرَ بِكَلَامٍ غَيْرِ مَفْهُومٍ، مُجَرَّدِ أَصْوَاتٍ مِنْ هُنَا وَهُنَاكَ. لِكَيْ يَذْهَبُوا وَيَسْقُطُوا إِلَى الْوَرَاءِ وَيَتَحَطَّمُوا وَيَقَعُوا فِي الشَّرَكِ وَيُؤْخَذُوا إِلَى الْأَسْرِ. لِذَلِكَ اسْمَعُوا كَلِمَةَ اللهِ أَيُّهَا الْمُسْتَهْزِئُونَ، يَا حُكَّامَ الشَّعْبِ الَّذِي فِي الْقُدْسِ. أَنْتُمْ قُلْتُمْ: ”عَقَدْنَا مِيثَاقًا مَعَ الْمَوْتِ، وَعَمِلْنَا اتِّفَاقِيَّةً مَعَ عَالَمِ الْأَمْوَاتِ. فَالسَّيْلُ الْجَارِفُ إِذَا عَبَرَ لَا يَقْتَرِبُ مِنَّا، لِأَنَّنَا جَعَلْنَا الْكِذْبَ مَلْجَأَنَا وَالْبَاطِلَ سِتْرَنَا.“ لِذَلِكَ يَقُولُ اللهُ: ”سَأَضَعُ فِي الْقُدْسِ حَجَرًا كَرِيمًا مُخْتَارًا، هُوَ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ، لِيَكُونَ أَسَاسًا مَتِينًا، وَمَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لَا يَخْجَلُ. وَأَجْعَلُ الْعَدْلَ كَمِيزَانٍ، وَالصَّلَاحَ كَمِعْيَارٍ. فَيَجْرُفُ الْبَرَدُ مَلْجَأَكُمْ، أَيِ الْكِذْبَ، وَيَكْتَسِحُ السَّيْلُ سِتْرَكُمْ. وَيُلْغَى مِيثَاقُكُمْ مَعَ الْمَوْتِ، وَتَبْطُلُ اتِّفَاقِيَّتُكُمْ مَعَ عَالَمِ الْأَمْوَاتِ، فَالسَّيْلُ الْجَارِفُ إِذَا عَبَرَ يُحَطِّمُكُمْ. يَأْخُذُكُمْ كُلَّمَا عَبَرَ، يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، نَهَارًا وَلَيْلًا. وَمُجَرَّدُ فَهْمِ هَذِهِ الرِّسَالَةِ يُسَبِّبُ لَكُمُ الذُّعْرَ.“ وَكَمَا يَقُولُ الْمَثَلُ: ”السَّرِيرُ أَقْصَرُ مِنَ الَّذِي يَتَمَدَّدُ عَلَيْهِ، وَالْغِطَاءُ أَصْغَرُ مِنَ الَّذِي يَتَغَطَّى بِهِ.“ وَيَقُومُ اللهُ كَمَا فَعَلَ فِي جَبَلِ فَرَاصِيمَ ضِدَّ الْفِلِسْطِيِّينَ، وَيَغْضَبُ كَمَا فَعَلَ فِي وَادِي جِبْعُونَ ضِدَّ الْأَمُورِيِّينَ، لِيَعْمَلَ عَمَلَهُ الْعَجِيبَ، وَيَفْعَلَ فِعْلَهُ الْغَرِيبَ. فَالْآنَ كُفُّوا عَنِ الِاسْتِهْزَاءِ، لِئَلَّا يَزِيدَ عِقَابُكُمْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ الْمَوْلَى الْإِلَهَ الْقَدِيرَ يُعْلِنُ حُكْمَهُ بِالْفَنَاءِ عَلَى كُلِّ الْأَرْضِ. أَصْغُوا وَاسْمَعُوا صَوْتِي، اِنْتَبِهُوا وَاسْمَعُوا كَلَامِي. عِنْدَمَا يُرِيدُ الْفَلَّاحُ أَنْ يَزْرَعَ أَرْضَهُ، هَلْ كُلَّ يَوْمٍ يَحْرُثُهَا وَيَشُقُّهَا وَيُمَهِّدُهَا؟ لَا! بَلْ مَتَى سَوَّى وَجْهَهَا، يَبْزُرُ الْعَدَسَ وَيُذَرِّي الْكَمُّونَ وَيَزْرَعُ الْقَمْحَ فِي صُفُوفِهِ وَالشَّعِيرَ فِي مَكَانِهِ وَالْفُولَ فِي حَقْلِهِ. لِأَنَّ رَبَّهُ يُرْشِدُهُ وَيُعَلِّمُهُ كُلَّ ذَلِكَ. وَهُوَ لَا يَدْرُسُ الْعَدَسَ بِالنَّوْرَجِ، وَلَا الْكَمُّونَ تَحْتَ الْعَجَلَةِ، بَلْ يُخْبَطُ كِلَاهُمَا بِقَضِيبٍ أَوْ بِعَصًا. ثُمَّ عِنْدَمَا يَدْرُسُ الْحُبُوبَ، يَعْمَلُ ذَلِكَ بِحِسَابٍ، وَإِلَّا إِذَا تَرَكَ خَيْلَهُ تَجُرُّ النَّوْرَجَ بِلَا نِهَايَةٍ، تُسْحَقُ. إِنَّ مَصْدَرَ كُلِّ هَذَا هُوَ اللهُ الْقَدِيرُ صَاحِبُ الْمَشُورَةِ الْعَجِيبَةِ وَالْحِكْمَةِ الْعَظِيمَةِ. الْوَيْلُ لِمَدِينَةِ الْقُدْسِ، الْمَدِينَةِ الَّتِي سَكَنَ فِيهَا دَاوُدُ! تَدُورُ السَّنَوَاتُ، وَتَأْتِي أَعْيَادُهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى. لَكِنِّي سَأُحَاصِرُ الْقُدْسَ، فَتَنُوحُ وَتَحْزَنُ، وَتُصْبِحُ كَمَنَصَّةٍ مُلَطَّخَةٍ بِالدَّمِ. سَأَهْجُمُ عَلَيْكِ، وَأُحِيطُ بِكِ، وَأُحَاصِرُكِ بِأَبْرَاجٍ، وَأُقِيمُ عَلَيْكِ آلَاتِ الْحِصَارِ. فَتَنْخَفِضِينَ وَتَتَكَلَّمِينَ مِنَ الْأَرْضِ، وَيَكُونُ كَلَامُكِ تَمْتَمَةً صَادِرَةً مِنَ التُّرَابِ، وَصَوْتُكِ كَصَوْتِ شَبَحٍ مِنَ الْأَرْضِ، كَهَمْسٍ مِنَ التُّرَابِ. وَيَصِيرُ أَعْدَاؤُكِ الْكَثِيرُونَ كَالْغُبَارِ الدَّقِيقِ، وَجُمْهُورُ الطُّغَاةِ كَالرِّيشَةِ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ، وَفَجْأَةً، فِي لَحْظَةٍ يَأْتِي اللهُ الْقَدِيرُ بِرَعْدٍ وَزِلْزَالٍ وَصَوْتٍ عَظِيمٍ، مَعَ زَوْبَعَةٍ وَعَاصِفَةٍ وَلَهِيبِ نَارٍ آكِلَةٍ. وَيُصْبِحُ جُمْهُورُ كُلِّ الْأُمَمِ الَّتِي تُحَارِبُ الْقُدْسَ وَتُهَاجِمُ قِلَاعَهَا وَتُحَاصِرُهَا، كَالْحُلْمِ أَوْ كَرُؤْيَا اللَّيْلِ. فَكَمَا يَحْلُمُ الْجَائِعُ أَنَّهُ يَأْكُلُ، ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ وَيَجِدُ أَنَّهُ جَائِعٌ، وَكَمَا يَحْلُمُ الْعَطْشَانُ أَنَّهُ يَشْرَبُ، ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ وَيَجِدُ أَنَّهُ مُنْهَكٌ وَعَطْشَانٌ، كَذَلِكَ يَكُونُ جُمْهُورُ كُلِّ الْأُمَمِ الَّتِي تُحَارِبُ جَبَلَ تِصْيُونَ. تَحَيَّرُوا وَتَعَجَّبُوا! اِعْمُوا أَنْفُسَكُمْ فَلَا تَرَوْا! اِسْكَرُوا وَلَكِنْ لَيْسَ بِالْخَمْرِ، تَرَنَّحُوا وَلَكِنْ لَيْسَ بِالْمُسْكِرِ! لِأَنَّ اللهَ جَلَبَ عَلَيْكُمْ نَوْمًا عَمِيقًا، وَأَغْمَضَ عُيُونَ أَنْبِيَائِكُمْ، وَغَطَّى رُؤُوسَ الرَّائِينَ بَيْنَكُمْ. فَصَارَتْ هَذِهِ الرُّؤْيَا كُلُّهَا غَامِضَةً كَأَقْوَالِ كِتَابٍ مَخْتُومٍ. فَحِينَ تُنَاوِلُونَهُ لِمَنْ يَعْرِفُ الْقِرَاءَةَ وَتَقُولُونَ لَهُ: ”اِقْرَأْ هَذَا“ فَيُجِيبُ: ”لَا أَقْدِرُ لِأَنَّهُ مَخْتُومٌ.“ وَحِينَ تُنَاوِلُونَهُ لِمَنْ لَا يَعْرِفُ الْقِرَاءَةَ وَتَقُولُونَ لَهُ: ”اِقْرَأْ هَذَا“ فَيُجِيبُ: ”لَا أَعْرِفُ الْقِرَاءَةَ.“ وَقَالَ اللهُ: ”هَذَا الشَّعْبُ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِفَمِهِ، وَيُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ، أَمَّا قَلْبُهُ فَبَعِيدٌ عَنِّي. يَعْبُدُنِي عِبَادَةً هِيَ بِلَا قِيمَةٍ، وَالْعَقَائِدُ الَّتِي يُعَلِّمُهَا هِيَ وَصَايَا مِنْ تَأْلِيفِ النَّاسِ. لِذَلِكَ أَعُودُ وَأُحَيِّرُ هَذَا الشَّعْبَ بِأُمُورٍ عَجِيبَةٍ، فَتَبِيدُ حِكْمَةُ الْحُكَمَاءِ، وَيَتَلَاشَى فَهْمُ الْفُهَمَاءِ.“ الْوَيْلُ لِلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَقَاصِدَهُمْ عَنِ اللهِ، وَيَعْمَلُونَ أَعْمَالَهُمْ فِي الظَّلَامِ وَيَقُولُونَ: ”مَنْ يَرَانَا؟ وَمَنْ يَعْلَمُ بِنَا؟“ أَنْتُمْ تَقْلِبُونَ الْأَوْضَاعَ! هَلْ يُحْسَبُ الْفَخَّارِيُّ كَالطِّينِ؟ أَوْ يَقُولُ الْمَصْنُوعُ عَنْ صَانِعِهِ: ”لَمْ يَصْنَعْنِي“؟ أَوْ يَقُولُ الْوِعَاءُ عَنِ الْفَخَّارِيِّ: ”إِنَّهُ لَا يَفْهَمُ“؟ بَعْدَ قَلِيلٍ جِدًّا، يَتَحَوَّلُ لُبْنَانُ إِلَى بُسْتَانٍ، وَيَبْدُو الْبُسْتَانُ كَالْغَابَةِ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، يَسْمَعُ الطُّرْشُ أَقْوَالَ الْكِتَابِ، وَتُبْصِرُ عُيُونُ الْعُمْيِ بَعْدَمَا كَانَتْ مُغْلَقَةً عَلَى سَوَادٍ وَظَلَامٍ. وَيَزْدَادُ الْمَسَاكِينُ فَرَحًا بِاللهِ، وَيَبْتَهِجُ الْبُؤَسَاءُ بِالْقُدُّوسِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. يَهْلِكُ الطُّغَاةُ. يَفْنَى الْمُسْتَهْزِئُونَ. وَيَتَلَاشَى كُلُّ الْمُوَاظِبِينَ عَلَى الشَّرِّ، الَّذِينَ يُضَيِّعُونَ عَلَى النَّاسِ حَقَّهُمْ، وَيَنْصُبُونَ فَخًّا لِمَنْ يُجْرِي الْعَدَالَةَ، وَيَظْلِمُونَ الْبَرِيءَ بِلَا حَقٍّ. لِذَلِكَ فَإِنَّ اللهَ الَّذِي فَدَى إِبْرَاهِيمَ، يَقُولُ لِبَيْتِ يَعْقُوبَ: ”لَنْ يَخْجَلَ يَعْقُوبُ بَعْدَ الْآنَ، وَلَنْ يَصْفَرَّ وَجْهُهُ. بَلْ عِنْدَمَا يَرَى أَوْلَادَهُ صَنْعَةَ يَدَيَّ وَقَدْ رَجَعُوا إِلَى أَرْضِهِمْ، فَإِنَّهُ يَعْتَرِفُ بِأَنَّ اسْمِي مُقَدَّسٌ، وَأَنِّي قُدُّوسٌ، وَأَنِّي الْقُدُّوسُ رَبُّ بَنِي يَعْقُوبَ، وَيَرْهَبُنِي أَنَا رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَيَكْتَسِبُ الضَّالُّونَ فَهْمًا، وَيَقْبَلُ الْعَنِيدُونَ إِرْشَادًا.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ: ”الْوَيْلُ لِلْأَوْلَادِ الْمُتَمَرِّدِينَ، الَّذِينَ يَعْمَلُونَ خِطَّةً لَيْسَتْ مِنِّي، وَيَعْقِدُونَ حِلْفًا لَيْسَ حَسَبَ رُوحِي، فَزَادُوا خَطِيئَةً عَلَى خَطِيئَةٍ. هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْزِلُونَ إِلَى مِصْرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَشِيرُونِي، الَّذِينَ يَلْجَأُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ لِيَحْمِيَهُمْ، وَإِلَى مِصْرَ لِيَسْتُرَهُمْ ظِلُّهَا. فَتَكُونُ حِمَايَةُ فِرْعَوْنَ عَارًا لَكُمْ، وَظِلُّ مِصْرَ خِزْيًا لَكُمْ. وَمَعَ أَنَّ رُؤَسَاءَهُ فِي صُوعَنَ، وَرُسُلَهُ وَصَلُوا إِلَى حَانِيسَ، لَكِنَّهُمْ كُلَّهُمْ سَيَخْجَلُونَ بِسَبَبِ شَعْبٍ لَا فَائِدَةَ مِنْهُ، فَلَا يَنْفَعُ وَلَا يُعِينُ، بَلْ يَجْلِبُ الْعَارَ وَالْخِزْيَ.“ وَحْيٌ عَنْ بَهَائِمِ الْجَنُوبِ. فِي أَرْضِ الشِّدَّةِ وَالضِّيقِ حَيْثُ اللَّبْوَةُ وَالْأَسَدُ، وَالْأَفْعَى وَالثُّعْبَانُ الطَّيَّارُ، يَحْمِلُ الرُّسُلُ ثَرْوَتَهُمْ عَلَى ظُهُورِ الْحَمِيرِ، وَكُنُوزَهُمْ عَلَى أَسْنِمَةِ الْجِمَالِ، إِلَى تِلْكَ الْأُمَّةِ الَّتِي لَا تَنْفَعُ، إِلَى مِصْرَ، الَّتِي لَا فَائِدَةَ مِنْهَا أَبَدًا. لِذَلِكَ دَعَوْتُهَا 'وَحْشُ الْبَحْرِ التَّعْبَانُ.' وَقَالَ اللهُ لِي: ”تَعَالَ الْآنَ، اُكْتُبْ هَذَا لَهُمْ عَلَى لَوْحٍ، وَسَجِّلْهُ فِي كِتَابٍ، لِيَكُونَ شَاهِدًا لِلْمُسْتَقْبَلِ، حَتَّى إِلَى الْأَبَدِ. لِأَنَّهُ شَعْبٌ مُتَمَرِّدٌ، أَوْلَادٌ كَذَبَةٌ، يَرْفُضُونَ أَنْ يَسْمَعُوا شَرِيعَةَ اللهِ. وَيَقُولُونَ لِلرَّائِينَ: ’لَا تَرَوْا رُؤًى‘ وَلِلْأَنْبِيَاءِ: ’لَا تَتَنَبَّأُوا لَنَا بِمَا هُوَ حَقٌّ! بَلْ كَلِّمُونَا كَلَامًا نَاعِمًا، وَتَنَبَّأُوا بِأُمُورٍ خَادِعَةٍ. حِيدُوا عَنِ الطَّرِيقِ، مِيلُوا عَنِ السَّبِيلِ، أَبْعِدُوا الْقُدُّوسَ رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَمَامِنَا!‘“ لِذَلِكَ يَقُولُ الْقُدُّوسُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ”لِأَنَّكُمْ رَفَضْتُمْ كَلَامِي هَذَا، وَاتَّكَلْتُمْ عَلَى الظُّلْمِ وَالْخِدَاعِ، وَاسْتَنَدْتُمْ عَلَيْهِمَا، لِذَلِكَ تَكُونُ هَذِهِ الْخَطِيئَةُ مِثْلَ تَصَدُّعٍ فِي حَائِطٍ مُرْتَفِعٍ، يَتَزَايَدُ فَيَجْعَلُ الْحَائِطَ يَنْهَارُ فَجْأَةً وَفِي لَحْظَةٍ. وَيَتَحَطَّمُ كَإِنَاءٍ مِنَ الْخَزَفِ سُحِقَ بِقَسْوَةٍ، فَلَا يُوجَدُ فِي كِسَرِهِ شَقْفَةٌ لِأَخْذِ نَارٍ مِنَ الْمَوْقِدِ أَوْ لِغَرْفِ مَاءٍ مِنَ الْبِئْرِ.“ وَقَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ الْقُدُّوسُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ”بِالتَّوْبَةِ وَالسُّكُونِ تَحْصُلُونَ عَلَى النَّجَاةِ، وَبِالْهُدُوءِ وَالِاتِّكَالِ عَلَيَّ تَحْصُلُونَ عَلَى الْقُوَّةِ. لَكِنَّكُمْ رَفَضْتُمْ كُلَّ هَذَا وَقُلْتُمْ: ’لَا، بَلْ نَهْرُبُ عَلَى خَيْلٍ! نَهْرُبُ رَاكِبِينَ عَلَى خَيْلٍ سَرِيعَةٍ!‘ لِذَلِكَ يُسْرِعُ الَّذِينَ يُطَارِدُونَكُمْ. يَهْرُبُ 1000 وَاحِدٍ مِنْكُمْ مِنْ صَرْخَةِ عَدُوٍّ وَاحِدٍ، وَمِنْ صَرْخَةِ 5 تَهْرُبُونَ كُلُّكُمْ، فَلَا يَبْقَى مِنْكُمْ غَيْرُ سَارِيَةٍ عَلَى قِمِّةِ جَبَلٍ أَوْ رَايَةٍ عَلَى تَلٍّ.“ وَمَعَ ذَلِكَ يَشْتَاقُ اللهُ أَنْ يَرْأَفَ بِكُمْ، يَقُومُ لِيَرْحَمَكُمْ، لِأَنَّ اللهَ هُوَ رَبُّ الْعَدْلِ. هَنِيئًا لِكُلِّ مَنْ يَنْتَظِرُونَهُ. يَا شَعْبَ الْقُدْسِ، يَا سُكَّانَ الْقُدْسِ، لَنْ تَبْكُوا فِيمَا بَعْدُ. بَلْ حِينَ تَصْرُخُونَ إِلَيْهِ يَرْأَفُ بِكُمْ، وَحِينَ يَسْمَعُ يَسْتَجِيبُ لَكُمْ. وَمَعَ أَنَّهُ أَعْطَاكُمُ الضِّيقَ كَخُبْزٍ، وَالشِّدَّةَ كَمَاءٍ. لَكِنَّ مُعَلِّمَكَ لَا يَحْجُبُ نَفْسَهُ عَنْكَ فِيمَا بَعْدُ، بَلْ تَرَاهُ بِعَيْنَيْكَ. وَإِذَا انْحَرَفْتَ عَنِ الطَّرِيقِ إِلَى الْيَمِينِ أَوْ إِلَى الشِّمَالِ، تَسْمَعُ أُذُنَاكَ كَلِمَةً مِنْ وَرَائِكَ تَقُولُ: ”هَذِهِ هِيَ الطَّرِيقُ، اُسْلُكْ فِيهَا.“ عِنْدَ ذَلِكَ تَأْخُذُ أَصْنَامَكَ الْمُزَيَّنَةَ بِالْفِضَّةِ، وَتَمَاثِيلَكَ الْمُغَشَّاةَ بِالذَّهَبِ، وَتَرْمِيهَا بَعِيدًا كَشَيْءٍ قَذِرٍ نَجِسٍ، وَتَقُولُ لَهَا: ”اُبْعُدِي عَنِّي.“ وَيُرْسِلُ اللهُ الْمَطَرَ لِزَرْعِكَ الَّذِي تَزْرَعُهُ فِي الْأَرْضِ. فَيَكُونُ الْخُبْزُ مِنْ غَلَّةِ الْأَرْضِ شَهِيًّا وَفِيرًا. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تَرْعَى مَاشِيَتُكَ فِي مُرُوجٍ فَسِيحَةٍ. وَالثِّيرَانُ وَالْحَمِيرُ الَّتِي تَشْتَغِلُ فِي الْأَرْضِ، تَأْكُلُ عَلَفًا مُمَلَّحًا مُذَرًّى بِالْجَارُوفِ وَالْمِذْرَى. وَفِي يَوْمِ الْمَذْبَحَةِ الْعَظِيمَةِ، حِينَ تَسْقُطُ الْأَبْرَاجُ، تَجْرِي جَدَاوِلُ الْمِيَاهِ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ عَالٍ وَعَلَى كُلِّ تَلٍّ مُرْتَفِعٍ. وَيَكُونُ نُورُ الْقَمَرِ كَنُورِ الشَّمْسِ، وَيَكُونُ نُورُ الشَّمْسِ 7 أَضْعَافٍ، أَيْ كَنُورِ 7 أَيَّامٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. وَذَلِكَ حِينَ يُضَمِّدُ اللهُ كُسُورَ شَعْبِهِ، وَيَشْفِي الْجُرُوحَ الَّتِي أَنْزَلَهَا بِهِمْ. الْمَوْلَى نَفْسُهُ يَأْتِي مِنْ بَعِيدٍ، غَضَبُهُ مُشْتَعِلٌ وَهَوْلُهُ رَهِيبٌ. شَفَتَاهُ تَتَكَلَّمَانِ بِغَيْظٍ شَدِيدٍ، وَلِسَانُهُ كَنَارٍ آكِلَةٍ. نَفْخَتُهُ كَسَيْلٍ جَارِفٍ يَبْلُغُ إِلَى الْعُنُقِ. يُغَرْبِلُ الْأُمَمَ بِغُرْبَالِ الْهَلَاكِ. يَضَعُ لِجَامًا فِي أَفْوَاهِ الشُّعُوبِ لِيُضِلَّهُمْ. أَمَّا أَنْتُمْ فَتُغَنُّونَ كَمَا فِي لَيْلَةِ عِيدٍ. تَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ كَالذَّاهِبِينَ عَلَى صَوْتِ الْمِزْمَارِ، إِلَى جَبَلِ اللهِ، إِلَى الْقَدِيرِ رَبِّ شَعْبِهِ. وَيَجْعَلُ اللهُ النَّاسَ يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ الْجَلِيلَ، وَيَرَوْنَ يَدَهُ تَنْزِلُ بِهَيَجَانٍ وَغَضَبٍ وَلَهِيبِ نَارٍ آكِلَةٍ، وَأَمْطَارٍ وَرَعْدٍ وَبَرَدٍ. صَوْتُ اللهِ يُرْعِبُ أَشُّورَ، وَبِعَصَاهُ يَضْرِبُهُمْ. وَمَعَ كُلِّ ضَرْبَةٍ يُوقِعُهَا اللهُ عَلَيْهِمْ بِعَصَا الْعِقَابِ، تَعْزِفُ مُوسِيقَى الدُّفُوفِ وَالْأَعْوَادِ، لِأَنَّهُ يُحَارِبُهُمْ بِضَرَبَاتِ ذِرَاعِهِ. لِأَنَّ حُفْرَةَ النَّارِ أُعِدَّتْ مُنْذُ زَمَنٍ طَوِيلٍ. نَعَمْ، أُعِدَّتْ لِلْمَلِكِ، عَمِيقَةً وَوَاسِعَةً وَمَمْلُوءَةً بِالنَّارِ وَالْحَطَبِ الْكَثِيرِ، وَنَفْخَةُ اللهِ كَسَيْلٍ مِنَ الْكِبْرِيتِ تُشْعِلُهَا. الْوَيْلُ لِلَّذِينَ يَنْزِلُونَ إِلَى مِصْرَ طَلَبًا لِلْمَعُونَةِ. وَيَتَّكِلُونَ عَلَى الْخَيْلِ، وَيَثِقُونَ فِي كَثْرَةِ الْمَرْكَبَاتِ، وَفِي قُوَّةِ الْفُرْسَانِ، وَلَا يَرْجِعُونَ إِلَى الْقُدُّوسِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَا يَطْلُبُونَ مَعُونَةَ اللهِ. لَكِنَّهُ هُوَ أَيْضًا حَكِيمٌ، فَيَجْلِبُ الشَّرَّ، وَلَا يَنْقُضُ كَلَامَهُ. فَيَقُومُ ضِدَّ بَيْتِ الْأَشْرَارِ، وَضِدَّ الَّذِينَ يُنَاصِرُونَ فَعَلَةَ الْإِثْمِ. أَمَّا الْمِصْرِيُّونَ فَهُمْ بَشَرٌ وَلَيْسُوا مِثْلَ اللهِ. وَخَيْلُهُمْ جَسَدٌ لَا رُوحٌ. فَعِنْدَمَا يَمُدُّ اللهُ يَدَهُ يَعْثُرُ الْمُعِينُ وَيَسْقُطُ الْمُعَانُ، وَيَهْلِكُ كِلَاهُمَا مَعًا. وَقَالَ اللهُ لِي: ”كَمَا يُزَمْجِرُ الْأَسَدُ أَوِ الشِّبْلُ عَلَى فَرِيسَتِهِ، فَحَتَّى لَوْ جَاءَتْ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الرُّعَاةِ، لَا يَخَافُ مِنْ صُرَاخِهِمْ وَلَا يُزْعِجُهُ ضَجِيجُهُمْ، كَذَلِكَ يَنْزِلُ اللهُ الْقَدِيرُ لِيُحَارِبَ فِي جَبَلِ تِصْيُونَ وَتِلَالِهِ. وَكَطُيُورٍ تُرَفْرِفُ، يُحَامِي اللهُ الْقَدِيرُ عَنِ الْقُدْسِ. يُحَامِي عَنْهَا وَيُنَجِّيهَا. وَيَعْفُو عَنْهَا وَيُنْقِذُهَا.“ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ارْجِعُوا إِلَى مَنْ تَمَرَّدْتُمْ عَلَيْهِ أَشَدَّ التَّمَرُّدِ. لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، يَرْفُضُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، أَصْنَامَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ الَّتِي عَمِلَتْهَا أَيْدِيكُمُ الْأَثِيمَةُ. ”تَسْقُطُ أَشُّورُ، لَكِنْ لَا بِسَيْفِ إِنْسَانٍ. تَنْهَزِمُ أَشُّورُ، لَكِنْ لَا بِسَيْفِ بَشَرٍ. تَهْرُبُ أَمَامَ السَّيْفِ، وَيُصْبِحُ أَحْسَنُ أَبْطَالِهَا عَبِيدًا. وَيَفْنَى قَادَتُهَا مِنَ الْفَزَعِ، وَيَهْرُبُ ضُبَّاطُهَا عِنْدَمَا يَرَوْنَ الرَّايَةَ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ الَّذِي لَهُ نَارٌ فِي الْقُدْسِ، وَلَهُ أَتُونٌ فِيهَا. اُنْظُرُوا! سَيَأْتِي مَلِكٌ يَمْلِكُ بِالصَّلَاحِ، وَحُكَّامٌ يَحْكُمُونَ بِالْعَدْلِ. وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ كَمَخْبَأٍ مِنَ الرِّيحِ، وَكَسَدٍّ يَحْمِي مِنَ السَّيْلِ، وَكَمَجَارِي مَاءٍ فِي الصَّحْرَاءِ، وَكَظِلِّ صَخْرَةٍ عَظِيمَةٍ فِي قَفْرٍ. وَالْعُيُونُ النَّاظِرَةُ تَرَى، وَالْآذَانُ الصَّاغِيَةُ تَسْمَعُ. وَحَتَّى الْعَقْلُ الْمُتَهَوِّرُ يَفْهَمُ وَيَعْرِفُ، وَاللِّسَانُ الثَّقِيلُ يَتَكَلَّمُ بِفَصَاحَةٍ. وَفِيمَا بَعْدُ لَا يُدْعَى الْخَبِيثُ شَرِيفًا، وَلَا الْمَاكِرُ نَبِيلًا. لِأَنَّ الْخَبِيثَ يَتَكَلَّمُ بِالْخُبْثِ، وَقَلْبَهُ مَشْغُولٌ بِالشَّرِّ. يَرْتَكِبُ الْكُفْرَ، وَيَفْتَرِي عَلَى اللهِ. يَمْنَعُ الطَّعَامَ عَنِ الْجَائِعِ، وَيَحْرِمُ الْعَطْشَانَ مِنَ الْمَاءِ. وَالْمَاكِرُ وَسَائِلُهُ خَبِيثَةٌ. يَتَآمَرُ بِالشَّرِّ لِيُهْلِكَ الْبَائِسِينَ بِالْأَكَاذِيبِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ دَعْوَى الْمِسْكِينِ بِالْحَقِّ. أَمَّا الشَّرِيفُ فَيُفَكِّرُ فِي أُمُورٍ شَرِيفَةٍ، وَعَلَيْهَا يَسْتَنِدُ. أَيَّتُهَا النِّسَاءُ الْمُتْرَفَاتُ، قُمْنَ وَاسْمَعْنَ صَوْتِي. أَيَّتُهَا الْبَنَاتُ الْمُطْمَئِنَّاتُ، اِصْغَيْنَ لِكَلَامِي. بَعْدَ سَنَةٍ مِنَ الْآنَ، تَرْتَعِدْنَ أَيَّتُهَا الْمُطْمَئِنَّاتُ، لِأَنَّ الْحَصَادَ يَتْلَفُ، يَمْضِي الْجَنْيُ بِلَا ثِمَارٍ. اِرْتَعِشْنَ أَيَّتُهَا الْمُتْرَفَاتُ، وَارْتَجِفْنَ أَيَّتُهَا الْمُطْمَئِنَّاتُ، اِخْلَعْنَ ثِيَابَكُنَّ وَتَعَرَّيْنَ. اِلْبَسْنَ الْخَيْشَ عَلَى أَوْسَاطِكُنَّ. اُلْطُمْنَ عَلَى الْأَثْدَاءِ، حَسْرَةً عَلَى الْحُقُولِ الْخَصِيبَةِ وَالْكُرُومِ الْمُثْمِرَةِ، وَعَلَى أَرْضِ شَعْبِيَ الَّتِي طَلَعَ فِيهَا الشَّوْكُ وَالْحَسَكُ. وَحَسْرَةً عَلَى كُلِّ بُيُوتِ الْفَرَحِ، وَعَلَى مَدِينَةِ الْمَرَحِ. يُصْبِحُ الْقَصْرُ مَهْجُورًا، وَالْمَدِينَةُ الصَّاخِبَةُ فَارِغَةً، وَالْقَلْعَةُ وَالْبُرْجُ خَرَابًا إِلَى الْأَبَدِ. هُنَاكَ تَمْرَحُ حَمِيرُ الْوَحْشِ وَتَرْعَى قُطْعَانُ الْمَاشِيَةِ. وَيَدُومُ هَذَا إِلَى أَنْ يُسْكَبَ الرُّوحُ عَلَيْنَا مِنَ السَّمَاءِ، فَتَصِيرُ الصَّحْرَاءُ بُسْتَانًا، وَيَبْدُو الْبُسْتَانُ كَالْغَابَةِ. فَيَسْكُنُ الْعَدْلُ فِي الصَّحْرَاءِ، وَالصَّلَاحُ فِي الْبُسْتَانِ يُقِيمُ. وَمَعَ الصَّلَاحِ يَأْتِي السَّلَامُ، مَعَ الصَّلَاحِ يَأْتِي الْهُدُوءُ وَالِاطْمِئْنَانُ إِلَى الْأَبَدِ. وَيَسْكُنُ شَعْبِي فِي دِيَارِ السَّلَامِ، وَفِي مَسَاكِنَ آمِنَةٍ، وَفِي أَمَاكِنِ رَاحَةٍ وَهَنَاءٍ. فَإِنْ نَزَلَ الْبَرَدُ وَحَطَّمَ الْغَابَةَ إِلَى الْأَرْضِ، وَدَمَّرَ الْمَدِينَةَ تَمَامًا، تَكُونُونَ فِي هَنَاءٍ، تَزْرَعُونَ عِنْدَ كُلِّ الْمِيَاهِ، وَتَرْعَوْنَ ثِيرَانَكُمْ وَحَمِيرَكُمْ بِحُرِّيَّةٍ. الْوَيْلُ لَكَ أَيُّهَا الْمُخْرِبُ الَّذِي لَمْ يَخْرِبُوكَ بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاهِبُ الَّذِي لَمْ يَنْهَبُوكَ بَعْدُ. حِينَ تَنْتَهِي مِنَ التَّخْرِيبِ يَخْرِبُونَكَ، وَحِينَ تَفْرَغُ مِنَ النَّهْبِ يَنْهَبُونَكَ. يَا رَبُّ ارْحَمْنَا. إِيَّاكَ نَنْتَظِرُ. كُنْ قُوَّتَنَا كُلَّ صُبْحٍ وَنَجَاتَنَا فِي وَقْتِ الضِّيقِ. لَمَّا دَوَّى صَوْتُكَ هَرَبَتِ الشُّعُوبُ، لَمَّا قُمْتَ تَبَدَّدَتِ الْأُمَمُ. رَاحَتْ غَنِيمَةُ الشُّعُوبِ كَمَا يَلْتَهِمُ الْجَرَادُ الزَّرْعَ. اِنْقَضُّوا عَلَيْهَا كَأَنَّهُمْ جَيْشٌ مِنَ الْجَرَادِ. يَتَعَظَّمُ اللهُ لِأَنَّهُ يَسْكُنُ فِي الْأَعَالِي. يَمْلَأُ الْقُدْسَ عَدْلًا وَصَلَاحًا. اللهُ أَسَاسٌ رَاسِخٌ لَكَ فِي الْحَيَاةِ. هُوَ فَيْضُ نَجَاةٍ وَحِكْمَةٍ وَعِلْمٍ. مَخَافَةُ اللهِ هِيَ كَنْزٌ لَكَ. اُنْظُرُوا! أَبْطَالُهُمْ يَصْرُخُونَ فِي الشَّوَارِعِ. رُسُلُ السَّلَامِ يَبْكُونَ بِمَرَارَةٍ. خَلَتِ الطُّرُقُ. لَا أَحَدَ فِي الشَّوَارِعِ. نَقَضُوا الْعَهْدَ، اِحْتَقَرُوا الشُّهُودَ، وَأَصْبَحَ الْإِنْسَانُ بِلَا قِيمَةٍ. تَنُوحُ الْبِلَادُ وَتَذْوِي. يَخْجَلُ لُبْنَانُ وَيَذْبُلُ. صَارَ شَارُونُ كَالْقَفْرِ. خَرِبَ بَاشَانُ وَالْكَرْمَلُ. يَقُولُ اللهُ: ”الْآنَ أَقُومُ. الْآنَ أَتَعَظَّمُ. الْآنَ أَرْتَفِعُ. تَحْبَلُونَ قَشًّا وَتَلِدُونَ تِبْنًا، وَنَفَسُكُمْ كَنَارٍ تَأْكُلُكُمْ. وَتَكُونُ الشُّعُوبُ كَالْكِلْسِ الْمُحْتَرِقِ، وَكَشَوْكٍ مَقْطُوعٍ يُحْرَقُ بِالنَّارِ.“ اِسْمَعُوا أَيُّهَا الْبَعِيدُونَ مَا صَنَعْتُ، وَاعْرِفُوا أَيُّهَا الْقَرِيبُونَ قُوَّتِي! اِرْتَعَبَ الْخُطَاةُ فِي الْقُدْسِ، مَلَأَ الْفَزَعُ الْكُفَّارَ. قَالُوا: ”مَنْ مِنَّا يَسْكُنُ فِي نَارٍ آكِلَةٍ؟ مَنْ مِنَّا يَسْكُنُ فِي وَقِيدٍ أَبَدِيٍّ؟“ أَمَّا مَنْ يَسْلُكُ بِالصَّلَاحِ، وَيَتَكَلَّمُ بِالْحَقِّ، وَيَرْفُضُ رِبْحَ الظُّلْمِ، وَيَمْنَعُ يَدَهُ عَنْ قُبُولِ الرَّشْوَةِ، وَيَسُدُّ أُذُنَيْهِ عَنْ مُؤَامَرَاتِ سَفْكِ الدِّمَاءِ، وَيُغْمِضُ عَيْنَيْهِ عَنِ التَّأَمُّلِ فِي الشَّرِّ، هُوَ الَّذِي يَسْكُنُ فِي الْأَعَالِي، وَمَلْجَأُهُ حِصْنٌ فِي الصَّخْرِ، وَإِمْدَادُهُ مِنَ الطَّعَامِ وَالْمَاءِ مَضْمُونٌ. سَتَرَى عُيُونُكُمُ الْمَلِكَ فِي بَهَائِهِ، وَتَنْظُرُ أَرْضًا تَمْتَدُّ بَعِيدًا. وَيَتَذَكَّرُ قَلْبُكُمْ أَيَّامَ الرُّعْبِ فَتَقُولُونَ: ”أَيْنَ الْمُحَاسِبُ؟ أَيْنَ جَابِي الضَّرَائِبِ؟ أَيْنَ الْمَسْئُولُ عَنِ الْأَبْرَاجِ؟“ وَلَا تَعُودُونَ تَرَوْنَ ذَلِكَ الشَّعْبَ الشَّرِسَ، الَّذِي لُغَتُهُ غَامِضَةٌ، وَكَلَامُهُ غَرِيبٌ وَغَيْرُ مَفْهُومٍ. اُنْظُرُوا إِلَى الْقُدْسِ، اُنْظُرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ الَّتِي نَحْتَفِلُ فِيهَا بِأَعْيَادِنَا، فَتَرَى عُيُونُكُمْ مَسْكَنًا مُطْمَئِنًّا، خَيْمَةً ثَابِتَةً لَا تُقْلَعُ أَوْتَادُهَا وَلَا تُقْطَعُ حِبَالُهَا إِلَى الْأَبَدِ. هُنَاكَ يَكُونُ اللهُ لَنَا بِكُلِّ جَلَالِهِ، حَيْثُ الْأَنْهَارُ وَالْجَدَاوِلُ الْوَاسِعَةُ، لَا يَعْبُرُ فِيهَا قَارِبٌ بِمِجْدَافٍ، وَلَا تُبْحِرُ فِيهَا سَفِينَةٌ عَظِيمَةٌ. لِأَنَّ اللهَ هُوَ حَاكِمُنَا، اللهُ هُوَ مُشَرِّعُنَا. اللهُ هُوَ مَلِكُنَا، فَهُوَ يُنْقِذُنَا. يُرْخِي حِبَالَ سُفُنِ الْعَدُوِّ، فَلَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَشُدُّوا قَاعِدَةَ السَّارِيَةِ، وَلَا أَنْ يَنْشُرُوا الشِّرَاعَ. فَنَقْتَسِمُ غَنِيمَةً كَثِيرَةً. حَتَّى الْعُرْجُ يَنْهَبُونَ غَنِيمَةً. وَلَا وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْقُدْسِ يَقُولُ: ”أَنَا مَرِيضٌ“ بَلْ يَغْفِرُ اللهُ إِثْمَ شَعْبِهَا. اِقْتَرِبُوا أَيُّهَا الْأُمَمُ وَاسْمَعُوا، اِنْتَبِهُوا أَيُّهَا الشُّعُوبُ! لِتَسْمَعِ الْأَرْضُ وَكُلُّ مَا فِيهَا، الدُّنْيَا وَكُلُّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا! اللهُ غَاضِبٌ عَلَى كُلِّ الْأُمَمِ، وَسَاخِطٌ عَلَى كُلِّ جُيُوشِهِمْ. قَضَى عَلَيْهِمْ بِالْفَنَاءِ، وَأَسْلَمَهُمْ لِلذَّبْحِ. فَتُطْرَحُ قَتْلَاهُمْ فِي الشَّوَارِعِ، وَتَفُوحُ عُفُونَةُ جُثَثِهِمْ، وَتَسِيلُ الْجِبَالُ بِدِمَائِهِمْ. وَتَفْنَى كُلُّ الْقُوَّاتِ السَّمَائِيَّةِ، وَتُطْوَى السَّمَاءُ مِثْلَ لُفَافَةٍ، وَتَسْقُطُ كُلُّ كُوَاكِبِهَا كَمَا تَسْقُطُ أَوْرَاقُ الْعِنَبِ أَوِ التِّينِ الذَّابِلَةُ. ظَهَرَ سَيْفُ اللهِ فِي السَّمَاءِ. يَنْزِلُ بِالْعِقَابِ عَلَى أَدُومَ، عَلَى شَعْبٍ قَضَيْتُ عَلَيْهِ بِالْفَنَاءِ. اِمْتَلَأَ سَيْفُ اللهِ مِنَ الدَّمِ، دَمِ الْخِرَافِ وَالتُّيُوسِ. وَتَغَطَّى بِالشَّحْمِ، شَحْمِ كُلَى الْكِبَاشِ. لِأَنَّ للهِ مَذْبَحَةً فِي بُصْرَةَ، وَمَجْزَرَةً عَظِيمَةً فِي أَدُومَ. وَيَسْقُطُ مَعَهُمُ الْبَقَرُ الْوَحْشِيُّ، وَكَذَلِكَ الْعُجُولُ وَالثِّيرَانُ. وَتُرْوَى الْأَرْضُ مِنَ الدَّمِ، وَيَسْمَنُ التُّرَابُ مِنَ الشَّحْمِ. هَذَا هُوَ يَوْمُ انْتِقَامِ اللهِ، هَذِهِ هِيَ سَنَةُ الْجَزَاءِ، لِأَنَّهُ يَحْكُمُ فِي صَالِحِ الْقُدْسِ. وَتَتَحَوَّلُ أَنْهَارُ أَدُومَ إِلَى زِفْتٍ، وَتُرَابُهَا إِلَى كِبْرِيتٍ، وَتَصِيرُ أَرْضُهَا زِفْتًا مُشْتَعِلًا. لَا تَنْطَفِئُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا، بَلْ يَتَصَاعَدُ دُخَانُهَا إِلَى الْأَبَدِ. تُخْرَبُ مِنْ جِيلٍ إِلَى جِيلٍ، وَلَا يَعْبُرُ فِيهَا أَحَدٌ أَبَدًا. وَتَرِثُهَا الْجَوَارِحُ وَالْقَنَافِذُ، وَتُعَشِّشُ فِيهَا الْبُومُ وَالْغِرْبَانُ. وَيَقِيسُ اللهُ أَدُومَ لِيَخْرِبَهَا وَيَجْعَلَهَا حُطَامًا. وَلَا يَبْقَى مِنْ بَيْنِ أَشْرَافِهَا مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَمْلِكَ، وَيَنْقَرِضُ مِنْهَا الْعُظَمَاءُ. وَيَطْلَعُ الشَّوْكُ فِي قُصُورِهَا، وَالْعَوْسَجُ وَالْحَسَكُ فِي حُصُونِهَا. وَتُصْبِحُ مَأْوًى لِلثَّعَالِبِ وَدَارًا لِلنَّعَامِ. وَفِيهَا تَتَلَاقَى الْوُحُوشُ مَعَ الذِّئَابِ، وَتَصِيحُ الْمَاعِزُ الْبَرِّيَّةُ بِأَصْحَابِهَا. وَهُنَاكَ تَسْتَقِرُّ وُحُوشُ اللَّيْلِ، وَتَجِدُ لِنَفْسِهَا مَكَانًا لِلرَّاحَةِ. وَهُنَاكَ أَيْضًا تُعَشِّشُ الْبُومُ وَتَبِيضُ وَتُفْرِخُ وَتَرْعَى صِغَارَهَا تَحْتَ أَجْنِحَتِهَا. وَهُنَاكَ تَتَلَاقَى الصُّقُورُ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ. فَتِّشُوا فِي كِتَابِ اللهِ وَاقْرَأُوا، وَلَا وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْكَائِنَاتِ يَكُونُ غَيْرَ مَوْجُودٍ فِي أَدُومَ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَلْتَقِي بِصَاحِبِهِ. لِأَنَّ اللهَ أَمَرَ، وَرُوحَهُ يَجْمَعُهَا مَعًا. فَهُوَ قَسَمَ لَهَا الْبِلَادَ، وَأَعْطَاهَا لَهَا نَصِيبًا. فَتَمْلِكُهَا إِلَى الْأَبَدِ، وَتَسْكُنُ فِيهَا جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. تَفْرَحُ الصَّحْرَاءُ وَالْأَرْضُ الْيَابِسَةُ. تَبْتَهِجُ الْبَرِّيَّةُ وَتُزْهِرُ كَالنَّرْجِسِ. تُزْهِرُ بِوَفْرَةٍ، وَتَبْتَهِجُ جِدًّا وَتُرَنِّمُ. يُعْطَى لَهَا جَلَالُ لُبْنَانَ وَبَهَاءُ الْكَرْمَلِ وَشَارُونَ. فَيَرَوْنَ جَلَالَ اللهِ وَبَهَاءَ إِلَهِنَا. شَدِّدُوا مَنْ ضَعُفَتْ عَزِيمَتُهُمْ، وَأَعِينُوا مَنْ وَهَنَتْ قُوَّتُهُمْ. قُولُوا لِمَنْ قُلُوبُهُمْ خَائِفَةٌ: ”تَشَدَّدُوا وَلَا تَخَافُوا. رَبُّكُمْ قَادِمٌ. إِنَّهُ يَأْتِي لِيَنْتَقِمَ مِنْ أَعْدَائِكُمْ وَيُجَازِيَهُمْ، إِنَّهُ يَأْتِي لِيَنْصُرَكُمْ.“ فَتَنْفَتِحُ عُيُونُ الْعُمْيِ، وَتَنْفَتِحُ أَيْضًا آذَانُ الطُّرْشِ. وَيَقْفِزُ الْأَعْرَجُ كَالْغَزَالِ، وَيُرَنِّمُ لِسَانُ الْأَخْرَسِ. يَنْفَجِرُ الْمَاءُ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَتَجْرِي الْأَنْهَارُ فِي الصَّحْرَاءِ. يَتَحَوَّلُ السَّرَابُ إِلَى عَيْنٍ، وَالْأَرْضُ الْعَطْشَانَةُ إِلَى يَنَابِيعِ مَاءٍ. وَالْأَوْكَارُ الَّتِي تَسْكُنُ فِيهَا الذِّئَابُ، يَنْمُو فِيهَا الْعُشْبُ وَالْقَصَبُ وَالْبَرْدِيُّ. وَتَكُونُ هُنَاكَ طَرِيقٌ تُدْعَى طَرِيقَ الصَّلَاحِ، لَا يُسَافِرُ فِيهَا أَيُّ وَاحِدٍ نَجِسٍ، إِنَّمَا هِيَ لِمَنْ يَسِيرُونَ فِي الصَّلَاحِ. وَلَا يَسِيرُ فِيهَا الْجُهَّالُ. لَا يُوجَدُ فِيهَا أَسَدٌ، وَلَا يَأْتِيهَا وَحْشٌ مُفْتَرِسٌ. لَا شَيْءَ مِنْ هَذَا أَبَدًا. إِنَّمَا يَسْلُكُ فِيهَا الْمَفْدِيُّونَ وَحْدَهُمْ. فَيَرْجِعُ الَّذِينَ فَدَاهُمُ اللهُ إِلَى الْقُدْسِ، وَيَدْخُلُونَهَا بِالْغِنَاءِ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ فَرَحٌ أَبَدِيٌّ. يَغْمُرُهُمُ الِابْتِهَاجُ وَالْفَرَحُ، وَيَهْرُبُ عَنْهُمُ الْحُزْنُ وَالتَّنَهُّدُ. فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ مِنْ حُكْمِ الْمَلِكِ حَزَقِيَّا، هَاجَمَ سِنْحَرِيبُ مَلِكُ أَشُّورَ كُلَّ مُدُنِ يَهُوذَا الْمُحَصَّنَةِ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا. ثُمَّ أَرْسَلَ مَلِكُ أَشُّورَ، قَائِدَ جَيْشِهِ عَلَى رَأْسِ جَيْشٍ كَبِيرٍ، مِنْ لَخِيشَ إِلَى الْمَلِكِ حَزَقِيَّا فِي الْقُدْسِ. وَوَقَفَ عِنْدَ قَنَاةِ الْبِرْكَةِ الْعُلْيَا، فِي طَرِيقِ حَقْلِ الْغَسَّالِ. فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَلْيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَا مُدِيرُ الْقَصْرِ، وَشَبْنَةُ الْكَاتِبُ، وَيُوآخُ بْنُ آسَافَ الْمُسَجِّلُ. فَقَالَ لَهُمْ قَائِدُ الْجَيْشِ: ”قُولُوا لِحَزَقِيَّا: ’الْمَلِكُ الْعَظِيمُ، مَلِكُ أَشُّورَ يَقُولُ: ”مَا الَّذِي يَجْعَلُكَ وَاثِقًا كُلَّ هَذِهِ الثِّقَةِ؟ أَنْتَ تَقُولُ إِنَّ عِنْدَكَ خِطَّةً حَرْبِيَّةً وَقُوَّةً ضَارِبَةً. وَلَكِنَّ هَذَا كَلَامٌ فَارِغٌ! عَلَى مَنِ اتَّكَلْتَ حَتَّى تَتَمَرَّدَ عَلَيَّ؟ أَنْتَ اتَّكَلْتَ عَلَى مِصْرَ الَّتِي هِيَ عَصًا مُهَشَّمَةٌ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا، بَلْ تَثْقُبُ كَفَّ مَنْ يَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَتَضُرُّهُ. هَذَا هُوَ فِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ لِكُلِّ مَنْ يَتَّكِلُ عَلَيْهِ. وَإِنْ قُلْتَ لِي: ’نَحْنُ نَتَوَكَّلُ عَلَى الْمَوْلَى إِلَهِنَا.‘ لَكِنْ أَلَيْسَ هُوَ الَّذِي هَدَمَ حَزَقِيَّا أَمَاكِنَ عِبَادَتِهِ وَمَنَصَّاتِ تَقْدِيمِ الْقُرْبَانِ لَهُ، وَأَمَرَ شَعْبَ يَهُوذَا وَأَهْلَ الْقُدْسِ أَنْ يَسْجُدُوا فَقَطْ أَمَامَ الْمَنَصَّةِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْقُدْسِ؟“ وَالْآنَ تَعَالَ رَاهِنْ سَيِّدِي مَلِكَ أَشُّورَ، فَأُعْطِيَكَ 2000 فَرَسٍ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَجِدَ لَهَا فُرْسَانًا يَرْكَبُونَهَا! فَكَيْفَ تَقْدِرُ أَنْ تَصُدَّ قَائِدًا وَاحِدًا مِنْ أَقَلِّ الْقَادَةِ الَّذِينَ عِنْدَ سَيِّدِي، حَتَّى لَوْ كُنْتَ تَتَّكِلُ عَلَى مِصْرَ لِإِمْدَادِكَ بِالْمَرْكَبَاتِ وَالْفُرْسَانِ؟ ثُمَّ هَلْ أَنَا زَحَفْتُ عَلَى هَذِهِ الْبِلَادِ لِأَخْرِبَهَا، بِدُونِ أَمْرِ اللهِ؟ اللهُ قَالَ لِي: ”هَاجِمْ هَذِهِ الْبِلَادَ وَاخْرِبْهَا.“‘“ فَقَالَ أَلْيَاقِيمُ وَشَبْنَةُ وَيُوآخُ لِقَائِدِ الْجَيْشِ: ”مِنْ فَضْلِكَ، كَلِّمْ عَبِيدَكَ بِاللُّغَةِ الْأَرَامِيَّةِ لِأَنَّنَا نَفْهَمُهَا، وَلَا تُكَلِّمْنَا بِالْعِبْرِيَّةِ بِمَسْمَعٍ مِنَ الشَّعْبِ الَّذِي تَجَمَّعَ عَلَى السُّورِ.“ فَقَالَ الْقَائِدُ: ”هَلْ تَظُنُّ أَنَّ سَيِّدِي أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ أَنْتَ وَسَيِّدِكَ فَقَطْ، لِأَقُولَ هَذَا الْكَلَامَ؟ لَا بَلْ أَيْضًا إِلَى الرِّجَالِ الْجَالِسِينَ عَلَى السُّورِ، فَهُمْ مِثْلُكُمْ سَيَأْكُلُونَ بِرَازَهُمْ وَيَشْرَبُونَ بَوْلَهُمْ!“ ثُمَّ وَقَفَ الْقَائِدُ، وَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ وَقَالَ بِالْعِبْرِيَّةِ: ”اِسْمَعُوا كَلَامَ الْمَلِكِ الْعَظِيمِ، مَلِكِ أَشُّورَ! هَذَا كَلَامُ الْمَلِكِ: ’لَا تَسْمَحُوا لِحَزَقِيَّا بِأَنْ يَخْدَعَكُمْ، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُنْقِذَكُمْ. وَلَا تَسْمَحُوا لَهُ بِأَنْ يَجْعَلَكُمْ تَتَّكِلُونَ عَلَى اللهِ بِقَوْلِهِ: ”بِكُلِّ تَأْكِيدٍ سَيُنْقِذُنَا اللهُ. هَذِهِ الْمَدِينَةُ لَنْ تَسْقُطَ فِي يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ.“‘ لَا تَسْمَعُوا لِحَزَقِيَّا، لِأَنَّ مَلِكَ أَشُّورَ يَقُولُ: ’اِعْقِدُوا مَعِي صُلْحًا وَاسْتَسْلِمُوا لِي، فَيَأْكُلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مِنْ أَشْجَارِ عِنَبِهِ وَتِينِهِ وَيَشْرَبَ مِنْ مَاءِ بِئْرِهِ، حَتَّى أَجِيءَ وَآخُذَكُمْ إِلَى أَرْضٍ كَأَرْضِكُمْ، أَرْضِ حُبُوبٍ وَخَمْرٍ، أَرْضِ خُبْزٍ وَكُرُومٍ. فَلَا يُضِلُّكُمْ حَزَقِيَّا بِقَوْلِهِ: ”اللهُ يُنْقِذُنَا.“ هَلْ يُوجَدُ إِلَهٌ أَنْقَذَ بِلَادَهُ مِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ؟ أَيْنَ آلِهَةُ حَمَاةَ وَأَرْفَادَ؟ أَيْنَ آلِهَةُ سَفَرْوِيمَ؟ هَلْ أَنْقَذُوا السَّامِرَةَ مِنْ يَدِي؟ بَلْ أَيُّ إِلَهٍ مِنْ كُلِّ آلِهَةِ هَذِهِ الْبِلَادِ أَنْقَذَ بِلَادَهُ مِنِّي؟ فَكَيْفَ تَقُولُونَ إِنَّ اللهَ يُنْقِذُ الْقُدْسَ مِنْ يَدِي؟‘“ فَسَكَتُوا وَلَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ الْمَلِكَ أَمَرَ وَقَالَ: ”لَا تَرُدُّوا عَلَيْهِ.“ فَجَاءَ أَلْيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَا مُدِيرُ الْقَصْرِ، وَشَبْنَةُ الْكَاتِبُ، وَيُوآخُ بْنُ آسَافَ الْمُسَجِّلُ، إِلَى حَزَقِيَّا وَثِيَابُهُمْ مُمَزَّقَةٌ، وَأَخْبَرُوهُ بِكَلَامِ الْقَائِدِ. فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ حَزَقِيَّا هَذَا الْكَلَامَ، مَزَّقَ ثِيَابَهُ وَلَبِسَ الْخَيْشَ وَدَخَلَ بَيْتَ اللهِ. وَأَرْسَلَ أَلْيَاقِيمَ مُدِيرَ الْقَصْرِ، وَشَبْنَةَ الْكَاتِبَ، وَشُيُوخَ الْأَحْبَارِ، لَابِسِينَ الْخَيْشَ إِلَى إِشَعْيَا بْنِ آمُوصَ النَّبِيِّ. فَقَالُوا لَهُ: ”حَزَقِيَّا يَقُولُ: ’هَذَا الْيَوْمُ يَوْمُ ضِيقٍ وَتَوْبِيخٍ وَإِهَانَةٍ. صِرْنَا كَامْرَأَةٍ عَلَى وَشْكِ أَنْ تَلِدَ، وَلَكِنْ لَيْسَ عِنْدَهَا الْقُوَّةُ أَنْ تَدْفَعَ الْجَنِينَ لِيَخْرُجَ! لَيْتَ الْمَوْلَى إِلَهَكَ يَسْمَعُ كَلَامَ الْقَائِدِ الَّذِي أَرْسَلَهُ سَيِّدُهُ مَلِكُ أَشُّورَ لِيَسْخَرَ مِنَ الْإِلَهِ الْحَيِّ. فَيُعَاقِبُهُ اللهُ عَلَى الْكَلَامِ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْهُ. لِذَلِكَ أَرْجُو أَنْ تُصَلِّيَ مِنْ أَجْلِ الْبَقِيَّةِ الْمَوْجُودَةِ مِنَ الشَّعْبِ.‘“ فَلَمَّا أَبْلَغَ رِجَالُ حَزَقِيَّا الرِّسَالَةَ إِلَى إِشَعْيَا. قَالَ لَهُمْ إِشَعْيَا: ”قُولُوا لِسَيِّدِكُمْ: ’قَالَ اللهُ: ”لَا تَخَفْ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي سَمِعْتَهُ، إِنَّ صَعَالِيكَ مَلِكِ أَشُّورَ كَفَرُوا بِي، لِذَلِكَ سَأَجْعَلُهُ يُصَابُ بِالْوَهْمِ حِينَ يَسْمَعُ خَبَرًا، فَيَرْجِعُ إِلَى بِلَادِهِ، وَهُنَاكَ أَقْضِي عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ.“‘“ وَسَمِعَ الْقَائِدُ أَنَّ مَلِكَ أَشُّورَ رَحَلَ مِنْ لَخِيشَ لِمُحَارَبَةِ مَدِينَةِ لِبْنَةَ، فَانْسَحَبَ عَنِ الْقُدْسِ وَذَهَبَ إِلَيْهِ. وَبَلَغَ سِنْحَرِيبَ خَبَرٌ أَنَّ تِرْهَاقَا مَلِكَ الْحَبَشَةِ، زَحَفَ عَلَيْهِ لِمُحَارَبَتِهِ. فَلَمَّا سَمِعَ أَرْسَلَ رُسُلًا آخَرِينَ إِلَى حَزَقِيَّا وَقَالَ: ”قُولُوا لِحَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا: ’لَا يَخْدَعْكَ إِلَهُكَ الَّذِي تَتَّكِلُ عَلَيْهِ حِينَ يَقُولُ إِنَّ الْقُدْسَ لَنْ تَسْقُطَ فِي يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ. فَأَنْتَ سَمِعْتَ بِمَا فَعَلَهُ مُلُوكُ أَشُّورَ بِكُلِّ الْبِلَادِ الَّتِي أَفْنَوْهَا تَمَامًا، فَهَلْ تَنْجُو أَنْتَ؟ هَلْ يُوجَدُ إِلَهٌ أَنْقَذَ بِلَادَهُ الَّتِي أَهْلَكَهَا آبَائِي؟ مِثْلَ جُوزَانَ وَحَارَانَ وَرَصَفَ وَبَنِي عَدَنَ الَّذِينَ فِي تَلَسَّارَ! أَيْنَ مَلِكُ حَمَاةَ وَمَلِكُ أَرْفَادَ وَمَلِكُ مَدِينَةِ سَفَرْوِيمَ أَوْ هِينَعَ أَوْ عَوَّا؟‘“ فَأَخَذَ حَزَقِيَّا الْخِطَابَ الَّذِي حَمَلَهُ الرُّسُلُ وَقَرَأَهُ، ثُمَّ صَعِدَ إِلَى بَيْتِ اللهِ وَبَسَطَهُ أَمَامَ اللهِ. وَصَلَّى حَزَقِيَّا إِلَى اللهِ وَقَالَ: ”يَا رَبَّنَا الْقَدِيرَ، يَا رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَنْتَ الْجَالِسُ عَلَى عَرْشِكَ فَوْقَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ. أَنْتَ هُوَ الْإِلَهُ وَحْدَكَ عَلَى كُلِّ مَمَالِكِ الْأَرْضِ. أَنْتَ صَنَعْتَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ. قَرِّبْ يَا رَبُّ أُذُنَكَ وَاسْمَعْ. اِفْتَحْ يَا رَبُّ عَيْنَيْكَ وَانْظُرْ. اِسْمَعْ كُلَّ كَلَامِ سِنْحَرِيبَ الَّذِي أَرْسَلَهُ لِيَشْتِمَ اللهَ الْحَيَّ. حَقًّا يَا رَبُّ، إِنَّ مُلُوكَ أَشُّورَ خَرَّبُوا كُلَّ هَؤُلَاءِ الشُّعُوبِ وَبِلَادِهِمْ. وَطَرَحُوا آلِهَتَهُمْ فِي النَّارِ وَأَبَادُوهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا آلِهَةً، بَلْ صَنَعَهَا النَّاسُ مِنْ خَشَبٍ وَحَجَرٍ. وَالْآنَ اللَّهُمَّ يَا رَبَّنَا، أَنْقِذْنَا مِنْ يَدِهِ، فَتَعْلَمَ كُلُّ مَمَالِكِ الْأَرْضِ أَنَّكَ أَنْتَ وَحْدَكَ يَا رَبُّ هُوَ اللهُ.“ فَأَرْسَلَ إِشَعْيَا بْنُ آمُوصَ إِلَى حَزَقِيَّا وَقَالَ لَهُ: ”الْمَوْلَى رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ: ’لِأَنَّكَ صَلَّيْتَ إِلَيَّ بِشَأْنِ سِنْحَرِيبَ مَلِكِ أَشُّورَ، فَهَذِهِ هِيَ كَلِمَةُ اللهِ الَّتِي نَطَقَ بِهَا ضِدَّهُ: ”أَهْلُ الْقُدْسِ يَحْتَقِرُونَكَ وَيَهْزَأُونَ بِكَ! أَهْلُ الْقُدْسِ يَضْحَكُونَ عَلَيْكَ! هَلْ تَعْلَمُ مَنْ هُوَ الَّذِي شَتَمْتَهُ، وَكَفَرْتَ بِهِ، وَعَلَّيْتَ صَوْتَكَ عَلَيْهِ، وَرَفَعْتَ عَيْنَيْكَ عَلَيْهِ بِكِبْرِيَاءَ؟ إِنَّهُ الْقُدُّوسُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ! أَنْتَ شَتَمْتَ اللهَ عَلَى لِسَانِ رُسُلِكَ وَقُلْتَ: ’صَعِدْتُ بِمَرْكَبَاتِيَ الْكَثِيرَةِ إِلَى أَعَالِي الْجِبَالِ، إِلَى قِمَمِ لُبْنَانَ، وَقَطَعْتُ أَطْوَلَ أَرْزِهِ، وَأَحْسَنَ سَرْوِهِ. وَصَلْتُ إِلَى أَبْعَدِ قِمَمِهِ، وَإِلَى قَلْبِ غَابَاتِهِ. حَفَرْتُ آبَارًا فِي بِلَادٍ أَجْنَبِيَّةٍ، وَشَرِبْتُ مَاءَهَا. نَشَّفْتُ بِبَطْنِ قَدَمِي كُلَّ أَنْهَارِ مِصْرَ.‘ ”’”أَلَمْ تَسْمَعْ أَنِّي مُنْذُ قَدِيمِ الزَّمَانِ دَبَّرْتُ هَذَا، وَمُنْذُ وَقْتٍ طَوِيلٍ قَصَدْتُهُ؟ وَالْآنَ أُتَمِّمُهُ عَلَى يَدِكَ لِتَهْدِمَ الْمُدُنَ الْمُحَصَّنَةَ وَتُحَوِّلَهَا إِلَى أَكْوَامِ حِجَارَةٍ. رَاحَتْ قُوَّةُ أَهْلِهَا، وَارْتَاعُوا وَخَجِلُوا. صَارُوا كَعُشْبِ الْحَقْلِ، وَكَالنَّبَاتِ الضَّعِيفِ. وَكَالْحَشِيشِ الَّذِي يَنْبُتُ عَلَى السَّطْحِ وَيَمُوتُ قَبْلَ مَا يَنْمُو. وَلَكِنِّي عَارِفٌ مَكَانَكَ وَخُرُوجَكَ وَدُخُولَكَ، وَكَيْفَ أَنَّكَ هِجْتَ عَلَيَّ. فَلِأَنَّكَ هِجْتَ عَلَيَّ، وَلِأَنَّ عَجْرَفَتَكَ وَصَلَتْ إِلَى أُذُنَيَّ، لِذَلِكَ أَضَعُ خِزَامَتِي فِي أَنْفِكَ، وَلِجَامِي فِي فَمِكَ، وَأُرْجِعُكَ مِنَ الطَّرِيقِ الَّتِي جِئْتَ فِيهَا.“‘ ”وَهَذِهِ عَلَامَةٌ لَكَ يَا حَزَقِيَّا، هَذِهِ السَّنَةَ تَأْكُلُونَ طَعَامًا يَنْمُو مِنْ نَفْسِهِ، وَفِي السَّنَةِ التَّالِيَةِ تَأْكُلُونَ مَا يَنْبُتُ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا فِي السَّنَةِ الَّتِي بَعْدَهَا فَتَزْرَعُونَ وَتَحْصُدُونَ، وَتَغْرِسُونَ كُرُومًا وَتَأْكُلُونَ ثِمَارَهَا. وَبَقِيَّةُ نَسْلِ يَهُوذَا الَّتِي تَنْجُو، تَكُونُ مَرَّةً أُخْرَى كَشَجَرَةٍ تَغْرِسُ جُذُورَهَا عَمِيقَةً فِي الْأَرْضِ، وَتُنْتِجُ أَغْصَانُهَا ثَمَرًا. لِأَنَّهُ تَخْرُجُ بَقِيَّةٌ مِنَ الْقُدْسِ، جَمَاعَةٌ نَاجِيَةٌ مِنَ الْجَبَلِ الْمُقَدَّسِ. اللهُ الْقَدِيرُ مُصَمِّمٌ أَنْ يَعْمَلَ هَذَا. لِذَلِكَ قَالَ اللهُ عَنْ مَلِكِ أَشُّورَ: ’لَنْ يَدْخُلَ هَذِهِ الْمَدِينَةَ، وَلَنْ يَرْمِيَ عَلَيْهَا سَهْمًا، وَلَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهَا بِتُرْسٍ، وَلَنْ يُقِيمَ عَلَيْهَا مِقْلَاعًا. إِنَّمَا يَرْجِعُ مِنَ الطَّرِيقِ الَّتِي جَاءَ فِيهَا، وَلَنْ يَدْخُلَ هَذِهِ الْمَدِينَةَ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. فَأُحَامِي عَنْ هَذِهِ الْمَدِينَةِ وَأُنْقِذُهَا، مِنْ أَجْلِي، وَمِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِي!‘“ فَخَرَجَ مَلَاكُ اللهِ وَقَتَلَ مِنْ جَيْشِ أَشُّورَ 185000. فَلَمَّا طَلَعَ الصُّبْحُ إِذَا كُلُّهُمْ جُثَثٌ مَيِّتَةٌ. فَانْصَرَفَ سِنْحَرِيبُ مَلِكُ أَشُّورَ، وَانْسَحَبَ مِنْ هُنَاكَ، وَرَجَعَ إِلَى نِينَوَى وَأَقَامَ فِيهَا. وَذَاتَ يَوْمٍ، فِيمَا هُوَ سَاجِدٌ فِي مَعْبَدِ نِسْرُوخَ إِلَهِهِ، قَتَلَهُ بِالسَّيْفِ ابْنَاهُ أَدَرْمَلِكُ وَشَرَاصَرُ، وَهَرَبَا إِلَى أَرْضِ أَرَارَاطَ. وَمَلَكَ أَسَرْحَدُّونُ ابْنُهُ مَكَانَهُ. وَفِي تِلْكَ الْأَيَّامِ مَرِضَ حَزَقِيَّا لِدَرَجَةِ أَنَّهُ أَوْشَكَ أَنْ يَمُوتَ. فَذَهَبَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ إِشَعْيَا بْنُ آمُوصَ وَقَالَ لَهُ: ”اللهُ يَقُولُ لَكَ: ’اِعْمَلْ وَصِيَّتَكَ لِأَهْلِكَ، لِأَنَّكَ لَنْ تُشْفَى بَلْ سَتَمُوتُ‘“ فَأَدَارَ حَزَقِيَّا وَجْهَهُ إِلَى الْحَائِطِ، وَصَلَّى إِلَى اللهِ، وَقَالَ: ”اُذْكُرْ يَا رَبُّ كَيْفَ سِرْتُ فِي مَحْضَرِكَ بِأَمَانَةٍ وَقَلْبٍ مُخْلِصٍ وَعَمِلْتُ مَا يُرْضِيكَ.“ وَبَكَى حَزَقِيَّا بِحُرْقَةٍ. فَقَالَ اللهُ لِإِشَعْيَا: ”اِذْهَبْ وَقُلْ لِحَزَقِيَّا: ’اللهُ رَبُّ دَاوُدَ أَبِيكَ يَقُولُ لَكَ: ”سَمِعْتُ صَلَاتَكَ وَرَأَيْتُ دُمُوعَكَ، فَهَا أَنَا أُضِيفُ إِلَى عُمْرِكَ 15 سَنَةً، وَأُنْقِذُكَ أَنْتَ وَهَذِهِ الْمَدِينَةَ، مِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ، وَأُدَافِعُ عَنْ هَذِهِ الْمَدِينَةِ. وَيُعْطِيكَ اللهُ هَذِهِ الْعَلَامَةَ لِيُؤَكِّدَ لَكَ أَنَّهُ سَيَفْعَلُ مَا وَعَدَ بِهِ، فَأَجْعَلُ ظِلَّ الشَّمْسِ يَرْجِعُ إِلَى الْوَرَاءِ 10 دَرَجَاتٍ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ إِلَى الْأَمَامِ عَلَى سُلَّمِ آحَازَ.“‘“ فَرَجَعَتِ الشَّمْسُ الدَّرَجَاتِ الْـ10 الَّتِي كَانَتْ قَدْ تَقَدَّمَتْهَا. هَذَا هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي كَتَبَهُ حَزَقِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا بَعْدَمَا مَرِضَ وَشُفِيَ مِنْ مَرَضِهِ. قُلْتُ: ”هَلْ أَدْخُلُ أَبْوَابَ الْمَوْتِ وَأَنَا فِي رَيْعَانِ الشَّبَابِ، وَأُحْرَمُ مِنْ بَقِيَّةِ عُمْرِي؟“ وَقُلْتُ: ”لَا أَعُودُ أَرَى الْمَوْلَى الْإِلَهَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ، وَلَا أَنْظُرُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ سُكَّانِ الْفَانِيَةِ. اِنْقَلَعَ مَسْكَنِي وَانْتَقَلَ عَنِّي كَخَيْمَةِ الرَّاعِي. لَفَفْتُ حَيَاتِي كَالْحَائِكِ. قَطَعَنِي مِنَ النَّوْلِ. نَهَارًا وَلَيْلًا تَجْعَلُنِي أَفْنَى. أَنْتَظِرُ بِصَبْرٍ إِلَى الصُّبْحِ، وَلَكِنَّهُ كَأَسَدٍ هَشَّمَ كُلَّ عِظَامِي. نَهَارًا وَلَيْلًا تَجْعَلُنِي أَفْنَى. أَصِيحُ كَعُصْفُورٍ يُزَقْزِقُ، وَكَحَمَامَةٍ تَهْدِرُ. تَعِبَتْ عَيْنَايَ مِنَ النَّظَرِ إِلَى فَوْقُ. قَدْ تَضَايَقْتُ يَا رَبُّ تَعَالَ وَسَاعِدْنِي.“ وَلَكِنْ مَاذَا أَقُولُ؟ لِأَنَّهُ هُوَ كَلَّمَنِي، وَهُوَ نَفْسُهُ فَعَلَ هَذَا. أَسِيرُ بِتَوَاضُعٍ طُولَ عُمْرِي، بِسَبَبِ مَرَارَةِ نَفْسِي. يَا رَبُّ بِكَ تَحْيَا نَفْسِي. أَرِحْ رُوحِي. اِشْفِنِي وَرُدَّ لِيَ الْحَيَاةَ. حَقَّا إِنِّي قَاسَيْتُ الْمَرَارَةَ لِفَائِدَتِي. أَنْتَ حَفِظْتَ نَفْسِي مِنْ حُفْرَةِ الْهَلَاكِ، وَطَرَحْتَ كُلَّ ذُنُوبِي وَرَاءَ ظَهْرِكَ. لِأَنَّ الَّذِينَ فِي عَالَمِ الْمَوْتِ لَا يَحْمَدُونَكَ، الَّذِينَ مَاتُوا لَا يُسَبِّحُونَكَ، وَلَا يَقْدِرُ الَّذِينَ نَزَلُوا إِلَى الْقَبْرِ أَنْ يَرْجُوا أَمَانَتَكَ. إِنَّمَا الْأَحْيَاءُ هُمْ يَحْمَدُونَكَ، كَمَا أَفْعَلُ أَنَا الْيَوْمَ. وَالْآبَاءُ يُخْبِرُونَ أَوْلَادَهُمْ عَنْ أَمَانَتِكَ. اللهُ يُنْقِذُنِي، فَنُغَنِّي عَلَى الْآلَاتِ الْوَتَرِيَّةِ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِنَا فِي بَيْتِ اللهِ. وَقَبْلَ ذَلِكَ كَانَ إِشَعْيَا قَدْ قَالَ: ”اِعْمَلُوا عَجِينَةً مِنْ تِينٍ وَضَمِّدُوا بِهَا الْقُرْحَةَ فَيَبْرَأَ الْمَلِكُ.“ وَكَانَ حَزَقِيَّا قَدْ سَأَلَهُ: ”مَا هِيَ الْعَلَامَةُ الَّتِي تُؤَكِّدُ لِي أَنِّي سَأَصْعَدُ إِلَى بَيْتِ اللهِ؟“ وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَرْسَلَ مَرُودَخُ بَلَادَانُ بْنُ بَلَادَانَ مَلِكُ بَابِلَ، رَسَائِلَ وَهَدِيَّةً إِلَى حَزَقِيَّا، لِأَنَّهُ سَمِعَ أَنَّهُ كَانَ مَرِيضًا وَشُفِيَ. فَفَرِحَ حَزَقِيَّا بِالرُّسُلِ، وَأَرَاهُمْ مَا فِي خَزَائِنِهِ مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَأَطْيَابٍ وَزَيْتٍ طَيِّبٍ، وَكُلَّ مَخَازِنِ الْأَسْلِحَةِ، وَكُلَّ مَا عِنْدَهُ مِنْ كُنُوزٍ. وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ فِي قَصْرِهِ وَفِي كُلِّ مَمْلَكَتِهِ لَمْ يُرِهِمْ إِيَّاهُ حَزَقِيَّا. فَذَهَبَ إِشَعْيَا النَّبِيُّ إِلَى حَزَقِيَّا وَسَأَلَهُ: ”مَاذَا قَالَ لَكَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ، وَمِنْ أَيْنَ جَاءُوا؟“ فَقَالَ حَزَقِيَّا: ”جَاءُوا مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ، مِنْ بَابِلَ.“ فَقَالَ النَّبِيُّ: ”مَاذَا رَأَوْا فِي قَصْرِكَ؟“ فَقَالَ حَزَقِيَّا: ”رَأَوْا كُلَّ شَيْءٍ فِي قَصْرِي. لَيْسَ شَيْءٌ فِي خَزَائِنِي لَمْ أُرِهِمْ إِيَّاهُ.“ فَقَالَ إِشَعْيَا لِحَزَقِيَّا: ”اِسْمَعْ كَلَامَ اللهِ الْقَدِيرِ: ’سَيَأْتِي وَقْتٌ، يُحْمَلُ فِيهِ إِلَى بَابِلَ كُلُّ مَا فِي قَصْرِكَ، وَكُلُّ مَا خَزَنَهُ آبَاؤُكَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. لَا يُتْرَكُ شَيْءٌ. وَيُؤْخَذُ بَعْضُ أَبْنَائِكَ، الَّذِينَ يُولَدُونَ لَكَ مِنْ لَحْمِكَ وَدَمِكَ، فَيَكُونُونَ خِصْيَانًا فِي قَصْرِ مَلِكِ بَابِلَ.‘“ فَقَالَ حَزَقِيَّا لِإِشَعْيَا: ”صَالِحٌ هُوَ كَلَامُ اللهِ الَّذِي أَعْلَنْتَهُ.“ وَقَالَ حَزَقِيَّا فِي نَفْسِهِ: ”سَيَكُونُ سَلَامٌ وَأَمَانٌ فِي أَيَّامِي.“ يَقُولُ إِلَهُكُمْ: ”عَزُّوا شَعْبِي، عَزُّوهُ. طَيِّبُوا قَلْبَ مَدِينَةِ الْقُدْسِ، بَشِّرُوهَا بِأَنَّ أَيَّامَ شَقَائِهَا انْتَهَتْ، وَبِأَنَّ إِثْمَهَا غُفِرَ. لِأَنَّهَا حَصَلَتْ مِنْ يَدِ اللهِ عَلَى جَزَاءِ كُلِّ خَطَايَاهَا مُضَاعَفًا.“ صَوْتٌ يَصْرُخُ فِي الصَّحْرَاءِ وَيَقُولُ: ”أَعِدُّوا طَرِيقَ رَبِّنَا، اِجْعَلُوا سُبُلَ إِلَهِنَا مُسْتَقِيمَةً. كُلُّ وَادٍ يَرْتَفِعُ، وَكُلُّ جَبَلٍ وَتَلٍّ يَنْخَفِضُ، وَالْأَرْضُ الْمُعْوَجَّةُ تَسْتَقِيمُ، وَالْوَعِرَةُ تَسْتَوِي. وَيَظْهَرُ جَلَالُ اللهِ، وَيَرَاهُ كُلُّ الْبَشَرِ مَعًا. اللهُ نَفْسُهُ تَكَلَّمَ.“ أَسْمَعُ صَوْتًا يَقُولُ: ”نَادِ.“ فَقُلْتُ: ”بِمَاذَا أُنَادِي؟“ فَقَالَ: ”كُلُّ النَّاسِ كَالْعُشْبِ، وَكُلُّ جَلَالِهِمْ كَزَهْرِ الْعُشْبِ. يَذْبُلُ الْعُشْبُ، وَيَسْقُطُ الزَّهْرُ، عِنْدَمَا تَهُبُّ عَلَيْهِ نَفْخَةُ اللهِ. حَقًّا النَّاسُ عُشْبٌ. يَذْبُلُ الْعُشْبُ، وَيَسْقُطُ الزَّهْرُ، أَمَّا كَلِمَةُ رَبِّنَا فَتَبْقَى إِلَى الْأَبَدِ.“ يَا مَنْ تُبَشِّرُونَ الْقُدْسَ، اِصْعَدُوا عَلَى جَبَلٍ عَالٍ! يَا مَنْ تُبَشِّرُونَ الْقُدْسَ، اِرْفَعُوا صَوْتَكُمْ وَاهْتِفُوا، اِرْفَعُوهُ وَلَا تَخَافُوا، قُولُوا لِمُدُنِ يَهُوذَا: ”هَذَا هُوَ إِلَهُكُمْ!“ الْمَوْلَى الْإِلَهُ يَأْتِي بِقُوَّةٍ، وَمَعَهُ السُّلْطَةُ لِيَحْكُمَ، وَمَعَهُ الْجَزَاءُ، وَمَعَهُ الْمُكَافَأَةُ! كَالرَّاعِي يَرْعَى قَطِيعَهُ. يَجْمَعُ الْحُمْلَانَ بِذِرَاعِهِ، يَحْمِلُهَا فِي حِضْنِهِ، وَيَقُودُ الْمُرْضِعَاتِ بِحَنَانٍ. مَنْ كَالَ الْمِيَاهَ بِكَفِّهِ، وَقَاسَ السَّمَاوَاتِ بِالشِّبْرِ؟ مَنْ كَالَ تُرَابَ الْأَرْضِ بِالْكَيْلِ، وَوَزَنَ الْجِبَالَ بِالْقَبَّانِ، وَالتِّلَالَ بِالْمِيزَانِ؟ مَنْ فَهِمَ فِكْرَ اللهِ؟ وَمَنْ كَانَ مُشِيرًا لَهُ لِيُرْشِدَهُ؟ مَنِ الَّذِي اسْتَشَارَهُ اللهُ فَأَفْهَمَهُ؟ مَنْ عَلَّمَ اللهَ فِي طَرِيقِ الْحَقِّ؟ مَنْ عَلَّمَ اللهَ الْمَعْرِفَةَ، وَأَرَاهُ سَبِيلَ الْفَهْمِ؟ إِنَّهُ يَعْتَبِرُ الْأُمَمَ كَنُقْطَةٍ مِنْ دَلْوٍ، أَوْ كَغُبَارٍ فِي الْمِيزَانِ. يَنْفُضُ الْجُزُرَ كَذَرَّةِ تُرَابٍ. وَلُبْنَانُ لَا يَكْفِي أَنْ يَكُونَ وَقُودًا، وَلَا حَيَوَانُهُ يَكْفِي أَنْ يَكُونَ ضَحِيَّةً. كُلُّ الْأُمَمِ فِي نَظَرِهِ كَلَا شَيْءٍ، يَعْتَبِرُهَا بِلَا قِيمَةٍ وَأَقَلَّ مِنْ لَا شَيْءٍ. فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَ اللهَ؟ وَبِأَيِّ شَبَهٍ تُقَارِنُونَهُ؟ هَلْ بِصَنَمٍ يَسْبِكُهُ الصَّانِعُ، وَيُغَشِّيهِ الصَّائِغُ بِالذَّهَبِ، وَيَصْنَعُ لَهُ سَلَاسِلَ مِنَ الْفِضَّةِ؟ أَوْ إِنْ كَانَ الْوَاحِدُ فَقِيرًا، يَخْتَارُ خَشَبًا لَا يُسَوِّسُ، وَيَبْحَثُ عَنْ صَانِعٍ مَاهِرٍ، لِيُقِيمَ صَنَمًا لَا يَقَعُ. أَلَمْ تَعْلَمُوا؟ أَلَمْ تَسْمَعُوا؟ أَلَمْ يَبْلُغْكُمْ مِنَ الْبِدَايَةِ؟ أَلَمْ تَفْهَمُوا مُنْذُ تَأَسَّسَتِ الْأَرْضُ؟ هُوَ الْجَالِسُ عَلَى كُرَةِ الْأَرْضِ، وَأَهْلُهَا كَالْجَرَادِ. هُوَ يَبْسُطُ السَّمَاوَاتِ كَغِطَاءٍ، وَيَنْشُرُهَا كَخَيْمَةٍ لِلسَّكَنِ. هُوَ يَجْعَلُ الْعُظَمَاءَ كَلَا شَيْءٍ، وَيُصَيِّرُ حُكَّامَ الْأَرْضِ بِلَا قِيمَةٍ. بِمُجَرَّدِ أَنْ يُغْرَسُوا، بِمُجَرَّدِ أَنْ يُزْرَعُوا، بِمُجَرَّدِ أَنْ يَمْتَدَّ جِذْرُهُمْ فِي الْأَرْضِ، يَنْفُخُ فِيهِمْ فَيَذْبُلُونَ، وَتَحْمِلُهُمُ الزَّوْبَعَةُ كَالتِّبْنِ. لِذَلِكَ يَقُولُ الْقُدُّوسُ: ”بِمَنْ تُشَبِّهُونِي؟ مَنْ يُعَادِلُنِي؟“ اِرْفَعُوا عُيُونَكُمْ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَانْظُرُوا، مَنْ خَلَقَ كُلَّ هَذِهِ؟ مَنِ الَّذِي يَجْعَلُهَا تَخْرُجُ بِنِظَامٍ كَجَيْشٍ، وَيَدْعُوهَا كُلَّهَا بِأَسْمَائِهَا؟ هُوَ صَاحِبُ الْقُوَّةِ الْعُظْمَى، وَالْقُدْرَةِ وَالشِّدَّةِ، فَلَا يَتَغَيَّبُ وَاحِدٌ مِنْهَا! لِمَاذَا تَشْتَكِي يَا يَعْقُوبُ؟ يَا إِسْرَائِيلُ لِمَاذَا تَقُولُ: ”اللهُ لَا يَرَى مَا يَجْرِي لِي، إِلَهِي لَا يُبَالِي بِمَصْلَحَتِي“؟ أَلَمْ تَعْلَمُوا؟ أَلَمْ تَسْمَعُوا؟ الْمَوْلَى هُوَ الْإِلَهُ الْأَزَلِيُّ، خَالِقُ الْأَرْضِ كُلِّهَا، لَا يَتْعَبُ وَلَا يَكِلُّ، فَهْمُهُ بِلَا حُدُودٍ. يُعْطِي التَّعْبَانَ قُدْرَةً، وَيَمْنَحُ الضَّعِيفَ قُوَّةً. حَتَّى الشُّبَّانُ يَتْعَبُونَ وَيَكِلُّونَ، وَالْفِتْيَانُ يَعْثُرُونَ وَيَسْقُطُونَ. أَمَّا الَّذِينَ يَضَعُونَ رَجَاءَهُمْ فِي اللهِ، فَيُجَدِّدُونَ قُوَّتَهُمْ، يُحَلِّقُونَ بِأَجْنِحَةٍ كَالنُّسُورِ، يَجْرُونَ وَلَا يَتْعَبُونَ، يَمْشُونَ وَلَا يَكِلُّونَ. ”أَنْصِتُوا إِلَيَّ يَا أَهْلَ السَّوَاحِلِ وَالْجُزُرِ، جَدِّدِي قُوَّتَكِ أَيَّتُهَا الْأُمَمُ! اِقْتَرِبُوا إِلَى الْأَمَامِ وَتَكَلَّمُوا، تَعَالَوْا نَلْتَقِي مَعًا لِلْمُحَاكَمَةِ. مَنْ أَرْسَلَ مِنَ الشَّرْقِ هَذَا الَّذِي يَنْتَصِرُ فِي كُلِّ خَطْوَةٍ؟ مَنْ دَفَعَ لَهُ الْأُمَمَ، وَأَخْضَعَ لَهُ الْمُلُوكَ؟ يُبَعْثِرُهُمْ كَالتُّرَابِ بِسَيْفِهِ، وَكَالتِّبْنِ الْمُذَرَّى بِقَوْسِهِ. يُطَارِدُهُمْ وَيَمُرُّ سَالِمًا فِي طَرِيقٍ لَمْ يَعْبُرْهُ مِنْ قَبْلُ. مَنْ فَعَلَ هَذِهِ الْأُمُورَ وَنَفَّذَهَا؟ مَنْ أَخْبَرَ بِهَا قَبْلَ حُدُوثِهَا؟ أَنَا اللهُ، مِنَ الْأَوَّلِ إِلَى الْآخِرِ، أَنَا هُوَ.“ رَأَى أَهْلُ السَّوَاحِلِ وَالْجُزُرِ مَا عَمِلُوا فَخَافُوا، وَارْتَعَشَتِ الْأَرْضُ كُلُّهَا. فَاقْتَرَبُوا وَجَاءُوا، وَكُلُّ وَاحِدٍ يُسَاعِدُ الْآخَرَ، وَيَقُولُ لِأَخِيهِ: ”تَشَجَّعْ.“ النَّجَّارُ يُشَجِّعُ الصَّائِغَ، وَالْحَدَّادُ يُشَجِّعُ مَنْ يَضْرِبُ عَلَى السِّنْدَانِ وَيَقُولُ عَنِ الْإِلْحَامِ: ”هَذَا جَيِّدٌ.“ وَيُثَبِّتُ الصَّنَمَ بِمَسَامِيرَ لِكَيْ لَا يَقَعَ. ”أَمَّا أَنْتَ يَا إِسْرَائِيلُ عَبْدِي، يَا يَعْقُوبُ الَّذِي اخْتَرْتُهُ، يَا نَسْلَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِي، يَا مَنْ أَخَذْتُكَ مِنْ آخِرِ الْأَرْضِ، وَدَعَوْتُكَ مِنْ أَقَاصِي الدُّنْيَا وَقُلْتُ لَكَ: ’أَنْتَ عَبْدِي‘ إِنِّي اخْتَرْتُكَ وَلَمْ أَرْفُضْكَ. إِذَنْ، لَا تَخَفْ لِأَنِّي مَعَكَ. لَا تَتَلَفَّتْ فِي حَيْرَةٍ لِأَنِّي إِلَهُكَ. أُقَوِّيكَ وَأُعِينُكَ، وَبِيَمِينِيَ الصَّالِحَةِ أَسْنُدُكَ. كُلُّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَيْكَ يَخْجَلُ وَيَخْزَى، وَالَّذِينَ يُقَاوِمُونَكَ يَصِيرُونَ كَلَا شَيْءٍ وَيَبِيدُونَ. تَبْحَثُ عَنْ أَعْدَائِكَ وَلَا تَجِدُهُمْ، وَالَّذِينَ يُحَارِبُونَكَ يُصْبِحُونَ كَلَا شَيْءٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ. لِأَنِّي أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكَ مَاسِكٌ يَمِينَكَ وَأَقُولُ لَكَ، لَا تَخَفْ، أَنَا أُعِينُكَ. ”لَا تَخَفْ يَا يَعْقُوبُ، مَعَ أَنَّكَ ضَعِيفٌ كَدُودَةٍ، مَعَ أَنَّكَ قَلِيلٌ يَا إِسْرَائِيلُ. فَهَذَا كَلَامُ اللهِ: أَنَا نَفْسِي أُعِينُكَ، أَنَا فَادِيكَ، أَنَا الْقُدُّوسُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. أَجْعَلُكَ نَوْرَجًا جَدِيدًا حَادًّا بِأَسْنَانٍ، فَتَدْرُسُ الْجِبَالَ وَتَسْحَقُهَا، وَتَجْعَلُ التِّلَالَ كَالتِّبْنِ. وَتُذَرِّيهَا فَتَحْمِلُهَا الرِّيحُ، وَتُبَدِّدُهَا الْعَاصِفَةُ. وَأَنْتَ تَبْتَهِجُ بِاللهِ، وَتَفْتَخِرُ بِالْقُدُّوسِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ”الْمَسَاكِينُ وَالْفُقَرَاءُ يَطْلُبُونَ الْمَاءَ وَلَا يَجِدُونَ. لِسَانُهُمْ يَبِسَ مِنَ الْعَطَشِ. لَكِنِّي أَنَا اللهُ أَسْتَجِيبُ لَهُمْ، أَنَا رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا أَتْرُكُهُمْ. أُفَجِّرُ أَنْهَارًا عَلَى الْهِضَابِ، وَيَنَابِيعَ فِي وَسَطِ الْأَوْدِيَةِ. أُحَوِّلُ الصَّحْرَاءَ إِلَى عُيُونِ مَاءٍ، وَالْأَرْضَ الْقَاحِلَةَ إِلَى يَنَابِيعَ. وَأُنْبِتُ فِي الصَّحْرَاءِ الْأَرْزَ وَالسَّنْطَ وَالْآسَ وَالزَّيْتُونَ. وَأُنْمِي فِي الْقَفْرِ السَّرْوَ وَالسِّنْدِيَانَ وَالشِّرْبِينَ مَعًا. لِكَيْ يَرَى النَّاسُ فَيَعْرِفُوا، وَيَتَأَمَّلُوا فَيَفْهَمُوا أَنَّ يَدَ اللهِ صَنَعَتْ هَذَا، وَأَنَّ الْقُدُّوسَ رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْدَعَهُ. ”قَدِّمُوا دَعْوَاكُمْ“ يَقُولُ اللهُ. ”هَاتُوا حُجَجَكُمْ، يَقُولُ مَلِكُ يَعْقُوبَ. هَاتُوا أَصْنَامَكُمْ لِتُخْبِرَنَا بِمَا سَيَحْدُثُ! أَوْ بِمَا جَرَى فِي الْمَاضِي! أَخْبِرُونَا فَنَتَأَمَّلَ وَنَعْلَمَ النِّهَايَةَ. عَرِّفُونَا بِأُمُورِ الْمُسْتَقْبَلِ، أَخْبِرُونَا بِمَا سَيَأْتِي فِيمَا بَعْدُ، فَنَعْلَمَ أَنَّكُمْ آلِهَةٌ. هَاتُوا مُعْجِزَةً، خَيْرًا كَانَتْ أَوْ شَرًّا، لِكَيْ نَنْدَهِشَ أَوْ نَخَافَ! لَكِنَّكُمْ أَقَلُّ مِنْ لَا شَيْءٍ، وَأَعْمَالَكُمْ بِلَا قِيمَةٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَمَلْعُونٌ هُوَ الَّذِي يَخْتَارُكُمْ. ”أَنَا أَقَمْتُهُ مِنَ الشَّمَالِ فَسَيَأْتِي. هُوَ مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ وَسَيَبْتَهِلُ إِلَيَّ. يَدُوسُ عَلَى الْحُكَّامِ كَأَنَّهُمْ وَحْلٌ، وَكَمَا يَدُوسُ الْفَخَّارِيُّ الطِّينَ. مَنْ أَخْبَرَ بِهَذَا الْأَمْرِ مُنْذُ الْبِدَايَةِ حَتَّى نَعْلَمَ؟ أَوْ مَنْ أَعْلَنَهُ قَبْلَ حُدُوثِهِ حَتَّى نَقُولَ إِنَّهُ صَادِقٌ؟ وَلَا وَاحِدٌ أَخْبَرَ. وَلَا وَاحِدٌ أَعْلَنَ. وَلَا سَمِعْنَا كَلِمَةً مِنْكُمْ! أَنَا أَوَّلُ مَنْ أَخْبَرَ الْقُدْسَ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَأَوَّلُ مَنْ بَعَثَ رَسُولًا يُبَشِّرُهَا. أَنْظُرُ إِلَى هَؤُلَاءِ الْآلِهَةِ، فَلَا أَجْدُ أَحَدًا. نَعَمْ، لَا أَجِدُ أَحَدًا يُعْطِي مَشُورَةً. أَسْأَلُهُمْ، وَلَا وَاحِدٌ يَرُدُّ. كُلُّهُمْ زَائِفُونَ! أَعْمَالُهُمْ لَا شَيْءَ! وَتَمَاثِيلُهُمْ رِيحٌ وَفَرَاغٌ! ”هَذَا هُوَ عَبْدِيَ الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِيَ الَّذِي يُفَرِّحُنِي. أَضَعُ رُوحِي عَلَيْهِ، فَيُعْطِي الْحَقَّ لِلْأُمَمِ. لَا يَصْرُخُ وَلَا يَصِيحُ، وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ فِي الشَّوَارِعِ. لَا يَكْسِرُ حَتَّى عَصًا مُهَشَّمَةً، وَلَا يُطْفِئُ حَتَّى فَتِيلَةً مُدَخِّنَةً. يُجْرِي الْحَقَّ بِأَمَانَةٍ. لَا تَرْتَخِي عَزِيمَتُهُ وَلَا تَثْبُطُ هِمَّتُهُ، إِلَى أَنْ يُثَبِّتَ الْحَقَّ عَلَى الْأَرْضِ. حَتَّى أَهْلُ السَّوَاحِلِ الْبَعِيدَةِ يَضَعُونَ رَجَاءَهُمْ فِي شَرِيعَتِهِ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَنَشَرَهَا، وَالَّذِي بَسَطَ الْأَرْضَ وَكُلَّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَالَّذِي يُعْطِي حَيَاةً لِأَهْلِهَا، وَرُوحًا لِلسَّائِرِينَ فِيهَا. ”أَنَا اللهُ دَعَوْتُكَ بِصَلَاحِي، أَنَا أُمْسِكُ بِيَدِكَ وَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ مِيثَاقًا لِلشَّعْبِ وَنُورًا لِلْأُمَمِ. لِتَفْتَحَ الْعُيُونَ الْعَمْيَاءَ، وَتُخْرِجَ الْأَسْرَى مِنَ السِّجْنِ، وَتُحَرِّرَ الْجَالِسِينَ فِي ظُلْمَةِ الْحَبْسِ. ”أَنَا اللهُ، وَهَذَا اسْمِي! لَا أَسْمَحُ بِأَنْ يُشَارِكَنِي آخَرُ فِي جَلَالِي، وَلَا صَنَمٌ فِي التَّسْبِيحِ الْوَاجِبِ لِي. اُنْظُرُوا! إِنَّ مَا قِيلَ فِي الْمَاضِي قَدْ تَحَقَّقَ، وَالْآنَ أُعْلِنُ لَكُمْ أَشْيَاءَ جَدِيدَةً، وَقَبْلَ أَنْ تَحْدُثَ أُخْبِرُكُمْ بِهَا.“ غَنُّوا للهِ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً. سَبِّحُوهُ فِي كُلِّ أَنْحَاءِ الْأَرْضِ. أَنْتُمْ يَا مَنْ تَعْبُرُونَ الْبِحَارَ، وَأَنْتِ أَيَّتُهَا الْخَلَائِقُ الَّتِي فِيهَا، أَيَّتُهَا السَّوَاحِلُ وَالْجُزُرُ وَكُلُّ سُكَّانِهَا. لِتُنْشِدِ الصَّحْرَاءُ وَمُدُنُهَا، لِتَفْرَحِ الدِّيَارُ الَّتِي يَسْكُنُهَا قِيدَارُ، لِيُرَنِّمْ سُكَّانُ سَالِعَ. وَلْيَهْتِفُوا مِنْ قِمَمِ الْجِبَالِ. لِيُعْطُوا اللهَ مَجْدًا، وَيُعْلِنُوا تَسْبِيحَهُ فِي السَّوَاحِلِ وَالْجُزُرِ. يَخْرُجُ الْمَوْلَى كَبَطَلٍ، كَمُحَارِبٍ يُشْعِلُ غِيرَتَهُ، يَهْتِفُ وَيَصِيحُ، وَيَنْتَصِرُ عَلَى أَعْدَائِهِ. ”صَمَتُّ طَوِيلًا، سَكَتُّ وَضَبَطْتُ نَفْسِي. أَمَّا الْآنَ فَأَصِيحُ كَامْرَأَةٍ تَلِدُ، وَأَنْفُخُ وَأَزْفُرُ. أَخْرِبُ الْجِبَالَ وَالتِّلَالَ وَأُيَبِّسُ كُلَّ خُضْرَةٍ فِيهَا. أُحَوِّلُ الْأَنْهَارَ إِلَى أَرْضٍ، وَأُنَشِّفُ الْعُيُونَ. أَقُودُ الْعُمْيَ فِي طَرِيقٍ لَمْ يَعْرِفُوهَا مِنْ قَبْلُ، وَأُرْشِدُهُمْ فِي مَسَالِكَ لَمْ يَعْلَمُوهَا. وَأُحَوِّلُ الظَّلَامَ أَمَامَهُمْ إِلَى نُورٍ، وَأَجْعَلُ الْأَمَاكِنَ الْوَعِرَةَ تَسْتَوِي. هَذِهِ الْأُمُورُ أَفْعَلُهَا وَلَا أَتَخَلَّى عَنْهُمْ. أَمَّا الَّذِينَ يَتَّكِلُونَ عَلَى الْأَصْنَامِ وَيَقُولُونَ لِلتَّمَاثِيلِ: ’أَنْتِ آلِهَتُنَا‘ يَتَرَاجَعُونَ لِلْوَرَاءِ فِي خِزْيٍ شَدِيدٍ. ”اِسْمَعُوا أَيُّهَا الطُّرْشُ! تَطَلَّعُوا أَيُّهَا الْعُمْيُ وَانْظُرُوا! مَنْ هُوَ أَعْمَى غَيْرُ عَبْدِي، وَأَطْرَشُ كَرَسُولِي الَّذِي أَبْعَثُهُ؟ مَنْ هُوَ أَعْمَى كَالَّذِي أَثِقُ فِيهِ، أَعْمَى كَعَبْدِ اللهِ؟ أَنْتَ تَرَى أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، وَلَا تَنْتَبِهُ لَهَا. أُذُنَاكَ مَفْتُوحَتَانِ، وَلَا تَسْمَعُ.“ اللهُ قَدْ سُرَّ مِنْ أَجْلِ صَلَاحِهِ، لِذَلِكَ يُعَظِّمُ شَرِيعَتَهُ وَيُكْرِمُهَا. لَكِنَّهُ شَعْبٌ مَنْهُوبٌ وَمَسْلُوبٌ، كُلُّهُمْ وَقَعُوا فِي حُفَرٍ، أَوِ اخْتَفَوْا فِي السُّجُونِ. صَارُوا كَشَيْءٍ يُنْهَبُ وَلَا مَنْ يُنْقِذُهُمْ، صَارُوا كَشَيْءٍ يُسْلَبُ وَلَا مَنْ يُطَالِبُ بِإِرْجَاعِهِمْ. مَنْ مِنْكُمْ يَسْمَعُ هَذَا الْكَلَامَ، وَيُصْغِي وَيَنْتَبِهُ لِمَا سَيَأْتِي؟ مَنْ سَلَّمَ يَعْقُوبَ إِلَى السَّلْبِ، وَإِسْرَائِيلَ إِلَى النَّاهِبِينَ؟ هُوَ اللهُ الَّذِي أَخْطَأْنَا إِلَيْهِ. لِأَنَّهُمْ رَفَضُوا أَنْ يَسْلُكُوا فِي طُرُقِهِ، وَأَنْ يُطِيعُوا شَرِيعَتَهُ. لِذَلِكَ صَبَّ عَلَيْهِمْ غَضَبَهُ الْمُشْتَعِلَ، بِحَرْبٍ عَنِيفَةٍ. فَأَلْهَبَتْهُمْ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا، وَأَحْرَقَتْهُمْ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَعْتَبِرُوا. وَالْآنَ هَذَا كَلَامُ اللهِ الَّذِي خَلَقَكَ يَا يَعْقُوبُ، وَالَّذِي كَوَّنَكَ يَا إِسْرَائِيلُ: ”لَا تَخَفْ، لِأَنِّي فَدَيْتُكَ. دَعَوْتُكَ بِاسْمِكَ. أَنْتَ لِي. إِذَا عَبَرْتَ فِي الْمِيَاهِ فَأَنَا مَعَكَ، أَوْ فِي الْأَنْهَارِ فَلَا تَغْمُرُكَ. إِذَا مَشَيْتَ فِي النَّارِ فَلَا تُحْرِقُكَ، أَوْ فِي اللَّهِيبِ فَلَا يُؤْذِيكَ. لِأَنِّي أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكَ، الْقُدُّوسُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُنْقِذُكَ. جَعَلْتُ مِصْرَ فِدْيَةً عَنْكَ، وَالْحَبَشَةَ وَسَبَأَ بَدَلًا مِنْكَ. أَنْتَ غَالٍ عَلَيَّ، أَنْتَ نَفِيسٌ، أَنَا أَحْبَبْتُكَ. لِذَلِكَ أُعْطِي شُعُوبًا بَدَلًا مِنْكَ، وَأُمَمًا عِوَضًا عَنْ نَفْسِكَ. لَا تَخَفْ لِأَنِّي مَعَكَ. سَأُحْضِرُ أَوْلَادَكَ مِنَ الشَّرْقِ، وَأَجْمَعُكَ مِنَ الْغَرْبِ. أَقُولُ لِلشَّمَالِ: ’أَطْلِقْهُمْ‘ وَلِلْجَنُوبِ: ’لَا تَمْنَعْهُمْ.‘ أَحْضِرْ أَبْنَائِي مِنْ بَعِيدٍ، وَبَنَاتِي مِنْ آخِرِ الْأَرْضِ، كُلَّ مَنْ يُدْعَى بِاسْمِي، كُلَّ مَنْ خَلَقْتُهُ وَكَوَّنْتُهُ وَصَنَعْتُهُ لِمَجْدِي.“ أَخْرِجِ الشَّعْبَ الْأَعْمَى وَلَهُ عُيُونٌ، وَالْأَطْرَشَ وَلَهُ آذَانٌ. اِجْتَمِعُوا يَا كُلَّ الْأُمَمِ، اِحْتَشِدُوا أَيُّهَا الشُّعُوبُ. مَنْ أَخْبَرَ بِهَذَا مُسَبَّقًا، أَوْ أَعْلَنَ لَنَا مَا جَرَى فِي الْمَاضِي؟ لِيُقَدِّمُوا شُهُودَهُمْ لِكَيْ يُثْبِتُوا دَعْوَاهُمْ، وَيَسْمَعَ النَّاسُ فَيَقُولُوا: ”هُمْ عَلَى حَقٍّ!“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”يَا شَعْبِي أَنْتُمْ شُهُودِي، أَنْتُمْ عَبْدِيَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ، لِكَيْ تَعْرِفُونِي وَتُؤْمِنُوا بِي وَتَفْهَمُوا أَنِّي أَنَا هُوَ. لَمْ يَكُنْ قَبْلِي إِلَهٌ، وَلَنْ يَكُونَ بَعْدِي! أَنَا أَنَا هُوَ اللهُ، وَلَا مُنْقِذَ غَيْرِي. أَنَا الَّذِي أَنْبَأْتُ وَأَنْقَذْتُ وَأَعْلَنْتُ. فَالَّذِي فَعَلَ هَذَا لَيْسَ إِلَهًا غَرِيبًا بَيْنَكُمْ. فَأَنْتُمْ شُهُودِي، وَأَنَا اللهُ قُلْتُ هَذَا. نَعَمْ، مُنْذُ الْبَدْءِ أَنَا هُوَ، وَلَا مُنْقِذَ مِنْ يَدِي. مَا أَعْمَلُهُ لَا يُلْغِيهِ أَحَدٌ!“ هَذَا كَلَامُ اللهِ فَادِيكُمُ الْقُدُّوسِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ”مِنْ أَجْلِكُمْ أُرْسِلُ إِلَى بَابِلَ مَنْ يُحَطِّمُ كُلَّ أَبْوَابِهَا، فَيَهْرُبُ الْبَابِلِيُّونَ فِي السُّفُنِ الَّتِي كَانُوا يَفْخَرُونَ بِهَا. أَنَا اللهُ، أَنَا الْقُدُّوسُ رَبُّكُمْ، وَخَالِقُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمَلِكُكُمْ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”أَنَا فَتَحْتُ فِي الْبَحْرِ طَرِيقًا، وَفِي الْمِيَاهِ الْعَاتِيَةِ مَسْلَكًا. وَجَذَبْتُ مَرْكَبَاتِ الْعَدُوِّ وَفُرْسَانَهُ، وَجَيْشَهُ وَأَبْطَالَهُ، فَسَقَطُوا هُنَاكَ مَعًا، وَلَنْ يَقُومُوا أَبَدًا. بَلْ خَمَدُوا وَانْطَفَأُوا كَفَتِيلَةٍ. لَكِنْ مَا لَنَا وَذِكْرُ الْمَاضِي! لَا تَتَأَمَّلُوا فِي الْأُمُورِ الْقَدِيمَةِ. لِأَنِّي سَأَصْنَعُ شَيْئًا جَدِيدًا، يَبْدَأُ مِنَ الْآنَ. أَلَا تَعْرِفُونَهُ؟ إِنِّي أَشُقُّ فِي الصَّحْرَاءِ طَرِيقًا، وَأُجْرِي فِي الْقَفْرِ أَنْهَارًا. الْوُحُوشُ وَالذِّئَابُ وَالنَّعَامُ تُكْرِمُنِي، لِأَنِّي أُجْرِي فِي الصَّحْرَاءِ مَاءً وَفِي الْقَفْرِ أَنْهَارًا، لِأَسْقِيَ شَعْبِيَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ، وَالَّذِي عَمِلْتُهُ لِنَفْسِي لِيُخْبِرَ بِحَمْدِي. ”لَكِنَّكَ لَمْ تَطْلُبْنِي يَا يَعْقُوبُ، وَلَمْ تُتْعِبْ نَفْسَكَ مِنْ أَجْلِي يَا إِسْرَائِيلُ. لَمْ تُحْضِرْ لِي شَاةً لِتُقَدِّمَهَا قُرْبَانًا يُحْرَقُ، وَلَمْ تُكْرِمْنِي بِضَحَايَاكَ. لَمْ أُثَقِّلْ عَلَيْكَ بِطَلَبِ قُرْبَانِ دَقِيقٍ مِنْكَ، وَلَا أَتْعَبْتُكَ بِطَلَبِ بَخُورٍ. لَمْ تَشْتَرِ لِي بَخُورًا بِالْفِضَّةِ، وَلَمْ تُشْبِعْنِي بِشَحْمِ ضَحَايَاكَ. إِنَّمَا ثَقَّلْتَ عَلَيَّ بِخَطَايَاكَ، وَأَتْعَبْتَنِي بِآثَامِكَ. أَنَا، أَنَا هُوَ الْمَاحِي ذُنُوبَكَ مِنْ أَجْلِي، وَخَطَايَاكَ لَا أَذْكُرُهَا. ذَكِّرْنِي وَتَعَالَ نَتَحَاكَمُ، قَدِّمِ الْأَدِلَّةَ عَلَى بَرَاءَتِكَ. أَبُوكَ الْأَوَّلُ أَخْطَأَ، وَقَادَتُكَ تَمَرَّدُوا عَلَيَّ، وَرُؤَسَاؤُكَ نَجَّسُوا بَيْتِي. لِذَلِكَ أَسْلَمْتُ يَعْقُوبَ لِلْهَلَاكِ، وَإِسْرَائِيلَ لِلْإِهَانَةِ. ”وَالْآنَ اسْمَعْ يَا يَعْقُوبُ عَبْدِي، وَيَا إِسْرَائِيلُ الَّذِي اخْتَرْتُهُ. هَذَا كَلَامُ اللهِ الَّذِي صَنَعَكَ وَكَوَّنَكَ فِي الرَّحِمِ، اللهُ مُعِينُكَ. لَا تَخَفْ يَا يَعْقُوبُ عَبْدِي، وَيَا شَعْبِيَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ. لِأَنِّي أُفِيضُ مَاءً عَلَى الْعَطْشَانِ، وَسُيُولًا عَلَى الْأَرْضِ الْيَابِسَةِ. أُفِيضُ رُوحِي عَلَى نَسْلِكَ، وَبَرَكَتِي عَلَى ذُرِّيَّتِكَ. فَيَنْبُتُونَ كَالْعُشْبِ فِي الْمُرُوجِ وَكَالصَّفْصَافِ عَلَى مَجَارِي الْمِيَاهِ. فَوَاحِدٌ يَقُولُ: ’أَنَا أَنْتَمِي للهِ‘ وَآخَرُ يُسَمِّي نَفْسَهُ بِاسْمِ يَعْقُوبَ، وَوَاحِدٌ آخَرُ يَكْتُبُ عَلَى يَدِهِ: ’أَنَا للهِ‘ وَيُلَقِّبُ نَفْسَهُ بِاسْمِ إِسْرَائِيلَ. ”هَذَا كَلَامُ اللهِ مَلِكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَفَادِيهِمْ، اللهِ الْقَدِيرِ. أَنَا الْأَوَّلُ وَأَنَا الْآخِرُ، وَلَا إِلَهَ غَيْرِي. هَلْ يُوجَدُ مِثْلِي؟ إِذَنْ هَاتُوهُ لِيُعْلِنَ ذَلِكَ وَيُخْبِرَ بِهِ، ثُمَّ يَعْرِضَ قُدَّامِي مَا حَدَثَ مُنْذُ أَنْشَأْتُ شَعْبِيَ الْقَدِيمَ، وَمَا سَيَحْدُثُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. نَعَمْ، لِيُخْبِرْنَا بِأُمُورِ الْمُسْتَقْبَلِ. لَا تَرْتَعِبُوا وَلَا تَخَافُوا. أَمَا أَعْلَنْتُ ذَلِكَ لَكُمْ مُنْذُ الْقَدِيمِ؟ نَعَمْ، أَنَا أَخْبَرْتُكُمْ وَأَنْتُمْ شُهُودِي. فَهَلْ يُوجَدُ إِلَهٌ غَيْرِي؟ لَا. وَهَلْ هُنَاكَ وَاحِدٌ آخَرُ هُوَ الصَّخْرُ، وَلَا أَعْلَمُ بِهِ؟“ كُلُّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ الْأَصْنَامَ لَا فَائِدَةَ مِنْهُمْ، وَكُنُوزُهُمْ لَا قِيمَةَ لَهَا. وَالَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ هُمْ عُمْيَانٌ وَجُهَّالٌ وَفِي عَارٍ. مَنِ الَّذِي يُصَوِّرُ إِلَهًا وَيَسْبِكُ صَنَمًا لَا فَائِدَةَ مِنْهُ؟ هُوَ وَأَمْثَالُهُ يَخْزَوْنَ. فَالَّذِينَ يَعْمَلُونَ الْأَصْنَامَ هُمْ مُجَرَّدُ بَشَرٍ. حِينَ يَأْتُونَ إِلَى الْمُحَاكَمَةِ يَرْتَعِبُونَ وَيَخْزَوْنَ مَعًا. فَالْحَدَّادُ يَصْنَعُ التِّمْثَالَ مِنَ الْحَدِيدِ. يُقَلِّبُهُ فِي الْجَمْرِ، وَبِذِرَاعِهِ الْقَوِيَّةِ يَضْرِبُهُ بِالْمِطْرَقَةِ وَيُشَكِّلُهُ. وَبَيْنَمَا هُوَ يَشْتَغِلُ يَجُوعُ فَتَخُورُ قُوَّتُهُ، وَيَعْطَشُ فَيَتْعَبُ. وَالنَّجَّارُ يَصْنَعُهُ مِنَ الْخَشَبِ. يَقِيسُ بِالْخَيْطِ، وَيَضَعُ عَلَامَةً بِالْمِخْرَزِ، وَيَحْفِرُ بِالْإِزْمِيلِ، وَيَرْسُمُ بِالْبِرْكَارِ، فَيَصْنَعُهُ عَلَى شَكْلِ إِنْسَانٍ، وَكَجَمَالِ الْبَشَرِ، لِيُوضَعَ فِي الْمَعْبَدِ. فَالْحِكَايَةُ هِيَ أَنَّهُ قَطَعَ شَجَرَةَ أَرْزٍ، أَوِ اخْتَارَ شَجَرَةَ سِنْدِيَانٍ أَوْ بَلُّوطٍ وَتَرَكَهَا تَنْمُو بَيْنَ أَشْجَارِ الْغَابَةِ، أَوْ غَرَسَ شَجَرَةَ صُنُوبَرٍ، وَجَاءَ الْمَطَرُ وَجَعَلَهَا تَنْمُو. فَجُزْءٌ مِنْهَا يَكُونُ وَقُودًا يَتَدَفَّأُ الْوَاحِدُ بِهِ، أَوْ يُشْعِلُهُ لِيَخْبِزَ عَلَيْهِ خُبْزًا. وَالْجُزْءُ الْآخَرُ يَصْنَعُهُ إِلَهًا وَيَسْجُدُ لَهُ، نَعَمْ يَصْنَعُ مِنْهُ صَنَمًا وَيَنْحَنِي لَهُ. إِذَنْ يَحْرِقُ نِصْفَ الشَّجَرَةِ فِي النَّارِ، لِيُعِدَّ طَعَامًا وَيَشْوِيَ لَحْمًا وَيَأْكُلَ حَتَّى يَشْبَعَ، وَأَيْضًا يَتَدَفَّأَ وَيَقُولَ: ”مَا أَحْلَى أَنْ أَتَدَفَّأَ وَأَرَى نَارًا!“ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ، يَصْنَعُهُ إِلَهًا، صَنَمًا لَهُ. وَيَنْحَنِي لَهُ وَيَسْجُدُ، وَيُصَلِّي لَهُ وَيَقُولُ: ”نَجِّنِي لِأَنَّكَ أَنْتَ إِلَهِي!“ هَؤُلَاءِ لَا يَعْرِفُونَ شَيْئًا وَلَا يَفْهَمُونَ شَيْئًا، عُيُونُهُمْ مُغَطَّاةٌ فَلَا تَرَى، وَعُقُولُهُمْ مُغْلَقَةٌ فَلَا تَفْهَمُ. وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ يَتَأَمَّلُ فِي قَلْبِهِ، وَلَا وَاحِدٌ عِنْدَهُ مَعْرِفَةٌ أَوْ فَهْمٌ لِيَقُولَ: ”أَحْرَقْتُ نِصْفَ الشَّجَرَةِ كَوَقُودٍ، وَخَبَزْتُ عَلَى جَمْرِهِ خُبْزًا، وَشَوَيْتُ لَحْمًا وَأَكَلْتُ، فَهَلْ أَصْنَعُ مِنْ بَقِيَّتِهَا تِمْثَالًا نَجِسًا وَأَسْجُدُ لِسَاقِ شَجَرَةٍ؟“ كَأَنَّهُ يَأْكُلُ رَمَادًا. يُضَلِّلُهُ قَلْبُهُ الْمَخْدُوعُ، فَلَا يُنْقِذُ نَفْسَهُ وَلَا يَقُولُ: ”هَذَا إِلَهٌ كَاذِبٌ، أَنَا صَنَعْتُهُ بِيَمِينِي.“ ”اُذْكُرْ هَذِهِ الْأُمُورَ يَا يَعْقُوبُ، لِأَنَّكَ عَبْدِي يَا إِسْرَائِيلُ. أَنَا صَنَعْتُكَ. أَنْتَ عَبْدِي. لَنْ أَنْسَاكَ يَا إِسْرَائِيلُ. مَحَوْتُ ذُنُوبَكَ كَغَيْمَةٍ، وَخَطَايَاكَ كَسَحَابَةٍ. اِرْجِعْ إِلَيَّ لِأَنِّي فَدَيْتُكَ.“ رَنِّمِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ، لِأَنَّ اللهَ فَعَلَ هَذَا. اِهْتِفِي يَا أَعْمَاقَ الْأَرْضِ، هَلِّلِي وَغَنِّي أَيَّتُهَا الْجِبَالُ، وَأَيَّتُهَا الْغَابَاتُ وَكُلُّ أَشْجَارِهَا، لِأَنَّ اللهَ فَدَى يَعْقُوبَ، وَتَمَجَّدَ فِي إِسْرَائِيلَ. هَذَا كَلَامُ اللهِ فَادِيكَ وَالَّذِي كَوَّنَكَ فِي الرَّحِمِ: ”أَنَا اللهُ صَنَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ. أَنَا وَحْدِي نَشَرْتُ السَّمَاوَاتِ، أَنَا وَحْدِي بَسَطْتُ الْأَرْضَ. أَنَا أُبْطِلُ آيَاتِ الْكَذَّابِينَ، وَأَفْضَحُ حَمَاقَةَ مَنْ يُمَارِسُونَ الْعِلْمَ بِالْغَيْبِ. أَقْلِبُ كَلَامَ الْحُكَمَاءِ، وَأَجْعَلُ مَعْرِفَتَهُمْ جَهَالَةً. أُحَقِّقُ كَلَامَ عَبِيدِي، وَأُتَمِّمُ مَقَاصِدَ رُسُلِي. أَقُولُ عَنِ الْقُدْسِ: ’سَتَعْمُرُ‘ وَعَنْ مُدُنِ يَهُوذَا: ’سَتُبْنَى، وَأُقِيمُ مَا تَهَدَّمَ مِنْهَا.‘ أَقُولُ لِلْبَحْرِ الْعَمِيقِ: ’اِنْشَفْ، لِأَنِّي سَأُجَفِّفُ أَنْهَارَكَ.‘ أَقُولُ عَنْ كُورَشَ: ’هُوَ رَاعِيَّ الَّذِي يُتَمِّمُ كُلَّ مَشِيئَتِي، لِكَيْ تُبْنَى الْقُدْسُ، وَلِكَيْ تُوضَعَ أَسَاسَاتُ الْبَيْتِ.‘“ هَذَا كَلَامُ اللهِ لِمَلِكِهِ الْمُخْتَارِ، لِكُورَشَ الَّذِي أَمْسَكْتُ بِيَمِينِهِ لِأُخْضِعَ لَهُ أُمَمًا، وَأَنْزِعَ سِلَاحَ مُلُوكٍ، وَأَفْتَحَ أَمَامَهُ الْأَبْوَابَ، فَلَا يَبْقَى بَابٌ مُغْلَقٌ فِي وَجْهِهِ. ”أَنَا أَسِيرُ قُدَّامَكَ وَأُمَهِّدُ لَكَ الْجِبَالَ. أُحَطِّمُ أَبْوَابَ النُّحَاسِ وَأُكَسِّرُ قُضْبَانَ الْحَدِيدِ. وَأُعْطِيكَ كُنُوزًا مَخْفِيَّةً، وَذَخَائِرَ مُخَبَّأَةً، لِكَيْ تَعْرِفَ أَنِّي أَنَا الْمَوْلَى رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي يَدْعُوكَ بِاسْمِكَ. مِنْ أَجْلِ يَعْقُوبَ عَبْدِي، وَإِسْرَائِيلَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ، دَعَوْتُكَ بِاسْمِكَ وَأَعْطَيْتُكَ لَقَبًا كَرِيمًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَعْرِفَنِي. أَنَا اللهُ، وَلَا إِلَهَ غَيْرِي. نَعَمْ لَا إِلَهَ غَيْرِي. أُشَدِّدُكَ مَعَ أَنَّكَ لَمْ تَعْرِفْنِي، لِكَيْ يَعْرِفَ النَّاسُ مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الْغَرْبِ، أَنَّهُ لَا يُوجَدُ غَيْرِي. أَنَا اللهُ، وَلَا إِلَهَ غَيْرِي. أَنَا مُبْدِعُ النُّورِ وَخَالِقُ الظَّلَامِ، صَانِعُ الْهَنَاءِ وَخَالِقُ الشَّقَاءِ. أَنَا اللهُ صَانِعُ كُلِّ هَذَا. تُمْطِرُ السَّمَاوَاتُ صَلَاحًا، تُنْزِلُهُ السُّحُبُ. وَتَنْفَتِحُ الْأَرْضُ فَيَنْمُو النَّصْرُ، وَيَطْلَعُ بِجِوَارِهِ الصَّلَاحُ. أَنَا اللهُ أَصْنَعُ هَذَا. ”الْوَيْلُ لِمَنْ يُخَاصِمُ صَانِعَهُ وَهُوَ مُجَرَّدُ قِطْعَةِ خَزَفٍ مِنْ خَزَفِ الْأَرْضِ. هَلْ يَقُولُ الطِّينُ لِلْفَخَّارِيِّ: ’مَاذَا تَصْنَعُ؟‘ أَوْ يَقُولُ لَهُ: ’أَنْتَ تَنْقُصُكَ الْمَهَارَةُ؟‘ الْوَيْلُ لِمَنْ يَقُولُ لِأَبٍ: ’مَاذَا تَلِدُ؟‘ أَوْ لِامْرَأَةٍ: ’مَاذَا تَلِدِينَ؟‘“ هَذَا كَلَامُ اللهِ، كَلَامُ الْقُدُّوسِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَصَانِعِهِمْ وَالَّذِي فِي يَدِهِ الْمُسْتَقْبَلُ: ”هَلْ لَكُمُ الْحَقُّ فِي أَنْ تَسْأَلُونِي عَنْ بَنِيَّ، أَوْ تُوصُونِي بِعَمَلِ يَدَيَّ؟ أَنَا صَنَعْتُ الْأَرْضَ وَخَلَقْتُ الْإِنْسَانَ عَلَيْهَا. يَدَايَ أَنَا نَشَرَتَا السَّمَاوَاتِ، وَأَنَا أَمَرْتُ كُلَّ مَلَائِكَتِهَا. أَنَا أُرْسِلُ كُورَشَ لِيَنْتَصِرَ، وَأُسَهِّلُ كُلَّ طُرُقِهِ. هُوَ يَبْنِي مَدِينَتِي، وَيُطْلِقُ أَسْرَى شَعْبِي أَحْرَارًا، وَذَلِكَ بِلَا أَجْرٍ وَلَا مُكَافَأَةٍ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ الْقَدِيرِ. قَالَ اللهُ: ”ثَرْوَةُ مِصْرَ، وَمَكَاسِبُ الْحَبَشَةِ، وَأَهْلُ سَبَأَ الَّذِينَ قَامَتُهُمْ طَوِيلَةٌ، يَأْتُونَ إِلَيْكِ، وَيُصْبِحُونَ مِلْكًا لَكِ، وَيَمْشُونَ وَرَاءَكِ. يَأْتُونَ مُقَيَّدِينَ بِالسَّلَاسِلِ وَيَسْجُدُونَ لَكِ، وَيَتَضَرَّعُونَ وَيَقُولُونَ: ’حَقًّا إِنَّ اللهَ مَعَكِ وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ. لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ.‘“ حَقًّا أَنْتَ إِلَهٌ يَحْجُبُ نَفْسَهُ، يَا رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمُنْقِذَهُمْ. كُلُّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ الْأَصْنَامَ يَخْزَوْنَ وَيَخْجَلُونَ، يَذْهَبُونَ كُلُّهُمْ فِي خَجَلٍ. أَمَّا إِسْرَائِيلُ فَيَنْجُو بِاللهِ نَجَاةً أَبَدِيَّةً. لَنْ تَخْزَوْا وَلَنْ تَخْجَلُوا إِلَى الْأَبَدِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ، هُوَ اللهُ الَّذِي كَوَّنَ الْأَرْضَ وَصَنَعَهَا، هُوَ أَسَّسَهَا. لَمْ يَخْلِقْهَا لِتَكُونَ فَارِغَةً، بَلْ كَوَّنَهَا لِتَكُونَ عَامِرَةً بِالسُّكَّانِ: ”أَنَا اللهُ، وَلَا إِلَهَ غَيْرِي. لَمْ أَتَكَلَّمْ فِي الْخَفَاءِ، وَلَا فِي أَمَاكِنَ مُظْلِمَةٍ، وَلَا قُلْتُ لِنَسْلِ يَعْقُوبَ أَنْ يَطْلُبُونِي بِلَا فَائِدَةٍ. أَنَا اللهُ أَتَكَلَّمُ بِالصِّدْقِ، وَأُعْلِنُ مَا هُوَ حَقٌّ. ”اِجْتَمِعُوا وَتَعَالَوْا وَتَقَدَّمُوا مَعًا يَا مَنْ نَجَوْتُمْ مِنْ أَيْدِي الْأُمَمِ. مَا أَجْهَلَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ صَنَمًا مِنْ خَشَبٍ، وَيُصَلُّونَ إِلَى إِلَهٍ لَا يُنْقِذُ! تَكَلَّمُوا وَقَدِّمُوا دَعْوَاكُمْ. خَلُّوهُمْ يَتَشَاوَرُوا مَعًا. مَنْ أَخْبَرَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ مُنْذُ الْقَدِيمِ؟ مَنْ أَنْبَأَ بِهَا مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ؟ أَلَسْتُ أَنَا اللهُ وَلَا إِلَهَ غَيْرِي؟ فَأَنَا الْإِلَهُ الصَّالِحُ الْمُنْقِذُ وَلَا غَيْرِي. اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ وَانْجُوا يَا كُلَّ أَنْحَاءِ الْأَرْضِ، لِأَنِّي أَنَا اللهُ، وَلَا إِلَهَ غَيْرِي. أَقْسَمْتُ بِذَاتِي، وَبِالصِّدْقِ نَطَقَ فَمِي بِكَلِمَةٍ لَا تُنْقَضُ. سَوْفَ يَسْجُدُ الْكُلُّ لِي عَلَى رُكَبِهِمْ، وَيَحْلِفُ بِي كُلُّ وَاحِدٍ. وَيَقُولُونَ عَنِّي: ’بِاللهِ وَحْدَهُ الصَّلَاحُ وَالْقُوَّةُ.‘“ إِلَيْهِ يَأْتِي كُلُّ مَنْ غَضِبُوا عَلَيْهِ وَيَخْزَوْنَ. أَمَّا كُلُّ نَسْلِ إِسْرَائِيلَ، فَيَصِيرُونَ صَالِحِينَ بِاللهِ، وَبِهِ يَفْتَخِرُونَ. رَكَعَ بِيلُ وَانْحَنَى نَبْوُ. أَصْنَامُهُمَا تَحْمِلُهَا الْحَمِيرُ وَالْبَهَائِمُ. تَمَاثِيلُهُمَا حِمْلٌ ثَقِيلٌ عَلَى الْحَيَوَانَاتِ التَّعْبَانَةِ. اِنْحَنَتِ الْآلِهَةُ وَرَكَعَتْ، وَلَمْ تَقْدِرْ أَنْ تُنْقِذَ أَصْنَامَهَا، فَذَهَبَتْ هِيَ نَفْسُهَا إِلَى الْأَسْرِ! ”اِسْمَعُوا لِي يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ، وَيَا كُلَّ بَقِيَّةِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، الَّذِينَ حَمَلْتُهُمْ مُنْذُ أَنْ كَانُوا فِي الْبَطْنِ، وَاعْتَنَيْتُ بِهِمْ مُنْذُ الْوِلَادَةِ. فَأَنَا هُوَ حَتَّى عِنْدَمَا تَشِيخُونَ وَيَشِيبُ شَعْرُكُمْ، أَنَا أَسْنُدُكُمْ. أَنَا صَنَعْتُكُمْ فَأَنَا أَحْمِلُكُمْ وَأَسْنُدُكُمْ وَأُنَجِّيكُمْ. ”بِمَنْ تُشَبِّهُونِي وَتُعَادِلُونِي؟ بِمَنْ تُقَارِنُونِي فَنَتَشَابَهَ؟ هُمْ يُفْرِغُونَ الذَّهَبَ مِنَ الْكِيسِ، وَيَزِنُونَ الْفِضَّةَ بِالْمِيزَانِ، وَيَسْتَأْجِرُونَ صَائِغًا لِيَصْنَعَهَا إِلَهًا، ثُمَّ يَسْجُدُونَ لَهُ وَيَعْبُدُونَهُ. يَرْفَعُونَهُ عَلَى أَكْتَافِهِمْ وَيَحْمِلُونَهُ، ثُمَّ يَضَعُونَهُ فِي مَكَانِهِ. هُنَاكَ يَقِفُ وَلَا يَتَحَرَّكُ مِنْ مَوْضِعِهِ. يَصْرُخُ إِلَيْهِ الْوَاحِدُ، فَلَا يُجِيبُ وَلَا يُنْقِذُهُ مِنْ مِحْنَتِهِ. ”اُذْكُرُوا هَذَا وَكُونُوا رِجَالًا، تَأَمَّلُوا فِي قُلُوبِكُمْ أَيُّهَا الْعُصَاةُ. اُذْكُرُوا مَا جَرَى فِي الْقَدِيمِ، مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ. لِأَنِّي أَنَا اللهُ وَلَا إِلَهَ غَيْرِي. أَنَا اللهُ وَلَا إِلَهَ مِثْلِي. أُعْلِنُ عَنِ النِّهَايَةِ مِنَ الْبِدَايَةِ، وَعَنِ الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ قَبْلِ مَا يَأْتِي. أَقُولُ، قَصْدِي يَتِمُّ، وَأَفْعَلُ كُلَّ مَشِيئَتِي. أَدْعُو مِنَ الشَّرْقِ رَجُلًا كَطَيْرٍ جَارِحٍ، وَمِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ يَأْتِي الَّذِي يُتَمِّمُ قَصْدِي. مَا قُلْتُهُ أَفْعَلُهُ وَمَا قَضَيْتُ بِهِ أُنَفِّذُهُ. اِسْمَعُوا لِي يَا قُسَاةَ الْقُلُوبِ، أَيُّهَا الْبَعِيدُونَ عَنِ الصَّلَاحِ. جَعَلْتُ صَلَاحِي قَرِيبًا لَا بَعِيدًا. أُنْقِذُ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ. أُنْقِذُ الْقُدْسَ، وَأُكْرِمُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ”اِنْزِلِي وَاقْعُدِي فِي التُّرَابِ، يَا مَدِينَةَ بَابِلَ. اُقْعُدِي عَلَى الْأَرْضِ لَا عَلَى الْعَرْشِ، يَا مَدِينَةَ الْبَابِلِيِّينَ. فَلَنْ تُدْعَيْ مِنْ بَعْدُ الرَّقِيقَةَ وَاللَّطِيفَةَ. خُذِي الطَّاحُونَةَ وَاطْحَنِي الدَّقِيقَ. اِنْزِعِي حِجَابَكِ وَشَمِّرِي الثَّوْبَ. اِكْشِفِي السَّاقَ وَاعْبُرِي الْأَنْهَارَ. يَنْكَشِفُ عُرْيُكِ وَيَظْهَرُ عَارُكِ، فَأَنْتَقِمُ وَلَا أَعْفُو عَنْ أَحَدٍ.“ هَذَا هُوَ فَادِينَا الْقُدُّوسُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، الَّذِي اسْمُهُ اللهُ الْقَدِيرُ. ”اُقْعُدِي صَامِتَةً وَادْخُلِي فِي الظَّلَامِ يَا مَدِينَةَ الْبَابِلِيِّينَ، فَلَنْ تُدْعَيْ مِنْ بَعْدُ سَيِّدَةَ الْمَمَالِكِ. غَضِبْتُ عَلَى شَعْبِي، نَجَّسْتُ نَصِيبِي وَسَلَّمْتُهُمْ إِلَى يَدِكِ، فَلَمْ تَكُونِي رَحِيمَةً مَعَهُمْ. حَتَّى عَلَى الشُّيُوخِ وَضَعْتِ نِيرًا ثَقِيلًا جِدًّا. وَقُلْتِ: ’سَأَظَلُّ سَيِّدَةَ الْمَمَالِكِ إِلَى الْأَبَدِ!‘ لَكِنَّكِ لَمْ تَتَأَمَّلِي فِي هَذِهِ الْأُمُورِ، وَلَمْ تُفَكِّرِي فِي عَاقِبَتِهَا. ”فَالْآنَ اسْمَعِي هَذَا أَيَّتُهَا الْمُتَنَعِّمَةُ السَّاكِنَةُ فِي أَمَانٍ وَتَقُولُ فِي قَلْبِهَا: ’أَنَا وَحْدِي، وَلَا غَيْرِي. لَنْ أَتَرَمَّلَ وَلَنْ أَفْقِدَ أَوْلَادِي.‘ لَكِنْ فِي لَحْظَةٍ، فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، تَأْتِي عَلَيْكِ الْمُصِيبَتَانِ: تَفْقِدِينَ أَوْلَادَكِ وَتَتَرَمَّلِينَ. نَعَمْ، تَأْتِيَانِ عَلَيْكِ بِشِدَّةٍ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ سِحْرِكِ الْكَثِيرِ وَتَعَاوِيذِكِ الْقَوِيَّةِ. أَنْتِ اتَّكَلْتِ عَلَى شَرِّكِ وَقُلْتِ: ’لَا يَرَانِي أَحَدٌ.‘ وَأَضَلَّتْكِ حِكْمَتُكِ وَمَعْرِفَتُكِ، فَقُلْتِ فِي قَلْبِكِ: ’أَنَا وَحْدِي، وَلَا غَيْرِي.‘ فَيَأْتِي عَلَيْكِ مَكْرُوهٌ لَا تَعْرِفِينَ أَنْ تَتَخَلَّصِي مِنْهُ، وَتَنْزِلُ بِكِ كَارِثَةٌ لَا تَقْدِرِينَ عَلَى رَدِّهَا، وَيَأْتِي عَلَيْكِ بَغْتَةً خَرَابٌ لَا تَتَوَقَّعِينَهُ. ”إِذَنِ اسْتَمِرِّي فِي تَعَاوِيذِكِ وَفِي سِحْرِكِ الْكَثِيرِ، كَمَا فَعَلْتِ مُنْذُ صِبَاكِ. فَرُبَّمَا تَنْجَحِينَ أَوْ رُبَّمَا تُخِيفِينَ الْآخَرِينَ! أَنْتِ تَعِبْتِ مِنْ كَثْرَةِ الِاسْتِشَارَاتِ. هَاتِي الْمُنَجِّمِينَ وَالَّذِينَ يُرَاقِبُونَ الْكَوَاكِبَ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ لَكِ شَهْرًا بَعْدَ شَهْرٍ. فَلْيُنْقِذُوكِ مِمَّا سَيَأْتِي عَلَيْكِ! لَكِنَّهُمْ صَارُوا كَالْقَشِّ، فَتُحْرِقُهُمُ النَّارُ. وَلَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُنَجُّوا حَتَّى أَنْفُسَهُمْ مِنْ شِدَّةِ اللَّهِيبِ. فَهِيَ لَيْسَتْ جَمْرًا لِلتَّدْفِئَةِ، وَلَا نَارًا بَسِيطَةً يُمْكِنُ الْجُلُوسُ حَوْلَهَا. هَذَا هُوَ مَصِيرُ الَّذِينَ تَعِبْتِ فِيهِمْ وَتَاجَرْتِ مَعَهُمْ مُنْذُ صِبَاكِ. كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَارِدٌ فِي ضَلَالِهِ، وَلَا وَاحِدٌ يُنْقِذُكِ. ”اِسْمَعُوا هَذَا يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ، يَا مَنْ دُعِيَ اسْمُكُمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَا مَنْ خَرَجْتُمْ مِنْ صُلْبِ يَهُوذَا، يَا مَنْ تَحْلِفُونَ بِاسْمِ اللهِ، وَتَذْكُرُونَ رَبَّكُمْ، وَلَكِنْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا صَلَاحٍ. يَا مَنْ تَدْعُونَ أَنْفُسَكُمْ أَهْلَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَتَعْتَمِدُونَ عَلَى رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي اسْمُهُ اللهُ الْقَدِيرُ: مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ أَنْبَأْتُ عَنِ الْأُمُورِ الَّتِي جَرَتْ فِي الْمَاضِي. أَعْلَنْتُهَا بِفَمِي وَأَخْبَرْتُ بِهَا، ثُمَّ فَجْأَةً نَفَّذْتُهَا وَأَتْمَمْتُهَا. لِأَنِّي عَارِفٌ أَنَّكَ عَنِيدٌ، وَرَقَبَتَكَ صُلْبَةٌ كَالْحَدِيدِ، وَجَبْهَتَكَ كَالنُّحَاسِ. لِذَلِكَ أَخْبَرْتُكَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ مُنْذُ زَمَانٍ، وَأَعْلَنْتُهَا لَكَ قَبْلَ مَا حَدَثَتْ. لِئَلَّا تَقُولَ: ’صَنَمِي صَنَعَهَا، تِمْثَالِيَ الْمَنْحُوتُ أَوِ الْمَسْبُوكُ هُوَ الَّذِي قَضَى بِهَا.‘ أَنْتَ الْآنَ سَمِعْتَ، فَتَأَمَّلْ مَا قُلْتُهُ، وَاعْتَرِفْ بِأَنَّهُ حَقٌّ. لِأَنِّي مُنْذُ الْآنَ سَأُخْبِرُكَ بِأَشْيَاءَ جَدِيدَةٍ، وَبِأَسْرَارٍ لَمْ تَعْرِفْهَا. خُلِقَتِ الْآنَ وَلَيْسَ مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ. فَأَنْتَ لَمْ تَسْمَعْ بِهَا قَبْلَ الْيَوْمِ، لِئَلَّا تَقُولَ: ’كُنْتُ أَعْرِفُهَا.‘ أَنْتَ لَا سَمِعْتَ وَلَا عَرَفْتَ، بَلْ مُنْذُ زَمَانٍ لَمْ تَنْفَتِحْ أُذُنُكَ. وَأَنَا عَارِفٌ أَنَّكَ خَائِنٌ، وَمُنْذُ وُلِدْتَ سُمِّيتَ عَاصِيًا. لَكِنْ مِنْ أَجْلِ اسْمِي أُبْطِئُ غَضَبِي، وَمِنْ أَجْلِ حَمْدِي أَصْبِرُ عَلَيْكَ لِكَيْ لَا أُهْلِكَكَ. إِنِّي نَقَّيْتُكَ وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا تُنَقَّى الْفِضَّةُ، إِنَّمَا فِي بُوتَقَةِ الْأَلَمِ اخْتَبَرْتُكُمْ. مِنْ أَجْلِي أَنَا فَعَلْتُ هَذَا، نَعَمْ مِنْ أَجْلِي أَنَا. فَكَيْفَ أَسْمَحُ لِاسْمِي بِأَنْ يُنَجَّسَ؟ وَكَرَامَتِي لَا أُعْطِيهَا لِآخَرَ. ”اِسمَعْ لِي يَا يَعْقُوبُ، وَيَا إِسْرَائِيلُ الَّذِي دَعَوْتُهُ. أَنَا هُوَ، أَنَا الْأَوَّلُ وَأَنَا الْآخِرُ. يَدِي أَسَّسَتِ الْأَرْضَ، وَيَمِينِي بَسَطَتِ السَّمَاوَاتِ. أُنَادِيهَا فَتَقِفُ كُلُّهَا مَعًا. اِجْتَمِعُوا كُلُّكُمْ وَاسْمَعُوا، مَنْ مِنَ الْأَصْنَامِ أَنْبَأَ بِأَنَّ كُورَشَ الَّذِي أَحَبَّهُ اللهُ، هُوَ الَّذِي يُنَفِّذُ قَصْدَهُ ضِدَّ بَابِلَ، وَأَنَّ ذِرَاعَهُ تَنْزِلُ عَلَى الْبَابِلِيِّينَ؟ أَنَا، أَنَا الَّذِي قُلْتُ هَذَا، وَدَعَوْتُهُ وَجِئْتُ بِهِ، وَسَيَنْجَحُ فِي مُهِمَّتِهِ. اِقْتَرِبُوا مِنِّي وَاسْمَعُوا هَذَا. أَنَا مِنَ الْأَوَّلِ لَمْ أَتَكَلَّمْ فِي الْخَفَاءِ، وَعِنْدَمَا تَمَّ كُلُّ شَيْءٍ كُنْتُ مَوْجُودًا.“ فَالْآنَ أَرْسَلَنِي الْمَوْلَى الْإِلَهُ مَعَ رُوحِهِ بِهَذِهِ الرِّسَالَةِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ فَادِيكَ، الْقُدُّوسِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ”أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكَ، أُعَلِّمُكَ مَا هُوَ لِخَيْرِكَ، وَأَقُودُكَ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ تَسْلُكَهَا. لَوْ كُنْتَ أَصْغَيْتَ لِوَصَايَايَ، لَكَانَ سَلَامُكَ كَالنَّهْرِ، وَصَلَاحُكَ كَأَمْوَاجِ الْبَحْرِ. وَلَكَانَ نَسْلُكَ بِعَدَدِ حَبَّاتِ الرَّمْلِ، وَأَوْلَادُكَ بِعَدَدِ ذَرَّاتِ التُّرَابِ، وَلَا يَبِيدُ اسْمُهُمْ وَلَا يُمْسَحُ مِنْ أَمَامِي.“ اُخْرُجُوا مِنْ بَابِلَ، اُهْرُبُوا مِنْ بِلَادِ الْبَابِلِيِّينَ! أَعْلِنُوا هَذَا بِتَرَنُّمٍ وَنَادُوا بِهِ، أَذِيعُوهُ فِي كُلِّ أَنْحَاءِ الْأَرْضِ. قُولُوا: ”قَدْ فَدَى اللهُ عَبْدَهُ يَعْقُوبَ.“ لَمْ يَعْطَشُوا لَمَّا قَادَهُمْ فِي الصَّحْرَاءِ. أَجْرَى لَهُمْ مَاءً مِنَ الصَّخْرِ. شَقَّ الصَّخْرَ فَانْفَجَرَ الْمَاءُ. قَالَ اللهُ: ”لَا سَلَامَ لِلْأَشْرَارِ.“ اِسْمَعُوا لِي يَا أَهْلَ السَّوَاحِلِ وَالْجُزُرِ. أَصْغِي أَيَّتُهَا الشُّعُوبُ الْبَعِيدَةُ. اللهُ دَعَانِي مِنْ قَبْلِ أَنْ أُولَدَ، وَذَكَرَ اسْمِي وَأَنَا مَا زِلْتُ فِي بَطْنِ أُمِّي. جَعَلَ فَمِي كَسَيْفٍ حَادٍّ، وَفِي ظِلِّ يَدِهِ خَبَّأَنِي. جَعَلَنِي سَهْمًا مَسْنُونًا، وَبَيْنَ أَسْلِحَتِهِ أَخْفَانِي. وَقَالَ لِي: ”أَنْتَ عَبْدِي إِسْرَائِيلُ، الَّذِي أَتَمَجَّدُ بِوَاسِطَتِهِ.“ فَقُلْتُ: ”تَعِبْتُ بِلَا فَائِدَةٍ، رَاحَ جُهْدِي عَبَثًا وَبِلَا مَنْفَعَةٍ. لَكِنَّ حَقِّي مَحْفُوظٌ عِنْدَ اللهِ، وَمُكَافَأَتِي عِنْدَ إِلَهِي.“ وَالْآنَ قَالَ اللهُ الَّذِي كَوَّنَنِي فِي بَطْنِ أُمِّي لِأَكُونَ عَبْدًا لَهُ، لِأَرُدَّ إِلَيْهِ نَسْلَ يَعْقُوبَ، وَأَجْمَعَ لَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأُكْرَمَ فِي عَيْنَيِ الْمَوْلَى، وَيَكُونَ إِلَهِي هُوَ قُوَّتِي. نَعَمْ، قَالَ لِي: ”قَلِيلٌ أَنْ تَكُونَ لِي عَبْدًا لِتُقِيمَ قَبَائِلَ يَعْقُوبَ، وَتَرُدَّ الَّذِينَ حَفِظْتُهُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. بَلْ أَجْعَلُكَ نُورًا لِلْأُمَمِ، لِتَحْمِلَ نَجَاتِي إِلَى آخِرِ الْأَرْضِ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ فَادِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْقُدُّوسِ رَبِّهِمْ، الَّذِي قَالَهُ لِمَنْ صَارَ مُحْتَقَرًا وَمَكْرُوهًا فِي الشَّعْبِ، وَعَبْدًا لِلْمُتَسَلِّطِينَ: ”يَرَاكَ الْمُلُوكُ فَيَقُومُونَ لَكَ، وَالرُّؤَسَاءُ يَنْحَنُونَ، لِأَنَّ اللهَ أَمِينٌ، الْقُدُّوسُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ هُوَ اخْتَارَكَ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ: ”فِي وَقْتِ رِضَايَ اسْتَجَبْتُكَ، وَفِي يَوْمِ النَّجَاةِ سَاعَدْتُكَ. أَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ مِيثَاقًا لِلشَّعْبِ، لِتَسْتَرِدَّ لَهُ الْأَرْضَ، وَتَقْسِمَ لَهُ الْمِيرَاثَ الَّذِي أَصَابَهُ الْخَرَابُ. وَتَقُولَ لِلْأَسْرَى: ’اُخْرُجُوا‘ وَلِلَّذِينَ فِي الظَّلَامِ: ’اِطْلَعُوا!‘ فَيَرْعَوْنَ عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ وَيَجِدُونَ مَرَاعِيَ فِي كُلِّ تَلٍّ مُقْفِرٍ. لَا يَجُوعُونَ وَلَا يَعْطَشُونَ، وَلَا يَضْرِبُهُمُ الْحَرُّ وَلَا الشَّمْسُ. لِأَنَّ الَّذِي يَرْحَمُهُمْ يَقُودُهُمْ، وَيَهْدِيهِمْ إِلَى يَنَابِيعِ الْمَاءِ. وَأَجْعَلُ جِبَالِي كُلَّهَا طُرُقًا، وَسُبُلِي تَرْتَفِعُ. إِنَّهُمْ يَأْتُونَ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ، بَعْضُهُمْ مِنَ الشَّمَالِ، وَبَعْضُهُمْ مِنَ الْغَرْبِ، وَبَعْضُهُمْ مِنْ مِنْطَقَةِ أَسْوَانَ.“ رَنِّمِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ، وَابْتَهِجِي أَيَّتُهَا الْأَرْضُ! هَلِّلِي وَغَنِّي أَيَّتُهَا الْجِبَالُ! لِأَنَّ اللهَ عَزَّى شَعْبَهُ، وَأَشْفَقَ عَلَى بَائِسِيهِ. لَكِنَّ الْقُدْسَ قَالَتْ: ”اللهُ تَرَكَنِي وَرَبِّي نَسِيَنِي.“ ”هَلْ تَنْسَى الْأُمُّ رَضِيعَهَا، فَلَا تَشْفِقُ عَلَى الطِّفْلِ الَّذِي وَلَدَتْهُ؟ حَتَّى إِنْ هِيَ نَسِيَتْ، فَأَنَا لَا أَنْسَاكِ! إِنِّي نَقَشْتُكِ عَلَى كَفَّيَّ، وَأَسْوَارُكِ أَمَامِي دَائِمًا. يُسْرِعُ إِلَيْكِ أَوْلَادُكِ، وَيَخْرُجُ مِنْكِ الَّذِينَ هَدَمُوكِ وَخَرَّبُوكِ. تَطَلَّعِي وَانْظُرِي حَوْلَكِ! كُلُّ بَنِيكِ يَجْتَمِعُونَ وَيَأْتُونَ إِلَيْكِ. أَقْسَمْتُ بِذَاتِي، إِنَّكِ تَلْبَسِينَهُمْ جَمِيعًا كَالْحُلِيِّ، وَتَتَقَلَّدِينَ بِهِمْ كَعَرُوسَةٍ. بِلَادُكِ خَرِبَةٌ وَمُنْهَدِمَةٌ وَمَهْجُورَةٌ، وَلَكِنَّهَا الْآنَ تَمْتَلِئُ بِالسُّكَانِ حَتَّى تَضِيقَ بِهِمْ، وَيَبْتَعِدَ عَنْكِ الَّذِينَ أَضَرُّوكِ. وَبَنُوكِ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي زَمَنِ حُزْنِكِ يَقُولُونَ بِمَسْمَعٍ مِنْكِ: ’هَذَا الْمَكَانُ ضَيِّقٌ عَلَيْنَا، اِتَّسِعِي لَنَا لِنَسْكُنَ.‘ فَتَقُولِينَ فِي قَلْبِكِ: ’مَنْ وَلَدَ لِي هَؤُلَاءِ لَمَّا كُنْتُ حَزِينَةً وَعَاقِرًا؟ مَنْ رَبَّاهُمْ لِي لَمَّا كُنْتُ مَنْفِيَّةً وَمَطْرُودَةً؟ كُنْتُ وَحْدِي فَمِنْ أَيْنَ جَاءُوا؟‘“ وَقَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: ”إِنِّي أُشِيرُ بِيَدِي لِلْأُمَمِ، وَأَرْفَعُ رَايَتِي لِلشُّعُوبِ، فَيَأْتُونَ حَامِلِينَ بَنِيكِ فِي أَحْضَانِهِمْ وَبَنَاتِكِ عَلَى أَكْتَافِهِمْ. وَيَكُونُ الْمُلُوكُ مُرَبِّينَ لِأَوْلَادِكِ، وَالْمَلِكَاتُ مُرْضِعَاتٍ لِأَطْفَالِكِ. يَنْحَنُونَ لَكِ وَوُجُوهُهُمْ نَحْوَ الْأَرْضِ، يَلْحَسُونَ غُبَارَ رِجْلَيْكِ. فَتَعْلَمِينَ أَنِّي أَنَا اللهُ، وَالَّذِينَ يَضَعُونَ رَجَاءَهُمْ فِيَّ لَا يَخِيبُونَ.“ هَلْ تُؤْخَذُ مِنَ الْجَبَّارِ غَنِيمَةٌ، وَهَلْ يُفْلِتُ الْأَسِيرُ مِنْ يَدِ الطَّاغِيَةِ؟ نَعَمْ، فَهَذَا كَلَامُ اللهِ: ”آخُذُ الْأَسِيرَ مِنْ يَدِ الْجَبَّارِ، وَأُنْقِذُ الْغَنِيمَةَ مِنْ يَدِ الطَّاغِيَةِ. أَنَا أُخَاصِمُ الَّذِينَ يُخَاصِمُونَكِ، وَأُنْقِذُ أَوْلَادَكِ مِنْهُمْ. وَأَجْعَلُ الَّذِينَ ضَايَقُوكِ يَأْكُلُونَ لَحْمَ أَنْفُسِهِمْ، وَيَسْكَرُونَ بِدَمِهِمْ كَمَا بِالْخَمْرِ. فَيَعْرِفُ كُلُّ الْبَشَرِ أَنِّي أَنَا اللهُ، مُنْقِذُكِ وَفَادِيكِ، الْقَدِيرُ رَبُّ يَعْقُوبَ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ: ”أَيْنَ شَهَادَةُ الطَّلَاقِ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لِأُمِّكُمْ لَمَّا طَلَّقْتُهَا؟ وَلِأَيِّ وَاحِدٍ مِنْ دَائِنِيَّ بِعْتُكُمْ؟ إِنِّي بِعْتُكُمْ بِسَبَبِ ذُنُوبِكُمْ. وَبِسَبَبِ آثَامِكُمْ طَلَّقْتُ أُمَّكُمْ. فَلِمَاذَا إِذَنْ لَمَّا أَتَيْتُ إِلَيْكُمْ، لَمْ أَجِدْ أَحَدًا؟ وَلَمَّا نَادَيْتُكُمْ لَمْ يُجِبْ أَحَدٌ؟ هَلْ يَدِي قَاصِرَةٌ عَنْ أَنْ تَفْدِيَكُمْ؟ هَلْ لَيْسَ عِنْدِيَ الْقُدْرَةُ أَنْ أُنْقِذَكُمْ؟ أَنَا الَّذِي أُوَبِّخُ الْبَحْرَ فَيَجِفُّ، وَأُحَوِّلُ الْأَنْهَارَ إِلَى صَحْرَاءَ. يَتَعَفَّنُ سَمَكُهَا مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ وَيَمُوتُ مِنَ الْعَطَشِ. أُلْبِسُ السَّمَاءَ ظَلَامًا، وَأَجْعَلُهَا تَتَغَطَّى بِثَوْبِ الْحِدَادِ.“ أَعْطَانِي الْمَوْلَى الْإِلَهُ لِسَانَ وَاحِدٍ مُتَعَلِّمٍ، لِأَعْرِفَ أَنْ أُعِينَ التَّعْبَانَ بِكَلِمَةٍ مُنَاسِبَةٍ. يُوقِظُنِي كُلَّ صَبَاحٍ، وَيُنَبِّهُ أُذُنِي لِأَسْمَعَ كَوَاحِدٍ يَتَعَلَّمُ. فَتَحَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ أُذُنِي، فَلَا أُعَانِدُهُ وَلَا أَرْتَدُّ عَنْهُ. أَعْطَيْتُ لَهُمْ ظَهْرِي لِيَضْرِبُونِي، وَخَدَّيَّ لِيَنْتِفُوا ذَقْنِي، وَلَمْ أَحْجُبْ وَجْهِي عَنِ الْإِهَانَةِ وَالْبَصْقِ. الْمَوْلَى الْإِلَهُ يُعِينُنِي لِكَيْ لَا أَخْجَلَ. جَعَلْتُ وَجْهِي كَالصَّوَّانِ، وَأَنَا عَارِفٌ أَنِّي لَنْ أَخْجَلَ. إِنَّ الَّذِي يُنْصِفُنِي قَرِيبٌ. مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَشْتَكِيَ ضِدِّي؟ خَلُّوهُ يُوَاجِهُنِي! وَمَنْ هُوَ الَّذِي يَتَّهِمُنِي؟ خَلُّوهُ يَأْتِي قُدَّامِي! إِنَّ الْمَوْلَى الْإِلَهَ هُوَ الَّذِي يُعِينُنِي. فَمَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَحْكُمَ ضِدِّي؟ أَعْدَائِي كُلُّهُمْ يَبْلُونَ كَمَا يَبْلَى الثَّوْبُ وَيَأْكُلُهُمُ الْعُثُّ. مَنْ مِنْكُمْ يَخَافُ اللهَ، وَيُطِيعُ كَلَامَ عَبْدِهِ؟ إِنْ سَارَ فِي الظَّلَامِ مِنْ غَيْرِ نُورٍ، يَتَوَكَّلُ عَلَى اللهِ وَيَعْتَمِدُ عَلَى رَبِّهِ. أَمَّا أَنْتُمْ يَا مَنْ تُوقِدُونَ نَارَكُمْ وَتُشْعِلُونَ نُورَكُمْ، فَسِيرُوا فِي ضَوْءِ نَارِكُمْ وَتَوَكَّلُوا عَلَى نُورِكُمْ لِكَيْ يُرْشِدَكُمْ. لِأَنَّ جَزَاءَكُمْ مِنِّي سَيَكُونُ أَنَّكُمْ تَرْقُدُونَ فِي الْعَذَابِ. ”اِسْمَعُوا لِي يَا مَنْ تَتْبَعُونَ الصَّلَاحَ، وَتَطْلُبُونَ اللهَ. اُنْظُرُوا إِلَى الصَّخْرِ الَّذِي مِنْهُ قُطِعْتُمْ، وَإِلَى الْمَحْجَرِ الَّذِي مِنْهُ حُفِرْتُمْ. اُنْظُرُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ أَبِيكُمْ، وَإِلَى سَارَةَ الَّتِي وَلَدَتْكُمْ. فَإِنِّي دَعَوْتُهُ لَمَّا كَانَ فَرْدًا وَاحِدًا وَبَارَكْتُهُ وَأَكْثَرْتُهُ. اللهُ يُعَزِّي الْقُدْسَ، يُعَزِّيهَا عَلَى كُلِّ خَرَابِهَا، وَيَجْعَلُ صَحْرَاءَهَا كَعَدْنٍ، وَقِفَارَهَا كَجَنَّةِ اللهِ. وَيَكُونُ فِيهَا الْفَرَحُ وَالِابْتِهَاجُ، وَالْحَمْدُ وَصَوْتُ التَّرْنِيمِ. ”اِسْمَعُوا لِي يَا شَعْبِي، وَيَا أُمَّتِي أَصْغِي إِلَيَّ. فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ تَصْدُرُ مِنْ عِنْدِي، وَعَدْلِي يَكُونُ نُورًا لِلشُّعُوبِ. اِقْتَرَبَ صَلَاحِي، تَأْتِي نَجَاتِي. أَقْضِي لِلشُّعُوبِ بِقُوَّةِ ذِرَاعِي، يَضَعُ أَهْلُ الْجُزُرِ رَجَاءَهُمْ فِيَّ، وَيَعْتَمِدُونَ عَلَى قُوَّةِ ذِرَاعِي. ”تَطَلَّعُوا إِلَى السَّمَاوَاتِ، وَانْظُرُوا إِلَى الْأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، فَإِنَّ السَّمَاوَاتِ تَفْنَى كَالدُّخَانِ، وَالْأَرْضَ تَبْلَى كَمَا يَبْلَى الثَّوْبُ، وَيَمُوتُ سُكَّانُهَا كَالذُّبَابِ، أَمَّا نَجَاتِي فَتَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ، وَصَلَاحِي لَا يَنْتَهِي. ”اِسْمَعْ لِي يَا شَعْبِي، يَا مَنْ تَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَيَا مَنْ شَرِيعَتِي فِي قُلُوبِكُمْ. لَا تَخَافُوا مِنْ إِهَانَاتِ النَّاسِ، وَلَا تَرْتَعِبُوا مِنْ شَتَائِمِهِمْ. فَهُمْ كَالثَّوْبِ يَأْكُلُهُمُ الْعُثُّ، وَكَالصُّوفِ يَأْكُلُهُمُ السُّوسُ، أَمَّا صَلَاحِي فَيَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ، وَنَجَاتِي إِلَى كُلِّ الْأَجْيَالِ.“ اِسْتَيْقِظِي يَا ذِرَاعَ الْمَوْلَى، اِسْتَيْقِظِي وَالْبَسِي الْقُوَّةَ، اِسْتَيْقِظِي كَمَا فِي الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ، كَمَا فِي الْأَجْيَالِ الْقَدِيمَةِ. أَنْتِ الَّتِي مَزَّقْتِ مِصْرَ وَطَعَنْتِ الْوَحْشَ. أَنْتِ الَّتِي جَفَّفْتِ الْبَحْرَ، مِيَاهَ الْعُمْقِ الْعَظِيمِ، وَجَعَلْتِ أَعْمَاقَ الْبَحْرِ طَرِيقًا لِعُبُورِ الْمَفْدِيِّينَ! فَيَرْجِعُ الَّذِينَ فَدَاهُمُ اللهُ إِلَى الْقُدْسِ، وَيَدْخُلُونَهَا بِالْغِنَاءِ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ فَرَحٌ أَبَدِيٌّ. يَغْمُرُهُمُ الِابْتِهَاجُ وَالْفَرَحُ، وَيَهْرُبُ عَنْهُمُ الْحُزْنُ وَالتَّنَهُّدُ. ”أَنَا أَنَا هُوَ مُعَزِّيكُمْ. فَلِمَاذَا تَخَافِينَ مِنَ الْإِنْسَانِ الَّذِي يَمُوتُ وَيَفْنَى كَالْعُشْبِ؟ لِمَاذَا نَسِيتِ اللهَ صَانِعَكِ، الَّذِي بَسَطَ السَّمَاوَاتِ وَأَسَّسَ الْأَرْضَ؟ لِمَاذَا أَنْتِ فِي فَزَعٍ دَائِمٍ كُلَّ يَوْمٍ؟ لِمَاذَا تَخَافِينَ غَضَبَ الظَّالِمِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُهْلِكَكِ؟ لِأَنَّهُ أَيْنَ هُوَ غَضَبُ الظَّالِمِ؟ قَرِيبًا يَتَحَرَّرُ الْمَسَاجِينُ، يَطُولُ عُمْرُهُمْ، وَلَا يَفْتَقِرُونَ إِلَى طَعَامٍ. أَنَا هُوَ الْمَوْلَى إِلَهُكَ، أُهَيِّجُ الْبَحْرَ فَتَثُورُ أَمْوَاجُهُ. وَاسْمِي اللهُ الْقَدِيرُ. أَنَا وَضَعْتُ كَلَامِي فِي فَمِكَ، وَسَتَرْتُكَ بِظِلِّ يَدِي. أَنَا الَّذِي وَضَعْتُ السَّمَاوَاتِ فِي مَكَانِهَا، وَأَسَّسْتُ الْأَرْضَ، وَأَقُولُ لِلْقُدْسِ: ’أَنْتِ شَعْبِي.‘“ اِسْتَيْقِظِي، اِسْتَيْقِظِي وَقُومِي يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ، يَا مَنْ شَرِبْتِ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى كَأْسَ غَضَبِهِ، الْكَأْسَ الَّتِي جَعَلَتْكِ تَتَرَنَّحِينَ. شَرِبْتِهَا بِأَكْمَلِهَا حَتَّى آخِرِهَا. مِنْ كُلِّ الْبَنِينَ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ لَا يُوجَدُ مَنْ يَقُودُهَا، وَمِنْ كُلِّ الْبَنِينَ الَّذِينَ رَبَّتْهُمْ لَا يُوجَدُ مَنْ يُمْسِكُ بِيَدِهَا. جَاءَتْ عَلَيْكِ الْمَصَائِبُ أَزْوَاجًا: الْخَرَابُ وَالتَّدْمِيرُ، فَمَنْ يَرْثِي لَكِ؟ وَالْجُوعُ وَالْحَرْبُ، فَمَنْ يُعَزِّيكِ؟ أَعْيَا بَنُوكِ وَانْطَرَحُوا فِي رَأْسِ كُلِّ شَارِعٍ، مِثْلَ غَزَالٍ وَقَعَ فِي شَبَكَةٍ. اِمْتَلَأُوا مِنْ غَضَبِ اللهِ وَمِنْ تَوْبِيخِ إِلَهِكِ. لِذَلِكَ اسْمَعِي هَذَا أَيَّتُهَا الْبَائِسَةُ، أَيَّتُهَا السَّكْرَانَةُ وَلَكِنْ مِنْ غَيْرِ خَمْرٍ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى رَبِّكِ وَإِلَهِكِ الَّذِي يُدَافِعُ عَنْ شَعْبِهِ: ”إِنِّي أَخَذْتُ مِنْ يَدِكِ الْكَأْسَ الَّتِي جَعَلَتْكِ تَتَرَنَّحِينَ، فَلَا تَعُودِينَ تَشْرَبِينَ مِنْ كَأْسِ غَضَبِي فِيمَا بَعْدُ. وَأَضَعُهَا فِي يَدِ الَّذِينَ عَذَّبُوكِ، الَّذِينَ قَالُوا لَكِ: ’اِنْحَنِي لِنَمْشِيَ فَوْقَكِ.‘ فَجَعَلْتِ ظَهْرَكِ كَالْأَرْضِ، وَكَالشَّارِعِ يَمْشُونَ عَلَيْهِ.“ اِسْتَيْقِظِي، اِسْتَيْقِظِي وَالْبَسِي قُوَّتَكِ يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ. اِلْبَسِي ثِيَابَكِ الرَّائِعَةَ أَيَّتُهَا الْمَدِينَةُ الْمُقَدَّسَةُ. لِأَنَّهُ لَنْ يَدْخُلَكِ بَعْدَ الْيَوْمِ كَافِرٌ أَوْ نَجِسٌ. يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ، قُومِي وَانْفُضِي التُّرَابَ عَنْكِ. يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ الْأَسِيرَةَ، حُلِّي قُيُودَ عُنُقِكِ وَاجْلِسِي. لِأَنَّ اللهَ قَالَ: ”تَمَّ بَيْعُكُمْ بِلَا مُقَابِلٍ، وَبِلَا فِضَّةٍ تُفْدَوْنَ.“ لِأَنَّ الْمَوْلَى الْإِلَهَ قَالَ: ”أَوَّلًا، نَزَلَ شَعْبِي إِلَى مِصْرَ لِيَعِيشَ هُنَاكَ. ثُمَّ مُؤَخَّرًا ظَلَمَهُ الْأَشُورِيُّونَ.“ فَهَذَا كَلَامُ اللهِ: ”مَاذَا لِي هُنَا الْآنَ؟ أُخِذَ شَعْبِي بِغَيْرِ ثَمَنٍ، الْمُتَسَلِّطُونَ عَلَيْهِ يَهْزَأُونَ، وَطُولَ الْيَوْمِ يَكْفُرُونَ دَائِمًا بِاسْمِي.“ نَعَمْ، هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”لِذَلِكَ يَعْرِفُ شَعْبِيَ اسْمِي، وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا تَنَبَّأْتُ، وَأَنِّي هُنَا.“ مَا أَجْمَلَ أَنْ يَأْتِيَ إِلَيْنَا مَنْ يَحْمِلُ بُشْرَى الْخَيْرِ عَبْرَ الْجِبَالِ، مَنْ يُعْلِنُ السَّلَامَ، وَيَحْمِلُ الْأَخْبَارَ السَّارَّةَ، وَيُعْلِنُ النَّجَاةَ، وَيَقُولُ لِمَدِينَةِ الْقُدْسِ: ”مَلَكَ إِلَهُكِ!“ يَرْفَعُ حُرَّاسُكِ أَصْوَاتَهُمْ وَيُرَنِّمُونَ مَعًا، لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ بِعُيُونِهِمْ أَنَّ اللهَ رَجَعَ إِلَى الْقُدْسِ. هَلِّلِي وَرَنِّمِي مَعًا يَا خَرَائِبَ الْقُدْسِ، لِأَنَّ اللهَ عَزَّى شَعْبَهُ وَفَدَى الْقُدْسَ. شَمَّرَ الْمَوْلَى عَنْ ذِرَاعِهِ الْمُقَدَّسَةِ أَمَامَ عُيُونِ كُلِّ الْأُمَمِ، فَيَرَى النَّاسُ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْأَرْضِ نَجَاةَ إِلَهِنَا. يَا مَنْ تَحْمِلُونَ آنِيَةَ اللهِ، اِرْحَلُوا مِنْ بَابِلَ، اِرْحَلُوا وَاخْرُجُوا مِنْهَا. لَا تَمَسُّوا مَا هُوَ نَجِسٌ! اُخْرُجُوا مِنْهَا وَكُونُوا طَاهِرِينَ. لَكِنَّكُمْ لَا تَخْرُجُونَ بِعَجَلَةٍ، وَلَا تَذْهَبُونَ مِنْ هُنَاكَ هَارِبِينَ. لِأَنَّ اللهَ رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَسِيرُ أَمَامَكُمْ، وَيَحْرُسُ الْمُؤَخَّرَةَ لَكُمْ. عَبْدِي يَنْجَحُ، يَتَعَالَى وَيَرْتَفِعُ وَيَتَعَظَّمُ جِدًّا. كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَزِعُوا مِنْهُ، فَقَدْ تَشَوَّهَ مَنْظَرُهُ وَلَمْ يَعُدْ مَنْظَرَ إِنْسَانٍ، وَتَشَوَّهَ شَكْلُهُ وَلَمْ يَعُدْ شَكْلَ بَشَرٍ. وَكَذَلِكَ تَنْذَهِلُ مِنْهُ أُمَمٌ كَثِيرَةٌ، وَيَسُدُّ مُلُوكٌ أَفْوَاهَهُمْ بِسَبَبِهِ، لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ مَا لَمْ يُخْبَرُوا بِهِ، وَيَفْهَمُونَ مَا لَمْ يَسْمَعُوا عَنْهُ. مَنْ آمَنَ بِرِسَالَتِنَا، وَلِمَنْ ظَهَرَتْ قُوَّةُ ذِرَاعِ اللهِ؟ نَمَا فِي مَحْضَرِ اللهِ كَغُصْنٍ، وَكَجِذْرٍ فِي أَرْضٍ يَابِسَةٍ. لَا جَمَالَ لَهُ وَلَا جَلَالَ يَلْفِتُ انْتِبَاهَنَا، لَا شَيْءَ فِي مَنْظَرِهِ يَجْذِبُنَا إِلَيْهِ. مُحْتَقَرٌ وَمَنْبُوذٌ مِنَ النَّاسِ، حَزِنَ كَثِيرًا وَعَرَفَ الْأَلَمَ، اِحْتَقَرْنَاهُ وَلَمْ نَعْمَلْ لَهُ حِسَابًا، وَغَطَّيْنَا عُيُونَنَا لِكَيْ لَا نَرَاهُ. لَكِنَّهُ حَمَلَ أَمْرَاضَنَا وَرَفَعَ أَحْزَانَنَا. وَنَحْنُ كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ اللهَ ضَرَبَهُ وَأَذَلَّهُ عِقَابًا لَهُ. لَكِنَّهُ جُرِحَ بِسَبَبِ مَعَاصِينَا، سُحِقَ بِسَبَبِ آثَامِنَا، نَزَلَ عَلَيْهِ التَّأْدِيبُ لِنَحْصُلَ نَحْنُ عَلَى السَّلَامِ، وَبِجُرُوحِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا ضَلَلْنَا كَغَنَمٍ، اِنْحَرَفْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَاللهُ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَنَا كُلِّنَا. ضَرَبُوهُ وَأَذَلُّوهُ لَكِنَّهُ لَمْ يَفْتَحْ فَمَهُ. كَانَ كَحَمَلٍ يُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَشَاةٍ صَامِتَةٍ بَيْنَ يَدَيْ مَنْ يَجُزُّهَا، فَلَمْ يَفْتَحْ فَمَهُ. حَكَمُوا عَلَيْهِ ظُلْمًا وَأَخَذُوهُ. وَمَنْ يَصِفُ مَا جَرَى لَهُ؟ فَإِنَّهُمْ قَتَلُوهُ! نَالَ عِقَابَ مَعْصِيَةِ شَعْبِي. وُضِعَ فِي قَبْرٍ مَعَ الْأَشْرَارِ، وَمَعَ الْأَغْنِيَاءِ عِنْدَ مَوْتِهِ. مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَرْتَكِبْ شَرًّا، وَلَمْ يَكْذِبْ أَبَدًا. وَمَعَ ذَلِكَ رَضِيَ اللهُ أَنْ يَسْحَقَهُ بِالْأَلَمِ، فَجَعَلَ حَيَاتَهُ ضَحِيَّةً لِلتَّكْفِيرِ عَنِ الذَّنْبِ. لِذَلِكَ يَرَى أَوْلَادَهُ، وَتَطُولُ أَيَّامُهُ، وَيُحَقِّقُ مَا يُرِيدُهُ اللهُ مِنْهُ. وَبَعْدَ هَذَا الْعَذَابِ الَّذِي احْتَمَلَهُ، يَرَى نُورَ الْحَيَاةِ وَيَفْرَحُ. وَعَبْدِيَ الصَّالِحُ بِمَعْرِفَتِهِ يَجْعَلُ الْكَثِيرِينَ صَالِحِينَ، لِأَنَّهُ يَحْمِلُ آثَامَهُمْ. لِذَلِكَ أُعْطِيهِ نَصِيبًا بَيْنَ الْعُظَمَاءِ، فَيَقْسِمُ غَنِيمَةً مَعَ الْأَقْوِيَاءِ، لِأَنَّهُ بَذَلَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ، وَحُسِبَ مَعَ الْأَشْرَارِ. حَمَلَ خَطِيئَةَ كَثِيرِينَ، وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ. ”رَنِّمِي أَيَّتُهَا الْعَاقِرُ، مَعَ أَنَّكِ لَمْ تَحْبَلِي، اِهْتِفِي وَهَلِّلِي، مَعَ أَنَّكِ لَمْ تَلِدِي، لِأَنَّ أَوْلَادَ الزَّوْجَةِ الْمَهْجُورَةِ، أَكْثَرُ مِنْ أَوْلَادِ الَّتِي زَوْجُهَا مَعَهَا“ يَقُولُ اللهُ. ”وَسِّعِي مَسْكَنَكِ، اُبْسُطِي جَوَانِبَ خِيَامِكِ، لَا تُضَيِّقِي، طَوِّلِي حِبَالَهَا. ثَبِّتِي أَوْتَادَهَا. لِأَنَّكِ تَمْتَدِّينَ إِلَى الْيَمِينِ وَإِلَى الشِّمَالِ، وَيَرِثُ نَسْلُكِ أُمَمًا، وَيُعَمِّرُ الْمُدُنَ الْخَرِبَةَ. ”لَا تَخَافِي لِأَنَّكِ لَنْ تَخْزَيْ، وَلَا تَخْجَلِي لِأَنَّهُ لَنْ يَلْحَقَ بِكِ عَارٌ. بَلْ تَنْسِينَ خِزْيَ أَيَّامِ الصِّبَا، وَلَا تَذْكُرِينَ عَارَ تَرَمُّلِكِ. لِأَنَّ صَانِعَكِ هُوَ زَوْجُكِ، وَاسْمُهُ اللهُ الْقَدِيرُ. وَفَادِيكِ هُوَ الْقُدُّوسُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَيُدْعَى إِلَهَ كُلِّ الْأَرْضِ. يَا شَعْبِي، أَنْتُمْ كَزَوْجَةٍ تَرَكَهَا زَوْجُهَا، فَهِيَ حَزِينَةُ الْقَلْبِ. تَزَوَّجَتْ وَهِيَ صَغِيرَةٌ ثُمَّ تَرَكَهَا زَوْجُهَا. لَكِنَّ اللهَ يَدْعُوكُمْ لِتَرْجِعُوا إِلَيْهِ“ رَبُّكُمْ يَقُولُ هَذَا. ”تَرَكْتُكِ لَحْظَةً، وَبِحَنَانٍ عَمِيقٍ أُرْجِعُكِ. بِغَضَبٍ هَائِجٍ حَجَبْتُ وَجْهِي عَنْكِ لَحْظَةً، وَبِإِحْسَانٍ أَبَدِيٍّ أَرْحَمُكِ.“ قَالَ اللهُ فَادِيكِ. ”وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِي هُوَ كَأَيَّامِ نُوحَ. كَمَا أَنِّي حَلَفْتُ لِنُوحَ أَنَّ مِيَاهَ الطُّوفَانِ لَا تُغَطِّي الْأَرْضَ مَرَّةً أُخْرَى، فَالْآنَ حَلَفْتُ أَنْ لَا أَغْضَبَ عَلَيْكِ وَلَا أُوَبِّخَكِ. فَقَدْ تَزُولُ الْجِبَالُ، وَتَنْتَقِلُ التِّلَالُ مِنْ مَكَانِهَا، أَمَّا رَحْمَتِي لَكِ فَلَا تَزُولُ، وَمِيثَاقِي الَّذِي يَضْمَنُ لَكِ السَّلَامَ لَا يَنْتَقِلُ عَنْكِ.“ قَالَ اللهُ الَّذِي يَرْحَمُكِ. ”أَيَّتُهَا الْمَدِينَةُ الذَّلِيلَةُ الَّتِي ضَرَبَتْهَا الْعَوَاصِفُ وَلَا عَزَاءَ لَهَا، أَنَا أَبْنِيكِ بِحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ، وَأَضَعُ أَسَاسَاتِكِ مِنْ يَاقُوتٍ أَزْرَقَ. وَأَصْنَعُ أَبْرَاجَكِ مِنْ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ، وَأَبْوَابَكِ مِنْ حِجَارَةِ بَهْرَمَانٍ، وَكُلَّ أَسْوَارِكِ مِنْ لَآلِئٍ. وَيَتَلَقَّى أَبْنَاؤُكِ تَعْلِيمَهُمْ مِنَ اللهِ، وَيَكُونُ لَهُمْ سَلَامٌ عَظِيمٌ. تَثْبُتِينَ بِالصَّلَاحِ، وَيَبْتَعِدُ عَنْكِ الظُّلْمُ، فَلَا تَخَافِينَ شَيْئًا. وَيَبْتَعِدُ عَنْكِ الرُّعْبُ، وَلَا يَقْرُبُ مِنْكِ. وَإِنْ هَاجَمَكِ أَحَدٌ، فَلَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِرِضَايَ. مَنْ يُهَاجِمُكِ يَسْقُطُ أَمَامَكِ. ”أَنَا الَّذِي خَلَقْتُ الْحَدَّادَ الَّذِي يَنْفُخُ فِي الْفَحْمِ وَيُشْعِلُهُ، وَيَصْنَعُ سِلَاحًا مُنَاسِبًا. وَأَنَا الَّذِي خَلَقْتُ الْمُدَمِّرَ لِيَخْرِبَ. كُلُّ سِلَاحٍ صُنِعَ لِيَكُونَ ضِدَّكِ، لَنْ يَنْجَحَ. وَكُلُّ وَاحِدٍ يَقُومُ عَلَيْكِ فِي الْقَضَاءِ، تَحْكُمِينَ أَنْتِ عَلَيْهِ. هَذَا نَصِيبُ عَبِيدِ اللهِ، وَنَصْرُهُمْ مِنْ عِنْدِي.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”يَا جَمِيعَ الْعِطَاشِ تَعَالَوْا إِلَى الْمِيَاهِ. وَمَنْ لَيْسَ عِنْدَهُمْ مَالٌ، تَعَالَوْا اشْتَرُوا خَمْرًا وَلَبَنًا، مَجَّانًا وَبِلَا مَالٍ. لِمَاذَا تَصْرِفُونَ مَالَكُمْ عَلَى مَا لَا يُطْعِمُ، وَدَخْلَكُمْ عَلَى مَا لَا يُشْبِعُ؟ اِسْتَمِعُوا لِي جَيِّدًا، وَكُلُوا الطَّيِّبَاتِ وَتَمَتَّعُوا بِالطَّعَامِ الشَّهِيِّ. قَرِّبُوا آذَانَكُمْ وَتَعَالَوْا لِي، اِسْمَعُوا فَتَحْيَا نُفُوسُكُمْ، وَأَعْمَلُ مَعَكُمْ عَهْدًا يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ، رَحْمَتِيَ الْأَكِيدَةَ الَّتِي وَعَدْتُ بِهَا دَاوُدَ. فَقَدْ جَعَلْتُهُ شَاهِدًا لِلشُّعُوبِ، حَاكِمًا وَقَائِدًا لَهُمْ. تُنَادِي أُمَمًا أَنْتَ لَا تَعْرِفُهَا وَهِيَ لَا تَعْرِفُكَ، فَتُسْرِعُ إِلَيْكَ، بِفَضْلِ الْمَوْلَى إِلَهِكَ الْقُدُّوسِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِأَنَّهُ مَجَّدَكَ.“ اُطْلُبُوا اللهَ مَا دَامَ مَوْجُودًا، اُدْعُوهُ مَا دَامَ قَرِيبًا. لِيَتْرُكِ الشِّرِّيرُ طَرِيقَهُ، وَالْأَثِيمُ أَفْكَارَهُ، وَلْيَرْجِعْ إِلَى اللهِ فَيَرْحَمَهُ، وَإِلَى إِلَهِنَا فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْعَفْوِ. ”لِأَنَّ أَفْكَارِي لَيْسَتْ كَأَفْكَارِكُمْ، وَطُرُقَكُمْ لَيْسَتْ كَطُرُقِي، يَقُولُ اللهُ. بَلْ كَمَا ارْتَفَعَتِ السَّمَاوَاتُ عَنِ الْأَرْضِ، اِرْتَفَعَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ، وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ. وَكَمَا يَنْزِلُ الْمَطَرُ وَالثَّلْجُ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَا يَرْجِعَانِ إِلَيْهَا إِلَّا بَعْدَ إِرْوَاءِ الْأَرْضِ، حَتَّى تُنْبِتَ وَتُزْهِرَ وَتُعْطِيَ بُزُورًا لِلزَّارِعِ وَطَعَامًا لِلْآكِلِ، كَذَلِكَ تَكُونُ كَلِمَتِيَ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِي، لَا تَرْجِعُ إِلَيَّ بِلَا ثَمَرٍ، بَلْ تَعْمَلُ مَا شِئْتُ أَنْ تَعْمَلَهُ، وَتَنْجَحُ فِي مَا أَرْسَلْتُهَا لَهُ. فَإِنَّكُمْ تَخْرُجُونَ مِنْ بَابِلَ بِفَرَحٍ، وَتَأْتُونَ بِالسَّلَامَةِ. تُرَنِّمُ الْجِبَالُ وَالتِّلَالُ أَمَامَكُمْ. وَكُلُّ أَشْجَارِ الْحَقْلِ تُصَفِّقُ بِالْأَيَادِي. بَدَلَ الشَّوْكِ يَنْبُتُ سَرْوٌ، وَبَدَلَ الْحَسَكِ يَطْلَعُ آسٌ. وَيَكُونُ هَذَا سَبَبَ شُهْرَةٍ للهِ، وَعَلَامَةً لَا تَنْقَطِعُ بَلْ تَبْقَى إِلَى الْأَبَدِ.“ قَالَ اللهُ: ”تَمَسَّكُوا بِالْحَقِّ، وَاصْنَعُوا الْعَدْلَ. لِأَنَّهُ عَنْ قَرِيبٍ تَأْتِي نَجَاتِي، وَيَظْهَرُ صَلَاحِي. هَنِيئًا لِلْإِنْسَانِ الَّذِي يَعْمَلُ بِمَا أَقُولُ، وَيَتَمَسَّكُ بِهِ، وَيَحْفَظُ وَصِيَّةَ السَّبْتِ وَلَا يَكْسِرُهَا، وَيَصُونُ يَدَهُ عَنِ ارْتِكَابِ أَيِّ شَرٍّ.“ فَالْغَرِيبُ الَّذِي أَعْطَى وَلَاءَهُ للهِ يَجِبُ أَنْ لَا يَقُولَ: ”سَيَفْصِلُنِي اللهُ عَنْ شَعْبِهِ.“ وَالْخَصِيُّ يَجِبُ أَنْ لَا يَقُولَ: ”أَنَا شَجَرَةٌ يَابِسَةٌ.“ لِأَنَّ اللهَ قَالَ: ”الْخِصْيَانُ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ وَصِيَّةَ السَّبْتِ، وَيَخْتَارُونَ مَا يَسُرُّنِي، وَيَتَمَسَّكُونَ بِمِيثَاقِي، أُعْطِيهِمْ فِي بَيْتِي وَدَاخِلَ أَسْوَارِ مَدِينَتِي ذِكْرًا وَاسْمًا أَحْسَنَ مِنَ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ، اِسْمًا خَالِدًا لَا يَنْقَرِضُ. وَالْغُرَبَاءُ الَّذِينَ يُعْطُونَ وَلَاءَهُمْ للهِ لِيَخْدِمُوهُ وَيُحِبُّوا اسْمَهُ وَيَعْبُدُوهُ، كُلُّ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ وَصِيَّةَ السَّبْتِ وَلَا يَكْسِرُونَهَا، وَيَتَمَسَّكُونَ بِمِيثَاقِي، أُحْضِرُهُمْ إِلَى جَبَلِيَ الْمُقَدَّسِ، وَأُفَرِّحُهُمْ فِي بَيْتِ صَلَاتِي. وَتَكُونُ قَرَابِينُهُمْ وَضَحَايَاهُمْ مَقْبُولَةً عَلَى مَنَصَّتِي، لِأَنَّ بَيْتِي يُسَمَّى بَيْتَ الصَّلَاةِ لِكُلِّ الشُّعُوبِ.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ الَّذِي يَجْمَعُ الْمَنْفِيِّينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ”سَأَجْمَعُ إِلَيْهِمْ آخَرِينَ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى الَّذِينَ جَمَعْتُهُمْ.“ تَعَالَيْ يَا جَمِيعَ الْوُحُوشِ، تَعَالَيْ وَكُلِي يَا جَمِيعَ وُحُوشِ الْغَابَةِ. حُرَّاسُ إِسْرَائِيلَ عُمْيٌ. كُلُّهُمْ بِلَا مَعْرِفَةٍ. كُلُّهُمْ كِلَابٌ بُكْمٌ لَا تَقْدِرُ أَنْ تَنْبَحَ. يَحْلُمُونَ وَيَرْقُدُونَ وَيُحِبُّونَ النَّوْمَ. هُمْ كِلَابٌ شَرِهَةٌ لَا تَعْرِفُ الشَّبَعَ. هُمْ رُعَاةٌ بِلَا فَهْمٍ. كُلُّ وَاحِدٍ فِيهِمِ انْحَرَفَ إِلَى طَرِيقِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ يَسْعَى وَرَاءَ مَنْفَعَتِهِ الْخَاصَّةِ. وَيَقُولُونَ: ”تَعَالَوْا نَأْخُذُ خَمْرًا، وَنَشْرَبُ حَتَّى نَسْكَرَ. سَيَكُونُ الْغَدُ عَظِيمًا كَالْيَوْمِ، بَلْ أَحْسَنَ.“ يَمُوتُ الصَّالِحُ وَلَا وَاحِدٌ يَهْتَمُّ. يُتَوَفَّى التَّقِيُّ وَلَا وَاحِدٌ يَفْهَمُ. إِنَّ الصَّالِحَ يُؤْخَذُ مِنَ الشَّرِّ، وَيَدْخُلُ إِلَى السَّلَامِ، وَالَّذِي يَسْلُكُ بِاسْتِقَامَةٍ يَمُوتُ فَيَرْتَاحُ. ”أَمَّا أَنْتُمْ فَتَعَالَوْا هُنَا يَا أَوْلَادَ السَّاحِرَةِ، يَا نَسْلَ الْفَاسِقِ وَالْعَاهِرَةِ! بِمَنْ تَسْخَرُونَ؟ وَعَلَى مَنْ تَفْتَحُونَ الْفَمَ وَتُخْرِجُونَ اللِّسَانَ؟ يَا أَوْلَادَ الْعُصَاةِ وَنَسْلَ الْكَذَّابِينَ! يَا مَنْ تَتَحَرَّقُونَ بِالشَّهْوَةِ بَيْنَ أَشْجَارِ الْبَلُّوطِ، وَفِي ظِلِّ كُلِّ شَجَرَةٍ كَبِيرَةٍ، وَتَذْبَحُونَ أَوْلَادَكُمْ فِي الْأَوْدِيَةِ تَحْتَ الصُّخُورِ الْمُعَلَّقَةِ. لِذَلِكَ فَإِنَّ نَصِيبَكِ أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ هُوَ الْأَصْنَامُ، تِلْكَ الْحِجَارَةُ الْمَلْسَاءُ مِنَ الْوَادِي. نَعَمْ هِيَ نَصِيبُكِ، لِأَنَّكِ سَكَبْتِ لَهَا الشَّرَابَ وَقَدَّمْتِ الْقَرَابِينَ. فَهَلْ أَرْضَى بِهَذَا؟ وَضَعْتِ فِرَاشَكِ عَلَى جَبَلٍ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ، وَإِلَى هُنَاكَ صَعِدْتِ لِتُقَدِّمِي ضَحَايَاكِ. أَقَمْتِ أَصْنَامَكِ وَرَاءَ الْأَبْوَابِ وَالْقَوَائِمِ وَهَجَرْتِنِي! عَرَّيْتِ نَفْسَكِ وَصَعِدْتِ إِلَى فِرَاشِكِ وَوَسَّعْتِ مَكَانًا. عَمِلْتِ مَعَ أَصْنَامِكِ عَهْدًا. أَحْبَبْتِ الزِّنَى مَعَهُمْ، وَتَأَمَّلْتِ عُرْيَهُمْ. دَهَنْتِ شَعْرَكِ بِالزَّيْتِ وَتَعَطَّرْتِ كَثِيرًا وَذَهَبْتِ إِلَى الْإِلَهِ مُولَخَ. أَرْسَلْتِ رُسُلًا إِلَى أَمَاكِنَ بَعِيدَةٍ، بَلْ نَزَلْتِ حَتَّى إِلَى عَالَمِ الْأَمْوَاتِ! تَعِبْتِ مِنْ طُولِ أَسْفَارِكِ، وَلَمْ تَيْأَسِي بَلْ تَجَدَّدَتْ قُوَّتُكِ وَلَمْ تَضْعُفِي. ”مَنِ الَّذِي أَرْعَبَكِ وَأَخَافَكِ حَتَّى كَذَبْتِ وَلَمْ تَذْكُرِينِي أَوْ تُفَكِّرِي فِيَّ؟ هَلْ لَا تَخَافِينِي لِأَنِّي سَكَتُّ وَقْتًا طَوِيلًا. سَأُخْبِرُ عَنْ صَلَاحِكِ وَأَعْمَالِكِ، فَلَا تَنْفَعُكِ! ”إِنِ اسْتَغَثْتِ فَهَلْ تُنْقِذُكِ آلِهَتُكِ؟ بَلِ الرِّيحُ تَحْمِلُهُمْ كُلَّهُمْ، مُجَرَّدُ نَفْخَةٍ تَذْهَبُ بِهِمْ بَعِيدًا. أَمَّا مَنْ يَتَوَكَّلُ عَلَيَّ فَيَرِثُ الْأَرْضَ، وَيَمْلِكُ جَبَلِيَ الْمُقَدَّسَ.“ وَيَقُولُ اللهُ: ”أَعِدُّوا، أَعِدُّوا وَمَهِّدُوا الطَّرِيقَ، أَزِيلُوا الْعَقَبَاتِ مِنْ طَرِيقِ شَعْبِي.“ لِأَنَّ هَذَا كَلَامُ الْعَلِيِّ الْمُرْتَفِعِ، الْبَاقِي إِلَى الْأَبَدِ، الَّذِي اسْمُهُ الْقُدُّوسُ: ”إِنِّي أَسْكُنُ فِي الْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ وَالْمُقَدَّسِ، كَمَا أَسْكُنُ أَيْضًا مَعَ الْمُنْسَحِقِ وَالْمُتَوَاضِعِ الرُّوحِ، فَأُنْعِشُ رُوحَ الْمُتَوَاضِعِينَ وَقَلْبَ الْمُنْسَحِقِينَ. لَا إِلَى الْأَبَدِ أُخَاصِمُ، وَلَا عَلَى الدَّوَامِ أَغْضَبُ. لِئَلَّا يَبِيدَ مِنْ أَمَامِيَ الَّذِينَ أَعْطَيْتُهُمْ رُوحًا وَنَسَمَةً. غَضِبْتُ عَلَى شَعْبِي بِسَبَبِ طَمَعِهِ الْأَثِيمِ، فَعَاقَبْتُهُ وَحَجَبْتُ وَجْهِي عَنْهُ بِغَضَبٍ، وَلَكِنَّهُ اسْتَمَرَّ فِي عِصْيَانِهِ وَعِنَادِهِ. رَأَيْتُ سُلُوكَهُ، وَلَكِنِّي سَأَشْفِيهِ وَأَهْدِيهِ وَأُعَزِّيهِ هُوَ وَالَّذِينَ نَاحُوا عَلَيْهِ. وَأَجْعَلُ شِفَاهَهُمْ تَفِيضُ بِالْحَمْدِ، وَيَكُونُ سَلَامٌ، سَلَامٌ لِلْبَعِيدِينَ وَلِلْقَرِيبِينَ وَأَشْفِيهِمْ.“ يَقُولُ اللهُ. أَمَّا الْأَشْرَارُ فَهُمْ كَالْبَحْرِ الْمُضْطَرِبِ الَّذِي لَا يَهْدَأُ، وَتَقْذِفُ مِيَاهُهُ الْوَحْلَ وَالطِّينَ. ”لَا سَلَامَ لِلْأَشْرَارِ“ قَالَ إِلَهِي. ”نَادِ بِأَعْلَى صَوْتِكَ وَلَا تَسْكُتْ. اِرْفَعْ صَوْتَكَ كَبُوقٍ، وَأَخْبِرْ شَعْبِي بِعِصْيَانِهِمْ. وَبَيْتَ يَعْقُوبَ بِذُنُوبِهِمْ. يَطْلُبُونِي كُلَّ يَوْمٍ، وَيُرِيدُونَ أَنْ يَعْرِفُوا طُرُقِي، كَأَنَّهُمْ أُمَّةٌ تَصْنَعُ الْحَقَّ، وَلَا تُهْمِلُ وَصَايَا إِلَهِهَا. يُطَالِبُونِي بِأَحْكَامٍ عَادِلَةٍ، وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَقَرَّبُوا إِلَى اللهِ. وَيَقُولُونَ: ’صُمْنَا فَلِمَاذَا لَمْ تَنْظُرْ؟ وَتَذَلَّلْنَا فَلِمَاذَا لَمْ تُلَاحِظْ؟‘ إِنَّكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ تَعْمَلُونَ مَا يَحْلُو لَكُمْ. وَتُسَخِّرُونَ كُلَّ عُمَّالِكُمْ. وَيُؤَدِّي صَوْمُكُمْ إِلَى الْخِصَامِ وَالنِّزَاعِ، فَتَضْرِبُونَ الْوَاحِدُ الْآخَرَ بِلَكْمَةِ الشَّرِّ. فَلَا تَظُنُّوا أَنَّ مِثْلَ صَوْمِكُمُ الْيَوْمَ، يَجْعَلُنِي أَسْمَعُ صَوْتَكُمْ فِي السَّمَاءِ! هَلْ هَذَا هُوَ الصَّوْمُ الَّذِي أُرِيدُهُ؟ مُجَرَّدُ يَوْمٍ يَتَذَلَّلُ فِيهِ الْوَاحِدُ، وَيَحْنِي رَأْسَهُ كَعُشْبَةٍ، وَيَجْلِسُ عَلَى الْخَيْشِ وَالرَّمَادِ؟ هَلْ تُسَمُّونَ هَذَا صَوْمًا؟ هَلْ تَظُنُّونَ أَنَّ اللهَ يَقْبَلُهُ؟ بَلِ الصَّوْمُ الَّذِي أُرِيدُهُ، هُوَ أَنْ تَحُلَّ سَلَاسِلَ الظُّلْمِ، وَتَفُكَّ قُيُودَ النِّيرِ، وَتُطْلِقَ الْمَظْلُومِينَ أَحْرَارًا، وَتَنْزِعَ عَنْهُمْ كُلَّ نِيرٍ. هُوَ أَنْ تَقْتَسِمَ طَعَامَكَ مَعَ الْجَائِعِ، وَتَأْوِيَ الْمِسْكِينَ الطَّرِيدَ فِي دَارِكَ، وَمَتَى رَأَيْتَ عُرْيَانًا تَكْسُوهُ، وَلَا تَتَأَخَّرَ عَنْ عَمَلِ الْوَاجِبِ مَعَ قَرِيبِكَ. ”عِنْدَ ذَلِكَ يَطْلَعُ نُورُكَ كَالْفَجْرِ، وَيَأْتِي شِفَاؤُكَ سَرِيعًا، وَيَسِيرُ صَلَاحُكَ أَمَامَكَ، وَجَلَالُ اللهِ يَحْرُسُ الْمُؤَخَّرَةَ لَكَ. عِنْدَ ذَلِكَ تَدْعُو، فَيُجِيبُ اللهُ. تَسْتَغِيثُ فَيَقُولُ: ’هَا أَنَا!‘ اِنْزِعْ عَنْكَ ارْتِكَابَ الظُّلْمِ، وَالْإِشَارَةَ بِالْإِصْبَعِ، وَكَلَامَ السُّوءِ. أَعْطِ لُقْمَتَكَ لِلْجَائِعِ، وَأَشْبِعِ احْتِيَاجَ الذَّلِيلِ، بِذَلِكَ يُشْرِقُ نُورُكَ فِي الظَّلَامِ، وَيَكُونُ لَيْلُكَ كَالظُّهْرِ، وَيَهْدِيكَ اللهُ دَائِمًا، وَيُشْبِعُ احْتِيَاجَكَ حَتَّى فِي زَمَنِ الْقَحْطِ، وَيُقَوِّي عِظَامَكَ، وَيَجْعَلُكَ كَجَنَّةٍ مَرْوِيَّةٍ، وَكَنَبْعٍ لَا يَنْقَطِعُ مَاؤُهُ، وَيَبْنِي شَعْبُكَ الْخَرَائِبَ الْقَدِيمَةَ، وَيُقِيمُ الْأَسَاسَاتِ الَّتِي مُنْذُ قَدِيمِ الْأَجْيَالِ، فَيُسَمُّونَكَ ’الَّذِي رَمَّمَ الْحَائِطَ الْمُنْهَدِمَ، وَأَعَادَ بِنَاءَ الْأَحْيَاءِ لِلسَّكَنِ.‘ ”اِمْتَنِعْ عَنْ كَسْرِ وَصِيَّةِ السَّبْتِ، وَعَنْ عَمَلِ مَا يَحْلُو لَكَ فِي يَوْمِيَ الْمُقَدَّسِ. اِعْتَبِرْهُ يَوْمَ سُرُورٍ. أَكْرِمِ الْيَوْمَ الَّذِي أَنَا قَدَّسْتُهُ، أَكْرِمْهُ وَلَا تُبَاشِرْ فِيهِ عَمَلَكَ، وَلَا تَسْعَ فِيهِ لِقَضَاءِ مَصْلَحَتِكَ، وَلَا تَنْطِقْ فِيهِ بِكَلَامٍ تَافِهٍ. عِنْدَ ذَلِكَ تَفْرَحُ بِاللهِ، وَأَرْفَعُكَ فَوْقَ قِمَمِ الْبِلَادِ، وَأُنْعِمُ عَلَيْكَ بِمِيرَاثِ يَعْقُوبَ أَبِيكَ.“ اللهُ نَفْسُهُ تَكَلَّمَ. يَدُ اللهِ لَيْسَتْ قَاصِرَةً عَنْ أَنْ تُنْقِذَكُمْ، وَلَا أُذُنُهُ ثَقِيلَةً عَنْ أَنْ تَسْمَعَكُمْ. إِنَّمَا آثَامُكُمْ فَصَلَتْكُمْ عَنْ إِلَهِكُمْ، وَذُنُوبُكُمْ حَجَبَتْ وَجْهَهُ عَنْكُمْ فَلَا يَسْمَعُ. تَلَطَّخَتْ أَيْدِيكُمْ بِالدَّمِ، وَأَصَابِعُكُمْ بِالْإِثْمِ. شِفَاهُكُمْ تَنْطِقُ بِالْكِذْبِ، وَلِسَانُكُمْ يُتَمْتِمُ بِالشَّرِّ. وَلَا وَاحِدٌ فِيهِمْ يُقَاضِي بِالْعَدْلِ، وَلَا وَاحِدٌ يُحَاكِمُ بِأَمَانَةٍ. يَتَّكِلُونَ عَلَى الْبَاطِلِ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِالْكِذْبِ، يَحْبَلُونَ غِشًّا وَيَلِدُونَ إِثْمًا. يَفْقِسُونَ بَيْضَ أَفْعَى، وَيَنْسِجُونَ خُيُوطَ الْعَنْكَبُوتِ. مَنْ يَأْكُلُ مِنْ بَيْضِهِمْ يَمُوتُ، وَالْبَيْضَةُ الَّتِي تُكْسَرُ تُخْرِجُ حَيَّةً. لَا تَنْفَعُ خُيُوطُهُمْ لِعَمَلِ ثَوْبٍ، وَأَعْمَالُهُمْ لَا تُغَطِّيهِمْ. أَعْمَالُهُمْ أَعْمَالٌ شِرِّيرَةٌ، وَأَيْدِيهِمْ تَعْمَلُ الظُّلْمَ. أَرْجُلُهُمْ تَجْرِي إِلَى فِعْلِ الشَّرِّ، وَتُسْرِعُ إِلَى سَفْكِ دَمِ الْأَبْرِيَاءِ. أَفْكَارُهُمْ أَفْكَارٌ شِرِّيرَةٌ. يَنْشُرُونَ الْخَرَابَ وَالدَّمَارَ فِي الطُّرُقِ الَّتِي يَسِيرُونَ فِيهَا. طَرِيقُ السَّلَامِ لَا يَعْرِفُونَهُ. لَا عَدْلَ فِي سُبُلِهِمْ. عَوَّجُوا مَسَالِكَهُمْ، وَكُلُّ مَنْ يَسِيرُ فِيهَا لَا يَعْرِفُ السَّلَامَ. لِذَلِكَ ابْتَعَدَ الْعَدْلُ عَنَّا، وَلَا يَصِلُ الصَّلَاحُ إِلَيْنَا. نَنْتَظِرُ النُّورَ فَيَأْتِي الظَّلَامُ. نَرْجُو أَنْ يَطْلَعَ النَّهَارُ فَنَسِيرُ فِي ظَلَامٍ دَامِسٍ. نَتَحَسَّسُ الْحَائِطَ كَالْأَعْمَى، وَنَتَلَمَّسُ حَوْلَنَا كَمَنْ بِلَا عَيْنَيْنِ. نَعْثُرُ فِي الظُّهْرِ كَمَا فِي الْعَتْمَةِ، وَنَحْنُ بَيْنَ الْأَصِحَّاءِ كَأَنَّنَا أَمْوَاتٌ. كُلُّنَا نُزَمْجِرُ كَالدُّبَّةِ وَنَنُوحُ كَالْحَمَامِ. نَنْتَظِرُ الْعَدْلَ فَلَا نَجِدُهُ، نَرْجُو أَنْ تَأْتِيَ النَّجَاةُ لَكِنَّهَا تَبْتَعِدُ عَنَّا. لِأَنَّ مَعَاصِيَنَا كَثُرَتْ أَمَامَكَ، وَذُنُوبَنَا تَشْهَدُ عَلَيْنَا، مَعَاصِيَنَا لَاصِقَةٌ بِنَا، وَآثَامَنَا نَعْرِفُهَا جَيِّدًا، وَهِيَ أَنَّنَا تَمَرَّدْنَا عَلَى اللهِ وَغَدَرْنَا بِهِ، وَهَجَرْنَا إِلَهَنَا. دَبَّرْنَا الظُّلْمَ وَالْعِصْيَانَ، وَفِي قُلُوبِنَا افْتِرَاءُ وَكِذْبٌ. فَرَاحَ الْعَدْلُ مِنْ عِنْدِنَا، وَوَقَفَ الصَّلَاحُ بَعِيدًا. عَثَرَ الصِّدْقُ فِي الشَّارِعِ، وَلَا تَقْدِرُ الْأَمَانَةُ أَنْ تَدْخُلَ. اِنْعَدَمَ الصِّدْقُ. مَنْ يَبْتَعِدُ عَنِ الشَّرِّ يُصْبِحُ فَرِيسَةً. فَنَظَرَ اللهُ وَاسْتَاءَ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ عَدْلٌ. رَأَى أَنَّهُ لَا يُوجَدُ مُعِينٌ، وَأَفْزَعَهُ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ شَفِيعٌ، فَقَرَّرَ أَنْ يَمُدَّ ذِرَاعَهُ هُوَ وَيَنْتَصِرَ، وَأَيَّدَهُ فِي ذَلِكَ صَلَاحُهُ. لَبِسَ الصَّلَاحَ كَدِرْعٍ، وَالنَّجَاةَ كَخُوذَةٍ عَلَى رَأْسِهِ، لَبِسَ ثِيَابَ الِانْتِقَامِ، وَاكْتَسَى بِالْغِيرَةِ كَرِدَاءٍ. يُجَازِي أَعْدَاءَهُ غَضَبًا، وَخُصُومَهُ عِقَابًا، وَأَهْلَ السَّوَاحِلِ وَالْجُزُرِ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ؛ كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعْمَالِهِ. الَّذِينَ فِي الْغَرْبِ يَخَافُونَ اللهَ، وَالَّذِينَ فِي الشَّرْقِ يَخْشَوْنَ جَلَالَهُ، لِأَنَّهُ يَأْتِي كَنَهْرٍ مُتَدَفِّقٍ تَدْفَعُهُ نَفْخَةُ اللهِ. ”وَيَأْتِي الْفَادِي إِلَى الْقُدْسِ، إِلَى التَّائِبِينَ عَنِ الذُّنُوبِ مِنْ بَنِي يَعْقُوبَ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. وَقَالَ اللهُ: ”أَمَّا أَنَا فَهَذَا هُوَ مِيثَاقِي مَعَهُمْ. رُوحِي يَسْتَقِرُّ عَلَيْكَ، وَأَضَعُ كَلَامِي فِي فَمِكَ مِنَ الْآنَ وَإِلَى الْأَبَدِ. وَلَا أَنْزِعُ عَنْكَ هَذَا أَبَدًا، لَا أَنْتَ وَلَا أَوْلَادِكَ وَلَا أَوْلَادِ أَوْلَادِكَ.“ يَقُولُ اللهُ. ”قُومِي وَأَشْرِقِي لِأَنَّ نُورَكِ جَاءَ، وَجَلَالَ اللهِ أَشْرَقَ عَلَيْكِ. فَالظَّلَامُ يُغَطِّي الْأَرْضَ، الظَّلَامُ الدَّامِسُ يُغَطِّي الشُّعُوبَ. أَمَّا أَنْتِ فَيُشْرِقُ اللهُ عَلَيْكِ، وَيَظْهَرُ جَلَالُهُ فَوْقَكِ. فَتَأْتِي الْأُمَمُ إِلَى نُورِكِ وَالْمُلُوكُ إِلَى بَهَائِكِ الْمُشْرِقِ. ”تَطَلَّعِي وَانْظُرِي حَوْلَكِ: كُلُّهُمْ يَجْتَمِعُونَ وَيَأْتُونَ إِلَيْكِ. يَأْتِي بَنُوكِ مِنْ بَعِيدٍ، وَتُحْمَلُ بَنَاتُكِ عَلَى الْأَذْرُعِ. فَعِنْدَمَا تَنْظُرِينَ يُشْرِقُ وَجْهُكِ مِنَ الْفَرَحِ، وَيَدُقُّ قَلْبُكِ وَيَتَّسِعُ. تُحْضَرُ إِلَيْكِ ثَرْوَةُ الْبِحَارِ، وَغِنَى الْأُمَمِ يَأْتِي إِلَيْكِ. قَوَافِلُ الْجِمَالِ تَمْلَأُ أَرْضَكِ، جِمَالٌ صَغِيرَةٌ مِنْ مِدْيَانَ وَعِيفَةَ. وَيَأْتِي النَّاسُ مِنْ سَبَأَ حَامِلِينَ ذَهَبًا وَبَخُورًا، وَيُسَبِّحُونَ بِأَعْمَالِ اللهِ الْعَظِيمَةِ. كُلُّ غَنَمِ قِيدَارَ تَجْتَمِعُ إِلَيْكِ، كِبَاشُ نَبَايُوتَ تَخْدِمُكِ، وَتَكُونُ قَرَابِينَ مَقْبُولَةً عَلَى مَنَصَّةِ قُرْبَانِي، وَأُزَيِّنُ بَيْتِيَ الْجَمِيلَ. ”مَنْ هَؤُلَاءِ الطَّائِرُونَ كَالسَّحَابِ وَكَالْحَمَامِ الرَّاجِعِ إِلَى عُشِّهِ؟ أَهْلُ السَّوَاحِلِ وَالْجُزُرِ يَنْتَظِرُونِي. فِي الْأَوَّلِ تَأْتِي سُفُنُ تَرْشِيشَ تَحْمِلُ أَوْلَادَكِ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ، وَمَعَهُمْ فِضَّتُهُمْ وَذَهَبُهُمْ، إِكْرَامًا للهِ مَوْلَاكِ، وَلِلْقُدُّوسِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِأَنَّهُ مَجَّدَكِ. ”الْغُرَبَاءُ يَبْنُونَ أَسْوَارَكِ، وَمُلُوكُهُمْ يَخْدِمُونَكِ. لِأَنِّي غَضِبْتُ عَلَيْكِ فَضَرَبْتُكِ، ثُمَّ الْآنَ رَضِيتُ عَنْكِ فَرَحِمْتُكِ. وَتَكُونُ أَبْوَابُكِ مَفْتُوحَةً دَائِمًا، لَا تُغْلَقُ أَبَدًا لَا نَهَارًا وَلَا لَيْلًا، لِتَأْتِيَ إِلَيْكِ الْأُمَمُ بِكُنُوزِهِمْ، وَيَدْخُلَ مُلُوكُهُمْ الْوَاحِدُ بَعْدَ الْآخَرِ. لِأَنَّ الْأُمَّةَ أَوِ الْمَمْلَكَةَ الَّتِي لَا تَخْدِمُكِ تَهْلِكُ وَتَخْرَبُ تَمَامًا. يَأْتِي إِلَيْكِ جَلَالُ لُبْنَانَ، السَّرْوُ وَالسِّنْدِيَانُ وَالشِّرْبِينُ مَعًا، لِتَزْيِينِ مَقْدِسِي، فَأُمَجِّدُ الْمَكَانَ الَّذِي أَضَعُ فِيهِ قَدَمَيَّ. ”وَبَنُو الَّذِينَ ضَايَقُوكِ يَأْتُونَ خَاضِعِينَ، وَكُلُّ الَّذِينَ أَهَانُوكِ يَسْجُدُونَ عِنْدَ قَدَمَيْكِ، وَيَدْعُونَكِ ’مَدِينَةَ اللهِ، الْقُدْسَ الَّتِي تَنْتَمِي لِلْقُدُّوسِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ.‘ كُنْتِ مَهْجُورَةً وَمَكْرُوهَةً وَلَا أَحَدَ يَعْبُرُ فِيكِ، لَكِنِّي سَأَجْعَلُكِ مَفْخَرَةً إِلَى الْأَبَدِ، وَفَرَحَ كُلِّ الْأَجْيَالِ. وَتَتَغَذَّيْنَ بِلَبَنِ الْأُمَمِ، وَتَرْضَعِينَ مِنْ ثُدِيٍّ مَلَكِيَّةٍ. فَتَعْرِفِينَ أَنِّي أَنَا اللهُ، مُنْقِذُكِ وَفَادِيكِ، الْقَدِيرُ رَبُّ يَعْقُوبَ. بَدَلَ النُّحَاسِ أَجْلِبُ لَكِ ذَهَبًا، وَبَدَلَ الْحَدِيدِ فِضَّةً، وَبَدَلَ الْخَشَبِ نُحَاسًا، وَبَدَلَ الْحِجَارَةِ حَدِيدًا. وَأَجْعَلُ السَّلَامَ حَاكِمَكِ وَالصَّلَاحَ وَالِيَكِ. لَا يَكُونُ ظُلْمٌ فِي أَرْضِكِ، وَلَا خَرَابٌ وَلَا دَمَارٌ دَاخِلَ حُدُودِكِ، بَلْ تُسَمِّينَ أَسْوَارَكِ ’النَّجَاةَ‘ وَأَبْوَابَكِ ’الْحَمْدَ.‘ وَلَا تَكُونُ الشَّمْسُ نُورَكِ فِي النَّهَارِ، وَلَا يُشْرِقُ الْقَمَرُ عَلَيْكِ بِنُورِهِ، بَلْ يَكُونُ اللهُ نُورَكِ الْأَبَدِيَّ، وَإِلَهُكِ يَكُونُ زِينَتَكِ. لَا تَغِيبُ شَمْسُكِ فِيمَا بَعْدُ، وَقَمَرُكِ لَا يَنْقُصُ، وَيَكُونُ اللهُ نُورَكِ الْأَبَدِيَّ، وَتَنْتَهِي أَيَّامُ حُزْنِكِ. وَيَكُونُ كُلُّ شَعْبِكِ صَالِحِينَ، وَيَمْتَلِكُونَ الْأَرْضَ إِلَى الْأَبَدِ. فَهُمُ الْغُصْنُ الَّذِي غَرَسْتُهُ، عَمَلُ يَدَيَّ، لِأُظْهِرَ جَلَالِي. أَقَلُّ وَاحِدٍ يَصِيرُ 1000، وَأَصْغَرُ وَاحِدٍ يَصِيرُ أُمَّةً عَظِيمَةً. أَنَا اللهُ، أُسْرِعُ بِالتَّنْفِيذِ عِنْدَمَا يَحِينُ الْوَقْتُ.“ رُوحُ اللهِ عَلَيَّ، لِأَنَّهُ مَسَحَنِي لِأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لِأُضَمِّدَ جِرَاحَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لِأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالْحُرِّيَّةِ، وَلِلْمَسْجُونِينَ بِالْإِطْلَاقِ، وَأُعْلِنَ عَنْ حُلُولِ سَنَةِ رِضَى اللهِ، وَيَوْمِ انْتِقَامِ إِلَهِنَا. لِأُعَزِّيَ كُلَّ الْحَزَانَى، وَأُعْطِيَ الْمَغْمُومِينَ فِي الْقُدْسِ تَاجَ الْجَمَالِ بَدَلَ الرَّمَادِ، وَزَيْتَ الْفَرَحِ بَدَلَ دُمُوعِ الْحُزْنِ، وَرِدَاءَ الْحَمْدِ بَدَلَ رُوحِ الْيَأْسِ. فَيُشْبِهُونَ أَشْجَارًا صَالِحَةً؛ حَدِيقَةً غَرَسَهَا اللهُ، لِإِظْهَارِ جَلَالِهِ. فَيَبْنُونَ الْخَرَائِبَ الْقَدِيمَةَ، وَيُرَمِّمُونَ مَا تَهَدَّمَ مُنْذُ زَمَنٍ، وَيُجَدِّدُونَ الْمُدُنَ الْخَرِبَةَ الَّتِي تَهَدَّمَتْ مُنْذُ أَجْيَالٍ. وَيَرْعَى الْأَجَانِبُ غَنَمَكُمْ، وَيَعْمَلُ الْغُرَبَاءُ فِي حُقُولِكُمْ وَكُرُومِكُمْ. وَأَنْتُمْ يَكُونُ اسْمُكُمْ 'أَحْبَارَ اللهِ' وَأَيْضًا 'خُدَّامَ إِلَهِنَا.' وَتَتَمَتَّعُونَ بِثَرْوَةِ الْأُمَمِ، وَتَفْخَرُونَ بِغِنَاهُمْ. وَبَدَلَ الْعَارِ الَّذِي حَلَّ بِكُمْ مُضَاعَفًا، وَالْهَوَانِ الَّذِي كَانَ مِنْ نَصِيبِكُمْ، تَمْلِكُونَ فِي أَرْضِكُمْ مِيرَاثًا مُضَاعَفًا، وَيَكُونُ لَكُمْ فَرَحٌ أَبَدِيٌّ. ”فَأَنَا اللهُ أُحِبُّ الْعَدْلَ، وَأَكْرَهُ السَّلْبَ وَالظُّلْمَ. لِذَلِكَ أُكَافِئُهُمْ بِأَمَانَةٍ، وَأَعْمَلُ مَعَهُمْ عَهْدًا يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. وَيَشْتَهِرُ نَسْلُهُمْ بَيْنَ الْأُمَمِ، وَذُرِّيَّتُهُمْ وَسَطَ الشُّعُوبِ، وَكُلُّ مَنْ يَرَاهُمْ يَعْتَرِفُ بِأَنَّهُمْ شَعْبٌ بَارَكَهُ اللهُ.“ أَفْرَحُ جِدًّا بِاللهِ وَتَبْتَهِجُ نَفْسِي بِإِلَهِي، لِأَنَّهُ أَلْبَسَنِي ثِيَابَ النَّجَاةِ، وَكَسَانِي رِدَاءَ الصَّلَاحِ، كَعَرِيسٍ يَتَزَيَّنُ بِتَاجٍ، وَكَعَرُوسَةٍ تَتَزَيَّنُ بِحُلِيِّهَا. وَكَمَا أَنَّ الْأَرْضَ تُخْرِجُ نَبَاتَهَا، وَالْحَدِيقَةَ تُنْبِتُ زَرْعَهَا، فَإِنَّ الْمَوْلَى الْإِلَهَ يُنْبِتُ الصَّلَاحَ وَالْحَمْدَ مِنْ كُلِّ الْأُمَمِ. مِنْ أَجْلِ الْقُدْسِ لَا أَسْكُتُ، مِنْ أَجْلِ الْقُدْسِ لَا أَهْدَأُ، حَتَّى يُشْرِقَ صَلَاحُهَا كَالْفَجْرِ، وَنَجَاتُهَا كَمِصْبَاحٍ مُتَوَهِّجٍ. فَتَرَى الْأُمَمُ صَلَاحَكِ، وَكُلُّ الْمُلُوكِ جَلَالَكِ، وَيَكُونُ لَكِ اسْمٌ جَدِيدٌ يُعْطِيهِ لَكِ اللهُ نَفْسُهُ. وَتَكُونِينَ إِكْلِيلًا رَائِعًا فِي يَدِ اللهِ، وَتَاجًا مَلَكِيًّا فِي كَفِّ إِلَهِكِ. لَا يَدْعُونَكِ فِيمَا بَعْدُ الْمَدِينَةَ الْمَهْجُورَةَ، وَلَا تُسَمَّى بِلَادُكِ الْبِلَادَ الْمُوحِشَةَ، بَلْ يَكُونُ اسْمُكِ 'فَرَحَ اللهِ' وَبِلَادُكِ تُدْعَى 'الَّتِي لَهَا زَوْجٌ.' لِأَنَّ اللهَ يُسَرُّ بِكِ، وَبِلَادُكِ يَكُونُ لَهَا زَوْجٌ. وَكَمَا يَتَزَوَّجُ الشَّابُّ مِنْ فَتَاةٍ، يَتَزَوَّجُكِ بَنُوكِ. وَكَمَا يَفْرَحُ الْعَرِيسُ بِعَرُوسَتِهِ، يَفْرَحُ بِكِ إِلَهُكِ. يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ، إِنِّي أَقَمْتُ حُرَّاسًا عَلَى أَسْوَارِكِ لَا يَسْكُتُونَ لَا نَهَارًا وَلَا لَيْلًا. يَا مَنْ تَبْتَهِلُونَ إِلَى اللهِ، لَا تَسْكُتُوا. وَلَا تَدَعُوهُ يَسْكُتُ، حَتَّى يُثَبِّتَ الْقُدْسَ وَيَجْعَلَهَا مَفْخَرَةَ الدُّنْيَا. حَلَفَ اللهُ بِيَمِينِهِ وَبِذِرَاعِهِ الْقَدِيرَةِ وَقَالَ: ”لَنْ أُعْطِيَ قَمْحَكِ فِيمَا بَعْدُ طَعَامًا لِأَعْدَائِكِ، وَلَنْ يَشْرَبَ الْغُرَبَاءُ خَمْرَكِ الَّتِي تَعِبْتِ فِيهَا. بَلِ الَّذِينَ يَحْصُدُونَ الْقَمْحَ يَأْكُلُونَهُ وَيَحْمَدُونَ اللهَ، وَالَّذِينَ يَجْمَعُونَ الْعِنَبَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ فِي دِيَارِيَ الْمُقَدَّسَةِ.“ اُعْبُرُوا الْأَبْوَابَ، اُعْبُرُوهَا وَمَهِّدُوا طَرِيقَ الشَّعْبِ. أَعِدُّوا السَّبِيلَ، أَعِدُّوهُ وَنَقُّوهُ مِنَ الْحِجَارَةِ. اِرْفَعُوا رَايَةً لِلْأُمَمِ. أَعْلَنَ اللهُ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْأَرْضِ: ”قُولُوا لِلْقُدْسِ: ’يَأْتِي مُنْقِذُكِ وَمَعَهُ الْجَزَاءُ، يَأْتِي وَمَعَهُ الْمُكَافَأَةُ!‘“ وَيَكُونُ اسْمُهُمُ 'الشَّعْبَ الْمُقَدَّسَ، الَّذِينَ فَدَاهُمُ اللهُ.' وَأَنْتِ يَكُونُ اسْمُكِ 'الْمَطْلُوبَةَ، الْمَدِينَةَ غَيْرَ الْمَهْجُورَةِ.' مَنْ هَذَا الْآتِي مِنْ أَدُومَ، بِثِيَابٍ حَمْرَاءَ مِنْ بُصْرَةَ؟ مَنْ هَذَا اللَّابِسُ الْبَهَاءَ، السَّائِرُ بِعَظَمَةِ قُوَّتِهِ؟ ”هُوَ أَنَا الْمَوْلَى، جِئْتُ لِأُعْلِنَ انْتِصَارِي وَأَنِّي أُنَجِّي بِقُدْرَتِي.“ لِمَاذَا رِدَاؤُكَ أَحْمَرُ وَثِيَابُكَ كَمَنْ دَاسَ مَعْصَرَةَ الْعِنَبِ؟ ”أَنَا دُسْتُ الْمَعْصَرَةَ وَحْدِي، وَلَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ آخَرُ. دُسْتُهُمْ فِي غَضَبِي وَسَحَقْتُهُمْ فِي غَيْظِي، فَتَطَايَرَ دَمُهُمْ عَلَى ثِيَابِي، وَلَطَّخَ كُلَّ مَلَابِسِي. عَزَمْتُ عَلَى يَوْمٍ أَنْتَقِمُ فِيهِ، وَحَانَتْ سَنَةُ فِدَاءِ شَعْبِي. رَأَيْتُ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ مُعِينٌ، وَأَفْزَعَنِي أَنَّهُ لَا يُوجَدُ سَنَدٌ، فَقَرَّرْتُ أَنْ أَمُدَّ ذِرَاعِي أَنَا وَأَنْتَصِرَ، وَأَيَّدَنِي فِي ذَلِكَ غَيْظِي. فَدُسْتُ الشُّعُوبَ فِي غَضَبِي، وَأَسْكَرْتُهُمْ فِي غَيْظِي، وَسَكَبْتُ دَمَهُمْ عَلَى الْأَرْضِ.“ أَذْكُرُ رَحْمَةَ اللهِ الْوَفِيرَةَ، وَأَعْمَالَهُ الَّتِي يَجِبُ أَنْ نُسَبِّحَهُ عَلَيْهَا، كُلَّ مَا كَافَأَنَا اللهُ بِهِ، وَالْخَيْرَ الْعَظِيمَ الَّذِي صَنَعَهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، حَسَبَ رَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ الْوَفِيرَةِ. لِأَنَّهُ قَالَ: ”حَقًّا هُمْ شَعْبِي، أَبْنَاءٌ لَا يَخُونُونِي.“ لِذَلِكَ صَارَ مُنْقِذَهُمْ. لَمَّا تَضَايَقُوا، هُوَ أَيْضًا تَضَايَقَ. وَجَاءَ بِنَفْسِهِ وَأَنْقَذَهُمْ. بِمَحَبَّتِهِ وَرَحْمَتِهِ فَدَاهُمْ، وَرَفَعَهُمْ وَحَمَلَهُمْ كُلَّ الْأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ. وَلَكِنَّهُمْ تَمَرَّدُوا وَأَحْزَنُوا رُوحَهُ الْقُدُّوسَ، فَتَحَوَّلَ إِلَى عَدُوٍّ لَهُمْ وَحَارَبَهُمْ. ثُمَّ تَذَكَّرُوا الْأَيَّامَ الْقَدِيمَةَ، أَيَّامَ مُوسَى عَبْدِهِ وَقَالُوا: ”أَيْنَ الَّذِي أَصْعَدَ شَعْبَهُ مِنَ الْبَحْرِ، مَعَ رَاعِي غَنَمِهِ؟ أَيْنَ الَّذِي وَضَعَ رُوحَهُ الْقُدُّوسَ فِي وَسَطِهِمْ؟ الَّذِي أَرْسَلَ قُوَّتَهُ الْجَلِيلَةَ لِتَسِيرَ عَنْ يَمِينِ مُوسَى؟ وَالَّذِي شَقَّ الْمِيَاهَ أَمَامَهُمْ، لِيَصْنَعَ لِنَفْسِهِ اسْمًا أَبَدِيًّا؟ أَيْنَ الَّذِي سَيَّرَهُمْ فِي الْأَعْمَاقِ؟ فَكَانُوا كَفَرَسٍ فِي الْبَرِّيَّةِ فَلَمْ يَعْثُرُوا! وَمِثْلَ قَطِيعٍ يَنْزِلُ إِلَى الْوَادِي، أَرَاحَهُمْ رُوحُ اللهِ! وَبِهَذَا هَدَيْتَ شَعْبَكَ، لِتَصْنَعَ لِنَفْسِكَ اسْمًا مَجِيدًا.“ تَطَلَّعْ يَا رَبُّ مِنَ السَّمَاءِ، وَانْظُرْ مِنْ مَسْكَنِكَ الْمُقَدَّسِ الْجَلِيلِ. أَيْنَ غِيرَتُكَ وَقُدْرَتُكَ؟ هَلْ مَنَعْتَ عَنَّا لَهْفَةَ قَلْبِكَ وَرَحْمَتَكَ؟ أَنْتَ أَبُونَا. مَعَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَعْرِفْنَا، وَإِسْرَائِيلَ لَمْ يَعْلَمْ بِنَا، أَنْتَ يَا رَبُّ أَبُونَا، وَاسْمُكَ مُنْذُ الْقَدِيمِ هُوَ فَادِينَا. يَا رَبُّ، لِمَاذَا تَرَكْتَنَا نَضِلُّ عَنْ طُرُقِكَ، وَقَسَّيْتَ قُلُوبَنَا فَلَا نَخَافُكَ؟ اِرْجِعْ مِنْ أَجْلِ عَبِيدِكَ، الْقَبَائِلِ الَّتِي هِيَ مِنْ نَصِيبِكَ. شَعْبُكَ امْتَلَكَ بَيْتَكَ الْمُقَدَّسَ فَتْرَةً وَجِيزَةً، وَالْآنَ دَاسَهُ أَعْدَاؤُنَا! نَحْنُ لَكَ مُنْذُ الْقَدِيمِ، لَكِنْ صِرْنَا كَأَنَّكَ لَسْتَ مَلِكَنَا، وَكَشَعْبٍ لَا يَنْتَمِي لَكَ! لَيْتَكَ تَشُقُّ السَّمَاوَاتِ وَتَنْزِلُ، فَتَتَزَلْزَلُ الْجِبَالُ قُدَّامَكَ! فَتَكُونُ يَا رَبُّ كَالنَّارِ الَّتِي تُشْعِلُ الْحَطَبَ، وَتَجْعَلُ الْمَاءَ يَغْلِي، لِكَيْ يَعْرِفَ أَعْدَاؤُكَ اسْمَكَ، وَتَرْتَعِدَ الشُّعُوبُ قُدَّامَكَ! أَنْتَ صَنَعْتَ أَعْمَالًا رَهِيبَةً لَمْ نَتَوَقَّعْهَا، نَزَلْتَ فَتَزَلْزَلَتِ الْجِبَالُ قُدَّامَكَ. مِنَ الْأَزَلِ لَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ تُشَاهِدْ عَيْنٌ إِلَهًا غَيْرَكَ، يَعْمَلُ مَا تَعْمَلُهُ أَنْتَ لِمَنْ يَنْتَظِرُونَكَ. أَنْتَ تُرَحِّبُ بِمَنْ يَفْرَحُونَ بِعَمَلِ الْحَقِّ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ طُرُقَكَ. لَكِنَّكَ غَضِبْتَ لِأَنَّنَا أَخْطَأْنَا مُنْذُ الْقَدِيمِ، فَكَيْفَ نَنْجُو؟ صِرْنَا كُلُّنَا كَشَيْءٍ نَجِسٍ، وَكُلُّ أَعْمَالِنَا الصَّالِحَةِ كَخِرْقَةٍ قَذِرَةٍ. كُلُّنَا ذَبُلْنَا كَوَرَقَةٍ، وَذُنُوبُنَا كَالرِّيحِ تَعْبَثُ بِنَا. وَلَا وَاحِدٌ يَبْتَهِلُ إِلَيْكَ، أَوْ يَنْتَبِهُ لِيَتَمَسَّكَ بِكَ. لِأَنَّكَ حَجَبْتَ وَجْهَكَ عَنَّا، وَتَرَكْتَنَا لِذُنُوبِنَا تُلَاشِينَا. لَكِنْ، أَنْتَ يَا رَبُّ أَبُونَا، نَحْنُ الطِّينُ وَأَنْتَ الْفَخَّارِيُّ، وَكُلُّنَا عَمَلُ يَدَيْكَ. لَا تَغْضَبْ كُلَّ الْغَضَبِ يَا رَبُّ، وَلَا تَذْكُرْ ذُنُوبَنَا إِلَى الْأَبَدِ، بَلِ انْظُرْ إِلَيْنَا، فَكُلُّنَا شَعْبُكَ. صَارَتْ مُدُنُكَ الْمُقَدَّسَةُ صَحْرَاءَ، حَتَّى الْقُدْسُ صَارَتْ صَحْرَاءَ. صَارَتِ الْقُدْسُ خَرَابًا! بَيْتُنَا الْمُقَدَّسُ الْجَمِيلُ حَيْثُ سَبَّحَكَ آبَاؤُنَا، أُحْرِقَ بِالنَّارِ. وَكُلُّ مَا هُوَ عَزِيزٌ عَلَيْنَا صَارَ خَرَابًا! فَهَلْ تَصْبِرُ يَا رَبُّ عَلَى هَذَا وَتَسْكُتُ؟ هَلْ تُعَاقِبُنَا أَشَدَّ الْعِقَابِ؟ ”أَظْهَرْتُ نَفْسِي لِلَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِي، وَالَّذِينَ لَمْ يَبْحَثُوا عَنِّي وَجَدُونِي. قُلْتُ: ’أَنَا هُنَا، أَنَا هُنَا‘ لِأُمَّةٍ لَا تَبْتَهِلُ إِلَيَّ. مَدَدْتُ يَدَيَّ طُولَ الْيَوْمِ إِلَى شَعْبٍ عَنِيدٍ، يَسِيرُ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ صَالِحٍ وَرَاءَ أَفْكَارِهِ. شَعْبٍ يَغِيظُنِي دَائِمًا فِي وَجْهِي. كَالْكُفَّارِ يُقَدِّمُ الضَّحَايَا فِي الْبَسَاتِينِ، وَيَحْرِقُ الْبَخُورَ عَلَى الطُّوبِ. يَجْلِسُ فِي الْقُبُورِ، وَيَبِيتُ فِي الْمَدَافِنِ. يَأْكُلُ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ، وَفِي آنِيَتِهِ مَرَقُ لَحْمٍ نَجِسٍ. يَقُولُ: ’قِفْ عِنْدَكَ! لَا تَقْرُبْ مِنِّي، لِأَنِّي أَقْدَسُ مِنْكَ.‘ هَؤُلَاءِ دُخَانٌ فِي أَنْفِي، وَنَارٌ مُشْتَعِلَةٌ طُولَ النَّهَارِ. هَذَا مَكْتُوبٌ أَمَامِي: لَا أَسْكُتُ، بَلْ أُجَازِي. أُجَازِيهِمْ فِي حِضْنِهِمْ، عَنْ ذُنُوبِهِمْ وَأَيْضًا عَنْ ذُنُوبِ آبَائِهِمْ“ قَالَ اللهُ. ”لِأَنَّهُمْ بَخَّرُوا عَلَى الْجِبَالِ، وَأَهَانُونِي عَلَى التِّلَالِ، فَأُعْطِيهِمْ فِي حِضْنِهِمْ مِكْيَالًا جَيِّدًا عَنْ أَعْمَالِهِمِ الْقَدِيمَةِ.“ وَقَالَ اللهُ: ”عِنْدَمَا يَجِدُ الْوَاحِدُ عُنْقُودًا فَاسِدًا فِي الْكَرْمَةِ، فَيَقُولُونَ لَهُ: ’لَا تَطْرَحْهُ، لِأَنَّ فِيهِ بَرَكَةً.‘ فَكَذَلِكَ أَعْمَلُ مِنْ أَجْلِ عَبِيدِي، فَلَا أُهْلِكُ الْأُمَّةَ كُلَّهَا. بَلْ أُخْرِجُ مِنْ يَعْقُوبَ نَسْلًا، وَمِنْ يَهُوذَا وَارِثًا يَمْتَلِكُ جِبَالِي، فَيَمْتَلِكُهَا الَّذِينَ اخْتَرْتُهُمْ، وَهُنَاكَ يَسْكُنُ عَبِيدِي. وَيَكُونُ شَارُونُ مَرْعًى لِلْغَنَمِ، وَوَادِي الْمُصِيبَةِ مَكَانَ رَاحَةٍ لِلْقَطِيعِ، لِشَعْبِيَ الَّذِي يَطْلُبُنِي. ”أَمَّا أَنْتُمْ يَا مَنْ تَرَكْتُمُ اللهَ، وَنَسِيتُمْ جَبَلِيَ الْمُقَدَّسَ، وَقَدَّمْتُمْ مَائِدَةً لِإِلَهِ الْحَظِّ، وَمَلَأْتُمْ كُؤُوسَ الْخَمْرِ لِإِلَهِ النَّصِيبِ، فَإِنِّي أَجْعَلُ نَصِيبَكُمُ الْهَلَاكَ بِالسَّيْفِ، فَتَرْكَعُونَ كُلُّكُمْ لِلذَّبْحِ. لِأَنِّي دَعَوْتُ فَلَمْ تُجِيبُوا، تَكَلَّمْتُ فَلَمْ تَسْمَعُوا، بَلْ عَمِلْتُمْ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِي، وَاخْتَرْتُمْ مَا لَا يُرْضِينِي. لِذَلِكَ أَنَا اللهُ حَكَمْتُ بِهَذَا: عَبِيدِي يَأْكُلُونَ، وَأَنْتُمْ تَجُوعُونَ. عَبِيدِي يَشْرَبُونَ، وَأَنْتُمْ تَعْطَشُونَ. عَبِيدِي يَفْرَحُونَ، وَأَنْتُمْ تَخْجَلُونَ. عَبِيدِي يُرَنِّمُونَ مِنْ فَرْحَةِ الْقَلْبِ، وَأَنْتُمْ تَصْرُخُونَ مِنْ كَآبَةِ الْقَلْبِ، وَتُوَلْوِلُونَ مِنِ انْكِسَارِ الرُّوحِ. وَتَتْرُكُونَ اسْمَكُمْ لَعْنَةً لِلَّذِينَ اخْتَرْتُهُمْ، فَأُمِيتُكُمْ وَأُعْطِي عَبِيدِي اسْمًا آخَرَ. فَمَنْ يَتَبَارَكُ فِي الْبِلَادِ، يَتَبَارَكُ بِإِلَهِ الْحَقِّ. وَمَنْ يَحْلِفُ فِي الْبِلَادِ، يَحْلِفُ بِإِلَهِ الْحَقِّ. لِأَنَّ الْمَتَاعِبَ الْأُولَى تُنْسَى، وَتُحْجَبُ عَنْ عَيْنَيَّ. ”وَسَأَخْلِقُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، فَلَا يُذْكَرُ الْمَاضِي، وَلَا يُفَكِّرُ فِيهِ أَحَدٌ. فَابْتَهِجُوا وَافْرَحُوا إِلَى الْأَبَدِ بِمَا أَخْلِقُ، لِأَنِّي أَخْلِقُ مَدِينَةَ الْقُدْسِ لِتَكُونَ لِلسُّرُورِ، وَشَعْبَهَا لِلْفَرَحِ. وَأَفْرَحُ بِالْقُدْسِ، وَأَبْتَهِجُ بِشَعْبِي. وَلَا يُسْمَعُ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ صَوْتُ بُكَاءٍ وَلَا صَوْتُ صُرَاخٍ. وَلَا يَحْدُثُ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَمُوتَ طِفْلٌ وَعُمْرُهُ مُجَرَّدُ أَيَّامٍ، وَلَا شَيْخٌ قَبْلَ أَنْ يُكَمِّلَ أَيَّامَهُ. فَالَّذِي يَمُوتُ وَعُمْرُهُ 100 سَنَةٍ يُعْتَبَرُ مَا زَالَ شَابًّا، وَمَنْ لَا يَصِلُ عُمْرُهُ 100 سَنَةٍ يُعْتَبَرُ مَلْعُونًا. وَيَبْنُونَ دِيَارًا وَيَسْكُنُونَ فِيهَا، وَيَغْرِسُونَ كُرُومًا وَيَأْكُلُونَ مِنْ ثِمَارِهَا. وَلَا يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَبْنُونَ دِيَارًا وَغَيْرُهُمْ يَسْكُنُ فِيهَا، أَوْ يَغْرِسُونَ وَغَيْرُهُمْ يَأْكُلُ. بَلْ تَطُولُ أَيَّامُ شَعْبِي كَأَيَّامِ الشَّجَرَةِ، وَيَتَمَتَّعُ الَّذِينَ اخْتَرْتُهُمْ بِمَجْهُودَاتِهِمْ. لَا يَكُونُ تَعَبُهُمْ بِلَا فَائِدَةٍ، وَلَا يَكُونُ نَصِيبُ أَوْلَادِهِمِ التَّعَاسَةَ. بَلْ يَكُونُونَ هُمْ وَأَوْلَادُهُمْ مَعَهُمْ شَعْبًا مُبَارَكًا مِنَ اللهِ. وَقَبْلَ أَنْ يَدْعُونِي أَسْتَجِيبُ، وَبَيْنَمَا يَتَكَلَّمُونَ أَسْتَمِعُ. وَيَرْعَى الذِّئْبُ وَالْحَمَلُ مَعًا، وَيَأْكُلُ الْأَسَدُ التِّبْنَ كَالْبَقَرِ. أَمَّا الْحَيَّةُ فَالتُّرَابُ طَعَامُهَا. لَا أَحَدَ يُؤْذِي، وَلَا أَحَدَ يَضُرُّ فِي كُلِّ جَبَلِيَ الْمُقَدَّسِ.“ يَقُولُ اللهُ. هَذَا كَلَامُ اللهِ: ”السَّمَاءُ عَرْشِي، وَالْأَرْضُ هِيَ الْمَكَانُ الَّذِي أَضَعُ فِيهِ قَدَمَيَّ. فَهَلْ تَبْنُونَ لِي بَيْتًا؟ أَوْ مَكَانًا أَرْتَاحُ فِيهِ؟ أَلَمْ أَصْنَعْ أَنَا كُلَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِيَدِي، فَجَاءَتْ كُلُّهَا إِلَى الْوُجُودِ؟“ يَقُولُ اللهُ. ”لَكِنْ هَذَا هُوَ الشَّخْصُ الَّذِي أُعَظِّمُهُ، الْمِسْكِينُ الْمُنْسَحِقُ الرُّوحِ الَّذِي يَرْهَبُ كَلَامِي. أَمَّا مَنْ يُقَدِّمُ ثَوْرًا ضَحِيَّةً فَهُوَ كَمَنْ يَقْتُلُ إِنْسَانًا. وَمَنْ يُقَدِّمُ شَاةً هُوَ كَمَنْ يَذْبَحُ كَلْبًا. وَمَنْ يَرْفَعُ قُرْبَانًا هُوَ كَمَنْ يَرْفَعُ دَمَ خِنْزِيرٍ. وَمَنْ يَحْرِقُ بَخُورًا هُوَ كَمَنْ يَعْبُدُ صَنَمًا. إِنَّهُمُ اخْتَارُوا طُرُقَهُمْ، وَسُرَّتْ نُفُوسُهُمْ بِنَجَاسَاتِهِمْ. فَأَنَا أَيْضًا أَخْتَارُ لَهُمُ الْمَصَائِبَ وَأَجْلِبُ عَلَيْهِمْ مَا يَخَافُونَ مِنْهُ. لِأَنِّي دَعَوْتُ فَلَمْ يُجِيبُوا، تَكَلَّمْتُ فَلَمْ يَسْمَعُوا، بَلْ عَمِلُوا الشَّرَّ فِي نَظَرِي، وَاخْتَارُوا مَا لَا يُرْضِينِي.“ اِسْمَعُوا كَلَامَ اللهِ، يَا مَنْ تَرْهَبُونَ كَلَامَهُ: ”أَقَارِبُكُمُ الَّذِينَ يَكْرَهُونَكُمْ وَيَنْبُذُونَكُمْ يَقُولُونَ بِسُخْرِيَةٍ: ’لِيُظْهِرِ اللهُ جَلَالَهُ، حَتَّى نَرَى فَرَحَكُمْ!‘ فَالَّذِينَ يَقُولُونَ هَذَا سَوْفَ يَخْزَوْنَ.“ هَذَا صَوْتُ ضَجِيجٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، صَوْتٌ قَادِمٌ مِنَ الْبَيْتِ! إِنَّهُ صَوْتُ اللهِ يُجَازِي أَعْدَاءَهُ بِكُلِّ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ. ”قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَهَا آلَامُ الْوِلَادَةِ وَلَدَتْ، وَمِنْ غَيْرِ أَنْ تَتَأَلَّمَ وَلَدَتْ ذَكَرًا. مَنْ سَمِعَ بِمِثْلِ هَذَا؟ مَنْ رَأَى مِثْلَ هَذِهِ الْأُمُورِ؟ هَلْ تُولَدُ بَلَدٌ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ؟ أَوْ تَخْرُجُ أُمَّةٌ دُفْعَةً وَاحِدَةً؟ لَكِنَّ الْقُدْسَ لَمَّا بَدَأَتْ آلَامُهَا، وَلَدَتْ أَوْلَادَهَا.“ يَقُولُ اللهُ: ”أَنَا الَّذِي أَجْعَلُ لَحْظَةَ الْوِلَادَةِ تَأْتِي، فَهَلْ أَمْنَعُ إِتْمَامَهَا؟ وَأَنَا الَّذِي أُسَاعِدُ الْأُمَّ عَلَى الْوِلَادَةِ فَهَلْ أُغْلِقُ الرَّحِمَ؟ يَقُولُ إِلَهُكَ. ”اِفْرَحُوا مَعَ الْقُدْسِ وَابْتَهِجُوا بِهَا يَا كُلَّ مَنْ تُحِبُّونَهَا. اِفْرَحُوا جِدًّا مَعَهَا يَا جَمِيعَ مَنْ تَنُوحُونَ عَلَيْهَا. لِكَيْ تَرْضَعُوا مِنْ تَعْزِيَاتِ ثَدْيِهَا حَتَّى تَشْبَعُوا، وَلِكَيْ تَشْرَبُوا مِنْ وَفْرَةِ جَلَالِهَا وَتَنْعَمُوا.“ لِأَنَّ اللهَ قَالَ: ”أَبْعَثُ إِلَيْهَا سَلَامًا كَنَهْرٍ، وَثَرْوَةَ الْأُمَمِ كَسَيْلٍ مُتَدَفِّقٍ. وَأُعَامِلُكُمْ كَأُمٍّ تُرْضِعُ طِفْلَهَا وَتَحْمِلُهُ فِي حِضْنِهَا وَتُدَلِّلُـهُ عَلَى رُكْبَتَيْهَا. وَكَمَا تُعَزِّي الْأُمُّ طِفْلَهَا، أَنَا نَفْسِي أُعَزِّيكُمْ، نَعَمْ، أُعَزِّيكُمْ فِي الْقُدْسِ.“ فَعِنْدَمَا تَرَوْنَ هَذَا تَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ، وَتَزْدَهِرُونَ كَالْعُشْبِ. وَتُصْبِحُ قُوَّةُ اللهِ مَعْرُوفَةً عِنْدَ عَبِيدِهِ، وَيَصُبُّ غَضَبَهُ عَلَى أَعْدَائِهِ. يَأْتِي اللهُ فِي نَارٍ وَمَرْكَبَاتُهُ كَزَوْبَعَةٍ، لِيَسْكُبَ غَضَبَهُ بِسَخَطٍ وَتَوْبِيخَهُ بِلَهِيبِ نَارٍ. لِأَنَّ اللهَ يُعَاقِبُ الْبَشَرَ بِالنَّارِ وَالسَّيْفِ وَيَقْتُلُ كَثِيرِينَ. ”وَيَكُونُ الْهَلَاكُ هُوَ مَصِيرَ الَّذِينَ يُكَرِّسُونَ وَيُطَهِّرُونَ أَنْفُسَهُمْ، لِيَذْهَبُوا إِلَى حَدَائِقِ الْأَصْنَامِ، تَابِعِينَ وَاحِدًا فِي الْوَسَطِ، وَيَأْكُلُونَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَالنَّجَاسَاتِ الْأُخْرَى كَالْفِئْرَانِ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَهُمْ وَأَفْكَارَهُمْ. لِذَلِكَ سَآتِي وَأَجْمَعُ الشُّعُوبَ مِنْ كُلِّ لِسَانٍ، فَيَأْتُونَ وَيَرَوْنَ جَلَالِي. وَأَجْعَلُ بَيْنَهُمْ آيَةً. فَأُرْسِلُ بَعْضَ النَّاجِينَ مِنْهُمْ إِلَى الْأُمَمِ، إِلَى أَهْلِ تَرْشِيشَ وَلِيبْيَا وَلِيدْيَا الَّذِينَ يَرْمُونَ السِّهَامَ بِمَهَارَةٍ، وَإِلَى تُوبَالَ وَالْيُونَانِ وَالسَّوَاحِلِ وَالْجُزُرِ الَّتِي لَمْ تَسْمَعْ عَنِّي وَلَمْ تُشَاهِدْ جَلَالِي. فَيُعْلِنُونَ جَلَالِي بَيْنَ الْأُمَمِ. فَيَأْتُونَ بِكُلِّ إِخْوَتِكُمْ مِنْ كُلِّ الْأُمَمِ إِلَى الْقُدْسِ، جَبَلِيَ الْمُقَدَّسِ، كَتَقْدِمَةٍ للهِ عَلَى خَيْلٍ، وَفِي مَرْكَبَاتٍ وَعَرَبَاتٍ، وَعَلَى بِغَالٍ وَجِمَالٍ. يَقُولُ اللهُ. كَمَا يُحْضِرُ بَنُو إِسْرَائِيلَ قُرْبَانًا فِي إِنَاءٍ طَاهِرٍ إِلَى بَيْتِ اللهِ. وَأَخْتَارُ أَيْضًا بَعْضًا مِنْهُمْ لِيَكُونُوا أَحْبَارًا وَلَاوِيِّينَ.“ يَقُولُ اللهُ. هَذَا كَلَامُ اللهِ: ”كَمَا أَنَّ السَّمَاءَ الْجَدِيدَةَ وَالْأَرْضَ الْجَدِيدَةَ الَّتِي أَصْنَعُهَا تَدُومُ أَمَامِي، كَذَلِكَ يَدُومُ نَسْلُكُمْ وَاسْمُكُمْ. وَمِنْ رَأْسِ شَهْرٍ إِلَى رَأْسِ شَهْرٍ، وَمِنْ سَبْتٍ إِلَى سَبْتٍ، يَأْتِي كُلُّ الْبَشَرِ لِيَسْجُدُوا أَمَامِي. يَقُولُ اللهُ. وَيَخْرُجُونَ وَيُشَاهِدُونَ جُثَثَ النَّاسِ الَّذِينَ تَمَرَّدُوا عَلَيَّ، لِأَنَّ دُودَهُمْ لَا يَمُوتُ وَنَارَهُمْ لَا تَنْطَفِئُ. وَيَشْمَئِزُّ مِنْهُمْ كُلُّ النَّاسِ.“ كَلَامُ إِرْمِيَا بْنِ حِلْقِيَا، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنَ الْأَحْبَارِ الَّذِينَ فِي عَنَاثُوثَ فِي بِلَادِ بِنْيَمِينَ. وَقَدْ كَلَّمَهُ اللهُ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ مِنْ حُكْمِ يُوشِيَّا بْنِ آمُونَ مَلِكِ يَهُوذَا، وَفِي أَثْنَاءِ حُكْمِ يُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، وَحَتَّى إِلَى السَّنَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ لِصِدْقِيَا بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا. فَقَدْ أُسِرَ أَهْلُ الْقُدْسِ فِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ. كَلَّمَنِي اللهُ وَقَالَ: ”قَبْلَ مَا صَنَعْتُكَ فِي بَطْنِ أُمِّكَ اخْتَرْتُكَ، وَقَبْلَ مَا وُلِدْتَ كَرَّسْتُكَ وَجَعَلْتُكَ نَبِيًّا لِلْأُمَمِ.“ فَقُلْتُ: ”آهِ، يَا رَبِّي وَإِلَهِي! أَنَا لَا أَعْرِفُ أَنْ أَتَكَلَّمَ لِأَنِّي وَلَدٌ.“ فَقَالَ اللهُ لِي: ”لَا تَقُلْ إِنَّكَ وَلَدٌ. بَلْ يَجِبُ أَنْ تَذْهَبَ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِ، وَتَقُولَ كُلَّ مَا آمُرُكَ بِهِ. لَا تَخَفْ مِنْهُمْ، لِأَنِّي أَنَا مَعَكَ لِأُنْقِذَكَ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. ثُمَّ مَدَّ اللهُ يَدَهُ وَلَمَسَ فَمِي وَقَالَ لِي: ”أَنَا وَضَعْتُ كَلَامِي فِي فَمِكَ. اِنْتَبِهْ، فَإِنِّي هَذَا الْيَوْمَ أَعْطَيْتُكَ سُلْطَانًا عَلَى الْأُمَمِ وَالْمَمَالِكِ، لِتَقْلَعَ وَتَهْدِمَ، لِتُهْلِكَ وَتَقْلِبَ، لِتَبْنِيَ وَتَغْرِسَ.“ ثُمَّ كَلَّمَنِي اللهُ وَقَالَ: ”مَاذَا تَرَى يَا إِرْمِيَا؟“ فَأَجَبْتُ: ”أَرَى غُصْنَ شَجَرَةِ لَوْزٍ.“ فَقَالَ اللهُ لِي: ”صَحِيحٌ مَا رَأَيْتَهُ، فَأَنَا سَاهِرٌ عَلَى تَنْفِيذِ كَلَامِي.“ ثُمَّ كَلَّمَنِي اللهُ مَرَّةً ثَانِيَةً وَقَالَ: ”مَاذَا تَرَى؟“ فَأَجَبْتُ: ”أَرَى وِعَاءً يَغْلِي فِي الشَّمَالِ وَهُوَ مَائِلٌ نَحْوَنَا.“ فَقَالَ اللهُ لِي: ”مِنَ الشَّمَالِ تَأْتِي الْمَصَائِبُ عَلَى كُلِّ سُكَّانِ هَذِهِ الْبِلَادِ. فَهَذَا كَلَامُ اللهِ. سَأُنَادِي كُلَّ شُعُوبِ الْمَمَالِكِ الشَّمَالِيَّةِ، فَيَأْتِي مُلُوكُهُمْ وَيَضَعُ كُلُّ وَاحِدٍ عَرْشَهُ فِي مَدْخَلِ بَوَّابَاتِ الْقُدْسِ، وَيَهْجُمُونَ عَلَى أَسْوَارِهَا الَّتِي حَوْلَهَا، وَعَلَى كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا. وَأُصْدِرُ حُكْمِي عَلَى شَعْبِي بِسَبَبِ كُلِّ شَرِّهِمْ، لِأَنَّهُمْ تَرَكُونِي وَأَحْرَقُوا الْبَخُورَ لِآلِهَةٍ أُخْرَى وَعَبَدُوا مَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ. ”أَمَّا أَنْتَ يَا إِرْمِيَا فَاسْتَعِدَّ، وَقُمْ وَكَلِّمْهُمْ بِكُلِّ مَا آمُرُكَ بِهِ. لَا تَخَفْ مِنْهُمْ لِئَلَّا أُخِيفَكَ أَمَامَهُمْ. إِنِّي جَعَلْتُكَ الْيَوْمَ مَدِينَةً حَصِينَةً، وَعَمُودًا مِنْ حَدِيدٍ، وَسُورًا مِنْ نُحَاسٍ، فَتُوَاجِهُ كُلَّ الْبِلَادِ، وَمُلُوكَ يَهُوذَا وَرُؤَسَاءَهَا وَأَحْبَارَهَا وَشَعْبَ الْبِلَادِ. فَيُحَارِبُونَكَ وَلَا يَغْلِبُونَكَ، لِأَنِّي أَنَا مَعَكَ لِأُنْقِذَكَ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. وَكَلَّمَنِي اللهُ وَقَالَ: ”اِذْهَبْ وَأَعْلِنْ هَذَا عَلَى مَسَامِعِ الْقُدْسِ، يَقُولُ اللهُ: ’أَنَا لَا أَنْسَى وَلَاءَكِ لِي وَأَنْتِ صَبِيَّةٌ، وَمَحَبَّتَكِ لِي كَعَرُوسَةٍ، وَكَيْفَ سِرْتِ وَرَائِي فِي الصَّحْرَاءِ، فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَزْرُوعَةٍ. كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مُخَصَّصِينَ للهِ، أَوَّلَ ثِمَارِهِ، وَكُلُّ مَنْ تَعَدَّى عَلَيْهِمْ كَانَ يُعْتَبَرُ مُذْنِبًا وَتَحِلُّ عَلَيْهِ الْمَصَائِبُ.‘“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. اِسْمَعُوا كَلِمَةَ اللهِ يَا بَنِي يَعْقُوبَ وَكُلَّ عَشَائِرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. قَالَ اللهُ: ”مَاذَا وَجَدَ فِيَّ آبَاؤُكُمْ مِنْ خَطَأٍ، حَتَّى ابْتَعَدُوا عَنِّي، وَعَبَدُوا الْأَصْنَامَ التَّافِهَةَ وَصَارُوا هُمْ أَنْفُسُهُمْ تَافِهِينَ؟ وَلَمْ يَطْلُبُوا اللهَ الَّذِي أَخْرَجَهُمْ مِنْ مِصْرَ، وَقَادَهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ، فِي أَرْضٍ مُوحِشَةٍ فِيهَا حُفَرٌ، أَرْضٍ جَرْدَاءَ وَمُظْلِمَةٍ لَا يُسَافِرُ فِيهَا إِنْسَانٌ وَلَا يَسْكُنُ فِيهَا بَشَرٌ! وَأَدْخَلْتُكُمْ إِلَى أَرْضٍ طَيِّبَةٍ لِتَأْكُلُوا ثَمَرَهَا وَخَيْرَهَا. لَكِنَّكُمْ أَتَيْتُمْ وَنَجَّسْتُمْ أَرْضِي وَجَعَلْتُمْ نَصِيبِي قَبِيحًا. حَتَّى الْأَحْبَارُ لَمْ يَطْلُبُوا اللهَ، وَالَّذِينَ يُعَلِّمُونَ الشَّرِيعَةَ لَمْ يَعْرِفُونِي، وَالْقَادَةُ تَمَرَّدُوا عَلَيَّ، وَالَّذِينَ يَدَّعُونَ النُّبُوَّةَ جَاءُوا بِكَلَامٍ مِنَ الْبَعْلِ. وَعَبَدُوا الْأَصْنَامَ التَّافِهَةَ.“ لِذَلِكَ يَقُولُ اللهُ: ”أُقَدِّمُ شَكْوَايَ ضِدَّكُمْ وَضِدَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِكُمْ! فَاعْبُرُوا إِلَى شَوَاطِئِ كَتِّيمَ وَانْظُرُوا، وَأَرْسِلُوا إِلَى قِيدَارَ وَافْحَصُوا جَيِّدًا لِتَرَوْا هَلْ جَرَى هُنَاكَ مَا جَرَى عِنْدَكُمْ! لَا تُوجَدُ أُمَّةٌ بَدَّلَتْ آلِهَتَهَا أَبَدًا، مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ آلِهَةً حَقِيقِيَّةً! أَمَّا شَعْبِي فَقَدْ بَدَّلَ إِلَهَهُ الْمَجِيدَ بِالْأَصْنَامِ التَّافِهَةِ.“ لِذَلِكَ يَقُولُ اللهُ: ”اِفْزَعِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ مِنْ هَذَا، وَاقْشَعِرِّي وَارْتَعِبِي جِدًّا. لِأَنَّ شَعْبِيَ ارْتَكَبَ شَرَّيْنِ، تَرَكُونِي أَنَا يَنْبُوعَ الْمَاءِ الْحَيِّ، وَحَفَرُوا لِأَنْفُسِهِمْ آبَارًا مُكَسَّرَةً لَا تَحْتَفِظُ بِالْمَاءِ. يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَنْتُمْ لَمْ تَكُونُوا عَبِيدًا وَلَا أَوْلَادَ عَبِيدٍ، فَلِمَاذَا نَهَبَكُمُ الْأَعْدَاءُ؟ زَأَرَ الْأَعْدَاءُ عَلَيْكُمْ بِصَوْتٍ عَالٍ كَأُسُودٍ، وَجَعَلُوا بِلَادَكُمْ خَرِبَةً. مُدُنُكُمْ مَحْرُوقَةٌ وَمَهْجُورَةٌ. أَهْلُ مَمْفِيسَ وَتَحْفَنِيسَ كَسَّرُوا رَأْسَكِ. أَنْتِ جَلَبْتِ هَذَا عَلَى نَفْسِكِ، لِأَنَّكِ تَرَكْتِ الْمَوْلَى إِلَهَكِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَهْدِيكِ فِي الطَّرِيقِ. فَلِمَاذَا تَذْهَبِينَ إِلَى مِصْرَ لِتَشْرَبِي مِنْ مَاءِ النِّيلِ، وَلِمَاذَا تَذْهَبِينَ إِلَى أَشُّورَ لِتَشْرَبِي مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ؟ شَرُّكِ يَجْلِبُ عَلَيْكِ الْعِقَابَ، وَضَلَالُكِ يَجْلِبُ عَلَيْكِ التَّأْدِيبَ. فَكِّرِي فِي هَذَا وَافْهَمِي أَنَّ هَذَا شَرٌّ فَظِيعٌ أَنْ تَتْرُكِي الْمَوْلَى إِلَهَكِ وَلَا تَخَافِي مِنِّي.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ الْقَدِيرِ. ”أَنْتِ مُنْذُ الْقَدِيمِ كَسَرْتِ نِيرَكِ، وَنَزَعْتِ قُيُودَكِ وَقُلْتِ: ’لَا أَعْبُدُكَ!‘ وَصِرْتِ كَزَوْجَةٍ خَائِنَةٍ، تَعْبُدِينَ الْأَصْنَامَ عَلَى كُلِّ تَلٍّ مُرْتَفِعٍ، وَفِي ظِلِّ كُلِّ شَجَرَةٍ كَبِيرَةٍ. أَنَا غَرَسْتُكِ أَفْضَلَ كَرْمَةٍ مِنْ نَوْعٍ جَيِّدٍ أَصِيلٍ، فَكَيْفَ تَحَوَّلْتِ إِلَى كَرْمَةٍ فَاسِدَةٍ غَرِيبَةٍ؟ مَهْمَا غَسَلْتِ نَفْسَكِ بِالْمُنَظِّفَاتِ، وَاسْتَعْمَلْتِ الصَّابُونَ بِكَثْرَةٍ يَبْقَى وَسَخُ ذَنْبِكِ أَمَامِي!“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. ”كَيْفَ تَقُولِينَ: ’لَمْ أَتَنَجَّسْ، وَلَمْ أَذْهَبْ وَرَاءَ الْبَعْلِ‘؟ اُنْظُرِي إِلَى الْأَشْيَاءِ الَّتِي ارْتَكَبْتِهَا فِي الْوَادِي، تَذَكَّرِي مَا فَعَلْتِهِ. أَنْتِ كَأُنْثَى الْجَمَلِ تَجْرِي هَائِمَةً تَبْحَثُ عَنْ ذَكَرٍ! أَنْتِ حِمَارَةٌ وَحْشِيَّةٌ تَعَوَّدَتْ عَلَى الصَّحْرَاءِ. مِنْ شِدَّةِ شَهْوَتِهَا تَشُمُّ الرِّيحَ بَاحِثَةً عَنْ حِمَارٍ، وَمَنْ يَكْبَحُ شَهْوَتَهَا؟ لَا يَتْعَبُ الذُّكُورُ الَّذِينَ يُرِيدُونَهَا، بَلْ يَجِدُونَهَا مُسْتَعِدَّةً لَهُمْ! جَرَيْتِ حَتَّى حَفِيَتْ قَدَمَاكِ وَيَبِسَ حَلْقُكِ، فَقُلْتُ لَكِ: ’كُفِّي!‘ وَلَكِنَّكِ قُلْتِ: ’لَا أَقْدِرُ، لِأَنِّي أُحِبُّ الْآلِهَةَ الْغَرِيبَةَ، فَأَذْهَبُ وَرَاءَهَا.‘ ”كَمَا يَخْجَلُ اللِّصُّ عِنْدَمَا يُمْسِكُونَهُ، كَذَلِكَ يَخْجَلُ بَنُو إِسْرَائِيلَ هُمْ وَمُلُوكُهُمْ وَرُؤَسَاؤُهُمْ وَأَحْبَارُهُمْ وَأَنْبِيَاؤُهُمْ. لِأَنَّهُمْ قَالُوا لِتِمْثَالٍ مِنْ خَشَبٍ: ’أَنْتَ أَبِي‘ وَلِتِمْثَالٍ مِنْ حَجَرٍ: ’أَنْتَ أُمِّي.‘ أَدَارُوا لِي ظَهْرَهُمْ لَا وَجْهَهُمْ. وَمَعَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ الضِّيقِ يَقُولُونَ لِي: ’تَعَالَ أَنْقِذْنَا!‘ فَأَيْنَ إِذَنِ الْآلِهَةُ الَّتِي صَنَعْتُمُوهَا لَكُمْ؟ فَلْتَأْتِ وَتُنْقِذْكُمْ فِي وَقْتِ الضِّيقِ، لِأَنَّهَا صَارَتْ عَلَى عَدَدِ مُدُنِكُمْ يَا شَعْبَ يَهُوذَا.“ وَيَقُولُ اللهُ: ”لِمَاذَا تَشْتَكُونَ ضِدِّي؟ كُلُّكُمْ تَمَرَّدْتُمْ عَلَيَّ! عَاقَبْتُ شَعْبَكُمْ وَلَكِنْ بِلَا فَائِدَةٍ، فَهُمْ لَا يَقْبَلُونَ التَّأْدِيبَ. سَيْفُكُمْ قَتَلَ أَنْبِيَاءَكُمْ كَأَسَدٍ مُفْتَرِسٍ.“ يَا أَهْلَ هَذَا الْجِيلِ انْتَبِهُوا لِكَلِمَةِ اللهِ: ”هَلْ كُنْتُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ كَصَحْرَاءَ أَوْ كَأَرْضٍ مُظْلِمَةٍ جِدًّا؟ فَلِمَاذَا قَالَ شَعْبِي: ’اِنْطَلَقْنَا، تَحَرَّرْنَا وَلَنْ نَرْجِعَ إِلَيْكَ!‘ هَلْ تَنْسَى الْبِنْتُ زِينَتَهَا، أَوِ الْعَرُوسَةُ حِلْيَتَهَا؟ أَمَّا شَعْبِي فَقَدْ نَسِيَنِي أَيَّامًا لَا تُعَدُّ! ”كَمْ أَنْتِ مَاهِرَةٌ فِي فَنِّ الْحُبِّ! حَتَّى أَسْوَأُ امْرَأَةٍ يُمْكِنُهَا أَنْ تَتَعَلَّمَ شَيْئًا مِنْ شَرِّكِ! وَأَيْضًا عَلَى ثِيَابِكِ دَمُ الْمَسَاكِينِ وَالْأَبْرِيَاءِ. لَمْ يَكُونُوا لُصُوصًا ضُبِطُوا وَهُمْ يَسْرِقُونَ. وَمَعَ كُلِّ هَذَا، تَقُولِينَ: ’أَنَا بَرِيئَةٌ. اللهُ غَيْرُ غَاضِبٍ عَلَيَّ.‘ لَكِنِّي سَأَحْكُمُ عَلَيْكِ لِأَنَّكِ قُلْتِ: ’لَمْ أُخْطِئْ.‘ لِمَاذَا تُغَيِّرِينَ سِيَاسَتَكِ بِهَذِهِ السُّهُولَةِ؟ سَيَخِيبُ أَمَلُكِ فِي مِصْرَ، كَمَا خَابَ فِي أَشُّورَ. فَتَخْرُجِينَ مِنْ مِصْرَ أَيْضًا وَيَدَاكِ عَلَى رَأْسِكِ كَالْأَسِيرِ، لِأَنَّ اللهَ رَفَضَ مَنْ تَتَّكِلِينَ عَلَيْهِمْ، فَلَنْ يُسَاعِدُوكِ. ”إِنْ طَلَّقَ رَجُلٌ زَوْجَتَهُ، فَذَهَبَتْ مِنْ عِنْدِهِ وَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ آخَرُ، فَهَلْ يَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهَا زَوْجُهَا الْأَوَّلُ؟ لَا! لِأَنَّ هَذَا يُنَجِّسُ الْبِلَادَ. أَمَّا أَنْتِ يَا إِسْرَائِيلُ فَقَدْ زَنَيْتِ مَعَ عُشَّاقٍ كَثِيرِينَ. لَكِنَّ اللهَ يَقُولُ لَكِ، اِرْجِعِي إِلَيَّ. تَطَلَّعِي إِلَى الْهِضَابِ وَانْظُرِي، إِنْ كَانَ هُنَاكَ مَكَانٌ لَمْ تُمَارِسِي فِيهِ الزِّنَى. بَلْ جَلَسْتِ لَهُمْ عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، كَالْأَعْرَابِيِّ فِي الصَّحْرَاءِ. أَنْتِ نَجَّسْتِ الْبِلَادَ بِزِنَاكِ وَشَرِّكِ. لِذَلِكَ تَوَقَّفَ الْمَطَرُ، وَمَطَرُ الرَّبِيعِ أَيْضًا لَمْ يَنْزِلْ. وَمَعَ ذَلِكَ صَارَتْ نَظَرَاتُكِ وَقِحَةً كَعَاهِرَةٍ، وَرَفَضْتِ أَنْ تَسْتَحِي. ثُمَّ صَرَخْتِ إِلَيَّ وَقُلْتِ: ’يَا أَبِي، أَنْتَ صَدِيقِي مُنْذُ كُنْتُ صَغِيرَةَ السِّنِّ. فَهَلْ تَغْضَبُ عَلَيَّ دَائِمًا، هَلْ تَسْخَطُ عَلَيَّ إِلَى الْأَبَدِ؟‘ قُلْتِ هَذَا وَلَكِنَّكِ مَا زِلْتِ تَرْتَكِبِينَ الشَّرَّ!“ وَقَالَ اللهُ لِي فِي أَيَّامِ يُوشِيَّا الْمَلِكِ: ”هَلْ رَأَيْتَ مَا فَعَلَتْهُ إِسْرَائِيلُ الضَّالَّةُ؟ فَإِنَّهَا ذَهَبَتْ إِلَى كُلِّ جَبَلٍ مُرْتَفِعٍ وَإِلَى كُلِّ شَجَرَةٍ كَبِيرَةٍ وَعَبَدَتِ الْأَصْنَامَ هُنَاكَ. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي، بَعْدَمَا فَعَلَتْ كُلَّ هَذَا، إِنَّهَا سَتَرْجِعُ إِلَيَّ. وَلَكِنَّهَا لَمْ تَرْجِعْ. وَرَأَتْ هَذَا أُخْتُهَا الْخَائِنَةُ يَهُوذَا. فَأَعْطَيْتُ إِسْرَائِيلَ شَهَادَةَ طَلَاقٍ وَطَلَّقْتُهَا بِسَبَبِ كُلِّ ضَلَالِهَا. وَمَعَ ذَلِكَ وَجَدْتُ أَنَّ أُخْتَهَا الْخَائِنَةَ يَهُوذَا لَمْ تَخَفْ، بَلْ هِيَ أَيْضًا ذَهَبَتْ وَعَبَدَتِ الْأَصْنَامَ. وَاسْتَهَانَتْ إِسْرَائِيلُ بِالْخِيَانَةِ، وَنَجَّسَتِ الْبِلَادَ، وَارْتَكَبَتِ الْفُجُورَ فَعَبَدَتِ الْحَجَرَ وَالْخَشَبَ. وَمَعَ كُلِّ هَذَا لَمْ تَرْجِعْ إِلَيَّ أُخْتُهَا الْخَائِنَةُ يَهُوذَا بِكُلِّ قَلْبِهَا، إِنَّمَا تَظَاهَرَتْ بِأَنَّهَا رَجَعَتْ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. وَقَالَ اللهُ لِي: ”حَتَّى إِسْرَائِيلُ الضَّالَّةُ أَحْسَنُ مِنْ يَهُوذَا الْخَائِنَةِ! فَاذْهَبْ وَأَعْلِنْ هَذِهِ الرِّسَالَةَ لِلشَّمَالِ، يَقُولُ اللهُ: ’اِرْجِعِي إِلَيَّ أَيَّتُهَا الضَّالَّةُ إِسْرَائِيلُ. فَلَا أُنْزِلُ غَضَبِي عَلَيْكُمْ، لِأَنِّي رَحِيمٌ، وَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ إِلَى الْأَبَدِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. اِعْتَرِفِي أَنَّكِ ارْتَكَبْتِ الشَّرَّ لِأَنَّكِ عَصَيْتِ الْمَوْلَى إِلَهَكِ، وَفَسَقْتِ وَعَبَدْتِ آلِهَةً غَرِيبَةً فِي ظِلِّ كُلِّ شَجَرَةٍ كَبِيرَةٍ، وَلَمْ تُطِيعُونِي. هَذَا كَلَامُ اللهِ.‘“ يَقُولُ اللهُ: ”اِرْجِعُوا إِلَيَّ أَيُّهَا الشَّعْبُ الضَّالُّ، فَأَنَا مَوْلَاكُمْ. أَخْتَارُكُمْ وَاحِدًا مِنَ الْمَدِينَةِ، وَاثْنَيْنِ مِنَ الْعَشِيرَةِ، وَأُحْضِرُكُمْ إِلَى الْقُدْسِ. وَأُعْطِيكُمْ رُعَاةً يَرْتَاحُ لَهُمْ قَلْبِي، فَيَرْعَوْنَكُمْ بِمَعْرِفَةٍ وَفَهْمٍ.“ وَيَقُولُ اللهُ: ”فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، عِنْدَمَا تَكْثُرُونَ وَتَمْلَأُونَ الْأَرْضَ، لَا يَتَكَلَّمُ النَّاسُ عَنْ صُنْدُوقِ عَهْدِ اللهِ، وَلَا يَخْطُرُ عَلَى بَالِهِمْ، وَلَا يَذْكُرُونَهُ، وَلَا يَطْلُبُونَهُ، وَلَا يَصْنَعُونَ غَيْرَهُ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَدْعُونَ الْقُدْسَ عَرْشَ اللهِ. وَتَجْتَمِعُ فِي الْقُدْسِ كُلُّ الْأُمَمِ لِيُكْرِمُوا اسْمَ اللهِ. وَلَا يَنْسَاقُونَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى قَلْبِهِمِ الْعَنِيدِ الشِّرِّيرِ. وَفِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، يَنْضَمُّ بَيْتُ يَهُوذَا وَبَيْتُ إِسْرَائِيلَ، وَيَأْتُونَ مَعًا مِنْ بِلَادِ الشَّمَالِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا نَصِيبًا لِآبَائِكُمْ. وَأَنَا اللهَ قُلْتُ: ’كَمْ يُسْعِدُنِي أَنْ أَجْعَلَكُمْ أَوْلَادِي، وَأُعْطِيَكُمْ أَرْضًا جَمِيلَةً هِيَ أَحْسَنُ نَصِيبٍ بَيْنَ الْأُمَمِ!‘ وَكُنْتُ أَظُنُّ أَنَّكُمْ سَتَدْعُونِي أَبَاكُمْ، وَتَتْبَعُونِي وَلَا تَضِلُّونَ عَنِّي. وَلَكِنْ أَنْتُمْ خُنْتُمُونِي يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَامْرَأَةٍ تَخُونُ زَوْجَهَا!“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. صَوْتٌ سُمِعَ عَلَى الْهِضَابِ! بَنُو إِسْرَائِيلَ يَبْكُونَ وَيَتَضَرَّعُونَ، لِأَنَّهُمُ انْحَرَفُوا عَنْ طَرِيقِهِمْ، وَنَسُوا الْمَوْلَى إِلَهَهُمْ. ”اِرْجِعُوا إِلَيَّ أَيُّهَا الشَّعْبُ الضَّالُّ، فَأَشْفِيَ ارْتِدَادَكُمْ. قُولُوا: ’هَا نَحْنُ نَأْتِي إِلَيْكَ، فَأَنْتَ الْمَوْلَى إِلَهُنَا. حَقًّا لَا فَائِدَةَ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ الَّتِي مَارَسْنَاهَا عَلَى التِّلَالِ وَالْجِبَالِ. إِنَّمَا بِالْمَوْلَى إِلَهِنَا يَنْجُو إِسْرَائِيلُ. مُنْذُ صِبَانَا ضَيَّعَتِ الْآلِهَةُ الْكَرِيهَةُ مَا تَعِبَ فِيهِ آبَاؤُنَا، غَنَمَهُمْ وَبَقَرَهُمْ، وَبَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ. لِذَلِكَ نَرْقُدُ فِي عَارِنَا، وَالْخَجَلُ يُغَطِّينَا، لِأَنَّنَا أَخْطَأْنَا فِي حَقِّ الْمَوْلَى إِلَهِنَا، نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مُنْذُ صِبَانَا إِلَى هَذَا الْيَوْمِ، وَرَفَضْنَا أَنْ نُطِيعَ الْمَوْلَى إِلَهَنَا.‘“ قَالَ اللهُ: ”اِرْجِعُوا إِلَيَّ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَزِيلُوا أَصْنَامَكُمُ الْقَبِيحَةَ مِنْ أَمَامِي، وَلَا تَضِلُّوا عَنِّي، وَاحْلِفُوا بِي بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَالصَّلَاحِ. عِنْدَ ذَلِكَ أُبَارِكُ الْأُمَمَ، وَالْأُمَمُ تَحْمَدُنِي.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ لِرِجَالِ يَهُوذَا وَالْقُدْسِ: ”اُحْرُثُوا أَرْضَكُمْ غَيْرَ الْمَحْرُوثَةِ، وَلَا تَزْرَعُوا بَيْنَ الشَّوْكِ. طَهِّرُوا أَنْفُسَكُمْ للهِ، طَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ يَا رِجَالَ يَهُوذَا وَأَهْلَ الْقُدْسِ، لِئَلَّا يَشْتَعِلَ غَضَبِي فِيكُمْ كَنَارٍ تَحْرِقُ وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُطْفِئَهَا، بِسَبَبِ أَعْمَالِكُمُ الشِّرِّيرَةِ. ”أَعْلِنُوا فِي يَهُوذَا، وَنَادُوا فِي الْقُدْسِ وَقُولُوا: ’اُنْفُخُوا الْبُوقَ فِي الْبِلَادِ.‘ اُصْرُخُوا وَقُولُوا: ’اِجْتَمِعُوا مَعًا وَتَعَالَوْا نَهْرُبُ إِلَى الْمُدُنِ الْحَصِينَةِ!‘ اِرْفَعُوا الرَّايَةَ نَحْوَ الْقُدْسِ. اُهْرُبُوا إِلَى الْأَمَانِ. لَا تَتَأَخَّرُوا. لِأَنِّي أَجْلِبُ مُصِيبَةً مِنَ الشَّمَالِ وَبَلْوَى عَظِيمَةً.“ طَلَعَ الْأَسَدُ مِنْ عَرِينِهِ! خَرَجَ قَاهِرُ الْأُمَمِ! جَاءَ مِنْ مَكَانِهِ لِيُخْرِبَ بِلَادَكُمْ، تَصِيرُ مُدُنُكُمْ خَرَابًا بِلَا سَاكِنٍ. لِذَلِكَ الْبَسُوا الْخَيْشَ! اُلْطُمُوا وَاصْرُخُوا، لِأَنَّ غَضَبَ اللهِ الشَّدِيدَ لَمْ يَرْجِعْ عَنَّا. وَيَقُولُ اللهُ: ”إِنَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، يَرْتَعِبُ الْمَلِكُ وَالرُّؤَسَاءُ، وَيَتَحَيَّرُ الْأَحْبَارُ، وَيَفْزَعُ الْأَنْبِيَاءُ.“ فَقُلْتُ: ”آهِ، يَا رَبِّي وَإِلَهِي! أَنْتَ حَقًّا خَدَعْتَ هَذَا الشَّعْبَ وَمَدِينَةَ الْقُدْسِ وَقُلْتَ: ’يَكُونُ لَكُمْ سَلَامٌ‘ بَيْنَمَا الْحَقِيقَةُ هِيَ أَنَّ السَّيْفَ نَزَلَ عَلَى رِقَابِنَا!“ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تَصِلُ هَذِهِ الرِّسَالَةُ إِلَى هَذَا الشَّعْبِ وَمَدِينَةِ الْقُدْسِ: ”رِيحٌ لَافِحَةٌ تَأْتِي مِنْ هِضَابِ الصَّحْرَاءِ وَتَهُبُّ عَلَى شَعْبِي، لَا لِتُذَرِّيَ الْمَحْصُولَ وَلَا لِتُنَقِّيَهُ، بَلْ هِيَ رِيحٌ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ، تَأْتِي مِنْ عِنْدِي. وَالْآنَ أَنَا أُعْلِنُ حُكْمِي ضِدَّهُمْ.“ اُنْظُرُوا! الْعَدُوُّ قَادِمٌ كَسَحَابٍ! مَرْكَبَاتُهُ كَزَوْبَعَةٍ، وَخَيْلُهُ أَسْرَعُ مِنَ النُّسُورِ، وَيْلٌ لَنَا، إِنَّنَا هَلَكْنَا! يَا أَهْلَ الْقُدْسِ، اِغْسِلُوا قَلْبَكُمْ مِنَ الشَّرِّ لِكَيْ تَنْجُوا. لَا تُضْمِرُوا الْإِثْمَ فِي قُلُوبِكُمْ. خَبَرٌ يَأْتِي مِنْ دَانَ، نَبَأُ مُصِيبَةٍ مِنْ جَبَلِ أَفْرَايِمَ: ”أَخْبِرُوا الْأُمَمَ بِهَذَا، وَأَعْلِنُوهُ لِلْقُدْسِ: ’جَيْشٌ مُهَاجِمٌ قَادِمٌ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ، وَيَهْتِفُ هُتَافَ الْحَرْبِ ضِدَّ مُدُنِ يَهُوذَا. يُحِيطُونَ بِهَا كَرِجَالٍ يَحْرُسُونَ الْحَقْلَ، لِأَنَّهَا تَمَرَّدَتْ عَلَيَّ.‘“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”سُلُوكُكِ وَأَعْمَالُكِ جَلَبَتْ هَذَا عَلَيْكِ، فَمَا أَقْسَاهُ مِنْ عِقَابٍ، لِأَنَّهُ يُمَزِّقُ قَلْبَكِ!“ يَا عَذَابِي، يَا عَذَابِي! إِنِّي أَتَلَوَّى مِنَ الْأَلَمِ! قَلْبِي يُوجِعُنِي! قَلْبِي يَدُقُّ فِي دَاخِلِي! لَا أَقْدِرُ أَنْ أَسْكُتَ لِأَنِّي سَمِعْتُ صَوْتَ الْبُوقِ وَصَيْحَةَ الْحَرْبِ. جَاءَتْ مُصِيبَةٌ بَعْدَ مُصِيبَةٍ، خَرِبَتْ كُلُّ الْبِلَادِ، خَرِبَتْ دِيَارُنَا فِي لَحْظَةٍ، وَبُيُوتُنَا بِسُرْعَةٍ. حَتَّى مَتَى أَرَى رَايَةَ الْحَرْبِ، وَأَسْمَعُ صَوْتَ الْبُوقِ؟ قَالَ اللهُ: ”شَعْبِي غَبِيٌّ لَا يَعْرِفُنِي! هُمْ أَوْلَادٌ جُهَّالٌ لَا يَفْهَمُونَ. هُمْ مَاهِرُونَ فِي عَمَلِ الشَّرِّ، وَلَا يَعْرِفُونَ أَنْ يَعْمَلُوا الْخَيْرَ.“ نَظَرْتُ إِلَى الْأَرْضِ فَوَجَدْتُهَا بِلَا شَكْلٍ وَخَالِيَةً، وَإِلَى السَّمَاوَاتِ فَوَجَدْتُ أَنَّ نُورَهَا ضَاعَ. نَظَرْتُ إِلَى الْجِبَالِ فَوَجَدْتُهَا تَهْتَزُّ، وَكُلُّ التِّلَالِ تَتَمَايَلُ. نَظَرْتُ فَلَمْ أَجِدْ إِنْسَانًا، وَكُلُّ طُيُورِ السَّمَاءِ هَرَبَتْ. نَظَرْتُ فَوَجَدْتُ الْأَرْضَ الْخِصْبَةَ صَارَتْ صَحْرَاءَ، وَكُلَّ مُدُنِهَا خَرِبَتْ، أَمَامَ اللهِ وَأَمَامَ غَضَبِهِ الشَّدِيدِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ: ”سَتُخْرَبُ كُلُّ الْبِلَادِ، لَكِنِّي لَا أُفْنِيهَا. فَتَنُوحُ الْأَرْضُ، وَتُظْلِمُ السَّمَاوَاتُ مِنْ فَوْقُ، لِأَنِّي حَكَمْتُ وَلَنْ أَتَرَاجَعَ، قَرَّرْتُ وَلَنْ أُغَيِّرَ فِكْرِي.“ مِنْ صَوْتِ رُكَّابِ الْخَيْلِ وَرُمَاةِ السِّهَامِ، يَهْرُبُ كُلُّ أَهْلِ الْمُدُنِ. بَعْضُهُمْ يَدْخُلُونَ الْغَابَاتِ، وَبَعْضُهُمْ يَتَسَلَّقُونَ الصُّخُورَ. أَصْبَحَتْ كُلُّ مُدُنِ يَهُوذَا مَهْجُورَةً، لَا يُقِيمُ فِيهَا إِنْسَانٌ. وَأَنْتِ، أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ الْخَرْبَانَةُ، مَاذَا تَعْمَلِينَ؟ لِمَاذَا لَبِسْتِ رِدَاءً أَحْمَرَ؟ لِمَاذَا تَزَيَّنْتِ بِحُلْيَةٍ مِنَ الذَّهَبِ؟ لِمَاذَا كَحَّلْتِ عَيْنَيْكِ؟ مَهْمَا جَمَّلْتِ نَفْسَكِ فَلَا فَائِدَةٌ، لِأَنَّ الْعُشَّاقَ يَكْرَهُونَكِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَقْتُلُوكِ! سَمِعْتُ صُرَاخًا كَمِنِ امْرَأَةٍ تَلِدُ، صَرْخَةً كَمِنْ وَاحِدَةٍ تَلِدُ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ. هُوَ صُرَاخُ الْقُدْسِ وَهِيَ تَلْهَثُ وَتَمُدُّ يَدَيْهَا وَتَقُولُ: ”يَا تَعَاسَتِي، جَاءَ الْقَتَلَةُ وَسَأَمُوتُ!“ ”طُوفُوا فِي شَوَارِعِ الْقُدْسِ وَفَتِّشُوا فِي سَاحَاتِهَا، وَانْظُرُوا وَتَأَمَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ تَجِدُونَ شَخْصًا وَاحِدًا يَعْمَلُ الْعَدْلَ وَيَطْلُبُ الْحَقَّ، فَأَصْفَحَ عَنْهَا! فَمَعَ أَنَّهُمْ يَحْلِفُونَ بِاللهِ، لَكِنَّهُمْ يَحْلِفُونَ كِذْبًا.“ يَا رَبُّ، أَلَا تَبْحَثُ عَنِ الْحَقِّ؟ أَنْتَ ضَرَبْتَ هَذَا الشَّعْبَ فَلَمْ يُوجِعْهُمُ الضَّرْبُ، حَطَّمْتَهُمْ فَرَفَضُوا أَنْ يَتَأَدَّبُوا. أَصْبَحُوا أَكْثَرَ عِنَادًا مِنَ الْحَجَرِ، وَرَفَضُوا أَنْ يَتُوبُوا. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: ”الَّذِينَ فَعَلُوا هَذَا إِنَّمَا هُمُ الْعَامَّةُ وَالْجُهَّالُ، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ طَرِيقَ اللهِ وَمَا يَطْلُبُهُ مِنْهُمْ إِلَهُهُمْ. إِذَنْ أَرُوحُ إِلَى الْعُظَمَاءِ وَأُكَلِّمُهُمْ، لَا شَكَّ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ طَرِيقَ اللهِ وَمَا يَطْلُبُهُ إِلَهُهُمْ.“ فَوَجَدْتُ أَنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ نَزَعُوا نِيرِي عَنْهُمْ، وَقَطَعُوا مَا كَانَ يَرْبِطُنَا مَعًا! لِذَلِكَ يَهْجُمُ عَلَيْهِمْ أَسَدٌ مِنَ الْغَابَةِ، وَذِئْبٌ مِنَ الصَّحْرَاءِ يَفْتَرِسُهُمْ، وَنِمْرٌ يَكْمُنُ بِالْقُرْبِ مِنْ مُدُنِهِمْ، لِيُمَزِّقَ كُلَّ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا، لِأَنَّ ذُنُوبَهُمْ كَثِيرَةٌ، وَارْتِدَادَهُمْ عَظِيمٌ. وَقَالَ اللهُ: ”لِمَاذَا أَصْفَحُ عَنْكِ؟ شَعْبُكِ تَرَكَنِي. يَحْلِفُونَ بِآلِهَةٍ كَاذِبَةٍ. أَشْبَعْتُهُمْ فَارْتَكَبُوا الْفُجُورَ وَتَزَاحَمُوا فِي بُيُوتِ الْعَاهِرَاتِ! كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُرِيدُ زَوْجَةَ رَجُلٍ آخَرَ، كَحِصَانٍ مَعْلُوفٍ شَهْوَانِيٍّ.“ فَالْمَوْلَى يَقُولُ: ”أَلَا أُعَاقِبُهُمْ عَلَى هَذَا؟ أَلَا أَنْتَقِمُ لِنَفْسِي مِنْ أُمَّةٍ كَهَذِهِ؟ ”اِذْهَبُوا إِلَى كُرُومِهَا وَاخْرِبُوهَا، وَلَكِنْ لَا تُفْنُوهَا تَمَامًا. اِنْزِعُوا أَغْصَانَهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ للهِ. فَقَدْ خَانَنِي بَيْتُ إِسْرَائِيلَ وَبَيْتُ يَهُوذَا.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. كَذَبُوا وَقَالُوا عَنِ اللهِ: ”لَنْ يَعْمَلَ شَيْئًا، فَلَنْ يُصِيبَنَا أَذًى وَلَنْ نَرَى حَرْبًا وَلَا جُوعًا. فَصَارَ الْأَنْبِيَاءُ كَالرِّيحِ، وَكَلِمَةُ اللهِ لَيْسَتْ فِيهِمْ، فَيَتِمُّ مَعَهُمْ مَا يَقُولُونَهُ.“ لِذَلِكَ يَقُولُ الْمَوْلَى الْإِلَهُ الْقَدِيرُ: ”بِمَا أَنَّكُمْ قُلْتُمْ هَذَا الْكَلَامَ، سَأَجْعَلُ كَلَامِي فِي فَمِكَ يَا إِرْمِيَا نَارًا، وَهَذَا الشَّعْبَ حَطَبًا فَتَأْكُلُهُمْ.“ وَيَقُولُ اللهُ: ”يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، سَأَجْلِبُ عَلَيْكُمْ أُمَّةً مِنْ بَعِيدٍ، أُمَّةً قَوِيَّةً قَدِيمَةً لَا تَعْرِفُونَ لُغَتَهَا وَلَا تَفْهَمُونَ كَلَامَهَا. أَسْلِحَتُهُمْ قَاتِلَةٌ، كُلُّهُمْ مُحَارِبُونَ أَبْطَالٌ. فَيَأْكُلُونَ حَصَادَكُمْ وَخُبْزَكُمْ، وَيَقْتُلُونَ بَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ، وَيَذْبَحُونَ غَنَمَكُمْ وَبَقَرَكُمْ، وَيُتْلِفُونَ كَرْمَكُمْ وَتِينَكُمْ، وَيُهْلِكُونَ بِالسَّيْفِ مُدُنَكُمُ الْحَصِينَةَ الَّتِي تَتَّكِلُونَ عَلَيْهَا. وَحَتَّى فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ لَا أُفْنِيكُمْ تَمَامًا.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”فَإِنْ قَالُوا لَكَ: ’لِمَاذَا صَنَعَ الْمَوْلَى إِلَهُنَا بِنَا كُلَّ هَذَا؟‘ قُلْ لَهُمْ: ’أَنْتُمْ تَرَكْتُمُ اللهَ وَعَبَدْتُمْ آلِهَةً غَرِيبَةً فِي بِلَادِكُمْ. فَالْآنَ تَعْبُدُونَ آلِهَةً غَرِيبَةً فِي بِلَادٍ غَيْرِ بِلَادِكُمْ!‘ فَأَعْلِنُوا هَذَا فِي بَيْتِ يَعْقُوبَ، وَنَادُوا بِهِ فِي يَهُوذَا وَقُولُوا: ’اِسْمَعْ هَذَا أَيُّهَا الشَّعْبُ الْجَاهِلُ الْغَبِيُّ، يَا مَنْ لَكُمْ عُيُونٌ وَلَا تَرَوْنَ، وَلَكُمْ آذَانٌ وَلَا تَسْمَعُونَ.‘ يَقُولُ اللهُ: ’لِمَاذَا لَا تَخَافُونِي؟ كَانَ يَجِبُ أَنْ تَرْتَعِدُوا فِي مَحْضَرِي، أَنَا الَّذِي جَعَلْتُ الرَّمْلَ حَدًّا لِلْبَحْرِ، حَاجِزًا أَبَدِيًّا لَا يَتَعَدَّاهُ. تَهِيجُ أَمْوَاجُهُ ثُمَّ تَعْجَزُ، تَثُورُ وَلَكِنَّهَا لَا تَتَجَاوَزُهُ. أَمَّا هَذَا الشَّعْبُ فَقَلْبُهُ عَنِيدٌ وَمُتَمَرِّدٌ. اِنْحَرَفُوا وَابْتَعَدُوا عَنِّي. وَلَمْ يَقُولُوا فِي قَلْبِهِمْ: ”يَجِبُ أَنْ نَخَافَ الْمَوْلَى إِلَهَنَا الَّذِي يُرْسِلُ مَطَرَ الْخَرِيفِ وَمَطَرَ الرَّبِيعِ فِي أَوَانِهِ، وَيُعْطِينَا مَوْسِمَ الْحَصَادِ فِي وَقْتِهِ.“ لَكِنَّ ذُنُوبَكُمْ مَنَعَتْ عَنْكُمْ هَذِهِ الْبَرَكَاتِ، وَخَطَايَاكُمْ حَرَمَتْكُمْ مِنَ الْخَيْرِ. ”’شَعْبِي فِيهِ أَشْرَارٌ يَكْمُنُونَ كَالصَّيَّادِينَ، وَيَنْصُبُونَ لِلنَّاسِ فَخًّا. اِمْتَلَأَتْ دِيَارُهُمْ مِنَ الْمَكْرِ، مِثْلُ قَفَصٍ مَمْلُوءٍ طُيُورًا، أَصْبَحُوا أَقْوِيَاءَ وَأَغْنِيَاءَ. سَمِنُوا وَتَنَعَّمُوا، شَرُّهُمْ زَادَ عَنِ الْحَدِّ، لَا يُدَافِعُونَ عَنِ الْيَتِيمِ فِي دَعْوَاهُ لِتَنْجَحَ، وَلَا يُحَامُونَ عَنْ حَقِّ الْمَسَاكِينِ.‘ لِذَلِكَ يَقُولُ اللهُ: ’فَهَلْ مَعَ كُلِّ هَذَا لَا أُعَاقِبُ؟ أَلَا أَنْتَقِمُ لِنَفْسِي مِنْ أُمَّةٍ كَهَذِهِ؟‘ ”حَدَثَتْ فِي بِلَادِنَا فَظَائِعُ رَهِيبَةٌ! الْأَنْبِيَاءُ يَتَنَبَّأُونَ بِالْكِذْبِ، وَالْأَحْبَارُ يَحْكُمُونَ كَمَا يَشَاءُونَ، وَشَعْبِي يُحِبُّ هَذَا الْوَضْعَ! فَمَاذَا تَعْمَلُونَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ؟ ”اُهْرُبُوا مِنَ الْقُدْسِ يَا بَنِي بِنْيَمِينَ! اُنْفُخُوا الْبُوقَ فِي تَقُوعَ! اِرْفَعُوا عَلَمَ الْإِنْذَارِ فَوْقَ بَيْتِ الْكَرْمِ! لِأَنَّ مُصِيبَةً قَادِمَةٌ مِنَ الشَّمَالِ وَبَلْوَى عَظِيمَةً. سَأُهْلِكُ الْقُدْسَ الْجَمِيلَةَ اللَّطِيفَةَ. فَيَأْتِي إِلَيْهَا الرُّعَاةُ مَعَ قُطْعَانِهِمْ، يَنْصُبُونَ خِيَامَهُمْ حَوْلَهَا، وَيَرْعَى كُلُّ وَاحِدٍ فِي نَصِيبِهِ. يَقُولُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ’اِسْتَعِدُّوا لِنُحَارِبَهَا، قُومُوا نَهْجُمُ عَلَيْهَا فِي الظُّهْرِ. وَلَكِنْ تَأَخَّرَ الْوَقْتُ، وَظِلَالُ الْمَسَاءِ صَارَتْ طَوِيلَةً. إِذَنْ قُومُوا نَهْجُمُ عَلَيْهَا فِي اللَّيْلِ، وَنَهْدِمُ حُصُونَهَا!‘“ قَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ”اِقْطَعُوا الشَّجَرَ، وَأَقِيمُوا حِصَارًا حَوْلَ الْقُدْسِ. فَهَذِهِ الْمَدِينَةُ تَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ لِأَنَّهَا مَلْآنَةٌ بِالظُّلْمِ. تَفِيضُ بِالشَّرِّ، كَالْبِئْرِ الَّتِي تَفِيضُ بِالْمَاءِ. أَسْمَعُ فِيهَا أَصْوَاتَ الْعُنْفِ وَالنَّهْبِ، وَأَرَى دَائِمًا أَمْرَاضًا وَجُرُوحًا. فَاحْذَرِي يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ، لِئَلَّا أَتْرُكَكِ وَأَجْعَلَ بِلَادَكِ خَرَابًا لَا يَسْكُنُ فِيهَا أَحَدٌ.“ قَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ”اِجْمَعُوا الَّذِينَ بَقَوْا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَمَا تَجْمَعُونَ آخِرَ حَبَّاتِ الْعِنَبِ مِنَ الْكَرْمَةِ. ثُمَّ ارْجِعُوا إِلَى كُلِّ غُصْنٍ مَرَّةً أُخْرَى كَمَنْ يَجْمَعُ الْعِنَبَ.“ مَنْ أُكَلِّمُ؟ وَمَنْ أُنْذِرُ؟ وَمَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيَّ؟ آذَانُهُمْ مُغْلَقَةٌ فَلَا يَسْمَعُونَ. وَصَارَتْ كَلِمَةُ اللهِ عَارًا لَهُمْ، فَلَا يُسَرُّونَ بِهَا. لِذَلِكَ امْتَلَأْتُ مِنْ غَضَبِ اللهِ، وَتَعِبْتُ مِنْ كَبْتِهِ. ”أَسْكُبُهُ عَلَى الْأَطْفَالِ الَّذِينَ فِي الشَّارِعِ، وَعَلَى الشُّبَّانِ الْمُجْتَمِعِينَ مَعًا. يَحِلُّ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَعَلَى الشَّيْخِ وَالْعَجُوزِ. تَصِيرُ بُيُوتُهُمْ لِآخَرِينَ، وَكَذَلِكَ حُقُولُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ. لِأَنِّي أَمُدُّ يَدِي وَأُعَاقِبُ شَعْبَ يَهُوذَا.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ، كُلُّ وَاحِدٍ مُولَعٌ بِالرِّبْحِ. وَمِنَ النَّبِيِّ إِلَى الْحَبْرِ كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ بِالْخِدَاعِ. يُعَالِجُونَ الْإِصَابَاتِ الَّتِي يُعَانِيهَا شَعْبِي بِاسْتِخْفَافٍ وَيَقُولُونَ: ’كُلُّ شَيْءٍ عَلَى مَا يُرَامُ.‘ بَيْنَمَا الْوَاقِعُ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ عَلَى مَا يُرَامُ. هَلْ خَجِلُوا لِأَنَّهُمُ ارْتَكَبُوا الْقَبَاحَةَ؟ لَا أَبَدًا! لَمْ يَخْجَلُوا وَلَمْ يَعْرِفُوا الْخَجَلَ. لِذَلِكَ يَسْقُطُونَ مَعَ السَّاقِطِينَ، وَحِينَ أُعَاقِبُهُمْ يُصْرَعُونَ. هَذَا كَلَامُ اللهِ.“ وَقَالَ اللهُ: ”قِفُوا عِنْدَ مُفْتَرَقِ الطُّرُقِ وَانْظُرُوا. اِسْأَلُوا عَنِ الطَّرِيقِ الْقَدِيمَةِ، عَنِ الطَّرِيقِ الصَّالِحَةِ، وَسِيرُوا فِيهَا فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. لَكِنَّكُمْ قُلْتُمْ: ’لَا نَسِيرُ فِيهَا.‘ أَقَمْتُ لَكُمْ حُرَّاسًا، وَقُلْتُ لَهُمْ أَنْ يُصْغُوا لِصَوْتِ الْبُوقِ. فَقَالُوا: ’لَا نُصْغِي.‘ لِذَلِكَ اسْمَعُوا أَيُّهَا الْأُمَمُ، اِنْتَبِهُوا أَيُّهَا الشُّهُودُ، لَاحِظُوا مَا سَأَعْمَلُهُ بِشَعْبِ يَهُوذَا. اِسْمَعِي أَيَّتُهَا الْأَرْضُ، إِنِّي أَجْلِبُ مُصِيبَةً عَلَى هَذَا الشَّعْبِ جَزَاءَ مُؤَامَرَاتِهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا كَلَامِي، وَرَفَضُوا شَرِيعَتِي. أَنَا لَا يَهُمُّنِي إِنْ أَحْضَرْتُمُ الْبَخُورَ لِي مِنْ شَبَا، وَالْأَطْيَابَ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ. أَنَا لَا أَقْبَلُ قَرَابِينَكُمْ، وَضَحَايَاكُمْ لَا تَسُرُّنِي.“ لِذَلِكَ هَذَا كَلَامُ اللهِ: ”أَضَعُ عَقَبَاتٍ فِي طَرِيقِ هَذَا الشَّعْبِ، فَيَعْثُرُ بِهَا الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ مَعًا، وَيَهْلِكُ الْجِيرَانُ وَالْأَصْحَابُ.“ وَهَذَا كَلَامُ اللهِ: ”اُنْظُرُوا! هَذَا جَيْشٌ قَادِمٌ مِنْ أَرْضِ الشَّمَالِ، أُمَّةٌ عَظِيمَةٌ قَامَتْ مِنْ آخِرِ الْأَرْضِ. مُسَلَّحُونَ بِأَقْوَاسٍ وَرِمَاحٍ، هُمْ قُسَاةٌ لَا يَرْحَمُونَ. صَوْتُهُمْ كَالْبَحْرِ الْهَائِجِ، وَعَلَى خَيْلٍ يَرْكَبُونَ. يَصْطَفُّونَ مَعًا لِيُحَارِبُوكِ يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ.“ سَمِعْنَا خَبَرَهُمْ فَانْهَارَتْ عَزِيمَتُنَا. أَصَابَنَا ضِيقٌ وَأَلَمٌ كَامْرَأَةٍ تَلِدُ. لَا تَخْرُجُوا إِلَى الْحَقْلِ، وَلَا تَمْشُوا فِي الطَّرِيقِ، لِأَنَّ الْعَدُوَّ مَعَهُ سَيْفٌ، وَيَنْشُرُ الرُّعْبَ فِي كُلِّ مَكَانٍ. اِلْبَسُوا الْخَيْشَ يَا شَعْبِي، وَتَمَرَّغُوا فِي الرَّمَادِ، اُصْرُخُوا صُرَاخًا مُرًّا كَمَا عَلَى مَوْتِ ابْنٍ وَحِيدٍ. لِأَنَّ الْمُهْلِكَ يَأْتِي عَلَيْنَا فَجْأَةً. ”وَأَنَا جَعَلْتُكَ يَا إِرْمِيَا كَالْعَامِلِ الَّذِي يَمْتَحِنُ الْمَعْدِنَ، وَشَعْبِي هُوَ الْمَعْدِنُ. لِكَيْ تَعْرِفَ وَتَمْتَحِنَ سُلُوكَهُمْ. هُمْ كَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ. كُلُّهُمْ عُصَاةٌ وَمُتَمَرِّدُونَ وَمُفْتَرُونَ وَفَاسِدُونَ. يَحْتَرِقُ الْمِنْفَاخُ، وَيَفْنَى الرَّصَاصُ مِنْ شِدَّةِ النَّارِ، وَبِلَا فَائِدَةٍ يَتْعَبُ الَّذِي يُنَقِّي، وَالْأَشْرَارُ لَا يَتَنَقَّوْنَ. يُدْعَوْنَ فِضَّةً مَرْفُوضَةً، لِأَنَّ اللهَ رَفَضَهُمْ.“ الْكَلَامُ الَّذِي أَوْحَى بِهِ اللهُ لِإِرْمِيَا. ”قِفْ فِي بَابِ بَيْتِ اللهِ وَأَعْلِنْ هَذِهِ الرِّسَالَةَ هُنَاكَ: ’اِسْمَعُوا كَلِمَةَ اللهِ يَا كُلَّ شَعْبِ يَهُوذَا، الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ لِيَعْبُدُوا اللهَ. فَالْمَوْلَى الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ، أَصْلِحُوا طُرُقَكُمْ وَأَعْمَالَكُمْ فَأَجْعَلَكُمْ تَسْكُنُونَ فِي هَذَا الْمَكَانِ. لَا تَتَّكِلُوا عَلَى كَلَامِ الْكِذْبِ وَتَقُولُوا: ”هَذَا بَيْتُ اللهِ، بَيْتُ اللهِ، بَيْتُ اللهِ!“ بَلْ أَصْلِحُوا طُرُقَكُمْ وَأَعْمَالَكُمْ فِعْلًا، وَاصْنَعُوا الْعَدْلَ، الْوَاحِدُ مَعَ الْآخَرِ. وَلَا تَظْلِمُوا الْغَرِيبَ وَالْيَتِيمَ وَالْأَرْمَلَةَ، وَلَا تَسْفِكُوا دَمَ الْأَبْرِيَاءِ فِي هَذَا الْمَكَانِ، وَلَا تَتْبَعُوا آلِهَةً أُخْرَى تُسَبِّبُ لَكُمُ الْهَلَاكَ. بِذَلِكَ أَجْعَلُكُمْ تَسْكُنُونَ إِلَى الْأَبَدِ فِي هَذَا الْمَكَانِ، فِي الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لِآبَائِكُمْ مُنْذُ الْقَدِيمِ. وَلَكِنَّكُمْ تَتَّكِلُونَ عَلَى كَلَامِ الْكِذْبِ الَّذِي لَا يَنْفَعُ. ”’أَنْتُمْ تَسْرِقُونَ وَتَقْتُلُونَ وَتَزْنُونَ وَتَحْلِفُونَ كِذْبًا، وَتَحْرِقُونَ الْبَخُورَ لِلْبَعْلِ، وَتَتْبَعُونَ آلِهَةً أُخْرَى لَمْ تَعْرِفُوهَا، ثُمَّ تَأْتُونَ وَتَقِفُونَ أَمَامِي فِي هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي اخْتَرْتُهُ لِعِبَادَتِي، وَتَقُولُونَ: ”نَحْنُ فِي أَمَانٍ“ مَعَ أَنَّكُمْ تَعْمَلُونَ كُلَّ هَذِهِ الْأُمُورِ الْقَبِيحَةِ. هَذَا الْبَيْتُ الَّذِي اخْتَرْتُهُ لِعِبَادَتِي، هَلْ صَارَ مَغَارَةَ لُصُوصٍ فِي نَظَرِكُمْ؟ أَنَا رَأَيْتُ كُلَّ هَذَا، يَقُولُ الْمَوْلَى. ”’اِذْهَبُوا إِلَى شِيلُوهَ، الْمَكَانِ الَّذِي اخْتَرْتُهُ فِي الْأَوَّلِ لِعِبَادَتِي، وَانْظُرُوا مَا فَعَلْتُ بِهِ، بِسَبَبِ شَرِّ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ. وَيَقُولُ الْمَوْلَى، بِمَا أَنَّكُمْ عَمِلْتُمْ كُلَّ هَذِهِ الْأَعْمَالِ، وَأَنَا كَلَّمْتُكُمْ وَحَذَّرْتُكُمْ فَلَمْ تَسْمَعُوا، وَدَعَوْتُكُمْ فَلَمْ تَرُدُّوا، لِذَلِكَ فَإِنَّ مَا فَعَلْتُهُ بِشِيلُوهَ، أَفْعَلُهُ بِالْبَيْتِ الَّذِي اخْتَرْتُهُ لِعِبَادَتِي وَالَّذِي تَتَّكِلُونَ عَلَيْهِ، وَبِالْمَكَانِ الَّذِي أَعْطَيْتُهُ لَكُمْ وَلِآبَائِكُمْ. وَأَطْرُدُكُمْ مِنْ مَحْضَرِي، كَمَا طَرَدْتُ كُلَّ إِخْوَتِكُمْ شَعْبِ أَفْرَايِمَ.‘ ”وَأَنْتَ يَا إِرْمِيَا، لَا تَبْتَهِلْ مِنْ أَجْلِ هَذَا الشَّعْبِ، وَلَا تَرْفَعْ لِأَجْلِهِمْ دُعَاءً وَلَا طَلَبًا، وَلَا تَتَضَرَّعْ إِلَيَّ لِأَنِّي لَنْ أَسْمَعَكَ. أَلَا تَرَى مَا يَعْمَلُونَ فِي مُدُنِ يَهُوذَا وَشَوَارِعِ الْقُدْسِ؟ الْأَوْلَادُ يَجْمَعُونَ الْحَطَبَ، وَالْآبَاءُ يُشْعِلُونَ النَّارَ، وَالنِّسَاءُ يَعْجِنَّ الدَّقِيقَ، لِيَصْنَعُوا كَعْكًا يُقَدِّمُونَهُ لِمَلِكَةِ السَّمَاءِ، وَيَسْكُبُونَ قُرْبَانَ شَرَابٍ لِآلِهَةٍ أُخْرَى لِكَيْ يَغِيظُونِي.“ وَيَقُولُ الْمَوْلَى: ”هَلْ هُمْ يَغِيظُونِي أَنَا؟ بَلْ إِنَّهُمْ يَضُرُّونَ أَنْفُسَهُمْ وَيَجْلِبُونَ الْعَارَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ.“ لِذَلِكَ يَقُولُ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: ”يَنْصَبُّ غَضَبِي وَغَيْظِي عَلَى هَذَا الْمَكَانِ، عَلَى النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ، وَعَلَى شَجَرِ الْحَقْلِ وَثَمَرِ الْأَرْضِ. فَيَشْتَعِلُ غَضَبِي وَلَا يَنْطَفِئُ.“ فَالْمَوْلَى الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ: ”هَاتُوا قَرَابِينَكُمْ، وَأَضِيفُوهَا إِلَى ضَحَايَاكُمْ، وَكُلُوا لَحْمَهَا! أَنَا لَمَّا أَخْرَجْتُ آبَاءَكُمْ مِنْ مِصْرَ، لَمْ أُكَلِّمْهُمْ بِشَأْنِ قُرْبَانٍ أَوْ ضَحِيَّةٍ، وَلَا أَمَرْتُهُمْ بِذَلِكَ. إِنَّمَا أَمَرْتُهُمْ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ، قُلْتُ لَهُمْ: ’أَطِيعُونِي، فَأَكُونَ إِلَهَكُمْ وَتَكُونُوا شَعْبِي. وَسِيرُوا فِي كُلِّ الطَّرِيقِ الَّذِي أُوصِيكُمْ بِهِ لِكَيْ تَنْجَحُوا.‘ لَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يَنْتَبِهُوا، بَلِ انْسَاقُوا إِلَى مُيُولِ قَلْبِهِمِ الْعَنِيدِ الشِّرِّيرِ، وَأَدَارُوا لِي ظَهْرَهُمْ لَا وَجْهَهُمْ. وَمُنْذُ خَرَجَ آبَاؤُكُمْ مِنْ مِصْرَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ، وَأَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ عَبِيدِيَ الْأَنْبِيَاءَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَبِلَا انْقِطَاعٍ. وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا لِي وَلَمْ يَنْتَبِهُوا، بَلْ عَانَدُوا، وَارْتَكَبُوا الشَّرَّ أَكْثَرَ مِنْ آبَائِهِمْ. ”وَأَنْتَ حِينَ تَقُولُ لَهُمْ كُلَّ هَذَا الْكَلَامِ لَنْ يَسْمَعُوا لَكَ، وَحِينَ تَدْعُوهُمْ لَنْ يَرُدُّوا عَلَيْكَ. لِذَلِكَ قُلْ لَهُمْ: ’أَنْتُمُ الْأُمَّةُ الَّتِي رَفَضَتْ أَنْ تُطِيعَ الْمَوْلَى إِلَهَهَا. وَلَمْ تَقْبَلِ التَّأْدِيبَ. رَاحَ الْحَقُّ وَاخْتَفَى مِنْ عَلَى فَمِهِمْ.‘ ”جُزِّي شَعْرَكِ وَارْمِيهِ، وَانْدُبِي عَلَى الْهِضَابِ، لِأَنَّ اللهَ رَفَضَ هَذَا الشَّعْبَ وَتَرَكَهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ.“ يَقُولُ اللهُ: ”إِنَّ شَعْبَ يَهُوذَا عَمِلُوا مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِي. وَضَعُوا أَصْنَامَهُمُ الْقَبِيحَةَ فِي الْبَيْتِ الَّذِي اخْتَرْتُهُ لِعِبَادَتِي وَنَجَّسُوهُ. وَبَنَوْا أَمَاكِنَ عِبَادَةٍ فِي حُفْرَةِ النَّارِ الَّتِي فِي وَادِي ابْنِ هِنُّومَ. وَأَحْرَقُوا بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ بِالنَّارِ، وَهُوَ مَا لَمْ أَطْلُبْهُ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِي أَبَدًا.“ لِذَلِكَ يَقُولُ اللهُ: ”اِحْذَرُوا! فَهَذَا الْمَكَانُ سَتَأْتِي عَلَيْهِ أَيَّامٌ لَا يُدْعَى فِيهَا حُفْرَةَ النَّارِ وَلَا وَادِي ابْنِ هِنُّومَ، بَلْ وَادِي الْقَتْلِ! لِأَنَّهُمْ سَيَدْفِنُونَ الْمَوْتَى فِي حُفْرَةِ النَّارِ، حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهَا مَكَانٌ لِآخَرَ. وَتَصِيرُ جُثَثُ هَذَا الشَّعْبِ طَعَامًا لِطُيُورِ السَّمَاءِ وَوُحُوشِ الْأَرْضِ وَلَا يَزْجُرُهَا أَحَدٌ. وَأُبَطِّلُ مِنْ مُدُنِ يَهُوذَا وَمِنْ شَوَارِعِ الْقُدْسِ صَوْتَ الطَّرَبِ وَصَوْتَ الْفَرَحِ، صَوْتَ الْعَرِيسِ وَصَوْتَ الْعَرُوسَةِ، لِأَنَّ الْأَرْضَ تَصِيرُ خَرَابًا.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ: ”فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، يَنْبُشُونَ مِنَ الْقُبُورِ عِظَامَ مُلُوكِ يَهُوذَا وَرُؤَسَائِهَا وَأَحْبَارِهَا وَأَنْبِيَائِهَا وَعِظَامَ سُكَّانِ الْقُدْسِ، وَيَنْشُرُونَهَا عَلَى الْأَرْضِ وَتَكُونُ مُعَرَّضَةً لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَكُلِّ نُجُومِ السَّمَاءِ الَّتِي أَحَبُّوهَا وَعَبَدُوهَا وَتَبِعُوهَا وَاسْتَشَارُوهَا وَسَجَدُوا لَهَا. فَلَا تُجْمَعُ وَلَا تُدْفَنُ، بَلْ تَكُونُ زِبَالَةً عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. وَكُلُّ الَّذِينَ يَبْقَوْنَ أَحْيَاءً مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الشِّرِّيرَةِ، يُفَضِّلُونَ الْمَوْتَ عَلَى الْحَيَاةِ، فِي كُلِّ الْأَمَاكِنِ الَّتِي أَطْرُدُهُمْ إِلَيْهَا. هَذَا كَلَامُ اللهِ الْقَدِيرِ. ”قُلْ لِشَعْبِ يَهُوذَا: ’هَذَا كَلَامُ اللهِ، هَلْ يَسْقُطُ الْوَاحِدُ وَلَا يَقُومُ؟ أَوْ يَرْتَدُّ وَلَا يَتُوبُ؟ فَلِمَاذَا ارْتَدَّ شَعْبُ الْقُدْسِ وَلَمْ يَتُوبُوا؟ تَمَسَّكُوا بِالْخِدَاعِ وَرَفَضُوا أَنْ يَرْجِعُوا. أَصْغَيْتُ وَسَمِعْتُ، لَا يَقُولُونَ الْحَقَّ. وَلَا وَاحِدٌ يَتُوبُ عَنْ شَرِّهِ وَيَعْتَرِفُ بِمَا ارْتَكَبَ. كُلُّ وَاحِدٍ يَمْضِي فِي طَرِيقِهِ كَفَرَسٍ يَنْدَفِعُ فِي الْمَعْرَكَةِ. حَتَّى اللَّقْلَقُ فِي السَّمَاءِ يَعْرِفُ مَوَاعِيدَهُ، وَالْيَمَامُ وَالْعَصَافِيرُ الْمُزَقْزِقَةُ تُرَاعِي وَقْتَ رُجُوعِهَا. أَمَّا شَعْبِي فَلَا يَعْرِفُ مَا يَطْلُبُهُ اللهُ. ”’كَيْفَ تَقُولُونَ: ”نَحْنُ حُكَمَاءُ، وَشَرِيعَةُ اللهِ مَعَنَا“؟ بَيْنَمَا قَلَمُ الْكَاتِبِ يَكْذِبُ وَيُحَوِّلُهَا إِلَى كِذْبٍ! الْحُكَمَاءُ يَخْجَلُونَ وَيَفْزَعُونَ وَيَقَعُونَ فِي الْفَخِّ، هُمْ رَفَضُوا أَنْ يَسْمَعُوا كَلِمَةَ اللهِ، فَأَيْنَ حِكْمَتُهُمْ؟ لِذَلِكَ أُعْطِي نِسَاءَهُمْ لِآخَرِينَ، وَحُقُولَهُمْ لِقَاهِرِينَ، لِأَنَّهُمْ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ، كُلُّ وَاحِدٍ مُولَعٌ بِالرِّبْحِ. وَمِنَ النَّبِيِّ إِلَى الْحَبْرِ، كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ بِالْخِدَاعِ. يُعَالِجُونَ الْإِصَابَاتِ الَّتِي يُعَانِيهَا شَعْبِي بِاسْتِخْفَافٍ، وَيَقُولُونَ: ”كُلُّ شَيْءٍ عَلَى مَا يُرَامُ.“ بَيْنَمَا الْوَاقِعُ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ عَلَى مَا يُرَامُ. هَلْ خَجِلُوا لِأَنَّهُمُ ارْتَكَبُوا الْقَبَاحَةَ؟ لَا، أَبَدًا! لَمْ يَخْجَلُوا وَلَمْ يَعْرِفُوا الْخَجَلَ. لِذَلِكَ يَسْقُطُونَ مَعَ السَّاقِطِينَ، وَفِي وَقْتِ الْعِقَابِ يُصْرَعُونَ. هَذَا كَلَامُ اللهِ.‘“ يَقُولُ اللهُ: ”آخُذُ مِنْهُمْ مَحْصُولَهُمْ. فَلَا يَكُونُ عِنَبٌ فِي الْكَرْمَةِ، وَلَا تِينٌ فِي التِّينَةِ، وَالْوَرَقُ يَذْبُلُ، وَكُلُّ مَا أَعْطَيْتُهُ لَهُمْ يَزُولُ عَنْهُمْ.“ ”فَلِمَاذَا نَنْتَظِرُ هُنَا؟ اِجْتَمِعُوا مَعًا وَتَعَالَوْا نَهْرُبُ إِلَى الْمُدُنِ الْحَصِينَةِ، وَنَهْلِكُ هُنَاكَ! لِأَنَّ الْمَوْلَى إِلَهَنَا قَضَى عَلَيْنَا بِالْهَلَاكِ، وَأَعْطَانَا مَاءً مَسْمُومًا لِنَشْرَبَهُ، لِأَنَّنَا أَخْطَأْنَا فِي حَقِّهِ. اِنْتَظَرْنَا الْفَلَاحَ، فَلَمْ يَأْتِنَا أَيُّ خَيْرٍ. اِنْتَظَرْنَا وَقْتَ الشِّفَاءِ، فَجَاءَ عَلَيْنَا رُعْبٌ. صَوْتُ خَيْلِ الْعَدُوِّ يُسْمَعُ مِنْ بِلَادِ دَانَ، كُلُّ الْأَرْضِ تَرْتَجِفُ مِنْ صَهِيلِ أَحْصِنَتِهِ. جَاءُوا لِيُهْلِكُوا الْأَرْضَ بِمَا فِيهَا، وَالْمَدِينَةَ وَسُكَّانَهَا.“ وَيَقُولُ اللهُ: ”سَأُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَيَّاتٍ سَامَّةً، لَا يَنْفَعُ فِيهَا الْحَاوِي فَتَلْدَغُكُمْ.“ هَلْ يُوجَدُ عَزَاءٌ لِحُزْنِي؟ قَلْبِي مَرِيضٌ فِيَّ. أَسْمَعُ صَوْتَ شَعْبِي مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ، يَسْتَغِيثُونَ وَيَقُولُونَ: ”هَلْ تَرَكَ اللهُ الْقُدْسَ؟ هَلْ مَلِكُهَا هَجَرَهَا؟“ ”لِمَاذَا غَاظُونِي بِتَمَاثِيلِهِمْ، وَبِأَصْنَامِهِمِ التَّافِهَةِ الْغَرِيبَةِ؟“ ”جَاءَ الْحَصَادُ ثُمَّ انْتَهَى، وَحَلَّ الصَّيْفُ ثُمَّ مَضَى، وَلَمْ تَأْتِ إِلَيْنَا النَّجَاةُ!“ اِنْسَحَقْتُ لِأَنَّ شَعْبِيَ انْسَحَقَ، حَزِنْتُ وَارْتَعَبْتُ جِدًّا. أَلَا يُوجَدُ بَلْسَمٌ فِي جِلْعَادَ؟ أَلَا يُوجَدُ فِيهَا طَبِيبٌ؟ فَلِمَاذَا لَمْ تُضَمَّدْ جُرُوحُ شَعْبِي؟ لَيْتَ رَأْسِي جَدْوَلُ مَاءٍ، وَعَيْنَيَّ يَنْبُوعُ دُمُوعٍ، فَأَبْكِيَ نَهَارًا وَلَيْلًا عَلَى قَتْلَى شَعْبِي! لَيْتَنِي أَجِدُ فِي الصَّحْرَاءِ مَكَانًا أَبِيتُ فِيهِ، فَأَتْرُكَ شَعْبِي وَأَهْجُرَهُمْ، لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ زُنَاةٌ وَجَمَاعَةُ خَوَنَةٍ. ”لِسَانُهُمْ قَوْسٌ مُسْتَعِدٌّ لِإِطْلَاقِ الْكِذْبِ. لَا يَنْصُرُونَ الْحَقَّ فِي الْبِلَادِ، وَيَنْحَدِرُونَ مِنْ شَرٍّ إِلَى شَرٍّ، وَلَا يَعْرِفُونِي.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”اِحْذَرُوا مِنْ أَصْحَابِكُمْ، وَلَا تَتَّكِلُوا عَلَى إِخْوَتِكُمْ، لِأَنَّ كُلَّ أَخٍ يَخْدَعُ، وَكُلَّ صَاحِبٍ يَفْتَرِي. كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَخْدَعُ صَاحِبَهُ، وَلَا وَاحِدٌ يَقُولُ الْحَقَّ. عَلَّمُوا أَلْسِنَتَهُمْ أَنْ تَقُولَ الْكِذْبَ، تَعِبُوا مِنِ ارْتِكَابِ الشَّرِّ. كُلُّ وَاحِدٍ يَخْدَعُ كُلَّ وَاحِدٍ، وَرَفَضُوا أَنْ يَعْرِفُونِي.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. فَهَذَا كَلَامُ اللهِ الْقَدِيرِ: ”أُنَقِّيهِمْ وَأَمْتَحِنُهُمْ. لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ حَلٌّ آخَرُ مَعَ شَعْبِي. لِسَانُهُمْ سَهْمٌ قَاتِلٌ. يَتَكَلَّمُ بِالْغِشِّ. يَقُولُ الْوَاحِدُ لِصَاحِبِهِ: ’سَلَامٌ.‘ وَفِي قَلْبِهِ يَنْصُبُ لَهُ فَخًّا.“ وَيَقُولُ اللهُ: ”أَلَا أُعَاقِبُهُمْ عَلَى هَذَا؟ أَلَا أَنْتَقِمُ لِنَفْسِي مِنْ أُمَّةٍ كَهَذِهِ؟“ أَبْكِي وَأَصْرُخُ لِمَا جَرَى لِلْجِبَالِ، أَنْدُبُ لِمَا حَدَثَ لِلْمَرَاعِي الْمَهْجُورَةِ. صَارَتْ مُوحِشَةً لَا أَحَدَ يَعْبُرُ فِيهَا، وَلَا يُسْمَعُ فِيهَا صَوْتُ الْمَاشِيَةِ. هَرَبَتْ طُيُورُ السَّمَاءِ، وَالْبَهَائِمُ مَضَتْ. ”وَسَأَجْعَلُ الْقُدْسَ كُومًا مِنَ الْخَرَائِبِ وَمَأْوًى لِلذِّئَابِ، وَمُدُنُ يَهُوذَا أَجْعَلُهَا خَرَابًا لَا يَسْكُنُ فِيهَا أَحَدٌ.“ مَنْ هُوَ الْحَكِيمُ الَّذِي يَفْهَمُ هَذِهِ الْأُمُورَ؟ وَمَنْ كَلَّمَهُ اللهُ فَيُخْبِرَنَا بِهَا؟ لِمَاذَا خَرِبَتِ الْبِلَادُ وَأَوْحَشَتْ كَصَحْرَاءَ لَا يَعْبُرُ فِيهَا أَحَدٌ؟ فَقَالَ اللهُ: ”لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا شَرِيعَتِيَ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لَهُمْ، وَلَمْ يُطِيعُونِي، وَلَمْ يَعْمَلُوا بِهَا. بَلِ انْسَاقُوا إِلَى قَلْبِهِمِ الْعَنِيدِ، وَتَبِعُوا الْبَعْلَ، كَمَا عَلَّمَهُمْ آبَاؤُهُمْ.“ لِذَلِكَ قَالَ اللهُ الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ”سَأُطْعِمُ هَذَا الشَّعْبَ طَعَامًا مُرًّا، وَأَسْقِيهِمْ مَاءً مَسْمُومًا. وَأُشَتِّتُهُمْ فِي أُمَمٍ لَا يَعْرِفُونَهَا وَلَا عَرَفَهَا آبَاؤُهُمْ، وَأُطَارِدُهُمْ بِالسَّيْفِ حَتَّى أُفْنِيَهُمْ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ الْقَدِيرِ: ”تَأَمَّلُوا فِي هَذَا، وَاسْتَدْعُوا النَّادِبَاتِ لِيَأْتِينَ، أَرْسِلُوا إِلَى الْمَاهِرَاتِ مِنْهُنَّ، لِيُقْبِلْنَ بِسُرْعَةٍ وَيَصْرُخْنَ عَلَيْنَا، فَتَسِيلَ عُيُونُنَا بِالدُّمُوعِ، وَيَفِيضَ الْمَاءُ مِنْ جُفُونِنَا. سُمِعَ صَوْتُ الصُّرَاخِ حَتَّى مِنْ مَدِينَةِ الْقُدْسِ: ’هَلَكْنَا! يَا لِلْعَارِ! وَلَا بُدَّ أَنْ نَتْرُكَ أَرْضَنَا، لِأَنَّهُمْ هَدَمُوا دِيَارَنَا.‘“ فَاسْمَعْنَ أَيَّتُهَا النِّسَاءُ كَلِمَةَ اللهِ، اِفْتَحْنَ آذَانَكُنَّ لِلْكَلَامِ الَّذِي يَقُولُهُ، وَعَلِّمْنَ بَنَاتِكُنَّ الصُّرَاخَ، وَصَاحِبَاتِكُنَّ الرِّثَاءَ. طَلَعَ الْمَوْتُ إِلَى نَوَافِذِنَا، دَخَلَ قُصُورَنَا، قَطَعَ الْأَطْفَالَ مِنَ الشَّوَارِعِ، وَالشُّبَّانَ مِنَ السَّاحَاتِ. قُلْ: ”هَذَا كَلَامُ اللهِ، تَقَعُ جُثَثُ النَّاسِ وَتَبْقَى كَالزِّبَالَةِ عَلَى وَجْهِ الْحَقْلِ، أَوْ كَأَنَّهَا حُزَمٌ تَرَكَهَا الْحَاصِدُ وَرَاءَهُ وَلَا مَنْ يَجْمَعُهَا.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ: ”لَا يَفْتَخِرِ الْحَكِيمُ بِحِكْمَتِهِ، وَلَا الْقَوِيُّ بِقُوَّتِهِ، وَلَا الْغَنِيُّ بِغِنَاهُ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَفْتَخِرَ، فَلْيَفْتَخِرْ بِأَنَّهُ يَفْهَمُ وَيَعْرِفُنِي، وَبِأَنِّي أَنَا اللهُ رَحِيمٌ وَعَادِلٌ وَأَعْمَلُ الصَّلَاحَ فِي الْأَرْضِ. فَهَذَا الِافْتِخَارُ يُفَرِّحُنِي“ يَقُولُ اللهُ. ”سَتَأْتِي أَيَّامٌ“ يَقُولُ اللهُ، ”أُعَاقِبُ فِيهَا كُلَّ مَخْتُونٍ وَغَيْرِ مَخْتُونٍ: مِصْرَ وَيَهُوذَا وَأَدُومَ وَعَمُّونَ وَمُوآبَ، وَأَهْلَ الْبَادِيَةِ الَّذِينَ يَقُصُّونَ شَعْرَهُمْ بِشَكْلٍ مُسْتَدِيرٍ. لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْأُمَمَ هُمْ غَيْرُ مَخْتُونِينَ أَمَّا كُلُّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ فَقُلُوبُهُمْ قَاسِيَةٌ.“ اِسْمَعُوا مَا يَقُولُهُ اللهُ لَكُمْ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ. إِنَّهُ يَقُولُ: ”لَا تَعْمَلُوا كَالْأُمَمِ الْأُخْرَى، وَلَا تَخَافُوا مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي تَحْدُثُ فِي السَّمَاءِ، كَمَا تَخَافُ مِنْهَا تِلْكَ الْأُمَمُ، لِأَنَّ أَدْيَانَ الْأُمَمِ لَا تَنْفَعُ، فَهُمْ يَقْطَعُونَ شَجَرَةً مِنَ الْغَابَةِ، وَيُشَكِّلُهَا النَّجَّارُ تِمْثَالًا بِالْإِزْمِيلِ. ثُمَّ يُزَيِّنُونَهُ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ، وَيُثَبِّتُونَهُ بِالْمَسَامِيرِ وَالْمِطْرَقَةِ لِئَلَّا يَنْكَفِئَ. هِيَ تَمَاثِيلُ كَالَّتِي تُوضَعُ فِي الْحَقْلِ لِتَخْوِيفِ الطُّيُورِ. فَهِيَ لَا تَتَكَلَّمُ، وَيَحْمِلُونَهَا لِأَنَّهَا لَا تَمْشِي. فَلَا تَخَافُوهَا لِأَنَّهَا لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ.“ لَا مَثِيلَ لَكَ يَا رَبُّ! عَظِيمٌ أَنْتَ، وَعَظِيمٌ اسْمُكَ فِي الْقُوَّةِ! مَنْ لَا يَخَافُكَ يَا مَلِكَ الشُّعُوبِ؟ أَنْتَ تَسْتَحِقُّ أَنْ يَخَافَكَ الْكُلُّ. وَلَا وَاحِدٌ مِثْلَكَ بَيْنَ كُلِّ الْحُكَمَاءِ وَكُلِّ الْمُلُوكِ فِي كُلِّ الشُّعُوبِ. كُلُّهُمْ أَغْبِيَاءُ وَجَهَلَةٌ، تُعَلِّمُهُمْ أَصْنَامٌ تَافِهَةٌ مِنَ الْخَشَبِ. يُحْضِرُونَ الْفِضَّةَ الْمَطْرُوقَةَ مِنْ تَرْشِيشَ، وَالذَّهَبَ مِنْ أُوفَازَ. يَعْمَلُهَا الصَّانِعُ وَالصَّائِغُ، ثُمَّ يُلْبِسُونَهَا مَلَابِسَ زَرْقَاءَ وَبَنَفْسَجِيَّةً، صَنَعَهَا عُمَّالٌ مَهَرَةٌ. أَمَّا الْمَوْلَى فَهُوَ الْإِلَهُ الْحَقُّ. هُوَ الْإِلَهُ الْحَيُّ وَالْمَلِكُ الْأَبَدِيُّ. مِنْ غَضَبِهِ تَرْتَعِشُ الْأَرْضُ، وَالْأُمَمُ لَا تَحْتَمِلُ غَيْظَهُ. إِذَنْ قُولُوا لَهُمْ: ”هَذِهِ الْآلِهَةُ الَّتِي لَمْ تَصْنَعِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، تَبِيدُ مِنَ الْأَرْضِ وَمِنْ تَحْتِ السَّمَاوَاتِ. أَمَّا اللهُ فَهُوَ الَّذِي صَنَعَ الْأَرْضَ بِقُوَّتِهِ، وَأَسَّسَ الْعَالَمَ بِحِكْمَتِهِ، وَبَسَطَ السَّمَاوَاتِ بِفَهْمِهِ. يُرْعِدُ فَيُدَوِّي صَوْتُ الْمِيَاهِ فِي السَّمَاءِ، يُصْعِدُ السَّحَابَ فِي أَنْحَاءِ الْأَرْضِ، يُرْسِلُ الْبَرْقَ مَعَ الْمَطَرِ، وَيُخْرِجُ الرِّيَاحَ مِنْ مَخَازِنِهِ. ”كُلُّ وَاحِدٍ غَبِيٌّ لَا يَعْرِفُ شَيْئًا. كُلُّ صَائِغٍ يَخْجَلُ مِنْ أَصْنَامِهِ، لِأَنَّهَا تَمَاثِيلُ كَاذِبَةٌ، بِلَا حَيَاةٍ. لَا تَنْفَعُ، بَلْ هِيَ أَشْيَاءُ مُضْحِكَةٌ، وَفِي وَقْتِ الْعِقَابِ تَبِيدُ. أَمَّا اللهُ نَصِيبُ يَعْقُوبَ، فَلَيْسَ كَهَذِهِ الْأَصْنَامِ. بَلْ هُوَ صَانِعُ الْكُلِّ، وَاخْتَارَ بَنِي إِسْرَائِيلَ شَعْبًا لَهُ، وَاسْمُهُ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ.“ اِجْمَعِي كُلَّ مَا عِنْدَكِ وَاسْتَعِدِّي لِلرَّحِيلِ مِنَ الْبِلَادِ، أَيَّتُهَا الْمُقِيمَةُ تَحْتَ الْحِصَارِ. لِأَنَّ اللهَ قَالَ: ”هَذِهِ الْمَرَّةَ، أَقْذِفُ سُكَّانَ هَذِهِ الْبِلَادِ بَعِيدًا، وَأَجْلِبُ عَلَيْهِمُ الضِّيقَ حَتَّى يَشْعُرُوا بِهِ.“ وَيْلٌ لِي لِأَنِّي انْسَحَقْتُ، جُرْحِي عَدِيمُ الشِّفَاءِ! لَكِنِّي قُلْتُ فِي نَفْسِي: ”هَذَا مَرَضِي وَيَجِبُ أَنْ أَحْتَمِلَهُ.“ دَارِي خَرِبَتْ وَانْهَدَمَتْ مِنْ أَسَاسِهَا، أَوْلَادِي تَرَكُونِي وَذَهَبُوا. وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ يُقِيمُ دَارِي وَيَبْنِي مَسْكَنِي. رُعَاةُ الشَّعْبِ أَغْبِيَاءُ، لَا يَسْتَشِيرُونَ اللهَ. لِذَلِكَ لَمْ يَنْجَحُوا، وَكُلُّ قَطِيعِهِمْ تَبَدَّدَ. اِسْمَعُوا! جَاءَ خَبَرٌ وَاضْطِرَابٌ عَظِيمٌ مِنْ أَرْضِ الشَّمَالِ. تَصِيرُ مُدُنُ يَهُوذَا خَرَابًا وَمَأْوًى لِلذِّئَابِ! يَا رَبُّ، أَنَا عَارِفٌ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمْلِكُ حُرِّيَّةَ التَّصَرُّفِ فِي حَيَاتِهِ، لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُوَجِّهَ سَيْرَ أُمُورِهِ. أَدِّبْنِي يَا رَبُّ وَلَكِنْ بِالْعَدْلِ، لَا بِغَضَبِكَ لِئَلَّا تُفْنِيَنِي. صُبَّ غَضَبَكَ عَلَى الْأُمَمِ الَّتِي لَا تَعْرِفُكَ، وَعَلَى الشُّعُوبِ الَّتِي لَا تَدْعُو بِاسْمِكَ، لِأَنَّهُمْ أَكَلُوا يَعْقُوبَ، أَكَلُوهُ وَأَفْنَوْهُ وَخَرَّبُوا دَارَهُ. الْكَلَامُ الَّذِي أَوْحَى بِهِ اللهُ لِإِرْمِيَا: ”اِسْمَعْ بُنُودَ هَذَا الْعَهْدِ وَبَلِّغْهَا لِشَعْبِ يَهُوذَا وَسُكَّانِ الْقُدْسِ. وَقُلْ لَهُمْ: ’اللهُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ، مَلْعُونٌ مَنْ لَا يُطِيعُ بُنُودَ هَذَا الْعَهْدِ، الَّذِي أَمَرْتُ بِهِ آبَاءَكُمْ لَمَّا أَخْرَجْتُهُمْ مِنْ مِصْرَ، ذَلِكَ الْأَتُونِ الَّذِي يَصْهَرُ الْحَدِيدَ. فَإِنِّي قُلْتُ لَهُمْ: ”أَطِيعُونِي وَاعْمَلُوا بِكُلِّ مَا أُوصِيكُمْ بِهِ، فَتَكُونُوا شَعْبِي، وَأَنَا أَكُونُ إِلَهَكُمْ. وَذَلِكَ وَفَاءً بِالْقَسَمِ الَّذِي حَلَفْتُ بِهِ لِآبَائِكُمْ، وَهُوَ أَنْ أُعْطِيَهُمْ أَرْضًا تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا“ كَمَا تَرَوْنَ الْيَوْمَ.‘“ فَأَجَبْتُ: ”آمِينَ يَا رَبُّ.“ فَقَالَ اللهُ لِي: ”أَعْلِنْ هَذِهِ الرِّسَالَةَ فِي مُدُنِ يَهُوذَا وَفِي شَوَارِعِ الْقُدْسِ، وَقُلْ: ’اِسْمَعُوا بُنُودَ هَذَا الْعَهْدِ، وَاعْمَلُوا بِهَا. فَمُنْذُ أَخْرَجْتُ آبَاءَكُمْ مِنْ مِصْرَ وَإِلَى هَذَا الْيَوْمِ، أَنْذَرْتُهُمْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَقُلْتُ لَهُمْ: ”أَطِيعُونِي.“ لَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يَنْتَبِهُوا، بَلِ انْسَاقُوا إِلَى قَلْبِهِمِ الْعَنِيدِ الشِّرِّيرِ. فَجَلَبْتُ عَلَيْهِمْ كُلَّ لَعَنَاتِ هَذَا الْعَهْدِ الَّذِي أَمَرْتُهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا بِهِ وَلَمْ يَعْمَلُوا.‘“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”شَعْبُ يَهُوذَا وَسُكَّانُ الْقُدْسِ عَمِلُوا مُؤَامَرَةً. رَجَعُوا إِلَى ذُنُوبِ آبَائِهِمِ الَّذِينَ رَفَضُوا أَنْ يَسْمَعُوا كَلَامِي، وَتَبِعُوا آلِهَةً أُخْرَى لِيَعْبُدُوهَا. إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَنِي يَهُوذَا نَقَضُوا عَهْدِيَ الَّذِي عَمِلْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ. لِذَلِكَ يَقُولُ اللهُ: ’سَأَجْلِبُ عَلَيْهِمْ مَصَائِبَ لَنْ يَقْدِرُوا أَنْ يَنْجُوا مِنْهَا. فَيَصْرُخُونَ إِلَيَّ وَلَا أَسْمَعُ لَهُمْ. فَيَذْهَبُ شَعْبُ يَهُوذَا وَسُكَّانُ الْقُدْسِ إِلَى الْآلِهَةِ الَّتِي يَحْرِقُونَ لَهَا الْبَخُورَ، وَيَصْرُخُونَ إِلَيْهَا، فَلَا تُنْقِذُهُمْ فِي وَقْتِ الْمُصِيبَةِ. يَا شَعْبَ يَهُوذَا، عَلَى عَدَدِ مُدُنِكُمْ صَارَتْ آلِهَتُكُمْ، وَعَلَى عَدَدِ شَوَارِعِ الْقُدْسِ أَقَمْتُمْ مَنَصَّاتٍ لِتَحْرِقُوا الْبَخُورَ لِلْإِلَهِ الْحَقِيرِ بَعْلَ.‘ وَأَنْتَ يَا إِرْمِيَا، لَا تَبْتَهِلْ إِلَيَّ مِنْ أَجْلِ هَذَا الشَّعْبِ، وَلَا تَرْفَعْ لِأَجْلِهِمْ دُعَاءً وَلَا طَلَبًا، لِأَنِّي لَنْ أَسْمَعَ عِنْدَمَا يَصْرُخُونَ إِلَيَّ بِسَبَبِ مُصِيبَتِهِمْ. ”هَذِهِ الْأُمَّةُ الَّتِي أُحِبُّهَا، مَا لَهَا تَدْخُلُ بَيْتِي، وَهِيَ الَّتِي ارْتَكَبَتْ شَرًّا كَثِيرًا؟ هَلْ تَظُنِّينَ أَنَّ لَحْمَ الضَّحَايَا يُبْعِدُ عَنْكِ الْعِقَابَ؟ بَلْ أَنْتِ تَفْرَحِينَ بِعَمَلِ الشَّرِّ!“ الْمَوْلَى دَعَاكِ مِنْ قَبْلُ، زَيْتُونَةً خَضْرَاءَ ذَاتَ ثَمَرٍ جَمِيلٍ. أَمَّا الْآنَ فَيُرْسِلُ عَلَيْكِ رِيحًا مُزَمْجِرَةً، وَيُشْعِلُ النَّارَ فِيكِ فَتَحْتَرِقُ أَغْصَانُكِ. الْمَوْلَى الْقَدِيرُ الَّذِي غَرَسَكِ، حَكَمَ عَلَيْكِ بِالْعِقَابِ، بِسَبَبِ الشَّرِّ الَّذِي ارْتَكَبَهُ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ وَبَيْتُ يَهُوذَا. فَهُمْ غَاظُونِي بِأَنْ أَحْرَقُوا الْبَخُورَ لِبَعْلَ. كَشَفَ اللهُ لِي عَنْ هَذِهِ الْمُؤَامَرَةِ فَعَرَفْتُهَا، لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَظْهَرَ لِي أَعْمَالَهُمْ. وَأَنَا كَحَمَلٍ وَدِيعٍ يُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَلَمْ أَكُنْ أَعْلَمُ أَنَّهُمْ تَآمَرُوا ضِدِّي وَقَالُوا: ”نُحَطِّمُ الشَّجَرَةَ وَثَمَرَهَا، نَقْتُلُهُ فَيَنْسَاهُ النَّاسُ.“ فَيَا رَبَّنَا الْقَدِيرَ، يَا مَنْ تَقْضِي بِالْعَدْلِ وَتَفْحَصُ الْقَلْبَ وَالْفِكْرَ، إِنِّي أَشْكُوهُمْ لَكَ، اِنْتَقِمْ لِي مِنْهُمْ، وَخَلِّنِي أَرَى ذَلِكَ! ”فَهَذَا كَلَامُ اللهِ عَنْ رِجَالِ عَنَاثُوثَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَقْتُلُوكَ وَيَقُولُونَ: ’لَا تَتَنَبَّأْ بِاسْمِ اللهِ لِئَلَّا نَقْتُلَكَ!‘ يَقُولُ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ’أَنَا أُعَاقِبُهُمْ، يَمُوتُ شُبَّانُهُمْ بِالسَّيْفِ، وَيَمُوتُ بَنُوهُمْ وَبَنَاتُهُمْ مِنَ الْجُوعِ. وَلَا تَبْقَى لَهُمْ بَقِيَّةٌ، لِأَنِّي أَجْلِبُ مَصَائِبَ عَلَى رِجَالِ عَنَاثُوثَ سَنَةَ عِقَابِهِمْ.‘“ أَنْتَ دَائِمًا عَلَى حَقٍّ يَا رَبُّ، فَكَيْفَ أَحْتَجُّ لَدَيْكَ؟ لَكِنِ اسْمَحْ لِي أَنْ أُكَلِّمَكَ مِنْ جِهَةِ عَدَالَتِكَ! لِمَاذَا يَنْجَحُ الْأَشْرَارُ، وَلِمَاذَا يَسْعَدُ غَيْرُ الْأُمَنَاءِ؟ أَنْتَ زَرَعْتَهُمْ، فَامْتَدَّ جِذْرُهُمْ وَنَمَوْا وَأَثْمَرُوا. بِالْفَمِ يَذْكُرُونَكَ، وَقَلْبُهُمْ بَعِيدٌ عَنْكَ. أَمَّا أَنَا، فَأَنْتَ يَا رَبُّ تَعْرِفُنِي، أَنْتَ تَرَانِي، وَقَدِ امْتَحَنْتَ أَفْكَارِي نَحْوَكَ. أَرْسِلْ هَؤُلَاءِ الْأَشْرَارَ كَغَنَمٍ لِلذَّبْحِ! خَصِّصْهُمْ لِيَوْمِ الْقَتْلِ! إِلَى مَتَى تَظَلُّ الْأَرْضُ يَابِسَةً، وَعُشْبُ الْحُقُولِ مَيِّتًا؟ هَلَكَتِ الْبَهَائِمُ وَالطُّيُورُ مِنْ شَرِّ سُكَّانِهَا. وَهُمْ يَقُولُونَ: ”اللهُ لَا يَرَى مَا نَعْمَلُ!“ ”إِنْ كُنْتَ تَتْعَبُ حِينَ تُسَابِقُ النَّاسَ، فَكَيْفَ تُسَابِقُ الْخَيْلَ؟ وَإِنْ كُنْتَ تَسْقُطُ بِطُولِكَ حِينَ تَسِيرُ فِي مَكَانٍ سَهْلٍ، فَمَاذَا تَعْمَلُ إِنْ سِرْتَ بَيْنَ الْأَشْجَارِ الْكَثِيفَةِ عَلَى شَاطِئِ الْأُرْدُنِّ؟ فَحَتَّى إِخْوَتُكَ وَأَهْلُكَ، هُمْ أَيْضًا خَانُوكَ، وَهُمْ أَيْضًا يَصْرُخُونَ ضِدَّكَ. فَلَا تَثِقْ فِيهِمْ، حَتَّى وَإِنْ مَدَحُوكَ بِكَلَامِهِمْ. ”تَرَكْتُ بَيْتِي، رَفَضْتُ شَعْبِي، أَوْقَعْتُ الْأُمَّةَ الَّتِي أَحْبَبْتُهَا فِي يَدِ أَعْدَائِهَا. صَارَ شَعْبِي لِي كَأَسَدٍ فِي الْغَابَةِ، يَزْأَرُونَ عَلَيَّ، لِذَلِكَ كَرِهْتُهُمْ. صَارَ شَعْبِي لِي كَطَائِرٍ جَارِحٍ، أَحَاطَتْ بِهِ طُيُورٌ جَارِحَةٌ أُخْرَى وَهَاجَمَتْهُ! فَاجْتَمِعِي يَا كُلَّ الْوُحُوشِ، وَتَعَالَيْ إِلَى الْوَلِيمَةِ. رُعَاةٌ كَثِيرُونَ أَتْلَفُوا كَرْمِي، دَاسُوا حَقْلِي، حَوَّلُوا حَقْلِيَ الْجَمِيلَ إِلَى قَفْرٍ مَهْجُورٍ. حَوَّلُوهُ لِي إِلَى خَرَابٍ وَقَفْرٍ، صَارَ خَرَابًا. بَلْ كُلُّ الْبِلَادِ صَارَتْ خَرَابًا، وَلَا وَاحِدٌ يَهْتَمُّ! جَاءَ النَّاهِبُونَ عَلَى كُلِّ الْهِضَابِ فِي الصَّحْرَاءِ، وَسَيْفُ اللهِ يَأْكُلُ النَّاسَ مِنْ أَوَّلِ الْبِلَادِ إِلَى آخِرِهَا، وَلَا وَاحِدٌ يَكُونُ فِي أَمَانٍ. هَذَا الشَّعْبُ زَرَعَ قَمْحًا وَحَصَدَ شَوْكًا! تَعِبُوا جِدًّا، وَلَكِنْ بِلَا فَائِدَةٍ. لِذَلِكَ خَجِلُوا مِنْ قِلَّةِ الْمَحْصُولِ، لِأَنَّ اللهَ غَضِبَ عَلَيْهِمْ جِدًّا.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ: ”جِيرَانِيَ الْأَشْرَارُ الَّذِينَ يَعْتَدُونَ عَلَى أَرْضِيَ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لِشَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَنَا أَقْلَعُهُمْ مِنْ أَرْضِهِمْ، وَأَقْلَعُ بَيْتَ يَهُوذَا أَيْضًا مِنْ وَسَطِهِمْ. وَلَكِنْ بَعْدَمَا أَقْلَعُهُمْ، أَعُودُ وَأَرْحَمُهُمْ وَأَرُدُّ كُلَّ وَاحِدٍ إِلَى نَصِيبِهِ وَإِلَى بَلَدِهِ. هُمْ فِي الْمَاضِي عَلَّمُوا شَعْبِي أَنْ يَحْلِفُوا بِالْبَعْلِ، أَمَّا الْآنَ فَإِنْ تَعَلَّمُوا طُرُقَ شَعْبِي، وَحَلَفُوا بِي وَقَالُوا: ’نُقْسِمُ بِاللهِ‘ فَإِنِّي أُثَبِّتُهُمْ وَسَطَ شَعْبِي. أَمَّا الْأُمَّةُ الَّتِي لَا تَسْمَعُ، فَإِنِّي أَقْلَعُهَا تَمَامًا وَأُفْنِيهَا.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. وَقَالَ اللهُ لِي: ”اِذْهَبْ وَاشْتَرِ لَكَ حِزَامًا مِنْ كَتَّانٍ، وَالْبَسْهُ حَوْلَ وَسَطِكَ، وَلَا تَضَعْهُ فِي الْمَاءِ.“ فَاشْتَرَيْتُ الْحِزَامَ كَمَا قَالَ اللهُ، وَلَبِسْتُهُ حَوْلَ وَسَطِي. ثُمَّ كَلَّمَنِي اللهُ مَرَّةً ثَانِيَةً وَقَالَ: ”خُذِ الْحِزَامَ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ، الَّذِي هُوَ حَوْلَ وَسَطِكَ، وَقُمِ اذْهَبْ إِلَى الْفُرَاتِ، وَخَبِّئْهُ هُنَاكَ فِي شَقٍّ فِي الصَّخْرِ.“ فَذَهَبْتُ وَخَبَّأْتُهُ عِنْدَ الْفُرَاتِ كَمَا أَمَرَنِي اللهُ. وَبَعْدَ فَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ مِنَ الْوَقْتِ، قَالَ اللهُ لِي: ”قُمِ اذْهَبْ إِلَى الْفُرَاتِ، وَخُذِ الْحِزَامَ الَّذِي أَمَرْتُكَ أَنْ تُخَبِّئَهُ هُنَاكَ.“ فَذَهَبْتُ إِلَى الْفُرَاتِ، وَحَفَرْتُ وَأَخَذْتُ الْحِزَامَ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي خَبَّأْتُهُ فِيهِ. وَلَكِنِّي وَجَدْتُ أَنَّهُ تَلِفَ وَلَا يَنْفَعُ فِي شَيْءٍ. فَقَالَ اللهُ لِي: ”هَذَا كَلَامُ اللهِ، كَمَا تَلِفَ الْحِزَامُ، أُحَطِّمُ كِبْرِيَاءَ يَهُوذَا وَكِبْرِيَاءَ الْقُدْسِ وَعَظَمَتَهَا. فَهَذَا الشَّعْبُ الشِّرِّيرُ يَرْفُضُ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامِي، وَيَنْسَاقُ إِلَى قَلْبِهِ الْعَنِيدِ، وَيَتْبَعُ آلِهَةً أُخْرَى لِيَعْبُدَهَا وَيَسْجُدَ لَهَا، لِذَلِكَ يَصِيرُ كَهَذَا الْحِزَامِ الَّذِي لَا يَنْفَعُ فِي شَيْءٍ أَبَدًا! وَيَقُولُ اللهُ، كَمَا يُرْبَطُ الْحِزَامُ حَوْلَ وَسَطِ الْإِنْسَانِ، أَنَا رَبَطْتُ كُلَّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَكُلَّ بَيْتِ يَهُوذَا حَوْلِي، لِيَكُونُوا شَعْبِي وَسَبَبَ شُهْرَةٍ لِي وَحَمْدٍ وَإِكْرَامٍ. لَكِنَّ شَعْبِي لَمْ يَسْمَعْ. ”قُلْ لَهُمْ: ’هَذَا كَلَامُ اللهِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كُلُّ قِرْبَةٍ يَجِبُ أَنْ تُمْلَأَ بِالْخَمْرِ.‘ فَيَقُولُونَ لَكَ: ’نَحْنُ نَعْرِفُ أَنَّ كُلَّ قِرْبَةٍ يَجِبُ أَنْ تُمْلَأَ بِالْخَمْرِ.‘ فَتَقُولُ لَهُمْ: ’يَقُولُ اللهُ، سَأَمْلَأُ كُلَّ سُكَّانِ هَذِهِ الْبِلَادِ بِالْخَمْرِ حَتَّى يَسْكَرُوا، وَالْمُلُوكَ الَّذِينَ عَلَى عَرْشِ دَاوُدَ وَالْأَحْبَارَ وَالْأَنْبِيَاءَ وَكُلَّ سُكَّانِ الْقُدْسِ. وَأَجْعَلُهُمْ يُحَطِّمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ مَعًا. لَا أَشْفِقُ وَلَا أَرْأَفُ وَلَا أَرْحَمُ، بَلْ أُهْلِكُهُمْ. هَذَا كَلَامُ اللهِ.‘“ اِسْمَعُوا وَانْتَبِهُوا! لَا تَتَكَبَّرُوا لِأَنَّ اللهَ تَكَلَّمَ. مَجِّدُوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ قَبْلَ أَنْ يُرْسِلَ الظَّلَامَ، وَقَبْلَ أَنْ تَعْثُرَ أَقْدَامُكُمْ عَلَى الْجِبَالِ الْمُعْتِمَةِ. أَنْتُمْ تَنْتَظِرُونَ النُّورَ، لَكِنَّهُ يُحَوِّلُهُ إِلَى سَوَادٍ شَدِيدٍ وَيَجْعَلُهُ ظَلَامًا كَثِيفًا. وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا، أَبْكِي فِي السِّرِّ عَلَى كِبْرِيَائِكُمْ، تَبْكِي عَيْنَايَ بِحُرْقَةٍ وَتَسِيلُ بِالدُّمُوعِ، لِأَنَّ شَعْبَ اللهِ سَيُؤْخَذُ إِلَى الْأَسْرِ. قُلْ لِلْمَلِكِ وَأُمِّهِ الْمَلِكَةِ: ”اِتَّضِعَا وَتَنَازَلَا، لِأَنَّ تَاجَ الْعَظَمَةِ يَسْقُطُ عَنْ رَأْسَيْكُمَا.“ مُدُنُ النَّقَبِ تُحَاصَرُ، وَلَا يُنْقِذُهَا أَحَدٌ. كُلُّ يَهُوذَا تُؤْخَذُ بِجُمْلَتِهَا. تَطَلَّعِي يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ وَانْظُرِي الْقَادِمِينَ مِنَ الشَّمَالِ. أَيْنَ الْقَطِيعُ الَّذِي أُعْطِيَ لَكِ؟ أَيْنَ الْغَنَمُ الَّتِي كُنْتِ تَفْخَرِينَ بِهَا؟ مَاذَا تَقُولِينَ حِينَ يُعَاقِبُكِ اللهُ عَلَى يَدِ مَنْ كَانُوا أَصْحَابَكِ، وَالْآنَ صَارُوا يَتَحَكَّمُونَ فِيكِ؟ أَلَا يُصِيبُكِ الْوَجَعُ كَامْرَأَةٍ تَلِدُ؟ وَإِنْ قُلْتِ فِي نَفْسِكِ: ”لِمَاذَا أَصَابَتْنِي هَذِهِ؟“ فَالْجَوَابُ هُوَ بِسَبَبِ ذُنُوبِكِ الْكَثِيرَةِ، مَزَّقُوا ثِيَابَكِ وَاغْتَصَبُوكِ. هَلْ يَقْدِرُ الْحَبَشِيُّ أَنْ يُغَيِّرَ لَوْنَ جِلْدِهِ، أَوِ النِّمْرُ الْبُقَعَ الَّتِي فِيهِ؟ فَأَنْتُمْ لَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَعْمَلُوا الْخَيْرَ بَعْدَمَا تَعَوَّدْتُمْ عَلَى الشَّرِّ! ”سَأُبَدِّدُكُمْ كَالْقَشِّ الَّذِي تَسُوقُهُ رِيحُ الصَّحْرَاءِ.“ وَيَقُولُ اللهُ: ”هَذَا حَظُّكِ وَنَصِيبُكِ مِنْ عِنْدِي، لِأَنَّكِ نَسِيتِنِي وَاتَّكَلْتِ عَلَى آلِهَةٍ كَاذِبَةٍ. فَأَنَا أَيْضًا أَرْفَعُ ذَيْلَ ثَوْبِكِ عَلَى وَجْهِكِ، فَيَرَاكِ الْكُلُّ عَارِيَةً! رَأَيْتُ عَلَى التِّلَالِ وَفِي الْحُقُولِ فِسْقَكِ وَشَهْوَتَكِ وَزِنَاكِ وَأَقْذَارَكِ! الْوَيْلُ لَكِ يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ! حَتَّى مَتَى لَا تَطْهَرِينَ؟“ هَذِهِ كَلِمَةُ اللهِ الَّتِي أَوْحَى بِهَا لِإِرْمِيَا بِشَأْنِ الْجَفَافِ: ”تَنُوحُ يَهُوذَا وَتَذْبُلُ مُدُنُهَا. حَزِنَ النَّاسُ عَلَى الْبِلَادِ. الْقُدْسُ تَصْرُخُ. عُظَمَاؤُهَا يُرْسِلُونَ خُدَّامَهُمْ لِيُحْضِرُوا الْمَاءَ. يَذْهَبُونَ إِلَى الْآبَارِ، فَلَا يَجِدُونَ مَاءً، وَيَرْجِعُونَ بِأَوْعِيَةٍ فَارِغَةٍ. يَخْجَلُونَ وَيَخْزَوْنَ، وَيُغَطُّونَ وُجُوهَهُمْ. تَشَقَّقَتِ الْأَرْضُ لِعَدَمِ نُزُولِ الْمَطَرِ فِي الْبِلَادِ. يَخْجَلُ الْفَلَّاحُونَ وَيُغَطُّونَ رُؤُوسَهُمْ. تَلِدُ الْغَزَالَةُ فِي الْحَقْلِ وَتَتْرُكُ وَلِيدَهَا، لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ عُشْبٌ. وَقَفَتْ حَمِيرُ الْوَحْشِ عَلَى الْهِضَابِ تَشُمُّ الرِّيحَ كَالذِّئَابِ. ضَعُفَتْ عُيُونُهَا لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ عُشْبٌ.“ مَعَ أَنَّ ذُنُوبَنَا تَشْهَدُ ضِدَّنَا يَا رَبُّ، لَكِنِ اعْمَلْ شَيْئًا مِنْ أَجْلِ اسْمِكَ. نَحْنُ كَثِيرًا مَا تَرَكْنَاكَ وَأَخْطَأْنَا فِي حَقِّكَ. اللَّهُمَّ، يَا رَجَاءَ شَعْبِكَ وَيَا مُنْقِذَهُ فِي وَقْتِ الضِّيقِ! لِمَاذَا تَكُونُ كَغَرِيبٍ فِي الْبِلَادِ، وَكَمُسَافِرٍ يَبِيتُ لَيْلَةً وَيَمْضِي؟ لِمَاذَا تَكُونُ كَوَاحِدٍ أَصَابَتْهُ الْحَيْرَةُ؟ وَكَمُحَارِبٍ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُنْقِذَ؟ أَنْتَ يَا رَبُّ فِي وَسَطِنَا، وَنَحْنُ دُعِينَا بِاسْمِكَ، فَلَا تَتْرُكْنَا. هَذَا كَلَامُ اللهِ عَنْ هَذَا الشَّعْبِ: ”إِنَّهُمْ أَحَبُّوا أَنْ يَضِلُّوا عَنِّي. لَمْ يَمْتَنِعُوا عَنْ ذَلِكَ. فَأَنَا لَنْ أَقْبَلَهُمْ، بَلْ أَذْكُرُ شَرَّهُمْ وَأُعَاقِبُهُمْ عَلَى ذُنُوبِهِمْ.“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”لَا تَبْتَهِلْ إِلَيَّ مِنْ أَجْلِ خَيْرِ هَذَا الشَّعْبِ. إِنْ صَامُوا لَا أَسْمَعُ صُرَاخَهُمْ، وَإِنْ قَدَّمُوا قَرَابِينَ وَهَدَايَا لَا أَرْضَى عَنْهُمْ. بَلْ أُفْنِيهِمْ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَأِ.“ فَقُلْتُ: ”آهِ، يَا رَبِّي وَإِلَهِي! الْأَنْبِيَاءُ يَقُولُونَ لَهُمْ إِنَّهُمْ لَنْ يَرَوْا سَيْفًا وَلَنْ يُعَانُوا جُوعًا، بَلْ سَتُعْطِيهِمْ سَلَامًا أَكِيدًا فِي هَذَا الْمَكَانِ.“ فَقَالَ اللهُ لِي: ”هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءُ يَتَنَبَّأُونَ بِاسْمِي بِالْكِذْبِ. فَأَنَا لَا أَرْسَلْتُهُمْ وَلَا عَيَّنْتُهُمْ وَلَا كَلَّمْتُهُمْ. بَلْ يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ بِرُؤًى كَاذِبَةٍ، وَالْعِلْمِ بِالْغَيْبِ، وَالسِّحْرِ، وَأَوْهَامٍ تَخْتَرِعُهَا عُقُولُهُمْ. لِذَلِكَ أَنَا حَكَمْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ بِاسْمِي بَيْنَمَا لَمْ أُرْسِلْهُمْ. هُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَا يَأْتِي سَيْفٌ وَلَا جُوعٌ عَلَى هَذِهِ الْبِلَادِ. وَلَكِنْ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءُ أَنْفُسُهُمْ سَيَهْلِكُونَ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ! وَالشَّعْبُ الَّذِي يَتَنَبَّأُونَ لَهُ، يَمُوتُ بِالْجُوعِ وَالسَّيْفِ، وَيَكُونُ مَطْرُوحًا فِي شَوَارِعِ الْقُدْسِ، وَلَيْسَ مَنْ يَدْفِنُهُمْ لَا هُمْ وَلَا نِسَاءَهُمْ وَلَا أَوْلَادَهُمْ وَلَا بَنَاتِهِمْ، فَإِنِّي أُنْزِلُ عَلَيْهِمُ الْمُصِيبَةَ الَّتِي يَسْتَحِقُّونَهَا. وَقُلْ لَهُمْ أَيْضًا هَذَا الْكَلَامَ: ’تَسِيلُ عَيْنَايَ بِالدُّمُوعِ لَيْلًا وَنَهَارًا بِلَا تَوَقُّفٍ، لِأَنَّ شَعْبِي ضُرِبَ ضَرْبَةً قَاسِيَةً، وَجُرْحُهُ خَطِيرٌ. إِنْ خَرَجْتُ إِلَى الْقُرَى، أَجِدُ الْمَقْتُولِينَ بِالسَّيْفِ. وَإِنْ دَخَلْتُ الْمَدِينَةَ، أَجِدُ الْمَرْضَى مِنَ الْجُوعِ. وَالْحَبْرُ وَالنَّبِيُّ يَجُولَانِ فِي الْبِلَادِ عَلَى غَيْرِ هُدًى.‘“ هَلْ رَفَضْتَ يَهُوذَا تَمَامًا؟ هَلْ كَرِهْتَ الْقُدْسَ؟ لِمَاذَا ضَرَبْتَنَا ضَرْبَةً لَا شِفَاءَ مِنْهَا؟ اِنْتَظَرْنَا الْفَلَاحَ، فَلَمْ يَأْتِنَا أَيُّ خَيْرٍ. اِنْتَظَرْنَا وَقْتَ الشِّفَاءِ، فَجَاءَ عَلَيْنَا رُعْبٌ. يَا رَبُّ، نَحْنُ نَعْتَرِفُ بِشَرِّنَا وَبِذَنْبِ آبَائِنَا، لِأَنَّنَا أَخْطَأْنَا ضِدَّكَ. فَمِنْ أَجْلِ اسْمِكَ لَا تَرْفُضْنَا، لَا تُسَبِّبِ الْإِهَانَةَ لِلْقُدْسِ عَرْشِكَ الْمَجِيدِ، اُذْكُرْ عَهْدَكَ مَعَنَا وَلَا تَنْقُضْهُ. هَلْ يُوجَدُ بَيْنَ الْآلِهَةِ التَّافِهَةِ الَّتِي تَعْبُدُهَا الْأُمَمُ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يُرْسِلَ الْمَطَرَ؟ أَوْ هَلِ السَّمَاءُ مِنْ نَفْسِهَا تُعْطِي الْمَطَرَ الْغَزِيرَ؟ لَا، بَلْ أَنْتَ رَبُّنَا وَإِلَهُنَا الَّذِي تَعْمَلُ كُلَّ هَذَا. لِذَلِكَ نَضَعُ رَجَاءَنَا فِيكَ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِي: ”حَتَّى وَإِنْ تَشَفَّعَ مُوسَى وَصَمُوئِيلُ عِنْدِي، لَا أَشْفِقُ عَلَى هَذَا الشَّعْبِ. أَبْعِدُوهُمْ عَنِّي! أَخْرِجُوهُمْ مِنْ هُنَا! فَإِنْ قَالُوا لَكَ: ’إِلَى أَيْنَ نَخْرُجُ؟‘ قُلْ لَهُمْ: ’مَنْ هُمْ لِلْمَوْتِ فَإِلَى الْمَوْتِ، وَمَنْ هُمْ لِلسَّيْفِ فَإِلَى السَّيْفِ، وَمَنْ هُمْ لِلْجُوعِ فَإِلَى الْجُوعِ، وَمَنْ هُمْ لِلْأَسْرِ فَإِلَى الْأَسْرِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ.‘ وَأُرْسِلُ عَلَيْهِمْ 4 أَشْيَاءَ، السَّيْفَ يَقْتُلُهُمْ، وَالْكِلَابَ تَسْحَبُهُمْ، وَطُيُورَ السَّمَاءِ وَوُحُوشَ الْأَرْضِ تَأْكُلُهُمْ وَتُفْنِيهِمْ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. وَأَجْعَلُهُمْ مَكْرُوهِينَ فِي كُلِّ مَمَالِكِ الْأَرْضِ، بِسَبَبِ مَنَسَّى بْنِ حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا وَمَا عَمِلَهُ فِي الْقُدْسِ. فَمَنْ يَشْفِقُ عَلَيْكِ يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ؟ وَمَنْ يُعَزِّيكِ؟ وَمَنْ يَأْتِي لِيَسْأَلَ عَنْ سَلَامَتِكِ؟ أَنْتِ تَرَكْتِنِي وَارْتَدَدْتِ عَنِّي، لِذَلِكَ أَمُدُّ يَدِي عَلَيْكِ وَأُهْلِكُكِ، فَقَدْ تَعِبْتُ مِنَ الصَّفْحِ عَنْكِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”أُذَرِّي شَعْبِي بِالْمِذْرَاةِ إِلَى بَوَّابَاتِ الْمُدُنِ فِي مُخْتَلِفِ الْبِلَادِ. أُفْقِدُهُمْ أَوْلَادَهُمْ وَأُهْلِكُهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرْجِعُوا عَنْ سُلُوكِهِمْ. أَجْعَلُ أَرَامِلَهُمْ أَكْثَرَ مِنْ رَمْلِ الْبَحْرِ. فِي الظُّهْرِ أُرْسِلُ الْمُهْلِكَ عَلَى أُمَّهَاتِ الشُّبَّانِ. أَبْعَثُ عَلَيْهِنَّ الرُّعْبَ وَالْهَوْلَ فَجْأَةً. أُمُّ الـ7 يُغْمَى عَلَيْهَا وَتَفِيضُ رُوحُهَا. تَغْرُبُ شَمْسُهَا فِي عِزِّ النَّهَارِ. تَخْجَلُ وَتَخْزَى. وَأَقْتُلُ الْبَاقِينَ مِنْهُمْ بِالسَّيْفِ أَمَامَ أَعْدَائِهِمْ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. يَا تَعَاسَتِي يَا أُمِّي لِأَنَّكِ وَلَدْتِنِي! فَأَنَا دَائِمًا فِي نِزَاعٍ وَخِصَامٍ مَعَ كُلِّ النَّاسِ. لَا أَقْرَضْتُهُمْ وَلَا اقْتَرَضْتُ مِنْهُمْ، وَمَعَ ذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ يَلْعَنُنِي. وَقَالَ اللهُ: ”أَحْفَظُكَ لِقَصْدٍ صَالِحٍ، وَأَجْعَلُ أَعْدَاءَكَ يَتَضَرَّعُونَ إِلَيْكَ فِي وَقْتِ الْمُصِيبَةِ وَالضِّيقِ. ”مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَكْسِرَ الْحَدِيدَ وَالنُّحَاسَ الْقَادِمَ مِنَ الشَّمَالِ؟ أُعْطِي ثَرْوَتَكَ وَكُنُوزَكَ غَنِيمَةً بِلَا مُقَابِلٍ، بِسَبَبِ كُلِّ ذُنُوبِكَ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْبِلَادِ. وَأَجْعَلُكَ عَبْدًا لِأَعْدَائِكَ فِي بِلَادٍ لَا تَعْرِفُهَا، لِأَنَّ غَضَبِيَ اشْتَعَلَ كَنَارٍ تَحْرِقُكُمْ.“ أَنْتَ الْعَلِيمُ يَا رَبُّ، فَاذْكُرْنِي وَاهْتَمَّ بِي، وَانْتَقِمْ لِي مِنَ الَّذِينَ يَضْطَهِدُونِي. لَا تَسْمَحْ بِأَنْ أَهْلِكَ بِسَبَبِ طُولِ بَالِكَ! اُنْظُرْ كَيْفَ أَحْتَمِلُ الْعَارَ لِأَجْلِكَ! بَلَغَنِي كَلَامُكَ فَتَغَذَّيْتُ عَلَيْهِ، فَفَرَّحَنِي وَأَبْهَجَ قَلْبِي، لِأَنِّي دُعِيتُ بِاسْمِكَ يَا رَبَّنَا الْإِلَهَ الْقَدِيرَ. لَا أَجْلِسُ مَعَ الْعَابِثِينَ، وَلَا أَشْتَرِكُ فِي اللَّهْوِ مَعَهُمْ. إِنَّمَا جَلَسْتُ وَحْدِي، لِأَنَّ يَدَكَ كَانَتْ عَلَيَّ، وَأَنْتَ جَعَلْتَنِي أَغْضَبُ جِدًّا. لِمَاذَا لَا نِهَايَةَ لِوَجَعِي؟ لِمَاذَا جُرْحِي خَطِيرٌ وَعَدِيمُ الشِّفَاءِ؟ هَلْ تَكُونُ لِي كَنَهْرٍ لَا مَاءَ فِيهِ، أَوْ كَنَبْعٍ جَفَّ؟ لِذَلِكَ يَقُولُ اللهُ: ”إِنْ رَجَعْتَ أَقْبَلُكَ فَتَقِفَ فِي مَحْضَرِي. وَإِنْ قُلْتَ كَلَامًا لَهُ قِيمَةٌ لَا كَلَامًا تَافِهًا، أَجْعَلُكَ مُتَكَلِّمًا عَنِّي، وَهَذَا الشَّعْبُ يَأْتِي إِلَيْكَ، وَلَا تَحْتَاجُ أَنْتَ أَنْ تَذْهَبَ إِلَيْهِمْ. أَجْعَلُكَ كَسُورٍ لِهَذَا الشَّعْبِ، كَسُورٍ حَصِينٍ مِنْ نُحَاسٍ. فَيُحَارِبُونَكَ وَلَا يَغْلِبُونَكَ، لِأَنِّي مَعَكَ لِأُنَجِّيَكَ وَأُنْقِذَكَ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. فَأُنْقِذَكَ مِنْ يَدِ الْأَشْرَارِ، وَأَفْدِيَكَ مِنْ قَبْضَةِ الطُّغَاةِ.“ ثُمَّ قَالَ اللهُ لِي: ”لَا تَتَزَوَّجْ وَلَا تُنْجِبْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ فِي هَذَا الْمَكَانِ. لِأَنَّ اللهَ حَكَمَ عَلَى الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ الْمَوْلُودِينَ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ، وَعَلَى أُمَّهَاتِهِمِ اللَّوَاتِي وَلَدْنَهُمْ، وَعَلَى آبَائِهِمِ الَّذِينَ أَنْجَبُوهُمْ بِأَنْ يَمُوتُوا بِأَمْرَاضٍ فَظِيعَةٍ، لَا يُنْدَبُوا وَلَا يُدْفَنُوا، بَلْ يَكُونُوا زِبَالَةً عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. وَيَفْنَوْا بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ، وَتَصِيرَ جُثَثُهُمْ طَعَامًا لِطُيُورِ السَّمَاءِ وَوُحُوشِ الْأَرْضِ.“ وَقَالَ اللهُ: ”لَا تَدْخُلْ دَارًا فِيهَا جِنَازَةٌ، لَا تَذْهَبْ لِتَنْدُبَ أَوْ تُعَزِّيَ، لِأَنِّي مَنَعْتُ خَيْرِي وَإِحْسَانِي وَرَحْمَتِي عَنْ هَذَا الشَّعْبِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. فَيَمُوتُ الْعَظِيمُ وَالْبَسِيطُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ، لَا يُدْفَنُونَ وَلَا يُنْدَبُونَ وَلَا يَخْدِشُ أَحَدٌ نَفْسَهُ وَلَا يَحْلِقُ شَعْرَ رَأْسِهِ حُزْنًا عَلَيْهِمْ. وَلَا يُقَدِّمُ أَحَدٌ طَعَامًا لِيُعَزِّيَ الَّذِينَ يَنُوحُونَ عَلَى مَيِّتٍ، وَلَا يَسْقِيهِمْ كَأْسًا لِتَعْزِيَتِهِمْ، وَلَا حَتَّى مِنْ أَجْلِ أَبٍ مَاتَ أَوْ أُمٍّ! ”وَلَا تَدْخُلْ دَارًا فِيهَا وَلِيمَةٌ لِتَجْلِسَ مَعَهُمْ وَتَأْكُلَ وَتَشْرَبَ. فَالْمَوْلَى الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ: أُبَطِّلُ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ، أَمَامَ عُيُونِكُمْ وَفِي أَيَّامِكُمْ، صَوْتَ الطَّرَبِ وَصَوْتَ الْفَرَحِ، صَوْتَ الْعَرِيسِ وَصَوْتَ الْعَرُوسَةِ. ”وَعِنْدَمَا تُخْبِرُ هَذَا الشَّعْبَ بِكُلِّ هَذَا الْكَلَامِ، يَقُولُونَ لَكَ: ’لِمَاذَا حَكَمَ اللهُ عَلَيْنَا بِكُلِّ هَذِهِ الْمَصَائِبِ الْفَظِيعَةِ؟ مَا هُوَ ذَنْبُنَا، وَمَا هُوَ الْخَطَأُ الَّذِي ارْتَكَبْنَاهُ ضِدَّ الْمَوْلَى إِلَهِنَا؟‘ فَتَقُولُ لَهُمْ: ’لِأَنَّ آبَاءَكُمْ تَرَكُونِي، وَتَبِعُوا آلِهَةً أُخْرَى وَعَبَدُوهَا وَسَجَدُوا لَهَا. فَتَرَكُونِي وَلَمْ يَعْمَلُوا بِشَرِيعَتِي. هَذَا كَلَامُ اللهِ. وَأَنْتُمْ عَمِلْتُمُ الشَّرَّ أَكْثَرَ مِنْ آبَائِكُمْ، فَيَنْسَاقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ إِلَى قَلْبِهِ الْعَنِيدِ الشِّرِّيرِ، وَلَا يُطِيعُنِي. لِذَلِكَ أَرْمِيكُمْ بَعِيدًا، مِنْ هَذِهِ الْبِلَادِ إِلَى بِلَادٍ لَا تَعْرِفُونَهَا وَلَا عَرَفَهَا آبَاؤُكُمْ. وَهُنَاكَ تَعْبُدُونَ آلِهَةً أُخْرَى نَهَارًا وَلَيْلًا، لِأَنِّي لَا أَرْحَمُكُمْ.‘“ وَيَقُولُ اللهُ: ”سَتَأْتِي أَيَّامٌ لَا يَحْلِفُونَ فِيهَا بِاللهِ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ، بَلْ يَحْلِفُونَ بِهِ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ الشَّمَالِ، وَمِنْ كُلِّ الْبِلَادِ الَّتِي طَرَدَهُمْ إِلَيْهَا. لِأَنِّي سَأُرْجِعُهُمْ إِلَى أَرْضِهِمِ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لِآبَائِهِمْ.“ وَيَقُولُ اللهُ: ”أَمَّا الْآنَ فَإِنِّي أُرْسِلُ صَيَّادِينَ كَثِيرِينَ لِيَأْخُذُوهُمْ كَالسَّمَكِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ أُرْسِلُ قَنَّاصِينَ كَثِيرِينَ لِيُمْسِكُوهُمْ فِي كُلِّ جَبَلٍ وَتَلٍّ وَفِي الشُّقُوقِ الَّتِي فِي الصُّخُورِ. لِأَنِّي أُرَاقِبُ كُلَّ طُرُقِهِمْ. فَهِيَ غَيْرُ مَسْتُورَةٍ عَنْ وَجْهِي، وَلَا شَرُّهُمْ يَخْفَى عَنْ نَظَرِي. فَأُضَاعِفُ لَهُمُ الْعِقَابَ عَلَى شَرِّهِمْ وَذَنْبِهِمْ، لِأَنَّهُمْ نَجَّسُوا أَرْضِي وَمَلَأُوا نَصِيبِي بِتَمَاثِيلِهِمِ الْبَشِعَةِ الْمَيِّتَةِ، وَبِأَصْنَامِهِمِ الْقَبِيحَةِ.“ يَا رَبُّ، أَنْتَ قُوَّتِي وَحِصْنِي وَمَلْجَأِي فِي وَقْتِ الضِّيقِ. تَأْتِي إِلَيْكَ الْأُمَمُ مِنْ آخِرِ الْأَرْضِ وَتَقُولُ: ”وَرِثَ آبَاؤُنَا عِبَادَةَ الْآلِهَةِ الْكَاذِبَةِ وَالْأَصْنَامِ التَّافِهَةِ الَّتِي لَا تَنْفَعُ. هَلْ يَصْنَعُ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ آلِهَةً؟ نَعَمْ! إِنَّمَا هِيَ لَيْسَتْ آلِهَةً!“ ”لِذَلِكَ، هَذِهِ الْمَرَّةَ أُعَرِّفُهُمْ قُوَّتِي وَقُدْرَتِي، فَيَعْرِفُونَ أَنَّ اسْمِي هُوَ اللهُ. ”خَطِيئَةُ يَهُوذَا مَكْتُوبَةٌ بِقَلَمٍ مِنْ حَدِيدٍ، مَحْفُورَةٌ بِرَأْسٍ مِنَ الْمَاسِ عَلَى أَلْوَاحِ قُلُوبِهِمْ، وَعَلَى قُرُونِ الْمَنَصَّاتِ الَّتِي يُقَدِّمُونَ عَلَيْهَا الْقُرْبَانَ. حَتَّى أَوْلَادُهُمْ يَتَذَكَّرُونَ الْمَنَصَّاتِ وَالْأَعْمِدَةَ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ الْأَشْجَارِ الْخَضْرَاءِ، وَعَلَى التِّلَالِ الْمُرْتَفِعَةِ، وَعَلَى الْجِبَالِ وَفِي الْحُقُولِ. لِذَلِكَ أُعْطِي ثَرْوَتَكَ وَكُنُوزَكَ غَنِيمَةً، وَأَيْضًا مَعَابِدَ الْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ الَّتِي فِي كُلِّ بِلَادِكَ لِأَنَّكَ أَخْطَأْتَ ضِدِّي. وَبِسَبَبِ ذَنْبِكَ تَفْقِدُ نَصِيبَكَ الَّذِي أَعْطَيْتُهُ لَكَ. وَأَجْعَلُكَ عَبْدًا لِأَعْدَائِكَ فِي بِلَادٍ لَا تَعْرِفُهَا، لِأَنَّكَ جَعَلْتَ غَضَبِي يَشْتَعِلُ كَنَارٍ تَحْتَرِقُ إِلَى الْأَبَدِ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ: ”مَلْعُونٌ مَنْ يَتَوَكَّلُ عَلَى الْإِنْسَانِ، وَيَعْتَمِدُ عَلَى قُوَّةِ الْبَشَرِ، وَيَنْحَرِفُ قَلْبُهُ عَنِ اللهِ. يَكُونُ كَشَجَرَةٍ فِي الصَّحْرَاءِ، لَا تَرَى الْخَيْرَ عِنْدَمَا يَأْتِي، بَلْ تَنْمُو فِي أَرْضٍ شَدِيدَةِ الْحَرَارَةِ وَمَالِحَةٍ وَلَا يَسْكُنُهَا أَحَدٌ. هَنِيئًا لِمَنْ يَتَوَكَّلُ عَلَى اللهِ وَيَثِقُ فِيهِ. يَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ الْمَاءِ، تَمُدُّ جُذُورَهَا عِنْدَ النَّهْرِ، لَا تَخَافُ شِدَّةَ الْحَرِّ، يَبْقَى وَرَقُهَا دَائِمًا أَخْضَرَ، لَا يَهُمُّهَا إِنْ جَاءَتْ سَنَةُ جَفَافٍ، وَدَائِمًا تُنْتِجُ ثَمَرًا. ”الْقَلْبُ هُوَ أَخْدَعُ شَيْءٍ، وَهُوَ خَبِيثٌ بِلَا شِفَاءٍ، فَمَنْ يَعْرِفُهُ؟ أَنَا اللهَ أَفْحَصُ الْقَلْبَ، وَأَخْتَبِرُ الْأَفْكَارَ، لِأُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ سُلُوكِهِ، وَكَمَا تَسْتَحِقُّ أَعْمَالُهُ. كَدَجَاجَةٍ تَحْضِنُ مَا لَمْ تَبِضْ، مَنْ يَجْمَعُ الْغِنَى بِغَيْرِ حَقٍّ. فِي نِصْفِ عُمْرِهِ يَفْقِدُهُ، وَفِي آخِرِ أَيَّامِهِ يَكُونُ أَحْمَقَ.“ اللَّهُمَّ، بَيْتُكَ الَّذِي عِنْدَنَا هُوَ عَرْشٌ مَجِيدٌ مُرْتَفِعٌ مِنَ الْبِدَايَةِ. يَا رَجَاءَ شَعْبِكَ، كُلُّ مَنْ يَتْرُكُونَكَ يَخْجَلُونَ، مَنْ يَبْتَعِدُونَ عَنْكَ تُكْتَبُ أَسْمَاؤُهُمْ فِي التُّرَابِ، لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا اللهَ يَنْبُوعَ الْمَاءِ الْحَيِّ. اِشْفِنِي يَا رَبُّ فَأُشْفَى، أَنْقِذْنِي فَأُنْقَذَ، لِأَنَّكَ أَنْتَ أَغْنَيْتَنِي! الشَّعْبُ يَقُولُ لِي: ”أَيْنَ كَلِمَةُ اللهِ؟ لِمَاذَا لَمْ تَتِمَّ؟“ أَنَا لَمْ أَتَهَرَّبْ مِنْ كَوْنِي رَاعِيًا عِنْدَكَ، وَلَا تَمَنَّيْتُ لَهُمْ يَوْمَ الْبَلْوَى، بَلْ أَنْتَ عَارِفٌ كُلَّ مَا قُلْتُهُ لِأَنَّهُ كَانَ فِي مَحْضَرِكَ. يَا رَبُّ لَا تُرْعِبْنِي، فَأَنْتَ مَلْجَأِي فِي يَوْمِ الْهَلَاكِ. اِجْعَلِ الَّذِينَ يَضْطَهِدُونِي يَخْجَلُونَ، لَا أَنَا. أَرْعِبْهُمْ هُمْ، لَا أَنَا. أَرْسِلْ عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْهَلَاكِ. حَطِّمْهُمْ تَحْطِيمًا مُضَاعَفًا. وَقَالَ اللهُ لِي: ”اِذْهَبْ وَقِفْ عِنْدَ بَوَّابَةِ الْقُدْسِ الَّتِي اسْمُهَا بَوَّابَةُ بَنِي الشَّعْبِ، وَهِيَ الَّتِي يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ مِنْهَا مُلُوكُ يَهُوذَا، ثُمَّ اذْهَبْ أَيْضًا إِلَى بَوَّابَاتِ الْقُدْسِ الْأُخْرَى. وَقُلْ لَهُمْ: ’اِسْمَعُوا كَلِمَةَ اللهِ يَا مُلُوكَ يَهُوذَا وَكُلَّ شَعْبِ يَهُوذَا وَكُلَّ سُكَّانِ الْقُدْسِ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مِنْ هَذِهِ الْبَوَّابَاتِ. فَهَذَا كَلَامُ اللهِ، إِيَّاكُمْ أَنْ تَحْمِلُوا حِمْلًا فِي يَوْمِ السَّبْتِ وَتَدْخُلُوا بِهِ مِنْ بَوَّابَاتِ الْقُدْسِ. لَا تَخْرُجُوا بِحِمْلٍ مِنْ دِيَارِكُمْ وَلَا تَعْمَلُوا أَيَّ عَمَلٍ فِي يَوْمِ السَّبْتِ. بَلِ احْفَظُوا السَّبْتَ مُقَدَّسًا كَمَا أَمَرْتُ آبَاءَكُمْ. لَكِنَّ آبَاءَكُمْ لَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يَنْتَبِهُوا، بَلْ عَانَدُوا. فَلَا سَمِعُوا وَلَا نَفَعَ مَعَهُمُ الْعِقَابُ! أَمَّا أَنْتُمْ، فَإِنْ سَمِعْتُمْ لِي، وَلَمْ تُدْخِلُوا أَحْمَالًا مِنْ بَوَّابَاتِ هَذِهِ الْمَدِينَةِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ، بَلْ حَفِظْتُمْ يَوْمَ السَّبْتِ مُقَدَّسًا وَلَمْ تَعْمَلُوا فِيهِ أَيَّ عَمَلٍ، فَالْمَوْلَى يَقُولُ، إِنَّ الْمُلُوكَ الْجَالِسِينَ عَلَى عَرْشِ دَاوُدَ، يَدْخُلُونَ مَعَ قَادَتِهِمْ مِنْ بَوَّابَاتِ هَذِهِ الْمَدِينَةِ. يَأْتُونَ وَهُمْ رَاكِبُونَ فِي مَرْكَبَاتٍ وَعَلَى خَيْلٍ، وَمَعَهُمْ رِجَالُ يَهُوذَا وَسُكَّانُ الْقُدْسِ. وَتَعْمُرُ هَذِهِ الْمَدِينَةُ إِلَى الْأَبَدِ. وَيَأْتِي النَّاسُ مِنْ مُدُنِ يَهُوذَا وَالْقُرَى الَّتِي حَوْلَ الْقُدْسِ، وَمِنْ بِلَادِ بِنْيَمِينَ، وَمِنَ السَّهْلِ وَالْجِبَالِ وَالنَّقَبِ، وَمَعَهُمْ قَرَابِينُ وَضَحَايَا وَهَدَايَا وَبَخُورٌ وَقَرَابِينُ شُكْرٍ إِلَى بَيْتِ اللهِ. وَلَكِنْ إِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لِي، وَلَمْ تَحْفَظُوا يَوْمَ السَّبْتِ مُقَدَّسًا، وَدَاوَمْتُمْ عَلَى الدُّخُولِ بِالْأَحْمَالِ مِنْ بَوَّابَاتِ الْقُدْسِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ، أُشْعِلُ فِي بَوَّابَاتِ الْقُدْسِ نَارًا لَا تَنْطَفِئُ، فَتَأْكُلُ حُصُونَهَا.‘“ وَقَالَ اللهُ لِإِرْمِيَا بِالْوَحْيِ: ”قُمِ اذْهَبْ إِلَى دَارِ الْفَخَّارِيِّ، وَهُنَاكَ أُكَلِّمُكَ.“ فَذَهَبْتُ إِلَى دَارِ الْفَخَّارِيِّ، فَوَجَدْتُهُ يَشْتَغِلُ عَلَى جِهَازِ عَمَلِ الْفَخَّارِ. وَلَكِنَّ الْوِعَاءَ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ مِنَ الطِّينِ تَلِفَ فِي يَدِهِ، فَعَادَ الْفَخَّارِيُّ وَعَمِلَهُ وِعَاءً آخَرَ وَشَكَّلَهُ كَمَا أَرَادَ. فَقَالَ اللهُ لِي: ”هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى. أَنَا أَيْضًا أَقْدِرُ أَنْ أَعْمَلَ بِكُمْ كَهَذَا الْفَخَّارِيِّ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ. فَأَنْتُمْ فِي يَدِي كَالطِّينِ فِي يَدِ الْفَخَّارِيِّ. مَرَّةً أَقُولُ لِأُمَّةٍ أَوْ مَمْلَكَةٍ إِنِّي سَأَقْلَعُهَا وَأَهْدِمُهَا وَأُهْلِكُهَا. فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْأُمَّةُ الَّتِي كَلَّمْتُهَا، تَتُوبُ عَنْ شَرِّهَا، أَنَا أَيْضًا أَرْجِعُ وَلَا أُرْسِلُ الْمَصَائِبَ الَّتِي قَصَدْتُهَا لَهَا. وَمَرَّةً أُخْرَى أَقُولُ لِأُمَّةٍ أَوْ مَمْلَكَةٍ إِنِّي سَأَبْنِيهَا وَأُثَبِّتُهَا. فَإِنْ كَانَتْ تَعْمَلُ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِي، وَلَا تُطِيعُنِي، أَرْجِعُ وَلَا أُرْسِلُ الْخَيْرَ الَّذِي وَعَدْتُهَا بِهِ. ”إِذَنْ قُلْ لِشَعْبِ يَهُوذَا وَسُكَّانِ الْقُدْسِ: ’قَالَ اللهُ، إِنِّي أُعِدُّ لَكُمْ مُصِيبَةً وَأُدَبِّرُ مَكِيدَةً. فَارْجِعُوا كُلُّكُمْ عَنْ سُلُوكِكُمُ الرَّدِيءِ، وَأَصْلِحُوا طُرُقَكُمْ وَأَعْمَالَكُمْ.‘“ فَقَالُوا: ”لَا فَائِدَةَ مِنَ الْمُحَاوَلَةِ. بَلْ نَتْبَعُ أَفْكَارَنَا، وَكُلُّ وَاحِدٍ يَنْسَاقُ إِلَى قَلْبِهِ الْعَنِيدِ الشِّرِّيرِ.“ لِذَلِكَ قَالَ اللهُ: ”اِسْأَلُوا شُعُوبَ الْأُمَمِ الْأُخْرَى إِنْ كَانُوا سَمِعُوا بِمِثْلِ هَذَا، فَإِنَّ شَعْبِيَ الَّذِي كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُخَصَّصًا لِي، اِرْتَكَبَ فَظَائِعَ. هَلْ يَخْتَفِي الثَّلْجُ مِنْ جَبَلِ لُبْنَانَ؟ وَهَلْ مِيَاهُهُ الْجَارِيَةُ الْبَارِدَةُ تَجِفُّ؟ لَا! لَكِنَّ شَعْبِي نَسِيَنِي. أَحْرَقُوا الْبَخُورَ لِأَصْنَامٍ تَافِهَةٍ جَعَلَتْهُمْ يَعْثُرُونَ فِي طُرُقِهِمِ الْقَوِيمَةِ الْقَدِيمَةِ، فَسَارُوا فِي مَمَرَّاتٍ وَطُرُقٍ غَيْرِ مُمَهَّدَةٍ. فَتَصِيرُ بِلَادُهُمْ خَرَابًا، وَيَهْزَأُ النَّاسُ بِهَا، حَتَّى إِنَّ كُلَّ مَنْ يَمُرُّ بِهَا يَنْذَهِلُ وَيَهُزُّ رَأْسَهُ. كَرِيحٍ شَرْقِيَّةٍ أُبَدِّدُهُمْ أَمَامَ الْعَدُوِّ، وَفِي يَوْمِ مُصِيبَتِهِمْ أُدِيرُ لَهُمْ ظَهْرِي لَا وَجْهِي.“ فَقَالَ الشَّعْبُ: ”تَعَالَوْا نَتَآمَرُ ضِدَّ إِرْمِيَا، فَنَحْنُ دَائِمًا عِنْدَنَا الْأَحْبَارُ لِيُعَلِّمُونَا الشَّرِيعَةَ، وَالْحُكَمَاءُ لِيُعْطُونَا الْمَشُورَةَ، وَالْأَنْبِيَاءُ لِيُكَلِّمُونَا بِرِسَالَةِ اللهِ. تَعَالَوْا نَتَّهِمُهُ بِشَيْءٍ، فَلَا نَسْمَعُ كُلَّ هَذَا الْكَلَامِ مِنْهُ.“ فَاسْتَمِعْ لِي يَا رَبُّ، وَاسْمَعْ مَا يَقُولُهُ خُصُومِي. لِمَاذَا يُكَافِئُونَ الْخَيْرَ بِالشَّرِّ؟ إِنَّهُمْ حَفَرُوا لِي حُفْرَةً. اُذْكُرْ يَا رَبُّ أَنِّي وَقَفْتُ أَمَامَكَ لِأَطْلُبَ الْخَيْرَ لَهُمْ، وَأَرُدَّ غَضَبَكَ عَنْهُمْ. لِذَلِكَ اجْعَلْ أَوْلَادَهُمْ يَمُوتُونَ مِنَ الْجُوعِ، اِهْزِمْهُمْ بِالسَّيْفِ، اِحْرِمْ نِسَاءَهُمْ مِنَ الْأَوْلَادِ وَالْأَزْوَاجِ، مَوِّتْ رِجَالَهُمْ بِالْوَبَأِ، وَاقْتُلْ شُبَّانَهُمْ بِالسَّيْفِ فِي الْحَرْبِ، أَرْسِلْ عَلَيْهِمْ جَيْشَ الْعَدُوِّ فَجْأَةً، فَيُسْمَعَ الصُّرَاخُ فِي دِيَارِهِمْ. لِأَنَّهُمْ حَفَرُوا حُفْرَةً لِيُمْسِكُونِي، وَنَصَبُوا فَخًّا لِرِجْلَيَّ. أَنْتَ يَا رَبُّ عَارِفٌ الْمُؤَامَرَاتِ الَّتِي يُدَبِّرُونَهَا لِقَتْلِي. لَا تَغْفِرْ ذَنْبَهُمْ، وَلَا تَمْسَحْ شَرَّهُمْ مِنْ أَمَامِكَ. اِجْعَلْهُمْ يَسْقُطُونَ فِي مَحْضَرِكَ، وَعَاقِبْهُمْ فِي يَوْمِ غَضَبِكَ. وَقَالَ اللهُ لِي: ”اِذْهَبْ وَاشْتَرِ جَرَّةً مِنَ الْفَخَّارِ، ثُمَّ خُذْ مَعَكَ بَعْضَ شُيُوخِ الشَّعْبِ وَبَعْضَ كِبَارِ الْأَحْبَارِ، وَاخْرُجْ إِلَى وَادِي ابْنِ هِنُّومَ بِالْقُرْبِ مِنْ مَدْخَلِ بَوَّابَةِ الْخَزَفِ، وَنَادِ هُنَاكَ بِالْكَلَامِ الَّذِي أَقُولُهُ لَكَ وَقُلْ: ’اِسْمَعُوا كَلِمَةَ اللهِ يَا مُلُوكَ يَهُوذَا وَسُكَّانَ الْقُدْسِ. فَالْمَوْلَى الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ، إِنِّي سَأَجْلِبُ عَلَى هَذَا الْمَكَانِ مَصَائِبَ، كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ بِهَا تُصْعَقُ أُذُنَاهُ! لِأَنَّهُمْ تَرَكُونِي، وَأَسَاءُوا إِلَى هَذَا الْمَكَانِ، بِأَنْ أَحْرَقُوا فِيهِ الْبَخُورَ لِآلِهَةٍ أُخْرَى لَا يَعْرِفُونَهَا وَلَا عَرَفَهَا آبَاؤُهُمْ وَلَا مُلُوكُ يَهُوذَا، وَمَلَأُوا هَذَا الْمَكَانَ مِنْ دَمِ الْأَبْرِيَاءِ. وَبَنَوْا أَمَاكِنَ عِبَادَةٍ لِبَعْلَ، لِيَحْرِقُوا بَنِيهِمْ بِالنَّارِ قُرْبَانًا لِبَعْلَ، وَهُوَ مَا لَمْ أَطْلُبْهُ وَلَمْ أَذْكُرْهُ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِي أَبَدًا. لِذَلِكَ يَقُولُ اللهُ، اِحْذَرُوا! فَهَذَا الْمَكَانُ سَتَأْتِي عَلَيْهِ أَيَّامٌ لَا يُدْعَى فِيهَا حُفْرَةَ النَّارِ وَلَا وَادِي ابْنِ هِنُّومَ، بَلْ وَادِي الْقَتْلِ. وَأُحَطِّمُ مُؤَامَرَةَ شَعْبِ يَهُوذَا وَالْقُدْسِ فِي هَذَا الْمَكَانِ، وَأَجْعَلُهُمْ يَمُوتُونَ بِالسَّيْفِ أَمَامَ أَعْدَائِهِمْ، وَبِأَيْدِي مَنْ يَسْعَوْنَ لِهَلَاكِهِمْ. وَأُعْطِي جُثَثَهُمْ طَعَامًا لِطُيُورِ السَّمَاءِ وَوُحُوشِ الْأَرْضِ. وَأَجْعَلُ هَذِهِ الْمَدِينَةَ خَرَابًا، وَيَهْزَأُ النَّاسُ بِهَا، حَتَّى إِنَّ كُلَّ مَنْ يَمُرُّ بِهَا يَنْذَهِلُ وَيَسْخَرُ بِسَبَبِ كُلِّ مَا حَلَّ بِهَا. وَأَجْعَلُهُمْ يَأْكُلُونَ لَحْمَ بَنِيهِمْ وَلَحْمَ بَنَاتِهِمْ، وَكُلُّ وَاحِدٍ لَحْمَ صَاحِبِهِ، بِسَبَبِ الْحِصَارِ وَالضِّيقِ الَّذِي يُضَايِقُهُمْ بِهِ أَعْدَاؤُهُمُ الَّذِينَ يَسْعَوْنَ لِهَلَاكِهِمْ.‘ ”وَبَعْدَمَا تَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ يَا إِرْمِيَا، اِكْسِرِ الْجَرَّةَ أَمَامَ عُيُونِ الرِّجَالِ الَّذِينَ رَاحُوا مَعَكَ، وَقُلْ لَهُمْ: ’الْمَوْلَى الْقَدِيرُ يَقُولُ، سَأَكْسِرُ هَذَا الشَّعْبَ وَهَذِهِ الْمَدِينَةَ، كَمَا يُكْسَرُ وِعَاءُ الْفَخَّارِيِّ حَتَّى لَا يُمْكِنُ إِصْلَاحُهُ. وَيَدْفِنُونَ الْمَوْتَى فِي حُفْرَةِ النَّارِ، حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهَا مَكَانٌ لِآخَرَ. وَيَقُولُ اللهُ، أَنَا سَأَعْمَلُ نَفْسَ الشَّيْءِ لِهَذَا الْمَكَانِ وَلِسُكَّانِهِ، وَأَجْعَلُ هَذِهِ الْمَدِينَةَ كَحُفْرَةِ النَّارِ. وَتَكُونُ دِيَارُ الْقُدْسِ وَقُصُورُ مُلُوكِ يَهُوذَا نَجِسَةً كَهَذَا الْمَكَانِ أَيْ حُفْرَةِ النَّارِ، كُلُّ الدِّيَارِ الَّتِي أَحْرَقُوا فِيهَا بَخُورًا عَلَى السَّطْحِ لِكُلِّ نُجُومِ السَّمَاءِ، وَسَكَبُوا قُرْبَانَ شَرَابٍ لِآلِهَةٍ أُخْرَى.‘“ ثُمَّ رَجَعَ إِرْمِيَا مِنْ حُفْرَةِ النَّارِ، الَّتِي أَرْسَلَهُ اللهُ إِلَيْهَا لِيَتَنَبَّأَ، وَوَقَفَ فِي سَاحَةِ بَيْتِ اللهِ وَقَالَ لِكُلِّ الشَّعْبِ: ”الْمَوْلَى الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ: ’سَأَجْلِبُ عَلَى هَذِهِ الْمَدِينَةِ، وَعَلَى الْقُرَى الَّتِي حَوْلَهَا، كُلَّ الْمَصَائِبِ الَّتِي حَكَمْتُ بِهَا عَلَيْهَا، لِأَنَّهُمْ عَانَدُوا وَلَمْ يَسْمَعُوا كَلَامِي.‘“ وَكَانَ فَشْحُورُ بْنُ إِمِّيرَ الْحَبْرُ، هُوَ أَكْبَرَ مَسْئُولٍ فِي بَيْتِ اللهِ. فَسَمِعَ إِرْمِيَا يَتَنَبَّأُ بِهَذَا الْكَلَامِ، فَضَرَبَ إِرْمِيَا، وَوَضَعَهُ فِي خَشَبَةِ التَّعْذِيبِ الَّتِي فِي بَابِ بِنْيَمِينَ الْعَالِي فِي بَيْتِ اللهِ. وَفِي الْغَدِ أَخْرَجَهُ مِنْ خَشَبَةِ التَّعْذِيبِ. فَقَالَ إِرْمِيَا لِفَشْحُورَ: ”الْمَوْلَى غَيَّرَ اسْمَكَ مِنْ فَشْحُورَ إِلَى رُعْبٍ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. لِأَنَّ اللهَ قَالَ: ’سَأَجْعَلُكَ رُعْبًا لِنَفْسِكَ وَلِكُلِّ أَصْحَابِكَ، فَيَمُوتُونَ بِسَيْفِ أَعْدَائِهِمْ، وَأَنْتَ تَرَى ذَلِكَ بِعَيْنَيْكَ. وَأُوقِعُ كُلَّ يَهُوذَا فِي يَدِ مَلِكِ بَابِلَ، فَيَأْسِرُهُمْ إِلَى بَابِلَ وَيَقْتُلُهُمْ بِالسَّيْفِ. وَأُعْطِي كُلَّ ثَرْوَةِ هَذِهِ الْمَدِينَةِ، وَكُلَّ مَكَاسِبِهَا، وَكُلَّ نَفَائِسِهَا، وَكُلَّ خَزَائِنِ مُلُوكِ يَهُوذَا لِأَعْدَائِهِمْ. فَيَسْتَوْلُونَ عَلَيْهَا وَيَأْخُذُونَهَا غَنِيمَةً إِلَى بَابِلَ. وَأَنْتَ يَا فَشْحُورُ، وَكُلُّ سُكَّانِ دَارِكَ، تُؤْخَذُونَ أَسْرَى إِلَى بَابِلَ. وَهُنَاكَ تَمُوتُ وَتُدْفَنُ أَنْتَ وَكُلُّ أَصْحَابِكَ الَّذِينَ تَنَبَّأْتَ لَهُمْ بِالْكِذْبِ.‘“ خَدَعْتَنِي يَا رَبُّ فَانْخَدَعْتُ، أَنْتَ أَقْوَى مِنِّي فَغَلَبْتَ. يَضْحَكُونَ عَلَيَّ طُولَ النَّهَارِ، كُلُّ وَاحِدٍ يَهْزَأُ بِي. لِأَنِّي كُلَّمَا تَكَلَّمْتُ أَصِيحُ، وَأَتَحَدَّثُ عَنِ الْوَيْلِ وَالْخَرَابِ. فَجَلَبَتْ كَلِمَةُ اللهِ عَلَيَّ الْعَارَ وَالسُّخْرِيَةَ طُولَ النَّهَارِ. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: ”لَنْ أَذْكُرَ اللهَ، وَلَنْ أَتَكَلَّمَ بِاسْمِهِ بَعْدَ الْآنَ!“ فَصَارَتْ كَلِمَتُهُ كَنَارٍ مُشْتَعِلَةٍ فِي قَلْبِي، وَمَحْبُوسَةٍ فِي عِظَامِي. وَأَخِيرًا تَعِبْتُ مِنْ كَبْتِهَا، وَلَمْ أَقْدِرْ أَنْ أَسْكُتَ. وَسَمِعْتُ كَثِيرِينَ يَهْمِسُونَ عَنِّي: ”تَعَالَوْا نَشْتَكِي ضِدَّهُ، لِأَنَّهُ قَالَ سَيَأْتِي رُعْبٌ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ!“ كُلُّ أَصْحَابِي يَنْتَظِرُونَ سُقُوطِي وَيَقُولُونَ: ”لَعَلَّهُ يَعْثُرُ فَنَغْلِبَهُ وَنَنْتَقِمَ مِنْهُ.“ لَكِنَّ اللهَ مَعِي كَمُحَارِبٍ بَاسِلٍ قَدِيرٍ، لِذَلِكَ يَعْثُرُ الَّذِينَ يَضْطَهِدُونِي وَلَا يَغْلِبُونِي. يَفْشَلُونَ وَيَخْجَلُونَ جِدًّا. عَارُهُمْ لَا يُنْسَى أَبَدًا. فَيَا رَبَّنَا الْقَدِيرَ، يَا مَنْ تَخْتَبِرُ الصَّالِحَ وَتَفْحَصُ الْقَلْبَ وَالْفِكْرَ، إِنِّي أَشْكُوهُمْ لَكَ، اِنْتَقِمْ لِي مِنْهُمْ، وَخَلِّنِي أَرَى ذَلِكَ! غَنُّوا للهِ! سَبِّحُوا اللهَ! لِأَنَّهُ يُنْقِذُ نَفْسَ الْمِسْكِينِ مِنْ يَدِ الْأَشْرَارِ. مَلْعُونٌ الْيَوْمُ الَّذِي وُلِدْتُ فِيهِ، الْيَوْمُ الَّذِي وَلَدَتْنِي فِيهِ أُمِّي لَا يَكُنْ مُبَارَكًا. مَلْعُونٌ مَنْ بَشَّرَ أَبِي وَفَرَّحَهُ وَقَالَ لَهُ: ”أَنْجَبْتَ ابْنًا!“ لِيَكُنْ ذَلِكَ الشَّخْصُ كَالْمُدُنِ الَّتِي أَهْلَكَهَا اللهُ وَلَمْ يَنْدَمْ عَلَيْهَا. فَيَسْمَعُ صُرَاخًا فِي الصَّبَاحِ، وَصَيْحَةَ الْحَرْبِ فِي الظُّهْرِ. لِأَنَّ اللهَ لَمْ يَقْتُلْنِي مِنَ الرَّحِمِ، حَتَّى تَكُونَ أُمِّي قَبْرِي، وَتَبْقَى حُبْلَى إِلَى الْأَبَدِ. لِمَاذَا خَرَجْتُ مِنَ الرَّحِمِ، لِأَرَى الْبُؤْسَ وَالْحُزْنَ، وَتَنْتَهِيَ أَيَّامِي فِي الْعَارِ؟ وَأَوْحَى اللهُ بِكَلَامٍ لِإِرْمِيَا، لِأَنَّ الْمَلِكَ صِدْقِيَا أَرْسَلَ فَشْحُورَ بْنَ مَلَكْيَا وَالْحَبْرَ مَعَسْيَا إِلَى إِرْمِيَا يَقُولُ: ”اُطْلُبِ اللهَ مِنْ أَجْلِنَا، لِأَنَّ نَبُوخَذْنَصْرَ مَلِكَ بَابِلَ يُهَاجِمُنَا. لَعَلَّ اللهَ يَعْمَلُ مَعَنَا مُعْجِزَةً كَمَا عَمِلَ فِي الْمَاضِي، فَيَذْهَبَ مَلِكُ بَابِلَ عَنَّا.“ فَقَالَ لَهُمَا إِرْمِيَا: ”قُولَا لِصِدْقِيَا: ’الْمَوْلَى رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ: أَنْتُمْ مَعَكُمْ أَسْلِحَةٌ تُحَارِبُونَ بِهَا مَلِكَ بَابِلَ وَالْبَابِلِيِّينَ الَّذِينَ يُحَاصِرُونَكُمْ خَارِجَ سُورِ الْمَدِينَةِ. هَذِهِ الْأَسْلِحَةُ سَأُدِيرُهَا ضِدَّكُمْ، وَأَجْمَعُهَا فِي وَسَطِ هَذِهِ الْمَدِينَةِ. وَأَنَا نَفْسِي أُحَارِبُكُمْ بِيَدٍ شَدِيدَةٍ وَذِرَاعٍ قَدِيرَةٍ، وَبِغَضَبٍ وَسَخَطٍ وَغَيْظٍ عَظِيمٍ. وَأَقْتُلُ سُكَّانَ هَذِهِ الْمَدِينَةِ، مِنْ نَاسٍ وَبَهَائِمَ مَعًا، فَيَمُوتُونَ بِوَبَأٍ شَدِيدٍ. وَيَقُولُ اللهُ: وَبَعْدَ ذَلِكَ أُوقِعُ صِدْقِيَا مَلِكَ يَهُوذَا وَأَعْوَانَهُ وَالشَّعْبَ الْبَاقِيَ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ مِنَ الْمَوْتِ بِالْوَبَأِ وَالسَّيْفِ وَالْجُوعِ، فِي يَدِ نَبُوخَذْنَصْرَ مَلِكِ بَابِلَ، وَفِي يَدِ أَعْدَائِهِمِ الَّذِينَ يَسْعَوْنَ لِهَلَاكِهِمْ. فَيَقْتُلُونَهُمْ بِالسَّيْفِ، وَلَا يَرْأَفُونَ بِهِمْ وَلَا يَشْفِقُونَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَرْحَمُونَهُمْ.‘ ”وَتَقُولُ لِهَذَا الشَّعْبِ: ’هَذَا كَلَامُ اللهِ، الْآنَ أُعْطِيكُمُ الْحُرِّيَّةَ لِتَخْتَارُوا طَرِيقَ الْحَيَاةِ أَوْ طَرِيقَ الْمَوْتِ. مَنْ يُقِيمُ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ يَمُوتُ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَأِ، وَمَنْ يَخْرُجُ وَيَسْتَسْلِمُ لِلْبَابِلِيِّينَ الَّذِينَ يُحَاصِرُونَكُمْ، يَحْيَا وَيَنْجُو بِحَيَاتِهِ. لِأَنَّ اللهَ يَقُولُ: نَوَيْتُ لِهَذِهِ الْمَدِينَةِ شَرًّا لَا خَيْرًا. فَيَهْزِمُهَا مَلِكُ بَابِلَ وَيَحْرِقُهَا بِالنَّارِ.‘ ”وَتَقُولُ لِعَائِلَةِ مَلِكِ يَهُوذَا: ’اِسْمَعُوا كَلِمَةَ اللهِ يَا بَيْتَ دَاوُدَ. يَقُولُ اللهُ: اُحْكُمُوا بِالْعَدْلِ كُلَّ صُبْحٍ، وَأَنْقِذُوا الْمَظْلُومَ مِنْ يَدِ الظَّالِمِ. لِئَلَّا يَشْتَعِلَ غَضَبِي بِسَبَبِ أَعْمَالِكُمُ الشِّرِّيرَةِ، فَيَحْرِقَ وَلَا يُطْفِئَهُ أَحَدٌ. وَيَقُولُ اللهُ: أَنَا ضِدُّكِ يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ، أَيَّتُهَا السَّاكِنَةُ عَلَى الْجَبَلِ، فَوْقَ هَذَا الْوَادِي. فَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: ”مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَهْجُمَ عَلَيْنَا أَوْ يَعْتَدِيَ عَلَى مَدِينَتِنَا الْقَوِيَّةِ؟“ وَلَكِنَّ اللهَ يَقُولُ: أُعَاقِبُكُمْ بِمَا تَسْتَحِقُّ أَعْمَالُكُمْ، وَأُشْعِلُ نَارًا فِي غَابَاتِكُمْ فَتَأْكُلُ كُلَّ مَا حَوْلَكُمْ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”اِنْزِلْ إِلَى قَصْرِ مَلِكِ يَهُوذَا، وَأَعْلِنْ هَذِهِ الرِّسَالَةَ هُنَاكَ: ’اِسْمَعْ كَلِمَةَ اللهِ يَا مَلِكَ يَهُوذَا الْجَالِسَ عَلَى عَرْشِ دَاوُدَ، أَنْتَ وَأَعْوَانُكَ وَشَعْبُكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مِنْ هَذِهِ الْبَوَّابَاتِ. فَالْمَوْلَى يَقُولُ: اِعْمَلُوا الْعَدْلَ وَالصَّلَاحَ، وَأَنْقِذُوا الْمَظْلُومَ مِنْ يَدِ الظَّالِمِ. وَلَا تَضْطَهِدُوا الْغَرِيبَ وَالْيَتِيمَ وَالْأَرْمَلَةَ وَلَا تَظْلِمُوهُمْ. وَلَا تَسْفِكُوا دَمَ الْأَبْرِيَاءِ فِي هَذَا الْمَكَانِ. إِنْ عَمِلْتُمْ بِهَذِهِ الْوَصَايَا، فَالْمُلُوكُ الْجَالِسُونَ عَلَى عَرْشِ دَاوُدَ، يَدْخُلُونَ مِنْ هَذِهِ الْبَوَّابَاتِ رَاكِبِينَ فِي مَرْكَبَاتٍ وَعَلَى خَيْلٍ وَمَعَهُمْ أَعْوَانُهُمْ وَشَعْبُهُمْ. وَإِنْ لَمْ تُطِيعُوا هَذَا الْكَلَامَ، فَالْمَوْلَى يَقُولُ: أَقْسَمْتُ بِذَاتِي، إِنَّ هَذَا الْقَصْرَ يَصِيرُ خَرَابًا.‘“ وَقَالَ اللهُ عَنْ قَصْرِ مَلِكِ يَهُوذَا: ”أَنْتَ شَامِخٌ كَغَابَاتِ جِلْعَادَ، وَمِثْلُ قِمَمِ جَبَلِ لُبْنَانَ. لَكِنِّي أَجْعَلُكَ صَحْرَاءَ وَمَدِينَةً لَا يَسْكُنُ فِيهَا أَحَدٌ. وَأُرْسِلُ عَلَيْكَ مَنْ يَخْرِبُونَكَ، كُلَّ وَاحِدٍ بِسِلَاحِهِ، فَيَقْطَعُونَ أَحْسَنَ أَشْجَارِ الْأَرْزِ الَّتِي فِيكَ، وَيَرْمُونَهَا فِي النَّارِ. وَيَعْبُرُ بِهَذِهِ الْمَدِينَةِ نَاسٌ مِنْ أُمَمٍ كَثِيرَةٍ، وَيَسْأَلُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا: ’لِمَاذَا فَعَلَ اللهُ كُلَّ هَذَا لِهَذِهِ الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ؟‘ وَيَكُونُ الْجَوَابُ: ’لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا عَهْدَ الْمَوْلَى إِلَهِهِمْ، وَسَجَدُوا لِآلِهَةٍ أُخْرَى وَعَبَدُوهَا.‘“ لَا تَبْكُوا عَلَى الَّذِي مَاتَ وَلَا تَنْدُبُوهُ، بَلِ ابْكُوا عَلَى مَنْ يُؤْخَذُ أَسِيرًا لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ لِيَرَى أَرْضَ مِيلَادِهِ. فَالْمَوْلَى يَقُولُ عَنْ شَلُّومَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، الَّذِي مَلَكَ مَكَانَ أَبِيهِ يُوشِيَّا، وَالَّذِي ذَهَبَ أَسِيرًا مِنْ هُنَا، إِنَّهُ لَنْ يَرْجِعَ إِلَى هَذَا الْمَكَانِ، بَلْ يَمُوتَ حَيْثُ أَسَرُوهُ، وَلَا يَرَى هَذِهِ الْأَرْضَ أَبَدًا. ”وَيْلٌ لِمَنْ يَبْنِي قَصْرَهُ عَلَى الشَّرِّ، وَيُعَلِّيهِ عَلَى الظُّلْمِ، وَيَسْتَخْدِمُ الْآخَرِينَ بِلَا أُجْرَةٍ وَلَا يُعْطِيهِمْ حَقَّهُمْ. وَيَقُولُ: ’أَبْنِي لِنَفْسِي قَصْرًا عَظِيمًا وَغُرَفًا وَاسِعَةً.‘ وَيَفْتَحُ فِيهِ نَوَافِذَ كَبِيرَةً، وَيُغَشِّي حِيطَانَهُ بِالْأَرْزِ، وَيَدْهِنُهُ بِاللَّوْنِ الْأَحْمَرِ. هَلْ تَظُنُّ أَنَّكَ مَلِكٌ لِأَنَّ عِنْدَكَ أَرْزًا كَثِيرًا؟ كَانَ أَبُوكَ رَاضِيًا بِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ، وَعَمِلَ الْعَدْلَ وَالصَّلَاحَ فَنَجَحَ. وَدَافَعَ عَنْ حَقِّ الْمِسْكِينِ وَالْفَقِيرِ فَنَجَحَ.“ فَالْمَوْلَى يَقُولُ: ”هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُنِي. أَمَّا أَنْتَ فَكُلُّ مَا تَتَطَلَّعُ إِلَيْهِ وَتُفَكِّرُ فِيهِ هُوَ الرِّبْحُ الْحَرَامُ، وَسَفْكُ دَمِ الْأَبْرِيَاءِ، وَالظُّلْمُ، وَالْخَطْفُ.“ لِذَلِكَ قَالَ اللهُ عَنْ يُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا: ”عِنْدَمَا يَمُوتُ لَا يَنْدُبُونَهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَيَقُولُونَ: ’حَسْرَةٌ يَا أَخِي!‘ أَوْ: ’حَسْرَةٌ يَا أُخْتِي!‘ وَلَا يَقُولُونَ عَنْهُ: ’مَاتَ سَيِّدِي!‘ أَوْ: ’رَاحَ جَلَالُهُ!‘ بَلْ يُدْفَنُ كَحِمَارٍ، فَيَسْحَبُونَهُ وَيَرْمُونَهُ بَعِيدًا عَنْ بَوَّابَاتِ الْقُدْسِ. ”يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ، كُلُّ أَصْحَابِكِ هَلَكُوا، فَاصْعَدِي إِلَى لُبْنَانَ وَاصْرُخِي، اِرْفَعِي صَوْتَكِ فِي بَاشَانَ، اُصْرُخِي فِي عَبَارِيمَ! أَنْذَرْتُكِ وَأَنْتِ مُسْتَرِيحَةٌ، فَقُلْتِ: ’لَا أَسْمَعُ.‘ أَنْتِ تَعَوَّدْتِ عَلَى هَذَا مُنْذُ صِبَاكِ، أَنَّكِ لَا تَسْمَعِينَ كَلَامِي. لِذَلِكَ تَطْرُدُ الرِّيحُ كُلَّ رُعَاتِكِ، وَيُؤْخَذُ أَصْحَابُكِ أَسْرَى، فَتَخْجَلِينَ وَتَخْزِينَ بِسَبَبِ كُلِّ شَرِّكِ. أَيُّهَا الْمَلِكُ السَّاكِنُ فِي قَصْرِ لُبْنَانَ، وَقَدْ جَعَلْتَ عُشَّكَ مِنَ الْأَرْزِ، كَمْ سَتَصْرُخُ مِنَ الْأَلَمِ كَامْرَأَةٍ تَلِدُ!“ فَهَذَا كَلَامُ اللهِ: ”أُقْسِمُ بِذَاتِي، يَا يُويَاكِينُ بْنُ يُويَاقِيمَ مَلِكُ يَهُوذَا، حَتَّى لَوْ كُنْتَ خَاتِمًا فِي يَدِيَ الْيُمْنَى، فَإِنِّي أَنْزِعُكَ مِنْهَا. وَأُسَلِّمُكَ لِيَدِ نَبُوخَذْنَصْرَ مَلِكِ بَابِلَ وَلِيَدِ الْبَابِلِيِّينَ، الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَقْتُلُوكَ وَأَنْتَ تَخَافُ مِنْهُمْ. وَأَقْذِفُكَ بَعِيدًا، أَنْتَ وَأُمَّكَ الَّتِي وَلَدَتْكَ، إِلَى بِلَادٍ أُخْرَى لَمْ تُولَدَا فِيهَا، وَهُنَاكَ تَمُوتَانِ. وَلَنْ تَرْجِعَا إِلَى هَذِهِ الْبِلَادِ الَّتِي تَشْتَاقَانِ لِلرُّجُوعِ إِلَيْهَا.“ هَذَا الرَّجُلُ يُويَاكِينُ هُوَ وِعَاءٌ مُحْتَقَرٌ مَكْسُورٌ لَا يَرْغَبُ فِيهِ أَحَدٌ، لِذَلِكَ قُذِفَ وَطُرِحَ هُوَ وَنَسْلُهُ إِلَى بِلَادٍ لَا يَعْرِفُونَهَا. يَا أَرْضُ! يَا أَرْضُ! يَا أَرْضُ! اِسْمَعِي كَلِمَةَ اللهِ! فَالْمَوْلَى يَقُولُ: ”اُكْتُبُوا هَذَا الرَّجُلَ عَقِيمًا، رَجُلًا لَا يَنْجَحُ فِي حَيَاتِهِ، وَلَا يَنْجَحُ أَحَدٌ مِنْ نَسْلِهِ، وَلَا يَجْلِسُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى عَرْشِ دَاوُدَ أَوْ يَحْكُمُ عَلَى يَهُوذَا.“ قَالَ اللهُ: ”وَيْلٌ لِلرُّعَاةِ الَّذِينَ يُهْلِكُونَ وَيُبَدِّدُونَ شَعْبِي!“ لِذَلِكَ قَالَ اللهُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِهَؤُلَاءِ الرُّعَاةِ الَّذِينَ يَرْعَوْنَ شَعْبِي: ”أَنْتُمْ بَدَّدْتُمْ شَعْبِي وَطَرَدْتُمُوهُ وَلَمْ تَهْتَمُّوا بِهِ، لِذَلِكَ أُعَاقِبُكُمْ عَلَى أَعْمَالِكُمُ الشِّرِّيرَةِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. وَأَجْمَعُ بَقِيَّةَ شَعْبِي مِنْ كُلِّ الْبِلَادِ الَّتِي طَرَدْتُهُمْ إِلَيْهَا، وَأُرْجِعُهُمْ إِلَى أَرْضِهِمْ، فَيُثْمِرُونَ وَيَكْثُرُونَ. وَأُقِيمُ عَلَيْهِمْ رُعَاةً يَرْعَوْنَهُمْ فَلَا يَخَافُونَ وَلَا يَرْتَعِبُونَ وَلَا يَضِلُّونَ. هَذَا كَلَامُ اللهِ.“ وَقَالَ اللهُ: ”سَتَأْتِي أَيَّامٌ، أُقِيمُ فِيهَا لِبَيْتِ دَاوُدَ نَسْلًا صَالِحًا، مَلِكًا يَمْلِكُ بِالْحِكْمَةِ، وَيَعْمَلُ الْعَدْلَ وَالصَّلَاحَ فِي الْبِلَادِ. فِي أَيَّامِهِ يَنْجُو شَعْبُ يَهُوذَا، وَيَسْكُنُ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي أَمَانٍ، وَاسْمُهُ الَّذِي يُدْعَى بِهِ هُوَ: ’اللهُ صَالِحٌ لَنَا.‘“ لِذَلِكَ يَقُولُ اللهُ: ”سَتَأْتِي أَيَّامٌ لَا يَحْلِفُونَ فِيهَا بِاللهِ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ، بَلْ يَحْلِفُونَ بِهِ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ نَسْلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ الشَّمَالِ، وَمِنْ كُلِّ الْبِلَادِ الَّتِي طَرَدَهُمْ إِلَيْهَا. فَيَسْكُنُونَ فِي بِلَادِهِمْ.“ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ: قَلْبِي مَكْسُورٌ فِي دَاخِلِي، كُلُّ عِظَامِي تَرْتَعِشُ، صِرْتُ كَوَاحِدٍ سَكْرَانَ، كَوَاحِدٍ غَلَبَتْهُ الْخَمْرُ، بِسَبَبِ الْمَوْلَى وَكَلَامِهِ الْمُقَدَّسِ. لِأَنَّ الْبِلَادَ امْتَلَأَتْ مِنَ الْفَاسِقِينَ، وَلِهَذَا لُعِنَتِ الْأَرْضُ، صَارَتْ حَالَتُهَا مُحْزِنَةً، يَبِسَتْ مَرَاعِيهَا كَصَحْرَاءَ. هُمْ يَسْعَوْنَ لِلشَّرِّ، وَمَجْهُودَاتُهُمْ مُوَجَّهَةٌ لِلضَّلَالِ. وَقَالَ اللهُ: ”كَفَرَ الْأَنْبِيَاءُ وَكَفَرَ الْأَحْبَارُ. حَتَّى فِي بَيْتِي أَجِدُ شَرَّهُمْ! لِذَلِكَ تَصِيرُ طَرِيقُهُمْ مُنْزَلِقَةً، وَيُطْرَدُونَ فِي ظَلَامٍ فَيَسْقُطُونَ. لِأَنِّي أَجْلِبُ عَلَيْهِمُ الْمَصَائِبَ سَنَةَ عِقَابِهِمْ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”فِي أَنْبِيَاءِ السَّامِرَةِ رَأَيْتُ قَبَائِحَ، فَإِنَّهُمْ تَنَبَّأُوا بِالْبَعْلِ وَأَضَلُّوا شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَفِي أَنْبِيَاءِ الْقُدْسِ رَأَيْتُ فَظَائِعَ، فَإِنَّهُمْ يَزْنُونَ وَيَكْذِبُونَ وَيُشَجِّعُونَ عُمَّالَ الشَّرِّ لِكَيْ لَا يَرْجِعَ أَحَدٌ عَنْ شَرِّهِ. فَصَارُوا كُلُّهُمْ فِي نَظَرِي كَسَدُومَ، أَهْلُ الْقُدْسِ صَارُوا كَعَمُورَةَ.“ لِذَلِكَ قَالَ اللهُ الْقَدِيرُ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ: ”سَأُطْعِمُهُمْ طَعَامًا مُرًّا، وَأَسْقِيهِمْ مَاءً مَسْمُومًا. لِأَنَّ أَنْبِيَاءَ الْقُدْسِ يَنْشُرُونَ الْفَسَادَ فِي كُلِّ الْبِلَادِ.“ وَقَالَ اللهُ الْقَدِيرُ: ”لَا تَسْمَعُوا كَلَامَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ، فَهُمْ يَخْدَعُونَكُمْ وَيَتَكَلَّمُونَ بِرُؤًى تَخْتَرِعُهَا عُقُولُهُمْ وَلَيْسَتْ مِنْ فَمِ اللهِ. فَهُمْ يَقُولُونَ لِمَنْ يَحْتَقِرُونِي: ’قَالَ اللهُ سَيَأْتِي سَلَامٌ!‘ وَلِكُلِّ مَنْ يَنْسَاقُونَ إِلَى قَلْبِهِمِ الْعَنِيدِ يَقُولُونَ: ’لَنْ يُصِيبَكُمْ أَذًى!‘ مَعَ أَنَّ وَلَا وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ، حَضَرَ مَجْلِسَ اللهِ لِيَرَى وَيَسْمَعَ كَلِمَتَهُ، وَلَا وَاحِدٌ أَصْغَى لِكَلِمَتِهِ وَسَمِعَهَا. اُنْظُرُوا! غَضَبُ اللهِ يَأْتِي كَزَوْبَعَةٍ، وَكَعَاصِفَةٍ شَدِيدَةٍ هَائِجَةٍ عَلَى رَأْسِ الْأَشْرَارِ. وَلَنْ يَكُفَّ غَضَبُ اللهِ حَتَّى يُنَفِّذَ وَيُتَمِّمَ قَصْدَهُ. سَتَفْهَمُونَ هَذَا بِوُضُوحٍ فِي الْأَيَّامِ الْمُقْبِلَةِ. أَنَا لَمْ أُرْسِلْ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءَ، وَمَعَ ذَلِكَ أَسْرَعُوا بِرِسَالَتِهِمْ. لَمْ أُكَلِّمْهُمْ وَمَعَ ذَلِكَ تَنَبَّأُوا. لَيْتَهُمْ حَضَرُوا مَجْلِسِي، لِيُخْبِرُوا شَعْبِي بِكَلَامِي، وَيُرْجِعُوهُمْ عَنْ سُلُوكِهِمِ الرَّدِيءِ وَعَنْ أَعْمَالِهِمِ الشِّرِّيرَةِ.“ وَقَالَ اللهُ: ”أَنَا إِلَهٌ أَرَى عَنْ قُرْبٍ وَعَنْ بُعْدٍ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ! هَلْ يَخْتَبِئُ وَاحِدٌ فِي مَكَانٍ خَفِيٍّ وَلَا أَرَاهُ؟ بَلْ أَنَا أَمْلَأُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. أَنَا سَمِعْتُ مَا يَقُولُهُ الْأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ بِاسْمِي بِالْكِذْبِ وَيَقُولُونَ: ’رَأَيْتُ حُلْمًا! رَأَيْتُ حُلْمًا!‘ وَإِلَى مَتَى يَدُومُ هَذَا فِي قُلُوبِ الْأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ؟ فَهُمْ يَتَنَبَّأُونَ بِأَوْهَامٍ تَخْتَرِعُهَا عُقُولُهُمْ. وَيَقْصِدُونَ أَنَّ الْأَحْلَامَ الَّتِي يَقُصُّونَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، تَجْعَلُ شَعْبِي يَنْسَانِي كَمَا نَسِيَنِي آبَاؤُهُمْ وَعَبَدُوا الْإِلَهَ بَعْلَ.“ لِذَلِكَ قَالَ اللهُ: ”النَّبِيُّ الَّذِي عِنْدَهُ حُلْمٌ، خَلُّوهُ يَحْكِي حُلْمَهُ! أَمَّا الَّذِي عِنْدَهُ كَلِمَتِي فَيَجِبُ أَنْ يُعْلِنَهَا بِأَمَانَةٍ. لِأَنَّ التِّبْنَ يَخْتَلِفُ عَنِ الْقَمْحِ!“ وَقَالَ أَيْضًا: ”أَلَيْسَتْ كَلِمَتِي كَنَارٍ، وَكَمِطْرَقَةٍ تُحَطِّمُ الصَّخْرَ؟“ وَقَالَ اللهُ: ”أَنَا ضِدُّ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَسْرِقُونَ الْكَلَامَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَيَقُولُونَ إِنَّهُ كَلَامِي! أَنَا ضِدُّ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يُحَرِّكُونَ لِسَانَهُمْ وَيَقُولُونَ: ’قَالَ اللهُ!‘ أَنَا ضِدُّ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ بِأَحْلَامٍ كَاذِبَةٍ، وَيَقُصُّونَهَا وَيُضِلُّونَ شَعْبِي بِكِذْبِهِمْ وَكِبْرِيَائِهِمْ. فَأَنَا لَا أَرْسَلْتُهُمْ وَلَا عَيَّنْتُهُمْ، وَلَا هُمْ يَنْفَعُونَ هَذَا الشَّعْبَ فِي شَيْءٍ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”إِنْ سَأَلَكَ هَذَا الشَّعْبُ، أَوْ نَبِيٌّ أَوْ حَبْرٌ وَقَالُوا: ’مَا هُوَ حِمْلُ اللهِ؟‘ فَقُلْ لَهُمْ: ’أَنْتُمُ الْحِمْلُ وَقَدْ قَالَ اللهُ إِنَّهُ رَفَضَكُمْ!‘ فَإِنْ كَانَ نَبِيٌّ أَوْ حَبْرٌ أَوْ أَيُّ وَاحِدٍ آخَرَ يَقُولُ: ’عِنْدِي حِمْلٌ مِنَ اللهِ.‘ فَإِنِّي أُعَاقِبُهُ هُوَ وَأَهْلَ دَارِهِ. بَلْ يَجِبُ أَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ أَوْ قَرِيبِهِ: ’بِمَاذَا أَجَابَكَ اللهُ؟ مَاذَا قَالَ لَكَ؟‘ وَلَا تَقُولُوا: ’حِمْلُ اللهِ.‘ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ صَارَ كَلَامُهُ حِمْلًا، وَحَرَّفْتُمْ كَلَامَ اللهِ الْحَيِّ، الْمَوْلَى الْقَدِيرِ إِلَهِنَا! فَعِنْدَمَا يَسْأَلُ الْوَاحِدُ مِنْكُمُ النَّبِيَّ، فَقُولُوا: ’بِمَاذَا أَجَابَكَ اللهُ؟ مَاذَا قَالَ لَكَ؟‘ أَمَّا إِنْ كُنْتُمْ تَقُولُونَ: ’حِمْلُ اللهِ‘ فَالْمَوْلَى يَقُولُ: ’أَنَا أَرْسَلْتُ وَقُلْتُ لَكُمْ لَا تَقُولُوا: ”حِمْلُ اللهِ“ وَلَكِنَّكُمْ تُصِرُّونَ وَتَقُولُونَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ، لِذَلِكَ أَنْسَاكُمْ تَمَامًا، وَأَطْرُدُكُمْ مِنْ مَحْضَرِي، أَنْتُمْ وَالْمَدِينَةَ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لَكُمْ وَلِآبَائِكُمْ. وَأَجْلِبُ عَلَيْكُمْ عَارًا يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ، وَخَجَلًا يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ لَا يَنْسَاهُ أَحَدٌ.‘“ أَرَانِي اللهُ فِي رُؤْيَا سَلَّتَيْنِ فِيهِمَا تِينٌ، مَوْضُوعَتَيْنِ أَمَامَ بَيْتِ اللهِ. وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَمَا أَسَرَ نَبُوخَذْنَصْرُ مَلِكُ بَابِلَ، يُويَاكِينَ بْنَ يُويَاقِيمَ مَلِكَ يَهُوذَا وَرُؤَسَاءَ يَهُوذَا وَالنَّجَّارِينَ وَالْحَدَّادِينَ، وَأَخَذَهُمْ مِنَ الْقُدْسِ إِلَى بَابِلَ. وَكَانَ فِي إِحْدَى السَّلَّتَيْنِ تِينٌ جَيِّدٌ جِدًّا كَالتِّينِ الَّذِي يَنْضَجُ مُبَكِّرًا، وَفِي السَّلَّةِ الْأُخْرَى تِينٌ رَدِيءٌ جِدًّا لَا يُؤْكَلُ مِنْ رَدَاءَتِهِ. فَقَالَ اللهُ لِي: ”مَاذَا تَرَى يَا إِرْمِيَا؟“ فَقُلْتُ: ”تِينًا. الْجَيِّدُ مِنْهُ جَيِّدٌ جِدًّا، وَالرَّدِيءُ مِنْهُ رَدِيءٌ جِدًّا لَا يُؤْكَلُ مِنْ رَدَاءَتِهِ.“ ثُمَّ قَالَ اللهُ لِي: ”الْمَوْلَى رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ، أَنَا أَعْتَبِرُ شَعْبَ يَهُوذَا الَّذِي أَرْسَلْتُهُ إِلَى الْأَسْرِ مِنْ هُنَا إِلَى بِلَادِ بَابِلَ، أَنَّهُ جَيِّدٌ كَهَذَا التِّينِ الْجَيِّدِ. عَيْنِي تَحْرُسُهُمْ وَأُبَارِكُهُمْ وَأُرْجِعُهُمْ إِلَى هَذِهِ الْأَرْضِ، وَأَبْنِيهِمْ وَلَا أَهْدِمُهُمْ، وَأَغْرِسُهُمْ وَلَا أَقْلَعُهُمْ. وَأُعْطِيهِمِ الْفَهْمَ لِيَعْرِفُونِي، لِأَنِّي أَنَا اللهُ، فَيَكُونُوا شَعْبِي، وَأَنَا أَكُونُ إِلَهَهُمْ. لِأَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَيَّ بِكُلِّ قَلْبِهِمْ.“ وَيَقُولُ اللهُ أَيْضًا: ”أَمَّا صِدْقِيَا مَلِكُ يَهُوذَا وَرُؤَسَاؤُهُ وَبَاقِي أَهْلِ الْقُدْسِ الَّذِينَ بَقَوْا فِي هَذِهِ الْبِلَادِ، وَالَّذِينَ رَاحُوا إِلَى مِصْرَ، فَأُعَامِلُهُمْ كَالتِّينِ الرَّدِيءِ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ مِنْ رَدَاءَتِهِ. وَأَجْعَلُهُمْ مَكْرُوهِينَ وَمَنْبُوذِينَ فِي كُلِّ مَمَالِكِ الْأَرْضِ. وَيَهْزَأُونَ بِهِمْ، وَيَضْرِبُونَ بِهِمُ الْمَثَلَ، وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ، وَيَلْعَنُونَهُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَطْرُدُهُمْ إِلَيْهِ. وَأُرْسِلُ عَلَيْهِمُ السَّيْفَ وَالْجُوعَ وَالْوَبَأَ، حَتَّى يَفْنَوْا مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لَهُمْ وَلِآبَائِهِمْ.“ وَأَوْحَى اللهُ بِكَلَامٍ لِإِرْمِيَا، عَنْ كُلِّ شَعْبِ يَهُوذَا، فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِيُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، وَهِيَ السَّنَةُ الْأُولَى لِنَبُوخَذْنَصْرَ مَلِكِ بَابِلَ. فَقَالَ إِرْمِيَا النَّبِيُّ لِكُلِّ شَعْبِ يَهُوذَا وَكُلِّ أَهْلِ الْقُدْسِ: ”مِنَ السَّنَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ لِيُوشِيَّا بْنِ آمُونَ مَلِكِ يَهُوذَا إِلَى هَذَا الْيَوْمِ، أَيْ طُولَ 23 سَنَةً، أَوْحَى اللهُ إِلَيَّ بِكَلِمَتِهِ، وَأَنَا أَعْلَنْتُهَا لَكُمْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَلَكِنَّكُمْ لَمْ تَسْمَعُوا. كَمَا أَنَّ اللهَ أَرْسَلَ إِلَيْكُمْ كُلَّ عَبِيدِهِ الْأَنْبِيَاءِ وَاحِدًا بَعْدَ الْآخَرِ، فَلَمْ تَسْمَعُوا وَلَمْ تَنْتَبِهُوا. فَإِنَّهُمْ قَالُوا لَكُمْ: ’اِرْجِعُوا عَنْ سُلُوكِكُمُ الرَّدِيءِ وَأَعْمَالِكُمُ الشِّرِّيرَةِ، لِكَيْ تُقِيمُوا فِي الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَاهَا اللهُ لَكُمْ وَلِآبَائِكُمْ إِلَى الْأَبَدِ. وَلَا تَتْبَعُوا آلِهَةً أُخْرَى لِتَعْبُدُوهَا وَتَسْجُدُوا لَهَا، وَلَا تَغِيظُونِي بِالْأَصْنَامِ الَّتِي عَمِلَتْهَا أَيْدِيكُمْ، لِئَلَّا أُعَاقِبَكُمْ.‘ وَلَكِنَّكُمْ لَمْ تَسْمَعُوا لِي، بَلْ غِظْتُمُونِي بِالْأَصْنَامِ الَّتِي عَمِلَتْهَا أَيْدِيكُمْ، فَعَاقَبْتُكُمْ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. لِذَلِكَ قَالَ اللهُ الْقَدِيرُ: ”بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَسْمَعُوا كَلَامِي، أُرْسِلُ وَآخُذُ كُلَّ قَبَائِلِ الشَّمَالِ تَحْتَ قِيَادَةِ خَادِمِي نَبُوخَذْنَصْرَ مَلِكِ بَابِلَ، وَأُحْضِرُهُمْ إِلَى هَذِهِ الْبِلَادِ، لِيَهْجُمُوا عَلَيْهَا وَعَلَى كُلِّ سُكَّانِهَا، وَعَلَى كُلِّ الْأُمَمِ الْمُحِيطَةِ بِهَا، وَأُفْنِيكُمْ تَمَامًا. فَيَرْتَعِبُ النَّاسُ مِمَّا جَرَى لَكُمْ، وَيَهْزَأُونَ بِكُمْ، لِأَنَّكُمْ خَرِبْتُمْ تَمَامًا. وَأُبَطِّلُ عِنْدَكُمْ صَوْتَ الطَّرَبِ وَصَوْتَ الْفَرَحِ، صَوْتَ الْعَرِيسِ وَصَوْتَ الْعَرُوسَةِ، صَوْتَ الطَّاحُونَةِ وَنُورَ الْمِصْبَاحِ. وَتَصِيرُ كُلُّ هَذِهِ الْبِلَادِ قَفْرًا مَهْجُورًا. وَهَذِهِ الْأُمَمُ تَخْدِمُ مَلِكَ بَابِلَ 70 سَنَةً. ”وَفِي آخِرِ الـ70 سَنَةً، أُعَاقِبُ مَلِكَ بَابِلَ وَأُمَّتَهُ عَلَى شَرِّهِمْ، وَأُعَاقِبُ بِلَادَ الْبَابِلِيِّينَ وَأَجْعَلُهَا خَرَابًا إِلَى الْأَبَدِ. وَأَجْلِبُ عَلَى تِلْكَ الْبِلَادِ كُلَّ مَا حَكَمْتُ بِهِ عَلَيْهَا، كُلَّ مَا وَرَدَ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَتَنَبَّأَ بِهِ إِرْمِيَا ضِدَّ كُلِّ الْأُمَمِ. فَيُسْتَعْبَدُونَ لِأُمَمٍ كَثِيرَةٍ وَمُلُوكٍ عِظَامٍ، لِأَنِّي أُجَازِيهِمْ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ.“ وَقَالَ لِيَ الْمَوْلَى رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ”هَذِهِ الْكَأْسُ الْمَمْلُوءَةُ مِنْ خَمْرِ غَضَبِي، خُذْهَا مِنْ يَدِي وَاسْقِهَا لِكُلِّ الْأُمَمِ الَّتِي أُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ. فَيَشْرَبُوا وَيَتَرَنَّحُوا وَيَضِيعَ عَقْلُهُمْ بِسَبَبِ الْحَرْبِ الَّتِي أُرْسِلُهَا عَلَيْهِمْ.“ فَأَخَذْتُ الْكَأْسَ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى، وَسَقَيْتُ كُلَّ الْأُمَمِ الَّتِي أَرْسَلَنِي اللهُ إِلَيْهِمْ: الْقُدْسَ وَمُدُنَ يَهُوذَا وَمُلُوكَهَا وَرُؤَسَاءَهَا، لِتَصِيرَ خَرَابًا، فَيَرْتَعِبَ النَّاسُ مِمَّا جَرَى لَهُمْ وَيَهْزَأُونَ بِهِمْ وَيَلْعَنُونَهُمْ، كَمَا هُوَ الْحَالُ الْيَوْمَ، وَفِرْعَوْنَ مَلِكَ مِصْرَ وَأَعْوَانَهُ وَرُؤَسَاءَهُ وَكُلَّ شَعْبِهِ، وَكُلَّ الْغُرَبَاءِ هُنَاكَ، وَكُلَّ مُلُوكِ عُوصَ، وَكُلَّ مُلُوكِ الْفِلِسْطِيِّينَ، أَيْ عَسْقَلَانَ وَغَزَّةَ وَعَقْرُونَ وَالْبَاقِينَ فِي أَشْدُودَ، وَأَدُومَ وَمُوآبَ وَعَمُّونَ، وَكُلَّ مُلُوكِ صُورَ وَصَيْدَا وَالسَّوَاحِلِ الْبَعِيدَةِ، وَدَدَانَ وَتِيمَاءَ وَبُوزَ وَكُلَّ الَّذِينَ يَقُصُّونَ شَعْرَهُمْ بِشَكْلٍ مُسْتَدِيرٍ. وَكُلَّ مُلُوكِ الْعَرَبِ وَقَبَائِلِ الصَّحْرَاءِ، وَكُلَّ مُلُوكِ زِمْرِي وَعِيلَامَ وَمَادِي، وَكُلَّ مُلُوكِ الشَّمَالِ، الْقَرِيبِينَ وَالْبَعِيدِينَ، الْوَاحِدَ بَعْدَ الْآخَرِ، وَكُلَّ الْمَمَالِكِ الَّتِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. وَبَعْدَهُمْ كُلِّهِمْ يَشْرَبُ مَلِكُ بَابِلَ مِنْ كَأْسِ غَضَبِ اللهِ. ”ثُمَّ قُلْ لَهُمْ: ’الْمَوْلَى الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ، اِشْرَبُوا وَاسْكَرُوا وَتَقَيَّأُوا وَاسْقُطُوا وَلَا تَقُومُوا، بِسَبَبِ الْحَرْبِ الَّتِي سَأُرْسِلُهَا عَلَيْكُمْ.‘ فَإِنْ رَفَضُوا أَنْ يَأْخُذُوا الْكَأْسَ مِنْ يَدِكَ وَيَشْرَبُوا، قُلْ لَهُمْ: ’الْمَوْلَى الْقَدِيرُ يَقُولُ، يَجِبُ أَنْ تَشْرَبُوا! فَإِنِّي بَدَأْتُ أَجْلِبُ الْمَصَائِبَ عَلَى الْمَدِينَةِ الَّتِي اخْتَرْتُهَا لِتَكُونَ مَدِينَتِي. فَهَلْ تُفْلِتُونَ أَنْتُمْ مِنَ الْعِقَابِ؟ لَا، لِأَنِّي أَجْلِبُ السَّيْفَ عَلَى كُلِّ سُكَّانِ الْأَرْضِ.‘ هَذَا كَلَامُ اللهِ الْقَدِيرِ. ”وَأَنْتَ تَنَبَّأْ ضِدَّهُمْ بِكُلِّ هَذَا الْكَلَامِ وَقُلْ لَهُمْ: ’يَزْأَرُ الْمَوْلَى مِنَ السَّمَاءِ، يَجْهَرُ بِصَوْتِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ الْمُقَدَّسِ، يَزْأَرُ بِشِدَّةٍ عَلَى شَعْبِهِ، يَهْتِفُ كَمَنْ يَدُوسُونَ الْعِنَبَ فِي الْمَعْصَرَةِ، وَيَصْرُخُ ضِدَّ كُلِّ سُكَّانِ الْأَرْضِ. بَلَغَ الضَّجِيجُ إِلَى آخِرِ الْأَرْضِ، لِأَنَّ للهِ شَكْوَى ضِدَّ الْأُمَمِ، فَيُحَاكِمُ كُلَّ الْبَشَرِ، وَيَدْفَعُ الْأَشْرَارَ إِلَى السَّيْفِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ.‘“ وَقَالَ اللهُ الْقَدِيرُ: ”تَنْتَشِرُ الْمَصَائِبُ مِنْ أُمَّةٍ إِلَى أُمَّةٍ، عَاصِفَةٌ شَدِيدَةٌ قَادِمَةٌ مِنْ آخِرِ الْأَرْضِ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، الَّذِينَ يَقْتُلُهُمْ غَضَبُ اللهِ يَكُونُونَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، مِنْ أَوَّلِ الْأَرْضِ إِلَى آخِرِهَا. لَا يُنْدَبُونَ وَلَا يُجْمَعُونَ وَلَا يُدْفَنُونَ بَلْ يَكُونُونَ زِبَالَةً عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ.“ اِبْكُوا وَاصْرُخُوا أَيُّهَا الرُّعَاةُ! تَمَرَّغُوا فِي التُّرَابِ يَا قَادَةَ الشَّعْبِ! فَقَدْ حَانَ الْوَقْتُ لِذَبْحِكُمْ! تَسْقُطُونَ وَتُحَطَّمُونَ كَإِنَاءٍ نَفِيسٍ. لَا يُوجَدُ لِلرُّعَاةِ مَلْجَأٌ، وَلَا لِقَادَةِ الشَّعْبِ مَهْرَبٌ! اِسْمَعُوا صُرَاخَ الرُّعَاةِ وَبُكَاءَ قَادَةِ الشَّعْبِ، لِأَنَّ اللهَ أَخْرَبَ بِلَادَهُمْ. بَادَتِ الْمُرُوجُ الْهَادِئَةُ، مِنْ شِدَّةِ غَضَبِ اللهِ. تَرَكَ كَأَسَدٍ عَرِينَهُ، لِأَنَّ أَرْضَهُمْ صَارَتْ خَرَابًا مِنْ سَيْفِ الْعَدُوِّ وَمِنْ شِدَّةِ غَضَبِهِ. فِي بِدَايَةِ حُكْمِ يُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، أَوْحَى اللهُ لِي بِهَذِهِ الرِّسَالَةِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ: ”قِفْ فِي سَاحَةِ بَيْتِ اللهِ، وَكَلِّمْ كُلَّ شَعْبِ مُدُنِ يَهُوذَا الَّذِينَ يَأْتُونَ لِلْعِبَادَةِ فِي بَيْتِ اللهِ. وَقُلْ لَهُمْ كُلَّ مَا أَمَرْتُكَ أَنْ تَقُولَهُ وَلَا تُنَقِّصْ كَلِمَةً. فَرُبَّمَا يَسْمَعُونَ، وَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْ سُلُوكِهِ الشِّرِّيرِ، فَأَنَا أَيْضًا أَرْجِعُ وَلَا أُرْسِلُ الْمَصَائِبَ الَّتِي قَصَدْتُهَا لَهُمْ بِسَبَبِ أَعْمَالِهِمِ الشِّرِّيرَةِ. وَقُلْ لَهُمْ: ’هَذَا كَلَامُ اللهِ. اِسْمَعُوا لِي، وَاسْلُكُوا حَسَبَ شَرِيعَتِيَ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لَكُمْ، وَاسْمَعُوا كَلَامَ عَبِيدِيَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ أَرْسَلْتُهُمْ إِلَيْكُمْ وَاحِدًا بَعْدَ الْآخَرِ، وَلَمْ تَسْمَعُوا لَهُمْ. وَإِلَّا أُخْرِبُ هَذَا الْبَيْتَ كَمَا أَخْرَبْتُ شِيلُوهَ، وَأَجْعَلُ هَذِهِ الْمَدِينَةَ لَعْنَةً لِكُلِّ شُعُوبِ الْأَرْضِ.‘“ وَسَمِعَ الْأَحْبَارُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَكُلُّ الشَّعْبِ إِرْمِيَا يَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ فِي بَيْتِ اللهِ. فَلَمَّا انْتَهَى إِرْمِيَا مِنْ إِبْلَاغِ كُلِّ الشَّعْبِ بِكُلِّ مَا أَمَرَهُ اللهُ، قَبَضَ عَلَيْهِ الْأَحْبَارُ وَالْأَنْبِيَاءُ، وَكُلُّ الشَّعْبِ وَقَالُوا: ”لَا بُدَّ أَنْ تَمُوتَ! لِمَاذَا تَنَبَّأْتَ بِاسْمِ اللهِ وَقُلْتَ إِنَّ هَذَا الْبَيْتَ يُخْرَبُ كَشِيلُوهَ، وَهَذِهِ الْمَدِينَةَ تَصِيرُ خَرِبَةً وَمَهْجُورَةً؟“ وَتَجَمَّعَ كُلُّ الشَّعْبِ عَلَى إِرْمِيَا فِي بَيْتِ اللهِ. فَلَمَّا سَمِعَ رُؤَسَاءُ يَهُوذَا بِهَذَا، رَاحُوا مِنْ قَصْرِ الْمَلِكِ إِلَى بَيْتِ اللهِ، وَجَلَسُوا عِنْدَ مَدْخَلِ الْبَابِ الْجَدِيدِ لِبَيْتِ اللهِ. فَقَالَ الْأَحْبَارُ وَالْأَنْبِيَاءُ لِلرُّؤَسَاءِ وَلِكُلِّ الشَّعْبِ: ”هَذَا الرَّجُلُ يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ، لِأَنَّهُ تَنَبَّأَ ضِدَّ هَذِهِ الْمَدِينَةِ، كَمَا سَمِعْتُمْ بِآذَانِكُمْ.“ فَقَالَ إِرْمِيَا لِلرُّؤَسَاءِ وَلِكُلِّ الشَّعْبِ: ”أَرْسَلَنِي اللهُ لِأَتَنَبَّأَ ضِدَّ هَذَا الْبَيْتِ وَهَذِهِ الْمَدِينَةِ بِكُلِّ الْكَلَامِ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ. فَالْآنَ أَصْلِحُوا طُرُقَكُمْ وَأَعْمَالَكُمْ، وَأَطِيعُوا رَبَّكُمْ وَإِلَهَكُمْ، فَيَرْجِعَ وَلَا يُرْسِلَ الْمَصَائِبَ الَّتِي حَكَمَ بِهَا عَلَيْكُمْ. أَمَّا أَنَا فَإِنِّي فِي أَيْدِيكُمْ، فَافْعَلُوا بِي مَا تَرَوْنَ أَنَّهُ صَالِحٌ وَحَقٌّ. لَكِنِ اعْلَمُوا جَيِّدًا إِنْ كُنْتُمْ تَقْتُلُونِي، تَكُونُونَ أَنْتُمْ وَهَذِهِ الْمَدِينَةُ وَسُكَّانُهَا مَسْئُولِينَ عَنْ سَفْكِ دَمٍ بَرِيءٍ، لِأَنَّ اللهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ حَقًّا، لِأَقُولَ كُلَّ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى مَسَامِعِكُمْ.“ فَقَالَ الرُّؤَسَاءُ وَكُلُّ الشَّعْبِ لِلْأَحْبَارِ وَالْأَنْبِيَاءِ: ”هَذَا الرَّجُلُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ، لِأَنَّهُ كَلَّمَنَا بِاسْمِ الْمَوْلَى إِلَهِنَا.“ ثُمَّ قَامَ بَعْضُ شُيُوخِ الْبِلَادِ وَقَالُوا لِكُلِّ الْجَمَاعَةِ: ”مِيخَا الْمُورَشْتِيُّ تَنَبَّأَ فِي أَيَّامِ حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، لِكُلِّ شَعْبِ يَهُوذَا، بِأَنَّ الْمَوْلَى الْقَدِيرَ قَالَ إِنَّ الْقُدْسَ تُحْرَثُ كَحَقْلٍ وَتَصِيرُ أَنْقَاضًا، وَجَبَلَ بَيْتِ اللهِ يَصِيرُ تَلًّا فِي الْغَابَةِ. فَهَلْ قَتَلَهُ حَزَقِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا أَوْ أَيُّ وَاحِدٍ آخَرَ مِنَ الشَّعْبِ؟ بَلْ إِنَّ حَزَقِيَّا خَافَ اللهَ وَطَلَبَ رِضَاهُ، فَرَجَعَ اللهُ عَنِ الْمَصَائِبِ الَّتِي حَكَمَ بِهَا عَلَيْهِمْ. فَنَحْنُ عَلَى وَشْكِ أَنْ نَجْلِبَ عَلَى أَنْفُسِنَا مُصِيبَةً كُبْرَى.“ وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ آخَرُ يَتَنَبَّأُ بِاسْمِ اللهِ، هُوَ أُورِيَّا بْنُ شَمَعْيَا مِنْ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ. فَتَنَبَّأَ ضِدَّ هَذِهِ الْمَدِينَةِ وَهَذِهِ الْبِلَادِ كَمَا تَنَبَّأَ إِرْمِيَا. فَسَمِعَ كَلَامَهُ الْمَلِكُ يُويَاقِيمُ وَكُلُّ ضُبَّاطِهِ وَكُلُّ الرُّؤَسَاءِ، فَطَلَبَ الْمَلِكُ أَنْ يَقْتُلَهُ. فَلَمَّا سَمِعَ أُورِيَّا، خَافَ وَهَرَبَ إِلَى مِصْرَ. فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ يُويَاقِيمُ أَلْنَاثَانَ بْنَ عَكْبُورَ وَمَعَهُ بَعْضُ الرِّجَالِ الْآخَرِينَ إِلَى مِصْرَ. فَأَخْرَجُوا أُورِيَّا مِنْ مِصْرَ، وَأَحْضَرُوهُ إِلَى الْمَلِكِ يُويَاقِيمَ، فَقَتَلَهُ بِالسَّيْفِ وَطَرَحَ جُثَّتَهُ فِي قُبُورِ عَامَّةِ الشَّعْبِ. أَمَّا إِرْمِيَا فَإِنَّ أَخِيقَامَ بْنَ شَافَانَ دَافَعَ عَنْهُ، فَلَمْ يُسَلَّمْ لِأَيْدِي الشَّعْبِ لِيَقْتُلُوهُ. فِي بِدَايَةِ حُكْمِ صِدْقِيَا بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، أَوْحَى اللهُ لِإِرْمِيَا بِهَذَا الْكَلَامِ. قَالَ اللهُ لِي: ”خُذْ حَبْلًا وَقِطْعَةً مِنَ الْخَشَبِ وَاصْنَعْ لَكَ نِيرًا وَضَعْهُ عَلَى رَقَبَتِكَ. وَابْعَثْ رِسَالَةً إِلَى مُلُوكِ أَدُومَ وَمُوآبَ وَعَمُّونَ وَصُورَ وَصَيْدَا، مَعَ الرُّسُلِ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَى الْقُدْسِ إِلَى صِدْقِيَا مَلِكِ يَهُوذَا. وَأَوْصِهِمْ أَنْ يَقُولُوا لِسَادَتِهِمْ هَذَا الْكَلَامَ: ’الْمَوْلَى الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ، أَخْبِرُوا سَادَتَكُمْ بِأَنِّي أَنَا بِقُوَّتِيَ الْعَظِيمَةِ وَذِرَاعِيَ الْقَدِيرَةِ، صَنَعْتُ الْأَرْضَ وَمَا عَلَيْهَا مِنْ إِنْسَانٍ وَحَيَوَانٍ، وَأَنَا أُعْطِيهَا لِمَنْ رَضِيتُ عَنْهُ. فَأَنَا أَعْطَيْتُ كُلَّ بِلَادِكُمْ فِي يَدِ عَبْدِي نَبُوخَذْنَصْرَ مَلِكِ بَابِلَ، وَجَعَلْتُ وُحُوشَ الْأَرْضِ أَيْضًا تَخْدِمُهُ. فَتَخْدِمُهُ كُلُّ الْأُمَمِ هُوَ وَابْنَهُ وَحَفِيدَهُ، حَتَّى يَحِينَ الْوَقْتُ لِتُهْزَمَ بَابِلُ أَيْضًا، وَتَخْضَعَ لِأُمَمٍ كَثِيرَةٍ وَمُلُوكٍ عِظَامٍ. وَكُلُّ أُمَّةٍ أَوْ مَمْلَكَةٍ لَا تَخْدِمُ نَبُوخَذْنَصْرَ مَلِكَ بَابِلَ، وَتَرْفُضُ أَنْ تَضَعَ رَقَبَتَهَا تَحْتَ نِيرِهِ، فَأَنَا أُعَاقِبُهَا بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَأِ، حَتَّى أُفْنِيَهَا بِيَدِهِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. فَلَا تَسْمَعُوا لِأَنْبِيَائِكُمْ وَلَا لِمَنْ يُمَارِسُونَ الْعِلْمَ بِالْغَيْبِ وَلَا لِمَنْ يُفَسِّرُونَ الْأَحْلَامَ وَلَا لِمَنْ يَتَعَامَلُونَ مَعَ الْجِنِّ وَلَا لِلسَّحَرَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَكُمْ إِنَّكُمْ لَنْ تَخْدِمُوا مَلِكَ بَابِلَ. فَهُمْ يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ بِالْكِذْبِ، لِيُبْعِدُوكُمْ عَنْ أَرْضِكُمْ وَلِأَطْرُدَكُمْ مِنْهَا فَتَهْلِكُوا. أَمَّا الْأُمَّةُ الَّتِي تَحْنِي رَقَبَتَهَا تَحْتَ نِيرِ مَلِكِ بَابِلَ وَتَخْدِمُهُ، أَجْعَلُهَا تَبْقَى فِي أَرْضِهَا وَتُفْلِحُهَا وَتَسْكُنُ فِيهَا. هَذَا كَلَامُ اللهِ.‘“ وَأَعْطَيْتُ صِدْقِيَا نَفْسَ هَذِهِ الرِّسَالَةِ وَقُلْتُ لَهُ: ”أَحْنُوا رَقَبَتَكُمْ تَحْتَ نِيرِ مَلِكِ بَابِلَ وَاخْدِمُوهُ هُوَ وَشَعْبَهُ فَتَحْيَوْا. لِمَاذَا تَمُوتُونَ، أَنْتَ وَشَعْبُكَ، بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَأِ، كَمَا حَكَمَ اللهُ عَلَى الْأُمَّةِ الَّتِي لَا تَخْدِمُ مَلِكَ بَابِلَ؟ لَا تَسْمَعُوا كَلَامَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَكُمْ إِنَّكُمْ لَنْ تَخْدِمُوا مَلِكَ بَابِلَ، فَهُمْ يَتَنَبَّأُونَ بِالْكِذْبِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ: ’أَنَا لَمْ أُرْسِلْهُمْ، فَهُمْ يَتَنَبَّأُونَ بِاسْمِي بِالْكِذْبِ. لِذَلِكَ سَأَطْرُدُكُمْ فَتَهْلِكُونَ أَنْتُمْ وَالْأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ.‘“ وَقُلْتُ لِلْأَحْبَارِ وَكُلِّ هَذَا الشَّعْبِ: ”يَقُولُ اللهُ: ’لَا تَسْمَعُوا كَلَامَ أَنْبِيَائِكُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّ آنِيَةَ بَيْتِ اللهِ سَتُرَدُّ مِنْ بَابِلَ سَرِيعًا. لِأَنَّهُمْ يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ بِالْكِذْبِ. لَا تَسْمَعُوا لَهُمْ. بَلِ اخْدِمُوا مَلِكَ بَابِلَ فَتَحْيَوْا. لِمَاذَا تَصِيرُ هَذِهِ الْمَدِينَةُ خَرَابًا؟ فَإِنْ كَانُوا أَنْبِيَاءَ حَقًّا وَعِنْدَهُمْ كَلِمَةُ اللهِ، إِذَنْ لِيَتَوَسَّلُوا إِلَى اللهِ الْقَدِيرِ، لِكَيْ لَا تَذْهَبَ إِلَى بَابِلَ الْآنِيَةُ الَّتِي بَقِيَتْ فِي بَيْتِ اللهِ وَفِي قَصْرِ مَلِكِ يَهُوذَا وَفِي الْقُدْسِ.‘ لِأَنَّ الْمَوْلَى الْقَدِيرَ تَكَلَّمَ عَنِ الْأَعْمِدَةِ وَعَنِ الْحَوْضِ وَعَنِ الْقَوَاعِدِ وَعَنْ كُلِّ الْأَمْتِعَةِ الَّتِي بَقِيَتْ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ. أَيِ الَّتِي لَمْ يَأْخُذْهَا نَبُوخَذْنَصْرُ مَلِكُ بَابِلَ، لَمَّا أَسَرَ يُويَاكِينَ بْنَ يُويَاقِيمَ مَلِكَ يَهُوذَا مِنَ الْقُدْسِ إِلَى بَابِلَ، مَعَ كُلِّ عُظَمَاءِ يَهُوذَا وَالْقُدْسِ. نَعَمْ، قَالَ اللهُ الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْ هَذِهِ الْآنِيَةِ الَّتِي بَقِيَتْ فِي بَيْتِ اللهِ وَفِي قَصْرِ مَلِكِ يَهُوذَا وَفِي الْقُدْسِ: ’إِنَّهَا تُؤْخَذُ إِلَى بَابِلَ وَتَبْقَى هُنَاكَ حَتَّى أُرْجِعَهَا أَنَا، فَأُحْضِرَهَا وَأَرُدَّهَا إِلَى هَذَا الْمَكَانِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ.‘“ فِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ مِنْ نَفْسِ السَّنَةِ، أَيِ السَّنَةِ الرَّابِعَةِ فِي بِدَايَةِ حُكْمِ صِدْقِيَا مَلِكِ يَهُوذَا، كَلَّمَنِي حَنَنْيَا بْنُ عَزُورَ النَّبِيُّ الَّذِي مِنْ جِبْعُونَ، وَقَالَ لِي أَمَامَ الْأَحْبَارِ وَكُلِّ الشَّعْبِ فِي بَيْتِ اللهِ: ”الْمَوْلَى الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ: ’أَنَا كَسَرْتُ نِيرَ مَلِكِ بَابِلَ. بَعْدَ سَنَتَيْنِ أَرُدُّ إِلَى هَذَا الْمَكَانِ، كُلَّ آنِيَةِ بَيْتِ اللهِ الَّتِي أَخَذَهَا نَبُوخَذْنَصْرُ مَلِكُ بَابِلَ مِنْ هُنَا وَذَهَبَ بِهَا إِلَى بَابِلَ. وَأَرُدُّ إِلَى هَذَا الْمَكَانِ يُويَاكِينَ بْنَ يُويَاقِيمَ مَلِكَ يَهُوذَا، وَكُلَّ أَسْرَى يَهُوذَا الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى بَابِلَ، لِأَنِّي أَكْسِرُ نِيرَ مَلِكِ بَابِلَ. هَذَا كَلَامُ اللهِ.‘“ فَرَدَّ إِرْمِيَا النَّبِيُّ عَلَى حَنَنْيَا النَّبِيِّ أَمَامَ الْأَحْبَارِ وَكُلِّ الشَّعْبِ الْوَاقِفِينَ فِي بَيْتِ اللهِ، وَقَالَ: ”آمِينَ! لَيْتَ اللهَ يَعْمَلُ هَذَا. لَيْتَ اللهَ يُحَقِّقُ كَلَامَكَ الَّذِي تَنَبَّأْتَ بِهِ، فَيَرُدُّ آنِيَةَ بَيْتِهِ وَكُلَّ الْأَسْرَى مِنْ بَابِلَ إِلَى هُنَا. وَلَكِنِ اسْمَعْ هَذِهِ الْكَلِمَةَ الَّتِي أَقُولُهَا لَكَ وَلِكُلِّ الشَّعْبِ: ’مُنْذُ الْقَدِيمِ، وَالْأَنْبِيَاءُ يَتَنَبَّأُونَ مِنْ قَبْلِي وَقَبْلِكَ ضِدَّ بِلَادٍ كَثِيرَةٍ وَمَمَالِكَ عَظِيمَةٍ بِالْحَرْبِ وَالْمَصَائِبِ وَالْوَبَأِ. أَمَّا النَّبِيُّ الَّذِي يَتَنَبَّأُ بِالْخَيْرِ، فَنَحْنُ نَعْرِفُ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَهُ حَقًّا، إِنْ كَانَ كَلَامُهُ يَتَحَقَّقُ فِعْلًا.‘“ ثُمَّ أَخَذَ حَنَنْيَا النَّبِيُّ النِّيرَ عَنْ رَقَبَةِ إِرْمِيَا وَكَسَرَهُ، وَقَالَ أَمَامَ كُلِّ الشَّعْبِ: ”هَذَا كَلَامُ اللهِ: ’بَعْدَ سَنَتَيْنِ، أَكْسِرُ نِيرَ نَبُوخَذْنَصْرَ مَلِكِ بَابِلَ عَنْ رَقَبَةِ كُلِّ الْأُمَمِ، بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ.‘“ وَمَضَى إِرْمِيَا فِي سَبِيلِهِ. وَبَعْدَمَا كَسَرَ حَنَنْيَا النَّبِيُّ النِّيرَ عَنْ رَقَبَةِ إِرْمِيَا النَّبِيِّ، قَالَ اللهُ لِإِرْمِيَا: ”اِذْهَبْ وَقُلْ لِحَنَنْيَا: ’يَقُولُ اللهُ، أَنْتَ كَسَرْتَ نِيرًا مِنْ خَشَبٍ، فَأَضَعُ عَلَيْكَ بَدَلًا مِنْهُ نِيرًا مِنْ حَدِيدٍ! فَالْمَوْلَى الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ، سَأَضَعُ نِيرًا مِنْ حَدِيدٍ عَلَى رَقَبَةِ كُلِّ هَذِهِ الْأُمَمِ، لِكَيْ يَخْدِمُوا نَبُوخَذْنَصْرَ وَيَكُونُوا عَبِيدَهُ. وَسَأُعْطِيهِ أَيْضًا سُلْطَةً عَلَى وُحُوشِ الْأَرْضِ.‘“ وَقَالَ إِرْمِيَا النَّبِيُّ لِحَنَنْيَا النَّبِيِّ: ”اِسْمَعْ يَا حَنَنْيَا! اللهُ لَمْ يُرْسِلْكَ، فَأَنْتَ جَعَلْتَ هَذِهِ الْأُمَّةَ تَتَّكِلُ عَلَى الْكِذْبِ. لِذَلِكَ قَالَ اللهُ: ’سَأُزِيلُكَ مِنْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. هَذِهِ السَّنَةَ، تَمُوتُ لِأَنَّكَ نَادَيْتَ بِالْعِصْيَانِ عَلَى اللهِ.‘“ فَمَاتَ حَنَنْيَا النَّبِيُّ فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ. هَذَا نَصُّ الرِّسَالَةِ الَّتِي بَعَثَهَا إِرْمِيَا النَّبِيُّ مِنَ الْقُدْسِ إِلَى الَّذِينَ فِي الْأَسْرِ مِنْ شُيُوخٍ وَأَحْبَارٍ وَأَنْبِيَاءَ وَكُلِّ الشَّعْبِ. أَيْ إِلَى كُلِّ الَّذِينَ أَسَرَهُمْ نَبُوخَذْنَصْرُ مِنَ الْقُدْسِ إِلَى بَابِلَ. وَذَلِكَ بَعْدَ أَسْرِ يُويَاكِينَ الْمَلِكِ وَأُمِّهِ الْمَلِكَةِ وَرِجَالِ الدَّوْلَةِ وَقَادَةِ يَهُوذَا وَالْقُدْسِ وَالنَّجَّارِينَ وَالْحَدَّادِينَ مِنَ الْقُدْسِ. وَكَانَ صِدْقِيَا مَلِكُ يَهُوذَا قَدْ أَرْسَلَ إِلْعَاسَةَ بْنَ شَافَانَ وَجَمَرْيَا بْنَ حِلْقِيَا إِلَى نَبُوخَذْنَصْرَ مَلِكِ بَابِلَ. فَبَعَثَ مَعَهُمَا إِرْمِيَا الرِّسَالَةَ إِلَى بَابِلَ وَقَالَ فِيهَا: ”الْمَوْلَى الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ لِكُلِّ الَّذِينَ أَخَذْتُهُمْ أَسْرَى مِنَ الْقُدْسِ إِلَى بَابِلَ: ’اِبْنُوا دِيَارًا وَاسْتَقِرُّوا، وَاغْرِسُوا حَدَائِقَ وَكُلُوا مِنْ ثَمَرِهَا. تَزَوَّجُوا بِنِسَاءٍ وَأَنْجِبُوا بَنِينَ وَبَنَاتٍ، وَزَوِّجُوا بَنِيكُمْ بِنِسَاءٍ، وَبَنَاتِكُمْ بِرِجَالٍ لِيُنْجِبُوا بَنِينَ وَبَنَاتٍ، وَأَكْثِرُوا هُنَاكَ وَلَا تَقِلُّوا. وَاسْعَوْا لِخَيْرِ الْمَدِينَةِ الَّتِي أَخَذْتُكُمْ أَسْرَى إِلَيْهَا، وَادْعُوا اللهَ مِنْ أَجْلِهَا لِأَنَّهُ بِخَيْرِهَا يَأْتِيكُمْ خَيْرٌ.‘ لِأَنَّ الْمَوْلَى الْقَدِيرَ رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ: ’لَا تَسْمَحُوا لِأَنْبِيَائِكُمُ الَّذِينَ عِنْدَكُمْ وَمَنْ يُمَارِسُونَ الْعِلْمَ بِالْغَيْبِ بِأَنْ يَخْدَعُوكُمْ. وَلَا تَسْمَعُوا لِلْأَحْلَامِ الَّتِي يَحْلُمُونَهَا لَكُمْ. لِأَنَّهُمْ يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ بِاسْمِي بِالْكِذْبِ، فَأَنَا لَمْ أُرْسِلْهُمْ.‘“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”وَقَالَ اللهُ: ’عِنْدَمَا تَتِمُّ الـ70 سَنَةً لِبَابِلَ، أَجِيءُ لِمَعُونَتِكُمْ وَأُحَقِّقُ وَعْدِيَ الصَّالِحَ لَكُمْ وَأُرْجِعُكُمْ إِلَى هَذَا الْمَكَانِ.‘ لِأَنَّ اللهَ يَقُولُ: ’أَنَا عَارِفٌ الْخِطَّةَ الَّتِي عِنْدِي لَكُمْ، فَهِيَ خِطَّةٌ لِلْخَيْرِ لَا لِلشَّرِّ، سَأُعْطِيكُمْ أَمَلًا وَمُسْتَقْبَلًا مُشْرِقًا. فَتَدْعُونِي وَتَأْتُونَ إِلَيَّ وَتَبْتَهِلُونَ فَأَسْمَعُكُمْ. وَتَطْلُبُونِي فَتَجِدُونِي، إِنْ كُنْتُمْ تَطْلُبُونِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ. وَعِنْدَمَا تَجِدُونِي، أُرْجِعُكُمْ مِنَ الْأَسْرِ، وَأَجْمَعُكُمْ مِنْ كُلِّ الْأُمَمِ وَالْأَمَاكِنِ الَّتِي طَرَدْتُكُمْ إِلَيْهَا، وَأَرُدُّكُمْ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَخَذْتُكُمْ مِنْهُ.‘ هَذَا وَعْدُ اللهِ. ”فَقُلْتُمْ: ’بَعَثَ اللهُ إِلَيْنَا أَنْبِيَاءَ فِي بَابِلَ!‘ لَكِنِ اسْمَعُوا مَا قَالَهُ اللهُ عَنِ الْمَلِكِ الْجَالِسِ عَلَى عَرْشِ دَاوُدَ، وَعَنْ كُلِّ الشَّعْبِ الْمَوْجُودِ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ، أَيْ إِخْوَتِكُمُ الَّذِينَ لَمْ يُؤْخَذُوا أَسْرَى مَعَكُمْ: الْمَوْلَى الْقَدِيرُ يَقُولُ: ’سَأُرْسِلُ عَلَيْهِمُ السَّيْفَ وَالْجُوعَ وَالْوَبَأَ، وَأَجْعَلُهُمْ كَالتِّينِ الرَّدِيءِ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ مِنْ رَدَاءَتِهِ. وَأُطَارِدُهُمْ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَأِ، وَأَجْعَلُهُمْ مَكْرُوهِينَ فِي كُلِّ مَمَالِكِ الْأَرْضِ، فَيَلْعَنُونَهُمْ وَيَهْزَأُونَ بِهِمْ وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ وَيُعَيِّرُونَهُمْ فِي كُلِّ الْأُمَمِ الَّتِي أَطْرُدُهُمْ إِلَيْهَا. لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا كَلَامِيَ الَّذِي أَرْسَلْتُهُ لَهُمْ عَلَى فَمِ عَبِيدِيَ الْأَنْبِيَاءِ وَاحِدًا بَعْدَ الْآخَرِ. كَمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ أَيْضًا يَا مَنْ فِي الْأَسْرِ!‘ هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”لِذَلِكَ اسْمَعُوا كَلِمَةَ اللهِ يَا كُلَّ مَنْ فِي الْأَسْرِ، لِأَنِّي أَنَا أَرْسَلْتُكُمْ مِنَ الْقُدْسِ إِلَى بَابِلَ. فَالْمَوْلَى الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ عَنْ آخَابَ بْنِ قُولَايَا وَعَنْ صِدْقِيَا بْنِ مَعَسْيَا اللَّذَيْنِ يَتَنَبَّآنِ لَكُمْ بِاسْمِي بِالْكِذْبِ: ’إِنِّي أُسَلِّمُهُمَا لِيَدِ نَبُوخَذْنَصْرَ مَلِكِ بَابِلَ، فَيَقْتُلُهُمَا أَمَامَ عُيُونِكُمْ. وَيُعْتَبَرَانِ لَعْنَةً عِنْدَ كُلِّ الْأَسْرَى الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ يَهُوذَا إِلَى بَابِلَ، فَيَقُولُونَ: ”يَجْعَلُكَ اللهُ مِثْلَ صِدْقِيَا وَآخَابَ اللَّذَيْنِ أَحْرَقَهُمَا مَلِكُ بَابِلَ بِالنَّارِ!“ لِأَنَّهُمَا عَمِلَا قَبَاحَةً فِي إِسْرَائِيلَ وَارْتَكَبَا الزِّنَى مَعَ نِسَاءِ غَيْرِهِمَا، وَتَكَلَّمَا بِاسْمِي كَلَامًا كَاذِبًا لَمْ آمُرْهُمَا بِهِ. أَنَا عَالِمٌ بِكُلِّ هَذَا، وَأَشْهَدُ بِهِ!‘ هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”وَقُلْ لِشَمَعْيَا النَّحْلَامِيِّ: ’الْمَوْلَى الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ: أَنْتَ أَرْسَلْتَ رَسَائِلَ بِاسْمِكَ إِلَى كُلِّ الشَّعْبِ الَّذِي فِي الْقُدْسِ، وَإِلَى صَفَنْيَا بْنِ مَعَسْيَا الْحَبْرِ وَإِلَى كُلِّ الْأَحْبَارِ. وَقُلْتَ لِصَفَنْيَا: ”اللهُ أَقَامَكَ حَبْرًا مَكَانَ يُويَادَاعَ، لِتَكُونَ مَسْئُولًا فِي بَيْتِ اللهِ، وَتَضَعَ فِي خَشَبَةِ التَّعْذِيبِ وَالْقُيُودِ كُلَّ رَجُلٍ مَجْنُونٍ يَقُولُ إِنَّهُ نَبِيٌّ. إِذَنْ لِمَاذَا لَمْ تُوَبِّخْ إِرْمِيَا الْعَنَاثُوثِيَّ الَّذِي يَتَنَبَّأُ لَكُمْ؟“ فَهُوَ بَعَثَ إِلَيْنَا رِسَالَةً إِلَى بَابِلَ يَقُولُ، سَيَسْتَمِرُّ الْأَسْرُ طَوِيلًا، فَابْنُوا دِيَارًا وَاسْتَقِرُّوا، وَاغْرِسُوا حَدَائِقَ وَكُلُوا مِنْ ثَمَرِهَا.‘“ فَقَرَأَ صَفَنْيَا الْحَبْرُ هَذِهِ الرِّسَالَةَ لِإِرْمِيَا النَّبِيِّ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِإِرْمِيَا: ”أَرْسِلْ إِلَى كُلِّ الَّذِينَ فِي الْأَسْرِ وَقُلْ لَهُمْ: ’هَذَا كَلَامُ اللهِ عَنْ شَمَعْيَا النَّحْلَامِيِّ: شَمَعْيَا تَنَبَّأَ لَكُمْ وَأَنَا لَمْ أُرْسِلْهُ، وَجَعَلَكُمْ تَتَّكِلُونَ عَلَى الْكِذْبِ. لِذَلِكَ قَالَ اللهُ، سَأُعَاقِبُ شَمَعْيَا النَّحْلَامِيَّ وَنَسْلَهُ. فَلَا يَبْقَى لَهُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ مَنْ يَرَى الْخَيْرَ الَّذِي سَأَصْنَعُهُ لِشَعْبِي، لِأَنَّهُ نَادَى بِالْعِصْيَانِ عَلَى اللهِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ.‘“ الْكَلَامُ الَّذِي أَوْحَى بِهِ اللهُ لِإِرْمِيَا. تَكَلَّمَ الْمَوْلَى رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ: ”اُكْتُبْ كُلَّ مَا قُلْتُهُ لَكَ فِي كِتَابٍ. لِأَنِّي حَكَمْتُ بِأَنْ تَأْتِيَ أَيَّامٌ حِينَ أُرْجِعُ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا مِنَ الْأَسْرِ، وَأَرُدُّهُمْ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لِآبَائِهِمْ لِيَمْلِكُوهَا.“ هَذَا وَعْدُ اللهِ. وَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ اللهُ عَنْ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا. قَالَ اللهُ: ”سَمِعْنَا النَّاسَ يَصْرُخُونَ مِنَ الرُّعْبِ. سَادَ الْخَوْفُ وَرَاحَ السَّلَامُ. اِسْأَلُوا وَتَأَمَّلُوا، هَلْ يَحْبَلُ الرَّجُلُ وَيَلِدُ؟ فَلِمَاذَا أَرَى كُلَّ رَجُلٍ وَقَدْ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى وَسَطِهِ كَالْمَرْأَةِ الَّتِي تَلِدُ؟ لِمَاذَا اصْفَرَّ كُلُّ وَجْهٍ؟ يَا لَهُ مِنْ يَوْمٍ رَهِيبٍ لَا مَثِيلَ لَهُ! هُوَ وَقْتُ ضِيقٍ لِيَعْقُوبَ. وَلَكِنَّهُ سَيَنْجُو مِنْهُ.“ وَيَقُولُ اللهُ الْقَدِيرُ: ”فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَكْسِرُ النِّيرَ عَنْ رَقَبَتِهِمْ، وَأَقْطَعُ قُيُودَهُمْ، فَلَا يَسْتَعْبِدُهُمُ الْغُرَبَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ. بَلْ يَخْدِمُونَ الْمَوْلَى إِلَهَهُمْ، وَمَلِكَهُمُ ابْنَ دَاوُدَ الَّذِي أُقِيمُهُ لَهُمْ.“ وَيَقُولُ اللهُ: ”لَا تَخَفْ يَا عَبْدِي يَعْقُوبَ، لَا تَرْتَعِبْ يَا إِسْرَائِيلُ. لِأَنِّي سَأُنْقِذُكَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ الْبَعِيدِ، وَأُنْقِذُ نَسْلَكَ مِنْ أَرْضِ أَسْرِهِمْ. يَعْقُوبُ سَيَرْجِعُ وَيَطْمَئِنُّ وَيَسْتَرِيحُ وَلَا يُزْعِجُهُ أَحَدٌ.“ وَيَقُولُ اللهُ: ”أَنَا مَعَكَ وَسَأُنْقِذُكَ. أُفْنِي كُلَّ الْأُمَمِ الَّتِي شَتَّتُّكَ بَيْنَهَا، أَمَّا أَنْتَ فَلَا أُفْنِيكَ. وَلَكِنِّي لَا أُعْفِيكَ مِنَ الْعِقَابِ، بَلْ أُؤَدِّبُكَ بِالْعَدْلِ.“ وَقَالَ اللهُ: ”جُرْحُكِ عَدِيمُ الشِّفَاءِ، وَإِصَابَتُكِ لَا عِلَاجَ لَهَا. لَا أَحَدَ يُدَافِعُ عَنْ حَقِّكِ، لَا دَوَاءَ لِمَرَضِكِ، لَا شِفَاءَ لَكِ. كُلُّ أَصْحَابِكِ نَسُوكِ وَلَا يُبَالُونَ بِكِ، لِأَنِّي ضَرَبْتُكِ ضَرْبَ الْعَدُوِّ، وَأَدَّبْتُكِ بِقَسْوَةٍ، لِأَنَّ ذَنْبَكِ كَبِيرٌ وَخَطَايَاكِ كَثِيرَةٌ. لِمَاذَا تَصْرُخِينَ مِنْ جُرْحِكِ وَمِنْ إِصَابَتِكِ الَّتِي لَا شِفَاءَ لَهَا؟ أَنَا عَمِلْتُ كُلَّ هَذَا لَكِ لِأَنَّ ذَنْبَكِ كَبِيرٌ وَخَطَايَاكِ كَثِيرَةٌ. ”كُلُّ الَّذِينَ أَهْلَكُوكِ يَهْلِكُونَ، كُلُّ أَعْدَائِكِ يُؤْخَذُونَ أَسْرَى، وَكُلُّ الَّذِينَ سَلَبُوكِ يُسْلَبُونَ وَالَّذِينَ نَهَبُوكِ يُنْهَبُونَ. وَلَكِنِّي أَرُدُّ لَكِ صِحَّتَكِ وَأَشْفِي جُرُوحَكِ. هَذَا وَعْدُ اللهِ. لِأَنَّهُمْ دَعَوْكِ: ’الْمَنْبُوذَةَ، الْقُدْسَ الَّتِي لَا يُبَالِي بِهَا أَحَدٌ.‘“ وَقَالَ اللهُ: ”عَنْ قَرِيبٍ أَرُدُّ أَسْرَى بَنِي يَعْقُوبَ إِلَى دِيَارِهِمْ، وَأَشْفِقُ عَلَى مَسَاكِنِهِمْ. فَتُبْنَى الْمَدِينَةُ عَلَى تَلِّهَا، وَيُشَيَّدُ قَصْرُ الْمَلِكِ فِي مَكَانِهِ. فَتَصْدُرُ مِنْهُمْ أَنَاشِيدُ الْحَمْدِ وَصَوْتُ الطَّرَبِ. وَأُكَثِّرُهُمْ فَلَا يَقِلُّونَ، وَأُكْرِمُهُمْ فَلَا يَذِلُّونَ. وَيَكُونُ بَنُوهُمْ كَمَا كَانُوا فِي الْقَدِيمِ، وَتَثْبُتُ جَمَاعَتُهُمْ قُدَّامِي، وَأُعَاقِبُ كُلَّ مَنْ يُضَايِقُهُمْ. وَيَكُونُ قَائِدُهُمْ مِنْهُمْ، وَرَئِيسُهُمْ مِنْ بَيْنِهِمْ. أُقَرِّبُهُ فَيَقْتَرِبُ إِلَيَّ، لِأَنَّ لَا أَحَدَ يَجْرُؤُ أَنْ يَقْتَرِبَ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِهِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. وَتَكُونُونَ شَعْبِي، وَأَنَا أَكُونُ إِلَهَكُمْ.“ اُنْظُرُوا غَضَبَ اللهِ يَأْتِي كَزَوْبَعَةٍ، وَكَعَاصِفَةٍ شَدِيدَةٍ جَارِفَةٍ عَلَى رَأْسِ الْأَشْرَارِ. وَلَنْ يَكُفَّ غَضَبُ اللهِ الشَّدِيدُ حَتَّى يُنَفِّذَ وَيُتَمِّمَ قَصْدَهُ. سَتَفْهَمُونَ هَذَا بِوُضُوحٍ فِي الْأَيَّامِ الْمُقْبِلَةِ. وَيَقُولُ اللهُ: ”فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَكُونُ إِلَهَ كُلِّ عَشَائِرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُمْ يَكُونُونَ شَعْبِي.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ: ”الشَّعْبُ الَّذِي نَجَا مِنَ السَّيْفِ نَالَ رِضًى فِي صَحْرَاءِ الْأَسْرِ، لِأَنِّي جِئْتُ لِأُرِيحَ بَنِي إِسْرَائِيلَ.“ ظَهَرَ الْمَوْلَى لَنَا مِنْ بَعِيدٍ وَقَالَ: ”أُحِبُّكُمْ مَحَبَّةً تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ، لِذَلِكَ سَأَسْتَمِرُّ أَرْحَمُكُمْ. أَعُودُ أَبْنِيكُمْ يَا شَعْبِي فَتُبْنَوْنَ، وَتَحْمِلُونَ الدُّفَّ وَتَخْرُجُونَ لِلرَّقْصِ وَتَفْرَحُونَ. وَمَرَّةً أُخْرَى تَغْرِسُونَ كُرُومًا فِي جِبَالِ السَّامِرَةِ. وَالَّذِينَ يَغْرِسُونَهَا يَتَمَتَّعُونَ بِثِمَارِهَا. لِأَنَّهُ يَأْتِي يَوْمٌ يُنَادِي فِيهِ الْحُرَّاسُ فِي جِبَالِ أَفْرَايِمَ وَيَقُولُونَ: ’تَعَالَوْا نَذْهَبُ إِلَى الْقُدْسِ، إِلَى الْمَوْلَى إِلَهِنَا.‘“ وَقَالَ اللهُ: ”غَنُّوا بِفَرَحٍ لِيَعْقُوبَ! اِهْتِفُوا لِمَنْ هُمْ خَيْرُ أُمَّةٍ! نَادُوا وَسَبِّحُوا وَقُولُوا: ’اللَّهُمَّ نَجِّ شَعْبَكَ، أَنْقِذِ الَّذِينَ بَقَوْا مِنَّا.‘ أَنَا أَرُدُّهُمْ مِنْ أَرْضِ الشَّمَالِ، وَأَجْمَعُهُمْ مِنْ آخِرِ الْأَرْضِ. يَكُونُ بَيْنَهُمُ الْأَعْمَى وَالْأَعْرَجُ وَالْحُبْلَى وَمَنْ هِيَ عَلَى وَشْكِ الْوِلَادَةِ. جُمْهُورٌ غَفِيرٌ يَرْجِعُ إِلَى هُنَا. يَأْتُونَ بَاكِينَ، أَقُودُهُمْ وَهُمْ يَتَضَرَّعُونَ. أُسَيِّرُهُمْ قُرْبَ أَنْهَارِ مَاءٍ، فِي طَرِيقٍ مُمَهَّدَةٍ فَلَا يَعْثُرُونَ. فَأَنَا أَبُو إِسْرَائِيلَ، أَفْرَايِمُ هُوَ بِكْرِي. ”اِسْمَعُوا كَلِمَةَ اللهِ أَيُّهَا الْأُمَمُ، وَنَادُوا بِهَا فِي السَّوَاحِلِ وَالْجُزُرِ وَقُولُوا: ’الَّذِي بَدَّدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَجْمَعُهُمْ. وَيَحْرُسُهُمْ كَمَا يَحْرُسُ الرَّاعِي قَطِيعَهُ.‘ لِأَنَّ اللهَ فَدَى يَعْقُوبَ، وَحَرَّرَهُمْ مِنْ يَدِ مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُمْ، فَيَأْتُونَ وَيَهْتِفُونَ عَلَى مُرْتَفَعَاتِ الْقُدْسِ. وَيَفْرَحُونَ بِخَيْرَاتِ اللهِ مِنْ قَمْحٍ وَخَمْرٍ وَزَيْتٍ وَصِغَارِ غَنَمٍ وَبَقَرٍ. وَتَكُونُ نُفُوسُهُمْ كَحَدِيقَةٍ مَرْوِيَّةٍ، وَلَا يَعُودُونَ يَحْزَنُونَ. فَتَفْرَحُ وَتَرْقُصُ الشَّابَّاتُ، وَأَيْضًا الشُّبَّانُ وَالشُّيُوخُ. وَأُحَوِّلُ صُرَاخَهُمْ إِلَى طَرَبٍ وَأُعَزِّيهِمْ وَأُفَرِّحُهُمْ بَعْدَ حُزْنٍ. وَأُشْبِعُ الْأَحْبَارَ بِالْبَرَكَاتِ، وَيَمْتَلِئُ شَعْبِي مِنْ خَيْرَاتِي. هَذَا كَلَامُ اللهِ.“ وَقَالَ اللهُ: ”صَوْتٌ سُمِعَ فِي الرَّامَةِ، نَوْحٌ وَبُكَاءٌ شَدِيدٌ، رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلَادِهَا وَتَرْفُضُ أَنْ تَتَعَزَّى لِأَنَّهُمْ مَاتُوا.“ فَقَالَ اللهُ: ”تَوَقَّفِي عَنِ الْبُكَاءِ، وَعَنْ ذَرْفِ الدُّمُوعِ، لِأَنَّكِ سَتَنَالِينَ جَزَاءَ عَمَلِكِ، فَإِنَّهُمْ سَيَرْجِعُونَ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ. هَذَا وَعْدُ اللهِ. يُوجَدُ لَكِ أَمَلٌ لِلْمُسْتَقْبَلِ، فَيَرْجِعُ أَوْلَادُكِ إِلَى أَرْضِهِمْ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”سَمِعْتُ شَعْبِي يَنُوحُ وَيَقُولُ: ’أَدَّبْتَنِي يَا رَبُّ فَتَأَدَّبْتُ، كُنْتُ كَعِجْلٍ غَيْرِ مُرَوَّضٍ. رُدَّنِي إِلَيْكَ وَاقْبَلْنِي، لِأَنَّكَ أَنْتَ رَبِّي وَإِلَهِي. ضَلَلْتُ عَنْكَ ثُمَّ تُبْتُ، وَالْآنَ بَعْدَمَا فَهِمْتُ أَلْطِمُ نَدَمًا مِنَ الْخَجَلِ وَالْخِزْيِ، لِأَنِّي عَانَيْتُ الْعَارَ عَلَى مَا ارْتَكَبْتُهُ فِي صِبَايَ.‘ أَفْرَايِمُ ابْنٌ عَزِيزٌ عَلَيَّ، وَلَدٌ يَسُرُّنِي. مَهْمَا تَكَلَّمْتُ عَلَيْهِ بِالشَّرِّ، أَعُودُ أَذْكُرُهُ بِالْخَيْرِ. قَلْبِي يَحِنُّ عَلَيْهِ، لِذَلِكَ أَرْحَمُهُ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”أَقِيمُوا لِأَنْفُسِكُمْ عَلَامَاتٍ لِتُبَيِّنَ لَكُمُ الطَّرِيقَ، اُنْصُبُوا لِأَنْفُسِكُمْ إِشَارَاتٍ لِتُرْشِدَكُمْ. تَأَمَّلُوا السَّبِيلَ، رَاقِبُوا الطَّرِيقَ الَّتِي تَسِيرُونَ فِيهَا. اِرْجِعُوا يَا شَعْبِي، اِرْجِعُوا إِلَى مُدُنِكُمْ. حَتَّى مَتَى تَضِلُّونَ؟ أَنْتُمْ كَبِنْتٍ خَائِنَةٍ! وَالْمَوْلَى صَنَعَ شَيْئًا جَدِيدًا فِي الْأَرْضِ، أُنْثَى تَبْحَثُ عَنْ رَجُلٍ!“ فَالْمَوْلَى الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ: ”سَيَقُولُونَ هَذَا الْكَلَامَ مَرَّةً أُخْرَى فِي أَرْضِ يَهُوذَا وَفِي مُدُنِهَا، عِنْدَمَا أُرْجِعُهُمْ مِنَ الْأَسْرِ، يُبَارِكُكَ اللهُ يَا مَسْكَنَ الصَّلَاحِ، أَيُّهَا الْجَبَلُ الْمُقَدَّسُ. فَيَسْكُنُ الشَّعْبُ فِي يَهُوذَا وَكُلِّ مُدُنِهَا، وَمَعَهُمُ الْفَلَّاحُونَ وَالَّذِينَ يُسَرِّحُونَ الْقُطْعَانَ. وَأُنْعِشُ مَنْ تَعِبَ، وَأُشْبِعُ مَنْ أَعْيَا.“ عِنْدَ ذَلِكَ اسْتَيْقَظْتُ، وَتَأَمَّلْتُ وَكُنْتُ قَدْ نِمْتُ نَوْمًا مُمْتِعًا. وَقَالَ اللهُ: ”سَتَأْتِي أَيَّامٌ، أَزْرَعُ فِيهَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ وَبَيْتَ يَهُوذَا بِالْبَشَرِ وَالْبَهَائِمِ. وَكَمَا سَهِرْتُ عَلَيْهِمْ لِأَقْلَعَهُمْ وَأَهْدِمَهُمْ وَأَقْلِبَهُمْ وَأُهْلِكَهُمْ وَأَجْلِبَ عَلَيْهِمُ الْمَصَائِبَ، كَذَلِكَ أَسْهَرُ عَلَيْهِمْ لِأَبْنِيَهُمْ وَأَغْرِسَهُمْ. هَذَا وَعْدُ اللهِ. فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، لَا يَقُولُونَ: ’الْآبَاءُ أَكَلُوا الْحِصْرِمَ، وَأَسْنَانُ الْأَبْنَاءِ ضَرِسَتْ.‘ بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَمُوتُ بِسَبَبِ شَرِّهِ، فَمَنْ يَأْكُلُ الْحِصْرِمَ تَضْرَسُ أَسْنَانُهُ.“ وَقَالَ اللهُ: ”سَيَأْتِي وَقْتٌ، أَعْمَلُ فِيهِ عَهْدًا جَدِيدًا مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَنِي يَهُوذَا. لَا كَالْعَهْدِ الَّذِي عَمِلْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ، لَمَّا أَمْسَكْتُ بِيَدِهِمْ وَأَخْرَجْتُهُمْ مِنْ مِصْرَ، لِأَنَّهُمْ نَقَضُوا عَهْدِي فَأَهْمَلْتُهُمْ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. وَهَذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَعْمَلُهُ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ، هَذَا كَلَامُ اللهِ، أَضَعُ شَرِيعَتِي فِي فِكْرِهِمْ، وَأَكْتُبُهَا فِي قَلْبِهِمْ، وَأَكُونُ إِلَهَهُمْ، وَهُمْ يَكُونُونَ شَعْبِي. وَلَا يُعَلِّمُ أَحَدٌ جَارَهُ أَوْ أَخَاهُ وَيَقُولُ لَهُ: ’اِعْرِفِ اللهَ.‘ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ سَيَعْرِفُونِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ. وَأَغْفِرُ لَهُمْ شَرَّهُمْ، وَلَا أَذْكُرُ ذَنْبَهُمْ فِيمَا بَعْدُ. هَذَا وَعْدُ اللهِ.“ جَعَلَ اللهُ الشَّمْسَ لِتُشْرِقَ فِي النَّهَارِ، وَفَرَضَ عَلَى الْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ أَنْ تُنِيرَ فِي اللَّيْلِ. وَهُوَ الَّذِي يُهَيِّجُ الْبَحْرَ فَتَثُورُ أَمْوَاجُهُ، وَهُوَ الَّذِي اسْمُهُ اللهُ الْقَدِيرُ. فَهَذَا كَلَامُ اللهِ: ”إِنْ كَانَتْ أَنْظِمَةُ الْكَوْنِ هَذِهِ تَزُولُ مِنْ أَمَامِي، فَإِنَّ نَسْلَ إِسْرَائِيلَ يَكُفُّ عَنْ أَنْ يَكُونَ أُمَّةً أَمَامِي إِلَى الْأَبَدِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ.“ وَقَالَ اللهُ: ”إِنْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ تُقَاسَ السَّمَاوَاتُ مِنْ فَوْقُ، وَأَنْ تُفْحَصَ أَسَاسَاتُ الْأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، فَإِنِّي أَرْفُضُ كُلَّ نَسْلِ إِسْرَائِيلَ بِسَبَبِ كُلِّ مَا عَمِلُوهُ. هَذَا كَلَامُ اللهِ.“ وَقَالَ اللهُ: ”سَتَأْتِي أَيَّامٌ يُعَادُ فِيهَا بِنَاءُ هَذِهِ الْمَدِينَةِ للهِ مِنْ بُرْجِ حَنَنْئِيلَ إِلَى بَوَّابَةِ الزَّاوِيَةِ. وَيَمْتَدُّ خَيْطُ الْقِيَاسِ مِنْ هُنَاكَ إِلَى تَلِّ جَارِبَ وَيَدُورُ إِلَى جُوعَةَ. وَكُلُّ الْوَادِي الَّذِي تُرْمَى فِيهِ الْجُثَثُ وَالرَّمَادُ، وَكُلُّ السَّفْحِ إِلَى وَادِي قَدْرُونَ مِنَ الشَّرْقِ حَتَّى زَاوِيَةِ بَوَّابَةِ الْخَيْلِ، كُلُّ هَذَا يَكُونُ مُخَصَّصًا للهِ. وَلَا تُقْلَعُ الْقُدْسُ وَلَا تُهْدَمُ أَبَدًا.“ الْكَلَامُ الَّذِي أَوْحَى بِهِ اللهُ لِإِرْمِيَا فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ لِصِدْقِيَا مَلِكِ يَهُوذَا، وَهِيَ السَّنَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ لِنَبُوخَذْنَصْرَ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، كَانَ جَيْشُ مَلِكِ بَابِلَ يُحَاصِرُ الْقُدْسَ، وَكَانَ إِرْمِيَا النَّبِيُّ مَحْبُوسًا فِي السِّجْنِ الَّذِي فِي قَصْرِ مَلِكِ يَهُوذَا. فَإِنَّ صِدْقِيَا مَلِكَ يَهُوذَا حَبَسَهُ لِأَنَّهُ تَنَبَّأَ بِهَذَا الْكَلَامِ: ”قَالَ اللهُ إِنَّهُ سَيُوقِعُ هَذِهِ الْمَدِينَةَ فِي يَدِ مَلِكِ بَابِلَ فَيَسْتَوْلِي عَلَيْهَا. وَصِدْقِيَا مَلِكُ يَهُوذَا لَا يُفْلِتُ مِنَ الْبَابِلِيِّينَ، بَلْ يُسَلَّمُ لِيَدِ مَلِكِ بَابِلَ، فَيُكَلِّمُهُ فَمًا إِلَى فَمٍ، وَعَيْنَاهُ تَنْظُرَانِ عَيْنَيْهِ. وَيَأْخُذُ صِدْقِيَا إِلَى بَابِلَ، فَيَبْقَى هُنَاكَ إِلَى أَنْ يَكْمُلَ عِقَابِي لَهُ. فَإِنْ حَارَبْتُمُ الْبَابِلِيِّينَ لَنْ تَنْجَحُوا. هَذَا كَلَامُ اللهِ.“ فَقَالَ إِرْمِيَا: ”قَالَ اللهُ لِي هَذَا الْكَلَامَ. حَنَمِيلُ ابْنُ عَمِّكَ شَلُّومَ سَيَأْتِي إِلَيْكَ وَيَقُولُ لَكَ أَنْ تَشْتَرِيَ حَقْلَهُ الَّذِي فِي عَنَاثُوثَ، لِأَنَّ مِنْ حَقِّكَ أَنْ تَشْتَرِيَهُ وَتَمْلِكَهُ.“ فَحَدَثَ كَمَا قَالَ اللهُ. جَاءَ إِلَيَّ حَنَمِيلُ ابْنُ عَمِّي فِي السِّجْنِ، وَقَالَ لِي: ”اِشْتَرِ حَقْلِيَ الَّذِي فِي عَنَاثُوثَ فِي أَرْضِ بِنْيَمِينَ، لِأَنَّ مِنْ حَقِّكَ أَنْ تَرِثَهُ وَأَنْ تَمْلِكَهُ. فَاشْتَرِهِ لِنَفْسِكَ.“ فَعَرَفْتُ أَنَّهَا كَلِمَةُ اللهِ. فَاشْتَرَيْتُ الْحَقْلَ الَّذِي فِي عَنَاثُوثَ مِنْ حَنَمِيلَ ابْنِ عَمِّي، وَأَعْطَيْتُهُ الثَّمَنَ حَوَالَيْ 200 جِرَامٍ مِنْ فِضَّةٍ وَزَنْتُهَا لَهُ. وَسَجَّلْتُ ذَلِكَ فِي عَقْدٍ وَخَتَمْتُ وَأَشْهَدْتُ شُهُودًا، وَوَزَنْتُ الْفِضَّةَ بِمِيزَانٍ. ثُمَّ أَخَذْتُ عَقْدَ الشِّرَاءِ، وَهُوَ مِنْ نُسْخَتَيْنِ، نُسْخَةٌ مُغْلَقَةٌ وَفِيهَا الشُّرُوطُ وَالْبُنُودُ، وَنُسْخَةٌ مَفْتُوحَةٌ. وَأَعْطَيْتُهُ لِبَارُوخَ بْنِ نِيرِيَّا بْنِ مَحْسِيَا، أَمَامَ حَنَمِيلَ ابْنِ عَمِّي، وَأَمَامَ الشُّهُودِ الَّذِينَ وَقَّعُوا عَلَى الْعَقْدِ، وَأَمَامَ كُلِّ الْيَهُودِ الْجَالِسِينَ فِي سَاحَةِ السِّجْنِ. وَقُلْتُ لِبَارُوخَ أَمَامَهُمْ: ”الْمَوْلَى الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَمَرَ بِأَنْ تَأْخُذَ عَقْدَ الشِّرَاءِ هَذَا، النُّسْخَةَ الْمُغْلَقَةَ، وَالنُّسْخَةَ الْمَفْتُوحَةَ، وَتَضَعَهُمَا فِي وِعَاءٍ مِنْ خَزَفٍ، لِكَيْ يُحْفَظَا فَتْرَةً طَوِيلَةً. لِأَنَّ الْمَوْلَى الْقَدِيرَ رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ إِنَّهُمْ فِيمَا بَعْدُ سَيَشْتَرُونَ دِيَارًا وَحُقُولًا وَكُرُومًا فِي هَذِهِ الْأَرْضِ.“ وَبَعْدَمَا أَعْطَيْتُ عَقْدَ الشِّرَاءِ لِبَارُوخَ بْنِ نِيرِيَّا، اِبْتَهَلْتُ إِلَى اللهِ وَقُلْتُ: ”آهِ يَا رَبِّي وَإِلَهِي! أَنْتَ صَنَعْتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقُوَّتِكَ الْعَظِيمَةِ وَبِذِرَاعِكَ الْقَدِيرَةِ، وَلَا يَصْعُبُ عَلَيْكَ شَيْءٌ. أَنْتَ تَصْنَعُ الْإِحْسَانَ مَعَ أُلُوفٍ، وَلَكِنَّكَ تُعَاقِبُ الْأَوْلَادَ عَلَى ذُنُوبِ آبَائِهِمْ. أَنْتَ الْإِلَهُ الْعَظِيمُ الْقَوِيُّ، وَاسْمُكَ اللهُ الْقَدِيرُ. مَقَاصِدُكَ عَظِيمَةٌ، وَأَعْمَالُكَ قَدِيرَةٌ. عَيْنَاكَ تُرَاقِبَانِ كُلَّ سُلُوكِ النَّاسِ، لِكَيْ تُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ سُلُوكِهِ وَبِمَا تَسْتَحِقُّهُ أَعْمَالُهُ. أَنْتَ عَمِلْتَ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ فِي مِصْرَ، وَمَا زِلْتَ تَعْمَلُهَا إِلَى هَذَا الْيَوْمِ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكُلِّ النَّاسِ، وَصَنَعْتَ لِنَفْسِكَ اسْمًا مَا زَالَ إِلَى الْيَوْمِ. وَأَخْرَجْتَ شَعْبَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ بِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ وَبِيَدٍ شَدِيدَةٍ وَذِرَاعٍ قَدِيرَةٍ وَخَوْفٍ عَظِيمٍ. وَأَعْطَيْتَهُمْ هَذِهِ الْأَرْضَ الَّتِي حَلَفْتَ أَنْ تُعْطِيَهَا لِآبَائِهِمْ، أَرْضًا تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا. فَجَاءُوا وَامْتَلَكُوهَا، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يُطِيعُوكَ، وَلَا سَلَكُوا حَسَبَ شَرِيعَتِكَ، وَلَا عَمِلُوا بِكُلِّ مَا أَمَرْتَهُمْ بِهِ. لِذَلِكَ جَلَبْتَ عَلَيْهِمْ كُلَّ هَذِهِ الْمَصَائِبِ. فَقَدْ أُقِيمَ الْحِصَارُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ لِيَسْتَوْلُوا عَلَيْهَا. وَبِسَبَبِ الْحَرْبِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَأِ تَقَعُ الْمَدِينَةُ فِي يَدِ الْبَابِلِيِّينَ الَّذِينَ يُحَارِبُونَهَا. فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ مَا قُلْتَهُ تَمَّ فِعْلًا! فَيَا رَبِّي وَمَوْلَايَ، لِمَاذَا قُلْتَ لِي أَنْ أَشْتَرِيَ الْحَقْلَ بِفِضَّةٍ، وَأُحْضِرَ شُهُودًا يَشْهَدُونَ، مَعَ أَنَّ الْمَدِينَةَ سَتَقَعُ فِي يَدِ الْبَابِلِيِّينَ؟“ فَقَالَ اللهُ لِإِرْمِيَا: ”أَنَا اللهُ رَبُّ كُلِّ النَّاسِ، هَلْ يَصْعُبُ عَلَيَّ شَيْءٌ؟ أَنَا حَكَمْتُ بِأَنْ أُوقِعَ هَذِهِ الْمَدِينَةَ فِي يَدِ الْبَابِلِيِّينَ وَفِي يَدِ نَبُوخَذْنَصْرَ مَلِكِ بَابِلَ فَيَسْتَوْلِيَ عَلَيْهَا. وَيَدْخُلُهَا الْبَابِلِيُّونَ الَّذِينَ يُحَارِبُونَهَا، وَيُشْعِلُونَ النَّارَ فِيهَا وَيَحْرِقُونَهَا هِيَ وَدِيَارَهَا. فَإِنَّ أَهْلَهَا غَاظُونِي، بِأَنْ أَحْرَقُوا عَلَى سُطُوحِ دِيَارِهَا الْبَخُورَ لِلْبَعْلِ، وَسَكَبُوا قُرْبَانَ شَرَابٍ لِآلِهَةٍ أُخْرَى. لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَنِي يَهُوذَا عَمِلُوا مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِي مُنْذُ حَدَاثَتِهِمْ، فَغَاظُونِي بِالْأَصْنَامِ الَّتِي عَمِلَتْهَا أَيْدِيهِمْ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. وَهَذِهِ الْمَدِينَةُ، مُنْذُ يَوْمِ بِنَائِهَا إِلَى هَذَا الْيَوْمِ، أَثَارَتْ غَضَبِي وَغَيْظِي، فَيَجِبُ أَنْ أُفْنِيَهَا مِنْ أَمَامِي. وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَنِي يَهُوذَا غَاظُونِي، بِسَبَبِ كُلِّ الشَّرِّ الَّذِي ارْتَكَبُوهُ، هُمْ وَمُلُوكُهُمْ وَرُؤَسَاؤُهُمْ وَأَحْبَارُهُمْ وَأَنْبِيَاؤُهُمْ. كُلُّ شَعْبِ يَهُوذَا وَأَهْلِ الْقُدْسِ. وَقَدْ أَدَارُوا لِي ظَهْرَهُمْ لَا وَجْهَهُمْ. وَمَعَ أَنِّي عَلَّمْتُهُمْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يَقْبَلُوا التَّأْدِيبَ. بَلْ وَضَعُوا أَصْنَامَهُمُ الْقَبِيحَةَ فِي الْبَيْتِ الَّذِي اخْتَرْتُهُ لِعِبَادَتِي وَنَجَّسُوهُ. وَبَنَوْا أَمَاكِنَ عِبَادَةٍ لِبَعْلَ فِي وَادِي ابْنِ هِنُّومَ. وَأَحْرَقُوا بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ بِالنَّارِ لِمُولَخَ، وَهُوَ مَا لَمْ أَطْلُبْهُ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِي أَبَدًا، وَلَكِنَّهُمْ عَمِلُوا هَذِهِ الْقَبَاحَةَ وَجَعَلُوا شَعْبَ يَهُوذَا يَرْتَكِبُ الشَّرَّ. ”أَنْتُمْ تَقُولُونَ عَنْ هَذِهِ الْمَدِينَةِ، إِنَّهَا بِسَبَبِ الْحَرْبِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَأِ تَقَعُ فِي يَدِ مَلِكِ بَابِلَ. لَكِنَّ الْمَوْلَى رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ: ’إِنَّهُ بِسَبَبِ غَضَبِي وَغَيْظِي وَسَخَطِيَ الشَّدِيدِ طَرَدْتُ هَذَا الشَّعْبَ مِنْ أَرْضِهِ، وَلَكِنِّي سَأَجْمَعُهُمْ مِنْ كُلِّ الْبِلَادِ الَّتِي طَرَدْتُهُمْ إِلَيْهَا، وَأُرْجِعُهُمْ إِلَى هَذَا الْمَكَانِ، وَأَجْعَلُهُمْ يَسْكُنُونَ فِي أَمَانٍ. وَيَكُونُونَ شَعْبِي، وَأَنَا أَكُونُ إِلَهَهُمْ. وَأُعْطِيهِمْ قَلْبًا وَاحِدًا وَطَرِيقًا وَاحِدًا، لِيَخَافُونِي دَائِمًا لِخَيْرِهِمْ وَخَيْرِ بَنِيهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ. وَأَقْطَعُ مَعَهُمْ عَهْدًا يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ، أَنِّي لَا أَكُفُّ عَنِ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، وَأَجْعَلُهُمْ يَتَّقُونِي، حَتَّى لَا يَنْحَرِفُوا عَنِّي. وَأَفْرَحُ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، وَأَغْرِسُهُمْ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ بِأَمَانَةٍ مِنْ كُلِّ قَلْبِي وَكُلِّ نَفْسِي.‘“ وَقَالَ اللهُ: ”كَمَا جَلَبْتُ عَلَى هَذَا الشَّعْبِ كُلَّ هَذِهِ الْمَصَائِبِ الْعَظِيمَةِ، أَجْلِبُ عَلَيْهِمْ كُلَّ الْخَيْرِ الَّذِي وَعَدْتُهُمْ بِهِ. فَيَشْتَرُونَ حُقُولًا فِي هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي قُلْتُ عَنْهَا إِنَّهَا تَكُونُ قَفْرًا مَهْجُورًا بِلَا إِنْسَانٍ وَلَا حَيَوَانٍ، لِأَنَّهَا تَقَعُ فِي يَدِ الْبَابِلِيِّينَ. يَشْتَرُونَ حُقُولًا بِفِضَّةٍ، وَيَكْتُبُونَ ذَلِكَ فِي عُقُودٍ وَيَخْتِمُونَ وَيُشْهِدُونَ شُهُودًا، فِي أَرْضِ بِنْيَمِينَ وَفِي الْقُرَى الَّتِي حَوْلَ الْقُدْسِ وَفِي مُدُنِ يَهُوذَا وَمُدُنِ الْجَبَلِ وَمُدُنِ السَّهْلِ وَمُدُنِ النَّقَبِ، لِأَنِّي أَرُدُّهُمْ مِنَ الْأَسْرِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ.“ وَكَلَّمَ اللهُ إِرْمِيَا مَرَّةً ثَانِيَةً وَهُوَ مَا زَالَ مَحْبُوسًا فِي السِّجْنِ وَقَالَ لَهُ: ”هَذَا كَلَامُ اللهِ الَّذِي صَنَعَ الْأَرْضَ وَكَوَّنَهَا وَثَبَّتَهَا، اللهُ اسْمُهُ: ’اُدْعُنِي فَأُجِيبَكَ وَأُخْبِرَكَ بِأُمُورٍ عَظِيمَةٍ وَعَمِيقَةٍ لَا تَعْرِفُهَا.‘ لِأَنَّ الْمَوْلَى رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ عَنْ دِيَارِ الْقُدْسِ، وَعَنْ قُصُورِ مُلُوكِ يَهُوذَا الَّتِي هُدِمَتْ بِآلَاتِ الْحِصَارِ وَالْحَرْبِ، وَعَنِ الَّذِينَ حَارَبُوا الْبَابِلِيِّينَ وَمَلَأُوا الْمَدِينَةَ بِجُثَثِ الْمَوْتَى: ’أَنَا قَتَلْتُهُمْ بِغَضَبِي وَغَيْظِي، وَحَجَبْتُ وَجْهِي عَنْ هَذِهِ الْمَدِينَةِ بِسَبَبِ كُلِّ شَرِّهِمْ. وَلَكِنِّي أُعْطِيهَا الصِّحَّةَ وَالشِّفَاءَ، وَأَشْفِي شَعْبِي وَأَمْنَحُهُمْ وَافِرَ السَّلَامِ وَالْأَمَانِ. وَأَرُدُّ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلَ مِنَ الْأَسْرِ، وَأُقَوِّيهِمْ كَمَا كَانُوا فِي الْأَوَّلِ. وَأُطَهِّرُهُمْ مِنْ كُلِّ الشَّرِّ الَّذِي ارْتَكَبُوهُ ضِدِّي، وَأَغْفِرُ كُلَّ ذُنُوبِهِمْ وَمَعَاصِيهِمِ الَّتِي أَخْطَأُوا بِهَا إِلَيَّ. فَتَجْلِبُ الْقُدْسُ لِي شُهْرَةً وَفَرَحًا وَحَمْدًا وَإِكْرَامًا عِنْدَ كُلِّ أُمَمِ الْأَرْضِ، لِأَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ بِكُلِّ بَرَكَاتِي عَلَيْهَا، فَيَنْدَهِشُونَ وَيَتَأَثَّرُونَ جِدًّا بِسَبَبِ كُلِّ بَرَكَاتِي وَكُلِّ خَيْرِي عَلَيْهَا.‘ ”أَنْتُمْ تَقُولُونَ عَنْ بِلَادِكُمْ إِنَّهَا خَرَابٌ بِلَا إِنْسَانٍ وَلَا حَيَوَانٍ. وَلَكِنْ يَقُولُ اللهُ إِنَّهُ فِي مُدُنِ يَهُوذَا وَشَوَارِعِ الْقُدْسِ الَّتِي هِيَ مَهْجُورَةٌ بِلَا إِنْسَانٍ وَلَا حَيَوَانٍ، يُسْمَعُ صَوْتُ الطَّرَبِ وَصَوْتُ الْفَرَحِ، صَوْتُ الْعَرِيسِ وَصَوْتُ الْعَرُوسَةِ، وَصَوْتُ الَّذِينَ يُقَدِّمُونَ قُرْبَانَ الشُّكْرِ فِي بَيْتِ اللهِ وَيَقُولُونَ: ’اِحْمَدُوا اللهَ الْقَدِيرَ، اللهُ طَيِّبٌ وَرَحْمَتُهُ تَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ.‘ لِأَنِّي أَرُدُّ الْأَسْرَى إِلَى الْبِلَادِ كَمَا كَانُوا فِي الْأَوَّلِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ.“ وَقَالَ اللهُ الْقَدِيرُ: ”هَذَا الْمَكَانُ هُوَ الْآنَ خَرَابٌ بِلَا إِنْسَانٍ وَلَا حَيَوَانٍ، وَلَكِنْ سَيَكُونُ فِي كُلِّ مُدُنِهِ مَسَاكِنُ لِلرُّعَاةِ وَحَظَائِرُ لِلْغَنَمِ. وَتَمُرُّ الْغَنَمُ تَحْتَ يَدِ مَنْ يَعُدُّهَا فِي مُدُنِ الْجَبَلِ وَمُدُنِ السَّهْلِ وَمُدُنِ النَّقَبِ وَفِي أَرْضِ بِنْيَمِينَ وَالْقُرَى الَّتِي حَوْلَ الْقُدْسِ وَفِي مُدُنِ يَهُوذَا. هَذَا كَلَامُ اللهِ.“ لِأَنَّ اللهَ يَقُولُ: ”سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ أُحَقِّقُ الْوَعْدَ الصَّالِحَ الَّذِي وَعَدْتُ بِهِ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ وَبَيْتَ يَهُوذَا. فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أُنْبِتُ فِيهَا لِبَيْتِ دَاوُدَ نَسْلًا صَالِحًا يَعْمَلُ الْعَدْلَ وَالصَّلَاحَ فِي الْبِلَادِ. وَفِي تِلْكَ الْأَيَّامِ يَنْجُو يَهُوذَا، وَيَسْكُنُ شَعْبُ الْقُدْسِ فِي أَمَانٍ. وَيَكُونُ اسْمُ الْمَدِينَةِ: ’اللهُ صَالِحٌ لَنَا.‘“ لِأَنَّ اللهَ قَالَ: ”الْمَلِكُ الَّذِي يَجْلِسُ عَلَى عَرْشِ إِسْرَائِيلَ، يَكُونُ دَائِمًا وَاحِدًا مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ. وَالَّذِينَ يُقَدِّمُونَ لِيَ الْقُرْبَانَ الْمَحْرُوقَ وَقُرْبَانَ الدَّقِيقِ وَالضَّحَايَا، يَكُونُونَ دَائِمًا مِنْ نَسْلِ الْأَحْبَارِ بَنِي لَاوِي.“ ثُمَّ قَالَ اللهُ لِإِرْمِيَا: ”يَقُولُ اللهُ، هَلْ تَقْدِرُونَ أَنْ تَنْقُضُوا عَهْدِي مَعَ النَّهَارِ وَعَهْدِي مَعَ اللَّيْلِ، حَتَّى لَا يَكُونَ نَهَارٌ وَلَا لَيْلٌ فِي وَقْتِهِمَا؟ لَا! وَبِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ، عَهْدِي مَعَ دَاوُدَ عَبْدِي لَا يُنْقَضُ، بَلْ يَكُونُ لَهُ ابْنٌ مَلِكٌ يَجْلِسُ عَلَى عَرْشِهِ! وَكَذَلِكَ عَهْدِي مَعَ خُدَّامِي بَنِي لَاوِي الْأَحْبَارِ لَا يُنْقَضُ! وَكَمَا أَنَّ نُجُومَ السَّمَاءِ لَا تُعَدُّ مِنَ الْكَثْرَةِ، وَرَمْلَ الْبَحْرِ لَا يُحْصَى، كَذَلِكَ أُكَثِّرُ نَسْلَ دَاوُدَ عَبْدِي وَبَنِي لَاوِي خُدَّامِي.“ ثُمَّ قَالَ اللهُ لِإِرْمِيَا: ”هَلْ لَاحَظْتَ مَا يَقُولُهُ هَذَا الشَّعْبُ؟ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ اللهَ رَفَضَ الْعَائِلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ اخْتَارَهُمَا! وَهُمْ بِذَلِكَ يَحْتَقِرُونَ شَعْبِي وَلَا يَعْتَبِرُونَ أَنَّهُمْ أُمَّةٌ.“ لِذَلِكَ قَالَ اللهُ: ”كَمَا أَقَمْتُ عَهْدِي مَعَ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، وَوَضَعْتُ قَوَانِينَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَإِنِّي لَا أَرْفُضُ نَسْلَ يَعْقُوبَ وَدَاوُدَ عَبْدِي، بَلْ أَخْتَارُ مِنْ بَنِيهِ مُلُوكًا عَلَى نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ وَيَعْقُوبَ. لِأَنِّي أَرُدُّهُمْ مِنَ الْأَسْرِ وَأَرْحَمُهُمْ.“ لَمَّا كَانَ نَبُوخَذْنَصْرُ مَلِكُ بَابِلَ وَكُلُّ جَيْشِهِ وَكُلُّ مَمَالِكِ الْأَرْضِ الَّتِي تَحْتَ سُلْطَتِهِ وَكُلُّ الشُّعُوبِ، يُحَارِبُونَ الْقُدْسَ وَكُلَّ الْمُدُنِ الَّتِي حَوْلَهَا، أَوْحَى اللهُ لِإِرْمِيَا بِهَذَا الْكَلَامِ. الْمَوْلَى رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ: ”اِذْهَبْ كَلِّمْ صِدْقِيَا مَلِكَ يَهُوذَا وَقُلْ لَهُ: ’قَالَ اللهُ إِنَّهُ سَيُوقِعُ هَذِهِ الْمَدِينَةَ فِي يَدِ مَلِكِ بَابِلَ فَيَحْرِقُهَا بِالنَّارِ. وَأَنْتَ يَا صِدْقِيَا لَا تُفْلِتُ مِنْ يَدِهِ، بَلْ يُقْبَضُ عَلَيْكَ وَتُسَلَّمُ لِيَدِهِ، وَعَيْنَاكَ تَنْظُرَانِ عَيْنَيْهِ، وَتُكَلِّمُهُ فَمًا إِلَى فَمٍ. ثُمَّ تَذْهَبُ إِلَى بَابِلَ. وَلَكِنِ اسْمَعْ كَلِمَةَ اللهِ يَا صِدْقِيَا مَلِكُ يَهُوذَا. قَالَ اللهُ عَنْكَ إِنَّكَ لَنْ تَمُوتَ بِالسَّيْفِ، بَلْ تَمُوتَ بِسَلَامٍ. وَيَعْمَلُونَ لَكَ حَرِيقَةً عِنْدَ مَوْتِكَ، كَمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لِآبَائِكَ الْمُلُوكِ السَّابِقِينَ. وَيَنْدُبُونَكَ وَيَقُولُونَ: ’حَسْرَةٌ عَلَى سَيِّدِنَا!‘ أَنَا اللهَ قُلْتُ هَذَا الْكَلَامَ.‘“ وَقَالَ إِرْمِيَا النَّبِيُّ كُلَّ هَذَا الْكَلَامِ لِصِدْقِيَا مَلِكِ يَهُوذَا فِي الْقُدْسِ. وَذَلِكَ لَمَّا كَانَ جَيْشُ مَلِكِ بَابِلَ يُحَارِبُ الْقُدْسَ وَمَا بَقِيَ مِنْ مُدُنِ يَهُوذَا، أَيْ لَخِيشَ وَعَزِيقَةَ. فَإِنَّهُمَا وَحْدَهُمَا بَقِيَتَا مِنْ كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا الْمُحَصَّنَةِ. أَوْحَى اللهُ لِإِرْمِيَا بِهَذَا الْكَلَامِ، بَعْدَمَا قَطَعَ الْمَلِكُ صِدْقِيَا عَهْدًا مَعَ كُلِّ شَعْبِ الْقُدْسِ لِيُنَادُوا بِتَحْرِيرِ الْعَبِيدِ. فَيُطْلِقُ كُلُّ وَاحِدٍ عَبْدَهُ الْعِبْرَانِيَّ، وَجَارِيَتَهُ الْعِبْرَانِيَّةَ، وَلَا يَسْتَعْبِدُ أَحَدٌ يَهُودِيًا مِنْ بَنِي قَوْمِهِ. وَكُلُّ الرُّؤَسَاءِ وَالشَّعْبِ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي الْعَهْدِ لِيُطْلِقُوا عَبِيدَهُمْ وَجَوَارِيَهُمْ أَحْرَارًا، أَطَاعُوا وَفِعْلًا أَطْلَقُوهُمْ. وَلَكِنَّهُمْ عَادُوا بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَرْجَعُوا الْعَبِيدَ وَالْجَوَارِيَ الَّذِينَ أَطْلَقُوهُمْ أَحْرَارًا وَاسْتَعْبَدُوهُمْ. فَهَذَا كَلَامُ اللهِ لِإِرْمِيَا. الْمَوْلَى رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ: ”أَنَا قَطَعْتُ عَهْدًا مَعَ آبَائِكُمْ يَوْمَ أَخْرَجْتُهُمْ مِنْ مِصْرَ، مِنْ سِجْنِ الْعُبُودِيَّةِ. وَقُلْتُ: ’الْعَبْدُ الْعِبْرَانِيُّ الَّذِي يَبِيعُ نَفْسَهُ لَكُمْ، وَيَخْدِمُكُمْ 6 سِنِينَ، يَجِبُ أَنْ تُطْلِقُوهُ حُرًّا مِنْ عِنْدِكُمْ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ.‘ وَلَكِنَّ آبَاءَكُمْ لَمْ يَسْمَعُوا لِي وَلَمْ يَنْتَبِهُوا. وَالْآنَ، أَنْتُمْ تُبْتُمْ وَعَمِلْتُمْ مَا هُوَ صَالِحٌ فِي نَظَرِي، فَنَادَيْتُمْ بِتَحْرِيرِ الْعَبِيدِ مِنْ بَنِي قَوْمِكُمْ، وَقَطَعْتُمْ بِذَلِكَ عَهْدًا أَمَامِي فِي الْبَيْتِ الَّذِي اخْتَرْتُهُ لِعِبَادَتِي. وَلَكِنَّكُمْ عُدْتُمْ وَنَجَّسْتُمِ اسْمِي، بِأَنْ أَرْجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَبِيدَهُ وَجَوَارِيَهُ، بَعْدَمَا أَطْلَقْتُمُوهُمْ أَحْرَارًا لِيَعْمَلُوا مَا شَاءُوا. فَالْآنَ أَنْتُمْ تَسْتَعْبِدُونَهُمْ!“ لِذَلِكَ قَالَ اللهُ: ”أَنْتُمْ لَمْ تُطِيعُونِي بَعْدَمَا نَادَيْتُمْ بِتَحْرِيرِ الْعَبِيدِ مِنْ إِخْوَتِكُمْ بَنِي قَوْمِكُمْ. لِذَلِكَ فَأَنَا سَأُنَادِي بِتَحْرِيرِكُمْ، لِتَمُوتُوا بِالسَّيْفِ وَالْوَبَأِ وَالْجُوعِ، وَأَجْعَلُكُمْ مَكْرُوهِينَ فِي كُلِّ مَمَالِكِ الْأَرْضِ. وَالَّذِينَ نَقَضُوا عَهْدِي، وَلَمْ يُنَفِّذُوا مَا تَعَاهَدُوا عَلَيْهِ أَمَامِي، أُعَامِلُهُمْ كَالْعِجْلِ الَّذِي قَطَعُوهُ إِلَى اثْنَيْنِ وَسَارُوا بَيْنَ قِطْعَتَيْهِ. فَأُوقِعُ رُؤَسَاءَ يَهُوذَا وَالْقُدْسِ، وَرِجَالَ الدَّوْلَةِ، وَالْأَحْبَارَ، وَكُلَّ شَعْبِ الْأَرْضِ الَّذِينَ سَارُوا بَيْنَ قِطْعَتَيِ الْعِجْلِ، أُوقِعُهُمْ فِي يَدِ أَعْدَائِهِمِ الَّذِينَ يَسْعَوْنَ لِهَلَاكِهِمْ، وَتَصِيرُ جُثَثُهُمْ طَعَامًا لِطُيُورِ السَّمَاءِ وَوُحُوشِ الْأَرْضِ. وَأُوقِعُ صِدْقِيَا مَلِكَ يَهُوذَا وَأَعْوَانَهُ فِي يَدِ أَعْدَائِهِمِ الَّذِينَ يَسْعَوْنَ لِهَلَاكِهِمْ، وَفِي يَدِ جَيْشِ مَلِكِ بَابِلَ مَعَ أَنَّهُمْ ذَهَبُوا مِنْ هُنَا!“ فَالْمَوْلَى يَقُولُ: ”أَنَا آمُرُهُمْ وَأُرْجِعُهُمْ إِلَى هَذِهِ الْمَدِينَةِ، فَيُحَارِبُونَهَا وَيَسْتَوْلُونَ عَلَيْهَا وَيَحْرِقُونَهَا بِالنَّارِ. وَأَجْعَلُ مُدُنَ يَهُوذَا خَرَابًا لَا يَسْكُنُ فِيهَا أَحَدٌ.“ هَذَا هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي أَوْحَى بِهِ اللهُ لِإِرْمِيَا فِي أَيَّامِ يُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا: ”اِذْهَبْ إِلَى عَائِلَةِ الرِّكَابِيِّينَ وَتَكَلَّمْ مَعَهُمْ، ثُمَّ خُذْهُمْ إِلَى إِحْدَى الْغُرَفِ الْجَانِبِيَّةِ فِي بَيْتِ اللهِ، وَاسْقِهِمْ خَمْرًا.“ فَجَمَعْتُ يَاسِينَ بْنَ إِرْمِيَا بْنِ حَبْصِينِيَا وَإِخْوَتَهُ وَكُلَّ بَنِيهِ، وَكُلَّ عَائِلَةِ الرِّكَابِيِّينَ. وَأَخَذْتُهُمْ إِلَى بَيْتِ اللهِ، إِلَى غُرْفَةِ بَنِي حَانَانَ بْنِ يَجْدَلْيَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ. وَهِيَ بِجَانِبِ غُرْفَةِ الرُّؤَسَاءِ فَوْقَ غُرْفَةِ مَعَسْيَا بْنِ شَلُّومَ حَارِسِ الْبَابِ. وَوَضَعْتُ أَمَامَ رِجَالِ عَائِلَةِ الرِّكَابِيِّينَ أَبَارِيقَ مَمْلُوءَةً خَمْرًا وَكُؤُوسًا، وَقُلْتُ لَهُمْ: ”اِشْرَبُوا خَمْرًا.“ فَقَالُوا: ”نَحْنُ لَا نَشْرَبُ خَمْرًا، لِأَنَّ يُونَادَابَ بْنَ رِكَابَ أَبَانَا أَوْصَانَا وَقَالَ: ’لَا تَشْرَبُوا خَمْرًا، لَا أَنْتُمْ وَلَا بَنُوكُمْ أَبَدًا. وَلَا تَبْنُوا دَارًا، وَلَا تَزْرَعُوا زَرْعًا، وَلَا تَغْرِسُوا كَرْمًا، وَلَا يَكُنْ لَكُمْ مِنْ هَذِهِ شَيْءٌ بَلِ اسْكُنُوا فِي الْخِيَامِ كُلَّ حَيَاتِكُمْ، لِكَيْ يَطُولَ عُمْرُكُمْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ الَّتِي تَعِيشُونَ فِيهَا كَغُرَبَاءَ.‘ فَأَطَعْنَا كُلَّ مَا أَمَرَنَا بِهِ أَبُونَا يُونَادَابُ بْنُ رِكَابَ. فَلَمْ نَشْرَبْ خَمْرًا طُولَ عُمْرِنَا، لَا نَحْنُ وَلَا زَوْجَاتُنَا وَلَا بَنَاتُنَا، وَلَمْ نَبْنِ دِيَارًا لِنَسْكُنَ فِيهَا، وَلَمْ نَمْلِكْ كَرْمًا وَلَا حَقْلًا وَلَا زَرْعًا. بَلْ سَكَنَّا فِي الْخِيَامِ، وَأَطَعْنَا تَمَامًا كُلَّ مَا أَمَرَنَا بِهِ يُونَادَابُ أَبُونَا. وَلَكِنْ لَمَّا زَحَفَ نَبُوخَذْنَصْرُ مَلِكُ بَابِلَ عَلَى الْبِلَادِ، قَرَّرْنَا أَنْ نَدْخُلَ الْقُدْسَ هَرَبًا مِنْ جَيْشِ الْبَابِلِيِّينَ وَجَيْشِ الْأَرَامِيِّينَ. فَسَكَنَّا هُنَا.“ ثُمَّ قَالَ اللهُ لِإِرْمِيَا: ”الْمَوْلَى الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ، اِذْهَبْ وَقُلْ لِرِجَالِ يَهُوذَا وَسُكَّانِ الْقُدْسِ: ’يَقُولُ اللهُ لَكُمْ: تَعَلَّمُوا هَذَا الدَّرْسَ، وَأَطِيعُوا كَلَامِي. يُونَادَابُ بْنُ رِكَابَ أَمَرَ أَوْلَادَهُ أَنْ لَا يَشْرَبُوا خَمْرًا، فَعَمِلُوا بِكَلَامِهِ وَلَمْ يَشْرَبُوا خَمْرًا إِلَى هَذَا الْيَوْمِ، لِأَنَّهُمْ أَطَاعُوا أَمْرَ أَبِيهِمْ. أَمَّا أَنْتُمْ، فَلَمْ تُطِيعُونِي مَعَ أَنِّي كَلَّمْتُكُمْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى. وَأَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ كُلَّ عَبِيدِيَ الْأَنْبِيَاءِ وَاحِدًا بَعْدَ الْآخَرِ. وَقَالُوا لَكُمْ: ”اِرْجِعُوا عَنْ سُلُوكِكُمُ الرَّدِيءِ وَأَصْلِحُوا أَعْمَالَكُمْ، وَلَا تَتْبَعُوا آلِهَةً أُخْرَى لِتَعْبُدُوهَا، فَتَسْكُنُوا فِي الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لَكُمْ وَلِآبَائِكُمْ.“ لَكِنَّكُمْ لَمْ تَنْتَبِهُوا وَلَمْ تَسْمَعُوا لِي. فَإِنَّ بَنِي يُونَادَابَ بْنِ رِكَابَ عَمِلُوا بِوَصِيَّةِ أَبِيهِمِ الَّتِي أَوْصَاهُمْ بِهَا. أَمَّا هَذَا الشَّعْبُ فَلَمْ يَسْمَعْ لِي.‘ لِذَلِكَ قَالَ اللهُ الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ’سَأَجْلِبُ عَلَى يَهُوذَا وَعَلَى كُلِّ سُكَّانِ الْقُدْسِ، كُلَّ الْمَصَائِبِ الَّتِي حَكَمْتُ بِهَا عَلَيْهِمْ، لِأَنِّي كَلَّمْتُهُمْ فَلَمْ يَسْمَعُوا، وَدَعَوْتُهُمْ فَلَمْ يُجِيبُوا.‘“ وَقَالَ إِرْمِيَا لِعَائِلَةِ الرِّكَابِيِّينَ: ”الْمَوْلَى الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ: ’أَنْتُمْ أَطَعْتُمْ وَصِيَّةَ يُونَادَابَ أَبِيكُمْ، وَنَفَّذْتُمْ كُلَّ أَوَامِرِهِ، وَعَمِلْتُمْ بِكُلِّ مَا قَالَهُ لَكُمْ. لِذَلِكَ يَكُونُ مِنْ نَسْلِ يُونَادَابَ بْنِ رِكَابَ مَنْ يَخْدِمُنِي دَائِمًا. هَذَا كَلَامُ اللهِ الْقَدِيرِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ.‘“ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِيُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، قَالَ اللهُ لِإِرْمِيَا: ”خُذْ كِتَابًا وَاكْتُبْ فِيهِ كُلَّ الْكَلَامِ الَّذِي قُلْتُهُ لَكَ عَنْ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا وَكُلِّ الْأُمَمِ الْأُخْرَى، مِنْ أَيَّامِ يُوشِيَّا لَمَّا بَدَأْتُ أُكَلِّمُكَ، إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. فَلَعَلَّ شَعْبَ يَهُوذَا يَسْمَعُونَ عَنْ كُلِّ الْمَصَائِبِ الَّتِي نَوَيْتُ أَنْ أَجْلِبَهَا عَلَيْهِمْ، فَيَرْجِعُوا عَنْ سُلُوكِهِمِ الرَّدِيءِ، فَأَغْفِرَ شَرَّهُمْ وَذَنْبَهُمْ.“ فَاسْتَدْعَى إِرْمِيَا بَارُوخَ بْنَ نِيرِيَّا وَأَمْلَى عَلَيْهِ كُلَّ كَلَامِ اللهِ الَّذِي قَالَهُ لَهُ، فَكَتَبَهُ بَارُوخُ فِي الْكِتَابِ. ثُمَّ قَالَ إِرْمِيَا لِبَارُوخَ: ”أَنَا مَمْنُوعٌ مِنَ الذَّهَابِ إِلَى بَيْتِ اللهِ. فَاذْهَبْ أَنْتَ إِلَى بَيْتِ اللهِ فِي يَوْمِ الصَّوْمِ، وَاقْرَأْ مِنَ الْكِتَابِ كُلَّ كَلَامِ اللهِ الَّذِي أَمْلَيْتُهُ عَلَيْكَ وَأَنْتَ كَتَبْتَهُ. اِقْرَأْهُ لِلشَّعْبِ، لِكُلِّ شَعْبِ يَهُوذَا الْقَادِمِينَ مِنْ مُدُنِهِمْ. لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ إِلَى اللهِ، وَيَرْجِعُونَ عَنْ سُلُوكِهِمِ الرَّدِيءِ، لِأَنَّ غَضَبَ اللهِ وَغَيْظَهُ الَّذِي حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ شَدِيدٌ.“ فَعَمِلَ بَارُوخُ بْنُ نِيرِيَّا كُلَّ مَا أَوْصَاهُ بِهِ إِرْمِيَا النَّبِيُّ، فَقَرَأَ كَلَامَ اللهِ مِنَ الْكِتَابِ فِي بَيْتِ اللهِ. وَفِي الشَّهْرِ التَّاسِعِ مِنَ السَّنَةِ الْخَامِسَةِ لِيُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، نَادَوْا بِصَوْمٍ أَمَامَ اللهِ لِكُلِّ الشَّعْبِ الَّذِي فِي الْقُدْسِ، وَلِكُلِّ الْقَادِمِينَ مِنْ مُدُنِ يَهُوذَا. فَقَرَأَ بَارُوخُ وَهُوَ فِي بَيْتِ اللهِ، لِكُلِّ الشَّعْبِ، كَلَامَ إِرْمِيَا الَّذِي فِي الْكِتَابِ. وَكَانَ يَقْرَأُ وَهُوَ فِي غُرْفَةِ جَمَرْيَا بْنِ شَافَانَ الْكَاتِبِ فِي السَّاحَةِ الْعُلْيَا، عِنْدَ مَدْخَلِ الْبَابِ الْجَدِيدِ لِبَيْتِ اللهِ. فَلَمَّا سَمِعَ مِيخَايَا بْنُ جَمَرْيَا بْنِ شَافَانَ كُلَّ كَلَامِ اللهِ الَّذِي فِي الْكِتَابِ، ذَهَبَ إِلَى قَصْرِ الْمَلِكِ، إِلَى غُرْفَةِ الْكَاتِبِ حَيْثُ كَانَ كُلُّ الرُّؤَسَاءِ جَالِسِينَ، وَهُمْ أَلِيشَمَعُ الْكَاتِبُ، وَدَلَايَا بْنُ شَمَعْيَا، وَأَلْنَاثَانُ بْنُ عَكْبُورَ، وَجَمَرْيَا بْنُ شَافَانَ، وَصِدْقِيَا بْنُ حَنَنْيَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الرُّؤَسَاءِ. فَأَخْبَرَهُمْ مِيخَايَا بِكُلِّ الْكَلَامِ الَّذِي سَمِعَهُ، لَمَّا قَرَأَ بَارُوخُ لِلشَّعْبِ مِنَ الْكِتَابِ. فَأَرْسَلَ كُلُّ الرُّؤَسَاءِ يَهُودِيَ بْنَ نَثَنْيَا بْنِ شَلَمْيَا بْنِ كُوشِي، لِيَقُولَ لِبَارُوخَ: ”أَحْضِرِ الْكِتَابَ الَّذِي قَرَأْتَ مِنْهُ لِلشَّعْبِ وَتَعَالَ.“ فَأَخَذَ بَارُوخُ بْنُ نِيرِيَّا الْكِتَابَ فِي يَدِهِ، وَذَهَبَ إِلَيْهِمْ. فَقَالُوا لَهُ: ”اِجْلِسْ وَاقْرَأْهُ لَنَا.“ فَقَرَأَهُ بَارُوخُ لَهُمْ. فَلَمَّا سَمِعُوا كُلَّ ذَلِكَ الْكَلَامِ، خَافُوا وَنَظَرُوا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَقَالُوا لِبَارُوخَ: ”لَا بُدَّ أَنْ نُخْبِرَ الْمَلِكَ بِكُلِّ هَذَا الْكَلَامِ.“ ثُمَّ سَأَلُوا بَارُوخَ: ”أَخْبِرْنَا كَيْفَ كَتَبْتَ كُلَّ هَذَا؟ هَلْ أَمْلَاهُ إِرْمِيَا عَلَيْكَ؟“ فَقَالَ بَارُوخُ لَهُمْ: ”نَعَمْ، كَانَ هُوَ يُمْلِي عَلَيَّ كُلَّ شَيْءٍ وَأَنَا أَكْتُبُ بِالْحِبْرِ فِي الْكِتَابِ.“ فَقَالَ الرُّؤَسَاءُ لِبَارُوخَ: ”اِذْهَبْ وَاخْتَبِئْ أَنْتَ وَإِرْمِيَا، لِكَيْ لَا يَعْلَمَ أَحَدٌ أَيْنَ أَنْتُمَا.“ ثُمَّ أَوْدَعَ الرُّؤَسَاءُ الْكِتَابَ فِي غُرْفَةِ أَلِيشَمَعَ الْكَاتِبِ، وَدَخَلُوا إِلَى الْمَلِكِ فِي الْقَاعَةِ وَأَخْبَرُوهُ بِكُلِّ شَيْءٍ. فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ يَهُودِيَ لِيُحْضِرَ الْكِتَابَ، فَأَحْضَرَهُ مِنْ غُرْفَةِ أَلِيشَمَعَ الْكَاتِبِ. وَقَرَأَهُ يَهُودِي لِلْمَلِكِ وَلِكُلِّ الرُّؤَسَاءِ الْمَوْجُودِينَ عِنْدَهُ. وَكَانَ ذَلِكَ فِي الشَّهْرِ التَّاسِعِ، وَالْمَلِكُ فِي غُرْفَةِ الشِّتَاءِ وَأَمَامَهُ كَانُونٌ فِيهِ نَارٌ مُشْتَعِلَةٌ. فَكُلَّمَا كَانَ يَهُودِي يَقْرَأُ 3 أَعْمِدَةٍ أَوْ 4، كَانَ الْمَلِكُ يَقْطَعُهَا بِسِكِّينِ الْكَاتِبِ وَيَرْمِيهَا فِي النَّارِ الَّتِي فِي الْكَانُونِ، حَتَّى فَنِيَ كُلُّ الْكِتَابِ فِي نَارِ الْكَانُونِ. وَلَمْ يَخَافُوا وَلَمْ يُمَزِّقُوا ثِيَابَهُمْ، لَا الْمَلِكُ وَلَا كُلُّ أَعْوَانِهِ الَّذِينَ سَمِعُوا كُلَّ هَذَا الْكَلَامِ. وَمَعَ أَنَّ أَلْنَاثَانَ وَدَلَايَا وَجَمَرْيَا تَرَجَّوْا الْمَلِكَ أَنْ لَا يَحْرِقَ الْكِتَابَ، لَكِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ لَهُمْ. بَلْ أَمَرَ الْمَلِكُ يَرْحَمِيلَ ابْنَ الْمَلِكِ وَسَرَايَا بْنَ عَزْرِيلَ وَشَلَمْيَا بْنَ عَبْدِيلَ أَنْ يَقْبِضُوا عَلَى بَارُوخَ الْكَاتِبِ وَإِرْمِيَا النَّبِيِّ. وَلَكِنَّ اللهَ خَبَّأَهُمَا. وَبَعْدَمَا أَحْرَقَ الْمَلِكُ الْكِتَابَ وَالْكَلَامَ الَّذِي أَمْلَاهُ إِرْمِيَا وَكَتَبَهُ بَارُوخُ، قَالَ اللهُ لِإِرْمِيَا: ”خُذْ كِتَابًا آخَرَ وَاكْتُبْ فِيهِ كُلَّ الْكَلَامِ الَّذِي كَانَ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، الَّذِي أَحْرَقَهُ يُويَاقِيمُ مَلِكُ يَهُوذَا. وَقُلْ لِيُويَاقِيمَ مَلِكِ يَهُوذَا: ’يَقُولُ اللهُ، أَنْتَ أَحْرَقْتَ هَذَا الْكِتَابَ وَقُلْتَ: ”لِمَاذَا يَا إِرْمِيَا كَتَبْتَ فِيهِ أَنَّ مَلِكَ بَابِلَ لَا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ، وَيَخْرِبَ هَذِهِ الْبِلَادَ، وَيُفْنِيَ مِنْهَا الْإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ؟“‘ لِذَلِكَ يَقُولُ اللهُ عَنْ يُويَاقِيمَ مَلِكِ يَهُوذَا: ’لَا يَجْلِسُ أَحَدٌ مِنْ نَسْلِهِ عَلَى عَرْشِ دَاوُدَ، وَتُرْمَى جُثَّتُهُ خَارِجًا فِي الْحَرِّ بِالنَّهَارِ وَفِي الصَّقِيعِ بِاللَّيْلِ. وَأُعَاقِبُهُ هُوَ وَأَوْلَادَهُ وَأَعْوَانَهُ عَلَى شَرِّهِمْ. وَأَجْلِبُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى سُكَّانِ الْقُدْسِ وَشَعْبِ يَهُوذَا، كُلَّ الْمَصَائِبِ الَّتِي حَكَمْتُ بِهَا عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا.‘“ فَأَخَذَ إِرْمِيَا كِتَابًا آخَرَ، وَأَعْطَاهُ لِبَارُوخَ بْنِ نِيرِيَّا الْكَاتِبِ. فَكَانَ إِرْمِيَا يُمْلِي، وَبَارُوخُ يَكْتُبُ فِيهِ كُلَّ الْكَلَامِ الَّذِي كَانَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي أَحْرَقَهُ يُويَاقِيمُ مَلِكُ يَهُوذَا بِالنَّارِ. وَزِيدَ عَلَيْهِ كَلَامٌ كَثِيرٌ مِثْلُهُ. وَمَلَكَ صِدْقِيَا بْنُ يُوشِيَّا عَلَى يَهُوذَا، لِأَنَّ نَبُوخَذْنَصْرَ مَلِكَ بَابِلَ جَعَلَهُ مَلِكًا مَكَانَ يُويَاكِينَ بْنِ يُويَاقِيمَ. وَلَمْ يَسْمَعْ هُوَ وَلَا أَعْوَانُهُ وَلَا شَعْبُ الْأَرْضِ لِكَلَامِ اللهِ الَّذِي قَالَهُ بِوَاسِطَةِ إِرْمِيَا النَّبِيِّ. وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ صِدْقِيَا يُوخَلَ بْنَ شَلَمْيَا وَالْحَبْرَ صَفَنْيَا بْنَ مَعَسْيَا، إِلَى إِرْمِيَا النَّبِيِّ يَقُولُ لَهُ: ”اُدْعُ الْمَوْلَى إِلَهَنَا مِنْ أَجْلِنَا.“ وَكَانَ إِرْمِيَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، حُرًّا يَذْهَبُ كَمَا يَشَاءُ بَيْنَ الشَّعْبِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا قَدْ وَضَعُوهُ فِي السِّجْنِ بَعْدُ. وَخَرَجَ جَيْشُ فِرْعَوْنَ مِنْ مِصْرَ. فَلَمَّا سَمِعَ الْبَابِلِيُّونَ الَّذِينَ يُحَاصِرُونَ الْقُدْسَ بِهَذَا، اِنْسَحَبُوا وَتَرَكُوا الْقُدْسَ. فَقَالَ اللهُ لِإِرْمِيَا النَّبِيِّ: ”هَذَا كَلَامُ اللهِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قُولُوا لِمَلِكِ يَهُوذَا الَّذِي أَرْسَلَكُمْ إِلَيَّ لِتَسْتَشِيرُونِي: ’إِنَّ جَيْشَ فِرْعَوْنَ الَّذِي خَرَجَ مِنْ مِصْرَ لِيُسَاعِدَكُمْ، سَيَرْجِعُ إِلَى أَرْضِهِ، إِلَى مِصْرَ. فَيَرْجِعُ الْبَابِلِيُّونَ وَيُحَارِبُونَ هَذِهِ الْمَدِينَةَ وَيَسْتَوْلُونَ عَلَيْهَا وَيَحْرِقُونَهَا بِالنَّارِ.‘ فَالْمَوْلَى يَقُولُ: ’لَا تَخْدَعُوا أَنْفُسَكُمْ وَتَقُولُوا: ”سَيَذْهَبُ الْبَابِلِيُّونَ عَنَّا“ لِأَنَّهُمْ لَا يَذْهَبُونَ! بَلْ إِنْ هَزَمْتُمْ جَيْشَ بَابِلَ الَّذِي يُحَارِبُكُمْ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ غَيْرُ بَعْضِ الْجَرْحَى فِي الْخِيَامِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْجَرْحَى يَقُومُونَ وَيَحْرِقُونَ هَذِهِ الْمَدِينَةَ بِالنَّارِ.‘“ فَلَمَّا انْسَحَبَ جَيْشُ الْبَابِلِيِّينَ وَتَرَكُوا الْقُدْسَ، بِسَبَبِ خُرُوجِ جَيْشِ فِرْعَوْنَ، غَادَرَ إِرْمِيَا الْقُدْسَ، لِيَذْهَبَ إِلَى أَرْضِ بِنْيَمِينَ لِيَحْصُلَ عَلَى نَصِيبِهِ مِنَ الْأَرْضِ هُنَاكَ مَعَ الشَّعْبِ. فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى بَوَّابَةِ بِنْيَمِينَ، قَبَضَ عَلَيْهِ قَائِدُ الْحَرَسِ، وَاسْمُهُ يَرْئِيَا بْنُ شَلَمْيَا بْنِ حَنَنْيَا، وَقَالَ لِإِرْمِيَا النَّبِيِّ: ”أَنْتَ ذَاهِبٌ لِتَنْضَمَّ إِلَى الْبَابِلِيِّينَ.“ فَقَالَ إِرْمِيَا: ”كِذْبٌ! أَنَا لَا أَنْضَمُّ إِلَى الْبَابِلِيِّينَ.“ وَلَكِنْ لَمْ يَسْمَعْ لَهُ يَرْئِيَا، بَلْ قَبَضَ عَلَى إِرْمِيَا وَأَخَذَهُ إِلَى الرُّؤَسَاءِ. فَغَضِبَ الرُّؤَسَاءُ عَلَى إِرْمِيَا، وَضَرَبُوهُ وَسَجَنُوهُ فِي دَارِ يُونَاثَانَ الْكَاتِبِ، لِأَنَّهُمْ حَوَّلُوهُ إِلَى سِجْنٍ. وَوَضَعُوا إِرْمِيَا فِي زِنْزَانَةٍ فِي أَعْمَاقِ السِّجْنِ، وَبَقِيَ هُنَاكَ وَقْتًا طَوِيلًا. ثُمَّ أَرْسَلَ الْمَلِكُ صِدْقِيَا، وَأَحْضَرَ إِرْمِيَا إِلَى قَصْرِهِ وَسَأَلَهُ سِرًّا: ”هَلْ تُوجَدُ كَلِمَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ؟“ فَقَالَ إِرْمِيَا: ”نَعَمْ، تُوجَدُ. سَتَقَعُ فِي يَدِ مَلِكِ بَابِلَ!“ ثُمَّ قَالَ إِرْمِيَا لِلْمَلِكِ صِدْقِيَا: ”بِمَاذَا أَسَأْتُ إِلَيْكَ وَإِلَى أَعْوَانِكَ وَإِلَى هَذَا الشَّعْبِ حَتَّى وَضَعْتُمُونِي فِي السِّجْنِ؟ وَأَيْنَ أَنْبِيَاؤُكُمُ الَّذِينَ تَنَبَّأُوا لَكُمْ وَقَالُوا إِنَّ مَلِكَ بَابِلَ لَا يَهْجُمُ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَى هَذِهِ الْبِلَادِ؟ وَالْآنَ اسْمَعْ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ، فَإِنِّي أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ أَنْ لَا تَرُدَّنِي إِلَى دَارِ يُونَاثَانَ الْكَاتِبِ، لِئَلَّا أَمُوتَ هُنَاكَ.“ فَأَمَرَ الْمَلِكُ صِدْقِيَا أَنْ يَضَعُوا إِرْمِيَا فِي سِجْنِ الْقَصْرِ، وَأَنْ يُعْطُوهُ رَغِيفًا مِنَ الْخُبْزِ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ سُوقِ الْخَبَّازِينَ، إِلَى أَنْ يَنْفُذَ كُلُّ الْخُبْزِ مِنَ الْمَدِينَةِ. فَأَقَامَ إِرْمِيَا فِي سِجْنِ الْقَصْرِ. وَسَمِعَ شَفَطْيَا بْنُ مَتَّانَ وَجَدَلْيَا بْنُ فَشْحُورَ وَيُوخَلُ بْنُ شَلَمْيَا وَفَشْحُورُ بْنُ مَلَكْيَا، الْكَلَامَ الَّذِي كَانَ إِرْمِيَا يَقُولُهُ لِلشَّعْبِ، وَهُوَ إِنَّ اللهَ قَالَ: ”مَنْ يُقِيمُ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ يَمُوتُ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَأِ، وَمَنْ يَخْرُجُ إِلَى الْبَابِلِيِّينَ يَحْيَا وَيَنْجُو بِحَيَاتِهِ.“ وَإِنَّ اللهَ قَالَ أَيْضًا: ”إِنَّ هَذِهِ الْمَدِينَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَقَعَ فِي يَدِ جَيْشِ مَلِكِ بَابِلَ فَيَسْتَوْلِي عَلَيْهَا.“ فَقَالَ الرُّؤَسَاءُ لِلْمَلِكِ: ”يَجِبُ أَنْ يُقْتَلَ هَذَا الرَّجُلُ، لِأَنَّهُ بِكَلَامِهِ هَذَا يُضْعِفُ عَزِيمَةَ الْجَيْشِ الَّذِي بَقِيَ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ، وَعَزِيمَةَ كُلِّ الشَّعْبِ، فَهَذَا الرَّجُلُ لَا يُرِيدُ لِهَذَا الشَّعْبِ خَيْرًا بَلْ شَرًّا.“ فَقَالَ الْمَلِكُ صِدْقِيَا: ”إِرْمِيَا فِي يَدِكُمْ، وَأَنَا الْمَلِكَ لَا أَقْدِرُ أَنْ أُعَارِضَكُمْ فِي شَيْءٍ.“ فَأَخَذُوا إِرْمِيَا وَوَضَعُوهُ فِي بِئْرِ مَلَكْيَا ابْنِ الْمَلِكِ فِي سِجْنِ الْقَصْرِ. فَأَنْزَلُوهُ بِحِبَالٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْبِئْرِ مَاءٌ بَلْ وَحْلٌ، فَغَاصَ إِرْمِيَا فِي الْوَحْلِ. وَسَمِعَ عَبْدُ الْمَلِكِ الْحَبَشِيُّ، أَحَدُ أَعْوَانِ الْمَلِكِ، وَهُوَ فِي الْقَصْرِ، بِأَنَّهُمْ وَضَعُوا إِرْمِيَا فِي الْبِئْرِ. وَكَانَ الْمَلِكُ جَالِسًا فِي بَوَّابَةِ بِنْيَمِينَ. فَخَرَجَ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنَ الْقَصْرِ وَقَالَ لِلْمَلِكِ: ”يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ، هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ أَسَاءُوا فِي كُلِّ مَا عَمِلُوهُ لِإِرْمِيَا النَّبِيِّ. إِنَّهُمْ طَرَحُوهُ فِي الْبِئْرِ لِيَمُوتَ هُنَاكَ مِنَ الْجُوعِ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ خُبْزٌ فِي الْمَدِينَةِ.“ فَأَمَرَ الْمَلِكُ عَبْدَ الْمَلِكِ الْحَبَشِيَّ وَقَالَ لَهُ: ”خُذْ مَعَكَ مِنْ هُنَا 30 رَجُلًا، وَأَخْرِجْ إِرْمِيَا مِنَ الْبِئْرِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ.“ فَأَخَذَ عَبْدُ الْمَلِكِ الرِّجَالَ، وَدَخَلَ إِلَى غُرْفَةٍ تَحْتَ خِزَانَةِ الْقَصْرِ، وَأَخَذَ مِنْ هُنَاكَ مَلَابِسَ رَثَّةً وَخِرَقًا بَالِيَةً وَأَنْزَلَهَا بِحِبَالٍ إِلَى إِرْمِيَا فِي الْبِئْرِ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ الْحَبَشِيُّ لِإِرْمِيَا: ”ضَعِ الْمَلَابِسَ الرَّثَّةَ وَالْخِرَقَ الْبَالِيَةَ بَيْنَ إِبْطَيْكَ وَالْحِبَالِ.“ فَفَعَلَ إِرْمِيَا هَذَا. فَجَذَبُوهُ بِالْحِبَالِ، وَأَخْرَجُوهُ مِنَ الْبِئْرِ. وَأَقَامَ إِرْمِيَا فِي السِّجْنِ. وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ صِدْقِيَا، وَأَحْضَرَ إِرْمِيَا إِلَيْهِ فِي الْمَدْخَلِ الثَّالِثِ لِبَيْتِ اللهِ وَقَالَ لَهُ: ”أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ أَمْرٍ، فَلَا تَكْتُمْ عَنِّي شَيْئًا.“ فَقَالَ إِرْمِيَا لِصِدْقِيَا: ”إِنْ أَخْبَرْتُكَ تَقْتُلُنِي، وَإِنْ نَصَحْتُكَ لَا تَسْمَعُ لِي.“ فَحَلَفَ الْمَلِكُ صِدْقِيَا لِإِرْمِيَا سِرًّا وَقَالَ: ”أُقْسِمُ بِاللهِ الَّذِي أَعْطَانَا هَذِهِ الْحَيَاةَ إِنِّي لَا أَقْتُلُكَ، وَلَا أُسَلِّمُكَ لِيَدِ هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَقْتُلُوكَ.“ فَقَالَ إِرْمِيَا لِصِدْقِيَا: ”الْمَوْلَى الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ: ’إِنْ كُنْتَ تَسْتَسْلِمُ لِقَادَةِ مَلِكِ بَابِلَ، تَنْجُو بِحَيَاتِكَ، وَهَذِهِ الْمَدِينَةُ لَا تُحْرَقُ بِالنَّارِ، فَتَحْيَا أَنْتَ وَعَائِلَتُكَ. وَلَكِنْ إِنْ كُنْتَ لَا تَسْتَسْلِمُ لِقَادَةِ مَلِكِ بَابِلَ، تَقَعُ هَذِهِ الْمَدِينَةُ فِي يَدِ الْبَابِلِيِّينَ، فَيَحْرِقُونَهَا بِالنَّارِ، وَأَنْتَ لَا تُفْلِتُ مِنْهُمْ.‘“ فَقَالَ صِدْقِيَا الْمَلِكُ لِإِرْمِيَا: ”أَخَافُ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ لَجَأُوا إِلَى الْبَابِلِيِّينَ، فَرُبَّمَا يُسَلِّمُنِي الْبَابِلِيُّونَ لَهُمْ فَيُعَامِلُونِي بِلَا رَحْمَةٍ.“ فَقَالَ إِرْمِيَا: ”لَنْ يُسَلِّمُوكَ لَهُمْ. أَطِعْ كَلَامَ اللهِ الَّذِي أَقُولُهُ لَكَ، فَتَنْجَحَ وَتَنْجُوَ بِحَيَاتِكِ. وَإِنْ كُنْتَ تَرْفُضُ أَنْ تَسْتَسْلِمَ، فَهَذِهِ هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي أَعْلَنَهَا اللهُ لِي: ’كُلُّ مَنْ بَقِيَ مِنَ النِّسَاءِ فِي قَصْرِ مَلِكِ يَهُوذَا يُؤْخَذْنَ إِلَى رُؤَسَاءِ مَلِكِ بَابِلَ، فَتَهْزَأُ نِسَاؤُكَ بِكَ بِهَذِهِ الْأُغْنِيَةِ: ”أَصْحَابُكَ الَّذِينَ وَثِقْتَ بِهِمْ، خَدَعُوكَ وَغَلَبُوكَ! لَمَّا غَاصَتْ رِجْلَاكَ فِي الطِّينِ، تَرَكُوكَ!“ كُلُّ نِسَائِكَ وَأَوْلَادِكَ يُؤْخَذُونَ إِلَى الْبَابِلِيِّينَ، وَأَنْتَ لَا تُفْلِتُ مِنْهُمْ، بَلْ يَقْبِضُ عَلَيْكَ مَلِكُ بَابِلَ، وَهَذِهِ الْمَدِينَةُ تُحْرَقُ بِالنَّارِ.‘“ فَقَالَ صِدْقِيَا لِإِرْمِيَا: ”لَا تُعَرِّفْ أَحَدًا بِهَذَا الْكَلَامِ، لِئَلَّا تَمُوتَ. وَإِنْ سَمِعَ الرُّؤَسَاءُ أَنِّي كَلَّمْتُكَ، وَرَاحُوا إِلَيْكَ وَقَالُوا: ’أَخْبِرْنَا بِمَا قُلْتَهُ لِلْمَلِكِ وَمَا قَالَهُ الْمَلِكُ لَكَ. لَا تَكْتُمْ عَنَّا، وَإِلَّا نَقْتُلْكَ.‘ فَقُلْ لَهُمْ: ’تَوَسَّلْتُ إِلَى الْمَلِكِ لِكَيْ لَا يَرُدَّنِي إِلَى دَارِ يُونَاثَانَ لِئَلَّا أَمُوتَ هُنَاكَ.‘“ فَرَاحَ كُلُّ الرُّؤَسَاءِ إِلَى إِرْمِيَا وَسَأَلُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ كُلَّ الْكَلَامِ الَّذِي أَوْصَاهُ بِهِ الْمَلِكُ. فَسَكَتُوا، لِأَنَّ حَدِيثَهُ مَعَ الْمَلِكِ لَمْ يَسْمَعْ بِهِ أَحَدٌ. وَبَقِيَ إِرْمِيَا فِي السِّجْنِ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي سَقَطَتْ فِيهِ الْقُدْسُ. فِي الشَّهْرِ الْعَاشِرِ مِنَ السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِصِدْقِيَا مَلِكِ يَهُوذَا، جَاءَ نَبُوخَذْنَصْرُ مَلِكُ بَابِلَ، هُوَ وَكُلُّ جَيْشِهِ عَلَى الْقُدْسِ وَحَاصَرَهَا. وَفِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ مِنَ السَّنَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ لِصِدْقِيَا، فُتِحَتْ ثُغْرَةٌ فِي سُورِ الْمَدِينَةِ. فَدَخَلَ كُلُّ رُؤَسَاءِ مَلِكِ بَابِلَ، وَجَلَسُوا فِي الْبَوَّابَةِ الْوُسْطَى، وَهُمْ: نَرْجَلْ شَرَاصَرُ، وَسَمْجَرْ نَبْوُ، وَسَرْسَخِيمُ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الْأَعْوَانِ، وَنَرْجَلْ شَرَاصَرُ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الْقَادَةِ، وَبَاقِي رُؤَسَاءِ مَلِكِ بَابِلَ. فَلَمَّا رَآهُمْ صِدْقِيَا مَلِكُ يَهُوذَا وَكُلُّ الْجَيْشِ، هَرَبُوا وَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ فِي طَرِيقِ حَدِيقَةِ الْمَلِكِ، مِنَ الْبَوَّابَةِ الَّتِي بَيْنَ السُّورَيْنِ، وَاتَّجَهُوا فِي طَرِيقِ وَادِي الْأُرْدُنِّ. وَلَكِنَّ جَيْشَ الْبَابِلِيِّينَ تَبِعَهُمْ، وَلَحِقُوا بِصِدْقِيَا فِي سَهْلِ أَرِيحَا. فَأَسَرُوهُ وَأَخَذُوهُ إِلَى نَبُوخَذْنَصْرَ مَلِكِ بَابِلَ فِي رَبْلَةَ، فِي أَرْضِ حَمَاةَ، حَيْثُ أَصْدَرَ حُكْمًا ضِدَّهُ. وَهُنَاكَ فِي رَبْلَةَ، قَتَلَ مَلِكُ بَابِلَ أَوْلَادَ صِدْقِيَا أَمَامَ عَيْنَيْهِ، وَقَتَلَ أَيْضًا كُلَّ عُظَمَاءِ يَهُوذَا. ثُمَّ قَلَعَ عَيْنَيْ صِدْقِيَا، وَقَيَّدَهُ بِسَلَاسِلَ مِنْ نُحَاسٍ لِيَأْخُذَهُ إِلَى بَابِلَ. وَأَحْرَقَ الْبَابِلِيُّونَ قَصْرَ الْمَلِكِ وَدِيَارَ الشَّعْبِ، وَهَدَمُوا أَسْوَارَ الْقُدْسِ. وَالشَّعْبُ الَّذِي بَقِيَ فِي الْمَدِينَةِ، وَالَّذِينَ هَرَبُوا وَلَجَأُوا إِلَى مَلِكِ بَابِلَ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ النَّاسِ، أَسَرَهُمْ نَبُوزَرَدَانُ قَائِدُ الْحَرَسِ الْمَلَكِيِّ إِلَى بَابِلَ. وَلَكِنَّهُ تَرَكَ فِي أَرْضِ يَهُوذَا بَعْضَ الْمَسَاكِينِ الَّذِينَ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا، وَأَعْطَاهُمْ كُرُومًا وَحُقُولًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَنَبُوخَذْنَصْرُ مَلِكُ بَابِلَ أَوْصَى نَبُوزَرَدَانَ قَائِدَ الْحَرَسِ الْمَلَكِيِّ عَلَى إِرْمِيَا وَقَالَ لَهُ: ”خُذْهُ وَاعْتَنِ بِهِ وَلَا تَعْمَلْ شَيْئًا يَضُرُّهُ، بَلِ اعْمَلْ لَهُ كُلَّ مَا يَطْلُبُهُ.“ فَأَرْسَلَ نَبُوزَرَدَانُ قَائِدُ الْحَرَسِ الْمَلَكِيِّ، وَنَبُوشَزْبَانُ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الْأَعْوَانِ، وَنَرْجَلْ شَرَاصَرُ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الْقَادَةِ، وَكُلُّ قَادَةِ مَلِكِ بَابِلَ، أَرْسَلُوا وَأَحْضَرُوا إِرْمِيَا مِنَ السِّجْنِ وَسَلَّمُوهُ لِجَدَلْيَا بْنِ أَخِيقَامَ بْنِ شَافَانَ لِيَأْخُذَهُ إِلَى دَارِهِ. فَأَقَامَ مَعَ الشَّعْبِ. وَلَمَّا كَانَ إِرْمِيَا مَحْبُوسًا فِي السِّجْنِ، قَالَ اللهُ لَهُ: ”اِذْهَبْ وَقُلْ لِعَبْدِ الْمَلِكِ الْحَبَشِيِّ: ’الْمَوْلَى الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ، سَأُنَفِّذُ كُلَّ مَا حَكَمْتُ بِهِ عَلَى هَذِهِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ شَرٌّ لَا خَيْرٌ، فَيَتِمُّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَمَامَ عَيْنَيْكَ. وَلَكِنِّي أُنْقِذُكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. هَذَا وَعْدُ اللهِ. فَلَا تَقَعُ فِي أَيْدِي الَّذِينَ تَخَافُ مِنْهُمْ. أَنَا أُنَجِّيكَ، فَلَا تَمُوتُ بِالسَّيْفِ، بَلْ تَنْجُو بِحَيَاتِكَ لِأَنَّكُ تَوَكَّلْتَ عَلَى اللهِ. هَذَا وَعْدُ اللهِ.‘“ هَذَا هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي أَوْحَى بِهِ اللهُ لِإِرْمِيَا، بَعْدَمَا أَطْلَقَهُ نَبُوزَرَدَانُ قَائِدُ الْحَرَسِ الْمَلَكِيِّ فِي الرَّامَةِ. فَإِنَّهُ أَخَذَهُ مُقَيَّدًا بِالسَّلَاسِلِ مَعَ كُلِّ الْأَسْرَى مِنَ الْقُدْسِ وَيَهُوذَا، وَكَانُوا فِي طَرِيقِهِمْ إِلَى بَابِلَ. فَأَخَذَ قَائِدُ الْحَرَسِ إِرْمِيَا عَلَى جَانِبٍ وَقَالَ لَهُ: ”الْمَوْلَى إِلَهُكَ حَكَمَ بِهَذِهِ الْمَصَائِبِ عَلَى هَذَا الْمَكَانِ. وَنَفَّذَ اللهُ وَعَمِلَ كَمَا قَالَ. فَإِنَّ هَذَا حَدَثَ لَكُمْ لِأَنَّكُمْ أَخْطَأْتُمْ فِي حَقِّ اللهِ وَلَمْ تُطِيعُوهُ. وَأَنَا حَرَّرْتُكَ الْيَوْمَ مِنَ الْقُيُودِ الَّتِي عَلَى يَدِكَ. فَإِنْ كُنْتَ تُحِبُّ، تَعَالَ مَعِي إِلَى بَابِلَ وَأَنَا أَعْتَنِي بِكَ. وَإِنْ كُنْتَ لَا تُحِبُّ ذَلِكَ، فَلَا تَأْتِ. اُنْظُرْ! الْأَرْضُ كُلُّهَا أَمَامَكَ، فَاذْهَبْ حَيْثُ يَحْلُو لَكَ وَيُنَاسِبُكَ.“ وَقَبْلَ أَنْ يَرُدَّ إِرْمِيَا، قَالَ لَهُ نَبُوزَرَدَانُ: ”اِرْجِعْ إِلَى جَدَلْيَا بْنِ أَخِيقَامَ بْنِ شَافَانَ الَّذِي عَيَّنَهُ مَلِكُ بَابِلَ حَاكِمًا عَلَى مُدُنِ يَهُوذَا، وَأَقِمْ عِنْدَهُ مَعَ الشَّعْبِ، أَوِ اذْهَبْ حَيْثُ يُنَاسِبُكَ.“ وَأَعْطَاهُ قَائِدُ الْحَرَسِ زَادًا وَهَدِيَّةً وَصَرَفَهُ. فَذَهَبَ إِرْمِيَا إِلَى جَدَلْيَا بْنِ أَخِيقَامَ فِي الْمِصْفَاةِ، وَأَقَامَ عِنْدَهُ مَعَ الشَّعْبِ الَّذِي بَقِيَ فِي الْأَرْضِ. وَسَمِعَ كُلُّ قَادَةِ الْجَيْشِ الَّذِينَ فِي الْحُقُولِ، هُمْ وَرِجَالُهُمْ أَنَّ مَلِكَ بَابِلَ عَيَّنَ جَدَلْيَا بْنَ أَخِيقَامَ حَاكِمًا عَلَى الْبِلَادِ، وَجَعَلَهُ مَسْئُولًا عَنِ الْفُقَرَاءِ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَأَطْفَالٍ الَّذِينَ بَقَوْا فِي الْبِلَادِ وَلَمْ يُؤْسَرُوا إِلَى بَابِلَ. فَرَاحُوا إِلَى جَدَلْيَا فِي الْمِصْفَاةِ، وَهُمْ إِسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا، وَيُوحَانَانُ وَيُونَاثَانُ ابْنَا قَارِيحَ، وَسَرَايَا بْنُ تَنْحُومَثَ، وَبَنُو عِيفَايَ النَّطُوفَاتِيِّ، وَيَاسِينُ ابْنُ الْمَعْكِيِّ، هُمْ وَرِجَالُهُمْ. فَحَلَفَ جَدَلْيَا لَهُمْ وَقَالَ: ”لَا تَخَافُوا مِنْ أَنْ تَخْدِمُوا الْبَابِلِيِّينَ، أَقِيمُوا فِي الْأَرْضِ، وَاخْدِمُوا مَلِكَ بَابِلَ، لِكَيْ تَنْجَحُوا. أَنَا سَأُقِيمُ هُنَا فِي الْمِصْفَاةِ لِأَسْتَقْبِلَ الْبَابِلِيِّينَ الَّذِينَ يَأْتُونَ إِلَيْنَا. أَمَّا أَنْتُمْ فَاجْمَعُوا خَمْرًا وَثَمَرًا وَزَيْتًا، وَاخْزِنُوهَا فِي أَوْعِيَتِكُمْ وَأَقِيمُوا فِي مُدُنِكُمُ الَّتِي تَحْتَلُّونَهَا.“ وَسَمِعَ أَيْضًا كُلُّ الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي مُوآبَ وَعَمُّونَ وَأَدُومَ وَالْبِلَادِ الْأُخْرَى، أَنَّ مَلِكَ بَابِلَ تَرَكَ بَقِيَّةً لِيَهُوذَا، وَعَيَّنَ جَدَلْيَا بْنَ أَخِيقَامَ بْنِ شَافَانَ حَاكِمًا عَلَيْهِمْ. فَجَاءُوا كُلُّهُمْ إِلَى أَرْضِ يَهُوذَا، إِلَى جَدَلْيَا فِي الْمِصْفَاةِ، مِنْ كُلِّ الْبِلَادِ الَّتِي كَانُوا مُشَتَّتِينَ فِيهَا، وَجَمَعُوا خَمْرًا وَثَمَرًا كَثِيرًا جِدًّا. وَجَاءَ يُوحَانَانُ بْنُ قَارِيحَ وَكُلُّ قَادَةِ الْجَيْشِ الَّذِينَ فِي الْحُقُولِ، إِلَى جَدَلْيَا فِي الْمِصْفَاةِ، وَقَالُوا لَهُ: ”أَلَا تَعْلَمُ أَنَّ بَعْلِيسَ مَلِكَ عَمُّونَ أَرْسَلَ إِسْمَاعِيلَ بْنَ نَثَنْيَا لِيَقْتُلَكَ؟“ فَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ جَدَلْيَا بْنُ أَخِيقَامَ. فَقَالَ يُوحَانَانُ بْنُ قَارِيحَ لِجَدَلْيَا سِرًّا فِي الْمِصْفَاةِ: ”دَعْنِي أَذْهَبُ وَأَقْتُلُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ نَثَنْيَا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ أَحَدٌ. لِمَاذَا يَقْتُلُكَ فَيَتَبَدَّدَ كُلُّ الْيَهُودِ الَّذِينَ الْتَفُّوا حَوْلَكَ وَتَهْلِكَ بَقِيَّةُ يَهُوذَا؟“ فَقَالَ جَدَلْيَا بْنُ أَخِيقَامَ لِيُوحَانَانَ بْنِ قَارِيحَ: ”لَا تَفْعَلْ هَذَا، لِأَنَّكَ تَتَّهِمُ إِسْمَاعِيلَ بِغَيْرِ حَقٍّ!“ وَفِي الشَّهْرِ السَّابِعِ جَاءَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا بْنِ أَلِيشَمَعَ وَهُوَ مِنَ الْعَائِلَةِ الْمَلَكِيَّةِ وَأَحَدُ أَعْوَانِ الْمَلِكِ، وَمَعَهُ 10 رِجَالٍ، إِلَى جَدَلْيَا بْنِ أَخِيقَامَ فِي الْمِصْفَاةِ. وَبَعْدَمَا تَنَاوَلُوا الطَّعَامَ مَعًا هُنَاكَ، قَامَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا وَالْـ10 الرِّجَالِ الَّذِينَ مَعَهُ، وَقَتَلُوا بِالسَّيْفِ جَدَلْيَا بْنَ أَخِيقَامَ بْنِ شَافَانَ الَّذِي عَيَّنَهُ مَلِكُ بَابِلَ حَاكِمًا عَلَى الْبِلَادِ. وَقَتَلَ إِسْمَاعِيلُ أَيْضًا كُلَّ الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ جَدَلْيَا فِي الْمِصْفَاةِ، وَالْجُنُودَ الْبَابِلِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا هُنَاكَ. وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي بَعْدَ قَتْلِ جَدَلْيَا، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ قَدْ عَلِمَ بِالْأَمْرِ، جَاءَ مِنْ شَكِيمَ وَشِيلُوهَ وَالسَّامِرَةِ 80 رَجُلًا لِحَاهُمْ مَحْلُوقَةٌ، وَثِيَابُهُمْ مُمَزَّقَةٌ، وَأَجْسَامُهُمْ مُجَرَّحَةٌ، وَمَعَهُمْ قُرْبَانٌ وَلُبَانٌ لِيُقَدِّمُوهُ فِي بَيْتِ اللهِ. فَخَرَجَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا مِنَ الْمِصْفَاةِ لِيَسْتَقْبِلَهُمْ، وَكَانَ يَسِيرُ وَيَبْكِي. فَلَمَّا قَابَلَهُمْ، قَالَ لَهُمْ: ”تَعَالَوْا إِلَى جَدَلْيَا بْنِ أَخِيقَامَ.“ فَلَمَّا دَخَلُوا إِلَى وَسَطِ الْمَدِينَةِ، قَتَلَهُمْ إِسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا هُوَ وَالرِّجَالُ الَّذِينَ مَعَهُ، وَرَمَوْهُمْ فِي حُفْرَةٍ. وَلَكِنَّ 10 مِنْهُمْ قَالُوا لِإِسْمَاعِيلَ: ”لَا تَقْتُلْنَا لِأَنَّ عِنْدَنَا كُنُوزًا مُخَبَّأَةً فِي الْبَرِّيَّةِ مِنْ قَمْحٍ وَشَعِيرٍ وَزَيْتٍ وَعَسَلٍ.“ فَتَرَكَهُمْ وَلَمْ يَقْتُلْهُمْ مَعَ الْآخَرِينَ. وَكَانَتِ الْحُفْرَةُ الَّتِي رَمَى فِيهَا إِسْمَاعِيلُ جُثَثَ الرِّجَالِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ، هِيَ الْحُفْرَةُ الْكَبِيرَةُ الَّتِي عَمِلَهَا الْمَلِكُ آسَا لِلدِّفَاعِ ضِدَّ بَعْشَا مَلِكِ إِسْرَائِيلَ. فَمَلَأَهَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا بِالْقَتْلَى. وَأَسَرَ إِسْمَاعِيلُ بَقِيَّةَ الشَّعْبِ الَّذِي فِي الْمِصْفَاةِ، وَمِنْهُمْ بَنَاتُ الْمَلِكِ، وَكُلُّ الْآخَرِينَ. وَهُمُ الَّذِينَ كَانَ نَبُوزَرَدَانُ، قَائِدُ الْحَرَسِ الْمَلَكِيِّ، قَدْ عَيَّنَ جَدَلْيَا بْنَ أَخِيقَامَ حَاكِمًا عَلَيْهِمْ. فَأَسَرَهُمْ إِسْمَاعِيلُ وَأَخَذَهُمْ لِيَذْهَبَ إِلَى عَمُّونَ. فَلَمَّا سَمِعَ يُوحَانَانُ بْنُ قَارِيحَ وَكُلُّ قَادَةِ الْجَيْشِ الَّذِينَ مَعَهُ، بِالْجَرَائِمِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا، أَخَذُوا كُلَّ رِجَالِهِمْ وَذَهَبُوا لِيُحَارِبُوا إِسْمَاعِيلَ، فَلَحِقُوهُ عِنْدَ الْبِرْكَةِ الْكَبِيرَةِ فِي جِبْعُونَ. فَفَرِحَ كُلُّ الْأَسْرَى الَّذِينَ مَعَ إِسْمَاعِيلَ، لَمَّا رَأَوْا يُوحَانَانَ بْنَ قَارِيحَ وَكُلَّ قَادَةِ الْجَيْشِ الَّذِينَ مَعَهُ. وَدَارُوا كُلُّهُمْ وَذَهَبُوا إِلَى يُوحَانَانَ بْنِ قَارِيحَ. فَهَرَبَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا وَ8 مِنْ رِجَالِهِ، مِنْ يُوحَانَانَ، وَذَهَبَ إِلَى عَمُّونَ. وَبِذَلِكَ فَإِنَّ الْأَسْرَى الَّذِينَ أَخَذَهُمْ إِسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا مِنَ الْمِصْفَاةِ بَعْدَمَا قَتَلَ جَدَلْيَا بْنَ أَخِيقَامَ، أَنْقَذَهُمْ يُوحَانَانُ بْنُ قَارِيحَ وَكُلُّ قَادَةِ الْجَيْشِ الَّذِينَ مَعَهُ. وَكَانَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ النَّاجِينَ جُنُودٌ وَنِسَاءٌ وَأَطْفَالٌ وَأَعْوَانُ الْمَلِكِ. فَأَخَذُوهُمْ مِنْ جِبْعُونَ، وَسَارُوا حَتَّى تَوَقَّفُوا فِي خَانَ كِمْهَامَ بِالْقُرْبِ مِنْ بَيْتَ لَحْمَ، وَقَدْ عَزَمُوا أَنْ يَلْجَأُوا إِلَى مِصْرَ، خَوْفًا مِنَ الْبَابِلِيِّينَ. وَذَلِكَ لِأَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ نَثَنْيَا قَتَلَ جَدَلْيَا بْنَ أَخِيقَامَ الَّذِي عَيَّنَهُ مَلِكُ بَابِلَ حَاكِمًا عَلَى الْبِلَادِ. ثُمَّ جَاءَ كُلُّ قَادَةِ الْجَيْشِ وَيُوحَانَانُ بْنُ قَارِيحَ وَعَزَرْيَا بْنُ هُوشَعْيَا وَكُلُّ الشَّعْبِ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ، وَقَالُوا لِإِرْمِيَا النَّبِيِّ: ”نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ أَنْ تَبْتَهِلَ إِلَى الْمَوْلَى إِلَهِكَ لِأَجْلِ هَذِهِ الْبَقِيَّةِ كُلِّهَا. فَكَمَا تَرَى، كُنَّا كَثِيرِينَ وَصِرْنَا قَلِيلِينَ. لَعَلَّ الْمَوْلَى إِلَهَكَ يُخْبِرُنَا أَيْنَ نَذْهَبُ وَمَاذَا نَعْمَلُ!“ فَقَالَ إِرْمِيَا النَّبِيُّ: ”سَمِعْتُكُمْ، سَأَدْعُو الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ كَمَا طَلَبْتُمْ، وَأُخْبِرُكُمْ بِكُلِّ مَا يَقُولُهُ لَكُمْ. لَا أَكْتُمُ عَنْكُمْ شَيْئًا.“ فَقَالُوا لِإِرْمِيَا: ”لِيَكُنِ اللهُ بَيْنَنَا شَاهِدًا صَادِقًا وَأَمِينًا، فَنَعْمَلَ بِكُلِّ مَا يُرْسِلُكَ الْمَوْلَى إِلَهُكَ لِتَقُولَهُ لَنَا. وَسَواءٌ أَحْبَبْنَا مَا تَقُولُهُ أَوْ لَا، فَإِنَّنَا سَنُطِيعُ الْمَوْلَى إِلَهَكَ الَّذِي نُرْسِلُكَ إِلَيْهِ. لِأَنَّنَا إِذَا أَطَعْنَا الْمَوْلَى إِلَهَنَا نَنَالُ خَيْرًا.“ وَبَعْدَ 10 أَيَّامٍ كَلَّمَ اللهُ إِرْمِيَا. فَاسْتَدْعَى يُوحَانَانَ بْنَ قَارِيحَ وَكُلَّ قَادَةِ الْجَيْشِ الَّذِينَ مَعَهُ وَكُلَّ الشَّعْبِ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ، وَقَالَ لَهُمْ: ”هَذِهِ كَلِمَةُ الْمَوْلَى رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي أَرْسَلْتُمُونِي إِلَيْهِ، لِأُقَدِّمَ لَهُ تَوَسُّلَكُمْ: ’إِذَا أَقَمْتُمْ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ، أَبْنِيكُمْ وَلَا أَهْدِمُكُمْ، وَأَغْرِسُكُمْ وَلَا أَقْلَعُكُمْ. لِأَنِّي حَزِنْتُ عَلَى الْمَصَائِبِ الَّتِي جَلَبْتُهَا عَلَيْكُمْ. أَنْتُمْ خَائِفُونَ مِنْ مَلِكِ بَابِلَ!‘ لَكِنَّ اللهَ يَقُولُ: ’لَا تَخَافُوا مِنْهُ، لِأَنِّي أَنَا مَعَكُمْ لِأُنْقِذَكُمْ وَأُخَلِّصَكُمْ مِنْ يَدِهِ، فَلَا تَخَافُوا مِنْهُ! فَإِنِّي أُحْسِنُ إِلَيْكُمْ، فَيَرْحَمُكُمْ وَيَتْرُكُكُمْ فِي أَرْضِكُمْ.‘ ”وَلَكِنْ إِنْ قُلْتُمْ: ’لَا نُقِيمُ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ.‘ وَلَمْ تُطِيعُوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ، وَقُلْتُمْ: ’لَا، بَلْ نَذْهَبُ إِلَى مِصْرَ وَنُقِيمُ فِيهَا، فَهُنَاكَ لَا نَرَى حَرْبًا وَلَا نَسْمَعُ صَوْتَ بُوقٍ وَلَا نَجُوعُ إِلَى خُبْزٍ.‘ فَاسْمَعُوا كَلِمَةَ اللهِ يَا بَقِيَّةَ يَهُوذَا. الْمَوْلَى الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ: ’إِنْ صَمَّمْتُمْ عَلَى الذَّهَابِ إِلَى مِصْرَ، وَذَهَبْتُمْ فِعْلًا لِتُقِيمُوا هُنَاكَ، فَالسَّيْفُ الَّذِي تَخَافُونَ مِنْهُ يَلْحَقُكُمْ فِي مِصْرَ، وَالْجُوعُ الَّذِي تَخَافُونَ مِنْهُ يَلْحَقُكُمْ فِي مِصْرَ، فَتَمُوتُونَ هُنَاكَ. بَلْ كُلُّ الَّذِينَ صَمَّمُوا عَلَى الذَّهَابِ إِلَى مِصْرَ لِيُقِيمُوا فِيهَا، يَمُوتُونَ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَأِ، فَلَا يَنْجُو أَحَدٌ وَلَا يَهْرُبُ أَحَدٌ مِنَ الْمَصَائِبِ الَّتِي أَجْلِبُهَا عَلَيْهِمْ.‘ فَالْمَوْلَى الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ: ’كَمَا انْصَبَّ غَضَبِي وَغَيْظِي عَلَى سُكَّانِ الْقُدْسِ، يَنْصَبُّ غَيْظِي عَلَيْكُمْ عِنْدَمَا تَذْهَبُونَ إِلَى مِصْرَ، فَيَلْعَنُكُمُ النَّاسُ وَيَهْزَأُونَ بِكُمْ وَيَشْتِمُونَكُمْ وَيُعَيِّرُونَكُمْ، وَلَا تَعُودُونَ تَرَوْنَ هَذَا الْمَكَانَ.‘ ”فَالْمَوْلَى أَخْبَرَكُمْ يَا بَقِيَّةَ يَهُوذَا، أَنْ لَا تَذْهَبُوا إِلَى مِصْرَ، وَاعْلَمُوا جَيِّدًا أَنِّي أَنْذَرْتُكُمُ الْيَوْمَ، لِأَنَّكُمْ عَلَى وَشْكِ أَنْ تَرْتَكِبُوا خَطَأً مُمِيتًا! فَأَنْتُمْ أَرْسَلْتُمُونِي إِلَى الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ وَقُلْتُمْ: ’اِبْتَهِلْ إِلَى الْمَوْلَى إِلَهِنَا مِنْ أَجْلِنَا، وَأَخْبِرْنَا بِكُلِّ مَا يَقُولُهُ فَنَعْمَلَهُ.‘ وَأَنَا الْيَوْمَ أَخْبَرْتُكُمْ، وَلَكِنَّكُمْ لَمْ تُطِيعُوا الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ فِي شَيْءٍ مِمَّا أَرْسَلَنِي بِهِ إِلَيْكُمْ. فَاعْلَمُوا جَيِّدًا أَنَّكُمْ تَمُوتُونَ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَأِ، فِي الْمَكَانِ الَّذِي تُرِيدُونَ أَنْ تَذْهَبُوا إِلَيْهِ لِتُقِيمُوا فِيهِ.“ فَأَبْلَغَ إِرْمِيَا كُلَّ الشَّعْبِ بِكُلِّ الْكَلَامِ الَّذِي أَرْسَلَهُ الْمَوْلَى إِلَهُهُمْ إِلَيْهِمْ. وَلَمَّا انْتَهَى مِنْ كُلِّ هَذَا الْكَلَامِ، قَالَ لَهُ عَزَرْيَا بْنُ هُوشَعْيَا وَيُوحَانَانُ بْنُ قَارِيحَ وَكُلُّ الرِّجَالِ الْمُتَكَبِّرِينَ: ”أَنْتَ تَكْذِبُ. لَمْ يُرْسِلْكَ الْمَوْلَى إِلَهُنَا لِتَقُولَ لَنَا: ’لَا تَذْهَبُوا إِلَى مِصْرَ لِتُقِيمُوا هُنَاكَ.‘ إِنَّمَا بَارُوخُ بْنُ نِيرِيَّا حَرَّضَكَ عَلَيْنَا، لِتُسَلِّمَنَا إِلَى الْبَابِلِيِّينَ لِيَقْتُلُونَا أَوْ يَأْسِرُونَا إِلَى بَابِلَ.“ فَرَفَضَ يُوحَانَانُ بْنُ قَارِيحَ وَكُلُّ قَادَةِ الْجَيْشِ وَكُلُّ الشَّعْبِ، أَنْ يُطِيعُوا اللهَ وَيُقِيمُوا فِي أَرْضِ يَهُوذَا. بَلْ أَخَذَ يُوحَانَانُ وَكُلُّ قَادَةِ الْجَيْشِ، كُلَّ بَقِيَّةِ يَهُوذَا الَّذِينَ هَرَبُوا مِنَ الْبَابِلِيِّينَ إِلَى بِلَادٍ أُخْرَى، ثُمَّ رَجَعُوا لِيُقِيمُوا فِي يَهُوذَا. وَأَخَذُوا أَيْضًا كُلَّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ وَبَنَاتِ الْمَلِكِ، الَّذِينَ تَرَكَهُمْ نَبُوزَرَدَانُ قَائِدُ الْحَرَسِ الْمَلَكِيِّ مَعَ جَدَلْيَا بْنِ أَخِيقَامَ بْنِ شَافَانَ وَإِرْمِيَا النَّبِيِّ وَبَارُوخَ بْنِ نِيرِيَّا. فَلَمْ يُطِيعُوا اللهَ، بَلْ ذَهَبُوا إِلَى مِصْرَ، وَنَزَلُوا فِي تَحْفَنِيسَ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِإِرْمِيَا فِي تَحْفَنِيسَ: ”خُذْ حِجَارَةً كَبِيرَةً بِيَدِكَ، وَاطْمُرْهَا مَعَ طِينِ الْبَلَاطِ الَّذِي عِنْدَ مَدْخَلِ قَصْرِ فِرْعَوْنَ فِي تَحْفَنِيسَ، وَذَلِكَ أَمَامَ بَعْضِ الْيَهُودِ. وَقُلْ لَهُمْ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْقَدِيرِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ: سَأُرْسِلُ وَآخُذُ نَبُوخَذْنَصْرَ مَلِكَ بَابِلَ عَبْدِي، لِيَضَعَ عَرْشَهُ فَوْقَ هَذِهِ الْحِجَارَةِ الَّتِي طَمَرْتَهَا، وَيَبْسُطَ مَظَلَّتَهُ الْمَلَكِيَّةَ عَلَيْهَا. فَيَأْتِي وَيَهْجُمُ عَلَى مِصْرَ، وَيَقْتُلُ مَنْ هُمْ لِلْقَتْلِ، وَيَأْسِرُ مَنْ هُمْ لِلْأَسْرِ، وَيَذْبَحُ مَنْ هُمْ لِلذَّبْحِ. وَيُشْعِلُ نَارًا فِي مَعَابِدِ آلِهَةِ مِصْرَ، وَيَحْرِقُ الْمَعَابِدَ، وَيَأْسِرُ الْآلِهَةَ. وَيَلُفُّ مِصْرَ حَوْلَهُ كَمَا يَلُفُّ الرَّاعِي رِدَاءَهُ. وَيَخْرُجُ مِنْ هُنَاكَ بِسَلَامٍ. وَيَكْسِرُ الْأَعْمِدَةَ الَّتِي يَعْبُدُهَا النَّاسُ فِي مَعْبَدِ الشَّمْسِ فِي مِصْرَ، وَيَحْرِقُ مَعَابِدَ آلِهَةِ مِصْرَ بِالنَّارِ.‘“ وَكَلَّمَ اللهُ إِرْمِيَا بِشَأْنِ كُلِّ الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي مِصْرَ، فِي مَجْدَلَ وَتَحْفَنِيسَ وَمَمْفِيسَ، وَأَيْضًا فِي صَعِيدِ مِصْرَ. فَقَالَ: ”الْمَوْلَى الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ: أَنْتُمْ رَأَيْتُمْ كُلَّ الْمَصَائِبِ الَّتِي جَلَبْتُهَا عَلَى الْقُدْسِ وَعَلَى كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا. فَهِيَ الْيَوْمَ مَهْجُورَةٌ وَخَرِبَةٌ. بِسَبَبِ الشَّرِّ الَّذِي ارْتَكَبُوهُ. فَهُمْ غَاظُونِي بِأَنْ أَحْرَقُوا الْبَخُورَ لِآلِهَةٍ أُخْرَى وَعَبَدُوهَا. آلِهَةٌ لَمْ يَعْرِفُوهَا هُمْ وَلَا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ. فَأَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ كُلَّ عَبِيدِيَ الْأَنْبِيَاءِ وَاحِدًا بَعْدَ الْآخَرِ. وَقَالُوا لَكُمْ: ’لَا تَعْمَلُوا هَذِهِ الْقَبَاحَةَ الَّتِي أَكْرَهُهَا.‘ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يَنْتَبِهُوا وَلَمْ يَرْجِعُوا عَنْ شَرِّهِمْ وَعَنْ إِحْرَاقِ الْبَخُورِ لِآلِهَةٍ أُخْرَى. فَانْصَبَّ غَضَبِي وَغَيْظِي، وَاشْتَعَلَا فِي مُدُنِ يَهُوذَا وَفِي شَوَارِعِ الْقُدْسِ، فَصَارَتْ خَرَابًا وَقَفْرًا كَمَا هُوَ الْحَالُ الْيَوْمَ. ”فَالْآنَ، الْمَوْلَى الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ: لِمَاذَا تَجْلِبُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ هَذِهِ الْمَصَائِبَ الْفَظِيعَةَ، فَيَنْقَرِضَ مِنْ يَهُوذَا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالطِّفْلُ وَالرَّضِيعُ، فَلَا تَبْقَى لَكُمْ بَقِيَّةٌ؟ لِمَاذَا تَغِيظُونِي بِالْأَصْنَامِ الَّتِي عَمِلَتْهَا أَيْدِيكُمْ؟ لِمَاذَا تَحْرِقُونَ الْبَخُورَ لِآلِهَةٍ أُخْرَى فِي مِصْرَ، الَّتِي جِئْتُمْ لِتُقِيمُوا فِيهَا؟ أَنْتُمْ تُفْنُونَ أَنْفُسَكُمْ، فَيَلْعَنُكُمُ النَّاسُ وَيُعَيِّرُونَكُمْ فِي كُلِّ أُمَمِ الْأَرْضِ. هَلْ نَسِيتُمُ الشَّرَّ الَّذِي ارْتَكَبَهُ آبَاؤُكُمْ؟ أَوِ الشَّرَّ الَّذِي ارْتَكَبَهُ مُلُوكُ يَهُوذَا وَمَلِكَاتُهَا؟ أَوِ الشَّرَّ الَّذِي ارْتَكَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ وَنِسَاؤُكُمْ؟ كُلُّ هَذَا جَرَى فِي أَرْضِ يَهُوذَا وَفِي شَوَارِعِ الْقُدْسِ! وَإِلَى هَذَا الْيَوْمِ لَا اتَّضَعُوا وَلَا خَافُوا وَلَا عَمِلُوا بِشَرِيعَتِي وَفَرَائِضِيَ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لَكُمْ وَلِآبَائِكُمْ. ”لِذَلِكَ قَالَ اللهُ الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ: إِنِّي نَوَيْتُ لَكُمْ شَرًّا، لِأُفْنِيَ كُلَّ يَهُوذَا. فَحَتَّى بَقِيَّةُ يَهُوذَا الَّذِينَ أَصَرُّوا وَجَاءُوا إِلَى مِصْرَ لِيُقِيمُوا فِيهَا، يَفْنَوْنَ كُلُّهُمْ فِي مِصْرَ. بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ يَمُوتُونَ. نَعَمْ، مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ يَمُوتُونَ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ. وَيَلْعَنُهُمُ النَّاسُ وَيَهْزَأُونَ بِهِمْ وَيَشْتِمُونَهُمْ وَيُعَيِّرُونَهُمْ. فَأُعَاقِبُ الْيَهُودَ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَى مِصْرَ كَمَا عَاقَبْتُ الْقُدْسَ، بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَأِ. حَتَّى إِنَّ بَقِيَّةَ يَهُوذَا الَّذِينَ جَاءُوا لِيُقِيمُوا فِي مِصْرَ وَيَشْتَاقُونَ لِلرُّجُوعِ إِلَى أَرْضِ يَهُوذَا لِيَسْكُنُوا فِيهَا، لَنْ يَهْرُبَ أَوْ يَنْجُوَ مِنْهُمْ غَيْرُ قِلَّةٍ تَهْرُبُ وَتَرْجِعُ إِلَى يَهُوذَا.“ وَاجْتَمَعَ مَحْفَلٌ كَبِيرٌ مِنْ شَعْبِ يَهُوذَا الْمُقِيمِينَ فِي الصَّعِيدِ فِي مِصْرَ. وَكَانَ بَيْنَهُمْ رِجَالٌ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَنَّ نِسَاءَهُمْ يَحْرِقْنَ الْبَخُورَ لِآلِهَةٍ أُخْرَى، وَأَيْضًا عَدَدٌ مِنَ النِّسَاءِ كُنَّ مَوْجُودَاتٍ. فَقَالَ كُلُّ هَؤُلَاءِ لِإِرْمِيَا: ”لَنْ نَسْمَعَ هَذَا الْكَلَامَ الَّذِي كَلَّمْتَنَا بِهِ بِاسْمِ اللهِ. بَلْ نَعْمَلَ كُلَّ مَا تَعَهَّدْنَا بِهِ، فَنَحْرِقَ الْبَخُورَ لِمَلِكَةِ السَّمَاءِ وَنَسْكُبَ لَهَا قُرْبَانَ شَرَابٍ، كَمَا عَمِلْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا وَمُلُوكُنَا وَرُؤَسَاؤُنَا فِي مُدُنِ يَهُوذَا وَشَوَارِعِ الْقُدْسِ، فَشَبِعْنَا خُبْزًا وَكُنَّا بِخَيْرٍ وَلَمْ نَرَ شَرًّا. وَلَكِنْ مُنْذُ أَهْمَلْنَا إِحْرَاقَ الْبَخُورِ لِمَلِكَةِ السَّمَاءِ وَتَقْدِيمَ قُرْبَانِ شَرَابٍ لَهَا، اِحْتَجْنَا إِلَى كُلِّ شَيْءٍ وَفَنِينَا بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ.“ وَقَالَتِ النِّسَاءُ: ”لَمَّا كُنَّا نَحْرِقُ الْبَخُورَ لِمَلِكَةِ السَّمَاءِ وَنَسْكُبُ لَهَا قُرْبَانَ شَرَابٍ، كَانَ رِجَالُنَا يَعْلَمُونَ أَنَّنَا نَصْنَعُ لَهَا كَعْكًا عَلَى صُورَتِهَا وَنَسْكُبُ لَهَا قُرْبَانَ شَرَابٍ!“ فَقَالَ إِرْمِيَا لِكُلِّ الشَّعْبِ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، الَّذِينَ كَلَّمُوهُ بِهَذَا الْكَلَامِ: ”هَلْ تَظُنُّونَ أَنَّ اللهَ نَسِيَ الْبَخُورَ الَّذِي أَحْرَقْتُمُوهُ فِي مُدُنِ يَهُوذَا وَشَوَارِعِ الْقُدْسِ، أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ وَمُلُوكُكُمْ وَرُؤَسَاؤُكُمْ وَشَعْبُ الْأَرْضِ؟ بَلْ ذَكَرَهُ، وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَحْتَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا بِسَبَبِ أَعْمَالِكُمُ الشِّرِّيرَةِ وَالْأُمُورِ الْقَبِيحَةِ الَّتِي ارْتَكَبْتُمُوهَا. فَصَارَتْ بِلَادُكُمْ مَلْعُونَةً وَقَفْرًا مَهْجُورًا بِلَا سَاكِنٍ، كَمَا هُوَ الْحَالُ الْيَوْمَ. أَنْتُمْ أَحْرَقْتُمُ الْبَخُورَ لِآلِهَةٍ أُخْرَى وَأَخْطَأْتُمْ فِي حَقِّ اللهِ، وَلَمْ تُطِيعُوهُ وَلَمْ تَعْمَلُوا بِشَرِيعَتِهِ وَفَرَائِضِهِ وَشُرُوطِهِ، لِذَلِكَ حَلَّتْ بِكُمْ هَذِهِ الْمَصَائِبُ كَمَا هُوَ الْحَالُ الْيَوْمَ.“ ثُمَّ قَالَ إِرْمِيَا لِكُلِّ الشَّعْبِ وَلِكُلِّ النِّسَاءِ: ”اِسْمَعُوا كَلِمَةَ اللهِ يَا كُلَّ شَعْبِ يَهُوذَا الَّذِينَ فِي مِصْرَ. فَالْمَوْلَى الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ: ’أَنْتُمْ وَنِسَاؤُكُمْ تَعَهَّدْتُمْ وَنَفَّذْتُمْ. فَأَنْتُمْ قُلْتُمْ: ”لَا بُدَّ أَنْ نَعْمَلَ مَا تَعَهَّدْنَا بِهِ، فَنَحْرِقَ الْبَخُورَ لِمَلِكَةِ السَّمَاءِ وَنَسْكُبَ لَهَا قُرْبَانَ شَرَابٍ.“ إِذَنِ اعْمَلُوا مَا تَعَهَّدْتُمْ بِهِ، تَمِّمُوا نُذُورَكُمْ!‘ إِنَّمَا اسْمَعُوا كَلِمَةَ اللهِ يَا كُلَّ شَعْبِ يَهُوذَا الْمُقِيمِينَ فِي مِصْرَ. قَالَ اللهُ: ’إِنِّي أَقْسَمْتُ بِاسْمِيَ الْعَظِيمِ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمِي بَعْدَ الْآنَ عَلَى فَمِ أَحَدٍ مِنْ شَعْبِ يَهُوذَا الَّذِينَ فِي كُلِّ بِلَادِ مِصْرَ، فَلَا يَحْلِفُونَ بِالْمَوْلَى الْإِلَهِ. وَأَنَا أُرَاقِبُهُمْ لِأَعْمَلَ بِهِمْ شَرًّا لَا خَيْرًا، فَيَهْلِكَ كُلُّ الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي مِصْرَ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ حَتَّى يَفْنَوْا. وَالَّذِينَ يَنْجُونَ مِنَ السَّيْفِ، وَيَرْجِعُونَ مِنْ مِصْرَ إِلَى يَهُوذَا يَكُونُونَ قَلِيلِينَ. فَتَعْلَمُ كُلُّ بَقِيَّةِ يَهُوذَا الَّذِينَ جَاءُوا لِيُقِيمُوا فِي مِصْرَ، كَلَامُ مَنْ يَتَحَقَّقُ: كَلَامِي أَمْ كَلَامُهُمْ.‘ وَيَقُولُ اللهُ: ’هَذِهِ عَلَامَةٌ لَكُمْ عَلَى أَنِّي أُعَاقِبُكُمْ فِي هَذَا الْمَكَانِ، لِتَعْلَمُوا أَنَّ حُكْمِي عَلَيْكُمْ بِالشَّرِّ يَتِمُّ: سَأُسَلِّمُ فِرْعَوْنَ حَفْرَعَ مَلِكَ مِصْرَ لِيَدِ أَعْدَائِهِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، كَمَا سَلَّمْتُ صِدْقِيَا مَلِكَ يَهُوذَا لِيَدِ عَدُوِّهِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَهُ.‘“ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِيُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، قَالَ إِرْمِيَا النَّبِيُّ هَذَا الْكَلَامَ لِبَارُوخَ بْنِ نِيرِيَّا، وَبَارُوخُ كَتَبَهُ فِي كِتَابٍ: ”الْمَوْلَى رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ لَكَ يَا بَارُوخُ: أَنْتَ قُلْتَ: ’وَيْلٌ لِي لِأَنَّ اللهَ أَضَافَ حُزْنًا إِلَى أَلَمِي! قَدْ تَعِبْتُ مِنَ الْأَنِينِ، وَلَا أَجِدُ رَاحَةً.‘“ فَقَالَ اللهُ: ”قُلْ لِبَارُوخَ: ’يَقُولُ اللهُ لَكَ: سَأَهْدِمُ مَا بَنَيْتُهُ، وَأَقْلَعُ مَا غَرَسْتُهُ فِي كُلِّ هَذِهِ الْبِلَادِ. فَلِمَاذَا يَا بَارُوخُ تَطْلُبُ لِنَفْسِكَ أُمُورًا عَظِيمَةً؟ لَا تَطْلُبْ. لِأَنِّي أَجْلِبُ مَصَائِبَ عَلَى كُلِّ النَّاسِ. أَمَّا أَنْتَ فَأَجْعَلُكَ تَنْجُو بِحَيَاتِكَ فِي كُلِّ مَكَانٍ تَذْهَبُ إِلَيْهِ.‘“ هَذَا كَلَامُ اللهِ الَّذِي أَوْحَى بِهِ إِلَى إِرْمِيَا عَنِ الْأُمَمِ. عَنْ مِصْرَ. عَنْ جَيْشِ فِرْعَوْنَ نَخْوَ مَلِكِ مِصْرَ الَّذِي هَزَمَهُ نَبُوخَذْنَصْرُ مَلِكُ بَابِلَ فِي كَرْكَمِيشَ عَلَى نَهْرِ الْفُرَاتِ، فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِيُويَاقِيمَ مَلِكِ يَهُوذَا: ”أَعِدُّوا الدُّرُوعَ وَالْأَتْرَاسَ وَازْحَفُوا لِلْقِتَالِ. أَسْرِجُوا الْخَيْلَ وَارْكَبُوا أَيُّهَا الْفُرْسَانُ. اِنْتَصِبُوا بِالْخُوَذِ. اِصْقِلُوا الرِّمَاحَ وَالْبَسُوا الدُّرُوعَ. مَا لِي أَرَاهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ؟ اِرْتَعَبُوا، تَرَاجَعُوا، اِنْهَزَمَ أَبْطَالُهُمْ، هَرَبُوا مُسْرِعِينَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْتَفِتُوا لِلْوَرَاءِ، حَلَّ بِهِمُ الرُّعْبُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. السَّرِيعُ لَا يَهْرُبُ، وَالْبَطَلُ لَا يَنْجُو. فِي الشَّمَالِ عِنْدَ الْفُرَاتِ، عَثَرُوا وَسَقَطُوا. مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْتَفِعُ كَالنِّيلِ، وَكَأَنْهَارٍ مِيَاهُهَا جَارِفَةٌ؟ تَرْتَفِعُ مِصْرُ كَالنِّيلِ، وَكَأَنْهَارٍ مِيَاهُهَا جَارِفَةٌ. وَتَقُولُ: ’أَرْتَفِعُ وَأُغَطِّي الْأَرْضَ. أُهْلِكُ الْمُدُنَ وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا.‘ اُهْجُمِي أَيَّتُهَا الْخَيْلُ. أَسْرِعِي أَيَّتُهَا الْمَرْكَبَاتُ. اُخْرُجُوا يَا أَبْطَالَ الْحَبَشَةِ وَفُوطَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الدُّرُوعَ، وَيَا أَبْطَالَ لُودَ الَّذِينَ يَشُدُّونَ الْقَوْسَ. هَذَا الْيَوْمُ هُوَ لِمَوْلَانَا الْإِلَهِ الْقَدِيرِ، هُوَ يَوْمٌ يَنْتَقِمُ فِيهِ مِنْ أَعْدَائِهِ. فَيَأْكُلُ السَّيْفُ وَيَشْبَعُ وَيَرْتَوِي مِنْ دَمِهِمْ، لِأَنَّ الْمَوْلَى الْإِلَهَ الْقَدِيرَ يُقَدِّمُ ضَحِيَّةً فِي أَرْضِ الشَّمَالِ عِنْدَ نَهْرِ الْفُرَاتِ. ”اِذْهَبُوا إِلَى جِلْعَادَ وَخُذُوا بَلْسَمًا يَا شَعْبَ مِصْرَ. مَهْمَا تَعَاطَيْتُمْ مِنْ أَدْوِيَةٍ، لَا شِفَاءَ لَكُمْ! سَمِعَتِ الْأُمَمُ عَنْ عَارِكِ، صُرَاخُكِ مَلَأَ الْأَرْضَ، لِأَنَّ بَطَلًا صَدَمَ بَطَلًا، فَسَقَطَ كِلَاهُمَا مَعًا.“ هَذَا هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي قَالَهُ اللهُ لِإِرْمِيَا بِشَأْنِ مَجِيءِ نَبُوخَذْنَصْرَ مَلِكِ بَابِلَ لِيَهْجُمَ عَلَى مِصْرَ: ”أَعْلِنُوا فِي مِصْرَ وَنَادُوا فِي مَجْدَلَ وَفِي مَمْفِيسَ وَتَحْفَنِيسَ، قُولُوا: ’قِفُوا! اِسْتَعِدُّوا! لِأَنَّ السَّيْفَ يَأْكُلُ مَا حَوْلَكُمْ.‘ لِمَاذَا انْطَرَحَ إِلَهُكِ يَا مِصْرُ؟ لَمْ يَصْمُدْ لِأَنَّ اللهَ طَرَحَهُ. سَقَطَ رِجَالُكُمُ الْوَاحِدُ عَلَى الْآخَرِ، قَالُوا: ’قُومُوا نَرْجِعُ إِلَى شَعْبِنَا وَإِلَى أَرْضِ مِيلَادِنَا، هَرَبًا مِنْ سَيْفِ الْعَدُوِّ.‘ فِي مِصْرَ يُعْطُونَ فِرْعَوْنَ مَلِكَهَا اسْمًا جَدِيدًا هُوَ: ’كَثِيرُ الْكَلَامِ الَّذِي ضَيَّعَ الْفُرْصَةَ!‘ أَمَّا الْمَلِكُ الَّذِي اسْمُهُ اللهُ الْقَدِيرُ فَيَقُولُ: أُقْسِمُ بِذَاتِي، سَيَأْتِي وَاحِدٌ هُوَ كَجَبَلِ تَابُورَ بَيْنَ الْجِبَالِ، وَكَالْكَرْمَلِ عِنْدَ الْبَحْرِ. لِذَلِكَ يَا أَهْلَ مِصْرَ، جَهِّزُوا أَمْتِعَتَكُمْ لِتَخْرُجُوا أَسْرَى، لِأَنَّ مَمْفِيسَ تُخْرَبُ وَتُحْرَقُ وَتَصِيرُ بِلَا سَاكِنٍ. ”مِصْرُ بَقَرَةٌ جَمِيلَةٌ، وَلَكِنْ سَيَأْتِي عَلَيْهَا الْهَلَاكُ مِنَ الشَّمَالِ. حَتَّى الْمُرْتَزَقَةُ فِي وَسَطِهَا، الَّذِينَ هُمْ كَعُجُولٍ مُسَمَّنَةٍ، يَتَرَاجَعُونَ وَيَهْرُبُونَ مَعًا وَلَا يَصْمُدُونَ، لِأَنَّهُ يَأْتِي عَلَيْهِمْ يَوْمُ الْهَلَاكِ وَوَقْتُ الْعِقَابِ. مِصْرُ كَأَنَّهَا حَيَّةٌ مُنْزَعِجَةٌ تُحَاوِلُ أَنْ تَهْرُبَ. زَحَفَ عَلَيْهَا الْأَعْدَاءُ، جَاءُوا إِلَيْهَا بِفُؤُوسٍ، كَأَنَّهُمْ سَيَقْطَعُونَ أَشْجَارًا. فَهَذَا كَلَامُ اللهِ: سَيَقْطَعُونَ غَابَاتِهَا، مَهْمَا كَانَتْ كَثِيفَةً. لِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ مِنَ الْجَرَادِ لَا يُمْكِنُ عَدُّهُمْ. يَخْجَلُ شَعْبُ مِصْرَ، وَيَقَعُ فِي يَدِ شَعْبٍ مِنَ الشَّمَالِ.“ وَقَالَ اللهُ الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ”سَأَجْلِبُ الْعِقَابَ عَلَى آمُونَ إِلَهِ طِيبَةَ، وَعَلَى فِرْعَوْنَ وَمِصْرَ وَآلِهَتِهَا وَمُلُوكِهَا، وَعَلَى مَنْ يَتَّكِلُونَ عَلَى فِرْعَوْنَ. وَأُسَلِّمُهُمْ لِيَدِ مَنْ يُرِيدُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُمْ، لِيَدِ نَبُوخَذْنَصْرَ مَلِكِ بَابِلَ وَأَعْوَانِهِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ تَعْمُرُ مِصْرُ كَمَا كَانَ مِنْ قَبْلُ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”لَا تَخَفْ يَا عَبْدِي يَعْقُوبَ، لَا تَرْتَعِبْ يَا إِسْرَائِيلُ. لِأَنِّي سَأُنْقِذُكَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ الْبَعِيدِ، وَأُنْقِذُ نَسْلَكَ مِنْ أَرْضِ أَسْرِهِمْ. يَعْقُوبُ سَيَرْجِعُ وَيَطْمَئِنُّ وَيَسْتَرِيحُ وَلَا يُزْعِجُهُ أَحَدٌ. لَا تَخَفْ يَا عَبْدِي يَعْقُوبَ، لِأَنِّي مَعَكَ. أُفْنِي كُلَّ الْأُمَمِ الَّتِي شَتَّتُّكَ بَيْنَهَا، أَمَّا أَنْتَ فَلَا أُفْنِيكَ. وَلَكِنِّي لَا أُعْفِيكَ مِنَ الْعِقَابِ، بَلْ أُؤَدِّبُكَ بِالْعَدْلِ. هَذَا وَعْدُ اللهِ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ الَّذِي أَوْحَى بِهِ إِلَى إِرْمِيَا النَّبِيِّ، قَبْلَ مَا هَجَمَ فِرْعَوْنُ عَلَى غَزَّةَ. قَالَ اللهُ: ”اُنْظُرُوا كَيْفَ تَرْتَفِعُ الْمِيَاهُ مِنَ الشَّمَالِ وَتَصِيرُ سَيْلًا جَارِفًا، فَتُغَطِّي الْأَرْضَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، وَالْمُدُنَ وَسُكَّانَهَا. فَيَصْرُخُ النَّاسُ وَيُوَلْوِلُ كُلُّ سُكَّانِ الْبِلَادِ، لِأَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ صَوْتَ حَوَافِرِ خَيْلِ الْعَدُوِّ وَضَجِيجَ مَرْكَبَاتِهِ وَدَوِيَّ عَجَلَاتِهَا، فَلَا يَلْتَفِتُ الْآبَاءُ لِيُسَاعِدُوا أَوْلَادَهُمْ بِسَبَبِ انْهِيَارِ الْعَزِيمَةِ. لِأَنَّهُ جَاءَ الْيَوْمُ لِهَلَاكِ كُلِّ الْفِلِسْطِيِّينَ، وَإِبَادَةِ أَهْلِ صُورَ وَصَيْدَا وَكُلِّ مَنْ يُنَاصِرُهُمْ. يُهْلِكُ اللهُ الْفِلِسْطِيِّينَ الَّذِينَ نَجَوْا مِنْ جَزِيرَةِ كَفْتُورَ. أَهْلُ غَزَّةَ يَحْلِقُونَ رُؤُوسَهُمْ حُزْنًا، وَأَهْلُ عَسْقَلَانَ يَصْمُتُونَ، يَا بَقِيَّةَ سُكَّانِ الْوَادِي إِلَى مَتَى تُجَرِّحُونَ أَنْفُسَكُمْ؟ يَا سَيْفَ اللهِ إِلَى مَتَى لَا تَسْتَرِيحُ؟ عُدْ إِلَى غِمْدِكَ وَاهْدَأْ وَاسْكُنْ. كَيْفَ يَسْتَرِيحُ وَاللهُ أَمَرَهُ وَأَوْصَاهُ أَنْ يَهْجُمَ عَلَى عَسْقَلَانَ وَعَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ؟“ هَذَا كَلَامُ اللهِ الْقَدِيرِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْ مُوآبَ: ”وَيْلٌ لِنَبْوَ لِأَنَّهَا خَرِبَتْ. خَجِلَتْ قَرْيَاتِمُ وَهُزِمَتْ. خَزِيَ الْحِصْنُ وَهُدِمَ. لَنْ تَفْخَرَ مُوآبُ فِيمَا بَعْدُ، تَآمَرُوا عَلَيْهَا فِي حَشْبُونَ بِالشَّرِّ وَقَالُوا: ’تَعَالَوْا نُبِيدُ هَذِهِ الْأُمَّةَ.‘ وَأَنْتِ أَيْضًا يَا مَدْمِينُ تَصْمُتِينَ وَيُطَارِدُكِ السَّيْفُ. اِسْمَعُوا الصُّرَاخَ الْقَادِمَ مِنْ حُورُنِيمَ، بِسَبَبِ الْهَلَاكِ وَالْخَرَابِ الْفَظِيعِ. تَحَطَّمَتْ مُوآبُ، وَصَرَخَ صِغَارُهَا. يَذْهَبُونَ إِلَى لُوحِيتَ، يَبْكُونَ بِحُرْقَةٍ وَهُمْ يَصْعَدُونَ. وَفِي الطَّرِيقِ النَّازِلِ إِلَى حُورُنِيمَ يُسْمَعُ صُرَاخُ الْهَزِيمَةِ. اُهْرُبُوا وَانْجُوا، كُونُوا كَغُصْنٍ تَنْفُخُهُ الرِّيحُ فِي الصَّحْرَاءِ. أَنْتِ تَوَكَّلْتِ عَلَى أَعْمَالِكِ وَثَرْوَتِكِ، فَأَنْتِ أَيْضًا تُؤْخَذِينَ، وَيَخْرُجُ الْإِلَهُ كَمُوشُ أَسِيرًا مَعَ كَهَنَتِهِ وَرُؤَسَائِهِ. وَيَأْتِي الْمُهْلِكُ إِلَى كُلِّ مَدِينَةٍ، فَلَا تَهْرُبُ مِنْهُ وَاحِدَةٌ. يُخْرَبُ الْوَادِي وَيُدَمَّرُ السَّهْلُ كَمَا قَالَ اللهُ. أَعْطُوا مُوآبَ أَجْنِحَةً، لِتَطِيرَ بَعِيدًا لِأَنَّ مُدُنَهَا صَارَتْ خَرِبَةً بِلَا سَاكِنٍ. مَلْعُونٌ مَنْ يَتَرَاخَى فِي خِدْمَةِ اللهِ، وَمَلْعُونٌ مَنْ يَمْنَعُ سَيْفَهُ عَنِ الْقَتْلِ. ”مُوآبُ فِي أَمَانٍ مُنْذُ صِبَاهُ. لَمْ يَذْهَبْ إِلَى الْأَسْرِ أَبَدًا. فَهُوَ كَالْخَمْرِ الْمُسْتَقِرَّةِ عَلَى تُفْلِهَا، لَمْ تُفْرَغْ مِنْ إِنَاءٍ إِلَى إِنَاءٍ. لِذَلِكَ بَقِيَ طَعْمُهُ كَمَا هُوَ وَلَمْ تَتَحَسَّنْ رَائِحَتُهُ. وَلَكِنْ تَأْتِي أَيَّامٌ أُرْسِلُ فِيهَا عَلَى مُوآبَ مَنْ يُفْرِغُونَهُ مِنْ آنِيَتِهِ وَيَكْسِرُونَ الْآنِيَةَ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. فَيَخْجَلُ مُوآبُ مِنَ الْإِلَهِ كَمُوشَ، كَمَا خَجِلَ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ مِنْ إِلَهِ بَيْتَ إِيلَ الَّذِي تَوَكَّلُوا عَلَيْهِ. ”كَيْفَ تَقُولُونَ: ’نَحْنُ أَبْطَالٌ وَرِجَالٌ أَشِدَّاءُ فِي الْحَرْبِ‘؟ سَيَهْلِكُ مُوآبُ، وَتُقْهَرُ مُدُنُهُ، وَيُقْتَلُ أَحْسَنُ شُبَّانِهِ! هَذَا كَلَامُ الْمَلِكِ الَّذِي اسْمُهُ اللهُ الْقَدِيرُ. اِقْتَرَبَتْ آخِرَةُ مُوآبَ، حَانَ وَقْتُ هَلَاكِهِ. اُنْدُبُوهُ يَا كُلَّ الَّذِينَ حَوْلَهُ، وَيَا كُلَّ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ شُهْرَتَهُ. قُولُوا: ’اِنْكَسَرَتْ قُوَّتُهُ وَرَاحَ سُلْطَانُهُ وَجَلَالُهُ!‘ يَا سُكَّانَ دِيبُونَ اهْبِطُوا مِنَ الْجَلَالِ وَاجْلِسُوا عَلَى الْأَرْضِ الْيَابِسَةِ، لِأَنَّ الَّذِي يُهْلِكُ مُوآبَ يَهْجُمُ عَلَيْكُمْ وَيَهْدِمُ حُصُونَكُمْ. يَا سُكَّانَ عَرُوعِيرَ قِفُوا عَلَى الطَّرِيقِ وَرَاقِبُوا. اِسْأَلُوا الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ الْهَارِبِينَ وَقُولُوا: ’مَاذَا جَرَى؟‘ خَزِيَ مُوآبُ لِأَنَّهُ هُدِمَ. وَلْوِلُوا وَاصْرُخُوا! أَخْبِرُوا عِنْدَ نَهْرِ أَرْنُونَ أَنَّ مُوآبَ هَلَكَ. حَلَّ الْعِقَابُ عَلَى سُكَّانِ السَّهْلِ، عَلَى حُولُونَ وَيَهْصَةَ وَمِيفَعَةَ وَدِيبُونَ وَنَبْوَ وَبَيْتَ دَبْلَتَايِمَ وَقَرْيَاتِمَ وَبَيْتَ جَامُولَ وَبَيْتَ مَعُونَ وَقَرْيُوتَ وَبُصْرَةَ، عَلَى كُلِّ مُدُنِ مُوآبَ الْبَعِيدَةِ وَالْقَرِيبَةِ. تَحَطَّمَتْ قُوَّةُ مُوآبَ، وَانْكَسَرَتْ ذِرَاعُهُ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”مُوآبُ تَحَدَّى اللهَ، لِذَلِكَ أَسْكِرُوهُ فَيَتَمَرَّغَ فِي قَيْئِهِ وَيَهْزَأَ بِهِ النَّاسُ. أَنْتَ كُنْتَ تَهْزَأُ بِإِسْرَائِيلَ. وَكُلَّمَا كُنْتَ تَذْكُرُهُ كُنْتَ تَهُزُّ رَأْسَكَ، فَهَلْ لِأَنَّهُ أُمْسِكَ مَعَ اللُّصُوصِ؟ يَا سُكَّانَ مُوآبَ، اُهْجُرُوا الْمُدُنَ وَاسْكُنُوا بَيْنَ الصُّخُورِ، وَكُونُوا كَحَمَامَةٍ تُعَشِّشُ عِنْدَ مَدْخَلِ الْكَهْفِ. ”سَمِعْنَا أَنَّ شَعْبَ مُوآبَ مُتَكَبِّرٌ، مُتَكَبِّرٌ جِدًّا! وَسَمِعْنَا عَنْ غُرُورِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَانْتِفَاخِهِ وَتَشَامُخِهِ.“ فَقَالَ اللهُ: ”أَنَا عَارِفٌ أَنَّ افْتِخَارَهُ بِلَا أَسَاسٍ، وَأَنَّ أَعْمَالَهُ تَافِهَةٌ لَا تَنْفَعُ. لِذَلِكَ أُوَلْوِلُ عَلَى مُوآبَ، أَصْرُخُ عَلَى كُلِّ مُوآبَ، أَنُوحُ عَلَى رِجَالِ قِيرَ حَارِسَ. يَا كُرُومَ سَبْمَةَ أَبْكِي عَلَيْكِ كَمَا يَبْكِي أَهْلُ يَعْزِيرَ. أَغْصَانُكِ وَصَلَتْ إِلَى الْبَحْرِ، إِلَى بَحْرِ يَعْزِيرَ. وَلَكِنْ هَجَمَ الْمُهْلِكُ عَلَى ثِمَارِكِ، عَلَى عِنَبِكِ. فَزَالَ الْفَرَحُ وَالطَّرَبُ مِنْ مُوآبَ، مِنَ الْبُسْتَانِ وَالْحَقْلِ. اِنْقَطَعَتِ الْخَمْرُ مِنَ الْمَعَاصِرِ. يَدُوسُونَ الْعِنَبَ بِلَا هُتَافٍ. حَلَّ الصُّرَاخُ مَكَانَ الْهُتَافِ. يَعْلُو صُرَاخُهُمْ مِنْ حَشْبُونَ إِلَى أَلِعَالَةَ وَيَاهَصَ، وَمِنْ صُوغَرَ إِلَى حُورُنِيمَ وَعِجْلَتْ شَلِيشَةَ، لِأَنَّهُ حَتَّى مِيَاهُ نِمْرِيمَ جَفَّتْ.“ وَقَالَ اللهُ: ”سَأُبِيدُ مِنْ مُوآبَ مَنْ يُقَدِّمُ الْقَرَابِينَ وَيَحْرِقُ الْبَخُورَ لِآلِهَتِهِ فِي أَمَاكِنِ الْعِبَادَةِ. لِذَلِكَ يَئِنُّ قَلْبِي عَلَى مُوآبَ كَأَنِينِ الْمِزْمَارِ، يَنُوحُ قَلْبِي عَلَى رِجَالِ قِيرَ حَارِسَ كَنَوْحِ النَّايِ، لِأَنَّ الثَّرْوَةَ الَّتِي جَمَعُوهَا بَادَتْ. كُلُّهُمْ رُؤُوسُهُمْ مَحْلُوقَةٌ وَلِحَاهُمْ مَقْصُوصَةٌ وَأَيَادِيهِمْ مُجَرَّحَةٌ وَقَدْ لَبِسُوا الْخَيْشَ. يَنُوحُونَ عَلَى كُلِّ سُطُوحِ مُوآبَ، وَفِي كُلِّ سَاحَاتِهَا، لِأَنِّي حَطَّمْتُ مُوآبَ كَإِنَاءٍ لَا فَائِدَةَ مِنْهُ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. يُوَلْوِلُونَ وَيَقُولُونَ: ’هُدِمَتْ مُوآبُ وَتَرَاجَعَتْ بِخَيْبَةٍ.‘ كُلُّ الَّذِينَ حَوْلَهَا يَسْخَرُونَ مِنْهَا وَيَرْتَعِبُونَ مِمَّا جَرَى لَهَا.“ وَقَالَ اللهُ: ”يَأْتِي وَاحِدٌ كَنِسْرٍ يَطِيرُ وَيَبْسُطُ جَنَاحَيْهِ عَلَى مُوآبَ. فَيَسْتَوْلِي عَلَى الْمُدُنِ، وَيَحْتَلُّ الْحُصُونَ. وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ قَلْبُ أَبْطَالِ مُوآبَ كَقَلْبِ امْرَأَةٍ تَلِدُ. وَيَزُولُ شَعْبُ مُوآبَ مِنْ بَيْنِ الشُّعُوبِ لِأَنَّهُ تَحَدَّى اللهَ. مَصَائِبُ وَحُفَرٌ وَفِخَاخٌ تَنْتَظِرُكُمْ يَا شَعْبَ مُوآبَ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. فَمَنْ يَهْرُبُ مِنْ مُصِيبَةٍ يَسْقُطُ فِي حُفْرَةٍ، وَمَنْ يَطْلَعُ مِنْ حُفْرَةٍ يَقَعُ فِي فَخٍّ. أَنَا أَجْلِبُ هَذَا عَلَى مُوآبَ سَنَةَ عِقَابِهَا.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”فِي ظِلِّ حَشْبُونَ يَقِفُ الْهَارِبُونَ بِلَا قُوَّةٍ. لِأَنَّ نَارًا اشْتَعَلَتْ مِنْ حَشْبُونَ، وَلَهِيبًا مِنْ وَسَطِ مَدِينَةِ سِيحُونَ، فَأَكَلَتْ قَادَةَ مُوآبَ وَأَحْرَقَتْ ذَلِكَ الشَّعْبَ الْمُتَكَبِّرَ. الْوَيْلُ لَكَ يَا مُوآبُ! هَلَكْتَ أَيُّهَا الشَّعْبُ الَّذِي يَعْبُدُ كَمُوشَ. بَنُوكَ أُسِرُوا، وَبَنَاتُكَ فِي الْمَنْفَى. وَلَكِنِّي فِي الْأَيَّامِ الْمُقْبِلَةِ أَرُدُّ شَعْبَ مُوآبَ مِنَ الْأَسْرِ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. هُنَا خِتَامُ عِقَابِ مُوآبَ. هَذَا كَلَامُ اللهِ عَنْ بَنِي عَمُّونَ: ”هَلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْلَادٌ؟ هَلْ لَهُمْ وَرَثَةٌ؟ إِذَنْ لِمَاذَا اسْتَوْلَى الْإِلَهُ مُولَخُ عَلَى أَرْضِ جَادَ وَسَكَنَ شَعْبُهُ فِي مُدُنِهَا؟“ لِذَلِكَ يَقُولُ اللهُ: ”تَأْتِي أَيَّامٌ أَجْعَلُ فِيهَا رَبَّةَ، عَاصِمَةَ بَنِي عَمُّونَ، تَسْمَعُ صَيْحَةَ الْحَرْبِ وَتَصِيرُ كُومًا مِنَ الْخَرَائِبِ وَتُحْرَقُ قُرَاهَا بِالنَّارِ. فَيَطْرُدُ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّعْبَ الَّذِي طَرَدَهُمْ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. وَلْوِلِي يَا حَشْبُونُ لِأَنَّ عَايَ خَرِبَتْ. اُصْرُخُوا يَا سُكَّانَ رَبَّةَ، اِلْبَسُوا الْخَيْشَ، اُنْدُبُوا وَابْحَثُوا عَنِ الْأَمَانِ دَاخِلَ الْأَسْوَارِ، لِأَنَّ الْإِلَهَ مُولَخَ يُؤْخَذُ أَسِيرًا مَعَ كَهَنَتِهِ وَرُؤَسَائِهِ. لِمَاذَا تَفْتَخِرِينَ بِالْأَوْدِيَةِ أَيَّتُهَا الْبِنْتُ الْخَائِنَةُ؟ قَدْ فَاضَ وَادِيكِ دَمًا! أَنْتِ تَتَّكِلِينَ عَلَى ثَرْوَتِكِ وَتَقُولِينَ: ’مَنْ يَهْجُمُ عَلَيَّ؟‘“ فَالْمَوْلَى الْقَدِيرُ يَقُولُ: ”أَنَا أَجْلِبُ عَلَيْكِ الرُّعْبَ مِنَ الَّذِينَ حَوْلَكِ، فَتَهْرُبِينَ وَتَتِيهِينَ وَلَا مَنْ يَجْمَعُكِ. وَلَكِنِّي بَعْدَ ذَلِكَ أَرُدُّ بَنِي عَمُّونَ مِنَ الْأَسْرِ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ الْقَدِيرِ عَنْ أَدُومَ: ”أَلَا تُوجَدُ حِكْمَةٌ فِي تِيمَانَ؟ هَلْ فَقَدَ الْعُقَلَاءُ كُلَّ فَهْمٍ؟ هَلْ زَالَتْ حِكْمَتُهُمْ؟ تَرَاجَعُوا وَاهْرُبُوا! اِخْتَبِئُوا فِي الْكُهُوفِ يَا سُكَّانَ دَدَانَ، لِأَنِّي سَأَجْلِبُ عَلَى بَنِي الْعِيصَ مَصَائِبَ فِي وَقْتِ عِقَابِهِمْ. لَوْ جَاءَكُمُ الَّذِينَ يَقْطِفُونَ الْعِنَبَ، لَكَانُوا قَدْ تَرَكُوا لَكُمْ بَعْضَ الثِّمَارِ! وَلَوْ جَاءَكُمْ لُصُوصٌ فِي اللَّيْلِ، لَكَانُوا قَدْ سَرَقُوا مَا يَكْفِيهِمْ! أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُعَرِّي بَنِي الْعِيصَ، وَأَكْشِفُ كُلَّ مَكَانٍ خَفِيٍّ عِنْدَهُمْ، فَلَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَخْتَبِئُوا مِنِّي. يَهْلِكُونَ هُمْ وَأَوْلَادُهُمْ وَأَقَارِبُهُمْ وَجِيرَانُهُمْ. اُتْرُكْ أَيْتَامَكَ فَأَنَا أَعْتَنِي بِهِمْ، وَلْتَتَوَكَّلْ أَرَامِلُكَ عَلَيَّ.“ وَقَالَ اللهُ: ”الَّذِينَ لَا يَسْتَحِقُّونَ أَنْ يَشْرَبُوا كَأْسَ الْعِقَابِ شَرِبُوهَا. فَهَلْ تُفْلِتُ أَنْتَ مِنَ الْعِقَابِ يَا أَدُومُ؟ لَا! فَلَا بُدَّ أَنْ تَشْرَبَهَا. لِأَنِّي أَقْسَمْتُ بِذَاتِي أَنَّ مَدِينَةَ بُصْرَةَ تَصِيرُ خَرَابًا، فَيَرْتَعِبُ النَّاسُ مِمَّا جَرَى لَهَا وَيَهْزَأُونَ بِهَا وَيَلْعَنُونَهَا، وَتَخْرَبُ كُلُّ مُدُنِهَا إِلَى الْأَبَدِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ.“ سَمِعْتُ خَبَرًا مِنْ عِنْدِ اللهِ. جَاءَ رَسُولٌ إِلَى الْأُمَمِ يَقُولُ: ”اِجْتَمِعُوا وَاهْجُمُوا عَلَى أَدُومَ. قُومُوا وَحَارِبُوهُ. سَأَجْعَلُكَ صَغِيرًا بَيْنَ الْأُمَمِ وَمُحْتَقَرًا بَيْنَ النَّاسِ. أَنْتَ خَوَّفْتَ الْآخَرِينَ، فَتَكَبَّرَ قَلْبُكَ وَأَصَابَكَ الْغُرُورُ. يَا مَنْ تُقِيمُ فِي كُهُوفِ الصَّخْرِ وَعَلَى قِمَمِ الْجِبَالِ، فَحَتَّى لَوْ بَنَيْتَ عُشَّكَ عَالِيًا كَالنِّسْرِ، فَمِنْ هُنَاكَ أُهْبِطُكَ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. وَيَرْتَعِبُ النَّاسُ مِمَّا جَرَى لِأَدُومَ، حَتَّى إِنَّ كُلَّ مَنْ يَمُرُّ بِهِ يَنْذَهِلُ وَيَسْخَرُ بِسَبَبِ كُلِّ مَا حَلَّ بِهِ. وَكَمَا قَلَبَ اللهُ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَالْمُدُنَ الْمُجَاوِرَةَ لَهُمَا، يَفْعَلُ هَذَا بِأَدُومَ فَلَا يَسْكُنُ فِيهِ أَحَدٌ وَلَا يُقِيمُ فِيهِ إِنْسَانٌ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”كَأَسَدٍ طَالِعٍ مِنْ غَابَةٍ كَثِيفَةٍ عِنْدَ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ، لِيَهْجُمَ عَلَى غَنَمٍ تَرْعَى فِي مَكَانٍ جَمِيلٍ، بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَهْجُمُ عَلَى أَدُومَ وَأَجْعَلُهُمْ يَهْرُبُونَ مِنْ أَرْضِهِمْ فِي لَحْظَةٍ، وَأُقِيمُ عَلَيْهِمْ مَنْ أَخْتَارُهُ. لِأَنَّهُ مَنْ مِثْلِي؟ وَمَنْ يَتَحَدَّانِي؟ وَمَنْ هُوَ الرَّاعِي الَّذِي يَقِفُ فِي وَجْهِي؟“ فَاسْمَعُوا مَا قَضَى بِهِ اللهُ عَلَى أَدُومَ، وَمَا قَصَدَ أَنْ يَعْمَلَهُ بِسُكَّانِ تِيمَانَ: إِنَّهُ يَأْخُذُ حَتَّى صِغَارَهُمْ، وَيَمْلَأُ بِالرُّعْبِ دِيَارَهُمْ! تَرْتَعِشُ الْأَرْضُ مِنْ صَوْتِ سُقُوطِهِمْ، وَيُسْمَعُ صُرَاخُهُمْ حَتَّى عِنْدَ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ. يَأْتِي وَاحِدٌ كَنِسْرٍ يُحَلِّقُ وَيَطِيرُ وَيَبْسُطُ جَنَاحَيْهِ عَلَى بُصْرَةَ. وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ قَلْبُ أَبْطَالِ أَدُومَ كَقَلْبِ امْرَأَةٍ تَلِدُ. وَقَالَ اللهُ عَنْ دِمَشْقَ: ”خَجِلَ أَهْلُ حَمَاةَ وَأَرْفَادَ لِأَنَّهُمْ سَمِعُوا خَبَرًا رَدِيئًا. ذَابُوا مِنَ الْخَوْفِ وَاضْطَرَبُوا كَالْبَحْرِ الَّذِي لَا يَهْدَأُ. رَاحَتْ قُوَّةُ أَهْلِ دِمَشْقَ، تَرَاجَعُوا وَهَرَبُوا! فَزِعُوا جِدًّا، وَأَصَابَهُمْ ضِيقٌ وَأَلَمٌ كَامْرَأَةٍ تَلِدُ. يَا لَهَا مِنْ مَهْجُورَةٍ تِلْكَ الْمَدِينَةُ الْمَشْهُورَةُ الَّتِي كَانَتْ مَكَانَ أَفْرَاحٍ! يَسْقُطُ شُبَّانُهَا فِي الشَّوَارِعِ، وَيَهْلِكُ كُلُّ جُنُودِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ الْقَدِيرِ. وَأُشْعِلُ نَارًا فِي سُورِ دِمَشْقَ فَتَأْكُلُ حُصُونَ بَنْهَدَدَ.“ وَقَالَ اللهُ عَنْ قِيدَارَ وَمَمَالِكِ حَاصُورَ الَّتِي هَزَمَهَا نَبُوخَذْنَصْرُ مَلِكُ بَابِلَ: ”قُومُوا وَاهْجُمُوا عَلَى قِيدَارَ وَحَطِّمُوا قَبَائِلَ الشَّرْقِ. خُذُوا خِيَامَهُمْ وَغَنَمَهُمْ، وَخُذُوا دِيَارَهُمْ وَكُلَّ أَمْتِعَتِهِمْ وَجِمَالَهُمْ. وَأَعْلِنُوا لَهُمْ أَنَّ الرُّعْبَ يَنْتَظِرُهُمْ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. ”اُهْرُبُوا بِسُرْعَةٍ وَاذْهَبُوا! اِخْتَبِئُوا فِي الْكُهُوفِ يَا سُكَّانَ حَاصُورَ، لِأَنَّ نَبُوخَذْنَصْرَ مَلِكَ بَابِلَ تَآمَرَ عَلَيْكُمْ، وَدَبَّرَ لَكُمْ مَكِيدَةً.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”قُومُوا وَاهْجُمُوا عَلَى أُمَّةٍ مُطْمَئِنَّةٍ وَسَاكِنَةٍ فِي أَمَانٍ، لَا أَبْوَابَ لَهَا وَلَا أَقْفَالَ، وَشَعْبُهَا فِي عُزْلَةٍ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. تُؤْخَذُ جِمَالُهُمْ، وَتُنْهَبُ مَاشِيَتُهُمُ الْكَثِيرَةُ، وَأُبَدِّدُ إِلَى كُلِّ مَكَانٍ الَّذِينَ يَقُصُّونَ شَعْرَهُمْ بِشَكْلٍ مُسْتَدِيرٍ، وَأَجْلِبُ عَلَيْهِمُ الْمَصَائِبَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. وَتَصِيرُ حَاصُورُ مَأْوًى لِلذِّئَابِ وَخَرَابًا إِلَى الْأَبَدِ، فَلَا يَسْكُنُ فِيهَا أَحَدٌ وَلَا يُقِيمُ فِيهَا إِنْسَانٌ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ الَّذِي أَوْحَى بِهِ إِلَى إِرْمِيَا النَّبِيِّ عَنْ عِيلَامَ، فِي بِدَايَةِ حُكْمِ صِدْقِيَا مَلِكِ يَهُوذَا: يَقُولُ اللهُ الْقَدِيرُ: ”سَأُحَطِّمُ قَوْسَ عِيلَامَ، الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ قُوَّتِهِمْ. وَأَجْلِبُ عَلَيْهِمُ الرِّيَاحَ الْـ4 مِنْ جِهَاتِ السَّمَاءِ الْـ4، وَأُبَدِّدُهُمْ مَعَ هَذِهِ الرِّيَاحِ، فَيَذْهَبُونَ أَسْرَى إِلَى كُلِّ أُمَّةٍ. وَأَجْعَلُ أَهْلَ عِيلَامَ يَرْتَعِبُونَ أَمَامَ أَعْدَائِهِمِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُمْ، وَأَجْلِبُ عَلَيْهِمُ الْمَصَائِبَ وَغَضَبِيَ الشَّدِيدَ، وَأُطَارِدُهُمْ بِالسَّيْفِ حَتَّى أُفْنِيَهُمْ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”وَأَضَعُ عَرْشِي فِي عِيلَامَ، وَأُهْلِكُ مَلِكَهَا وَرُؤَسَاءَهَا. هَذَا كَلَامُ اللهِ. وَلَكِنِّي فِي الْأَيَّامِ الْمُقْبِلَةِ أَرُدُّ شَعْبَ عِيلَامَ مِنَ الْأَسْرِ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. هَذَا هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي قَالَهُ اللهُ بِوَاسِطَةِ إِرْمِيَا النَّبِيِّ عَنْ بَابِلَ وَعَنْ بِلَادِ الْبَابِلِيِّينَ: ”أَعْلِنُوا وَنَادُوا بَيْنَ الْأُمَمِ، اِرْفَعُوا الرَّايَةَ وَأَخْبِرُوا وَلَا تَكْتُمُوا شَيْئًا. قُولُوا: ’سَقَطَتْ بَابِلُ. خَجِلَ بِيلُ وَارْتَعَبَ مَرُودَخُ. خَجِلَتْ آلِهَةُ بَابِلَ وَارْتَعَبَتْ أَصْنَامُهَا.‘ هَجَمَتْ عَلَيْهَا أُمَّةٌ مِنَ الشَّمَالِ وَجَعَلَتْ أَرْضَهَا خَرِبَةً بِلَا سَاكِنٍ، هَرَبَ مِنْهَا الْإِنْسَانُ وَالْحَيَوَانُ.“ وَقَالَ اللهُ: ”فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، يَأْتِي بَنُو إِسْرَائِيلَ وَبَنُو يَهُوذَا مَعًا وَيَبْكُونَ وَيَطْلُبُونَ الْمَوْلَى إِلَهَهُمْ. وَيَسْأَلُونَ عَنِ الطَّرِيقِ إِلَى الْقُدْسِ، وَيَتَّجِهُونَ إِلَيْهَا. فَيَأْتُونَ وَيَنْضَمُّونَ إِلَى اللهِ بِعَهْدٍ يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ وَلَا يُنْسَى. ”شَعْبِي خِرَافٌ ضَالَّةٌ، أَضَلَّهُمْ رُعَاتُهُمْ. شَرَّدُوهُمْ فَتَاهُوا عَلَى الْجِبَالِ وَالتِّلَالِ، وَنَسُوا مَكَانَ رَاحَتِهِمْ، وَكُلُّ مَنْ صَادَفَهُمُ افْتَرَسَهُمْ. وَقَالَ أَعْدَاؤُهُمْ: ’لَا ذَنْبَ عَلَيْنَا، لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ أَخْطَأُوا فِي حَقِّ اللهِ الَّذِي هُوَ مَكَانُ رَاحَتِهِمْ حَقًّا وَرَجَاءُ آبَائِهِمْ.‘ اُهْرُبُوا مِنْ وَسَطِ بَابِلَ. اُخْرُجُوا مِنْ بِلَادِ الْبَابِلِيِّينَ، وَكُونُوا كَالْكِبَاشِ الَّتِي تَقُودُ الْغَنَمَ. لِأَنِّي أَجْمَعُ عَلَى بَابِلَ تَحَالُفًا كَبِيرًا مِنْ أُمَمٍ عَظِيمَةٍ مِنْ أَرْضِ الشَّمَالِ. وَأُرْسِلُهُمْ عَلَيْهَا فَيُحَارِبُونَهَا وَيَسْتَوْلُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّمَالِ، وَسِهَامُهُمْ كَسِهَامِ مُحَارِبٍ مَاهِرٍ، لَا تُخْطِئُ الْهَدَفَ. فَتَصِيرُ بِلَادُ بَابِلَ غَنِيمَةً، وَكُلُّ مَنْ يَغْتَنِمُهَا يَشْبَعُ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. أَنْتُمْ فَرِحْتُمْ وَابْتَهَجْتُمْ يَا نَاهِبِي شَعْبِي، قَفَزْتُمْ كَعِجْلَةٍ عَلَى الْعُشْبِ، وَصَهَلْتُمْ كَالْخَيْلِ. لِذَلِكَ تَخْجَلُ أُمُّكُمْ جِدًّا، تَخْزَى الَّتِي وَلَدَتْكُمْ. تَصِيرُ آخِرَ الْأُمَمِ وَبَرِّيَّةً وَأَرْضًا يَابِسَةً وَقَفْرًا. وَلِأَنَّهَا أَغْضَبَتِ اللهَ لَا يَسْكُنُ فِيهَا أَحَدٌ، بَلْ تَصِيرُ خَرِبَةً تَمَامًا، حَتَّى إِنَّ كُلَّ مَنْ يَمُرُّ بِهَا يَنْذَهِلُ وَيَسْخَرُ بِسَبَبِ كُلِّ مَا حَلَّ بِهَا. أَحِيطُوا بِبَابِلَ وَحَارِبُوهَا يَا كُلَّ الَّذِينَ يَشُدُّونَ الْقَوْسَ. اِرْمُوا السِّهَامَ عَلَيْهَا. لَا تُوَفِّرُوا شَيْئًا! لِأَنَّهَا أَخْطَأَتْ فِي حَقِّ اللهِ. أَطْلِقُوا صِيَاحَ الْحَرْبِ عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ فَتَسْتَسْلِمَ، وَتَسْقُطَ أَبْرَاجُهَا، وَتُهْدَمَ أَسْوَارُهَا. لِأَنَّ هَذَا هُوَ عِقَابُ اللهِ لَهَا، فَأَنْتُمْ أَيْضًا عَاقِبُوهَا وَافْعَلُوا بِهَا كَمَا فَعَلَتْ بِالْآخَرِينَ. أَزِيلُوا مِنْ بَابِلَ الزَّارِعَ وَالْحَاصِدَ بِالْمِنْجَلِ فِي وَقْتِ الْحَصَادِ، فَيَرْجِعَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى شَعْبِهِ وَيَهْرُبَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى أَرْضِهِ مِنْ سَيْفِ الْعَدُوِّ. ”بَنُو إِسْرَائِيلَ غَنَمٌ مُشَتَّتَةٌ طَارَدَتْهَا الْأُسُودُ. أَوَّلُ أَسَدٍ افْتَرَسَهُمْ هُوَ مَلِكُ أَشُّورَ، وَآخِرُ أَسَدٍ سَحَقَ عِظَامَهُمْ هُوَ نَبُوخَذْنَصْرُ مَلِكُ بَابِلَ.“ لِذَلِكَ قَالَ اللهُ الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ”سَأُعَاقِبُ مَلِكَ بَابِلَ وَبِلَادَهُ، كَمَا عَاقَبْتُ مَلِكَ أَشُّورَ. وَأَرُدُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى مَرْعَاهُمْ فَيَرْعَوْا فِي مَرْعَاهُمْ فِي الْكَرْمَلِ وَبَاشَانَ وَيَشْبَعُونَ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ وَجِلْعَادَ.“ وَقَالَ اللهُ: ”فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، يُحَاوِلُونَ أَنْ يَجِدُوا ذَنْبَ إِسْرَائِيلَ فَلَا يُوجَدُ، وَشَرَّ يَهُوذَا فَلَا يَكُونُ، لِأَنِّي أَغْفِرُ لِمَنْ أُبْقِيهِمْ. ”اُهْجُمُوا عَلَى أَرْضِ مَرَاثَايِمَ وَعَلَى شَعْبِ فَقُودَ. طَارِدُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ وَأَفْنُوهُمْ وَاعْمَلُوا بِهِمْ كُلَّ مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. يُسْمَعُ صَوْتُ الْقِتَالِ فِي الْبِلَادِ، وَصَوْتُ تَحْطِيمٍ عَظِيمٍ. كَيْفَ انْكَسَرَتْ وَتَحَطَّمَتْ بَابِلُ الَّتِي هِيَ الْمِطْرَقَةُ الَّتِي تُحَطِّمُ كُلَّ الْأَرْضِ؟ كَيْفَ صَارَتْ بَابِلُ خَرَابًا بَيْنَ الشُّعُوبِ؟ نَصَبْتُ لَكِ فَخًّا يَا بَابِلُ، فَوَقَعْتِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَعْرِفِي! اِنْفَضَحَ أَمْرُكِ وَانْغَلَبْتِ لِأَنَّكِ تَحَدَّيْتِ اللهَ! فَتَحَ اللهُ مَخْزَنَ سِلَاحِهِ وَأَخْرَجَ آلَاتِ غَضَبِهِ، لِأَنَّ الْمَوْلَى الْإِلَهَ الْقَدِيرَ لَهُ عَمَلٌ سَيَعْمَلُهُ فِي بِلَادِ الْبَابِلِيِّينَ. تَعَالَوْا عَلَيْهَا مِنْ بَعِيدٍ. اِفْتَحُوا مَخَازِنَهَا. اِجْعَلُوا قَتْلَاهَا أَكْوَامًا، أَفْنُوهَا تَمَامًا فَلَا تَبْقَى لَهَا بَقِيَّةٌ. اُقْتُلُوا كُلَّ شُبَّانِهَا، خُذُوهُمْ وَاذْبَحُوهُمْ. وَيْلٌ لَهُمْ! لِأَنَّهُ جَاءَ يَوْمُهُمْ وَوَقْتُ عِقَابِهِمْ. اِسْمَعُوا صَوْتَ الْهَارِبِينَ وَاللَّاجِئِينَ مِنْ أَرْضِ بَابِلَ، يُعْلِنُونَ فِي الْقُدْسِ أَنَّ الْمَوْلَى الْإِلَهَ عَاقَبَ بَابِلَ وَانْتَقَمَ لِبَيْتِهِ. ”نَادُوا إِلَى بَابِلَ الَّذِينَ يَشُدُّونَ الْقَوْسَ، لِيَنْزِلْ عَلَيْهَا رُمَاةُ السِّهَامِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، فَلَا يَنْجُو مِنْهَا أَحَدٌ. جَازُوهَا حَسَبَ أَعْمَالِهَا وَافْعَلُوا بِهَا كَمَا فَعَلَتْ بِالْآخَرِينَ. لِأَنَّهَا تَحَدَّتِ اللهَ؛ الْقُدُّوسَ رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. لِذَلِكَ يُقْتَلُ شُبَّانُهَا فِي الشَّوَارِعِ، وَكُلُّ جُنُودِهَا يَهْلِكُونَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ.“ فَالْمَوْلَى الْقَدِيرُ قَالَ: ”أَنَا ضِدُّكِ أَيَّتُهَا الْمُتَكَبِّرَةُ، لِأَنَّهُ جَاءَ يَوْمُكِ وَوَقْتُ عِقَابِكِ. بَابِلُ الْمُتَكَبِّرَةُ تَعْثُرُ وَتَسْقُطُ وَلَا يُقِيمُهَا أَحَدٌ، وَأُشْعِلُ نَارًا فِي مُدُنِهَا، فَتَأْكُلُ كُلَّ مَا حَوْلَهَا.“ وَقَالَ اللهُ الْقَدِيرُ: ”بَنُو إِسْرَائِيلَ وَبَنُو يَهُوذَا كُلُّهُمْ مَظْلُومُونَ. وَكُلُّ الَّذِينَ أَسَرُوهُمْ أَمْسَكُوهُمْ وَرَفَضُوا أَنْ يُطْلِقُوهُمْ. لَكِنَّ فَادِيَهُمْ قَوِيٌّ. اِسْمُهُ اللهُ الْقَدِيرُ. وَهُوَ يُدَافِعُ عَنْ قَضِيَّتِهِمْ لِيُرِيحَ الْبِلَادَ وَيُزْعِجَ أَهْلَ بَابِلَ.“ وَقَالَ اللهُ: ”يَنْزِلُ السَّيْفُ عَلَى الْبَابِلِيِّينَ وَعَلَى سُكَّانِ بَابِلَ وَرُؤَسَائِهَا وَحُكَمَائِهَا. يَنْزِلُ السَّيْفُ عَلَى الَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّهُمْ أَنْبِيَاءُ فَيَصِيرُونَ أَغْبِيَاءَ، وَعَلَى أَبْطَالِهَا فَيَرْتَعِبُونَ، وَعَلَى خَيْلِهَا وَمَرْكَبَاتِهَا وَعَلَى جُنُودِهَا الْمُرْتَزَقَةِ فَيَصِيرُونَ نِسَاءً، وَعلَى خَزَائِنِهَا فَتُنْهَبُ. يَنْزِلُ الْحَرُّ عَلَى مِيَاهِهَا فَتَجِفُّ، لِأَنَّهَا بِلَادُ أَصْنَامٍ، وَأَصْنَامُهُمْ ضَيَّعَتْ عَقْلَهُمْ. لِذَلِكَ تَسْكُنُ فِيهَا وُحُوشُ الْقَفْرِ وَالضِّبَاعُ وَأَيْضًا النَّعَامُ. فَلَا يَسْكُنُ فِيهَا إِنْسَانٌ إِلَى الْأَبَدِ وَلَا تَعْمُرُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. وَكَمَا قَلَبَ اللهُ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَالْمُدُنَ الْمُجَاوِرَةَ لَهُمَا، يَفْعَلُ هَذَا بِبَابِلَ فَلَا يَسْكُنُ فِيهَا أَحَدٌ وَلَا يُقِيمُ فِيهَا إِنْسَانٌ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”اُنْظُرُوا! هَذَا جَيْشٌ قَادِمٌ مِنَ الشَّمَالِ، أُمَّةٌ عَظِيمَةٌ وَمُلُوكٌ كَثِيرُونَ قَامُوا مِنْ آخِرِ الْأَرْضِ. مُسَلَّحُونَ بِأَقْوَاسٍ وَرِمَاحٍ، هُمْ قُسَاةٌ لَا يَرْحَمُونَ. صَوْتُهُمْ كَالْبَحْرِ الْهَائِجِ، وَعَلَى خَيْلٍ يَرْكَبُونَ. يَصْطَفُّونَ مَعًا لِيُحَارِبُوكِ يَا مَدِينَةَ بَابِلَ. سَمِعَ مَلِكُ بَابِلَ خَبَرَهُمْ، فَانْهَارَتْ عَزِيمَتُهُ. أَصَابَهُ ضِيقٌ وَأَلَمٌ كَامْرَأَةٍ تَلِدُ. كَأَسَدٍ طَالِعٍ مِنْ غَابَةٍ كَثِيفَةٍ عِنْدَ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ، لِيَهْجُمَ عَلَى غَنَمٍ تَرْعَى فِي مَكَانٍ جَمِيلٍ، بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَهْجُمُ عَلَى بَابِلَ وَأَجْعَلُهُمْ يَهْرُبُونَ مِنْ أَرْضِهِمْ فِي لَحْظَةٍ، وَأُقِيمُ عَلَيْهِمْ مَنْ أَخْتَارُهُ. لِأَنَّهُ مَنْ مِثْلِي؟ وَمَنْ يَتَحَدَّانِي؟ وَمَنْ هُوَ الرَّاعِي الَّذِي يَقِفُ فِي وَجْهِي؟“ فَاسْمَعُوا مَا قَضَى بِهِ اللهُ عَلَى بَابِلَ، وَمَا قَصَدَ أَنْ يَعْمَلَهُ بِأَرْضِ الْبَابِلِيِّينَ: إِنَّهُ يَأْخُذُ حَتَّى صِغَارَهُمْ، وَيَمْلَأُ بِالرُّعْبِ دِيَارَهُمْ! تَرْتَعِشُ الْأَرْضُ مِنْ صَوْتِ سُقُوطِ بَابِلَ، وَيُسْمَعُ صُرَاخُهَا بَيْنَ الْأُمَمِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ: ”سَأُرْسِلُ عَلَى بَابِلَ وَسُكَّانِهَا رِيحًا مُهْلِكَةً. أُرْسِلُ عَلَيْهَا غُرَبَاءَ فَيُذَرُّونَهَا كَالتِّبْنِ، وَيُخْرِبُونَ أَرْضَهَا. يُحَاصِرُونَهَا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ فِي يَوْمِ مُصِيبَتِهَا. لَا يُعْطُونَ جُنُودَهَا فُرْصَةً لِيَشُدُّوا أَقْوَاسَهُمْ أَوْ يَلْبَسُوا سِلَاحَهُمْ. وَلَا يَشْفِقُونَ عَلَى شُبَّانِهَا بَلْ يُفْنُونَ كُلَّ جَيْشِهَا. فَيَسْقُطُ الْقَتْلَى فِي بَابِلَ، وَالْجَرْحَى فِي شَوَارِعِهَا. لِأَنَّ اللهَ، الْمَوْلَى الْقَدِيرَ، لَمْ يَهْجُرْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا، مَعَ أَنَّهُمْ مَلَأُوا بِلَادَهُمْ شَرًّا ضِدَّ الْقُدُّوسِ رَبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ.“ اُهْرُبُوا مِنْ بَابِلَ وَانْجُوا، وَلَا تَهْلِكُوا بِذَنْبِهَا. لِأَنَّ هَذَا وَقْتُ انْتِقَامِ اللهِ مِنْهَا، فَهُوَ يُعَاقِبُهَا بِمَا تَسْتَحِقُّ. كَانَتْ بَابِلُ كَأْسَ ذَهَبٍ فِي يَدِ اللهِ، أَسْكَرَتْ كُلَّ الْأَرْضِ. شَرِبَتِ الشُّعُوبُ مِنْ خَمْرِهَا فَضَاعَ عَقْلُهُمْ. فَجْأَةً سَقَطَتْ بَابِلُ وَتَحَطَّمَتْ. وَلْوِلُوا عَلَيْهَا. هَاتُوا بَلْسَمًا لِجُرْحِهَا، لَعَلَّهَا تُشْفَى. فَقَالُوا: ”أَعْطَيْنَا بَابِلَ الدَّوَاءَ، لَكِنْ لَا أَمَلَ فِي شِفَائِهَا. اُتْرُكُوهَا فَنَرْجِعَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى بَلَدِهِ، لِأَنَّ عِقَابَهَا وَصَلَ إِلَى السَّمَاءِ، وَارْتَفَعَ إِلَى السَّحَابِ.“ الْمَوْلَى أَظْهَرَ أَنَّنَا عَلَى حَقٍّ. تَعَالَوْا نُخْبِرُ فِي الْقُدْسِ بِمَا عَمِلَهُ الْمَوْلَى إِلَهُنَا. سُنُّوا السِّهَامَ. اِحْمِلُوا الْأَتْرَاسَ. الْمَوْلَى أَثَارَ مُلُوكَ مَادِي عَلَى بَابِلَ لِأَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يُهْلِكَهَا. الْمَوْلَى سَيُعَاقِبُ بَابِلَ وَيَنْتَقِمُ لِبَيْتِهِ. اِرْفَعُوا الرَّايَةَ ضِدَّ أَسْوَارِ بَابِلَ. شَدِّدُوا الرَّقَابَةَ. أَقِيمُوا الْحُرَّاسَ. أَعِدُّوا الْكَمِينَ. لِأَنَّ اللهَ يُنَفِّذُ قَصْدَهُ وَحُكْمَهُ عَلَى سُكَّانِ بَابِلَ. أَيَّتُهَا السَّاكِنَةُ عِنْدَ الْمِيَاهِ الْغَزِيرَةِ، يَا صَاحِبَةَ الْكُنُوزِ الْكَثِيرَةِ، جَاءَتْ آخِرَتُكِ، وَنِهَايَتُكِ أَكِيدَةٌ. الْمَوْلَى الْقَدِيرُ أَقْسَمَ بِنَفْسِهِ وَقَالَ: ”أَمْلَأُكِ رِجَالًا كَالْجَرَادِ، يَصِيحُونَ عَلَيْكِ بِهُتَافِ النَّصْرِ.“ اللهُ صَنَعَ الْأَرْضَ بِقُوَّتِهِ، وَأَسَّسَ الْعَالَمَ بِحِكْمَتِهِ، وَبَسَطَ السَّمَاوَاتِ بِفَهْمِهِ. يُرْعِدُ فَيُدَوِّي صَوْتُ الْمِيَاهِ فِي السَّمَاءِ، يُصْعِدُ السَّحَابَ فِي أَنْحَاءِ الْأَرْضِ، يُرْسِلُ الْبَرْقَ مَعَ الْمَطَرِ، وَيُخْرِجُ الرِّيَاحَ مِنْ مَخَازِنِهِ. كُلُّ وَاحِدٍ غَبِيٌّ لَا يَعْرِفُ شَيْئًا. كُلُّ صَائِغٍ يَخْجَلُ مِنْ أَصْنَامِهِ، لِأَنَّهَا تَمَاثِيلُ كَاذِبَةٌ بِلَا حَيَاةٍ. لَا تَنْفَعُ، بَلْ هِيَ أَشْيَاءُ مُضْحِكَةٌ، وَفِي وَقْتِ الْعِقَابِ تَبِيدُ. أَمَّا اللهُ نَصِيبُ يَعْقُوبَ، فَلَيْسَ كَهَذِهِ الْأَصْنَامِ. بَلْ هُوَ صَانِعُ الْكُلِّ، وَاخْتَارَ شَعْبَهُ لَهُ، وَاسْمُهُ اللهُ الْقَدِيرُ. ”أَنْتُمْ لِي سِلَاحٌ لِلْحَرْبِ، وَأَدَوَاتٌ لِلْمَعْرَكَةِ. بِكُمْ أُحَطِّمُ الْأُمَمَ وَأُهْلِكُ الْمَمَالِكَ. بِكُمْ أُحَطِّمُ الْخَيْلَ وَرَاكِبِيهَا، وَالْمَرْكَبَاتِ وَسَائِقِيهَا. بِكُمْ أُحَطِّمُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، وَالشُّيُوخَ وَالْفِتْيَانَ، وَالشُّبَّانَ وَالشَّابَّاتِ. بِكُمْ أُحَطِّمُ الرُّعَاةَ وَقُطْعَانَهُمْ، وَالْفَلَّاحِينَ وَبَقَرَهُمْ، وَالْحُكَّامَ وَالْوُلَاةَ. ”وَلَكِنِّي أُجَازِي بَابِلَ وَكُلَّ الْبَابِلِيِّينَ أَمَامَ عُيُونِكُمْ، عَلَى كُلِّ شَرِّهِمِ الَّذِي ارْتَكَبُوهُ فِي حَقِّ الْقُدْسِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. أَنَا عَدُوُّكَ أَيُّهَا الْجَبَلُ الَّذِي سَبَّبَ الْهَلَاكَ. أَنْتَ أَهْلَكْتَ كُلَّ الْعَالَمِ. لَكِنِّي أَمُدُّ يَدِي عَلَيْكَ، وَأُدَحْرِجُكَ مِنْ فَوْقِ الصُّخُورِ، وَأَجْعَلُكَ جَبَلًا مَحْرُوقًا. هَذَا كَلَامُ اللهِ. فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْكَ حَجَرَ زَاوِيَةٍ وَلَا حَجَرَ أَسَاسٍ، بَلْ تَكُونُ خَرَابًا إِلَى الْأَبَدِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ.“ اِرْفَعُوا الرَّايَةَ فِي الْبِلَادِ! اُنْفُخُوا الْبُوقَ بَيْنَ الْأُمَمِ! أَعِدُّوا الْأُمَمَ لِتُحَارِبَ بَابِلَ. أَثِيرُوا عَلَيْهَا مَمَالِكَ أَرَارَاطَ وَمِنِّي وَأَشْكَنَازَ. عَيِّنُوا قَائِدًا ضِدَّهَا. أَرْسِلُوا الْخَيْلَ عَلَيْهَا كَجَيْشٍ مِنَ الْجَرَادِ. أَعِدُّوا الْأُمَمَ لِتُحَارِبَهَا، نَادُوا مُلُوكَ مَادِي وَحُكَّامَهَا وَوُلَاتَهَا وَكُلَّ الْبِلَادِ الَّتِي يَحْكُمُونَهَا. فَتَرْتَعِشَ الْأَرْضُ وَتَتَوَجَّعَ، لِأَنَّ قَصْدَ اللهِ ضِدَّ بَابِلَ يَنْفُذُ، لِيَجْعَلَهَا خَرَابًا بِلَا سَاكِنٍ. كَفَّ أَبْطَالُ بَابِلَ عَنِ الْحَرْبِ. لَجَأُوا إِلَى الْحُصُونِ. رَاحَتْ شَجَاعَتُهُمْ. صَارُوا نِسَاءً. اِحْتَرَقَتْ مَسَاكِنُهَا وَتَحَطَّمَتْ أَقْفَالُ بَوَّابَاتِهَا. يَجْرِي رَسُولٌ بَعْدَ رَسُولٍ، وَحَامِلُ خَبَرٍ بَعْدَ آخَرَ، لِيُعْلِنُوا لِمَلِكِ بَابِلَ أَنَّ مَدِينَتَهُ أُخِذَتْ عَنْ آخِرِهَا، وَأَنَّ مَعَابِرَ النَّهْرِ سَقَطَتْ فِي يَدِ الْعَدُوِّ، وَمُسْتَنْقَعَاتِ الْقَصَبِ أُحْرِقَتْ بِالنَّارِ، وَالْجَيْشَ مُرْتَعِبٌ. فَالْمَوْلَى الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ: ”مَدِينَةُ بَابِلَ هِيَ كَالْبَيْدَرِ حَيْثُ يُدْرَسُ الْقَمْحُ وَقْتَ الْحَصَادِ. وَقَدْ حَانَ وَقْتُ حَصَادِهَا.“ اِفْتَرَسَنَا نَبُوخَذْنَصْرُ مَلِكُ بَابِلَ وَحَطَّمَنَا. جَعَلَنَا إِنَاءً فَارِغًا. اِبْتَلَعَنَا كَأَنَّهُ ثُعْبَانٌ. مَلَأَ بَطْنَهُ مِنْ طَيِّبَاتِنَا ثُمَّ قَذَفَنَا مِنْ فَمِهِ. فَقَالَ أَهْلُ الْقُدْسِ: ”لَيْتَ مَا حَلَّ بِنَا مِنْ ظُلْمٍ وَعَذَابٍ، يَحِلُّ بِبَابِلَ.“ وَقَالَتِ الْقُدْسُ: ”أَهْلُ بَابِلَ مَسْئُولُونَ عَنْ جَرِيمَةِ سَفْكِ دَمِي!“ لِذَلِكَ قَالَ اللهُ: ”أَنَا أُدَافِعُ عَنْكِ وَأَنْتَقِمُ لَكِ، فَأُجَفِّفُ بَحْرَ بَابِلَ وَأُنَشِّفُ يَنَابِيعَهَا. فَتَصِيرُ بَابِلُ كُومًا مِنَ الْخَرَائِبِ وَمَأْوًى لِلذِّئَابِ، فَيَرْتَعِبُ النَّاسُ مِمَّا جَرَى لَهَا، وَيَهْزَأُونَ بِهَا، وَلَا يَكُونُ فِيهَا سَاكِنٌ. يَزْأَرُونَ كَالْأَشْبَالِ، يُزَمْجِرُونَ كَصِغَارِ الْأُسُودِ. يَهِيجُونَ فَأُعِدُّ لَهُمْ وَلِيمَةً وَأُسْكِرُهُمْ، لِيَفْرَحُوا وَيَنَامُوا إِلَى الْأَبَدِ وَلَا يَقُومُوا.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”وَآخُذُهُمْ لِلذَّبْحِ كَخِرَافٍ وَكِبَاشٍ وَتُيُوسٍ. ”كَيْفَ سَقَطَتْ بَابِلُ؟ كَيْفَ هُزِمَتِ الَّتِي افْتَخَرَتْ بِهَا كُلُّ الْأَرْضِ؟ كَيْفَ صَارَتْ بَابِلُ رُعْبًا بَيْنَ الْأُمَمِ؟ اِرْتَفَعَ الْبَحْرُ وَغَطَّى بَابِلَ بِأَمْوَاجِهِ الْهَائِجَةِ. صَارَتْ مُدُنُهَا خَرَابًا وَأَرْضًا يَابِسَةً وَقَفْرًا، أَرْضًا لَا يَسْكُنُ فِيهَا إِنْسَانٌ وَلَا يُسَافِرُ فِيهَا بَشَرٌ. وَأُعَاقِبُ بِيلَ فِي بَابِلَ، وَأُخْرِجُ مِنْ فَمِهِ مَا ابْتَلَعَهُ. وَلَا تَعُودُ الْأُمَمُ تَتَوَافَدُ عَلَيْهِ. وَيَسْقُطُ أَيْضًا سُورُ بَابِلَ. ”اُخْرُجُوا مِنْهَا يَا شَعْبِي! اُهْرُبُوا وَانْجُوا! اُهْرُبُوا مِنْ شِدَّةِ غَضَبِ اللهِ. لَا تَرْتَعِبُوا وَلَا تَخَافُوا مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي تُسْمَعُ فِي الْبِلَادِ. فَهَذِهِ السَّنَةَ يَأْتِي خَبَرٌ، وَالسَّنَةَ الْقَادِمَةَ خَبَرٌ آخَرُ، عَنِ الْعُنْفِ فِي الْبِلَادِ وَعَنِ الْحُرُوبِ بَيْنَ الْمُلُوكِ. لِذَلِكَ تَأْتِي أَيَّامٌ أُعَاقِبُ فِيهَا أَصْنَامَ بَابِلَ. فَتَخْجَلُ كُلُّ بِلَادِهَا، وَيَسْقُطُ قَتْلَاهَا فِي وَسَطِهَا. فَتَهْتِفُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَكُلُّ مَا فِيهَا فَرَحًا بِسُقُوطِ بَابِلَ، لِأَنَّ الْمُهْلِكِينَ يَأْتُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّمَالِ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”فَكَمَا أَسْقَطَتْ بَابِلُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَتْلَى، يَسْقُطُ بَنُو بَابِلَ قَتْلَى فِي كُلِّ الْأَرْضِ. يَا مَنْ نَجَوْتُمْ مِنَ السَّيْفِ، اِذْهَبُوا وَلَا تَقِفُوا. اُذْكُرُوا اللهَ فِي الْغُرْبَةِ وَلْتَكُنِ الْقُدْسُ فِي فِكْرِكُمْ. ’خَجِلْنَا لِأَنَّهُمْ شَتَمُونَا. غَطَّى الْعَارُ وُجُوهَنَا لِأَنَّ الْغُرَبَاءَ دَخَلُوا الْأَمَاكِنَ الْمُقَدَّسَةَ فِي بَيْتِ اللهِ.‘ لِذَلِكَ تَأْتِي أَيَّامٌ أُعَاقِبُ فِيهَا أَصْنَامَ بَابِلَ، وَيَئِنُّ الْجَرْحَى فِي كُلِّ بِلَادِهَا. فَحَتَّى لَوِ ارْتَفَعَتْ بَابِلُ إِلَى السَّمَاءِ وَحَصَّنَتْ أَقْوَى مُدُنِهَا، أُرْسِلُ عَلَيْهَا مَنْ يُهْلِكُونَهَا.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”صَوْتُ صُرَاخٍ فِي بَابِلَ، صَوْتُ خَرَابٍ عَظِيمٍ فِي أَرْضِ الْبَابِلِيِّينَ. الْمَوْلَى يُخْرِبُ بَابِلَ وَيُسْكِتُ ضَجِيجَهَا. يَأْتِي عَلَيْهَا الْأَعْدَاءُ كَأَمْوَاجٍ هَائِجَةٍ، كَمِيَاهٍ غَزِيرَةٍ، وَصَوْتُهُمْ يُدَوِّي بِقُوَّةٍ. جَاءَ عَلَى بَابِلَ مَنْ يُخْرِبُهَا، أُسِرَ أَبْطَالُهَا، كُسِرَتْ أَقْوَاسُهُمْ. لِأَنَّ الْمَوْلَى هُوَ اللهُ الَّذِي يُجَازِي، فَهُوَ يُكَافِئُهَا بِمَا تَسْتَحِقُّ. أَنَا أُسْكِرُ رُؤَسَاءَهَا وَحُكَمَاءَهَا وَحُكَّامَهَا وَوُلَاتَهَا، فَيَنَامُونَ إِلَى الْأَبَدِ وَلَا يَقُومُونَ. هَذَا كَلَامُ الْمَلِكِ الَّذِي اسْمُهُ اللهُ الْقَدِيرُ.“ وَقَالَ اللهُ الْقَدِيرُ: ”إِنَّ أَسْوَارَ بَابِلَ الْعَرِيضَةَ تُهْدَمُ تَمَامًا، وَبَوَّابَاتِهَا الْعَالِيَةَ تُحْرَقُ بِالنَّارِ. فَيَضِيعُ تَعَبُ الشُّعُوبِ بِلَا فَائِدَةٍ، وَجُهْدُ الْأُمَمِ إِلَى النَّارِ.“ كَانَتْ هَذِهِ هِيَ الرِّسَالَةُ الَّتِي أَعْطَاهَا إِرْمِيَا النَّبِيُّ لِسَرَايَا بْنِ نِيرِيَّا بْنِ مَحْسِيَا لَمَّا ذَهَبَ مَعَ صِدْقِيَا مَلِكِ يَهُوذَا إِلَى بَابِلَ، فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ مُلْكِهِ. وَكَانَ سَرَايَا أَحَدَ قَادَةِ الْجَيْشِ. وَكَانَ إِرْمِيَا قَدْ كَتَبَ فِي كِتَابٍ كُلَّ هَذِهِ الْمَصَائِبِ الَّتِي سَتَنْزِلُ عَلَى بَابِلَ. وَقَالَ لِسَرَايَا: ”عِنْدَمَا تَصِلُ إِلَى بَابِلَ، يَجِبُ أَنْ تَقْرَأَ كُلَّ هَذَا الْكَلَامِ، ثُمَّ تَقُولُ: ’أَنْتَ يَا رَبُّ قُلْتَ إِنَّكَ سَتُهْلِكُ هَذَا الْمَكَانَ، فَلَا يَبْقَى فِيهِ إِنْسَانٌ وَلَا حَيَوَانٌ، بَلْ يَكُونُ خَرَابًا إِلَى الْأَبَدِ.‘ وَبَعْدَمَا تَنْتَهِي مِنْ قِرَاءَةِ هَذَا الْكِتَابِ، اِرْبِطْ بِهِ حَجَرًا وَاطْرَحْهُ فِي وَسَطِ الْفُرَاتِ. وَقُلْ: ’بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ تَغْرَقُ بَابِلُ وَلَا تَقُومُ بَعْدَ ذَلِكَ، بِسَبَبِ الْمَصَائِبِ الَّتِي أَجْلِبُهَا عَلَيْهَا. وَيَسْقُطُ شَعْبُهَا.‘“ هَذَا خِتَامُ كَلَامِ إِرْمِيَا. كَانَ صِدْقِيَا ابْنَ 21 سَنَةً لَمَّا مَلَكَ، وَدَامَ مُلْكُهُ 11 سَنَةً فِي الْقُدْسِ. وَاسْمُ أُمِّهِ حَمُوطَلُ بِنْتُ إِرْمِيَا مِنْ لِبْنَةَ. وَعَمِلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي نَظَرِ اللهِ، تَمَامًا كَمَا عَمِلَ يُويَاقِيمُ. فَإِنَّ كُلَّ مَا حَدَثَ هُوَ بِسَبَبِ غَضَبِ اللهِ عَلَى الْقُدْسِ وَعَلَى يَهُوذَا، حَتَّى إِنَّهُ طَرَدَهُمْ مِنْ مَحْضَرِهِ. وَلِهَذَا أَيْضًا تَمَرَّدَ صِدْقِيَا عَلَى مَلِكِ بَابِلَ. وَفِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ الْعَاشِرِ مِنَ السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِمُلْكِ صِدْقِيَا، جَاءَ نَبُوخَذْنَصْرُ مَلِكُ بَابِلَ، هُوَ وَكُلُّ جَيْشِهِ عَلَى الْقُدْسِ، وَحَاصَرُوهَا وَبَنَوْا حَوْلَهَا أَبْرَاجًا. وَظَلَّتِ الْمَدِينَةُ تَحْتَ الْحِصَارِ إِلَى السَّنَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ لِلْمَلِكِ صِدْقِيَا. وَفِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ مِنَ الشَّهْرِ الرَّابِعِ، اِشْتَدَّ الْجُوعُ فِي الْمَدِينَةِ، حَتَّى لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَيُّ طَعَامٍ لِلنَّاسِ. فَفُتِحَتْ ثُغْرَةٌ فِي سُورِ الْمَدِينَةِ، وَهَرَبَ كُلُّ الْجَيْشِ وَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ فِي اللَّيْلِ مِنَ الْبَوَّابَةِ الَّتِي بَيْنَ السُّورَيْنِ بِالْقُرْبِ مِنْ حَدِيقَةِ الْمَلِكِ. كُلُّ هَذَا مَعَ أَنَّ الْبَابِلِيِّينَ كَانُوا يُحَاصِرُونَ الْمَدِينَةَ! فَهَرَبَ صِدْقِيَا وَمَنْ مَعَهُ فِي طَرِيقِ وَادِي الْأُرْدُنِّ. وَلَكِنَّ جَيْشَ الْبَابِلِيِّينَ تَبِعَ الْمَلِكَ صِدْقِيَا، وَلَحِقُوا بِهِ فِي سَهْلِ أَرِيحَا. وَتَفَرَّقَ عَنْهُ كُلُّ جَيْشِهِ. فَأَسَرُوهُ وَأَخَذُوهُ إِلَى مَلِكِ بَابِلَ فِي رَبْلَةَ، فِي أَرْضِ حَمَاةَ، حَيْثُ أَصْدَرَ حُكْمًا ضِدَّهُ. وَهُنَاكَ فِي رَبْلَةَ، قَتَلَ مَلِكُ بَابِلَ أَوْلَادَ صِدْقِيَا أَمَامَ عَيْنَيْهِ، وَقَتَلَ أَيْضًا كُلَّ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا. ثُمَّ قَلَعَ عَيْنَيْ صِدْقِيَا، وَقَيَّدَهُ بِسَلَاسِلَ مِنْ نُحَاسٍ وَأَخَذَهُ إِلَى بَابِلَ، وَوَضَعَهُ فِي السِّجْنِ إِلَى يَوْمِ وَفَاتِهِ. وَفِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ الْخَامِسِ مِنَ السَّنَةِ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ لِلْمَلِكِ نَبُوخَذْنَصْرَ مَلِكِ بَابِلَ، جَاءَ نَبُوزَرَدَانُ قَائِدُ الْحَرَسِ الْمَلَكِيِّ الَّذِي يَعْمَلُ عِنْدَ مَلِكِ بَابِلَ، إِلَى الْقُدْسِ. وَأَحْرَقَ بَيْتَ اللهِ، وَقَصْرَ الْمَلِكِ، وَكُلَّ الدِّيَارِ فِي الْقُدْسِ. أَحْرَقَ كُلَّ مَا فِيهَا مِنَ الْمَبَانِي الْمُهِمَّةِ. وَكُلَّ أَسْوَارِ الْقُدْسِ الَّتِي حَوْلَهَا، هَدَمَهَا كُلُّ الْجُنُودِ الْبَابِلِيِّينَ الَّذِينَ مَعَ قَائِدِ الْحَرَسِ الْمَلَكِيِّ. وَأَسَرَ نَبُوزَرَدَانُ بَعْضَ الْفُقَرَاءِ، وَالشَّعْبَ الَّذِي بَقِيَ فِي الْمَدِينَةِ، وَالَّذِينَ هَرَبُوا وَلَجَأُوا إِلَى مَلِكِ بَابِلَ، وَغَيْرَهُمْ مِنَ النَّاسِ. وَلَكِنَّ نَبُوزَرَدَانَ تَرَكَ بَقِيَّةَ مَسَاكِينِ الشَّعْبِ لِيَعْمَلُوا فِي الْكُرُومِ وَالْحُقُولِ. وَحَطَّمَ الْبَابِلِيُّونَ أَعْمِدَةَ النُّحَاسِ الَّتِي فِي بَيْتِ اللهِ، وَأَيْضًا الْقَوَاعِدَ، وَحَوْضَ النُّحَاسِ، وَحَمَلُوا نُحَاسَهَا إِلَى بَابِلَ. وَأَخَذُوا الْقُدُورَ وَالْمَجَارِفَ وَالطَّفَّايَاتِ وَالْكُؤُوسَ وَالصُّحُونَ وَكُلَّ أَدَوَاتِ النُّحَاسِ الَّتِي كَانَتْ تُسْتَخْدَمُ فِي الْعِبَادَةِ. كَمَا أَخَذَ قَائِدُ الْحَرَسِ الْمَغَاسِلَ وَالْمَبَاخِرَ وَالْكُؤُوسَ وَالْقُدُورَ وَالْمَنَارَاتِ وَالصُّحُونَ وَالْأَقْدَاحَ، وَكُلَّ مَا كَانَ مَصْنُوعًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ. وَلَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا مَعْرِفَةُ وَزْنِ نُحَاسِ الْعَمُودَيْنِ وَالْحَوْضِ وَثِيرَانِ النُّحَاسِ الِـ12 الَّتِي تَحْتَهُ وَالْقَوَاعِدِ الَّتِي عَمِلَهَا سُلَيْمَانُ لِبَيْتِ اللهِ. وَكَانَ طُولُ الْعَمُودِ الْوَاحِدِ حَوَالَيْ 8 أَمْتَارٍ، وَمُحِيطُهُ حَوَالَيْ 6 أَمْتَارٍ، وَسُمْكُهُ 4 أَصَابِعَ. وَهُوَ أَجْوَفُ، وَعَلَيْهِ تَاجٌ مِنْ نُحَاسٍ ارْتِفَاعُهُ حَوَالَيْ مِتْرَيْنِ وَثُلُثٍ، وَالشَّبَكَةُ الَّتِي فَوْقَ التَّاجِ وَالرُّمَّانَاتُ الَّتِي حَوْلَ الشَّبَكَةِ، كُلُّهَا مِنْ نُحَاسٍ. وَكَانَ الْعَمُودُ الثَّانِي أَيْضًا لَهُ شَبَكَةٌ وَمَصْنُوعًا كَالْعَمُودِ الْآخَرِ. وَكَانَتِ الرُّمَّانَاتُ 96 عَلَى الْجَوَانِبِ، فَكَانَ عَدَدُهَا كُلُّهَا حَوْلَ الشَّبَكَةِ 100. وَأَخَذَ قَائِدُ الْحَرَسِ الْمَلَكِيِّ سَرَايَا رَئِيسَ الْأَحْبَارِ، وَصَفَنْيَا نَائِبَهُ، وَحُرَّاسَ الْبَابِ الـ3. وَمِنَ الَّذِينَ بَقَوْا فِي الْمَدِينَةِ، أَخَذَ الضَّابِطَ الَّذِي كَانَ مَسْئُولًا عَنِ الْمُحَارِبِينَ، وَ7 رِجَالٍ مِنْ مُسْتَشَارِي الْمَلِكِ، وَكَاتِبَ قَائِدِ الْجَيْشِ الَّذِي كَانَ مَسْئُولًا عَنِ التَّجْنِيدِ، وَ60 آخَرِينَ مِنَ النَّاسِ الْمَوْجُودِينَ فِي الْمَدِينَةِ. فَأَخَذَ نَبُوزَرَدَانُ كُلَّ هَؤُلَاءِ، وَذَهَبَ بِهِمْ إِلَى مَلِكِ بَابِلَ فِي رَبْلَةَ. فَقَتَلَهُمْ مَلِكُ بَابِلَ هُنَاكَ فِي رَبْلَةَ فِي أَرْضِ حَمَاةَ. وَبِذَلِكَ أُسِرَ شَعْبُ يَهُوذَا مِنْ أَرْضِهِ. وَهَذَا هُوَ عَدَدُ النَّاسِ الَّذِينَ أَسَرَهُمْ نَبُوخَذْنَصْرُ: فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ مِنْ مُلْكِهِ أَخَذَ 3023 مِنَ الْيَهُودِ. وَفِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ مِنْ مُلْكِهِ أَخَذَ 832 شَخْصًا مِنَ الْقُدْسِ. وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ مُلْكِهِ، أَسَرَ نَبُوزَرَدَانُ 745 مِنَ الْيَهُودِ. فَكَانَتِ الْجُمْلَةُ 4600. فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ لِأَسْرِ يُويَاكِينَ مَلِكِ يَهُوذَا، صَارَ أَوِيلُ مَرُودَخُ مَلِكًا عَلَى بَابِلَ. وَفِي نَفْسِ السَّنَةِ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِيَ عَشَرَ، أَطْلَقَ أَوِيلُ مَرُودَخُ يُويَاكِينَ مَلِكَ يَهُوذَا وَأَخْرَجَهُ مِنَ السِّجْنِ. وَكَلَّمَهُ بِلُطْفٍ، وَأَعْطَاهُ مَرْكَزًا كَرِيمًا فَوْقَ الْمُلُوكِ الْآخَرِينَ الَّذِينَ مَعَهُ فِي بَابِلَ. فَرَمَى يُويَاكِينُ ثِيَابَ سِجْنِهِ، وَصَارَ يَتَنَاوَلُ الطَّعَامَ عَلَى مَائِدَةِ الْمَلِكِ بَقِيَّةَ عُمْرِهِ. وَكَانَ مَلِكُ بَابِلَ يُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِهِ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِمَصْرُوفَاتِهِ الْيَوْمِيَّةِ بَقِيَّةَ عُمْرِهِ إِلَى يَوْمِ وَفَاتِهِ. كَيْفَ صَارَتْ مَهْجُورَةً، الْمَدِينَةُ الَّتِي كَانَ فِيهَا شَعْبٌ كَثِيرٌ؟ صَارَتْ كَأَرْمَلَةٍ وَهِيَ الْعَظِيمَةُ فِي الْأُمَمِ! صَارَتْ عَبْدَةً وَهِيَ الْمَلِكَةُ بَيْنَ الْمُدُنِ! تَبْكِي فِي اللَّيْلِ بِحُرْقَةٍ، وَدُمُوعُهَا عَلَى خَدَّيْهَا. وَلَا وَاحِدٌ يُعَزِّيهَا مِنْ بَيْنِ كُلِّ مُحِبِّيهَا. تَرَكَهَا كُلُّ أَصْحَابِهَا، صَارُوا أَعْدَاءَهَا. بَعْدَ الذُّلِّ وَالْعُبُودِيَّةِ الشَّدِيدَةِ، أُسِرَتْ يَهُوذَا. سَكَنَتْ بَيْنَ الْأُمَمِ، وَلَا تَجِدُ رَاحَةً لَمَّا كَانَتْ مُتَضَايِقَةً. لَحِقَهَا كُلُّ الَّذِينَ طَارَدُوهَا. تَبْكِي الطُّرُقُ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى الْقُدْسِ، لِعَدَمِ الْقَادِمِينَ إِلَى الْعِيدِ. اِنْهَدَمَتْ كُلُّ بَوَّابَاتِهَا، يَتَنَهَّدُ أَحْبَارُهَا، تَحْزَنُ شَابَّاتُهَا، وَهِيَ تُقَاسِي الْمُرَّ. صَارَ خُصُومُهَا أَسْيَادًا. نَجَحَ أَعْدَاؤُهَا لِأَنَّ اللهَ عَاقَبَهَا عَلَى ذُنُوبِهَا الْكَثِيرَةِ. ذَهَبَ أَوْلَادُهَا، أَسَرَهُمُ الْعَدُوُّ. زَالَ عَنِ الْقُدْسِ كُلُّ بَهَائِهَا. صَارَ عُظَمَاؤُهَا كَغِزْلَانٍ لَا تَجِدُ مَرْعًى، ضُعَفَاءَ وَهَارِبِينَ أَمَامَ الطَّارِدِ. الْقُدْسُ ذَلِيلَةٌ وَضَائِعَةٌ! إِنَّهَا تَذْكُرُ الْآنَ مَا كَانَتْ تَتَمَتَّعُ بِهِ فِي الْأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ. هَزَمَ الْعَدُوُّ شَعْبَهَا، وَلَا يُوجَدُ مَنْ يُعِينُهَا. لَمَّا رَآهَا الْأَعْدَاءُ ضَحِكُوا عَلَى هَلَاكِهَا. أَذْنَبَتِ الْقُدْسُ جِدًّا، لِذَلِكَ تَنَجَّسَتْ. كُلُّ الَّذِينَ أَكْرَمُوهَا يَحْتَقِرُونَهَا لِأَنَّهُمْ رَأَوْهَا عَارِيَةً، وَهِيَ نَفْسُهَا تَتَنَهَّدُ وَتَرْجِعُ إِلَى الْوَرَاءِ. لَصَقَتْ نَجَاسَتُهَا بِأَذْيَالِهَا. لَمْ تُفَكِّرْ فِي مَصِيرِهَا. كَانَ سُقُوطُهَا رَهِيبًا. وَلَا وَاحِدٌ يُعَزِّيهَا. ”اُنْظُرْ يَا رَبُّ إِلَى ذُلِّي لِأَنَّ الْعَدُوَّ انْتَصَرَ.“ مَدَّ الْعَدُوُّ يَدَهُ إِلَى خَزَائِنِهَا، وَرَأَتِ الْأَجَانِبَ يَدْخُلُونَ الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ، مَعَ أَنَّكَ يَا رَبُّ مَنَعْتَهُمْ مِنَ الدُّخُولِ فِي جَمَاعَتِكَ. يَتَنَهَّدُ كُلُّ شَعْبِهَا وَيَبْحَثُ عَنِ الْخُبْزِ. أَعْطَوْا كُنُوزَهُمْ لِيَحْصُلُوا عَلَى الطَّعَامِ وَيَبْقَوْا عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ. ”اُنْظُرْ يَا رَبُّ وَتَأَمَّلْ لِأَنِّي صِرْتُ مُحْتَقَرَةً.“ ”اِنْتَبِهُوا يَا كُلَّ عَابِرِي الطَّرِيقِ! تَأَمَّلُوا وَانْظُرُوا، هَلْ يُوجَدُ أَلَمٌ كَأَلَمِيَ الَّذِي جَاءَ عَلَيَّ وَالَّذِي أَصَابَنِي بِهِ اللهُ يَوْمَ غَضَبِهِ الشَّدِيدِ؟ أَرْسَلَ نَارًا مِنْ فَوْقُ، فَنَزَلَتْ إِلَى عِظَامِي. نَصَبَ شَبَكَةً لِرِجْلَيَّ وَرَدَّنِي إِلَى الْوَرَاءِ. جَعَلَنِي خَرِبَةً وَطُولَ الْيَوْمِ مَغْمُومَةً. وَضَعَ ذُنُوبِي عَلَيَّ كَأَنَّهَا نِيرٌ، رَبَطَهَا بِيَدِهِ، ثَقُلَتْ عَلَى رَقَبَتِي. ضَيَّعَ اللهُ قُوَّتِي، وَأَسْلَمَنِي إِلَى مَنْ لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِمْ. رَفَضَ اللهُ كُلَّ الْأَبْطَالِ الَّذِينَ عِنْدِي. جَلَبَ عَلَيَّ جَيْشًا لِيُحَطِّمَ شُبَّانِي. الْمَوْلَى سَحَقَ عَاصِمَةَ يَهُوذَا الْجَمِيلَةَ كَمَا فِي مَعْصَرَةٍ. لِهَذَا أَبْكِي، وَتَسِيلُ بِالدُّمُوعِ عَيْنَايَ. اِبْتَعَدَ عَنِّي مَنْ يُعَزِّي وَمَنْ يُنْعِشُ نَفْسِي. هَلَكَ أَوْلَادِي وَانْتَصَرَ الْعَدُوُّ.“ تَمُدُّ الْقُدْسُ يَدَيْهَا. لَا يُوجَدُ مَنْ يُعَزِّيهَا. حَكَمَ اللهُ عَلَى يَعْقُوبَ أَنْ يَكُونَ جِيرَانُهُ هُمْ أَعْدَاءَهُ. صَارَتِ الْقُدْسُ بَيْنَهُمْ كَشَيْءٍ نَجِسٍ. ”اللهُ عَادِلٌ لَكِنِّي عَصَيْتُ أَمْرَهُ. اِسْمَعُوا يَا كُلَّ الشُّعُوبِ، وَانْظُرُوا أَلَمِي. شُبَّانِي وَشَابَّاتِي ذَهَبُوا إِلَى الْأَسْرِ. نَادَيْتُ أَصْحَابِي، لَكِنَّهُمْ خَدَعُونِي. مَاتَ أَحْبَارِي وَشُيُوخِي فِي الْمَدِينَةِ وَهُمْ يَبْحَثُونَ عَنِ الطَّعَامِ لِيَبْقَوْا عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ. اُنْظُرْ يَا رَبُّ فَإِنِّي فِي ضِيقٍ! قَلْبِي مُضْطَرِبٌ، نَفْسِي مُضْطَرِبَةٌ، لِأَنِّي عَصَيْتُ وَتَمَرَّدْتُ. السَّيْفُ يَقْتُلُ فِي الشَّوَارِعِ، وَالْمَوْتُ يُفْنِي فِي الدِّيَارِ. سَمِعُوا تَنَهُّدِي، وَلَا يُوجَدُ مَنْ يُعَزِّينِي. كُلُّ أَعْدَائِي سَمِعُوا عَنْ ضِيقِي، وَفَرِحُوا بِمَا فَعَلْتَهُ بِي. لَيْتَكَ تَجْلِبُ عَلَيْهِمُ الْيَوْمَ الَّذِي حَكَمْتَ بِهِ لِيَصِيرُوا مِثْلِي. أَحْضِرْ كُلَّ شَرِّهِمْ أَمَامَكَ، وَافْعَلْ بِهِمْ كَمَا فَعَلْتَ بِي جَزَاءَ كُلِّ ذُنُوبِي. تَنَهُّدِي كَثِيرٌ وَقَلْبِي عَلِيلٌ.“ كَيْفَ غَضِبَ الْمَوْلَى عَلَى الْقُدْسِ وَغَطَّاهَا بِالظَّلَامِ؟ طَوَّحَ بِأَمْجَادِ إِسْرَائِيلَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ. فِي يَوْمِ غَضَبِهِ لَمْ يَذْكُرْ بَيْتَهُ أَفْنَى الْمَوْلَى مَسَاكِنَ يَعْقُوبَ بِلَا شَفَقَةٍ. فِي غَضَبِهِ هَدَمَ حُصُونَ عَاصِمَةِ يَهُوذَا. أَنْزَلَ الْمَمْلَكَةَ وَعُظَمَاءَهَا إِلَى الْأَرْضِ وَأَهَانَهُمْ. حَطَّمَ بِغَضَبِهِ الشَّدِيدِ كُلَّ قُوَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. سَحَبَ عَوْنَهُ عَنْهُمْ لَمَّا جَاءَ الْعَدُوُّ. أَشْعَلَ فِي يَعْقُوبَ نَارًا مُلْتَهِبَةً تَأْكُلُ كُلَّ مَا حَوْلَهَا. كَعَدُوٍّ شَدَّ قَوْسَهُ نَحْوَنَا، وَصَوَّبَ يَمِينَهُ ضِدَّنَا. قَتَلَ كُلَّ عَزِيزٍ فِي عُيُونِنَا. صَبَّ غَضَبَهُ كَنَارٍ عَلَى دِيَارِ الْقُدْسِ. صَارَ الْمَوْلَى كَعَدُوٍّ. حَطَّمَ إِسْرَائِيلَ. حَطَّمَ كُلَّ قُصُورِهَا وَهَدَمَ حُصُونَهَا. كَثَّرَ الْبُكَاءَ وَالْحُزْنَ فِي عَاصِمَةِ يَهُوذَا. أَزَالَ مَسْكَنَهُ كَحَدِيقَةٍ زَالَتْ. حَطَّمَ بَيْتَهُ. جَعَلَ اللهُ الْقُدْسَ تَنْسَى الْعِيدَ وَالسَّبْتَ، وَبِغَضَبِهِ وَسَخَطِهِ تَخَلَّى عَنِ الْمَلِكِ وَالْحَبْرِ. رَفَضَ اللهُ مَنَصَّتَهُ. تَرَكَ بَيْتَهُ الْمُقَدَّسَ. سَلَّمَ أَسْوَارَ قُصُورِهَا لِيَدِ الْعَدُوِّ. فَهَتَفُوا فِي بَيْتِ اللهِ كَمَا فِي يَوْمِ عِيدٍ. عَزَمَ اللهُ أَنْ يَهْدِمَ أَسْوَارَ الْقُدْسِ. بَدَأَ يَقِيسُ الْقُدْسَ لِيُخْرِبَهَا. لَمْ يَمْنَعْ يَدَهُ عَنْ إِهْلَاكِهَا. أَحْزَنَ حُصُونَهَا وَأَسْوَارَهَا حَتَّى سَقَطَتْ مَعًا. غَاصَتْ فِي الْأَرْضِ بَوَّابَاتُهَا. كَسَّرَ وَحَطَّمَ أَقْفَالَهَا. مَلِكُهَا وَعُظَمَاؤُهَا أُسِرُوا بَيْنَ الْأُمَمِ. لَا شَرِيعَةَ. حَتَّى أَنْبِيَاؤُهَا لَا يَرَوْنَ رُؤًى مِنْ عِنْدِ اللهِ. شُيُوخُ الْقُدْسِ يَجْلِسُونَ عَلَى الْأَرْضِ سَاكِتِينَ، وَضَعُوا تُرَابًا عَلَى رُؤُوسِهِمْ، وَلَبِسُوا الْخَيْشَ. أَحْنَتْ شَابَّاتُ الْقُدْسِ رُؤُوسَهُنَّ إِلَى الْأَرْضِ. ضَعُفَتْ مِنَ الْبُكَاءِ عَيْنَايَ. قَلْبِي مُضْطَرِبٌ. ذَابَتْ نَفْسِي، لِأَنَّ شَعْبِي هَلَكَ. الْأَطْفَالُ وَالرُّضَّعُ يُغْمَى عَلَيْهِمْ فِي سَاحَاتِ الْمَدِينَةِ. يَقُولُونَ لِأُمَّهَاتِهِمْ: ”أَيْنَ الْخُبْزُ وَالْخَمْرُ؟“ وَيُغْمَى عَلَيْهِمْ كَجَرْحَى فِي سَاحَاتِ الْمَدِينَةِ. وَتَفِيضُ رُوحُهُمْ فِي أَحْضَانِ أُمَّهَاتِهِمْ. مَاذَا أَقُولُ لَكِ يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ؟ بِمَاذَا أُشَبِّهُكِ؟ بِمَاذَا أُقَارِنُكِ وَكَيْفَ أُعَزِّيكِ؟ خَرَابُكِ كَالْبَحْرِ بِلَا حُدُودٍ. وَمَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَشْفِيَكِ؟ أَنْبِيَاؤُكِ رَأَوْا لَكِ رُؤًى كَاذِبَةً وَخَادِعَةً. لَمْ يَكْشِفُوا شَرَّكِ لِيَحْفَظُوكِ مِنَ الْأَسْرِ، بَلْ أَعْطَوْكِ وَحْيًا كَاذِبًا وَأَضَلُّوكِ. كُلُّ الَّذِينَ يَعْبُرُونَ بِكِ يُصَفِّقُونَ بِالْأَيْدِي سُخْرِيَةً! يُصَفِّرُونَ وَيَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ عَلَى الْقُدْسِ وَيَقُولُونَ: ”هَلْ هَذِهِ هِيَ الْمَدِينَةُ الَّتِي كَانَتْ تُدْعَى 'كَامِلَةَ الْجَمَالِ' وَ'فَرَحَ كُلِّ الْأَرْضِ'؟“ كُلُّ أَعْدَائِكِ يَفْتَحُونَ فَمَهُمْ لَكِ. يُصَفِّرُونَ وَيَصِرُّونَ بِأَسْنَانِهِمْ. يَقُولُونَ: ”أَهْلَكْنَاهَا! هَذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي انْتَظَرْنَاهُ، عِشْنَا وَشُفْنَاهُ!“ فَعَلَ اللهُ مَا قَصَدَهُ، تَمَّمَ كَلَامَهُ الَّذِي حَكَمَ بِهِ مُنْذُ الْقَدِيمِ. هَدَمَكِ وَلَمْ يَشْفِقْ عَلَيْكِ. جَعَلَ الْعَدُوَّ يَشْمَتُ بِكِ. قَوَّى خُصُومَكِ. اِسْتَغَاثَ الشَّعْبُ بِالْمَوْلَى. يَا أَسْوَارَ الْقُدْسِ اذْرِفِي الدُّمُوعَ كَنَهْرٍ نَهَارًا وَلَيْلًا. لَا تُعْطِي نَفْسَكِ رَاحَةً، وَلَا عَيْنَيْكِ هُدُوءًا. قُومِي وَاصْرُخِي فِي اللَّيْلِ، فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ. اُسْكُبِي كَالْمَاءِ قَلْبَكِ فِي مَحْضَرِ الْمَوْلَى. اِرْفَعِي إِلَيْهِ يَدَيْكِ مِنْ أَجْلِ نُفُوسِ أَوْلَادِكِ الَّذِينَ يُغْمَى عَلَيْهِمْ مِنَ الْجُوعِ، فِي رَأْسِ كُلِّ شَارِعٍ. ”اُنْظُرْ يَا رَبُّ وَتَأَمَّلْ! بِمَنْ صَنَعْتَ هَذَا؟ هَلْ تَأْكُلُ النِّسَاءُ أَوْلَادَهُنَّ، أَطْفَالَهُنَّ الَّذِينَ فِي حِضْنِهِنَّ؟ هَلْ يُقْتَلُ الْحَبْرُ وَالنَّبِيُّ فِي بَيْتِ اللهِ الْمُقَدَّسِ؟ اِنْطَرَحَ الشَّبَابُ وَالشُّيُوخُ عَلَى الْأَرْضِ فِي الشَّوَارِعِ. مَاتَ شُبَّانِي وَشَابَّاتِي بِالسَّيْفِ. قَتَلْتَهُمْ فِي يَوْمِ غَضَبِكَ، ذَبَحْتَهُمْ بِلَا شَفَقَةٍ. نَادَيْتَ الْأَهْوَالَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، كَأَنَّكَ دَعَوْتَهُمْ إِلَى عِيدٍ! فِي يَوْمِ غَضَبِ اللهِ وَلَا وَاحِدٌ هَرَبَ، وَلَا وَاحِدٌ نَجَا. الَّذِينَ رَبَّيْتُهُمْ وَنَشَّأْتُهُمْ قَتَلَهُمْ عَدُوِّي.“ أَنَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي اخْتَبَرَ الذُّلَّ تَحْتَ عَصَا غَضَبِ اللهِ. قَادَنِي وَمَشَّانِي فِي ظَلَامٍ بِلَا نُورٍ. مَدَّ يَدَهُ عَلَيَّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى طُولَ الْيَوْمِ. أَتْلَفَ لَحْمِي وَجِلْدِي. كَسَّرَ عِظَامِي. حَاصَرَنِي وَأَحَاطَنِي بِالْمُرِّ وَالْمَشَقَّةِ. أَجْلَسَنِي فِي الظَّلَامِ، كَالَّذِينَ مَاتُوا مُنْذُ الْقَدِيمِ. حَبَسَنِي لِكَيْ لَا أَهْرُبَ. ثَقَّلَ سِلْسِلَتِي. أَصْرُخُ وَأَسْتَغِيثُ، وَلَكِنَّهُ يَصُدُّ صَلَاتِي. سَدَّ طُرُقِي بِحِجَارَةٍ كَبِيرَةٍ. عَوَّجَ سُبُلِي. يَكْمُنُ لِي كَدُبٍّ، وَيَخْتَبِئُ كَأَسَدٍ. أَضَلَّنِي وَأَتَاهَنِي وَتَرَكَنِي بِلَا عَوْنٍ. صَوَّبَ قَوْسَهُ نَحْوِي، وَجَعَلَنِي هَدَفًا لِسِهَامِهِ. شَقَّ كُلْيَتَيَّ بِأَسْلِحَتِهِ. كُلُّ شَعْبِي يَضْحَكُ عَلَيَّ، يَهْزَأُونَ بِي فِي أَغَانِيهِمْ طُولَ الْيَوْمِ. أَشْبَعَنِي مُرًّا، وَأَرْوَانِي عَلْقَمًا. هَشَّمَ بِالْحَصَى أَسْنَانِي، وَمَرَّغَنِي فِي الرَّمَادِ. حُرِمْتُ مِنَ السَّلَامِ، نَسِيتُ الْهَنَاءَ. فَقُلْتُ: ”رَاحَتْ قُوَّتِي، وَضَاعَ أَمَلِي فِي اللهِ.“ أَذْكُرُ ذُلِّي وَضَيَاعِي وَالْمُرَّ وَالْعَلْقَمَ. أَذْكُرُهَا جَيِّدًا فَتَكْتَئِبُ نَفْسِي. وَلَكِنِّي أُرَدِّدُ هَذَا فِي قَلْبِي، فَيَرْجِعُ إِلَيَّ الْأَمَلُ: إِنَّهُ مِنْ إِحْسَانِ اللهِ أَنَّنَا لَمْ نَفْنَ، لِأَنَّ رَحْمَتَهُ لَا تَزُولُ. جَدِيدَةٌ هِيَ كُلَّ صُبْحٍ. عَظِيمَةٌ أَمَانَتُكَ! فَقُلْتُ لِنَفْسِي: ”اللهُ هُوَ نَصِيبِي، لِذَلِكَ أَنْتَظِرُهُ.“ اللهُ طَيِّبٌ لِمَنْ يَضَعُ أَمَلَهُ فِيهِ، لِمَنْ يَطْلُبُهُ. خَيْرٌ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَنْتَظِرَ بِهُدُوءٍ نَجَاةَ اللهِ. خَيْرٌ لِلْوَاحِدِ أَنْ يَتَحَمَّلَ الْمَسْئُولِيَّةَ وَهُوَ صَغِيرُ السِّنِّ. وَأَنْ يَجْلِسَ وَحْدَهُ بِهُدُوءٍ، لِأَنَّهَا وُضِعَتْ عَلَيْهِ. وَيَدْفِنَ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ، لَعَلَّهُ يُوجَدُ أَمَلٌ. وَيُعْطِيَ خَدَّهُ لِمَنْ يَلْطِمَهُ، وَيَشْبَعَ هَوَانًا. إِنَّ اللهَ لَا يَرْفُضُ إِلَى الْأَبَدِ. فَهُوَ يُعَاقِبُ، لَكِنَّهُ يَرْحَمُ حَسَبَ رَحْمَتِهِ الْعَظِيمَةِ. وَهُوَ لَا يُحِبُّ أَنْ يُذِلَّ النَّاسَ أَوْ يُحْزِنَهُمْ. وَهُوَ يَرَى إِنْ كَانَ وَاحِدٌ يَدُوسُ تَحْتَ رِجْلَيْهِ الْمَسْجُونِينَ فِي أَيِّ مَكَانٍ فِي الْأَرْضِ، أَوْ يَمْنَعُ شَخْصًا مِنْ حَقِّهِ أَمَامَ الْعَلِيِّ، أَوْ يَحْرِمُ إِنْسَانًا مِنَ الْعَدَالَةِ! أَلَا يَرَى اللهُ كُلَّ هَذَا؟ هَلْ يَحْدُثُ شَيْءٌ لَمْ يَسْمَحْ بِهِ اللهُ؟ بِأَمْرٍ مِنَ الْعَلِيِّ، يَأْتِي الشَّرُّ وَالْخَيْرُ. فَلِمَاذَا يَشْتَكِي الْإِنْسَانُ الْحَيُّ مِنْ عِقَابِ ذُنُوبِهِ؟ تَعَالَوْا نَفْحَصُ وَنَخْتَبِرُ أَعْمَالَنَا، وَنَرْجِعُ إِلَى اللهِ. تَعَالَوْا نَرْفَعُ قُلُوبَنَا وَأَيْدِيَنَا إِلَى اللهِ فِي السَّمَاءِ، وَنَقُولُ لَهُ: ”أَذْنَبْنَا وَتَمَرَّدْنَا، وَأَنْتَ لَمْ تَغْفِرْ. غَطَّيْتَ نَفْسَكَ بِالْغَضَبِ وَطَرَدْتَنَا. قَتَلْتَنَا بِلَا شَفَقَةٍ. غَطَّيْتَ نَفْسَكَ بِالسَّحَابِ، لِكَيْ لَا تَصِلَ صَلَاتُنَا إِلَيْكَ. جَعَلْتَنَا حُثَالَةً وَزِبَالَةً بَيْنَ الشُّعُوبِ. كُلُّ أَعْدَائِنَا فَتَحُوا فَمَهُمْ لَنَا. حَلَّ بِنَا الرُّعْبُ وَالْهَلَاكُ وَالدَّمَارُ وَالْخَرَابُ.“ أَنْهَارُ دُمُوعٍ سَالَتْ مِنْ عَيْنَيَّ، لِأَنَّ شَعْبِي هَلَكَ. أَبْكِي بِالدُّمُوعِ بِلَا انْقِطَاعٍ. حَتَّى يَنْظُرَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ وَيَرَى. حَزِنَتْ نَفْسِي لَمَّا رَأَيْتُ مَا جَرَى لِكُلِّ بَنَاتِ مَدِينَتِي. صَادَنِي أَعْدَائِي كَعُصْفُورٍ، بِلَا سَبَبٍ. طَرَحُونِي حَيًّا فِي حُفْرَةٍ، وَرَمَوْا حِجَارَةً عَلَيَّ. فَاضَتِ الْمِيَاهُ فَوْقَ رَأْسِي، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: ”هَلَكْتُ.“ مِنْ أَعْمَاقِ الْحُفْرَةِ، دَعَوْتُكَ بِاسْمِكَ يَا رَبُّ. قُلْتُ لَكَ: ”لَا تَسُدَّ أُذُنَكَ عَنْ أَنِينِي وَصُرَاخِي.“ فَسَمِعْتَ صَوْتِي. اِقْتَرَبْتَ مِنِّي لَمَّا دَعَوْتُكَ، وَقُلْتَ لِي: ”لَا تَخَفْ.“ أَنْتَ دَافَعْتَ عَنْ قَضِيَّتِي يَا رَبُّ، وَفَدَيْتَ حَيَاتِي. رَأَيْتَ كَيْفَ أَنِّي مَظْلُومٌ يَا رَبُّ، فَاحْكُمْ فِي صَالِحِي. وَرَأَيْتَ كُلَّ انْتِقَامِهِمْ، وَكُلَّ مُؤَامَرَاتِهِمْ ضِدِّي. وَسَمِعْتَ شَتَائِمَهُمْ يَا رَبُّ، وَكُلَّ مُؤَامَرَاتِهِمْ ضِدِّي. وَكَلَامَ أَعْدَائِي وَأَفْكَارَهُمْ ضِدِّي طُولَ الْيَوْمِ. اُنْظُرْ كَيْفَ يَهْزَأُونَ بِي فِي أَغَانِيهِمْ، سَوَاءٌ جَلَسُوا أَوْ وَقَفُوا. عَاقِبْهُمْ يَا رَبُّ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ. ضَعْ عَلَى قُلُوبِهِمْ غَشَاوَةً، وَأَنْزِلْ عَلَيْهِمْ لَعْنَتَكَ. طَارِدْهُمْ بِغَضَبِكَ يَا رَبُّ، وَأَهْلِكْهُمْ مِنْ تَحْتِ سَمَاوَاتِكَ. كَيْفَ فَقَدَ الذَّهَبُ بَرِيقَهُ؟ كَيْفَ صَارَ الذَّهَبُ الصَّافِي مُعْتِمًا؟ اِنْتَثَرَتِ الْحِجَارَةُ الْمُقَدَّسَةُ فِي رَأْسِ كُلِّ شَارِعٍ. أَهْلُ الْقُدْسِ الْكِرَامُ الَّذِينَ كَانُوا يُسَاوُونَ وَزْنَهُمْ مِنَ الذَّهَبِ النَّقِيِّ، حُسِبُوا الْآنَ آنِيَةً مِنْ خَزَفٍ صَنَعَهَا فَخَّارِيٌّ. حَتَّى الذِّئَابُ تُعْطِي ثَدْيَهَا لِصِغَارِهَا لِتُرْضِعَهَا، أَمَّا شَعْبِي فَصَارَ قَاسِيًا كَالنَّعَامِ فِي الصَّحْرَاءِ. لَصَقَ لِسَانُ الرَّضِيعِ بِحَنَكِهِ مِنَ الْعَطَشِ، الْأَطْفَالُ يَطْلُبُونَ خُبْزًا وَلَا يُعْطِيهِمْ أَحَدٌ. الَّذِينَ كَانُوا يَأْكُلُونَ الطَّيِّبَاتِ، مَاتُوا مِنَ الْجُوعِ فِي الطُّرُقَاتِ. الَّذِينَ كَانُوا يَلْبَسُونَ الْحَرِيرَ، بَحَثُوا عَنِ الطَّعَامِ فِي الْمَزَابِلِ. عِقَابُ شَعْبِي أَصْعَبُ مِنْ عِقَابِ سَدُومَ، الَّتِي انْقَلَبَتْ فِي لَحْظَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمْتَدَّ إِلَيْهَا يَدٌ. كَانَ عُظَمَاؤُهَا أَنْقَى مِنَ الثَّلْجِ، وَأَكْثَرَ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَجْسَامُهُمْ أَكْثَرَ حُمْرَةً مِنَ الْمَرْجَانِ، وَمَنْظَرُهُمْ كَالْيَاقُوتِ الْأَزْرَقِ. فَأَصْبَحُوا الْآنَ أَكْثَرَ سَوَادًا مِنَ الْفَحْمِ، فَلَا يَعْرِفُهُمْ أَحَدٌ فِي الشَّوَارِعِ. صَارُوا جِلْدًا عَلَى عَظْمٍ. يَبِسَ جِلْدُهُمْ كَالْخَشَبِ. الَّذِينَ قُتِلُوا بِالسَّيْفِ كَانُوا أَحْسَنَ حَالًا مِنَ الَّذِينَ مَاتُوا مِنَ الْجُوعِ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ انْتَهَوْا مُعَذَّبِينَ لِعَدَمِ وُجُودِ طَعَامٍ. النِّسَاءُ الْحَنُونَاتُ طَبَخْنَ بِأَيْدِيهِنَّ أَوْلَادَهُنَّ، فَكَانُوا طَعَامًا لَهُنَّ لَمَّا هَلَكَ شَعْبِي. أَنْزَلَ اللهُ كُلَّ غَيْظِهِ، صَبَّ غَضَبَهُ الشَّدِيدَ، وَأَشْعَلَ نَارًا فِي الْقُدْسِ فَأَكَلَتْهَا مِنْ أَسَاسَاتِهَا. مُلُوكُ الْعَالَمِ، وَأَهْلُ الدُّنْيَا كُلُّهُمْ، لَمْ يُصَدِّقُوا أَنَّ الْعَدُوَّ وَالْخَصْمَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ بَوَّابَاتِ الْقُدْسِ! وَلَكِنْ تَمَّ هَذَا فِعْلًا، بِسَبَبِ ذَنْبِ أَنْبِيَائِهَا وَشَرِّ أَحْبَارِهَا الَّذِينَ سَفَكُوا فِيهَا دَمَ الْأَتْقِيَاءِ. وَالْآنَ تَاهُوا كَالْعُمْيِ فِي الشَّوَارِعِ، وَتَلَطَّخُوا بِالدَّمِ، فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَلْمِسَ مَلَابِسَهُمْ. فَيَصْرُخُ النَّاسُ إِلَيْهِمْ وَيَقُولُونَ: ”اُبْعُدُوا عَنَّا يَا نَجِسُونَ! اُبْعُدُوا! اُبْعُدُوا وَلَا تَلْمِسُونَا.“ فَهَرَبُوا وَتَشَرَّدُوا، وَلَكِنَّ أَهْلَ الْأُمَمِ قَالُوا: ”لَا نُرِيدُهُمْ أَنْ يُقِيمُوا بَيْنَنَا.“ الْمَوْلَى نَفْسُهُ بَدَّدَهُمْ! وَلَمْ يَعُدْ يَحْرُسُهُمْ. وَلَمْ يُكْرِمِ الْأَحْبَارَ وَلَمْ يَرْأَفْ بِالشُّيُوخِ. ضَعُفَتْ عُيُونُنَا مِنِ انْتِظَارِ الْعَوْنِ، فَلَمْ يَصِلْ! مِنْ أَبْرَاجِنَا انْتَظَرْنَا أُمَّةً تُنْقِذُنَا، فَلَمْ تُنْقِذْ! نَصَبَ أَعْدَاؤُنَا فِخَاخًا لِأَرْجُلِنَا، حَتَّى لَا نَسِيرَ فِي شَوَارِعِنَا. قَرُبَتْ نِهَايَتُنَا. أَيَّامُنَا مَعْدُودَةٌ. نِهَايَتُنَا جَاءَتْ. صَارَ الَّذِينَ يُطَارِدُونَا أَسْرَعَ مِنْ نُسُورِ السَّمَاءِ، تَبِعُونَا فِي الْجِبَالِ، كَمَنُوا لَنَا فِي الصَّحْرَاءِ. حَتَّى الْمَلِكُ الَّذِي اخْتَارَهُ اللهُ، وَالَّذِي كَانَ نَسَمَةَ حَيَاةٍ لَنَا، وَقَعَ فِي حُفَرِهِمْ. وَهُوَ الَّذِي قُلْنَا عَنْهُ: ”فِي ظِلِّهِ نَحْيَا بَيْنَ الْأُمَمِ.“ اِفْرَحُوا وَابْتَهِجُوا يَا شَعْبَ أَدُومَ، يَا مَنْ تَسْكُنُونَ فِي أَرْضِ عُوصَ. وَلَكِنَّ كَأْسَ غَضَبِ اللهِ سَتَمُرُّ عَلَيْكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا، فَتَسْكَرُونَ وَتَتَعَرَّوْنَ. سَيَنْتَهِي عِقَابُكِ يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ، وَلَنْ يُطِيلَ اللهُ أَسْرَكِ. أَمَّا أَنْتُمْ يَا شَعْبَ أَدُومَ، فَهُوَ سَيُعَاقِبُ ذَنْبَكُمْ وَيَكْشِفُ شَرَّكُمْ. اُذْكُرْ يَا رَبُّ مَا أَصَابَنَا، تَطَلَّعْ وَانْظُرْ عَارَنَا. تَحَوَّلَتْ أَرْضُنَا إِلَى الْغُرَبَاءِ، وَدِيَارُنَا إِلَى الْأَجَانِبِ. صِرْنَا كَأَيْتَامٍ بِلَا أَبٍ، وَأُمَّهَاتُنَا كَأَرَامِلَ. نَدْفَعُ الْمَالَ لِنَشْرَبَ الْمَاءَ، وَنَشْتَرِي الْحَطَبَ بِثَمَنٍ. بِالنِّيرِ عَلَى رِقَابِنَا نُسَاقُ، نَتْعَبُ وَلَا نُعْطَى رَاحَةً. مَدَدْنَا يَدَنَا لِمِصْرَ وَأَشُّورَ لِيُعْطُونَا مَا يَكْفِينَا مِنَ الْخُبْزِ. آبَاؤُنَا أَخْطَأُوا وَانْقَرَضُوا، وَنَحْنُ نَنَالُ عِقَابَهُمْ. عَبِيدٌ تَسَلَّطُوا عَلَيْنَا، وَلَا أَحَدَ يُنْقِذُنَا مِنْهُمْ. نُجَازِفُ بِحَيَاتِنَا لِنَحْصُلَ عَلَى خُبْزِنَا، لِأَنَّ السَّيْفَ يُوَاجِهُنَا فِي الصَّحْرَاءِ. جِلْدُنَا مُلْتَهِبٌ كَفُرْنٍ. نَحْتَرِقُ مِنَ الْجُوعِ. اِغْتَصَبَ الْعَدُوُّ النِّسَاءَ فِي الْقُدْسِ، وَالْعَذَارَى فِي مُدُنِ يَهُوذَا. عَلَّقُوا الْعُظَمَاءَ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَلَمْ يَحْتَرِمُوا الشُّيُوخَ. يَعْمَلُ الشُّبَّانُ فِي الطَّاحُونَةِ، وَيَسْقُطُ الْفِتْيَانُ تَحْتَ أَحْمَالِ الْخَشَبِ. هَجَرَ الشُّيُوخُ بَوَّابَةَ الْمَدِينَةِ، وَكَفَّ الشُّبَّانُ عَنْ غِنَائِهِمْ. رَاحَ السُّرُورُ مِنْ قُلُوبِنَا، صَارَ رَقْصُنَا بُكَاءً. سَقَطَ التَّاجُ عَنْ رَأْسِنَا، وَيْلٌ لَنَا لِأَنَّنَا أَخْطَأْنَا. لِهَذَا حَزِنَ قَلْبُنَا، وَانْطَفَأَتْ عُيُونُنَا. لِأَنَّ جَبَلَ تِصْيُونَ صَارَ قَفْرًا تَمْشِي فِيهِ الذِّئَابُ. أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَتَدُومُ، وَعَرْشُكَ يَبْقَى جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. لِمَاذَا تَنْسَانَا دَائِمًا، وَتَتْرُكُنَا كُلَّ الْوَقْتِ؟ أَرْجِعْنَا إِلَيْكَ يَا رَبُّ فَنَرْجِعَ، جَدِّدْ أَيَّامَنَا كَمَا كَانَتْ فِي الْقَدِيمِ. أَمْ أَنَّكَ رَفَضْتَنَا تَمَامًا، وَغَضِبْتَ عَلَيْنَا جِدًّا؟ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ مِنَ الشَّهْرِ الرَّابِعِ مِنَ السَّنَةِ الثَّلَاثِينَ، اِنْفَتَحَتِ السَّمَاءُ وَرَأَيْتُ رُؤْيَا مِنْ عِنْدِ اللهِ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كُنْتُ بَيْنَ الْأَسْرَى عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ. وَكَانَ هَذَا هُوَ الْيَوْمَ الْخَامِسَ مِنَ الشَّهْرِ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ لِأَسْرِ يُويَاكِينَ الْمَلِكِ. فَكَلَّمَ اللهُ حَزْقِيَالَ الْحَبْرَ ابْنَ بُوزِي فِي أَرْضِ الْبَابِلِيِّينَ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ. وَهُنَاكَ حَلَّتْ عَلَيْهِ قُوَّةُ اللهِ. فَرَأَيْتُ رِيحًا عَاصِفَةً قَادِمَةً مِنَ الشَّمَالِ وَسَحَابَةً كَبِيرَةً حَوْلَهَا نُورٌ بَاهِرٌ، وَيَنْطَلِقُ مِنْهَا بَرْقٌ. وَفِي وَسَطِ الْبَرْقِ شَيْءٌ، كَأَنَّهُ نُحَاسٌ لَامِعٌ. وَفِي السَّحَابَةِ مَا يُشْبِهُ 4 كَائِنَاتٍ حَيَّةٍ لَهَا شَكْلُ إِنْسَانٍ. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا 4 وُجُوهٍ وَ4 أَجْنِحَةٍ. وَأَرْجُلُهَا مُسْتَقِيمَةٌ، وَأَقْدَامُهَا كَقَدَمِ الْعِجْلِ، وَكَانَتْ تَبْرُقُ كَالنُّحَاسِ النَّقِيِّ. وَلَهَا أَيْدِي إِنْسَانٍ عَلَى جَوَانِبِهَا الْـ4 تَحْتَ أَجْنِحَتِهَا. فَكَانَ لِلْـ4 وُجُوهٌ وَأَجْنِحَةٌ. وَأَجْنِحَتُهَا مُتَّصِلَةٌ، كُلُّ جَنَاحٍ بِجَنَاحِ الْكَائِنِ الْآخَرِ الَّذِي بِجِوَارِهِ. وَكُلُّ كَائِنٍ يَسِيرُ إِلَى الْأَمَامِ فِي اتِّجَاهِ وَجْهِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدُورَ. وَهَذَا شَكْلُ وُجُوهِهَا: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَهُ مِنَ الْأَمَامِ وَجْهُ إِنْسَانٍ، وَمِنَ الْيَمِينِ وَجْهُ أَسَدٍ، وَمِنَ الشِّمَالِ وَجْهُ ثَوْرٍ، وَمِنَ الْوَرَاءِ وَجْهُ نِسْرٍ. هَذِهِ وُجُوهُهَا. أَمَّا أَجْنِحَتُهَا فَكَانَتْ مُمْتَدَّةً إِلَى فَوْقُ. لِكُلِّ وَاحِدٍ جَنَاحَانِ، كُلُّ جَنَاحٍ مِنْهُمَا مُتَّصِلٌ بِجَنَاحِ الْكَائِنِ الْآخَرِ الَّذِي بِجِوَارِهِ. ثُمَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ جَنَاحَانِ آخَرَانِ يُغَطِّيَانِ جِسْمَهُ. وَكُلُّ كَائِنٍ يَسِيرُ إِلَى الْأَمَامِ فِي اتِّجَاهِ وَجْهِهِ. فَحَيْثُ يَذْهَبُ الرُّوحُ تَذْهَبُ الْكَائِنَاتُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَدُورَ. وَكَانَ مَنْظَرُ الْكَائِنَاتِ كَجَمْرٍ مُشْتَعِلٍ، أَوْ كَمَصَابِيحَ. وَكَانَتْ هُنَاكَ نَارٌ مُضِيئَةٌ تَتَحَرَّكُ بَيْنَ الْكَائِنَاتِ وَيَنْطَلِقُ مِنْهَا بَرْقٌ. وَالْكَائِنَاتُ تَجْرِي ذَهَابًا وَإِيَابًا كَالْبَرْقِ. وَلَمَّا كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْكَائِنَاتِ الَّتِي لِكُلٍّ مِنْهَا 4 وُجُوهٍ، رَأَيْتُ بِجِوَارِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَجَلَةً عَلَى الْأَرْضِ. وَكَانَ مَنْظَرُ الْعَجَلَاتِ كَأَنَّهَا مَصْنُوعَةٌ مِنْ زَبَرْجَدٍ. وَالْـ4 مُتَشَابِهَةٌ فِي الشَّكْلِ. وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا دَاخِلُهَا عَجَلَةٌ أُخْرَى مُتَقَاطِعَةٌ مَعَهَا. وَعِنْدَ سَيْرِهَا كَانَتْ تَسِيرُ فِي أَيٍّ مِنَ الِاتِّجَاهَاتِ الْـ4 مِنْ غَيْرِ أَنْ تَدُورَ. وَالْعَجَلَاتُ الْـ4 لَهَا إِطَارَاتٌ عَالِيَةٌ، وَمُخِيفَةٌ وَمَمْلُوءَةٌ بِالْعُيُونِ حَوْلَهَا. وَعِنْدَمَا تَسِيرُ الْكَائِنَاتُ، تَسِيرُ الْعَجَلَاتُ بِجِوَارِهَا، وَعِنْدَمَا تَرْتَفِعُ الْكَائِنَاتُ عَنِ الْأَرْضِ، تَرْتَفِعُ الْعَجَلَاتُ أَيْضًا. فَحَيْثُ يَذْهَبُ الرُّوحُ تَذْهَبُ الْكَائِنَاتُ، وَتَرْتَفِعُ الْعَجَلَاتُ مَعَهَا. لِأَنَّ رُوحَ الْكَائِنَاتِ كَانَتْ فِي الْعَجَلَاتِ. فَإِنْ سَارَتِ الْكَائِنَاتُ تَسِيرُ الْعَجَلَاتُ، وَإِنْ وَقَفَتِ الْكَائِنَاتُ تَقِفُ الْعَجَلَاتُ، وَإِنِ ارْتَفَعَتِ الْكَائِنَاتُ عَنِ الْأَرْضِ، تَرْتَفِعُ الْعَجَلَاتُ مَعَهَا. لِأَنَّ رُوحَ الْكَائِنَاتِ كَانَتْ فِي الْعَجَلَاتِ. وَكَانَ فَوْقَ رُؤُوسِ الْكَائِنَاتِ شَيْءٌ كَأَنَّهُ قُبَّةٌ مِنْ بِلَّوْرٍ رَائِعٍ، مُنْبَسِطَةٌ عَلَيْهَا. وَتَحْتَ الْقُبَّةِ، أَجْنِحَتُهَا مُمْتَدَّةٌ الْوَاحِدُ نَحْوَ الْآخَرِ. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ جَنَاحَانِ آخَرَانِ يُغَطِّيَانِ جِسْمَهُ. وَلَمَّا سَارَتِ الْكَائِنَاتُ سَمِعْتُ صَوْتَ أَجْنِحَتِهَا كَهَدِيرِ مِيَاهٍ غَزِيرَةٍ، كَصَوْتِ الْقَدِيرِ، وَكَصَوْتِ عَاصِفَةٍ أَوْ صَوْتِ جَيْشٍ. وَلَمَّا وَقَفَتْ كَانَتْ تُرْخِي أَجْنِحَتَهَا. وَلَمَّا كَانَتْ تَقِفُ وَتُرْخِي أَجْنِحَتَهَا، كَانَ يَأْتِي صَوْتٌ مِنْ فَوْقِ الْقُبَّةِ الَّتِي عَلَى رُؤُوسِهَا. وَفَوْقَ الْقُبَّةِ الَّتِي عَلَى رُؤُوسِهَا مَا يُشْبِهُ عَرْشًا مِنْ يَاقُوتٍ أَزْرَقَ، وَعَلَى الْعَرْشِ شَكْلُ إِنْسَانٍ. وَمِنْ وَسَطِهِ فَمَا فَوْقُ كَانَ كَنُحَاسٍ لَامِعٍ وَدَاخِلَهُ نَارٌ، وَمِنْ وَسَطِهِ فَمَا تَحْتُ كَأَنَّهُ نَارٌ، وَحَوْلَهُ بَهَاءٌ. وَكَانَ هَذَا الْبَهَاءُ الَّذِي حَوْلَهُ كَمَنْظَرِ الْقَوْسِ الَّتِي فِي السَّحَابِ فِي يَوْمٍ مُمْطِرٍ. فَهَذَا الْمَنْظَرُ يُشْبِهُ جَلَالَ اللهِ. وَلَمَّا رَأَيْتُهُ سَقَطْتُ عَلَى وَجْهِي، وَسَمِعْتُ صَوْتَ وَاحِدٍ يُكَلِّمُنِي. فَقَالَ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، قِفْ عَلَى قَدَمَيْكَ فَأُكَلِّمَكَ.“ فَلَمَّا قَالَ هَذَا، دَخَلَ فِيَّ رُوحٌ وَأَقَامَنِي عَلَى قَدَمَيَّ، وَسَمِعْتُهُ يُكَلِّمُنِي. فَقَالَ: ”يَا ابْنَ آدَمَ، سَأُرْسِلُكَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِلَى أُمَّةٍ مُتَمَرِّدَةٍ عَاصِيَةٍ. فَإِنَّهُمْ تَمَرَّدُوا عَلَيَّ هُمْ وَآبَاؤُهُمْ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. فَأَنَا مُرْسِلُكَ إِلَى شَعْبٍ قَاسٍ وَعَنِيدٍ. فَقُلْ لَهُمْ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ.‘ وَسَوَاءٌ سَمِعُوا أَوْ لَمْ يَسْمَعُوا، لِأَنَّهُمْ شَعْبٌ مُتَمَرِّدٌ، فَسَيَعْلَمُونَ أَنَّ بَيْنَهُمْ نَبِيًّا. أَمَّا أَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَلَا تَخَفْ مِنْهُمْ وَلَا مِنْ كَلَامِهِمْ. لَا تَخَفْ حَتَّى وَإِنْ كَانُوا لَكَ كَالشَّوْكِ وَالْحَسَكِ، وَكَالْعَقَارِبِ حَوْلَكَ. لَا تَخَفْ مِنْ كَلَامِهِمْ وَلَا تَرْتَعِبْ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُمْ شَعْبٌ مُتَمَرِّدٌ. فَيَجِبُ أَنْ تُبَلِّغَهُمْ كَلَامِي، سَوَاءٌ سَمِعُوا أَوْ لَمْ يَسْمَعُوا، لِأَنَّهُمْ مُتَمَرِّدُونَ. ”أَمَّا أَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَاسْمَعْ مَا أَقُولُهُ لَكَ، وَلَا تَكُنْ مِثْلَ هَؤُلَاءِ الْمُتَمَرِّدِينَ. اِفْتَحْ فَمَكَ وَكُلْ مَا أُعْطِيهِ لَكَ.“ فَرَأَيْتُ يَدًا مَمْدُودَةً إِلَيَّ وَفِيهَا كِتَابٌ. فَفَتَحَهُ أَمَامِي، وَكَانَ مَكْتُوبًا فِي صَفَحَاتِهِ مِنَ النَّاحِيَتَيْنِ، كَلَامُ رِثَاءٍ وَحُزْنٍ وَوَيْلٍ. فَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، كُلْ مَا أَمَامَكَ! كُلْ هَذَا الْكِتَابَ، ثُمَّ اذْهَبْ وَكَلِّمْ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ.“ فَفَتَحْتُ فَمِي، فَوَضَعَ فِيهِ الْكِتَابَ لِآكُلَهُ! وَقَالَ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، كُلْ هَذَا الْكِتَابَ الَّذِي أُعْطِيهِ لَكَ، وَامْلَأْ بِهِ بَطْنَكَ.“ فَأَكَلْتُهُ فَكَانَ طَعْمُهُ فِي فَمِي حُلْوًا كَالْعَسَلِ. ثُمَّ قَالَ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، اِذْهَبْ إِلَى بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَبَلِّغْهُمْ كَلَامِي. فَأَنَا مُرْسِلُكَ، لَا إِلَى شَعْبٍ لُغَتُهُ غَامِضَةٌ وَلَهْجَتُهُ صَعْبَةٌ، بَلْ إِلَى بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. لَا إِلَى شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ لُغَتُهَا غَامِضَةٌ وَلَهْجَتُهَا صَعْبَةٌ وَكَلَامُهَا لَا تَفْهَمُهُ، فَحَتَّى لَوْ أَرْسَلْتُكَ إِلَى هَؤُلَاءِ لَكَانُوا يَسْمَعُونَ لَكَ! أَمَّا بَيْتُ إِسْرَائِيلَ فَسَيَرْفُضُونَ أَنْ يَسْمَعُوا لَكَ، لِأَنَّهُمْ يَرْفُضُونَ أَنْ يَسْمَعُوا لِي. فَهُمْ جَمِيعًا شَعْبٌ قَاسٍ وَعَنِيدٌ. لِذَلِكَ سَأَجْعَلُكَ قَاسِيًا مِثْلَهُمْ وَعَنِيدًا مِثْلَهُمْ. فَأَجْعَلُ جَبْهَتَكَ كَالْمَاسِ الَّذِي هُوَ أَقْسَى مِنَ الصَّوَّانِ. فَلَا تَخَفْ وَلَا تَرْتَعِبْ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُمْ شَعْبٌ مُتَمَرِّدٌ.“ ثُمَّ قَالَ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، اِسْمَعْ جَيِّدًا كُلَّ الْكَلَامِ الَّذِي أَقُولُهُ لَكَ، وَاحْفَظْهُ فِي قَلْبِكَ. وَاذْهَبِ الْآنَ إِلَى بَنِي شَعْبِكَ الْأَسْرَى وَقُلْ لَهُمْ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ‘ سَوَاءٌ سَمِعُوا أَوْ لَمْ يَسْمَعُوا.“ ثُمَّ رَفَعَنِي الرُّوحُ فَسَمِعْتُ وَرَائِي صَوْتَ رَعْدٍ عَظِيمٍ. اللَّهُمَّ تَبَارَكَ جَلَالُكَ فِي السَّمَاءِ! وَكَانَ ذَلِكَ صَوْتَ أَجْنِحَةِ الْكَائِنَاتِ تُلَامِسُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَصَوْتَ الْعَجَلَاتِ الَّتِي بِجِوَارِهَا، صَوْتَ رَعْدٍ عَظِيمٍ. ثُمَّ رَفَعَنِي الرُّوحُ وَأَخَذَنِي بَعِيدًا، فَذَهَبْتُ وَأَنَا فِي مَرَارَةٍ وَغَيْظٍ، وَشَعَرْتُ بِقُوَّةِ اللهِ تَحِلُّ عَلَيَّ بِشِدَّةٍ. فَجِئْتُ إِلَى الْأَسْرَى السَّاكِنِينَ فِي تَلَّ أَبِيبَ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ. وَأَقَمْتُ هُنَاكَ بَيْنَهُمْ 7 أَيَّامٍ وَأَنَا فِي ذُهُولٍ. وَفِي نِهَايَةِ الْأَيَّامِ الـ7، قَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، أَنَا جَعَلْتُكَ رَقِيبًا عَلَى الشَّعْبِ. فَاسْمَعِ الْكَلَامَ الَّذِي أَقُولُهُ وَأَنْذِرْهُمْ نِيَابَةً عَنِّي. إِنْ حَكَمْتُ عَلَى وَاحِدٍ شِرِّيرٍ بِالْمَوْتِ عِقَابًا لَهُ، وَلَكِنَّكَ لَا تُنْذِرُهُ وَلَا تُحَذِّرُهُ لِيَرْجِعَ عَنْ سُلُوكِهِ الرَّدِيءِ لِيَحْيَا، فَهَذَا الشِّرِّيرُ يَهْلِكُ فِي شَرِّهِ، وَلَكِنَّكَ تَكُونُ مَسْئُولًا عَنْ هَلَاكِهِ. أَمَّا إِنْ أَنْذَرْتَهُ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْ شَرِّهِ وَعَنْ سُلُوكِهِ الرَّدِيءِ، فَإِنَّهُ يَهْلِكُ فِي شَرِّهِ، لَكِنَّكَ تَكُونُ أَنْتَ نَجَّيْتَ نَفْسَكَ. وَكَذَلِكَ إِنْ ضَلَّ الصَّالِحُ عَنْ صَلَاحِهِ، وَارْتَكَبَ الشَّرَّ، وَجَعَلْتُهُ يَسْقُطُ، فَإِنَّهُ يَهْلِكُ. وَحَيْثُ إِنَّكَ لَمْ تُنْذِرْهُ، فَهُوَ يَهْلِكُ فِي شَرِّهِ، وَلَا أَذْكُرُ مَا عَمِلَهُ مِنْ صَلَاحٍ، وَلَكِنَّكَ تَكُونُ مَسْئُولًا عَنْ هَلَاكِهِ. أَمَّا إِنْ كُنْتَ تُنْذِرُ الصَّالِحَ لِكَيْ لَا يُخْطِئَ، فَلَمْ يُخْطِئْ، فَإِنَّهُ يَحْيَا لِأَنَّهُ أُنْذِرَ، وَتَكُونُ أَنْتَ نَجَّيْتَ نَفْسَكَ.“ ثُمَّ حَلَّتْ عَلَيَّ قُوَّةُ اللهِ هُنَاكَ، وَقَالَ لِي: ”قُمُ اخْرُجْ إِلَى الْوَادِي وَهُنَاكَ أُكَلِّمُكَ.“ فَقُمْتُ وَخَرَجْتُ إِلَى الْوَادِي، فَرَأَيْتُ جَلَالَ اللهِ وَاقِفًا هُنَاكَ كَالْجَلَالِ الَّذِي رَأَيْتُهُ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ. فَسَقَطْتُ عَلَى وَجْهِي. فَدَخَلَ الرُّوحُ فِيَّ وَأَقَامَنِي عَلَى قَدَمَيَّ، وَقَالَ لِي: ”اِذْهَبْ إِلَى دَارِكَ، وَأَغْلِقِ الْبَابَ عَلَى نَفْسِكَ. وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، سَيَرْبِطُونَكَ بِحِبَالٍ فَتَكُونُ مُقَيَّدًا لَا تَقْدِرُ أَنْ تَخْرُجَ بَيْنَهُمْ. وَأَجْعَلُ لِسَانَكَ يَلْصَقُ بِحَنَكِكَ، فَتَصِيرُ أَخْرَسَ وَلَا تَقْدِرُ أَنْ تُوَبِّخَهُمْ، لِأَنَّهُمْ شَعْبٌ مُتَمَرِّدٌ. وَلَكِنْ عِنْدَمَا أُكَلِّمُكَ، فَإِنِّي أَفْتَحُ فَمَكَ فَتَقُولُ لَهُمْ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ.‘ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْمَعَ يَسْمَعُ، وَمَنْ يَرْفُضُ أَنْ يَسْمَعَ لَا يَسْمَعُ، لِأَنَّهُمْ شَعْبٌ مُتَمَرِّدٌ. ”وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، خُذْ لَوْحًا مِنْ فَخَّارٍ وَضَعْهُ أَمَامَكَ، وَارْسُمْ عَلَيْهِ مَدِينَةَ الْقُدْسِ. وَأَقِمْ عَلَيْهَا حِصَارًا، وَابْنِ عَلَيْهَا بُرْجًا، وَأَقِمْ عَلَيْهَا مِقْلَاعًا، وَاجْمَعْ عَلَيْهَا جَيْشًا، وَانْصُبْ حَوْلَهَا مَجَانِقَ لِتَحْطِيمِ أَسْوَارِهَا. وَخُذْ لَوْحًا مِنْ حَدِيدٍ وَضَعْهُ كَسُورٍ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ، وَحَوِّلْ وَجْهَكَ إِلَيْهَا كَأَنَّكَ تُحَاصِرُهَا، فَتَكُونَ تَحْتَ الْحِصَارِ. هَذِهِ عِبْرَةٌ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ. ”ثُمَّ ارْقُدْ عَلَى جَنْبِكَ الشِّمَالِ، وَضَعْ عَلَيْهِ عِقَابَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، فَتَحْمِلَهُ طُولَ الْأَيَّامِ الَّتِي تَرْقُدُ فِيهَا عَلَى جَنْبِكَ. فَإِنِّي فَرَضْتُ عَلَيْكَ عَدَدًا مِنَ الْأَيَّامِ كَعَدَدِ سَنَوَاتِ عِقَابِهِمْ. فَتَحْمِلُ عِقَابَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ 390 يَوْمًا. وَبَعْدَ انْقِضَائِهَا، اُرْقُدْ عَلَى جَنْبِكَ الْيَمِينِ 40 يَوْمًا لِتَحْمِلَ عِقَابَ بَيْتِ يَهُوذَا. فَإِنِّي جَعَلْتُ كُلَّ يَوْمٍ عِوَضًا عَنْ سَنَةٍ. وَحَوِّلْ وَجْهَكَ إِلَى الْقُدْسِ وَهِيَ تَحْتَ الْحِصَارِ، وَاكْشِفْ ذِرَاعَكَ نَحْوَهَا وَتَنَبَّأْ عَلَيْهَا. وَأَنَا سَأَرْبِطُكَ بِقُيُودٍ، فَلَا تَقْدِرُ أَنْ تَنْقَلِبَ مِنْ جَنْبٍ إِلَى جَنْبٍ حَتَّى تُكَمِّلَ أَيَّامَ حِصَارِكَ لَهَا. ”وَخُذْ لَكَ قَمْحًا وَشَعِيرًا وَفُولًا وَعَدَسًا وَذُرَةً وَقَمْحًا صَغِيرًا وَضَعْهَا فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ، وَاصْنَعْ لَكَ مِنْهَا خُبْزًا تَأْكُلُهُ حَسَبَ عَدَدِ الْأَيَّامِ الَّتِي تَرْقُدُ فِيهَا عَلَى جَنْبِكَ، 390 يَوْمًا. فَتَأْكُلُ طَعَامَكَ بِالْوَزْنِ، حَوَالَيْ رُبْعِ كِيلُوجْرَامٍ لِلْيَوْمِ. فَتَأْخُذُ مِنْهُ قَلِيلًا فِي كُلِّ مَرَّةٍ تَأْكُلُ فِيهَا. وَتَشْرَبُ الْمَاءَ أَيْضًا بِالْكَيْلِ، حَوَالَيْ لِتْرِ مَاءٍ لِلْيَوْمِ. فَتَأْخُذُ مِنْهُ قَلِيلًا فِي كُلِّ مَرَّةٍ تَشْرَبُ فِيهَا. وَتَأْكُلُ طَعَامَكَ كَمَا تَأْكُلُ كَعْكًا مِنَ الشَّعِيرِ. وَتَخْبِزُهُ عَلَى بِرَازِ الْإِنْسَانِ أَمَامَ عُيُونِهِمْ.“ وَقَالَ اللهُ: ”بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ يَأْكُلُ بَنُو إِسْرَائِيلَ طَعَامًا نَجِسًا بَيْنَ الْأُمَمِ الَّتِي أَطْرُدُهُمْ إِلَيْهَا.“ فَقُلْتُ: ”لَا مِنْ فَضْلِكَ اللَّهُمَّ يَا مَوْلَايَ! فَأَنَا لَمْ أُنَجِّسْ نَفْسِي أَبَدًا، فَمُنْذُ كُنْتُ طِفْلًا إِلَى الْآنَ لَمْ آكُلْ جُثَّةً أَوْ فَرِيسَةً، وَلَا دَخَلَ فَمِي لَحْمٌ نَجِسٌ!“ فَقَالَ اللهُ لِي: ”حَسَنًا! سَأَسْمَحُ لَكَ بِأَنْ تَصْنَعَ خُبْزَكَ عَلَى رَوْثِ الْبَقَرِ بَدَلَ بِرَازِ الْإِنْسَانِ.“ ثُمَّ قَالَ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ سَأَمْنَعُ مَدَدَ الْخُبْزِ عَنِ الْقُدْسِ، فَيَأْكُلُونَ الْخُبْزَ بِالْوَزْنِ وَالْغَمِّ وَيَشْرَبُونَ الْمَاءَ بِالْكَيْلِ وَالْيَأْسِ. فَيَحْتَاجُونَ إِلَى الْخُبْزِ وَالْمَاءِ، وَيَفْزَعُونَ الْوَاحِدُ مِنَ الْآخَرِ، وَيَفْنَوْنَ بِشَرِّهِمْ. ”يَا ابْنَ آدَمَ، خُذْ سَيْفًا حَادًّا كَمُوسَى حَلَّاقٍ، وَاحْلِقْ بِهِ شَعْرَ رَأْسِكَ وَلِحْيَتِكَ. وَخُذْ مِيزَانًا لِتَزِنَ بِهِ الشَّعْرَ إِلَى أَقْسَامٍ. وَعِنْدَمَا تَنْتَهِي أَيَّامُ حِصَارِكَ، أَحْرِقْ ثُلُثَ الشَّعْرِ بِالنَّارِ فِي وَسَطِ الْمَدِينَةِ، وَخُذْ ثُلُثًا وَاضْرِبْهُ بِالسَّيْفِ فِي أَنْحَائِهَا، وَذَرِّ الثُّلُثَ الْبَاقِيَ فِي الرِّيحِ، لِأَنِّي أَسْتَلُّ سَيْفِي وَأُطَارِدُ أَهْلَهَا. وَخُذْ قَلِيلًا مِنَ الشَّعْرِ وَصُرَّهُ فِي ذَيْلِ ثَوْبِكَ. وَخُذْ مِنْهُ أَيْضًا وَارْمِهِ فِي النَّارِ وَاحْرِقْهُ، فَتَخْرُجَ مِنْهُ نَارٌ عَلَى كُلِّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ: ”هَذِهِ هِيَ الْقُدْسُ الَّتِي أَقَمْتُهَا وَسَطَ الشُّعُوبِ وَمِنْ حَوْلِهَا الْأُمَمُ. وَلَكِنَّهَا خَالَفَتْ شَرَائِعِي وَفَرَائِضِي بِشَرٍّ أَكْثَرَ مِنَ الشُّعُوبِ وَالْأُمَمِ الَّتِي حَوْلَهَا، لِأَنَّ أَهْلَهَا رَفَضُوا شَرَائِعِي وَلَمْ يَعْمَلُوا بِفَرَائِضِي.“ لِهَذَا قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: ”أَنْتُمْ تَمَرَّدْتُمْ أَكْثَرَ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي حَوْلَكُمْ، وَلَمْ تَعْمَلُوا بِفَرَائِضِي وَلَمْ تُطِيعُوا شَرَائِعِي، وَلَا حَتَّى تَبِعْتُمْ شَرَائِعَ الْأُمَمِ الَّتِي حَوْلَكُمْ. لِذَلِكَ أَنَا الْمَوْلَى الْإِلَهُ ضِدُّكِ يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ، وَسَأُعَاقِبُكِ عَلَى مَشْهَدٍ مِنَ الْأُمَمِ. وَبِسَبَبِ كُلِّ أَصْنَامِكِ الْقَبِيحَةِ، أَفْعَلُ بِكِ مَا لَمْ أَفْعَلْهُ مِنْ قَبْلُ، وَمَا لَنْ أَفْعَلَهُ مِنْ بَعْدُ. فَيَأْكُلُ الْآبَاءُ أَبْنَاءَهُمْ فِي وَسَطِكِ وَيَأْكُلُ الْأَبْنَاءُ آبَاءَهُمْ. فَأُعَاقِبُكِ وَأُبَدِّدُ كُلَّ الْبَاقِينَ فِيكِ إِلَى كُلِّ مَكَانٍ. لِذَلِكَ قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: أُقْسِمُ بِذَاتِي، لِأَنَّكِ نَجَّسْتِ بَيْتِيَ الْمُقَدَّسَ بِكُلِّ تَمَاثِيلِكِ الْبَشِعَةِ وَبِكُلِّ أَصْنَامِكِ الْقَبِيحَةِ، فَأَنَا أَجُزُّكُمْ وَلَا أَشْفِقُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَعْفُو عَنْكُمْ. فَيَمُوتُ ثُلُثُكِ بِالْوَبَأِ أَوْ يَهْلِكُ بِالْجُوعِ دَاخِلَكِ، وَثُلُثٌ يَمُوتُ بِالسَّيْفِ خَارِجَ أَسْوَارِكِ، وَثُلُثٌ أُبَدِّدُهُ إِلَى كُلِّ مَكَانٍ وَأَسْتَلُّ سَيْفِي وَأُطَارِدُهُ. فَيَنْصَبُّ عَلَيْهِمْ كُلُّ غَضَبِي، وَيَحِلُّ بِهِمْ غَيْظِي وَأَتَشَفَّى مِنْهُمْ. وَمَتَى انْصَبَّ عَلَيْهِمْ كُلُّ غَيْظِي، يَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ حَكَمْتُ عَلَيْهِمْ بِسَخَطٍ. وَأَجْعَلُكِ خَرَابًا، وَتَهْزَأُ بِكِ الْأُمَمُ الَّتِي حَوْلَكِ، وَكُلُّ مَنْ يَمُرُّ بِكِ يَرَاكِ. فَتَهْزَأُ بِكِ الْأُمَمُ الَّتِي حَوْلَكِ، وَتَلْعَنُكِ وَتَرْتَعِبُ مِمَّا جَرَى لَكِ، لِأَنِّي أُعَاقِبُكِ بِغَضَبٍ وَغَيْظٍ وَتَوْبِيخٍ شَدِيدٍ. أَنَا اللهُ حَكَمْتُ بِهَذَا. وَعِنْدَمَا أُرْسِلُ عَلَيْكِ سِهَامَ الْجُوعِ الْقَاتِلَةَ الْمُهْلِكَةَ، فَإِنِّي أُرْسِلُهَا لِأُهْلِكَكِ. فَأُرْسِلُ عَلَيْكِ مَجَاعَةً بَعْدَ أُخْرَى، وَأَمْنَعُ عَنْكِ مَدَدَ الْخُبْزِ. وَأُرْسِلُ عَلَيْكِ الْجُوعَ وَالْوُحُوشَ الضَّارِيَةَ فَتَقْتُلُ أَوْلَادَكِ. وَيَنْتَشِرُ فِيكِ الْوَبَأُ وَسَفْكُ الدَّمِ، وَأَجْلِبُ عَلَيْكِ الْحَرْبَ. أَنَا اللهُ حَكَمْتُ بِهَذَا.“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، حَوِّلْ وَجْهَكَ إِلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ وَتَنَبَّأْ عَلَيْهَا، وَقُلْ: ’يَا جِبَالَ إِسْرَائِيلَ، اِسْمَعِي كَلِمَةَ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. فَالْمَوْلَى الْإِلَهُ يَقُولُ لِلْجِبَالِ وَالتِّلَالِ وَالْأَوْدِيَةِ وَالسُّهُولِ: سَأَجْلِبُ عَلَيْكُمْ حَرْبًا وَأُبِيدُ مَعَابِدَكُمْ. فَتُهْدَمُ مَنَصَّاتُ الْقُرْبَانِ وَتُحَطَّمُ مَوَاقِدُ الْبَخُورِ، وَأَطْرَحُ قَتْلَاكُمْ أَمَامَ أَصْنَامِكُمْ. وَأَرْمِي جُثَثَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَمَامَ أَصْنَامِهِمْ، وَأُبَعْثِرُ عِظَامَكُمْ حَوْلَ أَمَاكِنِ عِبَادَتِكُمْ. فِي كُلِّ مَكَانٍ تُقِيمُونَ فِيهِ، تَخْرَبُ الْمُدُنُ، وَتُهْدَمُ الْمَعَابِدُ، وَتَخْرَبُ وَتُحَطَّمُ مَنَصَّاتُ الْقُرْبَانِ، وَتُكَسَّرُ وَتَزُولُ أَصْنَامُكُمْ، وَتُحَطَّمُ مَوَاقِدُ الْبَخُورِ، وَتَفْنَى أَعْمَالُكُمْ، وَيَسْقُطُ الْقَتْلَى فِي وَسَطِكُمْ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ. ”’وَلَكِنِّي أُبْقِي مِنْكُمْ بَقِيَّةً بَيْنَ الْأُمَمِ، فَيَنْجُونَ مِنَ الْحَرْبِ وَيُبَدَّدُونَ فِي الْبِلَادِ. فَهَؤُلَاءِ النَّاجُونَ يَذْكُرُونِي بَيْنَ الْأُمَمِ الَّتِي يُؤْخَذُونَ إِلَيْهَا. لِأَنِّي أَكْسِرُ قُلُوبَهُمُ الضَّالَّةَ الَّتِي انْحَرَفَتْ عَنِّي، وَعُيُونَهُمُ الضَّالَّةَ الَّتِي رَاحَتْ وَرَاءَ أَصْنَامِهِمْ، فَيَكْرَهُونَ أَنْفُسَهُمْ بِسَبَبِ الشَّرِّ الَّذِي ارْتَكَبُوهُ وَبِسَبَبِ كُلِّ أَعْمَالِهِمِ الْقَبِيحَةِ. وَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ، كُنْتُ عَلَى حَقٍّ لَمَّا هَدَّدْتُهُمْ بِهَذَا الشَّرِّ.‘“ وَقَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: ”اِضْرِبْ كَفًّا عَلَى كَفٍّ، وَاخْبِطِ الْأَرْضَ بِرِجْلِكَ وَاصْرُخْ: ’حَسْرَةٌ! فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَمُوتُونَ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَأِ، بِسَبَبِ أَعْمَالِهِمِ الْقَبِيحَةِ الشِّرِّيرَةِ. الْبَعِيدُ يَمُوتُ بِالْوَبَأِ، وَالْقَرِيبُ بِالسَّيْفِ، وَمَنْ بَقِيَ تَحْتَ الْحِصَارِ يَمُوتُ بِالْجُوعِ. فَأَصُبُّ عَلَيْهِمْ كُلَّ غَضَبِي. فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ، حِينَ يَكُونُ قَتْلَاهُمْ بَيْنَ أَصْنَامِهِمْ حَوْلَ أَمَاكِنِ عِبَادَتِهِمْ، عَلَى كُلِّ تَلٍّ مُرْتَفِعٍ، وَعَلَى قِمَمِ كُلِّ الْجِبَالِ، وَفِي ظِلِّ كُلِّ شَجَرَةٍ كَبِيرَةٍ، وَتَحْتَ كُلِّ بَلُّوطَةٍ فِيهَا وَرَقٌ، حَيْثُ قَدَّمُوا الْبَخُورَ الْعَطِرَ لِكُلِّ أَصْنَامِهِمْ. وَأَمُدُّ يَدِي عَلَيْهِمْ، وَأَجْعَلُ الْأَرْضَ قَفْرًا مَهْجُورًا مِنَ الصَّحْرَاءِ إِلَى دَبْلَةَ، فِي كُلِّ مَكَانٍ يُقِيمُونَ فِيهِ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ لِأَرْضِ إِسْرَائِيلَ: هَذِهِ هِيَ النِّهَايَةُ! جَاءَتِ النِّهَايَةُ عَلَى زَوَايَا الْأَرْضِ الْـ4. جَاءَتْ نِهَايَتُكِ، فَأَصُبُّ غَضَبِي عَلَيْكِ، وَأَحْكُمُ عَلَيْكِ حَسَبَ سُلُوكِكِ وَأُعَاقِبُكِ عَلَى كُلِّ أَعْمَالِكِ الْقَبِيحَةِ. وَلَا أَشْفِقُ عَلَيْكِ وَلَا أَعْفُو عَنْكِ، بَلْ أُعَاقِبُكِ عَلَى سُلُوكِكِ وَعَلَى أَعْمَالِكِ الْقَبِيحَةِ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ.“ وَقَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: ”جَاءَتْ مُصِيبَةٌ لَا مَثِيلَ لَهَا! جَاءَتِ النِّهَايَةُ! جَاءَتِ النِّهَايَةُ! إِنَّهَا جَاءَتْ وَسَتَقْضِي عَلَيْكِ! حَلَّ بِكُمُ الْعِقَابُ يَا سُكَّانَ الْبِلَادِ! حَانَ الْوَقْتُ وَاقْتَرَبَ الْيَوْمُ. فَزَعٌ لَا فَرَحٌ فِي الْجِبَالِ. عَنْ قَرِيبٍ أَصُبُّ عَلَيْكِ غَضَبِي، وَأَبْعَثُ لَكِ كُلَّ غَيْظِي، وَأَحْكُمُ عَلَيْكِ حَسَبَ سُلُوكِكِ، وَأُعَاقِبُكِ عَلَى كُلِّ أَعْمَالِكِ الْقَبِيحَةِ. وَلَا أَشْفِقُ عَلَيْكِ وَلَا أَعْفُو عَنْكِ، بَلْ أُعَاقِبُكِ عَلَى سُلُوكِكِ وَعَلَى أَعْمَالِكِ الْقَبِيحَةِ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ الَّذِي أَضْرِبُكُمْ. ”جَاءَ الْيَوْمُ! نَزَلَتِ الْمَصَائِبُ، زَادَ الْعُنْفُ، كَثُرَتِ الْكِبْرِيَاءُ. كَثُرَ الْعُنْفُ وَصَارَ سِلَاحَ الشَّرِّ. لَا يَبْقَى مِنْهُمْ شَيْءٌ، لَا مِنْ جُمْهُورِهِمْ، وَلَا مِنْ ثَرْوَتِهِمْ، وَلَا مِنْ جَلَالِهِمْ. حَانَ الْوَقْتُ! جَاءَ الْيَوْمُ! فَلَا يَفْرَحُ الْمُشْتَرِي وَلَا يَحْزَنُ الْبَائِعُ، لِأَنَّ الْغَضَبَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا. فَالْبَائِعُ لَا يَسْتَرِدُّ مَا بَاعَهُ مَهْمَا طَالَ عُمْرُهُ، لِأَنَّ الْعِقَابَ يَحِلُّ بِهِمْ جَمِيعًا وَلَا يَتَحَوَّلُ عَنْهُمْ. وَبِسَبَبِ الشَّرِّ لَا يَحْيَا الْإِنْسَانُ. نَفَخُوا الْبُوقَ وَأَعَدُّوا كُلَّ شَيْءٍ، وَلَكِنْ لَا يَذْهَبُ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَى الْمَعْرَكَةِ لِأَنَّ غَضَبِي يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا. ”فِي الْخَارِجِ يَمُوتُونَ بِالسَّيْفِ، وَفِي الدَّاخِلِ بِالْوَبَأِ وَالْجُوعِ. فَالَّذِي هُوَ فِي الرِّيفِ يَقْضِي عَلَيْهِ السَّيْفُ، وَالَّذِي هُوَ فِي الْمَدِينَةِ يَأْكُلُهُ الْجُوعُ وَالْوَبَأُ. وَالَّذِينَ يَنْجُونَ، يَهْرُبُونَ إِلَى الْجِبَالِ وَيَئِنُّونَ كَحَمَامِ الْوَادِي، كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى شَرِّهِ. وَتَنْهَارُ عَزِيمَتُهُمْ وَتَذُوبُ قُوَّتُهُمْ. وَيَلْبَسُونَ الْخَيْشَ، وَيَمْلَأُهُمُ الرُّعْبُ. وَيُغَطِّي الْخَجَلُ وُجُوهَهُمْ، وَيَحْلِقُونَ رُؤُوسَهُمْ. وَيَطْرَحُونَ فِضَّتَهُمْ فِي الشَّوَارِعِ، وَيَصِيرُ ذَهَبُهُمْ زِبَالَةً. لَا تَقْدِرُ فِضَّتُهُمْ وَذَهَبُهُمْ عَلَى إِنْقَاذِهِمْ فِي يَوْمِ غَضَبِ اللهِ، وَلَا تَقْدِرُ أَنْ تُشْبِعَهُمْ وَلَا أَنْ تَمْلَأَ بُطُونَهُمْ، بَلْ هِيَ الَّتِي جَعَلَتْهُمْ يَسْقُطُونَ فِي الشَّرِّ. تَكَبَّرُوا بِزِينَتِهِمِ الْجَمِيلَةِ، وَصَنَعُوا مِنْهَا أَصْنَامَهُمُ الْقَبِيحَةَ وَتَمَاثِيلَهُمُ الْبَشِعَةَ. لِذَلِكَ أَجْعَلُهَا نَجِسَةً لَهُمْ. وَأُعْطِيهَا غَنِيمَةً فِي يَدِ الْغُرَبَاءِ، وَنَهْبًا فِي يَدِ أَشْرَارِ الْأَرْضِ فَيُنَجِّسُونَهَا. وَأُحَوِّلُ وَجْهِي عَنْهُمْ، فَيُنَجِّسُونَ بَيْتِي، وَيَدْخُلُهُ اللُّصُوصُ وَيُنَجِّسُونَهُ. ”اِصْنَعِ السِّلْسِلَةَ لِيُؤْخَذَ الْأَسْرَى بِهَا، لِأَنَّ الْأَرْضَ امْتَلَأَتْ مِنْ سَفْكِ الدَّمِ، وَالْمَدِينَةَ امْتَلَأَتْ مِنَ الْعُنْفِ. سَأَجْلِبُ عَلَيْهِمْ أَكْثَرَ الْأُمَمِ شَرًّا لِيَأْخُذُوا دِيَارَهُمْ. وَأُحَطِّمُ كِبْرِيَاءَ الْأَقْوِيَاءِ، وَأُنَجِّسُ مَعَابِدَهُمْ. حِينَ يَأْتِي عَلَيْهِمُ الرُّعْبُ، يَطْلُبُونَ السَّلَامَ فَلَا يَجِدُونَهُ. تَأْتِي مُصِيبَةٌ بَعْدَ مُصِيبَةٍ، وَخَبَرٌ وَرَاءَ خَبَرٍ. يَطْلُبُونَ مِنَ النَّبِيِّ رُؤْيَا فَلَا تَأْتِي. وَلَا تَبْقَى لِلْحَبْرِ شَرِيعَةٌ، وَلَا لِلشُّيُوخِ مَشُورَةٌ. يَنُوحُ الْمَلِكُ، وَيَحْتَارُ الرَّئِيسُ، وَتَرْتَعِشُ أَيْدِي الشَّعْبِ. وَأُعَامِلُهُمْ حَسَبَ سُلُوكِهِمْ، وَأَحْكُمُ عَلَيْهِمْ بِمَا يَسْتَحِقُّونَهُ. فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ.“ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ مِنَ الشَّهْرِ السَّادِسِ مِنَ السَّنَةِ السَّادِسَةِ بَعْدَ الْأَسْرِ، كُنْتُ جَالِسًا فِي دَارِي وَشُيُوخُ يَهُوذَا جَالِسِينَ أَمَامِي. فَحَلَّتْ عَلَيَّ هُنَاكَ قُوَّةُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. فَرَأَيْتُ شَكْلَ إِنْسَانٍ، وَمِنْ وَسَطِهِ فَمَا تَحْتُ كَأَنَّهُ نَارٌ، وَمِنْ وَسَطِهِ فَمَا فَوْقُ كَانَ بَاهِرًا كَنُحَاسٍ لَامِعٍ. فَمَدَّ مَا يُشْبِهُ الْيَدَ وَأَخَذَنِي بِشَعْرِ رَأْسِي. وَرَفَعَنِي الرُّوحُ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَأَخَذَنِي فِي رُؤًى إِلَهِيَّةٍ إِلَى الْقُدْسِ، إِلَى مَدْخَلِ الْبَابِ الشَّمَالِيِّ فِي السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ، فِي بَيْتِ اللهِ. وَكَانَ هُنَاكَ التِّمْثَالُ الَّذِي يُثِيرُ الْغَضَبَ. وَرَأَيْتُ هُنَاكَ جَلَالَ اللهِ، كَمَا فِي الرُّؤْيَا الَّتِي شَاهَدْتُهَا فِي الْوَادِي. ثُمَّ قَالَ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، اُنْظُرْ نَحْوَ الشَّمَالِ.“ فَنَظَرْتُ وَرَأَيْتُ هَذَا التِّمْثَالَ الَّذِي يُثِيرُ الْغَضَبَ، شَمَالَ بَابِ الْمَنَصَّةِ، فِي الْمَدْخَلِ. وَقَالَ لِي: ”هَلْ رَأَيْتَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا يَعْمَلُونَهُ؟ هَلْ رَأَيْتَ الْقَبَاحَةَ الْفَظِيعَةَ الَّتِي يَرْتَكِبُهَا بَيْتُ إِسْرَائِيلَ هُنَا، لِيُبْعِدُونِي عَنْ بَيْتِي؟ بَلْ سَتَرَى أَقْبَحَ مِنْ هَذَا.“ ثُمَّ أَخَذَنِي إِلَى مَدْخَلِ السَّاحَةِ، فَرَأَيْتُ ثُقْبًا فِي الْحَائِطِ. فَقَالَ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، اُنْقُبْ فِي الْحَائِطِ.“ فَنَقَبْتُ فِي الْحَائِطِ فَوَجَدْتُ بَابًا. وَقَالَ لِي: ”اُدْخُلْ وَانْظُرْ مَا يَرْتَكِبُونَهُ مِنْ قَبَاحَةٍ وَشَرٍّ.“ فَدَخَلْتُ وَنَظَرْتُ، فَرَأَيْتُ كُلَّ أَنْوَاعِ الزَّوَاحِفِ وَالْحَيَوَانَاتِ النَّجِسَةِ، وَكُلَّ أَصْنَامِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، مَرْسُومَةً عَلَى الْحَائِطِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. وَكَانَ يَقِفُ أَمَامَهَا 70 رَجُلًا مِنْ شُيُوخِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، وَمِنْ بَيْنِهِمْ يَاسِينُ بْنُ شَافَانَ. وَكُلُّ وَاحِدٍ مَبْخَرَتُهُ بِيَدِهِ، وَسَحَابَةٌ عَطِرَةٌ مِنَ الْبَخُورِ تَصْعَدُ مِنْهَا. ثُمَّ قَالَ لِي: ”هَلْ رَأَيْتَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا يَعْمَلُهُ شُيُوخُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ فِي الظَّلَامِ؟ كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ هَذَا فِي غُرْفَةِ أَصْنَامِهِ وَيَقُولُونَ: ’اللهُ لَا يَرَانَا! اللهُ تَرَكَ الْبِلَادَ!‘“ وَقَالَ لِي: ”سَتَرَاهُمْ يَرْتَكِبُونَ مَا هُوَ أَقْبَحُ!“ وَأَخَذَنِي إِلَى مَدْخَلِ الْبَابِ الشَّمَالِيِّ لِبَيْتِ اللهِ، فَرَأَيْتُ هُنَاكَ نِسَاءً جَالِسَاتٍ يَبْكِينَ عَلَى الْإِلَهِ تَمُوزَ. فَقَالَ لِي: ”هَلْ رَأَيْتَ هَذَا يَا ابْنَ آدَمَ؟ بَلْ سَتَرَى مَا هُوَ أَقْبَحُ!“ وَأَخَذَنِي إِلَى السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ لِبَيْتِ اللهِ. وَهُنَاكَ عِنْدَ بَابِ بَيْتِ اللهِ بَيْنَ الْمَدْخَلِ وَالْمَنَصَّةِ، كَانَ حَوَالَيْ 25 رَجُلًا، ظُهُورُهُمْ نَحْوَ بَيْتِ اللهِ وَوُجُوهُهُمْ نَحْوَ الشَّرْقِ، وَهُمْ سَاجِدُونَ لِلشَّمْسِ فِي الشَّرْقِ. فَقَالَ لِي: ”هَلْ رَأَيْتَ يَا ابْنَ آدَمَ؟ هَلْ قَلِيلٌ مَا يَرْتَكِبُهُ بَيْتُ يَهُوذَا مِنْ قَبَاحَةٍ هُنَا؟ إِنَّهُمْ مَلَأُوا الْأَرْضَ عُنْفًا، وَغَاظُونِي دَائِمًا، وَأَهَانُونِي بِمُمَارَسَاتِهِمْ. لِذَلِكَ أُعَامِلُهُمْ بِغَضَبٍ، وَلَا أَشْفِقُ عَلَيْهِمْ وَلَا أَعْفُو عَنْهُمْ. وَإِنْ صَرَخُوا إِلَيَّ بِأَعْلَى صَوْتِهِمْ، لَا أَسْمَعُهُمْ.“ وَصَرَخَ فِي أُذُنَيَّ بِصَوْتٍ عَالٍ وَقَالَ: ”هَاتِ الْمَسْئُولِينَ عَنِ الْمَدِينَةِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ سِلَاحُهُ فِي يَدِهِ.“ فَرَأَيْتُ 6 رِجَالٍ قَادِمِينَ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَابِ الْعَالِي الَّذِي نَحْوَ الشَّمَالِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ سِلَاحُهُ الْقَاتِلُ فِي يَدِهِ. وَكَانَ بَيْنَهُمْ رَجُلٌ لَابِسٌ الْكَتَّانَ وَعَلَى جَنْبِهِ أَدَوَاتٌ لِلْكِتَابَةِ. فَدَخَلُوا وَوَقَفُوا بِجِوَارِ مَنَصَّةِ النُّحَاسِ. وَارْتَفَعَ جَلَالُ اللهِ مِنْ حَيْثُ كَانَ مَوْجُودًا فَوْقَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَذَهَبَ إِلَى عَتَبَةِ الْبَيْتِ. فَنَادَى الْمَوْلَى الرَّجُلَ اللَّابِسَ الْكَتَّانَ الَّذِي عَلَى جَنْبِهِ أَدَوَاتُ الْكِتَابَةِ. وَقَالَ لَهُ: ”اِذْهَبْ فِي أَنْحَاءِ مَدِينَةِ الْقُدْسِ، وَارْسُمْ عَلَامَةً عَلَى جِبَاهِ الَّذِينَ يَتَنَهَّدُونَ وَيَبْكُونَ بِسَبَبِ كُلِّ الْقَبَاحَةِ الَّتِي تُرْتَكَبُ فِيهَا.“ ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ لِلْآخَرِينَ: ”اِذْهَبُوا وَرَاءَهُ فِي أَنْحَاءِ الْمَدِينَةِ وَاقْتُلُوا. لَا تَشْفِقُوا وَلَا تَعْفُوا. اُقْتُلُوا الشُّيُوخَ وَالشُّبَّانَ وَالشَّابَّاتِ وَالْأَطْفَالَ وَالنِّسَاءَ. إِنَّمَا لَا تَمَسُّوا أَيَّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ الْعَلَامَةُ. وَابْدَأُوا مِنْ بَيْتِي.“ فَبَدَأُوا بِالشُّيُوخِ الَّذِينَ أَمَامَ بَيْتِ اللهِ. وَقَالَ لَهُمْ: ”نَجِّسُوا الْبَيْتَ وَامْلَأُوا سَاحَاتِهِ مِنَ الْقَتْلَى. اِذْهَبُوا!“ فَذَهَبُوا وَأَخَذُوا يَقْتُلُونَ فِي الْمَدِينَةِ. وَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتُلُونَ بَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، فَسَقَطْتُ عَلَى وَجْهِي وَصَرَخْتُ وَقُلْتُ: ”آهِ، يَا رَبِّي وَإِلَهِي! هَلْ سَتُهْلِكُ كُلَّ الَّذِينَ بَقَوْا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِهَذَا الْغَضَبِ الَّذِي تَصُبُّهُ عَلَى الْقُدْسِ؟“ فَقَالَ لِي: ”إِنَّ شَرَّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا عَظِيمٌ جِدًّا جِدًّا، لِأَنَّ الْأَرْضَ امْتَلَأَتْ مِنْ سَفْكِ الدَّمِ، وَالْمَدِينَةَ امْتَلَأَتْ مِنَ الظُّلْمِ. وَيَقُولُونَ: ’اللهُ تَرَكَ الْبِلَادَ! اللهُ لَا يَرَانَا!‘ لِذَلِكَ لَا أَشْفِقُ عَلَيْهِمْ وَلَا أَعْفُو عَنْهُمْ، بَلْ أَجْلِبُ شَرَّهُمْ عَلَى رُؤُوسِهِمْ.“ وَلَمَّا رَجَعَ الرَّجُلُ اللَّابِسُ الْكَتَّانَ الَّذِي عَلَى جَنْبِهِ أَدَوَاتُ الْكِتَابَةِ، قَالَ: ”عَمِلْتُ كَمَا أَمَرْتَنِي.“ ثُمَّ نَظَرْتُ فَرَأَيْتُ فَوْقَ الْقُبَّةِ الَّتِي عَلَى رُؤُوسِ الْمَلَائِكَةِ مَا يُشْبِهُ عَرْشًا مِنْ يَاقُوتٍ أَزْرَقَ. وَقَالَ اللهُ لِلرَّجُلِ اللَّابِسِ الْكَتَّانَ: ”اُدْخُلْ بَيْنَ الْعَجَلَاتِ تَحْتَ الْمَلَائِكَةِ، وَامْلَأْ كَفَّيْكَ جَمْرًا مُشْتَعِلًا مِنْ بَيْنِ الْمَلَائِكَةِ وَذَرِّهِ عَلَى الْمَدِينَةِ.“ فَدَخَلَ وَأَنَا أُرَاقِبُ. فَلَمَّا دَخَلَ الرَّجُلُ، كَانَ الْمَلَائِكَةُ وَاقِفِينَ فِي الْجَانِبِ الْجَنُوبِيِّ مِنَ الْبَيْتِ. وَمَلَأَتْ سَحَابَةٌ السَّاحَةَ الدَّاخِلِيَّةَ، وَارْتَفَعَ جَلَالُ اللهِ مِنْ فَوْقِ الْمَلَائِكَةِ، وَذَهَبَ إِلَى عَتَبَةِ الْبَيْتِ. فَامْتَلَأَ الْبَيْتُ مِنَ السَّحَابَةِ، وَامْتَلَأَتِ السَّاحَةُ مِنْ بَهَاءِ جَلَالِ اللهِ. وَكَانَ صَوْتُ أَجْنِحَةِ الْمَلَائِكَةِ يُسْمَعُ إِلَى السَّاحَةِ الْخَارِجِيَّةِ، كَصَوْتِ اللهِ الْقَدِيرِ حِينَ يَتَكَلَّمُ. فَلَمَّا أَمَرَ اللهُ الرَّجُلَ اللَّابِسَ الْكَتَّانَ أَنْ يَأْخُذَ نَارًا مِنْ بَيْنِ الْعَجَلَاتِ، مِنْ بَيْنِ الْمَلَائِكَةِ، دَخَلَ الرَّجُلُ وَوَقَفَ بِجِوَارِ عَجَلَةٍ. فَمَدَّ وَاحِدٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَدَهُ إِلَى النَّارِ الَّتِي بَيْنَهُمْ، وَأَخَذَ مِنْهَا جَمْرًا وَوَضَعَهُ فِي كَفَّيِ الرَّجُلِ اللَّابِسِ الْكَتَّانَ، فَأَخَذَهُ وَخَرَجَ. فَظَهَرَ فِي الْمَلَائِكَةِ مَا يُشْبِهُ يَدَ إِنْسَانٍ تَحْتَ أَجْنِحَتِهَا. وَنَظَرْتُ فَرَأَيْتُ 4 عَجَلَاتٍ بِجِوَارِ الْمَلَائِكَةِ، عَجَلَةً بِجِوَارِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا. وَمَنْظَرُ الْعَجَلَاتِ كَأَنَّهَا مِنْ زَبَرْجَدٍ. وَالْـ4 مُتَشَابِهَةٌ فِي الشَّكْلِ. وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا دَاخِلُهَا عَجَلَةٌ أُخْرَى مُتَقَاطِعَةٌ مَعَهَا. وَعِنْدَ سَيْرِهَا كَانَتْ تَسِيرُ فِي أَيٍّ مِنَ الِاتِّجَاهَاتِ الْـ4 الَّتِي تَتَّجِهُ إِلَيْهَا الْمَلَائِكَةُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ تَدُورَ. وَكَانَتِ الْمَلَائِكَةُ تَسِيرُ فِي النَّاحِيَةِ الَّتِي تَتَّجِهُ إِلَيْهَا الرَّأْسُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ تَدُورَ. وَكُلُّ جِسْمِهَا مَلْآنٌ عُيُونًا، بِمَا فِي ذَلِكَ الظَّهْرُ وَالْيَدَانِ، وَأَجْنِحَتُهَا وَكَذَلِكَ عَجَلَاتُهَا الْـ4. وَسَمِعْتُ اسْمَ الْعَجَلَاتِ وَهُوَ: ”الْعَجَلَاتُ الَّتِي تَدُورُ.“ وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ 4 وُجُوهٍ. الْأَوَّلُ وَجْهُ مَلَاكٍ، وَالثَّانِي وَجْهُ إِنْسَانٍ، وَالثَّالِثُ وَجْهُ أَسَدٍ، وَالرَّابِعُ وَجْهُ نِسْرٍ. ثُمَّ ارْتَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ إِلَى فَوْقُ. هَذِهِ هِيَ الْكَائِنَاتُ الْحَيَّةُ الَّتِي رَأَيْتُهَا عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ. فَلَمَّا سَارَتِ الْمَلَائِكَةُ، سَارَتِ الْعَجَلَاتُ بِجِوَارِهَا، وَلَمَّا بَسَطَتِ الْمَلَائِكَةُ أَجْنِحَتَهَا لِتَرْتَفِعَ عَنِ الْأَرْضِ، كَانَتِ الْعَجَلَاتُ دَائِمًا بِجِوَارِهَا. وَلَمَّا وَقَفَتِ الْمَلَائِكَةُ وَقَفَتِ الْعَجَلَاتُ، وَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ ارْتَفَعَتِ الْعَجَلَاتُ مَعَهَا. لِأَنَّ رُوحَ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ كَانَتْ فِي الْعَجَلَاتِ. وَذَهَبَ جَلَالُ اللهِ مِنْ عَلَى عَتَبَةِ الْبَيْتِ، وَوَقَفَ فَوْقَ الْمَلَائِكَةِ. وَبَيْنَمَا كُنْتُ أُرَاقِبُ، بَسَطَتِ الْمَلَائِكَةُ أَجْنِحَتَهَا وَارْتَفَعَتْ عَنِ الْأَرْضِ. فَلَمَّا ذَهَبَتْ، ذَهَبَتِ الْعَجَلَاتُ مَعَهَا. ثُمَّ وَقَفَتْ عِنْدَ مَدْخَلِ الْبَابِ الشَّرْقِيِّ لِبَيْتِ اللهِ. وَكَانَ جَلَالُ اللهِ فَوْقَهَا. هَذِهِ هِيَ الْكَائِنَاتُ الْحَيَّةُ الَّتِي رَأَيْتُهَا تَحْتَ جَلَالِ اللهِ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ، وَأَدْرَكْتُ أَنَّهَا هِيَ الْمَلَائِكَةُ. لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا 4 وُجُوهٍ وَ4 أَجْنِحَةٍ. وَتَحْتَ أَجْنِحَتِهَا مَا يُشْبِهُ أَيْدِي الْإِنْسَانِ. وَشَكْلُ وُجُوهِهَا هُوَ كَالْوُجُوهِ الَّتِي رَأَيْتُهَا عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ. وَكُلُّ وَاحِدٍ يَسِيرُ إِلَى الْأَمَامِ فِي اتِّجَاهِ وَجْهِهِ. ثُمَّ رَفَعَنِي الرُّوحُ وَأَخَذَنِي إِلَى الْبَابِ الشَّرْقِيِّ لِبَيْتِ اللهِ. فَرَأَيْتُ عِنْدَ مَدْخَلِ الْبَابِ 25 رَجُلًا، وَمِنْ بَيْنِهِمْ يَاسِينُ بْنُ عَزُورَ وَفَلَطْيَا بْنُ بَنَايَا وَهُمَا مِنْ قَادَةِ الشَّعْبِ. فَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، هَؤُلَاءِ هُمُ الرِّجَالُ الَّذِينَ يَتَآمَرُونَ بِالشَّرِّ، وَيُقَدِّمُونَ الْمَشُورَةَ السَّيِّئَةَ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ. وَيَقُولُونَ: ’حَانَ الْوَقْتُ أَنْ نَبْنِيَ دِيَارًا، نَحْنُ فِي أَمَانٍ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ، فَهِيَ كَالْقِدْرِ وَنَحْنُ فِيهَا كَاللَّحْمِ.‘ لِذَلِكَ تَنَبَّأْ عَلَيْهِمْ، تَنَبَّأْ يَا ابْنَ آدَمَ.“ وَحَلَّ عَلَيَّ رُوحُ اللهِ وَأَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ: ”هَذَا كَلَامُ اللهِ، يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، أَنَا عَارِفٌ مَا تَقُولُونَهُ، أَنَا عَالِمٌ بِمَا يَدُورُ فِي فِكْرِكُمْ. أَنْتُمْ قَتَلْتُمْ كَثِيرِينَ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ، وَمَلَأْتُمْ شَوَارِعَهَا بِالْمَوْتَى. لِهَذَا قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: الْقَتْلَى الَّذِينَ طَرَحْتُمُوهُمْ فِي الْمَدِينَةِ هُمُ اللَّحْمُ وَهِيَ الْقِدْرُ. أَمَّا أَنْتُمْ فَأَطْرُدُكُمْ مِنْهَا. أَنْتُمْ تَخَافُونَ مِنَ السَّيْفِ، لِذَلِكَ أَجْلِبُ السَّيْفَ عَلَيْكُمْ! هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. فَأَطْرُدُكُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَأُوقِعُكُمْ فِي أَيْدِي الْغُرَبَاءِ وَأُعَاقِبُكُمْ. فَتَمُوتُونَ بِالسَّيْفِ، وَعِنْدَ حُدُودِ بِلَادِكُمْ أُنَفِّذُ حُكْمِي عَلَيْكُمْ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ. هَذِهِ الْمَدِينَةُ لَا تَكُونُ قِدْرًا لَكُمْ، وَلَا أَنْتُمْ تَكُونُونَ اللَّحْمَ دَاخِلَهَا. عِنْدَ حُدُودِ بِلَادِكُمْ أُنَفِّذُ حُكْمِي عَلَيْكُمْ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ، لِأَنَّكُمْ لَمْ تَعْمَلُوا بِفَرَائِضِي، وَلَمْ تُطِيعُوا شَرَائِعِي، بَلْ تَبِعْتُمْ شَرَائِعَ الْأُمَمِ الَّتِي حَوْلَكُمْ.“ وَبَيْنَمَا أَنَا أَتَنَبَّأُ، مَاتَ فَلَطْيَا بْنُ بَنَايَا. فَسَقَطْتُ عَلَى وَجْهِي وَصَرَخْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي وَقُلْتُ: ”آهِ، يَا رَبِّي وَإِلَهِي! هَلْ سَتُهْلِكُ الَّذِينَ بَقَوْا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟“ فَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، الشَّعْبُ الَّذِي فِي الْقُدْسِ قَالَ عَنْ إِخْوَتِكَ وَأَقَارِبِكَ وَكُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ فِي الْأَسْرِ: ’هُمِ ابْتَعَدُوا عَنِ اللهِ، لِذَلِكَ أَعْطَانَا اللهُ أَرْضَهُمْ لِنَمْلِكَهَا.‘ فَقُلْ لَهُمْ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ: مَعَ أَنِّي أَرْسَلْتُهُمْ بَعِيدًا بَيْنَ الْأُمَمِ، وَبَدَّدْتُهُمْ فِي الْبِلَادِ، لَكِنِّي أَكُونُ لَهُمْ، وَلَوْ لِفَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ، قُدْسًا فِي الْبِلَادِ الَّتِي ذَهَبُوا إِلَيْهَا.‘ وَقُلْ لَهُمْ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ: أَنَا أَجْمَعُكُمْ مِنَ الْأُمَمِ، وَأُرْجِعُكُمْ مِنَ الْبِلَادِ الَّتِي بَدَّدْتُكُمْ فِيهَا، وَأُعْطِيكُمْ أَرْضَ إِسْرَائِيلَ.‘ ”فَيَرْجِعُونَ إِلَيْهَا وَيُزِيلُونَ مِنْهَا كُلَّ تَمَاثِيلِهِمِ الْبَشِعَةِ وَكُلَّ أَصْنَامِهِمِ الْقَبِيحَةِ. وَأُعْطِيهِمْ قَلْبًا وَاحِدًا، وَأَضَعُ فِيهِمْ رُوحًا جَدِيدًا. وَأَنْزِعُ مِنْهُمْ قَلْبَ الْحَجَرِ، وَأُعْطِيهِمْ قَلْبًا مِنْ لَحْمٍ. لِكَيْ يَعْمَلُوا بِفَرَائِضِي، وَيَحْفَظُوا شَرَائِعِي وَيُطِيعُوهَا، وَيَكُونُوا شَعْبِي وَأَنَا أَكُونُ إِلَهَهُمْ. أَمَّا الَّذِينَ قَلْبُهُمْ يَتْبَعُ تَمَاثِيلَهُمُ الْبَشِعَةَ وَأَصْنَامَهُمُ الْقَبِيحَةَ، فَإِنِّي أَجْلِبُ شَرَّهُمْ عَلَى رُؤُوسِهِمْ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ.“ ثُمَّ بَسَطَتِ الْمَلَائِكَةُ أَجْنِحَتَهَا وَارْتَفَعَتْ وَمَعَهَا الْعَجَلَاتُ. وَكَانَ جَلَالُ اللهِ فَوْقَهَا. وَارْتَفَعَ جَلَالُ اللهِ مِنْ دَاخِلِ الْمَدِينَةِ، وَوَقَفَ عَلَى الْجَبَلِ شَرْقَ الْمَدِينَةِ. وَرَفَعَنِي الرُّوحُ، وَأَحْضَرَنِي فِي الرُّؤْيَا الَّتِي أَعْلَنَهَا لِي رُوحُ اللهِ، إِلَى الْأَسْرَى فِي بَابِلَ. ثُمَّ انْتَهَتِ الرُّؤْيَا. فَأَخْبَرْتُ الْأَسْرَى بِكُلِّ مَا أَرَاهُ اللهُ لِي. وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، أَنْتَ سَاكِنٌ وَسَطَ شَعْبٍ مُتَمَرِّدٍ. لَهُمْ عُيُونٌ لِيَرَوْا وَلَكِنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ، وَلَهُمْ آذَانٌ لِيَسْمَعُوا وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ، لِأَنَّهُمْ شَعْبٌ مُتَمَرِّدٌ. لِذَلِكَ يَا ابْنَ آدَمَ جَهِّزْ أَمْتِعَتَكَ كَوَاحِدٍ خَارِجٍ إِلَى الْأَسْرِ. وَارْحَلْ فِي النَّهَارِ بَيْنَمَا هُمْ يُرَاقِبُونَكَ، وَاذْهَبْ مِنْ مَكَانِكَ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ. لَعَلَّهُمْ يَفْهَمُونَ، مَعَ أَنَّهُمْ بَيْتٌ مُتَمَرِّدٌ. فَتُخْرِجُ أَمْتِعَتَكَ فِي النَّهَارِ بَيْنَمَا هُمْ يُرَاقِبُونَكَ، ثُمَّ تَذْهَبُ فِي الْمَسَاءِ بَيْنَمَا هُمْ يُرَاقِبُونَكَ، كَأَنَّكَ ذَاهِبٌ إِلَى الْأَسْرِ. وَانْقُبِ الْحَائِطَ وَهُمْ يُرَاقِبُونَكَ، وَأَخْرِجْ مِنْهُ أَمْتِعَتَكَ. وَاحْمِلْهَا عَلَى كَتِفِكَ وَهُمْ يُرَاقِبُونَكَ. وَاخْرُجْ بِهَا فِي الْعَتْمَةِ، وَغَطِّ وَجْهَكَ لِكَيْ لَا تَرَى الْأَرْضَ. لِأَنِّي جَعَلْتُكَ عِبْرَةً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ.“ فَعَمِلْتُ كَمَا أَمَرَنِي. فِي النَّهَارِ أَخْرَجْتُ أَمْتِعَتِي وَقَدْ أَعْدَدْتُهَا كَوَاحِدٍ خَارِجٍ إِلَى الْأَسْرِ، وَفِي الْمَسَاءِ نَقَبْتُ الْحَائِطَ بِيَدِي. وَخَرَجْتُ فِي الْعَتْمَةِ، وَالْحِمْلُ عَلَى كَتِفِي وَهُمْ يُرَاقِبُونِي. وَفِي الصُّبْحِ قَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، هَذَا الْبَيْتُ الْمُتَمَرِّدُ، بَيْتُ إِسْرَائِيلَ سَأَلَكَ: ’مَاذَا تَعْمَلُ؟‘ فَقُلْ لَهُمْ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ: هَذَا الْوَحْيُ هُوَ عَنِ الْمَلِكِ الَّذِي فِي الْقُدْسِ، وَعَنْ كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ السَّاكِنِينَ فِيهَا.‘ وَقُلْ لَهُمْ: ’أَنَا عِبْرَةٌ لَكُمْ. فَالْأَشْيَاءُ الَّتِي عَمِلْتُهَا تَحْدُثُ لِأَهْلِ الْقُدْسِ، فَإِنَّهُمْ يُؤْخَذُونَ أَسْرَى.‘ وَيَحْمِلُ مَلِكُهُمْ أَمْتِعَتَهُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيَخْرُجُ فِي الْعَتْمَةِ. وَيَنْقُبُونَ لَهُ ثُقْبًا فِي الْحَائِطِ لِيَخْرُجَ مِنْهُ. وَيُغَطِّي وَجْهَهُ لِكَيْ لَا يَرَى الْأَرْضَ. وَأَبْسُطُ شَبَكَتِي عَلَيْهِ، فَيَقَعُ فِي مَصْيَدَتِي. وَآخُذُهُ إِلَى بَابِلَ وَإِلَى بِلَادِ الْبَابِلِيِّينَ. وَلَكِنَّهُ لَا يَرَاهَا، وَهُنَاكَ يَمُوتُ. وَكُلُّ الَّذِينَ حَوْلَهُ مِنْ أَعْوَانٍ وَجُنُودٍ أُبَدِّدُهُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَأَسْتَلُّ سَيْفِي وَأُطَارِدُهُمْ. فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ حِينَ أُشَتِّتُهُمْ فِي الْأُمَمِ وَأُبَدِّدُهُمْ فِي الْبِلَادِ. وَأُنْقِذُ مِنْهُمْ عَدَدًا قَلِيلًا مِنَ السَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَأِ، لِكَيْ يَعْتَرِفُوا بِأَعْمَالِهِمِ الْقَبِيحَةِ بَيْنَ الْأُمَمِ الَّتِي يَذْهَبُونَ إِلَيْهَا، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ.“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، اِرْتَعِشْ وَأَنْتَ تَأْكُلُ طَعَامَكَ، وَارْتَعِدْ مِنَ الْخَوْفِ وَأَنْتَ تَشْرَبُ مَاءَكَ. وَقُلْ لِشَعْبِ الْأَرْضِ: ’الْمَوْلَى الْإِلَهُ قَالَ عَنْ سُكَّانِ الْقُدْسِ الْبَاقِينَ فِي أَرْضِ إِسْرَائِيلَ: يَأْكُلُونَ طَعَامَهُمْ بِخَوْفٍ وَيَشْرَبُونَ مَاءَهُمْ بِقَلَقٍ، لِأَنَّ بِلَادَهُمْ تَخْرَبُ تَمَامًا بِسَبَبِ عُنْفِ كُلِّ السَّاكِنِينَ فِيهَا. وَتَخْرَبُ الْمُدُنُ الْمَسْكُونَةُ، وَتُقْفِرُ الْبِلَادُ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، مَا هَذَا الْمَثَلُ الَّذِي عِنْدَكُمْ عَنْ أَرْضِ إِسْرَائِيلَ؟ أَنْتُمْ تَقُولُونَ: ’تَمْضِي الْأَيَّامُ، وَلَا تَتِمُّ أَيُّ رُؤْيَا!‘ فَقُلْ لَهُمْ: ’قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ إِنَّهُ أَبْطَلَ هَذَا الْمَثَلَ، فَلَا تَعُودُونَ تُرَدِّدُونَهُ فِي إِسْرَائِيلَ.‘ بَلْ قُلْ لَهُمْ: ’اِقْتَرَبَتِ الْأَيَّامُ فَيَتِمُّ كَلَامُ كُلِّ رُؤْيَا. فَلَا تَكُونُ بَيْنَ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ رُؤًى كَاذِبَةٌ وَلَا نُبُوَّةٌ تُضِلُّهُمْ. بَلْ أَنَا اللهُ أَتَكَلَّمُ، وَمَا أَقُولُهُ يَتِمُّ بِلَا تَأْخِيرٍ. فَفِي أَيَّامِكُمْ، أَيُّهَا الْبَيْتُ الْمُتَمَرِّدُ، أَعْمَلُ كُلَّ مَا أَقُولُهُ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، يَقُولُ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ إِنَّ الرُّؤْيَا الَّتِي يَرَاهَا حَزْقِيَالُ سَتَتِمُّ بَعْدَ سِنِينَ طَوِيلَةٍ، وَهُوَ يَتَنَبَّأُ عَنْ أَزْمِنَةٍ بَعِيدَةٍ. لِذَلِكَ قُلْ لَهُمْ: ’قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: لَا يَتَأَخَّرُ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِي، بَلْ مَا أَقُولُهُ يَتِمُّ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، تَنَبَّأْ عَلَى أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ يَقُولُونَ كَلَامًا مِنْ عِنْدِهِمْ، وَقُلْ لَهُمْ: ’اِسْمَعُوا كَلِمَةَ اللهِ! الْمَوْلَى الْإِلَهُ يَقُولُ: وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَدَّعُونَ النُّبُوَّةَ، الْحَمْقَى الَّذِينَ يَتْبَعُونَ رُوحَهُمْ، وَهُمْ لَمْ يَرَوْا شَيْئَا. أَنْبِيَاؤُكُمْ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ صَارُوا كَالذِّئَابِ بَيْنَ الْخَرَائِبِ. لَمْ يَصْعَدُوا لِيَسُدُّوا ثُغْرَةً فِي الْحَائِطِ، وَلَمْ يَبْنُوا لَكُمْ سُورًا لِيُدَافِعُوا عَنْكُمْ فِي الْحَرْبِ فِي يَوْمِ رَبِّنَا. إِنَّمَا رُؤَاهُمْ بَاطِلَةٌ، وَنُبُوَّتُهُمْ كَاذِبَةٌ. يَقُولُونَ: ”هَذَا وَحْيُ اللهِ.“ مَعَ أَنَّ اللهَ لَمْ يُرْسِلْهُمْ. وَمَعَ ذَلِكَ يَنْتَظِرُونَ أَنْ يَتَحَقَّقَ كَلَامُهُمْ! وَحَيْثُ أَنِّي لَمْ أَتَكَلَّمْ، فَأَنْتُمْ تَرَوْنَ رُؤًى بَاطِلَةً، وَتَنْطِقُونَ بِنُبُوَّةٍ كَاذِبَةٍ. وَمَعَ ذَلِكَ تَقُولُونَ: ”هَذَا وَحْيُ اللهِ.“ ”’لِذَلِكَ قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: أَنَا ضِدُّكُمْ لِأَنَّ كَلَامَكُمْ بَاطِلٌ، وَرُؤَاكُمْ كَاذِبَةٌ. وَقَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: وَتَنْزِلُ يَدِي عَلَى الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ رُؤَاهُمْ بَاطِلَةٌ وَنُبُوَّتُهُمْ كَاذِبَةٌ. فَلَا يَكُونُ لَهُمْ مَكَانٌ بَيْنَ شَعْبِي، وَلَا تُكْتَبُ أَسْمَاؤُهُمْ فِي قَائِمَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَا يَدْخُلُونَ أَرْضَ إِسْرَائِيلَ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الْمَوْلَى الْإِلَهُ. إِنَّهُمْ أَضَلُّوا شَعْبِي لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَهُمْ: ”سَلَامٌ!“ بَيْنَمَا الْحَقِيقَةُ هِيَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ سَلَامٌ! وَكُلَّمَا بَنَى أَحَدُ أَفْرَادِ الشَّعْبِ حَائِطًا رَدِيئًا، يَطْلُونَهُ هُمْ بِالطِّينِ. فَقُلْ لِلَّذِينَ يَطْلُونَهُ بِالطِّينِ إِنَّهُ يَسْقُطُ. يَنْزِلُ مَطَرٌ جَارِفٌ، وَأُرْسِلُ حِجَارَةَ بَرَدٍ، وَرِيحًا عَاصِفَةً فَيَنْهَارُ. وَعِنْدَمَا يَسْقُطُ الْحَائِطُ، يَسْأَلُ النَّاسُ: ”أَيْنَ الطِّينُ الَّذِي طَلَيْتُمْ بِهِ؟“ لِذَلِكَ يَقُولُ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: فِي غَضَبِي أُرْسِلُ رِيحًا عَاصِفَةً، وَفِي غَيْظِي يَنْزِلُ مَطَرٌ جَارِفٌ، وَفِي سَخَطِي تَسْقُطُ حِجَارَةُ بَرَدٍ، حَتَّى يَفْنَى الْكُلُّ. فَأَهْدِمُ الْحَائِطَ الَّذِي طَلَيْتُمُوهُ بِالطِّينِ وَأُسَوِّيهِ بِالْأَرْضِ، فَيَنْكَشِفُ أَسَاسُهُ. وَعِنْدَمَا يَسْقُطُ تَهْلِكُونَ أَنْتُمْ دَاخِلَهُ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ. وَأَصُبُّ كُلَّ غَضَبِي عَلَى الْحَائِطِ وَعَلَى الَّذِينَ طَلَوْهُ بِالطِّينِ. وَأَقُولُ لَكُمْ: زَالَ الْحَائِطُ وَالَّذِينَ طَلَوْهُ. أَيْ أَنْبِيَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ لِمَدِينَةِ الْقُدْسِ وَيَرَوْنَ لَهَا رُؤَى سَلَامٍ، بَيْنَمَا الْحَقِيقَةُ هِيَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ سَلَامٌ. هَذَا كَلَامُ اللهِ.‘ ”وَالْآنَ يَا ابْنَ آدَمَ، حَوِّلْ وَجْهَكَ إِلَى نِسَاءِ شَعْبِكَ اللَّاتِي يَتَنَبَّأْنَ مِنْ عِنْدِهِنَّ. تَنَبَّأْ عَلَيْهِنَّ وَقُلْ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ: وَيْلٌ لِكُلِّ امْرَأَةٍ تَعْمَلُ حِجَابَ سِحْرٍ لِلْمِعْصَمِ، وَغِطَاءً لِلرَّأْسِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ لِتَصِيدَ الشَّعْبَ. هَلْ تَصِيدِينَ النَّاسَ وَتَحْفَظِينَ نَفْسَكِ؟ أَنْتِ نَجَّسْتِنِي عِنْدَ شَعْبِي لِأَجْلِ حَفْنَةِ شَعِيرٍ وَكِسْرَةِ خُبْزٍ. أَنْتِ مَوَّتْتِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ، وَأَحْيَيْتِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْحَيَاةَ، وَكَذَبْتِ عَلَى شَعْبِيَ الَّذِي يُصَدِّقُ الْكِذْبَ. ”’لِذَلِكَ يَقُولُ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: أَنَا ضِدُّ أَحْجِبَةِ السِّحْرِ الَّتِي عِنْدَكِ، وَالَّتِي تَصِيدِينَ بِهَا النَّاسَ كَالْعَصَافِيرِ، وَأُمَزِّقُهَا عَنْ ذِرَاعِكِ، وَأُطْلِقُ النَّاسَ كَالْعَصَافِيرِ مِنْ مَصْيَدَتِكِ. وَأُمَزِّقُ أَغْطِيَةَ الرَّأْسِ الَّتِي عِنْدَكِ، وَأُنْقِذُ شَعْبِي مِنْ يَدِكِ، فَلَا يَقَعُونَ فَرِيسَةً فِي يَدِكِ. فَتَعْلَمِينَ أَنِّي أَنَا اللهُ. أَنْتِ أَحْزَنْتِ قَلْبَ الصَّالِحِ بِكِذْبِكِ، مَعَ أَنِّي لَمْ أُحْزِنْهُ. وَشَجَّعْتِ الشِّرِّيرَ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَنْ سُلُوكِهِ الرَّدِيءِ فَيَحْيَا. لِذَلِكَ لَا تَرَيْنَ رُؤًى بَاطِلَةً فِيمَا بَعْدُ، وَلَا تُمَارِسِينَ الْعِلْمَ بِالْغَيْبِ، وَأُنْقِذُ شَعْبِي مِنْ يَدِكِ. فَتَعْلَمِينَ أَنِّي أَنَا اللهُ.‘“ وَجَاءَ عِنْدِي بَعْضُ شُيُوخِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَجَلَسُوا أَمَامِي. فَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ صَمَّمُوا فِي قَلْبِهِمْ أَنْ يَعْبُدُوا الْأَصْنَامَ، وَوَجَّهُوا نَفْسَهُمْ إِلَى مَا يُوقِعُهُمْ فِي الشَّرِّ! فَهَلْ يَصِحُّ أَنْ يَأْتُوا لِيَسْتَشِيرُونِي؟ قُلْ لَهُمْ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ صَمَّمَ فِي قَلْبِهِ أَنْ يَعْبُدَ الْأَصْنَامَ، وَوَجَّهَ نَفْسَهُ إِلَى مَا يُوقِعُهُ فِي الشَّرِّ، ثُمَّ يَأْتِي إِلَى النَّبِيِّ، فَأَنَا اللهُ أُجِيبُهُ بِنَفْسِي بِمَا تَسْتَحِقُّهُ قَبَاحَتُهُ الْعَظِيمَةُ. لَعَلِّي بِذَلِكَ أَسْتَوْلِي عَلَى قُلُوبِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ، لِأَنَّهُمْ تَرَكُونِي كُلَّهُمْ وَعَبَدُوا الْأَصْنَامَ.‘ ”لِذَلِكَ قُلْ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ: تُوبُوا وَارْجِعُوا عَنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَاتْرُكُوا أَعْمَالَكُمُ الْقَبِيحَةَ. فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوِ الْغُرَبَاءِ الْمُقِيمِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، إِذَا ابْتَعَدَ عَنِّي، وَصَمَّمَ فِي قَلْبِهِ أَنْ يَعْبُدَ الْأَصْنَامَ، وَوَجَّهَ نَفْسَهُ إِلَى مَا يُوقِعُهُ فِي الشَّرِّ، ثُمَّ يَأْتِي إِلَى النَّبِيِّ لِيَسْتَشِيرَنِي، فَأَنَا اللهُ أُجِيبُهُ بِنَفْسِي. وَأَكُونُ ضِدَّ هَذَا الشَّخْصِ، وَأَجْعَلُ النَّاسَ يَضْرِبُونَ بِهِ الْمَثَلَ، وَأُبِيدُهُ مِنْ شَعْبِي، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ. فَإِنْ ضَلَّ النَّبِيُّ وَقَالَ كَلَامًا، فَأَنَا اللهُ أَضْلَلْتُهُ، وَسَأَمُدُّ يَدِي عَلَيْهِ وَأُبِيدُهُ مِنْ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَيَحِلُّ الْعِقَابُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، لِأَنَّ ذَنْبَ النَّبِيِّ يَكُونُ كَذَنْبِ الَّذِي جَاءَ يَسْأَلُهُ. بِذَلِكَ لَا يَعُودُ شَعْبُ إِسْرَائِيلَ يَضِلُّ عَنِّي، وَلَا يَعُودُونَ يُنَجِّسُونَ أَنْفُسَهُمْ بِكُلِّ شَرِّهِمْ. بَلْ يَكُونُونَ شَعْبِي وَأَنَا أَكُونُ إِلَهَهُمْ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، إِنْ أَخْطَأَتْ بِلَادٌ فِي حَقِّي وَخَانَتْنِي، أَمُدُّ يَدِي عَلَيْهَا، وَأَمْنَعُ عَنْهَا مَدَدَ الْخُبْزِ، وَأُرْسِلُ عَلَيْهَا مَجَاعَةً، وَأَقْطَعُ مِنْهَا النَّاسَ وَالْبَهَائِمَ. وَحَتَّى إِنْ كَانَ فِيهَا هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ الـ3: نُوحُ وَدَانِيَالُ وَأَيُّوبُ، فَإِنَّهُمْ لَا يُنْقِذُونَ أَحَدًا غَيْرَهُمْ بِصَلَاحِهِمْ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. أَوْ إِنْ أَرْسَلْتُ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ وُحُوشًا ضَارِيَةً تَقْتُلُ بَنِيهَا وَتَجْعَلُهَا خَرَابًا، فَلَا يَعْبُرُ فِيهَا أَحَدٌ بِسَبَبِ الْوُحُوشِ. فَالْمَوْلَى الْإِلَهُ يَقُولُ: أُقْسِمُ بِذَاتِي، حَتَّى إِنْ كَانَ فِيهَا هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ الـ3، فَإِنَّهُمْ لَا يُنْقِذُونَ بَنِيهِمْ وَلَا بَنَاتِهِمْ، إِنَّمَا يُنْقِذُونَ أَنْفُسَهُمْ فَقَطْ. فَتَصِيرُ الْبِلَادُ قَفْرًا. أَوْ إِنْ جَلَبْتُ عَلَى تِلْكَ الْبِلَادِ حَرْبًا، وَأَمَرْتُ الْحَرْبَ أَنْ تَنْتَشِرَ فِي أَنْحَائِهَا، فَأَقْطَعُ مِنْهَا النَّاسَ وَالْبَهَائِمَ. فَالْمَوْلَى الْإِلَهُ يَقُولُ: أُقْسِمُ بِذَاتِي، حَتَّى إِنْ كَانَ فِيهَا هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ الـ3، فَإِنَّهُمْ لَا يُنْقِذُونَ بَنِيهِمْ وَلَا بَنَاتِهِمْ، إِنَّمَا يُنْقِذُونَ أَنْفُسَهُمْ فَقَطْ. أَوْ إِنْ جَعَلْتُ الْوَبَأَ يَنْتَشِرُ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ، أَوْ إِنْ أَرْسَلْتُ غَضَبِي عَلَيْهَا فَانْتَشَرَ الْقَتْلُ حَتَّى أَقْطَعَ مِنْهَا النَّاسَ وَالْبَهَائِمَ. فَالْمَوْلَى الْإِلَهُ يَقُولُ: أُقْسِمُ بِذَاتِي، حَتَّى إِنْ كَانَ فِيهَا نُوحُ وَدَانِيَالُ وَأَيُّوبُ، فَإِنَّهُمْ لَا يُنْقِذُونَ ابْنًا وَلَا بِنْتًا. لَا يُنْقِذُونَ أَحَدًا غَيْرَهُمْ بِصَلَاحِهِمْ.“ وَقَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: ”كَمْ يَكُونُ الْحَالُ أَسْوَأَ، عِنْدَمَا أُرْسِلُ عِقَابِيَ الشَّدِيدَ عَلَى الْقُدْسِ، هَذِهِ الْـ4: الْحَرْبُ وَالْجُوعُ وَالْوُحُوشُ الضَّارِيَةُ وَالْوَبَأُ، لِأَقْطَعَ مِنْهَا النَّاسَ وَالْبَهَائِمَ! وَمَعَ ذَلِكَ يَبْقَى فِيهَا بَعْضُ النَّاجِينَ. فَيَخْرُجُونَ مِنْهَا وَيَأْتُونَ إِلَيْكُمْ. وَعِنْدَمَا تَرَوْنَ سُلُوكَهُمْ وَأَعْمَالَهُمْ، تَتَعَزَّوْنَ عَنِ الْمَصَائِبِ الَّتِي جَلَبْتُهَا عَلَى الْقُدْسِ، وَعَنْ كُلِّ مَا جَلَبْتُهُ عَلَيْهَا. فَتَتَعَزَّوْنَ عِنْدَمَا تَرَوْنَ سُلُوكَهُمْ وَأَعْمَالَهُمْ، لِأَنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ كُلَّ مَا فَعَلْتُهُ بِهَا كَانَ لِسَبَبٍ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ.“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، هَلِ الْكَرْمَةُ أَفْضَلُ مِنْ أَيِّ شَجَرَةٍ أُخْرَى؟ أَوْ أَفْضَلُ مِنْ غُصْنِ شَجَرَةٍ فِي الْغَابَةِ؟ هَلْ يُصْنَعُ مِنْ خَشَبِهَا شَيْءٌ مُفِيدٌ؟ أَوْ هَلْ يُصْنَعُ مِنْهُ حَتَّى وَتَدٌ لِلْحَائِطِ تُعَلَّقُ عَلَيْهِ الْأَشْيَاءُ؟ لَا، بَلْ يُطْرَحُ وَقُودًا لِلنَّارِ! وَبَعْدَمَا تَأْكُلُ النَّارُ طَرَفَيْهِ وَتَحْرِقُ وَسَطَهُ، هَلْ يَنْفَعُ فِي شَيْءٍ؟ طَبْعًا لَا! فَهُوَ لَمَّا كَانَ سَلِيمًا لَمْ يَنْفَعْ فِي شَيْءٍ، فَهَلْ يَنْفَعُ بَعْدَمَا أَكَلَتْهُ النَّارُ وَاحْتَرَقَ!“ لِذَلِكَ قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: ”كَمَا أَنِّي جَعَلْتُ خَشَبَ الْكَرْمَةِ وَقُودًا لِلنَّارِ، مِنْ بَيْنِ كُلِّ شَجَرِ الْغَابَةِ، فَكَذَلِكَ جَعَلْتُ شَعْبَ الْقُدْسِ وَقُودًا لِلنَّارِ. وَأَكُونُ ضِدَّهُمْ. حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ نَارٍ، تَأْكُلُهُمْ نَارٌ! وَحِينَ أَكُونُ ضِدَّهُمْ، تَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ. وَأَجْعَلُ الْأَرْضَ قَفْرًا، لِأَنَّهُمْ خَانُونِي. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ.“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، أَخْبِرِ الْقُدْسَ بِأَعْمَالِهَا الْقَبِيحَةِ وَقُلْ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ لِلْقُدْسِ: أَنْتِ أَصْلًا وَمَوْلِدًا مِنْ بِلَادِ كَنْعَانَ. أَبُوكِ أَمُورِيٌّ وَأُمُّكِ حِثِّيَّةٌ. وَيَوْمَ وُلِدْتِ لَا أَحَدَ قَطَعَ سُرَّتَكِ، وَلَا غَسَلَكِ بِمَاءٍ لِتَنْظِيفِكِ، وَلَا مَلَّحَكِ بِالْمِلْحِ، وَلَا لَفَّكِ بِالْقُمَاشِ. وَلَا وَاحِدٌ أَشْفَقَ عَلَيْكِ وَلَا رَأَفَ بِكِ لِيَعْمَلَ لَكِ شَيْئًا مِنْ هَذَا، بَلْ كُنْتِ مُحْتَقَرَةً يَوْمَ وُلِدْتِ، فَطُرِحْتِ فِي الْحَقْلِ! فَمَرَرْتُ بِكِ وَرَأَيْتُكِ مُلَطَّخَةً بِدَمِكِ. فَأَمَرْتُ أَنْ تَعِيشِي وَلَا تَمُوتِي فِي دَمِكِ. وَجَعَلْتُكِ تَنْمِينَ كَنَبَاتِ الْحَقْلِ، فَنَمَيْتِ وَكَبِرْتِ وَصِرْتِ جَمِيلَةً جِدًّا. وَكَبِرَ ثَدْيَاكِ وَنَبَتَ شَعْرُكِ وَأَنْتِ عُرْيَانَةً وَعَارِيَةً. ”’وَمَرَرْتُ بِكِ ثَانِيَةً فَرَأَيْتُ أَنَّكِ بَلَغْتِ سِنَّ الْحُبِّ. فَبَسَطْتُ طَرَفَ ثَوْبِي عَلَيْكِ، وَسَتَرْتُ عُرْيَكِ، وَعَمِلْتُ مَعَكِ عَهْدًا، فَصِرْتِ لِي. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. ثُمَّ غَسَلْتُكِ بِالْمَاءِ، وَنَظَّفْتُكِ مِنْ دَمِكِ، وَدَهَنْتُكِ بِالزَّيْتِ. وَأَلْبَسْتُكِ ثَوْبًا مُطَرَّزًا، وَحِذَاءً مِنَ الْجِلْدِ، وَرِدَاءً مِنَ الْكَتَّانِ، وَكَسَوْتُكِ بِالْحَرِيرِ. وَزَيَّنْتُكِ بِالْحُلِيِّ، وَوَضَعْتُ أَسَاوِرَ عَلَى يَدَيْكِ، وَسِلْسِلَةً حَوْلَ رَقَبَتِكِ، وَخِزَامَةً فِي أَنْفِكِ، وَحَلَقًا فِي أُذُنَيْكِ، وَتَاجًا جَمِيلًا عَلَى رَأْسِكِ. فَتَزَيَّنْتِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَلَبِسْتِ الْكَتَّانَ وَالْحَرِيرَ وَالْقُمَاشَ الْمُطَرَّزَ، وَأَكَلْتِ الْخُبْزَ الْمَصْنُوعَ مِنَ الدَّقِيقِ الْفَاخِرِ وَالْعَسَلَ وَزَيْتَ الزَّيْتُونِ. وَصِرْتِ جَمِيلَةً جِدًّا كَمَلِكَةٍ. وَذَاعَ صِيتُكِ فِي الْأُمَمِ لِجَمَالِكِ، فَإِنِّي أَضْفَيْتُ بَهَائِي عَلَيْكِ وَجَعَلْتُكِ كَامِلَةَ الْجَمَالِ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. ”’وَلَكِنَّكِ اتَّكَلْتِ عَلَى جَمَالِكِ وَعَلَى شُهْرَتِكِ فَزَنَيْتِ، وَارْتَكَبْتِ الْفَاحِشَةَ مَعَ كُلِّ عَابِرِ سَبِيلٍ. وَأَخَذْتِ بَعْضَ ثِيَابِكِ لِزَخْرَفَةِ الْمَعَابِدِ، وَزَنَيْتِ عَلَيْهَا. وَهُوَ مَا لَمْ يَحْدُثْ مِنْ قَبْلُ، وَلَمْ يَسْمَعْ بِهِ أَحَدٌ! وَأَخَذْتِ الْحُلِيَّ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لَكِ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَصَنَعْتِ مِنْهَا تَمَاثِيلَ ذُكُورٍ وَزَنَيْتِ بِهَا. وَأَخَذْتِ ثِيَابَكِ الْمُطَرَّزَةَ وَكَسَوْتِ بِهَا تِلْكَ الْأَصْنَامَ، وَقَدَّمْتِ لَهَا زَيْتِي وَبَخُورِي. وَالطَّعَامُ الَّذِي أَعْطَيْتُهُ لَكِ، خُبْزِيَ الْمَصْنُوعُ مِنَ الدَّقِيقِ الْفَاخِرِ وَزَيْتُ الزَّيْتُونِ وَالْعَسَلُ، قَدَّمْتِهَا لِلْأَصْنَامِ بَخُورًا عَطِرًا. الْمَوْلَى الْإِلَهُ يَقُولُ: أَنْتِ عَمِلْتِ كُلَّ هَذَا! ”’وَلَمْ يَكُنْ زِنَاكِ كَافِيًا! فَأَخَذْتِ بَنِيكِ وَبَنَاتِكِ الَّذِينَ هُمْ أَوْلَادِي، وَذَبَحْتِهِمْ طَعَامًا لِتِلْكَ الْأَصْنَامِ. أَنْتِ ذَبَحْتِ أَوْلَادِي وَقَدَّمْتِهِمْ ضَحَايَا لِلْأَصْنَامِ. وَفِي كُلِّ أَعْمَالِكِ الْقَبِيحَةِ وَزِنَاكِ لَمْ تَذْكُرِي أَيَّامَ صِبَاكِ، لَمَّا كُنْتِ عُرْيَانَةً وَعَارِيَةً وَمُلَطَّخَةً بِدَمِكِ. ”’الْوَيْلُ! الْوَيْلُ لَكِ! يَقُولُ الْمَوْلَى الْإِلَهُ. لِأَنَّهُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى كُلِّ شَرِّكِ هَذَا، بَنَيْتِ لَكِ قُبَّةً وَعَمِلْتِ مَعْبَدًا فِي كُلِّ سَاحَةٍ. وَفِي رَأْسِ كُلِّ شَارِعٍ بَنَيْتِ لَكِ مَعْبَدًا، وَنَجَّسْتِ جَمَالَكِ، وَقَدَّمْتِ جِسْمَكِ لِكُلِّ عَابِرٍ، وَأَكْثَرْتِ الزِّنَى. وَزَنَيْتِ مَعَ الْمِصْرِيِّينَ، جِيرَانِكِ الشَّهْوَانِيِّينَ، وَزَادَ زِنَاكِ وَأَغْضَبْتِنِي. لِذَلِكَ مَدَدْتُ يَدِي عَلَيْكِ، وَأَنْقَصْتُ نَصِيبَكِ مِنَ الْأَرْضِ، وَسَلَّمْتُكِ لِطَمَعِ أَعْدَائِكِ بَنَاتِ الْفِلِسْطِيِّينَ اللَّاتِي يَخْجَلْنَ مِنْ سُلُوكِكِ الْفَاجِرِ. وَلَمَّا لَمْ تَشْبَعِي، زَنَيْتِ مَعَ الْأَشُورِيِّينَ أَيْضًا. وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ تَشْبَعِي! وَزَادَ زِنَاكِ وَشَمِلَ بَابِلَ، بِلَادَ التُّجَّارِ. وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ تَشْبَعِي! ”’فَالْمَوْلَى الْإِلَهُ يَقُولُ: قَلْبُكِ مَرِيضٌ! أَنْتِ فَعَلْتِ كُلَّ هَذَا كَعَاهِرَةٍ وَقِحَةٍ! لِأَنَّكِ بَنَيْتِ لَكِ قُبَّةً فِي رَأْسِ كُلِّ شَارِعٍ، وَعَمِلْتِ مَعْبَدًا فِي كُلِّ سَاحَةٍ. وَلَكِنَّكِ بِعَكْسِ الْعَاهِرَةِ، رَفَضْتِ الْأُجْرَةَ! أَنْتِ زَوْجَةٌ فَاسِقَةٌ أَخَذَتْ غُرَبَاءَ مَكَانَ زَوْجِهَا! كُلُّ الزَّوَانِي يَحْصُلْنَ عَلَى هَدَايَا، أَمَّا أَنْتِ فَأَعْطَيْتِ هَدَايَاكِ لِكُلِّ عُشَّاقِكِ، وَرَشَوْتِهِمْ لِيَأْتُوا إِلَيْكِ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ لِيَزْنُوا مَعَكِ. فَصِرْتِ عَكْسَ النِّسَاءِ فِي الزِّنَى، فَلَا أَحَدَ يَسْعَى وَرَاءَكِ لِيَزْنِيَ مَعَكِ. ثُمَّ أَنْتِ لَا تَأْخُذِينَ أُجْرَةً، بَلْ تُعْطِينَ أُجْرَةً. فَصِرْتِ بِالْعَكْسِ! ”’لِذَلِكَ يَا عَاهِرَةٌ اسْمَعِي كَلَامَ اللهِ! فَالْمَوْلَى الْإِلَهُ يَقُولُ: بِمَا أَنَّكِ أَنْفَقْتِ مَالَكِ وَكَشَفْتِ عُرْيَكِ فِي زِنَاكِ مَعَ عُشَّاقِكِ وَمَعَ أَصْنَامِكِ الْقَبِيحَةِ، وَبِمَا أَنَّكِ قَدَّمْتِ دَمَ بَنِيكِ لِهَذِهِ الْأَصْنَامِ، لِذَلِكَ أَجْمَعُ كُلَّ عُشَّاقِكِ الَّذِينَ وَجَدْتِ فِيهِمْ لَذَّةً، سَوَاءٌ كُنْتِ تُحِبِّينَهُمْ أَوْ تَكْرَهِينَهُمْ. أَجْمَعُهُمْ عَلَيْكِ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَأَكْشِفُ عُرْيَكِ لَهُمْ، لِيَرَوْكِ عُرْيَانَةً تَمَامًا! وَأُعَاقِبُكِ كَمَا تُعَاقَبُ الزَّانِيَاتُ وَسَافِكَاتُ الدَّمِ. فَأَسْفِكُ دَمَكِ فِي ثَوْرَةِ غَضَبِي وَسَخَطِي ضِدَّكِ. وَأُوقِعُكِ فِي يَدِ عُشَّاقِكِ، فَيَهْدِمُونَ قُبَّتَكِ، وَيُخْرِبُونَ مَعَابِدَكِ، وَيَنْزِعُونَ ثِيَابَكِ عَنْكِ، وَيَأْخُذُونَ حُلِيَّكِ، وَيَتْرُكُونَكِ عُرْيَانَةً وَعَارِيَةً. وَيَجْلِبُونَ عَلَيْكِ عِصَابَةً، فَيَرْجُمُونَكِ بِالْحِجَارَةِ، وَيُمَزِّقُونَكِ بِسُيُوفِهِمْ، وَيَحْرِقُونَ دِيَارَكِ بِالنَّارِ، وَيُعَاقِبُونَكِ أَمَامَ نِسَاءٍ كَثِيرَاتٍ. وَأَمْنَعُكِ عَنِ الزِّنَى فَلَا تُعْطِينَ عُشَّاقَكِ أُجْرَةً. فَيَحِلُّ بِكِ غَيْظِي، ثُمَّ أَرُدُّ غَضَبِي عَنْكِ، فَأَهْدَأُ وَلَا أَعُودُ أَغْضَبُ عَلَيْكِ. أَنْتِ لَمْ تَذْكُرِي أَيَّامَ صِبَاكِ، بَلْ أَغْضَبْتِنِي بِكُلِّ هَذِهِ الْأَعْمَالِ. ثُمَّ ارْتَكَبْتِ الْفَحْشَاءَ فَوْقَ كُلِّ أَعْمَالِكِ الْقَبِيحَةِ. لِذَلِكَ لَا بُدَّ أَنْ أَجْلِبَ شَرَّكِ عَلَى رَأْسِكِ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. ”’كُلُّ مَنْ يَتَحَدَّثُ بِأَمْثَالٍ، يَقُولُ هَذَا الْمَثَلَ عَلَيْكِ: ”طَلَعَتِ الْبِنْتُ لِأُمِّهَا!“ أَنْتِ بِنْتُ أُمِّكِ الَّتِي كَرِهَتْ زَوْجَهَا وَأَوْلَادَهَا. وَأَنْتِ أُخْتُ أَخَوَاتِكِ اللَّاتِي كَرِهْنَ أَزْوَاجَهُنَّ وَأَوْلَادَهُنَّ. أُمُّكُنَّ حِثِّيَّةٌ وَأَبُوكُنَّ أَمُورِيٌّ. أُخْتُكِ الْكُبْرَى هِيَ السَّامِرَةُ الَّتِي سَكَنَتْ فِي الشَّمَالِ هِيَ وَبَنَاتُهَا. وَأُخْتُكِ الصُّغْرَى هِيَ سَدُومُ الَّتِي سَكَنَتْ فِي الْجَنُوبِ هِيَ وَبَنَاتُهَا. وَأَنْتِ سَلَكْتِ فِي طَرِيقِهِنَّ، وَارْتَكَبْتِ أَعْمَالَهُنَّ الْقَبِيحَةَ، بَلْ سَرِيعًا صِرْتِ أَكْثَرَ مِنْهُنَّ شَرًّا فِي كُلِّ سُلُوكِكِ. فَالْمَوْلَى الْإِلَهُ يَقُولُ: أُقْسِمُ بِذَاتِي، إِنَّ أُخْتَكِ سَدُومَ لَمْ تَفْعَلْ هِيَ وَلَا بَنَاتُهَا مَا فَعَلْتِهِ أَنْتِ وَبَنَاتُكِ. فَإِنَّ شَرَّ أُخْتِكِ سَدُومَ وَبَنَاتِهَا كَانَ الْكِبْرِيَاءَ وَالتُّخَمَةَ وَالرَّخَاءَ. وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُسَاعِدْنَ الْمِسْكِينَ وَالْفَقِيرَ. بَلْ تَكَبَّرْنَ وَارْتَكَبْنَ الْقَبَاحَةَ أَمَامِي، لِذَلِكَ أَفْنَيْتُهُنَّ كَمَا رَأَيْتُ. وَالسَّامِرَةُ لَمْ تَرْتَكِبْ نِصْفَ خَطَايَاكِ. بَلْ أَنْتِ عَمِلْتِ أَشْيَاءَ أَقْبَحَ مِنْهُنَّ، فَظَهَرَتْ أَخَوَاتُكِ وَكَأَنَّهُنَّ صَالِحَاتٌ بِالنِّسْبَةِ لَكِ، بِسَبَبِ كُلِّ الْقَبَاحَةِ الَّتِي ارْتَكَبْتِهَا! فَاحْمِلِي عَارَكِ، يَا مَنْ جَعَلْتِ أَخَوَاتِكِ يَظْهَرْنَ صَالِحَاتٍ! لِأَنَّهُ بِسَبَبِ خَطَايَاكِ، صِرْتِ نَجِسَةً أَكْثَرَ مِنْهُنَّ، وَصِرْنَ صَالِحَاتٍ أَكْثَرَ مِنْكِ! فَاخْجَلِي وَاحْمِلِي عَارَكِ، يَا مَنْ جَعَلْتِ أَخَوَاتِكِ يَظْهَرْنَ صَالِحَاتٍ! ”’وَلَكِنِّي أَرُدُّهُنَّ مِنَ الْأَسْرِ، سَدُومَ وَبَنَاتِهَا، وَالسَّامِرَةَ وَبَنَاتِهَا، وَأَنْتِ أَيْضًا أَرُدُّكِ مِنَ الْأَسْرِ مَعَهُنَّ. لِكَيْ تَحْمِلِي عَارَكِ وَتَخْجَلِي مِنْ كُلِّ مَا فَعَلْتِ حَتَّى جَلَبْتِ لَهُنَّ الْعَزَاءَ. فَتَرْجِعُ أَخَوَاتُكِ سَدُومُ وَبَنَاتُهَا وَالسَّامِرَةُ وَبَنَاتُهَا إِلَى حَالَتِهِنَّ الْأُولَى. وَأَنْتِ أَيْضًا وَبَنَاتُكِ تَرْجِعْنَ إِلَى حَالَتِكُنَّ الْأُولَى. أَنْتِ فِي أَيَّامِ كِبْرِيَائِكِ لَمْ تَذْكُرِي سَدُومَ عَلَى فَمِكِ. كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ مَا انْكَشَفَ شَرُّكِ. أَمَّا الْآنَ فَأَنْتِ مِثْلُهَا، تَحْتَقِرُكِ مُدُنُ أَدُومَ وَكُلُّ مَنْ حَوْلَهَا، وَمُدُنُ الْفِلِسْطِيِّينَ أَيْضًا. كُلُّ جِيرَانِكِ يَكْرَهُونَكِ! سَتَنَالِينَ عِقَابَ فُجُورِكِ وَنَجَاسَتِكِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”’وَقَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: سَأَفْعَلُ بِكِ كَمَا فَعَلْتِ، لِأَنَّكِ احْتَقَرْتِ قَسَمِي بِأَنْ نَقَضْتِ الْعَهْدَ. وَلَكِنِّي أَذْكُرُ عَهْدِيَ الَّذِي عَمِلْتُهُ مَعَكِ أَيَّامَ صِبَاكِ، وَأُقِيمُ مَعَكِ عَهْدًا يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. فَتَذْكُرِينَ سُلُوكَكِ وَتَخْجَلِينَ حِينَ تَقْبَلِينَ أَخَوَاتِكِ الْأَكْبَرَ مِنْكِ وَالْأَصْغَرَ مِنْكِ. لِأَنِّي أُعْطِيهِنَّ لَكِ كَبَنَاتٍ، مَعَ أَنَّ عَهْدِي مَعَكِ لَا يَشْمَلُهُنَّ. فَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَكِ، فَتَعْلَمِينَ أَنِّي أَنَا اللهُ. وَحِينَ أَغْفِرُ لَكِ كُلَّ مَا فَعَلْتِ، تَذْكُرِينَ وَتَخْجَلِينَ وَلَا تَفْتَحِينَ فَمَكِ أَبَدًا مِنَ الْخَجَلِ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، قَدِّمْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ لُغْزًا، وَكَلِّمْهُمْ بِمَثَلٍ. قُلْ لَهُمْ: ’الْمَوْلَى الْإِلَهُ يَقُولُ: جَاءَ إِلَى لُبْنَانَ نِسْرٌ عَظِيمٌ، لَهُ جَنَاحَانِ قَوِيَّانِ، وَرِيشٌ طَوِيلٌ وَكَثِيرٌ وَمُلَوَّنٌ. وَوَقَفَ عَلَى قِمَّةِ شَجَرَةِ أَرْزٍ. وَكَسَرَ أَعْلَى غُصْنٍ فِيهَا وَحَمَلَهُ إِلَى بِلَادِ التُّجَّارِ وَغَرَسَهُ فِي إِحْدَى مُدُنِ الْبَيَّاعِينَ. ثُمَّ أَخَذَ بَعْضَ الْحَبِّ مِنْ بِلَادِكُمْ، وَوَضَعَهُ فِي تُرْبَةٍ خِصْبَةٍ، وَزَرَعَهُ كَالصَّفْصَافِ عَلَى مِيَاهٍ غَزِيرَةٍ. فَنَبَتَ وَصَارَ كَرْمَةً مُمْتَدَّةً، سَاقُهَا قَصِيرَةٌ. فَمَالَتْ أَغْصَانُهَا نَحْوَ النِّسْرِ، وَلَكِنْ بَقِيَتْ جُذُورُهَا فِي مَكَانِهَا. فَصَارَتْ كَرْمَةً وَأَنْبَتَتْ فُرُوعًا، وَطَلَّعَتْ أَوْرَاقًا. ”’وَلَكِنْ بَعْدَ ذَلِكَ جَاءَ نِسْرٌ آخَرُ عَظِيمٌ، لَهُ جَنَاحَانِ قَوِيَّانِ، وَرِيشٌ كَثِيرٌ. فَأَرْسَلَتِ الْكَرْمَةُ جُذُورَهَا مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي زُرِعَتْ فِيهِ، إِلَى ذَلِكَ النِّسْرِ لِيَسْقِيَهَا، وَمَدَّتْ أَغْصَانَهَا نَحْوَهُ. مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ مَزْرُوعَةً فِي تُرْبَةٍ جَيِّدَةٍ، عَلَى مِيَاهٍ غَزِيرَةٍ، لِكَيْ تُنْبِتَ أَغْصَانًا، وَتَحْمِلَ ثِمَارًا، فَكَانَ مُمْكِنًا أَنْ تَصِيرَ كَرْمَةً رَائِعَةً!‘ ”فَقُلْ لَهُمْ: ’الْمَوْلَى الْإِلَهُ يَقُولُ: هَلْ تَزْدَهِرُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ؟ لَا، بَلْ تُقْلَعُ مِنْ جِذْرِهَا، وَيُنْزَعُ مِنْهَا ثَمَرُهَا، وَتَيْبَسُ هِيَ وَكُلُّ وَرَقِهَا وَتَمُوتُ. وَلَا تَحْتَاجُ إِلَى ذِرَاعٍ قَوِيَّةٍ، وَلَا إِلَى شَعْبٍ كَثِيرٍ لِيَقْلَعُوهَا مِنْ جِذْرِهَا. وَحَتَّى إِنْ زُرِعَتْ مَرَّةً ثَانِيَةً، لَا تَزْدَهِرُ. بَلْ تَيْبَسُ تَمَامًا، كَأَنَّ الرِّيحَ الشَّرْقِيَّةَ ضَرَبَتْهَا، فَتَمُوتُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي زُرِعَتْ فِيهِ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”قُلْ لِهَذَا الْبَيْتِ الْمُتَمَرِّدِ: ’هَلْ عَرَفْتُمْ مَعْنَى هَذَا الْمَثَلِ؟ فَقَدْ جَاءَ مَلِكُ بَابِلَ إِلَى الْقُدْسِ، وَأَسَرَ مَلِكَهَا وَرُؤَسَاءَهَا وَأَخَذَهُمْ مَعَهُ إِلَى بَابِلَ. وَأَخَذَ وَاحِدًا مِنَ النَّسْلِ الْمَلَكِيِّ، وَعَمِلَ مَعَهُ عَهْدًا وَحَلَّفَهُ. وَأَسَرَ أَيْضًا قَادَةَ الْبِلَادِ. لِتَكُونَ مَمْلَكَةً حَقِيرَةً لَا تَرْتَفِعُ، بَلْ تَدُومُ فَقَطْ إِنْ حَفِظَتِ الْعَهْدَ مَعَهُ. وَلَكِنَّ هَذَا الْمَلِكَ تَمَرَّدَ عَلَى مَلِكِ بَابِلَ، وَأَرْسَلَ وَفْدًا إِلَى مِصْرَ لِيَحْصُلَ عَلَى خَيْلٍ وَجَيْشٍ كَبِيرٍ. فَهَلْ يَنْجَحُ؟ هَلْ يَنْجُو الَّذِي فَعَلَ هَذَا؟ كَيْفَ يَنْقُضُ الْعَهْدَ وَيَنْجُو؟ لِذَلِكَ يَقُولُ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: أُقْسِمُ بِذَاتِي إِنَّهُ يَمُوتُ فِي بَابِلَ، فِي بِلَادِ الْمَلِكِ الَّذِي وَضَعَهُ عَلَى الْعَرْشِ، لِأَنَّهُ احْتَقَرَ قَسَمَهُ وَنَقَضَ عَهْدَهُ. وَلَوْ جَاءَهُ فِرْعَوْنُ بِجَيْشٍ عَظِيمٍ وَشَعْبٍ غَفِيرٍ، لَا يَقْدِرُ أَنْ يُسَاعِدَهُ. لِأَنَّ الْبَابِلِيِّينَ سَيَضَعُونَ عَلَيْهِ الْحِصَارَ وَيَبْنُونَ الْأَبْرَاجَ وَيَقْتُلُونَ نُفُوسًا كَثِيرَةً. إِنَّهُ احْتَقَرَ الْقَسَمَ، وَنَقَضَ الْعَهْدَ، وَأَعْطَى يَدَ الْوَلَاءِ لِمِصْرَ. إِنَّهُ فَعَلَ كُلَّ هَذَا، فَلَا يَنْجُو! ”’لِذَلِكَ قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: أُقْسِمُ بِذَاتِي إِنِّي أَجْلِبُ عَلَى رَأْسِ مَلِكِ يَهُوذَا الْعِقَابَ لِأَنَّهُ احْتَقَرَ قَسَمِي وَنَقَضَ عَهْدِي. وَأَبْسُطُ شَبَكَتِي عَلَيْهِ، فَيَقَعُ فِي مَصْيَدَتِي. وَآخُذُهُ إِلَى بَابِلَ، وَأُحَاكِمُهُ هُنَاكَ لِأَنَّهُ خَانَنِي. وَيَمُوتُ بِالسَّيْفِ أَحْسَنُ قَادَةِ جَيْشِهِ جَمِيعًا. وَالَّذِينَ يَنْجُونَ أُبَدِّدُهُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ حَكَمْتُ بِهَذَا. ”’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. سَآخُذُ فَرْعًا مِنْ قِمَّةِ شَجَرَةِ الْأَرْزِ وَأَغْرِسُهُ، أَقْطِفُ غُصْنًا صَغِيرًا مِنْ أَعْلَى أَغْصَانِهَا وَأَغْرِسُهُ عَلَى جَبَلٍ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ. فِي جَبَلِ إِسْرَائِيلَ الْعَالِي أَغْرِسُهُ، فَيُنْبِتُ أَغْصَانًا، وَيَحْمِلُ ثِمَارًا، وَيَصِيرُ شَجَرَةَ أَرْزٍ رَائِعَةٍ! فَتُعَشِّشُ فِيهَا طُيُورٌ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ، وَتَأْوِي فِي ظِلِّ أَغْصَانِهَا. فَتَعْلَمُ كُلُّ طُيُورِ الْحَقْلِ أَنِّي أَنَا اللهُ أُذِلُّ كِبْرِيَاءَ الشَّجَرَةِ الْعَالِيَةِ، وَأَرْفَعُ الشَّجَرَةَ الْوَضِيعَةَ. أَجْعَلُ الشَّجَرَةَ الْخَضْرَاءَ تَيْبَسُ، وَالشَّجَرَةَ الْيَابِسَةَ تَخْضَرُّ. أَنَا اللهُ حَكَمْتُ وَسَأُنَفِّذُ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”أَنْتُمْ تَضْرِبُونَ مَثَلًا عَنْ أَرْضِ إِسْرَائِيلَ وَتَقُولُونَ: ’الْآبَاءُ أَكَلُوا الْحِصْرِمَ، وَأَسْنَانُ الْأَبْنَاءِ ضَرِسَتْ.‘ فَمَاذَا تَقْصِدُونَ بِهِ؟ أُقْسِمُ بِذَاتِي لَا تَعُودُونَ تَضْرِبُونَ هَذَا الْمَثَلَ فِي إِسْرَائِيلَ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. لِأَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ حَيٍّ هُوَ لِي. الْأَبُ لِي وَالِابْنُ أَيْضًا لِي، كِلَاهُمَا لِي. وَالشَّخْصُ الَّذِي يُخْطِئُ هُوَ الَّذِي يَمُوتُ. ”فَإِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ صَالِحًا يَعْمَلُ الْعَدْلَ وَالصَّلَاحَ. وَلَا يَأْكُلُ فِي الْمَعَابِدِ الَّتِي فِي الْجِبَالِ. وَلَا يَعْبُدُ أَصْنَامَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. وَلَا يُنَجِّسُ امْرَأَةَ وَاحِدٍ آخَرَ. وَلَا يُعَاشِرُ زَوْجَتَهُ أَثْنَاءَ عَادَتِهَا الشَّهْرِيَّةِ. وَلَا يَظْلِمُ أَحَدًا، بَلْ يَرُدُّ رَهْنَ الدَّيْنِ لِصَاحِبِهِ. وَلَا يَسْلُبُ، بَلْ يُعْطِي خُبْزَهُ لِلْجَائِعِ، وَيَكْسُو الْعُرْيَانَ ثَوْبًا. وَلَا يُقْرِضُ مَالَهُ بِالرِّبَا، وَلَا يَأْخُذُ رِبْحًا فَاحِشًا. وَيَمْنَعُ يَدَهُ عَنِ ارْتِكَابِ الشَّرِّ، وَيَحْكُمُ بِالْعَدْلِ بَيْنَ شَخْصٍ وَآخَرَ. وَيَعْمَلُ بِفَرَائِضِي، وَيَحْفَظُ شَرَائِعِي. فَهَذَا الْإِنْسَانُ صَالِحٌ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَحْيَا. هَذَا وَعْدُ اللهِ. ”فَإِنْ أَنْجَبَ هَذَا الشَّخْصُ ابْنًا عَنِيفًا، قَاتِلًا، يَرْتَكِبُ هَذِهِ الشُّرُورَ، مَعَ أَنَّ أَبَاهُ لَمْ يَرْتَكِبْهَا، لَكِنَّهُ هُوَ يَأْكُلُ فِي الْمَعَابِدِ الَّتِي فِي الْجِبَالِ، وَيُنَجِّسُ امْرَأَةَ وَاحِدٍ آخَرَ. وَيَظْلِمُ الْمِسْكِينَ وَالْفَقِيرَ، وَيَسْلُبُ، وَلَا يَرُدُّ رَهْنَ الدَّيْنِ لِصَاحِبِهِ. وَيَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَيَرْتَكِبُ الْقَبَاحَةَ. وَيُقْرِضُ مَالَهُ بِالرِّبَا، وَيَأْخُذُ رِبْحًا فَاحِشًا. فَهَلْ هَذَا الشَّخْصُ يَحْيَا؟ لَا! بَلْ عِقَابُهُ الْمَوْتُ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ كُلَّ هَذِهِ الْقَبَاحَةِ، وَيَكُونُ هُوَ الْمَسْئُولَ عَنْ نَفْسِهِ. ”فَإِنْ أَنْجَبَ هَذَا الِابْنُ ابْنًا، فَرَأَى الشَّرَّ الَّذِي ارْتَكَبَهُ أَبُوهُ، وَاتَّعَظَ وَلَمْ يَعْمَلْ مِثْلَهُ. فَلَا يَأْكُلُ فِي الْمَعَابِدِ الَّتِي فِي الْجِبَالِ. وَلَا يَعْبُدُ أَصْنَامَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. وَلَا يُنَجِّسُ امْرَأَةَ وَاحِدٍ آخَرَ. وَلَا يَظْلِمُ أَحَدًا، وَلَا يَطْلُبُ رَهْنًا. وَلَا يَسْلُبُ، بَلْ يُعْطِي خُبْزَهُ لِلْجَائِعِ، وَيَكْسُو الْعُرْيَانَ ثَوْبًا. وَيَمْنَعُ يَدَهُ عَنِ ارْتِكَابِ الذَّنْبِ، وَلَا يَأْخُذُ رِبًا وَلَا رِبْحًا فَاحِشًا. بَلْ يَحْفَظُ شَرَائِعِي وَيَعْمَلُ بِفَرَائِضِي. فَهَذَا الشَّخْصُ لَا يَمُوتُ بِذَنْبِ أَبِيهِ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَحْيَا. أَمَّا أَبُوهُ الَّذي خَطَفَ وَظَلَمَ وَعَمِلَ مَا هُوَ غَيْرُ صَالِحٍ بَيْنَ شَعْبِهِ، فَهُوَ يَمُوتُ بِذَنْبِهِ. ”وَمَعَ ذَلِكَ تَقُولُونَ: ’لِمَاذَا لَا يَحْمِلُ الِابْنُ ذَنْبَ الْأَبِ؟‘ فَأَقُولُ لَكُمْ إِنَّ الِابْنَ عَمِلَ الْعَدْلَ وَالصَّلَاحَ، وَحَفِظَ كُلَّ فَرَائِضِي وَأَطَاعَهَا، فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْيَا. الشَّخْصُ الَّذِي يُخْطِئُ هُوَ الَّذِي يَمُوتُ. الِابْنُ لَا يَحْمِلُ ذَنْبَ الْأَبِ وَالْأَبُ لَا يَحْمِلُ ذَنْبَ الِابْنِ. الصَّالِحُ يَتَمَتَّعُ بِصَلَاحِهِ، وَالشِّرِّيرُ يُعَانِي مِنْ شَرِّهِ. ”فَإِنْ رَجَعَ الشِّرِّيرُ عَنْ كُلِّ ذُنُوبِهِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا، وَحَفِظَ كُلَّ فَرَائِضِي، وَعَمِلَ الْعَدْلَ وَالصَّلَاحَ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْيَا، وَلَا يَمُوتَ. وَكُلُّ مَعَاصِيهِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا لَا تُذْكَرُ لَهُ، بَلْ يَحْيَا لِأَنَّهُ عَمِلَ الصَّلَاحَ. وَالْمَوْلَى الْإِلَهُ يَقُولُ: هَلْ أَفْرَحُ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ؟ لَا! بَلْ أَفْرَحُ عِنْدَمَا يَرْجِعُ عَنْ سُلُوكِهِ فَيَحْيَا. ”وَإِنْ رَجَعَ الصَّالِحُ عَنْ صَلَاحِهِ، وَارْتَكَبَ الذَّنْبَ وَعَمِلَ نَفْسَ الْقَبَاحَةِ الَّتِي يَعْمَلُهَا الشِّرِّيرُ، فَهَلْ يَحْيَا؟ لَا! لِأَنَّ كُلَّ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي عَمِلَهَا لَا تُذْكَرُ، وَيَمُوتُ بِسَبَبِ خِيَانَتِهِ الَّتِي اقْتَرَفَهَا وَذُنُوبِهِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا. ”وَمَعَ ذَلِكَ تَقُولُونَ: ’اللهُ يَتَصَرَّفُ بِغَيْرِ عَدْلٍ.‘ فَاسْمَعُوا يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ: لَسْتُ أَنَا الَّذِي أَتَصَرَّفُ بِغَيْرِ عَدْلٍ، بَلْ أَنْتُمْ! فَإِنْ رَجَعَ الصَّالِحُ عَنْ صَلَاحِهِ، وَارْتَكَبَ الذَّنْبَ، فَهُوَ يَمُوتُ بِسَبَبِهِ. بِسَبَبِ الذَّنْبِ الَّذِي ارْتَكَبَهُ يَمُوتُ. وَإِنْ رَجَعَ الشِّرِّيرُ عَنِ الشَّرِّ الَّذِي ارْتَكَبَهُ، وَعَمِلَ الْعَدْلَ وَالصَّلَاحَ، فَهُوَ يُنَجِّي نَفْسَهُ. فَهُوَ اتَّعَظَ مِنْ كُلِّ الْمَعَاصِي الَّتِي ارْتَكَبَهَا، وَرَجَعَ عَنْهَا، فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْيَا، وَلَا يَمُوتَ. وَمَعَ ذَلِكَ يَقُولُ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ: ’اللهُ يَتَصَرَّفُ بِغَيْرِ عَدْلٍ.‘ لَسْتُ أَنَا الَّذِي أَتَصَرَّفُ بِغَيْرِ عَدْلٍ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، بَلْ أَنْتُمْ! لِذَلِكَ قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: سَأَحْكُمُ عَلَيْكُمْ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، كُلِّ وَاحِدٍ حَسَبَ سُلُوكِهِ. فَتُوبُوا وَارْجِعُوا عَنْ كُلِّ مَعَاصِيكُمْ، لِئَلَّا تَهْلِكُوا بِذَنْبِكُمْ. أَبْعِدُوا عَنْكُمْ كُلَّ مَعَاصِيكُمُ الَّتِي تَرْتَكِبُونَهَا، وَاحْصُلُوا عَلَى قَلْبٍ جَدِيدٍ وَرُوحٍ جَدِيدَةٍ. فَلِمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تَمُوتُوا يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ؟ لِأَنَّ الْمَوْلَى الْإِلَهَ يَقُولُ: أَنَا لَا أَفْرَحُ بِمَوْتِ أَيِّ وَاحِدٍ. إِذَنْ تُوبُوا لِكَيْ تَحْيَوْا. ”أَمَّا أَنْتَ فَانْدُبْ عَلَى رُؤَسَاءِ إِسْرَائِيلَ بِهَذِهِ الْمَرْثَاةِ: ’كَانَتْ أُمُّكُمْ كَلَبْوَةٍ بَيْنَ الْأُسُودِ! رَقَدَتْ بَيْنَ الْأَشْبَالِ وَرَبَّتْ صِغَارَهَا. رَبَّتْ وَاحِدًا مِنْ صِغَارِهَا، فَصَارَ أَسَدًا قَوِيًّا، وَتَعَلَّمَ أَنْ يَفْتَرِسَ، فَأَكَلَ النَّاسَ. وَسَمِعَتْ عَنْهُ الْأُمَمُ، فَوَقَعَ فِي حُفْرَتِهِمْ، فَأَخَذُوهُ بِخَزَائِمَ إِلَى أَرْضِ مِصْرَ. ”’فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّ رَغْبَتَهَا لَمْ تَتِمَّ وَأَمَلَهَا ضَاعَ، أَخَذَتْ وَاحِدًا آخَرَ مِنْ صِغَارِهَا وَجَعَلَتْهُ أَسَدًا قَوِيًّا. فَتَجَوَّلَ بَيْنَ الْأُسُودِ، لِأَنَّهُ صَارَ أَسَدًا قَوِيًّا وَتَعَلَّمَ أَنْ يَفْتَرِسَ، وَأَكَلَ النَّاسَ. وَهَدَمَ حُصُونَهُمْ وَخَرَّبَ مُدُنَهُمْ، فَارْتَعَبَتِ الْبِلَادُ وَكُلُّ مَنْ فِيهَا مِنْ زَئِيرِهِ. فَاتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْأُمَمُ الَّتِي حَوْلَهُ، وَبَسَطُوا عَلَيْهِ شَبَكَتَهُمْ، فَوَقَعَ فِي حُفْرَتِهِمْ. أَخَذُوهُ بِخَزَائِمَ وَحَبَسُوهُ فِي قَفَصٍ، وَأَحْضَرُوهُ إِلَى مَلِكِ بَابِلَ. وَوَضَعُوهُ فِي السِّجْنِ، فَلَا يَعُودُ يُسْمَعُ زَئِيرُهُ بَعْدُ فِي جِبَالِ إِسْرَائِيلَ. ”’أُمُّكُمْ مِثْلُ كَرْمَةٍ فِي حَدِيقَتِكُمْ، مَغْرُوسَةٌ عِنْدَ الْمَاءِ. وَمِنْ كَثْرَةِ الْمَاءِ أَثْمَرَتْ وَأَخْرَجَتْ وَرَقًا كَثِيرًا. وَكَانَتْ أَغْصَانُهَا قَوِيَّةً تَنْفَعُ لِعَمَلِ عَصًا لِلْحَاكِمِ. وَارْتَفَعَ سَاقُهَا أَعْلَى مِنَ الْأَغْصَانِ الْكَثِيفَةِ، وَصَارَتْ ظَاهِرَةً لِأَنَّهَا عَالِيَةٌ وَأَغْصَانَهَا كَثِيرَةٌ. لَكِنَّهَا قُلِعَتْ بِغَضَبٍ وَطُرِحَتْ إِلَى الْأَرْضِ، وَيَبَّسَتْهَا الرِّيحُ الشَّرْقِيَّةُ، وَنُزِعَ مِنْهَا ثَمَرُهَا، وَذَبُلَتْ أَغْصَانُهَا الْقَوِيَّةُ، وَأَكَلَتْهَا النَّارُ. وَالْآنَ غُرِسَتْ فِي الصَّحْرَاءِ، فِي أَرْضٍ يَابِسَةٍ عَطْشَانَةٍ. فَخَرَجَتْ نَارٌ مِنْ أَحَدِ أَغْصَانِهَا الْكَبِيرَةِ وَأَكَلَتْ ثَمَرَهَا. وَالْآنَ لَيْسَ فِيهَا وَلَا غُصْنٌ وَاحِدٌ قَوِيٌّ يَنْفَعُ لِعَمَلِ عَصًا لِلْحَاكِمِ.‘ هَذِهِ مَرْثَاةٌ تُسْتَعْمَلُ لِلنَّدْبِ.“ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ الْخَامِسِ مِنَ السَّنَةِ السَّابِعَةِ بَعْدَ الْأَسْرِ، جَاءَ بَعْضُ شُيُوخِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِيَسْتَشِيرُوا اللهَ، فَجَلَسُوا أَمَامِي. فَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، قُلْ لِشُيُوخِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ: هَلْ أَتَيْتُمْ لِتَسْتَشِيرُونِي؟ أُقْسِمُ بِذَاتِي، إِنِّي أَرْفُضُ أَنْ تَسْتَشِيرُونِي! هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ.‘ ”تَعَالَ احْكُمْ عَلَيْهِمْ يَا ابْنَ آدَمَ، تَعَالَ احْكُمْ عَلَيْهِمْ. أَخْبِرْهُمْ بِأَعْمَالِ آبَائِهِمِ الْقَبِيحَةِ. وَقُلْ لَهُمْ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ: يَوْمَ اخْتَرْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، حَلَفْتُ يَمِينًا لِنَسْلِ بَيْتِ يَعْقُوبَ، وَأَعْلَنْتُ لَهُمْ عَنْ نَفْسِي فِي مِصْرَ. وَحَلَفْتُ لَهُمْ وَقُلْتُ: ”أَنَا اللهُ رَبُّكُمْ.“ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ حَلَفْتُ لَهُمْ أَنْ أُخْرِجَهُمْ مِنْ مِصْرَ، إِلَى أَرْضٍ بَحَثْتُ عَنْهَا لَهُمْ، أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، هِيَ زِينَةُ كُلِّ الْأَرْضِ. وَقُلْتُ لَهُمْ: ”أَبْعِدُوا عَنْكُمْ تَمَاثِيلَكُمُ الْبَشِعَةَ الَّتِي تُحِبُّونَهَا، وَلَا تُنَجِّسُوا أَنْفُسَكُمْ بِأَصْنَامِ مِصْرَ. أَنَا اللهُ رَبُّكُمْ.“ ”’وَلَكِنَّهُمْ تَمَرَّدُوا عَلَيَّ، وَلَمْ يُرِيدُوا أَنْ يَسْمَعُوا لِي، وَلَمْ يُبْعِدُوا عَنْهُمْ تَمَاثِيلَهُمُ الْبَشِعَةَ الَّتِي تَجْذِبُ أَنْظَارَهُمْ، وَلَمْ يَتْرُكُوا أَصْنَامَ مِصْرَ. فَقَرَّرْتُ أَنْ أَصُبَّ عَلَيْهِمْ غَضَبِي، وَأَبْعَثَ لَهُمْ كُلَّ غَيْظِي وَهُمْ مَا زَالُوا فِي مِصْرَ. وَلَكِنِّي أَكْرَمْتُ اسْمِي لِكَيْ لَا يَتَنَجَّسَ فِي نَظَرِ الْأُمَمِ الَّتِي كَانَ يَسْكُنُ بَيْنَهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ. فَأَعْلَنْتُ نَفْسِي لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَخْرَجْتُهُمْ مِنْ مِصْرَ أَمَامَ عُيُونِ الْأُمَمِ. وَمِنْ مِصْرَ أَخَذْتُهُمْ إِلَى الصَّحْرَاءِ. وَأَعْطَيْتُهُمْ فَرَائِضِي وَعَرَّفْتُهُمْ شَرَائِعِي، لِأَنَّ مَنْ يُطِيعُهَا يَحْيَا بِهَا. وَأَعْطَيْتُهُمْ أَيْضًا وَصِيَّةَ يَوْمِ السَّبْتِ كَعَلَامَةٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، لِكَيْ يَعْلَمُوا أَنِّي أَنَا اللهُ الَّذِي خَصَّصَهُمْ لَهُ. ”’لَكِنَّ شَعْبَ إِسْرَائِيلَ تَمَرَّدُوا عَلَيَّ فِي الصَّحْرَاءِ. وَلَمْ يَعْمَلُوا بِفَرَائِضِي، بَلْ رَفَضُوا شَرَائِعِي. مَعَ أَنَّ مَنْ يُطِيعُهَا يَحْيَا بِهَا. وَكَسَرُوا وَصِيَّةَ يَوْمِ السَّبْتِ. فَقَرَّرْتُ أَنْ أَصُبَّ عَلَيْهِمْ غَضَبِي وَهُمْ فِي الصَّحْرَاءِ وَأُفْنِيَهُمْ. وَلَكِنِّي أَكْرَمْتُ اسْمِي لِكَيْ لَا يَتَنَجَّسَ فِي نَظَرِ الْأُمَمِ الَّتِي أَخْرَجْتُهُمْ أَمَامَهَا. وَحَلَفْتُ لَهُمْ يَمِينًا فِي الصَّحْرَاءِ، أَنِّي لَا أُدْخِلُهُمْ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لَهُمْ، الَّتِي تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، وَالَّتِي هِيَ زِينَةُ كُلِّ الْأَرْضِ. لِأَنَّهُمْ رَفَضُوا شَرَائِعِي، وَلَمْ يَعْمَلُوا بِفَرَائِضِي، وَكَسَرُوا وَصِيَّةَ يَوْمِ السَّبْتِ. لِأَنَّ قَلْبَهُمْ تَبِعَ أَصْنَامَهُمْ. وَلَكِنِّي أَشْفَقْتُ عَلَيْهِمْ، فَلَا أَهْلَكْتُهُمْ وَلَا أَفْنَيْتُهُمْ فِي الصَّحْرَاءِ. وَقُلْتُ لِأَوْلَادِهِمْ فِي الصَّحْرَاءِ: ”لَا تَعْمَلُوا بِفَرَائِضِ آبَائِكُمْ، وَلَا تَحْفَظُوا شَرَائِعَهُمْ، وَلَا تُنَجِّسُوا أَنْفُسَكُمْ بِأَصْنَامِهِمْ. أَنَا اللهُ رَبُّكُمْ، فَاعْمَلُوا بِفَرَائِضِي وَاحْفَظُوا شَرَائِعِي وَأَطِيعُوهَا. اِحْفَظُوا وَصِيَّةَ يَوْمِ السَّبْتِ مُقَدَّسَةً، كَعَلَامَةٍ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنِّي أَنَا اللهُ رَبُّكُمْ.“ ”’لَكِنَّ الْأَوْلَادَ تَمَرَّدُوا عَلَيَّ. وَلَمْ يَعْمَلُوا بِفَرَائِضِي وَلَمْ يَحْفَظُوا شَرَائِعِي وَلَمْ يُطِيعُوهَا. مَعَ أَنَّ مَنْ يُطِيعُهَا يَحْيَا بِهَا. وَكَسَرُوا وَصِيَّةَ يَوْمِ السَّبْتِ. فَقَرَّرْتُ أَنْ أَصُبَّ عَلَيْهِمْ غَضَبِي، وَأَبْعَثَ لَهُمْ كُلَّ غَيْظِي وَهُمْ فِي الصَّحْرَاءِ. وَلَكِنِّي مَنَعْتُ يَدِي، وَأَكْرَمْتُ اسْمِي لِكَيْ لَا يَتَنَجَّسَ فِي نَظَرِ الْأُمَمِ. وَأَخْرَجْتُهُمْ أَمَامَ عُيُونِ الْأُمَمِ. وَحَلَفْتُ لَهُمْ يَمِينًا فِي الصَّحْرَاءِ، أَنِّي أُشَتِّتُهُمْ فِي الْأُمَمِ وَأُبَدِّدُهُمْ فِي الْبِلَادِ. لِأَنَّهُمْ لَمْ يُطِيعُوا شَرَائِعِي، بَلْ رَفَضُوا فَرَائِضِي، وَكَسَرُوا وَصِيَّةَ يَوْمِ السَّبْتِ، لِأَنَّ عُيُونَهُمْ رَاحَتْ وَرَاءَ أَصْنَامِ آبَائِهِمْ. وَجَعَلْتُهُمْ أَيْضًا يَتْبَعُونَ فَرَائِضَ غَيْرَ صَالِحَةٍ، وَشَرَائِعَ لَا يَحْيَوْنَ بِهَا. وَتَرَكْتُهُمْ يُنَجِّسُونَ أَنْفُسَهُمْ بِأَنْ أَحْرَقُوا كُلَّ ابْنٍ بِكْرٍ فِي النَّارِ قُرْبَانًا، وَذَلِكَ لِكَيْ أُرْعِبَهُمْ حَتَّى يَعْلَمُوا أَنِّي أَنَا اللهُ.‘ ”يَا ابْنَ آدَمَ، قُلْ لِشَعْبِ إِسْرَائِيلَ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. آبَاؤُكُمْ كَفَرُوا بِي وَخَانُونِي فِي هَذَا الْأَمْرِ أَيْضًا، لَمَّا أَدْخَلْتُهُمْ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَقْسَمْتُ أَنْ أُعْطِيَهَا لَهُمْ، وَرَأَوْا أَيَّ تَلٍّ مُرْتَفِعٍ وَأَيَّ شَجَرَةٍ فِيهَا وَرَقٌ، ذَبَحُوا هُنَاكَ ضَحَايَاهُمْ، وَقَدَّمُوا قَرَابِينَهُمُ الَّتِي أَغْضَبَتْنِي، وَأَحْرَقُوا بَخُورَهُمُ الْعَطِرَ، وَسَكَبُوا قُرْبَانَ الشَّرَابِ. فَقُلْتُ لَهُمْ: ”مَا هَذِهِ الْمُرْتَفَعَةُ الَّتِي تَعْبُدُونَ فِيهَا؟“ فَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْمَعَابِدُ مُرْتَفَعَاتٍ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ.‘ ”لِذَلِكَ قُلْ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. هَلْ نَجَّسْتُمْ أَنْفُسَكُمْ كَمَا فَعَلَ آبَاؤُكُمْ؟ وَضَلَلْتُمْ وَرَاءَ تَمَاثِيلِهِمِ الْبَشِعَةِ؟ عِنْدَمَا تُقَدِّمُونَ هَدَايَاكُمْ، وَتَحْرِقُونَ أَوْلَادَكُمْ فِي النَّارِ قُرْبَانًا، أَنْتُمْ تُنَجِّسُونَ أَنْفُسَكُمْ بِكُلِّ أَصْنَامِكُمْ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. فَهَلْ أَسْمَحُ لَكُمْ بِأَنْ تَسْتَشِيرُونِي؟ أُقْسِمُ بِذَاتِي، إِنِّي أَرْفُضُ أَنْ تَسْتَشِيرُونِي! هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. أَنْتُمْ تَقُولُونَ: ”نَكُونُ كَالْأُمَمِ وَكَشُعُوبِ الْأَرْضِ، فَنَعْبُدُ الْخَشَبَ وَالْحَجَرَ.“ وَلَكِنْ مَا تُرِيدُونَهُ لَنْ يَتَحَقَّقَ. فَالْمَوْلَى الْإِلَهُ يَقُولُ: أُقْسِمُ بِذَاتِي، إِنِّي أَتَسَلَّطُ عَلَيْكُمْ بِيَدٍ قَوِيَّةٍ وَذِرَاعٍ قَدِيرَةٍ وَغَضَبٍ شَدِيدٍ. وَأُخْرِجُكُمْ مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ، وَأَجْمَعُكُمْ مِنَ الْبِلَادِ الَّتِي بَدَّدْتُكُمْ فِيهَا، بِيَدٍ قَوِيَّةٍ وَذِرَاعٍ قَدِيرَةٍ وَغَضَبٍ شَدِيدٍ. وَأَقُودُكُمْ إِلَى صَحْرَاءِ الْأُمَمِ، وَأُحَاكِمُكُمْ هُنَاكَ وَجْهًا لِوَجْهٍ. وَأَحْكُمُ عَلَيْكُمْ كَمَا حَكَمْتُ عَلَى آبَائِكُمْ فِي صَحْرَاءِ أَرْضِ مِصْرَ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. وَأَجْعَلُكُمْ تَمُرُّونَ تَحْتَ عَصَايَ، وَأُدْخِلُكُمْ فِي رِبَاطِ الْعَهْدِ. وَأَعْزِلُ مِنْكُمُ الْمُتَمَرِّدِينَ وَالَّذِينَ يَرْفُضُونَ طَاعَتِي، فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي هُمْ فِيهَا، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ أَرْضَ إِسْرَائِيلَ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ. ”’أَمَّا أَنْتُمْ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، فَالْمَوْلَى الْإِلَهُ يَقُولُ: اِذْهَبُوا كُلُّكُمْ وَاعْبُدُوا أَصْنَامَكُمْ! وَلَكِنْ فِيمَا بَعْدُ سَتَسْمَعُونَ لِي وَلَا تَعُودُونَ تُنَجِّسُونَ اسْمِيَ الْقُدُّوسَ بِهَدَايَاكُمْ وَأَصْنَامِكُمْ. لِأَنَّ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ: فِي جَبَلِيَ الْمُقَدَّسِ، جَبَلِ إِسْرَائِيلَ الْعَالِي، يَعْبُدُنِي كُلُّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ فِي الْأَرْضِ. هُنَاكَ أَرْضَى عَنْهُمْ. وَهُنَاكَ أَطْلُبُ قُرْبَانَكُمْ وَأَحْسَنَ هَدَايَاكُمْ مَعَ كُلِّ ضَحَايَاكُمُ الْمُقَدَّسَةِ. وَأَرْضَى عَنْكُمْ كَبَخُورٍ عَطِرٍ حِينَ أُخْرِجُكُمْ مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ، وَأَجْمَعُكُمْ مِنَ الْبِلَادِ الَّتِي شَتَّتُّكُمْ فِيهَا. وَأُظْهِرُ بَيْنَكُمْ أَنِّي قُدُّوسٌ أَمَامَ كُلِّ الْأُمَمِ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ حِينَ أُدْخِلُكُمْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، الْأَرْضِ الَّتِي حَلَفْتُ يَمِينًا أَنْ أُعْطِيَهَا لِآبَائِكُمْ. وَتَذْكُرُونَ هُنَاكَ سُلُوكَكُمْ وَكُلَّ أَعْمَالِكُمُ الَّتِي نَجَّسْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِهَا، فَتَكْرَهُونَ أَنْفُسَكُمْ بِسَبَبِ كُلِّ الشَّرِّ الَّذِي ارْتَكَبْتُمُوهُ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ حِينَ أُعَامِلُكُمْ بِمَا يُكْرِمُ اسْمِي، لَا حَسَبَ سُلُوكِكُمُ الرَّدِيءِ وَأَعْمَالِكُمُ الْفَاسِدَةِ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، حَوِّلْ وَجْهَكَ إِلَى الْجَنُوبِ وَأَنْذِرْهُ، وَتَنَبَّأْ عَلَى الْغَابَةِ الَّتِي فِي الْجَنُوبِ. قُلْ لِغَابَةِ الْجَنُوبِ: ’اِسْمَعِي كَلِمَةَ اللهِ، فَالْمَوْلَى الْإِلَهُ قَالَ: سَأُشْعِلُ فِيكِ نَارًا، فَتَأْكُلُ كُلَّ شَجَرَةٍ فِيكِ، خَضْرَاءَ كَانَتْ أَوْ يَابِسَةً. وَلَا يَنْطَفِئُ اللَّهِيبُ الْمُشْتَعِلُ، وَتَحْتَرِقُ بِهِ كُلُّ الْوُجُوهِ مِنَ الْجَنُوبِ إِلَى الشَّمَالِ. فَيَرَى كُلُّ النَّاسِ أَنِّي أَنَا أَشْعَلْتُهَا فَلَا تَنْطَفِئُ.‘“ فَقُلْتُ: ”آهِ، يَا رَبِّي وَإِلَهِي! هُمْ يَقُولُونَ عَنِّي إِنِّي أَضْرِبُ أَمْثَالًا!“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، حَوِّلْ وَجْهَكَ إِلَى الْقُدْسِ، وَأَنْذِرِ الْمَكَانَ الْمُقَدَّسَ. تَنَبَّأْ عَلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، وَقُلْ لَهَا: ’هَذَا كَلَامُ اللهِ: أَنَا ضِدُّكِ، فَأَسْتَلُّ سَيْفِي مِنْ غِمْدِهِ وَأَقْطَعُ مِنْكِ الصَّالِحَ وَالشِّرِّيرَ. وَحَيْثُ إِنِّي أَقْطَعُ الصَّالِحَ وَالشِّرِّيرَ، لِذَلِكَ يَخْرُجُ سَيْفِي مِنْ غِمْدِهِ ضِدَّ كُلِّ النَّاسِ مِنَ الْجَنُوبِ إِلَى الشَّمَالِ. فَيَعْلَمُ كُلُّ النَّاسِ، أَنِّي أَنَا اللهُ سَلَلْتُ سَيْفِي مِنْ غِمْدِهِ وَلَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِ.‘ ”لِذَلِكَ تَنَهَّدْ يَا ابْنَ آدَمَ، تَنَهَّدْ أَمَامَهُمْ بِقَلْبٍ مَكْسُورٍ وَحُزْنٍ شَدِيدٍ. فَإِنْ قَالُوا لَكَ: ’لِمَاذَا تَتَنَهَّدُ؟‘ قُلْ: ’لِأَنَّهُ سَيَأْتِي خَبَرٌ، فَكُلُّ وَاحِدٍ يَذُوبُ قَلْبُهُ وَتَنْهَارُ عَزِيمَتُهُ وَيُصَابُ بِالْيَأْسِ وَتَضِيعُ قُوَّتُهُ. سَيَأْتِي الْخَبَرُ وَيَتَحَقَّقُ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، تَنَبَّأْ وَقُلْ: ’هَذَا كَلَامُ اللهِ: سَيْفٌ! سَيْفٌ مَسْنُونٌ مَصْقُولٌ! مَسْنُونٌ لِيَذْبَحَ، وَمَصْقُولٌ لِيَلْمَعَ كَالْبَرْقِ! لَا تَفْرَحْ يَا ابْنِي، فَالْعِقَابُ بِالسَّيْفِ قَادِمٌ، بَعْدَمَا احْتَقَرْتَ كُلَّ عِقَابٍ بِالْعَصَا! السَّيْفُ مَصْقُولٌ لِكَيْ تُمْسِكَهُ الْيَدُ، هُوَ مَسْنُونٌ وَمَصْقُولٌ لِكَيْ يُوضَعَ فِي يَدِ الْقَاتِلِ.‘ اُصْرُخْ وَوَلْوِلْ يَا ابْنَ آدَمَ، لِأَنَّهُ سَيَنْزِلُ عَلَى شَعْبِي. وَسَيَنْزِلُ أَيْضًا عَلَى كُلِّ رُؤَسَاءِ إِسْرَائِيلَ، فَيُقْتَلُونَ مَعَ شَعْبِي. لِذَلِكَ اضْرِبْ عَلَى فَخْذِكَ مِنَ الْحُزْنِ. ’هَذَا وَقْتُ امْتِحَانٍ، وَمَاذَا يَحْدُثُ لَكُمْ بَعْدَمَا احْتَقَرْتُمُ الْعِقَابَ بِالْعَصَا؟ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ.‘ إِذَنْ تَنَبَّأْ يَا ابْنَ آدَمَ وَاضْرِبْ كَفًّا عَلَى كَفٍّ. خَلِّ السَّيْفَ يَنْزِلُ مَرَّتَيْنِ، بَلْ 3 مَرَّاتٍ. هُوَ سَيْفٌ يَذْبَحُ، يُحِيطُ بِالنَّاسِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ وَيَذْبَحُ كَثِيرِينَ. وَلِكَيْ تَذُوبَ الْقُلُوبُ وَيَكْثُرَ الْقَتْلَى، أَنَا وَضَعْتُ السَّيْفَ عَلَى كُلِّ أَبْوَابِهِمْ لِيَذْبَحَ، إِنَّهُ يَلْمَعُ كَالْبَرْقِ، إِنَّهُ مَصْقُولٌ لِيَذْبَحَ. اِضْرِبْ يَا سَيْفُ يَمِينًا وَشِمَالًا، اِضْرِبْ حَيْثُ يَتَّجِهُ حَدُّكَ. وَأَنَا أَيْضًا أَضْرِبُ كَفًّا عَلَى كَفٍّ، وَيَحِلُّ بِكُمْ غَيْظِي. أَنَا اللهُ حَكَمْتُ بِهَذَا.“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، اُرْسُمْ طَرِيقَيْنِ يَتْبَعُهُمَا سَيْفُ مَلِكِ بَابِلَ، وَيَبْدَآنِ مِنْ مَكَانٍ وَاحِدٍ. وَضَعْ عَلَامَةً عِنْدَ مُفْتَرَقِ الطَّرِيقَيْنِ حَيْثُ يَتَّجِهُ كُلٌّ مِنْهُمَا إِلَى مَدِينَةٍ. فَطَرِيقٌ يَسْلُكُهُ السَّيْفُ إِلَى رَبَّةَ عَاصِمَةِ بَنِي عَمُّونَ، وَالْآخَرُ يَسْلُكُهُ إِلَى يَهُوذَا وَالْقُدْسِ الْحَصِينَةِ. لِأَنَّ مَلِكَ بَابِلَ سَيَقِفُ عَلَى رَأْسِ الطَّرِيقِ، عِنْدَ مُفْتَرَقِ الطَّرِيقَيْنِ، لِيَعْرِفَ بِالْفَأْلِ فِي أَيِّ اتِّجَاهٍ يَسِيرُ. فَيُلْقِي قُرْعَةً بِالسِّهَامِ، وَيَسْتَشِيرُ الْأَصْنَامَ، وَيَفْحَصُ كَبِدَ ذَبِيحَةٍ. وَيَلْتَقِطُ الْقُرْعَةَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، فَتَقَعُ عَلَى الْقُدْسِ، لِيَضَعَ مَجَانِقَ وَيَأْمُرَ بِالْقَتْلِ وَيُطْلِقَ هُتَافَ الْحَرْبِ. فَيَضَعُ الْمَجَانِقَ لِتَحْطِيمِ بَوَّابَاتِهَا وَيُقِيمُ مِقْلَاعًا وَيَبْنِي بُرْجًا. فَيَظُنُّ أَهْلُهَا الَّذِينَ حَلَفُوا بِالْوَلَاءِ لَهُ، أَنَّ هَذَا فَأْلٌ كَاذِبٌ. وَلَكِنَّ مَلِكَ بَابِلَ يُذَكِّرُهُمْ بِذَنْبِهِمْ وَيَأْخُذُهُمْ أَسْرَى. فَالْمَوْلَى الْإِلَهُ يَقُولُ: ’أَنْتُمْ دَائِمًا تُذَكِّرُونِي بِشَرِّكُمْ، لِأَنَّ مَعَاصِيَكُمْ وَاضِحَةٌ وَذُنُوبَكُمْ ظَاهِرَةٌ فِي كُلِّ أَعْمَالِكُمْ، لِذَلِكَ تُؤْخَذُونَ أَسْرَى. ”’أَيُّهَا النَّجِسُ الشِّرِّيرُ، يَا مَلِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، جَاءَ يَوْمُكَ وَحَانَ وَقْتُ عِقَابِكَ. وَيَقُولُ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: اِنْزِعِ الْعِمَامَةَ، وَاطْرَحِ التَّاجَ عَنْ رَأْسِكَ. فَلَنْ يَبْقَى الْحَالُ كَمَا هُوَ، بَلْ أَرْفَعُ الْمُتَوَاضِعَ وَأَخْفِضُ الْمُرْتَفِعَ. خَرَابًا! سَأَجْعَلُ هَذَا الْمَكَانَ خَرَابًا! خَرَابًا لَا يُبْنَى حَتَّى يَأْتِيَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ أَنْ يَكُونَ مَلِكًا. فَأَجْعَلُهُ مَلِكًا.‘ ”وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، تَنَبَّأْ وَقُلْ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ بِشَأْنِ الْعَمُّونِيِّينَ وَشَتَائِمِهِمْ: سَيْفٌ! سَيْفٌ مَسْلُولٌ لِيَذْبَحَ، وَمَصْقُولٌ لِيَقْتُلَ وَيَلْمَعَ كَالْبَرْقِ. وَعَلَى الرَّغْمِ مِنَ الرُّؤَى الْبَاطِلَةِ وَالْفَأْلِ الْكَاذِبِ بِشَأْنِكَ، سَتَنْزِلُ عَلَى رِقَابِ النَّجِسِينَ وَالْأَشْرَارِ لِأَنَّهُ جَاءَ يَوْمُهُمْ وَحَانَ وَقْتُ عِقَابِهِمْ. اِرْجِعْ يَا سَيْفُ إِلَى غِمْدِكَ، فَإِنِّي سَأَحْكُمُ عَلَيْكَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي خُلِقْتَ فِيهِ، فِي أَرْضِ مِيلَادِكَ. وَأَصُبُّ غَضَبِي عَلَيْكَ، وَأَنْفُخُ عَلَيْكَ نَارَ غَيْظِي، وَأُوقِعُكَ فِي يَدِ رِجَالٍ قُسَاةٍ مَاهِرِينَ فِي الْقَتْلِ. وَتَكُونُ وَقُودًا لِلنَّارِ، وَيُسْفَكُ دَمُكَ فِي بِلَادِكَ. وَلَا تُذْكَرُ بَعْدَ ذَلِكَ، لِأَنِّي أَنَا اللهُ حَكَمْتُ بِهَذَا.‘“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، تَعَالَ احْكُمْ عَلَيْهَا، تَعَالَ احْكُمْ عَلَى مَدِينَةِ سَفْكِ الدَّمِ أَخْبِرْهَا بِكُلِّ أَعْمَالِهَا الْقَبِيحَةِ. وَقُلْ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ: أَيَّتُهَا الْمَدِينَةُ الَّتِي جَلَبَتْ عَلَى نَفْسِهَا الْخَرَابَ بِأَنْ سَفَكَتِ الدَّمَ فِي وَسَطِهَا، وَالَّتِي نَجَّسَتْ نَفْسَهَا بِأَنْ صَنَعَتِ الْأَصْنَامَ، أَنْتِ مُجْرِمَةٌ لِأَنَّكِ سَفَكْتِ الدَّمَ، أَنْتِ نَجِسَةٌ لِأَنَّكِ صَنَعْتِ الْأَصْنَامَ. أَنْتِ قَصَّرْتِ أَيَّامَكِ وَجَلَبْتِ عَلَى نَفْسِكِ النِّهَايَةَ. لِهَذَا أَجْعَلُكِ عَارًا بَيْنَ الْأُمَمِ، وَكُلُّ الْبِلَادِ تَضْحَكُ عَلَيْكِ. يَسْخَرُ مِنْكِ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ، يَا حَقِيرَةٌ، يَا كَثِيرَةَ الشَّغَبِ. اُنْظُرِي كَيْفَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ رُؤَسَاءِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ فِيكِ، يَسْتَخْدِمُ سُلْطَتَهُ لِسَفْكِ الدَّمِ. فِيكِ أَهَانُوا الْأَبَ وَالْأُمَّ، وَعَامَلُوا الْغَرِيبَ بِالظُّلْمِ، وَاضْطَهَدُوا الْيَتِيمَ وَالْأَرْمَلَةَ. أَنْتِ احْتَقَرْتِ مَا أَعْتَبِرُهُ أَنَا مُقَدَّسًا، وَكَسَرْتِ وَصِيَّةَ يَوْمِ السَّبْتِ. الَّذِينَ فِيكِ كَذَّابُونَ يَسْفِكُونَ الدَّمَ، وَيَأْكُلُونَ فِي الْمَعَابِدِ الَّتِي فِي الْجِبَالِ، وَيَرْتَكِبُونَ الْفُجُورَ. فِيكِ مَنْ يُعَاشِرُ امْرَأَةَ أَبِيهِ، وَمَنْ يَغْتَصِبُ امْرَأَةً مُتَنَجِّسَةً بِعَادَتِهَا الشَّهْرِيَّةِ، وَمَنْ يَرْتَكِبُ الزِّنَى مَعَ امْرَأَةِ وَاحِدٍ آخَرَ، وَمَنْ بِفُجُورِهِ يُنَجِّسُ زَوْجَةَ ابْنِهِ، وَمَنْ يَغْتَصِبُ أُخْتَهُ بِنْتَ أَبِيهِ. فِيكِ أَخَذُوا الرَّشْوَةَ لِسَفْكِ الدَّمِ. أَنْتِ أَخَذْتِ الرِّبَا وَالرِّبْحَ الْفَاحِشَ وَسَلَبْتِ مَالَ الْآخَرِينَ ظُلْمًا، وَنَسِيتِنِي! هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. ”’لِذَلِكَ أَضْرِبُ كَفًّا عَلَى كَفٍّ بِسَبَبِ الرِّبْحِ الْحَرَامِ الَّذِي حَصَلْتِ عَلَيْهِ، وَبِسَبَبِ الدَّمِ الَّذِي سُفِكَ فِي وَسَطِكِ. فَهَلْ يَحْتَمِلُ قَلْبُكِ، أَوْ تَقْوَى يَدَاكِ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي أُعَاقِبُكِ فِيهَا؟ أَنَا اللهُ حَكَمْتُ بِهَذَا وَأُنَفِّذُهُ. أُشَتِّتُكِ بَيْنَ الْأُمَمِ وَأُبَدِّدُكِ فِي الْبِلَادِ، وَأُزِيلُ نَجَاسَتَكِ مِنْكِ. لِأَنَّكِ نَجَّسْتِ نَفْسَكِ فِي نَظَرِ الْأُمَمِ. فَتَعْلَمِينَ أَنِّي أَنَا اللهُ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، صَارَ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ لِي كَشَوَائِبَ. كُلُّهُمْ نُحَاسٌ وَقَصْدِيرٌ وَحَدِيدٌ وَرَصَاصٌ، هُمْ شَوَائِبُ مَتْرُوكَةٌ فِي الْبُوتَقَةِ بَعْدَ تَنْقِيَةِ الْفِضَّةِ. لِذَلِكَ قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: ’بِمَا أَنَّكُمْ صِرْتُمْ كُلُّكُمْ شَوَائِبَ، فَإِنِّي أَجْمَعُكُمْ إِلَى الْقُدْسِ. وَكَمَا يَضَعُ النَّاسُ الْفِضَّةَ وَالنُّحَاسَ وَالْحَدِيدَ وَالرَّصَاصَ وَالْقَصْدِيرَ فِي الْبُوتَقَةِ، وَيَنْفُخُونَ النَّارَ عَلَيْهَا لِيَصْهَرُوهَا، كَذَلِكَ أَجْمَعُكُمْ بِغَضَبِي وَسَخَطِي، وَأَضَعُكُمْ فِي الْمَدِينَةِ وَأَصْهَرُكُمْ. أَجْمَعُكُمْ وَأَنْفُخُ عَلَيْكُمْ نَارَ غَضَبِي، فَتَنْصَهِرُونَ فِيهَا. وَكَمَا تَنْصَهِرُ الْفِضَّةُ فِي الْبُوتَقَةِ، تَنْصَهِرُونَ دَاخِلَهَا. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ أَرْسَلْتُ سَخَطِي عَلَيْكُمْ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، قُلْ لِلْقُدْسِ: ’أَنْتِ كَأَرْضٍ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهَا مَطَرٌ وَلَا طَلٌّ لِأَنِّي غَضِبْتُ عَلَيْهَا.‘ جَمَاعَةُ رُؤَسَائِهَا فِي وَسَطِهَا كَأُسُودٍ تَزْأَرُ وَتُمَزِّقُ الْفَرِيسَةَ. يَأْكُلُونَ النَّاسَ، يَأْخُذُونَ الْكُنُوزَ وَالنَّفَائِسَ، وَيُرَمِّلُونَ نِسَاءً كَثِيرَاتٍ فِيهَا. أَحْبَارُهَا خَالَفُوا شَرِيعَتِي، وَنَجَّسُوا مَا أَعْتَبِرُهُ أَنَا مُقَدَّسًا. لَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ مَا هُوَ مُقَدَّسٌ للهِ وَمُحَلَّلٌ لِلْعَامَّةِ. وَلَا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا هُوَ نَجِسٌ وَطَاهِرٌ. وَأَغْمَضُوا عُيُونَهُمْ عَنْ وَصِيَّةِ يَوْمِ السَّبْتِ. فَأَصْبَحْتُ بِلَا كَرَامَةٍ بَيْنَهُمْ! قَادَتُهَا فِي وَسَطِهَا كَذِئَابٍ مُفْتَرِسَةٍ. يُمَزِّقُونَ الْفَرِيسَةَ وَيَسْفِكُونَ الدَّمَ وَيَقْتُلُونَ النَّاسَ مِنْ أَجْلِ الرِّبْحِ الْحَرَامِ. وَيَتَسَتَّرُ أَنْبِيَاؤُهَا عَلَى هَذِهِ الْأَعْمَالِ، بِالرُّؤَى الْبَاطِلَةِ وَالنُّبُوَّاتِ الْكَاذِبَةِ، وَيَقُولُونَ لَهُمْ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ.‘ مَعَ أَنَّ اللهَ لَمْ يَتَكَلَّمْ! وَالشَّعْبُ يَخْطِفُ وَيَسْلُبُ، وَيَضْطَهِدُ الْمِسْكِينَ وَالْفَقِيرَ، وَيَظْلِمُ الْغَرِيبَ وَيَحْرِمُهُ مِنْ حَقِّهِ. ”وَبَحَثْتُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَيْنِهِمْ، يَبْنِي السُّورَ، وَيَقِفُ فِي الثُّغْرَةِ أَمَامِي لِيَحْمِيَ الْبِلَادَ لِكَيْ لَا أَخْرِبَهَا، فَلَمْ أَجِدْ. لِذَلِكَ أَصُبُّ غَضَبِي عَلَيْهِمْ، وَأُفْنِيهِمْ بِنَارِ غَيْظِي، وَأَجْلِبُ شَرَّهُمْ عَلَى رُؤُوسِهِمْ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ.“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، كَانَتْ هُنَاكَ بِنْتَانِ لِأُمٍّ وَاحِدَةٍ. وَفِي صِبَاهُمَا أَصْبَحَتَا عَاهِرَتَيْنِ فِي مِصْرَ، حَيْثُ سَمَحَتَا لِلرِّجَالِ بِأَنْ يُمْسِكُوا ثَدْيَيْهِمَا وَيُدَاعِبُوا نَهْدَيْهِمَا. الْكَبِيرَةُ اسْمُهَا أَهُولَةُ، وَأُخْتُهَا أَهُولِيبَةُ. أَهُولَةُ هِيَ السَّامِرَةُ، وَأَهُولِيبَةُ هِيَ الْقُدْسُ. وَكَانَتَا لِي وَوَلَدَتَا بَنِينَ وَبَنَاتٍ. وَزَنَتْ أَهُولَةُ مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ لِي، وَأَحَبَّتْ عُشَّاقَهَا بَنِي أَشُّورَ الْأَبْطَالَ، الَّذِينَ يَلْبَسُونَ الْأُرْجُوَانَ، وَهُمْ حُكَّامٌ وَقَادَةٌ، كُلُّهُمْ شُبَّانٌ أَقْوِيَاءُ وَفُرْسَانٌ يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ. فَزَنَتْ مَعَهُمْ كُلِّهِمْ، صَفْوَةِ بَنِي أَشُّورَ، وَنَجَّسَتْ نَفْسَهَا بِكُلِّ مَنْ عَشِقَتْهُمْ وَبِكُلِّ أَصْنَامِهِمْ. وَلَمْ تَكُفَّ عَنِ الزِّنَى الَّذِي بَدَأَتْهُ فِي مِصْرَ، لَمَّا رَقَدَ الرِّجَالُ مَعَهَا وَهِيَ فِي صِبَاهَا وَعَاشَرُوهَا. لِذَلِكَ أَوْقَعْتُهَا فِي يَدِ عُشَّاقِهَا بَنِي أَشُّورَ الَّذِينَ عَشِقَتْهُمْ. فَعَرَّوْهَا وَأَخَذُوا بَنِيهَا وَبَنَاتِهَا ثُمَّ قَتَلُوهَا بِالسَّيْفِ، فَصَارَتِ النِّسَاءُ تَضْرِبُ بِهَا الْمَثَلَ فِي أَنَّهَا فَاسِدَةٌ نَالَتِ الْعِقَابَ الَّذِي تَسْتَحِقُّهُ. ”وَرَأَتْ أُخْتُهَا أَهُولِيبَةُ هَذَا، وَمَعَ ذَلِكَ زَادَتْ فِي فَسَادِهَا وَعِشْقِهَا وَزِنَاهَا أَكْثَرَ مِنْ أُخْتِهَا. فَهِيَ الْأُخْرَى عَشِقَتْ بَنِي أَشُّورَ، الْحُكَّامَ وَالْقَادَةَ الْأَبْطَالَ الَّذِينَ يَلْبَسُونَ أَفْخَرَ الثِّيَابِ، وَهُمْ فُرْسَانٌ يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ، وَكُلُّهُمْ شُبَّانٌ أَقْوِيَاءُ. فَرَأَيْتُ أَنَّهَا هِيَ أَيْضًا نَجَّسَتْ نَفْسَهَا، وَأَنَّ الِاثْنَتَيْنِ سَلَكَتَا فِي نَفْسِ الطَّرِيقِ. لَكِنَّ أَهُولِيبَةَ زَادَتْ فِي زِنَاهَا. فَإِنَّهَا رَأَتْ عَلَى الْحَائِطِ صُوَرَ رِجَالٍ بَابِلِيِّينَ مَرْسُومَةً بِالْأَحْمَرِ، وَحَوْلَ وَسَطِهِمْ أَحْزِمَةٌ، وَعَلَى رَأْسِهِمْ عَمَائِمُ فَضْفَاضَةٌ، كُلُّهُمْ لَهُمْ مَنْظَرُ ضُبَّاطِ مَرْكَبَاتٍ بَابِلِيِّينَ مَوْلُودِينَ فِي بَابِلَ. فَلَمَّا رَأَتْهُمْ، عَشِقَتْهُمْ وَأَرْسَلَتْ لَهُمْ رُسُلًا فِي بَابِلَ. فَجَاءَهَا الْبَابِلِيُّونَ إِلَى سَرِيرِ الْحُبِّ، وَنَجَّسُوهَا وَزَنَوْا بِهَا. وَبَعْدَمَا تَنَجَّسَتْ بِهِمْ كَرِهَتْهُمْ. وَمَارَسَتْ زِنَاهَا عَلَنًا وَتَعَرَّتْ، فَكَرِهْتُهَا كَمَا كَرِهْتُ أُخْتَهَا. وَتَذَكَّرَتْ أَيَّامَ صِبَاهَا لَمَّا زَنَتْ فِي مِصْرَ، فَزَادَتْ فِي زِنَاهَا أَكْثَرَ. وَأَحَبَّتْ عُشَّاقًا كَالْحَمِيرِ فِي الشَّهْوَةِ، وَكَالْخَيْلِ فِي مُمَارَسَةِ الْجِنْسِ. أَنْتِ اشْتَقْتِ إِلَى فُجُورِ صِبَاكِ، لَمَّا كَانَ الْمِصْرِيُّونَ يُدَاعِبُونَ نَهْدَيْكِ وَيُمْسِكُونَ ثَدْيَيْكِ. ”’لِذَلِكَ يَا أَهُولِيبَةُ، هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ: أَنَا أُثِيرُ عَلَيْكِ عُشَّاقَكِ الَّذِينَ كَرِهْتِهِمْ، وَأَجْعَلُهُمْ يَهْجُمُونَ عَلَيْكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. بَنِي بَابِلَ وَكُلَّ الْكَلْدَانِيِّينَ، أَهْلَ فَقُودَ وَشُوعَ وَقُوعَ، وَمَعَهُمْ كُلُّ بَنِي أَشُّورَ مِنَ الشُّبَّانِ الْأَقْوِيَاءِ، كُلُّهُمْ حُكَّامٌ وَقَادَةٌ، وَضُبَّاطُ مَرْكَبَاتٍ وَرِجَالٌ لَهُمْ شُهْرَةٌ، وَكُلُّهُمْ فُرْسَانٌ يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ. فَيَهْجُمُونَ عَلَيْكِ بِأَسْلِحَةٍ وَمَرْكَبَاتٍ وَعَرَبَاتٍ وَجَيْشٍ كَثِيرٍ. وَيُحَاصِرُونَكِ بِدُرُوعٍ وَتُرُوسٍ وَخُوَذٍ، وَأُعْطِيهِمِ السُّلْطَةَ لِيُعَاقِبُوكِ كَمَا يَسْتَحْسِنُونَ. وَأُسَلِّطُ غَضَبِي عَلَيْكِ، فَيُعَامِلُونَكِ بِغَيْظٍ. يَقْطَعُونَ أَنْفَكِ وَأُذُنَيْكِ، وَتُقْتَلُ بَقِيَّتُكِ بِالسَّيْفِ. يَأْخُذُونَ بَنِيكِ وَبَنَاتِكِ، وَتُحْرَقُ بَقِيَّتُكِ بِالنَّارِ. وَيَنْزِعُونَ ثِيَابَكِ عَنْكِ، وَيَأْخُذُونَ حُلِيَّكِ. وَأَمْنَعُكِ عَنِ الْفُجُورِ وَالزِّنَى الَّذِي بَدَأْتِهِ فِي مِصْرَ. فَلَا تَشْتَاقِينَ إِلَى هَذَا، وَلَا تَذْكُرِينَ مِصْرَ فِيمَا بَعْدُ. نَعَمْ، قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: سَأُوقِعُكِ فِي يَدِ الَّذِينَ تُبْغِضِينَهُمْ، فِي يَدِ الَّذِينَ تَكْرَهِينَهُمْ. فَيُعَامِلُونَكِ بِكَرَاهِيَةٍ، وَيَأْخُذُونَ كُلَّ مَا تَعِبْتِ فِيهِ، وَيَتْرُكُونَكِ عُرْيَانَةً وَعَارِيَةً، وَيَنْكَشِفُ عَارُكِ وَزِنَاكِ وَفُجُورُكِ وَعُهْرُكِ. أَجْلِبُ عَلَيْكِ هَذَا لِأَنَّكِ ضَلَلْتِ وَرَاءَ الْأُمَمِ، وَنَجَّسْتِ نَفْسَكِ بِأَصْنَامِهِمْ. أَنْتِ سَلَكْتِ فِي طَرِيقِ أُخْتِكِ، فَأَضَعُ كَأْسَ عِقَابِهَا فِي يَدِكِ. ”’وَقَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: سَتَشْرَبِينَ كَأْسَ أُخْتِكِ، وَهِيَ كَأْسٌ عَمِيقَةٌ وَكَبِيرَةٌ، فَيَهْزَأُ النَّاسُ بِكِ وَيَحْتَقِرُونَكِ، لِأَنَّهَا كَأْسٌ مَمْلُوءَةٌ. فَتَسْكَرِينَ جِدًّا وَتَحْزَنِينَ جِدًّا، لِأَنَّ كَأْسَ أُخْتِكِ السَّامِرَةِ هِيَ كَأْسُ رُعْبٍ وَخَرَابٍ. فَتَشْرَبِينَهَا إِلَى آخِرِهَا، ثُمَّ تُحَطِّمِينَهَا وَتُمَزِّقِينَ ثَدْيَيْكِ، لِأَنِّي أَنَا حَكَمْتُ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. وَقَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: أَنْتِ نَسِيتِنِي وَطَرَحْتِنِي وَرَاءَ ظَهْرِكِ، لِذَلِكَ سَتَنَالِينَ عِقَابَ فُجُورِكِ وَزِنَاكِ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، تَعَالَ احْكُمْ عَلَى أَهُولَةَ وَأَهُولِيبَةَ. أَخْبِرْهُمَا بِأَعْمَالِهِمَا الْقَبِيحَةِ. فَكُلٌّ مِنْهُمَا زَنَتْ وَقَتَلَتْ، زَنَتْ بِأَنْ عَبَدَتِ الْأَصْنَامَ، وَقَتَلَتْ بِأَنْ أَحْرَقَتْ أَوْلَادَهَا، أَيْ أَوْلَادِي، قُرْبَانًا فِي النَّارِ، لِيَكُونُوا طَعَامًا لِتِلْكَ الْأَصْنَامِ. وَأَيْضًا فَعَلَتْ هَذَا: نَجَّسَتْ مَكَانِيَ الْمُقَدَّسَ وَكَسَرَتْ وَصِيَّةَ يَوْمِ السَّبْتِ. كَانَتْ تَذْبَحُ بَنِيهَا لِأَصْنَامِهَا، وَفِي نَفْسِ الْوَقْتِ تَدْخُلُ مَكَانِيَ الْمُقَدَّسَ لِتُنَجِّسَهُ. نَعَمْ، فَعَلَتْ هَذَا وَسَطَ بَيْتِي! بَلْ أَرْسَلَتْ رُسُلًا إِلَى رِجَالٍ جَاءُوا مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ. وَلَمَّا جَاءُوا، اِسْتَحَمَّتْ وَكَحَّلَتْ عَيْنَيْهَا وَتَزَيَّنَتْ بِالْحُلِيِّ. وَجَلَسَتْ عَلَى سَرِيرٍ فَاخِرٍ، أَمَامَهُ مَائِدَةٌ مُجَهَّزَةٌ، وَوَضَعَتْ عَلَيْهَا بَخُورِي وَزَيْتِي. وَسُمِعَ عِنْدَهَا صَوْتُ جُمْهُورٍ مِنْ أَهْلِ الْمُجُونِ، عِصَابَةٍ مِنْ رَعَاعِ الْقَوْمِ، سَكَارَى أَحْضَرُوهُمْ مِنَ الصَّحْرَاءِ. وَهُمُ الَّذِينَ وَضَعُوا أَسَاوِرَ عَلَى أَيْدِيهِمَا، وَتَاجًا جَمِيلًا عَلَى رَأْسَيْهِمَا. فَقُلْتُ عَنْ هَذِهِ الْبَالِيَةِ فِي الزِّنَى: اُتْرُكُوهُمْ يَزْنُونَ مَعَهَا، فَهِيَ عَاهِرَةٌ! فَدَخَلُوا عَلَيْهَا كَمَا يَدْخُلُ الرِّجَالُ عَلَى عَاهِرَةٍ. نَعَمْ، بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ دَخَلُوا عَلَى أَهُولَةَ وَأَهُولِيبَةَ الْمَرْأَتَيْنِ الْفَاجِرَتَيْنِ. لَكِنَّ الرِّجَالَ الصَّالِحِينَ سَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِمَا بِالْعِقَابِ الَّذِي تَسْتَحِقُّهُ الْعَاهِرَةُ وَالَّذِي تَسْتَحِقُّهُ سَفَّاكَةُ الدَّمِ، لِأَنَّهُمَا عَاهِرَتَانِ وَأَيْدِيَهُمَا مُلَطَّخَةٌ بِالدَّمِ. ”وَهَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ: هَاتُوا عَلَيْهِمَا عِصَابَةً مِنَ الْأَعْدَاءِ. سَلِّمُوهُمَا لِلرُّعْبِ وَالنَّهْبِ. فَتَرْجُمُهُمَا الْعِصَابَةُ بِالْحِجَارَةِ، وَيُمَزِّقُونَهُمَا بِسُيُوفِهِمْ، وَيَقْتُلُونَ أَبْنَاءَهُمَا وَبَنَاتِهِمَا، وَيَحْرِقُونَ دِيَارَهُمَا بِالنَّارِ. فَأُزِيلُ الْفُجُورَ مِنَ الْبِلَادِ، فَتَتَّعِظُ كُلُّ النِّسَاءِ وَلَا يَرْتَكِبْنَ الْفُجُورَ مِثْلَكُمَا. فَيَحِلُّ عَلَيْكُمَا عِقَابُ فُجُورِكُمَا، وَعِقَابُ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ. فَتَعْلَمَانِ أَنِّي أَنَا الْمَوْلَى الْإِلَهُ.“ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ الْعَاشِرِ مِنَ السَّنَةِ التَّاسِعَةِ، قَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، سَجِّلْ تَارِيخَ هَذَا الْيَوْمِ بِالذَّاتِ، لِأَنَّ فِي هَذَا الْيَوْمِ أَقَامَ مَلِكُ بَابِلَ حِصَارًا حَوْلَ الْقُدْسِ. وَاضْرِبْ مَثَلًا لِهَذَا الشَّعْبِ الْمُتَمَرِّدِ، وَقُلْ لَهُمْ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ: ضَعِ الْقِدْرَ عَلَى النَّارِ، ضَعْهَا وَصُبَّ فِيهَا مَاءً. وَضَعْ فِيهَا قِطَعَ اللَّحْمِ، كُلَّ قِطْعَةٍ طَيِّبَةٍ، الْفَخْذَ وَالْكَتِفَ، وَامْلَأْهَا بِأَحْسَنِ الْعِظَامِ. وَكُلُّ هَذَا تَأْخُذُهُ مِنْ أَحْسَنِ الْغَنَمِ. وَكَوِّمِ الْحَطَبَ تَحْتَ الْقِدْرِ. وَاجْعَلِ الْكُلَّ يَغْلِي، حَتَّى تُسْلَقَ الْعِظَامُ أَيْضًا. ”’وَقَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: الْوَيْلُ لِلْمَدِينَةِ سَفَّاكَةِ الدَّمِ، وَلِلْقِدْرِ الَّتِي فِيهَا صَدَأٌ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا! أَفْرِغُوا مَا فِيهَا قِطْعَةً قِطْعَةً مِنْ غَيْرِ مَا تَخْتَارُوا. لِأَنَّ الدَّمَ الَّذِي سَفَكَتْهُ مَوْجُودٌ فِي وَسَطِهَا، لِأَنَّهَا تَرَكَتْهُ عَلَى صَخْرَةٍ عَارِيَةٍ، وَلَمْ تَصُبَّهُ عَلَى الْأَرْضِ فَيُغَطَّى بِالتُّرَابِ. وَلِكَيْ أُثِيرَ غَضَبِي وَانْتِقَامِي، أَنَا أَيْضًا تَرَكْتُ الدَّمَ الَّذِي سَفَكَتْهُ، عَلَى صَخْرَةٍ عَارِيَةٍ حَتَّى لَا يُغَطَّى. لِذَلِكَ قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: الْوَيْلُ لِلْمَدِينَةِ سَفَّاكَةِ الدَّمِ! أَنَا أَيْضًا أُكَوِّمُ لَهَا حَطَبًا كَثِيرًا. هَاتِ الْحَطَبَ، أَشْعِلِ النَّارَ، اُطْبُخِ اللَّحْمَ حَتَّى يَنْضَجَ، وَتَبِّلْهُ بِالتَّوَابِلِ، وَاحْرِقِ الْعِظَامَ. ثُمَّ ضَعِ الْقِدْرَ فَارِغَةً عَلَى الْجَمْرِ، حَتَّى يَحْمَى نُحَاسُهَا وَيَتَوَهَّجَ، فَتَنْصَهِرَ الْقَذَارَةُ الَّتِي فِيهَا وَيَفْنَى صَدَأُهَا. لَكِنِّي تَعِبْتُ بِلَا فَائِدَةٍ، صَدَأُهَا الْكَثِيرُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا، وَلَا حَتَّى بِالنَّارِ! ”’يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ، أَنْتِ نَجِسَةٌ وَفَاجِرَةٌ، وَأَنَا حَاوَلْتُ أَنْ أُطَهِّرَكِ فَلَمْ تَطْهُرِي، وَلَنْ تَطْهُرِي حَتَّى يَنْصَبَّ غَضَبِي عَلَيْكِ! أَنَا اللهُ حَكَمْتُ بِهَذَا، وَقَدْ حَانَ الْوَقْتُ لِأُنَفِّذَ. لَا أَرْجِعُ وَلَا أَشْفِقُ وَلَا أَنْدَمُ. بَلْ يُحْكَمُ عَلَيْكِ حَسَبَ سُلُوكِكِ وَحَسَبَ أَعْمَالِكِ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، سَآخُذُ مِنْكَ بَهْجَةَ عَيْنَيْكَ فَجْأَةً. فَلَا تَنْدُبْ وَلَا تَبْكِ وَلَا تَذْرِفِ الدُّمُوعَ. تَنَهَّدْ بِهُدُوءٍ، وَلَا تَعْمَلْ لَهَا جِنَازَةً. اُتْرُكْ عِمَامَتَكَ مَلْفُوفَةً عَلَى رَأْسِكَ وَحِذَاءَكَ فِي رِجْلَيْكَ، وَلَا تُغَطِّ شَارِبَيْكَ وَلَا تَأْكُلْ مِنْ طَعَامِ الْمَأْتَمِ.“ فَكَلَّمْتُ النَّاسَ فِي الصُّبْحِ، وَمَاتَتْ زَوْجَتِي فِي الْمَسَاءِ، وَفَعَلْتُ فِي الْغَدِ كَمَا أُمِرْتُ. فَقَالَ النَّاسُ لِي: ”أَخْبِرْنَا عَنْ مَعْنَى تَصَرُّفِكَ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لَنَا.“ فَأَجَبْتُهُمْ: ”قَالَ اللهُ لِي: قُلْ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ: ’هَذَا كَلَامُ اللهِ. سَأُنَجِّسُ بَيْتِيَ الْمُقَدَّسَ الَّذِي تَفْخَرُونَ بِهِ وَتُعِزُّونَهُ، وَالَّذِي هُوَ بَهْجَةُ عُيُونِكُمْ وَلَذَّةُ نُفُوسِكُمْ. وَأَبْنَاؤُكُمْ وَبَنَاتُكُمُ الَّذِينَ تَتْرُكُونَهُمْ وَرَاءَكُمْ يَمُوتُونَ بِالسَّيْفِ. فَتَفْعَلُونَ كَمَا فَعَلْتُ. لَا تُغَطُّونَ شَوَارِبَكُمْ، وَلَا تَأْكُلُونَ مِنْ طَعَامِ الْمَأْتَمِ. وَتَتْرُكُونَ عَمَائِمَكُمْ عَلَى رُؤُوسِكُمْ، وَأَحْذِيَتَكُمْ فِي أَرْجُلِكُمْ. لَا تَنْدُبُونَ وَلَا تَبْكُونَ، بَلْ تَفْنَوْنَ بِشَرِّكُمْ وَتَئِنُّونَ الْوَاحِدُ لِلْآخَرِ. وَيَكُونُ حَزْقِيَالُ آيَةً لَكُمْ. فَتَفْعَلُونَ كَمَا فَعَلَ تَمَامًا. وَمَتَى تَمَّ هَذَا تَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الْمَوْلَى الْإِلَهُ.‘ ”وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ آخُذُ مِنْهُمُ الْمَكَانَ الَّذِي يُعِزُّونَهُ وَيَفْرَحُونَ وَيَفْخَرُونَ بِهِ، وَالَّذِي هُوَ بَهْجَةُ عُيُونِهِمْ وَأُمْنِيَةُ قُلُوبِهِمْ، وَأَيْضًا أَبْنَاءَهُمْ وَبَنَاتِهِمْ، فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، سَيَأْتِي إِلَيْكَ وَاحِدٌ هَارِبٌ لِكَيْ يُبَلِّغَكَ الْخَبَرَ. وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، يَنْفَتِحُ فَمُكَ وَتَتَكَلَّمُ مَعَهُ وَلَا تَكُونُ أَخْرَسَ فِيمَا بَعْدُ. وَبِذَلِكَ تَكُونُ آيَةً لَهُمْ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ.“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، حَوِّلْ وَجْهَكَ إِلَى بَنِي عَمُّونَ وَتَنَبَّأْ عَلَيْهِمْ، وَقُلْ لَهُمْ: ’اِسْمَعُوا كَلَامَ الْمَوْلَى الْإِلَهِ، فَهُوَ قَالَ: أَنْتِ فَرِحْتِ لَمَّا تَنَجَّسَ بَيْتِي، وَلَمَّا خَرِبَتْ بِلَادُ إِسْرَائِيلَ، وَلَمَّا ذَهَبَ شَعْبُ يَهُوذَا أَسْرَى. لِذَلِكَ أُعْطِي بِلَادَكُمْ لِقَبَائِلِ الشَّرْقِ، فَيَمْلِكُونَهَا وَيُقِيمُونَ حَظَائِرَهُمْ فِيهَا، وَيَنْصُبُونَ خِيَامَهُمْ بَيْنَكُمْ، وَيَأْكُلُونَ ثِمَارَكُمْ وَيَشْرَبُونَ لَبَنَكُمْ. وَأَجْعَلُ رَبَّةَ مَرْعًى لِلْجِمَالِ، وَبِلَادَ عَمُّونَ مَكَانَ رَاحَةٍ لِلْغَنَمِ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ. لِأَنَّ الْمَوْلَى الْإِلَهَ قَالَ: أَنْتَ صَفَّقْتَ بِيَدَيْكَ، وَخَبَطْتَ الْأَرْضَ بِرِجْلَيْكَ، وَفَرِحْتَ بِكُلِّ قَلْبِكَ الْخَبِيثِ ضِدَّ بِلَادِ إِسْرَائِيلَ. لِذَلِكَ أَمُدُّ يَدِي عَلَيْكَ، وَأُسَلِّمُكَ غَنِيمَةً لِلْأُمَمِ، وَأُفْنِيكَ مِنْ بَيْنِ الشُّعُوبِ، وَأُبِيدُكَ مِنْ بَيْنِ الْبِلَادِ، وَأُحَطِّمُكَ فَتَعْلَمُ أَنِّي أَنَا اللهُ.‘ ”هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ: ’قَالَتْ مُوآبُ وَسَعِيرُ: ”بَيْتُ يَهُوذَا مِثْلُ كُلِّ الْأُمَمِ الْأُخْرَى.“ لِذَلِكَ أُحَطِّمُ الْمُدُنَ الَّتِي تَحْمِي حُدُودَ مُوآبَ، أَحْسَنَ مُدُنِ الْبِلَادِ: بَيْتَ يَشِيمُوتَ وَبَعْلَ مَعُونَ وَقَرْيَاتِمَ. وَأُعْطِي مُوآبَ مَعَ بَنِي عَمُّونَ لِقَبَائِلِ الشَّرْقِ، فَيَمْلِكُونَهُمْ فَلَا يُذْكَرُ بَنُو عَمُّونَ بَيْنَ الْأُمَمِ. وَأُعَاقِبُ مُوآبَ فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ.‘ ”هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ: ’شَعْبُ أَدُومَ ارْتَكَبَ جُرْمًا فَظِيعًا لِأَنَّهُ انْتَقَمَ مِنْ بَيْتِ يَهُوذَا. لِذَلِكَ قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: سَأَمُدُّ يَدِي عَلَى أَدُومَ وَأَقْطَعُ مِنْهَا النَّاسَ وَالْبَهَائِمَ، وَأَجْعَلُهَا خَرَابًا. يَمُوتُونَ بِالسَّيْفِ مِنْ تِيمَانَ إِلَى دَدَانَ. وَأُنَفِّذُ انْتِقَامِي مِنْ أَدُومَ بِيَدِ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَيَفْعَلُونَ بِأَدُومَ حَسَبَ غَضَبِي وَسَخَطِي. فَيَعْرِفُ الْأَدُومِيُّونَ شِدَّةَ انْتِقَامِي. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ.‘ ”هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ: ’شَعْبُ فِلِسْطَةَ انْتَقَمَ انْتِقَامًا شَدِيدًا بِقَلْبٍ خَبِيثٍ، وَحَاوَلَ أَنْ يَخْرِبَ بَيْتَ يَهُوذَا بِسَبَبِ عَدَاوَةٍ قَدِيمَةٍ. لِذَلِكَ قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: سَأَمُدُّ يَدِي عَلَى شَعْبِ فِلِسْطَةَ وَأُهْلِكُ الْكِرِيتِيِّينَ وَأُبِيدُ بَقِيَّةَ سُكَّانِ سَاحِلِ الْبَحْرِ. وَأَنْتَقِمُ مِنْهُمْ بِشِدَّةٍ، وَأُعَاقِبُهُمْ بِسَخَطِي. فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ، لِأَنِّي أَنْتَقِمُ مِنْهُمْ.‘“ فِي السَّنَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ، فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ، قَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، فَرِحَتْ صُورُ وَقَالَتْ: ’اِنْكَسَرَتِ الْقُدْسُ الَّتِي هِيَ بَوَّابَةُ الشُّعُوبِ، وَانْفَتَحَتْ أَبْوَابُهَا لِي. هِيَ خَرِبَتْ، فَأَنَا أَزْدَهِرُ!‘ لِذَلِكَ قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: ’أَنَا ضِدُّكِ يَا صُورُ! أُرْسِلُ عَلَيْكِ أُمَمًا كَثِيرَةً، كَأَمْوَاجِ الْبَحْرِ الَّتِي تَضْرِبُ شَوَاطِئَكِ. فَيُحَطِّمُونَ أَسْوَارَ صُورَ، وَيَهْدِمُونَ أَبْرَاجَهَا. وَأَجْرُفُ تُرَابَهَا عَنْهَا، وَأَجْعَلُهَا صَخْرَةً عَارِيَةً. فَتَصِيرُ جَزِيرَةً يَنْشُرُ الصَّيَّادُونَ فِيهَا شِبَاكَهُمْ. أَنَا الْمَوْلَى الْإِلَهُ حَكَمْتُ بِهَذَا. وَتَكُونُ صُورُ غَنِيمَةً لِلْأُمَمِ. وَقُرَاهَا الَّتِي فِي الرِّيفِ تَهْلِكُ بِالسَّيْفِ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ.‘ ”وَقَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: ’سَأُرْسِلُ عَلَى صُورَ مِنَ الشَّمَالِ نَبُوخَذْنَصْرَ مَلِكَ بَابِلَ، مَلِكَ الْمُلُوكِ، بِخَيْلٍ وَمَرْكَبَاتٍ وَفُرْسَانٍ وَجَيْشٍ عَظِيمٍ. فَيُهْلِكُ بِالسَّيْفِ قُرَاكِ الَّتِي فِي الرِّيفِ، وَيُقِيمُ عَلَيْكِ حِصَارًا، وَيَبْنِي عَلَيْكِ بُرْجًا، وَيُقِيمُ عَلَيْكِ مِقْلَاعًا، وَيَرْفَعُ عَلَيْكِ تُرْسًا. وَيُوَجِّهُ الْمَجَانِقَ نَحْوَ أَسْوَارِكِ، وَيَهْدِمُ أَبْرَاجَكِ بِأَسْلِحَتِهِ. وَمِنْ كَثْرَةِ خَيْلِهِ، يُغَطِّيكِ غُبَارُهَا. وَتَتَزَلْزَلُ أَسْوَارُكِ مِنْ صَوْتِ الْفُرْسَانِ وَالْعَرَبَاتِ وَالْمَرْكَبَاتِ، عِنْدَمَا يَدْخُلُ بَوَّابَاتِكِ كَأَنَّهُ دَاخِلٌ إِلَى مَدِينَةٍ ثُغِرَتْ. بِحَوَافِرِ خَيْلِهِ يَدُوسُ كُلَّ شَوَارِعِكِ. وَيَقْتُلُ شَعْبَكِ بِالسَّيْفِ، فَتَسْقُطُ إِلَى الْأَرْضِ أَعْمِدَتُكِ الْقَوِيَّةُ. وَيَسْلُبُونَ ثَرْوَتَكِ، وَيَنْهَبُونَ تِجَارَتَكِ، وَيُحَطِّمُونَ أَسْوَارَكِ، وَيَهْدِمُونَ دِيَارَكِ الْفَخْمَةَ، وَيَرْمُونَ حِجَارَتَكِ وَخَشَبَكِ وَتُرَابَكِ فِي وَسَطِ الْمِيَاهِ. وَأُبَطِّلُ أَغَانِيَّكِ، وَلَا يُسْمَعُ صَوْتُ أَعْوَادِكِ مِنْ بَعْدُ. وَأَجْعَلُكِ صَخْرَةً عَارِيَةً، فَتَكُونِينَ مَكَانًا يَنْشُرُ الصَّيَّادُونَ فِيهِ شِبَاكَهُمْ. وَلَا تُبْنَيْنَ مِنْ بَعْدُ، لِأَنِّي أَنَا اللهُ حَكَمْتُ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ.‘ ”وَقَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ لِصُورَ: ’سَيَرْتَعِشُ سُكَّانُ السَّوَاحِلِ مِنْ صَوْتِ سُقُوطِكِ، وَمِنْ أَنِينِ الْجَرْحَى، وَمِنَ الْقَتْلِ الَّذِي يَحْدُثُ فِي وَسَطِكِ. فَيَنْزِلُ كُلُّ مُلُوكِ السَّاحِلِ عَنْ عُرُوشِهِمْ، وَيَخْلَعُونَ جُبَبَهُمْ، وَيَنْزِعُونَ ثِيَابَهُمُ الْمُطَرَّزَةَ. وَيَلْبَسُونَ الرُّعْبَ كَثَوْبٍ، وَيَجْلِسُونَ عَلَى الْأَرْضِ، وَيَرْتَعِدُونَ طُولَ الْوَقْتِ، فِي فَزَعٍ مِمَّا جَرَى لَكِ. وَيَنْدُبُونَ عَلَيْكِ وَيَقُولُونَ لَكِ: كَيْفَ تَحَطَّمْتِ أَيَّتُهَا الْمَدِينَةُ الْمَشْهُورَةُ؟ كَيْفَ زَالَتْ قُوَّتُكِ الْبَحْرِيَّةُ؟ كُنْتِ قَوِيَّةً فِي الْبِحَارِ أَنْتِ وَأَهْلُكِ. جَعَلْتِ كُلَّ جِيرَانِكِ يَخَافُونَ مِنْكِ. وَالْآنَ يَرْتَعِشُ سُكَّانُ السَّوَاحِلِ لِأَنَّكِ سَقَطْتِ، وَتَرْتَعِبُ الْجُزُرُ الَّتِي فِي الْبَحْرِ لِأَنَّكِ انْهَزَمْتِ.‘ ”وَقَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: ’سَأَجْعَلُكِ مَدِينَةً خَرِبَةً كَالْمُدُنِ غَيْرِ الْمَسْكُونَةِ، وَأَجْلِبُ عَلَيْكِ الْبَحْرَ الْعَمِيقَ، فَتُغَطِّيكِ الْمِيَاهُ الْغَزِيرَةُ. ثُمَّ أُنْزِلُكِ مَعَ الَّذِينَ نَزَلُوا إِلَى الْهَاوِيَةِ، لِتَكُونِي مَعَ الَّذِينَ مَاتُوا مُنْذُ الْقَدِيمِ. وَأُسْكِنُكِ فِي أَعْمَاقِ الْأَرْضِ، فِي مَكَانِ الْخَرَابِ الْأَبَدِيِّ، مَعَ الَّذِينَ نَزَلُوا إِلَى الْهَاوِيَةِ. فَلَا تَرْجِعِينَ وَلَا تَعُودِينَ إِلَى مَكَانِكِ بَيْنَ الْأَحْيَاءِ. وَأَجْلِبُ عَلَيْكِ نِهَايَةً رَهِيبَةً، وَلَا يَبْقَى لَكِ أَثَرٌ. وَيَبْحَثُونَ عَنْكِ فَلَا يَجِدُونَكِ أَبَدًا. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، اُنْدُبْ عَلَى صُورَ. كَلِّمْ صُورَ السَّاكِنَةَ عِنْدَ مَدْخَلِ الْبَحْرِ، وَالَّتِي تُتَاجِرُ مَعَ شُعُوبٍ فِي سَوَاحِلَ كَثِيرَةٍ. قُلْ لَهَا: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ، يَا صُورُ، أَنْتِ قُلْتِ: ”أَنَا كَامِلَةُ الْجَمَالِ.“ حُدُودُكِ كَانَتْ فِي قَلْبِ الْبِحَارِ، بَنَّاؤُوكِ أَكْمَلُوا جَمَالَكِ. عَمِلُوا كُلَّ أَلْوَاحِكِ مِنْ خَشَبِ سَرْوٍ مِنْ جَبَلِ سَنِيرَ. وَأَخَذُوا الْأَرْزَ مِنْ لُبْنَانَ لِيَعْمَلُوا لَكِ سَارِيَةً. وَمِنْ بَلُّوطِ بَاشَانَ عَمِلُوا مَجَادِيفَكِ. وَصَنَعُوا مَقَاعِدَكِ مِنْ خَشَبِ شِرْبِينٍ مِنْ سَوَاحِلِ قُبْرُصَ وَطَعَّمُوهُ بِالْعَاجِ. وَكَانَ شِرَاعُكِ مِنْ كَتَّانٍ مُطَرَّزٍ مِنْ مِصْرَ، وَكَانَ هُوَ رَايَتُكِ. وَكَانَتْ مَظَلَّتُكِ مِنْ قُمَاشٍ أَزْرَقَ وَبَنَفْسَجِيٍّ مِنْ سَوَاحِلِ أَلِيشَةَ. أَهْلُ صَيْدَا وَأَرْوَادَ كَانُوا مَلَّاحِيكِ. وَرِجَالُكِ الْمَهَرَةُ الَّذِينَ فِيكِ يَا صُورُ، كَانُوا الرَّبَابِنَةَ. كِبَارُ الصُّنَّاعِ فِي جُبَيْلَ وَرِجَالُهَا الْمَهَرَةُ، كَانُوا عِنْدَكِ عُمَّالًا يَسُدُّونَ الثُّغُورَ. كُلُّ سُفُنِ الْبَحْرِ وَمَلَّاحُوهَا جَاءُوا إِلَيْكِ لِيُتَاجِرُوا فِي بَضَائِعِكِ. ”’رِجَالُ فَارِسَ وَلُودَ وَفُوطَ كَانُوا عِنْدَكِ جُنُودًا فِي جَيْشِكِ. عَلَّقُوا أَتْرَاسَهُمْ وَخُوَذَهُمْ عَلَى أَسْوَارِكِ، وَزَادُوكِ بَهَاءً. رِجَالُ أَرْوَادَ وَكِيلِيكِيَّةَ كَانُوا يَحْرُسُونَ أَسْوَارَكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. رِجَالُ جَمَدَ كَانُوا فِي أَبْرَاجِكِ، وَعَلَّقُوا أَتْرَاسَهُمْ عَلَى أَسْوَارِكِ مِنْ حَوْلِكِ. هُمْ أَكْمَلُوا جَمَالَكِ. ”’تَرْشِيشُ تَاجَرَتْ مَعَكِ لِأَنَّكِ غَنِيَّةٌ جِدًّا فِي كُلِّ شَيْءٍ. فَاشْتَرَوْا بِضَاعَتَكِ مُقَابِلَ فِضَّةٍ وَحَدِيدٍ وَقَصْدِيرٍ وَرَصَاصٍ. الْيُونَانُ وَتُوبَالُ وَمَاشِكُ تَاجَرُوا مَعَكِ، فَاشْتَرَوْا بَضَائِعَكِ مُقَابِلَ عَبِيدٍ وَآنِيَةِ نُحَاسٍ. رِجَالُ بَيْتَ تُوجَرْمَةَ اشْتَرَوْا بِضَاعَتَكِ مُقَابِلَ حَمِيرٍ وَخَيْلٍ وَبِغَالٍ. رِجَالُ رُودُسَ تَاجَرُوا مَعَكِ، وَالسَّوَاحِلُ الْكَثِيرَةُ كَانَتْ سُوقًا لِبِضَاعَتِكِ. وَأَعْطَوْكِ الثَّمَنَ قُرُونَ عَاجٍ وَأَبَنُوسَ. ”’آرَامُ تَاجَرَتْ مَعَكِ لِكَثْرَةِ مَصْنُوعَاتِكِ. فَاشْتَرَوْا بِضَاعَتَكِ مُقَابِلَ حِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ وَقُمَاشٍ بَنَفْسَجِيٍّ مُطَرَّزٍ وَكَتَّانٍ وَمَرْجَانٍ وَلَآلِئَ. بِلَادُ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلَ تَاجَرَتْ مَعَكِ. فَاشْتَرَوْا بِضَاعَتَكِ مُقَابِلَ قَمْحٍ مِنْ مِنِّيتَ وَحَلْوَى وَعَسَلٍ وَزَيْتٍ وَبَلْسَمٍ. دِمَشْقُ تَاجَرَتْ مَعَكِ لِكَثْرَةِ مَصْنُوعَاتِكِ، وَلِأَنَّكِ غَنِيَّةٌ جِدًّا فِي كُلِّ شَيْءٍ. فَاشْتَرَوْا مِنْكِ مُقَابِلَ خَمْرٍ مِنْ حَلْبُونَ وَصُوفٍ مِنْ زَهَارَ. وَشُعُوبُ دَانَ وَالْيُونَانِ الَّذِينَ مِنْ أُوزَالَ اشْتَرَوْا بِضَاعَتَكِ مُقَابِلَ حَدِيدٍ مَطْرُوقٍ وَقِرْفَةٍ وَأَطْيَابٍ مِنْ أَسْوَاقِكِ. دَدَانُ تَاجَرَتْ مَعَكِ مُقَابِلَ سُرُجٍ مُزَيَّنَةٍ لِلرُّكُوبِ. وَالْعَرَبُ وَكُلُّ رُؤَسَاءِ قِيدَارَ تَاجَرُوا مَعَكِ مُقَابِلَ حُمْلَانٍ وَكِبَاشٍ وَتُيُوسٍ. تُجَّارُ شَبَا وَرَعْمَةَ تَاجَرُوا مَعَكِ. فَاشْتَرَوْا بِضَاعَتَكِ مُقَابِلَ أَفْخَرِ كُلِّ أَنْوَاعِ الْأَطْيَابِ وَالْحِجَارَةِ الْكَرِيمَةِ وَالذَّهَبِ. حَرَّانُ وَكِنَّةُ وَعَدَنُ وَشَبَا وَأَشُّورُ وَكِلْمَدُ تَاجَرُوا مَعَكِ. فَاشْتَرَوْا بِضَاعَتَكِ مُقَابِلَ مَلَابِسَ جَمِيلَةٍ وَقُمَاشٍ أَزْرَقَ مُطَرَّزٍ وَسَجَّادٍ مُلَوَّنٍ مَصْنُوعٍ مِنْ خُيُوطٍ مَبْرُومَةٍ وَمَشْدُودَةٍ. ”’سُفُنُ تَرْشِيشَ نَقَلَتْ بِضَاعَتَكِ. صِرْتِ كَسَفِينَةٍ عَظِيمَةٍ مُحَمَّلَةٍ بِالْبِضَاعَةِ فِي قَلْبِ الْبَحْرِ. مَلَّاحُوكِ أَخَذُوكِ إِلَى مِيَاهٍ غَزِيرَةٍ، لَكِنَّ الرِّيحَ الشَّرْقِيَّةَ حَطَّمَتْكِ فِي قَلْبِ الْبَحْرِ. وَيَوْمَ سَقَطْتِ فِي قَلْبِ الْبَحْرِ، سَقَطَتْ أَيْضًا ثَرْوَتُكِ وَمُنْتَجَاتُكِ وَبِضَاعَتُكِ، وَمَنْ فِيكِ مِنْ مَلَّاحِينَ وَرَبَابِنَةٍ وَعُمَّالٍ وَتُجَّارٍ وَجُنُودٍ وَكُلِّ شَعْبِكِ. تَتَزَلْزَلُ الشَّوَاطِئُ مِنْ صَوْتِ صُرَاخِ رَبَابِنَتِكِ. كُلُّ مَنْ يَعْمَلُونَ بِالْمِجْدَافِ يَهْجُرُونَ سُفُنَهُمْ، وَكُلُّ الْمَلَّاحِينَ وَالرَّبَابِنَةِ يَقِفُونَ عَلَى الْبَرِّ. وَيَصْرُخُونَ وَيَبْكُونَ عَلَيْكِ بِمَرَارَةٍ، وَيُذَرُّونَ التُّرَابَ فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ، وَيَتَمَرَّغُونَ فِي الرَّمَادِ. وَيَحْلِقُونَ شَعْرَ رُؤُوسِهِمْ عَلَيْكِ، وَيَلْبَسُونَ الْخَيْشَ، وَيَبْكُونَ عَلَيْكِ بِنَفْسٍ مُرَّةٍ وَنَحِيبٍ شَدِيدٍ. يَبْكُونَ وَيَصْرُخُونَ وَيَنْدُبُونَكِ وَيَقُولُونَ: ”أَيُّ مَدِينَةٍ كَصُورَ تَحَطَّمَتْ فِي قَلْبِ الْبَحْرِ؟“ بِخُرُوجِ بِضَاعَتِكِ إِلَى الْبِحَارِ، أَشْبَعْتِ أُمَمًا كَثِيرَةً. بِثَرْوَتِكِ الْعَظِيمَةِ وَتِجَارَتِكِ، أَغْنَيْتِ مُلُوكَ الْأَرْضِ. لَكِنْ لَمَّا تَحَطَّمْتِ فِي الْبَحْرِ، فِي أَعْمَاقِ الْمِيَاهِ، غَرِقَتْ بِضَاعَتُكِ وَكُلُّ مَنْ فِيكِ. كُلُّ سُكَّانِ السَّوَاحِلِ فَزِعُوا مِمَّا جَرَى لَكِ. اِرْتَعَبَ مُلُوكُهُمْ مِنَ الْخَوْفِ. وُجُوهُهُمْ مُضْطَرِبَةٌ. التُّجَّارُ فِي مُخْتَلِفِ الْبِلَادِ يُصَفِّرُونَ عَلَيْكِ مِنَ الدَّهْشَةِ. جَاءَتْ نِهَايَتُكِ الرَّهِيبَةُ، وَلَا يَبْقَى لَكِ أَثَرٌ أَبَدًا.‘“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، قُلْ لِحَاكِمِ صُورَ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ، قَلْبُكَ تَكَبَّرَ وَقُلْتَ: ”أَنَا إِلَهٌ، وَأَجْلِسُ عَلَى عَرْشِ إِلَهٍ فِي قَلْبِ الْبِحَارِ!“ أَنْتَ تَظُنُّ أَنَّ عِنْدَكَ حِكْمَةَ الْآلِهَةِ. لَكِنَّكَ إِنْسَانٌ لَا إِلَهٌ! هَلْ أَنْتَ أَحْكَمُ مِنْ دَانِيَالَ وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ سِرٌّ؟ بِحِكْمَتِكَ وَفَهْمِكَ جَمَعْتَ لِنَفْسِكَ ثَرْوَةً، وَكَوَّمْتَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فِي خَزَائِنِكَ. بِمَهَارَتِكَ الْعَظِيمَةِ فِي التِّجَارَةِ، أَصْبَحَتْ ثَرْوَتُكَ عَظِيمَةً، فَتَكَبَّرَ قَلْبُكَ بِسَبَبِ غِنَاكَ. ”’لِهَذَا قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ، أَنْتَ تَظُنُّ أَنَّ عِنْدَكَ حِكْمَةَ الْآلِهَةِ، لِذَلِكَ أَجْلِبُ عَلَيْكَ غُرَبَاءَ هُمْ أَقْسَى أُمَّةٍ. فَيَسْتَلُّونَ سُيُوفَهُمْ وَيُحَطِّمُونَ جَمَالَكَ وَحِكْمَتَكَ، وَيُطْفِئُونَ بَهَاءَكَ. يُنْزِلُونَكَ إِلَى الْهَاوِيَةِ، وَتَمُوتُ قَتِيلًا فِي قَلْبِ الْبِحَارِ. فَهَلْ تَقُولُ أَمَامَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَكَ: ”أَنَا إِلَهٌ“؟ لَا! بَلْ أَنْتَ فِي يَدِ الَّذِينَ يَذْبَحُونَكَ إِنْسَانٌ لَا إِلَهٌ! تَمُوتُ مَوْتَ النَّجِسِينَ بِيَدِ الْغُرَبَاءِ. أَنَا الْمَوْلَى الْإِلَهُ حَكَمْتُ بِهَذَا.‘“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، اُنْدُبْ عَلَى مَلِكِ صُورَ وَقُلْ لَهُ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ: كُنْتَ مِثَالَ الْكَمَالِ، مَمْلُوءًا حِكْمَةً، وَكَامِلَ الْجَمَالِ. كُنْتَ فِي عَدْنٍ، جَنَّةِ اللهِ. وَكَانَ كُلُّ حَجَرٍ كَرِيمٍ زِينَةً لَكَ: عَقِيقٌ أَحْمَرُ وَيَاقُوتٌ أَصْفَرُ وَعَقِيقٌ أَبْيَضُ وَزَبَرْجَدٌ وَجَزْعٌ وَالْمَاسٌ وَيَاقُوتٌ أَزْرَقُ وَبَهْرَمَانٌ وَزُمُرُّدٌ. وَكَانَتْ حُلِيُّكَ مِنْ ذَهَبٍ. كُلُّ هَذَا أُعِدَّ لَكَ يَوْمَ خُلِقْتَ. اِخْتَرْتُكَ لِتَكُونَ الْمَلَاكَ الْحَارِسَ. كُنْتَ فِي جَبَلِ اللهِ الْمُقَدَّسِ. وَبَيْنَ حِجَارَةِ النَّارِ تَمَشَّيْتَ. كُنْتَ كَامِلًا فِي كُلِّ سُلُوكِكَ، مُنْذُ يَوْمَ خُلِقْتَ حَتَّى ظَهَرَ الشَّرُّ فِيكَ. اِتَّسَعَتْ تِجَارَتُكَ، فَامْتَلَأْتَ مِنَ الظُّلْمِ وَأَخْطَأْتَ. لِذَلِكَ رَمَيْتُكَ مِنْ جَبَلِ اللهِ، وَأَزَلْتُكَ أَيُّهَا الْمَلَاكُ الْحَارِسُ مِنْ بَيْنِ حِجَارَةِ النَّارِ. قَلْبُكَ تَكَبَّرَ بِسَبَبِ جَمَالِكَ، أَنْتَ ضَيَّعْتَ حِكْمَتَكَ بِسَبَبِ جَمَالِكَ، أَنْتَ ضَيَّعْتَ حِكْمَتَكَ بِسَبَبِ بَهَائِكَ. لِذَلِكَ رَمَيْتُكَ إِلَى الْأَرْضِ وَجَعَلْتُكَ مَنْظَرًا لِلْمُلُوكِ. أَنْتَ أَهَنْتَ أَمَاكِنَ الْعِبَادَةِ الَّتِي عِنْدَكَ بِذُنُوبِكَ الْكَثِيرَةِ وَعَدَمِ الْأَمَانَةِ فِي تِجَارَتِكَ. لِذَلِكَ جَعَلْتُ نَارًا تَخْرُجُ مِنْكَ وَتَأْكُلُكَ، وَحَوَّلْتُكَ إِلَى رَمَادٍ عَلَى الْأَرْضِ يَرَاهُ كُلُّ مَنْ يَنْظُرُ. كُلُّ الْأُمَمِ الَّتِي تَعْرِفُكَ تَفْزَعُ مِنْكَ. جَاءَتْ نِهَايَتُكَ الرَّهِيبَةُ، وَلَا يَبْقَى لَكَ أَثَرٌ أَبَدًا.‘“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، حَوِّلْ وَجْهَكَ إِلَى صَيْدَا وَتَنَبَّأْ عَلَيْهَا، وَقُلْ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ، أَنَا ضِدُّكِ يَا صَيْدَا! سَأُظْهِرُ جَلَالِي فِي وَسَطِكِ. فَيَعْلَمُ النَّاسُ أَنِّي أَنَا اللهُ حِينَ أُعَاقِبُهَا وَأُظْهِرُ بِوَاسِطَتِهَا أَنِّي قُدُّوسٌ. سَأُرْسِلُ عَلَيْهَا وَبَأً، وَأَجْعَلُ الدَّمَ يَجْرِي فِي شَوَارِعِهَا، وَيَسْقُطُ الْقَتْلَى فِيهَا بِالسَّيْفِ الَّذِي يَأْتِي عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ. ”’وَبَعْدَ ذَلِكَ، لَا تَكُونُ الشُّعُوبُ الَّتِي حَوْلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَالْجَارِ الْخَبِيثِ الَّذِي هُوَ مِثْلُ الشَّوْكِ الْحَادِّ وَالْحَسَكِ الَّذِي يُوجِعُ. فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الْمَوْلَى الْإِلَهُ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ: عِنْدَمَا أَجْمَعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي تَفَرَّقُوا فِيهَا، أُظْهِرُ بَيْنَهُمْ أَنِّي قُدُّوسٌ أَمَامَ كُلِّ الْأُمَمِ. فَيَسْكُنُونَ فِي أَرْضِهِمِ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لِعَبْدِي يَعْقُوبَ. يَسْكُنُونَ فِيهَا آمِنِينَ، وَيَبْنُونَ دِيَارًا، وَيَغْرِسُونَ كُرُومًا. وَيَسْكُنُونَ فِي أَمْنٍ عِنْدَمَا أُعَاقِبُ كُلَّ جِيرَانِهِمِ الَّذِينَ يُضَايِقُونَهُمْ. فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ رَبُّهُمْ.‘“ فِي الْيَوْمِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الْعَاشِرِ مِنَ السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ، قَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، حَوِّلْ وَجْهَكَ إِلَى فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ وَتَنَبَّأْ عَلَيْهِ، وَعَلَى مِصْرَ كُلِّهَا. كَلِّمْهُ وَقُلْ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ، أَنَا ضِدُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ، أَيُّهَا التِّمْسَاحُ الْكَبِيرُ الرَّاقِدُ فِي وَسَطِ أَنْهَارِكَ. أَنْتَ تَقُولُ: ”نَهْرُ النِّيلِ لِي، أَنَا صَنَعْتُهُ لِنَفْسِي!“ لَكِنِّي أَضَعُ خَزَائِمَ فِي فَكَّيْكَ، وَأَجْعَلُ سَمَكَ أَنْهَارِكَ يَلْزَقُ بِحَرَاشِفِكَ، وَأُخْرِجُكَ مِنْ أَنْهَارِكَ مَعَ كُلِّ السَّمَكِ الَّذِي لَزِقَ بِحَرَاشِفِكَ. وَأَتْرُكُكَ فِي الصَّحْرَاءِ، أَنْتَ وَكُلَّ سَمَكِ أَنْهَارِكَ. فَتَسْقُطُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَلَا تُجْمَعُ وَلَا تُلَمُّ. بَلْ أُقَدِّمُكَ طَعَامًا لِوُحُوشِ الْأَرْضِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ. فَيَعْلَمُ كُلُّ سُكَّانِ مِصْرَ أَنِّي أَنَا اللهُ. أَنْتَ كُنْتَ عُكَّازًا مِنْ قَصَبٍ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ. وَلَكِنْ لَمَّا أَمْسَكُوكَ بِيَدِهِمْ، اِنْكَسَرْتَ وَمَزَّقْتَ أَكْتَافَهُمْ. لَمَّا تَوَكَّأُوا عَلَيْكَ، تَحَطَّمْتَ وَلَوَيْتَ ظُهُورَهُمْ. ”’لِذَلِكَ قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: أَجْلِبُ عَلَيْكَ حَرْبًا وَأَقْطَعُ مِنْكَ النَّاسَ وَالْبَهَائِمَ. وَتَصِيرُ مِصْرُ قَفْرًا مَهْجُورًا. فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ. أَنْتَ قُلْتَ: ”النِّيلُ لِي، أَنَا صَنَعْتُهُ!“ لِذَلِكَ أَنَا ضِدُّكَ وَضِدُّ أَنْهَارِكَ، وَأَجْعَلُ أَرْضَ مِصْرَ خَرَابًا وَقَفْرًا مَهْجُورًا مِنْ مَجْدَلَ إِلَى أَسْوَانَ بَلْ حَتَّى إِلَى حُدُودِ الْحَبَشَةِ. لَا تَمُرُّ فِيهَا رِجْلُ إِنْسَانٍ وَلَا رِجْلُ حَيَوَانٍ، وَلَا يَسْكُنُهَا أَحَدٌ 40 سَنَةً. وَأَجْعَلُ أَرْضَ مِصْرَ قَفْرًا كَالْأَرَاضِي الْمُقْفِرَةِ، وَمُدُنَهَا مَهْجُورَةً كَالْمُدُنِ الْخَرِبَةِ 40 سَنَةً. وَأُشَتِّتُ الْمِصْرِيِّينَ بَيْنَ الْأُمَمِ، وَأُبَدِّدُهُمْ فِي الْبِلَادِ. ”’وَقَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: فِي نِهَايَةِ الْـ40 سَنَةً، أَجْمَعُ الْمِصْرِيِّينَ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي تَشَتَّتُوا إِلَيْهَا. وَأُرْجِعُ الْمِصْرِيِّينَ مِنَ الْأَسْرِ، وَأَرُدُّهُمْ إِلَى صَعِيدِ مِصْرَ، إِلَى أَرْضِ أَجْدَادِهِمْ، وَيَكُونُونَ هُنَاكَ مَمْلَكَةً حَقِيرَةً. بَل تَكُونُ أَحْقَرَ الْمَمَالِكِ، وَلَا تَرْتَفِعُ عَلَى الْأُمَمِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَأَجْعَلُهَا ضَعِيفَةً فَلَا تَتَسَلَّطُ عَلَى الْأُمَمِ. وَلَا يَتَّكِلُ شَعْبُ إِسْرَائِيلَ عَلَى مِصْرَ. بَلْ تُذَكِّرُهُمْ مِصْرُ بِأَنَّهُمْ أَخْطَأُوا لَمَّا رَاحُوا إِلَيْهَا لِتُعِينَهُمْ. فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الْمَوْلَى الْإِلَهُ.‘“ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ مِنَ السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ، قَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، نَبُوخَذْنَصْرُ مَلِكُ بَابِلَ دَفَعَ جَيْشَهُ فِي مَعْرَكَةٍ شَدِيدَةٍ ضِدَّ صُورَ، حَتَّى أَصَابَ الصَّلَعُ رُؤُوسَ جُنُودِهِ وَتَسَلَّخَتْ أَكْتَافُهُمْ. وَلَكِنْ لَا هُوَ وَلَا جَيْشُهُ حَصَلَ عَلَى أُجْرَةٍ مِنْ صُورَ، مِنْ هَذِهِ الْمَعْرَكَةِ الَّتِي قَادَهَا. لِذَلِكَ قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: سَأُعْطِي مِصْرَ لِنَبُوخَذْنَصْرَ مَلِكِ بَابِلَ، فَيَأْخُذُ ثَرْوَتَهَا وَيَسْلُبُهَا وَيَنْهَبُهَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ أُجْرَةً لِجَيْشِهِ. فَإِنِّي أَعْطَيْتُهُ مِصْرَ مُكَافَأَةً لَهُ عَلَى خِدْمَتِهِ لِي، لِأَنَّهُ تَعِبَ هُوَ وَجَيْشُهُ مِنْ أَجْلِي. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أُعْطِي بَيْتَ إِسْرَائِيلَ قُوَّةً، وَأَفْتَحُ فَمَكَ يَا حَزْقِيَالُ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ.“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ تَنَبَّأْ وَقُلْ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. وَلْوِلُوا وَقُولُوا: ”يَا لَهُ مِنْ يَوْمٍ!“ هُوَ يَوْمٌ قَرِيبٌ، يَوْمُ رَبِّنَا قَرِيبٌ! هُوَ يَوْمُ غَيْمٍ، هُوَ وَقْتُ هَلَاكِ الْأُمَمِ. يَأْتِي سَيْفٌ عَلَى مِصْرَ، وَيحِلُّ الرُّعْبُ عَلَى الْحَبَشَةِ. يَسْقُطُ الْقَتْلَى فِي مِصْرَ، وَتُؤْخَذُ ثَرْوَتُهَا، وَتُهْدَمُ أَسَاسَاتُهَا. وَالْحَبَشَةُ وَفُوطُ وَلُودُ وَكُلُّ الْعَرَبِ وَلِيبْيَا وَشَعْبُ أَرْضِ الْعَهْدِ يَمُوتُونَ بِالسَّيْفِ مَعَ الْمِصْرِيِّينَ.‘ ”وَقَالَ اللهُ: ’يَسْقُطُ حُلَفَاءُ مِصْرَ، وَتَضِيعُ قُوَّتُهَا الَّتِي تَفْخَرُ بِهَا، وَيَمُوتُ شَعْبُهَا فِيهَا بِالسَّيْفِ مِنْ مَجْدَلَ إِلَى أَسْوَانَ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. وَتَصِيرُ مِصْرُ قَفْرًا كَالْأَرَاضِي الْمُقْفِرَةِ، وَمُدُنُهَا كَالْمُدُنِ الْخَرِبَةِ. فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ حِينَ أُشْعِلُ نَارًا فِي مِصْرَ، وَتَنْسَحِقُ الْأُمَمُ الَّتِي تُسَاعِدُهَا. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، يَذْهَبُ مِنْ عِنْدِي رُسُلٌ فِي سُفُنٍ، لِيُخَوِّفُوا الْحَبَشَةَ الْمُطْمَئِنَّةَ. فَيَسْتَوْلِي عَلَيْهِمُ الرُّعْبُ فِي يَوْمِ هَلَاكِ مِصْرَ الَّذِي لَا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ. ”’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. سَأُبِيدُ شَعْبَ مِصْرَ بِوَاسِطَةِ نَبُوخَذْنَصْرَ مَلِكِ بَابِلَ. فَيَأْتِي هُوَ وَجَيْشُهُ، وَهُمْ أَقْسَى أُمَّةٍ، لِيُخْرِبُوا الْبِلَادَ. فَيَسْتَلُّونَ سُيُوفَهُمْ عَلَى مِصْرَ وَيَمْلَأُونَ الْبِلَادَ مِنَ الْقَتْلَى. وَأَجْعَلُ مَجَارِيَ النِّيلِ تَنْشَفُ، وَأَبِيعُ الْأَرْضَ لِقَوْمٍ أَشْرَارٍ. وَأُخْرِبُ الْبِلَادَ وَكُلَّ مَا فِيهَا بِوَاسِطَةِ الْغُرَبَاءِ. أَنَا اللهُ حَكَمْتُ بِهَذَا. ”’وَقَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: سَأُبِيدُ الْأَصْنَامَ وَأُزِيلُ الْأَوْثَانَ مِنْ مَمْفِيسَ. وَلَا يَكُونُ فِي مِصْرَ حَاكِمٌ، وَأَبْعَثُ الرُّعْبَ فِي كُلِّ بِلَادِهَا. وَأُخْرِبُ صَعِيدَ مِصْرَ، وَأُشْعِلُ نَارًا فِي صُوعَنَ، وَأُعَاقِبُ طِيبَةَ. وَأَصُبُّ غَضَبِي عَلَى سِينَ، حِصْنِ مِصْرَ، وَأُبِيدُ شَعْبَ طِيبَةَ. وَأُشْعِلُ نَارًا فِي مِصْرَ. سِينُ تَتَلَوَّى مِنَ الْوَجَعِ. طِيبَةُ تُمَزَّقُ. مَمْفِيسُ تُعَانِي الضِّيقَ كُلَّ يَوْمٍ. هِلْيُوبُولِسُ وَفِيبِسْتَةُ يَمُوتُ شُبَّانُهُمَا بِالسَّيْفِ، وَيُؤْخَذُ بَقِيَّةُ أَهْلِهِمَا إِلَى الْأَسْرِ. يُظْلِمُ النَّهَارُ فِي تَحْفَنِيسَ عِنْدَمَا أَكْسِرُ هُنَاكَ نِيرَ مِصْرَ، وَأَقْضِي عَلَى قُوَّتِهَا الَّتِي تَفْخَرُ بِهَا. يُغَطِّي السَّحَابُ مِصْرَ، وَتَذْهَبُ قُرَاهَا إِلَى الْأَسْرِ. أُعَاقِبُ مِصْرَ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ.‘“ وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ مِنَ السَّنَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ، قَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، أَنَا كَسَرْتُ ذِرَاعَ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ. وَلَنْ تُرْبَطَ لِتُشْفَى وَلَنْ تُجْبَرَ لِتَقْوَى وَتُمْسِكَ السَّيْفَ. لِذَلِكَ قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: أَنَا ضِدُّ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ، فَأَكْسِرُ ذِرَاعَيْهِ، السَّلِيمَةَ وَالْمَكْسُورَةَ، وَأَجْعَلُ السَّيْفَ يَسْقُطُ مِنْ يَدِهِ. وَأُشَتِّتُ الْمِصْرِيِّينَ بَيْنَ الْأُمَمِ، وَأُبَدِّدُهُمْ فِي الْبِلَادِ. وَأُشَدِّدُ ذِرَاعَيْ مَلِكِ بَابِلَ، وَأَضَعُ سَيْفِي فِي يَدِهِ. وَأَكْسِرُ ذِرَاعَيْ فِرْعَوْنَ، فَيَئِنُّ قُدَّامَهُ كَجَرِيحٍ عَلَى وَشْكِ الْمَوْتِ. أُشَدِّدُ ذِرَاعَيْ مَلِكِ بَابِلَ، أَمَّا ذِرَاعَا فِرْعَوْنَ فَتَسْقُطَانِ. فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ حِينَ أَضَعُ سَيْفِي فِي يَدِ مَلِكِ بَابِلَ فَيُحَارِبُ بِهِ مِصْرَ. وَأُشَتِّتُ الْمِصْرِيِّينَ بَيْنَ الْأُمَمِ، وَأُبَدِّدُهُمْ فِي الْبِلَادِ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ.“ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الثَّالِثِ مِنَ السَّنَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ، قَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، قُلْ لِفِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ وَشَعْبِهِ: ’مَنْ مِثْلُكَ فِي الْعَظَمَةِ؟ اُنْظُرْ إِلَى أَشُّورَ الَّتِي كَانَتْ كَشَجَرَةِ أَرْزٍ فِي لُبْنَانَ، أَغْصَانُهَا جَمِيلَةٌ، ظِلُّهَا وَارِفٌ، قِمَّتُهَا عَالِيَةٌ، وَفُرُوعُهَا فِي السَّحَابِ. غَذَّتْهَا الْمِيَاهُ، وَنَمَّتْهَا الْيَنَابِيعُ الْعَمِيقَةُ، وَجَرَتِ الْأَنْهَارُ حَوْلَهَا، وَتَفَرَّعَتْ إِلَى جَدَاوِلَ تُرْوِي كُلَّ أَشْجَارِ الْحَقْلِ. لِذَلِكَ ارْتَفَعَتْ فَوْقَ كُلِّ أَشْجَارِ الْحَقْلِ، وَكَثُرَتْ أَغْصَانُهَا وَامْتَدَّتْ فُرُوعُهَا مِنْ كَثْرَةِ الْمِيَاهِ. وَعَشَّشَتْ فِي أَغْصَانِهَا كُلُّ طُيُورِ السَّمَاءِ، وَتَحْتَ فُرُوعِهَا وَلَدَتْ كُلُّ الْوُحُوشِ، وَفِي ظِلِّهَا سَكَنَتْ كُلُّ الْأُمَمِ الْعَظِيمَةِ. كَانَتْ رَائِعَةَ الْجَمَالِ بِفُرُوعِهَا الْمُمْتَدَّةِ، لِأَنَّ جُذُورَهَا كَانَتْ عَلَى مِيَاهٍ غَزِيرَةٍ. الْأَرْزُ الَّذِي فِي جَنَّةِ اللهِ لَا يَتَفَوَّقُ عَلَيْهَا، وَلَا السَّرْوُ يُعَادِلُ أَغْصَانَهَا، وَلَا شَجَرُ الْوَادِي يُمَاثِلُ فُرُوعَهَا. وَلَا شَجَرَةٌ فِي جَنَّةِ اللهِ تُشْبِهُ جَمَالَهَا. جَعَلْتُهَا جَمِيلَةً بِفُرُوعِهَا الْكَثِيرَةِ، فَغَارَتْ مِنْهَا كُلُّ أَشْجَارِ عَدْنٍ، فِي جَنَّةِ اللهِ. ”’لِذَلِكَ قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: بِمَا أَنَّ قِمَّتَهَا ارْتَفَعَتْ، وَفُرُوعَهَا وَصَلَتْ إِلَى السَّحَابِ، وَتَكَبَّرَتْ بِسَبَبِ عُلُوِّهَا، لِذَلِكَ سَلَّمْتُهَا فِي يَدِ حَاكِمٍ جَبَّارٍ عَلَى الْأُمَمِ لِيُعَاقِبَهَا. فَإِنِّي طَرَدْتُهَا لِشَرِّهَا، وَغُرَبَاءُ هُمْ أَقْسَى أُمَّةٍ قَطَعُوهَا وَتَرَكُوهَا. فَسَقَطَتْ أَغْصَانُهَا عَلَى الْجِبَالِ وَفِي كُلِّ الْأَوْدِيَةِ، وَتَكَسَّرَتْ فُرُوعُهَا فِي كُلِّ أَنْهَارِ الْأَرْضِ، وَخَرَجَتْ كُلُّ أُمَمِ الْأَرْضِ مِنْ ظِلِّهَا وَتَرَكَتْهَا. وَاسْتَقَرَّتْ كُلُّ طُيُورِ السَّمَاءِ عَلَى حُطَامِهَا، وَسَكَنَتْ كُلُّ الْوُحُوشِ فِي فُرُوعِهَا. بِذَلِكَ فَإِنَّ كُلَّ شَجَرَةٍ أُخْرَى تَنْمُو عِنْدَ الْمِيَاهِ، لَا تَرْتَفِعُ بِكِبْرِيَاءَ، وَلَا تَصِلُ فُرُوعُهَا إِلَى السَّحَابِ. وَلَا شَجَرَةٌ أُخْرَى شَبْعَانَةٌ مَاءً، تَصِلُ إِلَى هَذَا الِارْتِفَاعِ. بَلْ كُلُّهَا مَصِيرُهَا إِلَى الْمَوْتِ، إِلَى أَعْمَاقِ الْأَرْضِ مَعَ بَنِي آدَمَ الَّذِينَ نَزَلُوا إِلَى الْهَاوِيَةِ. ”’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. فِي يَوْمِ نُزُولِهَا إِلَى الْقَبْرِ، أَنَا نَشَّفْتُ الْيَنَابِيعَ الْعَمِيقَةَ، وَسَدَدْتُ أَنْهَارَهَا، فَانْقَطَعَتِ الْمِيَاهُ الْغَزِيرَةُ. أَلْبَسْتُ لُبْنَانَ بِالسَّوَادِ حِدَادًا عَلَيْهَا، وَذَبُلَتْ كُلُّ أَشْجَارِ الْحَقْلِ. جَعَلْتُ الْأُمَمَ تَرْتَعِشُ مِنْ صَوْتِ سُقُوطِهَا، لَمَّا أَنْزَلْتُهَا إِلَى الْقَبْرِ مَعَ الَّذِينَ نَزَلُوا إِلَى الْهَاوِيَةِ. فَتَعَزَّتْ فِي أَعْمَاقِ الْأَرْضِ كُلُّ أَشْجَارِ عَدْنٍ، وَأَفْضَلُ وَأَحْسَنُ أَشْجَارِ لُبْنَانَ، وَكُلُّ الْأَشْجَارِ الَّتِي كَانَتْ شَبْعَانَةً مَاءً. هَذِهِ الْأَشْجَارُ، وَحُلَفَاؤُهَا الَّذِينَ سَكَنُوا فِي ظِلِّهَا بَيْنَ الْأُمَمِ، هُمْ أَيْضًا نَزَلُوا مَعَهَا إِلَى الْقَبْرِ، مَعَ الَّذِينَ قُتِلُوا بِالسَّيْفِ. هَذِهِ الشَّجَرَةُ هِيَ أَنْتِ يَا مِصْرُ. وَلَا شَجَرَةٌ فِي عَدْنٍ تُشْبِهُكِ فِي الْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ! وَلَكِنِّي أُنْزِلُكِ مَعَ أَشْجَارِ عَدْنٍ إِلَى أَعْمَاقِ الْأَرْضِ. وَتَرْقُدِينَ مَعَ النَّجِسِينَ الَّذِينَ قُتِلُوا بِالسَّيْفِ. هَذَا مَصِيرُ فِرْعَوْنَ وَكُلِّ شَعْبِهِ. قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ.‘“ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ، قَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، اُنْدُبْ عَلَى فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ وَقُلْ لَهُ: ’أَنْتَ كَأَسَدٍ بَيْنَ الْأُمَمِ، وَكَتِمْسَاحٍ فِي الْبِحَارِ. تَخْبِطُ أَنْهَارَكَ بِشِدَّةٍ، وَتُكَدِّرُ مَاءَهَا بِرِجْلَيْكَ وَتُعَكِّرُ مَجَارِيَهَا. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. أَبْسُطُ شَبَكَتِي عَلَيْكَ أَمَامَ جُمْهُورٍ كَبِيرٍ مِنَ النَّاسِ، فَيُصْعِدُونَكَ إِلَى الْبَرِّ وَأَنْتَ مَحْبُوسٌ فِيهَا. وَأَرْمِيكَ عَلَى الْأَرْضِ، وَأَقْذِفُكَ عَلَى وَجْهِ الْحَقْلِ، وَأُرْسِلُ عَلَيْكَ كُلَّ طُيُورِ السَّمَاءِ، وَأُشْبِعُ مِنْكَ كُلَّ وُحُوشِ الْأَرْضِ. وَأَطْرَحُ لَحْمَكَ عَلَى الْجِبَالِ، وَأَمْلَأُ الْأَوْدِيَةَ مِنْ بَقَايَا جُثَّتِكَ. وَأَسْقِي الْأَرْضَ مِنْ دَمِكَ الْجَارِي، حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْجِبَالِ وَتَمْتَلِئَ مِنْهُ الْمَجَارِي. وَحِينَ أُطْفِئُ نُورَكَ، أُغَطِّي السَّمَاءَ، وَأُظْلِمُ نُجُومَهَا، وَأَحْجُبُ الشَّمْسَ بِسَحَابٍ، وَالْقَمَرُ لَا يُضِيءُ. وَأُظْلِمُ فَوْقَكَ كُلَّ أَنْوَارِ السَّمَاءِ الْمُضِيئَةِ، وَأُرْسِلُ الظَّلَامَ عَلَى أَرْضِكَ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. وَأَبْعَثُ الْغَمَّ فِي قُلُوبِ شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ، حِينَ أَكْسِرُكَ بَيْنَ الْأُمَمِ فِي بِلَادٍ لَمْ تَعْرِفْهَا. وَأَجْعَلُ شُعُوبًا كَثِيرَةً تَفْزَعُ مِنْكَ، وَيَرْتَعِدُ مُلُوكُهُمْ مِنَ الْخَوْفِ بِسَبَبِكَ، حِينَ أُشْهِرُ سَيْفِي أَمَامَهُمْ. وَيَرْتَعِشُونَ طُولَ الْوَقْتِ، وَيَخَافُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ فِي يَوْمِ سُقُوطِكَ. ”’وَقَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: سَيْفُ مَلِكِ بَابِلَ يُهَاجِمُكَ. فَأَقْتُلُ جَيْشَكَ بِسُيُوفِ أَبْطَالٍ هُمْ أَقْسَى أُمَّةٍ. يُحَطِّمُونَ كِبْرِيَاءَ مِصْرَ وَيُهْلِكُونَ شَعْبَهَا. وَأُبِيدُ كُلَّ بَهَائِمِهَا مِنْ عِنْدِ الْمِيَاهِ الْغَزِيرَةِ، فَلَا تُكَدِّرُ الْمِيَاهَ مِنْ بَعْدُ أَرْجُلُ النَّاسِ، وَلَا تُعَكِّرُهَا أَظْلَافُ الْبَهَائِمِ. فَأَجْعَلُ مِيَاهَ مِصْرَ صَافِيَةً، وَأَنْهَارَهَا تَجْرِي كَالزَّيْتِ. يَقُولُ الْمَوْلَى الْإِلَهُ. وَحِينَ أَجْعَلُ مِصْرَ قَفْرًا، وَخَالِيَةً مِنْ كُلِّ مَا فِيهَا، وَأَقْتُلُ كُلَّ سُكَّانِهَا، يَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ.‘ هَذِهِ هِيَ مَرْثَاةٌ تَنْدُبُ بِهَا نِسَاءُ الْأُمَمِ عَلَى مِصْرَ وَشَعْبِهَا. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ.“ وَفِي الْيَوْمِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ نَفْسِهِ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ، قَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، وَلْوِلْ عَلَى شَعْبِ مِصْرَ وَقُلْ لَهُمْ: ’اِنْزِلُوا أَنْتُمْ وَنِسَاءُ الْأُمَمِ الْعَظِيمَةِ إِلَى أَعْمَاقِ الْأَرْضِ مَعَ الَّذِينَ نَزَلُوا إِلَى الْهَاوِيَةِ. هَلْ أَنْتُمْ أَفْضَلُ مِنَ الْآخَرِينَ؟ اِنْزِلُوا وَارْقُدُوا مَعَ النَّجِسِينَ! سَتَمُوتُونَ مَعَ الْقَتْلَى بِالسَّيْفِ. فَالسَّيْفُ مَسْلُولٌ، وَالْعَدُوُّ يُمْسِكُكُمْ أَنْتُمْ وَكُلَّ حُلَفَائِكُمْ.‘ وَمِنْ دَاخِلِ الْقَبْرِ، يَقُولُ الْحُكَّامُ الْجَبَابِرَةُ عَنْ مَلِكِ مِصْرَ وَأَعْوَانِهِ: ’نَزَلُوا وَرَقَدُوا مَعَ النَّجِسِينَ الَّذِينَ قُتِلُوا بِالسَّيْفِ.‘ ”هُنَاكَ مَلِكُ أَشُّورَ وَكُلُّ جَيْشِهِ حَوْلَهُ فِي قُبُورِهِمْ. كُلُّهُمْ مَاتُوا قَتْلَى بِالسَّيْفِ. قُبُورُهُمْ فِي أَسْفَلِ الْهَاوِيَةِ حَوْلَ قَبْرِ مَلِكِهِمْ. فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ فِي الْمَاضِي أَرْعَبُوا الْأَحْيَاءَ، كُلُّهُمُ الْآنَ مَاتُوا قَتْلَى بِالسَّيْفِ. هُنَاكَ مَلِكُ عِيلَامَ وَكُلُّ جَيْشِهِ حَوْلَ قَبْرِهِ. كُلُّهُمْ مَاتُوا قَتْلَى بِالسَّيْفِ، وَنَزَلُوا نَجِسِينَ إِلَى أَعْمَاقِ الْأَرْضِ. فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ فِي الْمَاضِي أَرْعَبُوا الْأَحْيَاءَ، الْآنَ ذَهَبُوا بِخَجَلٍ مَعَ الَّذِينَ نَزَلُوا إِلَى الْهَاوِيَةِ. فَوَضَعُوا لَهُ سَرِيرًا بَيْنَ الْقَتْلَى وَكُلُّ جَيْشِهِ حَوْلَ قَبْرِهِ. كُلُّهُمْ نَجِسُونَ قُتِلُوا بِالسَّيْفِ. هُمْ فِي الْمَاضِي أَرْعَبُوا الْأَحْيَاءَ، وَالْآنَ ذَهَبُوا بِخَجَلٍ مَعَ الَّذِينَ نَزَلُوا إِلَى الْهَاوِيَةِ. هُنَاكَ مَلِكُ مَاشِكَ وَتُوبَالَ وَكُلُّ جَيْشِهِ حَوْلَ قَبْرِهِ. كُلُّهُمْ نَجِسُونَ قُتِلُوا بِالسَّيْفِ، مَعَ أَنَّهُمْ فِي الْمَاضِي أَرْعَبُوا الْأَحْيَاءَ. وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يُدْفَنُوا مَعَ الْأَبْطَالِ الْآخَرِينَ النَّجِسِينَ الَّذِينَ مَاتُوا وَنَزَلُوا إِلَى الْهَاوِيَةِ وَمَعَهُمْ أَسْلِحَتُهُمْ، وَوُضِعَتْ سُيُوفُهُمْ فِي الْقَبْرِ تَحْتَ رُؤُوسِهِمْ وَأَتْرَاسُهُمْ فَوْقَ جُثَثِهِمْ. هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ فِي الْمَاضِي أَرْعَبُوا أَبْطَالًا أَحْيَاءً. ”وَأَنْتَ أَيْضًا يَا فِرْعَوْنُ سَتَنْهَزِمُ وَتَرْقُدُ بَيْنَ النَّجِسِينَ الْآخَرِينَ الَّذِينَ قُتِلُوا بِالسَّيْفِ. هُنَاكَ مُلُوكُ أَدُومَ وَكُلُّ قَادَتِهَا، الَّذِينَ فِي الْمَاضِي كَانُوا أَقْوِيَاءَ، لَكِنَّهُمُ الْآنَ طُرِحُوا مَعَ الَّذِينَ قُتِلُوا بِالسَّيْفِ، فَرَقَدُوا مَعَ النَّجِسِينَ الْآخَرِينَ الَّذِينَ نَزَلُوا إِلَى الْهَاوِيَةِ. هُنَاكَ كُلُّ أُمَرَاءِ الشَّمَالِ وَكُلُّ الصَّيْدُونِيِّينَ، الَّذِينَ مَاتُوا بِخِزْيٍ مَعَ الْقَتْلَى. هُمْ فِي الْمَاضِي أَرْعَبُوا النَّاسَ بِقُوَّتِهِمْ. لَكِنَّهُمُ الْآنَ نَزَلُوا نَجِسِينَ مَعَ الَّذِينَ قُتِلُوا بِالسَّيْفِ، وَذَهَبُوا بِخَجَلٍ مَعَ الَّذِينَ نَزَلُوا إِلَى الْهَاوِيَةِ. ”وَقَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: حِينَ يَرَى فِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ كُلَّ هَؤُلَاءِ، يَتَعَزَّى هُوَ وَكُلُّ جَيْشِهِ الَّذِينَ قُتِلُوا بِالسَّيْفِ، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا وَحْدَهُمْ فِي ذَلِكَ. فَأَنَا أَرْسَلْتُهُ لِيُرْعِبَ الْأَحْيَاءَ، وَلَكِنَّهُ يُدْفَنُ هُوَ وَجَيْشُهُ بَيْنَ النَّجِسِينَ الْآخَرِينَ الَّذِينَ قُتِلُوا بِالسَّيْفِ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ.“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، كَلِّمْ شَعْبَكَ وَقُلْ لَهُمْ: ’إِنْ جَلَبْتُ حَرْبًا عَلَى بِلَادٍ، وَاخْتَارَ شَعْبُهَا رَجُلًا مِنْ بَيْنِهِمْ وَجَعَلُوهُ رَقِيبًا لَهُمْ. ثُمَّ رَأَى الرَّقِيبُ الْعَدُوَّ قَادِمًا عَلَى الْبِلَادِ، وَنَفَخَ الْبُوقَ، وَحَذَّرَ الشَّعْبَ. فَمَنْ يَسْمَعُ صَوْتَ الْبُوقِ وَلَا يَتَنَبَّهُ، يَأْتِي الْعَدُوُّ وَيَقْتُلُهُ، وَيَكُونُ هُوَ الْمَسْئُولَ عَنْ نَفْسِهِ. لِأَنَّهُ سَمِعَ صَوْتَ الْبُوقِ وَلَمْ يَتَنَبَّهْ، فَهُوَ الْمَسْئُولُ عَنْ نَفْسِهِ. لَوْ كَانَ تَنَبَّهَ لَأَنْقَذَ نَفْسَهُ. وَلَكِنْ إِنْ رَأَى الرَّقِيبُ الْعَدُوَّ قَادِمًا، وَلَمْ يَنْفُخِ الْبُوقَ وَلَمْ يُنْذِرِ الشَّعْبَ، فَجَاءَ الْعَدُوُّ وَقَتَلَ شَخْصًا مِنْهُمْ، فَهَذَا الشَّخْصُ يَمُوتُ بِسَبَبِ ذُنُوبِهِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا، وَلَكِنِّي أُعَاقِبُ الرَّقِيبَ عَلَى مَوْتِهِ.‘ ”يَا ابْنَ آدَمَ، أَنَا جَعَلْتُكَ رَقِيبًا عَلَى الشَّعْبِ. فَاسْمَعِ الْكَلَامَ الَّذِي أَقُولُهُ وَأَنْذِرْهُمْ نِيَابَةً عَنِّي. فَعِنْدَمَا أَقُولُ لِلشِّرِّيرِ: ’أَيُّهَا الشِّرِّيرُ، عِقَابُكَ الْمَوْتُ‘ وَلَكِنَّكَ لَا تُحَذِّرُهُ لِيَرْجِعَ عَنْ سُلُوكِهِ، فَهَذَا الشِّرِّيرُ يَهْلِكُ فِي شَرِّهِ، وَلَكِنَّكَ تَكُونُ مَسْئُولًا عَنْ هَلَاكِهِ. أَمَّا إِنْ أَنْذَرْتَهُ لِيَرْجِعَ عَنْ سُلُوكِهِ وَلَمْ يَرْجِعْ، فَإِنَّهُ يَهْلِكُ فِي شَرِّهِ، لَكِنَّكَ تَكُونُ أَنْتَ نَجَّيْتَ نَفْسَكَ. ”يَا ابْنَ آدَمَ، قُلْ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ: ’أَنْتُمْ تَقُولُونَ: ”مَعَاصِينَا وَذُنُوبُنَا حِمْلٌ عَلَيْنَا وَسَتَقْتُلُنَا، فَكَيْفَ نَحْيَا؟“‘ قُلْ لَهُمْ: ’الْمَوْلَى الْإِلَهُ يَقُولُ، أُقْسِمُ بِذَاتِي إِنِّي لَا أَفْرَحُ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ، بَلْ بِأَنْ يَرْجِعَ عَنْ سُلُوكِهِ وَيَحْيَا. اِرْجِعُوا! اِرْجِعُوا عَنْ سُلُوكِكُمُ الرَّدِيءِ! لِمَاذَا تَمُوتُونَ أَيُّهَا الشَّعْبُ؟‘ ”لِذَلِكَ يَا ابْنَ آدَمَ، قُلْ لِشَعْبِكَ: ’الصَّالِحُ لَا يَنْجُو بِصَلَاحِهِ إِنِ ارْتَكَبَ الْمَعْصِيَةَ، وَالشِّرِّيرُ لَا يَهْلِكُ بِشَرِّهِ إِنْ رَجَعَ عَنِ الشَّرِّ. فَالصَّالِحُ إِنْ أَخْطَأَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَحْيَا عَلَى أَسَاسِ صَلَاحِهِ السَّابِقِ. إِنْ قُلْتُ لِلصَّالِحِ: ”أَنْتَ سَتَحْيَا.“ وَلَكِنَّهُ اتَّكَلَ عَلَى صَلَاحِهِ وَارْتَكَبَ الشَّرَّ، فَإِنَّ كُلَّ صَلَاحِهِ السَّابِقِ لَا يُذْكَرُ لَهُ، بَلْ يَمُوتُ بِشَرِّهِ الَّذِي ارْتَكَبَهُ. وَإِنْ قُلْتُ لِلشِّرِّيرِ: ”عِقَابُكَ الْمَوْتُ.“ وَلَكِنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَنْبِهِ، وَعَمِلَ الْعَدْلَ وَالصَّلَاحَ، وَرَدَّ الرَّهْنَ، وَأَرْجَعَ مَا سَرَقَهُ، وَتَبِعَ الْفَرَائِضَ الَّتِي تُعْطِي الْحَيَاةَ، وَلَمْ يَرْتَكِبِ الشَّرَّ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْيَا، وَلَا يَمُوتَ. وَكُلُّ ذُنُوبِهِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا لَا تُذْكَرُ لَهُ، بَلْ يَحْيَا لِأَنَّهُ عَمِلَ الْعَدْلَ وَالصَّلَاحَ. وَمَعَ ذَلِكَ يَقُولُ شَعْبُكَ: ”اللهُ يَتَصَرَّفُ بِغَيْرِ عَدْلٍ.“ لَكِنْ فِي الْحَقِيقَةِ هُمُ الَّذِينَ يَتَصَرَّفُونَ بِغَيْرِ عَدْلٍ! فَإِنْ رَجَعَ الصَّالِحُ عَنْ صَلَاحِهِ، وَارْتَكَبَ الشَّرَّ، فَهُوَ يَمُوتُ بِسَبَبِهِ. وَإِنْ رَجَعَ الشِّرِّيرُ عَنْ شَرِّهِ، وَعَمِلَ الْعَدْلَ وَالصَّلَاحَ، فَهُوَ يَحْيَا بِهِمَا. وَمَعَ ذَلِكَ تَقُولُونَ: ”اللهُ يَتَصَرَّفُ بِغَيْرِ عَدْلٍ.“ لِذَلِكَ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، سَأَحْكُمُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ حَسَبَ سُلُوكِهِ.‘“ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ مِنَ الشَّهْرِ الْعَاشِرِ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ لِأَسْرِنَا، جَاءَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنَ الَّذِينَ هَرَبُوا مِنَ الْقُدْسِ وَقَالَ: ”سَقَطَتِ الْمَدِينَةُ!“ وَفِي الْمَسَاءِ السَّابِقِ لِمَجِيئِهِ حَلَّتْ عَلَيَّ قُوَّةُ اللهِ، وَفَتَحَ اللهُ فَمِي قَبْلَ وُصُولِ الرَّجُلِ فِي الصُّبْحِ. فَانْفَتَحَ فَمِي وَلَمْ أَعُدْ أَخْرَسَ. فَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، سُكَّانُ الْخَرَائِبِ الَّتِي فِي أَرْضِ إِسْرَائِيلَ يَقُولُونَ: ’إِبْرَاهِيمُ كَانَ وَاحِدًا وَمَلَكَ الْأَرْضَ، أَمَّا نَحْنُ فَكَثِيرُونَ! لَا شَكَّ أَنَّنَا نَمْلِكُهَا!‘ فَقُلْ لَهُمْ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. تَأْكُلُونَ اللَّحْمَ بِدَمِهِ، وَتَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ، وَتَسْفِكُونَ الدَّمَ، فَهَلْ تَمْلِكُونَ الْأَرْضَ؟ تَتَّكِلُونَ عَلَى سُيُوفِكُمْ، وَتَرْتَكِبُونَ الْقَبَاحَةَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يُنَجِّسُ امْرَأَةَ وَاحِدٍ آخَرَ، فَهَلْ تَمْلِكُونَ الْأَرْضَ؟‘ وَقُلْ لَهُمْ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. أُقْسِمُ بِذَاتِي إِنَّ الَّذِينَ فِي الْخَرَائِبِ يَمُوتُونَ بِالسَّيْفِ، وَالَّذِينَ فِي الرِّيفِ أُقَدِّمُهُمْ طَعَامًا لِلْوُحُوشِ، وَالَّذِينَ فِي الْحُصُونِ وَالْمَغَارَاتِ يَمُوتُونَ بِالْوَبَأِ. وَأَجْعَلُ الْأَرْضَ قَفْرًا مَهْجُورًا، وَأَقْضِي عَلَى قُوَّتِهَا الَّتِي تَفْخَرُ بِهَا، وَتَصِيرُ جِبَالُ إِسْرَائِيلَ خَرَابًا لَا يَعْبُرُ فِيهَا أَحَدٌ. فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ حِينَ أَجْعَلُ الْأَرْضَ قَفْرًا مَهْجُورًا بِسَبَبِ كُلِّ الْقَبَاحَةِ الَّتِي ارْتَكَبُوهَا.‘ ”وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَإِنَّ شَعْبَكَ يَتَكَلَّمُ عَلَيْكَ بِجَانِبِ الْحِيطَانِ وَفِي مَدَاخِلِ الدِّيَارِ، وَيَقُولُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ’تَعَالَوْا نَسْمَعُ الْكَلَامَ الَّذِي جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللهِ.‘ يَأْتُونَ إِلَيْكَ جُمْهُورًا كَأَنَّهُمْ يَنْتَمُونَ لِي. وَيَسْمَعُونَ كَلَامَكَ وَلَا يَعْمَلُونَ بِهِ. بِالْفَمِ يُعَبِّرُونَ عَنِ اسْتِحْسَانِهِمْ، وَلَكِنَّ قُلُوبَهُمْ تَسْعَى إِلَى الرِّبْحِ الْحَرَامِ. فَأَنْتَ لَهُمْ كَوَاحِدٍ جَمِيلِ الصَّوْتِ يُحْسِنُ الْعَزْفَ، يُغَنِّي لَهُمْ أُغْنِيَةَ حُبٍّ. فَيَسْمَعُونَ كَلَامَكَ وَلَا يَعْمَلُونَ بِهِ. وَمَتَى تَمَّ هَذَا، لِأَنَّهُ سَيَتِمُّ، يَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُمْ نَبِيٌّ.“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، تَنَبَّأْ عَلَى رُعَاةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. تَنَبَّأْ وَقُلْ لَهُمْ: ’هَذَا كَلَامُ اللهِ لَكُمْ. الْوَيْلُ لِرُعَاةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ يَرْعَوْنَ أَنْفُسَهُمْ! أَلَيْسَ مِنْ وَاجِبِ الرَّاعِي أَنْ يَرْعَى الْقَطِيعَ؟ أَمَّا أَنْتُمْ فَتَأْكُلُونَ الزُّبْدَ وَتَلْبَسُونَ الصُّوفَ وَتَذْبَحُونَ السَّمِينَ وَلَا تَرْعَوْنَ الْقَطِيعَ. الضَّعِيفُ لَمْ تُقَوُّوهُ، وَالْمَرِيضُ لَمْ تُدَاوُوهُ، وَالْمَكْسُورُ لَمْ تَجْبُرُوهُ، وَالتَّائِهُ لَمْ تَرُدُّوهُ، وَالضَّالُّ لَمْ تَبْحَثُوا عَنْهُ. إِنَّمَا تَسَلَّطْتُمْ عَلَيْهِمْ بِقَسْوَةٍ وَعُنْفٍ. فَتَبَدَّدَ الْقَطِيعُ بِلَا رَاعٍ، وَصَارُوا طَعَامًا لِكُلِّ الْوُحُوشِ. ضَلَّتْ غَنَمِي فِي كُلِّ الْجِبَالِ وَعَلَى كُلِّ تَلٍّ مُرْتَفِعٍ، وَتَبَدَّدَتْ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الْأَرْضِ، وَلَا مَنْ يَسْأَلُ وَلَا مَنْ يَبْحَثُ. ”’لِذَلِكَ اسْمَعُوا كَلَامَ اللهِ أَيُّهَا الرُّعَاةُ. الْمَوْلَى الْإِلَهُ يَقُولُ: أُقْسِمُ بِذَاتِي، حَيْثُ إِنَّ غَنَمِي بِلَا رَاعٍ، صَارَتْ تُنْهَبُ، وَصَارَتْ طَعَامًا لِكُلِّ الْوُحُوشِ. لَمْ يَسْأَلْ رُعَاتِي عَنْ غَنَمِي، بَلْ رَعَى الرُّعَاةُ أَنْفُسَهُمْ، وَلَمْ يَرْعَوْا غَنَمِي. لِذَلِكَ اسْمَعُوا كَلَامَ اللهِ أَيُّهَا الرُّعَاةُ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. أَنَا ضِدُّ الرُّعَاةِ، وَأُطَالِبُهُمْ بِغَنَمِي، وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ رِعَايَتِهَا، فَلَا يَرْعَوْنَ أَنْفُسَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأُنْقِذُ غَنَمِي مِنْ أَفْوَاهِهِمْ، فَلَا تَكُونُ طَعَامًا لَهُمْ. ”’وَقَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: سَأَسْأَلُ عَنْ غَنَمِي وَأَعْتَنِي بِهَا، كَمَا يَعْتَنِي الرَّاعِي بِغَنَمِهِ الْمُنْتَشِرَةِ حِينَ يَكُونُ بَيْنَهَا. فَأَعْتَنِي بِهَا وَأُنْقِذُهَا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ تَبَدَّدَتْ إِلَيْهِ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ وَالضَّبَابِ. وَأُخْرِجُهَا مِنَ الْأُمَمِ وَأَجْمَعُهَا مِنَ الْبِلَادِ وَأُحْضِرُهَا إِلَى بِلَادِهَا، وَأَرْعَاهَا عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ وَفِي الْأَوْدِيَةِ وَفِي كُلِّ مَكَانٍ عَامِرٍ. أَرْعَاهَا فِي مَرْعًى جَيِّدٍ، وَتَرْتَاحُ عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ الْعَالِيَةِ. هُنَاكَ تَرْبِضُ فِي مَكَانِ رَاحَةٍ جَمِيلٍ، وَتَرْعَى فِي مَرْعًى خِصْبٍ عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ. فَالْمَوْلَى الْإِلَهُ يَقُولُ: أَنَا بِنَفْسِي أَرْعَاهَا وَأُرْبِضُهَا. وَأَبْحَثُ عَنِ الضَّالِّ، وَأَرُدُّ التَّائِهَ، وَأَجْبُرُ الْمَكْسُورَ، وَأُقَوِّي الضَّعِيفَ، وَأُبِيدُ السَّمِينَ وَالْقَوِيَّ، وَأَرْعَاهَا بِعَدْلٍ. ”’وَقَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: أَنْتُمْ يَا غَنَمِي، سَأَحْكُمُ بَيْنَ شَاةٍ وَأُخْرَى، وَبَيْنَ كِبَاشٍ وَتُيُوسٍ. أَلَا يَكْفِيكُمْ أَنْ تَرْعَوْا فِي الْمَرْعَى الْجَيِّدِ؟ لِمَاذَا تَدُوسُونَ بَقِيَّةَ الْعُشْبِ بِأَرْجُلِكُمْ؟ أَلَا يَكْفِيكُمْ أَنْ تَشْرَبُوا مِنَ الْمِيَاهِ الصَّافِيَةِ؟ لِمَاذَا تُعَكِّرُونَ بَقِيَّةَ الْمِيَاهِ بِأَقْدَامِكُمْ؟ هَلْ يَصِحُّ أَنْ تَرْعَى غَنَمِي مَا دَاسَتْهُ أَقْدَامُكُمْ وَتَشْرَبَ مَا عَكَّرَتْهُ أَرْجُلُكُمْ؟‘ ”لِذَلِكَ قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ لِلرُّعَاةِ: ’أَنَا سَأَحْكُمُ بَيْنَ الشَّاةِ السَّمِينَةِ وَالشَّاةِ الْهَزِيلَةِ. أَنْتُمْ دَفَعْتُمُ الشَّاةَ الضَّعِيفَةَ بِالْجَنْبِ وَالْكَتِفِ، وَنَطَحْتُمُوهَا بِقُرُونِكُمْ حَتَّى بَدَّدْتُمُوهَا بَعِيدًا. لَكِنِّي أُنْقِذُ غَنَمِي فَلَا تُنْهَبُ مِنْ بَعْدُ. وَأَحْكُمُ بَيْنَ شَاةٍ وَأُخْرَى. وَأُقِيمُ عَلَيْهَا رَاعِيًا وَاحِدًا، عَبْدِي دَاوُدَ فَيَعْتَنِي بِهَا. يَعْتَنِي بِهَا وَيَكُونُ رَاعِيَهَا. وَأَنَا اللهُ أَكُونُ إِلَهَهُمْ، وَيَكُونُ عَبْدِي دَاوُدُ رَئِيسًا عَلَيْهِمْ. أَنَا اللهُ حَكَمْتُ بِهَذَا. ”’وَأَعْمَلُ مَعَهُمْ عَهْدًا يَضْمَنُ لَهُمُ السَّلَامَ، وَأُبِيدُ الْوُحُوشَ الضَّارِيَةَ مِنَ الْبِلَادِ. فَيَسْكُنُونَ فِي الصَّحْرَاءِ فِي أَمَانٍ، وَيَنَامُونَ فِي الْغَابَاتِ. وَأَجْعَلُهُمْ بَرَكَةً هُمْ وَالْأَرْضَ الَّتِي حَوْلَ جَبَلِي. وَأُنْزِلُ عَلَيْهِمُ الْمَطَرَ فِي أَوَانِهِ، فَيَكُونُ مَطَرَ الْبَرَكَةِ. وَتُعْطِي أَشْجَارُ الْحَقْلِ ثِمَارَهَا، وَالْأَرْضُ غَلَّتَهَا، وَيَكُونُونَ آمِنِينَ فِي أَرْضِهِمْ. وَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ حِينَ أُحَطِّمُ قُيُودَ نِيرِهِمْ، وَأُنْقِذُهُمْ مِنْ يَدِ الَّذِينَ اسْتَعْبَدُوهُمْ. وَلَا تَعُودُ الْأُمَمُ تَنْهَبُهُمْ، وَلَا الْوُحُوشُ تَأْكُلُهُمْ، بَلْ يَسْكُنُونَ آمِنِينَ وَلَا يُخَوِّفُهُمْ أَحَدٌ. وَأُعْطِيهِمْ أَرْضًا لَهَا شُهْرَةٌ بِمَحَاصِيلِهَا، فَلَا يَكُونُونَ مِنْ بَعْدُ فَرِيسَةً لِلْجُوعِ فِي الْأَرْضِ، وَلَا يَحْمِلُونَ تَعْيِيرَ الْأُمَمِ. فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ رَبُّهُمْ مَعَهُمْ، وَهُمْ شَعْبِي بَيْتُ إِسْرَائِيلَ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. يَا شَعْبِي أَنْتُمْ غَنَمِيَ الَّتِي أَرْعَاهَا. أَنْتُمُ النَّاسُ وَأَنَا إِلَهُكُمْ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، حَوِّلْ وَجْهَكَ إِلَى جَبَلِ سَعِيرَ وَتَنَبَّأْ عَلَيْهِ وَقُلْ لَهُ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. أَنَا ضِدُّكَ يَا جَبَلَ سَعِيرَ، سَأَمُدُّ يَدِي عَلَيْكَ وَأَجْعَلُكَ قَفْرًا مَهْجُورًا. وَأَجْعَلُ مُدُنَكَ خَرَائِبَ، وَأَنْتَ تَكُونُ مَهْجُورًا. فَتَعْلَمُ أَنِّي أَنَا اللهُ. ”’بِسَبَبِ عَدَاوَتِكَ الْقَدِيمَةِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، أَنْتَ قَتَلْتَهُمْ بِالسَّيْفِ لَمَّا كَانُوا فِي مِحْنَةٍ، لَمَّا حَانَ وَقْتُ عِقَابِهِمْ. لِذَلِكَ قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: أُقْسِمُ بِذَاتِي، إِنِّي أُعِدُّكَ لِيُسْفَكَ دَمُكَ. سَفْكُ الدَّمِ يُطَارِدُكَ. أَنْتَ لَمْ تَكْرَهْ سَفْكَ الدَّمِ، لِذَلِكَ سَفْكُ الدَّمِ يُطَارِدُكَ. وَأَجْعَلُ جَبَلَ سَعِيرَ قَفْرًا مَهْجُورًا وَأُبِيدُ مِنْهُ كُلَّ مُسَافِرٍ. وَأَمْلَأُ جِبَالَهُ مِنَ الْقَتْلَى. وَيَسْقُطُ الْقَتْلَى بِالسَّيْفِ فِي تِلَالِكَ وَأَوْدِيَتِكَ وَكُلِّ أَنْهَارِكَ. وَأَجْعَلُكَ خَرَابًا إِلَى الْأَبَدِ، وَلَا يَسْكُنُ أَحَدٌ فِي مُدُنِكَ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ. ”’أَنْتَ قُلْتَ: ”يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلُ وَأَرْضُهُمَا لِي، فَأَسْتَوْلِي عَلَيْهِمَا حَتَّى وَلَوْ كَانَ اللهُ هُنَاكَ!“ لِذَلِكَ قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: أُقْسِمُ بِذَاتِي، إِنِّي أُعَاقِبُكَ عَلَى غَضَبِكَ وَحَسَدِكَ، وَأُعَامِلُكَ كَمَا عَامَلْتَهُمْ بِكَرَاهِيَتِكَ لَهُمْ. وَأُعَرِّفُهُمْ بِنَفْسِي حِينَ أَحْكُمُ عَلَيْكَ. فَتَعْلَمُ أَنِّي أَنَا اللهُ سَمِعْتُ كُلَّ الْإِهَانَةِ الَّتِي شَتَمْتَ بِهَا جِبَالَ إِسْرَائِيلَ. أَنْتَ قُلْتَ: ”خَرِبُوا وَصَارُوا فَرِيسَةً لَنَا.“ وَتَكَلَّمْتُمْ عَلَيَّ بِكِبْرِيَاءَ، وَقُلْتُمْ ضِدِّي أَشْيَاءَ كَثِيرَةً. وَأَنَا سَمِعْتُ. فَهَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. سَتَفْرَحُ كُلُّ الْأَرْضِ حِينَ أَجْعَلُكَ مَهْجُورًا. أَنْتَ فَرِحْتَ لِخَرَابِ أَرْضِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنَا أُعَامِلُكَ بِالْمِثْلِ. فَتَصِيرُ خَرَابًا يَا جَبَلَ سَعِيرَ، أَنْتَ وَكُلُّ أَدُومَ. فَيَعْلَمُ الْجَمِيعُ أَنِّي أَنَا اللهُ.‘ ”يَا ابْنَ آدَمَ، تَنَبَّأْ لِجِبَالِ إِسْرَائِيلَ وَقُلْ: ’يَا جِبَالَ إِسْرَائِيلَ، اِسْمَعِي كَلِمَةَ اللهِ. فَالْمَوْلَى الْإِلَهُ يَقُولُ إِنَّ الْعَدُوَّ يَدَّعِي أَنَّ الْأَمَاكِنَ الْقَدِيمَةَ لِعِبَادَةِ الْآلِهَةِ أَصْبَحَتْ مِنْ نَصِيبِهِ!‘ لِذَلِكَ تَنَبَّأْ وَقُلْ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ، إِنَّهُمْ دَاسُوكُمْ وَاضْطَهَدُوكُمْ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ حَتَّى صِرْتُمْ مِنْ نَصِيبِ الْأُمَمِ الْأُخْرَى. وَأَخَذَ النَّاسُ يَتَكَلَّمُونَ عَلَيْكُمْ وَيَشْتِمُونَكُمْ. لِذَلِكَ يَا جِبَالَ إِسْرَائِيلَ، اِسْمَعِي كَلِمَةَ الْمَوْلَى الْإِلَهِ، فَهُوَ يُكَلِّمُ الْجِبَالَ وَالتِّلَالَ وَالْأَوْدِيَةَ وَالسُّهُولَ، وَالْخَرَائِبَ الْمُقْفِرَةَ، وَالْمُدُنَ الْمَهْجُورَةَ الَّتِي نَهَبَتْهَا وَهَزَأَتْ بِهَا الْأُمَمُ الْأُخْرَى الَّتِي حَوْلَهَا. نَعَمْ، الْمَوْلَى الْإِلَهُ يَقُولُ: اِشْتَعَلَ سَخَطِي فَحَكَمْتُ عَلَى الْأُمَمِ الْأُخْرَى، وَخَاصَّةً عَلَى شَعْبِ أَدُومَ. لِأَنَّهُمْ بِفَرَحٍ مِنَ الْقَلْبِ وَكَرَاهِيَةٍ مِنَ الْأَعْمَاقِ، أَخَذُوا أَرْضِي وَنَهَبُوهَا.‘ لِذَلِكَ تَنَبَّأْ عَلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لِلْجِبَالِ وَالتِّلَالِ وَالْأَوْدِيَةِ وَالسُّهُولِ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ، أَنَا حَكَمْتُ بِسَخَطٍ وَغَضَبٍ لِأَنَّكُمْ عَانَيْتُمْ مِنْ تَعْيِيرِ الْأُمَمِ. لِهَذَا قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: إِنِّي حَلَفْتُ يَمِينًا أَنَّ الْأُمَمَ الَّتِي حَوْلَكُمْ هِيَ أَيْضًا تُعَيَّرُ. ”’أَمَّا أَنْتُمْ يَا جِبَالَ إِسْرَائِيلَ، فَإِنَّكُمْ تُنْبِتُونَ أَغْصَانًا، وَتُنْتِجُونَ ثِمَارًا لِشَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِأَنَّهُمْ عَنْ قَرِيبٍ سَيَرْجِعُونَ. أَنَا أَهْتَمُّ بِكُمْ، وَأَنْتَبِهُ إِلَيْكُمْ، فَتُحْرَثُونَ وَتُزْرَعُونَ، وَأُكَثِّرُ سُكَّانَكُمْ مِنْ كُلِّ شَعْبِي، فَتَعْمُرُ الْمُدُنُ، وَتُبْنَى الْخِرَبُ. وَأُكَثِّرُ فِيكُمُ الْإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ، فَيُثْمِرُونَ وَيَكْثُرُونَ. وَتَعْمُرُونَ كَمَا كَانَتِ الْحَالُ مِنْ قَبْلُ. وَأُحْسِنُ إِلَيْكُمْ أَكْثَرَ مِنَ الْأَوَّلِ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا رَبُّكُمْ. وَأَجْعَلُ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يَمْشُونَ عَلَيْكُمْ وَيَمْلِكُونَكُمْ، فَتَصِيرُونَ نَصِيبًا لَهُمْ. وَلَا تَعُودُونَ تَحْرِمُونَهُمْ مِنْ أَوْلَادِهِمْ. ”’وَقَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: يَقُولُونَ عَنْكُمْ إِنَّكُمْ تَأْكُلُونَ النَّاسَ، وَتَحْرِمُونَ الشُّعُوبَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ. لَكِنْ قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ إِنَّكُمْ لَنْ تَأْكُلُوا النَّاسَ فِيمَا بَعْدُ وَلَنْ تَحْرِمُوا الشُّعُوبَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ. كَمَا قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: لَنْ أُسْمِعَكُمْ تَحْقِيرَ الشُّعُوبِ فِيمَا بَعْدُ، وَلَنْ تُعَانُوا مِنْ تَعْيِيرِ الْأُمَمِ فِيمَا بَعْدُ، وَلَنْ تُسَبِّبُوا سُقُوطَ أُمَّتِكُمْ فِيمَا بَعْدُ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، لَمَّا كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ سَاكِنِينَ فِي أَرْضِهِمْ، نَجَّسُوهَا بِسُلُوكِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ. كَانَ سُلُوكُهُمْ فِي نَظَرِي كَنَجَاسَةِ الْعَادَةِ الشَّهْرِيَّةِ لِلْمَرْأَةِ. فَأَرْسَلْتُ سَخَطِي عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ سَفَكُوا الدَّمَ فِي الْأَرْضِ وَلِأَنَّهُمْ نَجَّسُوهَا بِأَصْنَامِهِمْ. وَشَتَّتُّهُمْ بَيْنَ الْأُمَمِ، فَتَبَدَّدُوا فِي الْبِلَادِ. وَحَكَمْتُ عَلَيْهِمْ حَسَبَ سُلُوكِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ. فِي كُلِّ مَكَانٍ ذَهَبُوا إِلَيْهِ بَيْنَ الْأُمَمِ، نَجَّسُوا اسْمِيَ الْقُدُّوسَ، حَتَّى قَالَ الْآخَرُونَ عَنْهُمْ: ’هَذَا هُوَ شَعْبُ اللهِ، وَقَدْ طُرِدُوا مِنْ أَرْضِهِ!‘ وَأَنَا يَهُمُّنِي اسْمِيَ الْقُدُّوسَ الَّذِي نَجَّسَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ بَيْنَ الْأُمَمِ حَيْثُ ذَهَبُوا. ”لِذَلِكَ قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. سَأَعْمَلُ هَذَا لَا مِنْ أَجْلِكُمْ أَنْتُمْ أَيُّهَا الشَّعْبُ، بَلْ مِنْ أَجْلِ اسْمِيَ الْقُدُّوسِ الَّذِي نَجَّسْتُمُوهُ بَيْنَ الْأُمَمِ حَيْثُ ذَهَبْتُمْ. وَأُظْهِرُ أَنَّ اسْمِيَ الْعَظِيمَ قُدُّوسٌ وَهُوَ الَّذِي تَنَجَّسَ بَيْنَ الْأُمَمِ، لِأَنَّكُمْ نَجَّسْتُمُوهُ بَيْنَهُمْ. فَتَعْلَمُ الْأُمَمُ أَنِّي أَنَا اللهُ، حِينَ أُظْهِرُ أَمَامَهُمْ بِوَاسِطَتِكُمْ أَنِّي قُدُّوسٌ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. لِأَنِّي سَآخُذُكُمْ مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ، وَأَجْمَعُكُمْ مِنْ كُلِّ الْبِلَادِ، وَأُحْضِرُكُمْ إِلَى أَرْضِكُمْ. وَأَرُشُّ عَلَيْكُمْ مَاءً نَقِيًّا فَتَطْهُرُونَ مِنْ كُلِّ نَجَاسَتِكُمْ وَمِنْ كُلِّ أَصْنَامِكُمْ. أَنَا أُطَهِّرُكُمْ. وَأُعْطِيكُمْ قَلْبًا جَدِيدًا، وَأَضَعُ فِيكُمْ رُوحًا جَدِيدًا. وَأَنْزِعُ مِنْكُمْ قَلْبَ الْحَجَرِ، وَأُعْطِيكُمْ قَلْبًا مِنْ لَحْمٍ. وَأَضَعُ رُوحِي فِيكُمْ، وَأَجْعَلُكُمْ تَعْمَلُونَ بِفَرَائِضِي، وَتَحْفَظُونَ شَرَائِعِي وَتُطِيعُونَهَا. وَتَسْكُنُونَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لِآبَائِكُمْ، وَتَكُونُونَ شَعْبِي وَأَنَا أَكُونُ إِلَهَكُمْ. وَأُنْقِذُكُمْ مِنْ كُلِّ نَجَاسَتِكُمْ، وَآمُرُ الْقَمْحَ فَيَكْثُرُ وَلَا أُرْسِلُ عَلَيْكُمْ جُوعًا. وَأُكَثِّرُ ثَمَرَ الشَّجَرِ وَغَلَّةَ الْحَقْلِ، لِكَيْ لَا تُعَانُوا مِنْ عَارِ الْجُوعِ بَيْنَ الْأُمَمِ. فَتَذْكُرُونَ سُلُوكَكُمُ الرَّدِيءَ وَأَعْمَالَكُمُ السَّيِّئَةَ، فَتَكْرَهُونَ أَنْفُسَكُمْ بِسَبَبِ ذُنُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمُ الْقَبِيحَةِ. فَاعْلَمُوا أَنِّي سَأَعْمَلُ هَذَا لَا مِنْ أَجْلِكُمْ أَنْتُمْ، بَلِ اخْجَلُوا وَاخْزَوْا مِنْ سُلُوكِكُمْ أَيُّهَا الشَّعْبُ! هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. ”’وَقَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: يَوْمَ أُطَهِّرُكُمْ مِنْ كُلِّ ذُنُوبِكُمْ، أُعَمِّرُ بِكُمُ الْمُدُنَ فَتَبْنُونَ الْخَرَائِبَ. وَتُفْلِحُونَ الْأَرْضَ الْمُقْفِرَةَ، فَلَا تَكُونُ مُقْفِرَةً أَمَامَ كُلِّ مَنْ يَمُرُّ بِكُمْ. بَلْ يَقُولُونَ: ”هَذِهِ الْأَرْضُ الْمُقْفِرَةُ صَارَتْ كَجَنَّةِ عَدْنٍ، وَالْمُدُنُ الْخَرِبَةُ وَالْمَهْجُورَةُ وَالْمُنْهَدِمَةُ صَارَتْ مُحَصَّنَةً وَمَعْمُورَةً.“ فَتَعْلَمُ الْأُمَمُ الَّتِي بَقِيَتْ حَوْلَكُمْ، أَنِّي أَنَا اللهُ بَنَيْتُ مَا كَانَ خَرَابًا وَغَرَسْتُ مَا كَانَ قَفْرًا. أَنَا اللهُ حَكَمْتُ وَسَأُنَفِّذُ.‘“ وَقَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: ”سَأَجْعَلُ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ يَطْلُبُ هَذَا مِنِّي وَأَسْتَجِيبُ لَهُمْ: أَنْ أُكَثِّرَهُمْ كَقَطِيعِ الْغَنَمِ. فَيَكُونُونَ كَثِيرِينَ كَغَنَمِ الْقَرَابِينِ الَّتِي تُحْضَرُ إِلَى الْقُدْسِ فِي أَعْيَادِهَا. فَتَمْتَلِئُ الْمُدُنُ الْخَرِبَةُ بِجُمْهُورٍ غَفِيرٍ. فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ.“ حَلَّتْ قُوَّةُ اللهِ عَلَيَّ، فَحَمَلَنِي رُوحُ اللهِ وَأَنْزَلَنِي فِي وَسَطِ الْوَادِي، وَكَانَ مَمْلُوءًا مِنَ الْعِظَامِ. وَجَعَلَنِي أَمُرُّ بَيْنَهَا، فَرَأَيْتُ أَنَّهَا كَثِيرَةٌ جِدًّا تُغَطِّي أَرْضَ الْوَادِي، وَيَابِسَةٌ جِدًّا. فَقَالَ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ تَعُودُ الْحَيَاةُ إِلَى هَذِهِ الْعِظَامِ؟“ فَقُلْتُ: ”اللَّهُمَّ يَا رَبِّي، أَنْتَ أَعْلَمُ!“ فَقَالَ لِي: ”تَنَبَّأْ لِهَذِهِ الْعِظَامِ وَقُلْ لَهَا: ’أَيَّتُهَا الْعِظَامُ الْيَابِسَةُ، اِسْمَعِي كَلِمَةَ اللهِ! فَإِنَّ الْمَوْلَى الْإِلَهَ يَقُولُ لِهَذِهِ الْعِظَامِ، سَأَجْعَلُ رُوحًا يَدْخُلُ فِيكِ، فَتَرْجِعُ إِلَيْكِ الْحَيَاةُ. وَأَضَعُ عَلَيْكِ عَصَبًا وَلَحْمًا، وَأُغَطِّيكِ بِجِلْدٍ، وَأَضَعُ فِيكِ رُوحًا، فَتَرْجِعُ إِلَيْكِ الْحَيَاةُ. وَتَعْلَمِينَ أَنِّي أَنَا اللهُ.‘“ فَتَنَبَّأْتُ كَمَا أَمَرَنِي. وَبَيْنَمَا أَنَا أَتَنَبَّأُ، حَدَثَ صَوْتٌ وَضَجِيجٌ وَاقْتَرَبَتِ الْعِظَامُ، وَاحِدَةٌ إِلَى أُخْرَى. وَرَأَيْتُ الْعَصَبَ وَاللَّحْمَ قَدْ ظَهَرَ عَلَيْهَا، وَالْجِلْدُ غَطَّاهَا، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا رُوحٌ. فَقَالَ لِي: ”تَنَبَّأْ يَا ابْنَ آدَمَ، تَنَبَّأْ وَقُلْ لِلرُّوحِ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ، تَعَالَ يَا رُوحُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَهُبَّ عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَتْلَى، لِكَيْ تَرْجِعَ إِلَيْهِمُ الْحَيَاةُ.‘“ فَتَنَبَّأْتُ كَمَا أَمَرَنِي. فَدَخَلَ الرُّوحُ فِيهِمْ، فَرَجَعَتْ إِلَيْهِمُ الْحَيَاةُ، وَقَامُوا عَلَى أَقْدَامِهِمْ جَيْشًا عَظِيمًا جِدًّا. ثُمَّ قَالَ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، هَذِهِ الْعِظَامُ هِيَ كُلُّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. فَهُمْ يَقُولُونَ: ’يَبِسَتْ عِظَامُنَا وَضَاعَ أَمَلُنَا وَهَلَكْنَا!‘ لِذَلِكَ تَنَبَّأْ وَقُلْ لَهُمْ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ، سَأَفْتَحُ قُبُورَكُمْ يَا شَعْبِي وَأُخْرِجُكُمْ مِنْهَا وَأُرْجِعُكُمْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ، حِينَ أَفْتَحُ قُبُورَكُمْ وَأُخْرِجُكُمْ مِنْهَا يَا شَعْبِي. وَأَضَعُ رُوحِي فِيكُمْ، فَتَرْجِعُ إِلَيْكُمُ الْحَيَاةُ. وَأُسْكِنُكُمْ فِي أَرْضِكُمْ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ حَكَمْتُ وَنَفَّذْتُ. هَذَا كَلَامُ اللهِ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، خُذْ عَصًا وَاكْتُبْ عَلَيْهَا: ’عَصَا يَهُوذَا وَبَنِي إِسْرَائِيلَ الْمُوَالِينَ لَهُ.‘ وَخُذْ عَصًا أُخْرَى وَاكْتُبْ عَلَيْهَا: ’عَصَا يُوسِفَ، أَيْ أَفْرَايِمَ وَكُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْمُوَالِينَ لَهُ.‘ وَاقْرِنْهُمَا مَعًا كَعَصًا وَاحِدَةٍ، حَتَّى تَصِيرَا وَاحِدَةً فِي يَدِكَ. فَعِنْدَمَا يَقُولُ لَكَ شَعْبُكَ: ’أَخْبِرْنَا عَنْ مَعْنَى تَصَرُّفِكَ هَذَا.‘ تَقُولُ لَهُمْ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ: سَآخُذُ عَصَا يُوسِفَ الَّتِي تُمَثِّلُ أَفْرَايِمَ وَقَبَائِلَ إِسْرَائِيلَ الْمُوَالِينَ لَهُ، وَأَضُمُّ إِلَيْهَا عَصَا يَهُوذَا، وَأَجْعَلُهُمَا عَصًا وَاحِدَةً، فَتَصِيرَانِ وَاحِدَةً فِي يَدِي.‘ وَامْسِكْ بِيَدِكَ الْعَصَاوَيْنِ اللَّتَيْنِ كَتَبْتَ عَلَيْهِمَا، لِيَرَاهُمَا النَّاسُ. وَقُلْ لَهُمْ: ’قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: سَآخُذُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ الَّتِي ذَهَبُوا إِلَيْهَا، وَأَجْمَعُهُمْ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَأُرْجِعُهُمْ إِلَى أَرْضِهِمْ، وَأُصَيِّرُهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً فِي الْأَرْضِ، عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ. وَيَكُونُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ مَلِكٌ وَاحِدٌ. وَلَا يَكُونُونَ أُمَّتَيْنِ فِيمَا بَعْدُ، وَلَا يَنْقَسِمُونَ إِلَى مَمْلَكَتَيْنِ، وَلَا يُنَجِّسُونَ أَنْفُسَهُمْ بِأَصْنَامِهِمْ، وَلَا بِتَمَاثِيلِهِمِ الْبَشِعَةِ، وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ مَعَاصِيهِمْ. لِأَنِّي أُنْقِذُهُمْ مِنْ كُلِّ ذُنُوبِهِمْ وَارْتِدَادِهِمْ، وَأُطَهِّرُهُمْ فَيَكُونُونَ شَعْبِي وَأَنَا أَكُونُ إِلَهَهُمْ. وَيَكُونُ دَاوُدُ عَبْدِي مَلِكًا عَلَيْهِمْ. وَلَهُمْ جَمِيعًا رَاعٍ وَاحِدٌ. وَيَعْمَلُونَ بِشَرَائِعِي، وَيَحْفَظُونَ فَرَائِضِي وَيُطِيعُونَهَا. وَيَسْكُنُونَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لِعَبْدِي دَاوُدَ، وَالَّتِي سَكَنَ فِيهَا آبَاؤُكُمْ. فَيَسْكُنُونَ فِيهَا هُمْ وَأَوْلَادُهُمْ وَأَوْلَادُ أَوْلَادِهِمْ إِلَى الْأَبَدِ. وَيَكُونُ عَبْدِي دَاوُدُ رَئِيسًا عَلَيْهِمْ إِلَى الْأَبَدِ. وَأَعْمَلُ مَعَهُمْ عَهْدًا يَضْمَنُ لَهُمُ السَّلَامَ، عَهْدًا يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ. وَأُثَبِّتُهُمْ وَأُكَثِّرُهُمْ وَأَضَعُ بَيْتِيَ الْمُقَدَّسَ فِي وَسَطِهِمْ إِلَى الْأَبَدِ. وَيَكُونُ مَسْكَنِي مَعَهُمْ، وَأَكُونُ إِلَهَهُمْ وَيَكُونُونَ شَعْبِي. وَحِينَ يَكُونُ بَيْتِيَ الْمُقَدَّسُ فِي وَسَطِهِمْ إِلَى الْأَبَدِ، تَعْلَمُ الْأُمَمُ أَنِّي أَنَا اللهُ الَّذِي أَجْعَلُ بَنِي إِسْرَائِيلَ طَاهِرِينَ.‘“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، حَوِّلْ وَجْهَكَ إِلَى جُوجَ الَّذِي فِي أَرْضِ مَاجُوجَ، وَالَّذِي هُوَ أَكْبَرُ رَئِيسٍ فِي بِلَادِ مَاشِكَ وَتُوبَالَ، وَتَنَبَّأْ عَلَيْهِ وَقُلْ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. أَنَا ضِدُّكَ يَا جُوجُ، يَا أَكْبَرَ رَئِيسٍ فِي مَاشِكَ وَتُوبَالَ. سَأَقْلِبُكَ وَأَضَعُ خَزَائِمَ فِي فَكَّيْكَ، وَأَطْرُدُكَ أَنْتَ وَكُلَّ جَيْشِكَ، خَيْلًا وَفُرْسَانًا، كُلَّهُمْ مُسَلَّحِينَ بِالتَّمَامِ، جُمْهُورًا غَفِيرًا بِدُرُوعٍ وَتُرُوسٍ، وَكُلَّهُمْ شَاهِرِينَ سُيُوفَهُمْ. وَأَطْرُدُ مَعَهُمْ جُنُودَ فَارِسَ وَالْحَبَشَةِ وَفُوطَ الْمُسَلَّحِينَ كُلَّهُمْ بِتُرُوسٍ وَخُوَذٍ. وَأَيْضًا جُومَرَ وَكُلَّ جُيُوشِهَا وَبَيْتَ تُوجَرْمَةَ مِنْ أَقْصَى الشَّمَالِ وَكُلَّ جُيُوشِهَا. فَأَطْرُدُ مَعَكَ شُعُوبًا كَثِيرَةً. ”’فَاسْتَعِدَّ وَجَهِّزْ نَفْسَكَ، أَنْتَ وَكُلَّ جَيْشِكَ الَّذِي اجْتَمَعَ حَوْلَكَ، وَكُنْ قَائِدَهُمْ. لِأَنِّي بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ أَسْتَدْعِيكَ لِلْقِتَالِ، فَتَهْجُمُ فِي السِّنِينَ الْقَادِمَةِ عَلَى بِلَادٍ نَجَتْ مِنَ الْحَرْبِ، بِلَادٍ اجْتَمَعَ شَعْبُهَا مِنْ أُمَمٍ كَثِيرَةٍ، وَسَكَنُوا آمِنِينَ فِي جِبَالِ إِسْرَائِيلَ الَّتِي ظَلَّتْ مَهْجُورَةً وَقْتًا طَوِيلًا. فَتَأْتِي وَتَهْجُمُ عَلَيْهِمْ كَعَاصِفَةٍ، وَتَكُونُ كَسَحَابَةٍ تُغَطِّي الْأَرْضَ، أَنْتَ وَكُلُّ جُيُوشِكَ، وَمَعَكَ شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ. ”’وَقَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، تَخْطُرُ عَلَى بَالِكَ أَفْكَارٌ، وَتَنْوِي عَمَلَ السُّوءِ، وَتَقُولُ: ”أَزْحَفُ عَلَى مُدُنٍ لَا أَسْوَارَ لَهَا، وَأَهْجُمُ عَلَى شَعْبٍ مُسْتَرِيحٍ وَمُطْمَئِنٍّ، يَسْكُنُ كُلُّهُ بِلَا أَسْوَارٍ وَلَا أَقْفَالٍ وَلَا بَوَّابَاتٍ. وَأَسْلُبُ وَأَنْهَبُ وَأَمُدُّ يَدِي ضِدَّ الْخَرَائِبِ الَّتِي بُنِيَتْ وَسَكَنَ فِيهَا الشَّعْبُ الَّذِي اجْتَمَعَ مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ، وَالَّذِي اقْتَنَى مَاشِيَةً وَأَمْلَاكًا، الشَّعْبُ الَّذِي يُقِيمُ فِي وَسَطِ الْبِلَادِ.“ يَقُولُ لَكَ أَهْلُ شَبَا وَدَدَانَ وَتُجَّارُ تَرْشِيشَ وَكُلُّ مُدُنِهَا: ”هَلْ جِئْتَ لِتَسْلُبَ؟ هَلْ جَمَعْتَ جَيْشَكَ لِتَنْهَبَ وَتَأْخُذَ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ وَتَحْصُلَ عَلَى الْمَاشِيَةِ وَالْمُمْتَلَكَاتِ وَتَسْتَوْلِيَ عَلَى غَنِيمَةٍ عَظِيمَةٍ؟“‘ لِذَلِكَ تَنَبَّأْ يَا ابْنَ آدَمَ، وَقُلْ لِجُوجَ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ، أَنْتَ سَتَعْلَمُ حِينَ يَسْكُنُ شَعْبِي بَنُو إِسْرَائِيلَ آمِنًا. فَتَأْتِي مِنْ مَكَانِكَ مِنْ أَقْصَى الشَّمَالِ وَمَعَكَ شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ كُلُّهُمْ رَاكِبُونَ خَيْلًا، جُمْهُورٌ غَفِيرٌ وَجَيْشٌ عَظِيمٌ. وَتَهْجُمُ عَلَى شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ كَسَحَابَةٍ تُغَطِّي الْأَرْضَ. سَيَحْدُثُ هَذَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ. أَجْعَلُكَ تَهْجُمُ عَلَى أَرْضِي. لِكَيْ تَعْرِفَنِي الْأُمَمُ حِينَ أُظْهِرُ أَمَامَهُمْ أَنِّي قُدُّوسٌ وَذَلِكَ بِوَاسِطَتِكَ يَا جُوجُ. ”’وَقَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: أَنَا تَكَلَّمْتُ عَنْكَ فِي الْمَاضِي، بِوَاسِطَةِ عَبِيدِي أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ تَنَبَّأُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَى مَدَى سِنِينَ كَثِيرَةٍ. فَأَنْتَ الَّذِي قُلْتُ عَنْكَ إِنِّي سَأَجْعَلُكَ تَهْجُمُ عَلَيْهِمْ. فَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، حِينَ يَهْجُمُ جُوجُ عَلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، يَثُورُ غَضَبِيَ الشَّدِيدُ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. لِذَلِكَ حَكَمْتُ، فِي سَخَطِي وَنَارِ غَضَبِي، أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَحْدُثُ زِلْزَالٌ عَنِيفٌ فِي أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. فَيَرْتَعِشُ فِي حَضْرَتِي سَمَكُ الْبَحْرِ، وَطُيُورُ السَّمَاءِ وَالْوُحُوشُ وَالزَّوَاحِفُ الَّتِي تَزْحَفُ عَلَى الْأَرْضِ، وَكُلُّ النَّاسِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. وَتَنْقَلِبُ الْجِبَالُ وَتَنْهَارُ الْحُصُونُ وَتَسْقُطُ كُلُّ الْأَسْوَارِ إِلَى الْأَرْضِ.‘ وَيَقُولُ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: وَأَجْلِبُ حَرْبًا عَلَى جُوجَ فِي كُلِّ جِبَالِي، فَيُحَارِبُ جُنُودُهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَأُعَاقِبُهُ بِالْوَبَأِ وَسَفْكِ الدَّمِ، وَأُمْطِرُ عَلَيْهِ مَطَرًا جَارِفًا وَحِجَارَةَ بَرَدٍ وَنَارًا وَكِبْرِيتًا، عَلَيْهِ وَعَلَى جَيْشِهِ وَعَلَى الشُّعُوبِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي مَعَهُ. فَأُظْهِرُ أَنِّي عَظِيمٌ وَقُدُّوسٌ وَأُعْلِنُ ذَاتِي أَمَامَ الْأُمَمِ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ. ”وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، تَنَبَّأْ عَلَى جُوجَ وَقُلْ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ: أَنَا ضِدُّكَ يَا جُوجُ، يَا أَكْبَرَ رَئِيسٍ فِي مَاشِكَ وَتُوبَالَ. سَأَقْلِبُكَ وَأَجُرُّكَ وَآخُذُكَ مِنْ أَقْصَى الشَّمَالِ وَأَجْعَلُكَ تَهْجُمُ عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ. وَأَضْرِبُ قَوْسَكَ مِنْ يَدِكَ الْيُسْرَى، وَأُسْقِطُ سِهَامَكَ مِنْ يَدِكَ الْيُمْنَى. فَتَسْقُطُ مَيِّتًا عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ، أَنْتَ وَكُلُّ جَيْشِكَ وَالشُّعُوبُ الَّتِي مَعَكَ. وَأُقَدِّمُكَ طَعَامًا لِكُلِّ أَنْوَاعِ الطُّيُورِ الْكَاسِرَةِ وَلِلْوُحُوشِ. وَتَكُونُ هُنَاكَ سَاقِطًا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. أَنَا الْمَوْلَى الْإِلَهُ حَكَمْتُ بِهَذَا. وَأُرْسِلُ نَارًا عَلَى مَاجُوجَ، وَعَلَى السَّاكِنِينَ فِي السَّوَاحِلِ آمِنِينَ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ. وَأَجْعَلُ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يَعْرِفُ اسْمِيَ الْمُقَدَّسَ، وَلَا أَسْمَحُ لِأَحَدٍ أَنْ يُنَجِّسَ اسْمِيَ الْمُقَدَّسَ فِيمَا بَعْدُ. فَتَعْلَمُ الْأُمَمُ أَنِّي أَنَا اللهُ الْقُدُّوسُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ”’وَقَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: لَا بُدَّ أَنْ يَحْدُثَ هَذَا وَيَتِمَّ. فَهَذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي تَكَلَّمْتُ عَنْهُ. فَيَخْرُجُ سُكَّانُ مُدُنِ إِسْرَائِيلَ وَيُشْعِلُونَ النَّارَ وَيَحْرِقُونَ السِّلَاحَ وَالدُّرُوعَ وَالتُّرُوسَ وَالْأَقْوَاسَ وَالسِّهَامَ وَالْحِرَابَ وَالرِّمَاحَ. وَيَسْتَعْمِلُونَهَا وَقُودًا لِلنَّارِ 7 سِنِينَ. فَلَا يَأْخُذُونَ أَغْصَانًا مِنَ الْحَقْلِ، وَلَا يَجْمَعُونَ حَطَبًا مِنَ الْغَابَةِ، لِأَنَّهُمْ يَسْتَعْمِلُونَ السِّلَاحَ وَقُودًا لِلنَّارِ. وَيَنْهَبُونَ الَّذِينَ نَهَبُوهُمْ، وَيَسْلُبُونَ الَّذِينَ سَلَبُوهُمْ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، أُعْطِي لِجُوجَ مَكَانًا يُدْفَنُ فِيهِ فِي إِسْرَائِيلَ، فِي وَادِي الْمُسَافِرِينَ، فِي شَرْقِ الْبَحْرِ الْمَيِّتِ. فَيَسُدُّ الطَّرِيقَ عَلَى الْمُسَافِرِينَ، لِأَنَّ هُنَاكَ يُدْفَنُ جُوجُ وَكُلُّ جَيْشِهِ، وَلِذَلِكَ يُسَمَّى وَادِي جَيْشِ جُوجَ. وَيَسْتَغْرِقُ بَنُو إِسْرَائِيلَ 7 أَشْهُرٍ فِي دَفْنِهِمْ، لِيُطَهِّرُوا الْأَرْضَ مِنْ جُثَثِهِمْ. وَيَقُومُ بِالدَّفْنِ كُلُّ شَعْبِ الْأَرْضِ. وَيَوْمَ أُظْهِرُ جَلَالِي يَكُونُ يَوْمًا مَشْهُورًا لَهُمْ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. وَيَخْتَارُونَ رِجَالًا يَعْبُرُونَ دَائِمًا فِي الْبِلَادِ، وَيُسَاعِدُونَ الْآخَرِينَ فِي دَفْنِ الْجُثَثِ الَّتِي لَمْ تُدْفَنْ مِنْ جَيْشِ جُوجَ. وَبَعْدَ 7 أَشْهُرٍ يَبْدَأُونَ الْفَحْصَ. وَبَيْنَمَا هُمْ يَعْبُرُونَ فِي الْبِلَادِ، إِذَا رَأَى أَحَدُهُمْ عَظْمَ إِنْسَانٍ، يَضَعُ بِجِوَارِهِ عَلَامَةً حَتَّى يَأْتِيَ الَّذِينَ يَحْفِرُونَ الْقُبُورَ وَيَدْفِنُوهُ فِي وَادِي جَيْشِ جُوجَ. وَاسْمُ الْمَدِينَةِ هَمُونَةَ أَيْ جَيْشٌ. وَبِذَلِكَ يُطَهِّرُونَ الْأَرْضَ.‘ ”يَا ابْنَ آدَمَ، هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. قُلْ لِكُلِّ أَنْوَاعِ الطُّيُورِ وَلِكُلِّ الْوُحُوشِ: ’اِجْتَمِعُوا وَتَعَالَوْا مَعًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ إِلَى الذَّبِيحَةِ الَّتِي أُعِدُّهَا لَكُمْ. إِنَّهَا ذَبِيحَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ، حَيْثُ تَأْكُلُونَ لَحْمًا وَتَشْرَبُونَ دَمًا. فَتَأْكُلُونَ لَحْمَ أَبْطَالٍ وَتَشْرَبُونَ دَمَ رُؤَسَاءِ الْبِلَادِ، وَكَأَنَّهُمْ كِبَاشٌ وَحُمْلَانٌ وَتُيُوسٌ وَعُجُولٌ مِنْ قُطْعَانِ بَاشَانَ الْمُسَمَّنَةِ. وَتَأْكُلُونَ الشَّحْمَ حَتَّى تَشْبَعُوا، وَتَشْرَبُونَ الدَّمَ حَتَّى تَسْكَرُوا، مِنْ ذَبِيحَتِيَ الَّتِي ذَبَحْتُهَا لَكُمْ. وَتَشْبَعُونَ عَلَى مَائِدَتِي مِنَ الْخَيْلِ وَرُكَّابِهَا وَالْأَبْطَالِ وَكُلِّ الْمُحَارِبِينَ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ.‘ ”وَأُظْهِرُ جَلَالِي بَيْنَ الْأُمَمِ. وَتَرَى كُلُّ الْأُمَمِ الْعِقَابَ الَّذِي أَوْقَعْتُهُ، وَيَدِيَ الَّتِي مَدَدْتُهَا عَلَيْهِمْ. وَمِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ يَعْلَمُ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ أَنِّي أَنَا اللهُ رَبُّهُمْ. وَتَعْلَمُ الْأُمَمُ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ذَهَبُوا إِلَى الْأَسْرِ بِسَبَبِ ذَنْبِهِمْ لِأَنَّهُمْ خَانُونِي. فَحَجَبْتُ وَجْهِي عَنْهُمْ، وَأَوْقَعْتُهُمْ فِي أَيْدِي أَعْدَائِهِمْ، فَمَاتُوا كُلُّهُمْ فِي الْحَرْبِ. فَعَامَلْتُهُمْ حَسَبَ نَجَاسَتِهِمْ وَمَعَاصِيهِمْ، وَحَجَبْتُ وَجْهِي عَنْهُمْ. ”لِذَلِكَ قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: الْآنَ أُرْجِعُ بَنِي يَعْقُوبَ مِنَ الْأَسْرِ، وَأَرْحَمُ كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَغَارُ عَلَى اسْمِيَ الْقُدُّوسِ. فَيَنْسُونَ عَارَهُمْ، وَكُلَّ خِيَانَتِهِمْ لِي، فَيَسْكُنُونَ فِي أَرْضِهِمْ آمِنِينَ وَلَا يُخَوِّفُهُمْ أَحَدٌ. وَحِينَ أُرْجِعُهُمْ مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ، وَأَجْمَعُهُمْ مِنْ بِلَادِ أَعْدَائِهِمْ، أُظْهِرُ أَنِّي قُدُّوسٌ بِوَاسِطَتِهِمْ وَذَلِكَ أَمَامَ أُمَمٍ كَثِيرَةٍ. فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اللهُ رَبُّهُمْ، لِأَنَّهُ مَعَ أَنِّي أَرْسَلْتُهُمْ إِلَى الْأَسْرِ بَيْنَ الْأُمَمِ، لَكِنِّي أَجْمَعُهُمْ إِلَى أَرْضِهِمْ، وَلَا أَتْرُكُ هُنَاكَ أَحَدًا مِنْهُمْ. وَلَا أَعُودُ أَحْجُبُ وَجْهِي عَنْهُمْ، لِأَنِّي أُفِيضُ رُوحِي عَلَيْهِمْ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ.“ حَدَثَ مَا يَلِي لَمَّا بَدَأَتِ السَّنَةُ الْجَدِيدَةُ، فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ. كَانَتْ هَذِهِ هِيَ السَّنَةَ الْخَامِسَةَ وَالْعِشْرِينَ لِأَسْرِنَا، أَيِ السَّنَةَ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ سُقُوطِ مَدِينَةِ الْقُدْسِ. فِي نَفْسِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، حَلَّتْ عَلَيَّ قُوَّةُ اللهِ وَأَخَذَنِي إِلَى هُنَاكَ. فِي رُؤْيَا مِنْ عِنْدِ اللهِ، أَخَذَنِي إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، وَوَضَعَنِي عَلَى جَبَلٍ عَالٍ جِدًّا عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْجَنُوبِ بَعْضُ الْمَبَانِي كَأَنَّهَا مَدِينَةٌ. وَأَخَذَنِي إِلَيْهَا، فَرَأَيْتُ رَجُلًا مَنْظَرُهُ كَالنُّحَاسِ وَاقِفًا فِي الْبَوَّابَةِ وَفِي يَدِهِ حَبْلٌ مِنَ الْكَتَّانِ وَعَصَا قِيَاسٍ. فَقَالَ الرَّجُلُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، اُنْظُرْ بِعَيْنَيْكَ، وَاسْمَعْ بِأُذُنَيْكَ، وَانْتَبِهْ إِلَى كُلِّ مَا سَأُرِيهِ لَكَ، لِأَنَّكَ أُحْضِرْتَ إِلَى هُنَا لِهَذَا السَّبَبِ. وَأَخْبِرْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِكُلِّ مَا تَرَاهُ.“ فَرَأَيْتُ سُورًا يُحِيطُ بِبَيْتِ اللهِ مِنَ الْخَارِجِ. وَكَانَ طُولُ عَصَا الْقِيَاسِ الَّتِي فِي يَدِ الرَّجُلِ، حَسَبَ وَحْدَةِ الْقِيَاسِ الْمُسْتَعْمَلَةِ، حَوَالَيْ 3 أَمْتَارٍ. فَقَاسَ السُّورَ فَكَانَ سُمْكُهُ عَصًا وَاحِدَةً وَارْتِفَاعُهُ عَصًا وَاحِدَةً. ثُمَّ رَاحَ إِلَى الْبَابِ الْمُتَّجِهِ إِلَى الشَّرْقِ. فَصَعِدَ دَرَجَاتِهِ وَقَاسَ عَتَبَةَ الْبَابِ، فَكَانَ عَرْضُهَا عَصًا وَاحِدَةً. وَقَاسَ غُرَفَ الْحَرَسِ، فَكَانَ طُولُ كُلِّ غُرْفَةٍ عَصًا وَاحِدَةً، وَعَرْضُهَا عَصًا وَاحِدَةً. وَالْحِيطَانُ بَيْنَ الْغُرَفِ كَانَتْ بَارِزَةً بِعَرْضِ مِتْرَيْنِ وَنِصْفٍ. وَكَانَ عَرْضُ عَتَبَةِ الْبَابِ الدَّاخِلِيِّ أَيْ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَدْخَلِ، عَصًا وَاحِدَةً. ثُمَّ قَاسَ مَدْخَلَ الْبَابِ، فَكَانَ عَرْضُهُ حَوَالَيْ 4 أَمْتَارٍ، وَالْقَوَائِمُ سُمْكُهَا حَوَالَيْ مِتْرٍ. وَمَدْخَلُ الْبَابِ هُوَ مُقَابِلُ الْبَيْتِ. وَدَاخِلَ الْبَابِ الشَّرْقِيِّ، 3 غُرَفٍ عَلَى كُلٍّ مِنْ جَانِبَيْهِ. كُلُّهَا لَهَا نَفْسُ الْقِيَاسِ، وَالْحِيطَانُ الْبَارِزَةُ بَيْنَهَا لَهَا نَفْسُ الْقِيَاسِ. ثُمَّ قَاسَ مَدْخَلَ الْبَابِ، فَكَانَ عَرْضُهُ حَوَالَيْ 5 أَمْتَارٍ، وَطُولُهُ حَوَالَيْ سِتَّةِ أَمْتَارٍ وَنِصْفٍ. وَأَمَامَ كُلِّ غُرْفَةٍ حَائِطٌ ارْتِفَاعُهُ حَوَالَيْ نِصْفِ مِتْرٍ. وَكُلُّ غُرْفَةٍ طُولُهَا كَعَرْضِهَا حَوَالَيْ 3 أَمْتَارٍ. وَكَانَتْ أَبْوَابُهَا مُتَقَابِلَةً تَمَامًا، وَمَدْخَلُ الْبَابِ بَيْنَهَا. فَلَمَّا قَاسَ مِنَ الْحَائِطِ الْخَلْفِيِّ لِإِحْدَى الْغُرَفِ إِلَى الْحَائِطِ الْخَلْفِيِّ لِلْغُرْفَةِ الْمُقَابِلَةِ، كَانَتِ الْمَسَافَةُ حَوَالَيِ اثْنَيْ عَشَرَ مِتْرًا وَنِصْفٍ. وَقَاسَ الشُّرْفَةَ فَكَانَ عَرْضُهَا 10 أَمْتَارٍ، وَهِيَ تُؤَدِّي إِلَى السَّاحَةِ. وَكَانَتِ الْمَسَافَةُ مِنَ الْبَابِ الْخَارِجِيِّ إِلَى الْبَابِ الدَّاخِلِيِّ حَوَالَيْ 25 مِتْرًا. وَالْغُرَفُ وَالْحِيطَانُ الْبَارِزَةُ دَاخِلَ الْبَابِ وَأَيْضًا الْمَدْخَلُ فِيهَا نَوَافِذُ حَوَالَيْهَا. وَالنَّوَافِذُ تُطِلُّ إِلَى الدَّاخِلِ. وَالْحِيطَانُ الْبَارِزَةُ مُزَيَّنَةٌ بِرَسْمِ نَخِيلٍ. ثُمَّ أَخَذَنِي إِلَى السَّاحَةِ الْخَارِجِيَّةِ. فَرَأَيْتُ حَوْلَهَا غُرَفًا وَرَصِيفًا، 30 غُرْفَةً تُطِلُّ عَلَى الرَّصِيفِ. وَهَذَا الرَّصِيفُ هُوَ الْأَسْفَلُ، وَيَمُرُّ بِالْأَبْوَابِ، وَعَرْضُهُ كَعَرْضِ الْأَبْوَابِ. وَقَاسَ الْمَسَافَةَ مِنْ مَدْخَلِ الْبَابِ الْأَسْفَلِ إِلَى الْمَدْخَلِ الْخَارِجِيِّ لِلسَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ، فَكَانَتْ حَوَالَيْ 50 مِتْرًا إِلَى الشَّرْقِ وَ50 مِتْرًا إِلَى الشَّمَالِ. ثُمَّ قَاسَ طُولَ وَعَرْضَ بَابِ السَّاحَةِ الْخَارِجِيَّةِ الْمُتَّجِهِ نَحْوَ الشَّمَالِ. وَعَلَى كُلٍّ مِنْ جَانِبَيِ الْبَابِ 3 غُرَفٍ. وَهِيَ وَالْحِيطَانُ الْبَارِزَةُ وَالْمَدْخَلُ كَالْبَابِ الْأَوَّلِ، الطُّولُ حَوَالَيْ 25 مِتْرًا، وَالْعَرْضُ حَوَالَيِ اثْنَيْ عَشَرَ مِتْرًا وَنِصْفٍ. وَالنَّوَافِذُ وَالْمَدْخَلُ وَالنَّخِيلُ هِيَ كَالْبَابِ الْمُتَّجِهِ إِلَى الشَّرْقِ. وَيَصْعَدُونَ إِلَيْهِ بِـ7 دَرَجَاتٍ وَالْمَدْخَلُ بَعْدَهُ. ثُمَّ بَابٌ يُؤَدِّي إِلَى الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ مُقَابِلَ الْبَابِ الشَّمَالِيِّ، كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي الْبَابِ الشَّرْقِيِّ. وَقَاسَ الْمَسَافَةَ بَيْنَ الْبَابِ الْخَارِجِيِّ وَالْبَابِ الدَّاخِلِيِّ فَكَانَتْ حَوَالَيْ 50 مِتْرًا. ثُمَّ أَخَذَنِي نَحْوَ الْجَنُوبِ، فَرَأَيْتُ الْبَابَ الْمُتَّجِهَ إِلَى الْجَنُوبِ. وَقَاسَ قَوَائِمَهُ وَمَدْخَلَهُ فَكَانَتْ كَالْبَابَيْنِ الْآخَرَيْنِ. وَالنَّوَافِذُ الَّتِي فِيهِ وَفِي الْمَدْخَلِ كَالْبَابَيْنِ الْآخَرَيْنِ. وَطُولُ الْمَدْخَلِ حَوَالَيْ 25 مِتْرًا وَعَرْضُهُ حَوَالَيِ اثْنَيْ عَشَرَ مِتْرًا وَنِصْفٍ. وَيَصْعَدُونَ إِلَيْهِ بِـ7 دَرَجَاتٍ، وَالْمَدْخَلُ بَعْدَهُ وَالْحِيطَانُ الْبَارِزَةُ مُزَيَّنَةٌ بِرَسْمِ نَخِيلٍ. وَلِلدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ بَابٌ يَتَّجِهُ نَحْوَ الْجَنُوبِ. وَقَاسَ مِنَ الْبَابِ الْخَارِجِيِّ إِلَى الْبَابِ الدَّاخِلِيِّ فَكَانَتِ الْمَسَافَةُ حَوَالَيْ 50 مِتْرًا. ثُمَّ أَخَذَنِي إِلَى السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ مِنَ الْبَابِ الْجَنُوبِيِّ، وَقَاسَ الْبَابَ الدَّاخِلِيَّ فَكَانَ كَالْبَابَيْنِ الْآخَرَيْنِ. وَغُرَفُهُ وَحِيطَانُهُ الْبَارِزَةُ وَمَدْخَلُهُ كَالْبَابَيْنِ الْآخَرَيْنِ. وَالنَّوَافِذُ الَّتِي فِيهِ وَفِي الْمَدْخَلِ كَالْبَابَيْنِ الْآخَرَيْنِ. وَالطُّولُ حَوَالَيْ 25 مِتْرًا، وَالْعَرْضُ حَوَالَيِ اثْنَيْ عَشَرَ مِتْرًا وَنِصْفٍ. وَالْمَدَاخِلُ الَّتِي حَوْلَ السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ طُولُ كُلٍّ مِنْهَا حَوَالَيِ 12 مِتْرًا، وَالْعَرْضُ حَوَالَيْ مِتْرَيْنِ وَنِصْفٍ. وَمَدْخَلُ هَذَا الْبَابِ هُوَ مُقَابِلُ الدَّارِ الْخَارِجِيَّةِ، وَقَوَائِمُهُ مُزَيَّنَةٌ بِرَسْمِ نَخِيلٍ، وَيَصْعَدُونَ إِلَيْهِ بِـ8 دَرَجَاتٍ. ثُمَّ أَخَذَنِي إِلَى السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّرْقِ، وَقَاسَ الْبَابَ فَكَانَ كَالْأَبْوَابِ الْأُخْرَى. وَغُرَفُهُ وَحِيطَانُهُ الْبَارِزَةُ وَمَدْخَلُهُ كَالْأَبْوَابِ الْأُخْرَى. وَالنَّوَافِذُ الَّتِي فِيهِ وَفِي الْمَدْخَلِ كَالْأَبْوَابِ الْأُخْرَى. وَالطُّولُ حَوَالَيْ 25 مِتْرًا، وَالْعَرْضُ حَوَالَيِ اثْنَيْ عَشَرَ مِتْرًا وَنِصْفٍ. وَمَدْخَلُ هَذَا الْبَابِ هُوَ مُقَابِلُ الدَّارِ الْخَارِجِيَّةِ، وَقَوَائِمُهُ مُزَيَّنَةٌ مِنَ النَّاحِيَتَيْنِ بِرَسْمِ نَخِيلٍ، وَيَصْعَدُونَ إِلَيْهِ بِـ8 دَرَجَاتٍ. ثُمَّ أَخَذَنِي إِلَى الْبَابِ الشَّمَالِيِّ وَقَاسَهُ. فَكَانَ كَالْأَبْوَابِ الْأُخْرَى. وَغُرَفُهُ وَحِيطَانُهُ الْبَارِزَةُ وَمَدْخَلُهُ وَنَوَافِذُهُ كَالْأَبْوَابِ الْأُخْرَى. وَالطُّولُ حَوَالَيْ 25 مِتْرًا، وَالْعَرْضُ حَوَالَيِ اثْنَيْ عَشَرَ مِتْرًا وَنِصْفٍ. وَمَدْخَلُ هَذَا الْبَابِ هُوَ مُقَابِلُ الدَّارِ الْخَارِجِيَّةِ، وَقَوَائِمُهُ مُزَيَّنَةٌ مِنَ النَّاحِيَتَيْنِ بِرَسْمِ نَخِيلٍ، وَيَصْعَدُونَ إِلَيْهِ بِـ8 دَرَجَاتٍ. وَهُنَاكَ غُرْفَةٌ لَهَا بَابٌ يَفْتَحُ عَلَى الْمَدْخَلِ، وَفِيهَا تُغْسَلُ الضَّحَايَا. وَفِي مَدْخَلِ الْبَابِ مَائِدَتَانِ مِنْ هُنَا وَمَائِدَتَانِ مِنْ هُنَاكَ، لِتُذْبَحَ عَلَيْهَا ضَحَايَا الْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ وَقُرْبَانِ الْخَطِيئَةِ وَقُرْبَانِ الذَّنْبِ. وَعِنْدَ الْحَائِطِ الْخَارِجِيِّ لِمَدْخَلِ الْبَابِ الشَّمَالِيِّ، مَائِدَتَانِ عَلَى أَحَدِ جَانِبَيِ الدَّرَجِ وَمَائِدَتَانِ عَلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ. أَيْ 4 مَوَائِدَ بِجِوَارِ الْبَابِ مِنْ هُنَا، وَ4 مَوَائِدَ مِنْ هُنَاكَ. 8 مَوَائِدَ كَانُوا يَذْبَحُونَ عَلَيْهَا. وَكَانَ هُنَاكَ أَيْضًا 4 مَوَائِدَ أُخْرَى مِنْ حِجَارَةٍ مَنْحُوتَةٍ، طُولُ الْوَاحِدَةِ حَوَالَيْ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْمِتْرِ وَعَرْضُهَا حَوَالَيْ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْمِتْرِ، وَارْتِفَاعُهَا حَوَالَيْ نِصْفِ الْمِتْرِ. كَانَتْ تُسْتَعْمَلُ لِلْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ وَكَانُوا يَضَعُونَ عَلَيْهَا الْأَدَوَاتِ الَّتِي يَذْبَحُونَ بِهَا الْقَرَابِينَ وَالضَّحَايَا الْمُخْتَلِفَةَ. وَعَلَى كُلِّ الْحِيطَانِ مِنَ الدَّاخِلِ أَرْفُفٌ مُزْدَوِجَةٌ عَرْضُهَا شِبْرٌ. وَعَلَى الْمَوَائِدِ يُوضَعُ لَحْمُ الْقَرَابِينِ. وَخَارِجَ الْبَابِ الدَّاخِلِيِّ، كَانَتْ هُنَاكَ غُرْفَتَانِ. وَاحِدَةٌ بِجِوَارِ الْبَابِ الشَّمَالِيِّ وَتَفْتَحُ عَلَى الْجَنُوبِ، وَالْأُخْرَى بِجِوَارِ الْبَابِ الْجَنُوبِيِّ وَتَفْتَحُ عَلَى الشَّمَالِ. وَقَالَ لِي: ”هَذِهِ الْغُرْفَةُ الَّتِي تَفْتَحُ عَلَى الْجَنُوبِ هِيَ لِلْأَحْبَارِ الْمَسْئُولِينَ عَنِ الْبَيْتِ. وَالْغُرْفَةُ الَّتِي تَفْتَحُ عَلَى الشَّمَالِ هِيَ لِلْأَحْبَارِ الْمَسْئُولِينَ عَنِ الْمَنَصَّةِ، أَيْ بَنِي صَادِقَ. وَهُمْ وَحْدَهُمْ مِنْ بَنِي لَاوِي يَحِقُّ لَهُمْ أَنْ يَتَقَرَّبُوا للهِ لِيَخْدِمُوهُ.“ وَقَاسَ السَّاحَةَ، فَكَانَتْ مُرَبَّعَةً طُولُهَا حَوَالَيْ 50 مِتْرًا، وَعَرْضُهَا حَوَالَيْ 50 مِتْرًا. وَكَانَتِ الْمَنَصَّةُ أَمَامَ الْبَيْتِ. وَأَخَذَنِي إِلَى مَدْخَلِ بَيْتِ اللهِ، وَقَاسَ قَوَائِمَ الْمَدْخَلِ فَكَانَ عَرْضُهَا مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ حَوَالَيْ مِتْرَيْنِ وَنِصْفٍ، وَعَرْضُ الْبَابِ حَوَالَيْ 7 أَمْتَارٍ، وَالْحِيطَانُ الْبَارِزَةُ حَوَالَيْ مِتْرٍ وَنِصْفٍ مِنَ النَّاحِيَتَيْنِ. وَطُولُ الْمَدْخَلِ حَوَالَيْ 10 أَمْتَارٍ، وَعَرْضُهُ حَوَالَيْ 6 أَمْتَارٍ. وَيَصْعَدُونَ إِلَيْهِ بِدَرَجٍ. وَعَلَى جَانِبَيْ كُلِّ قَائِمٍ كَانَ هُنَاكَ عَمُودَانِ، وَاحِدٌ مِنْ هُنَا وَوَاحِدٌ مِنْ هُنَاكَ. ثُمَّ أَخَذَنِي الرَّجُلُ إِلَى الْمَقْدِسِ الْخَارِجِيِّ وَقَاسَ الْقَوَائِمَ، فَكَانَ سُمْكُهَا حَوَالَيْ 3 أَمْتَارٍ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. وَكَانَ عَرْضُ الْمَدْخَلِ حَوَالَيْ 5 أَمْتَارٍ، وَالْحِيطَانُ الْبَارِزَةُ عَلَى جَانِبَيْهِ حَوَالَيْ مِتْرَيْنِ وَنِصْفٍ. وَقَاسَ الْمَقْدِسَ الْخَارِجِيَّ فَكَانَ طُولُهُ حَوَالَيْ 20 مِتْرًا، وَعَرْضُهُ حَوَالَيْ 10 أَمْتَارٍ. ثُمَّ دَخَلَ إِلَى الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ، وَقَاسَ قَوَائِمَ الْمَدْخَلِ، فَكَانَ سُمْكُهَا حَوَالَيْ مِتْرٍ. وَكَانَ عَرْضُ الْمَدْخَلِ حَوَالَيْ 3 أَمْتَارٍ، وَالْحِيطَانُ الْبَارِزَةُ عَلَى جَانِبَيْهِ حَوَالَيْ ثَلَاثَةِ أَمْتَارٍ وَنِصْفٍ. وَقَاسَ الْمَقْدِسَ الدَّاخِلِيَّ، فَكَانَ طُولُهُ حَوَالَيْ 10 أَمْتَارٍ، وَعَرْضُهُ كَالْمَقْدِسِ الْخَارِجِيِّ حَوَالَيْ 10 أَمْتَارٍ. وَقَالَ لِي: ”هَذَا هُوَ الْمَقْدِسُ الدَّاخِلِيُّ!“ وَقَاسَ حَائِطَ الْبَيْتِ فَكَانَ سُمْكُهُ حَوَالَيْ 3 أَمْتَارٍ، وَكُلُّ غُرْفَةٍ جَانِبِيَّةٍ حَوْلَ الْبَيْتِ عَرْضُهَا حَوَالَيْ مِتْرَيْنِ. وَالْغُرَفُ الْجَانِبِيَّةُ فِي 3 طَوَابِقَ، كُلُّ طَابِقٍ 30 غُرْفَةً. وَفِي الْحَائِطِ الَّذِي حَوْلَ الْبَيْتِ حَافَّةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا الْغُرَفُ. فَالْغُرَفُ لَيْسَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى الْحَائِطِ نَفْسِهِ. وَكَانَ أَسْفَلُ الْحَائِطِ أَكْثَرَ سُمْكًا مِنْ أَعْلَاهُ، لِذَلِكَ كَانَتِ الْغُرَفُ الْجَانِبِيَّةُ تَزْدَادُ عَرْضًا كُلَّمَا ارْتَفَعَتْ مِنْ طَابِقٍ إِلَى طَابِقٍ. وَكَانَ هُنَاكَ سُلَّمٌ يَصْعَدُ مِنَ الطَّابِقِ الْأَسْفَلِ إِلَى الطَّابِقِ الْأَعْلَى مُرُورًا بِالْأَوْسَطِ. وَرَأَيْتُ لِلْبَيْتِ قَاعِدَةً حَوْلَهُ ارْتِفَاعُهَا عَصًا وَاحِدَةٌ أَيْ حَوَالَيْ 3 أَمْتَارٍ، وَهِيَ أَيْضًا أَسَاسُ الْغُرَفِ الْجَانِبِيَّةِ. وَالْحَائِطُ الْخَارِجِيُّ لِلْغُرَفِ الْجَانِبِيَّةِ سُمْكُهُ حَوَالَيْ مِتْرَيْنِ وَنِصْفٍ. وَيُوجَدُ مَمَرٌّ بَيْنَ الْغُرَفِ الْجَانِبِيَّةِ لِلْبَيْتِ وَالْغُرَفِ الْأُخْرَى. وَعَرْضُ الْغُرَفِ حَوَالَيْ 10 أَمْتَارٍ حَوْلَ الْبَيْتِ كُلِّهِ. وَكُلُّ غُرْفَةٍ لَهَا مَدْخَلَانِ مِنْ هَذَا الْمَمَرِّ، وَاحِدٌ مِنْ جِهَةِ الشَّمَالِ وَالْآخَرُ مِنْ جِهَةِ الْجَنُوبِ. وَعَرْضُ الْمَمَرِّ حَوَالَيْ مِتْرَيْنِ وَنِصْفٍ. وَالْمَبْنَى الَّذِي مُقَابِلَ السَّاحَةِ مِنْ جِهَةِ الْغَرْبِ عَرْضُهُ حَوَالَيْ 35 مِتْرًا، وَطُولُهُ حَوَالَيْ 45 مِتْرًا، وَسُمْكُ حَائِطِهِ مِنْ حَوْلِهِ حَوَالَيْ مِتْرَيْنِ وَنِصْفٍ. ثُمَّ قَاسَ الْبَيْتَ فَكَانَ طُولُهُ حَوَالَيْ 50 مِتْرًا، كَمَا كَانَ طُولُ السَّاحَةِ وَالْمَبْنَى وَحِيطَانِهِ 50 مِتْرًا. وَكَانَ عَرْضُ وَاجِهَةِ الْبَيْتِ وَمَعَهَا السَّاحَةُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْقِ، حَوَالَيْ 50 مِتْرًا. ثُمَّ قَاسَ طُولَ الْمَبْنَى الْمُقَابِلِ لِلسَّاحَةِ خَلْفَ الْبَيْتِ، وَمَعَهُ شُرُفَاتُهُ مِنْ هُنَا وَهُنَاكَ، فَكَانَ حَوَالَيْ 50 مِتْرًا. وَكَانَتْ حِيطَانُ الْمَقْدِسِ الْخَارِجِيِّ وَالْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ وَالْمَدْخَلِ مِنْ جِهَةِ السَّاحَةِ، مُغَطَّاةً بِالْخَشَبِ. وَكَذَلِكَ الْعَتَبَاتُ وَالنَّوَافِذُ وَالشُّرُفَاتُ الَّتِي حَوْلَ هَذِهِ الـ3، كُلُّهَا كَانَتْ مُغَطَّاةً بِالْخَشَبِ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى النَّوَافِذِ. وَالنَّوَافِذُ أَيْضًا كَانَتْ مُغَطَّاةً بِالْخَشَبِ. وَمَا فَوْقَ الْمَدْخَلِ، وَدَاخِلُ الْبَيْتِ وَخَارِجُهُ، وَالْحَائِطُ كُلُّهُ مِنَ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ، كَانَ مُزَيَّنًا عَلَى مَسَافَاتٍ مُتَسَاوِيَةٍ بِمَلَائِكَةٍ وَنَخِيلٍ. نَخْلَةٌ بَيْنَ مَلَاكٍ وَمَلَاكٍ. وَلِكُلِّ مَلَاكٍ وَجْهَانِ: وَجْهُ إِنْسَانٍ نَحْوَ النَّخْلَةِ مِنْ هُنَا، وَوَجْهُ أَسَدٍ نَحْوَ النَّخْلَةِ مِنْ هُنَاكَ. فَكَانَ الْبَيْتُ مُزَيَّنًا مِنْ كُلِّ جَوَانِبِهِ. مِنَ الْأَرْضِ إِلَى مَا فَوْقَ الْمَدَاخِلِ كَانَتِ الْحِيطَانُ مُزَيَّنَةً بِمَلَائِكَةٍ وَنَخِيلٍ. وَكَذَلِكَ حِيطَانُ الْبَيْتِ. وَالْمَقْدِسُ الْخَارِجِيُّ، قَوَائِمُ بَابِهِ مُرَبَّعَةٌ. وَأَمَامَ الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ يُوجَدُ مَا يُشْبِهُ مَنَصَّةً مِنْ خَشَبٍ، اِرْتِفَاعُهَا حَوَالَيْ مِتْرٍ وَنِصْفٍ، وَطُولُهَا وَعَرْضُهَا حَوَالَيْ مِتْرٍ، وَزَوَايَاهَا وَقَاعِدَتُهَا وَجَوَانِبُهَا مِنْ خَشَبٍ. وَقَالَ الرَّجُلُ لِي: ”هَذِهِ هِيَ الْمَائِدَةُ الَّتِي أَمَامَ اللهِ.“ وَالْبَيْتُ لَهُ بَابَانِ، وَالْمَقْدِسُ الدَّاخِلِيُّ لَهُ بَابَانِ. وَلِكُلِّ بَابٍ مِصْرَاعَانِ يَدُورَانِ عَلَى مَفَاصِلَ. وَأَبْوَابُ الْمَقْدِسِ الْخَارِجِيِّ مُزَيَّنَةٌ بِمَلَائِكَةٍ وَنَخِيلٍ كَالَّتِي عَلَى الْحِيطَانِ. وَإِفْرِيزٌ مِنَ الْخَشَبِ فَوْقَ الْمَدْخَلِ مِنَ الْخَارِجِ. وَعَلَى جَانِبَيِ الْمَدْخَلِ كَانَتْ هُنَاكَ نَوَافِذُ مُزَيَّنَةٌ مِنَ النَّاحِيَتَيْنِ بِنَخِيلٍ. وَكَذَلِكَ الْغُرَفُ الْجَانِبِيَّةُ لِلْبَيْتِ وَالْأَفَارِيزُ كَانَتْ مُزَيَّنَةً بِنَخِيلٍ. ثُمَّ أَخْرَجَنِي الرَّجُلُ شَمَالًا إِلَى السَّاحَةِ الْخَارِجِيَّةِ، وَأَرَانِي مَجْمُوعَةً مِنَ الْغُرَفِ مُقَابِلَ سَاحَةِ الْبَيْتِ وَمُقَابِلَ السُّورِ الْخَارِجِيِّ الَّذِي مِنْ جِهَةِ الشَّمَالِ. فَكَانَ طُولُ هَذِهِ الْغُرَفِ الَّتِي نَحْوَ الشَّمَالِ حَوَالَيْ 50 مِتْرًا وَعَرْضُهَا حَوَالَيْ 25 مِتْرًا. وَهِيَ تُطِلُّ مِنْ نَاحِيَةٍ عَلَى السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ وَهِيَ 10 أَمْتَارٍ، وَمِنَ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى عَلَى رَصِيفِ السَّاحَةِ الْخَارِجِيَّةِ. وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى 3 طَبَقَاتٍ وَمُتَقَابِلَةٌ. وَقُدَّامَ الْغُرَفِ مَمَرٌّ دَاخِلِيٌّ عَرْضُهُ حَوَالَيْ 5 أَمْتَارٍ وَطُولُهُ حَوَالَيْ 100 مِتْرٍ. وَأَبْوَابُ الْغُرَفِ تَفْتَحُ نَحْوَ الشَّمَالِ. وَغُرَفُ الطَّابِقِ الْعُلْوِيِّ كَانَتْ أَضْيَقَ مِنْ غُرَفِ الطَّابِقَيْنِ السُّفْلِيِّ وَالْأَوْسَطِ، لِأَنَّ الشُّرُفَاتِ أَخَذَتْ مِنْهَا بَعْضَ الْمِسَاحَةِ. لِأَنَّ الْغُرَفَ كَانَتْ عَلَى 3 طَبَقَاتٍ وَلَيْسَ لَهَا أَعْمِدَةٌ كَمَا فِي بِنَاءِ دَارٍ، لِذَلِكَ كَانَتْ الْعُلْيَا أَصْغَرَ مِنَ الْوُسْطَى وَالْوُسْطَى أَصْغَرَ مِنَ السُّفْلَى. وَكَانَ هُنَاكَ حَائِطٌ خَارِجِيٌّ يُوَازِي امْتِدَادَ الْغُرَفِ مِنْ جِهَةِ السَّاحَةِ الْخَارِجِيَّةِ، وَطُولُهُ حَوَالَيْ 25 مِتْرًا. لِأَنَّ امْتِدَادَ هَذِهِ الْغُرَفِ مِنْ جِهَةِ السَّاحَةِ الْخَارِجِيَّةِ كَانَ حَوَالَيْ 25 مِتْرًا، بَيْنَمَا مِنْ جِهَةِ الْبَيْتِ كَانَ حَوَالَيْ 50 مِتْرًا. وَغُرَفُ الطَّابِقِ السُّفْلِيِّ لَهَا مَدْخَلٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْقِ، لِكَيْ يُمْكِنَ الدُّخُولُ إِلَيْهَا مِنَ السَّاحَةِ الْخَارِجِيَّةِ. وَكَانَتْ هُنَاكَ غُرَفٌ أُخْرَى عَلَى امْتِدَادِ سُورِ السَّاحَةِ الْخَارِجِيَّةِ، مِنْ نَاحِيَةِ سَاحَةِ الْبَيْتِ وَمُقَابِلَ السُّورِ الْخَارِجِيِّ. وَقُدَّامَهَا مَمَرٌّ. وَهِيَ تُشْبِهُ الْغُرَفَ الَّتِي فِي الشَّمَالِ فِي طُولِهَا وَعَرْضِهَا وَمَخَارِجِهَا وَشَكْلِهَا وَأَبْوَابِهَا. وَمَدْخَلُ هَذِهِ الْغُرَفِ الْجَنُوبِيَّةِ هُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَمَرِّ الْمُوَازِي لِلسُّورِ الْمُقَابِلِ الَّذِي يَمْتَدُّ شَرْقًا. فَكَانُوا يَدْخُلُونَ إِلَيْهَا مِنْ هُنَاكَ. ثُمَّ قَالَ لِي: ”الْغُرَفُ الشَّمَالِيَّةُ وَالْجَنُوبِيَّةُ الَّتِي مُقَابِلَ سَاحَةِ الْبَيْتِ هِيَ غُرَفٌ مُقَدَّسَةٌ، فِيهَا يَأْكُلُ الْأَحْبَارُ الَّذِينَ يَتَقَرَّبُونَ للهِ أَقْدَسَ الْقَرَابِينِ، وَهِيَ قُرْبَانُ الدَّقِيقِ وَضَحِيَّةُ الْخَطِيئَةِ وَضَحِيَّةُ الذَّنْبِ، لِأَنَّهُ مَكَانٌ مُقَدَّسٌ. وَحِينَ يَدْخُلُ الْأَحْبَارُ، فَيَجِبُ أَنْ لَا يَخْرُجُوا إِلَى السَّاحَةِ الْخَارِجِيَّةِ إِلَّا بَعْدَمَا يَخْلَعُوا ثِيَابَهُمُ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي يَخْدِمُونَ بِهَا، وَيَلْبَسُوا ثِيَابًا غَيْرَهَا، وَيَذْهَبُوا إِلَى حَيْثُ يَجْتَمِعُ النَّاسُ.“ فَلَمَّا أَتَمَّ قِيَاسَ مَا هُوَ دَاخِلُ مِنْطَقَةِ الْبَيْتِ، أَخْرَجَنِي مِنَ الْبَابِ الشَّرْقِيِّ، وَقَاسَ الْمِنْطَقَةَ مِنَ الْخَارِجِ. فَقَاسَ الْجَانِبَ الشَّرْقِيَّ بِعَصَا الْقِيَاسِ، فَكَانَ حَوَالَيْ 250 مِتْرًا. وَقَاسَ الْجَانِبَ الشَّمَالِيَّ فَكَانَ حَوَالَيْ 250 مِتْرًا بِعَصَا الْقِيَاسِ. وَقَاسَ الْجَانِبَ الْجَنُوبِيَّ فَكَانَ حَوَالَيْ 250 مِتْرًا بِعَصَا الْقِيَاسِ. ثُمَّ دَارَ إِلَى الْغَرْبِ وَقَاسَ، فَكَانَ حَوَالَيْ 250 مِتْرًا بِعَصَا الْقِيَاسِ. فَقَاسَهُ مِنْ جَوَانِبِهِ الْـ4. فَكَانَ السُّورُ الَّذِي حَوَالَيْهِ طُولُهُ حَوَالَيْ 250 مِتْرًا وَعَرْضُهُ حَوَالَيْ 250 مِتْرًا لِيَفْصِلَ بَيْنَ الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ وَمَكَانِ الْعَامَّةِ. ثُمَّ أَخَذَنِي الرَّجُلُ إِلَى الْبَابِ الْمُتَّجِهِ إِلَى الشَّرْقِ. فَرَأَيْتُ جَلَالَ اللهِ يَأْتِي مِنَ الشَّرْقِ، وَصَوْتُهُ كَهَدِيرِ مِيَاهٍ غَزِيرَةٍ، وَأَضَاءَتِ الْأَرْضُ مِنْ جَلَالِهِ. وَكَانَتْ هَذِهِ الرُّؤْيَا كَالرُّؤْيَا الَّتِي شَاهَدْتُهَا لَمَّا جَاءَ لِيَخْرِبَ الْمَدِينَةَ، وَكَالرُّؤْيَا الَّتِي شَاهَدْتُهَا عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ، فَسَقَطْتُ عَلَى وَجْهِي. فَدَخَلَ جَلَالُ اللهِ إِلَى الْبَيْتِ مِنَ الْبَابِ الْمُتَّجِهِ إِلَى الشَّرْقِ. ثُمَّ رَفَعَنِي الرُّوحُ وَأَخَذَنِي إِلَى السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ، فَمَلَأَ جَلَالُ اللهِ الْبَيْتَ. وَكَانَ الرَّجُلُ مَا زَالَ وَاقِفًا مَعِي، وَسَمِعْتُ وَاحِدًا يُكَلِّمُنِي مِنْ دَاخِلِ الْبَيْتِ. وَقَالَ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، هَذَا مَقَرُّ عَرْشِي وَالْمَكَانُ الَّذِي أَضَعُ فِيهِ قَدَمَيَّ. هُنَا أَسْكُنُ وَسَطَ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الْأَبَدِ. وَلَا يَعُودُ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ يُنَجِّسُ اسْمِيَ الْقُدُّوسَ، لَا هُمْ وَلَا مُلُوكُهُمْ، بِزِنَاهُمْ وَبِجُثَثِ مُلُوكِهِمْ فِي مَعَابِدِهِمْ. لِأَنَّ مُلُوكَهُمْ بَنَوْا قَصْرَهُمْ بِجِوَارِ بَيْتِي، وَجَعَلُوا مَدْخَلَهُمْ كَمَدْخَلِ بَيْتِي، وَلَا يَفْصِلُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ غَيْرُ الْحَائِطِ، وَنَجَّسُوا اسْمِيَ الْقُدُّوسَ بِأَعْمَالِهِمِ الْقَبِيحَةِ فَأَفْنَيْتُهُمْ بِغَضَبِي. فَلْيُبْعِدُوا الْآنَ زِنَاهُمْ وَجُثَثَ مُلُوكِهِمْ عَنِّي، فَأَسْكُنَ فِي وَسَطِهِمْ إِلَى الْأَبَدِ. ”يَا ابْنَ آدَمَ، أَخْبِرْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنِ الْبَيْتِ وَمَقَايِيسِهِ وَشَكْلِهِ، لَعَلَّهُمْ يَخْجَلُونَ مِنْ شَرِّهِمْ. فَإِنْ خَجِلُوا مِنْ كُلِّ مَا عَمِلُوهُ، فَعَرِّفْهُمْ بِتَصْمِيمِ الْبَيْتِ وَشَكْلِهِ وَمَخَارِجِهِ وَمَدَاخِلِهِ وَكُلِّ تَرْتِيبَاتِهِ وَأَحْكَامِهِ وَشَرَائِعِهِ. وَاكْتُبْ هَذَا قُدَّامَهُمْ لِيَعْرِفُوا شَكْلَهُ وَيَعْمَلُوا بِكُلِّ فَرَائِضِهِ. وَأَهَمُّ شَيْءٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْبَيْتِ هُوَ أَنَّ كُلَّ الْمِنْطَقَةِ الْمُحِيطَةِ بِهِ عَلَى قِمَّةِ الْجَبَلِ تَكُونُ مُقَدَّسَةً جِدًّا. هَذَا هُوَ أَهَمُّ شَيْءٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْبَيْتِ. ”وَهَذِهِ مَقَايِيسُ الْمَنَصَّةِ، حَسَبَ وَحْدَةِ الْقِيَاسِ الْمُسْتَعْمَلَةِ: اِرْتِفَاعُ الْقَاعِدَةِ نِصْفُ مِتْرٍ وَعَرْضُهَا نِصْفُ مِتْرٍ، وَلَهَا حَافَّةٌ حَوْلَهَا حَوَالَيْ رُبْعِ مِتْرٍ. وَهَذَا هُوَ ارْتِفَاعُ الْمَنَصَّةِ: مِنَ الْقَاعِدَةِ عِنْدَ الْأَرْضِ، إِلَى السَّطْحِ الْأَسْفَلِ مِتْرٌ، وَالْعَرْضُ نِصْفُ مِتْرٍ. وَمِنَ السَّطْحِ الصَّغِيرِ إِلَى السَّطْحِ الْكَبِيرِ حَوَالَيْ مِتْرَيْنِ وَالْعَرْضُ نِصْفُ مِتْرٍ. وَارْتِفَاعُ الْمَوْقِدِ حَوَالَيْ مِتْرَيْنِ، وَيَبْرُزُ مِنَ الْمَوْقِدِ 4 قُرُونٍ. وَالْمَوْقِدُ نَفْسُهُ مُرَبَّعٌ، كُلُّ جَانِبٍ حَوَالَيْ خَمْسَةِ أَمْتَارٍ وَنِصْفٍ. وَالسَّطْحُ الْأَعْلَى أَيْضًا مُرَبَّعٌ، كُلُّ جَانِبٍ حَوَالَيْ 7 أَمْتَارٍ، وَلَهُ حَافَّةٌ حَوْلَهُ حَوَالَيْ رُبْعِ مِتْرٍ، بِقَاعِدَةٍ حَوَالَيْ نِصْفِ مِتْرٍ. وَدَرَجَاتُ الْمَنَصَّةِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْقِ.“ وَقَالَ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ، هَذِهِ أَحْكَامُ الْمَنَصَّةِ حِينَ تُقَامُ لِتَقْدِيمِ الْقَرَابِينِ وَرَشِّ الدَّمِ عَلَيْهَا: يَقُولُ الْمَوْلَى الْإِلَهُ، أَعْطِ ثَوْرًا لِقُرْبَانِ الْخَطِيئَةِ لِلْأَحْبَارِ بَنِي لَاوِي الَّذِينَ مِنْ عَائِلَةِ صَادِقَ، الَّذِينَ يَتَقَرَّبُونَ إِلَيَّ لِيَخْدِمُونِي. وَتَأْخُذُ مِنْ دَمِهِ وَتَضَعُهُ عَلَى قُرُونِ الْمَنَصَّةِ الْـ4 وَعَلَى زَوَايَا السَّطْحِ الْأَعْلَى الْـ4 وَعَلَى الْحَافَّةِ كُلِّهَا، فَتُطَهِّرُ الْمَنَصَّةَ وَتُكَفِّرُ عَنْهَا. وَتَأْخُذُ الثَّوْرَ الَّذِي لِقُرْبَانِ الْخَطِيئَةِ، وَتَحْرِقُهُ فِي الْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ مِنَ الْبَيْتِ خَارِجَ الْمَقْدِسِ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي تُقَدِّمُ جَدْيًا مِنَ الْمَعْزِ بِلَا عَيْبٍ، ضَحِيَّةً عَنِ الْخَطِيئَةِ، فَيُطَهِّرُونَ الْمَنَصَّةَ كَمَا طَهَّرُوهَا بِالثَّوْرِ. وَمَتَى أَتْمَمْتَ التَّطْهِيرَ، قَدِّمْ ثَوْرًا بِلَا عَيْبٍ، وَكَبْشًا بِلَا عَيْبٍ. قَدِّمْهُمَا أَمَامَ اللهِ، وَيَرُشُّ الْأَحْبَارُ مِلْحًا عَلَيْهِمَا، وَيُقَدِّمُونَهُمَا قُرْبَانًا يُحْرَقُ للهِ. وَقَدِّمْ أَيْضًا كُلَّ يَوْمٍ وَلِمُدَّةِ 7 أَيَّامٍ، جَدْيًا لِقُرْبَانِ الْخَطِيئَةِ، وَثَوْرًا بِلَا عَيْبٍ وَكَبْشًا بِلَا عَيْبٍ. فَيُكَفِّرُونَ عَنِ الْمَنَصَّةِ 7 أَيَّامٍ وَيُطَهِّرُونَهَا وَيُكَرِّسُونَهَا. وَفِي نِهَايَةِ هَذِهِ الْأَيَّامِ، أَيِ ابْتِدَاءً مِنَ الْيَوْمِ الثَّامِنِ، يُقَدِّمُ الْأَحْبَارُ عَلَى الْمَنَصَّةِ الْقَرَابِينَ وَضَحَايَا الصُّحْبَةِ الَّتِي لَكُمْ، فَأَرْضَى عَنْكُمْ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ.“ ثُمَّ أَرْجَعَنِي الرَّجُلُ إِلَى الْبَابِ الْخَارِجِيِّ لِلْبَيْتِ، وَهُوَ الْمُتَّجِهُ إِلَى الشَّرْقِ، وَكَانَ مُغْلَقًا. وَقَالَ اللهُ لِي: ”هَذَا الْبَابُ يَبْقَى مُغْلَقًا لَا يُفْتَحُ وَلَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ، لِأَنَّ الْمَوْلَى رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ دَخَلَ مِنْهُ. لِذَلِكَ يَبْقَى مُغْلَقًا. إِنَّمَا الرَّئِيسُ وَحْدَهُ، هُوَ يَجْلِسُ فِيهِ لِيَأْكُلَ فِي مَحْضَرِ اللهِ. فَيَدْخُلُ مِنْ مَدْخَلِهِ وَيَخْرُجُ مِنْ نَفْسِ الطَّرِيقِ.“ ثُمَّ أَخَذَنِي عَنْ طَرِيقِ الْبَابِ الشَّمَالِيِّ إِلَى أَمَامِ الْبَيْتِ. فَنَظَرْتُ وَرَأَيْتُ جَلَالَ اللهِ قَدْ مَلَأَ بَيْتَهُ، فَسَقَطْتُ عَلَى وَجْهِي. فَقَالَ اللهُ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، اِنْتَبِهْ وَانْظُرْ بِحِرْصٍ وَاسْمَعْ جَيِّدًا كُلَّ مَا أَقُولُهُ لَكَ عَنْ كُلِّ أَحْكَامِ بَيْتِ اللهِ وَشَرَائِعِهِ. كُنْ حَرِيصًا بِشَأْنِ مَنْ يُسْمَحُ لَهُ بِدُخُولِ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ، وَمَنْ يُمْنَعُ مِنْ دُخُولِهِ. وَقُلْ لِهَذَا الشَّعْبِ الْمُتَمَرِّدِ، شَعْبِ إِسْرَائِيلَ: ’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ، كَفَاكُمْ أَعْمَالُكُمُ الْقَبِيحَةُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ! أَنْتُمْ أَدْخَلْتُمْ إِلَى بَيْتِيَ الْمُقَدَّسِ غُرَبَاءَ قُلُوبُهُمْ قَاسِيَةٌ وَهُمْ غَيْرُ مَخْتُونِينَ، فَنَجَّسْتُمْ بَيْتِي حِينَ قَدَّمْتُمْ لِي طَعَامًا مِنْ شَحْمٍ وَدَمٍ. أَنْتُمْ نَقَضْتُمْ عَهْدِي بِالْإِضَافَةِ إِلَى كُلِّ أَعْمَالِكُمُ الْقَبِيحَةِ. وَلَمْ تَقُومُوا بِخِدْمَةِ مُقَدَّسَاتِي، بَلْ وَضَعْتُمْ غُرَبَاءَ لِيَقُومُوا بِهَا بَدَلًا مِنْكُمْ فِي بَيْتِيَ الْمُقَدَّسِ. فَالْمَوْلَى الْإِلَهُ يَقُولُ: الْغَرِيبُ الَّذِي قَلْبُهُ قَاسٍ وَهُوَ غَيْرُ مَخْتُونٍ لَا يَجِبُ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتِيَ الْمُقَدَّسَ، وَلَا حَتَّى الْغَرِيبُ الْمُقِيمُ بَيْنَكُمْ. فَإِنَّهُ حَتَّى اللَّاوِيُّونَ الَّذِينَ ابْتَعَدُوا عَنِّي لَمَّا ضَلَّ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَالَّذِينَ انْحَرَفُوا عَنِّي وَرَاءَ أَصْنَامِهِمْ، يَنَالُونَ عِقَابَ شَرِّهِمْ. فَهَؤُلَاءِ اللَّاوِيُّونَ يَخْدِمُونَ فِي بَيْتِيَ الْمُقَدَّسِ وَيَحْرُسُونَ أَبْوَابَهُ، وَيَخْدِمُونَ دَاخِلَهُ، وَيَذْبَحُونَ الْقَرَابِينَ وَالضَّحَايَا لِلشَّعْبِ، وَيَقِفُونَ أَمَامَ الشَّعْبِ وَيَخْدِمُونَهُ. وَلَكِنَّهُمْ سَاعَدُوا الشَّعْبَ لِيَعْبُدَ أَصْنَامَهُ. إِنَّهُمْ جَعَلُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ يَسْقُطُونَ فِي الْخَطِيئَةِ. فَهَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ، أَنَا حَلَفْتُ يَمِينًا إِنَّهُمْ يَنَالُونَ عِقَابَ شَرِّهِمْ. وَلَا يَتَقَرَّبُونَ إِلَيَّ، وَلَا يَكُونُونَ أَحْبَارًا لِي، وَلَا يَقْتَرِبُونَ إِلَى مُقَدَّسَاتِي وَلَا إِلَى الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ، بَلْ يَحْمِلُونَ الْعَارَ لِأَعْمَالِهِمِ الْقَبِيحَةِ. فَيَقُومُونَ فَقَطْ بِالنَّظَافَةِ وَالصِّيَانَةِ الْعَامَّةِ فِي الْبَيْتِ. ”’أَمَّا الْأَحْبَارُ بَنُو لَاوِي الَّذِينَ مِنْ عَائِلَةِ صَادِقَ، الَّذِينَ قَامُوا بِخِدْمَةِ مُقَدَّسَاتِي بِأَمَانَةٍ، لَمَّا ضَلَّ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَنِّي، فَهُمْ يَتَقَرَّبُونَ إِلَيَّ لِيَخْدِمُونِي، وَيَقِفُونَ أَمَامِي لِيُقَدِّمُوا لِي قَرَابِينَ مِنْ شَحْمٍ وَدَمٍ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. فَهُمْ وَحْدَهُمْ يَدْخُلُونَ مَقْدِسِي وَيَتَقَدَّمُونَ إِلَى مَائِدَتِي لِيَخْدِمُونِي وَيَقُومُوا بِوَاجِبَاتِهِمْ لِي. وَعِنْدَمَا يَدْخُلُونَ أَبْوَابَ السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ، يَلْبَسُونَ ثِيَابًا مِنْ كَتَّانٍ. لَا يَلْبَسُونَ صُوفًا حِينَ يَخْدِمُونَ عِنْدَ أَبْوَابِ السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ أَوْ دَاخِلَ الْبَيْتِ. وَيَلْبَسُونَ عَمَائِمَ مِنْ كَتَّانٍ عَلَى رُؤُوسِهِمْ، وَسَرَاوِيلَ مِنْ كَتَّانٍ حَوْلَ وَسَطِهِمْ. لَا يَلْبَسُونَ مَا يُعَرِّقُ. وَحِينَ يَخْرُجُونَ إِلَى السَّاحَةِ الْخَارِجِيَّةِ، إِلَى حَيْثُ الشَّعْبُ، يَخْلَعُونَ ثِيَابَ خِدْمَتِهِمْ وَيَتْرُكُونَهَا فِي الْغُرَفِ الْمُقَدَّسَةِ. ثُمَّ يَلْبَسُونَ ثِيَابًا أُخْرَى لِئَلَّا يُقَدِّسُوا الشَّعْبَ بِثِيَابِهِمْ. وَلَا يَحْلِقُونَ رُؤُوسَهُمْ، وَلَا يُرَبُّونَ خُصَلًا، بَلْ يَقُصُّونَ شَعْرَهُمْ بِمَظْهَرٍ حَسَنٍ. وَلَا يَشْرَبُ الْحَبْرُ خَمْرًا حِينَ يَدْخُلُ السَّاحَةَ الدَّاخِلِيَّةَ. وَلَا يَتَزَوَّجُ الْحَبْرُ أَرْمَلَةً وَلَا مُطَلَّقَةً، بَلْ عَذْرَاءَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ أَرْمَلَةَ حَبْرٍ. وَيُعَلِّمُونَ شَعْبِي أَنْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ مَا هُوَ مُقَدَّسٌ للهِ وَمُحَلَّلٌ لِلْعَامَّةِ، وَبَيْنَ مَا هُوَ نَجِسٌ وَطَاهِرٌ. وَيَكُونُونَ قُضَاةً فِي الْخِصَامِ، وَيَفْصِلُونَ حَسَبَ أَحْكَامِي. وَيَعْمَلُونَ بِشَرَائِعِي وَفَرَائِضِي فِي كُلِّ أَعْيَادِي، وَيَحْفَظُونَ وَصِيَّةَ يَوْمِ السَّبْتِ مُقَدَّسَةً. وَلَا يَقْتَرِبُونَ مِنْ شَخْصٍ مَيِّتٍ لِئَلَّا يَتَنَجَّسُوا. وَلَكِنْ إِنْ كَانَ الْمَيِّتُ هُوَ أَبَا الْحَبْرِ أَوْ أُمَّهُ أَوِ ابْنَهُ أَوْ بِنْتَهُ أَوْ أَخَاهُ أَوْ أُخْتَهُ الَّتِي لَمْ تَتَزَوَّجْ، فَيُمْكِنُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ يَتَنَجَّسَ. وَبَعْدَمَا يَطْهُرُ، يَنْتَظِرُ 7 أَيَّامٍ. وَيَوْمَ يَدْخُلُ إِلَى الْمَقْدِسِ، إِلَى السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ، لِيَخْدِمَ فِي الْمَقْدِسِ، يُقَدِّمُ قُرْبَانَ خَطِيئَةٍ عَنْ نَفْسِهِ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. ”’وَلَا يَكُونُ لِلْأَحْبَارِ مِيرَاثٌ. أَنَا مِيرَاثُهُمْ. وَلَا تُعْطُونَهُمْ نَصِيبًا فِي إِسْرَائِيلَ. أَنَا نَصِيبُهُمْ. وَيَأْكُلُونَ الْقُرْبَانَ وَضَحِيَّةَ الْخَطِيئَةِ وَضَحِيَّةَ الذَّنْبِ، وَكُلَّ مَا هُوَ وَقْفٌ للهِ فِي إِسْرَائِيلَ. وَأَوَّلُ كُلِّ الثِّمَارِ وَأَحْسَنُ هَدَايَاكُمْ تَكُونُ لِلْأَحْبَارِ. وَأَوَّلُ عَجِينِكُمْ تُعْطُونَهُ لِلْحَبْرِ، لِتَحِلَّ الْبَرَكَةُ عَلَى دَارِكَ. وَلَا يَأْكُلُ الْحَبْرُ مِنْ جُثَّةٍ أَوْ فَرِيسَةٍ، طَيْرًا كَانَتْ أَوْ بَهِيمَةً. ”’وَحِينَ تَقْسِمُونَ الْأَرْضَ أَنْصِبَةً، تُخَصِّصُونَ مِنْهَا قِطْعَةً تَكُونُ مُقَدَّسَةً للهِ، طُولُهَا حَوَالَيِ اثْنَيْ عَشَرَ كِيلُومِتْرًا وَنِصْفٍ، وَعَرْضُهَا حَوَالَيْ 10 كِيلُومِتْرَاتٍ. فَتَكُونُ كُلُّهَا مُقَدَّسَةً. وَيَكُونُ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ قِطْعَةٌ مُرَبَّعَةٌ لِلْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ، طُولُ كُلِّ جِهَةٍ مِنْهَا حَوَالَيْ 250 مِتْرًا. وَيَكُونُ مَا حَوْلَهَا أَرْضًا مَكْشُوفَةً بِعَرْضِ 25 مِتْرًا. وَمِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ تَقِيسُ قِطْعَةً طُولُهَا حَوَالَيِ اثْنَيْ عَشَرَ كِيلُومِتْرًا وَنِصْفٍ وَعَرْضُهَا حَوَالَيْ 5 كِيلُومِتْرَاتٍ، يَكُونُ فِيهَا الْبَيْتُ الْمُقَدَّسُ، أَقْدَسُ الْأَمَاكِنِ. فَتَكُونُ أَرْضًا مُقَدَّسَةً لِلْأَحْبَارِ الَّذِينَ يَخْدِمُونَ بَيْتَ اللهِ وَيَتَقَرَّبُونَ لَهُ لِخِدْمَتِهِ، تَكُونُ مَكَانًا لِدِيَارِهِمْ وَأَيْضًا لِلْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ. وَالْقِطْعَةُ الْأُخْرَى وَطُولُهَا حَوَالَيِ اثْنَيْ عَشَرَ كِيلُومِتْرًا وَنِصْفٍ وَعَرْضُهَا حَوَالَيْ 5 كِيلُومِتْرَاتٍ، هِيَ نَصِيبُ اللَّاوِيِّينَ خُدَّامِ الْبَيْتِ لِتَكُونَ مُدُنًا يَسْكُنُونَ فِيهَا. ”’وَتُخَصِّصُونَ لِلْمَدِينَةِ قِطْعَةَ أَرْضٍ عَرْضُهَا حَوَالَيْ كِيلُومِتْرَيْنِ وَنِصْفٍ، وَطُولُهَا حَوَالَيِ اثْنَيْ عَشَرَ كِيلُومِتْرًا وَنِصْفٍ، بِجِوَارِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ لِتَكُونَ لِكُلِّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. وَيَكُونُ لِلرَّئِيسِ قِطْعَتَانِ مِنَ الْأَرْضِ. وَاحِدَةٌ بِجِوَارِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ وَالْأُخْرَى بِجِوَارِ أَرْضِ الْمَدِينَةِ. فَالَّتِي غَرْبَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ تَصِلُ إِلَى الْبَحْرِ، وَالَّتِي فِي الشَّرْقِ تَصِلُ إِلَى حُدُودِ الْبِلَادِ، وَالطُّولُ كَطُولِ نَصِيبِ الْقَبَائِلِ الْمُخْتَلِفَةِ. فَتَكُونُ هَذِهِ الْأَرْضُ نَصِيبَهُ فِي إِسْرَائِيلَ. فَلَا يَعُودُ رُؤَسَائِي يَظْلِمُونَ شَعْبِي، بَلْ يُعْطُونَ الْأَرْضَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ حَسَبَ قَبَائِلِهِمْ. ”’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ: كَفَاكُمْ يَا رُؤَسَاءَ إِسْرَائِيلَ! كُفُّوا عَنِ الظُّلْمِ وَالِاغْتِصَابِ، اِعْمَلُوا الْحَقَّ وَالْعَدْلَ. اِرْفَعُوا الظُّلْمَ عَنْ شَعْبِي. اللهُ يَقُولُ هَذَا. اِسْتَعْمِلُوا مَوَازِينَ عَادِلَةً وَمَكَايِيلَ عَادِلَةً وَمَعَايِيرَ عَادِلَةً. فَيَكُونُ الْمِكْيَالُ وَالْمِعْيَارُ مِقْدَارًا وَاحِدًا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا عُشْرُ الْحُومَرِ، وَيَكُونُ الْحُومَرُ هُوَ الْمِكْيَالَ الرَّسْمِيَّ. وَيَكُونُ الشَّاقِلُ 20 جِيرَةً، وَالْمَنُّ 60 شَاقِلًا. ”’وَهَذَا هُوَ الْقُرْبَانُ الَّذِي تُقَدِّمُونَهُ: 4 كِيلُوجْرَامَاتٍ مِنْ كُلِّ حُومَرِ قَمْحٍ، وَ4 كِيلُوجْرَامَاتٍ مِنْ كُلِّ حُومَرِ شَعِيرٍ. وَتُقَدِّمُونَ فَرِيضَةَ الزَّيْتِ 22 لِتْرًا لِكُلِّ كُرٍّ، وَالْكُرُّ كَالْحُومَرِ، أَيْ تُقَدِّمُونَ الْعُشْرَ. وَتُقَدِّمُونَ أَيْضًا شَاةً مِنَ الْغَنَمِ مِنْ كُلِّ 200 مِمَّا يُرَبِّيهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الْمَرَاعِي الْخِصْبَةِ. فَتَكُونُ لِقُرْبَانِ الدَّقِيقِ وَلِلْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ وَلِضَحِيَّةِ الصُّحْبَةِ لِلتَّكْفِيرِ عَنِ الشَّعْبِ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. كُلُّ شَعْبِ الْبِلَادِ يُسَاهِمُ فِي تَقْدِيمِ هَذَا الْقُرْبَانِ لِرَئِيسِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَمِنْ وَاجِبِ الرَّئِيسِ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِالْقُرْبَانِ الَّذِي يُحْرَقُ وَقُرْبَانِ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانِ الشَّرَابِ، فِي الِاحْتِفَالَاتِ وَفِي رَأْسِ الشَّهْرِ وَأَيَّامِ السَّبْتِ وَفِي كُلِّ أَعْيَادِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. كَمَا أَنَّهُ يُقَدِّمُ ضَحِيَّةَ الْخَطِيئَةِ وَقُرْبَانَ الدَّقِيقِ وَالْقُرْبَانَ الَّذِي يُحْرَقُ وَضَحَايَا الصُّحْبَةِ، لِلتَّكْفِيرِ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ”’وَقَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ تَأْخُذُ ثَوْرًا بِلَا عَيْبٍ، وَتُطَهِّرُ الْبَيْتَ. فَيَأْخُذُ الْحَبْرُ مِنْ دَمِ ضَحِيَّةِ الْخَطِيئَةِ وَيَضَعُهُ عَلَى أَعْمِدَةِ الْبَيْتِ، وَعَلَى 4 زَوَايَا السَّطْحِ الْأَعْلَى لِلْمَنَصَّةِ، وَعَلَى قَوَائِمِ بَابِ السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ. وَتَعْمَلُ نَفْسَ الشَّيْءِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنَ الشَّهْرِ، عَنْ كُلِّ مَنْ أَخْطَأَ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَوْ عَنْ جَهْلٍ. فَتُكَفِّرُونَ عَنِ الْبَيْتِ. ”’فِي الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ تَحْتَفِلُونَ بِالْفِصْحِ. يَكُونُ الْعِيدُ 7 أَيَّامٍ فِيهَا تَأْكُلُونَ فَطِيرًا. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يُقَدِّمُ الرَّئِيسُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ كُلِّ شَعْبِ الْبِلَادِ، ثَوْرًا كَضَحِيَّةِ خَطِيئَةٍ. كَمَا يُقَدِّمُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ 7 أَيَّامِ الْعِيدِ 7 ثِيرَانٍ وَ7 كِبَاشٍ بِلَا عَيْبٍ كَقُرْبَانٍ يُحْرَقُ، وَجَدْيًا مِنَ الْمَعْزِ كَضَحِيَّةِ خَطِيئَةٍ. وَيُقَدِّمُ قُرْبَانَ الدَّقِيقِ، 22 كِيلُوجْرَامًا مَعَ كُلِّ ثَوْرٍ وَمِثْلَهَا مَعَ كُلِّ كَبْشٍ. وَمَعَ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ 4 لِتْرَاتٍ مِنَ الزَّيْتِ. وَفِي الْيَوْمِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ، يُقَدِّمُ الرَّئِيسُ فِي 7 أَيَّامِ الْعِيدِ، مِثْلَ هَذِهِ كَضَحِيَّةِ خَطِيئَةٍ وَقُرْبَانٍ يُحْرَقُ وَقُرْبَانِ دَقِيقٍ وَقُرْبَانِ زَيْتٍ. ”’هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ: بَابُ السَّاحَةِ الدَّاخِلِيَّةِ الْمُتَّجِهُ إِلَى الشَّرْقِ، يَبْقَى مُغْلَقًا 6 أَيَّامِ الْعَمَلِ. لَا يُفْتَحُ إِلَّا فِي يَوْمِ السَّبْتِ وَفِي رَأْسِ الشَّهْرِ. وَيَدْخُلُ الرَّئِيسُ مِنْ مَدْخَلِهِ مِنْ خَارِجٍ، وَيَقِفُ عِنْدَ قَائِمَةِ الْبَابِ، وَيُقَدِّمُ الْأَحْبَارُ عَنْهُ الْقُرْبَانَ الَّذِي يُحْرَقُ وَضَحِيَّةَ الصُّحْبَةِ، ثُمَّ يَسْجُدُ عَلَى عَتَبَةِ الْبَابِ وَيَنْصَرِفُ. وَلَا يُغْلَقُ الْبَابُ إِلَى الْمَسَاءِ. وَيَسْجُدُ الشَّعْبُ فِي مَحْضَرِ اللهِ عِنْدَ مَدْخَلِ هَذَا الْبَابِ، فِي أَيَّامِ السَّبْتِ وَفِي رَأْسِ الشَّهْرِ. وَالْقُرْبَانُ الَّذِي يُحْرَقُ الَّذِي يُقَدِّمُهُ الرَّئِيسُ للهِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ هُوَ 6 حُمْلَانٍ وَكَبْشٌ كُلُّهَا بِلَا عَيْبٍ. وَيُقَدِّمُ قُرْبَانَ الدَّقِيقِ، مَعَ الْكَبْشِ 22 كِيلُوجْرَامًا، وَمَعَ الْحُمْلَانِ مَا تَجُودُ بِهِ يَدُهُ. وَمَعَ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ 4 لِتْرَاتٍ مِنَ الزَّيْتِ. وَفِي يَوْمِ رَأْسِ الشَّهْرِ، يُقَدِّمُ ثَوْرًا وَ6 حُمْلَانٍ وَكَبْشًا كُلَّهَا بِلَا عَيْبٍ. وَيُقَدِّمُ قُرْبَانَ الدَّقِيقِ، مَعَ الثَّوْرِ وَمَعَ كُلِّ كَبْشٍ 22 كِيلُوجْرَامًا، وَمَعَ الْحُمْلَانِ مَا تَجُودُ بِهِ يَدُهُ. وَمَعَ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ 4 لِتْرَاتٍ مِنَ الزَّيْتِ. ”’وَيَدْخُلُ الرَّئِيسُ عَنْ طَرِيقِ مَدْخَلِ الْبَابِ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ. وَعِنْدَمَا يَأْتِي الشَّعْبُ فِي مَحْضَرِ اللهِ لِيَسْجُدَ فِي الْأَعْيَادِ، فَمَنْ يَدْخُلُ مِنَ الْبَابِ الشَّمَالِيِّ يَخْرُجُ مِنَ الْبَابِ الْجَنُوبِيِّ. وَمَنْ يَدْخُلُ مِنَ الْبَابِ الْجَنُوبِيِّ يَخْرُجُ مِنَ الْبَابِ الشَّمَالِيِّ. فَلَا يَرْجِعُ أَحَدٌ مِنْ نَفْسِ الْبَابِ الَّذِي دَخَلَ مِنْهُ، إِنَّمَا مِنَ الْبَابِ الْمُقَابِلِ. وَيَكُونُ الرَّئِيسُ مَعَهُمْ، فَيَدْخُلُ مَعَهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَ، وَيَخْرُجُ مَعَهُمْ حِينَ يَخْرُجُونَ. ”’وَفِي الِاحْتِفَالَاتِ وَالْأَعْيَادِ، يَكُونُ قُرْبَانُ الدَّقِيقِ مَعَ كُلِّ ثَوْرٍ وَكُلِّ كَبْشٍ 22 كِيلُوجْرَامًا، وَمَعَ الْحُمْلَانِ مَا تَجُودُ بِهِ يَدُهُ. وَمَعَ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ 4 لِتْرَاتٍ مِنَ الزَّيْتِ. وَإِذَا قَدَّمَ الرَّئِيسُ قُرْبَانًا أَوْ ضَحِيَّةَ صُحْبَةٍ كَتَبَرُّعٍ للهِ، يُفْتَحُ لَهُ الْبَابُ الشَّرْقِيُّ. وَيُقَدِّمُ الْقُرْبَانَ أَوْ ضَحِيَّةَ الصُّحْبَةِ كَمَا يَعْمَلُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ، ثُمَّ يَخْرُجُ. وَبَعْدَمَا يَخْرُجُ يُغْلَقُ الْبَابُ. وَتُقَدِّمُ كُلَّ يَوْمٍ حَمَلًا ابْنَ سَنَةٍ بِلَا عَيْبٍ لِيَكُونَ قُرْبَانًا للهِ، تُقَدِّمُهُ كُلَّ صَبَاحٍ. وَتُقَدِّمُ مَعَهُ أَيْضًا كُلَّ صَبَاحٍ قُرْبَانَ دَقِيقٍ، 4 كِيلُوجْرَامَاتٍ وَمَعَهَا لِتْرٌ وَرُبْعٌ مِنَ الزَّيْتِ يُوضَعُ عَلَى الدَّقِيقِ. وَتَقْدِيمُ هَذَا الْقُرْبَانِ للهِ هُوَ فَرِيضَةٌ دَائِمَةٌ. فَتُقَدِّمُونَ الْحَمَلَ وَقُرْبَانَ الدَّقِيقِ وَالزَّيْتِ كُلَّ صَبَاحٍ قُرْبَانًا يُحْرَقُ دَائِمًا. ”’وَقَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: إِنْ أَعْطَى الرَّئِيسُ مِنْ أَرْضِهِ الَّتِي يَمْلِكُهَا لِأَحَدِ أَوْلَادِهِ، فَهَذِهِ الْأَرْضُ تَكُونُ نَصِيبًا لِلِابْنِ وَلِأَوْلَادِهِ بِالْوِرَاثَةِ. أَمَّا إِنْ أَعْطَى مِنْ أَرْضِهِ الَّتِي يَمْلِكُهَا لِأَحَدِ عَبِيدِهِ، فَتَكُونُ لِلْعَبْدِ حَتَّى سَنَةِ التَّحْرِيرِ، ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى الرَّئِيسِ. أَوْلَادُهُ وَحْدَهُمْ يَرِثُونَهَا. وَلَا يَأْخُذُ الرَّئِيسُ مِنْ مِيرَاثِ الشَّعْبِ وَيَطْرُدُهُمْ مِنْ مِلْكِهِمْ، بَلْ يُوَرِّثُ أَوْلَادَهُ مِنْ مِلْكِهِ هُوَ، فَلَا يُحْرَمُ وَاحِدٌ مِنْ شَعْبِي مِنْ مِلْكِهِ.‘“ ثُمَّ أَدْخَلَنِي الرَّجُلُ مِنَ الْمَدْخَلِ الَّذِي بِجِوَارِ الْغُرَفِ الْمُقَدَّسَةِ الْمُتَّجِهَةِ إِلَى الشَّمَالِ، أَيْ غُرَفِ الْأَحْبَارِ. وَأَرَانِي مَكَانًا فِي الْمُؤَخَّرَةِ فِي الْغَرْبِ. وَقَالَ لِي: ”هَذَا هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي سَيَطْبُخُ فِيهِ الْأَحْبَارُ قُرْبَانَ الذَّنْبِ وَقُرْبَانَ الْخَطِيئَةِ، وَيَخْبِزُونَ قُرْبَانَ الدَّقِيقِ. لِئَلَّا يَخْرُجُوا بِهَا إِلَى السَّاحَةِ الْخَارِجِيَّةِ فَيُقَدِّسُوا الشَّعْبَ.“ ثُمَّ أَخْرَجَنِي إِلَى السَّاحَةِ الْخَارِجِيَّةِ، وَأَخَذَنِي إِلَى زَوَايَاهَا الْـ4، فَرَأَيْتُ فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ سَاحَةً أُخْرَى. فِي الزَّوَايَا الْـ4 لِلسَّاحَةِ الْخَارِجِيَّةِ، سَاحَاتٌ صَغِيرَةٌ مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْقِيَاسِ، طُولُ كُلٍّ مِنْهَا حَوَالَيْ 20 مِتْرًا وَعَرْضُهَا حَوَالَيْ 15 مِتْرًا. وَحَوْلَ كُلِّ سَاحَةٍ مِنَ السَّاحَاتِ الْـ4 جِدَارٌ صَغِيرٌ، وَعِنْدَ أَسْفَلِهِ مَوَاقِدُ لِلطَّبْخِ بِمُحِيطِ السَّاحَةِ. وَقَالَ لِي: ”هَذِهِ هِيَ دِيَارُ الطَّبَّاخِينَ، حَيْثُ يَطْبُخُ خُدَّامُ الْبَيْتِ الضَّحَايَا الَّتِي يُقَدِّمُهَا الشَّعْبُ.“ ثُمَّ أَرْجَعَنِي إِلَى مَدْخَلِ الْبَيْتِ، فَرَأَيْتُ مِيَاهً تَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ عَتَبَةِ الْبَيْتِ إِلَى الشَّرْقِ. وَوَاجِهَةُ الْبَيْتِ هِيَ نَحْوَ الشَّرْقِ. وَكَانَتِ الْمِيَاهُ تَجْرِي مِنْ يَمِينِ الْعَتَبَةِ، وَتَذْهَبُ عَنْ يَمِينِ الْمَنَصَّةِ. ثُمَّ أَخْرَجَنِي مِنَ الْبَابِ الشَّمَالِيِّ، وَدَارَ بِي فِي الطَّرِيقِ مِنْ خَارِجٍ إِلَى الْمَدْخَلِ الْخَارِجِيِّ الْمُتَّجِهِ إِلَى الشَّرْقِ. وَكَانَتِ الْمِيَاهُ تَجْرِي عَنِ الْيَمِينِ. وَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلُ نَحْوَ الشَّرْقِ، وَكَانَ بِيَدِهِ خَيْطُ قِيَاسٍ، قَاسَ 500 مِتْرٍ وَقَادَنِي فِي الْمِيَاهِ، فَوَصَلَتْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ. ثُمَّ قَاسَ 500 مِتْرٍ أُخْرَى وَقَادَنِي فِي الْمِيَاهِ، فَوَصَلَتْ إِلَى الرُّكْبَتَيْنِ. ثُمَّ قَاسَ 500 مِتْرٍ أُخْرَى وَقَادَنِي، فَوَصَلَتِ الْمِيَاهُ إِلَى الْوَسَطِ. ثُمَّ قَاسَ 500 مِتْرٍ أُخْرَى فَوَجَدْتُ أَنِّي فِي نَهْرٍ لَا أَقْدِرُ أَنْ أَعْبُرَهُ. لِأَنَّ الْمِيَاهَ ارْتَفَعَتْ جِدًّا. كَانَتْ عَمِيقَةً يُمْكِنُ السِّبَاحَةُ فِيهَا، فَصَارَ النَّهْرُ لَا يُمْكِنُ عُبُورُهُ. وَقَالَ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ هَذَا؟“ ثُمَّ أَرْجَعَنِي إِلَى شَاطِئِ النَّهْرِ. فَلَمَّا رَجَعْتُ، رَأَيْتُ أَشْجَارًا كَثِيرَةً جِدًّا عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ مِنَ النَّاحِيَتَيْنِ. فَقَالَ لِي: ”هَذِهِ الْمِيَاهُ تَجْرِي نَحْوَ الْمِنْطَقَةِ الشَّرْقِيَّةِ وَتَنْزِلُ إِلَى الْوَادِي ثُمَّ تَصُبُّ فِي الْبَحْرِ الْمَيِّتِ، فَتَجْعَلُ مِيَاهَهُ عَذْبَةً. وَحَيْثُ يَجْرِي النَّهْرُ، تَكُونُ هُنَاكَ كَائِنَاتٌ حَيَّةٌ كَثِيرَةٌ، وَأَسْمَاكٌ كَثِيرَةٌ. لِأَنَّ هَذِهِ الْمِيَاهَ تَجْرِي إِلَى هُنَاكَ فَتَجْعَلُ الْمَاءَ الْمَالِحَ عَذْبًا. وَكُلُّ مَا يَأْتِي إِلَيْهِ النَّهْرُ يَحْيَا. وَيَقِفُ الصَّيَّادُونَ عَلَى ضَفَّتِهِ مِنْ عَيْنَ جَدْيَ إِلَى عَيْنَ عِجْلَايِمَ، لِأَنَّهُ تَكُونُ هُنَاكَ أَمَاكِنُ يَبْسُطُونَ مِنْهَا الشِّبَاكَ. وَيَكُونُ السَّمَكُ عَلَى أَنْوَاعٍ كَثِيرَةٍ كَسَمَكِ الْبَحْرِ الْمُتَوَسِّطِ. أَمَّا مُسْتَنْقَعَاتُهُ وَبِرَكُهُ فَلَا تَصِيرُ عَذْبَةً، بَلْ تَبْقَى مَالِحَةً. وَتَنْمُو عَلَى ضَفَّتَيْهِ كُلُّ أَنْوَاعِ الْأَشْجَارِ الَّتِي تُؤْكَلُ ثِمَارُهَا. وَرَقُهَا لَا يَذْبُلُ وَثَمَرُهَا لَا يَنْقَطِعُ. وَتُثْمِرُ كُلَّ شَهْرٍ، لِأَنَّ الْمِيَاهَ الَّتِي تَسْقِيهَا تَنْبُعُ مِنَ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ. وَثِمَارُهَا طَعَامٌ وَوَرَقُهَا دَوَاءٌ.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ: ”هَذِهِ هِيَ حُدُودُ الْبِلَادِ الَّتِي تَمْتَلِكُونَهَا بَيْنَكُمْ حَسَبَ قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الِـ12، بِاعْتِبَارِ أَنَّ لِيُوسِفَ نَصِيبَيْنِ. وَتَقْسِمُونَهَا بَيْنَكُمْ بِالتَّسَاوِي. هَذِهِ الْأَرْضُ تَصِيرُ نَصِيبَكُمْ لِأَنِّي حَلَفْتُ يَمِينًا أَنْ أُعْطِيَهَا لِآبَائِكُمْ. فَهَذِهِ هِيَ الْحُدُودُ: فِي الشَّمَالِ، مِنَ الْبَحْرِ الْمُتَوَسِّطِ عَلَى طَرِيقِ حَثْلُونَ إِلَى مَدْخَلِ حَمَاةَ ثُمَّ إِلَى صَدَدَ. وَبِيرُوتَةُ وَسِبْرَائِمُ الَّتِي بَيْنَ حُدُودِ دِمَشْقَ وَحُدُودِ حَمَاةَ، ثُمَّ إِلَى حَصْرَتِيكُونَ الَّتِي عَلَى حُدُودِ حُورَانَ. فَيَمْتَدُّ الْحَدُّ الشَّمَالِيُّ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى حَصْرَعِينَانَ حَيْثُ حُدُودُ دِمَشْقَ وَحَمَاةَ إِلَى الشَّمَالِ. وَفِي الشَّرْقِ، مِنْ حُورَانَ وَدِمَشْقَ بِمُحَاذَاةِ الْأُرْدُنِّ الَّذِي يَفْصِلُ بَيْنَ جِلْعَادَ وَأَرْضِ إِسْرَائِيلَ، وَيَمُرُّ بِالْبَحْرِ الْمَيِّتِ إِلَى تَامَارَ. هَذَا هُوَ الْحَدُّ الشَّرْقِيُّ. وَفِي الْجَنُوبِ، مِنْ تَامَارَ إِلَى مِيَاهِ مَرِيبَةَ قَادِشَ، وَمِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى الْبَحْرِ الْمُتَوَسِّطِ. هَذَا هُوَ الْحَدُّ الْجَنُوبِيُّ. وَفِي الْغَرْبِ، يَكُونُ الْبَحْرُ الْمُتَوَسِّطُ هُوَ حَدُّكُمْ إِلَى مُقَابِلِ مَدْخَلِ حَمَاةَ. هَذَا هُوَ الْحَدُّ الْغَرْبِيُّ. فَتَقْسِمُونَ هَذِهِ الْأَرْضَ بَيْنَكُمْ حَسَبَ قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. تَقْسِمُونَهَا أَنْصِبَةً بِالْقُرْعَةِ، لَكُمْ وَلِلْغُرَبَاءِ السَّاكِنِينَ بَيْنَكُمُ الَّذِينَ أَنْجَبُوا أَوْلَادًا. فَتَعْتَبِرُونَهُمْ كَأَهْلِ الْبِلَادِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَتَقْسِمُونَ لَهُمْ أَنْصِبَةً بَيْنَ قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَتُعْطُونَ الْغَرِيبَ نَصِيبَهُ مَعَ الْقَبِيلَةِ الَّتِي يَسْكُنُ فِيهَا. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. ”وَهَذِهِ أَسْمَاءُ الْقَبَائِلِ: فِي أَقْصَى الشَّمَالِ حِصَّةٌ وَاحِدَةٌ لِدَانَ تَسِيرُ مَعَ طَرِيقِ حَثْلُونَ إِلَى مَدْخَلِ حَمَاةَ، وَحَصْرَعِينَانَ حَيْثُ حُدُودُ دِمَشْقَ وَحَمَاةَ إِلَى الشَّمَالِ. فَيَكُونُ لَهُ مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الْغَرْبِ عِنْدَ الْبَحْرِ. وَحِصَّةٌ وَاحِدَةٌ لِأَشِيرَ عَلَى حُدُودِ دَانَ، مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الْغَرْبِ. وَحِصَّةٌ وَاحِدَةٌ لِنَفْتَالِي عَلَى حُدُودِ أَشِيرَ، مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الْغَرْبِ. وَحِصَّةٌ وَاحِدَةٌ لِمَنَسَّى عَلَى حُدُودِ نَفْتَالِي، مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الْغَرْبِ. وَحِصَّةٌ وَاحِدَةٌ لِأَفْرَايِمَ عَلَى حُدُودِ مَنَسَّى، مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الْغَرْبِ. وَحِصَّةٌ وَاحِدَةٌ لِرَأُوبِينَ عَلَى حُدُودِ أَفْرَايِمَ، مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الْغَرْبِ. وَحِصَّةٌ وَاحِدَةٌ لِيَهُوذَا عَلَى حُدُودِ رَأُوبِينَ، مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الْغَرْبِ. وَعَلَى حُدُودِ يَهُوذَا مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الْغَرْبِ، تَكُونُ الْأَرْضُ الَّتِي تُقَدِّمُونَهَا قُرْبَانًا خَاصًّا. عَرْضُهَا حَوَالَيِ اثْنَيْ عَشَرَ كِيلُومِتْرًا وَنِصْفٍ، وَطُولُهَا مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الْغَرْبِ يُسَاوِي طُولَ الْحِصَصِ الْأُخْرَى. وَيَكُونُ الْبَيْتُ الْمُقَدَّسُ فِي وَسَطِهَا. وَالْحِصَّةُ الَّتِي تُقَدِّمُونَهَا للهِ يَكُونُ طُولُهَا اثْنَيْ عَشَرَ كِيلُومِتْرًا وَنِصْفٍ، وَعَرْضُهَا 5 كِيلُومِتْرَاتٍ. وَفِيهَا الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ لِلْأَحْبَارِ وَطُولُهَا فِي الشَّمَالِ وَفِي الْجَنُوبِ حَوَالَيِ اثْنَيْ عَشَرَ كِيلُومِتْرًا وَنِصْفٍ، وَعَرْضُهَا فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ حَوَالَيْ 5 كِيلُومِتْرَاتٍ. وَالْبَيْتُ الْمُقَدَّسُ للهِ فِي وَسَطِهَا. تَكُونُ هَذِهِ مُخَصَّصَةً لِلْأَحْبَارِ بَنِي صَادِقَ، الَّذِينَ خَدَمُونِي بِأَمَانَةٍ وَلَمْ يَضِلُّوا حِينَ ضَلَّ بَنُو إِسْرَائِيلَ كَمَا ضَلَّ اللَّاوِيِّونَ. تَكُونُ قُرْبَانًا خَاصًّا لَهُمْ، مُقَدَّسًا جِدًّا، مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ عَلَى حُدُودِ اللَّاوِيِّينَ. ”وَحِصَّةُ اللَّاوِيِّينَ بِمُحَاذَاةِ أَرْضِ الْأَحْبَارِ، طُولُهَا حَوَالَيِ اثْنَيْ عَشَرَ كِيلُومِتْرًا وَنِصْفٍ، وَعَرْضُهَا حَوَالَيْ 5 كِيلُومِتْرَاتٍ، أَيْ مُمَاثِلَةٌ فِي مِسَاحَتِهَا لِأَرْضِ الْأَحْبَارِ. وَلَا يَبِيعُونَ مِنْهَا، وَلَا يُبَادِلُونَ بِهَا، وَلَا يَنْقُلُونَ مِلْكِيَّتَهَا. إِنَّهَا أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ للهِ. ”وَالْأَرْضُ الْبَاقِيَةُ الَّتِي عَرْضُهَا حَوَالَيْ كِيلُومِتْرَيْنِ وَنِصْفٍ وَطُولُهَا حَوَالَيِ اثْنَيْ عَشَرَ كِيلُومِتْرًا وَنِصْفٍ، تَكُونُ مَدِينَةً لِلِاسْتِعْمَالِ الْعَامِّ. فَتَكُونُ فِيهَا الدِّيَارُ وَالْمَرَاعِي، وَالْمَدِينَةُ فِي الْوَسَطِ. وَمَقَايِيسُ الْمَدِينَةِ تَكُونُ مُرَبَّعَةً، حَوَالَيْ كِيلُومِتْرَيْنِ وَرُبْعٍ مِنَ الشَّمَالِ وَالْجَنُوبِ وَالشَّرْقِ وَالْغَرْبِ. وَالْمَرَاعِي الَّتِي تُحِيطُ بِهَا مِنَ الْجِهَاتِ الْـ4، عَرْضُ كُلٍّ مِنْهَا حَوَالَيْ 100 مِتْرٍ. وَالْجُزْءُ الْبَاقِي وَعَرْضُهُ حَوَالَيْ 5 كِيلُومِتْرَاتٍ مِنَ الشَّرْقِ وَمِنَ الْغَرْبِ، وَطُولُهُ نَفْسُ طُولِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، تَكُونُ غَلَّتُهُ طَعَامًا لِعُمَّالِ الْمَدِينَةِ. وَالَّذِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْمَدِينَةِ يَكُونُونَ مِنْ كُلِّ قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. هَذِهِ الْأَرْضُ مُرَبَّعَةٌ، حَوَالَيِ اثْنَيْ عَشَرَ كِيلُومِتْرًا وَنِصْفٍ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. وَتَحْتَوِي عَلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ وَأَمْلَاكِ الْمَدِينَةِ. وَالْبَاقِي عَلَى جَانِبَيْ مِنْطَقَةِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ وَأَمْلَاكِ الْمَدِينَةِ يَكُونُ لِلرَّئِيسِ. فَالرَّئِيسُ يَمْلِكُ مِنْ شَرْقِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ إِلَى الْحَدِّ الشَّرْقِيِّ بِطُولِ حَوَالَيِ اثْنَيْ عَشَرَ كِيلُومِتْرًا وَنِصْفٍ، وَمِنْ غَرْبِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ إِلَى الْبَحْرِ الْمُتَوَسِّطِ، بِطُولِ حَوَالَيِ اثْنَيْ عَشَرَ كِيلُومِتْرًا وَنِصْفٍ. فَتَكُونُ الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ وَالْبَيْتُ الْمُقَدَّسُ فِي الْوَسَطِ. إِذَنْ أَمْلَاكُ اللَّاوِيِّينَ وَأَمْلَاكُ الْمَدِينَةِ هِيَ بَيْنَ جَانِبَيْ أَرْضِ الرَّئِيسِ، وَأَرْضُ الرَّئِيسِ هِيَ بَيْنَ حُدُودِ يَهُوذَا وَحُدُودِ بِنْيَمِينَ. ”أَمَّا بَاقِي الْقَبَائِلِ فَهَذِهِ هِيَ أَرْضُهُمْ: حِصَّةٌ وَاحِدَةٌ لِبِنْيَمِينَ مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الْغَرْبِ عِنْدَ الْبَحْرِ. وَحِصَّةٌ وَاحِدَةٌ لِشَمْعُونَ عَلَى حُدُودِ بِنْيَمِينَ، مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الْغَرْبِ. وَحِصَّةٌ وَاحِدَةٌ لِيَسَّاكَرَ عَلَى حُدُودِ شَمْعُونَ، مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الْغَرْبِ. وَحِصَّةٌ وَاحِدَةٌ لِزَبُولُونَ عَلَى حُدُودِ يَسَّاكَرَ، مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الْغَرْبِ. وَحِصَّةٌ وَاحِدَةٌ لِجَادَ عَلَى حُدُودِ زَبُولُونَ، مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الْغَرْبِ. وَحُدُودُ جَادَ مِنَ الْجَنُوبِ، تَمْتَدُّ يَمِينًا مِنْ تَامَارَ إِلَى مِيَاهِ مَرِيبَةَ قَادِشَ، وَمِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى الْبَحْرِ الْمُتَوَسِّطِ. هَذِهِ هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي تَقْسِمُونَهَا أَنْصِبَةً لِقَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهَذِهِ هِيَ حِصَصُهُمْ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. ”هَذِهِ مَخَارِجُ الْمَدِينَةِ: مِنْ جِهَةِ الشَّمَالِ الَّتِي تَمْتَدُّ حَوَالَيْ كِيلُومِتْرَيْنِ وَرُبْعٍ، 3 بَوَّابَاتٍ فِي الشَّمَالِ هِيَ بَوَّابَةُ رَأُوبِينَ وَبَوَّابَةُ يَهُوذَا وَبَوَّابَةُ لَاوِي. كُلُّ الْبَوَّابَاتِ تُدْعَى عَلَى أَسْمَاءِ قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَمِنْ جِهَةِ الشَّرْقِ الَّتِي تَمْتَدُّ حَوَالَيْ كِيلُومِتْرَيْنِ وَرُبْعٍ، 3 بَوَّابَاتٍ هِيَ بَوَّابَةُ يُوسِفَ وَبَوَّابَةُ بِنْيَمِينَ وَبَوَّابَةُ دَانَ. وَمِنْ جِهَةِ الْجَنُوبِ الَّتِي تَمْتَدُّ حَوَالَيْ كِيلُومِتْرَيْنِ وَرُبْعٍ، 3 بَوَّابَاتٍ هِيَ بَوَّابَةُ شَمْعُونَ وَبَوَّابَةُ يَسَّاكَرَ وَبَوَّابَةُ زَبُولُونَ. وَمِنْ جِهَةِ الْغَرْبِ الَّتِي تَمْتَدُّ حَوَالَيْ كِيلُومِتْرَيْنِ وَرُبْعٍ، 3 بَوَّابَاتٍ هِيَ بَوَّابَةُ جَادَ وَبَوَّابَةُ أَشِيرَ وَبَوَّابَةُ نَفْتَالِي. وَمُحِيطُ الْمَدِينَةِ هُوَ حَوَالَيْ 9 كِيلُومِتْرَاتٍ. وَاسْمُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ هُوَ: ’اللهُ مَوْجُودٌ فِيهَا.‘“ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ حُكْمِ يُويَاقِيمَ مَلِكِ يَهُوذَا، جَاءَ نَبُوخَذْنَصْرُ مَلِكُ بَابِلَ إِلَى الْقُدْسِ وَحَاصَرَهَا. وَأَوْقَعَ اللهُ فِي يَدِهِ يُويَاقِيمَ مَلِكَ يَهُوذَا وَبَعْضَ آنِيَةِ بَيْتِ اللهِ، فَأَخَذَهَا مَعَهُ إِلَى مَعْبَدِ إِلَهِهِ فِي بَابِلَ، وَوَضَعَهَا فِي خِزَانَةِ مَعْبَدِ إِلَهِهِ. ثُمَّ أَمَرَ الْمَلِكُ كَبِيرَ أُمَنَائِهِ أَشْفَنَازَ أَنْ يُحْضِرَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنْ أُسْرَةِ الْمَلِكِ وَالْأُمَرَاءِ، شُبَّانًا بِلَا عَيْبٍ، مَنْظَرُهُمْ حَسَنٌ، مَاهِرِينَ فِي كُلِّ فُرُوعِ الْمَعْرِفَةِ، مُتَبَحِّرِينَ فِي الْعِلْمِ، قَادِرِينَ أَنْ يَفْهَمُوا وَيَتَعَلَّمُوا، وَمُؤَهَّلِينَ لِلْعَمَلِ فِي قَصْرِ الْمَلِكِ. لِكَيْ يُعَلِّمُوهُمْ لُغَةَ الْبَابِلِيِّينَ وَثَقَافَتَهُمْ. وَعَيَّنَ لَهُمُ الْمَلِكُ كَمِّيَّةً يَوْمِيَّةً مِنَ الطَّعَامِ وَالْخَمْرِ مِنْ مَائِدَتِهِ. وَأَمَرَ بِتَعْلِيمِهِمْ 3 سِنِينَ، بَعْدَهَا يَعْمَلُونَ فِي خِدْمَةِ الْمَلِكِ. وَكَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ بَنِي يَهُوذَا دَانِيَالُ وَحَنَنْيَا وَمِيشَائِيلُ وَعَزَرْيَا. وَأَطْلَقَ عَلَيْهِمْ كَبِيرُ الْأُمَنَاءِ أَسْمَاءً جَدِيدَةً: فَسَمَّى دَانِيَالَ بَلْطَشَاصَرَ، وَحَنَنْيَا شَدْرَخَ، وَمِيشَائِيلَ مِيشَخَ، وَعَزَرْيَا عَبْدَنْغُو. أَمَّا دَانِيَالُ فَصَمَّمَ أَنْ لَا يُنَجِّسَ نَفْسَهُ بِطَعَامِ الْمَلِكِ وَخَمْرِهِ، وَطَلَبَ مِنْ كَبِيرِ الْأُمَنَاءِ أَنْ يَعْفِيَهُ مِنْ ذَلِكَ. وَكَانَ اللهُ قَدْ جَعَلَ كَبِيرَ الْأُمَنَاءِ يَرَى أَنَّ دَانِيَالَ يَسْتَحِقُّ الْخَيْرَ وَالْمَعْرُوفَ. وَلَكِنَّهُ قَالَ لِدَانِيَالَ: ”أَنَا خَائِفٌ مِنْ سَيِّدِي الْمَلِكِ. فَهُوَ عَيَّنَ طَعَامَكُمْ وَشَرَابَكُمْ، فَإِنْ رَأَى وُجُوهَكُمْ أَضْعَفَ مِنْ زُمَلَائِكُمُ الشُّبَّانِ الْآخَرِينَ، يَقْطَعُ رَأْسِي بِسَبَبِكُمْ.“ فَقَالَ دَانِيَالُ لِلْمُشْرِفِ الَّذِي وَلَّاهُ كَبِيرُ الْأُمَنَاءِ عَلَى دَانِيَالَ وَحَنَنْيَا وَمِيشَائِيلَ وَعَزَرْيَا: ”جَرِّبْنَا يَا سَيِّدِي 10 أَيَّامٍ، أَعْطِنَا فَقَطْ بُقُولًا لِنَأْكُلَ وَمَاءً لِنَشْرَبَ، ثُمَّ قَارِنْ مَنْظَرَنَا وَمَنْظَرَ الشُّبَّانِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ مِنْ طَعَامِ الْمَلِكِ، وَعَامِلْنَا كَمَا تَرَى.“ فَوَافَقَ عَلَى هَذَا، وَجَرَّبَهُمْ 10 أَيَّامٍ. وَبَعْدَ 10 أَيَّامٍ، ظَهَرُوا أَحْسَنَ صِحَّةً وَعَافِيَةً مِنْ كُلِّ الشُّبَّانِ الَّذِينَ كَانُوا يَأْكُلُونَ مِنْ طَعَامِ الْمَلِكِ. فَصَارَ الْمُشْرِفُ يَسْتَبْدِلُ طَعَامَهُمْ وَشَرَابَهُمُ الْخَاصَّ بِالْبُقُولِ. وَأَعْطَى اللهُ هَؤُلَاءِ الشُّبَّانَ الْـ4 مَعْرِفَةً وَفَهْمًا فِي كُلِّ أَنْوَاعِ الثَّقَافَةِ وَالتَّعْلِيمِ. وَكَانَ دَانِيَالُ يَفْهَمُ كُلَّ أَنْوَاعِ الرُّؤَى وَالْأَحْلَامِ. وَلَمَّا حَانَ الْوَقْتُ الَّذِي حَدَّدَهُ الْمَلِكُ لِيَأْتُوا إِلَيْهِ، قَدَّمَهُمْ كَبِيرُ الْأُمَنَاءِ إِلَى نَبُوخَذْنَصْرَ. وَتَحَدَّثَ الْمَلِكُ مَعَهُمْ، وَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا كَدَانِيَالَ وَحَنَنْيَا وَمِيشَائِيلَ وَعَزَرْيَا، فَاخْتَارَهُمْ لِيَخْدِمُوهُ. وَفِي كُلِّ مَوْضُوعٍ سَأَلَهُمْ عَنْهُ الْمَلِكُ، أَظْهَرُوا حِكْمَةً وَفَهْمًا 10 أَضْعَافٍ فَوْقَ كُلِّ السَّحَرَةِ وَالْحُوَاةِ الَّذِينَ فِي مَمْلَكَتِهِ كُلِّهَا. وَبَقِيَ دَانِيَالُ هُنَاكَ إِلَى السَّنَةِ الْأُولَى لِكُورَشَ الْمَلِكِ. الْمَلِكُ نَبُوخَذْنَصْرُ، فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ حُكْمِهِ، حَلَمَ أَحْلَامًا، فَانْزَعَجَ وَرَاحَ عَنْهُ النَّوْمُ. فَأَمَرَ الْمَلِكُ بِاسْتِدْعَاءِ السَّحَرَةِ وَالْحُوَاةِ وَالَّذِينَ يُمَارِسُونَ الْعِلْمَ بِالْغَيْبِ وَالْمُنَجِّمِينَ لِيُخْبِرُوهُ بِأَحْلَامِهِ. فَحَضَرُوا وَمَثَلُوا أَمَامَ الْمَلِكِ. فَقَالَ لَهُمُ الْمَلِكُ: ”حَلَمْتُ حُلْمًا أَزْعَجَنِي، وَأُرِيدُ أَنْ أَعْرِفَ مَعْنَاهُ.“ فَقَالَ الْمُنَجِّمُونَ لِلْمَلِكِ بِاللُّغَةِ الْأَرَامِيَّةِ: ”لِيَحْيَا الْمَلِكُ! أَخْبِرْنَا يَا سَيِّدَنَا بِالْحُلْمِ فَنُفَسِّرَهُ لَكَ.“ قَالَ لَهُمُ الْمَلِكُ: ”هَذَا هُوَ قَرَارِيَ النِّهَائِيُّ: أَخْبِرُونِي أَنْتُمْ بِالْحُلْمِ وَفَسِّرُوهُ لِي، وَإِلَّا أُمَزِّقُكُمْ إِرْبًا وَأَجْعَلُ دِيَارَكُمْ مَزَابِلَ. فَإِنْ أَخْبَرْتُمُونِي بِالْحُلْمِ وَفَسَّرْتُمُوهُ، أُعْطِيكُمْ هَدَايَا وَمُكَافَآتٍ وَأُكْرِمُكُمْ جِدًّا. إِذَنْ أَخْبِرُونِي بِالْحُلْمِ وَفَسِّرُوهُ لِي.“ فَقَالُوا لَهُ مَرَّةً ثَانِيَةً: ”أَخْبِرْنَا يَا سَيِّدَنَا الْمَلِكَ بِالْحُلْمِ فَنُفَسِّرَهُ لَكَ.“ أَجَابَهُمُ الْمَلِكُ: ”أَنَا مُتَأَكِّدٌ أَنَّكُمْ تُحَاوِلُونَ كَسْبَ الْوَقْتِ، لِأَنَّكُمْ رَأَيْتُمْ أَنَّ قَرَارِي نِهَائِيٌّ. إِنْ كُنْتُمْ لَا تُخْبِرُونِي بِالْحُلْمِ، فَعِقَابُكُمْ وَاحِدٌ. أَنْتُمُ اتَّفَقْتُمْ أَنْ تَقُولُوا لِي كَلَامًا كَاذِبًا وَفَاسِدًا، لَعَلَّ الْمَوْقِفَ يَتَغَيَّرُ. إِذَنْ أَخْبِرُونِي بِالْحُلْمِ، فَأَعْلَمَ أَنَّكُمْ تَقْدِرُونَ أَنْ تُفَسِّرُوهُ لِي.“ فَقَالَ الْمُنَجِّمُونَ لِلْمَلِكِ: ”لَا يُوجَدُ إِنْسَانٌ عَلَى الْأَرْضِ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ مَا يَطْلُبُهُ الْمَلِكُ! وَلَمْ يَحْدُثْ أَبَدًا أَنَّ مَلِكًا عَظِيمًا وَقَوِيًّا طَلَبَ مِثْلَ هَذَا الْأَمْرِ مِنَ السَّحَرَةِ أَوِ الْحُوَاةِ أَوِ الْمُنَجِّمِينَ. فَمَا تَطْلُبُهُ يَا جَلَالَةَ الْمَلِكِ صَعْبٌ جِدًّا، وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَكْشِفَهُ لَكَ إِلَّا الْآلِهَةِ، وَهُمْ لَا يَسْكُنُونَ مَعَ الْبَشَرِ.“ فَغَضِبَ الْمَلِكُ وَاغْتَاظَ جِدًّا مِنْ هَذَا الْكَلَامِ، وَأَمَرَ بِإِبَادَةِ كُلِّ حُكَمَاءِ بَابِلَ. فَصَدَرَ قَرَارٌ بِقَتْلِهِمْ. وَجَاءَ مَنْ يَقْبِضُ عَلَى دَانِيَالَ وَأَصْحَابِهِ لِيَقْتُلُوهُمْ. فَلَمَّا ذَهَبَ أَرْيُوخُ قَائِدُ حَرَسِ الْمَلِكِ لِيَقْتُلَ حُكَمَاءَ بَابِلَ، كَلَّمَهُ دَانِيَالُ بِحِكْمَةٍ وَأَدَبٍ وَقَالَ لَهُ: ”لِمَاذَا أَصْدَرَ الْمَلِكُ هَذَا الْقَرَارَ الْعَنِيفَ؟“ فَشَرَحَ أَرْيُوخُ لِدَانِيَالَ مَا حَدَثَ. وَهُنَا، رَاحَ دَانِيَالُ إِلَى الْمَلِكِ وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُمْهِلَهُ بَعْضَ الْوَقْتِ، لِكَيْ يُفَسِّرَ لَهُ الْحُلْمَ. ثُمَّ رَجَعَ دَانِيَالُ إِلَى دَارِهِ، وَأَبْلَغَ حَنَنْيَا وَمِيشَائِيلَ وَعَزَرْيَا أَصْحَابَهُ بِمَا حَدَثَ. وَأَوْصَاهُمْ أَنْ يَطْلُبُوا مِنْ رَبِّ السَّمَاءِ أَنْ يَرْحَمَهُمْ وَيَكْشِفَ لَهُمْ هَذَا السِّرَّ، لِكَيْ لَا يَهْلِكُوا مَعَ بَاقِي حُكَمَاءِ بَابِلَ. وَفِي اللَّيْلِ، كُشِفَ السِّرُّ لِدَانِيَالَ فِي رُؤْيَا، فَبَارَكَ رَبَّ السَّمَاءِ وَقَالَ: ”تَبَارَكَ اسْمُ اللهِ مِنَ الْأَزَلِ وَإِلَى الْأَبَدِ، لِأَنَّ عِنْدَهُ الْحِكْمَةَ وَالْقُدْرَةَ. وَهُوَ يُغَيِّرُ الْأَوْقَاتَ وَالْأَزْمِنَةَ. يَعْزِلُ مُلُوكًا وَيُنَصِّبُ مُلُوكًا. يُعْطِي الْحُكَمَاءَ حِكْمَةً وَالْفُهَمَاءَ مَعْرِفَةً. هُوَ يَكْشِفُ الْأَسْرَارَ الْعَمِيقَةَ وَالدَّفِينَةَ، وَيَعْرِفُ مَا خَفِيَ فِي الظَّلَامِ. عِنْدَهُ النُّورُ. أَحْمَدُكَ وَأُسَبِّحُكَ يَا رَبَّ آبَائِي، أَنْتَ أَعْطَيْتَنِي حِكْمَةً وَقُوَّةً. أَنْتَ عَرَّفْتَنِي مَا طَلَبْنَاهُ مِنْكَ. أَنْتَ عَرَّفْتَنَا حُلْمَ الْمَلِكِ!“ وَرَاحَ دَانِيَالُ إِلَى أَرْيُوخَ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمَلِكُ لِيَقْتُلَ حُكَمَاءَ بَابِلَ، وَقَالَ لَهُ: ”لَا تَقْتُلْ حُكَمَاءَ بَابِلَ، خُذْنِي إِلَى الْمَلِكِ، وَأَنَا أُفَسِّرُ الْحُلْمَ.“ فَأَخَذَ أَرْيُوخُ دَانِيَالَ إِلَى الْمَلِكِ بِسُرْعَةٍ وَقَالَ: ”وَجَدْتُ رَجُلًا مِنَ الْأَسْرَى الَّذِينَ مِنْ يَهُوذَا يَقْدِرُ أَنْ يُخْبِرَ الْمَلِكَ بِتَفْسِيرِ الْحُلْمِ.“ فَسَأَلَ الْمَلِكُ دَانِيَالَ، الَّذِي اسْمُهُ بَلْطَشَاصَرُ: ”هَلْ تَقْدِرُ أَنْ تُخْبِرَنِي بِالْحُلْمِ الَّذِي رَأَيْتُهُ وَتُفَسِّرَهُ؟“ أَجَابَهُ دَانِيَالُ: ”السِّرُّ الَّذِي طَلَبْتَهُ يَا جَلَالَةَ الْمَلِكِ، لَا يَقْدِرُ الْحُكَمَاءُ وَلَا الْحُوَاةُ وَلَا السَّحَرَةُ وَلَا مَنْ يُمَارِسُونَ الْعِلْمَ بِالْغَيْبِ أَنْ يَكْشِفُوهُ لَكَ. لَكِنْ يُوجَدُ إِلَهٌ فِي السَّمَاءِ يَكْشِفُ الْأَسْرَارَ، وَقَدْ أَظْهَرَ لِلْمَلِكِ نَبُوخَذْنَصْرَ مَا سَيَحْدُثُ فِي الْأَيَّامِ الْمُقْبِلَةِ. فَهَذَا هُوَ الْحُلْمُ الَّذِي رَأَيْتَهُ وَأَنْتَ رَاقِدٌ فِي فِرَاشِكَ، هَذِهِ هِيَ الرُّؤْيَا: أَيُّهَا الْمَلِكُ، حِينَ كُنْتَ رَاقِدًا فِي فِرَاشِكَ، اِتَّجَهَ فِكْرُكَ إِلَى الْمُسْتَقْبَلِ، وَكَاشِفُ الْأَسْرَارِ أَظْهَرَ لَكَ مَا سَيَحْدُثُ. وَقَدْ كُشِفَ هَذَا السِّرُّ لِي، لَا لِأَنِّي أَحْكَمُ مِنْ بَاقِي الْبَشَرِ، بَلْ لِكَيْ تَعْرِفَ التَّفْسِيرَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، وَتَفْهَمَ مَا دَارَ بِفِكْرِكَ. ”أَيُّهَا الْمَلِكُ، أَنْتَ نَظَرْتَ فَرَأَيْتَ أَمَامَكَ تِمْثَالًا كَبِيرًا وَضَخْمًا، وَبَاهِرًا جِدًّا، وَمَنْظَرُهُ رَهِيبٌ. رَأْسُ هَذَا التِّمْثَالِ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ، وَصَدْرُهُ وَذِرَاعَاهُ مِنْ فِضَّةٍ، وَبَطْنُهُ وَفَخْذَاهُ مِنْ نُحَاسٍ، وَسَاقَاهُ مِنْ حَدِيدٍ، وَقَدَمَاهُ خَلِيطٌ مِنْ حَدِيدٍ وَخَزَفٍ. وَبَيْنَمَا أَنْتَ تَنْظُرُ، اِنْقَطَعَ حَجَرٌ مِنَ الْجَبَلِ مِنْ غَيْرِ مَا تَلْمِسُهُ يَدُ إِنْسَانٍ، وَضَرَبَ التِّمْثَالَ عَلَى قَدَمَيْهِ اللَّتَيْنِ مِنْ حَدِيدٍ وَخَزَفٍ فَسَحَقَهُمَا. فَتَحَطَّمَ الْحَدِيدُ وَالْخَزَفُ وَالنُّحَاسُ وَالْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ مَعًا، وَصَارَتْ كَتِبْنِ الْبَيْدَرِ فِي الصَّيْفِ، وَذَرَّتْهَا الرِّيحُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ. أَمَّا الْحَجَرُ الَّذِي ضَرَبَ التِّمْثَالَ، فَصَارَ جَبَلًا كَبِيرًا وَمَلَأَ الْأَرْضَ كُلَّهَا. هَذَا هُوَ الْحُلْمُ، وَالْآنَ نُفَسِّرُهُ لِلْمَلِكِ. ”أَنْتَ يَا جَلَالَةَ الْمَلِكِ أَعْظَمُ الْمُلُوكِ، لِأَنَّ رَبَّ السَّمَاءِ أَعْطَاكَ مَمْلَكَةً وَقُوَّةً وَقُدْرَةً وَجَلَالًا. وَأَعْطَاكَ الْبَشَرَ حَيْثُ كَانُوا، وَالْوُحُوشَ وَطُيُورَ السَّمَاءِ، وَسَلَّطَكَ عَلَيْهَا كُلِّهَا. فَأَنْتَ هَذَا الرَّأْسُ الَّذِي مِنْ ذَهَبٍ. وَتَقُومُ بَعْدَكَ مَمْلَكَةٌ أُخْرَى أَقَلُّ شَأْنًا مِنْ مَمْلَكَتِكَ. وَبَعْدَهَا مَمْلَكَةٌ ثَالِثَةٌ تَسُودُ عَلَى كُلِّ الْأَرْضِ، وَلَكِنَّهَا مِنْ نُحَاسٍ. وَأَخِيرًا مَمْلَكَةٌ رَابِعَةٌ قَوِيَّةٌ كَالْحَدِيدِ، لِأَنَّ الْحَدِيدَ يُحَطِّمُ وَيُكَسِّرُ كُلَّ شَيْءٍ. فَكَالْحَدِيدِ الَّذِي يُحَطِّمُ، كَذَلِكَ هَذِهِ الْمَمْلَكَةُ تَسْحَقُ وَتُحَطِّمُ كُلَّ تِلْكَ الْمَمَالِكِ. وَأَنْتَ رَأَيْتَ أَنَّ الْقَدَمَيْنِ وَالْأَصَابِعَ هِيَ خَلِيطٌ مِنْ خَزَفٍ وَحَدِيدٍ، فَهَذِهِ الْمَمْلَكَةُ تَكُونُ مُنْقَسِمَةً. وَمَعَ ذَلِكَ فِيهَا قُوَّةُ الْحَدِيدِ، كَمَا رَأَيْتَ الْحَدِيدَ مَخْلُوطًا بِالْخَزَفِ. وَكَمَا أَنَّ أَصَابِعَ الْقَدَمَيْنِ بَعْضُهَا مِنْ حَدِيدٍ وَبَعْضُهَا مِنْ خَزَفٍ، كَذَلِكَ هَذِهِ الْمَمْلَكَةُ يَكُونُ بَعْضُهَا قَوِيًّا وَبَعْضُهَا سَرِيعُ الْكَسْرِ. وَكَمَا رَأَيْتَ الْحَدِيدَ مَخْلُوطًا بِالْخَزَفِ، فَإِنَّ شُعُوبَ هَذِهِ الْمَمْلَكَةِ تَكُونُ خَلِيطًا لَكِنَّهَا لَا تَتَّحِدُ مَعًا، كَمَا لَا يَتَّحِدُ الْحَدِيدُ مَعَ الْخَزَفِ. ”وَفِي أَيَّامِ هَؤُلَاءِ الْمُلُوكِ يُقِيمُ رَبُّ السَّمَاءِ مَمْلَكَةً لَا تَسْقُطُ أَبَدًا وَلَا يَسْتَوْلِي عَلَيْهَا شَعْبٌ آخَرُ، بَلْ تُحَطِّمُ وَتُبِيدُ كُلَّ تِلْكَ الْمَمَالِكِ، أَمَّا هِيَ فَتَبْقَى إِلَى الْأَبَدِ. فَهَذَا هُوَ مَعْنَى رُؤْيَا الْحَجَرِ الَّذِي انْقَطَعَ مِنَ الْجَبَلِ مِنْ غَيْرِ مَا تَلْمِسُهُ يَدُ إِنْسَانٍ، فَسَحَقَ الْحَدِيدَ وَالنُّحَاسَ وَالْخَزَفَ وَالْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ. اللهُ الْعَظِيمُ أَظْهَرَ لِلْمَلِكِ مَا سَيَحْدُثُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. الْحُلْمُ صَحِيحٌ وَتَفْسِيرُهُ صَادِقٌ.“ عِنْدَ ذَلِكَ رَمَى نَبُوخَذْنَصْرُ نَفْسَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَسَجَدَ لِدَانِيَالَ، وَأَمَرَ أَنْ يُقَدِّمُوا لَهُ قُرْبَانًا وَبَخُورًا. وَقَالَ الْمَلِكُ لِدَانِيَالَ: ”حَقًّا إِنَّ إِلَهَكُمْ هُوَ إِلَهُ الْآلِهَةِ، وَرَبُّ الْمُلُوكِ، وَكَاشِفُ الْأَسْرَارِ، لِأَنَّكَ قَدَرْتَ أَنْ تَكْشِفَ هَذَا السِّرَّ.“ ثُمَّ عَظَّمَ الْمَلِكُ دَانِيَالَ، وَأَعْطَاهُ هَدَايَا كَثِيرَةً، وَعَيَّنَهُ حَاكِمًا عَلَى وِلَايَةِ بَابِلَ كُلِّهَا، وَجَعَلَهُ رَئِيسَ كُلِّ حُكَمَاءِ بَابِلَ. وَطَلَبَ دَانِيَالُ مِنَ الْمَلِكِ، فَوَلَّى شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنْغُو عَلَى شُؤُونِ وِلَايَةِ بَابِلَ. أَمَّا دَانِيَالُ فَأَقَامَ فِي قَصْرِ الْمَلِكِ. نَبُوخَذْنَصْرُ الْمَلِكُ صَنَعَ تِمْثَالًا مِنْ ذَهَبٍ، طُولُهُ حَوَالَيْ 30 مِتْرًا وَعَرْضُهُ حَوَالَيْ 3 أَمْتَارٍ، وَنَصَبَهُ فِي سَهْلِ دُورَا فِي وِلَايَةِ بَابِلَ. ثُمَّ اسْتَدْعَى وُكَلَاءَ الْمَلِكِ وَكِبَارَ رِجَالِ الدَّوْلَةِ وَقَادَةَ الْجَيْشِ وَالْمُسْتَشَارِينَ وَأُمَنَاءَ الْخَزَائِنِ وَالْفُقَهَاءَ وَالْمُفْتِينَ وَكُلَّ حُكَّامِ الْوِلَايَاتِ، لِيَأْتُوا لِتَدْشِينِ التِّمْثَالِ الَّذِي نَصَبَهُ. فَجَاءَ كُلُّ هَؤُلَاءِ: وُكَلَاءُ الْمَلِكِ وَكِبَارُ رِجَالِ الدَّوْلَةِ وَقَادَةُ الْجَيْشِ وَالْمُسْتَشَارُونَ وَأُمَنَاءُ الْخَزَائِنِ وَالْفُقَهَاءُ وَالْمُفْتُونَ وَكُلُّ حُكَّامِ الْوِلَايَاتِ، لِتَدْشِينِ التِّمْثَالِ الَّذِي نَصَبَهُ نَبُوخَذْنَصْرُ وَوَقَفُوا أَمَامَ التِّمْثَالِ. وَهَتَفَ الْمُنَادِي بِصَوْتٍ عَالٍ: ”أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ مُخْتَلِفِ الشُّعُوبِ وَالْأُمَمِ وَاللُّغَاتِ، قَدْ صَدَرَ لَكُمْ أَمْرٌ، أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ أَنْ تَسْمَعُوا صَوْتَ الْبُوقِ وَالنَّايِ وَالْقِيثَارَةِ وَالرَّبَابَةِ وَالْعُودِ وَالْمِزْمَارِ وَكُلِّ أَنْوَاعِ الْمُوسِيقَى، يَجِبُ أَنْ تَرْكَعُوا وَتَسْجُدُوا لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبَهُ الْمَلِكُ نَبُوخَذْنَصْرُ. وَمَنْ لَا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ، يُرْمَى حَالًا فِي وَسَطِ أَتُونِ نَارٍ مُشْتَعِلَةٍ.“ لِذَلِكَ بِمُجَرَّدِ أَنْ سَمِعُوا صَوْتَ الْبُوقِ وَالنَّايِ وَالْقِيثَارَةِ وَالرَّبَابَةِ وَالْعُودِ وَكُلِّ أَنْوَاعِ الْمُوسِيقَى، رَكَعَ كُلُّ النَّاسِ الَّذِينَ مِنْ مُخْتَلِفِ الشُّعُوبِ وَالْأُمَمِ وَاللُّغَاتِ، وَسَجَدُوا لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبَهُ الْمَلِكُ نَبُوخَذْنَصْرُ. وَلَكِنْ رَاحَ بَعْضُ الْمُنَجِّمِينَ إِلَى الْمَلِكِ وَقَدَّمُوا لَهُ شَكْوَى ضِدَّ الْيَهُودِ. وَقَالُوا لِلْمَلِكِ نَبُوخَذْنَصْرَ: ”لِيَحْيَا الْمَلِكُ! أَنْتَ يَا جَلَالَةَ الْمَلِكِ، أَصْدَرْتَ قَرَارًا بِأَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ يَسْمَعُ صَوْتَ الْبُوقِ وَالنَّايِ وَالْقِيثَارَةِ وَالرَّبَابَةِ وَالْعُودِ وَالْمِزْمَارِ وَكُلِّ أَنْوَاعِ الْمُوسِيقَى، يَجِبُ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ. وَمَنْ لَا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ، يُرْمَى فِي وَسَطِ أَتُونِ نَارٍ مُشْتَعِلَةٍ. يُوجَدُ بَعْضُ الْيَهُودِ الَّذِينَ وَلَّيْتَهُمْ عَلَى شُؤُونِ وِلَايَةِ بَابِلَ، وَهُمْ شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنْغُو، لَا يَعْمَلُونَ لَكَ اعْتِبَارًا أَيُّهَا الْمَلِكُ، وَلَا يَعْبُدُونَ آلِهَتَكَ، وَلَا يَسْجُدُونَ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبْتَهُ.“ فَغَضِبَ نَبُوخَذْنَصْرُ وَاغْتَاظَ وَأَمَرَ بِإِحْضَارِ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنْغُو، فَحَضَرُوا أَمَامَ الْمَلِكِ. فَقَالَ لَهُمْ نَبُوخَذْنَصْرُ: ”هَلْ صَحِيحٌ يَا شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنْغُو أَنَّكُمْ لَا تَعْبُدُونَ آلِهَتِي وَلَا تَسْجُدُونَ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبْتُهُ؟ فَالْآنَ سَتَسْمَعُونَ صَوْتَ الْبُوقِ وَالنَّايِ وَالْقِيثَارَةِ وَالرَّبَابَةِ وَالْعُودِ وَالْمِزْمَارِ وَكُلِّ أَنْوَاعِ الْمُوسِيقَى. فَإِنْ رَكَعْتُمْ وَسَجَدْتُمْ لِلتِّمْثَالِ الَّذِي صَنَعْتُهُ، حَسَنًا. وَإِنْ لَمْ تَسْجُدُوا، نَرْمِيكُمْ حَالًا فِي وَسَطِ أَتُونِ نَارٍ مُشْتَعِلَةٍ. وَمَنْ هُوَ الْإِلَهُ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُنْقِذَكُمْ مِنْ يَدِي؟“ فَقَالَ شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنْغُو لِلْمَلِكِ: ”يَا نَبُوخَذْنَصْرُ، نَحْنُ لَا نَحْتَاجُ أَنْ نَرُدَّ عَلَيْكَ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ. اللهُ الَّذِي نَعْبُدُهُ قَادِرٌ أَنْ يُنَجِّيَنَا مِنْ أَتُونِ النَّارِ الْمُشْتَعِلَةِ، وَأَنْ يُنْقِذَنَا مِنْ يَدِكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ! وَحَتَّى إِنْ لَمْ يُنْقِذْنَا، اِعْلَمْ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَنَّنَا لَنْ نَعْبُدَ آلِهَتَكَ، وَلَنْ نَسْجُدَ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبْتَهُ.“ فَغَضِبَ نَبُوخَذْنَصْرُ جِدًّا عَلَى شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنْغُو، وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ. وَأَمَرَ بِأَنْ يُحْمَى الْأَتُونُ 7 أَضْعَافٍ فَوْقَ الْمُعْتَادِ. ثُمَّ أَمَرَ الْبَعْضَ مِنْ أَقْوَى الرِّجَالِ فِي جَيْشِهِ، أَنْ يَرْبِطُوا شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنْغُو وَيَرْمُوهُمْ فِي أَتُونِ النَّارِ الْمُشْتَعِلَةِ. فَرَبَطُوهُمْ وَرَمَوْهُمْ فِي وَسَطِ أَتُونِ النَّارِ الْمُشْتَعِلَةِ، بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَرَاوِيلَ وَأَقْمِصَةٍ وَعَمَائِمَ وَمَلَابِسَ أُخْرَى. وَحَيْثُ إِنَّ أَمْرَ الْمَلِكِ كَانَ مُشَدَّدًا، وَالْأَتُونُ حَامِيًا جِدًّا، قَتَلَ لَهِيبُ النَّارِ الرِّجَالَ الَّذِينَ رَفَعُوا شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنْغُو. وَسَقَطَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ الـ3: شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنْغُو مَرْبُوطِينَ فِي وَسَطِ أَتُونِ النَّارِ الْمُشْتَعِلَةِ. فَهَبَّ الْمَلِكُ نَبُوخَذْنَصْرُ مُنْزَعِجًا وَقَالَ لِمُسْتَشَارِيهِ: ”نَحْنُ رَمَيْنَا 3 رِجَالٍ مَرْبُوطِينَ فِي وَسَطِ النَّارِ. هَلْ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟“ فَقَالُوا: ”صَحِيحٌ أَيُّهَا الْمَلِكُ!“ فَقَالَ: ”وَلَكِنِّي أَرَى 4 رِجَالٍ مَحْلُولِينَ يَتَمَشَّوْنَ فِي وَسَطِ النَّارِ وَمَا بِهِمْ ضَرَرٌ، وَمَنْظَرُ الرَّابِعِ كَأَنَّهُ ابْنُ الْآلِهَةِ!“ ثُمَّ اقْتَرَبَ نَبُوخَذْنَصْرُ مِنْ بَابِ أَتُونِ النَّارِ الْمُشْتَعِلَةِ وَهَتَفَ: ”يَا شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنْغُو، يَا عَبِيدَ اللهِ الْعَلِيِّ، اُخْرُجُوا وَتَعَالَوْا!“ فَخَرجَ شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنْغُو مِنْ وَسَطِ النَّارِ. فَاجْتَمَعَ حَوْلَهُمْ وُكَلَاءُ الْمَلِكِ وَكِبَارُ رِجَالِ الدَّوْلَةِ وَقَادَةُ الْجَيْشِ وَمُسْتَشَارُو الْمَلِكِ، وَرَأَوْا أَنَّ النَّارَ لَمْ تَضُرَّ أَجْسَامَهُمْ. فَلَمْ تَحْتَرِقْ وَلَا شَعْرَةٌ مِنْ رُؤُوسِهِمْ، وَلَمْ تَتَغَيَّرْ ثِيَابُهُمْ، وَلَا حَتَّى فِيهِمْ رَائِحَةُ النَّارِ! فَقَالَ نَبُوخَذْنَصْرُ: ”تَبَارَكَ إِلَهُ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنْغُو الَّذِي أَرْسَلَ مَلَاكَهُ وَأَنْقَذَ عَبِيدَهُ الَّذِينَ تَوَكَّلُوا عَلَيْهِ وَخَالَفُوا أَمْرَ الْمَلِكِ، وَبَذَلُوا حَيَاتَهُمْ لِكَيْ لَا يَعْبُدُوا أَوْ يَسْجُدُوا لِإِلَهٍ غَيْرِ إِلَهِهِمْ. لِذَلِكَ أَمَرْتُ أَنَّ أَيَّ وَاحِدٍ مِنْ أَيِّ أُمَّةٍ أَوْ لُغَةٍ يَقُولُ شَيْئًا ضِدَّ إِلَهِ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنْغُو، أُمَزِّقُهُ إِرْبًا وَأَجْعَلُ دَارَهُ مَزْبَلَةً. لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ إِلَهٌ آخَرُ يَقْدِرُ أَنْ يُنَجِّيَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ.“ وَرَفَعَ الْمَلِكُ مِنْ شَأْنِ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنْغُو فِي وِلَايَةِ بَابِلَ. مِنَ الْمَلِكِ نَبُوخَذْنَصْرَ. إِلَى النَّاسِ مِنْ مُخْتَلِفِ الشُّعُوبِ وَالْأُمَمِ وَاللُّغَاتِ، الْمَوْجُودِينَ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْعَالَمِ. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. يَسُرُّنِي أَنْ أُخْبِرَكُمْ عَنِ الْآيَاتِ وَالْعَجَائِبِ الَّتِي صَنَعَهَا مَعِيَ اللهُ الْعَلِيُّ. آيَاتُهُ مَا أَعْظَمَهَا! وَعَجَائِبُهُ مَا أَقْوَاهَا! مُلْكُهُ يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ، وَسُلْطَانُهُ يَبْقَى جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. أَنَا نَبُوخَذْنَصْرُ كُنْتُ مُطْمَئِنًّا فِي دَارِي، أَتَنَعَّمُ فِي قَصْرِي. رَأَيْتُ حُلْمًا خَوَّفَنِي، وَأَفْزَعَتْنِي الْأَفْكَارُ الَّتِي جَاءَتْنِي وَالرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتُهَا وَأَنَا فِي فِرَاشِي. فَأَمَرْتُ بِإِحْضَارِ كُلِّ حُكَمَاءِ بَابِلَ أَمَامِي لِيُفَسِّرُوا لِيَ الْحُلْمَ. فَحَضَرَ السَّحَرَةُ وَالْحُوَاةُ وَالْمُنَجِّمُونَ وَمَنْ يُمَارِسُونَ الْعِلْمَ بِالْغَيْبِ، وَحَكَيْتُ لَهُمُ الْحُلْمَ فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُفَسِّرُوهُ لِي. وَأَخِيرًا مَثَلَ أَمَامِي دَانِيَالُ، الَّذِي اسْمُهُ بَلْطَشَاصَرُ كَاسْمِ إِلَهِي، وَالَّذِي فِيهِ رُوحُ الْآلِهَةِ الْقُدُّوسِينَ. فَحَكَيْتُ لَهُ الْحُلْمَ. قُلْتُ لَهُ: ”يَا بَلْطَشَاصَرُ كَبِيرُ السَّحَرَةِ، أَنَا عَارِفٌ أَنَّ فِيكَ رُوحَ الْآلِهَةِ الْقُدُّوسِينَ وَلَا يَصْعُبُ عَلَيْكَ سِرٌّ. هَذَا هُوَ حُلْمِي، فَمِنْ فَضْلِكَ فَسِّرْهُ لِي. الرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتُهَا وَأَنَا فِي فِرَاشِي هِيَ أَنِّي شَاهَدْتُ أَمَامِي شَجَرَةً فِي وَسَطِ الْأَرْضِ عَالِيَةً جِدًّا. وَكَبِرَتِ الشَّجَرَةُ وَقَوِيَتْ حَتَّى بَلَغَ عُلُوُّهَا إِلَى السَّمَاءِ، وَأَمْكَنَ رُؤْيَتُهَا مِنْ آخِرِ الْأَرْضِ. أَوْرَاقُهَا جَمِيلَةٌ، وَثِمَارُهَا كَثِيرَةٌ، وَفِيهَا غِذَاءٌ لِلْجَمِيعِ. تَحْتَهَا تَسْتَظِلُّ الْوُحُوشُ، وَفِي فُرُوعِهَا تَسْكُنُ طُيُورُ السَّمَاءِ، وَمِنْهَا تَتَغَذَّى كُلُّ الْمَخْلُوقَاتِ. ثُمَّ نَظَرْتُ فِي الرُّؤْيَا وَأَنَا رَاقِدٌ فِي فِرَاشِي، وَرَأَيْتُ أَمَامِي مَلَاكًا طَاهِرًا نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ. وَهَتَفَ بِصَوْتٍ عَالٍ وَقَالَ: ’اِقْطَعُوا الشَّجَرَةَ، وَكَسِّرُوا فُرُوعَهَا، وَانْثُرُوا أَوْرَاقَهَا، وَبَعْثِرُوا ثِمَارَهَا، لِكَيْ تَهْرُبَ الْحَيَوَانَاتُ مِنْ تَحْتِهَا، وَالطُّيُورُ مِنْ فُرُوعِهَا. وَلَكِنِ اتْرُكُوا جُزْءًا مِنْ سَاقِهَا فِي الْأَرْضِ، وَقَيِّدُوهُ بِالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَسَطَ عُشْبِ الْحَقْلِ، لِكَيْ يَبْتَلَّ بِنَدَى السَّمَاءِ، وَيَأْكُلَ عُشْبَ الْحَقْلِ مَعَ الْحَيَوَانَاتِ، وَيَتَغَيَّرَ عَقْلُهُ مِنْ عَقْلِ إِنْسَانٍ إِلَى عَقْلِ حَيَوَانٍ، حَتَّى تَمْضِيَ عَلَيْهِ 7 سِنِينَ. هَذَا هُوَ مَا قَضَتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ، وَالْقَرَارُ الَّذِي أَصْدَرَهُ الصَّالِحُونَ، لِكَيْ يَعْلَمَ الْأَحْيَاءُ أَنَّ الْعَلِيَّ هُوَ السُّلْطَانُ عَلَى مَمَالِكِ النَّاسِ، يُعْطِيهَا لِمَنْ يَشَاءُ، وَيُقِيمُ عَلَيْهَا أَقَلَّهُمْ شَأْنًا.‘ هَذَا هُوَ الْحُلْمُ الَّذِي رَأَيْتُهُ أَنَا نَبُوخَذْنَصْرَ الْمَلِكَ، وَالْآنَ فَسِّرْهُ لِي يَا بَلْطَشَاصَرُ، لِأَنَّ كُلَّ حُكَمَاءِ مَمْلَكَتِي لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُفَسِّرُوهُ. أَمَّا أَنْتَ فَتَقْدِرُ، لِأَنَّ فِيكَ رُوحَ الْآلِهَةِ الْقُدُّوسِينَ.“ فَتَحَيَّرَ دَانِيَالُ الَّذِي اسْمُهُ بَلْطَشَاصَرُ لِمُدَّةِ سَاعَةٍ، وَأَزْعَجَتْهُ أَفْكَارُهُ. فَقَالَ الْمَلِكُ: ”يَا بَلْطَشَاصَرُ، لَا تَفْزَعْ بِسَبَبِ الْحُلْمِ وَتَفْسِيرِهِ.“ فَأَجَابَهُ بَلْطَشَاصَرُ: ”يَا سَيِّدِي، لَيْتَ الْحُلْمَ يَتَحَقَّقُ فِي الَّذِينَ يَكْرَهُونَكَ، وَتَفْسِيرَهُ يَتِمُّ فِي أَعْدَائِكَ! أَنْتَ رَأَيْتَ شَجَرَةً كَبِرَتْ وَقَوِيَتْ حَتَّى بَلَغَ عُلُوُّهَا إِلَى السَّمَاءِ وَأَمْكَنَ رُؤْيَتُهَا فِي كُلِّ الْأَرْضِ، وَأَوْرَاقُهَا جَمِيلَةٌ، وَثِمَارُهَا كَثِيرَةٌ، وَفِيهَا غِذَاءٌ لِلْجَمِيعِ، وَتَحْتَهَا تُقِيمُ الْوُحُوشُ، وَفِي فُرُوعِهَا تَسْكُنُ طُيُورُ السَّمَاءِ. هَذِهِ الشَّجَرَةُ هِيَ أَنْتَ يَا جَلَالَةَ الْمَلِكِ، فَأَنْتَ كَبِرْتَ وَتَقَوَّيْتَ وَزَادَتْ عَظَمَتُكَ حَتَّى بَلَغَتْ إِلَى السَّمَاءِ، وَامْتَدَّ سُلْطَانُكَ إِلَى آخِرِ الْأَرْضِ. وَأَنْتَ يَا جَلَالَةَ الْمَلِكِ، رَأَيْتَ مَلَاكًا طَاهِرًا نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ: ’اِقْطَعُوا الشَّجَرَةَ وَحَطِّمُوهَا، وَلَكِنِ اتْرُكُوا جُزْءًا مِنْ سَاقِهَا فِي الْأَرْضِ، وَقَيِّدُوهُ بِالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَسَطَ عُشْبِ الْحَقْلِ، لِكَيْ يَبْتَلَّ بِنَدَى السَّمَاءِ وَيَعِيشَ كَالْوُحُوشِ، حَتَّى تَمْضِيَ عَلَيْهِ 7 سِنِينَ.‘ ”وَهَذَا هُوَ التَّفْسِيرُ يَا جَلَالَةَ الْمَلِكِ، وَهَذَا هُوَ حُكْمُ الْعَلِيِّ عَلَيْكَ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ: سَتُطْرَدُ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، وَتَعِيشُ مَعَ الْوُحُوشِ، وَتَأْكُلُ الْعُشْبَ كَالثَّوْرِ، وَتَبْتَلُّ بِنَدَى السَّمَاءِ. فَتَمْضِي عَلَيْكَ 7 سِنِينَ، إِلَى أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الْعَلِيَّ هُوَ السُّلْطَانُ عَلَى مَمَالِكِ النَّاسِ، وَأَنَّهُ يُعْطِيهَا لِمَنْ يَشَاءُ. وَالْأَمْرُ الَّذِي صَدَرَ بِتَرْكِ جُزْءٍ مِنْ سَاقِ الشَّجَرَةِ، يَعْنِي أَنَّ مَمْلَكَتَكَ سَتُرَدُّ لَكَ عِنْدَمَا تَعْلَمُ أَنَّ السِّيَادَةَ هِيَ لِرَبِّ السَّمَاءِ. لِذَلِكَ يَا جَلَالَةَ الْمَلِكِ، مِنْ فَضْلِكَ اقْبَلْ نَصِيحَتِي: كُفَّ عَنِ الْخَطِيئَةِ وَالشَّرِّ، وَاعْمَلِ الصَّلَاحَ وَارْحَمِ الْمَسَاكِينَ، لَعَلَّ نَجَاحَكَ يَدُومُ.“ كُلُّ هَذَا حَصَلَ لِلْمَلِكِ نَبُوخَذْنَصْرَ. بَعْدَ هَذَا الْحُلْمِ بِـ12 شَهْرًا، كَانَ الْمَلِكُ يَتَمَشَّى عَلَى سَطْحِ الْقَصْرِ الْمَلَكِيِّ فِي بَابِلَ. وَقَالَ: ”هَذِهِ هِيَ بَابِلُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي أَنَا بَنَيْتُهَا لِتَكُونَ مَقَرَّ الْمَلِكِ، بِقُوَّتِي وَقُدْرَتِي وَلِجَلَالِي وَمَجْدِي.“ وَبَيْنَمَا هَذَا الْكَلَامُ فِي فَمِهِ، جَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ: ”يَا نَبُوخَذْنَصْرُ الْمَلِكُ، هَذَا هُوَ حُكْمِي عَلَيْكَ، زَالَ عَنْكَ الْمُلْكُ. سَتُطْرَدُ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، وَتَعِيشُ مَعَ الْوُحُوشِ، وَتَأْكُلُ الْعُشْبَ كَالثَّوْرِ. فَتَمْضِي عَلَيْكَ 7 سِنِينَ، إِلَى أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الْعَلِيَّ هُوَ السُّلْطَانُ عَلَى مَمَالِكِ النَّاسِ، وَأَنَّهُ يُعْطِيهَا لِمَنْ يَشَاءُ.“ وَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ تَمَّ الْحُكْمُ عَلَى نَبُوخَذْنَصْرَ. فَطُرِدَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، وَأَكَلَ الْعُشْبَ كَالثَّوْرِ، وَابْتَلَّ جِسْمُهُ بِنَدَى السَّمَاءِ، حَتَّى طَالَ شَعْرُهُ كَرِيشِ النُّسُورِ، وَأَظْفَارُهُ كَمَخَالِبِ الطُّيُورِ. ”وَفِي نِهَايَةِ تِلْكَ السِّنِينَ، أَنَا نَبُوخَذْنَصْرَ رَفَعْتُ عَيْنَيَّ إِلَى السَّمَاءِ، فَرَجَعَ إِلَيَّ عَقْلِي. وَبَارَكْتُ الْعَلِيَّ، وَسَبَّحْتُهُ وَحَمَدْتُهُ، هُوَ الْحَيُّ الدَّائِمُ. سُلْطَانُهُ يَبْقَى إِلَى الْأَبَدِ، وَمُلْكُهُ يَدُومُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. كُلُّ شُعُوبِ الْأَرْضِ تُعْتَبَرُ كَلَا شَيْءٍ، وَهُوَ يَعْمَلُ مَا يَشَاءُ بِقُوَّاتِ السَّمَاءِ وَشُعُوبِ الْأَرْضِ. لَا أَحَدَ يَقْدِرُ أَنْ يَمْنَعَ يَدَهُ عَنِ الْعَمَلِ، أَوْ يَقُولُ لَهُ: ’مَاذَا فَعَلْتَ؟‘ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ رَجَعَ إِلَيَّ عَقْلِي، وَعَادَ إِلَيَّ جَلَالِي وَمُلْكِي وَمَجْدِي وَبَهَائِي، وَطَلَبَنِي وُزَرَائِي وَعُظَمَائِي، وَصِرْتُ مَلِكًا مَرَّةً أُخْرَى، وَزَادَتْ عَظَمَتِي جِدًّا. فَالْآنَ، أَنَا نَبُوخَذْنَصْرَ، أُسَبِّحُ وَأُعَظِّمُ وَأُمَجِّدُ مَلِكَ السَّمَاءِ الَّذِي كُلُّ أَعْمَالِهِ حَقٌّ، وَطُرُقُهُ عَادِلَةٌ، وَهُوَ قَادِرٌ أَنْ يُذِلَّ مَنْ يَسْلُكُ بِالْكِبْرِيَاءِ.“ بَلْشَصْرُ الْمَلِكُ صَنَعَ وَلِيمَةً عَظِيمَةً لِـ1000 وَاحِدٍ مِنْ عُظَمَائِهِ، وَشَرِبَ الْخَمْرَ مَعَهُمْ. وَبَيْنَمَا كَانَ الْمَلِكُ يَتَنَاوَلُ الْخَمْرَ، أَمَرَ بِإِحْضَارِ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الَّتِي أَخَذَهَا نَبُوخَذْنَصْرُ أَبُوهُ مِنْ بَيْتِ اللهِ الَّذِي فِي الْقُدْسِ، وَذَلِكَ لِيَشْرَبَ بِهَا الْمَلِكُ وَعُظَمَاؤُهُ وَزَوْجَاتُهُ وَجَوَارِيهِ. فَأَحْضَرُوا هَذِهِ الْآنِيَةَ الَّتِي مِنْ ذَهَبٍ، الَّتِي أَخَذُوهَا مِنْ بَيْتِ اللهِ الَّذِي فِي الْقُدْسِ، وَشَرِبَ بِهَا الْمَلِكُ وَعُظَمَاؤُهُ وَزَوْجَاتُهُ وَجَوَارِيهِ. وَكَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيُسَبِّحُونَ الْآلِهَةَ الْمَصْنُوعَةَ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَنُحَاسٍ وَحَدِيدٍ وَخَشَبٍ وَحَجَرٍ. وَفَجْأَةً ظَهَرَتْ أَصَابِعُ يَدِ إِنْسَانٍ، وَكَتَبَتْ بِجِوَارِ الْمِصْبَاحِ عَلَى بَيَاضِ حَائِطِ قَصْرِ الْمَلِكِ. وَرَأَى الْمَلِكُ الْيَدَ وَهِيَ تَكْتُبُ. فَاصْفَرَّ وَجْهُ الْمَلِكِ وَارْتَعَبَ وَانْحَلَّتْ مَفَاصِلُهُ وَارْتَجَفَتْ رُكْبَتَاهُ. وَصَرَخَ بِشِدَّةٍ وَطَلَبَ أَنْ يُحْضِرُوا الْحُوَاةَ وَالْمُنَجِّمِينَ وَمَنْ يُمَارِسُونَ الْعِلْمَ بِالْغَيْبِ. وَقَالَ الْمَلِكُ لِحُكَمَاءِ بَابِلَ هَؤُلَاءِ: ”أَيُّ وَاحِدٍ يَقْرَأُ هَذِهِ الْكِتَابَةَ وَيُفَسِّرُهَا لِي، يَلْبَسُ الْأُرْجُوَانَ وَسِلْسِلَةً مِنْ ذَهَبٍ حَوْلَ رَقَبَتِهِ وَيُصْبِحُ الْمُتَسَلِّطَ الثَّالِثَ فِي الْمَمْلَكَةِ.“ فَجَاءَ كُلُّ حُكَمَاءِ الْمَلِكِ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَقْرَأُوا الْكِتَابَةَ، وَلَا أَنْ يُفَسِّرُوهَا لِلْمَلِكِ. فَارْتَعَبَ الْمَلِكُ بَلْشَصْرُ أَكْثَرَ، وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ جِدًّا، وَاضْطَرَبَ عُظَمَاؤُهُ. فَلَمَّا سَمِعَتْ أُمُّ الْمَلِكِ هَذَا الْكَلَامَ، دَخَلَتْ قَاعَةَ الْوَلِيمَةِ وَقَالَتْ: ”لِيَحْيَا الْمَلِكُ! لَا تَنْزَعِجْ أَيُّهَا الْمَلِكُ، وَلَا يَصْفَرَّ وَجْهُكَ! فِي مَمْلَكَتِكَ يُوجَدُ رَجُلٌ فِيهِ رُوحُ الْآلِهَةِ الْقُدُّوسِينَ. وَفِي أَيَّامِ أَبِيكَ تَمَيَّزَ بِفَهْمٍ وَذَكَاءٍ وَحِكْمَةٍ كَحِكْمَةِ الْآلِهَةِ الْقُدُّوسِينَ. وَأَبُوكَ الْمَلِكُ نَبُوخَذْنَصْرُ عَيَّنَهُ كَبِيرَ السَّحَرَةِ وَالْحُوَاةِ وَالْمُنَجِّمِينَ وَمَنْ يُمَارِسُونَ الْعِلْمَ بِالْغَيْبِ. أَبُوكَ الْمَلِكُ عَمِلَ هَذَا. هَذَا الرَّجُلُ هُوَ دَانِيَالُ الَّذِي سَمَّاهُ الْمَلِكُ بَلْطَشَاصَرَ. فَهُوَ يَتَمَيَّزُ بِمَقْدِرَةٍ غَيْرِ عَادِيَّةٍ وَمَعْرِفَةٍ وَفَهْمٍ، وَيُفَسِّرُ الْأَحْلَامَ وَيَفُكُّ الْأَلْغَازَ وَيَحُلُّ الْعُقَدَ. فَلَيْتَكَ تَسْتَدْعِي دَانِيَالَ الْآنَ لِيُفَسِّرَ لَكَ الْكِتَابَةَ.“ فَأَحْضَرُوا دَانِيَالَ أَمَامَ الْمَلِكِ. فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: ”هَلْ أَنْتَ هُوَ دَانِيَالُ مِنَ الْأَسْرَى الَّذِينَ أَحْضَرَهُمْ أَبِي مِنْ بِلَادِ يَهُوذَا؟ أَنَا سَمِعْتُ أَنَّ فِيكَ رُوحَ الْآلِهَةِ، وَأَنَّكَ تَتَمَيَّزُ بِالْفَهْمِ وَالذَّكَاءِ وَالْحِكْمَةِ الْفَائِقَةِ. وَقَدْ أُحْضِرَ أَمَامِيَ الْحُكَمَاءُ وَالْحُوَاةُ لِيَقْرَأُوا هَذِهِ الْكِتَابَةَ وَيُفَسِّرُوهَا لِي فَلَمْ يَقْدِرُوا. لَكِنِّي سَمِعْتُ أَنَّكَ تَقْدِرُ أَنْ تُفَسِّرَ وَأَنْ تَحُلَّ الْعُقَدَ. فَإِنْ كُنْتَ تَقْدِرُ أَنْ تَقْرَأَ هَذِهِ الْكِتَابَةَ وَتُفَسِّرَهَا لِي، تَلْبَسُ الْأُرْجُوَانَ وَسِلْسِلَةً مِنْ ذَهَبٍ حَوْلَ رَقَبَتِكَ وَتُصْبِحُ الْمُتَسَلِّطَ الثَّالِثَ فِي الْمَمْلَكَةِ.“ فَقَالَ دَانِيَالُ لِلْمَلِكِ: ”اِحْتَفِظْ بِهَدَايَاكَ لِنَفْسِكَ، وَأَعْطِ عَطَايَاكَ لِغَيْرِي! وَلَكِنِّي سَأَقْرَأُ الْكِتَابَةَ وَأُفَسِّرُهَا لَكَ. أَيُّهَا الْمَلِكُ، اللهُ الْعَلِيُّ أَعْطَى أَبَاكَ نَبُوخَذْنَصْرَ مُلْكًا وَعَظَمَةً وَجَلَالًا وَبَهَاءً. وَبِسَبَبِ الْعَظَمَةِ الَّتِي أَعْطَاهَا لَهُ، كَانَ كُلُّ النَّاسِ مِنْ مُخْتَلِفِ الشُّعُوبِ وَالْأُمَمِ وَاللُّغَاتِ يَخَافُونَهُ وَيَرْتَعِبُونَ مِنْهُ. فَكَانَ يَقْتُلُ مَنْ يَشَاءُ وَيَسْتَبْقِي مَنْ يَشَاءُ، وَيَرْفَعُ مَنْ يَشَاءُ وَيَخْفِضُ مَنْ يَشَاءُ. فَلَمَّا تَكَبَّرَ وَعَانَدَ وَتَجَبَّرَ، أُنْزِلَ عَنْ عَرْشِ مُلْكِهِ وَنُزِعَ عَنْهُ جَلَالُهُ. وَطُرِدَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، وَتَسَاوَى عَقْلُهُ بِعَقْلِ الْحَيَوَانِ، وَعَاشَ مَعَ حَمِيرِ الْوَحْشِ، وَأَكَلَ الْعُشْبَ كَالثَّوْرِ، وَابْتَلَّ جِسْمُهُ بِنَدَى السَّمَاءِ، إِلَى أَنْ عَلِمَ أَنَّ اللهَ الْعَلِيَّ هُوَ السُّلْطَانُ عَلَى مَمَالِكِ النَّاسِ، وَأَنَّهُ يُقِيمُ عَلَيْهَا مَنْ يَشَاءُ. وَأَنْتَ يَا بَلْشَصْرُ ابْنُهُ، مَعَ أَنَّكَ تَعْلَمُ كُلَّ هَذَا، لَمْ يَتَوَاضَعْ قَلْبُكَ. بَلْ تَعَظَّمْتَ عَلَى رَبِّ السَّمَاءِ، فَأَحْضَرُوا لَكَ آنِيَةَ بَيْتِهِ وَشَرِبْتَ بِهَا الْخَمْرَ، أَنْتَ وَعُظَمَاؤُكَ وَزَوْجَاتُكَ وَجَوَارِيكَ. وَسَبَّحْتَ الْآلِهَةَ الْمَصْنُوعَةَ مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَنُحَاسٍ وَحَدِيدٍ وَخَشَبٍ وَحَجَرٍ، الَّتِي لَا تَرَى وَلَا تَسْمَعُ وَلَا تَفْهَمُ. أَمَّا اللهُ الَّذِي مَنَحَكَ الْحَيَاةَ، وَالَّذِي يَعْلَمُ كُلَّ أُمُورِكَ، فَلَمْ تُكْرِمْهُ! لِذَلِكَ أَرْسَلَ تِلْكَ الْيَدَ الَّتِي كَتَبَتْ هَذَا الْكَلَامَ. وَهَذَا هُوَ مَا كُتِبَ: ’مَنَا مَنَا تَقِيلْ وَفَرْسِينْ.‘ وَتَفْسِيرُ هَذَا الْكَلَامِ هُوَ: مَنَا، أَحْصَى اللهُ أَيَّامَ مُلْكِكَ وَأَنْهَاهُ. تَقِيلْ، وُزِنْتَ فِي الْمِيزَانِ فَوُجِدْتَ نَاقِصًا. فَرْسْ، قُسِمَتْ مَمْلَكَتُكَ وَأُعْطِيَتْ لِمَادِي وَفَارِسَ.“ فَأَمَرَ بَلْشَصْرُ أَنْ يُلْبِسُوا دَانِيَالَ الْأُرْجُوَانَ وَسِلْسِلَةً مِنْ ذَهَبٍ حَوْلَ رَقَبَتِهِ، وَيُنَادُوا أَنَّهُ أَصْبَحَ الْمُتَسَلِّطَ الثَّالِثَ فِي الْمَمْلَكَةِ. وَفِي نَفْسِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ قُتِلَ بَلْشَصْرُ مَلِكُ الْبَابِلِيِّينَ، وَاسْتَوْلَى دَارِيُوسُ الْمَادِيُّ عَلَى الْمَمْلَكَةِ وَهُوَ ابْنُ 62 سَنَةً. اِسْتَحْسَنَ دَارِيُوسُ أَنْ يُعَيِّنَ 120 وَكِيلًا عَلَى الْمَمْلَكَةِ لِيُدَبِّرُوا كُلَّ شُؤُونِهَا. وَفَوْقَ هَؤُلَاءِ 3 وُزَرَاءَ، أَحَدُهُمْ دَانِيَالُ، يُؤَدِّي لَهُمْ وُكَلَاءُ الْمَلِكِ الْحِسَابَ لِكَيْ لَا يُصَابَ الْمَلِكُ بِخَسَارَةٍ. وَتَفَوَّقَ دَانِيَالُ عَلَى بَاقِي الْوُزَرَاءِ وَالْوُكَلَاءِ لِأَنَّ عِنْدَهُ مَقْدِرَةً غَيْرَ عَادِيَّةٍ، حَتَّى إِنَّ الْمَلِكَ كَانَ يُفَكِّرُ فِي أَنْ يُوَلِّيَهُ عَلَى الْمَمْلَكَةِ كُلِّهَا. فَأَخَذَ الْوُزَرَاءُ وَالْوُكَلَاءُ يَبْحَثُونَ عَنْ عَيْبٍ فِي دَانِيَالَ، لِكَيْ يَتَّهِمُوهُ مِنْ جِهَةِ خِدْمَتِهِ لِمَصَالِحِ الْحُكُومَةِ. لَكِنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا فِيهِ عَيْبًا وَلَا فَسَادًا، لِأَنَّهُ كَانَ أَمِينًا، لَا إِهْمَالَ فِيهِ وَلَا فَسَادَ. فَقَالَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ: ”لَنْ نَجِدَ عَيْبًا فِي دَانِيَالَ هَذَا، إِلَّا إِذَا وَجَدْنَا شَيْئًا بِشَأْنِ دِينِهِ.“ فَاجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ الْوُزَرَاءُ وَالْوُكَلَاءُ عِنْدَ الْمَلِكِ، وَقَالُوا لَهُ: ”لِيَحْيَا الْمَلِكُ دَارِيُوسُ! اِتَّفَقَ كُلُّ وُزَرَاءِ الْمَمْلَكَةِ وَكِبَارُ رِجَالِ الْجَيْشِ، أَنْ يُصْدِرَ الْمَلِكُ مَرْسُومًا وَيَأْمُرَ بِتَنْفِيذِ قَرَارٍ، بِأَنَّ كُلَّ مَنْ يُصَلِّي إِلَى إِلَهٍ أَوْ إِنْسَانٍ غَيْرِكَ أَنْتَ يَا جَلَالَةَ الْمَلِكِ، خِلَالَ 30 يَوْمًا، فَإِنَّهُ يُرْمَى فِي حُفْرَةِ الْأُسُودِ. فَالْآنَ، أَصْدِرِ الْقَرَارَ يَا جَلَالَةَ الْمَلِكِ مَكْتُوبًا وَمُوَقَّعًا، لِكَيْ لَا يَتَغَيَّرَ وَذَلِكَ حَسَبَ قَوَانِينِ مَادِي وَفَارِسَ الَّتِي لَا تُلْغَى.“ فَأَصْدَرَ الْمَلِكُ دَارِيُوسُ الْقَرَارَ مَكْتُوبًا وَمُوَقَّعًا. فَلَمَّا عَلِمَ دَانِيَالُ بِأَنَّ الْقَرَارَ صَدَرَ، ذَهَبَ إِلَى دَارِهِ. وَكَانَ فِي الْغُرْفَةِ الَّتِي فِي الطَّابِقِ الْأَعْلَى، نَوَافِذُ تَفْتَحُ نَحْوَ مَدِينَةِ الْقُدْسِ. فَرَكَعَ هُنَاكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ 3 مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ وَصَلَّى وَشَكَرَ إِلَهَهُ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ مِنْ قَبْلُ. فَاجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ مَعًا، وَوَجَدُوا دَانِيَالَ يُصَلِّي وَيَتَضَرَّعُ إِلَى إِلَهِهِ. فَرَاحُوا إِلَى الْمَلِكِ وَكَلَّمُوهُ بِشَأْنِ الْقَرَارِ الَّذِي أَصْدَرَهُ وَقَالُوا: ”يَا جَلَالَةَ الْمَلِكِ، أَلَمْ تُوَقِّعْ قَرَارًا بِأَنَّ كُلَّ مَنْ يُصَلِّي إِلَى إِلَهٍ أَوْ إِنْسَانٍ غَيْرِكَ أَنْتَ يَا جَلَالَةَ الْمَلِكِ، خِلَالَ 30 يَوْمًا، فَإِنَّهُ يُرْمَى فِي حُفْرَةِ الْأُسُودِ؟“ فَقَالَ الْمَلِكُ: ”نَعَمْ، وَهُوَ قَرَارٌ حَسَبَ قَوَانِينِ مَادِي وَفَارِسَ الَّتِي لَا تُلْغَى.“ فَقَالُوا لِلْمَلِكِ: ”إِنَّ دَانِيَالَ، أَحَدَ الْأَسْرَى الَّذِينَ مِنْ بِلَادِ يَهُوذَا، لَا يَعْمَلُ لَكَ اعْتِبَارًا يَا جَلَالَةَ الْمَلِكِ، وَلَا لِلْقَرَارِ الَّذِي وَقَّعْتَهُ. فَهُوَ مَا زَالَ يُصَلِّي إِلَى إِلَهِهِ 3 مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ!“ فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ هَذَا الْكَلَامَ، حَزِنَ جِدًّا وَصَمَّمَ أَنْ يُنْقِذَ دَانِيَالَ وَبَذَلَ كُلَّ جُهْدِهِ فِي ذَلِكَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ. فَرَاحَ أُولَئِكَ الرِّجَالُ إِلَى الْمَلِكِ وَقَالُوا لَهُ: ”اِعْلَمْ يَا جَلَالَةَ الْمَلِكِ أَنَّ قَوَانِينَ مَادِي وَفَارِسَ تَنُصُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ قَرَارٍ أَوْ مَرْسُومٍ يُصْدِرُهُ الْمَلِكُ لَا يَتَغَيَّرُ.“ فَأَمَرَ الْمَلِكُ، فَأَحْضَرُوا دَانِيَالَ وَرَمَوْهُ فِي حُفْرَةِ الْأُسُودِ. وَقَالَ الْمَلِكُ لِدَانِيَالَ: ”لَيْتَ إِلَهَكَ الَّذِي تَعْبُدُهُ دَائِمًا يُنَجِّيكَ.“ وَأَحْضَرُوا حَجَرًا وَوَضَعُوهُ عَلَى فَمِ الْحُفْرَةِ، وَخَتَمَهُ الْمَلِكُ بِخَاتِمِهِ وَخَاتِمِ عُظَمَائِهِ، لِكَيْ لَا يُحَاوِلَ أَحَدٌ أَنْ يُنْقِذَ دَانِيَالَ. وَرَجَعَ الْمَلِكُ إِلَى قَصْرِهِ، وَقَضَى اللَّيْلَ مِنْ غَيْرِ طَعَامٍ وَمِنْ غَيْرِ تَسْلِيَةٍ، وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَنَامَ. وَمَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، قَامَ الْمَلِكُ بَاكِرًا، وَرَاحَ بِسُرْعَةٍ إِلَى حُفْرَةِ الْأُسُودِ. وَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنَ الْحُفْرَةِ، نَادَى دَانِيَالَ بِصَوْتٍ حَزِينٍ وَقَالَ: ”يَا دَانِيَالُ يَا عَبْدَ اللهِ الْحَيِّ، هَلْ إِلَهُكَ الَّذِي تَعْبُدُهُ دَائِمًا قَدِرَ أَنْ يُنَجِّيَكَ مِنَ الْأُسُودِ؟“ فَرَدَّ عَلَيْهِ دَانِيَالُ وَقَالَ: ”لِيَحْيَا الْمَلِكُ! إِلَهِي أَرْسَلَ مَلَاكَهُ وَسَدَّ أَفْوَاهَ الْأُسُودِ، فَلَمْ تَضُرَّنِي. لِأَنَّهُ يَعْرِفُ أَنِّي بَرِيءٌ، كَمَا أَنِّي لَمْ أَرْتَكِبْ خَطَأً فِي حَقِّكَ يَا جَلَالَةَ الْمَلِكِ.“ فَفَرِحَ الْمَلِكُ جِدًّا، وَأَمَرَ بِأَنْ يَرْفَعُوا دَانِيَالَ مِنَ الْحُفْرَةِ. فَلَمَّا رَفَعُوهُ، لَمْ يَجِدُوا بِهِ أَيَّ إِصَابَةٍ، لِأَنَّهُ آمَنَ بِإِلَهِهِ. ثُمَّ أَمَرَ الْمَلِكُ، فَأَحْضَرُوا أُولَئِكَ الرِّجَالَ الَّذِينَ اشْتَكَوْا ضِدَّ دَانِيَالَ، وَرَمَوْهُمْ فِي حُفْرَةِ الْأُسُودِ هُمْ وَأَوْلَادَهُمْ وَزَوْجَاتِهِمْ. وَلَمْ يَصِلُوا إِلَى قَاعِ الْحُفْرَةِ، حَتَّى بَطَشَتْ بِهِمُ الْأُسُودُ وَحَطَّمَتْ كُلَّ عِظَامِهِمْ. ثُمَّ كَتَبَ الْمَلِكُ دَارِيُوسُ إِلَى النَّاسِ مِنْ مُخْتَلِفِ الشُّعُوبِ وَالْأُمَمِ وَاللُّغَاتِ، الْمَوْجُودِينَ فِي كُلِّ الْبِلَادِ، يَقُولُ: ”السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. أَنَا أَصْدَرْتُ قَرَارًا أَنَّهُ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ مَمْلَكَتِي، يَخَافُ النَّاسُ إِلَهَ دَانِيَالَ وَيَهَابُونَهُ. لِأَنَّهُ هُوَ الْإِلَهُ الْحَيُّ الدَّائِمُ إِلَى الْأَبَدِ. مَمْلَكَتُهُ لَا تَزُولُ، وَسُلْطَانُهُ لَا يَنْتَهِي. هُوَ يُنَجِّي وَيُنْقِذُ، وَيَعْمَلُ الْآيَاتِ وَالْعَجَائِبَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. وَهُوَ الَّذِي نَجَّى دَانِيَالَ مِنْ بَطْشِ الْأُسُودِ.“ وَنَجَحَ دَانِيَالُ فِي أَيَّامِ حُكْمِ دَارِيُوسَ وَحُكْمِ كُورَشَ الْفَارِسِيِّ. فِي السَّنَةِ الْأُولَى لِبَلْشَصْرَ مَلِكِ بَابِلَ، رَأَى دَانِيَالُ حُلْمًا وَرُؤْيَا وَهُوَ فِي فِرَاشِهِ. فَكَتَبَ الْحُلْمَ، وَهَذِهِ هِيَ خُلَاصَتُهُ. قَالَ دَانِيَالُ: ”نَظَرْتُ فِي رُؤْيَايَ فِي اللَّيْلِ، وَرَأَيْتُ رِيَاحَ السَّمَاءِ الْـ4 وَقَدْ هَجَمَتْ عَلَى الْبَحْرِ الْكَبِيرِ. فَطَلَعَ مِنَ الْبَحْرِ 4 حَيَوَانَاتٍ عَظِيمَةٍ، يَخْتَلِفُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ. فَكَانَ الْأَوَّلُ كَالْأَسَدِ، وَلَهُ جَنَاحَانِ كَجَنَاحَيِ النِّسْرِ. وَكُنْتُ أُرَاقِبُهُ حَتَّى تَمَزَّقَ عَنْهُ جَنَاحَاهُ، ثُمَّ ارْتَفَعَ عَنِ الْأَرْضِ، وَوَقَفَ عَلَى رِجْلَيْنِ كَإِنْسَانٍ، وَأُعْطِيَ قَلْبَ إِنْسَانٍ. وَرَأَيْتُ الْحَيَوَانَ الثَّانِيَ وَهُوَ كَالدُّبِّ. فَقَامَ عَلَى جَنْبٍ وَاحِدٍ، وَفِي فَمِهِ 3 أَضْلُعٍ بَيْنَ أَسْنَانِهِ. فَقِيلَ لَهُ: ’قُمْ وَكُلْ لَحْمًا كَثِيرًا.‘ بَعْدَ هَذَا نَظَرْتُ فَرَأَيْتُ حَيَوَانًا آخَرَ كَالنِّمْرِ، وَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ 4 أَجْنِحَةٍ كَأَجْنِحَةِ الطَّائِرِ. وَكَانَ لِهَذَا الْحَيَوَانِ 4 رُؤُوسٍ، وَأُعْطِيَ سُلْطَةً لِيَحْكُمَ. بَعْدَ هَذَا نَظَرْتُ فِي الرُّؤْيَا فِي اللَّيْلِ، فَرَأَيْتُ حَيَوَانًا رَابِعًا مُخِيفًا وَرَهِيبًا وَقَوِيًّا جِدًّا، وَلَهُ أَسْنَانٌ كَبِيرَةٌ مِنْ حَدِيدٍ. فَكَانَ يَسْحَقُ وَيَفْتَرِسُ ضَحَايَاهُ، وَيَدُوسُ بِرِجْلَيْهِ مَا بَقِيَ مِنْهَا. وَكَانَ يَخْتَلِفُ عَنْ كُلِّ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي قَبْلَهُ، وَلَهُ 10 قُرُونٍ. وَبَيْنَمَا أَنَا أَتَأَمَّلُ الْقُرُونَ، ظَهَرَ قَرْنٌ آخَرُ صَغِيرٌ طَلَعَ بَيْنَهَا، وَقُلِعَتْ 3 مِنَ الْقُرُونِ الْأُولَى لِتُفْسِحَ لَهُ مَكَانًا. وَكَانَ لِهَذَا الْقَرْنِ عُيُونٌ كَعُيُونِ إِنْسَانٍ، وَفَمٌ يَتَكَلَّمُ بِكِبْرِيَاءَ. وَبَيْنَمَا كُنْتُ أَنْظُرُ، وُضِعَتْ عُرُوشٌ وَجَلَسَ الْأَزَلِيُّ عَلَى عَرْشِهِ، وَكَانَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالثَّلَجِ، وَشَعْرُ رَأْسِهِ كَالصُّوفِ النَّقِيِّ، وَعَرْشُهُ لَهِيبَ نَارٍ، وَعَجَلَاتُ عَرْشِهِ نَارًا مُشْتَعِلَةً. وَمِنْ أَمَامِهِ يَخْرُجُ وَيَجْرِي نَهْرٌ مِنْ نَارٍ، تَخْدِمُهُ أُلُوفٌ مُؤَلَّفَةٌ، وَتَقِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ مَلَايِينُ. فَانْعَقَدَ مَجْلِسُ الْقَضَاءِ وَفُتِحَتِ الْكُتُبُ. وَظَلَلْتُ أُرَاقِبُ بِسَبَبِ كَلَامِ الْكِبْرِيَاءِ الَّذِي كَانَ يَقُولُهُ الْقَرْنُ، حَتَّى قُتِلَ الْحَيَوَانُ وَهَلَكَ جِسْمُهُ وَطُرِحَ فِي النَّارِ الْمُشْتَعِلَةِ. أَمَّا بَاقِي الْحَيَوَانَاتِ، فَنُزِعَتْ عَنْهَا سُلْطَتُهَا، وَلَكِنْ سُمِحَ لَهَا بِأَنْ تَعِيشَ لِفَتْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنَ الزَّمَنِ. ”وَنَظَرْتُ فِي الرُّؤْيَا فِي اللَّيْلِ، فَرَأَيْتُ وَاحِدًا يُشْبِهُ الْبَشَرَ قَادِمًا مَعَ سَحَابِ السَّمَاءِ. وَجَاءَ إِلَى الْأَزَلِيِّ، فَقَرَّبُوهُ مِنْهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَةً وَجَلَالًا وَقُوَّةً مَلَكِيَّةً، لِيَعْبُدَهُ كُلُّ النَّاسِ مِنْ مُخْتَلِفِ الشُّعُوبِ وَالْأُمَمِ وَاللُّغَاتِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ لَا يَزُولُ، وَمَمْلَكَتُهُ لَا تَفْنَى. ”فَانْزَعَجَتْ رُوحِي فِيَّ أَنَا دَانِيَالَ، وَأَفْزَعَتْنِي الرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتُهَا. فَاقْتَرَبْتُ مِنْ أَحَدِ الْوَاقِفِينَ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ مَعْنَى كُلِّ هَذَا. فَأَخْبَرَنِي وَفَسَّرَ لِي هَذِهِ الْأُمُورَ وَقَالَ: ’هَذِهِ الْحَيَوَانَاتُ الْـ4 الْعَظِيمَةُ، هِيَ 4 مَمَالِكَ تَظْهَرُ مِنَ الْأَرْضِ. أَمَّا الصَّالِحُونَ الَّذِينَ يَنْتَمُونَ للهِ الْعَلِيِّ فَيَنَالُونَ الْمَمْلَكَةَ وَيَأْخُذُونَهَا دَائِمًا وَإِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ.‘ ”فَأَرَدْتُ أَنْ أَعْرِفَ حَقِيقَةَ مَعْنَى الْحَيَوَانِ الرَّابِعِ، الَّذِي كَانَ يَخْتَلِفُ عَنْ بَاقِي الْحَيَوَانَاتِ، وَكَانَ مُخِيفًا جِدًّا وَلَهُ أَسْنَانٌ مِنْ حَدِيدٍ وَمَخَالِبُ مِنْ نُحَاسٍ، وَكَانَ يَفْتَرِسُ وَيَسْحَقُ ضَحَايَاهُ، وَيَدُوسُ بِرِجْلَيْهِ مَا بَقِيَ مِنْهَا. وَأَرَدْتُ أَيْضًا أَنْ أَعْرِفَ مَعْنَى الْقُرُونِ الْـ10 الَّتِي فِي رَأْسِهِ، وَمَعْنَى الْقَرْنِ الْآخَرِ الَّذِي طَلَعَ فَسَقَطَتْ أَمَامَهُ 3 قُرُونٍ، وَكَانَ لَهُ عُيُونٌ وَفَمٌ يَتَكَلَّمُ بِكِبْرِيَاءَ وَمَنْظَرُهُ أَعْظَمُ مِنَ الْقُرُونِ الْأُخْرَى. وَبَيْنَمَا أَنَا أَنْظُرُ، رَأَيْتُ هَذَا الْقَرْنَ يُحَارِبُ الصَّالِحِينَ وَيَغْلِبُهُمْ، حَتَّى جَاءَ الْأَزَلِيُّ وَحَكَمَ لِصَالِحِ الَّذِينَ يَنْتَمُونَ للهِ الْعَلِيِّ، وَحَانَ الْوَقْتُ فَأَخَذُوا الْمَمْلَكَةَ. ”فَشَرَحَ لِيَ الْمَعْنَى وَقَالَ: ’الْحَيَوَانُ الرَّابِعُ هُوَ الْمَمْلَكَةُ الرَّابِعَةُ عَلَى الْأَرْضِ، وَهِيَ تَخْتَلِفُ عَنْ بَاقِي الْمَمَالِكِ، وَتَفْتَرِسُ كُلَّ الْأَرْضِ وَتَدُوسُهَا وَتَسْحَقُهَا. وَالْقُرُونُ الْـ10 هِيَ 10 مُلُوكٍ يَأْتُونَ مِنْ هَذِهِ الْمَمْلَكَةِ. ثُمَّ يَقُومُ بَعْدَهُمْ مَلِكٌ آخَرُ، يَخْتَلِفُ عَنِ الَّذِينَ قَبْلَهُ، وَيُخْضِعُ 3 مُلُوكٍ، وَيَقُولُ كَلَامًا ضِدَّ اللهِ الْعَلِيِّ، وَيَضْطَهِدُ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ يَنْتَمُونَ لَهُ، وَيُحَاوِلُ أَنْ يُغَيِّرَ الْأَعْيَادَ وَالشَّرَائِعَ، وَيَقَعُ الصَّالِحُونَ فِي يَدِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ وَنِصْفٍ. وَلَكِنْ يَنْعَقِدُ مَجْلِسُ الْقَضَاءِ، وَيَنْزِعُونَ عَنْ هَذَا الْمَلِكِ قُوَّتَهُ، وَتُحَطَّمُ مَمْلَكَتُهُ وَتُبَادُ إِلَى الْأَبَدِ. وَتُعْطَى السُّلْطَةُ وَالْقُوَّةُ وَالْعَظَمَةُ الَّتِي فِي الْمَمَالِكِ الْمَوْجُودَةِ تَحْتَ كُلِّ السَّمَاءِ، إِلَى الصَّالِحِينَ، شَعْبِ اللهِ الْعَلِيِّ. وَتَكُونُ مَمْلَكَةُ اللهِ أَبَدِيَّةً، وَيَعْبُدُهُ وَيُطِيعُهُ كُلُّ الْحُكَّامِ.‘ إِلَى هُنَا نِهَايَةُ الرُّؤْيَا. وَأَنَا دَانِيَالَ أَفْزَعَتْنِي أَفْكَارِي جِدًّا، وَاصْفَرَّ وَجْهِي. وَلَكِنِّي كَتَمْتُ الرُّؤْيَا فِي قَلْبِي.“ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ حُكْمِ بَلْشَصْرَ، أَنَا دَانِيَالَ رَأَيْتُ رُؤْيَا بَعْدَ الرُّؤْيَا الْأُولَى الَّتِي ظَهَرَتْ لِي. فِي هَذِهِ الرُّؤْيَا، رَأَيْتُ نَفْسِي فِي قَلْعَةِ شُوشَةَ فِي وِلَايَةِ عِيلَامَ، وَكُنْتُ عِنْدَ نَهْرِ أُولَايَ. وَنَظَرْتُ فَرَأَيْتُ أَمَامِي كَبْشًا وَاقِفًا عِنْدَ النَّهْرِ وَلَهُ قَرْنَانِ طَوِيلَانِ. وَلَكِنْ أَحَدُهُمَا أَطْوَلُ مِنَ الْآخَرِ مَعَ أَنَّهُ طَلَعَ بَعْدَ الْآخَرِ. وَرَأَيْتُ الْكَبْشَ يَنْطَحُ غَرْبًا وَشَمَالًا وَجَنُوبًا. وَلَمْ يَقْدِرْ حَيَوَانٌ أَنْ يُقَاوِمَهُ، وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يُنْقِذَ مِنْهُ. فَعَمِلَ كَمَا يَحْلُو لَهُ وَصَارَ عَظِيمًا. وَبَيْنَمَا كُنْتُ أُفَكِّرُ فِي هَذَا، فَجْأَةً جَاءَ مِنَ الْغَرْبِ جَدْيٌ لَهُ قَرْنٌ بَارِزٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَعَبَرَ كُلَّ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّهَا. فَجَاءَ إِلَى الْكَبْشِ الَّذِي لَهُ قَرْنَانِ الَّذِي رَأَيْتُهُ وَاقِفًا عِنْدَ النَّهْرِ، وَانْدَفَعَ عَلَيْهِ بِغَضَبٍ شَدِيدٍ. وَرَأَيْتُ الْجَدْيَ يَهْجُمُ عَلَى الْكَبْشِ بِغَيْظٍ، وَضَرَبَ الْكَبْشَ وَكَسَرَ قَرْنَيْهِ. وَلَمْ يَقْدِرِ الْكَبْشُ أَنْ يُقَاوِمَهُ، فَطَرَحَهُ الْجَدْيُ عَلَى الْأَرْضِ وَدَاسَهُ. وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يُنْقِذَ الْكَبْشَ مِنْهُ. وَصَارَ الْجَدْيُ عَظِيمًا جِدًّا، وَلَكِنَّهُ لَمَّا قَوِيَ انْكَسَرَ قَرْنُهُ الْكَبِيرُ وَطَلَعَ مَكَانَهُ 4 قُرُونٍ بَارِزَةٍ تَتَّجِهُ نَحْوَ جِهَاتِ الْأَرْضِ الْـ4. وَطَلَعَ مِنْ أَحَدِ الْقُرُونِ قَرْنٌ صَغِيرٌ، وَلَكِنَّهُ صَارَ قَوِيًّا جِدًّا نَحْوَ الْجَنُوبِ وَالشَّرْقِ وَنَحْوَ الْأَرْضِ الْجَمِيلَةِ. وَامْتَدَّ حَتَّى وَصَلَ إِلَى قُوَّاتِ السَّمَاءِ. وَطَرَحَ بَعْضَ الْقُوَّاتِ وَالنُّجُومِ إِلَى الْأَرْضِ وَدَاسَهُمْ. وَتَكَبَّرَ لِيُسَاوِيَ نَفْسَهُ بِاللهِ رَبِّ مَلَائِكَةِ السَّمَاءِ، وَأَلْغَى تَقْدِيمَ الْقُرْبَانِ الْيَوْمِيِّ لَهُ، وَهَدَمَ بَيْتَهُ الْمُقَدَّسَ. وَتَمَرَّدَ النَّاسُ ضِدَّ اللهِ، وَتَوَقَّفُوا عَنْ تَقْدِيمِ الْقُرْبَانِ الْيَوْمِيِّ، وَطُرِحَ الْحَقُّ عَلَى الْأَرْضِ، وَنَجَحَ الْقَرْنُ فِي كُلِّ مَا عَمِلَهُ. ثُمَّ سَمِعْتُ مَلَاكًا طَاهِرًا يَتَكَلَّمُ، فَسَأَلَهُ مَلَاكٌ طَاهِرٌ آخَرُ: ”إِلَى مَتَى تَدُومُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي فِي الرُّؤْيَا؟ إِلَى مَتَى يَتَوَقَّفُ تَقْدِيمُ الْقُرْبَانِ الْيَوْمِيِّ؟ إِلَى مَتَى يَدُومُ التَّمَرُّدُ الَّذِي يُسَبِّبُ الْخَرَابَ، وَيُحْتَقَرُ الْبَيْتُ الْمُقَدَّسُ، وَتُدَاسُ الْقُوَّاتُ تَحْتَ الْأَقْدَامِ؟“ فَقَالَ لِي: ”إِلَى 2300 صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ، ثُمَّ يُصْلَحُ الْبَيْتُ الْمُقَدَّسُ.“ وَأَنَا دَانِيَالَ، بَيْنَمَا كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا وَأُحَاوِلُ أَنْ أَفْهَمَ مَعْنَاهَا، ظَهَرَ أَمَامِي وَاحِدٌ يُشْبِهُ الْإِنْسَانَ. وَسَمِعْتُ صَوْتَ إِنْسَانٍ يُنَادِي مِنْ نَهْرِ أُولَايَ فَقَالَ: ”يَا جِبْرِيلُ، فَسِّرِ الرُّؤْيَا لِهَذَا الرَّجُلِ.“ فَلَمَّا جَاءَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كُنْتُ وَاقِفًا فِيهِ، اِرْتَعَبْتُ وَرَمَيْتُ نَفْسِي عَلَى الْأَرْضِ. فَقَالَ لِي: ”يَا ابْنَ آدَمَ، اِفْهَمْ أَنَّ هَذِهِ الرُّؤْيَا هِيَ بِشَأْنِ آخِرِ الزَّمَنِ.“ وَبَيْنَمَا كَانَ يُكَلِّمُنِي، حَلَّ عَلَيَّ نَوْمٌ عَمِيقٌ وَوَجْهِي عَلَى الْأَرْضِ. فَلَمَسَنِي وَأَقَامَنِي عَلَى قَدَمَيَّ وَقَالَ: ”سَأُخْبِرُكَ بِمَا سَيَحْدُثُ فِيمَا بَعْدُ، فِي وَقْتِ غَضَبِ اللهِ. لِأَنَّ هَذِهِ الرُّؤْيَا هِيَ بِشَأْنِ آخِرِ الزَّمَنِ. الْكَبْشُ الَّذِي رَأَيْتَهُ، الَّذِي لَهُ قَرْنَانِ، هُوَ مُلُوكُ مَادِي وَفَارِسَ. وَجَدْيُ الْمَعْزِ هُوَ مَلِكُ الْيُونَانِ، وَالْقَرْنُ الْكَبِيرُ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ هُوَ الْمَلِكُ الْأَوَّلُ. وَلَكِنَّهُ انْكَسَرَ، وَطَلَعَ مَكَانَهُ 4 قُرُونٍ هِيَ 4 مَمَالِكَ تَقُومُ مِنْ أُمَّتِهِ. وَلَكِنَّهَا لَا تَكُونُ قَوِيَّةً مِثْلَهُ. وَفِي آخِرِ أَيَّامِ هَذِهِ الْمَمَالِكِ، حِينَ يَبْلُغُ التَّمَرُّدُ ضِدَّ اللهِ أَقْصَى حُدُودِهِ، يَقُومُ مَلِكٌ فَظُّ الْوَجْهِ وَشَدِيدُ الْمَكْرِ. وَيَكُونُ قَوِيًّا جِدًّا، وَلَكِنَّ قُوَّتَهُ لَيْسَتْ مِنْهُ. وَيُسَبِّبُ خَرَابًا فَظِيعًا، وَيَنْجَحُ فِي كُلِّ مَا يَعْمَلُهُ. وَيُهْلِكُ الْعُظَمَاءَ وَالشَّعْبَ الْمُقَدَّسَ. وَيَنْجَحُ بِخِدَاعِهِ وَمَكْرِهِ، وَيَتَكَبَّرُ جِدًّا، وَيُهْلِكُ كَثِيرِينَ مِنَ النَّاسِ وَهُمْ فِي أَمَانٍ، وَيَتَحَدَّى رَئِيسَ الرُّؤَسَاءِ، وَلَكِنَّهُ يَتَحَطَّمُ بِغَيْرِ قُوَّةٍ بَشَرِيَّةٍ. فَالرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتَهَا عَنْ هَذَا الْعَدَدِ مِنْ مَسَاءٍ وَصَبَاحٍ هِيَ حَقٌّ. وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ تَكْتُمَهَا لِأَنَّهَا لَا تَتِمُّ إِلَّا بَعْدَ وَقْتٍ طَوِيلٍ.“ وَأَنَا دَانِيَالَ، ضَعُفْتُ وَمَرِضْتُ عِدَّةَ أَيَّامٍ. ثُمَّ قُمْتُ وَبَاشَرْتُ أَعْمَالَ الْمَلِكِ. وَكُنْتُ حَائِرًا مِنَ الرُّؤْيَا، لِأَنِّي لَمْ أَفْهَمْ مَعْنَاهَا. فِي السَّنَةِ الْأُولَى لِدَارِيُوسَ بْنِ حَشْوِيرَ مِنْ نَسْلِ الْمَادِيِّينَ، الَّذِي صَارَ مَلِكًا عَلَى مَمْلَكَةِ بَابِلَ، فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ حُكْمِهِ، فَهِمْتُ أَنَا دَانِيَالَ مِنْ دِرَاسَةِ الْكُتُبِ أَنَّ خَرَابَ الْقُدْسِ يَدُومُ 70 سَنَةً، وَذَلِكَ كَمَا قَالَ اللهُ لِإِرْمِيَا النَّبِيِّ. فَاتَّجَهْتُ بِقَلْبِي إِلَى رَبِّي وَإِلَهِي وَتَضَرَّعْتُ إِلَيْهِ وَصَلَّيْتُ وَطَلَبْتُ مِنْهُ وَصُمْتُ وَلَبِسْتُ الْخَيْشَ وَوَضَعْتُ الرَّمَادَ عَلَى رَأْسِي. وَقُلْتُ فِي دُعَائِي وَاعْتِرَافِي لِرَبِّي وَإِلَهِي: ”يَا رَبَّنَا الْإِلَهَ الْعَظِيمَ الرَّهِيبَ، يَا مَنْ تَحْفَظُ الْعَهْدَ وَتَرْحَمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكَ وَيَحْفَظُونَ وَصَايَاكَ، نَحْنُ أَخْطَأْنَا وَأَذْنَبْنَا وَارْتَكَبْنَا الشَّرَّ، وَتَمَرَّدْنَا وَانْحَرَفْنَا عَنْ وَصَايَاكَ وَشَرَائِعِكَ. وَلَمْ نَسْمَعْ لِعَبِيدِكَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ بِاسْمِكَ أَنْذَرُوا مُلُوكَنَا وَرُؤَسَاءَنَا وَآبَاءَنَا وَكُلَّ شَعْبِ الْبِلَادِ. أَنْتَ صَالِحٌ يَا رَبُّ، أَمَّا نَحْنُ فَالْخَجَلُ يُغَطِّي وُجُوهَنَا الْيَوْمَ، نَحْنُ رِجَالَ يَهُوذَا وَسُكَّانَ الْقُدْسِ وَكُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْقَرِيبِينَ وَالْبَعِيدِينَ الَّذِينَ فِي كُلِّ الْبِلَادِ الَّتِي بَدَّدْتَنَا فِيهَا، بِسَبَبِ خِيَانَتِنَا لَكَ. نَعَمْ، الْخَجَلُ يُغَطِّي وُجُوهَنَا يَا رَبُّ، نَحْنُ وَمُلُوكَنَا وَرُؤَسَاءَنَا وَآبَاءَنَا، لِأَنَّنَا أَخْطَأْنَا فِي حَقِّكَ. وَأَنْتَ يَا رَبَّنَا وَإِلَهَنَا رَحِيمٌ غَفُورٌ، مَعَ أَنَّنَا تَمَرَّدْنَا ضِدَّكَ، وَرَفَضْنَا أَنْ نُطِيعَكَ يَا رَبَّنَا وَإِلَهَنَا، وَلَمْ نَعْمَلْ بِشَرَائِعِكَ الَّتِي أَعْطَيْتَهَا لَنَا بِوَاسِطَةِ عَبِيدِكَ الْأَنْبِيَاءِ. كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَعَدَّوْا عَلَى شَرِيعَتِكَ، وَانْحَرَفُوا وَرَفَضُوا أَنْ يُطِيعُوكَ، لِذَلِكَ أَرْسَلْتَ عَلَيْنَا اللَّعْنَةَ وَالْحُكْمَ الْوَارِدَ فِي كِتَابِ مُوسَى عَبْدِ اللهِ. لِأَنَّنَا أَخْطَأْنَا فِي حَقِّكَ. وَنَفَّذْتَ الْكَلَامَ الَّذِي حَكَمْتَ بِهِ ضِدَّنَا وَضِدَّ رُؤَسَائِنَا، بِأَنْ أَنْزَلْتَ عَلَيْنَا مَصَائِبَ فَظِيعَةً. فَالَّذِي جَرَى لِلْقُدْسِ، لَمْ يَحْدُثْ مِثْلُهُ أَبَدًا فِي كُلِّ الدُّنْيَا. فَكُلُّ هَذِهِ الْمَصَائِبِ حَلَّتْ بِنَا كَمَا وَرَدَ فِي كِتَابِ مُوسَى. وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ نَطْلُبْ رِضَاكَ يَا رَبَّنَا وَإِلَهَنَا، وَلَا رَجَعْنَا عَنْ ذُنُوبِنَا، وَلَا انْتَبَهْنَا لِكَلَامِكَ الْحَقِّ. أَنْتَ يَا رَبُّ أَعْدَدْتَ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ وَأَنْزَلْتَهَا عَلَيْنَا. فَأَنْتَ يَا رَبَّنَا وَإِلَهَنَا صَالِحٌ فِي كُلِّ أَعْمَالِكَ، لِأَنَّنَا رَفَضْنَا أَنْ نُطِيعَكَ. وَالْآنَ يَا رَبَّنَا وَإِلَهَنَا، يَا مَنْ أَخْرَجْتَ شَعْبَكَ مِنْ مِصْرَ بِيَدٍ قَدِيرَةٍ، وَاشْتَهَرْتَ بِذَلِكَ لِحَدِّ هَذَا الْيَوْمِ، نَحْنُ أَخْطَأْنَا وَعَمِلْنَا الشَّرَّ. وَلَكِنْ يَا رَبُّ، بِمَا أَنَّكَ صَالِحٌ، مِنْ فَضْلِكَ ارْجِعْ عَنْ غَضَبِكَ وَسَخَطِكَ عَلَى الْقُدْسِ، مَدِينَتِكَ وَجَبَلِكَ الْمُقَدَّسِ. فَإِنَّهُ بِسَبَبِ ذُنُوبِنَا وَشُرُورِ آبَائِنَا صَارَتِ الْقُدْسُ وَشَعْبُكَ عَارًا لِكُلِّ الَّذِينَ حَوْلَنَا. فَاسْمَعِ الْآنَ يَا إِلَهَنَا صَلَاتِي وَتَضَرُّعِي أَنَا عَبْدَكَ. وَمِنْ أَجْلِكَ يَا رَبُّ، اُنْظُرْ بِعَيْنِ الرِّضَى إِلَى بَيْتِكَ الَّذِي صَارَ خَرَابًا. قَرِّبْ أُذُنَكَ يَا إِلَهِي وَاسْمَعْ، اِفْتَحْ عَيْنَيْكَ وَانْظُرِ الْخَرَابَ الَّذِي حَلَّ بِنَا وَبِالْمَدِينَةِ الَّتِي اخْتَرْتَهَا لِتَكُونَ مَدِينَتَكَ. نَحْنُ لَا نَسْأَلُكَ لِأَنَّنَا نَسْتَحِقُّ، بَلْ لِأَنَّ رَحْمَتَكَ عَظِيمَةٌ. يَا رَبُّ اسْمَعْ، يَا رَبُّ اغْفِرْ، يَا رَبُّ انْتَبِهْ وَاعْمَلْ شَيْئًا! مِنْ أَجْلِكَ يَا إِلَهِي لَا تَتَأَخَّرْ، لِأَنَّكَ اخْتَرْتَ الْمَدِينَةَ لِتَكُونَ مَدِينَتَكَ وَالشَّعْبَ لِيَكُونَ شَعْبَكَ.“ وَظَلَلْتُ أُصَلِّي وَأَعْتَرِفُ بِذَنْبِي وَذَنْبِ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأُقَدِّمُ تَضَرُّعِي لِرَبِّي وَإِلَهِي مِنْ أَجْلِ جَبَلِهِ الْمُقَدَّسِ. وَبَيْنَمَا كُنْتُ أُصَلِّي، إِذَا بِجِبْرِيلَ، الرَّجُلِ الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي رُؤْيَا أُخْرَى مِنْ قَبْلُ، جَاءَ إِلَيَّ يَطِيرُ بِسُرْعَةٍ، وَقْتَ قُرْبَانِ الْمَسَاءِ. وَفَهَّمَنِي وَقَالَ لِي: ”يَا دَانِيَالُ، أَنَا جِئْتُ لِأُفَهِّمَكَ وَأُعَلِّمَكَ. أَنْتَ لَمَّا بَدَأْتَ تُصَلِّي، اِسْتَجَابَ اللهُ لَكَ، فَجِئْتُ لِأُخْبِرَكَ لِأَنَّهُ يُحِبُّكَ. فَتَأَمَّلِ الْكَلَامَ الَّذِي أَقُولُهُ، وَافْهَمِ الرُّؤْيَا. ”حَكَمَ اللهُ بِـ7 سِنِينَ 70 مَرَّةً تَمْضِي عَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى مَدِينَتِكَ الْمُقَدَّسَةِ، ثُمَّ يَكُفُّ النَّاسُ عَنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، وَيَنْتَهِي الشَّرُّ، وَيَتِمُّ التَّكْفِيرُ عَنِ الذَّنْبِ، وَيَأْتِي الصَّلَاحُ الَّذِي يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ، وَتَتِمُّ الرُّؤْيَا وَالنُّبُوَّةُ، وَيُمْسَحُ أَفْضَلُ الصَّالِحِينَ. فَاعْلَمْ وَافْهَمْ أَنَّهُ مِنْ وَقْتِ صُدُورِ الْقَرَارِ بِإِعَادَةِ بِنَاءِ الْقُدْسِ، إِلَى مَجِيءِ الْمَسِيحِ الْمَلِكِ، تَمْضِي 7 سِنِينَ 7 مَرَّاتٍ ثُمَّ 7 سِنِينَ 62 مَرَّةً. وَتُبْنَى الْمَدِينَةُ بِشَوَارِعَ وَتَحْصِينَاتٍ، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ الصَّعْبِ. وَبَعْدَ مُرُورِ 7 سِنِينَ 62 مَرَّةً، يُقْتَلُ الْمَسِيحُ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَنْجَحْ فِي شَيْءٍ. ثُمَّ يَأْتِي مَلِكٌ تَخْرِبُ جُيُوشُهُ الْمَدِينَةَ وَالْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ. وَتَأْتِي النِّهَايَةُ كَالسَّيْلِ، بِحَرْبٍ تَدُومُ وَخَرَابٍ مَحْتُومٍ. وَيَعْقِدُ ذَلِكَ الْمَلِكُ عَهْدًا مَعَ كَثِيرِينَ لِفَتْرَةِ 7 سِنِينَ، وَلَكِنْ بَعْدَ انْقِضَاءِ نِصْفِ هَذِهِ الْفَتْرَةِ، يُبَطِّلُ تَقْدِيمَ الضَّحَايَا وَالْقَرَابِينِ. ثُمَّ يَأْتِي الَّذِي اسْمُهُ النَّجَاسَةُ وَالْخَرَابُ إِلَى الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ، حَتَّى تَنْزِلَ عَلَيْهِ النِّهَايَةُ الْمَحْتُومَةُ.“ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ لِكُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ، كَشَفَ اللهُ أَمْرًا لِدَانِيَالَ الَّذِي اسْمُهُ بَلْطَشَاصَرُ. كَشَفَ لَهُ عَنْ أَشْيَاءَ لَا بُدَّ أَنْ تَحْدُثَ، عَنْ حَرْبٍ عَظِيمَةٍ. وَفَهِمَ دَانِيَالُ الْمَعْنَى لِأَنَّ التَّفْسِيرَ جَاءَهُ فِي رُؤْيَا. وَفِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، أَنَا دَانِيَالَ قَضَيْتُ 3 أَسَابِيعَ كَامِلَةٍ فِي حُزْنٍ. فَلَمْ آكُلْ فِيهَا طَعَامًا شَهِيًّا، وَلَمْ يَدْخُلْ فَمِي لَحْمٌ وَلَا خَمْرٌ، وَلَمْ أَتَعَطَّرْ حَتَّى تَمَّتِ الْأَسَابِيعُ الـ3. وَفِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، بَيْنَمَا كُنْتُ وَاقِفًا عَلَى ضَفَّةِ النَّهْرِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُوَ دِجْلَةُ، نَظَرْتُ فَرَأَيْتُ أَمَامِي رَجُلًا لَابِسًا كَتَّانًا، وَحَوْلَ وَسَطِهِ حِزَامٌ مِنَ الذَّهَبِ النَّقِيِّ، وَجِسْمُهُ كَالزَّبَرْجَدِ، وَوَجْهُهُ كَالْبَرْقِ، وَعَيْنَاهُ كَمِصْبَاحَيْنِ مِنْ نَارٍ، وَذِرَاعَاهُ وَرِجْلَاهُ تَلْمَعَانِ كَالنُّحَاسِ النَّقِيِّ، وَصَوْتُ كَلَامِهِ كَصَوْتِ جُمْهُورٍ. وَأَنَا دَانِيَالَ رَأَيْتُ الرُّؤْيَا وَحْدِي. أَمَّا الرِّجَالُ الَّذِينَ كَانُوا مَعِي فَلَمْ يَرَوْهَا، إِنَّمَا حَلَّ عَلَيْهِمْ خَوْفٌ عَظِيمٌ فَهَرَبُوا وَاخْتَبَأُوا. وَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي أُشَاهِدُ هَذِهِ الرُّؤْيَا الْعَظِيمَةَ. وَرَاحَتْ مِنِّيَ الْقُوَّةُ، وَاصْفَرَّ وَجْهِي، وَضَعُفْتُ جِدًّا. ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَتَكَلَّمُ، وَبَيْنَمَا أَنَا أُصْغِي، حَلَّ عَلَيَّ نَوْمٌ عَمِيقٌ وَوَجْهِي عَلَى الْأَرْضِ. وَهُنَا لَمَسَتْنِي يَدٌ وَأَقَامَتْنِي عَلَى يَدَيَّ وَرُكْبَتَيَّ وَأَنَا أَرْتَعِشُ. وَقَالَ لِي: ”يَا دَانِيَالُ، أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمَحْبُوبُ، اِفْهَمِ الْكَلَامَ الَّذِي سَأَقُولُهُ لَكَ. قِفْ عَلَى رِجْلَيْكَ، فَإِنِّي أُرْسِلْتُ إِلَيْكَ الْآنَ.“ وَلَمَّا قَالَ هَذَا، وَقَفْتُ وَأَنَا أَرْتَعِشُ. فَقَالَ لِي: ”لَا تَخَفْ يَا دَانِيَالُ، لِأَنَّهُ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ عَزَمْتَ فِيهِ أَنْ تَفْهَمَ وَتُذَلِّلَ نَفْسَكَ أَمَامَ إِلَهِكَ، سَمِعَ اللهُ دُعَاءَكَ، وَأَنَا جِئْتُ اسْتِجَابَةً لِذَلِكَ. لَكِنَّ رَئِيسَ مَمْلَكَةِ فَارِسَ قَاوَمَنِي 21 يَوْمًا. فَجَاءَ مِيخَائِيلُ أَحَدُ كِبَارِ الرُّؤَسَاءِ لِيُسَاعِدَنِي، لِأَنِّي تَأَخَّرْتُ هُنَاكَ عِنْدَ مَلِكِ فَارِسَ. وَالْآنَ جِئْتُ لِأُعَرِّفَكَ مَا يَحْدُثُ لِشَعْبِكَ فِي الْأَيَّامِ الْأَخِيرَةِ، لِأَنَّ الرُّؤْيَا هِيَ عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ.“ وَبَيْنَمَا كَانَ يَقُولُ لِي هَذَا الْكَلَامَ، أَحْنَيْتُ وَجْهِي إِلَى الْأَرْضِ وَصَمَتُّ. ثُمَّ جَاءَ وَاحِدٌ يُشْبِهُ الْإِنْسَانَ وَلَمَسَ شَفَتَيَّ، فَفَتَحْتُ فَمِي وَتَكَلَّمْتُ وَقُلْتُ لِلْوَاقِفِ أَمَامِي: ”أَنَا مَغْلُوبٌ عَلَى أَمْرِي مِنَ الْحُزْنِ بِسَبَبِ الرُّؤْيَا يَا سَيِّدِي، أَنَا ضَعُفْتُ جِدًّا. فَكَيْفَ أَقْدِرُ يَا سَيِّدِي أَنْ أُكَلِّمَكَ وَأَنَا عَبْدُكَ، وَقَدْ رَاحَتْ مِنِّي قُوَّتِي وَلَمْ يَبْقَ فِيَّ نَفَسٌ.“ فَعَادَ الَّذِي يُشْبِهُ الْإِنْسَانَ وَلَمَسَنِي وَقَوَّانِي. وَقَالَ: ”لَا تَخَفْ أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمَحْبُوبُ. السَّلَامُ عَلَيْكَ، كُنْ قَوِيًّا وَشَدِيدًا.“ وَلَمَّا كَلَّمَنِي تَقَوَّيْتُ وَقُلْتُ لَهُ: ”كَلِّمْنِي يَا سَيِّدِي لِأَنَّكَ قَوَّيْتَنِي.“ فَقَالَ: ”هَلْ تَعْرِفُ لِمَاذَا جِئْتُ إِلَيْكَ؟ أَنَا سَأَرْجِعُ الْآنَ لِأُحَارِبَ رَئِيسَ فَارِسَ، وَبَعْدَمَا أَذْهَبُ يَأْتِي رَئِيسُ الْيُونَانِ. وَلَكِنِّي أُخْبِرُكَ أَوَّلًا بِمَا وَرَدَ فِي كِتَابِ الْحَقِّ. لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ مَنْ يُسَانِدُنِي ضِدَّ هَؤُلَاءِ إِلَّا مِيخَائِيلُ رَئِيسُكُمْ. ”فَأَنَا أَقِفُ مَعَهُ وَأُقَوِّيهِ وَأُشَدِّدُهُ، وَذَلِكَ مُنْذُ السَّنَةِ الْأُولَى لِدَارِيُوسَ الْمَادِيِّ. وَالْآنَ أَكْشِفُ لَكَ الْحَقَّ، سَيَقُومُ فِي فَارِسَ 3 مُلُوكٍ آخَرِينَ، ثُمَّ رَابِعٌ يَكُونُ أَغْنَى مِنْهُمْ جَمِيعًا. وَيَسْتَخْدِمُ غِنَاهُ لِيَحْصُلَ عَلَى الْقُوَّةِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يُثِيرُ الْكُلَّ ضِدَّ مَمْلَكَةِ الْيُونَانِ. ثُمَّ يَقُومُ مَلِكٌ قَدِيرٌ يَتَسَلَّطُ عَلَى مَمْلَكَةٍ شَاسِعَةٍ وَيَعْمَلُ مَا يَشَاءُ. وَلَكِنْ فِي ذُرْوَةِ قُوَّتِهِ تَتَحَطَّمُ مَمْلَكَتُهُ وَتَنْقَسِمُ إِلَى جِهَاتِ الْأَرْضِ الْـ4. وَلَكِنْ لَا يَرِثُهَا نَسْلُهُ، وَلَا تَكُونُ لَهَا الْقُوَّةُ الَّتِي كَانَتْ لَهَا مِنْ قَبْلُ، بَلْ تَنْقَرِضُ مَمْلَكَتُهُ وَتُعْطَى لِآخَرِينَ. ”وَيَصِيرُ مَلِكُ الْجَنُوبِ قَوِيًّا، وَلَكِنَّ أَحَدَ قُوَّادِهِ يَقْوَى عَلَيْهِ وَيَتَسَلَّطُ عَلَى مَمْلَكَتِهِ بِنُفُوذٍ عَظِيمٍ. وَبَعْدَ بِضْعَةِ سِنِينَ تَتِمُّ مُعَاهَدَةٌ جَدِيدَةٌ. فَتُصْبِحُ بِنْتُ مَلِكِ الْجَنُوبِ زَوْجَةً لِمَلِكِ الشَّمَالِ، لِعَقْدِ هَذِهِ الِاتِّفَاقِيَّةِ. وَلَكِنَّهَا تَفْقِدُ نُفُوذَهَا، وَأَبُوهَا أَيْضًا يَفْقِدُ نُفُوذَهُ وَلَا يَدُومُ. فَتَهْلِكُ هِيَ وَالَّذِينَ صَحِبُوهَا إِلَى تِلْكَ الْبِلَادِ وَالَّذِي وَلَدَهَا وَالَّذِي سَانَدَهَا. وَلَكِنَّ وَاحِدًا مِنْ عَائِلَتِهَا يَصِيرُ مَلِكًا مَكَانَهُ، وَيَزْحَفُ عَلَى رَأْسِ جَيْشٍ، وَيَدْخُلُ حِصْنَ مَلِكِ الشَّمَالِ وَيُحَارِبُهُ وَيَغْلِبُهُ. وَيَسْتَوْلِي عَلَى آلِهَتِهِمْ وَتَمَاثِيلِهِمْ وَآنِيَتِهِمِ الثَّمِينَةِ الَّتِي مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ، وَيَأْخُذُهَا إِلَى مِصْرَ. ثُمَّ يَتْرُكُ مَلِكَ الشَّمَالِ بِضْعَةَ سِنِينَ. فَيَهْجُمُ مَلِكُ الشَّمَالِ عَلَى أَرْضِ مَلِكِ الْجَنُوبِ، وَلَكِنَّهُ يَنْسَحِبُ بِفَشَلٍ إِلَى بِلَادِهِ. ”فَيَسْتَعِدُّ أَوْلَادُهُ لِلْحَرْبِ، وَيَجْمَعُونَ جَيْشًا عَظِيمًا يَزْحَفُ كَالسَّيْلِ، وَتَنْتَشِرُ الْمَعْرَكَةُ حَتَّى إِلَى عَاصِمَةِ مَلِكِ الْجَنُوبِ. فَيَغْضَبُ مَلِكُ الْجَنُوبِ، وَيَخْرُجُ لِيُحَارِبَ مَلِكَ الشَّمَالِ. وَمَعَ أَنَّ مَلِكَ الشَّمَالِ يَأْتِي بِجَيْشٍ عَظِيمٍ، لَكِنَّهُ يَنْهَزِمُ. فَيَتَكَبَّرُ مَلِكُ الْجَنُوبِ وَيَنْتَفِخُ قَلْبُهُ وَيَقْتُلُ عَشَرَاتِ الْأُلُوفِ، وَلَكِنْ لَا يَدُومُ النَّصْرُ لَهُ. لِأَنَّ مَلِكَ الشَّمَالِ يَجْمَعُ جَيْشًا آخَرَ أَكْبَرَ مِنَ الْأَوَّلِ، وَبَعْدَ سِنِينَ عَدِيدَةٍ، يَزْحَفُ بِجَيْشٍ عَظِيمٍ وَعَتَادٍ كَثِيرٍ. ”وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَتَمَرَّدُ كَثِيرُونَ ضِدَّ مَلِكِ الْجَنُوبِ، كَمَا يَتَمَرَّدُ ضِدَّهُ بَعْضُ الثَّوْرِيِّينَ مِنْ شَعْبِكَ لِإِتْمَامِ الرُّؤْيَا، وَلَكِنَّهُمْ يَفْشَلُونَ. فَيَأْتِي مَلِكُ الشَّمَالِ وَيُقِيمُ حِصَارًا وَيَسْتَوْلِي عَلَى الْمَدِينَةِ الْمُحَصَّنَةِ، فَلَا تَقْدِرُ أَنْ تَصُدَّهُ قُوَّاتُ الْجَنُوبِ، وَلَا حَتَّى أَحْسَنُ جُيُوشِهِمْ تَقْدِرُ أَنْ تُقَاوِمَ. فَيَعْمَلُ مَلِكُ الشَّمَالِ كَمَا يَحْلُو لَهُ، وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُقَاوِمَهُ. وَيَسْتَوْلِي عَلَى الْأَرْضِ الْجَمِيلَةِ، فَتَخْضَعُ كُلُّهَا لَهُ. وَيَعْزِمُ أَنْ يَسْتَخْدِمَ كُلَّ قُوَّةِ مَمْلَكَتِهِ ضِدَّ الْجَنُوبِ، وَلَكِنَّهُ يَعْقِدُ اتِّفَاقِيَّةً مَعَ مَلِكِ الْجَنُوبِ وَيُزَوِّجُهُ بِنْتَهُ لِكَيْ يَهْزِمَهُ فِيمَا بَعْدُ، وَلَكِنْ تَفْشَلُ خِطَّتُهُ وَلَا تَنْفَعُهُ. ثُمَّ يَتَحَوَّلُ مَلِكُ الشَّمَالِ نَحْوَ مُدُنِ سَاحِلِ الْبَحْرِ، وَيَسْتَوْلِي عَلَى كَثِيرٍ مِنْهَا. وَلَكِنَّ أَحَدَ الْقَادَةِ يَضَعُ حَدًّا لِشَتَائِمِهِ، بَلْ وَأَيْضًا يَشْتِمُهُ. فَيَرْجِعُ إِلَى حُصُونِ بِلَادِهِ، وَلَكِنَّهُ يَعْثُرُ وَيَسْقُطُ وَيَزُولُ مِنَ الْوُجُودِ. ”فَيَقُومُ مَكَانَهُ مَلِكٌ آخَرُ، يُرْسِلُ جَابِيَ الضَّرَائِبِ لِيَحْتَفِظَ بِجَلَالِهِ الْمَلَكِيِّ. وَلَكِنَّ هَذَا الْمَلِكَ أَيْضًا تَأْتِي نِهَايَتُهُ وَلَكِنْ لَا بِغَضَبٍ وَلَا بِحَرْبٍ. وَيَقُومُ مَكَانَهُ شَخْصٌ حَقِيرٌ بِلَا جَلَالٍ مَلَكِيٍّ، يَهْجُمُ عَلَى الْمَمْلَكَةِ بَيْنَمَا النَّاسُ فِي أَمَانٍ، وَيَأْخُذُ السُّلْطَةَ عَنْ طَرِيقِ الِاحْتِيَالِ. وَيَهْزِمُ جُيُوشًا كَبِيرَةً، فَتَنْكَسِرُ أَمَامَهُ. كَمَا يَقْتُلُ الرَّئِيسَ الَّذِي عَمِلَ الْمُعَاهَدَةَ. فَبَعْدَمَا يَعْمَلُ مَعَهُ اتِّفَاقِيَّةً، يَخْدَعُهُ. وَيَرْتَفِعُ إِلَى السُّلْطَةِ بِأَتْبَاعٍ قَلِيلِينَ. وَيَهْجُمُ عَلَى أَغْنَى الْبِلَادِ وَهِيَ فِي أَمَانٍ، وَيَعْمَلُ بِهَا مَا لَمْ يَعْمَلْهُ آبَاؤُهُ وَلَا أَجْدَادُهُ. وَيُوَزِّعُ الْغَنِيمَةَ وَالنَّهْبَ وَالثَّرْوَةَ عَلَى أَتْبَاعِهِ. وَيَرْسُمُ خِطَّةً لِيَسْتَوْلِيَ عَلَى الْحُصُونِ. وَلَكِنَّ كُلَّ هَذَا لَا يَدُومُ إِلَّا فَتْرَةً. وَيُقَوِّي وَيُشَجِّعُ نَفْسَهُ بِجَيْشٍ عَظِيمٍ ضِدَّ مَلِكِ الْجَنُوبِ. فَيَخْرُجُ مَلِكُ الْجَنُوبِ إِلَى الْحَرْبِ بِجَيْشٍ عَظِيمٍ وَقَوِيٍّ جِدًّا، وَلَكِنَّهُ لَا يَصْمُدُ لِأَنَّ أَعْدَاءَهُ يَتَآمَرُونَ ضِدَّهُ. وَيَخُونُهُ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ مِنْ خَيْرَاتِهِ، وَيَنْهَزِمُ جَيْشُهُ، وَيَمُوتُ كَثِيرُونَ فِي الْمَعْرَكَةِ. وَهَذَانِ الْمَلِكَانِ يُضْمِرَانِ الشَّرَّ. يَجْلِسَانِ إِلَى مَائِدَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَكْذِبَانِ الْوَاحِدُ عَلَى الْآخَرِ، ولَكِنْ بِلَا فَائِدَةٍ، لِأَنَّ النِّهَايَةَ تَأْتِي فِي الْمَوْعِدِ الْمُحَدَّدِ. وَيَرْجِعُ مَلِكُ الشَّمَالِ إِلَى بَلَدِهِ بِثَرْوَةٍ عَظِيمَةٍ. وَفِي الطَّرِيقِ، يُقَرِّرُ أَنْ يَعْمَلَ الشَّرَّ بِأَرْضِ الْعَهْدِ الْمُقَدَّسِ، وَيُنَفِّذُ هَذَا ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى بَلَدِهِ. ”وَفِي الْمَوْعِدِ الْمُحَدَّدِ يَهْجُمُ عَلَى الْجَنُوبِ مَرَّةً أُخْرَى. وَلَكِنْ لَا تَكُونُ النَّتِيجَةُ كَمَا حَدَثَ مِنْ قَبْلُ. بَلْ تَأْتِي سُفُنٌ مِنَ السَّوَاحِلِ الْغَرْبِيَّةِ وَتُحَارِبُ مَلِكَ الشَّمَالِ. فَيُصِيبُهُ الْيَأْسُ وَيَنْسَحِبُ. وَيَغْضَبُ عَلَى أَرْضِ الْعَهْدِ الْمُقَدَّسِ، وَيَرْجِعُ وَيُكَافِئُ الَّذِينَ تَرَكُوا الْعَهْدَ الْمُقَدَّسَ. وَتَأْتِي جُيُوشُهُ وَتُنَجِّسُ حِصْنَ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ، وَتُلْغِي تَقْدِيمَ الْقُرْبَانِ الْيَوْمِيِّ، ثُمَّ تُقِيمُ الَّذِي اسْمُهُ النَّجَاسَةُ وَالْخَرَابُ. فَيُضِلُّ بِالْكَلَامِ الْمَعْسُولِ الَّذِينَ يَتَعَدَّوْنَ عَلَى الْعَهْدِ، لَكِنَّ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ إِلَهَهُمْ يُقَاوِمُونَهُ بِشِدَّةٍ. وَالْحُكَمَاءُ يُعَلِّمُونَ كَثِيرِينَ، مَعَ أَنَّ مَصِيرَهُمْ أَحْيَانًا هُوَ الْقَتْلُ بِالسَّيْفِ وَالنَّارِ أَوِ السَّجْنُ وَالنَّهْبُ. وَحِينَ يَتَأَلَّمُونَ لَا يَنَالُونَ إِلَّا عَوْنًا قَلِيلًا، لِأَنَّ كَثِيرِينَ يَنْضَمُّونَ إِلَيْهِمْ عَنْ غَيْرِ إِخْلَاصٍ. وَبَعْضُ الْحُكَمَاءِ يَعْثُرُونَ لِامْتِحَانِهِمْ وَتَطْهِيرِهِمْ وَتَنْقِيَتِهِمْ، حَتَّى تَأْتِيَ النِّهَايَةُ، لِأَنَّهَا سَتَأْتِي فِي الْوَقْتِ الْمُحَدَّدِ. ”وَيَعْمَلُ مَلِكُ الشَّمَالِ كَمَا يَحْلُو لَهُ. فَيَرْفَعُ وَيُعَظِّمُ نَفْسَهُ فَوْقَ كُلِّ إِلَهٍ، وَيَقُولُ أَشْيَاءَ ضِدَّ إِلَهِ الْآلِهَةِ لَمْ يَسْمَعْهَا أَحَدٌ مِنْ قَبْلُ. وَيَنْجَحُ حَتَّى يَتِمَّ وَقْتُ الْغَضَبِ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَتِمَّ مَا قَضَى بِهِ اللهُ. وَهَذَا الْمَلِكُ لَا يُبَالِي بِالْآلِهَةِ الَّتِي عَبَدَهَا آبَاؤُهُ، وَلَا بِالْإِلَهِ الَّذِي تَهِيمُ بِهِ النِّسَاءُ، وَلَا بِأَيِّ إِلَهٍ آخَرَ. بَلْ يُعَظِّمُ نَفْسَهُ فَوْقَهُمْ جَمِيعًا. إِنَّمَا يُكْرِمُ إِلَهَ الْحُصُونِ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْهُ آبَاؤُهُ، يُكْرِمُهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحِجَارَةِ الْكَرِيمَةِ وَالْهَدَايَا الثَّمِينَةِ. وَيَهْجُمُ عَلَى أَقْوَى الْحُصُونِ بِمَعُونَةِ إِلَهٍ غَرِيبٍ. وَيُكْرِمُ الَّذِينَ يَخْضَعُونَ لَهُ، وَيُعْطِيهِمْ مَرَاكِزَ سُلْطَةٍ، وَيَقْسِمُ الْأَرْضَ بَيْنَهُمْ أُجْرَةً لَهُمْ. ”وَفِي آخِرِ الزَّمَنِ يُحَارِبُهُ مَلِكُ الْجَنُوبِ، فَيَهْجُمُ عَلَيْهِ مَلِكُ الشَّمَالِ بِمَرْكَبَاتٍ وَفُرْسَانٍ وَسُفُنٍ كَثِيرَةٍ، وَيَدْخُلُ الْبِلَادَ كَالسَّيْلِ الْجَارِفِ. وَيَدْخُلُ أَيْضًا الْأَرْضَ الْجَمِيلَةَ، وَتَسْقُطُ فِي يَدِهِ أُمَمٌ كَثِيرَةٌ، وَلَكِنْ تُفْلِتُ مِنْهُ أَدُومُ وَمُوآبُ وَقَادَةُ بَنِي عَمُّونَ. وَيَمُدُّ نُفُوذَهُ إِلَى بِلَادٍ كَثِيرَةٍ، وَمِصْرُ لَا تَنْجُو مِنْهُ. وَيَسْتَوْلِي عَلَى كُنُوزِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَعَلَى كُلِّ غِنَى مِصْرَ. وَيَخْضَعُ لَهُ أَهَالِي لِيبْيَا وَالْحَبَشَةِ. وَلَكِنْ تَأْتِيهِ أَخْبَارٌ مِنَ الشَّرْقِ وَمِنَ الشَّمَالِ، فَيَخْرُجُ بِغَضَبٍ شَدِيدٍ لِيَخْرِبَ وَيَقْضِيَ عَلَى الْكَثِيرِينَ. وَيَنْصُبُ خَيْمَتَهُ الْمَلَكِيَّةَ بَيْنَ الْبَحْرِ وَجَبَلِ الْقُدْسِ الْجَمِيلِ. ثُمَّ تَأْتِي نِهَايَتُهُ وَلَا يُعِينُهُ أَحَدٌ. ”فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، يَقُومُ مِيخَائِيلُ الرَّئِيسُ الْعَظِيمُ الَّذِي يَحْرُسُ شَعْبَكَ. وَيَحِلُّ وَقْتُ ضِيقٍ لَمْ يَحْدُثْ مِثْلُهُ مُنْذُ نَشَأَتِ الْأُمَمُ إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَلَكِنْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ شَعْبِكَ اسْمُهُ مَكْتُوبٌ فِي الْكِتَابِ، يَنْجُو. وَيَقُومُ كَثِيرُونَ مِنَ الْمَدْفُونِينَ فِي تُرَابِ الْأَرْضِ، بَعْضُهُمْ إِلَى حَيَاةِ الْخُلُودِ، وَبَعْضُهُمْ إِلَى الْعَارِ وَالذُّلِّ إِلَى الْأَبَدِ. وَالْحُكَمَاءُ يُضِيئُونَ كَنُورِ السَّمَاءِ، وَالَّذِينَ يَهْدُونَ النَّاسَ إِلَى الصَّلَاحِ يُضِيئُونَ كَالنُّجُومِ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ. ”أَمَّا أَنْتَ يَا دَانِيَالُ، فَاحْفَظِ الْكَلَامَ فِي السِّرِّ، وَأَغْلِقِ الْكِتَابَ إِلَى آخِرِ الزَّمَنِ. كَثِيرُونَ يَرُوحُونَ هُنَا وَهُنَاكَ لِيَزِيدُوا مَعْرِفَةً.“ وَأَنَا دَانِيَالَ، نَظَرْتُ فَرَأَيْتُ اثْنَيْنِ آخَرَيْنِ وَاقِفَيْنِ، وَاحِدًا عَلَى هَذِهِ الضَّفَّةِ مِنَ النَّهْرِ، وَالْآخَرَ عَلَى الضَّفَّةِ الْأُخْرَى. وَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلرَّجُلِ اللَّابِسِ الْكَتَّانَ الْوَاقِفِ فَوْقَ مِيَاهِ النَّهْرِ: ”مَتَى تَتِمُّ هَذِهِ الْأُمُورُ الْعَجِيبَةُ؟“ فَرَفَعَ الرَّجُلُ اللَّابِسُ الْكَتَّانَ الْوَاقِفُ فَوْقَ مِيَاهِ النَّهْرِ يَدَهُ الْيُمْنَى وَيَدَهُ الْيُسْرَى نَحْوَ السَّمَاءِ. وَسَمِعْتُهُ يَحْلِفُ بِالْحَيِّ إِلَى الْأَبَدِ وَقَالَ: ”إِلَى ثَلَاثِ سِنِينَ وَنِصْفٍ. حِينَ تَنْكَسِرُ قُوَّةُ الشَّعْبِ الْمُقَدَّسِ، تَتِمُّ كُلُّ هَذِهِ الْأُمُورِ.“ وَأَنَا سَمِعْتُ هَذَا وَلَكِنِّي لَمْ أَفْهَمْ. فَقُلْتُ: ”يَا سَيِّدِي، مَا هِيَ آخِرَةُ كُلِّ هَذَا؟“ فَقَالَ: ”اِذْهَبْ يَا دَانِيَالُ، لِأَنَّ الْكَلَامَ مَخْفِيٌّ وَمُغْلَقٌ إِلَى آخِرِ الزَّمَنِ. هَذِهِ تَحْدُثُ لِتَطْهِيرِ كَثِيرِينَ وَتَنْقِيَتِهِمْ وَامْتِحَانِهِمْ. أَمَّا الْأَشْرَارُ فَيَسْتَمِرُّونَ فِي عَمَلِ الشَّرِّ وَلَا يَفْهَمُونَ، لَكِنَّ الْحُكَمَاءَ يَفْهَمُونَ. وَمِنْ وَقْتِ إِلْغَاءِ تَقْدِيمِ الْقُرْبَانِ الْيَوْمِيِّ وَإِقَامَةِ الَّذِي اسْمُهُ النَّجَاسَةُ وَالْخَرَابُ 1290 يَوْمًا. هَنِيئًا لِمَنْ يَنْتَظِرُ وَيَبْلُغُ إِلَى الْـ1335 يَوْمًا. أَمَّا أَنْتَ، فَاذْهَبْ لِتَسْتَرِيحَ إِلَى أَنْ يَحِينَ الْوَقْتُ، فَتَقُومَ لِتَنَالَ نَصِيبَكَ فِي آخِرِ الزَّمَنِ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ الَّذِي أَوْحَى بِهِ إِلَى هُوشَعَ بْنِ بَئِيرِي فِي أَثْنَاءِ حُكْمِ عُزِّيَّا وَيُوتَامَ وَآحَازَ وَحَزَقِيَّا مُلُوكِ يَهُوذَا، وَفِي أَثْنَاءِ حُكْمِ يَرْبَعَامَ بْنِ يُوآشَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ. أَوَّلَ مَا كَلَّمَ اللهُ هُوشَعَ قَالَ لَهُ: ”خُذْ لَكَ زَوْجَةً خَائِنَةً، تُنْجِبُ أَوْلَادَ زِنًى، لِأَنَّ الْبِلَادَ ارْتَكَبَتِ الْخِيَانَةَ بِأَنَّهَا تَرَكَتِ اللهَ.“ فَأَخَذَ جُومَرَ بِنْتَ دِبْلَايِمَ، فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ لَهُ ابْنًا. فَقَالَ اللهُ لِهُوشَعَ: ”سَمِّهِ ’يَزْرَعِيلَ‘ لِأَنِّي بَعْدَ قَلِيلٍ أُعَاقِبُ بَيْتَ يَاهُو عَلَى الدَّمِ الَّذِي سَفَكَهُ يَاهُو فِي يَزْرَعِيلَ، وَأُبِيدُ مَمْلَكَةَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَكْسِرُ قَوْسَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي وَادِي يَزْرَعِيلَ.“ ثُمَّ حَبِلَتْ جُومَرُ مَرَّةً أُخْرَى وَوَلَدَتْ بِنْتًا، فَقَالَ اللهُ لِهُوشَعَ: ”سَمِّهَا ’لَا رَحْمَةَ‘ لِأَنِّي لَا أَعُودُ أَرْحَمُ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، وَلَا أَغْفِرُ لَهُمْ. وَلَكِنِّي أَرْحَمُ بَيْتَ يَهُوذَا وَأُنْقِذُهُمْ. أُنْقِذُهُمْ لَا بِقَوْسٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ حَرْبٍ أَوْ خَيْلٍ أَوْ فُرْسَانٍ بَلْ بِالْمَوْلَى إِلَهِهِمْ.“ وَلَمَّا فَطَمَتْ 'لَا رَحْمَةَ' حَبِلَتْ جُومَرُ وَوَلَدَتِ ابْنًا. فَقَالَ اللهُ لِهُوشَعَ: ”سَمِّهِ ’لَا شَعْبِي‘ لِأَنَّكُمْ لَسْتُمْ شَعْبِي وَأَنَا لَسْتُ إِلَهَكُمْ. وَمَعَ ذَلِكَ يَكُونُ عَدَدُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَرَمْلِ الْبَحْرِ الَّذِي لَا يُكَالُ وَلَا يُعَدُّ. وَبَدَلًا مِنْ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: ’أَنْتُمْ لَسْتُمْ شَعْبِي‘ يُقَالُ لَهُمْ: ’أَنْتُمْ أَبْنَاءُ اللهِ الْحَيِّ.‘ وَيَتَّحِدُ بَنُو يَهُوذَا وَبَنُو إِسْرَائِيلَ مَعًا، وَيُنَصِّبُونَ عَلَيْهِمْ قَائِدًا وَاحِدًا وَيَنْتَشِرُونَ فِي الْبِلَادِ، لِأَنَّ يَوْمَ يَزْرَعِيلَ عَظِيمٌ.“ فَقُولُوا لِإِخْوَتِكُمْ: ”أَنْتُمْ شَعْبِي“ وَلِأَخَوَاتِكُمْ: ”أَنَا أَرْحَمُكُمْ.“ ”حَاكِمُوا أُمَّكُمْ، حَاكِمُوهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَتِي وَأَنَا لَسْتُ زَوْجَهَا. خَلُّوهَا تَكُفُّ عَنْ خِيَانَتِهَا، وَتَتَوَقَّفُ عَنْ فِسْقِهَا. لِئَلَّا أُعَرِّيَهَا وَأَكْشِفَهَا كَالْيَوْمِ الَّذِي وُلِدَتْ فِيهِ، وَأَجْعَلَهَا كَصَحْرَاءَ، وَأُحَوِّلَهَا إِلَى أَرْضٍ يَابِسَةٍ، وَأُمِيتَهَا مِنَ الْعَطَشِ. وَلَا أَرْحَمَ أَوْلَادَهَا لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ زِنًى. لِأَنَّ أُمَّهُمْ خَائِنَةٌ. الَّتِي حَبِلَتْ بِهِمُ ارْتَكَبَتِ الْعَارَ. قَالَتْ: ’أَتْبَعُ عُشَّاقِيَ الَّذِينَ يُعْطُونِي خُبْزِي وَمَائِي وَصُوفِي وَكَتَّانِي وَزَيْتِي وَشَرَابِي.‘ ”لِذَلِكَ أَسُدُّ طَرِيقَهَا بِالشَّوْكِ، وَأَبْنِي حَائِطًا حَوْلَهُ فَلَا تَجِدُ مَسْلَكًا. فَتَذْهَبُ وَرَاءَ عُشَّاقِهَا وَلَا تَلْحَقُ بِهِمْ، وَتَبْحَثُ عَنْهُمْ وَلَا تَجِدُهُمْ. فَتَقُولُ: ’أَرْجِعُ إِلَى زَوْجِي كَمَا كُنَّا فِي الْأَوَّلِ، لِأَنَّ حَالَتِي كَانَتْ أَحْسَنَ مِنَ الْآنَ.‘ ”وَهِيَ لَمْ تَعْرِفْ أَنِّي أَنَا الَّذِي أَعْطَيْتُهَا الْقَمْحَ وَالْخَمْرَ وَالزَّيْتَ. حَتَّى الْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ أَنَا أَعْطَيْتُهُمَا لَهَا، لَكِنَّهَا اسْتَعْمَلَتْهُمَا لِعِبَادَةِ الْبَعْلِ. لِذَلِكَ آخُذُ مِنْهَا قَمْحِي عِنْدَمَا يَنْضَجُ، وَخَمْرِي عِنْدَمَا تَجْهَزُ، وَأَنْتَزِعُ صُوفِي وَكَتَّانِيَ اللَّذَيْنِ تَسْتُرُ بِهِمَا عُرْيَهَا. وَأَكْشِفُ فُجُورَهَا أَمَامَ عُيُونِ عُشَّاقِهَا، وَلَا يُنْقِذُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي. وَأُبَطِّلُ كُلَّ أَفْرَاحِهَا وَأَعْيَادِهَا وَاحْتِفَالَاتِهَا بِرَأْسِ الشَّهْرِ وَسُبُوتِهَا، وَكُلَّ مَوَاسِمِهَا. وَأُتْلِفُ أَشْجَارَ عِنَبِهَا وَتِينِهَا الَّتِي قَالَتْ إِنَّهَا أُجْرَتُهَا الَّتِي أَعْطَاهَا لَهَا عُشَّاقُهَا، وَأَجْعَلُهَا غَابَةً فَتَأْكُلُهَا الْوُحُوشُ. وَأُعَاقِبُهَا عَلَى الْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تُبَخِّرُ فِيهَا لِلْبَعْلِ، وَتَتَزَيَّنُ بِخَوَاتِمِهَا وَحُلِيِّهَا، وَتَتْبَعُ عُشَّاقَهَا وَتَنْسَانِي. هَذَا كَلَامُ اللهِ. ”لَكِنِّي أَتَوَدَّدُ لَهَا وَآخُذُهَا إِلَى الصَّحْرَاءِ وَأُلَاطِفُهَا. وَأَرُدُّ لَهَا كُرُومَهَا، وَأَجْعَلُ وَادِيَ الْمُصِيبَةِ بَابًا لِلرَّجَاءِ. فَتُغَنِّي هُنَاكَ كَأَيَّامِ صِبَاهَا، وَكَالْيَوْمِ الَّذِي طَلَعَتْ فِيهِ مِنْ مِصْرَ. وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَدْعُونِي زَوْجَهَا، وَلَا تَدْعُونِي بَعْلَهَا فِيمَا بَعْدُ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. وَأُزِيلُ أَسْمَاءَ الْبَعْلِ مِنْ فَمِهَا، فَلَا تَذْكُرُهَا. وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَقْطَعُ لَهُمْ عَهْدًا مَعَ الْوُحُوشِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ وَالزَّوَاحِفِ. وَأُبَطِّلُ الْقَوْسَ وَالسَّيْفَ وَالْحَرْبَ مِنَ الْبِلَادِ، فَيَنَامُ الْكُلُّ فِي أَمَانٍ. وَأَتَزَوَّجُكِ فَتَكُونِينَ إِلَى الْأَبَدِ زَوْجَتِيَ الصَّالِحَةَ التَّقِيَّةَ، وَالْمُحِبَّةَ الرَّقِيقَةَ. نَعَمْ، أَتَزَوَّجُكِ فَتَكُونِينَ وَفِيَّةً وَتَعْرِفِينَ اللهَ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ: ”فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَسْتَجِيبُ. أَنَا أَسْتَجِيبُ لِلسَّمَاءِ وَالسَّمَاءُ تَسْتَجِيبُ لِلْأَرْضِ بِالْمَطَرِ. وَالْأَرْضُ تُعْطِي الْمَاءَ لِلْقَمْحِ وَالْخَمْرِ وَالزَّيْتِ، وَهَذِهِ كُلُّهَا تُغَنِّي: ’زَرَعَ اللهُ يَزْرَعِيلَ.‘ وَأَزْرَعُ شَعْبِي فِي الْأَرْضِ، وَأَرْحَمُ مَنِ اسْمُهَا ’لَا رَحْمَةَ‘ وَمَنِ اسْمُهُ ’لَا شَعْبِي‘ أَدْعُوهُ شَعْبِي، وَهُوَ يَدْعُونِي إِلَهَهُ.“ وَقَالَ اللهُ لِي: ”اِذْهَبْ وَأَحْبِبْ زَوْجَتَكَ مَرَّةً أُخْرَى، مَعَ أَنَّهَا خَائِنَةٌ وَتَعْشَقُ وَاحِدًا آخَرَ. أَحْبِبْهَا كَمَا يُحِبُّ اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَ أَنَّهُمْ مُنْحَرِفُونَ إِلَى آلِهَةٍ أُخْرَى وَيُحِبُّونَ أَقْرَاصَ الزَّبِيبِ.“ فَاشْتَرَيْتُهَا لِي بِـ15 عُمْلَةً مِنَ الْفِضَّةِ وَ30 كَيْلَةً مِنَ الشَّعِيرِ، وَقُلْتُ لَهَا: ”تُقِيمِينَ مَعِي وَقْتًا طَوِيلًا، لَا تَزْنِي وَلَا يَكُونُ لَكِ رَجُلٌ آخَرُ، وَأَنَا أَكُونُ مَعَكِ.“ لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَبْقَوْنَ وَقْتًا طَوِيلًا، بِلَا مَلِكٍ وَلَا حَاكِمٍ، وَبِلَا ضَحِيَّةٍ وَلَا تِمْثَالٍ، وَبِلَا كَاهِنٍ وَلَا أَصْنَامٍ. بَعْدَ ذَلِكَ يَرْجِعُونَ وَيَطْلُبُونَ الْمَوْلَى إِلَهَهُمْ، وَدَاوُدَ مَلِكَهُمْ. وَيَأْتُونَ إِلَى اللهِ مُرْتَجِفِينَ، وَيَطْلُبُونَ جُودَهُ فِي الْأَيَّامِ الْأَخِيرَةِ. اِسْمَعُوا كَلِمَةَ اللهِ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ: ”إِنَّ للهِ خُصُومَةً مَعَكُمْ يَا سُكَّانَ الْأَرْضِ، لِأَنَّهُ لَا أَمَانَةَ وَلَا رَحْمَةَ وَلَا مَعْرِفَةَ اللهِ فِي الْأَرْضِ. إِنَّمَا لَعْنَةٌ وَكِذْبٌ وَقَتْلٌ وَسَرِقَةٌ وَفِسْقٌ تَجَاوَزَتْ كُلَّ حَدٍّ، وَسَفْكُ دَمٍ يَعْقُبُهُ سَفْكُ دَمٍ. لِذَلِكَ تَنُوحُ الْأَرْضُ، وَيَذْبُلُ كُلُّ سَاكِنٍ فِيهَا مَعَ الْوُحُوشِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، بَلْ حَتَّى أَسْمَاكُ الْبَحْرِ تَهْلِكُ. ”وَلَكِنْ لَا تَشْتَكُوا كُلَّ الشَّعْبِ، وَلَا تَتَّهِمُوا الْكُلَّ، إِنَّمَا شَكْوَايَ هِيَ ضِدَّكُمْ أَنْتُمْ أَيُّهَا الْأَحْبَارُ. تَسْقُطُونَ فِي النَّهَارِ وَفِي اللَّيْلِ، وَيَسْقُطُ الْأَنْبِيَاءُ مَعَكُمْ، فَأُحَطِّمُ إِسْرَائِيلَ أُمَّكُمْ. هَلَكَ شَعْبِي لِعَدَمِ الْمَعْرِفَةِ. وَلِأَنَّكُمْ رَفَضْتُمُ الْمَعْرِفَةَ، فَأَنَا أَرْفُضُكُمْ فَلَا تَكُونُونَ لِي أَحْبَارًا. وَلِأَنَّكُمْ نَسِيتُمْ شَرِيعَةَ إِلَهِكُمْ، فَأَنَا أَيْضًا أَنْسَى بَنِيكُمْ. كُلَّمَا كَثُرَ الْأَحْبَارُ زَادَتْ خَطِيئَتُهُمْ ضِدِّي، فَأُبْدِلُ كَرَامَتَهُمْ بِهَوَانٍ. يَأْكُلُونَ مِنَ الضَّحَايَا الَّتِي يُقَدِّمُهَا شَعْبِي لِلتَّكْفِيرِ عَنِ الْخَطِيئَةِ، وَيُشَجِّعُونَهُمْ عَلَى التَّمَادِي فِي الْإِثْمِ. فَيَكُونُ الشَّعْبُ كَالْأَحْبَارِ، فَأُعَاقِبُهُمْ عَلَى سُلُوكِهِمْ، وَأُجَازِيهِمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ. فَيَأْكُلُونَ وَلَا يَشْبَعُونَ، وَيَزْنُونَ وَلَا يَكْثُرُونَ، لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا اللهَ وَاسْتَسْلَمُوا لِلزِّنَى. ”الْخَمْرُ الْمُعَتَّقَةُ وَالْخَمْرُ الْجَدِيدَةُ سَلَبَتْ عَقْلَ شَعْبِي، فَيَسْتَشِيرُونَ قِطْعَةَ خَشَبٍ وَيَسْأَلُونَ عَصًا. رُوحُ الْخِيَانَةِ أَضَلَّهُمْ، فَصَارُوا غَيْرَ أَوْفِيَاءَ لِإِلَهِهِمْ. يُقَدِّمُونَ الضَّحَايَا عَلَى قِمَمِ الْجِبَالِ، وَيَحْرِقُونَ الْقَرَابِينَ عَلَى التِّلَالِ تَحْتَ أَشْجَارِ الْبَلُّوطِ وَاللُّبْنَى وَالْبُطْمِ لِأَنَّ ظِلَّهَا حَسَنٌ. لِذَلِكَ تَزْنِي بَنَاتُكُمْ وَتَفْسِقُ زَوْجَاتُ أَبْنَائِكُمْ. ”لَنْ أُعَاقِبَ بَنَاتِكُمْ عَلَى الزِّنَى، وَلَا زَوْجَاتِ أَبْنَائِكُمْ عَلَى الْفِسْقِ، لِأَنَّ الرِّجَالَ أَنْفُسَهُمُ انْفَرَدُوا بِالزَّوَانِي، وَقَدَّمُوا الضَّحَايَا مَعَ بَغَايَا الْمَعَابِدِ. وَشَعْبٌ لَا يَفْهَمُ يَهْلِكُ. ”إِنْ كُنْتَ أَنْتَ خَائِنًا يَا شَعْبَ إِسْرَائِيلَ، فَلَا تَجْعَلْ شَعْبَ يَهُوذَا أَيْضًا يَرْتَكِبُ هَذَا الْإِثْمَ، أَوْ يَذْهَبُ إِلَى الْجِلْجَالِ، أَوْ يَصْعَدُ إِلَى بَيْتَ آوِنَ، وَلَا تَحْلِفُوا قَائِلِينَ: ’نُقْسِمُ بِاللهِ.‘ جَمَحَ شَعْبُ إِسْرَائِيلَ كَبَقَرَةٍ جَامِحَةٍ. فَكَيْفَ يَرْعَاكُمُ اللهُ فِي مَرْجٍ وَاسِعٍ؟ أَفْرَايِمُ مُولَعٌ بِالْأَصْنَامِ، فَاتْرُكُوهُ. يَشْرَبُونَ إِلَى السُّكْرِ ثُمَّ يَنْغَمِسُونَ فِي الْخِيَانَةِ. رُؤَسَاؤُهُمْ أَحَبُّوا الْهَوَانَ جِدًّا. تَأْتِي زَوْبَعَةٌ وَتَكْتَسِحُهُمْ، وَالضَّحَايَا الَّتِي قَدَّمُوهَا تُخْجِلُهُمْ. ”اِسْمَعُوا هَذَا أَيُّهَا الْأَحْبَارُ، وَانْتَبِهُوا يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَصْغُوا يَا بَيْتَ الْمَلِكِ، لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ ضِدُّكُمْ، لِأَنَّكُمْ صِرْتُمْ فَخًّا عِنْدَ مِصْفَاةَ، وَشَبَكَةً مَنْصُوبَةً عَلَى جَبَلِ تَابُورَ، وَحُفْرَةً عَمِيقَةً فِي شِطِّيمَ، لِذَلِكَ أُعَاقِبُهُمْ كُلُّهُمْ. أَنَا عَارِفٌ أَفْرَايِمَ، وَإِسْرَائِيلُ لَا يَخْفَى عَلَيَّ. أَنْتَ الْآنَ ارْتَكَبْتَ الْخِيَانَةَ يَا أَفْرَايِمُ، تَنَجَّسْتَ يَا إِسْرَائِيلُ. أَعْمَالُهُمْ لَا تَسْمَحُ لَهُمْ بِأَنْ يَرْجِعُوا إِلَى إِلَهِهِمْ، لِأَنَّ رُوحَ الْخِيَانَةِ فِي قَلْبِهِمْ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ اللهَ. عَجْرَفَةُ إِسْرَائِيلَ تَشْهَدُ عَلَيْهِ فِي وَجْهِهِ. يَسْقُطُ إِسْرَائِيلُ وَأَفْرَايِمُ بِإِثْمِهِمَا، وَيَسْقُطُ يَهُوذَا أَيْضًا مَعَهُمَا. يَذْهَبُونَ وَمَعَهُمْ قَرَابِينُهُمْ مِنْ غَنَمٍ وَبَقَرٍ لِيَطْلُبُوا اللهَ فَلَا يَجِدُونَهُ، لِأَنَّهُ انْصَرَفَ عَنْهُمْ. خَانُوا اللهَ وَأَنْجَبُوا أَوْلَادًا غَيْرَ شَرْعِيِّينَ، فَالْآنَ تَأْتِي الْمَصَائِبُ وَتَأْكُلُهُمْ هُمْ وَمَا يَمْلِكُونَ. ”اُنْفُخُوا الْبُوقَ فِي جِبْعَةَ، وَالنَّفِيرَ فِي رَامَةَ، أَطْلِقُوا صَيْحَةَ الْحَرْبِ فِي بَيْتَ آوِنَ: ’نَحْنُ وَرَاءَكَ يَا بِنْيَمِينُ.‘ يَصِيرُ أَفْرَايِمُ خَرَابًا فِي يَوْمِ الْحِسَابِ. أَعْلَنْتُ لَكُمْ يَا قَبَائِلَ إِسْرَائِيلَ مَا سَيَحْدُثُ يَقِينًا. صَارَ رُؤَسَاءُ يَهُوذَا كَمَنْ يَنْقُلُ الْحُدُودَ لِيَسْلُبَ جَارَهُ، لِهَذَا أَصُبُّ غَضَبِي عَلَيْهِمْ كَالسَّيْلِ. أَفْرَايِمُ مَظْلُومٌ، وَحَقُّهُ مَهْضُومٌ، لِأَنَّهُ يَسِيرُ وَرَاءَ السَّرَابِ. لِذَلِكَ أَكُونُ لِأَفْرَايِمَ كَالْعُثِّ، وَلِبَيْتِ يَهُوذَا كَالسُّوسِ. ”لَمَّا رَأَى أَفْرَايِمُ أَنَّهُ مَرِيضٌ، وَلَمَّا رَأَى يَهُوذَا أَنَّهُ مَمْلُوءٌ بِالْقُرُوحِ، ذَهَبَ أَفْرَايِمُ إِلَى أَشُّورَ، وَأَرْسَلَ يَسْتَعِينُ بِالْمَلِكِ الْعَظِيمِ. وَلَكِنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَشْفِيَكُمْ، وَلَا أَنْ يُزِيلَ عَنْكُمُ الْقُرُوحَ. سَأَكُونُ لِأَفْرَايِمَ كَالْأَسَدِ، وَلِبَيْتِ يَهُوذَا كَالشِّبْلِ، فَأَفْتَرِسُهُمْ وَأَمْضِي، أَخْطِفُهُمْ وَلَا مَنْ يُنْقِذُهُمْ. ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي، حَتَّى يَعْتَرِفُوا بِذَنْبِهِمْ وَيَطْلُبُوا وَجْهِي. وَفِي شَقَائِهِمْ يَبْحَثُونَ عَنِّي قَائِلِينَ: ”’تَعَالَوْا نَرْجِعُ إِلَى اللهِ، فَهُوَ افْتَرَسَنَا لَكِنَّهُ يَشْفِينَا، جَرَحَنَا لَكِنَّهُ يُضَمِّدُ جِرَاحَنَا. يُحْيِينَا بَعْدَ يَوْمَيْنِ، فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يُقِيمُنَا فَنَحْيَا فِي مَحْضَرِهِ. لِنَعْرِفِ اللهَ، بَلْ لِنَجِدَّ فِي مَعْرِفَتِهِ. فَيَكُونَ مَجِيئُهُ إِلَيْنَا أَكِيدًا كَطُلُوعِ الْفَجْرِ. يَأْتِي إِلَيْنَا كَالْمَطَرِ، كَمَطَرِ الرَّبِيعِ الَّذِي يَسْقِي الْأَرْضَ.‘ ”مَاذَا أَفْعَلُ بِكَ يَا أَفْرَايِمُ؟ مَاذَا أَفْعَلُ بِكَ يَا يَهُوذَا؟ وَلَاؤُكُمْ لِي كَسَحَابَةِ الصُّبْحِ وَكَالنَّدَى الَّذِي يَزُولُ بَاكِرًا. لِذَلِكَ مَزَّقْتُكُمْ بِالْأَنْبِيَاءِ، وَقَتَلْتُكُمْ بِكَلَامِ فَمِي، وَحُكْمِي ضِدُّكُمْ أَضَاءَ كَالْبَرْقِ. ”أُرِيدُ رَحْمَةً لَا ضَحِيَّةً، وَمَعْرِفَةَ اللهِ أَكْثَرَ مِنَ الْقَرَابِينِ. وَلَكِنَّهُمْ كَآدَمَ نَقَضُوا عَهْدِي وَخَانُونِي. جِلْعَادُ مَدِينَةُ أَشْرَارٍ، تَدُوسُهَا أَقْدَامٌ مُلَطَّخَةٌ بِالدَّمِ. عِصَابَاتُ الْكَهَنَةِ تَكْمُنُ كَلُصُوصٍ، يَقْتُلُونَ فِي طَرِيقِ شَكِيمَ، وَيَرْتَكِبُونَ جَرَائِمَ فَاحِشَةً. فِي بَيْتِ إِسْرَائِيلَ رَأَيْتُ فَظَائِعَ، اِرْتَكَبَ أَفْرَايِمُ الْخِيَانَةَ، تَنَجَّسَ إِسْرَائِيلُ. وَأَنْتَ أَيْضًا يَا يَهُوذَا، أَعْدَدْتُ لَكَ يَوْمًا لِلْحِسَابِ، مَعَ أَنِّي سَأَرُدُّكُمْ مِنَ الْأَسْرِ. ”كُلَّمَا حَاوَلْتُ أَنْ أَشْفِيَ إِسْرَائِيلَ، اِنْكَشَفَتْ خَطَايَا أَفْرَايِمَ وَجَرَائِمُ السَّامِرَةِ، يَرْتَكِبُونَ الْخِدَاعَ، يَقْتَحِمُ اللُّصُوصُ الْبُيُوتَ، وَالْعِصَابَاتُ تَنْهَبُ فِي الشَّوَارِعِ. وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ أَنِّي عَارِفٌ كُلَّ شُرُورِهِمْ، وَأَنَّ أَعْمَالَهُمْ تُحَاصِرُهُمْ وَهِيَ أَمَامِي دَائِمًا. ”يُفَرِّحُونَ الْمَلِكَ بِشَرِّهِمْ، وَالرُّؤَسَاءَ بِكِذْبِهِمْ. كُلُّهُمْ زُنَاةٌ، مُتَّقِدُونَ بِالشَّهْوَةِ كَالْفُرْنِ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ الْخَبَّازُ أَنْ يَزِيدَ نَارَهُ مُنْذُ أَنْ يَعْجِنَ الدَّقِيقَ إِلَى أَنْ يَخْتَمِرَ. فِي يَوْمِ عِيدِ مَلِكِنَا يَمْرَضُ الرُّؤَسَاءُ مِنَ الْخَمْرِ، وَهُوَ نَفْسُهُ يَنْضَمُّ إِلَى السَّاخِرِينَ. قُلُوبُهُمْ تَتَّقِدُ بِالْكَيْدِ كَالْفُرْنِ. غَضَبُهُمْ يَخْمُدُ طُولَ اللَّيْلِ، وَفِي الصُّبْحِ يَشْتَعِلُ كَنَارٍ مُلْتَهِبَةٍ. كُلُّهُمْ حَامُونَ كَالْفُرْنِ. يَأْكُلُونَ حُكَّامَهُمْ. كُلُّ مُلُوكِهِمْ يَسْقُطُونَ، وَلَا وَاحِدٌ فِيهِمْ يَدْعُونِي. ”اِخْتَلَطَ أَفْرَايِمُ بِالشُّعُوبِ، صَارَ كَرَغِيفٍ غَيْرِ نَاضِجٍ لَمْ يُقْلَبْ. أَكَلَ الْغُرَبَاءُ قُوَّتَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، شَابَ شَعْرُهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ. عَجْرَفَةُ إِسْرَائِيلَ تَشْهَدُ عَلَيْهِ فِي وَجْهِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَرْجِعُ إِلَى الْمَوْلَى إِلَهِهِ وَلَا يَطْلُبُهُ. أَفْرَايِمُ كَحَمَامَةٍ غَبِيَّةٍ طَائِشَةٍ، مَرَّةً يَسْتَنْجِدُ بِمِصْرَ، وَمَرَّةً يَسْتَغِيثُ بِأَشُّورَ. فَأَيْنَمَا ذَهَبُوا أَرْمِي عَلَيْهِمْ شَبَكَتِي، وَأَطْرَحُهُمْ كَطُيُورِ السَّمَاءِ، وَأَصِيدُهُمْ حَيْثُ يَتَجَمَّعُونَ. ”وَيْلٌ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ ضَلُّوا عَنِّي! تَعَسًا لَهُمْ لِأَنَّهُمْ تَمَرَّدُوا عَلَيَّ. أَشْتَاقُ أَنْ أَفْدِيَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ عَلَيَّ بِالْكِذْبِ. مَعَ أَنَّهُمْ يُوَلْوِلُونَ فِي فِرَاشِهِمْ، لَكِنَّهُمْ لَا يَصْرُخُونَ إِلَيَّ مِنْ قُلُوبِهِمْ. تَجَمَّعُوا طَالِبِينَ قَمْحًا وَخَمْرًا، وَلَكِنَّهُمُ ارْتَدُّوا عَنِّي. أَنَا دَرَّبْتُهُمْ وَقَوَّيْتُهُمْ، وَهُمْ تَآمَرُوا عَلَيَّ بِالشَّرِّ. إِنَّهُمْ كَقَوْسٍ تُخْطِئُ الْهَدَفَ، لَا يَرْجِعُونَ إِلَى الْعَلِيِّ، وَيَمُوتُ قَادَتُهُمْ بِالسَّيْفِ لِسَلَاطَةِ أَلْسِنَتِهِمْ. وَلِهَذَا يَهْزَأُ الْمِصْرِيُّونَ بِهِمْ. ”اُنْفُخِ الْبُوقَ بِفَمِكَ! نَزَلَ الْعَدُوُّ عَلَى شَعْبِ اللهِ كَنِسْرٍ، لِأَنَّهُمْ نَقَضُوا عَهْدِي وَتَمَرَّدُوا عَلَى شَرِيعَتِي. يَصْرُخُونَ إِلَيَّ: ’يَا إِلَهَنَا، نَحْنُ بَنُو إِسْرَائِيلَ، نَحْنُ نَعْرِفُكَ.‘ لَكِنَّهُمْ كَرِهُوا الْخَيْرَ، لِهَذَا يُطَارِدُهُمُ الْعَدُوُّ. أَقَامُوا مُلُوكًا مِنْ غَيْرِ مُوَافَقَتِي، اِخْتَارُوا حُكَّامًا وَأَنَا لَمْ أَعْرِفْ. مِنْ فِضَّتِهِمْ وَذَهَبِهِمْ صَنَعُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَصْنَامًا هِيَ سَبَبُ هَلَاكِهِمْ. ”يَا شَعْبَ السَّامِرَةِ، إِنِّي أَكْرَهُ تِمْثَالَ الْعِجْلِ الَّذِي تَعْبُدُونَهُ. اِشْتَدَّ غَضَبِي عَلَيْكُمْ، إِلَى مَتَى لَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَطْهُرُوا. إِنَّهُ مَصْنُوعٌ فِي إِسْرَائِيلَ، عَامِلٌ صَنَعَهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ إِلَهًا؟ عِجْلُ السَّامِرَةِ يَصِيرُ حُطَامًا. ”يَزْرَعُونَ الرِّيحَ وَيَحْصُدُونَ الزَّوْبَعَةَ. زَرْعُهُمْ لَا يُنْتِجُ غَلَّةً وَلَا يَصْنَعُ دَقِيقًا. وَإِنْ صَنَعَ يَلْتَهِمُهُ الْغُرَبَاءُ. قَدِ ابْتُلِعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَأَصْبَحُوا بَيْنَ الْأُمَمِ كَإِنَاءٍ لَا قِيمَةَ لَهُ. لِأَنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى أَشُّورَ مِثْلَ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ شَرِيدٍ لِوَحْدِهِ. أَفْرَايِمُ اسْتَأْجَرَ لِنَفْسِهِ عُشَّاقًا. وَمَعَ أَنَّهُمْ بَاعُوا أَنْفُسَهُمْ إِلَى بِلَادٍ كَثِيرَةٍ، لَكِنِّي أَجْمَعُهُمْ، فَيَذْبُلُونَ مِنْ ظُلْمِ مَلِكٍ عَظِيمٍ. ”أَفْرَايِمُ بَنَى مَنَصَّاتٍ كَثِيرَةً لِتَقْدِيمِ الْقَرَابِينِ عَنِ الْخَطِيئَةِ، لَكِنَّهَا أَصْبَحَتْ كُلُّهَا مَنَصَّاتٍ لِارْتِكَابِ الْخَطِيئَةِ. كَتَبْتُ لَهُمْ شَرَائِعِيَ الْكَثِيرَةَ، لَكِنَّهُمْ حَسِبُوهَا غَرِيبَةً. يُقَدِّمُونَ لِيَ الضَّحَايَا وَيَأْكُلُونَ لَحْمَهَا. لَكِنَّ اللهَ لَا يُسَرُّ بِهَا. بَلِ الْآنَ يَذْكُرُ شَرَّهُمْ وَيُعَاقِبُهُمْ عَلَى ذُنُوبِهِمْ، وَهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَى مِصْرَ، لِأَنَّ إِسْرَائِيلَ نَسِيَ خَالِقَهُ وَبَنَى قُصُورًا، وَيَهُوذَا حَصَّنَ مُدُنًا كَثِيرَةً. لَكِنِّي أُرْسِلُ نَارًا عَلَى مُدُنِهِ فَتَأْكُلُ حُصُونَهُ.“ لَا تَفْرَحْ يَا إِسْرَائِيلُ، وَلَا تَطْرَبْ كَالشُّعُوبِ الْأُخْرَى، لِأَنَّكَ خُنْتَ إِلَهَكَ، وَأَحْبَبْتَ الْأُجْرَةَ الَّتِي تَأْتِيكَ مِنَ الْخِيَانَةِ فِي كُلِّ بَيْدَرٍ. لِهَذَا لَنْ يُطْعِمَكُمُ الْبَيْدَرُ وَالْمَعْصَرَةُ، وَلَنْ تَنْفَعَكُمُ الْخَمْرُ الْجَدِيدَةُ. وَلَا يَبْقَى الشَّعْبُ فِي أَرْضِ اللهِ، بَلْ يَرْجِعُ أَفْرَايِمُ إِلَى مِصْرَ، وَيَأْكُلُ طَعَامًا نَجِسًا فِي أَشُّورَ. هُنَاكَ لَا يَسْكُبُونَ للهِ خَمْرًا، وَضَحَايَاهُمْ لَا تَسُرُّهُ. بَلْ تَكُونُ كَطَعَامِ الْمَأْتَمِ، وَكُلُّ مَنْ أَكَلَهَا يَتَنَجَّسُ. فَهِيَ مُجَرَّدُ طَعَامٍ لَهُمْ، وَلَا تَدْخُلُ إِلَى بَيْتِ اللهِ. مَاذَا تَصْنَعُونَ يَوْمَ الِاحْتِفَالِ، يَوْمَ عِيدِ اللهِ؟ حَتَّى وَلَوْ هَرَبُوا مِنَ الْخَرَابِ، فَإِنَّ مِصْرَ تَجْمَعُهُمْ إِلَيْهَا، وَمَمْفِيسَ تَصِيرُ قَبْرَهُمْ، كُنُوزُ فِضَّتِهِمْ يَسْتَوْلِي عَلَيْهَا الْعُلَّيْقُ، وَيَطْلَعُ الشَّوْكُ فِي بُيُوتِهِمْ. جَاءَتْ أَيَّامُ الْعِقَابِ. جَاءَتْ أَيَّامُ الْجَزَاءِ. لِيَعْرِفْ إِسْرَائِيلُ هَذَا. بِسَبَبِ خَطَايَاكَ الْكَثِيرَةِ وَحِقْدِكَ الشَّدِيدِ، تَنْظُرُونَ إِلَى النَّبِيِّ كَأَنَّهُ جَاهِلٌ، وَإِلَى مَنْ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ كَأَنَّهُ مَجْنُونٌ. النَّبِيُّ رَقِيبٌ مِنْ عِنْدِ إِلَهِي عَلَى أَفْرَايِمَ، لَكِنَّهُمْ وَضَعُوا لَهُ فَخًّا فِي كُلِّ طُرُقِهِ. يُوَاجِهُ الْحِقْدَ حَتَّى فِي بَيْتِ اللهِ. غَاصُوا فِي الْفَسَادِ كَأَيَّامِ جِبْعَةَ. اللهُ يَذْكُرُ شَرَّهُمْ وَيُعَاقِبُهُمْ عَلَى ذُنُوبِهِمْ. ”وَجَدْتُ إِسْرَائِيلَ كَمَنْ وَجَدَ عِنَبًا فِي الْبَرِّيَّةِ، وَرَأَيْتُ آبَاءَكُمْ كَمَنْ رَأَى أَوَّلَ الثِّمَارِ عَلَى شَجَرَةِ التِّينِ. لَكِنَّهُمْ جَاءُوا إِلَى بَعْلَ فَغُورَ، وَنَذَرُوا أَنْفُسَهُمْ لِذَلِكَ الصَّنَمِ الْحَقِيرِ، وَأَصْبَحُوا نَجِسِينَ كَالْآلِهَةِ الَّتِي أَحَبُّوهَا. كَرَامَةُ أَفْرَايِمَ تَخْتَفِي كَالطَّائِرِ الْمُحَلِّقِ، لَا وِلَادَةَ وَلَا أَطْفَالَ وَلَا حَبَلَ. وَحَتَّى إِنْ رَبَّوْا أَطْفَالًا، فَإِنِّي أَحْرِمُهُمْ مِنْهُمْ، وَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ وَاحِدٌ. وَيْلٌ لَهُمْ حِينَ أَنْصَرِفُ عَنْهُمْ. رَأَيْتُ أَفْرَايِمَ كَمَدِينَةِ صُورَ الْمَغْرُوسَةِ فِي مَرْتَعٍ، وَلَكِنَّ أَفْرَايِمَ يَسُوقُ بَنِيهِ إِلَى الذَّبْحِ. أَعْطِهِمْ يَا رَبُّ، وَلَكِنْ مَاذَا تُعْطِيهِمْ؟ أَعْطِهِمْ رَحِمًا يُسْقِطُ وَثَدْيًا لَا يُرْضِعُ. ”بِسَبَبِ كُلِّ شَرِّهِمْ فِي الْجِلْجَالِ، كَرِهْتُهُمْ هُنَاكَ. وَبِسَبَبِ أَعْمَالِهِمِ السَّيِّئَةِ، أَطْرُدُهُمْ مِنْ بَيْتِي. لَا أَعُودُ أُحِبُّهُمْ. كُلُّ رُؤَسَائِهِمْ مُتَمَرِّدُونَ. أَفْرَايِمُ مَضْرُوبٌ، جِذْرُهُ يَبِسَ، لَا يَحْمِلُونَ ثَمَرًا. وَحَتَّى إِنْ وَلَدُوا أَطْفَالًا، أَقْتُلُ نَسْلَهُمُ الْغَالِيَ عَلَيْهِمْ.“ يَرْفُضُهُمْ إِلَهِي لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا لَهُ، فَيَتَشَرَّدُونَ بَيْنَ الْأُمَمِ. إِسْرَائِيلُ مِثْلُ كَرْمَةٍ مُمْتَدَّةٍ، يُثْمِرُ ثَمَرًا لِنَفْسِهِ. كُلَّمَا كَثُرَ ثَمَرُهُ، زَادَ فِي بِنَاءِ مَنَصَّاتِ الْقُرْبَانِ، وَعَلَى قَدْرِ مَا تَجُودُ أَرْضُهُ، يُجِيدُ إِقَامَةَ التَّمَاثِيلِ. قَلْبُهُمْ خَادِعٌ، فَالْآنَ يَحِلُّ بِهِمُ الْعِقَابُ. اللهُ يَهْدِمُ مَعَابِدَهُمْ، وَيُحَطِّمُ تَمَاثِيلَهُمْ. فَيَقُولُونَ: ”لَا مَلِكَ لَنَا لِأَنَّنَا لَمْ نَخْشَ اللهَ، وَحَتَّى لَوْ كَانَ لَنَا مَلِكٌ فَمَاذَا يَعْمَلُ لَنَا؟“ كَلَامُهُمْ كَثِيرٌ، وَبِأَقْسَامٍ بَاطِلَةٍ يَقْطَعُونَ عَهْدًا، فَيَأْتِي عَلَيْهِمُ الْقَضَاءُ كَأَعْشَابٍ سَامَّةٍ تَنْبُتُ فِي أَرْضٍ مَحْرُوثَةٍ. سُكَّانُ السَّامِرَةِ يَخَافُونَ عَلَى تِمْثَالِ الْعِجْلِ الَّذِي فِي بَيْتَ آوِنَ. يَنُوحُ أَهْلُهَا، وَيَبْكِي كَهَنَتُهَا، لِأَنَّ جَلَالَهُ زَالَ عَنْهُ. يُؤْخَذُ إِلَى أَشُّورَ، وَيُعْطَى كَهَدِيَّةٍ لِلْمَلِكِ الْعَظِيمِ. فَيَخْزَى بَنُو أَفْرَايِمَ، وَيَخْجَلُ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ ضَلَالِهِمْ. تَهْلِكُ السَّامِرَةُ وَمَلِكُهَا مِثْلُ قَشَّةٍ عَائِمَةٍ عَلَى سَطْحِ الْمَاءِ. وَتُخْرَبُ أَمَاكِنُ عِبَادَةِ آوِنَ حَيْثُ أَخْطَأَ إِسْرَائِيلُ، وَيَطْلَعُ فِيهَا الشَّوْكُ وَالْحَسَكُ. فَيَقُولُونَ لِلْجِبَالِ: ”غَطِّينَا“ وَلِلتِّلَالِ: ”اُسْقُطِي عَلَيْنَا.“ ”مُنْذُ أَيَّامِ جِبْعَةَ وَأَنْتَ تَرْتَكِبُ الْإِثْمَ يَا إِسْرَائِيلُ. هُنَاكَ وَقَفْتَ بِعِنَادٍ لِكَيْ لَا يَهْلِكَ أَشْرَارُ جِبْعَةَ فِي الْحَرْبِ. أُعَاقِبُهُمْ كَمَا أَشَاءُ، فَتَجْتَمِعُ عَلَيْهِمُ الشُّعُوبُ وَتُؤَدِّبُهُمْ لِشَرِّهِمِ الْمُضَاعَفِ. أَفْرَايِمُ عِجْلَةٌ مُدَرَّبَةٌ تُحِبُّ أَنْ تَدْرُسَ الْغِلَالَ، لِذَلِكَ أَضَعُ نِيرًا عَلَى رَقَبَتِهَا الْجَمِيلَةِ، وَأَسُوقُهَا لِلْعَمَلِ. يَهُوذَا يَحْرُثُ الْأَرْضَ، وَيَعْقُوبُ يُمَهِّدُهَا.“ اِزْرَعُوا الصَّلَاحَ لِتَحْصُدُوا الرَّحْمَةَ، اُحْرُثُوا أَرْضَكُمْ، لِأَنَّ الْوَقْتَ حَانَ لِتَطْلُبُوا اللهَ، إِلَى أَنْ يَأْتِيَ وَيُمْطِرَ عَلَيْكُمُ الصَّلَاحَ. لَكِنَّكُمْ زَرَعْتُمُ الشَّرَّ فَحَصَدْتُمُ الْإِثْمَ، وَأَكَلْتُمْ ثِمَارَ الْغَدْرِ. اِتَّكَلْتُمْ عَلَى قُوَّتِكُمْ وَعَلَى كَثْرَةِ أَبْطَالِكُمْ، لِذَلِكَ يَرْتَفِعُ ضَجِيجُ الْقِتَالِ ضِدَّ شَعْبِكُمْ. وَتُدَمَّرُ كُلُّ حُصُونِكُمْ، كَمَا دَمَّرَ شَلْمَانُ بَيْتَ أَرْبِيلَ يَوْمَ الْحَرْبِ، وَحَطَّمَ الْأُمَّهَاتِ وَالْأَطْفَالَ مَعًا. هَذَا جَزَاؤُكِ يَا بَيْتَ إِيلَ، لِأَنَّ شَرَّكِ عَظِيمٌ. عِنْدَمَا يَطْلَعُ ذَلِكَ الصُّبْحُ يَهْلِكُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ تَمَامًا. ”لَمَّا كَانَ إِسْرَائِيلُ صَغِيرًا أَحْبَبْتُهُ، وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي. لَكِنْ كُلَّمَا دَعَوْتُهُمِ ابْتَعَدُوا عَنِّي. فَقَدَّمُوا ضَحَايَا لِلْبَعْلِ، وَأَحْرَقُوا بَخُورًا لِلْأَصْنَامِ. وَأَنَا الَّذِي عَلَّمْتُ أَفْرَايِمَ الْمَشْيَ، وحَمَلْتُهُمْ عَلَى ذِرَاعَيَّ. لَكِنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنِّي أَنَا الَّذِي شَفَيْتُهُمْ، وَكُنْتُ أَجْذِبُهُمْ بِحِبَالِ اللُّطْفِ وَرَوَابِطِ الْمَحَبَّةِ، وَرَفَعْتُ النِّيرَ عَنْ رَقَبَتِهِمْ، وَانْحَنَيْتُ لِأُطْعِمَهُمْ. ”يَرْجِعُونَ إِلَى مِصْرَ، وَتَتَسَلَّطُ عَلَيْهِمْ أَشُّورُ، لِأَنَّهُمْ رَفَضُوا أَنْ يَتُوبُوا. وَيَحِلُّ السَّيْفُ فِي مُدُنِهِمْ، وَيُحَطِّمُ أَبْوَابَهُمْ، وَيُفْنِيهِمْ لِضَلَالِهِمْ. شَعْبِي يُصِرُّ عَلَى الِارْتِدَادِ عَنِّي، فَحَتَّى إِنِ اسْتَغَاثُوا بِي، لَنْ يَرْفَعَهُمْ أَحَدٌ. ”كَيْفَ أَتَخَلَّى عَنْكَ يَا أَفْرَايِمُ؟ كَيْفَ أَهْجُرُكَ يَا إِسْرَائِيلُ؟ هَلْ أَعْمَلُ بِكَ مَا عَمِلْتُهُ بِأَدَمَةَ؟ هَلْ أُعَامِلُكَ كَمَا عَامَلْتُ صَبُويِمَ؟ قَدْ تَغَيَّرَ قَلْبِي وَتَحَرَّكَ صَدْرِي بِالرَّأْفَةِ. لَنْ أُحِلَّ بِكُمْ غَضَبِيَ الشَّدِيدَ، وَلَنْ أُدَمِّرَ أَفْرَايِمَ ثَانِيَةً، لِأَنِّي أَنَا اللهُ وَلَسْتُ بَشَرًا، أَنَا الْقُدُّوسُ فِي وَسَطِكَ، فَلَا آتِي عَلَيْكُمْ بِغَضَبٍ. ”يَسِيرُونَ وَرَاءَ اللهِ، وَهُوَ يَزْأَرُ كَأَسَدٍ. يَزْأَرُ فَيَأْتِي أَبْنَائِي مِنَ الْغَرْبِ مُرْتَعِبِينَ. يَأْتُونَ مُسْرِعِينَ كَعَصَافِيرَ مِنْ مِصْرَ، وَكَحَمَامٍ مِنْ أَشُّورَ، فَأُسْكِنُهُمْ فِي دِيَارِهِمْ.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ. أَحَاطَنِي أَفْرَايِمُ بِالْكِذْبِ، وَبَيْتُ إِسْرَائِيلَ بِالْمَكْرِ. وَمَا زَالَ يَهُوذَا شَارِدًا عَنِ اللهِ الْقُدُّوسِ الْأَمِينِ. أَفْرَايِمُ يَأْكُلُ الرِّيحَ، وَطُولَ الْيَوْمِ يَتْبَعُ الرِّيحَ الشَّرْقِيَّةَ. يَرْتَكِبُ الْكِذْبَ وَالْعُنْفَ بِكَثْرَةٍ. يَعْقِدُ مُعَاهَدَةً مَعَ أَشُّورَ، وَيُرْسِلُ زَيْتَ الزَّيْتُونِ إِلَى مِصْرَ. إِنَّ للهِ خُصُومَةً مَعَ يَهُوذَا، وَسَيُعَاقِبُ يَعْقُوبَ حَسَبَ سُلُوكِهِ وَيُجَازِيهِ حَسَبَ أَعْمَالِهِ. قَبَضَ وَهُوَ فِي بَطْنِ أَمِّهِ عَلَى كَعْبِ أَخِيهِ، وَفِي رُجُولَتِهِ جَاهَدَ مَعَ اللهِ. جَاهَدَ مَعَ الْمَلَاكِ وَغَلَبَ. بَكَى وَتَضَرَّعَ إِلَيْهِ. قَابَلَهُ اللهُ فِي بَيْتَ إِيلَ، وَهُنَاكَ تَكَلَّمَ مَعَهُ. هُوَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ الْقَدِيرُ الَّذِي اسْمُهُ الدَّائِمُ. أَمَّا أَنْتَ فَارْجِعْ إِلَى إِلَهِكَ، وَتَمَسَّكْ بِالرَّحْمَةِ وَالْحَقِّ، وَانْتَظِرْ إِلَهَكَ دَائِمًا. أَفْرَايِمُ كَالتَّاجِرِ الَّذِي مَعَهُ مِيزَانٌ مَغْشُوشٌ، وَيُحِبُّ الِاحْتِيَالَ. فَقَالَ: ”أَصْبَحْتُ غَنِيًّا، جَمَعْتُ لِنَفْسِي ثَرْوَةً. وَفِي كُلِّ هَذَا الْمَجْهُودِ لَنْ يَجِدُوا فِيَّ ذَنْبًا أَوْ خَطِيئَةً.“ ”وَلَكِنِّي أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكَ مُنْذُ كُنْتَ فِي مِصْرَ، سَأَجْعَلُكَ تُقِيمُ فِي الْخِيَامِ مَرَّةً أُخْرَى كَمَا فِي أَيَّامِ الْعِيدِ. وَقَدْ كَلَّمْتُ الْأَنْبِيَاءَ، وَأَعْطَيْتُهُمْ رُؤًى كَثِيرَةً، وَنَطَقْتُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ بِأَمْثَالٍ.“ شَعْبُ جِلْعَادَ شِرِّيرٌ وَتَافِهٌ! يُقَدِّمُ فِي الْجِلْجَالِ ضَحَايَا مِنْ ثِيرَانٍ. لِذَلِكَ تَصِيرُ مَعَابِدُهُ أَكْوَامَ حِجَارَةٍ فِي حَقْلٍ مَحْرُوثٍ. وَهَرَبَ يَعْقُوبُ إِلَى أَرْضِ آرَامَ. إِسْرَائِيلُ خَدَمَ لِيَحْصُلَ عَلَى زَوْجَةٍ، فَلِكَيْ يَحْصُلَ عَلَيْهَا رَعَى الْغَنَمَ. وَبِوَاسِطَةِ نَبِيٍّ أَصْعَدَ اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ، وَبِوَاسِطَةِ نَبِيٍّ رَعَاهُمْ. لَكِنَّ أَفْرَايِمَ غَاظَهُ غَيْظًا شَدِيدًا، فَسَيَتْرُكُهُ اللهُ يُعَانِي بِسَبَبِ الدَّمِ الَّذِي سَفَكَهُ، رَبُّهُ سَيُعَاقِبُهُ عَلَى كُلِّ كُفْرِهِ. لَمَّا تَكَلَّمَ أَفْرَايِمُ ارْتَعَبَتِ الشُّعُوبُ، وَارْتَفَعَ شَأْنُهُ فِي إِسْرَائِيلَ، وَلَكِنْ لَمَّا عَبَدَ الْبَعْلَ أَثِمَ وَمَاتَ. وَالْآنَ يَزْدَادُونَ خَطِيئَةً، يَصْنَعُونَ لَهُمْ أَصْنَامًا، وَمِنْ فِضَّتِهِمْ يَسْبِكُونَ تَمَاثِيلَ، كُلُّهَا صَنْعَةُ عُمَّالٍ حَاذِقِينَ. فَيُقَالُ عَنْ أَفْرَايِمَ إِنَّهُمْ يُقَدِّمُونَ ضَحَايَا بَشَرِيَّةً، وَيُقَبِّلُونَ تَمَاثِيلَ الْعُجُولِ. لِذَلِكَ يَكُونُونَ كَسَحَابَةِ الصُّبْحِ وَكَالنَّدَى الَّذِي يَزُولُ بَاكِرًا، أَوْ كَالتِّبْنِ الْمُتَطَايِرِ مِنَ الْبَيْدَرِ أَوْ كَالدُّخَانِ الْخَارِجِ مِنَ الشُّبَّاكِ. ”وَلَكِنِّي أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكَ مُنْذُ كُنْتَ فِي مِصْرَ، وَلَسْتَ تَعْرِفُ إِلَهًا غَيْرِي، وَلَا مُنْقِذَ لَكَ سِوَايَ. أَنَا اعْتَنَيْتُ بِكَ فِي الصَّحْرَاءِ، فِي أَرْضِ الْعَطَشِ. فَلَمَّا أَطْعَمْتُهُمْ شَبِعُوا، وَلَمَّا شَبِعُوا تَكَبَّرُوا وَنَسُونِي. فَأَكُونُ لَهُمْ كَأَسَدٍ، أَكْمُنُ لَهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ كَنِمْرٍ. أَنْقَضُّ عَلَيْهِمْ كَدُبَّةٍ فَقَدَتْ أَوْلَادَهَا وَأُمَزِّقُهُمْ. هُنَاكَ أَفْتَرِسُهُمْ كَالْأَسَدِ، وَكَوَحْشِ الْبَرِّيَّةِ أُقَطِّعُهُمْ إِرْبًا. ”أَنْتَ هَالِكٌ يَا إِسْرَائِيلُ لِأَنَّكَ عَادَيْتَنِي، عَادَيْتَ مُعِينَكَ. أَيْنَ هُوَ مَلِكُكَ لِيُنْقِذَكَ؟ أَيْنَ حُكَّامُكَ فِي كُلِّ مُدُنِكَ؟ أَنْتَ قُلْتَ: ’أَعْطِنِي مَلِكًا وَرُؤَسَاءَ‘ فَأَعْطَيْتُكَ مَلِكًا فِي غَضَبِي وَأَخَذْتُهُ فِي غَيْظِي. ”إِثْمُ أَفْرَايِمَ مَخْزُونٌ، وَخَطِيئَتُهُ مَحْفُوظَةٌ. جَاءَتْ آلَامُ الْوِلَادَةِ، وَلَكِنَّهُ ابْنٌ غَبِيٌّ، لِأَنَّهُ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لَمْ يَأْتِ إِلَى بَابِ الرَّحِمِ لِيُولَدَ. ”أَفْدِيهِمْ مِنْ قَبْضَةِ الْهَاوِيَةِ، وَمِنَ الْمَوْتِ أُنَجِّيهِمْ، فَيَهْتِفُونَ: ’يَا مَوْتُ، لَنْ تُهْلِكَنَا! يَا هَاوِيَةُ لَنْ تُحَطِّمِينَا!‘ وَلَكِنِّي لَا أَرْحَمُ. حَتَّى وَلَوِ ازْدَهَرَ بَيْنَ إِخْوَتِهِ، تَأْتِي رِيحٌ شَرْقِيَّةٌ مِنَ اللهِ، وَتَهُبُّ مِنَ الصَّحْرَاءِ، فَتُجَفِّفُ يَنْبُوعَهُ، وَتُيَبِّسُ بِئْرَهُ، وَتَنْهَبُ مَخَازِنَهُ مِنْ كُلِّ كَنْزٍ نَفِيسٍ. يَحِلُّ الْعِقَابُ بِالسَّامِرَةِ لِأَنَّهَا تَمَرَّدَتْ عَلَى إِلَهِهَا. يَمُوتُ أَهْلُهَا بِالسَّيْفِ، وَتُحَطَّمُ أَطْفَالُهُمْ، وَتُشَقُّ بُطُونُ حَوَامِلِهِمْ.“ اِرْجِعُوا يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، لِأَنَّ خَطَايَاكُمْ أَسْقَطَتْكُمْ. خُذُوا مَعَكُمْ كَلَامًا، وَارْجِعُوا إِلَى اللهِ وَقُولُوا لَهُ: ”اِغْفِرْ لَنَا كُلَّ ذُنُوبِنَا، اِقْبَلْنَا فِي إِحْسَانِكَ، فَتَنْطِقَ شِفَاهُنَا بِحَمْدِكَ. لَنْ تُنْقِذَنَا أَشُّورُ، وَلَنْ نَعْتَمِدَ عَلَى خُيُولِ الْحَرْبِ، وَلَنْ نَقُولَ عَنِ الْأَصْنَامِ الَّتِي عَمِلْنَاهَا بِأَيْدِينَا إِنَّهَا آلِهَتُنَا. بَلْ فِيكَ أَنْتَ يَا رَبُّ يَجِدُ الْيَتِيمُ رَحْمَةً.“ ”أَنَا أَشْفِي ارْتِدَادَهُمْ، وَأُحِبُّهُمْ مَحَبَّةً عَظِيمَةً، لِأَنَّ غَضَبِيَ انْصَرَفَ عَنْهُمْ. أَكُونُ لِشَعْبِي كَالنَّدَى، فَيُزْهِرُ كَالسَّوْسَنِ وَيُعَمِّقُ جُذُورَهُ كَأَرْزِ لُبْنَانَ. تَمْتَدُّ أَغْصَانُهُ، وَيَصِيرُ بَهِيًّا كَشَجَرَةِ الزَّيْتُونِ، وَطَيِّبَ الرَّائِحَةِ كَأَرْزِ لُبْنَانَ. فَيَعُودُ وَيُقِيمُ فِي ظِلِّي، وَيَزْدَهِرُ كَالْقَمْحِ، وَيُزْهِرُ كَالْكَرْمِ، وَيَشْتَهِرُ اسْمُهُ كَخَمْرِ لُبْنَانَ. مَا لَكَ وَلِلْأَصْنَامِ يَا أَفْرَايِمُ؟ أَنَا أَسْتَجِيبُ لَكَ، وَأَعْتَنِي بِكَ. أَنَا لَكَ كَشَجَرَةِ سَرْوٍ خَضْرَاءَ، وَأَنَا أُعْطِيكَ الثَّمَرَ.“ لِيَفْهَمِ الْحَكِيمُ هَذِهِ الْأُمُورَ، وَلْيَعْرِفِ الْفَهِيمُ مَعْنَاهَا. لِأَنَّ طُرُقَ اللهِ مُسْتَقِيمَةٌ. فِيهَا يَسِيرُ الصَّالِحُونَ، وَيَعْثُرُ الْمُتَمَرِّدُونَ. هَذَا كَلَامُ اللهِ الَّذِي أَوْحَى بِهِ إِلَى يُوئِيلَ بْنِ بَتُوئِيلَ: اِسْمَعُوا هَذَا أَيُّهَا الشُّيُوخُ، وَأَصْغُوا يَا كُلَّ سُكَّانِ الْأَرْضِ، هَلْ جَرَى مِثْلُ هَذَا فِي أَيَّامِكُمْ أَوْ فِي أَيَّامِ آبَائِكُمْ؟ أَخْبِرُوا أَوْلَادَكُمْ بِهَذَا، وَأَوْلَادُكُمْ يُخْبِرُونَ أَوْلَادَهُمْ، وَأَوْلَادُهُمْ يُخْبِرُونَ الْجِيلَ الَّذِي بَعْدَهُمْ. مَا فَضَلَ مِنْ مَحْصُولِكُمْ بَعْدَمَا هَجَمَ عَلَيْهِ الْجَرَادُ الْكَبِيرُ أَكَلَهُ الْجَرَادُ الطَّيَّارُ، وَمَا فَضَلَ عَنِ الطَّيَّارِ أَكَلَهُ الْجَرَادُ النَّطَّاطُ، وَمَا فَضَلَ عَنِ النَّطَّاطِ أَكَلَهُ الْجَرَادُ الصَّغِيرُ. أَفِيقُوا أَيُّهَا السَّكَارَى وَابْكُوا، وَلْوِلُوا يَا جَمِيعَ شَارِبِي الْخَمْرِ عَلَى الْعَصِيرِ لِأَنَّهُ انْقَطَعَ عَنْ أَفْوَاهِكُمْ. لِأَنَّ أُمَّةً قَوِيَّةً وَبِلَا عَدَدٍ هَاجَمَتْ بِلَادِي، لَهَا أَسْنَانُ الْأَسَدِ وَأَنْيَابُ اللَّبْوَةِ. أَتْلَفَتْ كُرُومِي وَحَطَّمَتْ أَشْجَارَ تِينِي، قَشَّرَتْهَا وَطَرَحَتْهَا فَابْيَضَّتْ أَغْصَانُهَا. نُوحُوا كَعَرُوسَةٍ لَابِسَةٍ الْخَيْشَ عَلَى زَوْجِهَا الَّذِي فَقَدَتْهُ فِي صِبَاهَا. اِنْقَطَعَ قُرْبَانُ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانُ الشَّرَابِ عَنْ بَيْتِ اللهِ، لِذَلِكَ حَزِنَ الْأَحْبَارُ خُدَّامُ اللهِ. خَرِبَتِ الْحُقُولُ، يَبِسَتِ الْأَرْضُ، تَلِفَ الْقَمْحُ، اِنْقَطَعَتِ الْخَمْرُ، نَفِدَ الزَّيْتُ. حَزِنَ الْفَلَّاحُونَ، وَلْوَلَ الْكَرَّامُونَ، عَلَى الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَكُلِّ مَحَاصِيلِ الْحَقْلِ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ. الْكَرْمُ يَبِسَ، وَالتِّينُ ذَبُلَ، وَالرُّمَّانُ وَالنَّخِيلُ وَالتُّفَّاحُ وَكُلُّ أَشْجَارِ الْحَقْلِ يَبِسَتْ. زَالَ الْفَرَحُ عَنِ النَّاسِ. اِلْبَسُوا الْخَيْشَ وَابْكُوا أَيُّهَا الْأَحْبَارُ، وَلْوِلُوا يَا خُدَّامَ مَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ. تَعَالَوْا بِيتُوا لَيْلَتَكُمْ فِي الْخَيْشِ يَا خُدَّامَ إِلَهِي، لِأَنَّهُ قَدِ امْتَنَعَ قُرْبَانُ الدَّقِيقِ وَقُرْبَانُ الشَّرَابِ عَنْ بَيْتِ إِلَهِكُمْ. قُولُوا لِلنَّاسِ أَنْ يَصُومُوا للهِ، اُدْعُوهُمْ إِلَى احْتِفَالٍ مُقَدَّسٍ. اِجْمَعُوا الشُّيُوخَ، وَكُلَّ سُكَّانِ الْأَرْضِ إِلَى بَيْتِ الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، وَاصْرُخُوا إِلَى اللهِ. يَا لَهُ مِنْ يَوْمٍ! يَوْمُ رَبِّنَا قَرِيبٌ، يَأْتِي كَخَرَابٍ مِنْ عِنْدِ الْقَدِيرِ. أَخَذُوا عَنَّا طَعَامَنَا قُدَّامَ عُيُونِنَا، زَالَ الْفَرَحُ وَالسُّرُورُ عَنْ بَيْتِ إِلَهِنَا. تَعَفَّنَتِ الْبُزُورُ فِي الْأَرْضِ. جَفَّتْ مَجَارِي الْمِيَاهِ، خَرِبَتِ الْمَخَازِنُ، وَنَفِدَتِ الْحُبُوبُ. تَئِنُّ الْبَهَائِمُ بِصَوْتٍ عَالٍ، شَرَدَتِ الْمَوَاشِي لِأَنَّهُ لَا مَرْعَى لَهَا، وَقُطْعَانُ الْغَنَمِ أَيْضًا تَتَأَلَّمُ. إِلَيْكَ يَا رَبُّ أَصْرُخُ، لِأَنَّ النَّارَ الْتَهَمَتْ مَرَاعِيَ الْبَرِّيَّةِ، وَاللَّهِيبَ أَحْرَقَ كُلَّ أَشْجَارِ الْحَقْلِ. حَتَّى الْوُحُوشُ تَسْتَغِيثُ بِكَ، لِأَنَّ الْمَجَارِيَ جَفَّتْ، وَالنَّارَ الْتَهَمَتْ مَرَاعِيَ الْبَرِّيَّةِ. اُنْفُخُوا الْبُوقَ فِي الْقُدْسِ، أَطْلِقُوا صَوْتَ الْإِنْذَارِ فِي جَبَلِيَ الْمُقَدَّسِ. لِيَرْتَعِدْ كُلُّ سُكَّانِ الْأَرْضِ، لِأَنَّ يَوْمَ رَبِّنَا قَادِمٌ وَهُوَ قَرِيبٌ. يَوْمُ ظَلَامٍ وَقَتَامٍ، يَوْمُ سَحَابٍ وَضَبَابٍ. فِيهِ يَأْتِي جَيْشٌ عَظِيمٌ وَقَوِيٌّ وَيَنْتَشِرُ كَالظَّلَامِ عَلَى الْجِبَالِ. جَيْشٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ فِي الْقَدِيمِ، وَلَنْ يَكُونَ لَهُ شَبِيهٌ فِي الْأَجْيَالِ الْآتِيَةِ. قُدَّامَهُمْ نَارٌ تَأْكُلُ، وَخَلْفَهُمْ لَهِيبٌ يَحْرِقُ. قُدَّامَهُمُ الْأَرْضُ تُشْبِهُ جَنَّةَ عَدْنٍ، وَخَلْفَهُمْ هِيَ صَحْرَاءُ مُوحِشَةٌ، وَلَا يَنْجُو مِنْهُمْ شَيْءٌ. مَنْظَرُهُمْ كَالْخَيْلِ، يَقْفِزُونَ كَالْفُرْسَانِ. يَقْفِزُونَ عَلَى قِمَمِ الْجِبَالِ، صَوْتُهُمْ كَضَجِيجِ مَرْكَبَاتٍ حَرْبِيَّةٍ، وَكَنَارٍ تَأْكُلُ الْقَشَّ، وَكَجَيْشٍ قَوِيٍّ مُحْتَشِدٍ لِلْقِتَالِ. مِنْ مَنْظَرِهِمْ تَرْتَعِبُ الشُّعُوبُ وَتَصْفَرُّ كُلُّ الْوُجُوهِ. يَهْجُمُونَ كَأَبْطَالٍ، وَكَرِجَالِ الْحَرْبِ يَتَسَلَّقُونَ السُّورَ. كُلُّهُمْ يَسِيرُونَ فِي الطَّرِيقِ وَلَا يَحِيدُونَ عَنِ الصَّفِّ. لَا يُزَاحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. كُلُّ وَاحِدٍ يَتَقَدَّمُ لِلْأَمَامِ. تَطِيرُ السِّهَامُ نَحْوَهُمْ، لَكِنَّهُمْ يَتَقَدَّمُونَ وَلَا يَنْكَسِرُونَ. يَنْقَضُّونَ عَلَى الْمَدِينَةِ، يَقْفِزُونَ عَلَى الْأَسْوَارِ، يَصْعَدُونَ إِلَى الْبُيُوتِ، يَدْخُلُونَ مِنَ النَّوَافِذِ كَلُصُوصٍ. أَمَامَهُمْ تَرْتَعِدُ الْأَرْضُ وَتَرْتَعِشُ السَّمَاءُ، تُظْلِمُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، وَتَمْنَعُ النُّجُومُ ضِيَاءَهَا. يَجْهَرُ اللهُ بِصَوْتِهِ فِي مُقَدِّمَةِ جَيْشِهِ. جُنُودُهُ كَثِيرُونَ وَأَقْوِيَاءُ وَيُطِيعُونَ أَمْرَهُ. يَوْمُ رَبِّنَا عَظِيمٌ وَمُخِيفٌ، فَمَنْ يَحْتَمِلُهُ؟ فَالْآنَ يَقُولُ اللهُ: ”اِرْجِعُوا إِلَيَّ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ، بِالصَّوْمِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ. مَزِّقُوا قُلُوبَكُمْ لَا ثِيَابَكُمْ.“ اِرْجِعُوا إِلَى الْمَوْلَى إِلَهِكُمْ لِأَنَّهُ حَنُونٌ وَرَحِيمٌ وَحَلِيمٌ وَمُحِبٌّ جِدًّا، وَدَائِمًا يَرِقُّ فَلَا يُرْسِلُ الْعِقَابَ. فَمَنْ يَدْرِي؟ رُبَّمَا يَرْجِعُ وَيَشْفِقُ وَيَتْرُكُ وَرَاءَهُ بَرَكَةً لَكُمْ، لِتُقَدِّمُوا قُرْبَانَ دَقِيقٍ وَشَرَابٍ لِلْمَوْلَى إِلَهِكُمْ. اُنْفُخُوا الْبُوقَ فِي الْقُدْسِ، قُولُوا لِلنَّاسِ أَنْ يَصُومُوا للهِ، اُدْعُوهُمْ إِلَى احْتِفَالٍ مُقَدَّسٍ. اِجْمَعُوا الشَّعْبَ، طَهِّرُوا الْجَمَاعَةَ، اِحْشِدُوا الشُّيُوخَ، اِجْمَعُوا الصِّغَارَ وَالرُّضَّعَ. لِيَخْرُجِ الْعَرِيسُ مِنْ غُرْفَتِهِ وَالْعَرُوسَةُ مِنْ حُجْرَتِهَا. لِيَبْكِ الْأَحْبَارُ خُدَّامُ اللهِ بَيْنَ شُرْفَةِ الْبَيْتِ وَالْمَنَصَّةِ، وَيَقُولُوا: ”أَشْفِقْ يَا رَبُّ عَلَى شَعْبِكَ، لَا تَجْعَلِ النَّاسَ تَسْخَرُ مِنَّا، لَا تَجْعَلِ الْأُمَمَ تَضْرِبُ بِنَا الْمَثَلَ. لِمَاذَا يَقُولُونَ بَيْنَ الشُّعُوبِ: ’أَيْنَ إِلَهُهُمْ؟‘“ فَيُظْهِرُ اللهُ مَحَبَّتَهُ لِأَرْضِهِ، وَيَشْفِقُ عَلَى شَعْبِهِ. فَيُجِيبُهُمْ وَيَقُولُ: ”سَأُرْسِلُ لَكُمُ الْقَمْحَ وَالْخَمْرَ وَالزَّيْتَ، فَتَشْبَعُونَ مِنْهَا، وَلَا أَعُودُ أَجْعَلُ الْأُمَمَ تَسْخَرُ مِنْكُمْ. وَأُبْعِدُ عَنْكُمُ الْجَيْشَ الْآتِيَ مِنَ الشَّمَالِ، وَأَطْرُدُهُ إِلَى أَرْضٍ يَابِسَةٍ وَمُقْفِرَةٍ، فَتَكُونُ مُقَدِّمَتُهُ فِي الْبَحْرِ الْمَيِّتِ وَمُؤَخَّرَتُهُ فِي الْبَحْرِ الْأَبْيَضِ الْمُتَوَسِّطِ، فَتَفُوحُ رَائِحَتُهُ النَّتِنَةُ، وَتَنْتَشِرُ عُفُونَتُهُ، لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ الْفَظَائِعَ.“ لَا تَخَافِي أَيَّتُهَا الْأَرْضُ. اِبْتَهِجِي وَافْرَحِي لِأَنَّ اللهَ صَنَعَ أُمُورًا عَظِيمَةً. لَا تَخَافِي أَيَّتُهَا الْوُحُوشُ لِأَنَّ مَرَاعِيَ الْبَرِّيَّةِ اخْضَرَّتْ. تَحْمِلُ الْأَشْجَارُ ثِمَارَهَا، التِّينُ وَالْكَرْمُ يَجُودُ بِغَلَّتِهِ. اِبْتَهِجُوا يَا أَهْلَ الْقُدْسِ، اِفْرَحُوا بِالْمَوْلَى إِلَهِكُمْ، لِأَنَّهُ حَسَبَ صَلَاحِهِ يُعْطِيكُمْ مَطَرًا، يُرْسِلُ لَكُمْ مَطَرَ الْخَرِيفِ وَمَطَرَ الرَّبِيعِ كَمَا مِنْ قَبْلُ. فَتَمْتَلِئُ الْبَيَادِرُ بِالْقَمْحِ، وَتَفِيضُ الْجِرَارُ بِالْخَمْرِ وَالزَّيْتِ. ”وَأُعَوِّضُكُمْ عَنْ مَحَاصِيلِ السِّنِينَ الَّتِي أَكَلَهَا الْجَرَادُ الْكَبِيرُ وَالطَّيَّارُ وَالنَّطَّاطُ وَالصَّغِيرُ، جَيْشِيَ الْعَظِيمُ الَّذِي أَرْسَلْتُهُ عَلَيْكُمْ. فَتَأْكُلُونَ بِوَفْرَةٍ وَتَشْبَعُونَ، وَتُسَبِّحُونَ اسْمَ الْمَوْلَى إِلَهِكُمُ الَّذِي صَنَعَ لَكُمُ الْعَجَائِبَ، وَلَنْ يَخْجَلَ شَعْبِي مَرَّةً أُخْرَى. فَتَعْرِفُونَ أَنِّي فِي وَسَطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنِّي أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ، وَلَا إِلَهَ غَيْرِي، وَلَنْ يَخْجَلَ شَعْبِي مَرَّةً أُخْرَى. ”وَبَعْدَ ذَلِكَ أُفِيضُ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَيَحْلُمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلَامًا، وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤًى. وَحَتَّى عَبِيدِي مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، أُفِيضُ عَلَيْهِمْ رُوحِي فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ. وَأَعْمَلُ عَجَائِبَ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الْأَرْضِ، فَيَكُونُ دَمٌ وَنَارٌ وَدُخَانٌ كَثِيفٌ. وَتُظْلِمُ الشَّمْسُ، وَيَتَحَوَّلُ الْقَمَرُ إِلَى لَوْنِ الدَّمِ، قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمُ رَبِّنَا، ذَلِكَ الْيَوْمُ الْعَظِيمُ الْمُخِيفُ. وَكُلُّ مَنْ يَبْتَهِلُ إِلَى الْمَوْلَى يَنْجُو. وَكَمَا قَالَ اللهُ، عَلَى جَبَلِ تِصْيُونَ وَفِي الْقُدْسِ تَكُونُ النَّجَاةُ لِلْبَقِيَّةِ الَّتِي يَدْعُوهَا اللهُ. ”لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، حِينَ أَرُدُّ شَعْبَ يَهُوذَا وَالْقُدْسِ مِنَ الْأَسْرِ، أَجْمَعُ كُلَّ الْأُمَمِ، وَأُحْضِرُهُمْ إِلَى وَادِي يُوشَافَاطَ. وَأُحَاكِمُهُمْ هُنَاكَ مِنْ أَجْلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ شَعْبِي وَنَصِيبِي، لِأَنَّهُمْ شَتَّتُوهُمْ بَيْنَ الْأُمَمِ وَاقْتَسَمُوا أَرْضِي. وَأَلْقَوْا الْقُرْعَةَ عَلَى شَعْبِي، فَقَايَضُوا الْوَلَدَ بِعَاهِرَةٍ، وَبَاعُوا الْبِنْتَ بِخَمْرٍ لِيَشْرَبُوا. ”مَاذَا عِنْدَكُم ضِدِّي يَا صُورُ وَصَيْدَا وَكُلَّ مَنَاطِقِ فِلِسْطَةَ؟ هَلْ تُجَازُونِي عَلَى شَيْءٍ عَمِلْتُهُ؟ إِنْ كُنْتُمْ تُجَازُونِي فَإِنِّي فَجْأَةً وَسَرِيعًا أُنْزِلُ الْعِقَابَ عَلَى رُؤُوسِكُمْ. لِأَنَّكُمْ أَخَذْتُمْ فِضَّتِي وَذَهَبِي، وَحَمَلْتُمْ كُنُوزِيَ الْفَاخِرَةَ إِلَى مَعَابِدِكُمْ. وَبِعْتُمْ شَعْبَ يَهُوذَا وَالْقُدْسِ إِلَى الْيُونَانِيِّينَ لِتُبْعِدُوهُمْ عَنْ بِلَادِهِمْ. لَكِنِّي أُرْجِعُهُمْ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي بِعْتُمُوهُمْ إِلَيْهِ، وَأَرُدُّ جَزَاءَ عَمَلِكُمْ عَلَى رُؤُوسِكُمْ. وَأَبِيعُ بَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ لِشَعْبِ يَهُوذَا، فَيَبِيعُونَهُمْ لِلسَّبَئِيِّينَ، تِلْكَ الْأُمَّةِ الْبَعِيدَةِ.“ اللهُ قَدْ تَكَلَّمَ. نَادُوا بِهَذَا بَيْنَ الْأُمَمِ: اِسْتَعِدُّوا لِلْحَرْبِ، أَنْهِضُوا الْأَبْطَالَ. تَقَدَّمُوا وَهَاجِمُوا يَا كُلَّ رِجَالِ الْقِتَالِ. اُطْرُقُوا أَسْنَانَ مَحَارِيثِكُمْ وَحَوِّلُوهَا إِلَى سُيُوفٍ، وَمَنَاجِلَكُمْ إِلَى رِمَاحٍ، وَلْيَقُلِ الضَّعِيفُ مِنْكُمْ: ”أَنَا بَطَلٌ!“ أَسْرِعُوا يَا كُلَّ الْأُمَمِ وَتَعَالَوْا مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَاجْتَمِعُوا هُنَاكَ. نَادِ أَبْطَالَكَ يَا رَبُّ. ”اِنْهَضِي أَيَّتُهَا الْأُمَمُ وَتَعَالَيْ إِلَى وَادِي يُوشَافَاطَ، هُنَاكَ أَجْلِسُ لِأُحَاكِمَ الْأُمَمَ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ. اِدْفَعُوا الْمِنْجَلَ لِأَنَّ الْمَحْصُولَ نَضِجَ. تَعَالَوْا دُوسُوا الْعِنَبَ، لِأَنَّ مَعْصَرَةَ الْخَمْرِ امْتَلَأَتْ، وَالْجِرَارَ فَاضَتْ، فَإِنَّ شَرَّهُمْ عَظِيمٌ.“ جَمَاهِيرُ جَمَاهِيرُ فِي وَادِي الْقَضَاءِ، لِأَنَّ يَوْمَ رَبِّنَا قَرِيبٌ فِي وَادِي الْقَضَاءِ. تُظْلِمُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، وَتَمْنَعُ النُّجُومُ ضِيَاءَهَا. يَزْأَرُ اللهُ مِنَ الْقُدْسِ، وَيَجْهَرُ بِصَوْتِهِ مِنْ هُنَاكَ، فَتَرْتَعِشُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ. لَكِنَّ اللهَ مَلْجَأٌ لِشَعْبِهِ، وَحِصْنٌ لِمُخْتَارِيهِ. ”فَتَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُكُمُ السَّاكِنُ فِي تِصْيُونَ جَبَلِيَ الْمُقَدَّسِ، وَتَكُونُ الْقُدْسُ مَكَانًا مُقَدَّسًا، وَلَا يَعْبُرُ فِيهَا الْغُرَبَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ. ”فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَقْطُرُ الْجِبَالُ خَمْرًا، وَتَفِيضُ التِّلَالُ بِاللَّبَنِ، وَكُلُّ يَنَابِيعِ يَهُوذَا تَسِيلُ بِالْمَاءِ. وَيَخْرُجُ يَنْبُوعٌ مِنْ بَيْتِ اللهِ وَيَرْوِي وَادِي السَّنْطِ. وَتَصِيرُ مِصْرُ خَرَابًا، وَأَدُومُ صَحْرَاءَ مُوحِشَةً، لِأَنَّهُمْ ظَلَمُوا بَنِي يَهُوذَا، وَسَفَكُوا دَمَ الْأَبْرِيَاءِ فِي أَرْضِهِمْ. أَمَّا يَهُوذَا فَتَعْمُرُ إِلَى الْأَبَدِ، وَالْقُدْسُ إِلَى كُلِّ الْأَجْيَالِ. وَأَغْفِرُ لَهُمْ جَرِيمَةَ سَفْكِ الدَّمِ الَّتِي لَمْ أَغْفِرْهَا مِنْ قَبْلُ.“ وَيَسْكُنُ اللهُ فِي الْقُدْسِ. هَذَا كَلَامُ عَامُوسَ، أَحَدِ الرُّعَاةِ مِنْ تَقُوعَ. فَإِنَّهُ قَبْلَ الزِّلْزَالِ بِسَنَتَيْنِ، رَأَى رُؤًى عَنْ إِسْرَائِيلَ فِي أَيَّامِ عُزِّيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، وَفِي أَيَّامِ يَرْبَعَامَ بْنِ يُوآشَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ. فَقَالَ: ”يَزْأَرُ الْمَوْلَى مِنْ تِصْيُونَ، وَيَجْهَرُ بِصَوْتِهِ مِنَ الْقُدْسِ، فَتَيْبَسُ مَرَاعِي الرُّعَاةِ وَتَذْبُلُ قِمَّةُ جَبَلِ الْكَرْمَلِ.“ قَالَ اللهُ: ”أَهْلُ دِمَشْقَ أَذْنَبُوا مِرَارًا وَتِكْرَارًا، لِذَلِكَ لَا أَرُدُّ عَنْهُمْ غَضَبِي. لِأَنَّهُمْ دَاسُوا شَعْبَ جِلْعَادَ بِنَوَارِجَ مِنْ حَدِيدٍ. فَأُرْسِلُ نَارًا عَلَى بَيْتِ حَزَائِيلَ فَتَأْكُلُ حُصُونَ بَنْهَدَدَ. وَأُحَطِّمُ بَوَّابَةَ دِمَشْقَ، وَأُزِيلُ الشَّعْبَ مِنْ وَادِي آوِنَ، وَالْحَاكِمَ مِنْ بَيْتَ عَدْنَ، وَيَذْهَبُ شَعْبُ آرَامَ أَسْرَى إِلَى قِيرَ.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى. قَالَ اللهُ: ”أَهْلُ غَزَّةَ أَذْنَبُوا مِرَارًا وَتِكْرَارًا، لِذَلِكَ لَا أَرُدُّ عَنْهُمْ غَضَبِي. لِأَنَّهُمْ أَسَرُوا شَعْبًا بِكَامِلِهِ وَبَاعُوهُ عَبِيدًا إِلَى أَدُومَ. فَأُرْسِلُ نَارًا عَلَى سُورِ غَزَّةَ فَتَأْكُلُ حُصُونَهَا. وَأُزِيلُ الشَّعْبَ مِنْ أَشْدُودَ، وَالْحَاكِمَ مِنْ عَسْقَلَانَ، وَأَمُدُّ يَدِي ضِدَّ عَقْرُونَ، فَيَفْنَى مَنْ بَقِيَ مِنَ الْفِلِسْطِيِّينَ.“ هَذَا كَلَامُ مَوْلَانَا الْإِلَهِ. قَالَ اللهُ: ”أَهْلُ صُورَ أَذْنَبُوا مِرَارًا وَتِكْرَارًا لِذَلِكَ لَا أَرُدُّ عَنْهُمْ غَضَبِي. لِأَنَّهُمْ بَاعُوا شَعْبًا بِكَامِلِهِ عَبِيدًا إِلَى أَدُومَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا عَهْدَ الْإِخْوَةِ. فَأُرْسِلُ نَارًا عَلَى سُورِ صُورَ فَتَأْكُلُ حُصُونَهَا.“ قَالَ اللهُ: ”أَهْلُ أَدُومَ أَذْنَبُوا مِرَارًا وَتِكْرَارًا، لِذَلِكَ لَا أَرُدُّ عَنْهُمْ غَضَبِي. لِأَنَّهُمْ طَارَدُوا إِخْوَتَهُمْ بِالسَّيْفِ بِلَا رَحْمَةٍ. وَاشْتَعَلَ غَضَبُهُمْ دَائِمًا، وَبَقِيَ غَيْظُهُمْ طُولَ الْوَقْتِ. فَأُرْسِلُ نَارًا عَلَى مَدِينَةِ تِيمَانَ فَتَأْكُلُ حُصُونَ بُصْرَةَ.“ قَالَ اللهُ: ”بَنُو عَمُّونَ أَذْنَبُوا مِرَارًا وَتِكْرَارًا، لِذَلِكَ لَا أَرُدُّ عَنْهُمْ غَضَبِي. لِأَنَّهُمْ شَقُّوا بُطُونَ الْحَوَامِلِ فِي جِلْعَادَ لِكَيْ يَسْتَوْلُوا عَلَى بِلَادِهِمْ وَيُوَسِّعُوا حُدُودَهُمْ. فَأُشْعِلُ نَارًا فِي سُورِ رَبَّةَ فَتَأْكُلُ حُصُونَهَا، وَسَطَ صُرَاخٍ شَدِيدٍ فِي يَوْمِ الْمَعْرَكَةِ، وَرِيحٍ عَاصِفَةٍ فِي يَوْمِ الزَّوْبَعَةِ. وَيَذْهَبُ مَلِكُهُمْ إِلَى الْأَسْرِ هُوَ وَكُلُّ رُؤَسَائِهِ.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى. قَالَ اللهُ: ”أَهْلُ مُوآبَ أَذْنَبُوا مِرَارًا وَتِكْرَارًا، لِذَلِكَ لَا أَرُدُّ عَنْهُمْ غَضَبِي. لِأَنَّهُمْ أَحْرَقُوا عِظَامَ مَلِكِ أَدُومَ حَتَّى صَارَتْ رَمَادًا. فَأُرْسِلُ نَارًا عَلَى مُوآبَ فَتَأْكُلُ حُصُونَ مَدِينَةِ قَرْيُوتَ، وَيَمُوتُ أَهْلُ مُوآبَ وَسَطَ ضَجَّةٍ وَصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدَوِيِّ الْبُوقِ. وَأُزِيلُ مِنْ مُوآبَ مَلِكَهَا وَأَقْتُلُ مَعَهُ كُلَّ رُؤَسَائِهَا.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى. قَالَ اللهُ: ”أَهْلُ يَهُوذَا أَذْنَبُوا مِرَارًا وَتِكْرَارًا، لِذَلِكَ لَا أَرُدُّ عَنْهُمْ غَضَبِي. لِأَنَّهُمْ رَفَضُوا شَرِيعَةَ اللهِ، وَلَمْ يَحْفَظُوا فَرَائِضَهُ، بَلْ ضَلُّوا وَرَاءَ الْآلِهَةِ الْكَاذِبَةِ الَّتِي تَبِعَهَا آبَاؤُهُمْ. فَأُرْسِلُ نَارًا عَلَى يَهُوذَا فَتَأْكُلُ حُصُونَ الْقُدْسِ.“ قَالَ اللهُ: ”بَنُو إِسْرَائِيلَ أَذْنَبُوا مِرَارًا وَتِكْرَارًا، لِذَلِكَ لَا أَرُدُّ عَنْهُمْ غَضَبِي. لِأَنَّهُمْ بَاعُوا الصَّالِحَ مُقَابِلَ فِضَّةٍ، وَالْفَقِيرَ مُقَابِلَ نَعْلَيْنِ. وَيَدُوسُونَ رَأْسَ الْمِسْكِينِ فِي التُّرَابِ، وَيَحْرِمُونَ الْمَظْلُومِينَ مِنَ الْعَدْلِ. يُعَاشِرُ الرَّجُلُ وَابْنُهُ امْرَأَةً وَاحِدَةً، فَيُنَجِّسُونَ اسْمِيَ الْقُدُّوسَ. يَرْقُدُونَ عِنْدَ كُلِّ مَنَصَّةٍ عَلَى ثِيَابٍ أَخَذُوهَا كَرَهْنٍ، وَفِي مَعْبَدِ إِلَهِهِمْ يَشْرَبُونَ خَمْرًا أَخَذُوهَا كَغَرَامَةٍ. ”وَأَنَا الَّذِي أَفْنَيْتُ مِنْ أَمَامِكُمُ الْأَمُورِيِّينَ الَّذِينَ قَامَتُهُمْ طَوِيلَةٌ كَالْأَرْزِ وَأَقْوِيَاءُ كَالْبَلُّوطِ، أَفْنَيْتُ ثِمَارَهُمْ مِنْ فَوْقُ وَجُذُورَهُمْ مِنْ تَحْتُ. وَأَخْرَجْتُكُمْ مِنْ مِصْرَ، وَقُدْتُكُمْ 40 سَنَةً فِي الصَّحْرَاءِ لِأُعْطِيَكُمْ أَرْضَ الْأَمُورِيِّينَ. وَأَقَمْتُ مِنْ بَنِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَمِنْ شُبَّانِكُمْ نَذِيرِينَ. أَلَيْسَ هَذَا هُوَ مَا حَدَثَ فِعْلًا يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى. وَلَكِنَّكُمْ سَقَيْتُمُ النَّذِيرِينَ خَمْرًا، وَأَمَرْتُمُ الْأَنْبِيَاءَ أَنْ لَا يَتَنَبَّأُوا. ”لِذَلِكَ أَسْحَقُكُمْ، كَمَا تَنْسَحِقُ عَرَبَةٌ مَمْلُوءَةٌ بِالْحُزَمِ تَحْتَ حِمْلِهَا الثَّقِيلِ. السَّرِيعُ لَا يَهْرُبُ، وَالْقَوِيُّ لَا تَنْفَعُهُ قُوَّتُهُ، وَالْبَطَلُ لَا يُنَجِّي نَفْسَهُ، وَرَامِي الْقَوْسِ لَا يَصْمُدُ، وَسَرِيعُ الرِّجْلَيْنِ لَا يَنْجُو، وَرَاكِبُ الْخَيْلِ لَا يُنِّجِي نَفْسَهُ، وَأَكْثَرُ الْأَبْطَالِ شَجَاعَةً يَهْرُبُ عُرْيَانًا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى. اِسْمَعُوا هَذَا الْكَلَامَ الَّذِي قَالَهُ اللهُ ضِدَّكُمْ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، ضِدَّ كُلِّ الْقَبِيلَةِ الَّتِي أَخْرَجْتُهَا مِنْ مِصْرَ: ”أَنَا اخْتَرْتُكُمْ أَنْتُمْ وَحْدَكُمْ مِنْ بَيْنِ كُلِّ قَبَائِلِ الْأَرْضِ، لِذَلِكَ أُعَاقِبُكُمْ عَلَى كُلِّ ذُنُوبِكُمْ.“ هَلْ يَسِيرُ اثْنَانِ مَعًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى ذَلِكَ؟ وَالْأَسَدُ لَا يَزْأَرُ فِي الْغَابَةِ إِنْ لَمْ يَجِدْ فَرِيسَةً، وَلَا يُزَمْجِرُ الشِّبْلُ فِي عَرِينِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ خَطَفَ شَيْئًا! هَلْ يَقَعُ الْعُصْفُورُ فِي الْمَصْيَدَةِ وَلَيْسَ فِيهَا مَا يُغْرِيهِ؟ وَالْفَخُّ لَا يُقْفَلُ إِنْ لَمْ يَقَعْ فِيهِ شَيْءٌ. إِنْ دَوَّى الْبُوقُ فِي مَدِينَةٍ، أَلَا يَرْتَعِدُ الشَّعْبُ؟ إِنْ جَاءَتْ مُصِيبَةٌ عَلَى بَلَدٍ، أَلَيْسَ اللهُ هُوَ الَّذِي سَبَّبَهَا؟ مَوْلَانَا الْإِلَهُ لَا يَعْمَلُ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْلِنَ سِرَّهُ لِعَبِيدِهِ الْأَنْبِيَاءِ. زَأَرَ الْأَسَدُ فَمَنْ لَا يَخَافُ؟ تَكَلَّمَ مَوْلَانَا الْإِلَهُ فَمَنْ لَا يَتَنَبَّأُ؟ أَعْلِنُوا فِي حُصُونِ أَشْدُودَ وَفِي حُصُونِ مِصْرَ وَقُولُوا: ”تَعَالَوْا إِلَى جِبَالِ السَّامِرَةِ، وَانْظُرُوا مَا فِيهَا مِنْ شَغَبٍ كَثِيرٍ وَظُلْمٍ شَدِيدٍ. فَإِنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ أَنْ يَعْمَلُوا الْحَقَّ، بَلْ يَخْزِنُونَ فِي قُصُورِهِمْ مَا أَخَذُوهُ بِالظُّلْمِ وَالِاغْتِصَابِ.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى. لِذَلِكَ قَالَ مَوْلَانَا الْإِلَهُ: ”يَأْتِي الْعَدُوُّ عَلَى الْبِلَادِ فَيَهْدِمُ قُصُورَكُمْ وَيَنْهَبُ حُصُونَكُمْ.“ وَقَالَ اللهُ: ”رُبَّمَا يَنْزِعُ الرَّاعِي مِنْ فَمِ الْأَسَدِ رِجْلَيْنِ أَوْ قِطْعَةَ أُذُنٍ هِيَ كُلُّ مَا بَقِيَ مِنَ الْفَرِيسَةِ، وَبِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ فِي السَّامِرَةِ، يَنْجُونَ وَمَعَهُمْ زَاوِيَةٌ مِنْ سَرِيرٍ أَوْ قِطْعَةٌ مِنْ مَقْعَدٍ. لِذَلِكَ يَقُولُ مَوْلَانَا وَرَبُّنَا الْإِلَهُ الْقَدِيرُ: ’اِسْمَعُوا وَاشْهَدُوا عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ. فَإِنِّي حِينَ أُعَاقِبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى ذُنُوبِهِمْ، أَهْدِمُ مَعَابِدَ بَيْتَ إِيلَ، وَأُكَسِّرُ قُرُونَ الْمَنَصَّةِ فَتَسْقُطُ إِلَى الْأَرْضِ. وَأُحَطِّمُ بَيْتَ الشِّتَاءِ وَبَيْتَ الصَّيْفِ، فَتَزُولُ بُيُوتُ الْعَاجِ، وَتُهْدَمُ الدِّيَارُ الْكَبِيرَةُ.‘“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى. اِسْمَعِي هَذَا الْكَلَامَ يَا بَقَرَاتِ بَاشَانَ الَّتِي فِي جَبَلِ السَّامِرَةِ، أَيَّتُهَا النِّسَاءُ اللَّاتِي تَظْلِمْنَ الْمِسْكِينَ وَتَسْحَقْنَ الْفَقِيرَ وَتَقُلْنَ لِأَزْوَاجِكُنَّ: ”هَاتُوا مُسْكِرًا لِنَشْرَبَ.“ أَقْسَمَ مَوْلَانَا الْإِلَهُ الْقُدُّوسُ وَقَالَ: ”يَأْتِي عَلَيْكُنَّ وَقْتٌ فِيهِ يَأْخُذُكُنَّ الْعَدُوُّ بِخِزَامَةٍ، وَمَنْ بَقِيَ مِنْكُنَّ بِصِنَّارَةٍ. وَتَخْرُجُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ شَقٍّ فِي السُّورِ، وَتُرْمَى عَلَى كُومِ الزِّبَالَةِ.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى. ”تَعَالَوْا إِلَى بَيْتَ إِيلَ وَارْتَكِبُوا الذَّنْبَ، بَلْ تَعَالَوْا إِلَى الْجِلْجَالِ وَارْتَكِبُوا ذُنُوبًا كَثِيرَةً. قَدِّمُوا ضَحَايَاكُمْ كُلَّ صُبْحٍ، وَعُشُورَكُمْ كُلَّ 3 أَيَّامٍ. ’أَحْرِقُوا مِنَ الْخَمِيرِ قُرْبَانَ شُكْرٍ، وَأَعْلِنُوا أَنَّكُمْ تُقَدِّمُونَ تَبَرُّعَاتٍ، وَتَبَاهَوْا بِهَذَا يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِأَنَّكُمْ تُحِبُّونَ ذَلِكَ!‘ هَذَا كَلَامُ مَوْلَانَا الْإِلَهِ. ”وَأَنَا حَرَمْتُكُمْ مِنَ الطَّعَامِ فِي كُلِّ مُدُنِكُمْ، وَأَفْقَرْتُكُمْ إِلَى الْخُبْزِ فِي كُلِّ بِلَادِكُمْ، وَلَكِنَّكُمْ لَمْ تَرْجِعُوا إِلَيَّ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى. وَمَنَعْتُ عَنْكُمُ الْمَطَرَ وَلَمْ يَبْقَ لِلْحَصَادِ غَيْرُ 3 أَشْهُرٍ. أَمْطَرْتُ عَلَى مَدِينَةٍ وَلَمْ أُمْطِرْ عَلَى أُخْرَى. نَزَلَ الْمَطَرُ عَلَى حَقْلٍ، وَحَقْلٌ آخَرُ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فَجَفَّ. ”رَاحَ أَهْلُ مَدِينَتَيْنِ أَوْ 3 إِلَى مَدِينَةٍ أُخْرَى لِيَشْرَبُوا مَاءً، فَلَمْ يَشْبَعُوا. وَلَكِنَّكُمْ لَمْ تَرْجِعُوا إِلَيَّ.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى. ”كَثِيرًا مَا ضَرَبْتُ حُقُولَكُمْ بِالرِّيحِ اللَّافِحَةِ وَالذُّبُولِ، وَأَكَلَ الْجَرَادُ حَدَائِقَكُمْ وَكُرُومَكُمْ وَتِينَكُمْ وَزَيْتُونَكُمْ. وَلَكِنَّكُمْ لَمْ تَرْجِعُوا إِلَيَّ.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى. ”أَرْسَلْتُ عَلَيْكُمُ الْأَمْرَاضَ الَّتِي أَصَبْتُ بِهَا مِصْرَ. قَتَلْتُ شُبَّانَكُمْ بِالسَّيْفِ، وَأَخْذْتُ مِنْكُمْ خُيُولَكُمْ، وَجَعَلْتُكُمْ تَشُمُّونَ عُفُونَةَ الْمَوْتَى حَوْلَكُمْ. وَلَكِنَّكُمْ لَمْ تَرْجِعُوا إِلَيَّ.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى. ”أَهْلَكْتُ بَعْضَكُمْ كَمَا أَهَلَكْتُ سَدُومَ وَعَمُورَةَ. فَكَانَ مَنْ نَجَا مِنْكُمْ كَأَنَّهُ عَصًا مُشْتَعِلَةٌ أُخِذَتْ مِنَ الْحَرِيقِ. وَلَكِنَّكُمْ لَمْ تَرْجِعُوا إِلَيَّ.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى. ”إِذَنْ سَأَفْعَلُ بِكَ هَذَا أَيُّهَا الشَّعْبُ، وَلِأَنِّي سَأَفْعَلُهُ بِكَ، اِسْتَعِدَّ لِلِقَاءِ إِلَهِكَ.“ هُوَ الَّذِي صَنَعَ الْجِبَالَ وَخَلَقَ الرِّيَاحَ وَيُعْلِنُ فِكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ، هُوَ الَّذِي يُحَوِّلُ الْفَجْرَ إِلَى ظَلَامٍ وَيَمْشِي عَلَى قِمَمِ الْأَرْضِ. اِسْمُهُ الْمَوْلَى الْإِلَهُ الْقَدِيرُ. اِسْمَعُوا هَذَا الْكَلَامَ الَّذِي أَنْدُبُ بِهِ عَلَيْكُمْ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ: ”الشَّعْبُ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُخَصَّصًا لِي سَقَطَ وَلَنْ يَقُومَ، هُوَ مَهْجُورٌ فِي بِلَادِهِ وَلَا مَنْ يُقِيمُهُ.“ وَقَالَ مَوْلَانَا الْإِلَهُ: ”إِنْ خَرَجَ 1000 جُنْدِيٍّ مِنْ مَدِينَةٍ مِنْ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، يَرْجِعُ مِنْهُمْ 100. وَإِنْ خَرَجَ 100 يَرْجِعُ مِنْهُمْ 10.“ وَقَالَ الْمَوْلَى لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ: ”اُطْلُبُونِي فَتَحْيَوْا. لَا تَطْلُبُوا بَيْتَ إِيلَ، لَا تَذْهَبُوا إِلَى الْجِلْجَالِ، وَلَا تَرُوحُوا إِلَى بِئْرَ سَبْعَ. لِأَنَّ أَهْلَ الْجِلْجَالِ يُؤْخَذُونَ أَسْرَى وَتَصِيرُ بَيْتُ إِيلَ عَدَمًا.“ اُطْلُبُوا الْمَوْلَى فَتَحْيَوْا، لِئَلَّا يَهْجُمَ عَلَى بَيْتِ يُوسِفَ كَنَارٍ، فَتُحْرِقُ بَيْتَ إِيلَ وَلَا مَنْ يُطْفِئُهَا. أَنْتُمْ تُحَوِّلُونَ الْعَدْلَ إِلَى مَرَارَةٍ، وَتَرْمُونَ الْحَقَّ إِلَى الْأَرْضِ. اللهُ هُوَ الَّذِي صَنْعَ الثُّرَيَّا وَالْجَوْزَاءَ، وَهُوَ يُحَوِّلُ الظَّلَامَ إِلَى فَجْرٍ، وَالنَّهَارَ إِلَى لَيْلٍ مُظْلِمٍ. يُنَادِي مِيَاهَ الْبَحْرِ وَيَصُبُّهَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. اِسْمُهُ اللهُ. يُحَطِّمُ الْقَوِيَّ، وَيُخْرِبُ الْحُصُونَ. وَأَنْتُمْ تَكْرَهُونَ مَنْ يَشْهَدُ فِي الْمَحْكَمَةِ ضِدَّ الشَّرِّ، وَتُبْغِضُونَ مَنْ يَقُولُ الْحَقَّ. أَنْتُمْ تَدُوسُونَ الْمِسْكِينَ، وَتُجْبِرُونَهُ أَنْ يُعْطِيَكُمْ قَمْحًا. بَنَيْتُمْ دِيَارًا مِنْ حِجَارَةٍ مَنْحُوتَةٍ، لَكِنَّكُمْ لَنْ تَسْكُنُوا فِيهَا. غَرَسْتُمْ كُرُومًا جَمِيلَةً، وَلَكِنَّكُمْ لَنْ تَشْرَبُوا مِنْ خَمْرِهَا. أَنَا عَارِفٌ ذُنُوبَكُمُ الْكَثِيرَةَ وَمَعَاصِيَكُمُ الْكَبِيرَةَ. أَنْتُمْ تُضَايِقُونَ الصَّالِحَ، وَتَأْخُذُونَ الرَّشْوَةَ، وَتَحْرِمُونَ الْمِسْكِينَ مِنَ الْعَدْلِ فِي الْمَحْكَمَةِ. لِذَلِكَ يَسْكُتُ الْعَاقِلُ فِي هَذَا الزَّمَنِ، لِأَنَّهُ زَمَنٌ رَدِيءٌ. اُطْلُبُوا الْخَيْرَ لَا الشَّرَّ لِتَحْيَوْا. فَيَكُونُ مَوْلَانَا الْإِلَهُ الْقَدِيرُ مَعَكُمْ، كَمَا تَقُولُونَ. اِكْرَهُوا الشَّرَّ وَأَحِبُّوا الْخَيْرَ. تَمَسَّكُوا بِالْحَقِّ فِي الْمَحْكَمَةِ. لَعَلَّ الْمَوْلَى الْإِلَهَ الْقَدِيرَ يَشْفِقُ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْ شَعْبِ يُوسِفَ. لِذَلِكَ يَقُولُ مَوْلَانَا وَرَبُّنَا الْإِلَهُ الْقَدِيرُ: ”يَكُونُ صُرَاخٌ فِي كُلِّ الشَّوَارِعِ، وَأَنِينٌ فِي كُلِّ السَّاحَاتِ. يُنَادُونَ الْفَلَّاحِينَ لِيَبْكُوا، وَالنَّادِبَاتِ لِيَنْدُبُوا. يَنُوحُونَ فِي كُلِّ الْكُرُومِ، لِأَنِّي أَعْبُرُ فِي وَسَطِكُمْ.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى. الْوَيْلُ لِلْمُشْتَاقِينَ إِلَى يَوْمِ رَبِّنَا! لِمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمُ رَبِّنَا؟ هُوَ يَوْمُ ظَلَامٍ لَا نُورٍ! فَهُوَ سَيَكُونُ كَمَا لَوْ هَرَبَ الْوَاحِدُ مِنْ أَسَدٍ فَقَابَلَهُ دُبٌّ، أَوْ دَخَلَ الدَّارَ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْحَائِطِ فَلَدَغَتْهُ حَيَّةٌ. سَيَكُونُ يَوْمُ رَبِّنَا يَوْمَ ظَلَامٍ لَا نُورٍ، ظَلَامٍ شَدِيدٍ بِلَا شُعَاعِ نُورٍ! ”إِنِّي أَكْرَهُ أَعْيَادَكُمْ وَأَحْتَقِرُهَا، وَلَا أُطِيقُ احْتِفَالَاتِكُمْ! حَتَّى إِنْ قَدَّمْتُمْ لِي قَرَابِينَ وَهَدَايَا، لَا أَقْبَلُهَا. وَإِنْ أَحْضَرْتُمْ لِي أَحْسَنَ قَرَابِينِ الشُّكْرِ، لَا أَلْتَفِتُ إِلَيْهَا. أَبْعِدُوا عَنِّي ضَجَّةَ أَغَانِيكُمْ، لَا أُرِيدُ أَنْ أَسْمَعَ مُوسِيقَى أَعْوَادِكُمْ. بَلِ اجْعَلُوا الْعَدْلَ يَتَدَفَّقُ كَسَيْلٍ، وَالصَّلَاحَ يَجْرِي كَنَهْرٍ لَا يَتَوَقَّفُ. ”يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، هَلْ قَدَّمْتُمْ لِي ضَحَايَا وَقَرَابِينَ طُولَ 40 سَنَةً فِي الصَّحْرَاءِ؟ لَا، بَلْ حَمَلْتُمْ مَعَكُمْ خَيْمَةَ مَلِكِكُمُ الْإِلَهِ سُكُّوثَ، وَنَجْمَ الْإِلَهِ كِيوَانَ، وَالتَّمَاثِيلَ الَّتِي صَنَعْتُمُوهَا لَكُمْ. لِذَلِكَ أَنْفِيكُمْ إِلَى أَبْعَدَ مِنْ دِمَشْقَ.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الَّذِي اسْمُهُ الْإِلَهُ الْقَدِيرُ. الْوَيْلُ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُسْتَرِيحُونَ فِي الْقُدْسِ وَالْمُطْمَئِنُّونَ فِي جَبَلِ السَّامِرَةِ، يَا أَصْحَابَ الْمَرَاكِزِ الْعَالِيَةِ فِي أَعْظَمِ أُمَّةٍ، يَا مَنْ يَلْجَأُ إِلَيْكُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ! اِذْهَبُوا إِلَى مَدِينَةِ كَلْنَةَ وَانْظُرُوا مَا جَرَى لَهَا. وَمِنْ هُنَاكَ رُوحُوا إِلَى حَمَاةَ، الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ. ثُمَّ انْزِلُوا إِلَى جَتَّ مَدِينَةِ الْفِلِسْطِيِّينَ. هَلْ أَنْتُمْ أَعْظَمُ مِنْ هَذِهِ الْمَمَالِكِ؟ وَهَلْ أَرْضُهُمْ أَوْسَعُ مِنْ أَرْضِكُمْ؟ أَنْتُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ يَوْمَ الْمُصِيبَةِ بَعِيدٌ، إِنَّمَا بِأَعْمَالِكُمْ تُقَرِّبُونَ يَوْمَ الْعِقَابِ الشَّدِيدِ. تَرْقُدُونَ عَلَى سَرِيرٍ مِنَ الْعَاجِ، وَتَتَمَدَّدُونَ عَلَى فِرَاشٍ مُرِيحٍ، وَتَأْكُلُونَ الْخِرَافَ السَّمِينَةَ وَالْعُجُولَ الْمَعْلُوفَةَ. تَلْعَبُونَ عَلَى الْعُودِ كَدَاوُدَ، وَتَخْتَرِعُونَ نَغَمَاتٍ عَلَى آلَاتِ الْغِنَاءِ. تَشْرَبُونَ الْخَمْرَ بِالطَّاسَاتِ، وَتَسْتَعْمِلُونَ أَفْخَرَ الْعُطُورِ، وَلَا تَحْزَنُونَ عَلَى خَرَابِ يُوسِفَ. لِذَلِكَ تَكُونُونَ أَوَّلَ مَنْ آخُذُهُمْ إِلَى الْأَسْرِ، فَيَنْتَهِي اللَّهْوُ وَالْعَبَثُ. أَقْسَمَ مَوْلَانَا الْإِلَهُ بِنَفْسِهِ، مَوْلَانَا الْإِلَهُ الْقَدِيرُ قَالَ: ”أَنَا أَكْرَهُ كِبْرِيَاءَ بَنِي يَعْقُوبَ، وَأُبْغِضُ حُصُونَهُ، فَأَهْزِمُ الْمَدِينَةَ وَكُلَّ مَا فِيهَا. فَإِنْ بَقِيَ 10 رِجَالٍ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ يَمُوتُونَ. وَحِينَ يَأْتِي قَرِيبٌ لِيُخْرِجَ الْجُثَثَ مِنَ الدَّارِ لِيَحْرِقَهَا، فَيَسْأَلُ أَحَدَ الْمَوْجُودِينَ فِي الدَّارِ: ’هَلْ يُوجَدُ مَعَكَ آخَرُ؟‘ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ وَيَقُولُ: ’لَا.‘ ثُمَّ يَقُولُ: ’اُسْكُتْ وَلَا تَذْكُرِ اسْمَ اللهِ.‘“ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَأْمُرُ فَتُخْرَبُ الدِّيَارُ، كَبِيرُهَا وَصَغِيرُهَا، وَتَصِيرُ حُطَامًا وَأَكْوَامًا. هَلْ تَجْرِي الْخَيْلُ عَلَى الصَّخْرِ؟ وَهَلْ يُحْرَثُ الصَّخْرُ بِالثِّيرَانِ؟ أَمَّا أَنْتُمْ فَحَوَّلْتُمُ الْعَدْلَ إِلَى سِمٍّ، وَمَا هُوَ حَقٌّ إِلَى مَرَارَةٍ. أَنْتُمْ تَفْرَحُونَ لِأَنَّكُمْ هَزَمْتُمْ لُودَبَارَ، وَتَقُولُونَ: ”نَحْنُ بِقُوَّتِنَا أَخَذْنَا قَرْنَايِمَ!“ فَإِنَّ مَوْلَانَا الْإِلَهَ الْقَدِيرَ يَقُولُ: ”يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، سَأُرْسِلُ عَلَيْكُمْ أُمَّةً تُضَايِقُكُمْ مِنْ مَدْخَلِ حَمَاةَ إِلَى وَادِي الْعَرَبَةِ.“ أَرَانِي مَوْلَانَا الْإِلَهُ أَنَّهُ كَانَ يَصْنَعُ أَسْرَابَ جَرَادٍ لِيُرْسِلَهَا عَلَى الْبِلَادِ، وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَمَا أَخَذَ الْمَلِكُ نَصِيبَهُ مِنَ الْحُقُولِ، وَقَدْ حَانَ وَقْتُ الْحَصَادِ الْمُتَأَخِّرِ. فَلَمَّا أَكَلَ الْجَرَادُ كُلَّ خُضْرَةِ الْأَرْضِ، قُلْتُ: ”اللَّهُمَّ يَا مَوْلَانَا اغْفِرْ لَنَا، فَكَيْفَ يَنْجُو بَنُو يَعْقُوبَ؟ إِنَّهُمْ شَعْبٌ صَغِيرٌ!“ فَتَرَاجَعَ الْمَوْلَى عَنْ هَذَا وَقَالَ: ”مَا رَأَيْتَهُ لَنْ يَحْدُثَ.“ وَأَرَانِي مَوْلَانَا الْإِلَهُ أَنَّهُ يَسْتَعِدُّ لِعِقَابِ النَّاسِ بِالنَّارِ، فَحَرَقَتِ النَّارُ الْبَحْرَ الْعَظِيمَ وَأَخَذَتْ تَحْرِقُ الْأَرْضَ. فَقُلْتُ: ”اللَّهُمَّ يَا مَوْلَانَا، كُفَّ عَنْ هَذَا! فَكَيْفَ يَنْجُو بَنُو يَعْقُوبَ؟ إِنَّهُمْ شَعْبٌ صَغِيرٌ!“ فَتَرَاجَعَ الْمَوْلَى عَنْ هَذَا وَقَالَ: ”مَا رَأَيْتَهُ لَنْ يَحْدُثَ.“ وَأَرَانِي أَيْضًا أَنَّ الْمَوْلَى وَاقِفٌ بِجِوَارِ حَائِطٍ مُسْتَقِيمٍ وَفِي يَدِهِ مِيزَانُ قِيَاسِ الْحَائِطِ. فَقَالَ الْمَوْلَى لِي: ”مَاذَا تَرَى يَا عَامُوسُ؟“ فَقُلْتُ: ”مِيزَانًا.“ فَقَالَ الْمَوْلَى: ”إِنِّي أَقِيسُ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالْمِيزَانِ، وَلَا أَعُودُ أَغْفِرُ لَهُمْ. فَأَهْدِمُ مَعَابِدَ الْآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ الَّتِي عِنْدَ بَنِي إِسْحَاقَ، وَأُخْرِبُ الْأَمَاكِنَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي فِي أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، وَأَقُومُ ضِدَّ بَيْتِ يَرْبَعَامَ بِالسَّيْفِ.“ فَأَرْسَلَ أَمَصْيَا كَاهِنُ بَيْتَ إِيلَ إِلَى يَرْبَعَامَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ يَقُولُ: ”عَامُوسُ يَتَآمَرُ ضِدَّكَ فِي وَسَطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَالْبِلَادُ لَا تَحْتَمِلُ كُلَّ كَلَامِهِ. فَهُوَ يَقُولُ: ’سَيَمُوتُ يَرْبَعَامُ بِالسَّيْفِ، وَيُؤْخَذُ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَسْرَى مِنْ بِلَادِهِمْ.‘“ ثُمَّ قَالَ أَمَصْيَا لِعَامُوسَ: ”اُخْرُجْ مِنْ هُنَا أَيُّهَا الرَّائِي! اُهْرُبْ إِلَى بِلَادِ يَهُوذَا، وَهُنَاكَ كُلْ خُبْزًا وَهُنَاكَ تَنَبَّأْ. لَا تَتَنَبَّأْ فِي بَيْتَ إِيلَ، لِأَنَّهَا الْمَكَانُ الْمُقَدَّسُ لِلْمَلِكِ وَعَاصِمَةُ الْمَمْلَكَةِ.“ فَقَالَ عَامُوسُ لِأَمَصْيَا: ”لَا أَنَا نَبِيٌّ وَلَا ابْنُ نَبِيٍّ، إِنَّمَا أَنَا رَاعِي غَنَمٍ وَجَانِي جُمَّيْزٍ. فَأَخَذَنِي الْمَوْلَى مِنْ وَرَاءِ الْغَنَمِ وَقَالَ لِي: ’اِذْهَبْ تَنَبَّأْ لِشَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ.‘ إِذَنِ اسْمَعْ يَا أَمَصْيَا كَلَامَ الْمَوْلَى. أَنْتَ تَقُولُ: ’لَا تَتَنَبَّأْ ضِدَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَا تَتَكَلَّمْ ضِدَّ بَيْتِ إِسْحَاقَ.‘ لِذَلِكَ قَالَ الْمَوْلَى: ’اِمْرَأَتُكَ تَصِيرُ عَاهِرَةً فِي الْمَدِينَةِ، وَبَنُوكَ وَبَنَاتُكَ يَمُوتُونَ بِالسَّيْفِ، وَأَرْضُكَ تُقْسَمُ، وَأَنْتَ تَمُوتُ فِي بِلَادٍ نَجِسَةٍ، وَبَنُو إِسْرَائِيلَ يُؤْخَذُونَ أَسْرَى مِنْ بِلَادِهِمْ.‘“ أَرَانِي مَوْلَانَا الْإِلَهُ سَلَّةً فِيهَا ثِمَارٌ نَاضِجَةٌ. وَقَالَ لِي: ”مَاذَا تَرَى يَا عَامُوسُ؟“ فَقُلْتُ: ”سَلَّةً فِيهَا ثِمَارٌ نَاضِجَةٌ.“ فَقَالَ الْمَوْلَى لِي: ”جَاءَتِ النِّهَايَةُ عَلَى شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَا أَعُودُ أَغْفِرُ لَهُمْ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَتَحَوَّلُ الْغِنَاءُ فِي الْقُصُورِ إِلَى صُرَاخٍ، وَتَكْثُرُ الْجُثَثُ وَتُطْرَحُ فِي كُلِّ مَكَانٍ فِي صَمْتٍ.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْإِلَهِ. اِسْمَعُوا هَذَا يَا مَنْ تَدُوسُونَ الْمِسْكِينَ وَتُهْلِكُونَ الْفَقِيرَ مِنَ الْبِلَادِ. أَنْتُمْ يَا مَنْ تَقُولُونَ: ”مَتَى يَمْضِي أَوَّلُ الشَّهْرِ لِكَيْ نَبِيعَ الْقَمْحَ؟ مَتَى يَنْتَهِي السَّبْتُ لِكَيْ نَعْرِضَ الْحُبُوبَ فِي السُّوقِ؟ فَنُصَغِّرَ الْمِكْيَالَ، وَنَرْفَعَ الْأَسْعَارَ، وَنَغُشَّ بِمَوَازِينَ غَيْرِ صَحِيحَةٍ، وَنَشْتَرِيَ الْمِسْكِينَ بِفِضَّةٍ، وَالْفَقِيرَ بِنَعْلَيْنِ، وَنَبِيعَ زِبَالَةَ الْقَمْحِ.“ أَقْسَمَ الْمَوْلَى الَّذِي يَكْرَهُ كِبْرِيَاءَ يَعْقُوبَ وَقَالَ: ”لَنْ أَنْسَى أَبَدًا كُلَّ مَا عَمِلُوهُ. بِسَبَبِ هَذَا تَرْتَعِشُ الْأَرْضُ، وَيَنُوحُ كُلُّ سُكَّانِهَا. وَتَرْتَفِعُ كُلُّهَا كَنَهْرٍ وَتَفِيضُ، ثُمَّ تَنْخَفِضُ كَنِيلِ مِصْرَ.“ وَيَقُولُ مَوْلَانَا الْإِلَهُ: ”فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَجْعَلُ الشَّمْسَ تَغِيبُ فِي الظُّهْرِ، وَأَجْعَلُ الْأَرْضَ تُظْلِمُ فِي وَسَطِ النَّهَارِ. وَأُحَوِّلُ أَعْيَادَكُمْ إِلَى حُزْنٍ، وَكُلَّ أَغَانِيكُمْ إِلَى بُكَاءٍ، وَأَجْعَلُكُمْ كُلَّكُمْ تَلْبَسُونَ الْخَيْشَ وَتَحْلِقُونَ رُؤُوسَكُمْ، وَأَجْعَلُ ذَلِكَ الْيَوْمَ كَأَنَّهُ جِنَازَةُ وَلَدٍ وَحِيدٍ. سَتَكُونُ النِّهَايَةُ يَوْمًا مُرًّا.“ وَيَقُولُ مَوْلَانَا الْإِلَهُ: ”سَتَأْتِي أَيَّامٌ أُرْسِلُ فِيهَا جُوعًا فِي الْبِلَادِ، لَا جُوعًا لِلْخُبْزِ، وَلَا عَطَشًا لِلْمَاءِ، بَلْ لِسَمَاعِ كَلَامِ اللهِ. فَيَجُولُ النَّاسُ مِنْ بَحْرٍ إِلَى بَحْرٍ، وَيَطُوفُونَ مِنَ الشَّمَالِ إِلَى الشَّرْقِ يَبْحَثُونَ عَنْ كَلِمَةِ اللهِ، وَلَا يَجِدُونَهَا. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يُغْمَى عَلَى الشَّابَّاتِ الْجَمِيلَاتِ وَعَلَى الشُّبَّانِ مِنَ الْعَطَشِ. وَالَّذِينَ يَحْلِفُونَ بِالصَّنَمِ الَّذِي فِي السَّامِرَةِ، وَبِالْإِلَهِ الَّذِي فِي دَانَ، وَبِالْإِلَهِ الَّذِي فِي بِئْرَ سَبْعَ، يَسْقُطُونَ وَلَا يَقُومُونَ أَبَدًا.“ رَأَيْتُ الْمَوْلَى وَاقِفًا عِنْدَ الْمَنَصَّةِ فَقَالَ: ”اِضْرِبِ التِّيجَانَ الَّتِي فَوْقَ الْأَعْمِدَةِ، حَتَّى تَهْتَزَّ الْأَعْتَابُ. وَكَسِّرْهَا عَلَى رُؤُوسِ كُلِّ الشَّعْبِ. وَمَنْ يَبْقَى مِنْهُمْ أَقْتُلُهُ بِالسَّيْفِ، فَلَا يَهْرُبُ أَحَدٌ وَلَا يَنْجُو أَحَدٌ. وَلَوْ حَفَرُوا حَتَّى وَصَلُوا إِلَى عَالَمِ الْأَمْوَاتِ، فَمِنْ هُنَاكَ آخُذُهُمْ. وَلَوْ صَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ، فَمِنْ هُنَاكَ أُنْزِلُهُمْ. وَلَوِ اخْتَبَأُوا فِي قِمَّةِ جَبَلِ الْكَرْمَلِ، أُفَتِّشُ عَنْهُمْ وَأُمْسِكُهُمْ. وَلَوِ اخْتَبَأُوا مِنِّي فِي قَاعِ الْبَحْرِ، آمُرُ الْحَيَّةَ فَتَلْدَغُهُمْ. وَلَوْ أَسَرَهُمْ أَعْدَاؤُهُمْ وَسَاقُوهُمْ، آمُرُ السَّيْفَ فَيَقْتُلُهُمْ. وَأُلَاحِظُهُمْ لِأُرْسِلَ عَلَيْهِمُ الشَّرَّ لَا الْخَيْرَ.“ مَوْلَانَا الْإِلَهُ الْقَدِيرُ هُوَ الَّذِي يَلْمِسُ الْأَرْضَ فَتَذُوبُ، وَيَنُوحُ كُلُّ سُكَّانِهَا، وَتَرْتَفِعُ كُلُّهَا كَنَهْرٍ، ثُمَّ تَنْخَفِضُ كَنِيلِ مِصْرَ. هُوَ الَّذِي وَضَعَ أَعَالِي قَصْرِهِ فِي السَّمَاءِ، وَأَسَاسَاتِهِ عَلَى الْأَرْضِ، يُنَادِي مِيَاهَ الْبَحْرِ وَيَصُبُّهَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. اِسْمُهُ اللهُ. قَالَ اللهُ: ”يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَنْتُمْ بِالنِّسْبَةِ لِي كَأَهْلِ الْحَبَشَةِ. أَنَا أَخْرَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ، وَالْفِلِسْطِيِّينَ مِنْ كَفْتُورَ، وَالْأَرَامِيِّينَ مِنْ قِيرَ. أَنَا الْمَوْلَى الْقَدِيرُ، وَعَيْنَايَ عَلَى الْمَمْلَكَةِ الْخَاطِئَةِ، فَأُبِيدُهَا مِنْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَلَكِنِّي لَا أُبِيدُ بَيْتَ يَعْقُوبَ تَمَامًا. هَذَا كَلَامُ اللهِ. لِأَنِّي آمُرُ فَأُشَتِّتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَيْنَ كُلِّ الْأُمَمِ، فَيَكُونُونَ كَالْقَمْحِ الَّذِي يُغَرْبَلُ بِالْغُرْبَالِ وَلَا يَقَعُ مِنْهُ غَيْرُ التِّبْنِ. وَيَمُوتُ بِالسَّيْفِ كُلُّ الْمُذْنِبِينَ فِي شَعْبِي، كُلُّ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّ الْمَصَائِبَ بَعِيدَةٌ عَنْهُمْ وَلَنْ تَحِلَّ بِهِمْ. ”فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أُقِيمُ خَيْمَةَ دَاوُدَ الْمُنْهَدِمَةَ، أُرَمِّمُ شُقُوقَهَا، وَأُقِيمُ أَنْقَاضَهَا، وَأَبْنِيهَا كَمَا كَانَتْ مِنْ قَبْلُ. فَيَطْلُبُ بَاقِي الْبَشَرِ الْمَوْلَى، وَأَيْضًا كُلُّ الشُّعُوبِ الَّتِي تَنْتَمِي لِي. رَبُّنَا يَقُولُ هَذَا وَهُوَ الَّذِي يَعْمَلُ هَذِهِ الْأُمُورَ.“ وَقَالَ الْمَوْلَى: ”سَتَأْتِي أَيَّامٌ فِيهَا يَلْحَقُ الْحَارِثُ بِالْحَاصِدِ، وَعَاصِرُ الْعِنَبِ بِزَارِعِ الْبُزُورِ. وَتَقْطُرُ الْخَمْرُ مِنَ الْجِبَالِ، وَتَسِيلُ مِنْ كُلِّ التِّلَالِ. وَأَرُدُّ أَسْرَى شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَيَبْنُونَ الْمُدُنَ الْخَرِبَةَ وَيَسْكُنُونَ فِيهَا، وَيَغْرِسُونَ كُرُومًا وَيَشْرَبُونَ خَمْرَهَا، وَيَعْمَلُونَ حَدَائِقَ وَيَأْكُلُونَ ثِمَارَهَا. وَأَغْرِسُ شَعْبِي فِي أَرْضِهِمْ، وَلَنْ يُقْلَعُوا بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لَهُمْ.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى إِلَهِكَ. هَذِهِ هِيَ رُؤْيَا عُوبَدْيَا الَّتِي أَظْهَرَهَا لَهُ الْمَوْلَى الْإِلَهُ عَنْ أَدُومَ. سَمِعْنَا خَبَرًا مِنْ عِنْدِ الْمَوْلَى، جَاءَ بِهِ رَسُولٌ بَيْنَ الْأُمَمِ يَقُولُ: ”قُومُوا نَهْجُمُ عَلَى أَدُومَ وَنُحَارِبُهَا.“ ”سَأَجْعَلُكَ يَا أَدُومُ صَغِيرًا بَيْنَ الْأُمَمِ، وَحَقِيرًا جِدًّا. قَلْبُكَ تَكَبَّرَ وَأَصَابَكَ الْغُرُورُ، يَا مَنْ تُقِيمُ فِي كُهُوفِ الصَّخْرِ. أَنْتَ رَفَعْتَ كُرْسِيَّكَ إِلَى فَوْقُ وَقُلْتَ فِي قَلْبِكَ: ’مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يُنْزِلَنِي إِلَى الْأَرْضِ؟‘ وَلَكِنْ حَتَّى لَوْ طِرْتَ عَالِيًا كَالنِّسْرِ، وَلَوْ بَنَيْتَ عُشَّكَ بَيْنَ النُّجُومِ، فَمِنْ هُنَاكَ أُهْبِطُكَ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. لَوْ أَتَاكَ لُصُوصٌ أَوْ سَارِقُونَ فِي اللَّيْلِ، أَلَا يَسْرِقُونَ فَقَطْ مَا يَكْفِيهِمْ؟ وَلَوْ أَتَاكَ الَّذِينَ يَقْطِفُونَ الْعِنَبَ، أَلَا يَتْرُكُونَ بَعْضَ الْبَقَايَا؟ وَلَكِنْ يَا لِلْخَرَابِ الَّذِي سَيَحِلُّ بِكَ! يُسْلَبُ أَدُومُ، يَفْحَصُ الْعَدُوُّ كُلَّ خَزَائِنِهِ. حُلَفَاؤُكَ يَطْرُدُونَكَ، إِلَى آخِرِ بِلَادِكَ، أَصْحَابُكَ يَخْدَعُونَكَ وَيَغْلِبُونَكَ، الَّذِينَ يَأْكُلُونَ مِنْ خُبْزِكَ وَضَعُوا لَكَ فَخًّا، وَأَنْتَ لَا تَفْهَمُ مَا يَجْرِي!“ وَيَقُولُ اللهُ: ”فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أُبِيدُ الْحُكَمَاءَ مِنْ أَدُومَ، وَالْفُهَمَاءَ مِنْ جِبَالِهِ. فَيَرْتَعِبُ أَبْطَالُكِ يَا مَدِينَةَ تِيمَانَ، وَكُلُّ الَّذِينَ فِي جِبَالِ أَدُومَ يَمُوتُونَ قَتْلَى. ”أَنْتَ ظَلَمْتَ أَخَاكَ يَعْقُوبَ، لِذَلِكَ يُغَطِّيكَ الْخَجَلُ، وَتَهْلِكُ إِلَى الْأَبَدِ. أَنْتَ وَقَفْتَ تَتَفَرَّجُ لَمَّا أَخَذَ الْغُرَبَاءُ كُنُوزَهُ، وَلَمَّا دَخَلَ الْأَجَانِبُ أَبْوَابَهُ وَأَلْقَوْا قُرْعَةً عَلَى الْقُدْسِ. بَلْ كُنْتَ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَكَانَ مِنَ الْوَاجِبِ أَنْ لَا تَحْتَقِرَ أَخَاكَ يَوْمَ كَارِثَتِهِ، وَلَا تَشْمَتَ بِبَنِي يَهُوذَا يَوْمَ هَلَاكِهِمْ، وَلَا تَضْحَكَ عَلَيْهِمْ فِي يَوْمِ ضِيقِهِمْ، وَلَا تَدْخُلَ بَابَ شَعْبِي يَوْمَ مُصِيبَتِهِمْ، وَلَا تَحْتَقِرَهُ أَنْتَ أَيْضًا عَلَى كَارِثَتِهِ يَوْمَ مُصِيبَتِهِ، وَلَا تَنْهَبَ ثَرْوَتَهُ يَوْمَ مُصِيبَتِهِ، وَلَا تَقِفَ عِنْدَ مُفْتَرَقِ الطُّرُقِ لِتَقْتُلَ الْهَارِبِينَ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَتُسَلِّمَ الْأَحْيَاءَ مِنْهُمْ لِلْعَدُوِّ فِي يَوْمِ ضِيقِهِمْ. ”يَوْمُ رَبِّنَا قَرِيبٌ عَلَى كُلِّ الْأُمَمِ. كَمَا فَعَلْتَ بِالْآخَرِينَ، يُفْعَلُ بِكَ. عَمَلُكَ يَرْجِعُ عَلَى رَأْسِكَ. فَكَمَا شَرِبْتُمْ عَلَى جَبَلِيَ الْمُقَدَّسِ، أَنْتُمْ أَيْضًا يَا كُلَّ الْأُمَمِ تَشْرَبُونَ الْعِقَابَ، تَشْرَبُونَ حَتَّى تَخْتَفُونَ وَكَأَنَّكُمْ لَمْ تَكُونُوا! ”أَمَّا الْقُدْسُ فَتَنْجُو مِنَ الْعِقَابِ وَتَكُونُ مَكَانًا مُقَدَّسًا. وَيَمْلِكُ بَيْتُ يَعْقُوبَ نَصِيبَهُمْ. وَيَكُونُ بَيْتُ يَعْقُوبَ نَارًا، وَبَيْتُ يُوسِفَ لَهِيبًا، وَبَيْتُ أَدُومَ قَشًّا، فَيُشْعِلُونَهُمْ وَيَأْكُلُونَهُمْ، وَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ، لِأَنَّ اللهَ حَكَمَ بِهَذَا. أَهْلُ النَّقَبِ يَمْلِكُونَ جِبَالَ أَدُومَ، وَأَهْلُ السَّهْلِ يَمْلِكُونَ أَرْضَ الْفِلِسْطِيِّينَ وَبِلَادَ أَفْرَايِمَ وَبِلَادَ السَّامِرَةِ. وَيَمْلِكُ بِنْيَمِينُ أَرْضَ جِلْعَادَ. ”وَجَمَاعَةُ الْأَسْرَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَمْلِكُونَ أَرْضَ كَنْعَانَ حَتَّى إِلَى الصَّرَفَنْدِ. وَالْأَسْرَى مِنَ الْقُدْسِ الَّذِينَ فِي صَفَارِدَ يَمْلِكُونَ مُدُنَ النَّقَبِ. وَيَأْتِي الْمُنْتَصِرُونَ مِنْ جَبَلِ تِصْيُونَ لِيَحْكُمُوا جَبَلَ أَدُومَ. وَيَكُونُ الْمُلْكُ للهِ.“ وَقَالَ اللهُ لِيُونِسَ بْنِ أَمِتَّايَ: ”قُمِ اذْهَبْ إِلَى مَدِينَةِ نِينَوَى الْعَظِيمَةِ، وَبَلِّغْ أَهْلَهَا قَضَائِي، لِأَنِّي رَأَيْتُ شَرَّهُمْ.“ لَكِنَّ يُونِسَ قَامَ لِيَهْرُبَ مِنَ اللهِ، وَذَهَبَ فِي اتِّجَاهِ تَرْشِيشَ. فَنَزَلَ إِلَى يَافَا حَيْثُ وَجَدَ سَفِينَةً مُسَافِرَةً إِلَى تَرْشِيشَ، وَدَفَعَ الْأُجْرَةَ وَنَزَلَ فِيهَا مَعَ الرُّكَّابِ. وَظَنَّ أَنَّهُ إِنْ ذَهَبَ إِلَى تَرْشِيشَ، يَهْرُبُ مِنَ اللهِ. لَكِنَّ اللهَ أَرْسَلَ رِيحًا شَدِيدَةً عَلَى الْبَحْرِ، فَثَارَتْ زَوْبَعَةٌ عَنِيفَةٌ حَتَّى كَادَتِ السَّفِينَةُ تَتَحَطَّمُ. فَخَافَ الْبَحَّارَةُ وَصَرَخَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى إِلَهِهِ. وَرَمَوْا حُمُولَةَ السَّفِينَةِ فِي الْبَحْرِ، لِيُخَفِّفُوا عَنْهَا. أَمَّا يُونِسُ فَكَانَ قَدْ نَزَلَ إِلَى قَاعِ السَّفِينَةِ، وَرَقَدَ وَنَامَ نَوْمًا عَمِيقًا. فَرَاحَ إِلَيْهِ قَائِدُ السَّفِينَةِ وَقَالَ لَهُ: ”كَيْفَ تَنَامُ؟ قُمْ وَتَضَرَّعْ إِلَى إِلَهِكَ لَعَلَّهُ يَفْتَكِرُنَا فَلَا نَهْلِكَ.“ وَقَالَ الْبَحَّارَةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ”تَعَالَوْا نُلْقِي قُرْعَةً لِنَعْرِفَ مَنِ السَّبَبُ فِي هَذِهِ الْبَلْوَى.“ فَأَلْقَوْا قُرْعَةً فَوَقَعَتْ عَلَى يُونِسَ. فَسَأَلُوهُ: ”أَخْبِرْنَا مَنِ السَّبَبُ فِي هَذِهِ الْمُصِيبَةِ عَلَيْنَا. مَا عَمَلُكَ؟ وَمِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ مَا هِيَ بَلَدُكَ؟ وَمِنْ أَيِّ شَعْبٍ أَنْتَ؟“ فَقَالَ لَهُمْ: ”أَنَا عِبْرَانِيٌّ أَتَّقِي الْمَوْلَى رَبَّ السَّمَاءِ الَّذِي صَنَعَ الْبَحْرَ وَالْبَرَّ.“ فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ وَعَرَفُوا أَنَّهُ هَارِبٌ مِنَ اللهِ، خَافُوا جِدًّا وَقَالُوا لَهُ: ”لِمَاذَا فَعَلْتَ هَذَا؟“ وَهَاجَ الْبَحْرُ أَكْثَرَ، فَقَالُوا لَهُ: ”مَاذَا نَفْعَلُ بِكَ لِكَيْ يَسْكُنَ الْبَحْرُ عَنَّا؟“ أَجَابَهُمْ: ”خُذُونِي وَارْمُونِي فِي الْبَحْرِ فَيَسْكُنَ، لِأَنِّي مُتَأَكِّدٌ أَنَّ هَذِهِ الزَّوْبَعَةَ الشَّدِيدَةَ حَدَثَتْ لَكُمْ بِسَبَبِي أَنَا.“ وَلَكِنَّ الرِّجَالَ جَدَّفُوا لِيَرْجِعُوا إِلَى الْبَرِّ، فَلَمْ يَقْدِرُوا لِأَنَّ الْبَحْرَ هَاجَ عَلَيْهِمْ أَكْثَرَ مِنْ قَبْلُ. فَصَرَخُوا إِلَى اللهِ وَقَالُوا: ”يَا رَبُّ، لَا تُهْلِكْنَا بِسَبَبِ هَذَا الرَّجُلِ، وَلَا تَجْعَلْنَا مَسْئُولِينَ عَنْ قَتْلِ وَاحِدٍ بَرِيءٍ، فَأَنْتَ يَا رَبُّ فَعَلْتَ كَمَا شِئْتَ.“ ثُمَّ أَخَذُوا يُونِسَ، وَرَمَوْهُ فِي الْبَحْرِ، فَتَوَقَّفَ الْبَحْرُ عَنْ هَيَجَانِهِ. فَخَافَ الرِّجَالُ مِنَ اللهِ جِدًّا، وَقَدَّمُوا لَهُ ضَحِيَّةً وَنَذَرُوا نُذُورًا. أَمَّا اللهُ، فَأَعَدَّ حُوتًا عَظِيمًا بَلَعَ يُونِسَ، فَكَانَ يُونِسُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ 3 أَيَّامٍ وَ3 لَيَالٍ. وَمِنْ بَطْنِ الْحُوتِ دَعَا يُونِسُ الْمَوْلَى إِلَهَهُ وَقَالَ: ”اللَّهُمَّ صَرَخْتُ إِلَيْكَ فِي ضِيقِي فَاسْتَجَبْتَ لِي، مِنْ أَعْمَاقِ الْقَبْرِ اسْتَغَثْتُ فَسَمِعْتَ صَوْتِي. طَرَحْتَنِي فِي الْأَعْمَاقِ، فِي قَلْبِ الْبِحَارِ، الْمِيَاهُ الْغَزِيرَةُ تُحِيطُ بِي، أَمْوَاجُكَ الْعَاتِيَةُ تَعْبُرُ فَوْقِي. فَقُلْتُ: ’طُرِدْتُ مِنْ مَحْضَرِكَ. فَهَلْ سَأَعُودُ أَرَى بَيْتَكَ الْمُقَدَّسَ؟‘ بَلَغَتِ الْمِيَاهُ حَوْلِي إِلَى أَنْفِي، أَحَاطَ الْعُمْقُ بِي، اِلْتَفَّ عُشْبُ الْبَحْرِ حَوْلَ رَأْسِي. نَزَلْتُ إِلَى أُسُسِ الْجِبَالِ، إِلَى عَالَمٍ انْغَلَقَتْ عَلَيَّ أَبْوَابُهُ إِلَى الْأَبَدِ. لَكِنَّكَ يَا رَبِّي وَإِلَهِي، رَفَعْتَنِي حَيًّا مِنَ الْحُفْرَةِ. لَمَّا أَخَذَتْ حَيَاتِي تَنْقَضِي، ذَكَرْتُكَ يَا اللهُ، فَبَلَغَكَ دُعَائِي فِي بَيْتِكَ الْمُقَدَّسِ. الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ التَّافِهَةَ، يَنْبُذُونَ نِعْمَتَكَ عَلَيْهِمْ. أَمَّا أَنَا فَأُقَدِّمُ لَكَ ضَحَايَا هِيَ أَغَانِي الْحَمْدِ، وَأُوفِي بِمَا نَذَرْتُهُ. اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمُنْقِذُ.“ وَأَمَرَ اللهُ الْحُوتَ، فَقَذَفَ يُونِسَ إِلَى الشَّاطِئِ. ثُمَّ قَالَ اللهُ لِيُونِسَ مَرَّةً ثَانِيَةً: ”قُمِ اذْهَبْ إِلَى مَدِينَةِ نِينَوَى الْعَظِيمَةِ، وَبَلِّغْهُمُ الرِّسَالَةَ الَّتِي أُكَلِّمُكَ بِهَا.“ فَقَامَ يُونِسُ وَذَهَبَ إِلَى نِينَوَى كَمَا كَلَّمَهُ اللهُ. وَكَانَتْ نِينَوَى مَدِينَةً عَظِيمَةً، يَحْتَاجُ الشَّخْصُ إِلَى 3 أَيَّامٍ لِزِيَارَتِهَا. فَدَخَلَ يُونِسُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَسَارَ فِيهَا يَوْمًا وَاحِدًا وَهُوَ يُنَادِي وَيَقُولُ: ”بَعْدَ 40 يَوْمًا تَخْرَبُ نِينَوَى.“ فَآمَنَ أَهْلُ نِينَوَى بِاللهِ وَنَادَوْا بِصَوْمٍ، وَلَبِسُوا الْخَيْشَ مِنْ كَبِيرِهِمْ إِلَى صَغِيرِهِمْ. وَبَلَغَ الْخَبَرُ مَلِكَ نِينَوَى، فَقَامَ عَنْ عَرْشِهِ، وَخَلَعَ عَنْهُ رِدَاءَهُ الْمَلَكِيَّ، وَلَبِسَ الْخَيْشَ، وَجَلَسَ عَلَى الرَّمَادِ. وَأَصْدَرَ بَلَاغًا فِي نِينَوَى يَقُولُ: ”بِنَاءً عَلَى أَمْرِ الْمَلِكِ وَعُظَمَائِهِ، يَجِبُ أَنْ يَمْتَنِعَ النَّاسُ عَنِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَكَذَلِكَ الْبَهَائِمُ وَالْغَنَمُ وَالْبَقَرُ، لَا تَرْعَى وَلَا تَشْرَبُ مَاءً. وَأَنْ يَلْبَسَ النَّاسُ وَالْبَهَائِمُ الْخَيْشَ. وَيَصْرُخَ الْكُلُّ إِلَى اللهِ بِشِدَّةٍ، وَيَرْجِعُوا عَنْ سُلُوكِهِمِ الرَّدِيءِ وَعَنِ الْعُنْفِ الَّذِي ارْتَكَبُوهُ. فَمَنْ يَدْرِي؟ رُبَّمَا يَرِقُّ اللهُ وَيَشْفِقُ عَلَيْنَا وَيَمْنَعُ غَضَبَهُ الشَّدِيدَ فَلَا نَهْلِكَ.“ فَلَمَّا رَأَى اللهُ مَا عَمِلُوهُ وَأَنَّهُمْ رَجَعُوا عَنْ سُلُوكِهِمِ الرَّدِيءِ، رَحِمَهُمُ اللهُ، وَلَمْ يُرْسِلِ الْمَصَائِبَ الَّتِي حَكَمَ بِهَا عَلَيْهِمْ. فَاسْتَاءَ يُونِسُ جِدًّا بِسَبَبِ ذَلِكَ وَغَضِبَ. وَدَعَا اللهَ وَقَالَ: ”آهِ يَا رَبُّ، أَلَيْسَ هَذَا هُوَ مَا قُلْتُهُ وَأَنَا مَا زِلْتُ فِي بَلَدِي؟ وَلِهَذَا أَسْرَعْتُ إِلَى الْهَرَبِ إِلَى تَرْشِيشَ! فَأَنَا عَارِفٌ أَنَّكَ إِلَهٌ حَنُونٌ وَرَحِيمٌ وَحَلِيمٌ وَمُحِبٌّ جِدًّا، وَتَرِقُّ فَلَا تُرْسِلُ الْمَصَائِبَ. فَالْآنَ خُذْ نَفْسِي يَا رَبُّ، لِأَنَّ مَوْتِي خَيْرٌ مِنْ حَيَاتِي.“ فَقَالَ لَهُ اللهُ: ”هَلْ لَكَ الْحَقُّ فِي أَنْ تَغْضَبَ؟“ وَخَرَجَ يُونِسُ مِنْ نِينَوَى، وَجَلَسَ فِي مَكَانٍ شَرْقَ الْمَدِينَةِ، وَصَنَعَ لِنَفْسِهِ هُنَاكَ مَظَلَّةً وَجَلَسَ تَحْتَهَا فِي الظِّلِّ لِيَرَى مَاذَا يَحْدُثُ لِلْمَدِينَةِ. فَأَعَدَّ اللهُ يَقْطِينَةً، نَمَتْ فَوْقَ يُونِسَ فَكَانَتْ ظِلًّا عَلَى رَأْسِهِ، لِكَيْ يَرْتَاحَ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ. فَفَرِحَ يُونِسُ بِالْيَقْطِينَةِ فَرَحًا شَدِيدًا. وَلَكِنْ عِنْدَ فَجْرِ الْيَوْمِ التَّالِي، أَعَدَّ اللهُ دُودَةً قَرَضَتِ الْيَقْطِينَةَ فَيَبِسَتْ. وَلَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ أَعَدَّ اللهُ رِيحًا شَرْقِيَّةً حَارَّةً، فَضَرَبَتِ الشَّمْسُ عَلَى رَأْسِ يُونِسَ فَأَعْيَا جِدًّا، وَأَرَادَ أَنْ يَمُوتَ وَقَالَ: ”مَوْتِي خَيْرٌ مِنْ حَيَاتِي.“ فَقَالَ اللهُ لِيُونِسَ: ”هَلْ لَكَ الْحَقُّ فِي أَنْ تَغْضَبَ مِنْ أَجْلِ الْيَقْطِينَةِ؟“ فَأَجَابَ: ”نَعَمْ، لِيَ الْحَقُّ. وَأَنَا غَضْبَانٌ لِدَرَجَةِ أَنِّي عَلَى وَشْكِ الْمَوْتِ.“ فَقَالَ اللهُ: ”أَنْتَ شَفِقْتَ عَلَى الْيَقْطِينَةِ الَّتِي لَمْ تَتْعَبْ فِيهَا وَلَا رَبَّيْتَهَا، إِنَّمَا طَلَعَتْ فِى لَيْلَةٍ وَمَاتَتْ فِي لَيْلَةٍ! أَفَلَا أَشْفِقُ أَنَا عَلَى مَدِينَةِ نِينَوَى الْعَظِيمَةِ، الَّتِي فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ 120000 شَخْصٍ لَا يَعْرِفُونَ يَمِينَهُمْ مِنْ شِمَالِهِمْ. بِالْإِضَافَةِ إِلَى بَهَائِمَ كَثِيرَةٍ؟“ هَذَا كَلَامُ اللهِ الَّذِي أَوْحَى بِهِ إِلَى مِيخَا الْمُورَشْتِيِّ، عَنْ طَرِيقِ رُؤْيَا بِشَأْنِ السَّامِرَةِ وَالْقُدْسِ. وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ يُوتَامَ وَآحَازَ وَحَزَقِيَّا مُلُوكِ يَهُوذَا. اِسْمَعُوا يَا كُلَّ الشُّعُوبِ. أَصْغِي أَيَّتُهَا الْأَرْضُ وَكُلُّ مَنْ فِيهَا. وَلْيَكُنْ مَوْلَانَا الْإِلَهُ شَاهِدًا عَلَيْكُمْ، الْمَوْلَى مِنْ بَيْتِهِ الْمُقَدَّسِ. اُنْظُرُوا! يَخْرُجُ الْمَوْلَى مِنْ مَكَانِهِ، يَنْزِلُ وَيَمْشِي عَلَى قِمَمِ الْأَرْضِ. فَتَذُوبُ الْجِبَالُ تَحْتَهُ، وَتَنْشَقُّ الْوِدْيَانُ كَالشَّمْعِ أَمَامَ النَّارِ، وَكَالْمَاءِ الَّذِي يَجْرِي فِي مُنْحَدَرٍ. كُلُّ هَذَا بِسَبَبِ مَعْصِيَةِ بَيْتِ يَعْقُوبَ، وَذُنُوبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَمَنِ الْمَسْئُولُ عَنْ مَعْصِيَةِ بَيْتِ يَعْقُوبَ؟ مَدِينَةُ السَّامِرَةِ هِيَ الْمَسْئُولَةُ! وَأَيْنَ يَعْبُدُونَ الْآلِهَةَ الْغَرِيبَةَ فِي يَهُوذَا؟ فِي مَدِينَةِ الْقُدْسِ! ”لِذَلِكَ أَجْعَلُ السَّامِرَةَ أَنْقَاضًا، حَقْلًا تُغْرَسُ فِيهِ الْكُرُومُ، وَأَرْمِي حِجَارَتَهَا إِلَى الْوَادِي، وَأَهْدِمُهَا إِلَى أَسَاسَاتِهَا، وَأُكَسِّرُ كُلَّ أَصْنَامِهَا، وَأَحْرِقُ بِالنَّارِ كُلَّ تَمَاثِيلِهَا. فَكُلُّ مَا جَمَعَتْهُ كَعَاهِرَةٍ، يُؤْخَذُ مِنْهَا وَيُعْطَى لِعَاهِرَاتٍ.“ لِذَلِكَ أَبْكِي وَأَصْرُخُ. أَمْشِي حَافِيًا وَعُرْيَانًا. أَعْوِي كَالذِّئَابِ وَأَنُوحُ كَالْبُومِ. جُرْحُ السَّامِرَةِ عَدِيمُ الشِّفَاءِ، بَلْ أَصَابَ يَهُوذَا، وَوَصَلَ إِلَى بَوَّابَةِ شَعْبِي فِي الْقُدْسِ. لَا تُخْبِرُوا فِي جَتَّ وَلَا تَبْكُوا أَبَدًا. تَمَرَّغِي فِي التُّرَابِ فِي بَيْتَ عَفْرَةَ. سِيرُوا عَرَايَا وَفِي عَارٍ يَا أَهْلَ شَافِيرَ. لَا تَخْرُجُوا يَا أَهْلَ صَانَانَ. بَيْتُ إِيصَلَ تَبْكِي، وَلَكِنَّهَا لَنْ تَحْمِيَكُمْ. أَهْلُ مَرُوتَ فِي مُرٍّ، وَيَنْتَظِرُونَ الْخَيْرَ لِأَنَّ مُصِيبَةً نَزَلَتْ مِنْ عِنْدِ الْمَوْلَى إِلَى بَوَّابَةِ الْقُدْسِ. شُدُّوا الْخَيْلَ إِلَى الْمَرْكَبَةِ يَا أَهْلَ لَخِيشَ. أَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ أَغْرَى أَهْلَ الْقُدْسِ لِارْتِكَابِ الذَّنْبِ، لِأَنَّ مَعَاصِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَوْجُودَةٌ عِنْدَكُمْ. لِذَلِكَ تَحْمِلُونَ هَدَايَا وَدَاعٍ إِلَى مُورَشَةَ فِي جَتَّ. أَهْلُ أَكْزِيبَ يَكْذِبُونَ عَلَى مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. يَا أَهْلَ مَرِيشَةَ سَأَجْلِبُ عَلَيْكُمْ قَاهِرًا. الَّذِي هُوَ جَلَالُ إِسْرَائِيلَ سَيَأْتِي إِلَى عَدْلَامَ. اِحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حُزْنًا، مِنْ أَجْلِ أَوْلَادِكُمُ الَّذِينَ تَفْرَحُونَ بِهِمْ. كُونُوا بِلَا شَعْرٍ كَالنِّسْرِ، لِأَنَّهُمْ يُؤْخَذُونَ مِنْكُمْ إِلَى الْأَسْرِ. الْوَيْلُ لِمَنْ يُدَبِّرُونَ السُّوءَ، لِمَنْ يَتَآمَرُونَ بِالشَّرِّ فِي فِرَاشِهِمْ. حِينَ يَطْلَعُ نُورُ الصُّبْحِ يُنَفِّذُونَهُ، لِأَنَّهُ فِي مُتَنَاوَلِ يَدِهِمْ. يَشْتَهُونَ حُقُولًا وَيَغْتَصِبُونَهَا، وَدِيَارًا وَيَأْخُذُونَهَا. يَحْتَالُونَ عَلَى وَاحِدٍ لِيَسْلُبُوهُ دَارَهُ، وَعَلَى آخَرَ لِيَحْرِمُوهُ مِنْ مِيرَاثِهِ. لِذَلِكَ قَالَ الْمَوْلَى: ”سَأُدَبِّرُ لِهَذَا الشَّعْبِ مُصِيبَةً لَنْ تَقْدِرُوا أَنْ تُنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْهَا، وَلَا أَنْ تَمْشُوا بِكِبْرِيَاءَ، لِأَنَّهُ زَمَنٌ رَدِيءٌ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَسْخَرُ النَّاسُ مِنْكُمْ وَيَنْدُبُونَ عَلَيْكُمْ وَيَقُولُونَ: ’خَرِبْنَا تَمَامًا، أَعْطَى اللهُ نَصِيبَ شَعْبِي لِآخَرِينَ. أَخَذَهُ مِنَّا، قَسَمَ حُقُولَنَا لِأَعْدَائِنَا!‘“ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ نَصِيبٌ بَيْنَ جَمَاعَةِ اللهِ. تَقُولُونَ لِي: ”لَا تَتَنَبَّأْ، لَا تَتَنَبَّأْ بِهَذِهِ الْأُمُورِ لِأَنَّهُ لَنْ يَلْحَقَ الْعَارُ بِنَا.“ بَلْ يَجِبُ أَنْ نَسْأَلَ يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ وَنَقُولَ: ”هَلْ نَفِدَ صَبْرُ رُوحِ اللهِ؟ هَلْ هَذِهِ أَعْمَالُهُ؟“ ”أَلَيْسَ كَلَامِي صَالِحًا لِمَنْ يَعْمَلُ الْحَقَّ؟ وَلَكِنْ مُنْذُ قَرِيبٍ قَامَ شَعْبِي كَعَدُوٍّ. تَنْزِعُونَ الرِّدَاءَ عَنِ السَّائِرِينَ فِي الطَّرِيقِ بِأَمَانٍ، صَارُوا كَرَاجِعِينَ مِنَ الْحَرْبِ. تَطْرُدُونَ نِسَاءَ شَعْبِي مِنْ دِيَارِهِنَّ الْمُرِيحَةِ، وَتَحْرِمُونَ أَوْلَادَهُنَّ مِنْ بَرَكَتِي إِلَى الْأَبَدِ. ”قُومُوا وَابْعُدُوا عَنْ هُنَا! فَهَذَا لَيْسَ مَكَانَ رَاحَةٍ لَكُمْ، لِأَنَّهُ تَنَجَّسَ وَخَرِبَ وَلَا يُمْكِنُ إِصْلَاحُهُ. لَوْ جَاءَ وَاحِدٌ كَذَّابٌ خَادِعٌ وَافْتَرَى وَقَالَ: ’أَتَنَبَّأُ أَنَّكُمْ سَتَحْصُلُونَ عَلَى الْخَمْرِ وَالْمُسْكِرِ بِوَفْرَةٍ‘ لَكَانَ هُوَ نَبِيَّ هَذَا الشَّعْبِ! ”سَأَجْمَعُ شَمْلَكُمْ يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ، أَجْمَعُ الَّذِينَ بَقَوْا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَضُمُّهُمْ مَعًا كَالْغَنَمِ فِي حَظِيرَةٍ، كَالْقَطِيعِ فِي مَرْعَاهُ، وَيَمْتَلِئُ الْمَكَانُ بِالنَّاسِ. وَيَتَقَدَّمُهُمْ فَاتِحُ الطَّرِيقِ، فَيُحَطِّمُونَ الْبَوَّابَةَ وَيَخْرُجُونَ وَيَذْهَبُونَ. مَلِكُهُمْ يَسِيرُ أَمَامَهُمْ، الْمَوْلَى يَتَقَدَّمُهُمْ.“ ثُمَّ قُلْتُ: ”اِسْمَعُوا يَا قَادَةَ يَعْقُوبَ، يَا حُكَّامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. يَجِبُ أَنْ تَعْرِفُوا الْحَقَّ. أَنْتُمْ يَا مَنْ تَكْرَهُونَ الْخَيْرَ، وَتُحِبُّونَ الشَّرَّ، وَتَسْلُخُونَ جِلْدَ شَعْبِي، وَتَنْزِعُونَ لَحْمَهُمْ عَنْ عِظَامِهِمْ. أَنْتُمْ تَأْكُلُونَ لَحْمَ شَعْبِي، وَتَنْزِعُونَ الْجِلْدَ عَنْهُمْ، وَتُكَسِّرُونَ عِظَامَهُمْ، وَتُقَطِّعُونَهُمْ كَاللَّحْمِ فِي الْوِعَاءِ أَوْ فِي الْمِقْلَى. لِذَلِكَ حِينَ تَصْرُخُونَ إِلَى الْمَوْلَى، لَا يَسْتَجِيبُكُمْ. بَلْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَحْجُبُ وَجْهَهُ عَنْكُمْ بِسَبَبِ أَعْمَالِكُمُ الشِّرِّيرَةِ.“ وَقَالَ اللهُ: ”هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ يُضِلُّونَ شَعْبِي، إِنْ كَانَ الْوَاحِدُ يُشْبِعُهُمْ يُنَادُونَ لَهُ بِالسَّلَامِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُطْعِمُهُمْ يُعْلِنُونَ عَلَيْهِ الْحَرْبَ. لِذَلِكَ يَأْتِي عَلَيْكُمُ اللَّيْلُ وَلَا تَرَوْنَ رُؤْيَا، وَيَحِلُّ الظَّلَامُ فَلَا تَتَنَبَّأُونَ، تَغْرُبُ الشَّمْسُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَيُظْلِمُ عَلَيْهِمُ النَّهَارُ. فَيَخْجَلُ الرَّاؤُونَ، وَيَخْزَى الَّذِينَ يُمَارِسُونَ الْعِلْمَ بِالْغَيْبِ. كُلُّهُمْ يُغَطُّونَ شَوَارِبَهُمْ، لِأَنَّ اللهَ لَا يُجِيبُهُمْ.“ أَمَّا أَنَا فَمَمْلُوءٌ بِقُوَّةِ رُوحِ اللهِ وَبِالْحَقِّ وَالْقُدْرَةِ، لِأُخْبِرَ بَيْتَ يَعْقُوبَ عَنْ ذَنْبِهِمْ، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْ خَطِيئَتِهِمْ. اِسْمَعُوا هَذَا يَا قَادَةَ يَعْقُوبَ، يَا حُكَّامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. أَنْتُمْ تَحْتَقِرُونَ الْعَدْلَ وَتُعَوِّجُونَ الْحَقَّ. أَنْتُمْ تَبْنُونَ الْقُدْسَ عَلَى سَفْكِ الدَّمِ وَالظُّلْمِ. أَيُّهَا الْقَادَةُ، أَنْتُمْ تَقْضُونَ مُقَابِلَ رَشْوَةٍ! أَيُّهَا الْأَحْبَارُ، أَنْتُمْ تُعَلِّمُونَ مُقَابِلَ أُجْرَةٍ! أَيُّهَا الْأَنْبِيَاءُ، أَنْتُمْ تَتَنَبَّأُونَ مُقَابِلَ فِضَّةٍ! وَمَعَ ذَلِكَ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ وَتَقُولُونَ: ”اللهُ مَعَنَا. لَنْ تَأْتِيَ عَلَيْنَا الْمَصَائِبُ.“ لَكِنْ بِسَبَبِكُمْ تُحْرَثُ الْقُدْسُ كَحَقْلٍ، تَصِيرُ أَنْقَاضًا، وَجَبَلُ بَيْتِ اللهِ يَصِيرُ تَلًّا فِي الْغَابَةِ. فِي الْأَيَّامِ الْأَخِيرَةِ يَكُونُ جَبَلُ بَيْتِ اللهِ أَهَمَّ كُلِّ الْجِبَالِ، وَيَرْتَفِعُ عَالِيًا فَوْقَ كُلِّ التِّلَالِ، وَتَتَوَافَدُ إِلَيْهِ شُعُوبٌ. وَتَأْتِي أُمَمٌ كَثِيرَةٌ وَيَقُولُونَ: ”تَعَالَوْا نَصْعَدُ إِلَى جَبَلِ اللهِ، إِلَى بَيْتِ رَبِّ يَعْقُوبَ، فَيُعَلِّمَنَا طُرُقَهُ، لِكَيْ نَسْلُكَ فِي سُبُلِهِ.“ لِأَنَّ الشَّرِيعَةَ تَأْتِي مِنَ الْقُدْسِ، كَلِمَةَ الْمَوْلَى تَأْتِي مِنْ هُنَاكَ. فَيَقْضِي بَيْنَ شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ، وَيَحْكُمُ بَيْنَ أُمَمٍ قَوِيَّةٍ بَعِيدَةٍ، فَيَصْنَعُونَ مِنْ سُيُوفِهِمْ أَسْنَانَ مَحَارِيثَ، وَمِنْ رِمَاحِهِمْ مَنَاجِلَ. فَلَا تَرْفَعُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ سَيْفًا، وَلَا يَتَعَلَّمُونَ الْحَرْبَ فِيمَا بَعْدُ. بَلْ يَجْلِسُ كُلُّ وَاحِدٍ تَحْتَ كَرْمَتِهِ وَتَحْتَ تِينَتِهِ، وَلَا يُخَوِّفُهُمْ أَحَدٌ، لِأَنَّ الْمَوْلَى الْقَدِيرَ تَكَلَّمَ. كُلُّ الشُّعُوبِ تَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى، أَمَّا نَحْنُ فَنَعْبُدُ الْمَوْلَى إِلَهَنَا إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ. وَقَالَ اللهُ: ”فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، أَجْمَعُ الْعُرْجَ وَأَضُمُّ الْمَطْرُودِينَ وَالَّذِينَ أَحْزَنْتُهُمْ. وَأَجْعَلُ مِنَ الْعُرْجِ بَقِيَّةً، وَمِنَ الْمَطْرُودِينَ أُمَّةً قَوِيَّةً. وَيَمْلِكُ الْمَوْلَى عَلَيْهِمْ فِي جَبَلِ بَيْتِ اللهِ مِنَ الْآنَ وَإِلَى الْأَبَدِ. وَأَنْتِ يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ، يَا بُرْجَ حِرَاسَةِ الْقَطِيعِ، أَيَّتُهَا الْقَلْعَةُ، سَتَرْجِعُ إِلَيْكِ السُّلْطَةُ كَمَا كَانَتْ مِنْ قَبْلُ، سَتَرْجِعُ الْمَمْلَكَةُ إِلَى الْقُدْسِ.“ وَالْآنَ، لِمَاذَا تَصْرُخِينَ بِصَوْتٍ عَالٍ؟ أَلَيْسَ فِيكِ مَلِكٌ؟ هَلْ مَاتَ مُشِيرُكِ؟ فَلِمَاذَا أَصَابَكِ أَلَمٌ كَامْرَأَةٍ تَلِدُ؟ يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ، تَلَوِّي مِنَ الْوَجَعِ كَامْرَأَةٍ تَلِدُ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَخْرُجِي الْآنَ مِنْ مَكَانِكِ، وَتَسْكُنِي فِي الْحُقُولِ، وَتَذْهَبِي إِلَى بَابِلَ. وَهُنَاكَ يُنْقِذُكِ الْمَوْلَى وَيَفْدِيكِ مِنْ يَدِ أَعْدَائِكِ. وَالْآنَ اجْتَمَعَتْ عَلَيْكِ أُمَمٌ كَثِيرَةٌ، وَقَالُوا: ”تَعَالَوْا نُنَجِّسُ الْقُدْسَ، نَنْظُرُ إِلَيْهَا وَنَشْمَتُ!“ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ أَفْكَارَ الْمَوْلَى، وَلَا يَفْهَمُونَ قَصْدَهُ، فَإِنَّهُ جَمَعَهُمْ كَحُزَمٍ إِلَى الْبَيْدَرِ. ”إِذَنْ قُومِي يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ وَدُوسِي عَلَيْهِمْ. فَإِنِّي أُعْطِيكِ قُرُونًا مِنْ حَدِيدٍ، وَأَظْلَافًا مِنْ نُحَاسٍ، فَتَسْحَقِينَ أُمَمًا كَثِيرَةً.“ وَتُكَرِّسِينَ لِلْمَوْلَى الْغَنِيمَةَ الَّتِي تَأْخُذِينَهَا مِنْهُمْ، وَتُقَدِّمِينَ ثَرْوَتَهُمْ لِرَبِّ الْأَرْضِ كُلِّهَا. اِجْمَعِي جُيُوشَكِ يَا مَدِينَةَ الْجُيُوشِ، فَنَحْنُ مُحَاصَرُونَ، وَسَيَضْرِبُونَ حَاكِمَ إِسْرَائِيلَ بِعَصًا عَلَى خَدِّهِ. ”يَا بَيْتَ لَحْمَ أَفْرَاتَةَ، مَعَ أَنَّكِ صَغِيرَةٌ بَيْنَ مُدُنِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَأْتِي لِي مَنْ سَيَكُونُ حَاكِمًا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَصْلُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ الْأَزَلِ.“ وَسَيَتْرُكُ الْمَوْلَى شَعْبَهُ إِلَى أَعْدَائِهِمْ، إِلَى حِينَ يُولَدُ هَذَا الْحَاكِمُ، ثُمَّ يَرْجِعُ أَهْلُهُ إِلَى بِلَادِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَقُومُ الْحَاكِمُ وَيَرْعَى شَعْبَهُ بِقُدْرَةِ الْمَوْلَى، وَبِجَلَالِ اسْمِ اللهِ رَبِّهِ. فَيَعِيشُونَ فِي أَمَانٍ، لِأَنَّ عَظَمَتَهُ تَصِلُ إِلَى آخِرِ الْأَرْضِ. وَيَكُونُ هُوَ سَلَامَهُمْ. وَإِنْ هَجَمَتْ أَشُّورُ عَلَى بِلَادِنَا وَزَحَفَتْ إِلَى حُصُونِنَا، نُقَاوِمُهَا بِـ7 رُعَاةٍ وَ8 مِنْ قَادَةِ الشَّعْبِ. فَيَحْكُمُونَ بِلَادَ أَشُّورَ بِالسَّيْفِ، وَأَرْضَ نِمْرُودَ بِالسَّيْفِ الْمَسْلُولِ. وَيُنْقِذُونَا مِنْهُمْ إِنْ هَجَمُوا عَلَى بِلَادِنَا وَزَحَفُوا إِلَى حُدُودِنَا. وَالَّذِينَ بَقَوْا مِنْ بَيْتِ يَعْقُوبَ، يَكُونُونَ بَيْنَ الشُّعُوبِ الْكَثِيرَةِ كَالنَّدَى مِنْ عِنْدِ الْمَوْلَى، وَكَالْمَطَرِ عَلَى الْعُشْبِ، الَّذِي لَا يَنْتَظِرُ شَيْئًا مِنَ النَّاسِ وَلَا يَتَوَقَّعُ مَعُونَةَ الْبَشَرِ. هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَقَوْا مِنْ بَيْتِ يَعْقُوبَ بَيْنَ الْأُمَمِ، يَكُونُونَ بَيْنَ الشُّعُوبِ الْكَثِيرَةِ كَأَسَدٍ بَيْنَ وُحُوشِ الْغَابَةِ، وَكَشِبْلٍ بَيْنَ قَطِيعِ غَنَمٍ، يَهْجُمُ وَيَدُوسُ وَيَفْتَرِسُ وَلَا مَنْ يُنْقِذُ مِنْهُ. فَارْفَعْ يَدَكَ أَيُّهَا الشَّعْبُ وَانْتَصِرْ عَلَى أَعْدَائِكَ، وَحَطِّمْ كُلَّ خُصُومِكَ. وَقَالَ اللهُ: ”فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أُفْنِي خَيْلَكُمْ مِنْ بَيْنِكُمْ، وَأُحَطِّمُ مَرْكَبَاتِكُمْ، وَأُخْرِبُ مُدُنَكُمْ، وَأَهْدِمُ كُلَّ حُصُونِكُمْ، وَأَقْضِي عَلَى السِّحْرِ مِنْ عِنْدِكُمْ، وَلَا يَبْقَى مَنْ يَعْمَلُ تَعْوِيذَةً، وَأُفْنِي مِنْ بَيْنِكُمْ تَمَاثِيلَكُمُ الْمَنْحُوتَةَ وَأَنْصَابَكُمْ، فَلَا تَعُودُونَ تَسْجُدُونَ لِمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيكُمْ، وَأَقْلَعُ مِنْ بَيْنِكُمُ الْأَعْمِدَةَ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا، وَأُبِيدُ مُدُنَكُمْ، وَأَنْتَقِمُ بِغَضَبٍ وَغَيْظٍ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي لَمْ تَسْمَعْ لِي.“ اِسْمَعُوا مَا قَالَهُ اللهُ: ”قُمْ وَقَدِّمْ دَعْوَاكَ أَمَامَ الْجِبَالِ، خَلِّ التِّلَالَ تَسْمَعُ كَلَامَكَ. اِسْمَعِي يَا جِبَالُ شَكْوَى الْمَوْلَى، أَصْغِي يَا أَسَاسَاتِ الْأَرْضِ الثَّابِتَةَ. فَهَذِهِ شَكْوَى الْمَوْلَى ضِدَّ شَعْبِهِ، وَدَعْوَاهُ ضِدَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ”يَا شَعْبِي، مَاذَا عَمِلْتُ لَكَ؟ بِمَاذَا أَتْعَبْتُكَ؟ رُدَّ عَلَيَّ! أَنَا أَخْرَجْتُكَ مِنْ مِصْرَ، وَفَدَيْتُكَ مِنْ سِجْنِ الْعُبُودِيَّةِ، وَأَرْسَلْتُ مُوسَى وَهَارُونَ وَمَرْيَمَ لِيَقُودُوكَ. يَا شَعْبِي، اُذْكُرْ مَا تَآمَرَ بِهِ عَلَيْكَ بَالَاقُ مَلِكُ مُوآبَ، وَكَيْفَ أَجَابَهُ بَلْعَامُ بْنُ بَعُورَ. اُذْكُرْ رِحْلَتَكَ مِنْ شِطِّيمَ إِلَى الْجِلْجَالِ، لِتَعْرِفَ أَنَّ اللهَ صَالِحٌ.“ أَنْتَ تَقُولُ: ”مَاذَا أُقَدِّمُ حِينَ أَمْثُلُ أَمَامَ الْمَوْلَى، حِينَ أَسْجُدُ للهِ الْعَلِيِّ؟ هَلْ أُقَدِّمُ لَهُ قَرَابِينَ وَعُجُولَ عُمْرَهَا سَنَةً؟ هَلْ يَرْضَى الْمَوْلَى بِـ1000 كَبْشٍ؟ هَلْ يَرْضَى بِـ10000 نَهْرٍ مِنَ الزَّيْتِ؟ هَلْ أُقَدِّمُ لَهُ ابْنِيَ الْبِكْرَ عَنْ مَعْصِيَتِي؟ فِلْذَةَ كَبِدِي عَنْ خَطِيئَتِي؟“ لَكِنَّ اللهَ أَخْبَرَكَ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا هُوَ صَالِحٌ. فَهُوَ يَطْلُبُ مِنْكَ أَنْ تَعْمَلَ الْعَدْلَ وَتُحِبَّ الرَّحْمَةَ وَتَسِيرَ بِتَوَاضُعٍ مَعَ إِلَهِكَ. اِتَّقُوا الْمَوْلَى إِنْ كُنْتُمْ حُكَمَاءَ، صَوْتُهُ يُنَادِي فِي الْمَدِينَةِ: ”اِنْتَبِهُوا لِعَصَا الْعِقَابِ، وَلِمَنْ يُهَدِّدُ بِالْعِقَابِ. هَلْ أَنْسَى يَا بَيْتَ الْأَشْرَارِ أَنَّهُ مَا زَالَ عِنْدَكُمْ كُنُوزٌ مَسْرُوقَةٌ وَمَوَازِينُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَمَلْعُونَةٌ؟ هَلْ أُبْرِئُ مَنْ يَسْرِقُ فِي الْمِيزَانِ وَيَغُشُّ فِي الْمِكْيَالِ؟ أَغْنِيَاءُ الْمَدِينَةِ ظَالِمُونَ، أَهْلُهَا كَذَّابُونَ، وَبِلِسَانِهِمْ يَخْدَعُونَ. لِذَلِكَ أُعَاقِبُكُمْ عِقَابًا شَدِيدًا، وَأُخْزِيكُمْ بِسَبَبِ ذُنُوبِكُمْ. تَأْكُلُونَ وَلَا تَشْبَعُونَ، وَتَظَلُّ مَعِدَتُكُمْ دَائِمًا خَاوِيَةً. تَخْزِنُونَ وَلَا يَبْقَى لَكُمْ شَيْءٌ، لِأَنَّ كُلَّ مَا يَبْقَى أُعْطِيهِ لِمَنْ يَهْزِمُكُمْ. تَزْرَعُونَ وَلَا تَحْصُدُونَ، تَعْصِرُونَ الزَّيْتُونَ وَلَا تَدَّهِنُونَ بِزَيْتِهِ، تَعْصِرُونَ الْعِنَبَ وَلَا تَشْرَبُونَ مِنْ خَمْرِهِ. تَعْمَلُونَ بِفَرَائِضِ الْمَلِكِ عُمْرِي، وَكَأَعْمَالِ بَيْتِ آخَابَ كُلِّهَا، وَتَسِيرُونَ عَلَى مِنْوَالِهِمْ. لِذَلِكَ أَدْفَعُكُمْ إِلَى الْخَرَابِ، وَيَهْزَأُ النَّاسُ بِكُمْ، وَتَحْتَقِرُكُمُ الْأُمَمُ.“ يَا تَعَاسَتِي! صِرْتُ كَوَاحِدٍ جَائِعٍ يَجْنِي آخِرَ الثِّمَارِ، وَيَقْطِفُ بَقَايَا الْعِنَبِ. وَلَكِنْ لَا يُوجَدُ عُنْقُودٌ آكُلُهُ، وَلَا شَيْءٌ مِنَ التِّينِ الْمُبَكِّرِ الَّذِي أُحِبُّهُ. فَنِيَ الْأَتْقِيَاءُ مِنَ الْأَرْضِ، لَا يُوجَدُ صَالِحٌ بَيْنَ النَّاسِ. كُلُّهُمْ يَكْمُنُونَ لِسَفْكِ الدَّمِ، يَصِيدُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِشَبَكَةٍ. الْيَدَانِ مَاهِرَتَانِ فِي عَمَلِ الشَّرِّ، الْحَاكِمُ يَطْلُبُ هَدِيَّةً، وَالْقَاضِي يَقْبَلُ رَشْوَةً، وَالْقَوِيُّ يُمْلِي إِرَادَتَهُ، وَكُلُّهُمْ يَتَآمَرُونَ مَعًا. أَحْسَنُهُمْ كَالْحَسَكِ، وَأَفْضَلُهُمْ أَسْوَأُ مِنَ الشَّوْكِ. جَاءَ يَوْمُ الْعِقَابِ الَّذِي حَدَّثَهُمْ عَنْهُ أَنْبِيَاؤُهُمْ. حَانَ الْوَقْتُ لِيَرْتَبِكُوا. لَا تَأْتَمِنْ صَاحِبًا، لَا تَثِقْ بِصَدِيقٍ، لَا تَنْطِقْ بِسِرٍّ حَتَّى لِزَوْجَتِكَ الَّتِي تُحِبُّهَا. لِأَنَّ الِابْنَ يَحْتَقِرُ الْأَبَ، وَالْبِنْتَ تَقُومُ ضِدَّ أُمِّهَا، وَزَوْجَةَ الِابْنِ ضِدَّ حَمَاتِهَا. وَيَكُونُ أَهْلُ الْإِنْسَانِ أَعْدَاءَهُ. أَمَّا أَنَا فَأَتَرَقَّبُ الْمَوْلَى لِيُعِينَنِي، أَنْتَظِرُ اللهَ لِيُنْقِذَنِي. إِلَهِي يَسْمَعُنِي. لَا تَشْمَتِي بِي يَا عَدُوَّتِي، فَمَعَ أَنِّي سَقَطْتُ لَكِنِّي أَقُومُ، مَعَ أَنِّي جَلَسْتُ فِي الظَّلَامِ، لَكِنَّ اللهَ نُورِي. أَخْطَأْتُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَأَحْتَمِلُ غَضَبَهُ، حَتَّى يُدَافِعَ عَنْ قَضِيَّتِي وَيُنْصِفَنِي، وَيُخْرِجَنِي إِلَى النُّورِ فَأَرَى صَلَاحَهُ. وَتَرَى عَدُوَّتِي، فَيُغَطِّيهَا الْخَجَلُ لِأَنَّهَا قَالَتْ لِي: ”أَيْنَ رَبُّكِ وَإِلَهُكِ؟“ لِذَلِكَ أَرَاهَا بِعَيْنَيَّ وَهِيَ تَسْقُطُ وَتُدَاسُ كَالطِّينِ فِي الشَّارِعِ. سَيَأْتِي الْيَوْمُ الَّذِي فِيهِ تُبْنَى أَسْوَارُكِ وَتَتَّسِعُ حُدُودُكِ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَرْجِعُ إِلَيْكِ شَعْبُكِ مِنْ أَشُّورَ وَمِنْ مُدُنِ مِصْرَ، بَلْ مِنْ مِصْرَ إِلَى الْفُرَاتِ، وَمِنْ بَحْرٍ إِلَى بَحْرٍ، وَمِنْ جَبَلٍ إِلَى جَبَلٍ. وَلَكِنْ تَكُونُ الْبِلَادُ مُوحِشَةً بِسُكَّانِهَا بِسَبَبِ أَعْمَالِهِمْ. اِرْعَ يَا رَبُّ شَعْبَكَ بِعَصَاكَ، فَهُمُ الْقَطِيعُ الَّذِي مِنْ نَصِيبِكَ، وَيَسْكُنُونَ وَحْدَهُمْ فِي الْغَابَةِ فِي مَرْعًى خِصْبٍ. قُدْهُمْ لِيَرْعَوْا فِي بَاشَانَ وَجِلْعَادَ كَمَا فِي الْأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ. ”نَعَمْ، أُرِيكُمْ عَجَائِبَ كَمَا عَمِلْتُ أَيَّامَ أَخْرَجْتُكُمْ مِنْ مِصْرَ.“ وَحِينَ تَرَى الْأُمَمُ ذَلِكَ، يَخْجَلُونَ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ كُلِّ قُوَّتِهِمْ. يَضَعُونَ يَدَهُمْ عَلَى فَمِهِمْ، وَتُصَابُ آذَانُهُمْ بِالْطَرَشِ. يَلْحَسُونَ التُّرَابَ كَالْحَيَّةِ، وَكَحَشَرَاتٍ تَزْحَفُ عَلَى الْأَرْضِ. يَخْرُجُونَ مِنْ حُصُونِهِمْ مُرْتَعِشِينَ، يَأْتُونَ إِلَى الْمَوْلَى إِلَهِنَا خَائِفِينَ وَمُرْتَعِبِينَ. لَا إِلَهَ مِثْلَكَ يَا رَبُّ. أَنْتَ تَصْفَحُ عَنِ الذَّنْبِ وَتَغْفِرُ الْمَعْصِيَةَ لِلَّذِينَ بَقَوْا مِنْ شَعْبِكَ. وَلَا تَحْتَفِظُ بِالْغَضَبِ إِلَى الْأَبَدِ، بَلْ يَسُرُّكَ أَنْ تَرْحَمَ. تَشْفِقُ عَلَيْنَا مَرَّةً أُخْرَى، تَدُوسُ ذُنُوبَنَا، وَتَرْمِي كُلَّ مَعَاصِينَا فِي أَعْمَاقِ الْبَحْرِ. أَنْتَ أَمِينٌ لِبَنِي يَعْقُوبَ، وَرَحِيمٌ بِشَعْبِ إِبْرَاهِيمَ، كَمَا حَلَفْتَ لِآبَائِنَا مُنْذُ الْأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ. وَحْيٌ عَنْ نِينَوَى. هَذَا كِتَابُ رُؤْيَا نَاحُومَ الْأَلْقُوشِيِّ. الْمَوْلَى إِلَهٌ غَيُورٌ وَمُنْتَقِمٌ. الْمَوْلَى مُنْتَقِمٌ وَيَغْضَبُ جِدًّا. الْمَوْلَى يَنْتَقِمُ مِنْ أَعْدَائِهِ وَيَحْتَفِظُ بِغَضَبِهِ ضِدَّ خُصُومِهِ. الْمَوْلَى حَلِيمٌ وَعَظِيمُ الْقُوَّةِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَتْرُكُ الْمُذْنِبَ بِلَا عِقَابٍ. حَيْثُ يَسِيرُ الْمَوْلَى تَحْدُثُ زَوْبَعَةٌ وَعَوَاصِفُ. السَّحَابُ هُوَ غُبَارُ قَدَمَيْهِ. يُوَبِّخُ الْبَحْرَ فَيَجِفُّ، وَتَنْشَفُ كُلُّ الْأَنْهَارِ. تَذْبُلُ خُضْرَةُ بَاشَانَ وَالْكَرْمَلِ، يَذْبُلُ زَهْرُ لُبْنَانَ. تَهْتَزُّ الْجِبَالُ أَمَامَهُ وَتَذُوبُ التِّلَالُ. تَرْتَعِشُ الْأَرْضُ فِي مَحْضَرِهِ، الدُّنْيَا وَكُلُّ سُكَّانِهَا. مَنْ يَقِفُ أَمَامَ غَضَبِهِ؟ وَمَنْ يَحْتَمِلُ غَيْظَهُ الشَّدِيدَ؟ يَنْصَبُّ سَخَطُهُ كَالنَّارِ، تَنْهَدِمُ الصُّخُورُ مِنْهُ. رَبُّنَا صَالِحٌ، هُوَ مَلْجَأٌ فِي يَوْمِ الضِّيقِ، وَيَعْتَنِي بِمَنْ يَتَوَكَّلُونَ عَلَيْهِ. وَلَكِنَّهُ يُرْسِلُ فَيَضَانًا شَدِيدًا، فَيُهْلِكُ نِينَوَى تَمَامًا، وَيُطَارِدُ أَعْدَاءَهُ إِلَى الظَّلَامِ. بِمَاذَا تَتَآمَرُونَ ضِدَّ اللهِ؟ إِنَّهُ يَقْضِي عَلَى نِينَوَى بِضَرْبَةٍ لَا تَحْتَاجُ إِلَى تِكْرَارٍ! فَتَأْكُلُ النَّارُ أَهْلَهَا كَأَنَّهُمْ حُزْمَةٌ مِنَ الشَّوْكِ، أَوْ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّكَارَى الْمُتَرَنِّحِينَ أَوْ قَشٌّ يَابِسٌ. مِنْكِ يَا نِينَوَى خَرَجَ وَاحِدٌ يَتَآمَرُ بِالشَّرِّ ضِدَّ الْمَوْلَى، وَيُشِيرُ بِالسُّوءِ. قَالَ اللهُ: ”مَعَ أَنَّ أَهْلَ نِينَوَى أَقْوِيَاءُ وَكَثِيرُونَ، أُبِيدُهُمْ وَأُفْنِيهِمْ. أَمَّا أَنْتُمْ يَا شَعْبِي، فَإِنِّي عَاقَبْتُكُمْ وَلَا أُعَاقِبُكُمْ مَرَّةً أُخْرَى. وَالْآنَ أَكْسِرُ نِيرَهُمْ عَنْكُمْ، وَأُحَطِّمُ قُيُودَكُمْ. وَأَمَرَ الْمَوْلَى بِهَذَا بِشَأْنِكِ يَا نِينَوَى: ’لَنْ يَكُونَ لَكُمْ نَسْلٌ يَحْمِلُ اسْمَكُمْ‘ وَأُبِيدُ مِنْ مَعْبَدِ آلِهَتِكُمُ التَّمَاثِيلَ الْمَنْحُوتَةَ وَالْمَسْبُوكَةَ، وَأُعِدُّ لَكُمْ قَبْرَكُمْ لِأَنَّكُمْ لَا تَسْتَحِقُّونَ أَنْ تَعِيشُوا.“ اُنْظُرُوا! سَيَأْتِي إِلَيْنَا مَنْ يَحْمِلُ بُشْرَى الْخَيْرِ عَبْرَ الْجِبَالِ! إِنَّهُ يُعْلِنُ السَّلَامَ! عَيِّدِي يَا يَهُوذَا أَعْيَادَكِ، وَأَوْفِي نُذُورَكِ. فَالشِّرِّيرُ لَنْ يُهَاجِمَكِ مَرَّةً أُخْرَى، لِأَنَّهُ هَلَكَ تَمَامًا. جَاءَ عَلَيْكِ الْمُهَاجِمُ يَا نِينَوَى. اُحْرُسِي الْحِصْنَ، رَاقِبِي الطَّرِيقَ، اِسْتَعِدِّي لِلْمَعْرَكَةِ، شَدِّدِي قُوَّتَكِ جِدًّا. سَيَرُدُّ الْمَوْلَى بَهَاءَ يَعْقُوبَ كَبَهَاءِ إِسْرَائِيلَ، مَعَ أَنَّ النَّاهِبِينَ سَلَبُوهُمْ وَأَتْلَفُوا كُرُومَهُمْ. عَدُوُّكِ يَسْتَعِدُّ لِلْقِتَالِ يَا نِينَوَى! تُرُوسُ أَبْطَالِهِ حَمْرَاءُ، ثِيَابُ جُنُودِهِ لَوْنُهَا قِرْمِزِيٌّ، يَطِيرُ الشَّرَرُ مِنْ حَدِيدِ الْمَرْكَبَاتِ، تَهْتَزُّ الرِّمَاحُ كَالسَّرْوِ. تَنْدَفِعُ الْمَرْكَبَاتُ بِعُنْفٍ فِي الشَّوَارِعِ، تَجْرِي هُنَا وَهُنَاكَ فِي السَّاحَاتِ، مَنْظَرُهَا كَأَنَّهَا مَشَاعِلُ تَجْرِي، كَأَنَّهَا بَرْقٌ. يُنَادِي الْمَلِكُ أَحْسَنَ أَبْطَالِهِ، لَكِنَّهُمْ يَتَعَثَّرُونَ فِي مَشْيِهِمْ. يُسْرِعُونَ إِلَى سُورِ نِينَوَى، يُقِيمُونَ الْحَوَاجِزَ لِحِمَايَتِهَا. تَنْفَتِحُ أَبْوَابُ النَّهْرِ، يَنْهَارُ الْقَصْرُ. تُؤْخَذُ الْمَلِكَةُ أَسِيرَةً، تَنُوحُ جَوَارِيهَا كَالْحَمَامِ، يَضْرِبْنَ عَلَى صُدُورِهِنَّ. صَارَتْ نِينَوَى كَبِرْكَةٍ جَفَّ مَاؤُهَا، لِأَنَّ أَهْلَهَا هَرَبُوا مِنْهَا. لَمْ يَلْتَفِتُوا لِمَنْ قَالَ لَهُمْ: ”قِفُوا! قِفُوا!“ إِذَنْ تَعَالَوْا نَنْهَبُ الْفِضَّةَ، وَنَنْهَبُ الذَّهَبَ. كُنُوزُهَا لَا نِهَايَةَ لَهَا، فِيهَا الْكَثِيرُ مِنْ كُلِّ نَفِيسٍ وَجَمِيلٍ. صَارَتْ نِينَوَى مَسْلُوبَةً وَفَارِغَةً وَخَرِبَةً. يَذُوبُ قَلْبُهُمْ، تَنْهَارُ عَزِيمَتُهُمْ، كُلُّهُمْ يَرْتَعِشُونَ، وَتَصْفَرُّ وُجُوهُهُمْ جَمِيعًا. فَأَيْنَ الْآنَ نِينَوَى مَأْوَى الْأُسُودِ وَمَرْعَى الْأَشْبَالِ؟ أَيْنَ الْأَسَدُ وَاللَّبْوَةُ وَالْأَشْبَالُ الَّتِي كَانَتْ تَسْرَحُ فِيهَا وَلَا يُزْعِجُهَا أَحَدٌ؟ هُنَاكَ افْتَرَسَ الْأَسَدُ مَا يَكْفِي لِأَشْبَالِهِ، وَخَنَقَ الْفَرِيسَةَ لِلَبْوَاتِهِ، وَمَلَأَ مَغَارَاتِهِ بِالْفَرَائِسِ وَمَآوِيَهُ بِالْجُثَثِ. وَقَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ”أَنَا ضِدُّكِ يَا نِينَوَى، فَأُحْرِقُ مَرْكَبَاتِكِ حَتَّى تُصْبِحَ دُخَانًا، وَيَأْكُلُ السَّيْفُ شُبَّانَكِ، وَلَا أُبْقِي لَكِ فَرِيسَةً فِي الْأَرْضِ، وَلَا يَسْمَعُ أَحَدٌ صَوْتَ رُسُلِكِ فِيمَا بَعْدُ.“ وَيْلٌ لِلْمَدِينَةِ سَافِكَةِ الدَّمِ! إِنَّهَا مَمْلُوءَةٌ كِذْبًا وَنَهْبًا. لَا يَتَوَقَّفُ فِيهَا الْقَتْلُ. تَضْرِبُ السِّيَاطُ، وَتَدُورُ الْعَجَلَاتُ، وَتَقْفِزُ الْخَيْلُ، وَتَنْدَفِعُ الْمَرْكَبَاتُ، وَيَتَقَدَّمُ الْفُرْسَانُ، وَيَلْمَعُ السَّيْفُ، وَيَبْرُقُ الرُّمْحُ! جَرْحَى كَثِيرُونَ، أَكْوَامٌ مِنَ الْقَتْلَى، مَوْتَى بِلَا عَدَدٍ، وَالسَّائِرُ يَتَعَثَّرُ بِالْجُثَثِ. كُلُّ هَذَا بِسَبَبِ نِينَوَى الْمَدِينَةِ الْعَاهِرَةِ الْفَاتِنَةِ سَيِّدَةِ السِّحْرِ، الَّتِي أَغْرَتِ الْأُمَمَ لِتَعْبُدَ آلِهَتَهَا، وَالشُّعُوبَ لِتُمَارِسَ سِحْرَهَا. وَقَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ”أَنَا ضِدُّكِ يَا نِينَوَى، أُعَرِّيكِ وَأَفْضَحُكِ أَمَامَ الْأُمَمِ وَأُخْجِلُكِ أَمَامَ الْمَمَالِكِ، وَأَقْذِفُ عَلَيْكِ الْأَوْسَاخَ، وَأُهِينُكِ، وَأَجْعَلُكِ مَنْظَرًا. فَيَهْرُبُ مِنْكِ كُلُّ مَنْ يَرَاكِ وَيَقُولُ: ’خَرِبَتْ نِينَوَى، فَمَنْ يَبْكِي عَلَيْهَا؟‘ يَا نِينَوَى، أَيْنَ أَجِدُ لَكِ مَنْ يُعَزِّيكِ؟“ هَلْ أَنْتِ أَحْسَنُ مِنْ طِيبَةَ الَّتِي عَلَى النِّيلِ وَحَوْلَهَا الْمِيَاهُ؟ كَانَ النَّهْرُ يَحْمِيهَا، وَالْمَاءُ سُورَهَا. وَاسْتَمَدَّتْ قُوَّةً بِلَا حُدُودٍ مِنَ الْحَبَشَةِ وَمِصْرَ، وَتَحَالَفَتْ مَعَ فُوطَ وَلِيبْيَا. وَمَعَ ذَلِكَ وَقَعَتْ أَسِيرَةً وَطُرِدَتْ. مَزَّقَ الْأَعْدَاءُ أَطْفَالَهَا فِي رَأْسِ كُلِّ شَارِعٍ. أَلْقَوْا قُرْعَةً عَلَى شُرَفَائِهَا، وَقَيَّدُوا بِالسَّلَاسِلِ كُلَّ عُظَمَائِهَا. وَأَنْتِ أَيْضًا يَا نِينَوَى تَسْكَرِينَ وَتَخْتَفِينَ، وَتَبْحَثِينَ عَنْ مَلْجَأٍ مِنَ الْعَدُوِّ. كُلُّ حُصُونِكِ تَسْقُطُ كَمَا تَسْقُطُ ثِمَارُ التِّينِ النَّاضِجَةُ فِي فَمِ مَنْ يَهُزُّ الشَّجَرَةَ. اُنْظُرِي إِلَى جُيُوشِكِ، إِنَّهُمْ كَالنِّسَاءِ! بَوَّابَاتُ بِلَادِكِ مَفْتُوحَةٌ عَلَى آخِرِهَا لِأَعْدَائِكِ. أَكَلَتِ النَّارُ أَبْوَابَكِ. أَعِدِّي لِنَفْسِكِ مَاءً لِوَقْتِ الْحِصَارِ. شَدِّدِي دِفَاعَكِ. اِخْلِطِي الطِّينَ وَاصْنَعِي الطُّوبَ لِبِنَاءِ التَّحْصِينَاتِ. وَلَكِنْ تَأْكُلُكِ النَّارُ، يَقْتُلُكِ السَّيْفُ. وَكَالْجَرَادِ الَّذِي يَأْكُلُ الْخُضْرَةَ تَأْكُلُكِ الْحَرْبُ. تَكَاثَرِي كَالْجَرَادِ، زِيدِي فِي الْعَدَدِ كَالْجُنْدُبِ. تُجَّارُكِ أَكْثَرُ عَدَدًا مِنْ نُجُومِ السَّمَاءِ، وَلَكِنَّهُمْ كَالْجَرَادِ يَأْكُلُونَ خُضْرَةَ الْأَرْضِ وَيَطِيرُونَ بَعِيدًا. رُؤَسَاؤُكِ كَالْجَرَادِ، قَادَتُكِ كَأَسْرَابِ الْجَرَادِ الَّتِي تَحِلُّ عَلَى الْحَائِطِ فِي يَوْمٍ بَارِدٍ، وَحِينَ تُشْرِقُ الشَّمْسُ تَطِيرُ بَعِيدًا، وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ أَيْنَ رَاحَتْ. يَا مَلِكَ أَشُّورَ، نَامَ قَادَتُكَ، رَقَدَ عُظَمَاؤُكَ لِيَرْتَاحُوا، وَتَشَتَّتَ شَعْبُكَ عَلَى الْجِبَالِ، وَلَا مَنْ يَجْمَعُهُمْ. كَسْرُكَ لَا يُجْبَرُ، جُرْحُكَ عَدِيمُ الشِّفَاءِ. كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ خَبَرَكَ يُصَفِّقُ بِيَدَيْهِ فَرَحًا لِأَنَّ شَرَّكَ بِلَا حُدُودٍ وَعَانَى مِنْهُ الْجَمِيعُ. هَذَا هُوَ الْوَحْيُ الَّذِي رَآهُ حَبْقُوقُ النَّبِيُّ. إِلَى مَتَى أَسْتَغِيثُ يَا رَبُّ، وَأَنْتَ لَا تَسْمَعُ؟ وَأَصْرُخُ إِلَيْكَ مِنَ الظُّلْمِ، وَأَنْتَ لَا تُنَجِّي؟ لِمَاذَا تَجْعَلُنِي أَرَى الشَّرَّ، وَلِمَاذَا تَحْتَمِلُ الْخَطَأَ؟ أَمَامِي اغْتِصَابٌ وَعُنْفٌ، اِنْتَشَرَ الْخِصَامُ وَسَادَ النِّزَاعُ. لِذَلِكَ بَطُلَ الْعَمَلُ بِالشَّرِيعَةِ. الْعَدْلُ غَيْرُ مَوْجُودٍ. الشِّرِّيرُ يَتَحَكَّمُ فِي الصَّالِحِ، وَالْقَاضِي يَجُورُ فِي الْحُكْمِ. ”تَأَمَّلُوا الْأُمَمَ وَانْظُرُوا وَتَعَجَّبُوا وَتَحَيَّرُوا، لِأَنِّي سَأَعْمَلُ عَمَلًا فِي أَيَّامِكُمْ لَا تُصَدِّقُونَهُ إِنْ أَخْبَرُوكُمْ بِهِ. فَإِنِّي أُثِيرُ الْبَابِلِيِّينَ، هَذَا الشَّعْبَ الَّذِي لَا يَرْحَمُ، بَلْ يَتَقَدَّمُ وَيَزْحَفُ فِي كُلِّ الْأَرْضِ لِيَسْتَوْلِيَ عَلَى بِلَادٍ لَيْسَتْ لَهُ. هُمْ شَعْبٌ مُخِيفٌ وَمُرْعِبٌ، يُصْدِرُ أَحْكَامَهُ وَيَفْرِضُ عَظَمَتَهُ. خَيْلُهُمْ أَسْرَعُ مِنَ النُّمُورِ، وَأَكْثَرُ شَرَاسَةً مِنَ الذِّئَابِ عِنْدَ الْمَسَاءِ. فُرْسَانُهُمْ يَقْفِزُونَ، يَأْتُونَ مِنْ بَعِيدٍ، يَطِيرُونَ كَنِسْرٍ يَنْقَضُّ عَلَى فَرِيسَتِهِ. يَأْتُونَ كُلُّهُمْ لِارْتِكَابِ الْعُنْفِ، يَتَقَدَّمُونَ كَالرِّيحِ الشَّرْقِيَّةِ، وَيَجْمَعُونَ الْأَسْرَى كَالرَّمْلِ. يَهْزَأُونَ بِالْمُلُوكِ، وَيَسْخَرُونَ مِنَ الْحُكَّامِ. يَضْحَكُونَ عَلَى كُلِّ الْمُدُنِ الْحَصِينَةِ، يُكَوِّمُونَ التُّرَابَ حَوْلَهَا وَيَهْزِمُونَهَا. ثُمَّ يَتْرُكُونَهَا كَالرِّيحِ، وَيَرُوحُونَ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ. هُمْ أَشْرَارٌ يَعْبُدُونَ قُوَّتَهُمْ.“ يَا رَبُّ أَنْتَ مَوْجُودٌ مُنْذُ الْأَزَلِ. لِذَلِكَ لَا نَمُوتُ يَا إِلَهِي، يَا إِلَهِيَ الْقُدُّوسَ. أَنْتَ يَا رَبُّ عَيَّنْتَ الْبَابِلِيِّينَ لِيُنَفِّذُوا حُكْمَكَ، وَاخْتَرْتَهُمْ يَا مَلْجَأَنَا لِتُعَاقِبَ الشُّعُوبَ. عَيْنَاكَ أَطْهَرُ مِنْ أَنْ تَنْظُرَا الشَّرَّ، أَنْتَ لَا تَحْتَمِلُ الْخَطَأَ. فَلِمَاذَا إِذَنْ تَحْتَمِلُ الْغَادِرِينَ، وَتَسْكُتُ حِينَ يَبْلَعُ الشِّرِّيرُ مَنْ هُوَ صَالِحٌ أَكْثَرَ مِنْهُ؟ أَنْتَ جَعَلْتَ النَّاسَ كَسَمَكِ الْبَحْرِ، كَحَشَرَاتٍ لَا قَائِدَ لَهَا. فَيَأْخُذُهُمُ الْعَدُوُّ كُلَّهُمْ بِالصِّنَّارَةِ، أَوْ يَصِيدُهُمْ بِالشَّبَكَةِ، أَوْ يَجْمَعُهُمْ فِي مَصْيَدَةٍ، وَيَفْرَحُ وَيَبْتَهِجُ. لِذَلِكَ يُقَدِّمُ الْقَرَابِينَ لِشَبَكَتِهِ، وَيَحْرِقُ الْبَخُورَ لِمَصْيَدَتِهِ، لِأَنَّهُ بِوَاسِطَتِهِمَا يَعِيشُ فِي رَفَاهِيَةٍ وَيَأْكُلُ الطَّعَامَ الشَّهِيَّ. فَهَلْ يَظَلُّ يَجْمَعُ الْأُمَمَ بِشَبَكَتِهِ دَائِمًا، وَيُهْلِكُهَا بِلَا رَحْمَةٍ؟ أَقِفُ عَلَى مَرْصَدِي، أَصْعَدُ إِلَى الْبُرْجِ وَأُرَاقِبُ، لِأَرَى مَاذَا يَقُولُ اللهُ لِي وَبِمَاذَا يُجَاوِبُ عَلَى شَكْوَايَ. فَأَجَابَنِي الْمَوْلَى وَقَالَ: ”اُكْتُبِ الرُّؤْيَا، اُنْقُشْهَا بِوُضُوحٍ عَلَى أَلْوَاحٍ، لِكَيْ تُقْرَأَ بِسُهُولَةٍ. لِأَنَّ الرُّؤْيَا تَتِمُّ فِي وَقْتِهَا الْمُحَدَّدِ، وَتَتَكَلَّمُ عَنِ النِّهَايَةِ وَلَا تَكْذِبُ. فَإِنْ أَبْطَأَتِ انْتَظِرْهَا، لِأَنَّهَا لَا بُدَّ أَنْ تَأْتِيَ وَلَا تَتَأَخَّرَ. وَهِيَ تَقُولُ: ’الشِّرِّيرُ يَنْتَفِخُ وَلَا يَسْلُكُ بِاسْتِقَامَةٍ، وَالصَّالِحُ بِإِيمَانِهِ يَحْيَا.‘ ”حَقًّا إِنَّ الْخَمْرَ تَخْدَعُهُ. هُوَ مُتَكَبِّرٌ وَلَا يَهْدَأُ. هُوَ كَالْقَبْرِ طَمَّاعٌ، وَكَالْمَوْتِ لَا يَشْبَعُ. يَجْمَعُ إِلَى نَفْسِهِ كُلَّ الْأُمَمِ، وَيَأْسِرُ كُلَّ الشُّعُوبِ. وَلَكِنَّهُمْ كُلَّهُمْ يَهْزَأُونَ بِهِ وَيَسْخَرُونَ مِنْهُ بِأَلْغَازٍ وَيَقُولُونَ: ’الْوَيْلُ لِمَنْ كَوَّمَ لِنَفْسِهِ مَا لَا يَحِقُّ لَهُ، وَاغْتَنَى عَنْ طَرِيقِ السَّلْبِ! إِلَى مَتَى يَدُومُ هَذَا؟‘ وَفَجْأَةً يَقُومُ كُلُّ الَّذِينَ أَخَذْتَ أَمْوَالَهُمْ، يَتَيَقَّظُونَ وَيَجْعَلُونَكَ تَرْتَعِشُ، فَتَصِيرُ غَنِيمَةً لَهُمْ. أَنْتَ نَهَبْتَ أُمَمًا كَثِيرَةً، لِذَلِكَ تَنْهَبُكَ كُلُّ الشُّعُوبِ الَّتِي بَقِيَتْ. لِأَنَّكَ سَفَكْتَ دَمَ الْبَشَرِ، وَخَرَّبْتَ الْبِلَادَ وَالْمُدُنَ، وَأَهْلَكْتَ كُلَّ سُكَّانِهَا. ”الْوَيْلُ لِمَنْ يَجْمَعُ لِأَهْلِهِ ثَرْوَةً مِنَ الرِّبْحِ الْحَرَامِ، وَيَظُنُّ أَنَّهُ يَبْنِي عُشًّا عَالِيًا فِي أَمَانٍ مِنَ الْخَطَرِ. أَنْتَ جَلَبْتَ الْعَارَ عَلَى أَهْلِكَ، وَأَهْلَكْتَ شُعُوبًا كَثِيرَةً، وَخَسِرْتَ نَفْسَكَ. حَتَّى حِجَارَةُ الْحَائِطِ تَصْرُخُ ضِدَّكَ، وَأَعْمِدَةُ الْخَشَبِ تُرَدِّدُ صُرَاخَهَا! ”وَيْلٌ لِمَنْ يَبْنِي مَدِينَةً بِسَفْكِ الدَّمِ، وَيُؤَسِّسُ قَرْيَةً بِارْتِكَابِ الشَّرِّ. قَضَى الْمَوْلَى الْقَدِيرُ بِأَنْ يَذْهَبَ تَعَبُ النَّاسِ إِلَى النَّارِ، وَمَجْهُودُ الْأُمَمِ بِلَا فَائِدَةٍ. لِأَنَّ الْأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ جَلَالِ اللهِ كَمَا تُغَطِّي الْمِيَاهُ الْبَحْرَ. ”وَيْلٌ لِمَنْ يَسْقِي صَاحِبَهُ مِنْ كَأْسِ الْغَضَبِ، فَيُسْكِرُهُ وَيَرَى عُرْيَهُ. أَنْتَ سَتَشْبَعُ عَارًا بَدَلَ الْجَلَالِ. فَاشْرَبْ أَنْتَ أَيْضًا وَتَعَرَّى. جَاءَتْ إِلَيْكَ كَأْسُ غَضَبِ الْمَوْلَى فِي يَمِينِهِ فَيُغَطِّي الْهَوَانُ جَلَالَكَ. أَنْتَ ظَلَمْتَ لُبْنَانَ، فَيَأْتِي عَلَيْكَ هَذَا الظُّلْمُ. وَأَهْلَكْتَ الْبَهَائِمَ، لِذَلِكَ يُصِيبُكَ الرُّعْبُ. لِأَنَّكَ سَفَكْتَ دَمَ الْبَشَرِ وَخَرَّبْتَ الْبِلَادَ وَالْمُدُنَ، وَأَهْلَكْتَ كُلَّ سُكَّانِهَا. ”لَا قِيمَةَ فِي تِمْثَالٍ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَصْنَعُهُ. هُوَ مُجَرَّدُ صَنَمٍ يُعَلِّمُ الْكِذْبَ. وَمَعَ ذَلِكَ يَتَوَكَّلُ الصَّانِعُ عَلَى مَا صَنَعَهُ. إِنَّهَا تَمَاثِيلُ لَا تَنْطِقُ! الْوَيْلُ لِمَنْ يَقُولُ لِتِمْثَالٍ مِنَ الْخَشَبِ: ’تَيَقَّظْ.‘ أَوْ لِآخَرَ مِنَ الْحَجَرِ الْأَخْرَسِ: ’اِنْتَبِهْ.‘ هَلْ يَقْدِرُ أَنْ يُعَلِّمَكَ؟ هُوَ مُغَشَّى بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا رُوحَ فِيهِ. أَمَّا الْمَوْلَى فَهُوَ فِي بَيْتِهِ الْمُقَدَّسِ. لِذَلِكَ اسْكُتِي قُدَّامَهُ يَا كُلَّ الْأَرْضِ.“ هَذِهِ صَلَاةُ حَبْقُوقَ النَّبِيِّ. يَا رَبُّ سَمِعْتُ عَنْ صِيتِكَ، أَعْمَالُكَ تُدْهِشُنِي. كَرِّرْهَا مَعَنَا يَا رَبُّ فِي وَقْتِنَا الْحَاضِرِ. عَرِّفْنَا بِهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ. حَتَّى وَأَنْتَ غَاضِبٌ عَلَيْنَا، كُنْ رَحِيمًا بِنَا. جَاءَ اللهُ مِنْ تِيمَانَ، جَاءَ الْقُدُّوسُ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ. جَلَالُهُ غَطَّى السَّمَاءَ، وَتَسْبِيحُهُ مَلَأَ الْأَرْضَ. بَهَاؤُهُ كَإِشْرَاقِ الشَّمْسِ، يُشِعُّ النُّورَ مِنْ يَدِهِ، وَفِيهَا يُخْفِي قُوَّتَهُ. يَتَقَدَّمُهُ الْمَرَضُ، وَيَسِيرُ وَرَاءَهُ الْوَبَأُ. وَقَفَ وَزَلْزَلَ الْأَرْضَ، نَظَرَ فَأَرْعَبَ الْأُمَمَ. اِنْهَارَتِ الْجِبَالُ الْقَدِيمَةُ، وَسَقَطَتِ التِّلَالُ الْعَتِيقَةُ. هَذِهِ أَعْمَالُهُ مُنْذُ الْأَزَلِ. رَأَيْتُ خِيَامَ كُوشَانَ فِي ضِيقٍ، وَمَسَاكِنَ مِدْيَانَ فِي حُزْنٍ. هَلْ غَضِبْتَ عَلَى الْأَنْهَارِ يَا رَبُّ؟ هَلْ غَضِبْتَ عَلَيْهَا؟ هَلْ غَضِبْتَ عَلَى الْبَحْرِ لَمَّا رَكِبْتَ خَيْلَكَ وَمَرْكَبَاتِكَ إِلَى النَّصْرِ؟ جَهَّزْتَ قَوْسَكَ، وَأَعْدَدْتَ سِهَامَكَ الْكَثِيرَةَ. شَقَقْتَ الْأَرْضَ بِالْأَنْهَارِ. رَأَتْكَ الْجِبَالُ فَفَزِعَتْ، سَالَتِ الْمِيَاهُ وَانْهَمَرَتْ، دَوَّى الْبَحْرُ بِصَوْتِهِ، وَرَفَعَ أَمْوَاجَهُ إِلَى فَوْقُ. وَقَفَتِ الشَّمْسُ فِي مَكَانِهَا، وَوَقَفَ الْقَمَرُ فِي مَكَانِهِ، بِسَبَبِ سِهَامِكَ الَّتِي تَبْرُقُ وَتَنْدَفِعُ، وَرُمْحِكَ الَّذِي يَلْمَعُ وَيُشِعُّ. تَمَشَّيْتَ فِي الْأَرْضِ بِغَضَبٍ، وَدُسْتَ الْأُمَمَ بِغَيْظٍ. خَرَجْتَ لِتُنْقِذَ شَعْبَكَ، وَتُنَجِّيَ الْمَلِكَ الَّذِي اخْتَرْتَهُ. سَحَقْتَ قَائِدَ بِلَادِ الشَّرِّ، عَرَّيْتَهُ مِنَ الرَّأْسِ إِلَى الْقَدَمِ. طَعَنْتَ رَأْسَهُ بِرُمْحِهِ، حِينَ هَجَمَ جَيْشُهُ عَلَيْنَا كَالْعَاصِفَةِ لِيُفَرِّقُونَا. فَرِحُوا كَمَنْ سَيَفْتَرِسُ مِسْكِينًا مُخْتَبِئًا. دُسْتَ الْبَحْرَ بِخَيْلِكَ، فَهَاجَتْ مِيَاهُهُ الْغَزِيرَةُ. سَمِعْتُ هَذَا فَارْتَعَدَ قَلْبِي، رَجَفَتْ شَفَتَايَ مِنَ الصَّوْتِ، ضَعُفَتْ عِظَامِي، وَارْتَعَشَتْ رِجْلَايَ. وَلَكِنِّي أَنْتَظِرُ بِصَبْرٍ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمُ الْمُصِيبَةِ عَلَى الْأُمَّةِ الَّتِي هَجَمَتْ عَلَيْنَا. مَعَ أَنَّ التِّينَ لَا يُزْهِرُ، وَالْكُرُومَ لَا تَحْمِلُ عِنَبًا، وَالزَّيْتُونَةَ لَا تُثْمِرُ، وَالْحُقُولَ لَا تُنْتِجُ طَعَامًا، لَا غَنَمَ فِي الْحَظِيرَةِ، وَلَا بَقَرَ فِي الْمَعْلَفِ، لَكِنِّي أَفْرَحُ بِرَبِّي، وَأَبْتَهِجُ بِإِلَهِي مُنْقِذِي. الْمَوْلَى الْقَدِيرُ هُوَ قُوَّتِي، يَجْعَلُنِي ثَابِتَ الْقَدَمِ كَالْغَزَالِ. وَيُعِينُنِي لِأَتَسَلَّقَ الْمُرْتَفَعَاتِ. لِقَائِدِ الْمُغَنِّينَ عَلَى الْآلَاتِ الْوَتَرِيَّةِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ الَّذِي أَوْحَى بِهِ إِلَى صَفَنْيَا بْنِ كُوشِي بْنِ جَدَلْيَا بْنِ أَمَرْيَا بْنِ حَزَقِيَّا فِي أَيَّامِ يُوشِيَّا بْنِ آمُونَ مَلِكِ يَهُوذَا. قَالَ اللهُ: ”سَأُبِيدُ كُلَّ شَيْءٍ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ. أُبِيدُ الْإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ، وَطُيُورَ السَّمَاءِ وَسَمَكَ الْبَحْرِ. وَأَقْضِي عَلَى الْأَشْرَارِ، وَأُفْنِي الْإِنْسَانَ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى. وَأَمُدُّ يَدِي عَلَى يَهُوذَا، وَعَلَى كُلِّ سُكَّانِ الْقُدْسِ. وَأُفْنِي مِنْ هَذَا الْمَكَانِ الَّذِينَ بَقَوْا مِنْ عُبَّادِ الْبَعْلِ، وَكُلَّ ذِكْرَى لِلْكَهَنَةِ الْوَثَنِيِّينَ الْأَشْرَارِ، الَّذِينَ يَسْجُدُونَ عَلَى السُّطُوحِ لِنُجُومِ السَّمَاءِ، وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ للهِ وَيَحْلِفُونَ بِاسْمِهِ، وَأَيْضًا يَحْلِفُونَ بِالْإِلَهِ مُولَخَ. الَّذِينَ ابْتَعَدُوا عَنِ اتِّبَاعِ الْمَوْلَى، وَالَّذِينَ لَا يَطْلُبُونَ الْمَوْلَى وَلَا يَسْأَلُونَ عَنْهُ. ”اُسْكُتُوا قُدَّامَ الْمَوْلَى الْقَدِيرِ، لِأَنَّ يَوْمَ رَبِّنَا قَرِيبٌ. أَعَدَّ الْمَوْلَى ضَحِيَّةً، وَطَهَّرَ الَّذِينَ دَعَاهُمْ. فِي يَوْمِ تَقْدِيمِ ضَحِيَّةِ الْمَوْلَى، أُعَاقِبُ الْقَادَةَ وَأَوْلَادَ الْمَلِكِ وَكُلَّ الَّذِينَ يَتْبَعُونَ عَادَاتِ الْأَجَانِبِ، وَيَلْبَسُونَ مِثْلَ ثِيَابِهِمْ، وَيَدْخُلُونَ مَعَابِدَهُمْ، وَيَظْلِمُونَ وَيَخْدَعُونَ فِي بُيُوتِ آلِهَتِهِمْ.“ وَقَالَ اللهُ: ”فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يُسْمَعُ صُرَاخٌ عِنْدَ بَوَّابَةِ السَّمَكِ، وَبُكَاءٌ فِي الْحَيِّ الْجَدِيدِ، وَصَوْتُ تَحْطِيمٍ مِنَ التِّلَالِ. وَلْوِلُوا يَا سُكَّانَ مِنْطَقَةِ السُّوقِ. هَلَكَ كُلُّ التُّجَّارِ، وَفَنِيَ كُلُّ الَّذِينَ يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أُفَتِّشُ الْقُدْسَ بِمَصَابِيحَ، وَأُعَاقِبُ الْمُسْتَرِيحِينَ فِي ذُنُوبِهِمْ، الَّذِينَ يَقُولُونَ فِي قُلُوبِهِمْ: ’الْمَوْلَى لَا يُحْسِنُ وَلَا يُسِيءُ.‘ فَتُنْهَبُ ثَرْوَتُهُمْ، وَتُخْرَبُ دِيَارُهُمْ. يَبْنُونَ دِيَارًا وَلَا يَسْكُنُونَ فِيهَا، يَغْرِسُونَ كُرُومًا وَلَا يَشْرَبُونَ مِنْهَا خَمْرًا. ”هُوَ يَوْمٌ رَهِيبٌ وَقَرِيبٌ، يَوْمُ رَبِّنَا قَرِيبٌ وَسَرِيعٌ جِدًّا. صُرَاخٌ مُرٌّ فِي يَوْمِ رَبِّنَا، حَتَّى الْمُحَارِبُ يَصْرُخُ. ذَلِكَ الْيَوْمُ هُوَ يَوْمُ غَضَبٍ، يَوْمُ ضِيقٍ وَعَذَابٍ، يَوْمُ خَرَابٍ وَدَمَارٍ، يَوْمُ ظَلَامٍ وَقَتَامٍ، يَوْمُ سَحَابٍ وَضَبَابٍ، يَوْمُ يُنْفَخُ فِي الْبُوقِ وَتُسْمَعُ صَيْحَةُ الْحَرْبِ ضِدَّ الْمُدُنِ الْحَصِينَةِ وَالْأَبْرَاجِ الْعَالِيَةِ. فِيهِ أُضَايِقُ النَّاسَ فَيَمْشُونَ كَالْعُمْيِ، لِأَنَّهُمْ أَخْطَأُوا فِي حَقِّ الْمَوْلَى. وَيُسْكَبُ دَمُهُمْ كَالتُّرَابِ، وَلَحْمُهُمْ كَالزِّبَالَةِ. لَا فِضَّتُهُمْ وَلَا ذَهَبُهُمْ يَقْدِرُ أَنْ يُنْقِذَهُمْ فِي يَوْمِ غَضَبِ الْمَوْلَى. بَلْ يَشْتَعِلُ غَضَبُهُ كَالنَّارِ فَتَأْكُلُ الدُّنْيَا كُلَّهَا، وَتَأْتِي النِّهَايَةُ فَجْأَةً عَلَى كُلِّ سُكَّانِ الْأَرْضِ.“ تَجَمَّعُوا وَتَعَالَوْا مَعًا أَيُّهَا الشَّعْبُ الْوَقِحُ، قَبْلَ مَا تَضِيعُ الْفُرْصَةُ، وَتُبَدِّدُكُمُ الزَّوْبَعَةُ كَالتِّبْنِ، قَبْلَ مَا تَأْتِي عَلَيْكُمْ شِدَّةُ غَضَبِ الْمَوْلَى، قَبْلَ مَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ يَوْمُ غَضَبِهِ. اُطْلُبُوا الْمَوْلَى يَا كُلَّ الْوُدَعَاءِ فِي الْأَرْضِ، يَا مَنْ تَعْمَلُونَ بِأَوَامِرِهِ. اُطْلُبُوا الصَّلَاحَ، اُطْلُبُوا التَّوَاضُعَ، لَعَلَّكُمْ تَجِدُونَ مَلْجَأً فِي يَوْمِ غَضَبِ الْمَوْلَى. سَتَكُونُ غَزَّةُ مَهْجُورَةً، وَعَسْقَلَانُ خَرَابًا. عِنْدَ الظُّهْرِ تُفْرَغُ أَشْدُودُ مِنْ سُكَّانِهَا، وَتُقْلَعُ عَقْرُونُ. الْوَيْلُ لَكُمْ، أَيُّهَا الْكِرِيتِيُّونَ سُكَّانُ سَاحِلِ الْبَحْرِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ ضِدَّكِ يَا كَنْعَانُ، يَا بِلَادَ الْفِلِسْطِيِّينَ. إِنَّهُ سَيُخْرِبُكِ، فَلَا يَبْقَى فِيكِ سَاكِنٌ. يُصْبِحُ سَاحِلُ الْبَحْرِ مَرَاعِيَ وَحُقُولًا لِلرُّعَاةِ وَحَظَائِرَ لِلْغَنَمِ. وَيَصِيرُ مِلْكًا لِمَنْ بَقَوْا مِنْ بَيْتِ يَهُوذَا. فَيَرْعَوْنَ فِيهِ قُطْعَانَهُمْ، وَفِي الْمَسَاءِ يَرْقُدُونَ فِي دِيَارِ عَسْقَلَانَ. وَيَعْتَنِي بِهِمُ الْمَوْلَى إِلَهُهُمْ، وَيَرُدُّهُمْ مِنَ الْأَسْرِ. ”سَمِعْتُ شَتَائِمَ مُوآبَ وَسُخْرِيَةَ بَنِي عَمُّونَ، الَّذِينَ شَتَمُوا شَعْبِي وَتَعَدَّوْا عَلَى بِلَادِهِمْ.“ لِذَلِكَ قَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ”أُقْسِمُ بِذَاتِي، سَأَجْعَلُ أَرْضَ مُوآبَ كَسَدُومَ وَأَرْضَ بَنِي عَمُّونَ كَعَمُورَةَ: مَكَانًا يَنْمُو فِيهِ الْحَشِيشُ، وَحُفْرَةً لِلْمِلْحِ، وَخَرَابًا إِلَى الْأَبَدِ. وَيَنْهَبُهُمُ الَّذِينَ بَقَوْا مِنْ شَعْبِي، وَيَرِثُهُمُ الَّذِينَ نَجَوْا مِنْ أُمَّتِي.“ فَيَكُونُ هَذَا جَزَاءَ كِبْرِيَائِهِمْ، لِأَنَّهُمْ شَتَمُوا وَأَهَانُوا شَعْبَ الْمَوْلَى الْقَدِيرِ. الْمَوْلَى يُرْعِبُهُمْ، لِأَنَّهُ يُحَطِّمُ كُلَّ آلِهَةِ الْأَرْضِ. فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ النَّاسِ أَيْنَ كَانُوا فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْأَرْضِ. ”وَأَنْتُمْ أَيْضًا يَا أَهْلَ الْحَبَشَةِ سَتَمُوتُونَ بِسَيْفِي.“ وَيَمُدُّ اللهُ يَدَهُ عَلَى الشَّمَالِ، وَيُبِيدُ أَشُّورَ، وَيَجْعَلُ نِينَوَى خَرَابًا، وَمُقْفِرَةً كَالصَّحْرَاءِ. فَتَرْتَاحُ فِي وَسَطِهَا الْقُطْعَانُ وَالْحَيَوَانَاتُ الْأُخْرَى مِنْ كُلِّ نَوْعٍ. وَتَأْوِي الْجَوَارِحُ وَالْقَنَافِذُ إِلَى تِيجَانِ أَعْمِدَتِهَا وَتَصْرُخُ مِنْ نَوَافِذِهَا. تَخْرَبُ أَبْوَابُهَا وَتَنْهَدِمُ حِيطَانُهَا. هَذِهِ هِيَ الْمَدِينَةُ الَّتِي كَانَتْ تَسْكُنُ فِي أَمَانٍ وَاطْمِئْنَانٍ، وَالَّتِي قَالَتْ فِي قَلْبِهَا: ”أَنَا وَلَا غَيْرِي!“ لَكِنَّهَا صَارَتْ خَرَابًا، وَمَأْوًى لِلْوُحُوشِ. كُلُّ مَنْ يَمُرُّ بِهَا يُصَفِّرُ وَيَهُزُّ قَبْضَتَهُ! الْوَيْلُ لِلْمَدِينَةِ الظَّالِمَةِ الْمُتَمَرِّدَةِ النَّجِسَةِ! لَا تَسْمَعُ الْإِنْذَارَ، وَلَا تَقْبَلُ التَّأْدِيبَ. لَا تَتَوَكَّلُ عَلَى رَبِّهَا، وَلَا تَتَقَرَّبُ مِنْ إِلَهِهَا. قَادَتُهَا فِي وَسَطِهَا أُسُودٌ تَزْأَرُ، حُكَّامُهَا ذِئَابٌ جَائِعَةٌ فِي الْمَسَاءِ لَا تُبْقِي شَيْئًا مِنَ الْفَرِيسَةِ إِلَى الصَّبَاحِ. أَنْبِيَاؤُهَا مُتَكَبِّرُونَ غَادِرُونَ، أَحْبَارُهَا يُنَجِّسُونَ الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ، وَيَتَعَدَّوْنَ عَلَى الشَّرِيعَةِ. وَلَكِنَّ الْمَوْلَى الصَّالِحَ مَوْجُودٌ فِيهَا، لَا يَعْمَلُ خَطَأً، بَلْ يَحْكُمُ بِالْعَدْلِ كُلَّ يَوْمٍ، بِلَا إِخْفَاقٍ. أَمَّا الشِّرِّيرُ فَلَا يَعْرِفُ الْخَجَلَ. ”أَنَا أَهْلَكْتُ أُمَمًا، هَدَمْتُ أَبْرَاجَهُمْ، جَعَلْتُ شَوَارِعَهُمْ مُقْفِرَةً لَا يَمُرُّ فِيهَا أَحَدٌ، صَارَتْ مُدُنُهُمْ خَرَابًا، هَجَرَهَا النَّاسُ، وَلَا وَاحِدٌ يَسْكُنُ فِيهَا. وَقُلْتُ: لَا شَكَّ أَنَّ أَهْلَ الْقُدْسِ الْآنَ سَيَخَافُونِي وَيَقْبَلُونَ التَّأْدِيبَ. فَلَا تَضِيعُ مِنْهُمْ أَرْضُهُمْ، وَلَا يَنْصَبُّ عَلَيْهِمْ كُلُّ غَضَبِي.“ وَلَكِنَّهُمْ جَدُّوا أَكْثَرَ فِي عَمَلِ الشَّرِّ دَائِمًا. لِذَلِكَ قَالَ اللهُ: ”اِنْتَظِرُونِي، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي أَقُومُ فِيهِ وَأَشْهَدُ. لِأَنِّي حَكَمْتُ أَنْ أَجْمَعَ مَمَالِكَ الْأَرْضِ مَعًا، وَأَصُبَّ عَلَيْهَا غَيْظِي وَكُلَّ سَخَطِيَ الشَّدِيدِ، فَتَأْكُلَ نَارُ غَضَبِي كُلَّ الْأَرْضِ. ”عِنْدَ ذَلِكَ أُعْطِي الشُّعُوبَ شِفَاهًا نَقِيَّةً، لِيَدْعُوا كُلُّهُمْ بِاسْمِ اللهِ وَيَعْبُدُوهُ بِقَلْبٍ وَاحِدٍ. وَيَأْتِيَ شَعْبِيَ الْمُشَتَّتُ مِنْ عِنْدِ مَنَابِعِ نَهْرِ النِّيلِ، وَيَعْبُدَنِي وَيُقَدِّمَ لِيَ الْقَرَابِينَ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا تَخْجَلُ مَدِينَةُ الْقُدْسِ بِسَبَبِ كُلِّ الشَّرِّ الَّذِي ارْتَكَبَتْهُ فِي حَقِّي، لِأَنِّي سَأُزِيلُ مِنْهَا الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِكِبْرِيَائِهِمْ، فَلَا تَعُودُ إِلَى الْكِبْرِيَاءِ فِي جَبَلِيَ الْمُقَدَّسِ. وَلَكِنِّي أُبْقِي فِيهَا شَعْبًا وَدِيعًا وَمُتَوَاضِعًا يَتَوَكَّلُ عَلَى اسْمِ اللهِ. وَالَّذِينَ بَقَوْا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يَرْتَكِبُونَ الشَّرَّ، وَلَا يَنْطِقُونَ بِالْكِذْبِ، وَلَا يُوجَدُ فِي فَمِهِمْ خِدَاعٌ. بَلْ يَأْكُلُونَ وَيَرْقُدُونَ فِي أَمَانٍ، وَلَا يُخَوِّفُهُمْ أَحَدٌ.“ غَنِّي يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ، اِهْتِفُوا يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، اِفْرَحُوا وَابْتَهِجُوا مِنْ كُلِّ قَلْبِكُمْ يَا شَعْبَ الْقُدْسِ. لِأَنَّ الْمَوْلَى أَزَالَ عِقَابَكُمْ وَأَفْنَى عَدُوَّكُمْ. اللهُ مَلِكُكُمْ مَعَكُمْ، فَلَنْ يُصِيبَكُمْ ضَرَرٌ بَعْدَ الْآنَ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَقُولُونَ لِلْقُدْسِ: ”لَا تَخَفْ يَا شَعْبَ الْقُدْسِ، لَا تَجْعَلْ عَزِيمَتَكَ تَنْهَارُ. اللهُ مَوْلَاكُمْ مَعَكُمْ، هُوَ قَدِيرٌ يُنَجِّي، يَبْتَهِجُ بِكُمْ وَيَفْرَحُ، يُرِيحُكُمْ بِمَحَبَّتِهِ، يَبْتَهِجُ بِكُمْ وَيُغَنِّي.“ ”وَأُزِيلُ عَنْكُمُ الْحُزْنَ الَّذِي ابْتَلَاكُمْ حَتَّى فِي الْعِيدِ، فَلَا تَحْمِلُونَ الْعَارَ بَعْدَ الْآنَ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أُعَاقِبُ كُلَّ الَّذِينَ ظَلَمُوكُمْ. وَأُنْقِذُ الْأَعْرَجَ، وَأَرُدُّ الْمَأْسُورَ، وَأَجْعَلُكُمْ تَنَالُونَ الْمَدْحَ وَالْإِكْرَامَ فِي كُلِّ مَكَانٍ حَلَّ بِكُمْ فِيهِ الْعَارُ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَجْمَعُكُمْ، فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَرُدُّكُمْ إِلَى أَرْضِكُمْ. وَأَجْعَلُكُمْ تَنَالُونَ الْإِكْرَامَ وَالْمَدْحَ بَيْنَ كُلِّ شُعُوبِ الْأَرْضِ حِينَ أَرُدُّكُمْ مِنَ الْأَسْرِ. وَسَتَرَوْنَ هَذَا بِعُيُونِكُمْ.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى. فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ السَّادِسِ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِلْمَلِكِ دَارِيُوسَ، كَلَّمَ اللهُ النَّبِيَّ حَجِّي بِرِسَالَةٍ إِلَى زَرْبَابِلَ بْنِ سَأَلْتِيلَ حَاكِمِ يَهُوذَا، وَإِلَى يَشُوعَ بْنِ يُوصَادِقَ الْحَبْرِ الْأَعْلَى. قَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ”هَذَا الشَّعْبُ يَقُولُ: ’لَمْ يَأْتِ الْوَقْتُ لِبِنَاءِ بَيْتِ اللهِ.‘“ لِذَلِكَ أَرْسَلَ اللهُ هَذَا الْكَلَامَ بِوَاسِطَةِ النَّبِيِّ حَجِّي: ”هَلْ يَصِحُّ أَنْ تَسْكُنُوا أَنْتُمْ فِي هَذَا الْوَقْتِ فِي بُيُوتٍ فَخْمَةٍ بَيْنَمَا بَيْتُ اللهِ خَرَابٌ؟“ إِنَّ الْمَوْلَى الْقَدِيرَ يَقُولُ: ”تَأَمَّلُوا أَحْوَالَكُمْ. زَرَعْتُمُ الْكَثِيرَ وَحَصَدْتُمُ الْقَلِيلَ. تَأْكُلُونَ وَلَا تَشْبَعُونَ. تَشْرَبُونَ وَلَا تَرْتَوُونَ تَلْبَسُونَ وَلَا تَدْفَأُونَ. تَحْصُلُونَ عَلَى أَجْرِكُمْ وَتَضَعُونَهُ فِي مَحْفَظَةٍ مَثْقُوبَةٍ.“ وَقَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ”تَأَمَّلُوا أَحْوَالَكُمْ. اِصْعَدُوا إِلَى الْجَبَلِ، وَهَاتُوا خَشَبًا، وَابْنُوا الْبَيْتَ، لِأَفْرَحَ بِهِ وَأَتَمَجَّدَ. هَذَا كَلَامِي. اِنْتَظَرْتُمُ الْكَثِيرَ وَجَاءَ الْقَلِيلُ. وَلَمَّا أَدْخَلْتُمُوهُ إِلَى الدَّارِ نَفَخْتُ فِيهِ فَتَبَدَّدَ. وَلِمَاذَا؟“ قَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ”لِأَنَّ بَيْتِي خَرَابٌ بَيْنَمَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَشْغُولٌ بِدَارِهِ. لِذَلِكَ مَنَعَتِ السَّمَاءُ النَّدَى، وَمَنَعَتِ الْأَرْضُ مَحَاصِيلَهَا. وَحَكَمْتُ بِالْجَفَافِ عَلَى الْحُقُولِ وَالْجِبَالِ، وَعَلَى الْقَمْحِ وَالْخَمْرِ وَالزَّيْتِ، وَعَلَى كُلِّ مَا تُنْتِجُهُ الْأَرْضُ، وَعَلَى النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ تَعَبِكُمْ.“ فَأَطَاعَ زَرْبَابِلُ بْنُ سَأَلْتِيلَ وَيَشُوعُ بْنُ يُوصَادِقَ الْحَبْرُ الْأَعْلَى وَكُلُّ الَّذِينَ بَقَوْا مِنَ الشَّعْبِ، كَلَامَ الْمَوْلَى إِلَهِهِمْ، أَيِ الرِّسَالَةَ الَّتِي أَرْسَلَهَا بِوَاسِطَةِ النَّبِيِّ حَجِّي. وَخَافَ الشَّعْبُ الْمَوْلَى. لِذَلِكَ أَبْلَغَ حَجِّي رَسُولُ الْمَوْلَى هَذِهِ الرِّسَالَةَ مِنَ اللهِ إِلَى كُلِّ الشَّعْبِ: ”قَالَ اللهُ: أَنَا مَعَكُمْ.“ وَوَضَعَ الْمَوْلَى حَمَاسًا فِي نَفْسِ زَرْبَابِلَ بْنِ سَأَلْتِيلَ حَاكِمِ يَهُوذَا، وَفِي نَفْسِ يَشُوعَ بْنِ يُوصَادِقَ الْحَبْرِ الْأَعْلَى، وَفِي نَفْسِ كُلِّ الَّذِينَ بَقَوْا مِنَ الشَّعْبِ. فَجَاءُوا وَبَدَأُوا يَشْتَغِلُونَ فِي بَيْتِ إِلَهِهِمُ الْمَوْلَى الْقَدِيرِ. وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ السَّادِسِ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِلْمَلِكِ دَارِيُوسَ. فِي الْيَوْمِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ، قَالَ الْمَوْلَى بِوَاسِطَةِ النَّبِيِّ حَجِّي: ”كَلِّمْ زَرْبَابِلَ بْنَ سَأْلَتِيلَ حَاكِمَ يَهُوذَا وَيَشُوعَ بْنَ يُوصَادِقَ الْحَبْرَ الْأَعْلَى وَالَّذِينَ بَقَوْا مِنَ الشَّعْبِ وَاسْأَلْهُمْ: ’مَنْ مِنْكُمُ الْمَوْجُودُونَ الْآنَ، شَاهَدُوا هَذَا الْبَيْتَ فِي جَلَالِهِ الْأَوَّلِ؟ وَكَيْفَ يَبْدُو لَكُمُ الْآنَ؟ هَلْ تَرَوْنَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ؟‘ وَلَكِنَّ الْمَوْلَى يَقُولُ: ’كُنْ قَوِيًّا يَا زَرْبَابِلُ. وَكُنْ قَوِيًّا يَا يَشُوعُ بْنُ يُوصَادِقَ الْحَبْرُ الْأَعْلَى. وَكُونُوا أَقْوِيَاءَ يَا كُلَّ شَعْبِ الْبِلَادِ، وَاعْمَلُوا لِأَنِّي مَعَكُمْ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْقَدِيرِ. وَذَلِكَ حَسَبَ عَهْدِي مَعَكُمْ لَمَّا خَرَجْتُمْ مِنْ مِصْرَ. وَيَبْقَى رُوحِي مَعَكُمْ. فَلَا تَخَافُوا.‘“ وَقَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ”بَعْدَ قَلِيلٍ سَوْفَ أُزَلْزِلُ مَرَّةً أُخْرَى السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَالْبَرَّ. وَأُزَلْزِلُ كُلَّ الْأُمَمِ، فَيُحْضِرُونَ كُنُوزَهُمْ، وَأَمْلَأُ هَذَا الْبَيْتَ بِالْجَلَالِ. أَنَا الْمَوْلَى الْقَدِيرُ تَكَلَّمْتُ.“ وَقَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ”الْفِضَّةُ لِي وَالذَّهَبُ لِي. فَيَكُونُ جَلَالُ هَذَا الْبَيْتِ الْجَدِيدِ أَعْظَمَ مِنْ جَلَالِ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ. وَفِي هَذَا الْمَكَانِ أُعْطِي السَّلَامَ. أَنَا الْمَوْلَى الْقَدِيرُ تَكَلَّمْتُ.“ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ التَّاسِعِ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِدَارِيُوسَ، قَالَ الْمَوْلَى بِوَاسِطَةِ النَّبِيِّ حَجِّي، الْمَوْلَى الْقَدِيرُ يَقُولُ: ”اِسْأَلِ الْأَحْبَارَ عَنْ رَأْيِهِمْ فِي هَذَا: لِنَفْرِضْ أَنَّ شَخْصًا حَمَلَ لَحْمًا طَاهِرًا فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ لَمَسَ بِثَوْبِهِ خُبْزًا أَوْ طَبِيخًا أَوْ خَمْرًا أَوْ زَيْتًا أَوْ أَيَّ طَعَامٍ آخَرَ، فَهَلْ يَتَطَهَّرُ ذَلِكَ الطَّعَامُ؟“ فَقَالَ الْأَحْبَارُ: ”لَا.“ ثُمَّ قَالَ حَجِّي: ”لِنَفْرِضْ أَنَّ شَخْصًا لَمَسَ مَيِّتًا وَتَنَجَّسَ، ثُمَّ لَمَسَ طَعَامًا مِنْ هَذِهِ، فَهَلْ يَتَنَجَّسُ الطَّعَامُ؟“ فَقَالَ الْأَحْبَارُ: ”نَعَمْ، يَتَنَجَّسُ.“ ثُمَّ قَالَ حَجِّي: ”قَالَ الْمَوْلَى، وَبِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ أَنَا أَرَى أَنَّ هَذَا الشَّعْبَ نَجِسٌ، وَأَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ نَجِسَةٌ، وَأَنَّ كُلَّ مَا يَعْمَلُونَهُ نَجِسٌ، وَأَنَّ قَرَابِينَهُمْ نَجِسَةٌ. ”وَالْآنَ، تَأَمَّلُوا الْأَيَّامَ الْمَاضِيَةَ، وَكَيْفَ كَانَتِ الْأُمُورُ قَبْلَ مَا وَضَعْتُمْ حَجَرًا عَلَى حَجَرٍ فِي بَيْتِ اللهِ. لَمَّا كَانَ الْوَاحِدُ مِنْكُمْ يَأْتِي إِلَى كُومَةِ الْحُبُوبِ لِيَأْخُذَ 20 مِكْيَالًا، كَانَ يَجِدُ 10 فَقَطْ! أَوْ لَمَّا كَانَ يَأْتِي إِلَى مَعْصَرَةِ الْخَمْرِ لِيَأْخُذَ 50 لِتْرًا، كَانَ يَجِدُ 20 فَقَطْ! ضَرَبْتُ كُلَّ مَا تَعِبْتُمْ فِيهِ بِالْحَرِّ الشَّدِيدِ وَالذُّبُولِ وَالْبَرَدِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ تَرْجِعُوا إِلَيَّ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى. وَالْيَوْمَ تَمَّ وَضْعُ أَسَاسِ بَيْتِ اللهِ، فَتَأَمَّلُوا كَيْفَ سَتَكُونُ الْأُمُورُ ابْتِدَاءً مِنَ الْيَوْمِ، أَيِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ التَّاسِعِ. تَأَمَّلُوا: مَعَ أَنَّكُمْ لَمْ تُدْخِلُوا الْحُبُوبَ إِلَى الْمَخَازِنِ بَعْدُ، وَمَا زَالَ الْعِنَبُ وَالتِّينُ وَالرُّمَّانُ وَالزَّيْتُونُ لَمْ يُخْرِجْ ثِمَارًا بَعْدُ، لَكِنِّي ابْتِدَاءً مِنْ هَذَا الْيَوْمِ أُبَارِكُكُمْ.“ وَكَلَّمَ الْمَوْلَى حَجِّي مَرَّةً ثَانِيَةً فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ، وَقَالَ لَهُ: ”قُلْ لِزَرْبَابِلَ حَاكِمِ يَهُوذَا، إِنِّي سَوْفَ أُزَلْزِلُ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ، وَأَقْلِبُ عُرُوشَ الْمُلُوكِ، وَأُحَطِّمُ قُوَّةَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ، وَأَقْلِبُ الْمَرْكَبَاتِ وَقَادَتَهَا، وَتَسْقُطُ الْخَيْلُ وَرُكَّابُهَا. كُلُّ وَاحِدٍ بِسَيْفِ صَاحِبِهِ.“ وَقَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ”هَذَا كَلَامُ اللهِ يَا عَبْدِي زَرْبَابِلَ بْنَ سَأَلْتِيلَ: ’فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ آخُذُكَ وَأَجْعَلُكَ كَخَاتِمٍ لِي، لِأَنِّي اخْتَرْتُكَ.‘ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْقَدِيرِ.“ فِي الشَّهْرِ الثَّامِنِ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِدَارِيُوسَ، قَالَ الْمَوْلَى هَذَا الْكَلَامَ لِلنَّبِيِّ زَكَرِيَّا بْنِ بَرَكْيَا بْنِ عِدُّو: ”أَنَا غَضِبْتُ جِدًّا عَلَى آبَائِكُمْ. لِذَلِكَ قُلْ لِلشَّعْبِ إِنَّ الْمَوْلَى الْقَدِيرَ يَقُولُ: ’اِرْجِعُوا إِلَيَّ فَأَرْجِعَ إِلَيْكُمْ. أَنَا قُلْتُ هَذَا. لَا تَكُونُوا كَآبَائِكُمُ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ الْأَوَّلُونَ بِأَمْرِ الْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعُوا عَنْ سُلُوكِهِمِ الرَّدِيءِ وَعَنْ أَعْمَالِهِمِ الشِّرِّيرَةِ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يَنْتَبِهُوا إِلَيَّ. فَأَيْنَ آبَاؤُكُمُ الْآنَ؟ إِنَّهُمْ مَاتُوا. حَتَّى الْأَنْبِيَاءُ مَاتُوا، لِأَنَّهُمْ لَا يَحْيَوْنَ إِلَى الْأَبَدِ. أَمَّا كَلَامِي وَفَرَائِضِيَ الَّتِي أَوْصَيْتُ بِهَا عَبِيدِيَ الْأَنْبِيَاءَ، فَإِنَّهَا تَمَّتْ مَعَ آبَائِكُمْ، فَتَابُوا وَقَالُوا: ”عَمِلَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ مَعَنَا كَمَا قَالَ، وَعَاقَبَنَا عَلَى سُلُوكِنَا وَأَعْمَالِنَا.“‘“ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ الْحَادِيَ عَشَرَ، أَيْ شَهْرِ شَبَاطَ، مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِدَارِيُوسَ، كَلَّمَ الْمَوْلَى النَّبِيَّ زَكَرِيَّا بْنَ بَرَكْيَا بْنِ عِدُّو. فَقَدْ رَأَيْتُ رُؤْيَا فِي اللَّيْلِ. رَأَيْتُ رَجُلًا رَاكِبًا عَلَى فَرَسٍ أَحْمَرَ وَهُوَ وَاقِفٌ بَيْنَ شَجَرِ الْآسِ الَّذِي فِي الْوَادِي، وَوَرَاءَهُ خَيْلٌ حُمْرٌ وَشُقْرٌ وَبِيضٌ. فَقُلْتُ لِلْمَلَاكِ الَّذِي كَانَ يُكَلِّمُنِي: ”مَنْ هَؤُلَاءِ يَا سَيِّدِي؟“ فَقَالَ: ”سَأُرِيكَ مَنْ هُمْ.“ ثُمَّ قَالَ الرَّجُلُ الْوَاقِفُ بَيْنَ الْآسِ: ”هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمُ الْمَوْلَى لِيَتَجَوَّلُوا فِي الْأَرْضِ.“ فَقَالَ هَؤُلَاءِ لِمَلَاكِ اللهِ الْوَاقِفِ بَيْنَ شَجَرِ الْآسِ: ”نَحْنُ تَجَوَّلْنَا فِي الْأَرْضِ، وَوَجَدْنَا كُلَّ الدُّنْيَا فِي رَاحَةٍ وَسَلَامٍ.“ ثُمَّ قَالَ مَلَاكُ اللهِ: ”يَا رَبَّنَا الْقَدِيرَ، إِلَى مَتَى لَا تَرْحَمُ الْقُدْسَ وَمُدُنَ يَهُوذَا الَّتِي غَضِبْتَ عَلَيْهَا هَذِهِ الـ70 سَنَةً؟“ فَأَجَابَ الْمَوْلَى الْمَلَاكَ الَّذِي كَانَ يُكَلِّمُنِي، وَقَالَ لَهُ كَلَامًا طَيِّبًا يُعَزِّي. ثُمَّ قَالَ لِي هَذَا الْمَلَاكُ: ”أَعْلِنْ كَلَامَ الْمَوْلَى الْقَدِيرِ الَّذِي قَالَ: ’أَنَا أُحِبُّ الْقُدْسَ مَحَبَّةً شَدِيدَةً، وَغَاضِبٌ جِدًّا عَلَى الْأُمَمِ الْمُطْمَئِنَّةِ. فِي الْمَاضِي غَضِبْتُ عَلَيْهِمْ قَلِيلًا، ثُمَّ زَادُوا فِي الشَّرِّ. لِذَلِكَ قَرَّرْتُ أَنَا الْمَوْلَى أَنْ أَعُودَ إِلَى الْقُدْسِ وَأَرْحَمَهَا، فَيُبْنَى فِيهَا بَيْتِي وَتَمْتَلِئَ بِالْعَمَارِ. أَنَا الْمَوْلَى الْقَدِيرُ قُلْتُ هَذَا.‘ وَأَعْلِنْ أَيْضًا أَنَّ الْمَوْلَى الْقَدِيرَ قَالَ: ’مَرَّةً أُخْرَى تَمْتَلِئُ مُدُنِي بِالْخَيْرِ، وَأُعَزِّي الْقُدْسَ وَأَخْتَارُهَا.‘“ ثُمَّ نَظَرْتُ فَرَأَيْتُ أَمَامِي 4 قُرُونٍ. فَقُلْتُ لِلْمَلَاكِ الَّذِي كَانَ يُكَلِّمُنِي: ”مَا هَذِهِ؟“ فَقَالَ لِي: ”هَذِهِ هِيَ الْقُرُونُ الَّتِي بَدَّدَتْ أَهْلَ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلَ وَالْقُدْسِ.“ ثُمَّ أَرَانِي الْمَوْلَى 4 عُمَّالٍ فَنِّيِّينَ. فَقُلْتُ: ”هَؤُلَاءِ جَاءُوا، فَمَاذَا سَيَعْمَلُونَ؟“ فَقَالَ: ”هَذِهِ الْقُرُونُ بَدَّدَتْ يَهُوذَا حَتَّى لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ. فَجَاءَ هَؤُلَاءِ الْعُمَّالُ لِيُرْعِبُوا وَيُحَطِّمُوا تِلْكَ الْقُرُونَ. فَالْقُرُونُ تَرْمُزُ إِلَى الْأُمَمِ الَّتِي هَجَمَتْ عَلَى أَرْضِ يَهُوذَا وَبَدَّدَتْ أَهْلَهَا.“ ثُمَّ نَظَرْتُ فَرَأَيْتُ أَمَامِي رَجُلًا بِيَدِهِ خَيْطُ الْقِيَاسِ. فَسَأَلْتُهُ: ”إِلَى أَيْنَ أَنْتَ ذَاهِبٌ؟“ فَقَالَ: ”لِأَقِيسَ الْقُدْسَ لِأَرَى كَمْ عَرْضُهَا وَكُمْ طُولُهَا.“ فَخَرَجَ الْمَلَاكُ الَّذِي كَانَ يُكَلِّمُنِي، وَجَاءَ مَلَاكٌ آخَرُ لِيُقَابِلَهُ، وَقَالَ لَهُ: ”أَسْرِعْ وَقُلْ لِهَذَا الشَّابِّ: ’سَتَكُونُ الْقُدْسُ وَاسِعَةً بِلَا أَسْوَارٍ مِنْ كَثْرَةِ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ فِيهَا. وَأَنَا الْمَوْلَى أَكُونُ سُورَ نَارٍ مِنْ حَوْلِهَا، وَجَلَالًا فِي دَاخِلِهَا. هَذَا كَلَامِي.‘“ وَقَالَ الْمَوْلَى: ”هَيَّا اهْرُبُوا بِسُرْعَةٍ مِنْ أَرْضِ الشَّمَالِ، فَأَنَا فَرَّقْتُكُمْ إِلَى رِيَاحِ السَّمَاءِ الْـ4. اُهْرُبُوا إِلَى الْقُدْسِ أَيُّهَا الْمَنْفِيُّونَ فِي بَابِلَ.“ أَكْرَمَنِي الْمَوْلَى الْقَدِيرُ وَأَرْسَلَنِي ضِدَّ الْأُمَمِ الَّتِي سَلَبَتْكُمْ، لِأَنَّهُ قَالَ إِنَّ مَنْ يَمَسُّكُمْ يَمَسُّ حَدَقَةَ عَيْنِهِ. وَقَالَ أَيْضًا: ”سَأَمُدُّ يَدِي عَلَيْهِمْ، فَيَسْلُبُهُمْ عَبِيدُهُمْ.“ عِنْدَ ذَلِكَ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَوْلَى الْقَدِيرَ أَرْسَلَنِي. وَقَالَ الْمَوْلَى: ”اِهْتِفِي وَافْرَحِي يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ، لِأَنِّي سَآتِي وَأَسْكُنُ فِي وَسَطِكُمْ.“ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، تَنْضَمُّ أُمَمٌ كَثِيرَةٌ إِلَى الْمَوْلَى وَيَصِيرُونَ شَعْبَهُ، وَهُوَ يَسْكُنُ فِي وَسَطِكُمْ. فَتَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَوْلَى الْقَدِيرَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. وَيَأْخُذُ الْمَوْلَى يَهُوذَا نَصِيبًا لَهُ فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، وَمَرَّةً أُخْرَى يَخْتَارُ الْقُدْسَ. اُسْكُتُوا أَمَامَ الْمَوْلَى يَا كُلَّ الْبَشَرِ، فَإِنَّهُ خَرَجَ مِنْ مَسْكَنِهِ الْمُقَدَّسِ. ثُمَّ أَرَانِي يَشُوعَ الْحَبْرَ الْأَعْلَى وَاقِفًا قُدَّامَ مَلَاكِ اللهِ. وَكَانَ الشَّيْطَانُ وَاقِفًا عَنْ يَمِينِ يَشُوعَ لِيُقَاوِمَهُ. فَقَالَ الْمَوْلَى لِلشَّيْطَانِ: ”الْمَوْلَى يُوَبِّخُكَ يَا شَيْطَانُ. الْمَوْلَى الَّذِي اخْتَارَ الْقُدْسَ يُوَبِّخُكَ. أَلَيْسَ هَذَا الرَّجُلُ عَصًا مُشْتَعِلَةً أُخِذَتْ مِنَ الْحَرِيقِ؟“ وَكَانَ يَشُوعُ لَابِسًا ثِيَابًا قَذِرَةً وَهُوَ وَاقِفٌ قُدَّامَ الْمَلَاكِ. فَقَالَ الْمَلَاكُ لِلْوَاقِفِينَ قُدَّامَهُ: ”اِخْلَعُوا عَنْهُ الثِّيَابَ الْقَذِرَةَ.“ ثُمَّ قَالَ لِيَشُوعَ: ”اُنْظُرْ، أَنَا رَفَعْتُ عَنْكَ ذَنْبَكَ، وَأُلْبِسُكَ ثِيَابًا جَمِيلَةً.“ فَقُلْتُ: ”ضَعُوا عَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةً طَاهِرَةً.“ فَوَضَعُوا عَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةً طَاهِرَةً وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابًا، وَمَلَاكُ اللهِ وَاقِفٌ هُنَاكَ. وَأَوْصَى مَلَاكُ اللهِ يَشُوعَ وَقَالَ: ”قَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ’إِنْ سِرْتَ فِي طُرُقِي وَعَمِلْتَ بِأَوَامِرِي، فَإِنَّكَ تَكُونُ رَئِيسًا عَلَى بَيْتِي وَتَتَوَلَّى شُؤُونَ دِيَارِي، وَأُعْطِيكَ مَكَانًا بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةِ الْوَاقِفِينَ هُنَا. ”’فَاسْمَعْ يَا يَشُوعُ، أَيُّهَا الْحَبْرُ الْأَعْلَى، أَنْتَ وَزُمَلَاؤُكَ الْأَحْبَارُ الَّذِينَ مَعَكَ. أَنْتُمْ رَمْزٌ لِمَا سَيَحْدُثُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَإِنِّي سَآتِي بِعَبْدِيَ الَّذِي اسْمُهُ الْغُصْنُ. اُنْظُرُوا الْحَجَرَ الَّذِي وَضَعْتُهُ قُدَّامَ يَشُوعَ. هُوَ حَجَرٌ وَاحِدٌ وَلَهُ 7 جَوَانِبَ. وَسَأَكْتُبُ عَلَيْهِ رِسَالَةً. وَفِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أُزِيلُ ذَنْبَ هَذِهِ الْأَرْضِ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْقَدِيرِ.‘“ وَقَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ”فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، يَدْعُو كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ قَرِيبَهُ لِيَجْلِسَ تَحْتَ كَرْمَتِهِ وَتَحْتَ تِينَتِهِ.“ وَرَجَعَ الْمَلَاكُ الَّذِي كَانَ يُكَلِّمُنِي وَأَيْقَظَنِي كَأَنِّي كُنْتُ نَائِمًا! وَقَالَ لِي: ”مَاذَا تَرَى؟“ فَقُلْتُ: ”أَرَى مَنَارَةً كُلُّهَا ذَهَبٌ، وَعَلَى رَأْسِهَا كَأْسٌ فَوْقَهَا 7 مَصَابِيحَ، وَلِلْمَصَابِيحِ 7 أَنَابِيبَ. وَبِجِوَارِهَا شَجَرَتَا زَيْتُونٍ، وَاحِدَةٌ عَنْ يَمِينِ الْكَأْسِ، وَالْأُخْرَى عَنْ يَسَارِهَا.“ فَسَأَلْتُ الْمَلَاكَ الَّذِي كَانَ يُكَلِّمُنِي: ”مَا هَذِهِ يَا سَيِّدِي؟“ فَأَجَابَنِي: ”أَلَا تَعْلَمُ مَا هَذِهِ؟“ فَقُلْتُ: ”لَا، يَا سَيِّدِي.“ فَقَالَ لِي: ”هَذِهِ كَلِمَةُ اللهِ إِلَى زَرْبَابِلَ: ’لَا بِالْقُدْرَةِ وَلَا بِالْقُوَّةِ، بَلْ بِرُوحِي، يَقُولُ اللهُ الْقَدِيرُ.‘ وَمَاذَا أَنْتَ أَيُّهَا الْجَبَلُ الْعَظِيمُ؟ بَلْ تَصِيرُ سَهْلًا أَمَامَ زَرْبَابِلَ. وَيَضَعُ زَرْبَابِلُ حَجَرَ تَاجِ الْبِنَاءِ فِي مَكَانِهِ، فَيَهْتِفُ النَّاسُ: ’مَا أَحْلَاهُ! مَا أَحْلَاهُ!‘“ وَقَالَ الْمَوْلَى لِي: ”يَدَا زَرْبَابِلَ أَسَّسَتَا هَذَا الْبَيْتَ، وَيَدَاهُ تُكَمِّلَانِهِ. فَتَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَوْلَى الْقَدِيرَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. لَا تَحْتَقِرُوا هَذِهِ الْبِدَايَةَ الْبَسِيطَةَ، بَلْ يَفْرَحُ النَّاسُ حِينَ يَرَوْنَ مِيزَانَ قِيَاسِ الْحَائِطِ فِي يَدِ زَرْبَابِلَ. وَهَذِهِ الْمَصَابِيحُ الـ7 هِيَ عُيُونُ اللهِ الَّتِي تَجُولُ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا.“ ثُمَّ سَأَلْتُ الْمَلَاكَ وَقُلْتُ: ”شَجَرَتَا الزَّيْتُونِ هَاتَانِ عَنْ يَمِينِ الْمَنَارَةِ وَيَسَارِهَا، مَا هُمَا؟“ وَكَرَّرْتُ عَلَيْهِ السُّؤَالَ وَقُلْتُ: ”غُصْنَا الزَّيْتُونِ اللَّذَانِ بِجِوَارِ أَنَابِيبِ الذَّهَبِ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا الزَّيْتُ إِلَى الْمَصَابِيحِ، مَا هُمَا؟“ فَقَالَ: ”أَلَا تَعْلَمُ مَا هُمَا؟“ فَقُلْتُ: ”لَا يَا سَيِّدِي.“ فَقَالَ: ”هُمَا شَخْصَانِ مَمْسُوحَانِ بِالزَّيْتِ يَخْدِمَانِ رَبَّ كُلِّ الْأَرْضِ.“ وَنَظَرْتُ مَرَّةً أُخْرَى فَرَأَيْتُ أَمَامِي كِتَابًا يَطِيرُ. فَسَأَلَنِي الْمَلَاكُ: ”مَاذَا تَرَى؟“ فَقُلْتُ: ”أَرَى كِتَابًا يَطِيرُ طُولُهُ حَوَالَيْ 9 أَمْتَارٍ وَعَرْضُهُ حَوَالَيْ أَرْبَعَةِ أَمْتَارٍ وَنِصْفٍ.“ فَقَالَ لِي: ”هَذِهِ هِيَ اللَّعْنَةُ الَّتِي تَأْتِي إِلَى كُلِّ الْبِلَادِ. وَهِيَ مِنْ جِهَةٍ تَقُولُ إِنَّ كُلَّ مَنْ يَسْرِقُ يُطْرَدُ، وَمِنَ الْجِهَةِ الْأُخْرَى تَقُولُ إِنَّ كُلَّ مَنْ يَحْلِفُ بِالْكِذْبِ يُطْرَدُ. فَالْمَوْلَى الْقَدِيرُ قَالَ: ’أَنَا أُرْسِلُهَا فَتَدْخُلُ دَارَ السَّارِقِ أَوْ دَارَ مَنْ يَحْلِفُ بِاسْمِي بِالْكِذْبِ، فَتَحِلُّ هُنَاكَ وَتُفْنِيهَا مَعَ خَشَبِهَا وَحَجَرِهَا.‘“ ثُمَّ تَقَدَّمَ الْمَلَاكُ الَّذِي كَانَ يُكَلِّمُنِي وَقَالَ لِي: ”تَطَلَّعْ وَانْظُرْ هَذَا الشَّيْءَ الْقَادِمَ نَحْوَنَا.“ فَقُلْتُ: ”مَا هَذَا؟“ فَقَالَ: ”إِنَّهُ مِكْيَالٌ.“ وَقَالَ: ”فِي هَذَا الْمِكْيَالِ شَرُّ كُلِّ الْأَرْضِ.“ ثُمَّ رُفِعَ غِطَاءٌ مِنَ الرَّصَاصِ، فَرَأَيْتُ امْرَأَةً جَالِسَةً فِي الْمِكْيَالِ! فَقَالَ: ”هَذِهِ هِيَ الشَّرُّ.“ ثُمَّ دَفَعَهَا دَاخِلَ الْمِكْيَالِ، وَطَرَحَ غِطَاءَ الرَّصَاصِ فَوْقَهُ. ثُمَّ نَظَرْتُ فَرَأَيْتُ أَمَامِيَ امْرَأَتَيْنِ قَادِمَتَيْنِ لَهُمَا أَجْنِحَةٌ كَأَجْنِحَةِ اللَّقْلَقِ مُمْتَدَّةٌ لِلرِّيحِ، وَرَفَعَتَا الْمِكْيَالَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ. فَقُلْتُ لِلْمَلَاكِ الَّذِي كَانَ يُكَلِّمُنِي: ”إِلَى أَيْنَ أَخَذَتَا الْمِكْيَالَ؟“ فَقَالَ لِي: ”إِلَى بِلَادِ بَابِلَ، لِتَبْنِيَا لَهُ بَيْتًا. وَمَتَى تَمَّ بِنَاؤُهُ، يَسْتَقِرُّ الْمِكْيَالُ هُنَاكَ عَلَى قَاعِدَتِهِ.“ وَنَظَرْتُ مَرَّةً أُخْرَى فَرَأَيْتُ أَمَامِي 4 مَرْكَبَاتٍ خَارِجَةً مِنْ بَيْنِ جَبَلَيْنِ مِنْ نُحَاسٍ. الْمَرْكَبَةُ الْأُولَى فِيهَا خَيْلٌ حُمْرٌ، وَالثَّانِيَةُ سُودٌ، وَالثَّالِثَةُ بِيضٌ، وَالرَّابِعَةُ مُخَطَّطَةٌ. وَكُلُّهَا خَيْلٌ قَوِيَّةٌ. فَقُلْتُ لِلْمَلَاكِ الَّذِي كَانَ يُكَلِّمُنِي: ”مَا هَذِهِ يَا سَيِّدِي؟“ فَقَالَ: ”هَذِهِ هِيَ أَرْوَاحُ السَّمَاءِ الْـ4 خَارِجَةٌ مِنَ الْمُثُولِ فِي مَحْضَرِ رَبِّ الْأَرْضِ كُلِّهَا. الْمَرْكَبَةُ الَّتِي فِيهَا الْخَيْلُ السُّودُ تَذْهَبُ إِلَى أَرْضِ الشَّمَالِ، وَالَّتِي فِيهَا الْخَيْلُ الْبِيضُ إِلَى الْغَرْبِ، وَالَّتِي فِيهَا الْخَيْلُ الْمُخَطَّطَةُ إِلَى الْجَنُوبِ.“ خَرَجَتْ هَذِهِ الْخَيْلُ الْقَوِيَّةُ تُرِيدُ أَنْ تَتَجَوَّلَ فِي الْأَرْضِ. فَقَالَ لَهَا: ”اِذْهَبِي وَتَجَوَّلِي فِي الْأَرْضِ.“ فَذَهَبَتْ وَتَجَوَّلَتْ فِي الْأَرْضِ. ثُمَّ هَتَفَ إِلَيَّ وَقَالَ: ”اُنْظُرْ! الَّذِينَ خَرَجُوا إِلَى أَرْضِ الشَّمَالِ أَرَاحُوا رُوحِي فِي أَرْضِ الشَّمَالِ.“ وَقَالَ الْمَوْلَى لِي: ”خُذْ فِضَّةً وَذَهَبًا مِنْ خَالِدَ وَطُوبْيَا وَيَدَعْيَا الَّذِينَ كَانُوا أَسْرَى وَرَجَعُوا مِنْ بَابِلَ. وَاذْهَبْ فِي نَفْسِ الْيَوْمِ إِلَى دَارِ يُوشِيَّا بْنِ صَفَنْيَا. وَاصْنَعْ مِنَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ تَاجًا، وَضَعْهُ عَلَى رَأْسِ يَشُوعَ بْنِ يُوصَادِقَ الْحَبْرِ الْأَعْلَى. وَقُلْ لَهُ: ’قَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ”هَذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي اسْمُهُ الْغُصْنُ، الَّذِي يَنْبُتُ مِنْ مَكَانِهِ وَيَبْنِي بَيْتَ اللهِ. هُوَ يَبْنِي بَيْتَ اللهِ، وَيُكْرَمُ جِدًّا، وَيَجْلِسُ عَلَى عَرْشٍ وَيَحْكُمُ. وَيَكُونُ هُنَاكَ حَبْرٌ بِجِوَارِ عَرْشِهِ، وَبَيْنَ الِاثْنَيْنِ وِفَاقٌ.“‘ وَيُعْطَى التَّاجُ لِخَالِدَ وَطُوبْيَا وَيَدَعْيَا وَحِينَ بْنِ صَفَنْيَا، كَتَذْكَارٍ فِي بَيْتِ اللهِ. وَيَأْتِي الْبَعِيدُونَ وَيَعْمَلُونَ فِي بِنَاءِ بَيْتِ اللهِ، فَتَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَوْلَى الْقَدِيرَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. وَيَتِمُّ هَذَا إِنْ أَطَعْتُمُ الْمَوْلَى إِلَهَكُمْ تَمَامًا.“ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِدَارِيُوسَ الْمَلِكِ، كَلَّمَ الْمَوْلَى زَكَرِيَّا، كَانَ ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ مِنَ الشَّهْرِ التَّاسِعِ، أَيْ شَهْرِ كِسْلُو. فَإِنَّ أَهْلَ بَيْتَ إِيلَ أَرْسَلُوا شَرَاصَرَ وَرَجْمَلِكَ وَرِجَالَهُمْ لِيَتَضَرَّعُوا إِلَى الْمَوْلَى، وَيَسْأَلُوا أَحْبَارَ بَيْتِ الْمَوْلَى الْقَدِيرِ وَالْأَنْبِيَاءَ: ”هَلْ نَبْكِي وَنَصُومُ فِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ، كَمَا فَعَلْنَا هَذِهِ السِّنِينَ الْعَدِيدَةَ؟“ فَقَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ لِي: ”قُلْ لِكُلِّ شَعْبِ الْبِلَادِ وَالْأَحْبَارِ: ’لَمَّا صُمْتُمْ وَبَكَيْتُمْ فِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ وَالشَّهْرِ السَّابِعِ فِي هَذِهِ الـ70 سَنَةً الْمَاضِيَةِ، هَلْ صُمْتُمْ لِي أَنَا؟ وَلَمَّا أَكَلْتُمْ وَشَرِبْتُمْ، أَلَمْ تَفْعَلُوا هَذَا لَكُمْ أَنْتُمْ؟ وَهَذَا هُوَ نَفْسُ الْكَلَامِ الَّذِي قُلْتُهُ بِوَاسِطَةِ الْأَنْبِيَاءِ الْأَوَّلِينَ، لَمَّا كَانَتِ الْقُدْسُ وَالْمُدُنُ الَّتِي حَوْلَهَا فِي رَاحَةٍ وَرَخَاءٍ، وَالنَّقَبُ وَالسَّهْلُ عَامِرَيْنِ بِالنَّاسِ.‘“ وَقَالَ الْمَوْلَى لِزَكَرِيَّا: ”قَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ’اُحْكُمُوا بِالْعَدْلِ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ، وَاعْمَلُوا الْإِحْسَانَ وَالرَّحْمَةَ. لَا تَظْلِمُوا الْأَرْمَلَةَ وَالْيَتِيمَ وَالْغَرِيبَ وَالْفَقِيرَ، وَلَا تُفَكِّرُوا بِالشَّرِّ فِي قُلُوبِكُمْ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ.‘ لَكِنَّهُمْ رَفَضُوا أَنْ يَنْتَبِهُوا، وَأَدَارُوا كَتِفَهُمْ لِي بِعِنَادٍ، وَسَدُّوا آذَانَهُمْ لِكَيْ لَا يَسْمَعُوا. وَقَسَّوْا قُلُوبَهُمْ كَالْحَجَرِ، وَلَمْ يَسْمَعُوا التَّعْلِيمَ وَالْكَلَامَ الَّذِي أَرْسَلَهُ الْمَوْلَى بِرُوحِهِ بِوَاسِطَةِ الْأَنْبِيَاءِ الْأَوَّلِينَ. فَغَضِبَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ غَضَبًا شَدِيدًا.“ لِذَلِكَ قَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ”نَادَيْتُهُمْ وَلَمْ يَسْمَعُوا، لِذَلِكَ يُنَادُونِي وَلَا أَسْمَعُ. أَنَا بَدَّدْتُهُمْ بَيْنَ كُلِّ الْأُمَمِ الَّتِي لَمْ يَعْرِفُوهَا، فَخَرِبَتِ الْأَرْضُ بَعْدَهُمْ، وَلَا أَحَدٌ يُسَافِرُ فِيهَا. فَجَعَلُوا الْأَرْضَ الطَّيِّبَةَ خَرَابًا.“ وَقَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ”هَذَا كَلَامِي، أَنَا أُحِبُّ الْقُدْسَ مَحَبَّةً شَدِيدَةً.“ وَقَالَ الْمَوْلَى: ”سَأَرْجِعُ إِلَى الْقُدْسِ وَأَسْكُنُ فِيهَا، فَتُدْعَى الْقُدْسُ مَدِينَةَ الْحَقِّ، وَيُدْعَى جَبَلُ الْمَوْلَى الْقَدِيرِ الْجَبَلَ الْمُقَدَّسَ.“ وَقَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ”يَعُودُ كِبَارُ السِّنِّ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ يَجْلِسُونَ فِي سَاحَاتِ الْقُدْسِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ عَصَاهُ بِيَدِهِ مِنْ طُولِ الْعُمْرِ. وَتَمْتَلِئُ سَاحَاتُ الْمَدِينَةِ بِالْأَوْلَادِ وَالْبَنَاتِ يَلْعَبُونَ فِيهَا.“ وَقَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ”رُبَّمَا يَبْدُو هَذَا صَعْبًا فِي نَظَرِ مَنْ بَقَوْا مِنْ هَذَا الشَّعْبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ صَعْبًا عَلَيَّ! هَذَا كَلَامِي.“ وَقَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ”سَأُنْقِذُ شَعْبِي مِنْ بِلَادِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ. وَأُرْجِعُهُمْ إِلَى الْقُدْسِ لِيَسْكُنُوا فِيهَا، وَيَكُونُونَ شَعْبِي وَأَنَا أَكُونُ إِلَهَهُمْ، أَمِينًا وَصَالِحًا لَهُمْ.“ وَقَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ”أَنْتُمْ يَا مَنْ تَسْمَعُونَ الْآنَ هَذَا الْكَلَامَ الَّذِي قَالَهُ الْأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ كَانُوا مَوْجُودِينَ عِنْدَ تَأْسِيسِ بَيْتِي، اِعْمَلُوا بِاجْتِهَادٍ لِكَيْ يُبْنَى الْبَيْتُ. فَإِنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ، لَمْ يَحْصُلْ أَحَدٌ عَلَى أُجْرَةٍ، لَا إِنْسَانٌ وَلَا حَيَوَانٌ. وَلَا كَانَ لَمِنْ خَرَجَ أَوْ دَخَلَ أَمَانٌ مِنْ أَعْدَائِهِ، لِأَنِّي هَيَّجْتُ كُلَّ وَاحِدٍ ضِدَّ الْآخَرِ. أَمَّا الْآنَ، فَلَا أُعَامِلُ مَنْ بَقَوْا مِنْ هَذَا الشَّعْبِ كَمَا فَعَلْتُ فِي الْمَاضِي. هَذَا كَلَامِي. بَلْ يَزْرَعُونَ فِي سَلَامٍ، فَيُعْطِي الْكَرْمُ ثَمَرَهُ، وَالْأَرْضُ غَلَّتَهَا، وَالسَّمَاءُ نَدَاهَا، وَأَجْعَلُ كُلَّ هَذِهِ الْخَيْرَاتِ مِنْ نَصِيبِ مَنْ بَقَوْا مِنْ هَذَا الشَّعْبِ. وَكَمَا كُنْتُمْ لَعْنَةً بَيْنَ الْأُمَمِ يَا بَنِي يَهُوذَا وَبَنِي إِسْرَائِيلَ، أُنْقِذُكُمْ فَتُصْبِحُونَ بَرَكَةً. فَلَا تَخَافُوا، بَلِ اعْمَلُوا بِاجْتِهَادٍ.“ فَالْمَوْلَى الْقَدِيرُ قَالَ: ”لَمَّا أَغْضَبَنِي آبَاؤُكُمْ، عَزَمْتُ أَنْ أَجْلِبَ عَلَيْكُمُ الْمَصَائِبَ وَلَا أَتَرَاجَعَ عَنْ ذَلِكَ. وَالْآنَ عَزَمْتُ أَنْ أُحْسِنَ إِلَى الْقُدْسِ وَيَهُوذَا مَرَّةً أُخْرَى. فَلَا تَخَافُوا. بَلِ اعْمَلُوا هَذَا، قُولُوا الْحَقَّ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ، اُحْكُمُوا بِالْعَدْلِ فِي الْمَحْكَمَةِ وَبِمَا يَجْلِبُ السَّلَامَ، لَا تَتَآمَرُوا بِالشَّرِّ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا تُحِبُّوا الشَّهَادَةَ الْكَاذِبَةَ، فَأَنَا أَكْرَهُ كُلَّ هَذِهِ.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى. وَقَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ لِي: ”هَذَا كَلَامِي، سَيَكُونُ صَوْمُ الشَّهْرِ الرَّابِعِ وَالْخَامِسِ وَالسَّابِعِ وَالْعَاشِرِ لِبَيْتِ يَهُوذَا، وَقْتَ فَرَحٍ وَابْتِهَاجٍ وَعِيدٍ سَعِيدٍ. فَأَحِبُّوا الْحَقَّ وَالسَّلَامَ.“ وَقَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ”سَتَأْتِي إِلَى الْقُدْسِ جَمَاهِيرُ مِنْ سُكَّانِ مُدُنٍ كَثِيرَةٍ. وَيَذْهَبُ أَهْلُ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ أُخْرَى وَيَقُولُونَ: ’تَعَالَوْا الْآنَ نَتَضَرَّعُ إِلَى الْمَوْلَى، تَعَالَوْا نَطْلُبُ الْمَوْلَى الْقَدِيرَ، فَنَحْنُ أَيْضًا ذَاهِبُونَ.‘ فَتَأْتِي شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ وَأُمَمٌ قَوِيَّةٌ إِلَى الْقُدْسِ، لِيَطْلُبُوا الْمَوْلَى الْقَدِيرَ، وَيَتَضَرَّعُوا إِلَيْهِ.“ وَقَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ”فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، يَأْتِي 10 رِجَالٍ مِنْ كُلِّ اللُّغَاتِ وَالْأُمَمِ، وَيَتَمَسَّكُونَ بِطَرَفِ رِدَاءِ وَاحِدٍ مِنْ يَهُوذَا وَيَقُولُونَ: ’نَذْهَبُ مَعَكُمْ، لِأَنَّنَا سَمِعْنَا أَنَّ اللهَ مَعَكُمْ.‘“ هَذَا كَلَامُ اللهِ بِالْوَحْيِ ضِدَّ أَرْضِ آرَامَ وَضِدَّ دِمَشْقَ. لِأَنَّ عُيُونَ كُلِّ الْبَشَرِ وَقَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ نَحْوَ الْمَوْلَى. هَذَا الْكَلَامُ هُوَ أَيْضًا ضِدَّ حَمَاةَ الْمُجَاوِرَةِ لِدِمَشْقَ، وَضِدَّ صُورَ وَصَيْدَا مَعَ أَنَّهُمَا حَكِيمَتَانِ جِدًّا. فَإِنَّ صُورَ بَنَتْ لِنَفْسِهَا حِصْنًا، وَكَوَّمَتْ فِضَّةً كَالتُّرَابِ، وَذَهَبًا كَالطِّينِ فِي الشَّوَارِعِ. وَلَكِنَّ الْمَوْلَى يَأْخُذُ مِنْهَا أَمْلَاكَهَا، وَيَرْمِي قُوَّتَهَا إِلَى الْبَحْرِ، وَتَأْكُلُهَا النَّارُ. وَتَرَى عَسْقَلَانُ هَذَا وَتَخَافُ، وَغَزَّةُ تَتَلَوَّى مِنَ الْوَجَعِ، وَيَضِيعُ رَجَاءُ عَقْرُونَ، وَلَا يَكُونُ فِي غَزَّةَ مَلِكٌ، وَلَا سُكَّانٌ فِي عَسْقَلَانَ. وَيَحْتَلُّ الْغُرَبَاءُ أَشْدُودَ، وَأَقْضِي عَلَى كِبْرِيَاءِ الْفِلِسْطِيِّينَ. وَلَا يَعُودُ الْفِلِسْطِيُّونَ يَأْكُلُونَ اللَّحْمَ بِدَمِهِ، وَلَا الطَّعَامَ الْحَرَامَ، بَلْ مَنْ يَبْقَى مِنْهُمْ يَنْتَمِي لِإِلَهِنَا مِثْلُ قَبِيلَةِ يَهُوذَا، وَتَصِيرُ عَقْرُونُ كَالْيَبُوسِيِّينَ. وَأَحِلُّ حَوْلَ شَعْبِي، وَأَحْرُسُهُ مِنَ الْغُزَاةِ الَّذِينَ يَأْتُونَ وَيَذْهَبُونَ. وَلَا يَعُودُ يَظْلِمُهُمْ أَحَدٌ، لِأَنَّ الْآنَ عَيْنِي عَلَيْهِمْ. اِفْرَحُوا جِدًّا يَا أَهْلَ الْقُدْسِ، اِهْتِفُوا يَا شَعْبَ الْقُدْسِ! هَذَا مَلِكُكُمْ يَأْتِي إِلَيْكُمْ صَالِحًا وَمَنْصُورًا، وَدِيعًا وَرَاكِبًا عَلَى حِمَارَةٍ وَجَحْشٍ ابْنِ دَابَةٍ. وَأُبِيدُ مَرْكَبَاتِ الْحَرْبِ مِنْ أَفْرَايِمَ، وَالْخَيْلَ مِنَ الْقُدْسِ، وَأُكَسِّرُ أَقْوَاسَ الْقِتَالِ. هَذَا الْمَلِكُ يُعْلِنُ السَّلَامَ لِلْأُمَمِ، وَيَمْتَدُّ مُلْكُهُ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمِنْ نَهْرِ الْفُرَاتِ إِلَى آخِرِ الْأَرْضِ. وَبِمَا أَنَّ عَهْدِي مَعَكُمْ مُوَثَّقٌ بِالدَّمِ، لِذَلِكَ أُطْلِقُ أَسْرَاكُمْ مِنَ الْبِئْرِ الَّتِي لَا مَاءَ فِيهَا. اِرْجِعُوا إِلَى الْحِصْنِ أَيُّهَا الْأَسْرَى الَّذِينَ لَهُمْ رَجَاءٌ، فَإِنِّي أُخْبِرُكُمُ الْيَوْمَ أَنِّي سَأُعْطِيكُمْ ضِعْفَ أُجْرَتِكُمْ. جَعَلْتُ بَنِي يَهُوذَا قَوْسِي، وَبَنِي أَفْرَايِمَ سَهْمِي، وَأُثِيرُ أَهْلَ الْقُدْسِ عَلَى الْيُونَانِيِّينَ كَسَيْفِ الْمُحَارِبِ. ثُمَّ يَظْهَرُ الْمَوْلَى فَوْقَهُمْ وَسَهْمُهُ يَلْمَعُ كَالْبَرْقِ. رَبُّنَا وَمَوْلَانَا يَنْفُخُ الْبُوقَ، وَيَسِيرُ فِي عَوَاصِفِ الْجَنُوبِ. الْمَوْلَى الْقَدِيرُ يُحَامِي عَنْ شَعْبِهِ، فَيُحَطِّمُونَ الْعَدُوَّ بِحِجَارَةِ الْمِقْلَاعِ، وَيَشْرَبُونَ وَيَصْرُخُونَ كَالسَّكَارَى، وَيَمْتَلِئُونَ كَالْكَأْسِ الَّتِي يُرَشُّ بِهَا الدَّمُ عَلَى زَوَايَا الْمَنَصَّةِ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يُنْقِذُهُمُ الْمَوْلَى إِلَهُهُمْ لِأَنَّهُمْ قَطِيعُهُ وَشَعْبُهُ، وَيَتَأَلَّقُونَ فِي أَرْضِهِ كَحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ فِي تَاجٍ. فَمَا أَحْلَاهُمْ وَمَا أَجْمَلَهُمْ! الْقَمْحُ يُنَمِّي الشُّبَّانَ وَالْخَمْرُ الشَّابَّاتِ. اُطْلُبُوا مِنَ اللهِ الْمَطَرَ فِي الرَّبِيعِ. لِأَنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي يَصْنَعُ السَّحَابَ وَيُرْسِلُ الْمَطَرَ وَيُعْطِي الْكُلَّ الْحُقُولَ الْخَضْرَاءَ. تَكْذِبُ الْأَصْنَامُ، وَالَّذِينَ يُمَارِسُونَ الْعِلْمَ بِالْغَيْبِ يَرَوْنَ رُؤًى خَادِعَةً، وَيُخْبِرُونَ بِأَحْلَامٍ كَاذِبَةٍ، وَيُعَزُّونَ بِلَا فَائِدَةٍ. لِذَلِكَ تَفَرَّقَ الشَّعْبُ وَصَارَ ذَلِيلًا كَغَنَمٍ لَا رَاعِيَ لَهَا. فَغَضِبَ اللهُ عَلَى الرُّعَاةِ، وَعَاقَبَ الْقَادَةَ، لِأَنَّهُ يَعْتَنِي بِقَطِيعِهِ شَعْبِ يَهُوذَا، وَيَجْعَلُهُمْ كَفَرَسٍ فَخُورٍ فِي الْقِتَالِ. فَإِنَّهُ مِنْ يَهُوذَا يَأْتِي حَجَرُ الزَّاوِيَةِ، وَوَتَدُ الْخَيْمَةِ، وَقَوْسُ الْقِتَالِ، وَكُلُّ حَاكِمٍ. وَيَكُونُونَ مَعًا كَالْأَبْطَالِ، يَدُوسُونَ الْعَدُوَّ فِي طِينِ الشَّوَارِعِ، وَيُحَارِبُونَ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَعَهُمْ، وَيَهْزِمُونَ الْفُرْسَانَ. ”أَنَا أُقَوِّي بَيْتَ يَهُوذَا، وَأُنْقِذُ بَيْتَ يُوسِفَ، وَأُرْجِعُهُمْ لِأَنِّي رَحِمْتُهُمْ. وَيَكُونُونَ كَأَنِّي لَمْ أَرْفُضْهُمْ، لِأَنِّي أَنَا الْمَوْلَى إِلَهُهُمْ فَأَسْتَجِيبُ لَهُمْ. وَيَصِيرُ شَعْبُ أَفْرَايِمَ كَأَبْطَالٍ، وَيَفْرَحُ قَلْبُهُمْ كَمَا مِنَ الْخَمْرِ. وَيَرَى أَوْلَادُهُمْ هَذَا فَيَفْرَحُونَ وَيَبْتَهِجُ قَلْبُهُمْ بِالْمَوْلَى. أُنَادِيهِمْ وَأَجْمَعُهُمْ لِأَنِّي فَدَيْتُهُمْ، فَيَكْثُرُونَ كَمَا كَانُوا مِنْ قَبْلُ. فَرَّقْتُهُمْ بَيْنَ الشُّعُوبِ، لَكِنَّهُمْ يَتَذَكَّرُونِي فِي الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ. هُمْ وَأَوْلَادُهُمْ يَحْيَوْنَ وَيَرْجِعُونَ. أُرْجِعُهُمْ مِنْ مِصْرَ، وَأَجْمَعُهُمْ مِنْ أَشُّورَ، وَأُحْضِرُهُمْ إِلَى جِلْعَادَ وَلُبْنَانَ، فَلَا يَتَّسِعُ لَهُمُ الْمَكَانُ. يَعْبُرُونَ فِي بَحْرِ الضِّيقِ، فَتَهْدَأُ أَمْوَاجُهُ، وَتَجِفُّ مِيَاهُ النِّيلِ، وَتُذَلُّ كِبْرِيَاءُ أَشُّورَ، وَيَزُولُ سُلْطَانُ مِصْرَ. وَأُقَوِّي شَعْبِي فَيَعْبُدُونِي. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى.“ اِفْتَحْ أَبْوَابَكَ يَا لُبْنَانُ، فَتَأْكُلَ النَّارُ أَرْزَكَ. اُصْرُخْ يَا سَرْوُ لِأَنَّ الْأَرْزَ سَقَطَ، وَالْأَشْجَارَ الْعَظِيمَةَ تَحَطَّمَتْ. اُصْرُخْ يَا بَلُّوطَ بَاشَانَ لِأَنَّ الْغَابَةَ الْكَثِيفَةَ خَرِبَتْ. اِسْمَعُوا صُرَاخَ الرُّعَاةِ لِأَنَّ مَرَاعِيَهُمُ الْجَمِيلَةَ خَرِبَتْ. اِسْمَعُوا زَئِيرَ الْأُسُودِ لِأَنَّ الْأَشْجَارَ الْكَثِيفَةَ عَلَى شَاطِئِ الْأُرْدُنِّ تَحَطَّمَتْ. قَالَ الْمَوْلَى إِلَهِي: ”اِرْعَ الْغَنَمَ الَّتِي سَتُذْبَحُ. فَالَّذِينَ يَشْتَرُونَهُمْ سَيَذْبَحُونَهُمْ وَلَا يُعَاقَبُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَالَّذِينَ يَبِيعُونَهُمْ يَقُولُونَ: ’الْحَمْدُ للهِ! اِغْتَنَيْنَا.‘ وَرُعَاتُهُمْ لَا يَشْفِقُونَ عَلَيْهِمْ. وَأَنَا لَا أَشْفِقُ فِيمَا بَعْدُ عَلَى أَهْلِ الْبِلَادِ، بَلْ سَأُوقِعُ كُلَّ وَاحِدٍ فِي يَدِ الْآخَرِ وَفِي يَدِ مَلِكِهِ، فَيُخْرِبُونَ الْبِلَادَ وَلَا أُنْقِذُ أَحَدًا مِنْ يَدِهِمْ. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى.“ فَرَعَيْتُ الْغَنَمَ الَّتِي سَتُذْبَحُ، خَاصَّةً الْهَزِيلَةَ مِنْهَا. ثُمَّ أَخَذْتُ عَصَوَيْنِ، وَدَعَوْتُ وَاحِدَةً النِّعْمَةَ، وَالْأُخْرَى الْوَحْدَةَ، وَرَعَيْتُ الْغَنَمَ. وَفِي شَهْرٍ وَاحِدٍ أَزَلْتُ الرُّعَاةَ الـ3. وَلَكِنْ نَفِدَ صَبْرِي مَعَ الْغَنَمِ وَكَرِهُونِي. فَقُلْتُ: ”لَا أَرْعَاكُمْ. خَلُّوا الَّذِي يَمُوتُ يَمُوتُ، وَالَّذِي يَهْلِكُ يَهْلِكُ، وَالْبَقِيَّةُ تَأْكُلُ بَعْضُهَا لَحْمَ بَعْضٍ.“ ثُمَّ أَخَذْتُ عَصَايَ النِّعْمَةَ، وَكَسَرْتُهَا لِأَنْقُضَ عَهْدِيَ الَّذِي عَمِلْتُهُ مَعَ كُلِّ الْأُمَمِ. فَنُقِضَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. فَعَلِمَتِ الْغَنَمُ الْهَزِيلَةُ الَّتِي كَانَتْ تُرَاقِبُنِي، أَنَّ مَا جَرَى هُوَ بِأَمْرِ اللهِ. فَقُلْتُ لَهُمْ: ”إِنْ أَرَدْتُمْ، فَأَعْطُونِي أُجْرَتِي، وَإِنْ لَمْ تُرِيدُوا، فَلْيَكُنْ.“ فَدَفَعُوا لِي أُجْرَتِي 30 عُمْلَةً مِنَ الْفِضَّةِ. فَقَالَ الْمَوْلَى لِي: ”أَعْطِ هَذَا الثَّمَنَ الْكَرِيمَ الَّذِي ثَمَّنُونِي بِهِ لِلْفَخَّارِيِّ.“ فَأَخَذْتُ الـ30 عُمْلَةً مِنَ الْفِضَّةِ وَرَمَيْتُهَا فِي بَيْتِ اللهِ لِلْفَخَّارِيِّ. ثُمَّ كَسَرْتُ عَصَايَ الْأُخْرَى الْوَحْدَةَ، لِأَنْقُضَ الْإِخَاءَ بَيْنَ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلَ. ثُمَّ قَالَ الْمَوْلَى لِي: ”خُذْ لَكَ مَرَّةً أُخْرَى أَدَوَاتِ رَاعٍ أَحْمَقَ. لِأَنِّي سَأُقِيمُ عَلَى الْبِلَادِ رَاعِيًا لَا يَهْتَمُّ بِالْمَفْقُودِ، وَلَا يَبْحَثُ عَنِ الصَّغِيرِ، وَلَا يَشْفِي الْمَجْرُوحَ، وَلَا يُغَذِّي السَّلِيمَ، بَلْ يَفْتَرِسُ السَّمِينَ وَيَنْزِعُ أَظْلَافَهُ. الْوَيْلُ لِلرَّاعِي الَّذِي بِلَا فَائِدَةٍ، الَّذِي يَهْجُرُ الْغَنَمَ. لَيْتَ السَّيْفَ يَضْرِبُ ذِرَاعَهُ وَعَيْنَهُ الْيُمْنَى. فَتَيْبَسَ ذِرَاعُهُ وَتَعْمَى عَيْنُهُ الْيُمْنَى تَمَامًا.“ هَذَا كَلَامُ اللهِ بِالْوَحْيِ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. يَقُولُ الْمَوْلَى الَّذِي بَسَطَ السَّمَاءَ، وَأَسَّسَ الْأَرْضَ، وَكَوَّنَ رُوحَ الْإِنْسَانِ فِي دَاخِلِهِ: ”سَأَجْعَلُ الْقُدْسَ مِثْلَ كَأْسِ خَمْرٍ تُسَبِّبُ لِكُلِّ الشُّعُوبِ الَّتِي حَوْلَهَا أَنْ تَتَرَنَّحَ. فَيَأْتُونَ وَيُحَاصِرُونَ يَهُوذَا وَالْقُدْسَ. وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، حِينَ تَجْتَمِعُ كُلُّ أُمَمِ الْأَرْضِ ضِدَّهَا، أَجْعَلُ الْقُدْسَ كَحَجَرٍ ثَقِيلٍ لِكُلِّ الشُّعُوبِ، وَكُلُّ مَنْ يُحَاوِلُ أَنْ يُحَرِّكَهَا مِنْ مَكَانِهَا يَنْشَقُّ انْشِقَاقًا. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَضْرِبُ كُلَّ فَرَسٍ بِالْفَزَعِ وَرَاكِبَهُ بِالْجُنُونِ. وَأَفْتَحُ عَيْنَيَّ لِرِعَايَةِ شَعْبِ يَهُوذَا، وَأَضْرِبُ كُلَّ خَيْلِ الشُّعُوبِ بِالْعَمَى. فَيَقُولُ قَادَةُ يَهُوذَا فِي قَلْبِهِمْ: ’أَهْلُ الْقُدْسِ أَقْوِيَاءُ، لِأَنَّ الْمَوْلَى الْقَدِيرَ هُوَ إِلَهُهُمْ.‘ وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَجْعَلُ قَادَةَ يَهُوذَا مِثْلَ كَانُونِ نَارٍ بَيْنَ الْحَطَبِ وَكَمِشْعَلِ نَارٍ بَيْنَ حُزَمِ الْقَشِّ. فَيَأْكُلُونَ كُلَّ الشُّعُوبِ الَّتِي حَوْلَهُمْ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ، وَتَبْقَى الْقُدْسُ آمِنَةً مُسْتَقِرَّةً فِي مَكَانِهَا. ”وَسَيَنْصُرُ الْمَوْلَى شَعْبَ يَهُوذَا أَوَّلًا، لِكَيْ لَا تَفُوقَ عَظَمَةُ بَيْتِ دَاوُدَ وَأَهْلِ الْقُدْسِ عَظَمَةَ شَعْبِ يَهُوذَا. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ سَيَحْمِي الْمَوْلَى سُكَّانَ الْقُدْسِ، فَيَكُونُ الضَّعِيفُ فِيهِمْ قَوِيًّا كَدَاوُدَ. وَيَكُونُ بَيْتُ دَاوُدَ لَهُمْ مِثْلَ اللهِ، مِثْلَ مَلَاكِ اللهِ يَسِيرُ أَمَامَهُمْ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَبْدَأُ فِي إِبَادَةِ كُلِّ الْأُمَمِ الَّتِي تُهَاجِمُ الْقُدْسَ. ”وَأُفِيضُ رُوحَ النِّعْمَةِ وَالتَّضَرُّعِ عَلَى بَيْتِ دَاوُدَ وَعَلَى أَهْلِ الْقُدْسِ. فَيَنْظُرُونَ إِلَى الَّذِي طَعَنُوهُ، أَيْ أَنَا، وَيَنُوحُونَ عَلَيَّ كَمَنْ يَنُوحُ عَلَى ابْنِهِ الْوَحِيدِ، وَيَحْزَنُونَ عَلَيَّ جِدًّا كَمَنْ يَحْزَنُ عَلَى ابْنِهِ الْبِكْرِ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَكُونُ فِي الْقُدْسِ بُكَاءٌ شَدِيدٌ. كَبُكَاءِ هَدَدْرِمُّونَ فِي سَهْلِ مَجِدُّو. وَتَنُوحُ الْبِلَادُ، كُلُّ عَائِلَةٍ لِوَحْدِهَا وَنِساؤُهَا لِوَحْدِهِنَّ. عَائِلَةُ دَاوُدَ لِوَحْدِهَا وَنِسَاؤُهَا لِوَحْدِهِنَّ. عَائِلَةُ نَاثَانَ لِوَحْدِهَا وَنِسَاؤُهَا لِوَحْدِهِنَّ. عَائِلَةُ لَاوِي لِوَحْدِهَا وَنِسَاؤُهَا لِوَحْدِهِنَّ. عَائِلَةُ شَمْعِي لِوَحْدِهَا وَنِسَاؤُهَا لِوَحْدِهِنَّ. وَكُلُّ الْعَائِلَاتِ الْبَاقِيَةِ، كُلُّ عَائِلَةٍ لِوَحْدِهَا وَنِسَاؤُهَا لِوَحْدِهِنَّ. ”فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، يَنْفَتِحُ يَنْبُوعٌ لِبَيْتِ دَاوُدَ وَلِأَهْلِ الْقُدْسِ، لِتَطْهِيرِهِمْ مِنَ الذَّنْبِ وَالشَّرِّ.“ وَقَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ”فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أُبِيدُ أَسْمَاءَ الْأَصْنَامِ مِنَ الْأَرْضِ، فَلَا يَذْكُرُهَا أَحَدٌ. وَأُزِيلُ مِنَ الْبِلَادِ مَنْ يَدَّعُونَ النُّبُوَّةَ وَأَيْضًا رُوحَ الشَّرِّ. فَإِنْ تَنَبَّأَ شَخْصٌ بَعْدَ ذَلِكَ، يَقُولُ لَهُ أَبُوهُ وَأُمُّهُ اللَّذَانِ وَلَدَاهُ: ’أَنْتَ لَا تَسْتَحِقُّ أَنْ تَعِيشَ، لِأَنَّكَ تَكَلَّمْتَ بِالْكِذْبِ، وَزَعَمْتَ أَنَّهُ مِنَ الْمَوْلَى.‘ فَحِينَ يَتَنَبَّأُ يَطْعَنُهُ أَبُوهُ وَأُمُّهُ اللَّذَانِ وَلَدَاهُ. ”وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَخْجَلُ كُلُّ نَبِيٍّ مِنَ الرُّؤَى الَّتِي يَتَنَبَّأُ بِهَا، وَلَا يَلْبَسُ ثَوْبَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِي مِنْ شَعْرٍ لِيَخْدَعَ النَّاسَ. بَلْ يَقُولُ: ’أَنَا لَسْتُ نَبِيًّا. أَنَا فَلَّاحٌ أَشْتَغِلُ فِي الْأَرْضِ مُنْذُ صِبَايَ.‘ فَيَسْأَلُهُ وَاحِدٌ: ’مَا هَذِهِ الْجُرُوحُ فِي صَدْرِكَ؟‘ فَيَقُولُ: ’هِيَ الَّتِي جُرِحْتُ بِهَا فِي دَارِ صَدِيقِي.‘“ وَقَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ”اِسْتَيْقِظْ يَا سَيْفُ وَاهْجُمْ عَلَى رَاعِيَّ، عَلَى الرَّجُلِ الَّذِي هُوَ صَاحِبِي! اِضْرِبِ الرَّاعِيَ فَتَتَشَتَّتَ الْخِرَافُ، وَأَمُدُّ يَدِي ضِدَّ الصِّغَارِ.“ وَقَالَ الْمَوْلَى: ”سَيَهْلِكُ وَيَمُوتُ ثُلُثَانِ مِنْ شَعْبِ كُلِّ الْأَرْضِ، وَلَا يَبْقَى فِيهَا إِلَّا الثُّلُثُ فَقَطْ. وَأَجْعَلُ هَذَا الثُّلُثَ يَعْبُرُ فِي النَّارِ لِأُنَقِّيَهُمْ كَالْفِضَّةِ، وَأَمْتَحِنَهُمْ كَالذَّهَبِ. فَيَدْعُونَ بِاسْمِي وَأَنَا أَسْتَجِيبُ لَهُمْ. أَقُولُ: ’هُمْ شَعْبِي.‘ وَهُمْ يَقُولُونَ: ’الْمَوْلَى هُوَ إِلَهُنَا.‘“ سَيَأْتِي يَوْمُ الْمَوْلَى الَّذِي فِيهِ تَنْهَبُ الْأُمَمُ أَمْلَاكَكُمْ قُدَّامَ عُيُونِكُمْ! سَأَجْمَعُ كُلَّ الْأُمَمِ إِلَى الْقُدْسِ لِيُحَارِبُوهَا، وَيَسْتَوْلُوا عَلَى الْمَدِينَةِ، وَيَنْهَبُوا الدِّيَارَ، وَيَغْتَصِبُوا النِّسَاءَ، وَيَأْخُذُوا نِصْفَ سُكَّانِهَا إِلَى السَّبْيِ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا. فَيَخْرُجُ الْمَوْلَى وَيُحَارِبُ تِلْكَ الْأُمَمَ، كَمَا يُحَارِبُ فِي يَوْمِ الْمَعْرَكَةِ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَقِفُ قَدَمَاهُ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ شَرْقَ الْقُدْسِ، فَيَنْشَقُّ جَبَلُ الزَّيْتُونِ إِلَى قِسْمَيْنِ بَيْنَهُمَا وَادٍ كَبِيرٌ جِدًّا يَمْتَدُّ مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الْغَرْبِ. وَيَنْتَقِلُ نِصْفُ الْجَبَلِ إِلَى الشَّمَالِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ إِلَى الْجَنُوبِ. وَتَهْرُبُونَ عَنْ طَرِيقِ وَادِي جَبَلِ الْمَوْلَى، لِأَنَّ جَبَلِي هَذَا يَمْتَدُّ إِلَى آصَلَ. فَتَهْرُبُونَ كَمَا هَرَبْتُمْ مِنَ الزِّلْزَالِ فِي أَيَّامِ عُزِّيَّا مَلِكِ يَهُوذَا. وَبَعْدَ ذَلِكَ يَأْتِي الْمَوْلَى إِلَهِي وَمَعَهُ كُلُّ الصَّالِحِينَ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا يَكُونُ حَرٌّ وَلَا بَرْدٌ وَلَا جَلِيدٌ. بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ يَوْمًا لَا مَثِيلَ لَهُ، بِلَا نَهَارٍ وَلَا لَيْلٍ، بَلْ حِينَ يَأْتِي الْمَسَاءُ يَكُونُ نُورٌ. وَالْمَوْلَى وَحْدَهُ يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي ذَلِكَ الْيَوْمُ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، تَجْرِي مِيَاهٌ عَذْبَةٌ مِنَ الْقُدْسِ صَيْفًا وَشِتَاءً، نِصْفُهَا يَذْهَبُ شَرْقًا إِلَى الْبَحْرِ الْمَيِّتِ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ غَرْبًا إِلَى الْبَحْرِ الْأَبْيَضِ الْمُتَوَسِّطِ. وَيَكُونُ الْمَوْلَى هُوَ مَلِكُ كُلِّ الْعَالَمِينَ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَكُونُ هُوَ الْإِلَهَ وَحْدَهُ، وَالْمَعْبُودَ وَحْدَهُ. وَتَتَحَوَّلُ الْأَرْضُ كُلُّهَا إِلَى سَهْلٍ مِنْ جِبْعَ إِلَى رِمُّونَ فِي جَنُوبِ الْقُدْسِ. وَتَرْتَفِعُ الْقُدْسُ وَتَثْبُتُ فِي مَكَانِهَا مِنْ بَوَّابَةِ بِنْيَمِينَ حَتَّى الْبَوَّابَةِ الْأُولَى وَبَوَّابَةِ الزَّاوِيَةِ، وَمِنْ بُرْجِ حَنَنْئِيلَ إِلَى مَعَاصِرِ الْمَلِكِ. وَتَعْمُرُ الْقُدْسُ بِالسُّكَّانِ، وَلَا تُخْرَبُ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَدًا، بَلْ تَكُونُ آمِنَةً. وَهَذَا هُوَ الْوَبَأُ الَّذِي يَضْرِبُ بِهِ الْمَوْلَى كُلَّ الْأُمَمِ الَّتِي حَارَبَتِ الْقُدْسَ: يَتَآكَلُ لَحْمُهُمْ وَهُمْ وَاقِفُونَ عَلَى أَرْجُلِهِمْ، وَتَتَآكَلُ عُيُونُهُمْ فِي نُقَرِهَا، وَتَتَآكَلُ أَلْسِنَتُهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يُصِيبُهُمُ الْمَوْلَى بِفَزَعٍ شَدِيدٍ يَحِلُّ بِهِمْ، فَيَقْبِضُ الْوَاحِدُ عَلَى الْآخَرِ، وَيَتَعَدَّى الْوَاحِدُ عَلَى الْآخَرِ. وَشَعْبُ يَهُوذَا أَيْضًا يُحَارِبُ فِي الْقُدْسِ، وَيَجْمَعُونَ ثَرْوَةَ كُلِّ الْأُمَمِ الَّتِي حَوْلَهَا: كَمِّيَّاتٍ كَبِيرَةً مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمَلَابِسِ. وَتُضْرَبُ الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْجِمَالُ وَالْحَمِيرُ وَكُلُّ الْبَهَائِمِ الَّتِي فِي مُعَسْكَرَاتِ الْعَدُوِّ، بِنَفْسِ هَذَا الْوَبَأِ. وَكُلُّ الَّذِينَ بَقَوْا مِنْ كُلِّ الْأُمَمِ الَّتِي هَجَمَتْ عَلَى الْقُدْسِ، يَأْتُونَ إِلَيْهَا كُلَّ سَنَةٍ لِيَعْبُدُوا الْمَلِكَ الْمَوْلَى الْقَدِيرَ، وَيُعَيِّدُوا عِيدَ الْخِيَامِ. وَمَنْ لَا يَذْهَبُ إِلَى الْقُدْسِ مِنْ شُعُوبِ الْأَرْضِ، لِيَعْبُدَ الْمَلِكَ الْمَوْلَى الْقَدِيرَ، لَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ مَطَرٌ. فَإِنْ كَانَ شَعْبُ مِصْرَ لَا يَذْهَبُ وَيَشْتَرِكُ فِي هَذَا، يُرْسِلُ عَلَيْهِمُ الْمَوْلَى الْوَبَأَ الَّذِي يَضْرِبُ بِهِ الْأُمَمَ الَّتِي لَا تَذْهَبُ لِتُعَيِّدَ عِيدَ الْخِيَامِ. فَيَكُونُ هَذَا عِقَابَ مِصْرَ وَعِقَابَ كُلِّ الْأُمَمِ الَّتِي لَا تَذْهَبُ لِتُعَيِّدَ عِيدَ الْخِيَامِ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَكُونُ مَنْقُوشًا عَلَى أَجْرَاسِ الْخَيْلِ: 'مُقَدَّسٌ للهِ.' وَتَكُونُ قُدُورُ الطَّبْخِ الَّتِي فِي بَيْتِ اللهِ مُقَدَّسَةً كَالْكُؤُوسِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْمَنَصَّةِ. بَلْ كُلُّ قُدُورِ الطَّبْخِ فِي الْقُدْسِ وَفِي يَهُوذَا تَكُونُ مُقَدَّسَةً لِلْمَوْلَى الْقَدِيرِ. وَكُلُّ مَنْ يُقَدِّمُ ضَحِيَّةً، يَأْتِي وَيَأْخُذُ مِنْهَا وَيَطْبُخُ فِيهَا. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا يَأْتِي التُّجَّارُ إِلَى بَيْتِ اللهِ الْقَدِيرِ. هَذَا كَلَامُ اللهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، جَاءَ بِالْوَحْيِ بِوَاسِطَةِ مَلَاخِي. قَالَ اللهُ: ”أَحْبَبْتُكُمْ.“ فَقُلْتُمْ: ”كَيْفَ أَحْبَبْتَنَا؟“ فَقَالَ: ”الْعِيصُ هُوَ أَخُو يَعْقُوبَ. وَلَكِنِّي أَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ، وَكَرِهْتُ الْعِيصَ، وَجَعَلْتُ جِبَالَهُ خَرَابًا، وَأَعْطَيْتُ بِلَادَهُ لِذِئَابِ الصَّحْرَاءِ.“ رُبَّمَا يَقُولُ أَهْلُ الْعِيصَ: ”مَعَ أَنَّنَا هُدِمْنَا، لَكِنَّنَا سَنَعُودُ وَنَبْنِي الْخَرَائِبَ.“ لَكِنَّ الْمَوْلَى الْقَدِيرَ يَقُولُ: ”هُمْ يَبْنُونَ وَأَنَا أَهْدِمُ! وَيَكُونُ اسْمُهُمْ ’بِلَادَ الْأَشْرَارِ‘ وَ ’الشَّعْبَ الَّذِي غَضِبَ عَلَيْهِ اللهُ إِلَى الْأَبَدِ.‘ وَتَرَوْنَ هَذَا بِعُيُونِكُمْ وَتَقُولُونَ: ’الْمَوْلَى عَظِيمٌ حَتَّى خَارِجَ حُدُودِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.‘“ وَقَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ”الِابْنُ يُكْرِمُ أَبَاهُ، وَالْعَبْدُ يُكْرِمُ سَيِّدَهُ. فَإِنْ كُنْتُ أَبًا فَأَيْنَ كَرَامَتِي، وَإِنْ كُنْتُ سَيِّدًا فَأَيْنَ مَهَابَتِي، أَيُّهَا الْأَحْبَارُ يَا مَنْ تَحْتَقِرُونَ اسْمِي؟ وَتَقُولُونَ: ’كَيْفَ احْتَقَرْنَا اسْمَكَ؟‘ اِحْتَقَرْتُمُوهُ بِأَنَّكُمْ تُقَدِّمُونَ عَلَى مَنَصَّتِي قَرَابِينَ نَجِسَةً. فَتَقُولُونَ: ’كَيْفَ نَجَّسْنَاهَا؟‘ نَجَّسْتُمُوهَا بِقَوْلِكُمْ إِنَّ مَائِدَةَ الْمَوْلَى مُحْتَقَرَةٌ! حِينَ تُقَدِّمُونَ لِيَ الْأَعْمَى ضَحِيَّةً، هَذَا شَرٌّ! وَحِينَ تُقَدِّمُونَ الْأَعْرَجَ وَالْمَرِيضَ، هَذَا شَرٌّ! قَدِّمْهُ لِحَاكِمِكَ، فَهَلْ يَرْضَى عَنْكَ؟ هَلْ يَقْبَلُكَ؟“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْقَدِيرِ. ”فَالْآنَ تَوَسَّلُوا إِلَى اللهِ، لِكَيْ يَرْأَفَ بِكُمْ. وَلَكِنَّهُ لَنْ يَقْبَلَ هَذِهِ الْقَرَابِينَ مِنْكُمْ.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْقَدِيرِ. ”كَانَ مِنَ الْأَفْضَلِ أَنْ يُغْلِقَ أَحَدُكُمْ بَابَ بَيْتِي تَمَامًا، بَدَلًا مِنْ أَنْ تُوقِدُوا عَلَى مَنَصَّتِي نَارًا بِلَا فَائِدَةٍ! أَنَا غَيْرُ رَاضٍ عَنْكُمْ، وَلَا أَقْبَلُ قَرَابِينَكُمْ.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْقَدِيرِ. ”اِسْمِي يُكْرَمُ بَيْنَ الْأُمَمِ مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الْغَرْبِ. وَفِي كُلِّ مَكَانٍ يُقَدِّمُونَ الْبَخُورَ وَالْقَرَابِينَ الطَّاهِرَةَ لِإِكْرَامِ اسْمِي، لِأَنَّهُ عَظِيمٌ بَيْنَ الْأُمَمِ.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْقَدِيرِ. ”وَلَكِنَّكُمْ تُنَجِّسُونَ اسْمِي بِأَنَّكُمْ تَعْتَبِرُونَ أَنَّ مَائِدَتِي نَجِسَةٌ، وَأَنَّ الطَّعَامَ الَّذِي عَلَيْهَا حَقِيرٌ. وَتَقُولُونَ: ’تَعِبْنَا مِنْ هَذَا!‘ وَتَسْتَهِينُونَ بِهِ، وَتُحْضِرُونَ الْمَجْرُوحَ وَالْأَعْرَجَ وَالْمَرِيضَ وَتُقَدِّمُونَهُ قُرْبَانًا. فَهَلْ أَقْبَلُ هَذَا مِنْكُمْ؟“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْقَدِيرِ. ”مَلْعُونٌ الْغَشَّاشُ الَّذِي عِنْدَهُ فِي قَطِيعِهِ ذَكَرٌ سَلِيمٌ، وَيَنْذِرُهُ لِلْمَوْلَى، وَلَكِنَّهُ يُقَدِّمُ لَهُ آخَرَ فِيهِ عَيْبٌ. لِأَنِّي مَلِكٌ عَظِيمٌ، وَالْأُمَمَ تَخَافُ اسْمِي.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْقَدِيرِ. ”وَالْآنَ، هَذِهِ الْوَصِيَّةُ هِيَ لَكُمْ أَيُّهَا الْأَحْبَارُ. إِنْ كُنْتُمْ لَا تَسْمَعُونَ لِي، وَلَا تَعْزِمُونَ مِنَ الْقَلْبِ أَنْ تُكْرِمُوا اسْمِي، فَإِنِّي أُرْسِلُ عَلَيْكُمْ لَعْنَةً، وَأَجْعَلُ بَرَكَتَكُمْ لَعْنَةً. بَلْ إِنِّي فِعْلًا جَعَلْتُهَا لَعْنَةً، لِأَنَّكُمْ لَمْ تَعْزِمُوا مِنَ الْقَلْبِ أَنْ تُكْرِمُونِي. ”وَبِسَبَبِكُمْ أُعَاقِبُ أَوْلَادَكُمْ، وَأَضَعُ عَلَى وُجُوهِكُمْ فَضَلَاتِ الْبَهَائِمِ الَّتِي عَيَّدْتُمْ بِهَا، وَأَطْرَحُكُمْ مَعَهَا بَعِيدًا. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَرْسَلْتُ لَكُمْ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ، لِكَيْ يَدُومَ عَهْدِي مَعَ بَنِي لَاوِي. هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْقَدِيرِ. فَإِنَّ عَهْدِي كَانَ مَعَهُمْ، فَأَعْطَيْتُهُمْ حَيَاةً وَسَلَامًا لِيُكْرِمُونِي، فَأَكْرَمُونِي وَخَافُوا اسْمِي. عَلَّمُوا شَرِيعَةَ الْحَقِّ، وَلَمْ يَنْطِقُوا بِالْكِذْبِ. سَارُوا مَعِي بِالسَّلَامِ وَالِاسْتِقَامَةِ، وَأَرْجَعُوا كَثِيرِينَ عَنِ الشَّرِّ. ”كَلَامُ الْحَبْرِ هُوَ مَعْرِفَةٌ، وَيَأْتِي النَّاسُ إِلَيْهِ لِيَتَعَلَّمُوا مِنْهُ الشَّرِيعَةَ، لِأَنَّهُ رَسُولُ الْمَوْلَى الْقَدِيرِ. أَمَّا أَنْتُمْ فَقَدِ انْحَرَفْتُمْ عَنِ الطَّرِيقِ، وَجَعَلْتُمُ الْكَثِيرِينَ يَعْثُرُونَ بِتَعْلِيمِكُمْ، وَنَقَضْتُمْ عَهْدِي مَعَ بَنِي لَاوِي.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْقَدِيرِ. ”لِهَذَا جَعَلْتُكُمْ مُحْتَقَرِينَ وَأَذِلَّاءَ عِنْدَ كُلِّ الشَّعْبِ، لِأَنَّكُمْ لَمْ تَسْلُكُوا فِي طُرُقِي بَلْ تَحَيَّزْتُمْ مَعَ هَذَا وَذَاكَ فِي تَطْبِيقِ الشَّرِيعَةِ.“ أَلَيْسَ لَنَا كُلِّنَا أَبٌ وَاحِدٌ؟ أَلَيْسَ إِلَهٌ وَاحِدٌ خَلَقَنَا؟ فَلِمَاذَا نَخُونُ بَعْضُنَا الْبَعْضَ، وَنُنَجِّسُ عَهْدَ اللهِ مَعَ آبَائِنَا؟ اِرْتَكَبَ يَهُوذَا خِيَانَةً، عَمِلَ الشَّعْبُ الشَّرَّ فِي أَرْضِ إِسْرَائِيلَ وَفِي الْقُدْسِ. فَإِنَّ يَهُوذَا نَجَّسَ الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ الَّذِي يُحِبُّهُ اللهُ، وَتَزَوَّجُوا نِسَاءً تَعْبُدُ آلِهَةً غَرِيبَةً. كُلُّ مَنْ يَعْمَلُ هَذَا، حَتَّى وَلَوْ كَانَ يُقَدِّمُ قَرَابِينَ لِلْمَوْلَى الْقَدِيرِ، فَإِنَّ الْمَوْلَى يُبِيدُهُ مِنْ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَتَعْمَلُونَ هَذَا أَيْضًا: تُغَطُّونَ مَنَصَّةَ الْمَوْلَى بِالدُّمُوعِ، وَتَبْكُونَ وَتَصْرُخُونَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَعُدْ يَنْتَبِهُ إِلَى قَرَابِينِكُمْ، وَلَا يَقْبَلُهَا مِنْكُمْ. وَتَقُولُونَ: ”لِمَاذَا؟“ لِأَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الشَّاهِدُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ امْرَأَةِ شَبَابِكَ. أَنْتَ تَخُونُهَا، مَعَ أَنَّهَا شَرِيكَتُكَ وَالْمَرْأَةُ الَّتِي عَمِلْتَ مَعَهَا عَهْدَ زَوَاجٍ. فَإِنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمَا وَاحِدًا فِي الْجِسْمِ وَالرُّوحِ. وَلِمَاذَا؟ لِكَيْ يَكُونَ لَكُمَا أَوْلَادٌ يَنْتَمُونَ للهِ. فَاحْذَرْ مِنْ أَنْ تَخُونَ امْرَأَةَ شَبَابِكَ. وَقَالَ الْمَوْلَى رَبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ”أَنَا أَكْرَهُ الطَّلَاقَ، وَأَكْرَهُ أَنْ يَظْلِمَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ وَكَأَنَّهُ يَلْبَسُ ثَوْبَهُ! فَاحْذَرُوا، لَا تَخُونُوا.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْقَدِيرِ. أَنْتُمْ أَتْعَبْتُمُ الْمَوْلَى بِكَلَامِكُمْ. وَتَقُولُونَ: ”كَيْفَ أَتْعَبْنَاهُ؟“ أَتْعَبْتُمُوهُ بِقَوْلِكُمْ: ”كُلُّ مَنْ يَعْمَلُ الشَّرَّ هُوَ صَالِحٌ فِي نَظَرِ اللهِ، وَيَفْرَحُ بِهِ.“ أَوْ: ”أَيْنَ الْإِلَهُ الْعَادِلُ؟“ ”أَنَا أَبْعَثُ رَسُولِي، لِكَيْ يُعِدَّ الطَّرِيقَ أَمَامِي. وَالْمَوْلَى الَّذِي تَنْتَظِرُونَهُ يَأْتِي فَجْأَةً إِلَى بَيْتِهِ، سَيَأْتِي رَسُولُ الْعَهْدِ الَّذِي تُرِيدُونَهُ.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْقَدِيرِ. ”وَلَكِنْ مَنْ يَحْتَمِلُ يَوْمَ مَجِيئِهِ؟ وَمَنْ يَثْبُتُ عِنْدَمَا يَأْتِي؟ لِأَنَّهُ سَيَكُونُ كَنَارٍ تُنَقِّي، وَكَصَابُونٍ يُنَظِّفُ. فَيَجْلِسُ كَمَنْ يَخْتَبِرُ الْفِضَّةَ وَيُنَقِّيهَا، فَيُنَقِّي بَنِي لَاوِي وَيُصَفِّيهِمْ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، لِكَيْ يُقَدِّمُوا لِلْمَوْلَى قَرَابِينَ صَالِحَةً. فَيَقْبَلُ الْمَوْلَى قَرَابِينَ يَهُوذَا وَالْقُدْسِ، كَمَا فِي الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ، كَمَا فِي السِّنِينَ السَّابِقَةِ.“ وَيَقُولُ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ”آتِي إِلَيْكُمْ لِأُحَاكِمَكُمْ، وَأَشْهَدَ بِسُرْعَةٍ ضِدَّ السَّحَرَةِ وَالزُّنَاةِ وَمَنْ يَحْلِفُونَ كِذْبًا وَمَنْ يَسْلُبُونَ أُجْرَةَ الْعُمَّالِ وَحَقَّ الْأَرَامِلِ وَالْأَيْتَامِ وَيَظْلِمُونَ الْغُرَبَاءَ وَلَا يَخَافُونِي. ”أَنَا الْمَوْلَى لَا أَتَغَيَّرُ، لِذَلِكَ أَنْتُمْ يَا بَنِي يَعْقُوبَ لَمْ تَفْنَوْا. مِنْ أَيَّامِ آبَائِكُمْ، أَنْتُمُ ابْتَعَدْتُمْ عَنْ فَرَائِضِي وَلَمْ تَعْمَلُوا بِهَا.“ فَالْمَوْلَى الْقَدِيرُ يَقُولُ: ”اِرْجِعُوا إِلَيَّ فَأَرْجِعَ إِلَيْكُمْ. وَلَكِنَّكُمْ تَقُولُونَ: ’كَيْفَ نَرْجِعُ؟‘ هَلْ يَسْرِقُ الْإِنْسَانُ مِنَ اللهِ؟ أَنْتُمْ سَرَقْتُمْ مِنِّي! وَتَقُولُونَ: ’مَاذَا سَرَقْنَا مِنْكَ؟‘ سَرَقْتُمْ مِنِّيَ الْعُشُورَ وَالْقَرَابِينَ. لِذَلِكَ لَعَنْتُكُمْ، لَعَنْتُ هَذِهِ الْأُمَّةَ كُلَّهَا، لِأَنَّكُمْ تَسْرِقُونَ مِنِّي.“ وَقَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ”هَاتُوا كُلَّ الْعُشُورِ إِلَى الْمَخْزَنِ لِيَكُونَ فِي بَيْتِي طَعَامٌ. وَاخْتَبِرُونِي بِهَذَا، فَإِنِّي أَفْتَحُ لَكُمْ بَوَّابَاتِ السَّمَاءِ، وَأُفِيضُ عَلَيْكُمْ بَرَكَةً حَتَّى لَا يَتَّسِعَ لَهَا مَكَانٌ. وَأَمْنَعُ عَنْكُمُ الْحَشَرَاتِ، فَلَا تَأْكُلُ مَحَاصِيلَ الْأَرْضِ، وَلَا يَسْقُطُ الْعِنَبُ مِنَ الْكَرْمِ قَبْلَ مَا يَنْضَجُ فِي الْحَقْلِ.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْقَدِيرِ. ”وَكُلُّ الْأُمَمِ تَدْعُوكُمُ الشَّعْبَ الْمُبَارَكَ. لِأَنَّ بِلَادَكُمْ تَكُونُ بِلَادَ الْفَرَحِ.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْقَدِيرِ. وَقَالَ الْمَوْلَى: ”أَنْتُمْ قُلْتُمْ عَلَيَّ كَلَامًا قَاسِيًا. وَتَسْأَلُونَ: ’مَاذَا قُلْنَا عَلَيْكَ؟‘ قُلْتُمْ: ’لَا فَائِدَةَ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ. مَاذَا رَبِحْنَا مِنْ تَنْفِيذِ أَوَامِرِهِ، وَمِنْ نَدَمِنَا أَمَامَهُ عَلَى مَا عَمِلْنَا؟ بَلْ وَجَدْنَا أَنَّ الْمُتَكَبِّرِينَ سُعَدَاءُ، وَالَّذِينَ يَعْمَلُونَ الشَّرَّ يُفْلِحُونَ، وَالَّذِينَ يَتَحَدَّوْنَ اللهَ يَنْجُونَ.‘“ وَكَلَّمَ الَّذِينَ يَتَّقُونَ اللهَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَالْمَوْلَى أَصْغَى وَسَمِعَ كَلَامَهُمْ. وَتَمَّ تَسْجِيلُ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ فِي مَحْضَرِهِ، لِيَكُونَ مُذَكِّرًا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ الْمَوْلَى وَيُكْرِمُونَ اسْمَهُ. وَقَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ”هَؤُلَاءِ يَكُونُونَ لِي. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَجْعَلُهُمْ شَعْبًا خَاصًّا لِي. وَأَشْفِقُ عَلَيْهِمْ كَمَا يَشْفِقُ الْوَاحِدُ عَلَى ابْنِهِ الَّذِي يَخْدِمُهُ. عِنْدَ ذَلِكَ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تُمَيِّزُوا مَرَّةً أُخْرَى بَيْنَ الصَّالِحِ وَالشِّرِّيرِ، وَبَيْنَ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَمَنْ لَا يَعْبُدُهُ.“ قَالَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ: ”سَيَأْتِي يَوْمٌ يَحْرِقُ كَالْأَتُونِ. وَيَكُونُ كُلُّ الْمُتَكَبِّرِينَ وَكُلُّ مَنْ يَعْمَلُونَ الشَّرَّ كَالْقَشِّ. وَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي سَيَأْتِي يَحْرِقُهُمْ، فَلَا يَبْقَى لَهُمْ أَصْلٌ وَلَا فَرْعٌ. أَمَّا أَنْتُمْ يَا مَنْ تَتَّقُونَ اسْمِي، فَيُشْرِقُ عَلَيْكُمْ صَلَاحِي كَالشَّمْسِ، وَفِي أَشِعَّتِهِ شِفَاؤُكُمْ. فَتَخْرُجُونَ وَتَقْفِزُونَ كَعُجُولٍ خَرَجَتْ مِنَ الْحَظِيرَةِ. وَتَدُوسُونَ الْأَشْرَارَ، وَيَكُونُونَ رَمَادًا تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ، فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَعْمَلُ فِيهِ هَذَا.“ هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْقَدِيرِ. ”اُذْكُرُوا شَرِيعَةَ مُوسَى عَبْدِي، الْفَرَائِضَ وَالْوَصَايَا الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لَهُ فِي حُورِيبَ لِكُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ”وَسَأُرْسِلُ إِلَيْكُمُ النَّبِيَّ إِلْيَاسَ قَبْلَ مَا يَأْتِي يَوْمُ رَبِّنَا، ذَلِكَ الْيَوْمُ الْعَظِيمُ الْمُخِيفُ. فَيَرُدُّ قُلُوبَ الْآبَاءِ إِلَى أَبْنَائِهِمْ، وَقُلُوبَ الْأَبْنَاءِ إِلَى آبَائِهِمْ، لِئَلَّا آتِيَ وَأَضْرِبَ الْأَرْضَ بِلَعْنَةٍ.“ هَذَا سِجِلُّ نَسَبِ عِيسَى الْمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ ابْنِ إِبْرَاهِيمَ. إِبْرَاهِيمُ أَنْجَبَ إِسْحَاقَ، وَإِسْحَاقُ أَنْجَبَ يَعْقُوبَ، وَيَعْقُوبُ أَنْجَبَ يَهُوذَا وَإِخْوَتَهُ، وَيَهُوذَا أَنْجَبَ فَارِصَ وَزَارَحَ مِنْ تَامَارَ، وَفَارِصُ أَنْجَبَ حَاصِرَ، وَحَاصِرُ أَنْجَبَ آرَامَ، وَآرَامُ أَنْجَبَ عَمِينَادَابَ، وَعَمِينَادَابُ أَنْجَبَ نَاحِشَ، وَنَاحِشُ أَنْجَبَ سَالِـمَ، وَسَالِـمُ أَنْجَبَ بُوعَزَ مِنْ رَاحَابَ، وَبُوعَزُ أَنْجَبَ عُبَيْدَ مِنْ رَاعُوثَ، وَعُبَيْدُ أَنْجَبَ يَسَّى، وَيَسَّى أَنْجَبَ دَاوُدَ الْمَلِكَ. وَدَاوُدُ أَنْجَبَ سُلَيْمَانَ مِنْ أَرْمَلَةِ أُورِيَّا، وَسُلَيْمَانُ أَنْجَبَ رَحْبَعَامَ، وَرَحْبَعَامُ أَنْجَبَ أَبِيَّا، وَأَبِيَّا أَنْجَبَ آسَا، وَآسَا أَنْجَبَ يُوشَافَاطَ، وَيُوشَافَاطُ أَنْجَبَ يُورَامَ، وَيُورَامُ أَنْجَبَ عُزِّيَّا، وَعُزِّيَّا أَنْجَبَ يُوتَامَ، وَيُوتَامُ أَنْجَبَ آحَازَ، وَآحَازُ أَنْجَبَ حَزَقِيَّا، وَحَزَقِيَّا أَنْجَبَ مَنَسَّى، وَمَنَسَّى أَنْجَبَ أَمُونَ، وَأَمُونُ أَنْجَبَ يُوشِيَّا، وَيُوشِيَّا أَنْجَبَ يَكُنْيَا وَإِخْوَتَهُ وَقْتَ الْأَسْرِ إِلَى بَابِلَ. وَبَعْدَ الْأَسْرِ إِلَى بَابِلَ: يَكُنْيَا أَنْجَبَ سَأَلْتِيلَ، وَسَأَلْتِيلُ أَنْجَبَ زَرْبَابِلَ، وَزَرْبَابِلُ أَنْجَبَ أَبِيُودَ، وَأَبِيُودُ أَنْجَبَ أَلْيَاقِيمَ، وَأَلْيَاقِيمُ أَنْجَبَ عَازِرَ، وَعَازِرُ أَنْجَبَ صَادِقَ، وَصَادِقُ أَنْجَبَ أَخِيمَ، وَأَخِيمُ أَنْجَبَ أَلِيُودَ، وَأَلِيُودُ أَنْجَبَ أَلِعَازَرَ، وَأَلِعَازَرُ أَنْجَبَ مَتِينَ، وَمَتِينُ أَنْجَبَ يَعْقُوبَ، وَيَعْقُوبُ أَنْجَبَ يُوسِفَ رَجُلَ مَرْيَمَ أُمِّ عِيسَى الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ. فَجُمْلَةُ الْأَجْيَالِ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِلَى دَاوُدَ 14 جِيلًا، وَمِنْ دَاوُدَ إِلَى الْأَسْرِ الْبَابِلِيِّ 14 جِيلًا، وَمِنَ الْأَسْرِ الْبَابِلِيِّ إِلَى الْمَسِيحِ 14 جِيلًا. وَتَمَّتْ وِلَادَةُ عِيسَى الْمَسِيحِ كَمَا يَلِي: كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسِفَ، وَلَكِنْ قَبْلَ أَنْ تَسْكُنَ مَعَهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُّوسِ. وَكَانَ يُوسِفُ رَجُلُهَا صَالِحًا، فَلَمْ يَرْغَبْ فِي أَنْ يَفْضَحَهَا، بَلْ أَرَادَ أَنْ يَتْرُكَهَا سِرًّا. وَبَيْنَمَا هُوَ يُفَكِّرُ فِي هَذَا الْأَمْرِ، ظَهَرَ لَهُ مَلَاكُ اللهِ فِي حُلْمٍ وَقَالَ لَهُ: ”يَا يُوسِفُ ابْنَ دَاوُدَ، لَا تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ إِلَى دَارِكَ، فَهِيَ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُّوسِ. وَسَتَلِدُ ابْنًا وَأَنْتَ تُسَمِّيهِ عِيسَى لِأَنَّهُ سَيُنْقِذُ شَعْبَهُ مِنْ ذُنُوبِهِمْ.“ وَقَدْ تَمَّ كُلُّ هَذَا تَحْقِيقًا لِكَلَامِ اللهِ بِوَاسِطَةِ النَّبِيِّ الَّذِي قَالَ: ”الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَيَدْعُونَهُ عَمَّانُوئِيلَ.“ وَيَعْنِي: 'اللهُ مَعَنَا.' فَلَمَّا قَامَ يُوسِفُ مِنَ النَّوْمِ، فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ الْمَلَاكُ، وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ إِلَى دَارِهِ. لَكِنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ بِهَا حَتَّى وَلَدَتِ ابْنَهَا، وَدَعَاهُ عِيسَى. وَلَمَّا وُلِدَ عِيسَى فِي بَيْتَ لَحْمَ الَّتِي فِي مِنْطَقَةِ يَهُوذَا، فِي عَهْدِ الْمَلِكِ هِيرُودِسَ، جَاءَ عُلَمَاءُ مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الْقُدْسِ. وَسَأَلُوا: ”أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ، مَلِكُ الْيَهُودِ؟ نَحْنُ رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الشَّرْقِ، فَجِئْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ.“ فَلَمَّا بَلَغَ الْخَبَرُ الْمَلِكَ هِيرُودِسَ، اِنْزَعَجَ وَانْزَعَجَتْ مَعَهُ الْقُدْسُ كُلُّهَا. فَجَمَعَ رُؤَسَاءَ الْأَحْبَارِ وَفُقَهَاءَ الشَّعْبِ كُلَّهُمْ وَسَأَلَهُمْ: ”أَيْنَ يُولَدُ الْمَسِيحُ؟“ فَقَالُوا لَهُ: ”فِي بَيْتَ لَحْمَ فِي مِنْطَقَةِ يَهُوذَا، لِأَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ: ’يَا بَيْتَ لَحْمَ الَّتِي فِي أَرْضِ يَهُوذَا، أَنْتِ لَسْتِ صَغِيرَةَ الشَّأْنِ أَبَدًا بَيْنَ مُدُنِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَأْتِي الْحَاكِمُ الَّذِي يَرْعَى شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ.‘“ فَدَعَا هِيرُودِسُ الْعُلَمَاءَ سِرًّا وَعَرَفَ مِنْهُمْ بِالضَّبْطِ مَتَى ظَهَرَ النَّجْمُ. ثُمَّ أَرْسَلَهُمْ إِلَى بَيْتَ لَحْمَ وَقَالَ لَهُمْ: ”اِذْهَبُوا وَابْحَثُوا جَيِّدًا عَنِ الطِّفْلِ، وَعِنْدَمَا تَجِدُونَهُ أَخْبِرُونِي لِأَذْهَبَ أَنَا أَيْضًا وَأَسْجُدَ لَهُ.“ فَلَمَّا سَمِعُوا كَلَامَ الْمَلِكِ ذَهَبُوا. وَإِذَا النَّجْمُ الَّذِي رَأَوْهُ فِي الشَّرْقِ يَتَقَدَّمُهُمْ حَتَّى جَاءَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ الطِّفْلُ، وَتَوَقَّفَ فَوْقَهُ. فَلَمَّا رَأَوْا النَّجْمَ فَرِحُوا فَرَحًا عَظِيمًا جِدًّا. وَدَخَلُوا الدَّارَ، وَرَأَوْا الطِّفْلَ مَعَ أُمِّهِ مَرْيَمَ. فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا لَهُ، وَفَتَحُوا كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا مِنْ ذَهَبٍ وَبَخُورٍ وَمُرٍّ. ثُمَّ جَاءَهُمْ إِنْذَارٌ فِي حُلْمٍ لِكَيْ لَا يَرْجِعُوا إِلَى هِيرُودِسَ، فَذَهَبُوا إِلَى بِلَادِهِمْ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى. وَبَعْدَمَا ذَهَبُوا، ظَهَرَ مَلَاكُ اللهِ لِيُوسِفَ فِي حُلْمٍ وَقَالَ لَهُ: ”قُمْ وَخُذِ الطِّفْلَ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَأَقِمْ هُنَاكَ حَتَّى أُخْبِرَكَ، لِأَنَّ هِيرُودِسَ سَيَبْحَثُ عَنِ الطِّفْلِ لِيَقْتُلَهُ.“ فَقَامَ وَأَخَذَ الطِّفْلَ وَأُمَّهُ فِي اللَّيْلِ وَذَهَبَ إِلَى مِصْرَ. وَأَقَامَ هُنَاكَ حَتَّى مَاتَ هِيرُودِسُ، وَبِذَلِكَ تَمَّ كَلَامُ اللهِ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ: ”مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي.“ وَلَمَّا رَأَى هِيرُودِسُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ سَخِرُوا مِنْهُ، غَضِبَ جِدًّا. وَأَرْسَلَ وَقَتَلَ كُلَّ الْأَوْلَادِ الَّذِينَ فِي بَيْتَ لَحْمَ وَمَا حَوْلَهَا، الَّذِينَ عُمْرُهُمْ سَنَتَانِ أَوْ أَقَلُّ، بِحَسَبِ الْوَقْتِ الَّذِي عَرَفَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ. فَتَمَّ كَلَامُ اللهِ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ إِرْمِيَا: ”صَوْتٌ سُمِعَ فِي الرَّامَةِ، صُرَاخٌ وَبُكَاءٌ وَنَحِيبٌ شَدِيدٌ، رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلَادِهَا، وَتَرْفُضُ أَنْ تَتَعَزَّى لِأَنَّهُمْ مَاتُوا.“ وَلَمَّا مَاتَ هِيرُودِسُ، ظَهَرَ مَلَاكُ اللهِ لِيُوسِفَ فِي حُلْمٍ وَهُوَ فِي مِصْرَ، وَقَالَ لَهُ: ”قُمْ، وَخُذِ الطِّفْلَ وَأُمَّهُ وَاذْهَبْ إِلَى بِلَادِ إِسْرَائِيلَ، لِأَنَّ الَّذِينَ كَانُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ مَاتُوا.“ فَقَامَ وَأَخَذَ الطِّفْلَ وَأُمَّهُ وَذَهَبَ إِلَى بِلَادِ إِسْرَائِيلَ. لَكِنَّهُ لَمَّا سَمِعَ أَنَّ أَرْخِلَاوُسَ يَمْلِكُ عَلَى مِنْطَقَةِ يَهُوذَا مَكَانَ أَبِيهِ هِيرُودِسَ، خَافَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى هُنَاكَ. وَجَاءَهُ إِنْذَارٌ فِي حُلْمٍ، فَذَهَبَ إِلَى مِنْطَقَةِ الْجَلِيلِ، وَرَاحَ إِلَى مَدِينَةٍ اسْمُهَا النَّاصِرَةُ وَسَكَنَ فِيهَا، لِكَيْ يَتَحَقَّقَ مَا قَالَهُ الْأَنْبِيَاءُ إِنَّهُ يُدْعَى نَاصِرِيًّا. وَفِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، بَدَأَ يَحْيَى الْمُغَطِّسُ يُبَشِّرُ فِي صَحْرَاءِ يَهُوذَا وَيَقُولُ: ”تُوبُوا لِأَنَّ اللهَ أَوْشَكَ أَنْ يُقِيمَ مَمْلَكَتَهُ.“ وَيَحْيَى هَذَا، هُوَ الَّذِي تَحَدَّثَ عَنْهُ النَّبِيُّ إِشَعْيَا لَمَّا قَالَ إِنَّهُ: ”صَوْتٌ يَصْرُخُ فِي الصَّحْرَاءِ وَيَقُولُ: ’أَعِدُّوا طَرِيقَ رَبِّنَا، اِجْعَلُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً.‘“ وَكَانَ يَحْيَى يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ وَبَرِ الْجِمَالِ، وَحَوْلَ وَسَطِهِ حِزَامٌ مِنَ الْجِلْدِ، وَكَانَ يَأْكُلُ الْجَرَادَ وَالْعَسَلَ الْبَرِّيَّ. فَذَهَبَ إِلَيْهِ النَّاسُ مِنَ الْقُدْسِ وَكُلِّ مِنْطَقَةِ يَهُوذَا وَجَمِيعِ أَنْحَاءِ الْأُرْدُنِّ. وَاعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ فَغَطَّسَهُمْ فِي نَهْرِ الْأُرْدُنِّ. وَرَأَى يَحْيَى الْكَثِيرَ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ يَجِيئُونَ إِلَيْهِ لِلْغِطَاسِ فَقَالَ لَهُمْ: ”يَا أَوْلَادَ الْأَفَاعِي، مَنِ الَّذِي أَنْذَرَكُمْ لِتَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَبِ الْآتِي؟ اِعْمَلُوا أَعْمَالًا تَدُلُّ عَلَى أَنَّكُمْ تُبْتُمْ فِعْلًا. وَلَا تُفَكِّرُوا وَتَقُولُوا فِي أَنْفُسِكُمْ: ’إِبْرَاهِيمُ هُوَ أَبُونَا.‘ لِأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هَذِهِ الْحِجَارَةِ أَوْلَادًا لِإِبْرَاهِيمَ. الْفَأْسُ الْآنَ فِي وَضْعِ الِاسْتِعْدَادِ عَلَى جُذُورِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لَا تُثْمِرُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُرْمَى فِي النَّارِ. أَنَا أُغَطِّسُكُمْ فِي الْمَاءِ كَعَلَامَةٍ عَلَى أَنَّكُمْ تُبْتُمْ، وَلَكِنَّ الَّذِي يَجِيءُ بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي، وَأَنَا لَا أَسْتَحِقُّ أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ، هُوَ يُغَطِّسُكُمْ فِي الرُّوحِ الْقُدُّوسِ وَالنَّارِ. وَالْمِذْرَى بِيَدِهِ، فَيُنَقِّـي بَيْدَرَهُ، وَيَجْمَعُ قَمْحَهُ إِلَى الْمَخْزَنِ، أَمَّا التِّبْنُ فَيَحْرِقُهُ بِنَارٍ لَا تَنْطَفِئُ.“ ثُمَّ جَاءَ عِيسَى مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى الْأُرْدُنِّ، لِكَيْ يُغَطِّسَهُ يَحْيَى. فَحَاوَلَ يَحْيَى أَنْ يَمْنَعَهُ وَقَالَ لَهُ: ”أَنَا أَحْتَاجُ أَنَّكَ أَنْتَ تُغَطِّسُنِي، وَأَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ؟“ أَجَابَهُ عِيسَى: ”اِسْمَحِ الْآنَ، لِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ نَعْمَلَ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ مَشِيئَةِ اللهِ.“ فَوَافَقَ يَحْيَى. فَلَمَّا تَغَطَّسَ عِيسَى وَخَرَجَ فِي الْحَالِ مِنَ الْمَاءِ، اِنْفَتَحَتِ السَّمَاءُ وَرَأَى رُوحَ اللهِ يَنْزِلُ مِثْلَ حَمَامَةٍ وَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ. وَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ يَقُولُ: ”هَذَا هُوَ ابْنِيَ الْحَبِيبُ الَّذِي يُفَرِّحُنِي.“ ثُمَّ قَادَ الرُّوحُ الْقُدُّوسُ عِيسَى إِلَى الصَّحْرَاءِ لِيَمْتَحِنَهُ إِبْلِيسُ. وَبَعْدَمَا صَامَ 40 يَوْمًا وَ40 لَيْلَةً جَاعَ. فَجَاءَ إِبْلِيسُ وَقَالَ لَهُ: ”إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ، فَقُلْ لِهَذِهِ الْحِجَارَةِ أَنْ تَتَحَوَّلَ إِلَى خُبْزٍ.“ لَكِنَّ عِيسَى أَجَابَهُ: ”يَقُولُ الْكِتَابُ: ’لَا بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الْإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ.‘“ فَأَخَذَهُ إِبْلِيسُ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَأَوْقَفَهُ عَلَى قِمَّةِ بَيْتِ اللهِ، وَقَالَ لَهُ: ”إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ، فَاطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى تَحْتُ، لِأَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ: ’يُوصِي مَلَائِكَتَهُ بِكَ، فَيَحْمِلُونَكَ عَلَى أَيْدِيهِمْ فَلَا تَصْدِمُ رِجْلَكَ بِحَجَرٍ.‘“ فَقَالَ لَهُ عِيسَى: ”وَالْكِتَابُ يَقُولُ أَيْضًا: ’لَا تَمْتَحِنِ الْمَوْلَى إِلَهَكَ.‘“ ثُمَّ أَخَذَهُ إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ جِدًّا، وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا مِنْ عَظَمَةٍ، وَقَالَ لَهُ: ”أُعْطِيكَ هَذِهِ كُلَّهَا إِنْ كُنْتَ تَرْكَعُ وَتَسْجُدُ لِي.“ فَقَالَ لَهُ عِيسَى: ”اُبْعُدْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ، فَالْكِتَابُ يَقُولُ: ’اُسْجُدْ لِلْمَوْلَى إِلَهِكَ، وَاعْبُدْهُ هُوَ وَحْدَهُ.‘“ فَتَرَكَهُ إِبْلِيسُ، وَجَاءَتْ مَلَائِكَةٌ لِتَخْدِمَهُ. وَلَمَّا سَمِعَ عِيسَى أَنَّ يَحْيَى وُضِعَ فِي السِّجْنِ، رَجَعَ إِلَى الْجَلِيلِ. ثُمَّ تَرَكَ النَّاصِرَةَ، وَرَاحَ إِلَى كَفْرَنَاحُومَ وَسَكَنَ عِنْدَ شَاطِئِ الْبَحْرِ فِي بِلَادِ زَبُولُونَ وَنَفْتَالِي، لِيَتِمَّ مَا قَالَهُ النَّبِيُّ إِشَعْيَا: ”أَرْضُ زَبُولُونَ وَأَرْضُ نَفْتَالِي، الَّتِي عَلَى طَرِيقِ الْبَحْرِ غَرْبَ الْأُرْدُنِّ، فِي مِنْطَقَةِ جَلِيلِ الْأَجَانِبِ، الشَّعْبُ الَّذِي يَعِيشُ فِي الظَّلَامِ رَأَى نُورًا عَظِيمًا، وَالَّذِينَ يَعِيشُونَ فِي أَرْضِ الْمَوْتِ وَظِلَالِهِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ.“ وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ بَدَأَ عِيسَى يُبَشِّرُ وَيَقُولُ: ”تُوبُوا لِأَنَّ اللهَ أَوْشَكَ أَنْ يُقِيمَ مَمْلَكَتَهُ.“ وَبَيْنَمَا هُوَ سَائِرٌ عَلَى شَاطِئِ بُحَيْرَةِ الْجَلِيلِ، رَأَى أَخَوَيْنِ صَيَّادَيْنِ يَرْمِيَانِ شَبَكَةً فِي الْبُحَيْرَةِ، هُمَا سَمْعَانُ الَّذِي اسْمُهُ بُطْرُسُ وَأَخُوهُ أَنْدْرَاوِسُ. فَقَالَ لَهُمَا: ”اِتْبَعَانِي، أَجْعَلْكُمَا تَصِيدَانِ النَّاسَ!“ فَتَرَكَا الشِّبَاكَ حَالًا وَتَبِعَاهُ. وَسَارَ فِي طَرِيقِهِ، فَرَأَى أَخَوَيْنِ آخَرَيْنِ هُمَا يَعْقُوبُ بْنُ زَبَدِي وَأَخُوهُ يُوحَنَّا فِي قَارِبٍ مَعَ أَبِيهِمَا زَبَدِي يُجَهِّزَانِ شِبَاكَهُمَا. فَنَادَاهُمَا فَتَرَكَا الْقَارِبَ وَأَبَاهُمَا حَالًا وَتَبِعَا عِيسَى. وَكَانَ يَطُوفُ فِي كُلِّ الْجَلِيلِ، يُعَلِّمُ فِي بُيُوتِ الْعِبَادَةِ، وَيُعْلِنُ بُشْرَى قِيَامِ الْمَمْلَكَةِ، وَيَشْفِي النَّاسَ مِنْ كُلِّ مَرَضٍ وَدَاءٍ. فَذَاعَ صِيتُهُ فِي كُلِّ سُورْيَا، فَأَحْضَرُوا لَهُ جَمِيعَ الَّذِينَ كَانُوا مَرْضَى بِأَمْرَاضٍ مُتَنَوِّعَةٍ وَالْمُصَابِينَ بِأَوْجَاعٍ وَالَّذِينَ بِهِمْ شَيَاطِينُ وَالَّذِينَ عِنْدَهُمُ الصَّرَعُ وَالْمَشْلُولِينَ، فَشَفَاهُمْ. وَتَبِعَتْهُ جَمَاهِيرُ غَفِيرَةٌ مِنَ الْجَلِيلِ وَالْمُدُنِ الْعَشْرِ وَالْقُدْسِ وَمِنْطَقَةِ يَهُوذَا وَمِنْ شَرْقِ الْأُرْدُنِّ. فَلَمَّا رَأَى الْجُمْهُورَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ وَجَلَسَ. وَاقْتَرَبَ مِنْهُ تَلَامِيذُهُ، فَأَخَذَ يُعَلِّمُهُمْ وَقَالَ: ”هَنِيئًا لِلْمَسَاكِينِ فِي الرُّوحِ، لِأَنَّ لَهُمْ مَمْلَكَةَ اللهِ. هَنِيئًا لِلْحَزَانَى، لِأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ. هَنِيئًا لِلْوُدَعَاءِ، لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الْأَرْضَ. هَنِيئًا لِمَنْ يَجُوعُونَ وَيَعْطَشُونَ إِلَى الصَّلَاحِ، لِأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ. هَنِيئًا لِلرُّحَمَاءِ، لِأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ. هَنِيئًا لِمَنْ قُلُوبُهُمْ نَقِيَّةٌ، لِأَنَّهُمْ يُشَاهِدُونَ اللهَ. هَنِيئًا لِمَنْ يَصْنَعُونَ السَّلَامَ، لِأَنَّهُمْ يُدْعَوْنَ أَبْنَاءَ اللهِ. هَنِيئًا لِمَنْ يَضْطَهِدُهُمُ النَّاسُ مِنْ أَجْلِ الصَّلَاحِ، لِأَنَّ لَهُمْ نَصِيبًا فِي مَمْلَكَةِ اللهِ. هَنِيئًا لَكُمْ إِذَا شَتَمُوكُمْ وَاضْطَهَدُوكُمْ وَافْتَرَوْا عَلَيْكُمْ لِأَنَّكُمْ أَتْبَاعِي، اِفْرَحُوا وَابْتَهِجُوا، لِأَنَّ أَجْرَكُمْ فِي السَّمَاءِ عَظِيمٌ. فَإِنَّهُمُ اضْطَهَدُوا الْأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ بِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ. ”أَنْتُمْ مِلْحُ الْأَرْضِ. لَكِنْ إِذَا فَقَدَ الْمِلْحُ مُلُوحَتَهُ، لَا يُمْكِنُ أَنْ نَرُدَّ لَهُ طَعْمَهُ، وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لِشَيْءٍ، بَلْ يُرْمَى فِي الْخَارِجِ وَيَدُوسُهُ النَّاسُ. أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. مَدِينَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى جَبَلٍ لَا تَخْفَى عَنِ الْأَنْظَارِ. وَلَا أَحَدَ يُشْعِلُ الْمِصْبَاحَ وَيَضَعُهُ تَحْتَ الْمِكْيَالِ! بَلْ يَضَعُهُ عَلَى الْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِكُلِّ مَنْ فِي الدَّارِ. وَبِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ، يَجِبُ أَنْ يُضِيءَ نُورُكُمْ قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ وَيُسَبِّحُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ. ”لَا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لِأُلْغِيَ التَّوْرَاةَ أَوْ كُتُبَ الْأَنْبِيَاءِ، أَنَا جِئْتُ لَا لِأُلْغِيَهَا بَلْ لِأُكَمِّلَهَا. أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، مَا دَامَتِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ مَوْجُودَتَيْنِ، فَلَنْ يَسْقُطَ مِنَ الْكِتَابِ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ، بَلْ يَتِمُّ كُلُّ شَيْءٍ. فَمَنْ خَالَفَ وَلَوْ أَصْغَرَ وَصِيَّةٍ مِنْ هَذِهِ الْوَصَايَا، وَعَلَّمَ النَّاسَ أَنْ يَفْعَلُوا مِثْلَهُ، تَكُونُ لَهُ أَحَطُّ مَكَانَةٍ فِي مَمْلَكَةِ اللهِ. أَمَّا مَنْ عَمِلَ بِهَا وَعَلَّمَهَا، تَكُونُ لَهُ مَكَانَةٌ عَالِيَةٌ فِي مَمْلَكَةِ اللهِ. فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ، إِنْ كَانَ صَلَاحُكُمْ لَا يَزِيدُ عَنْ صَلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ، فَلَنْ تَدْخُلُوا مَمْلَكَةَ اللهِ. ”سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلنَّاسِ فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ: ’لَا تَقْتُلْ، وَمَنْ قَتَلَ يُوَاجِهُ الْقَضَاءَ.‘ أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ، مَنْ غَضِبَ عَلَى أَخِيهِ يُوَاجِهُ الْقَضَاءَ. وَمَنْ قَالَ لِأَخِيهِ: ’يَا تَافِهٌ‘، يُوَاجِهُ الْمَجْلِسَ الْأَعْلَى، وَمَنْ قَالَ لَهُ: ’يَا مُغَفَّلٌ‘، يُوَاجِهُ نَارَ جَهَنَّمَ. فَإِنْ قَدَّمْتَ هَدِيَّتَكَ عِنْدَ مَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ، وَهُنَاكَ تَذَكَّرْتَ أَنَّ أَخَاكَ لَهُ شَيْءٌ عَلَيْكَ، فَاتْرُكْ هَدِيَّتَكَ هُنَاكَ عِنْدَ الْمَنَصَّةِ، وَاذْهَبْ أَوَّلًا وَصَالِحْ أَخَاكَ، ثُمَّ تَعَالَ وَقَدِّمْ هَدِيَّتَكَ. حَاوِلْ أَنْ تُرْضِيَ خَصْمَكَ بِسُرْعَةٍ، حَتَّى وَأَنْتَ مَعَهُ فِي الطَّرِيقِ إِلَى الْمَحْكَمَةِ، لِئَلَّا يُسَلِّمَكَ إِلَى الْقَاضِي، وَالْقَاضِي يُسَلِّمُكَ إِلَى الشُّرْطِيِّ فَتُوضَعَ فِي السِّجْنِ. أَقُولُ لَكَ الْحَقَّ، لَنْ تَخْرُجَ مِنْ هُنَاكَ حَتَّى تَدْفَعَ آخِرَ فِلْسٍ عَلَيْكَ. ”سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: ’لَا تَزْنِ.‘ أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ، مَنْ نَظَرَ إِلَى امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ. فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ الْيُمْنَى تُسَبِّبُ لَكَ أَنْ تَسْقُطَ، اِقْلَعْهَا وَارْمِهَا بَعِيدًا، فَأَحْسَنُ لَكَ أَنْ تَفْقِدَ عُضْوًا مِنْكَ وَلَا تُرْمَى بِجُمْلَتِكَ فِي الْجَحِيمِ. وَإِنْ كَانَتْ يَدُكَ الْيُمْنَى تُسَبِّبُ لَكَ أَنْ تَسْقُطَ، اِقْطَعْهَا وَارْمِهَا بَعِيدًا، فَأَحْسَنُ لَكَ أَنْ تَفْقِدَ عُضْوًا مِنْكَ وَلَا تَذْهَبَ بِجُمْلَتِكَ إِلَى الْجَحِيمِ. ”وَقِيلَ: ’مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَيَجِبُ أَنْ يُعْطِيَهَا شَهَادَةَ طَلَاقٍ.‘ أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ، كُلُّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ لَمْ تَزْنِ، يَجْعَلُهَا زَانِيَةً، وَمَنْ يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ يَزْنِي. ”وَسَمِعْتُمْ أَيْضًا أَنَّهُ قِيلَ لِلنَّاسِ فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ: ’لَا تَتَرَاجَعْ عَنْ وَعْدِكَ، بَلْ أَعْطِ اللهَ مَا حَلَفْتَ بِهِ.‘ أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ، لَا تَحْلِفُوا أَبَدًا، لَا بِالسَّمَاءِ لِأَنَّهَا عَرْشُ اللهِ، وَلَا بِالْأَرْضِ لِأَنَّهَا الْمَكَانُ الَّذِي يَضَعُ فِيهِ قَدَمَيْهِ، وَلَا بِالْقُدْسِ لِأَنَّهَا مَدِينَةُ الْمَلِكِ الْعَظِيمِ. وَلَا تَحْلِفْ بِرَأْسِكَ، لِأَنَّكَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تَجْعَلَ حَتَّى شَعْرَةً وَاحِدَةً بَيْضَاءَ أَوْ سَوْدَاءَ. بَلْ عِنْدَمَا يَكُونُ قَصْدُكَ نَعَمْ، تَقُولُ: ’نَعَمْ‘، وَعِنْدَمَا يَكُونُ قَصْدُكَ لَا، تَقُولُ: ’لَا.‘ وَمَا زَادَ عَلَى هَذَا فَهُوَ مِنَ الشِّرِّيرِ. ”سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: ’عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ.‘ أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ، لَا تَنْتَقِمُوا مِنَ الَّذِي يُسِيءُ إِلَيْكُمْ، بَلْ مَنْ ضَرَبَكَ عَلَى خَدِّكَ الْأَيْمَنِ، فَحَوِّلْ لَهُ الْآخَرَ. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَكِيَكَ لِيَأْخُذَ قَمِيصَكَ، فَاتْرُكْ لَهُ ثَوْبَكَ أَيْضًا. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُسَخِّرَكَ لِتَمْشِيَ كِيلُومِتْرًا وَاحِدًا، فَاذْهَبْ مَعَهُ كِيلُومِتْرَيْنِ. أَعْطِ مَنْ سَأَلَكَ، وَلَا تَرُدَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْكَ. ”سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: ’أَحِبَّ الْآخَرِينَ، وَاكْرَهْ عَدُوَّكَ.‘ أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ، أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، وَادْعُوا بِالْخَيْرِ لِلَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ. لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، لِأَنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الْأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ وَيُمْطِرُ عَلَى الْأَتْقِيَاءِ وَالظَّالِمِينَ. فَإِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ مَنْ يُحِبُّكُمْ، فَمَا هُوَ أَجْرُكُمْ؟ حَتَّى جُبَاةُ الضَّرَائِبِ يَفْعَلُونَ هَذَا! وَإِنْ كُنْتُمْ لَا تُسَلِّمُونَ إِلَّا عَلَى إِخْوَانِكُمْ، فَهَلْ فِي هَذَا شَيْءٌ غَيْرُ عَادِيٍّ؟ حَتَّى الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ اللهَ يَفْعَلُونَ هَذَا! إِذَنْ كُونُوا كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَائِيَّ كَامِلٌ. ”إِيَّاكُمْ أَنْ تُمَارِسُوا وَاجِبَاتِكُمُ الدِّينِيَّةَ فِي الظَّاهِرِ بِقَصْدِ أَنْ يَرَاكُمُ النَّاسُ. وَإِلَّا لَنْ يَكُونَ لَكُمْ أَجْرٌ عِنْدَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ. عِنْدَمَا تُعْطِي صَدَقَةً، فَلَا تُعْلِنْهَا لِلْجَمِيعِ كَمَا يَفْعَلُ الْمُنَافِقُونَ فِي بَيْتِ الْعِبَادَةِ وَالشَّارِعِ لِكَيْ يَمْدَحَهُمُ النَّاسُ. أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، إِنَّهُمْ نَالُوا أَجْرَهُمْ. بَلْ عِنْدَمَا تُعْطِي صَدَقَةً، لَا تُعَرِّفْ شِمَالَكَ بِمَا تَعْمَلُهُ يَمِينُكَ، لِكَيْ تَكُونَ صَدَقَتُكَ فِي الْخَفَاءِ وَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى مَا يُعْمَلُ فِي الْخَفَاءِ يُعْطِيكَ الثَّوَابَ. ”وَمَتَى صَلَّيْتُمْ فَلَا تَكُونُوا كَالْمُنَافِقِينَ، لِأَنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ يَقِفُوا لِلصَّلَاةِ فِي بَيْتِ الْعِبَادَةِ وَعِنْدَ مُلْتَقَى الطُّرُقِ لِكَيْ يَرَاهُمُ النَّاسُ. أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، إِنَّهُمْ نَالُوا أَجْرَهُمْ. بَلْ عِنْدَمَا تُصَلِّي، اُدْخُلْ غُرْفَتَكَ، وَاقْفِلِ الْبَابَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي لَا يَرَاهُ أَحَدٌ. وَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى مَا يُعْمَلُ فِي الْخَفَاءِ يُعْطِيكَ الثَّوَابَ. ”وَمَتَى صَلَّيْتُمْ فَلَا تُكَرِّرُوا كَلَامًا فَارِغًا كَالْوَثَنِيِّينَ، فَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ كُلَّمَا كَثُرَ كَلَامُهُمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ. فَلَا تَكُونُوا مِثْلَهُمْ. لِأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ احْتِيَاجَاتِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ. ”صَلُّوا أَنْتُمْ بِمِثْلِ هَذِهِ الصَّلَاةِ: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاءِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِتَأْتِ مَمْلَكَتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ عَلَى الْأَرْضِ كَمَا هِيَ فِي السَّمَاءِ. اُرْزُقْنَا الْيَوْمَ مَا يَكْفِينَا مِنْ خُبْزٍ. وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا، كَمَا نُسَامِحُ نَحْنُ الْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. وَلَا تُدْخِلْنَا فِي مِحْنَةٍ، بَلْ أَنْقِذْنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لِأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ وَالْقُوَّةَ وَالْجَلَالَ إِلَى الْأَبَدِ. آمِينَ. ”فَإِنْ سَامَحْتُمُ النَّاسَ عَلَى أَخْطَائِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمُ السَّمَائِيُّ. وَإِنْ لَمْ تُسَامِحُوا النَّاسَ، لَا يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَخْطَاءَكُمْ. ”وَمَتَى صُمْتُمْ، فَلَا تَكُونُوا عَابِسِينَ كَالْمُنَافِقِينَ، فَإِنَّهُمْ يُكَشِّرُونَ وُجُوهَهُمْ لِيَظْهَرُوا لِلنَّاسِ صَائِمِينَ. أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، إِنَّهُمْ نَالُوا أَجْرَهُمْ. بَلْ عِنْدَمَا تَصُومُ، اِدْهِنْ رَأْسَكَ وَاغْسِلْ وَجْهَكَ، لِكَيْ لَا يَظْهَرَ لِلنَّاسِ أَنَّكَ صَائِمٌ، بَلْ فَقَطْ لِأَبِيكَ الَّذِي لَا يَرَاهُ أَحَدٌ. وَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى مَا يُعْمَلُ فِي الْخَفَاءِ يُعْطِيكَ الثَّوَابَ. ”لَا تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِي الْأَرْضِ حَيْثُ يُفْسِدُهَا الْعُثُّ وَالصَّدَأُ، وَحَيْثُ يَنْقُبُ اللُّصُوصُ وَيَسْرِقُونَ. بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِي السَّمَاءِ حَيْثُ لَا يُفْسِدُ عُثٌّ أَوْ صَدَأٌ، وَحَيْثُ لَا يَنْقُبُ لُصُوصٌ لِيَسْرِقُوا. لِأَنَّ قَلْبَكَ يَكُونُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ كَنْزُكَ. ”الْعَيْنُ مِصْبَاحُ الْجِسْمِ. فَإِذَا كَانَتْ عَيْنُكَ سَلِيمَةً، يَكُونُ جِسْمُكَ كُلُّهُ مُنَوَّرًا. وَإِذَا كَانَتْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةً، يَكُونُ جِسْمُكَ كُلُّهُ مُظْلِمًا. فَإِنْ كَانَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلَامًا، فَمَا أَشَدَّ الظَّلَامَ فِـيكَ! ”لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكْرَهَ الْأَوَّلَ وَيُحِبَّ الثَّانِيَ، أَوْ يَكُونَ مُخْلِصًا لِلْأَوَّلِ وَيَحْتَقِرَ الثَّانِيَ. لَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ مَعًا. ”هَذَا هُوَ السَّبَبُ أَنِّي أَقُولُ لَكُمْ أَنْ لَا تَقْلَقُوا عَلَى طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ لِمَعِيشَتِكُمْ، وَلَا عَلَى مَلَابِسَ لِأَجْسَامِكُمْ. أَلَيْسَتِ الْحَيَاةُ أَهَمَّ مِنَ الطَّعَامِ وَالْجِسْمُ أَهَمَّ مِنَ الْمَلَابِسِ؟ اُنْظُرُوا إِلَى طُيُورِ السَّمَاءِ، إِنَّهَا لَا تَزْرَعُ وَلَا تَحْصُدُ وَلَا تَجْمَعُ فِي مَخَازِنَ، وَأَبُوكُمُ السَّمَائِيُّ يَرْزُقُهَا. أَلَسْتُمْ أَهَمَّ مِنْهَا بِكَثِيرٍ؟ هَلْ يَقْدِرُ وَاحِدٌ مِنْكُمْ، مَهْمَا قَلِقَ، أَنْ يُضِيفَ وَلَوْ سَاعَةً وَاحِدَةً إِلَى عُمْرِهِ؟ وَلِمَاذَا تَقْلَقُونَ عَلَى الْمَلَابِسِ؟ تَأَمَّلُوا زَنَابِقَ الْحَقْلِ وَكَيْفَ تَنْمُو، إِنَّهَا لَا تَتْعَبُ وَلَا تَغْزِلُ. لَكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ، وَلَا حَتَّى سُلَيْمَانُ فِي كُلِّ جَلَالِهِ كَانَ يَلْبَسُ مِثْلَ وَاحِدَةٍ مِنْهَا. فَإِنْ كَانَ الْعُشْبُ الَّذِي يُوجَدُ الْيَوْمَ فِي الْحَقْلِ وَيُرْمَى غَدًا فِي النَّارِ، يُلْبِسُهُ اللهُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، أَلَا يُلْبِسُكُمْ أَنْتُمْ بِالْأَوْلَى يَا قَلِيلِي الْإِيمَانِ! فَلَا تَقْلَقُوا وَتَقُولُوا: ’مَاذَا نَأْكُلُ؟‘ أَوْ: ’مَاذَا نَشْرَبُ؟‘ أَوْ: ’مَاذَا نَلْبَسُ؟‘ كُلُّ هَذِهِ الْأُمُورِ يَجْرِي وَرَاءَهَا أَهْلُ الدُّنْيَا، وَأَبُوكُمُ السَّمَائِيُّ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَيْهَا كُلِّهَا. بَلِ اطْلُبُوا أَوَّلًا أَنْ تَمْتَدَّ مَمْلَكَةُ اللهِ وَيَسُودَ صَلَاحُهُ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ كُلُّهَا تُعْطَى لَكُمْ بِالْإِضَافَةِ إِلَى ذَلِكَ. فَلَا تَقْلَقُوا عَلَى الْغَدِ، لِأَنَّ الْغَدَ يَهْتَمُّ بِنَفْسِهِ، يَكْفِي كُلَّ يَوْمٍ مَا فِيهِ مِنْ مَشَاكِلَ. ”لَا تَحْكُمُوا عَلَى أَحَدٍ، وَبِذَلِكَ لَا يَحْكُمُ عَلَيْكُمْ غَيْرُكُمْ. لِأَنَّهُ كَمَا تَحْكُمُونَ عَلَى الْآخَرِينَ، يُحْكَمُ عَلَيْكُمْ. وَالْكَيْلُ الَّذِي تَكِيلُونَ بِهِ لِلْآخَرِينَ، هُوَ نَفْسُهُ يُكَالُ بِهِ لَكُمْ. لِمَاذَا تَنْظُرُ إِلَى الْقَشَّةِ الَّتِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَلَا تُلَاحِظُ لَوْحَ الْخَشَبِ الَّذِي فِي عَيْنِكَ؟ بَلْ كَيْفَ تَقُولُ لِأَخِيكَ: ’خَلِّنِي أُخْرِجُ الْقَشَّةَ مِنْ عَيْنِكَ‘، بَيْنَمَا اللَّوْحُ فِي عَيْنِكَ أَنْتَ؟ يَا مُنَافِقُ، أَخْرِجِ اللَّوْحَ مِنْ عَيْنِكَ أَوَّلًا، فَيُمْكِنَكَ أَنْ تَرَى لِتُخْرِجَ الْقَشَّةَ مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ. ”لَا تُعْطُوا الْأَشْيَاءَ الْمُقَدَّسَةَ لِلْكِلَابِ، وَلَا تَرْمُوا جَوَاهِرَكُمْ لِلْخَنَازِيرِ، لِئَلَّا تَدُوسَهَا بِأَرْجُلِهَا ثُمَّ تَنْقَلِبَ عَلَيْكُمْ وَتُمَزِّقَكُمْ. ”اِسْأَلُوا تُعْطَوْا، اُطْلُبُوا تَجِدُوا، اُطْرُقُوا عَلَى الْبَابِ يُفْتَحْ لَكُمْ. لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَنَالُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَطْرُقُ عَلَى الْبَابِ يُفْتَحُ لَهُ. مَنْ مِنْكُمْ إِذَا طَلَبَ ابْنُهُ مِنْهُ خُبْزًا يُعْطِيهِ حَجَرًا؟ أَوْ إِذَا طَلَبَ سَمَكَةً يُعْطِيهِ حَيَّةً؟ فَإِنْ كُنْتُمْ أَنْتُمُ الْأَشْرَارُ، تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا عَطَايَا صَالِحَةً لِأَوْلَادِكُمْ، فَكَمْ بِالْأَوْلَى أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ يُعْطِي الْخَيْرَاتِ لِلَّذِينَ يَطْلُبُونَ مِنْهُ! ”عَامِلُوا الْآخَرِينَ كَمَا تُرِيدُونَ أَنْ يُعَامِلُوكُمْ. هَذَا مُلَخَّصُ مَا وَرَدَ فِي التَّوْرَاةِ وَكُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ. ”اُدْخُلُوا مِنَ الْبَابِ الضَّيِّقِ، لِأَنَّ طَرِيقَ الْهَلَاكِ هُوَ بَابٌ وَاسِعٌ وَسَبِيلٌ سَهْلٌ، وَكَثِيرُونَ يَدْخُلُونَ مِنْهُ. وَطَرِيقَ الْحَيَاةِ هُوَ بَابٌ ضَيِّقٌ وَسَبِيلٌ صَعْبٌ، وَقَلِيلُونَ يَجِدُونَهُ. ”اِحْذَرُوا مِمَّنْ يَدَّعُونَ النُّبُوَّةَ الَّذِينَ يَأْتُونَ إِلَيْكُمْ كَحُمْلَانٍ بَرِيئَةٍ، وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ ذِئَابٌ مُفْتَرِسَةٌ. مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ، هَلْ يُمْكِنُ أَنْ نَجْنِيَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَبًا أَوْ مِنَ الْعُلَّيْقِ تِينًا؟ كُلُّ شَجَرَةٍ صَالِحَةٍ تُعْطِي ثَمَرًا صَالِحًا، وَالشَّجَرَةُ الرَّدِيئَةُ تُعْطِي ثَمَرًا رَدِيئًا. لَا يُمْكِنُ لِلشَّجَرَةِ الصَّالِحَةِ أَنْ تُعْطِيَ ثَمَرًا رَدِيئًا، وَلَا لِلشَّجَرَةِ الرَّدِيئَةِ أَنْ تُعْطِيَ ثَمَرًا صَالِحًا. كُلُّ شَجَرَةٍ لَا تُعْطِي ثَمَرًا صَالِحًا، تُقْطَعُ وَتُرْمَى فِي النَّارِ. إِذَنْ مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. ”لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: ’يَا سَيِّدِي! يَا سَيِّدِي!‘ يَدْخُلُ مَمْلَكَةَ اللهِ، بَلْ مَنْ يَعْمَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاءِ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي: ’يَا سَيِّدِي! يَا سَيِّدِي! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ طَرَدْنَا الشَّيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ عَمِلْنَا مُعْجِزَاتٍ كَثِيرَةً؟‘ فَأَقُولُ لَهُمْ عَلَنًا: ’أَنَا لَا أَعْرِفُكُمْ أَبَدًا، اِبْتَعِدُوا عَنِّي أَيُّهَا الْأَشْرَارُ.‘ ”إِذَنْ كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ كَلَامِي هَذَا وَيَعْمَلُ بِهِ يَكُونُ مِثْلَ رَجُلٍ عَاقِلٍ بَنَى دَارَهُ عَلَى الصَّخْرِ. فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ السُّيُولُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ. وَضَرَبَتْ تِلْكَ الدَّارَ فَلَمْ تَسْقُطْ، لِأَنَّهَا كَانَتْ مُؤَسَّسَةً عَلَى الصَّخْرِ. وَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ كَلَامِي هَذَا وَلَا يَعْمَلُ بِهِ، يَكُونُ مِثْلَ رَجُلٍ جَاهِلٍ بَنَى دَارَهُ عَلَى الرَّمْلِ. فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ السُّيُولُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَصَدَمَتْ تِلْكَ الدَّارَ، فَسَقَطَتْ وَتَحَطَّمَتْ تَمَامًا.“ وَلَمَّا انْتَهَى عِيسَى مِنْ هَذَا الْكَلَامِ تَعَجَّبَتِ الْجَمَاهِيرُ مِنْ تَعْلِيمِهِ. لِأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ بِسُلْطَانٍ وَلَيْسَ مِثْلَ فُقَهَائِهِمْ. وَلَمَّا نَزَلَ مِنَ الْجَبَلِ، تَبِعَتْهُ جَمَاهِيرُ غَفِيرَةٌ. فَجَاءَ إِلَيْهِ رَجُلٌ أَبْرَصُ وَسَجَدَ لَهُ وَقَالَ: ”يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ، فَأَنْتَ تَقْدِرُ أَنْ تَشْفِيَنِي.“ فَمَدَّ عِيسَى يَدَهُ وَلَمَسَهُ وَقَالَ لَهُ: ”أُرِيدُ، فَاشْفَ.“ وَفِي الْحَالِ شُفِيَ مِنْ بَرَصِهِ. فَقَالَ لَهُ عِيسَى: ”إِيَّاكَ أَنْ تُخْبِرَ أَحَدًا. بَلِ اذْهَبْ إِلَى الْحَبْرِ وَأَرِهِ نَفْسَكَ، وَقَدِّمِ الْهَدِيَّةَ الَّتِي أَمَرَ بِهَا مُوسَى كَبُرْهَانٍ لَهُمْ أَنَّكَ شُفِيتَ.“ وَلَمَّا دَخَلَ كَفْرَنَاحُومَ، جَاءَهُ ضَابِطٌ بِرُتْبَةِ قَائِدِ مِئَةٍ وَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ وَقَالَ: ”يَا سَيِّدُ، خَادِمِي رَاقِدٌ فِي الْفِرَاشِ فِي الدَّارِ، مَشْلُولٌ وَيُعَانِي أَشَدَّ الْأَلَمِ.“ فَقَالَ لَهُ عِيسَى: ”أَنَا أَرُوحُ وَأَشْفِيهِ.“ أَجَابَ الضَّابِطُ: ”يَا سَيِّدُ، أَنَا لَا أَسْتَحِقُّ أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفِي، وَلَكِنْ يَكْفِي أَنْ تَأْمُرَ فَقَطْ فَيُشْفَى خَادِمِي. أَنَا عَارِفٌ هَذَا، لِأَنِّي أَنَا نَفْسِي لِي رُؤَسَاءُ، وَأَيْضًا تَحْتِي جُنُودٌ، أَقُولُ لِهَذَا: ’اِذْهَبْ‘، فَيَذْهَبُ، وَلِآخَرَ: ’تَعَالَ‘، فَيَأْتِي، وَلِعَبْدِي: ’اِعْمَلْ هَذَا‘، فَيَعْمَلُ.“ فَلَمَّا سَمِعَ عِيسَى هَذَا تَعَجَّبَ، وَقَالَ لِلَّذِينَ يَتْبَعُونَهُ: ”أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، لَمْ أَجِدْ وَاحِدًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ عِنْدَهُ مِثْلُ هَذَا الْإِيمَانِ. أُؤَكِّدُ لَكُمْ أَنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ مِنَ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، وَيَجْلِسُونَ إِلَى الْمَائِدَةِ مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ فِي مَمْلَكَةِ اللهِ. أَمَّا مَنْ لَهُمُ الْمَمْلَكَةُ فَيُطْرَحُونَ خَارِجًا فِي الظَّلَامِ، هُنَاكَ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الْأَسْنَانِ.“ وَقَالَ عِيسَى لِلضَّابِطِ: ”اِذْهَبْ، حَسَبَ إِيمَانِكَ سَتَحْصُلُ عَلَى مَا طَلَبْتَ.“ فَشُفِيَ الْخَادِمُ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ نَفْسِهَا. وَجَاءَ عِيسَى إِلَى دَارِ بُطْرُسَ، فَوَجَدَ حَمَاةَ بُطْرُسَ رَاقِدَةً فِي الْفِرَاشِ مَرِيضَةً بِالْحُمَّى. فَلَمَسَ يَدَهَا، فَتَرَكَتْهَا الْحُمَّى وَقَامَتْ وَبَدَأَتْ تَخْدِمُهُ. وَلَمَّا أَقْبَلَ الْمَسَاءُ، أَحْضَرُوا لَهُ كَثِيرِينَ فِيهِمْ شَيَاطِينُ، فَطَرَدَ الْأَرْوَاحَ الشِّرِّيرَةَ بِكَلِمَةٍ، وَشَفَى جَمِيعَ الْمَرْضَى. وَبِذَلِكَ تَمَّ قَوْلُ النَّبِيِّ إِشَعْيَا: ”حَمَلَ أَمْرَاضَنَا وَأَزَالَ أَسْقَامَنَا.“ وَلَمَّا رَأَى عِيسَى الْجُمْهُورَ حَوْلَهُ، أَمَرَ بِالذَّهَابِ إِلَى الشَّاطِئِ الْآخَرِ. وَجَاءَ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ لَهُ: ”يَا مُعَلِّمُ، أَتْبَعُكَ فِي أَيِّ مَكَانٍ تَذْهَبُ إِلَيْهِ.“ فَقَالَ لَهُ عِيسَى: ”لِلثَّعْلَبِ جُحْرٌ وَلِلطَّيْرِ عُشٌ، أَمَّا الَّذِي صَارَ بَشَرًا فَلَيْسَ لَهُ مَكَانٌ يُسْنِدُ فِيهِ رَأْسَهُ.“ وَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ آخَرُ مِنْ تَلَامِيذِهِ: ”يَا سَيِّدُ، اِسْمَحْ لِي أَوَّلًا أَنْ أَذْهَبَ وَأَدْفِنَ وَالِدِي.“ لَكِنَّ عِيسَى قَالَ لَهُ: ”اِتْبَعْنِي، وَخَلِّ الْمَوْتَى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ.“ وَرَكِبَ الْقَارِبَ فَتَبِعَهُ تَلَامِيذُهُ. وَهَبَّتْ عَاصِفَةٌ شَدِيدَةٌ عَلَى الْبُحَيْرَةِ فَغَّطَتِ الْأَمْوَاجُ الْقَارِبَ، وَكَانَ عِيسَى نَائِمًا. فَرَاحُوا وَأَيْقَظُوهُ وَقَالُوا: ”يَا سَيِّدُ، أَنْقِذْنَا، نَحْنُ عَلَى وَشْكِ الْغَرَقِ!“ فَقَالَ لَهُمْ: ”مَا لَكُمْ خَائِفِينَ يَا قَلِيلِي الْإِيمَانِ؟“ وَقَامَ وَوَبَّخَ الرِّيحَ وَالْأَمْوَاجَ، فَحَلَّ الْهُدُوءُ التَّامُّ. فَانْدَهَشَ النَّاسُ وَقَالُوا: ”أَيُّ رَجُلٍ هَذَا حَتَّى تُطِيعَهُ الرِّيحُ وَالْأَمْوَاجُ!“ وَجَاءَ عِيسَى إِلَى الشَّاطِئِ الْآخَرِ، أَيْ إِلَى بِلَادِ الْجَدَرِيِّينَ، وَإِذَا بِرَجُلَيْنِ فِيهِمَا شَيَاطِينُ خَرَجَا مِنَ الْمَقَابِرِ وَقَابَلَاهُ، وَكَانَا شَرِسَيْنِ جِدًّا حَتَّى لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَمُرَّ مِنْ تِلْكَ الطَّرِيقِ. وَصَرَخَا: ”مَا لَكَ بِنَا يَا ابْنَ اللهِ؟ هَلْ جِئْتَ إِلَى هُنَا لِتُعَذِّبَنَا قَبْلَ الْأَوَانِ؟“ وَكَانَ قَطِيعٌ كَبِيرٌ مِنَ الْخَنَازِيرِ يَرْعَى عَلَى مَسَافَةٍ مِنْهُمَا. فَتَوَسَّلَتْ إِلَيْهِ الشَّيَاطِينُ وَقَالَتْ: ”إِنْ طَرَدْتَنَا، فَأَرْسِلْنَا إِلَى قَطِيعِ الْخَنَازِيرِ.“ فَأَمَرَهَا بِأَنْ تَذْهَبَ، فَخَرَجَتْ مِنَ الرَّجُلَيْنِ وَدَخَلَتْ فِي الْخَنَازِيرِ، فَانْدَفَعَ الْقَطِيعُ كُلُّهُ وَسَقَطَ مِنْ عَلَى الْجَبَلِ إِلَى الْبُحَيْرَةِ وَهَلَكَ فِي الْمَاءِ. فَهَرَبَ الرُّعَاةُ، وَرَاحُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَخْبَرُوا بِكُلِّ هَذَا وَبِمَا جَرَى لِمَنْ كَانَ فِيهِمَا شَيَاطِينُ. فَخَرَجَتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا لِلِقَاءِ عِيسَى، فَلَمَّا رَأَوْهُ، طَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَرْحَلَ عَنْ بَلَدِهِمْ. ثُمَّ رَكِبَ عِيسَى الْقَارِبَ، وَعَبَرَ الْبُحَيْرَةَ وَجَاءَ إِلَى بَلْدَتِهِ. فَأَحْضَرُوا لَهُ مَشْلُولًا رَاقِدًا عَلَى فِرَاشٍ. وَلَمَّا رَأَى عِيسَى إِيمَانَهُمْ قَالَ لِلْمَشْلُولِ: ”ثِقْ يَا ابْنِي، مَغْفُورَةٌ لَكَ ذُنُوبُكَ.“ فَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي أَنْفُسِهِمْ: ”هَذَا الشَّخْصُ يَكْفُرُ!“ فَعَرَفَ عِيسَى أَفْكَارَهُمْ وَقَالَ: ”لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِالشَّرِّ فِي قُلُوبِكُمْ؟ أَيُّهُمَا أَسْهَلُ: أَنْ أَقُولَ: ’مَغْفُورَةٌ لَكَ ذُنُوبُكَ‘، أَوْ أَنْ أَقُولَ: ’قُمْ وَامْشِ‘؟ لَكِنِّي سَأُثْبِتُ لَكُمْ أَنَّ الَّذِي صَارَ بَشَرًا عِنْدَهُ السُّلْطَةُ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الذُّنُوبَ.“ ثُمَّ قَالَ لِلْمَشْلُولِ: ”قُمْ وَاحْمِلْ فِرَاشَكَ وَاذْهَبْ إِلَى دَارِكَ.“ فَقَامَ وَذَهَبَ إِلَى دَارِهِ. فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ، خَافُوا وَسَبَّحُوا اللهَ الَّذِي أَعْطَى الْبَشَرَ مِثْلَ هَذِهِ السُّلْطَةِ! وَرَاحَ عِيسَى مِنْ هُنَاكَ، فَرَأَى فِي طَرِيقِهِ رَجُلًا اسْمُهُ مَتَّى جَالِسًا فِي مَكْتَبِ الضَّرَائِبِ، فَقَالَ لَهُ عِيسَى: ”اِتْبَعْنِي.“ فَقَامَ وَتَبِعَهُ. وَلَمَّا كَانَ عِيسَى جَالِسًا يَأْكُلُ فِي دَارِ مَتَّى، جَلَسَ لِيَأْكُلَ مَعَهُ وَمَعَ تَلَامِيذِهِ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنْ جُبَاةِ الضَّرَائِبِ وَغَيْرِ الْمُتَدَيِّنِينَ. فَلَمَّا رَأَى الْفَرِّيسِيُّونَ هَذَا قَالُوا لِتَلَامِيذِهِ: ”لِمَاذَا يَأْكُلُ مُعَلِّمُكُمْ مَعَ جُبَاةِ الضَّرَائِبِ وَغَيْرِ الْمُتَدَيِّنِينَ؟“ وَسَمِعَ عِيسَى هَذَا فَقَالَ: ”لَا يَحْتَاجُ الْأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى. رُوحُوا افْهَمُوا كَلَامَ الْكِتَابِ: أُرِيدُ رَحْمَةً لَا ضَحِيَّةً. أَنَا جِئْتُ لَا لِأَدْعُوَ الصَّالِحِينَ بَلِ الْخَاطِئِينَ.“ فَجَاءَ إِلَيْهِ تَلَامِيذُ يَحْيَى وَقَالُوا: ”لِمَاذَا نَصُومُ نَحْنُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ، أَمَّا تَلَامِيذُكَ فَلَا يَصُومُونَ؟“ فَقَالَ لَهُمْ عِيسَى: ”هَلْ يَحْزَنُ ضُيُوفُ الْعُرْسِ وَالْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ لَكِنْ لَمَّا يَجِيءُ الْوَقْتُ وَيَذْهَبُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ يَصُومُونَ. لَا أَحَدَ يُصْلِحُ ثَوْبًا قَدِيمًا بِرُقْعَةٍ مِنْ قُمَاشٍ جَدِيدٍ لَمْ يَنْكَمِشْ، وَإِلَّا فَإِنَّ الرُّقْعَةَ تَنْكَمِشُ وَتَبْعُدُ عَنِ الثَّوْبِ، وَيَصِيرُ الْخَرْقُ أَسْوَأَ. وَلَا يَضَعُونَ خَمْرًا جَدِيدَةً فِي قِرْبَةٍ قَدِيمَةٍ، وَإِلَّا تَنْشَقُّ الْقِرْبَةُ، فَتَنْسَكِبُ الْخَمْرُ وَتَتْلَفُ الْقِرْبَةُ. بَلْ يَضَعُونَ الْخَمْرَ الْجَدِيدَةَ فِي قِرْبَةٍ جَدِيدَةٍ، فَتُحْفَظَانِ مَعًا.“ وَبَيْنَمَا هُوَ يَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ، جَاءَ وَاحِدٌ مِنَ الْمَسْئُولِينَ عَنْ بَيْتِ الْعِبَادَةِ، وَسَجَدَ لَهُ وَقَالَ: ”بِنْتِي مَاتَتِ الْآنَ، لَكِنْ تَعَالَ وَضَعْ يَدَكَ عَلَيْهَا فَتَحْيَا.“ فَقَامَ عِيسَى وَتَبِعَهُ هُوَ وَتَلَامِيذُهُ. وَكَانَتْ هُنَاكَ امْرَأَةٌ عِنْدَهَا نَزِيفُ دَمٍ مُنْذُ 12 سَنَةً جَاءَتْ مِنْ خَلْفِهِ وَلَمَسَتْ طَرَفَ ثَوْبِهِ. لِأَنَّهَا قَالَتْ فِي نَفْسِهَا: ”يَكْفِي أَنْ أَلْمِسَ ثَوْبَهُ فَأُشْفَى.“ فَالْتَفَتَ عِيسَى وَرَآهَا وَقَالَ: ”ثِقِي يَا عَزِيزَتِي، إِيمَانُكِ شَفَاكِ.“ فَشُفِيَتِ الْمَرْأَةُ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ. وَوَصَلَ عِيسَى إِلَى دَارِ الْمَسْئُولِ، فَوَجَدَ الْمُوسِيقَى الْجَنَائِزِيَّةَ وَالْجُمْهُورَ فِي شَغَبٍ. فَقَالَ: ”اُبْعُدُوا مِنْ هُنَا. لَمْ تَمُتِ الْبِنْتُ، بَلْ هِيَ نَائِمَةٌ.“ فَسَخِرُوا مِنْهُ. فَلَمَّا أَخْرَجُوا النَّاسَ، دَخَلَ وَأَمْسَكَ بِيَدِ الْبِنْتِ فَقَامَتْ. وَانْتَشَرَ هَذَا الْخَبَرُ فِي تِلْكَ الْمِنْطَقَةِ كُلِّهَا. وَمَضَى عِيسَى فِي طَرِيقِهِ، فَتَبِعَهُ أَعْمَيَانِ يَصِيحَانِ وَيَقُولَانِ: ”اِرْحَمْنَا يَا ابْنَ دَاوُدَ.“ وَلَمَّا دَخَلَ الدَّارَ، جَاءَ إِلَيْهِ الْأَعْمَيَانِ، فَقَالَ لَهُمَا عِيسَى: ”هَلْ تُؤْمِنَانِ أَنِّي قَادِرٌ أَنْ أَعْمَلَ هَذَا؟“ فَقَالَا: ”نَعَمْ يَا سَيِّدُ.“ فَلَمَسَ عُيُونَهُمَا وَقَالَ: ”حَسَبَ إِيمَانِكُمَا سَتَحْصُلَانِ عَلَى مَا طَلَبْتُمَا.“ فَانْفَتَحَتْ عُيُونُهُمَا. فَحَذَّرَهُمَا عِيسَى بِشِدَّةٍ وَقَالَ لَهُمَا: ”إِيَّاكُمَا أَنْ يَعْلَمَ أَحَدٌ.“ لَكِنَّهُمَا ذَهَبَا، وَأَخَذَا يَنْشُرَانِ أَخْبَارَهُ فِي تِلْكَ الْمِنْطَقَةِ كُلِّهَا. وَلَمَّا خَرَجَا، جَاءَ إِلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ بِرَجُلٍ أَخْرَسَ فِيهِ شَيْطَانٌ. فَلَمَّا طَرَدَ عِيسَى الشَّيْطَانَ، تَكَلَّمَ الْأَخْرَسُ. فَتَعَجَّبَ النَّاسُ وَقَالُوا: ”مَا رَأَيْنَا مِثْلَ هَذَا أَبَدًا فِي إِسْرَائِيلَ.“ أَمَّا الْفَرِّيسِيُّونَ فَقَالُوا: ”إِنَّهُ يَطْرُدُ الشَّيَاطِينَ بِوَاسِطَةِ رَئِيسِ الشَّيَاطِينِ.“ وَكَانَ عِيسَى يَطُوفُ فِي كُلِّ الْمُدُنِ وَالْقُرَى، يُعَلِّمُ فِي بُيُوتِ الْعِبَادَةِ، وَيُعْلِنُ بُشْرَى قِيَامِ الْمَمْلَكَةِ، وَيَشْفِي مِنْ كُلِّ مَرَضٍ وَدَاءٍ. وَرَأَى الْجَمَاهِيرَ، فَأَشْفَقَ عَلَيْهِمْ جِدًّا، لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُعَذَّبِينَ وَبَائِسِينَ كَغَنَمٍ لَا رَاعِيَ لَهَا. فَقَالَ لِتَلَامِيذِهِ: ”الْحَصَادُ كَثِيرٌ لَكِنَّ الْعُمَّالَ قَلِيلُونَ، فَاسْأَلُوا صَاحِبَ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ عُمَّالًا إِلَى حَصَادِهِ.“ وَنَادَى إِلَيْهِ تَلَامِيذَهُ الِـ12، وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَةً لِيَطْرُدُوا الْأَرْوَاحَ الشِّرِّيرَةَ، وَيَشْفُوا مِنْ كُلِّ مَرَضٍ وَدَاءٍ. وَهَذِهِ أَسْمَاءُ الرُّسُلِ الِـ12: أَوَّلًا سَمْعَانُ الَّذِي يُدْعَى بُطْرُسَ وَأَنْدْرَاوِسُ أَخُوهُ، يَعْقُوبُ بْنُ زَبَدِي وَيُوحَنَّا أَخُوهُ، فِيلِيبُ وَبَرْتَلْمِي، تُومَا وَمَتَّى جَابِي الضَّرَائِبِ، يَعْقُوبُ بْنُ حَلْفِي وَتَدَّاوُسُ، سَمْعَانُ الْغَيُورُ وَيَهُوذَا الْقَرْيُوتِيُّ الَّذِي خَانَهُ. هَؤُلَاءِ الِـ12 أَرْسَلَهُمْ عِيسَى وَأَوْصَاهُمْ وَقَالَ: ”لَا تَذْهَبُوا إِلَى الْأَجَانِبِ وَلَا تَدْخُلُوا أَيَّ مَدِينَةٍ سَامِرِيَّةٍ، بَلِ اذْهَبُوا إِلَى خِرَافِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ. وَبَشِّرُوا فِي الطَّرِيقِ وَقُولُوا: ’أَوْشَكَ اللهُ أَنْ يُقِيمَ مَمْلَكَتَهُ.‘ اِشْفُوا الْمَرْضَى، أَقِيمُوا الْمَوْتَى، أَبْرِئُوا الْبُرْصَ، اُطْرُدُوا الشَّيَاطِينَ. أَخَذْتُمْ مَجَّانًا فَأَعْطُوا مَجَّانًا. ”لَا تَأْخُذُوا نُقُودًا فِي جُيُوبِكُمْ، لَا مِنْ ذَهَبٍ وَلَا مِنْ فِضَّةٍ وَلَا مِنْ نُحَاسٍ. لَا تَأْخُذُوا مِزْوَدًا لِلطَّرِيقِ، وَلَا ثَوْبًا إِضَافِيًّا، وَلَا حِذَاءً، وَلَا عَصًا، لِأَنَّ الْعَامِلَ يَسْتَحِقُّ طَعَامَهُ. وَأَيُّ مَدِينَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ تَدْخُلُونَهَا، اِسْأَلُوا فِيهَا عَنْ وَاحِدٍ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُضِيفَكُمْ، وَأَقِيمُوا عِنْدَهُ حَتَّى تَرْحَلُوا مِنْ هُنَاكَ. وَحِينَ تَدْخُلُونَ الدَّارَ قُولُوا: ’سَلَامٌ.‘ فَإِنِ اسْتَحَقَّ أَهْلُهَا، يَحِلُّ سَلَامُكُمْ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقُّوا، يَرْجِعُ سَلَامُكُمْ إِلَيْكُمْ. وَمَنْ يَرْفُضُ أَنْ يَقْبَلَكُمْ أَوْ أَنْ يَسْمَعَ لَكُمْ، فَاخْرُجُوا مِنْ تِلْكَ الدَّارِ أَوْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَانْفُضُوا الْغُبَارَ عَنْ أَرْجُلِكُمْ. أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، سَتَكُونُ حَالَةُ سَدُومَ وَعَمُورَةَ فِي يَوْمِ الدِّينِ، أَسْهَلَ مِنْ حَالَةِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ. ”أَنَا أُرْسِلُكُمْ مِثْلَ خِرَافٍ وَسْطَ ذِئَابٍ، فَكُونُوا حَذِرِينَ كَالْحَيَّاتِ، وَلُطَفَاءَ كَالْحَمَامِ. اِحْذَرُوا مِنَ النَّاسِ، فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَكُمْ إِلَى الْمَحَاكِمِ، وَيَجْلِدُونَكُمْ فِي بُيُوتِ الْعِبَادَةِ، وَيُحْضِرُونَكُمْ أَمَامَ حُكَّامٍ وَمُلُوكٍ بِسَبَبِي لِتَشْهَدُوا لَهُمْ وَلِلْأَجَانِبِ. وَمَتَى أَخَذُوكُمْ، فَلَا تَقْلَقُوا عَلَى مَا يَجِبُ أَنْ تَقُولُوهُ وَلَا كَيْفَ تَقُولُونَهُ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يُعْطَى الْكَلَامُ لَكُمْ. فَلَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ، بَلْ رُوحُ أَبِيكُمْ يَتَكَلَّمُ فِيكُمْ. وَيُسَلِّمُ الْأَخُ أَخَاهُ لِلْمَوْتِ وَالْأَبُ ابْنَهُ، وَيَقُومُ الْأَوْلَادُ عَلَى وَالِدِيهِمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ. وَيَكْرَهُكُمْ جَمِيعُ النَّاسِ بِسَبَبِ اسْمِي، لَكِنَّ الَّذِي يَثْبُتُ إِلَى النِّهَايَةِ، يَنْجُو. وَمَتَى اضْطَهَدُوكُمْ فِي مَدِينَةٍ، اُهْرُبُوا إِلَى غَيْرِهَا. لِأَنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، قَبْلَ أَنْ تَنْتَهُوا مِنْ كُلِّ مُدُنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَأْتِي الَّذِي صَارَ بَشَرًا. ”لَيْسَ التِّلْمِيذُ أَعْلَى مِنْ مُعَلِّمِهِ، وَلَا الْعَبْدُ أَعْلَى مِنْ سَيِّدِهِ. يَكْفِي التِّلْمِيذَ أَنْ يَكُونَ كَمُعَلِّمِهِ، وَالْعَبْدَ كَسَيِّدِهِ. إِنْ كَانُوا قَدْ لَقَّبُوا رَبَّ الدَّارِ بِبَعْلَزَبُولَ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ يَفْتَرُونَ أَكْثَرَ عَلَى أَهْلِ دَارِهِ. ”فَلَا تَخَافُوا مِنْهُمْ. كُلُّ مَسْتُورٍ يُعْلَنُ، وَكُلُّ سِرٍّ يُعْرَفُ. مَا أَقُولُهُ لَكُمْ فِي الظَّلَامِ، قُولُوهُ أَنْتُمْ فِي نُورِ النَّهَارِ. وَمَا تَسْمَعُونَهُ هَمْسًا فِي الْأُذُنِ، نَادُوا بِهِ مِنْ عَلَى السُّطُوحِ. لَا تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجِسْمَ لَكِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوا النَّفْسَ. بَلْ خَافُوا مِنَ الْقَادِرِ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجِسْمَ مَعًا فِي الْجَحِيمِ. ”يَبِيعُونَ الْعُصْفُورَيْنِ بِفِلْسٍ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَقَعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلَى الْأَرْضِ بِغَيْرِ عِلْمِ أَبِيكُمْ. أَمَّا أَنْتُمْ، فَحَتَّى شَعْرُ رُؤُوسِكُمْ مَعْدُودٌ كُلُّهُ. فَلَا تَخَافُوا، أَنْتُمْ أَغْلَى مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ. ”كُلُّ مَنْ يَشْهَدُ لِي قُدَّامَ النَّاسِ، أَشْهَدُ لَهُ قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاءِ. وَكُلُّ مَنْ يُنْكِرُنِي قُدَّامَ النَّاسِ، أُنْكِرُهُ قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاءِ. ”لَا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لِأَبْعَثَ السَّلَامَ فِي الْأَرْضِ، مَا جِئْتُ لِأَبْعَثَ سَلَامًا بَلْ سَيْفًا. جِئْتُ لِأَبْعَثَ الْخِلَافَ بَيْنَ الِابْنِ وَأَبِيهِ، وَالْبِنْتِ وَأُمِّهَا، وَزَوْجَةِ الِابْنِ وَحَمَاتِهَا. وَيَكُونُ أَهْلُ الْإِنْسَانِ أَعْدَاءَهُ. مَنْ أَحَبَّ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ أَكْثَرَ مِنِّي فَلَا يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ أَحَبَّ ابْنًا أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلَا يَسْتَحِقُّنِي. وَمَنْ لَا يَحْمِلُ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعُنِي فَلَا يَسْتَحِقُّنِي. مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْفَظَ حَيَاتَهُ يَفْقِدُهَا، أَمَّا مَنْ فَقَدَ حَيَاتَهُ فِي سَبِيلِي فَإِنَّهُ يَجِدُهَا. ”مَنْ يَقْبَلُكُمْ يَقْبَلُنِي، وَمَنْ يَقْبَلُنِي يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي. مَنْ يَقْبَلُ نَبِيًّا لِأَنَّهُ نَبِيٌّ، يَنَالُ أَجْرَ نَبِيٍّ. وَمَنْ يَقْبَلُ رَجُلًا صَالِحًا لِأَنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ، يَنَالُ أَجْرَ رَجُلٍ صَالِحٍ. وَأَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، مَنْ يَسْقِي أَحَدَ هَؤُلَاءِ الصِّغَارِ وَلَوْ كَأْسَ مَاءٍ بَارِدٍ لِأَنَّهُ تِلْمِيذِي، فَلَنْ يَضِيعَ أَجْرُهُ أَبَدًا.“ وَلَمَّا انْتَهَى عِيسَـى مِنْ تَوْصِيَةِ تَلَامِيذِهِ الِـ12، مَضَى فِي طَرِيقِهِ لِيُعَلِّمَ وَيُبَشِّرَ فِي بِلَادِهِمْ. وَسَمِعَ يَحْيَى وَهُوَ فِي السِّجْنِ عَنْ أَعْمَالِ الْمَسِيحِ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ تَلَامِيذَهُ لِيَسْأَلُوهُ: ”هَلْ أَنْتَ هُوَ الَّذِي نَتَوَقَّعُ مَجِيئَهُ أَمْ نَنْتَظِرُ آخَرَ؟“ فَأَجَابَهُمْ عِيسَـى: ”اِذْهَبُوا وَأَخْبِرُوا يَحْيَى بِمَا تَسْمَعُونَ وَتَرَوْنَ: الْعُمْيُ يُبْصِرُونَ، وَالْعُرْجُ يَمْشُونَ، وَالْبُرْصُ يَبْرَأُونَ، وَالطُّرْشُ يَسْمَعُونَ، وَالْمَوْتَى يَقُومُونَ، وَالْمَسَاكِينُ يُبَشَّرُونَ. وَهَنِيئًا لِمَنْ لَا يَخِيبُ أَمَلُهُ فِيَّ.“ فَلَمَّا انْصَرَفَ تَلَامِيذُ يَحْيَى، أَخَذَ عِيسَـى يُحَدِّثُ الْجُمْهُورَ عَنْ يَحْيَى فَقَالَ: ”لَمَّا خَرَجْتُمْ إِلَيْهِ فِي الصَّحْرَاءِ، مَاذَا رَأَيْتُمْ؟ هَلْ سَاقَ نَبَاتٍ تَهُزُّهَا الرِّيحُ؟ لَا. إِذَنْ لَمَّا خَرَجْتُمْ مَاذَا رَأَيْتُمْ؟ هَلْ رَجُلًا يَرْتَدِي الْمَلَابِسَ الْفَاخِرَةَ؟ لَا. فَالَّذِينَ يَلْبَسُونَ الْمَلَابِسَ الْفَاخِرَةَ هُمْ فِي قُصُورِ الْمُلُوكِ. لَكِنْ لَمَّا خَرَجْتُمْ مَاذَا رَأَيْتُمْ؟ هَلْ نَبِيًّا؟ نَعَمْ بِالتَّأْكِيدِ، بَلْ وَأَعْظَمَ مِنْ نَبِيٍّ. هَذَا هُوَ الَّذِي قَالَ عَنْهُ اللهُ فِي الْكِتَابِ: ’أَنَا أَبْعَثُ رَسُولِي قُدَّامَكَ، لِكَيْ يُعِدَّ لَكَ الطَّرِيقَ أَمَامَكَ.‘ وَأَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، لَمْ يَظْهَرْ بَيْنَ كُلِّ الْبَشَرِ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ يَحْيَى الْمُغَطِّسِ. وَلَكِنَّ أَصْغَرَ وَاحِدٍ فِي مَمْلَكَةِ اللهِ أَعْظَمُ مِنْهُ. وَمِنْ أَيَّامِ يَحْيَى الْمُغَطِّسِ إِلَى الْآنَ، مَمْلَكَةُ اللهِ تَنْمُو بِقُوَّةٍ، وَمَنْ يَدْخُلُهَا يُوَاجِهُ الْعُنْفَ. وَقَدْ تَنَبَّأَ عَنْهَا كُلُّ الْأَنْبِيَاءِ، وَالتَّوْرَاةُ أَيْضًا، حَتَّى جَاءَ يَحْيَى. فَإِنْ صَدَّقْتُمْ كَلَامَهُمْ تَعْرِفُونَ أَنَّ يَحْيَى هُوَ إِلْيَاسُ الْمُنْتَظَرُ! اِسْمَعُونِي يَا مَنْ لَكُمْ آذَانٌ! ”وَبِمَنْ أُشَبِّهُ هَذَا الْجِيلَ؟ إِنَّهُ مِثْلُ أَوْلَادٍ قَاعِدِينَ فِي السَّاحَةِ الْعَامَّةِ يَصِيحُونَ لِأَصْحَابِهِمْ وَيَقُولُونَ: ’زَمَّرْنَا لَكُمْ فَلَمْ تَرْقُصُوا، نَدَبْنَا لَكُمْ فَلَمْ تَلْطُمُوا!‘ فَقَدْ جَاءَ يَحْيَى لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ، فَقَالُوا: ’فِيهِ شَيْطَانٌ.‘ وَجَاءَ الَّذِي صَارَ بَشَرًا يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، فَقَالُوا: ’هَذَا رَجُلٌ شَرِهٌ وَسِكِّيرٌ، وَصَدِيقٌ لِجُبَاةِ الضَّرَائِبِ وَغَيْرِ الْمُتَدَيِّنِينَ.‘ وَالْحِكْمَةُ الصَّحِيحَةُ تَظْهَرُ فِي مَنْ يَعْمَلُونَ بِهَا.“ وَأَخَذَ عِيسَـى يُوَبِّخُ الْبِلَادَ الَّتِي عَمِلَ فِيهَا أَكْثَرَ مُعْجِزَاتِهِ، لِأَنَّ أَهْلَهَا لَمْ يَتُوبُوا. فَقَالَ: ”الْوَيْلُ لَكِ يَا كُورَزِينُ! الْوَيْلُ لَكِ يَا بَيْتَ صَيْدَا! فَلَوْ جَرَى فِي صُورَ وَصَيْدَا مَا جَرَى عِنْدَكُمَا مِنْ مُعْجِزَاتٍ، لَتَابَ أَهْلُهُمَا مِنْ زَمَنٍ بَعِيدٍ، وَعَبَّرُوا عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ لَبِسُوا الْخَيْشَ، وَوَضَعُوا الرَّمَادَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ. لَكِنِّي أَقُولُ لَكُمَا إِنَّ حَالَةَ صُورَ وَصَيْدَا فِي يَوْمِ الدِّينِ سَتَكُونُ أَسْهَلَ مِنْ حَالَتِكُمَا. وَأَنْتِ يَا كَفْرَنَاحُومَ، هَلْ تَرْتَفِعِينَ إِلَى السَّمَاءِ؟ لَا، بَلْ إِلَى الْهَاوِيَةِ تَهْبِطِينَ! فَلَوْ جَرَى فِي سَدُومَ مَا جَرَى عِنْدَكِ مِنْ مُعْجِزَاتٍ، لَبَقِيَتْ إِلَى الْآنَ. لَكِنِّي أَقُولُ لَكِ إِنَّ حَالَةَ سَدُومَ فِي يَوْمِ الدِّينِ سَتَكُونُ أَسْهَلَ مِنْ حَالَتِكِ.“ وَتَكَلَّمَ عِيسَـى فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقَالَ: ”أَحْمَدُكَ يَا أَبِي، يَا رَبَّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، لِأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هَذِهِ الْأُمُورَ عَنِ الْحُكَمَاءِ وَالْعُلَمَاءِ، وَكَشَفْتَهَا لِلْبُسَطَاءِ. نَعَمْ يَا أَبِي، لِأَنَّ هَذِهِ مَشِيئَتُكَ الصَّالِحَةُ. ”أَبِي أَوْكَلَ لِي كُلَّ شَيْءٍ، لَا أَحَدَ يَعْرِفُ الِابْنَ إِلَّا الْأَبُ، وَلَا أَحَدَ يَعْرِفُ الْأَبَ إِلَّا الِابْنُ وَالَّذِينَ يَشَاءُ الِابْنُ أَنْ يَكْشِفَهُ لَهُمْ. تَعَالَوْا لِي يَا كُلَّ التَّعْبَانِينَ وَالَّذِينَ أَحْمَالُهُمْ ثَقِيلَةٌ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. اِحْمِلُوا نِيرِي، وَتَعَلَّمُوا مِنِّي لِأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. لِأَنَّ نِيرِي سَهْلٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ.“ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَرَّ عِيسَـى فِي يَوْمِ سَبْتٍ وَسَطَ حُقُولِ الْقَمْحِ. وَكَانَ تَلَامِيذُهُ جَائِعِينَ، فَأَخَذُوا يَقْطِفُونَ السَّنَابِلَ وَيَأْكُلُونَهَا. فَلَمَّا رَأَى الْفَرِّيسِيُّونَ هَذَا، قَالُوا لَهُ: ”اُنْظُرْ! تَلَامِيذُكَ يَعْمَلُونَ مَا لَا يَحِلُّ عَمَلُهُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ.“ فَأَجَابَهُمْ: ”أَلَمْ تَقْرَأُوا مَا فَعَلَهُ دَاوُدُ لَمَّا جَاعَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ؟ إِنَّهُ دَخَلَ بَيْتَ اللهِ، وَأَكَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ خُبْزِ الْقُرْبَانِ الْمُقَدَّسِ الَّذِي لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لَهُ وَلَا لَهُمْ إِنَّمَا لِلْأَحْبَارِ وَحْدَهُمْ. أَلَمْ تَقْرَأُوا فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ الْأَحْبَارَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ يَكْسِرُونَ وَصِيَّةَ السَّبْتِ فِي بَيْتِ اللهِ، وَلَا يُحْسَبُونَ مُذْنِبِينَ؟ فَأَقُولُ لَكُمْ، هُنَا وَاحِدٌ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ بَيْتِ اللهِ. وَلَوْ فَهِمْتُمْ مَعْنَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ: ’أُرِيدُ رَحْمَةً لَا ضَحِيَّةً‘، مَا حَكَمْتُمْ عَلَى الْبَرِيءِ. لِأَنَّ الَّذِي صَارَ بَشَرًا هُوَ رَبُّ السَّبْتِ.“ وَمَضَى فِي طَرِيقِهِ وَذَهَبَ إِلَى بَيْتِ الْعِبَادَةِ الَّذِي عِنْدَهُمْ، حَيْثُ كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يَدُهُ مَشْلُولَةٌ. وَكَانَ الْبَعْضُ يُحَاوِلُونَ أَنْ يَجِدُوا شَكْوَى ضِدَّ عِيسَـى فَسَأَلُوهُ: ”هَلِ الشِّفَاءُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ حَلَالٌ؟“ فَقَالَ لَهُمْ: ”لِنَفْرِضْ أَنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ عِنْدَهُ خَرُوفٌ، فَوَقَعَ فِي حُفْرَةٍ فِي يَوْمِ السَّبْتِ، أَلَا يُمْسِكُهُ وَيَرْفَعُهُ؟ وَالْإِنْسَانُ كَمْ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْخَرُوفِ! إِذَنْ عَمَلُ الْخَيْرِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ حَلَالٌ.“ ثُمَّ قَالَ لِلرَّجُلِ: ”مُدَّ يَدَكَ.“ فَمَدَّهَا، فَشُفِيَتْ تَمَامًا وَصَارَتْ سَلِيمَةً كَالْأُخْرَى. فَخَرَجَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَتَآمَرُوا لِيَقْتُلُوا عِيسَـى. وَعَلِمَ عِيسَـى بِذَلِكَ، فَانْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ. وَتَبِعَهُ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَشَفَى جَمِيعَ مَرْضَاهُمْ. وَحَذَّرَهُمْ أَنْ لَا يُعْلِنُوا عَنْهُ. لِيَتِمَّ قَوْلُ اللهِ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ إِشَعْيَا: ”هَذَا هُوَ عَبْدِيَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ، حَبِيبِيَ الَّذِي يُفَرِّحُنِي، أَضَعُ رُوحِي عَلَيْهِ، فَيُعْلِنُ الْحَقَّ لِلشُّعُوبِ. لَا يُخَاصِمُ وَلَا يَصِيحُ وَلَا يَسْمَعُ أَحَدٌ صَوْتَهُ فِي الشَّوَارِعِ. لَا يَكْسِرُ حَتَّى عَصًا مُهَشَّمَةً، وَلَا يُطْفِئُ حَتَّى فَتِيلَةً مُدَخِّنَةً، إِلَى أَنْ يَقُودَ الْحَقَّ إِلَى النَّصْرِ. فِي اسْمِهِ تَضَعُ الشُّعُوبُ رَجَاءَهَا.“ وَأَحْضَرُوا إِلَيْهِ رَجُلًا أَعْمَى أَخْرَسَ وَفِيهِ شَيْطَانٌ. فَشَفَاهُ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ تَكَلَّمَ وَرَأَى. فَانْدَهَشَ كُلُّ النَّاسِ وَقَالُوا: ”هَلْ هَذَا هُوَ ابْنُ دَاوُدَ؟“ وَلَمَّا سَمِعَ الْفَرِّيسِيُّونَ هَذَا الْكَلَامَ قَالُوا: ”هَذَا الرَّجُلُ يَطْرُدُ الشَّيَاطِينَ بِوَاسِطَةِ بَعْلَزَبُولَ رَئِيسِ الشَّيَاطِينِ.“ فَعَرَفَ أَفْكَارَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: ”كُلُّ مَمْلَكَةٍ تَنْقَسِمُ عَلَى نَفْسِهَا تَخْرَبُ، وَكُلُّ بَلَدٍ أَوْ عَائِلَةٍ تَنْقَسِمُ عَلَى نَفْسِهَا لَا تَصْمُدُ. إِنْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَطْرُدُ الشَّيْطَانَ، فَقَدِ انْقَسَمَ عَلَى نَفْسِهِ، وَكَيْفَ تَصْمُدُ مَمْلَكَتُهُ؟ وَإِنْ كُنْتُ أَنَا أَطْرُدُ الشَّيَاطِينَ بِوَاسِطَةِ بَعْلَزَبُولَ، فَبِوَاسِطَةِ مَنْ يَطْرُدُهُمْ أَتْبَاعُكُمْ؟ لِذَلِكَ هُمْ يَحْكُمُونَ عَلَيْكُمْ. لَكِنْ إِنْ كُنْتُ بِرُوحِ اللهِ أَطْرُدُ الشَّيَاطِينَ، إِذَنْ فَقَدْ أَقَامَ اللهُ مَمْلَكَتَهُ بَيْنَكُمْ. كَيْفَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَدْخُلَ دَارَ الرَّجُلِ الْقَوِيِّ وَيَنْهَبَ مَا عِنْدَهُ إِلَّا إِذَا قَيَّدَ الْقَوِيَّ أَوَّلًا؟ وَبِذَلِكَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْهَبَ دَارَهُ. مَنْ لَيْسَ مَعِي فَهُوَ عَلَيَّ. وَمَنْ لَا يَجْمَعُ مَعِي فَهُوَ يُفَرِّقُ. لِهَذَا السَّبَبِ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ كُلَّ ذَنْبٍ وَكُفْرٍ يُغْفَرُ لِلنَّاسِ، أَمَّا الْكُفْرُ بِالرُّوحِ الْقُدُّوسِ فَلَنْ يُغْفَرَ. مَنْ قَالَ كَلِمَةً ضِدَّ الَّذِي صَارَ بَشَرًا يُغْفَرُ لَهُ، أَمَّا مَنْ يَتَكَلَّمُ ضِدَّ الرُّوحِ الْقُدُّوسِ، فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ لَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ. ”إِنْ زَرَعْتُمْ شَجَرَةً طَيِّبَةً يَكُونُ ثَمَرُهَا طَيِّبًا، وَإِنْ زَرَعْتُمْ شَجَرَةً رَدِيئَةً يَكُونُ ثَمَرُهَا رَدِيئًا. فَنَحْنُ نَعْرِفُ الشَّجَرَةَ مِنْ ثَمَرِهَا. يَا أَوْلَادَ الْأَفَاعِي، كَيْفَ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَقُولُوا كَلَامًا صَالِحًا وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ؟ لِأَنَّ الْفَمَ يَتَكَلَّمُ بِالْأَشْيَاءِ الَّتِي تَمْلَأُ الْقَلْبَ. الْإِنْسَانُ الصَّالِحُ يُقَدِّمُ صَلَاحًا مِنَ الصَّلَاحِ الْمَخْزُونِ فِيهِ، وَالْإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ يُقَدِّمُ شَرًّا مِنَ الشَّرِّ الْمَخْزُونِ فِيهِ. وَأَقُولُ لَكُمْ إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَقُولُهَا النَّاسُ يُحَاسَبُونَ عَنْهَا فِي يَوْمِ الدِّينِ. لِأَنَّكَ بِكَلَامِكَ تَتَبَرَّأُ وَبِكَلَامِكَ يُحْكَمُ عَلَيْكَ.“ وَكَلَّمَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ وَقَالُوا لَهُ: ”يَا مُعَلِّمُ، نُرِيدُ أَنْ نَرَى مِنْكَ آيَةً.“ فَأَجَابَهُمْ: ”شَعْبٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً، وَلَنْ يُعْطَى آيَةً غَيْرَ آيَةِ النَّبِيِّ يُونِسَ. فَكَمَا كَانَ يُونِسُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ 3 أَيَّامٍ وَ3 لَيَالٍ، كَذَلِكَ يَكُونُ الَّذِي صَارَ بَشَرًا فِي قَلْبِ الْأَرْضِ 3 أَيَّامٍ وَ3 لَيَالٍ. سَيَقُومُ أَهْلُ مَدِينَةِ نِينَوَى فِي يَوْمِ الدِّينِ مَعَ هَذَا الْجِيلِ وَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ أَهْلَ نِينَوَى تَابُوا لَمَّا أَنْذَرَهُمْ يُونِسُ، وَهُنَا أَعْظَمُ مِنْ يُونِسَ. وَسَتَقُومُ مَلِكَةُ الْجَنُوبِ فِي يَوْمِ الدِّينِ مَعَ هَذَا الْجِيلِ وَتَحْكُمُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا جَاءَتْ مِنْ آخِرِ الْأَرْضِ لِتَسْمَعَ حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ، وَهُنَا أَعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَانَ. ”مَتَى خَرَجَ الرُّوحُ الشِّرِّيرُ مِنْ إِنْسَانٍ، يَذْهَبُ إِلَى أَمَاكِنَ قَاحِلَةٍ بَحْثًا عَنِ الرَّاحَةِ، فَلَا يَجِدُهَا. فَيَقُولُ: ’أَرْجِعُ إِلَى بَيْتِيَ الَّذِي خَرَجْتُ مِنْهُ.‘ فَيَأْتِي وَيَجِدُهُ فَارِغًا وَنَظِيفًا وَمُرَتَّبًا. فَيَذْهَبُ وَيُحْضِرُ مَعَهُ 7 أَرْوَاحٍ أُخْرَى أَكْثَرَ مِنْهُ شَرًّا. فَتَدْخُلُ الْأَرْوَاحُ، وَتَسْكُنُ هُنَاكَ، فَتَكُونُ حَالَةُ ذَلِكَ الْإِنْسَانِ الْأَخِيرَةُ أَسْوَأَ مِنْ حَالَتِهِ الْأُولَى. فَهَذَا نَفْسُهُ سَيَحْدُثُ مَعَ هَذَا الشَّعْبِ الشِّرِّيرِ.“ وَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُ النَّاسَ، وَصَلَتْ أُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ وَوَقَفُوا خَارِجَ الدَّارِ، وَطَلَبُوا أَنْ يُكَلِّمُوهُ. فَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنَ الْمَوْجُودِينَ: ”أُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ وَاقِفُونَ خَارِجَ الدَّارِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُكَلِّمُوكَ.“ فَقَالَ لِلَّذِي أَخْبَرَهُ: ”مَنْ أُمِّي وَمَنْ إِخْوَتِي؟“ ثُمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى تَلَامِيذِهِ وَقَالَ: ”هَؤُلَاءِ هُمْ أُمِّي وَإِخْوَتِي! لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ مَشِيئَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاءِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي.“ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، خَرَجَ عِيسَـى مِنَ الدَّارِ وَجَلَسَ عَلَى شَاطِـئِ الْبُحَـيْرَةِ. فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ جُمْهُـورٌ غَفِيرٌ، حَتَّى إِنَّهُ رَكِبَ قَارِبًا وَجَـلَسَ فِيهِ، وَكَانَ كُلُّ الْجُمْهُـورِ وَاقِفًا عَلَى الشَّاطِـئِ. فَكَلَّمَهُمْ بِأَمْثَالٍ فِي أُمُـورٍ كَثِيرَةٍ، فَقَالَ: ”خَـرَجَ الزَّارِعُ لِيَزْرَعَ. وَبَيْنَمَا هُوَ يَزْرَعُ، سَقَطَ بَعْضُ الْحَبِّ عَلَى جَـانِبِ الطَّـرِيقِ، فَجَاءَتِ الطُّـيُورُ وَأَكَلَتْهُ. وَسَقَطَ الْبَعْضُ الْآخَرُ عَلَى أَرْضٍ صَخْرِيَّةٍ قَلِيلَةِ التُّرَابِ، فَنَبَتَ بِسُرْعَةٍ لِأَنَّ التُّرْبَةَ لَمْ تَكُنْ عَمِيقَةً. لَكِنْ لَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، اِحْتَرَقَ النَّبَاتُ وَذَبُلَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ جِذْرٌ. ثُمَّ سَقَطَ الْبَعْضُ بَيْنَ الشَّوْكِ، فَطَلَعَ الشَّوْكُ وَخَنَقَ النَّبَاتَ. لَكِنَّ الْبَعْضَ الْآخَرَ سَقَطَ عَلَى أَرْضٍ جَيِّدَةٍ فَأَثْمَرَ، وَأَنْتَجَ بَعْضُهُ 30 ضِعْفًا، وَبَعْضُهُ 60، وَبَعْضُهُ 100. اِسْمَعُونِي يَا مَنْ لَكُمْ آذَانٌ!“ فَجَاءَ التَّلَامِيذُ وَقَالُوا لَهُ: ”لِمَاذَا تُكَلِّمُهُمْ بِأَمْثَالٍ؟“ فَأَجَابَهُمْ: ”أَعْطَيْتُكُمْ أَنْتُمْ أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرَارَ مَمْلَكَةِ السَّمَاءِ، أَمَّا هُمْ فَلَمْ أُعْطِهِمْ هَذَا. مَنْ عِنْدَهُ يُعْطَى أَكْثَرَ فَيَزِيدُ. وَمَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ، فَحَتَّى الْقَلِيلُ الَّذِي لَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ. لِهَذَا أُكَلِّمُهُمْ بِأَمْثَالٍ، حَتَّى إِنَّهُمْ مَهْمَا نَظَرُوا لَا يَرَوْنَ، وَمَهْمَا سَمِعُوا لَا يَفْهَمُونَ. فَيَتِمُّ فِيهِمْ قَوْلُ اللهِ فِي نُبُوَّةِ إِشَعْيَا: ’مَهْمَا سَمِعْتُمْ لَا تَفْهَمُونَ، وَمَهْمَا نَظَرْتُمْ لَا تَرَوْنَ. لِأَنَّ قَلْبَ هَذَا الشَّعْبِ تَقَسَّى، وَآذَانَهُمْ ثَقُلَتْ عَنِ السَّمْعِ، وَأَغْمَضُوا عُيُونَهُمْ، لِئَلَّا يَرَوْا بِعُيُونِهِمْ، وَيَسْمَعُوا بِآذَانِهِمْ، وَيَفْهَمُوا بِقُلُوبِهِمْ، فَيَرْجِعُوا إِلَيَّ فَأَشْفِيَهُمْ.‘ ”أَمَّا أَنْتُمْ، فَهَنِيئًا لِعُيُونِكُمْ لِأَنَّهَا تَرَى، وَلِآذَانِكُمْ لِأَنَّهَا تَسْمَعُ. وَأَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ تَمَنَّوْا أَنْ يَرَوْا مَا تَرَوْنَ وَلَمْ يَرَوْا، وَأَنْ يَسْمَعُوا مَا تَسْمَعُونَ وَلَمْ يَسْمَعُوا. ”فَاسْمَعُوا أَنْتُمْ مَعْنَى مَثَلِ الزَّارِعِ: الْمَزْرُوعُ عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ هُوَ مَنْ يَسْمَعُ رِسَالَةَ الْمَمْلَكَةِ وَلَا يَفْهَمُهَا، فَيَأْتِي إِبْلِيسُ الشِّرِّيرُ وَيَخْطِفُ مَا زُرِعَ فِي قَلْبِهِ. ”وَالْمَزْرُوعُ فِي الْأَمَاكِنِ الصَّخْرِيَّةِ هُوَ مَنْ يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ وَيَقْبَلُهَا حَالًا بِفَرَحٍ. وَلَكِنَّهُ بِلَا جُذُورٍ، فَلَا يَدُومُ، بَلْ عِنْدَمَا يَحْدُثُ ضِيقٌ أَوِ اضْطِهَادٌ مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ، يَتَرَاجَعُ فِي الْحَالِ. ”وَالْمَزْرُوعُ بَيْنَ الشَّوْكِ، هُوَ مَنْ يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ، لَكِنَّ هَمَّ الدُّنْيَا، وَخِدَاعَ الْغِنَى يَخْنُقَانِ الْكَلِمَةَ وَيَجْعَلَانِهَا بِلَا ثَمَرٍ. ”وَالْمَزْرُوعُ فِي الْأَرْضِ الْجَيِّدَةِ، هُوَ مَنْ يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ وَيَفْهَمُهَا، فَهُوَ يُثْمِرُ وَيُعْطِي، الْبَعْضُ 100 ضِعْفٍ، وَالْبَعْضُ 60، وَالْبَعْضُ 30.“ وَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا آخَرَ فَقَالَ: ”مَمْلَكَةُ السَّمَاءِ هِيَ مِثْلُ رَجُلٍ زَرَعَ زَرْعًا جَيِّدًا فِي حَقْلِهِ. وَلَمَّا كَانَ الْكُلُّ نَائِمِينَ، جَاءَ عَدُوُّهُ وَزَرَعَ زَوَانًا فِي وَسْطِ الْقَمْحِ وَمَضَى. فَلَمَّا طَلَعَ الْقَمْحُ، وَتَكَوَّنَتْ سَنَابِلُهُ، ظَهَرَ الزَّوَانُ أَيْضًا. فَجَاءَ عَبِيدُ صَاحِبِ الْحَقْلِ وَقَالُوا لَهُ: ’يَا سَيِّدُ! أَلَمْ تَزْرَعْ زَرْعًا جَيِّدًا فِي حَقْلِكَ؟ فَمِنْ أَيْنَ جَاءَ الزَّوَانُ؟‘ فَقَالَ: ’عَدُوٌّ فَعَلَ هَذَا.‘ فَقَالَ الْعَبِيدُ لَهُ: ’هَلْ تُرِيدُ أَنْ نَذْهَبَ وَنَجْمَعَهُ؟‘ أَجَابَهُمْ: ’لَا. لِئَلَّا تَقْلَعُوا الْقَمْحَ وَأَنْتُمْ تَجْمَعُونَ الزَّوَانَ. اُتْرُكُوهُمَا يَنْمُوَانِ مَعًا إِلَى يَوْمِ الْحَصَادِ، وَفِي وَقْتِ الْحَصَادِ، أَقُولُ لِلْحَصَّادِينَ: ”اِجْمَعُوا الزَّوَانَ أَوَّلًا وَارْبِطُوهُ فِي حُزَمٍ لِيُحْرَقَ، أَمَّا الْقَمْحُ فَاجْمَعُوهُ إِلَى مَخْزَنِي.“‘“ وَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا آخَرَ فَقَالَ: ”مَمْلَكَةُ السَّمَاءِ هِيَ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ أَخَذَهَا رَجُلٌ وَزَرَعَهَا فِي حَقْلِهِ. فَمَعَ أَنَّهَا أَصْغَرُ كُلِّ الْبُزُورِ، لَكِنَّهَا عِنْدَمَا تَنْمُو، تَصِيرُ أَكْبَرَ مِنْ نَبَاتَاتِ الْحَدِيقَةِ، بَلْ تَصِيرُ شَجَرَةً حَتَّى إِنَّ طُيُورَ السَّمَاءِ تَأْتِي وَتُعَشِّشُ فِي فُرُوعِهَا.“ وَحَدَّثَهُمْ بِمَثَلٍ آخَرَ فَقَالَ: ”مَمْلَكَةُ السَّمَاءِ هِيَ مِثْلُ خَمِيرَةٍ أَخَذَتْهَا امْرَأَةٌ وَوَضَعَتْهَا فِي 3 أَكْيَالِ دَقِيقٍ حَتَّى اخْتَمَرَ الْكُلُّ.“ هَذَا كُلُّهُ قَالَهُ عِيسَـى لِلْجُمْهُورِ بِالْأَمْثَالِ. وَكَانَ لَا يُكَلِّمُهُمْ بِغَيْرِ أَمْثَالٍ، فَتَمَّ قَوْلُ اللهِ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ: ”بِالْأَمْثَالِ أَتَكَلَّمُ، وَأُعْلِنُ أَشْيَاءَ كَانَتْ مَخْفِيَّةً مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِينَ.“ وَتَرَكَ الْجُمْهُورَ وَرَجَعَ إِلَى الدَّارِ. فَجَاءَ إِلَيْهِ تَلَامِيذُهُ وَقَالُوا: ”فَسِّرْ لَنَا مَثَلَ الزَّوَانِ فِي الْحَقْلِ.“ فَقَالَ: ”الَّذِي يَزْرَعُ الزَّرْعَ الْجَـيِّدَ هُـوَ الَّذِي صَارَ بَشَرًا. وَالْحَـقْلُ هُـوَ الْعَـالَمُ. وَالزَّرْعُ الْجَـيِّدُ هُـوَ أَبْنَاءُ الْمَمْلَكَةِ، وَالزَّوَانُ هُوَ أَبْنَاءُ إِبْلِيسَ الشِّـرِّيرِ. أَمَّـا الْعَـدُوُّ الَّذِي زَرَعَ الزَّوَانَ فَهُـوَ إِبْلِيسُ. وَالْحَصَـادُ هُـوَ نِهَـايَةُ الزَّمَـانِ، وَالْحَصَّـادُونَ هُمُ الْمَلَائِكَةُ. فَالزَّوَانُ يُقْـلَعُ وَيُحْـرَقُ فِي النَّـارِ. وَنَفْسُ الشَّـيْءِ يَحْـدُثُ فِي نِهَـايَةِ الزَّمَـانِ: الَّذِي صَارَ بَشَرًا يُرْسِـلُ مَلَائِكَتَهُ، فَيَنْزِعُـونَ مِنْ مَمْلَكَتِـهِ كُلَّ مَا يُسَـبِّبُ الْخَطِـيئَةَ وَكُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الشَّـرَّ، وَيَرْمُونَهُـمْ فِي أَتُـونِ النَّارِ، هُـنَاكَ الْبُكَـاءُ وَصَـرِيرُ الْأَسْـنَانِ. أَمَّـا الصَّالِحُـونَ، فَيُضِيئُونَ مِثْلَ الشَّمْسِ فِي مَمْلَكَةِ أَبِيهِـمْ. اِسْمَعُونِي يَا مَنْ لَكُمْ آذَانٌ! ”مَمْلَكَةُ السَّمَاءِ هِيَ مِثْلُ كَنْزٍ مَدْفُونٍ فِي حَقْلٍ، وَجَدَهُ رَجُلٌ فَأَخْفَاهُ هُنَاكَ، وَمِنْ فَرَحِهِ رَاحَ وَبَاعَ كُلَّ مَا يَمْلِكُ وَاشْتَرَى ذَلِكَ الْحَقْلَ. ”مَمْلَكَةُ السَّمَاءِ هِيَ مِثْلُ تَاجِرٍ يَبْحَثُ عَنْ لَآلِئٍ كَرِيمَةٍ، فَوَجَدَ لُؤْلُؤَةً ثَمِينَةً، فَمَضَى وَبَاعَ كُلَّ مَا يَمْلِكُ وَاشْتَرَاهَا. ”مَمْلَكَةُ السَّمَاءِ هِيَ مِثْلُ شَبَكَةٍ رَمَاهَا الصَّيَّادُونَ فِي الْبَحْرِ، فَجَمَعَتِ السَّمَكَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ. وَلَمَّا امْتَلَأَتْ، أَخْرَجُوهَا إِلَى الشَّاطِئِ، وَجَلَسُوا وَجَمَعُوا الْجَيِّدَ فِي سِلَالٍ، وَطَرَحُوا الرَّدِيءَ بَعِيدًا. وَنَفْسُ الشَّيْءِ يَحْدُثُ فِي نِهَايَةِ الزَّمَانِ: يَأْتِي الْمَلَائِكَةُ وَيَعْزِلُونَ الْأَشْرَارَ عَنِ الصَّالِحِينَ، وَيَرْمُونَ الْأَشْرَارَ فِي أَتُونِ النَّارِ، هُنَاكَ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الْأَسْنَانِ.“ وَسَأَلَهُمْ عِيسَـى: ”هَلْ فَهِمْتُمْ كُلَّ هَذَا؟“ قَالُوا لَهُ: ”نَعَمْ.“ فَقَالَ: ”لِذَلِكَ فَإِنَّ الْمُعَلِّمَ الَّذِي يُصْبِحُ تِلْمِيذًا فِي مَمْلَكَةِ السَّمَاءِ هُوَ كَصَاحِبِ الدَّارِ الَّذِي يُقَدِّمُ مِنْ مَخْزَنِهِ كُنُوزًا جَدِيدَةً وَكُنُوزًا قَدِيمَةً.“ وَلَمَّا أَتَمَّ عِيسَـى هَذِهِ الْأَمْثَالَ، مَضَى مِنْ هُنَاكَ، وَجَاءَ إِلَى بَلْدَتِهِ، وَأَخَذَ يُعَلِّمُ النَّاسَ فِي بَيْتِ الْعِبَادَةِ الَّذِي عِنْدَهُمْ. فَتَعَجَّبُوا وَقَالُوا: ”مِنْ أَيْنَ حَصَلَ هَذَا الرَّجُلُ عَلَى هَذِهِ الْحِكْمَةِ، وَعَلَى هَذِهِ الْقُوَّةِ لِعَمَلِ الْمُعْجِزَاتِ؟ أَلَيْسَ هُوَ ابْنَ النَّجَّارِ؟ وَأُمُّهُ اسْمُهَا مَرْيَمُ؟ وَإِخْوَتُهُ هُمْ يَعْقُوبُ وَيُوسِفُ وَسَمْعَانُ وَيَهُوذَا؟ أَلَيْسَتْ كُلُّ أَخَوَاتِهِ مَعَنَا؟ فَمِنْ أَيْنَ حَصَلَ عَلَى كُلِّ هَذَا؟“ وَلَمْ يُرِيدُوا أَنْ يَقْبَلُوهُ. فَقَالَ عِيسَـى لَهُمْ: ”لَا كَرَامَةَ لِنَبِيٍّ فِي بَلْدَتِهِ وَمَعَ أَهْلِهِ.“ وَلَمْ يَعْمَلْ هُنَاكَ مُعْجِزَاتٍ كَثِيرَةً لِعَدَمِ إِيمَانِهِمْ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ سَمِعَ هِيرُودِسُ الْحَاكِمُ بِأَخْبَارِ عِيسَى، فَقَالَ لِحَاشِيَتِهِ: ”هَذَا هُوَ يَحْيَى الْمُغَطِّسُ قَامَ مِنَ الْمَوْتِ، لِذَلِكَ يَعْمَلُ الْمُعْجِزَاتِ.“ لِأَنَّ هِيرُودِسَ كَانَ قَدْ قَبَضَ عَلَى يَحْيَى وَقَيَّدَهُ وَوَضَعَهُ فِي السِّجْنِ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ هِيرُودِيَّةَ امْرَأَةِ أَخِيهِ فِيلِيبَ. لِأَنَّ يَحْيَى كَانَ يَقُولُ لَهُ: ”لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَهَا.“ وَأَرَادَ هِيرُودِسُ أَنْ يَقْتُلَهُ، لَكِنَّهُ خَافَ مِنَ الشَّعْبِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَبِرُونَ أَنَّهُ نَبِيٌّ. وَفِي عِيدِ مِيلَادِ هِيرُودِسَ، رَقَصَتْ بِنْتُ هِيرُودِيَّةَ أَمَامَ الضُّيُوفِ وَأَعْجَبَتْ هِيرُودِسَ. فَوَعَدَهَا وَأَقْسَمَ لَهَا أَنْ يُعْطِيَهَا أَيَّ شَيْءٍ تَطْلُبُهُ. فَتَلَقَّنَتْ مِنْ أُمِّهَا، وَقَالَتْ لَهُ: ”أَعْطِنِي هُنَا عَلَى طَبَقٍ رَأْسَ يَحْيَى الْمُغَطِّسِ.“ فَحَزِنَ الْمَلِكُ. لَكِنْ لِأَنَّهُ أَقْسَمَ لَهَا أَمَامَ ضُيُوفِهِ، أَمَرَ بِأَنْ يُعْطُوهَا طَلَبَهَا. فَأَرْسَلَ وَقَطَعَ رَأْسَ يَحْيَى فِي السِّجْنِ. وَأَحْضَرُوا الرَّأْسَ عَلَى طَبَقٍ، وَأَعْطَوْهَا لِلْفَتَاةِ، فَأَخَذَتْهَا إِلَى أُمِّهَا. فَذَهَبَ تَلَامِيذُ يَحْيَى، وَأَخَذُوا الْجُثَّةَ، وَدَفَنُوهَا ثُمَّ ذَهَبُوا وَأَخْبَرُوا عِيسَى. فَلَمَّا سَمِعَ عِيسَـى بِهَذَا، اِنْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ فِي قَارِبٍ إِلَى مَكَانٍ مُنْعَزِلٍ لِوَحْدِهِ. فَعَرَفَ النَّاسُ، وَتَبِعُوهُ مِنَ الْمُدُنِ مَاشِينَ عَلَى الْأَقْدَامِ. فَلَمَّا نَزَلَ مِنَ الْقَارِبِ، رَأَى جُمْهُورًا كَثِيرًا، فَأَشْفَقَ عَلَيْهِمْ وَشَفَى مَرْضَاهُمْ. وَلَمَّا حَلَّ الْمَسَاءُ، جَاءَ التَّلَامِيذُ إِلَيْهِ وَقَالُوا لَهُ: ”هَذَا مَكَانٌ مُنْعَزِلٌ وَالنَّهَارُ مَضَى، اِصْرِفِ النَّاسَ لِيَذْهَبُوا إِلَى الْقُرَى وَيَشْتَرُوا لِأَنْفُسِهِمْ طَعَامًا.“ فَقَالَ لَهُمْ عِيسَـى: ”لَا دَاعِيَ أَنْ يَذْهَبُوا، أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا.“ فَقَالُوا لَهُ: ”عِنْدَنَا هُنَا 5 أَرْغِفَةٍ وَسَمَكَتَانِ فَقَطْ.“ فَقَالَ: ”هَاتُوهَا لِي.“ وَأَمَرَ الْجُمْهُورَ أَنْ يَجْلِسُوا عَلَى الْعُشْبِ، ثُمَّ أَخَذَ الْأَرْغِفَةَ الْـ5 وَالسَّمَكَتَيْنِ، وَنَظَرَ إِلَى فَوْقُ، إِلَى السَّمَاءِ، وَشَكَرَ اللهَ ثُمَّ قَسَّمَ الْخُبْزَ وَأَعْطَى التَّلَامِيذَ، وَالتَّلَامِيذُ أَعْطَوْا النَّاسَ. فَأَكَلُوا كُلُّهُمْ حَتَّى شَبِعُوا. ثُمَّ رَفَعُوا مَا فَضَلَ مِنَ الْكِسَرِ، 12 قُفَّةً مَمْلُوءَةً. وَكَانَ الَّذِينَ أَكَلُوا حَوَالَيْ 5000 رَجُلٍ، وَأَضِفْ إِلَى ذَلِكَ النِّسَاءَ وَالْأَطْفَالَ. وَحَالًا بَعْدَ ذَلِكَ، أَلْزَمَ تَلَامِيذَهُ أَنْ يَرْكَبُوا الْقَارِبَ وَيَسْبِقُوهُ إِلَى الشَّاطِئِ الْآخَرِ، حَتَّى يَصْرِفَ الْجُمْهُورَ. فَلَمَّا صَرَفَ الْجُمْهُورَ، رَاحَ إِلَى الْجَبَلِ لِيُصَلِّيَ عَلَى انْفِرَادٍ. وَلَمَّا جَاءَ اللَّيْلُ كَانَ هُنَاكَ وَحْدَهُ. وَكَانَ الْقَارِبُ قَدِ ابْتَعَدَ عَنِ الْبَرِّ إِلَى وَسَطِ الْبُحَيْرَةِ، وَأَخَذَتِ الْأَمْوَاجُ تَضْرِبُهُ لِأَنَّ الرِّيحَ كَانَتْ مُعَاكِسَةً لَهُ. وَقَبْلَ الْفَجْرِ، جَاءَ عِيسَـى إِلَى تَلَامِيذِهِ مَاشِيًا عَلَى الْمَاءِ. فَلَمَّا رَأَوْهُ مَاشِيًا عَلَى الْمَاءِ ارْتَعَبُوا وَقَالُوا: ”هَذَا شَبَحٌ.“ وَصَرَخُوا مِنَ الْخَوْفِ. لَكِنَّهُ كَلَّمَهُمْ فِي الْحَالِ وَقَالَ: ”اِطْمَئِنُّوا، أَنَا هُوَ، لَا تَخَافُوا!“ فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: ”يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتَ أَنْتَ هُوَ، فَمُرْنِي أَنْ أَجِيءَ إِلَيْكَ عَلَى الْمَاءِ.“ فَقَالَ لَهُ: ”تَعَالَ.“ فَنَزَلَ بُطْرُسُ مِنَ الْقَارِبِ وَمَشَى عَلَى الْمَاءِ نَحْوَ عِيسَـى. وَلَكِنَّهُ لَمَّا رَأَى الرِّيحَ شَدِيدَةً خَافَ، وَبَدَأَ يَغْرَقُ فَصَرَخَ: ”يَا سَيِّدُ، أَنْقِذْنِي.“ فَمَدَّ عِيسَـى يَدَهُ فِي الْحَالِ وَأَمْسَكَهُ وَقَالَ لَهُ: ”يَا قَلِيلَ الْإِيمَانِ، لِمَاذَا شَكَكْتَ؟“ وَلَمَّا رَكِبَا فِي الْقَارِبِ، سَكَتَتِ الرِّيحُ. فَسَجَدَ لَهُ الَّذِينَ فِي الْقَارِبِ وَقَالُوا: ”حَقًّا أَنْتَ ابْنُ اللهِ.“ وَلَمَّا عَبَرُوا الْبُحَيْرَةَ، وَصَلُوا إِلَى شَاطِئِ جَنْسَرْتَ. فَعَرَفَهُ أَهْلُ الْمَكَانِ، وَبَعَثُوا الْخَبَرَ فِي الْمِنْطَقَةِ كُلِّهَا، فَأَحْضَرُوا لَهُ كُلَّ الْمَرْضَى. وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَسْمَحَ لِلْمَرْضَى بِأَنْ يَلْمِسُوا طَرَفَ ثَوْبِهِ فَقَطْ، وَكُلُّ مَنْ لَمَسَهُ شُفِيَ. وَجَاءَ إِلَى عِيسَـى بَعْضُ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ مِنَ الْقُدْسِ وَقَالُوا: ”لِمَاذَا يُخَالِفُ تَلَامِيذُكَ التَّقْلِيدَ الَّذِي فَرَضَهُ الشُّيُوخُ، فَلَا يَغْسِلُونَ أَيْدِيَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلُوا؟“ فَأَجَابَهُمْ: ”وَلِمَاذَا تُخَالِفُونَ أَنْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ لِكَيْ تُحَافِظُوا عَلَى تَقَالِيدِكُمْ؟ لِأَنَّ اللهَ قَالَ: ’أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، وَمَنْ سَبَّ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ يَجِبُ أَنْ يُقْتَلَ.‘ أَمَّا أَنْتُمْ فَتَقُولُونَ: ’إِنْ قَالَ وَاحِدٌ لِأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ: ”مَا كُنْتُ أَعُولُكَ بِهِ أَعْطَيْتُهُ للهِ“، فَلَا يُفْرَضُ عَلَيْهِ أَنْ يُكْرِمَ أَبَاهُ.‘ فَأَنْتُمْ نَقَضْتُمْ كَلَامَ اللهِ مِنْ أَجْلِ تَقَالِيدِكُمْ. يَا مُنَافِقُونَ! كَانَ إِشَعْيَا عَلَى حَقٍّ لَمَّا تَنَبَّأَ عَنْكُمْ بِقَوْلِ اللهِ: ’هَذَا الشَّعْبُ يُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ، أَمَّا قَلْبُهُ فَبَعِيدٌ عَنِّي، يَعْبُدُنِي عِبَادَةً هِيَ بِلَا قِيمَةٍ، وَالْعَقَائِدُ الَّتِي يُعَلِّمُهَا هِيَ وَصَايَا مِنْ تَأْلِيفِ النَّاسِ.‘“ وَدَعَا الْجُمْهُورَ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُمْ: ”اِسْمَعُوا وَافْهَمُوا، مَا يَدْخُلُ الْفَمَ لَا يُنَجِّسُ الْإِنْسَانَ، إِنَّمَا مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ هُوَ الَّذِي يُنَجِّسُ الْإِنْسَانَ.“ وَجَاءَ التَّلَامِيذُ وَقَالُوا لَهُ: ”هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ الْفَرِّيسِيِّينَ صُدِمُوا لَمَّا سَمِعُوا هَذَا الْكَلَامَ؟“ فَأَجَابَهُمْ: ”كُلُّ نَبَاتٍ لَمْ يَزْرَعْهُ أَبِي السَّمَائِيُّ، يُقْلَعُ مِنْ جِذْرِهِ. اُتْرُكُوهُمْ، هُمْ عُمْيَانٌ يَقُودُونَ عُمْيَانًا. وَإِنْ كَانَ أَعْمَى يَقُودُ أَعْمَى، يَسْقُطُ الِاثْنَانِ فِي حُفْرَةٍ.“ فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: ”فَسِّرْ لَنَا الْمَثَلَ.“ فَأَجَابَهُ: ”هَلْ أَنْتُمْ أَيْضًا أَغْبِيَاءُ مِثْلُهُمْ؟ أَلَا تَعْرِفُونَ أَنَّ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يَذْهَبُ إِلَى الْبَطْنِ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الْمِرْحَاضِ؟ أَمَّا مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ، فَهُوَ يَجِيءُ مِنَ الْقَلْبِ، وَهُوَ الَّذِي يُنَجِّسُ الْإِنْسَانَ. لِأَنَّهُ مِنَ الْقَلْبِ تَخْرُجُ الْأَفْكَارُ الشِّرِّيرَةُ: الْقَتْلُ، الزِّنَى، الْفِسْقُ، السَّرِقَةُ، شَهَادَةُ الزُّورِ، تَشْوِيهُ السُّمْعَةِ. هَذِهِ هِيَ الْأَشْيَاءُ الَّتِي تُنَجِّسُ الْإِنْسَانَ، أَمَّا الْأَكْلُ بِأَيْدٍ غَيْرِ مَغْسُولَةٍ فَلَا يُنَجِّسُهُ.“ وَخَرَجَ عِيسَـى مِنْ هُنَاكَ وَانْصَرَفَ إِلَى مِنْطَقَةِ صُورَ وَصَيْدَا. فَجَاءَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ مِنْ تِلْكَ الْبِلَادِ وَهِيَ تَصْرُخُ: ”اِرْحَمْنِي يَا سَيِّدِي يَا ابْنَ دَاوُدَ! بِنْتِي فِيهَا شَيْطَانٌ يُعَذِّبُهَا جِدًّا.“ لَكِنَّهُ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهَا حَتَّى بِكَلِمَةٍ. فَجَاءَ تَلَامِيذُهُ وَطَلَبُوا مِنْهُ وَقَالُوا: ”اِصْرِفْهَا، لِأَنَّهَا تَصْرُخُ وَرَاءَنَا.“ فَأَجَابَ: ”أَنَا أُرْسِلْتُ فَقَطْ إِلَى خِرَافِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ.“ فَجَاءَتِ الْمَرْأَةُ وَرَكَعَتْ قُدَّامَهُ وَقَالَتْ: ”سَاعِدْنِي يَا سَيِّدِي!“ فَأَجَابَ: ”لَا يَصِحُّ أَنْ نَأْخُذَ طَعَامَ الْأَوْلَادِ وَنَرْمِيَهُ لِلْكِلَابِ.“ فَقَالَتْ: ”نَعَمْ يَا سَيِّدِي! وَلَكِنْ حَتَّى الْكِلَابُ تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَسْيَادِهَا.“ فَأَجَابَهَا عِيسَـى: ”أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ إِيمَانُكِ عَظِيمٌ! لَكِ مَا طَلَبْتِ.“ فَشُفِيَتْ بِنْتُهَا مِنْ تِلْكَ اللَّحْظَةِ. وَخَرَجَ عِيسَـى مِنْ هُنَاكَ، وَجَاءَ إِلَى بُحَيْرَةِ الْجَلِيلِ، وَصَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ وَجَلَسَ هُنَاكَ. فَجَاءَ إِلَيْهِ جُمْهُورٌ غَفِيرٌ مَعَهُمْ عُرْجٌ وَعُمْيٌ وَمَشْلُولُونَ وَخُرْسٌ وَكَثِيرُونَ غَيْرُهُمْ، وَوَضَعُوهُمْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ فَشَفَاهُمْ. فَتَعَجَّبَ النَّاسُ لَمَّا رَأَوْا الْخُرْسَ يَتَكَلَّمُونَ، وَالْمَشْلُولِينَ يَصِحُّونَ، وَالْعُرْجَ يَمْشُونَ، وَالْعُمْيَ يَرَوْنَ، وَسَبَّحُوا رَبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَنَادَى عِيسَـى تَلَامِيذَهُ وَقَالَ لَهُمْ: ”إِنِّي أَشْفِقُ عَلَى الْجُمْهُورِ لِأَنَّهُمْ مَعِي هُنَا مُنْذُ 3 أَيَّامٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ لِيَأْكُلُوا. وَلَا أُرِيدُ أَنْ أَصْرِفَهُمْ جَائِعِينَ لِئَلَّا يُصِيبَهُمُ الْإِجْهَادُ الشَّدِيدُ فِي الطَّرِيقِ.“ فَقَالَ لَهُ التَّلَامِيذُ: ”نَحْنُ فِي صَحْرَاءَ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ لَنَا أَنْ نَجِدَ خُبْزًا يَكْفِي لِإِشْبَاعِ هَذَا الْجُمْهُورِ الْغَفِيرِ؟“ فَقَالَ لَهُمْ عِيسَـى: ”كَمْ رَغِيفًا عِنْدَكُمْ؟“ فَقَالُوا: ”7 وَقَلِيلٌ مِنْ سَمَكٍ صَغِيرٍ.“ فَأَمَرَ الْجُمْهُورَ أَنْ يَجْلِسُوا عَلَى الْأَرْضِ. وَأَخَذَ الأَرْغِفَةَ الـ7 وَالسَّمَكَ، وَشَكَرَ اللهَ وَقَسَّمَ وَأَعْطَى التَّلَامِيذَ، وَالتَّلَامِيذُ أَعْطَوْا الْجُمْهُورَ. فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ رَفَعُوا مَا فَضَلَ مِنَ الْكِسَرِ 7 سِلَالٍ مَمْلُوءَةٍ. وَكَانَ الَّذِينَ أَكَلُوا 4000 رَجُلٍ، وَأَضِفْ إِلَى ذَلِكَ النِّسَاءَ وَالْأَطْفَالَ. ثُمَّ صَرَفَ النَّاسَ، وَرَكِبَ الْقَارِبَ وَجَاءَ إِلَى مِنْطَقَةِ مَجْدَانَ. وَجَاءَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَالصَّدُّوقِيُّونَ، وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً مِنَ السَّمَاءِ، لِكَيْ يَخْتَبِرُوهُ. فَأَجَابَهُمْ: ”إِنْ كَانَتِ السَّمَاءُ حَمْرَاءَ عِنْدَ الْغُرُوبِ تَقُولُونَ: ’سَيَكُونُ الْجَوُّ جَمِيلًا.‘ وَإِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ وَمُلَبَّدَةً بِالْغُيُومِ فِي الصُّبْحِ تَقُولُونَ: ’الْيَوْمَ تَهُبُّ عَاصِفَةٌ.‘ تَعْرِفُونَ أَنْ تُفَسِّرُوا مَنْظَرَ السَّمَاءِ، وَلَا تَقْدِرُونَ أَنْ تُفَسِّرُوا عَلَامَاتِ الْأَزْمِنَةِ! شَعْبٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً، وَلَا يُعْطَى غَيْرَ آيَةِ يُونِسَ.“ ثُمَّ تَرَكَهُمْ وَمَضَى. وَلَمَّا عَبَرَ التَّلَامِيذُ الْبُحَيْرَةَ، نَسُوا أَنْ يَأْخُذُوا مَعَهُمْ خُبْزًا. وَقَالَ لَهُمْ عِيسَـى: ”اِنْتَبِهُوا! اِحْذَرُوا مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ.“ فَقَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: ”لَمْ نَأْخُذْ مَعَنَا خُبْزًا!“ فَعَرَفَ عِيسَـى وَقَالَ لَهُمْ: ”يَا قَلِيلِي الْإِيمَانِ! لِمَاذَا تَقُولُونَ فِيمَا بَيْنَكُمْ إِنَّهُ لَيْسَ مَعَكُمْ خُبْزٌ؟ هَلْ لِحَدِّ الْآنَ لَا تَفْهَمُونَ وَلَا تَذْكُرُونَ الْأَرْغِفَةَ الْـ5 الَّتِي أَشْبَعَتْ 5000 وَكَمْ قُفَّةً أَخَذْتُمْ؟ وَالْأَرْغِفَةَ الـ7 الَّتِي أَشْبَعَتْ 4000 وَكَمْ سَلَّةً أَخَذْتُمْ؟ لِمَاذَا لَا تَفْهَمُونَ؟ أَنَا لَمْ أَكُنْ أَتَكَلَّمُ عَنِ الْخُبْزِ! بَلِ احْذَرُوا مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ.“ عِنْدَ ذَلِكَ فَهِمَ التَّلَامِيذُ أَنَّ كَلَامَهُ يَعْنِي احْذَرُوا مِنْ تَعْلِيمِ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ، لَا مِنَ الْخَمِيرِ الَّذِي يُوضَعُ فِي الْخُبْزِ. وَلَمَّا وَصَلَ عِيسَـى إِلَى مِنْطَقَةِ قَيْصَرِيَّةِ فِيلِيبَ سَأَلَ تَلَامِيذَهُ: ”فِي رَأْيِ النَّاسِ، مَنْ أَنَا؟“ فَقَالُوا: ”الْبَعْضُ يَقُولُ إِنَّكَ يَحْيَى الْمُغَطِّسُ، وَالْبَعْضُ إِنَّكَ إِلْيَاسُ، وَالْبَعْضُ الْآخَرُ يَقُولُ إِنَّكَ إِرْمِيَا أَوْ وَاحِدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ.“ فَقَالَ لَهُمْ: ”وَفِي رَأْيِكُمْ أَنْتُمْ، مَنْ أَنَا؟“ أَجَابَ سَمْعَانُ بُطْرُسُ: ”أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ.“ فَقَالَ لَهُ عِيسَـى: ”هَنِيئًا لَكَ يَا سَمْعَانُ بْنَ يُونَا. الَّذِي كَشَفَ لَكَ هَذَا لَيْسَ بَشَرًا، إِنَّمَا أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاءِ. وَإِنِّي أَقُولُ لَكَ أَيْضًا، أَنْتَ بُطْرُسُ وَعَلَى هَذِهِ الصَّخْرَةِ أُقِيمُ أُمَّتِي وَبَوَّابَاتُ الْمَوْتِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا. وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَمْلَكَةِ السَّمَاءِ، فَكُلُّ مَا تَمْنَعُهُ عَلَى الْأَرْضِ يُمْنَعُ فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَسْمَحُ بِهِ عَلَى الْأَرْضِ يُسْمَحُ بِهِ فِي السَّمَاءِ.“ ثُمَّ حَذَّرَهُمْ مِنْ أَنْ يَقُولُوا لِأَحَدٍ إِنَّهُ الْمَسِيحُ. وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، بَدَأَ عِيسَـى يُوَضِّحُ لِتَلَامِيذِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْقُدْسِ، وَيَتَأَلَّمَ كَثِيرًا عَلَى أَيْدِي الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْأَحْبَارِ وَالْفُقَهَاءِ، وَيُقْتَلَ ثُمَّ يَقُومَ حَيًّا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ. فَأَخَذَهُ بُطْرُسُ عَلَى جَانِبٍ، وَبَدَأَ يُعَاتِبُهُ وَيَقُولُ: ”لَا سَمَحَ اللهُ يَا سَيِّدُ! هَذَا لَنْ يَجْرِيَ لَكَ!“ فَالْتَفَتَ وَقَالَ لِبُطْرُسَ: ”اُبْعُدْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ! أَنْتَ عَقَبَةٌ فِي طَرِيقِي، لِأَنَّكَ تُفَكِّرُ كَالْبَشَرِ وَلَيْسَ كَمَا يُفَكِّرُ اللهُ.“ ثُمَّ قَالَ عِيسَى لِتَلَامِيذِهِ: ”مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَنِي، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَخَلَّى عَنْ ذَاتِهِ، وَيَحْمِلَ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعَنِي. لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُنْقِذَ حَيَاتَهُ يَفْقِدُهَا، أَمَّا مَنْ فَقَدَ حَيَاتَهُ فِي سَبِيلِي فَإِنَّهُ يَجِدُهَا. لِأَنَّهُ مَاذَا يَسْتَفِيدُ الْإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ، لَكِنَّهُ ضَيَّعَ نَفْسَهُ؟ أَوْ مَاذَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَدِّمَ الْإِنْسَانُ فِدْيَةً عَنْ نَفْسِهِ؟ لِأَنَّ الَّذِي صَارَ بَشَرًا سَيَأْتِي مَعَ مَلَائِكَتِهِ فِي جَلَالِ أَبِيهِ، وَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِهِ. أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، بَعْضُ الْمَوْجُودِينَ هُنَا لَنْ يَمُوتُوا حَتَّى يَرَوْا الَّذِي صَارَ بَشَرًا آتِيًا فِي مَمْلَكَتِهِ.“ وَبَعْدَ 6 أَيَّامٍ أَخَذَ عِيسَـى بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَأَخَاهُ يُوحَنَّا، وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ عَلَى انْفِرَادٍ. وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ. وَفَجْأَةً ظَهَرَ لَهُمْ مُوسَى وَإِلْيَاسُ، وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ مَعَ عِيسَـى. فَقَالَ بُطْرُسُ لِعِيسَـى: ”يَا سَيِّدُ، مَا أَحْلَى أَنَّنَا مَعًا هُنَا. فَإِنْ شِئْتَ، أَعْمَلُ هُنَا 3 خِيَامٍ، وَاحِدَةً لَكَ، وَوَاحِدَةً لِمُوسَى، وَوَاحِدَةً لِإِلْيَاسَ.“ وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ، غَطَّتْهُمْ سَحَابَةٌ مُنِيرَةٌ، وَقَالَ صَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ: ”هَذَا هُوَ ابْنِيَ الْحَبِيبُ الَّذِي يُفَرِّحُنِي، اِسْمَعُوا لَهُ.“ فَلَمَّا سَمِعَ التَّلَامِيذُ ذَلِكَ، وَقَعُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَخَافُوا جِدًّا. فَاقْتَرَبَ عِيسَـى وَلَمَسَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: ”قُومُوا، لَا تَخَافُوا.“ فَنَظَرُوا وَلَمْ يَرَوْا إِلَّا عِيسَـى وَحْدَهُ. وَلَمَّا كَانُوا نَازِلِينَ مِنَ الْجَبَلِ، أَوْصَاهُمْ عِيسَـى وَقَالَ: ”لَا تُخْبِرُوا أَحَدًا بِهَذِهِ الرُّؤْيَا إِلَّا بَعْدَمَا أَقُومُ مِنَ الْمَوْتِ.“ فَسَأَلَهُ التَّلَامِيذُ: ”لِمَاذَا يَقُولُ الْفُقَهَاءُ إِنَّ إِلْيَاسَ يَجِبُ أَنْ يَأْتِيَ أَوَّلًا؟“ فَأَجَابَهُمْ: ”صَحِيحٌ، إِلْيَاسُ يَأْتِي وَيُصْلِحُ كُلَّ الْأُمُورِ. فَأَقُولُ لَكُمْ إِنَّ إِلْيَاسَ جَاءَ فِعْلًا وَلَمْ يَعْرِفُوهُ، بَلْ فَعَلُوا بِهِ مَا شَاءُوا. وَبِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ فَإِنَّ الَّذِي صَارَ بَشَرًا يَتَأَلَّمُ عَلَى أَيْدِيهِمْ.“ فَفَهِمَ التَّلَامِيذُ أَنَّهُ كَانَ يُكَلِّمُهُمْ عَنْ يَحْيَى الْمُغَطِّسِ. فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى الْجُمْهُورِ، جَاءَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، وَرَكَعَ قُدَّامَهُ وَقَالَ: ”يَا سَيِّدُ، اِرْحَمِ ابْنِي فَإِنَّهُ مُصَابٌ بِالصَّرَعِ وَيَتَعَذَّبُ جِدًّا، وَيَقَعُ كَثِيرًا فِي النَّارِ وَفِي الْمَاءِ. وَقَدْ أَحْضَرْتُهُ إِلَى تَلَامِيذِكَ، فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَشْفُوهُ.“ فَأَجَابَ عِيسَـى: ”يَا شَعْبٌ غَيْرُ مُؤْمِنٍ وَضَالٌّ! إِلَى مَتَى أَبْقَى مَعَكُمْ؟ وَإِلَى مَتَى أَحْتَمِلُكُمْ؟ هَاتُوا الْوَلَدَ إِلَى هُنَا.“ فَوَبَّخَ عِيسَى الشَّيْطَانَ، فَخَرَجَ مِنَ الْوَلَدِ وَشُفِيَ مِنْ تِلْكَ اللَّحْظَةِ. فَجَاءَ التَّلَامِيذُ إِلَى عِيسَـى عَلَى انْفِرَادٍ وَقَالُوا لَهُ: ”لِمَاذَا لَمْ نَقْدِرْ نَحْنُ أَنْ نَطْرُدَهُ؟“ فَقَالَ لَهُمْ: ”لِأَنَّ إِيمَانَكُمْ قَلِيلٌ. وَأَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، لَوْ كَانَ عِنْدَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ الْخَرْدَلِ، لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهَذَا الْجَبَلِ: ’اِنْتَقِلْ مِنْ هُنَا‘، فَيَنْتَقِلُ، وَلَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ. وَهَذَا النَّوْعُ لَا يَخْرُجُ إِلَّا بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ.“ وَلَمَّا كَانُوا فِي الْجَلِيلِ مَعًا، قَالَ لَهُمْ عِيسَـى: ”الَّذِي صَارَ بَشَرًا سَيُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ فَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ حَيًّا.“ فَحَزِنُوا جِدًّا. وَلَمَّا وَصَلَ عِيسَـى وَتَلَامِيذُهُ إِلَى كَفْرَنَاحُومَ، جَاءَ الَّذِينَ يَجْمَعُونَ ضَرِيبَةَ الدِّرْهَمَيْنِ إِلَى بُطْرُسَ وَقَالُوا: ”هَلْ يَدْفَعُ مُعَلِّمُكُمُ الدِّرْهَمَيْنِ؟“ فَأَجَابَ: ”نَعَمْ.“ فَلَمَّا دَخَلَ بُطْرُسُ إِلَى الدَّارِ، سَبَقَهُ عِيسَـى بِالْكَلَامِ وَقَالَ لَهُ: ”مَا رَأْيُكَ يَا سَمْعَانُ، مِمَّنْ يَأْخُذُ مُلُوكُ هَذِهِ الدُّنْيَا ضَرِيبَةَ الدَّخْلِ أَوْ ضَرِيبَةَ الْأَفْرَادِ؟ هَلْ مِنْ أَبْنَائِهِمْ أَمْ مِنَ الْغُرَبَاءِ؟“ فَأَجَابَ: ”مِنَ الْغُرَبَاءِ.“ فَقَالَ لَهُ عِيسَـى: ”إِذَنْ فَالْأَبْنَاءُ أَحْرَارٌ لَا يَدْفَعُونَ. لَكِنْ لِكَيْ لَا نَصْدِمَهُمْ، اِذْهَبْ إِلَى الْبُحَيْرَةِ وَأَلْقِ الصِّنَّارَةَ، وَخُذْ أَوَّلَ سَمَكَةٍ تَطْلَعُ، وَافْتَحْ فَمَهَا فَتَجِدَ فِيهِ قِطْعَةَ نَقْدٍ قِيمَتُهَا 4 دَرَاهِمَ، خُذْهَا وَأَعْطِهَا لَهُمْ عَنِّي وَعَنْكَ.“ وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ جَاءَ التَّلَامِيذُ إِلَى عِيسَـى وَسَأَلُوهُ: ”مَنْ هُوَ أَعْظَمُ وَاحِدٍ فِي مَمْلَكَةِ اللهِ؟“ فَنَادَى طِفْلًا وَأَوْقَفَهُ فِي وَسْطِهِمْ، وَقَالَ: ”أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، إِنْ لَمْ تَتَغَيَّرُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الْأَطْفَالِ، لَنْ تَدْخُلُوا مَمْلَكَةَ اللهِ. فَمَنْ يَتَوَاضَعُ لِيَكُونَ مِثْلَ هَذَا الطِّفْلِ، هُوَ أَعْظَمُ وَاحِدٍ فِي مَمْلَكَةِ اللهِ. وَمَنْ يَقْبَلُ طِفْلًا مِثْلَ هَذَا إِكْرَامًا لِاسْمِي يَقْبَلُنِي. ”مَنْ يَتَسَبَّبُ فِي أَنْ يُخْطِئَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ الصِّغَارِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِي، فَخَيْرٌ لَهُ أَنْ يُوضَعَ حَجَرُ طَاحُونَةٍ ثَقِيلٌ حَوْلَ رَقَبَتِهِ، وَيُغْرَقَ فِي أَعْمَاقِ الْبَحْرِ. الْوَيْلُ لِلْعَالَمِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَجْعَلُ النَّاسَ يُخْطِئُونَ. هَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا بُدَّ أَنْ تَحْدُثَ، لَكِنَّ الْوَيْلَ لِمَنْ يَكُونُ السَّبَبَ فِي حُدُوثِهَا. ”إِنْ كَانَتْ يَدُكَ أَوْ رِجْلُكَ تُسَبِّبُ لَكَ أَنْ تُخْطِئَ، اِقْطَعْهَا وَارْمِهَا بَعِيدًا، فَأَحْسَنُ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ إِلَى الْحَيَاةِ وَلَكَ يَدٌ وَاحِدَةٌ أَوْ رِجْلٌ وَاحِدَةٌ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ يَدَانِ أَوْ رِجْلَانِ وَتُرْمَى فِي النَّارِ الْأَبَدِيَّةِ. وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ تُسَبِّبُ لَكَ أَنْ تُخْطِئَ، اِقْلَعْهَا وَارْمِهَا بَعِيدًا، فَأَحْسَنُ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ إِلَى الْحَيَاةِ وَلَكَ عَيْنٌ وَاحِدَةٌ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ عَيْنَانِ وَتُرْمَى فِي نَارِ الْجَحِيمِ. ”إِيَّاكُمْ أَنْ تَحْتَقِرُوا أَيَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الصِّغَارِ، لِأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ مَلَائِكَتَهُمْ فِي السَّمَاءِ هُمْ دَائِمًا فِي مَحْضَرِ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاءِ. لِأَنَّ الَّذِي صَارَ بَشَرًا جَاءَ لِيُنْقِذَ الْهَالِكِينَ. ”مَا رَأْيُكُمْ: رَجُلٌ عِنْدَهُ 100 خَرُوفٍ، وَضَلَّ وَاحِدٌ مِنْهَا، أَلَا يَتْرُكُ الـ99 فِي الْجِبَالِ، وَيَذْهَبُ لِيَبْحَثَ عَنِ الَّذِي ضَلَّ؟ فَإِنْ وَجَدَهُ، أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، يَفْرَحُ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ فَرَحِهِ بِالـ99 الَّتِي لَمْ تَضِلَّ. وَبِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ، أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ لَا يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الصِّغَارِ. ”إِنْ أَخْطَأَ أَخُوكَ فِي حَقِّكَ، اِذْهَبْ عَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَلَى انْفِرَادٍ. فَإِنْ سَمِعَ لَكَ، فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، فَخُذْ مَعَكَ وَاحِدًا آخَرَ أَوِ اثْنَيْنِ، لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي أَيِّ قَضِيَّةٍ يَكُونُ بِنَاءً عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَوْ 3. وَإِنْ رَفَضَ أَنْ يَسْمَعَ لَهُمَا، أَخْبِرْ جَمَاعَةَ الْمُؤْمِنِينَ. وَإِنْ رَفَضَ أَنْ يَسْمَعَ حَتَّى لِجَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ، فَعَامِلْهُ كَمَا تُعَامِلُ الْوَثَنِيَّ أَوْ جَابِيَ الضَّرَائِبِ. أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، كُلُّ مَا تَمْنَعُونَهُ عَلَى الْأَرْضِ يُمْنَعُ فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَسْمَحُونَ بِهِ عَلَى الْأَرْضِ يُسْمَحُ بِهِ فِي السَّمَاءِ. ”وَأَقُولُ لَكُمْ أَيْضًا، إِنِ اتَّفَقَ اثْنَانِ مِنْكُمْ فِي الْأَرْضِ عَلَى شَيْءٍ يَطْلُبَانِهِ، فَإِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاءِ يُعْطِيهِ لَهُمَا، لِأَنَّهُ حَيْثُ اجْتَمَعَ 2 أَوْ 3 بِاسْمِي، فَأَنَا هُنَاكَ فِي وَسْطِهِمْ.“ وَجَاءَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ: ”يَا سَيِّدُ، كَمْ مَرَّةً أُسَامِحُ أَخِي عِنْدَمَا يُخْطِئُ فِي حَقِّي؟ هَلْ 7 مَرَّاتٍ؟“ أَجَابَهُ عِيسَـى: ”أَقُولُ لَكَ، لَا 7 مَرَّاتٍ، بَلْ 70 مَرَّةً 7 مَرَّاتٍ. ”فَإِنَّ مَمْلَكَةَ اللهِ هِيَ مِثْلُ مَلِكٍ أَرَادَ أَنْ يُحَاسِبَ عَبِيدَهُ. فَلَمَّا بَدَأَ، جَاءُوا إِلَيْهِ بِوَاحِدٍ مَدْيُونٍ بِمِلْيُونِ عُمْلَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ. وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُسَدِّدُ بِهِ الدَّيْنَ. فَأَمَرَ سَيِّدُهُ أَنْ يُبَاعَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَأَوْلَادُهُ، وَكُلُّ مَا يَمْلِكُ لِكَيْ يُسَدِّدَ الدَّيْنَ. فَرَمَى الْعَبْدُ نَفْسَهُ قُدَّامَهُ وَسَجَدَ لَهُ وَقَالَ: ’اِصْبِرْ عَلَيَّ وَأَنَا أُسَدِّدُ لَكَ كُلَّ شَيْءٍ.‘ فَأَشْفَقَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْعَبْدِ، وَأَطْلَقَ سَرَاحَهُ وَسَامَحَهُ بِالدَّيْنِ. وَلَمَّا خَرَجَ ذَلِكَ الْعَبْدُ، لَقِيَ وَاحِدًا مِنْ زُمَلَائِهِ الْعَبِيدِ كَانَ مَدْيُونًا لَهُ بِـ100 عُمْلَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ. فَأَمْسَكَ بِرَقَبَتِهِ يَخْنُقُهُ وَقَالَ: ’اِدْفَعْ مَا عَلَيْكَ.‘ فَرَمَى هَذَا الْعَبْدُ نَفْسَهُ قُدَّامَهُ وَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ وَقَالَ: ’اِصْبِرْ عَلَيَّ وَأَنَا أُسَدِّدُهُ لَكَ.‘ فَرَفَضَ وَأَخَذَ الرَّجُلَ وَرَمَاهُ فِي السِّجْنِ حَتَّى يُسَدِّدَ الدَّيْنَ. وَرَأَى الْعَبِيدُ الْآخَرُونَ مَا جَرَى، فَحَزِنُوا جِدًّا، وَرَاحُوا وَأَخْبَرُوا سَيِّدَهُمْ بِكُلِّ مَا جَرَى. فَنَادَاهُ سَيِّدُهُ وَقَالَ لَهُ: ’أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ، كُلُّ ذَلِكَ الدَّيْنِ أَنَا سَامَحْتُكَ بِهِ لِأَنَّكَ تَوَسَّلْتَ إِلَيَّ، أَلَيْسَ مِنْ وَاجِبِكَ إِذَنْ أَنْ تَرْحَمَ الْعَبْدَ زَمِيلَكَ، كَمَا رَحِمْتُكَ أَنَا؟‘ وَغَضِبَ سَيِّدُهُ، وَسَلَّمَهُ إِلَى الْجَلَّادِينَ حَتَّى يُسَدِّدَ لَهُ كُلَّ الدَّيْنِ. وَأَبِي السَّمَائِيُّ يُعَامِلُكُمْ بِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ إِنْ لَمْ يُسَامِحْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ أَخَاهُ مِنَ الْقَلْبِ.“ وَلَمَّا انْتَهَى عِيسَـى مِنْ هَذَا الْكَلَامِ، تَرَكَ الْجَلِيلَ وَذَهَبَ إِلَى مِنْطَقَةِ يَهُوذَا ثُمَّ إِلَى الضَّفَّةِ الشَّرْقِيَّةِ مِنَ الْأُرْدُنِّ. فَتَبِعَهُ جُمْهُورٌ غَفِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَشَفَاهُمْ هُنَاكَ. وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْفَرِّيسِيِّينَ لِيَخْتَبِرُوهُ، فَقَالُوا: ”هَلْ حَلَالٌ أَنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِأَيِّ سَبَبٍ؟“ فَأَجَابَ: ”أَلَمْ تَقْرَأُوا أَنَّ الْخَالِقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأُنْثَى، وَأَنَّهُ قَالَ: ’لِهَذَا السَّبَبِ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَقْتَرِنُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَصِيرُ الِاثْنَانِ وَاحِدًا‘؟ فَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ هُمَا وَاحِدٌ لَا اثْنَانِ. وَمَا جَمَعَهُ اللهُ لَا يُفَرِّقْهُ الْإِنْسَانُ.“ فَقَالُوا لَهُ: ”إِذَنْ لِمَاذَا أَمَرَ مُوسَى بِأَنْ نُعْطِيَ شَهَادَةَ طَلَاقٍ وَنُطَلِّقَهَا؟“ فَقَالَ لَهُمْ: ”بِسَبَبِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ سَمَحَ مُوسَى لَكُمْ أَنْ تُطَلِّقُوا نِسَاءَكُمْ. لَكِنْ فِي الْبَدْءِ لَمْ يَكُنْ هَذَا. وَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ، مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ لِأَيِّ سَبَبٍ غَيْرَ الزِّنَى، ثُمَّ تَزَوَّجَ بِأُخْرَى، فَإِنَّهُ يَزْنِي.“ فَقَالَ لَهُ تَلَامِيذُهُ: ”إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْوَضْعُ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، فَعَدَمُ الزَّوَاجِ أَحْسَنُ.“ فَقَالَ لَهُمْ: ”هَذَا الْكَلَامُ لَا يَقْبَلُهُ الْجَمِيعُ، إِنَّمَا فَقَطِ الَّذِينَ أُنْعِمَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ. فَيُوجَدُ مَنْ وَلَدَتْهُمْ أُمَّهَاتُهُمْ عَاجِزِينَ عَنِ الزَّوَاجِ، وَيُوجَدُ مَنْ خَصَاهُمُ النَّاسُ، وَيُوجَدُ الَّذِينَ يَرْفُضُونَ الزَّوَاجَ فِي سَبِيلِ مَمْلَكَةِ اللهِ. مَنْ يَقْدِرْ عَلَى فَهْمِ هَذَا فَلْيَفْهَمْ.“ وَأَحْضَرُوا لَهُ أَطْفَالًا لِكَيْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ وَيُصَلِّيَ مِنْ أَجْلِهِمْ، لَكِنَّ التَّلَامِيذَ وَبَّخُوا الَّذِينَ أَحْضَرُوهُمْ. فَقَالَ عِيسَـى: ”خَلُّوا الْأَطْفَالَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلَا تَمْنَعُوهُمْ، لِأَنَّ اللهَ يُدْخِلُ إِلَى مَمْلَكَتِهِ مَنْ هُمْ مِثْلُهُمْ.“ ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ وَانْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ. وَجَاءَ إِلَيْهِ رَجُلٌ وَقَالَ لَهُ: ”يَا مُعَلِّمُ، مَاذَا أَعْمَلُ مِنْ صَلَاحٍ لِكَيْ أَنَالَ حَيَاةَ الْخُلُودِ؟“ فَقَالَ لَهُ: ”لِمَاذَا تَسْأَلُنِي عَنِ الصَّلَاحِ؟ يُوجَدُ صَالِحٌ وَاحِدٌ فَقَطْ. فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ، اِعْمَلْ بِالْوَصَايَا.“ فَقَالَ لَهُ: ”أَيُّ وَصَايَا؟“ قَالَ عِيسَـى: ”لَا تَقْتُلْ، لَا تَزْنِ، لَا تَسْرِقْ، لَا تَشْهَدْ بِالزُّورِ، أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، وَأَحِبَّ الْآخَرِينَ كَمَا تُحِبُّ نَفْسَكَ.“ قَالَ لَهُ الشَّابُّ: ”أَنَا أَعْمَلُ بِكُلِّ هَذِهِ الْوَصَايَا. فَمَاذَا يَنْقُصُنِي؟“ قَالَ لَهُ عِيسَـى: ”إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلًا، اِذْهَبْ وَبِعْ أَمْلَاكَكَ وَوَزِّعْ ثَمَنَهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ تَعَالَ اتْبَعْنِي.“ فَلَمَّا سَمِعَ الشَّابُّ هَذَا الْكَلَامَ، ذَهَبَ مَغْمُومًا لِأَنَّهُ كَانَ غَنِيًّا جِدًّا. فَقَالَ عِيسَـى لِتَلَامِيذِهِ: ”أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، مِنَ الصَّعْبِ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَمْلَكَةِ اللهِ. أُؤَكِّدُ لَكُمْ أَنَّ مُرُورَ جَمَلٍ مِنْ ثُقْبِ إِبْرَةٍ أَسْهَلُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَمْلَكَةِ اللهِ!“ فَانْدَهَشَ التَّلَامِيذُ جِدًّا لَمَّا سَمِعُوا هَذَا وَقَالُوا: ”إِذَنْ، مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَنْجُوَ؟“ فَنَظَرَ عِيسَـى إِلَيْهِمْ وَقَالَ: ”النَّاسُ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى هَذَا، أَمَّا اللهُ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.“ فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: ”لَاحِظْ أَنَّنَا تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ. فَمَا هُوَ نَصِيبُنَا؟“ فَقَالَ لَهُمْ عِيسَى: ”أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، عِنْدَ تَجْدِيدِ كُلِّ شَيْءٍ، مَتَى جَلَسَ الَّذِي صَارَ بَشَرًا عَلَى عَرْشِ جَلَالِهِ، فَأَنْتُمُ الَّذِينَ تَبِعْتُمُونِي تَجْلِسُونَ أَيْضًا عَلَى 12 عَرْشًا لِتُحَاسِبُوا قَبَائِلَ إِسْرَائِيلَ الِـ12. وَكُلُّ مَنْ تَرَكَ دِيَارًا أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَبًا أَوْ أُمًّا أَوْ أَوْلَادًا أَوْ حُقُولًا فِي سَبِيلِ اسْمِي، يَنَالُ 100 ضِعْفٍ وَيَكُونُ لَهُ نَصِيبٌ فِي حَيَاةِ الْخُلُودِ. وَكَثِيرُونَ هُمْ فِي الْأَوَّلِ هُنَا يَصِيرُونَ فِي الْآخِرِ هُنَاكَ، وَمَنْ هُمْ فِي الْآخِرِ هُنَا يَصِيرُونَ فِي الْأَوَّلِ هُنَاكَ. ”مَمْلَكَةُ اللهِ هِيَ مِثْلُ وَاحِدٍ صَاحِبِ أَرْضٍ خَرَجَ عِنْدَ الْفَجْرِ لِيَسْتَأْجِرَ عُمَّالًا لِكَرْمِهِ. وَاتَّفَقَ مَعَ الْعُمَّالِ عَلَى دِينَارٍ فِي الْيَوْمِ، وَأَرْسَلَهُمْ إِلَى كَرْمِهِ. ثُمَّ خَرَجَ حَوَالَيِ السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ صَبَاحًا، فَرَأَى عُمَّالًا آخَرِينَ وَاقِفِينَ فِي السَّاحَةِ الْعَامَّةِ بِلَا عَمَلٍ. فَقَالَ لَهُمْ: ’رُوحُوا أَنْتُمْ أَيْضًا إِلَى الْكَرْمِ، وَسَأُعْطِيكُمْ مَا يَحِقُّ لَكُمْ.‘ فَرَاحُوا. ثُمَّ خَرَجَ مَرَّةً أُخْرَى عِنْدَ الظُّهْرِ، وَمَرَّةً أُخْرَى حَوَالَيِ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَعَمِلَ نَفْسَ الشَّيْءِ. ثُمَّ حَوَالَيِ السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ مَسَاءً خَرَجَ فَوَجَدَ آخَرِينَ وَاقِفِينَ. فَقَالَ لَهُمْ: ’لِمَاذَا وَقَفْتُمْ هُنَا بِلَا عَمَلٍ طُولَ النَّهَارِ؟‘ قَالُوا لَهُ: ’لَمْ يَسْتَأْجِرْنَا أَحَدٌ.‘ فَقَالَ لَهُمْ: ’رُوحُوا أَنْتُمْ أَيْضًا إِلَى الْكَرْمِ.‘ وَلَمَّا حَلَّ الْمَسَاءُ، قَالَ صَاحِبُ الْكَرْمِ لِوَكِيلِهِ: ’نَادِ الْعُمَّالَ، وَادْفَعْ لَهُمْ أُجُورَهُمْ وَعَلَيْكَ أَنْ تَبْدَأَ بِالَّذِينَ جَاءُوا فِي الْآخِرِ حَتَّى تَصِلَ إِلَى الَّذِينَ جَاءُوا فِي الْأَوَّلِ.‘ ”فَجَاءَ الَّذِينَ عَمِلُوا مِنَ السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ، وَاسْتَلَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِينَارًا. فَلَمَّا جَاءَ الَّذِينَ عَمِلُوا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، ظَنُّوا أَنَّهُمْ سَيَأْخُذُونَ أَكْثَرَ. وَلَكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ اسْتَلَمَ دِينَارًا وَاحِدًا. فَلَمَّا أَخَذُوا، تَذَمَّرُوا عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ، وَقَالُوا: ’هَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَاءُوا فِي الْآخِرِ اشْتَغَلُوا سَاعَةً وَاحِدَةً، فَسَاوَيْتَهُمْ بِنَا نَحْنُ الَّذِينَ احْتَمَلْنَا تَعَبَ الْيَوْمِ كُلِّهِ فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ.‘ فَقَالَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ: ’يَا صَاحِبِي، أَنَا لَمْ أَظْلِمْكَ. أَلَمْ تَتَّفِقْ مَعِي عَلَى دِينَارٍ؟ خُذْ حَقَّكَ وَانْصَرِفْ. أَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَ هَذَا الَّذِي جَاءَ فِي الْآخِرِ مِثْلَكَ أَنْتَ. أَلَيْسَ مِنْ حَقِّي أَنْ أَتَصَرَّفَ فِي مَالِي كَمَا أَشَاءُ؟ هَلْ أَنْتَ حَسُودٌ لِأَنِّي كَرِيمٌ؟‘ إِذَنْ مَنْ هُمْ فِي الْآخِرِ يَصِيرُونَ فِي الْأَوَّلِ، وَمَنْ هُمْ فِي الْأَوَّلِ يَصِيرُونَ فِي الْآخِرِ.“ وَكَانَ عِيسَـى صَاعِدًا إِلَى مَدِينَةِ الْقُدْسِ. وَفِي الطَّرِيقِ أَخَذَ الِـ12 عَلَى انْفِرَادٍ وَقَالَ لَهُمْ: ”اِنْتَبِهُوا! نَحْنُ فِي الطَّرِيقِ إِلَى الْقُدْسِ، وَالَّذِي صَارَ بَشَرًا سَيُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ الْأَحْبَارِ وَالْفُقَهَاءِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ، ثُمَّ يُسَلِّمُونَهُ إِلَى الْأَجَانِبِ لِيَهْزَأُوا بِهِ وَيَجْلِدُوهُ وَيَصْلِبُوهُ. وَلَكِنَّهُ يَقُومُ حَيًّا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ.“ ثُمَّ تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ أُمُّ ابْنَيْ زَبَدِي وَمَعَهَا ابْنَاهَا، وَسَجَدَتْ لَهُ وَطَلَبَتْ مِنْهُ شَيْئًا. فَقَالَ لَهَا: ”مَاذَا تُرِيدِينَ؟“ أَجَابَتْهُ: ”أُرِيدُ أَنْ تَأْمُرَ بِأَنْ يَجْلِسَ ابْنَايَ هَذَانِ، وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِكَ فِي مُلْكِكَ.“ فَقَالَ لَهُمَا عِيسَـى: ”أَنْتُمَا لَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ! هَلْ تَقْدِرَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأْسَ الَّتِي سَأَشْرَبُهَا أَنَا؟“ فَقَالَا لَهُ: ”نَعَمْ، نَقْدِرُ.“ فَقَالَ لَهُمَا: ”حَقًّا، سَتَشْرَبَانِ كَأْسِي. أَمَّا الْجُلُوسُ عَنْ يَمِينِي أَوْ شِمَالِي، فَلَيْسَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ، إِنَّهُ لِمَنْ أَعَدَّهُ لَهُمْ أَبِي.“ فَلَمَّا سَمِعَ الْـ10 هَذَا، اِسْتَاءُوا مِنَ الْأَخَوَيْنِ. فَنَادَاهُمْ عِيسَـى إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُمْ: ”أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ حُكَّامَ الشُّعُوبِ يَتَسَيَّدُونَ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّ عُظَمَاءَهُمْ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ. فَلَا يَكُنْ هَذَا بَيْنَكُمْ، بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ عَظِيمًا بَيْنَكُمْ، فَلْيَكُنْ خَادِمًا لَكُمْ. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلَ بَيْنَكُمْ، فَلْيَكُنْ عَبْدًا لَكُمْ. كَمَا أَنَّ الَّذِي صَارَ بَشَرًا جَاءَ لَا لِيَخْدِمَهُ النَّاسُ، بَلْ لِيَخْدِمَهُمْ وَيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنِ الْكَثِيرِينَ.“ وَلَمَّا كَانُوا خَارِجِينَ مِنْ أَرِيحَا، تَبِعَهُ جُمْهُورٌ غَفِيرٌ مِنَ النَّاسِ. وَكَانَ يَجْلِسُ عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ أَعْمَيَانِ، فَسَمِعَا أَنَّ عِيسَى مَارٌّ مِنْ هُنَاكَ، فَصَرَخَا: ”اِرْحَمْنَا يَا مَوْلَانَا يَا ابْنَ دَاوُدَ!“ فَوَبَّخَهُمَا النَّاسُ وَقَالُوا لَهُمَا: ”اُسْكُتَا.“ لَكِنَّهُمَا صَرَخَا أَكْثَرَ: ”اِرْحَمْنَا يَا مَوْلَانَا، يَا ابْنَ دَاوُدَ!“ فَتَوَقَّفَ عِيسَـى، وَنَادَاهُمَا وَقَالَ لَهُمَا: ”مَاذَا تُرِيدَانِ أَنْ أَفْعَلَ لَكُمَا؟“ فَقَالَا لَهُ: ”يَا مَوْلَانَا، اِفْتَحْ عُيُونَنَا.“ فَأَشْفَقَ عِيسَـى عَلَيْهِمَا، وَلَمَسَ عُيُونَهُمَا، وَفِي الْحَالِ أَمْكَنَهُمَا أَنْ يَرَيَا فَتَبِعَاهُ. وَلَمَّا اقْتَرَبُوا مِنْ مَدِينَةِ الْقُدْسِ، وَوَصَلُوا إِلَى بَيْتَ فَجَّ عِنْدَ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، أَرْسَلَ عِيسَـى اثْنَيْنِ مِنْ تَلَامِيذِهِ، وَقَالَ لَهُمَا: ”اِذْهَبَا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أَمَامَكُمَا، فَتَجِدَا حِمَارَةً مَرْبُوطَةً وَمَعَهَا جَحْشٌ. حِلَّاهُمَا وَهَاتُوهُمَا لِي. وَإِنْ قَالَ لَكُمَا أَحَدٌ أَيَّ شَيْءٍ، فَقُولَا: ’السَّيِّدُ مُحْتَاجٌ لَهُمَا، وَسَيُرْجِعُهُمَا عَلَى الْفَوْرِ.‘“ وَقَدْ حَدَثَ هَذَا لِيَتِمَّ مَا قَالَهُ اللهُ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ: ”قُولُوا لِأَهْلِ الْقُدْسِ: ’هَذَا مَلِكُكُمْ يَأْتِي إِلَيْكُمْ وَدِيعًا وَرَاكِبًا عَلَى حِمَارَةٍ وَجَحْشٍ ابْنِ دَابَّةٍ.‘“ فَذَهَبَ التِّلْمِيذَانِ، وَعَمِلَا كَمَا أَمَرَهُمَا عِيسَـى. فَأَحْضَرَا الْحِمَارَةَ وَالْجَحْشَ وَوَضَعَا ثِيَابَهُمَا عَلَيْهِمَا، فَرَكِبَ عِيسَى. وَفَرَشَ جُمْهُورٌ كَبِيرٌ مِنَ النَّاسِ ثِيَابَهُمْ فِي الطَّرِيقِ، وَآخَرُونَ قَطَعُوا أَغْصَانًا مِنَ الشَّجَرِ وَفَرَشُوهَا فِي الطَّرِيقِ. وَكَانَ النَّاسُ الَّذِينَ أَمَامَهُ وَالَّذِينَ وَرَاءَهُ يَهْتِفُونَ: ”الْجَلَالُ لِابْنِ دَاوُدَ! تَبَارَكَ الْآتِي بِاسْمِ اللهِ. الْجَلَالُ فِي الْأَعَالِي!“ وَلَمَّا دَخَلَ الْقُدْسَ، هَاجَتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا وَقَالَتْ: ”مَنْ هَذَا؟“ فَأَجَابَتِ الْجَمَاهِيرُ: ”هَذَا هُوَ النَّبِيُّ عِيسَـى الَّذِي مِنْ مَدِينَةِ النَّاصِرَةِ بِالْجَلِيلِ.“ وَذَهَبَ عِيسَـى إِلَى بَيْتِ اللهِ، وَطَرَدَ كُلَّ الَّذِينَ يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ هُنَاكَ. وَقَلَبَ مَنَاضِدَ الصَّيَارِفِ وَمَقَاعِدَ تُجَّارِ الْحَمَامِ، وَقَالَ لَهُمْ: ”يَقُولُ كِتَابُ اللهِ: ’بَيْتِي يُسَمَّى بَيْتَ الصَّلَاةِ‘، لَكِنْ أَنْتُمْ تَجْعَلُونَهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ.“ وَجَاءَ إِلَيْهِ الْعُمْيُ وَالْعُرْجُ وَهُوَ فِي بَيْتِ اللهِ فَشَفَاهُمْ. فَغَضِبَ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَالْفُقَهَاءُ لَمَّا رَأَوْا الْعَجَائِبَ الَّتِي عَمِلَهَا وَالْأَطْفَالَ يَهْتِفُونَ فِي بَيْتِ اللهِ: ”الْجَلَالُ لِابْنِ دَاوُدَ!“ فَسَأَلُوهُ: ”هَلْ تَسْمَعُ مَا يَقُولُونَ؟“ أَجَابَهُمْ عِيسَـى: ”نَعَمْ، أَلَمْ تَقْرَأُوا أَبَدًا: ’جَعَلْتَ الْأَطْفَالَ وَالرُّضَّعَ يَرْفَعُونَ السُّبْحَ لَكَ‘؟“ ثُمَّ تَرَكَهُمْ، وَخَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى بَيْتَ عَنْيَا، وَبَاتَ هُنَاكَ. وَفِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى الْمَدِينَةِ، أَحَسَّ بِالْجُوعِ. فَرَأَى شَجَرَةَ تِينٍ بِجَانِبِ الطَّرِيقِ، فَذَهَبَ إِلَيْهَا، فَلَمْ يَجِدْ فِيهَا إِلَّا الْوَرَقَ. فَقَالَ لَهَا: ”لَنْ تُثْمِرِي أَبَدًا.“ فَذَبُلَتِ الشَّجَرَةُ فِي الْحَالِ. فَلَمَّا رَأَى التَّلَامِيذُ هَذَا، تَعَجَّبُوا وَقَالُوا: ”كَيْفَ ذَبُلَتْ شَجَرَةُ التِّينِ فِي الْحَالِ؟“ أَجَابَهُمْ عِيسَـى: ”أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ وَلَا تَشُكُّونَ، فَإِنَّكُمْ تَعْمَلُونَ مَا عَمِلْتُهُ بِشَجَرَةِ التِّينِ بَلْ وَأَكْثَرَ. فَحَتَّى إِنْ قُلْتُمْ لِهَذَا الْجَبَلِ: ’اِنْتَقِلْ مِنْ هُنَا وَانْطَرِحْ فِي الْبَحْرِ.‘ يَتِمُّ هَذَا فِعْلًا. فَإِنْ كَانَ عِنْدَكُمْ إِيمَانٌ، كُلُّ شَيْءٍ تَطْلُبُونَهُ فِي الصَّلَاةِ تَنَالُونَهُ.“ وَذَهَبَ إِلَى بَيْتِ اللهِ، وَأَخَذَ يُعَلِّمُ النَّاسَ. فَجَاءَ إِلَيْهِ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَشُيُوخُ الشَّعْبِ وَقَالُوا: ”بِأَيِّ سُلْطَةٍ تَعْمَلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، وَمَنْ أَعْطَاكَ السُّلْطَةَ لِتَعْمَلَهَا؟“ أَجَابَهُمْ عِيسَـى: ”وَأَنَا أَيْضًا أَسْأَلُكُمْ سُؤَالًا، فَإِنْ كُنْتُمْ تُجِيبُونِي عَنْهُ، أَقُولُ لَكُمْ بِأَيِّ سُلْطَةٍ أَعْمَلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ: مَنْ أَعْطَى يَحْـيَى السُّلْطَةَ لِيُغَطِّسَ؟ هَلِ اللهُ أَمِ النَّاسُ؟“ فَتَشَاوَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَقَالُوا: ”إِنْ قُلْنَا: ’اللهُ‘، يَقُولُ لَنَا: ’إِذَنْ لِمَاذَا لَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ؟‘ وَإِنْ قُلْنَا: ’النَّاسُ‘، نَخَافُ مِنَ الشَّعْبِ، لِأَنَّ الْجَمِيعَ يَعْتَبِرُونَ أَنَّ يَحْيَى نَبِيٌّ.“ فَأَجَابُوا وَقَالُوا لِعِيسَـى: ”لَا نَعْرِفُ.“ فَقَالَ لَهُمْ: ”وَأَنَا لَا أَقُولُ لَكُمْ بِأَيِّ سُلْطَةٍ أَعْمَلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ.“ ”مَا رَأْيُكُمْ؟ كَانَ لِرَجُلٍ ابْنَانِ، فَجَاءَ إِلَى الْأَوَّلِ وَقَالَ: ’يَا ابْنِي، اِذْهَبِ الْيَوْمَ وَاشْتَغِلْ فِي الْكَرْمِ.‘ فَأَجَابَهُ: ’لَا أُرِيدُ.‘ لَكِنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ نَدِمَ وَذَهَبَ. وَجَاءَ إِلَى الثَّانِي وَقَالَ لَهُ نَفْسَ الشَّيْءِ، فَأَجَابَهُ: ’سَأَذْهَبُ يَا سَيِّدُ.‘ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ. فَمَنْ مِنَ الِاثْنَيْنِ عَمِلَ إِرَادَةَ الْأَبِ؟“ قَالُوا: ”الْأَوَّلُ.“ فَقَالَ لَهُمْ عِيسَـى: ”أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، إِنَّ جُبَاةَ الضَّرَائِبِ وَالزَّوَانِيَ يَدْخُلُونَ إِلَى مَمْلَكَةِ اللهِ قَبْلَكُمْ. فَقَدْ جَاءَ يَحْيَى لِكَيْ يُبَيِّنَ لَكُمْ طَرِيقَ الصَّلَاحِ، وَلَكِنَّكُمْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ. أَمَّا جُبَاةُ الضَّرَائِبِ وَالزَّوَانِي فَآمَنُوا بِهِ. وَحَتَّى بَعْدَمَا رَأَيْتُمْ هَذَا، لَمْ تَتُوبُوا وَلَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ. ”اِسْمَعُوا مَثَلًا آخَرَ: رَجُلٌ صَاحِبُ أَرْضٍ غَرَسَ بُسْتَانًا، وَبَنَى حَوْلَهُ سُورًا، وَحَفَرَ فِيهِ مَعْصَرَةً، وَبَنَى فِيهِ بُرْجَ حِرَاسَةٍ، وَأَجَّرَهُ إِلَى فَلَّاحِينَ. ثُمَّ سَافَرَ إِلَى الْخَارِجِ. وَلَمَّا اقْتَرَبَ مَوْسِمُ الثَّمَرِ، أَرْسَلَ عَبِيدَهُ إِلَى الْفَلَّاحِينَ لِيَسْتَلِمَ نَصِيبَهُ مِنَ الثَّمَرِ. فَأَمْسَكَ الْفَلَّاحُونَ عَبِيدَهُ وَضَرَبُوا الْأَوَّلَ، وَقَتَلُوا الثَّانِيَ، وَرَجَمُوا الثَّالِثَ. فَأَرْسَلَ عَبِيدًا آخَرِينَ أَكْثَرَ مِنَ الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَفَعَلُوا بِهِمْ نَفْسَ الشَّيْءِ. وَأَخِيرًا أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ ابْنَهُ لِأَنَّهُ قَالَ: ’إِنَّهُمْ سَيَحْتَرِمُونَ ابْنِي.‘ فَلَمَّا رَأَى الْفَلَّاحُونَ الِابْنَ، قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: ’هَذَا هُوَ الْوَارِثُ، تَعَالَوْا نَقْتُلُهُ وَنَسْتَوْلِي عَلَى مِيرَاثِهِ.‘ فَأَمْسَكُوهُ وَرَمَوْهُ خَارِجَ الْبُسْتَانِ وَقَتَلُوهُ. فَعِنْدَمَا يَرْجِعُ صَاحِبُ الْبُسْتَانِ، مَاذَا يَفْعَلُ بِهَؤُلَاءِ الْفَلَّاحِينَ؟“ قَالُوا لَهُ: ”يَقْتُلُ هَؤُلَاءِ الْأَشْرَارَ شَرَّ قَتْلٍ، وَيُؤَجِّرُ الْبُسْتَانَ لِفَلَّاحِينَ آخَرِينَ يُعْطُونَهُ نَصِيبَهُ مِنَ الثَّمَرِ فِي وَقْتِهِ.“ قَالَ لَهُمْ عِيسَـى: ”أَلَمْ تَقْرَأُوا فِي كِتَابِ اللهِ أَنَّ الْحَجَرَ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ صَارَ تَاجَ الْبِنَاءِ! رَبُّنَا عَمِلَ هَذَا، وَهُوَ شَيْءٌ عَجِيبٌ فِي نَظَرِنَا. لِذَلِكَ أَقُولُ لَكُمْ، إِنَّ فُرْصَةَ دُخُولِكُمْ إِلَى مَمْلَكَةِ اللهِ سَتَضِيعُ عَلَيْكُمْ وَتُعْطَى لِشَعْبٍ يَعْمَلُ مَا يَطْلُبُهُ اللهُ. فَمَنْ يَقَعُ عَلَى هَذَا الْحَجَرِ يَتَكَسَّرُ، وَمَنْ يَقَعُ هَذَا الْحَجَرُ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ.“ فَلَمَّا سَمِعَ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ أَمْثَالَهُ، عَرَفُوا أَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ عَنْهُمْ. فَحَاوَلُوا أَنْ يَقْبِضُوا عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُمْ خَافُوا مِنَ الشَّعْبِ، لِأَنَّ الشَّعْبَ كَانَ يَعْتَبِرُ أَنَّهُ نَبِيٌّ. وَكَلَّمَهُمْ عِيسَـى بِالْأَمْثَالِ مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ: ”مَمْلَكَةُ اللهِ هِيَ مِثْلُ مَلِكٍ أَقَامَ وَلِيمَةً فِي عُرْسِ ابْنِهِ. وَأَرْسَلَ عَبِيدَهُ إِلَى الْمَدْعُوِّينَ لِكَيْ يَأْتُوا إِلَى الْعُرْسِ، فَرَفَضُوا أَنْ يَأْتُوا. فَأَرْسَلَ عَبِيدًا آخَرِينَ وَقَالَ لَهُمْ: ’قُولُوا لِلْمَدْعُوِّينَ إِنِّي جَهَّزْتُ عَشَائِي، وَذَبَحْتُ ثِيرَانِي وَعُجُولِيَ الْمُسَمَّنَةَ، وَكُلُّ شَيْءٍ جَاهِزٌ، فَتَعَالَوْا إِلَى الْعُرْسِ.‘ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَهْتَمُّوا، فَذَهَبَ وَاحِدٌ إِلَى حَقْلِهِ، وَآخَرُ إِلَى تِجَارَتِهِ. وَالْبَاقُونَ أَمْسَكُوا عَبِيدَهُ وَشَتَمُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ. فَغَضِبَ الْمَلِكُ، وَأَرْسَلَ عَسَاكِرَهُ وَأَهْلَكَ هَؤُلَاءِ الْقَتَلَةَ وَأَحْرَقَ مَدِينَتَهُمْ. ثُمَّ قَالَ لِعَبِيدِهِ: ’الْوَلِيمَةُ جَاهِزَةٌ، وَلَكِنَّ الَّذِينَ دَعَوْتُهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَهَا. اِذْهَبُوا إِلَى مَفَارِقِ الطُّرُقِ، وَكُلُّ مَنْ تَجِدُونَهُ ادْعُوهُ إِلَى وَلِيمَةِ الْعُرْسِ.‘ فَخَرَجَ الْعَبِيدُ إِلَى الشَّوَارِعِ، وَجَمَعُوا كُلَّ الَّذِينَ وَجَدُوهُمْ مِنْ أَشْرَارٍ وَصَالِحِينَ، فَامْتَلَأَتْ قَاعَةُ الْعُرْسِ بِالضُّيُوفِ. وَدَخَلَ الْمَلِكُ لِيَرَى الضُّيُوفَ، فَرَأَى هُنَاكَ رَجُلًا غَيْرَ لَابِسٍ ثِيَابَ الْعُرْسِ. فَقَالَ لَهُ: ’يَا صَاحِبِي، كَيْفَ دَخَلْتَ إِلَى هُنَا وَأَنْتَ غَيْرُ لَابِسٍ ثِيَابَ الْعُرْسِ؟‘ فَسَكَتَ. فَقَالَ الْمَلِكُ لِلْعَبِيدِ: ’اِرْبِطُوهُ مِنْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَارْمُوهُ خَارِجًا فِي الظَّلَامِ. هُنَاكَ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الْأَسْنَانِ.‘ لِأَنَّ الْمَدْعُوِّينَ كَثِيرُونَ، وَلَكِنَّ الْمُخْتَارِينَ قَلِيلُونَ.“ وَرَاحَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَتَآمَرُوا لِكَيْ يُوقِعُوهُ فِي كَلَامِهِ. فَأَرْسَلُوا تَلَامِيذَهُمْ إِلَيْهِ مَعَ الْهِيرُودِسِيِّينَ وَقَالُوا: ”يَا مُعَلِّمُ، نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَجُلٌ نَزِيهٌ، وَتُعَلِّمُ طَرِيقَ اللهِ بِالْحَقِّ، وَلَا تَخَافُ مِنْ أَحَدٍ، وَلَا تَهُمُّكَ مَرَاكِـزُ النَّاسِ. قُـلْ لَنَا مَا رَأْيُكَ: هَـلْ حَـلَالٌ أَنْ نَدْفَعَ الضَّـرِيبَةَ لِقَيْصَـرَ أَمْ لَا؟“ فَفَهِمَ عِيسَـى مَكْرَهُمْ وَقَالَ: ”يَا مُنَافِقُونَ، لِمَاذَا تُحَاوِلُونَ أَنْ تُوقِعُونِي؟ أَرُونِي الْعُمْلَةَ الَّتِي تَدْفَعُونَهَا فِي الضَّرِيبَةِ.“ فَأَحْضَرُوا لَهُ دِينَارًا. فَقَالَ لَهُمْ: ”صُورَةُ مَنْ هَذِهِ، وَاسْمُ مَنْ هَذَا؟“ قَالُوا: ”قَيْصَرُ.“ فَقَالَ لَهُمْ: ”إِذَنْ أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ، وَمَا للهِ للهِ.“ فَلَمَّا سَمِعُوا هَذَا الْكَلَامَ ذُهِلُوا، وَتَرَكُوهُ وَانْصَرَفُوا. وَفِي نَفْسِ الْيَوْمِ، جَاءَ إِلَيْهِ بَعْضُ الصَّدُّوقِيِّينَ وَهُمُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْقِيَامَةِ مِنَ الْمَوْتِ، وَسَأَلُوهُ: ”يَا مُعَلِّمُ، مُوسَى قَالَ: ’إِذَا مَاتَ رَجُلٌ، وَلَمْ يُخَلِّفْ أَوْلَادًا، فَأَخُوهُ يَأْخُذُ الْأَرْمَلَةَ، وَيُنْجِبُ أَوْلَادًا عَلَى اسْمِ أَخِيهِ.‘ فَكَانَ عِنْدَنَا 7 إِخْوَةٍ، الْأَوَّلُ تَزَوَّجَ لَكِنَّهُ مَاتَ عَنْ غَيْرِ أَوْلَادٍ، فَتَرَكَ زَوْجَتَهُ لِأَخِيهِ. وَنَفْسُ الشَّيْءِ حَدَثَ مَعَ الثَّانِي، وَالثَّالِثِ، وَمَعَ الـ7 كُلِّهِمْ. وَآخِرُ الْكُلِّ مَاتَتِ الْمَرْأَةُ. فَفِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ، سَتَكُونُ زَوْجَةَ أَيِّ وَاحِدٍ مِنَ الـ7؟ لِأَنَّ الْكُلَّ تَزَوَّجَهَا!“ فَأَجَابَهُمْ عِيسَـى: ”أَنْتُمْ عَلَى ضَلَالٍ، لِأَنَّكُمْ لَا تَعْرِفُونَ كِتَابَ اللهِ، وَلَا قُوَّةَ اللهِ! بَلْ عِنْدَمَا يَقُومُ الْمَوْتَى، لَا يَتَزَوَّجُونَ وَلَا يُزَوَّجُونَ، إِنَّمَا يَكُونُونَ كَالْمَلَائِكَةِ فِي السَّمَاءِ. أَمَّا مِنْ جِهَةِ قِيَامَةِ الْمَوْتَى، أَلَمْ تَقْرَأُوا مَا قَالَهُ اللهُ لَكُمْ: ’أَنَا هُوَ رَبُّ إِبْرَاهِيمَ وَرَبُّ إِسْحَاقَ وَرَبُّ يَعْقُوبَ‘؟ فَهُوَ رَبُّ أَحْيَاءٍ، لَا رَبُّ أَمْوَاتٍ.“ وَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ كَلَامَهُ، تَعَجَّبُوا مِنْ تَعْلِيمِهِ. وَسَمِعَ الْفَرِّيسِيُّونَ أَنَّهُ أَسْكَتَ الصَّدُّوقِيِّينَ، فَاجْتَمَعُوا مَعًا. وَاخْتَبَرَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَهُوَ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ بِهَذَا السُّؤَالِ، فَقَالَ: ”يَا مُعَلِّمُ، مَا هِيَ أَعْظَمُ وَصِيَّةٍ فِي الشَّرِيعَةِ؟“ فَأَجَابَهُ: ”أَحِبَّ الْمَوْلَى إِلَهَكَ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَكُلِّ نَفْسِكَ، وَكُلِّ فِكْرِكَ. هَذِهِ هِيَ أَعْظَمُ وَأَهَمُّ وَصِيَّةٍ. وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا، أَحِبَّ الْآخَرِينَ كَمَا تُحِبُّ نَفْسَكَ. كُلُّ مَا فِي التَّوْرَاةِ وَكُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ يَعْتَمِدُ عَلَى هَاتَيْنِ الْوَصِيَّتَيْنِ.“ وَلَمَّا كَانَ الْفَرِّيسِيُّونَ مُجْتَمِعِينَ مَعًا، سَأَلَهُمْ عِيسَـى: ”مَا رَأْيُكُمْ فِي الْمَسِيحِ، اِبْنُ مَنْ هُوَ؟“ فَقَالُوا لَهُ: ”اِبْنُ دَاوُدَ.“ قَالَ لَهُمْ: ”إِذَنْ كَيْفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِوَحْيِ الرُّوحِ الْقُدُّوسِ ’سَيِّدِي‘ لَمَّا قَالَ: ’قَالَ اللهُ لِسَيِّدِي: ”اِجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ تَحْتَ قَدَمَيْكَ.“‘ فَدَاوُدُ يَدْعُو الْمَسِيحَ سَيِّدَهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْمَسِيحُ ابْنَهُ؟“ وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يُجَاوِبَهُ بِكَلِمَةٍ. وَمِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَمْ يَتَجَرَّأْ أَحَدٌ أَنْ يَسْأَلَهُ أَسْئِلَةً أُخْرَى. ثُمَّ قَالَ عِيسَـى لِلشَّعْبِ وَتَلَامِيذِهِ: ”الْفُقَهَاءُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ يُعَلِّمُونَكُمْ تَوْرَاةَ مُوسَى، فَاعْمَلُوا بِكُلِّ مَا يَقُولُونَهُ لَكُمْ وَأَطِيعُوهُ. لَكِنْ لَا تَعْمَلُوا أَعْمَالَهُمْ، لِأَنَّهُمْ يُنَادُونَ بِشَيْءٍ وَيَعْمَلُونَ بِخِلَافِهِ. إِنَّهُمْ يَحْزِمُونَ أَحْمَالًا ثَقِيلَةً، وَيَضَعُونَهَا عَلَى أَكْتَافِ النَّاسِ، وَلَا يُحَرِّكُونَ وَلَوْ إِصْبَعًا لِيُسَاعِدُوهُمْ. ”وَكُلُّ مَا يَعْمَلُونَهُ هُوَ بِقَصْدِ أَنْ يَلْفِتُوا نَظَرَ النَّاسِ إِلَيْهِمْ، فَهُمْ يَجْعَلُونَ عَصَائِبَهُمْ عَرِيضَةً، وَأَهْدَابَ ثِيَابِهِمْ طَوِيلَةً. وَيُحِبُّونَ أَنْ يَجْلِسُوا فِي مَقَاعِدِ الشَّرَفِ فِي الْوَلَائِمِ، وَأَنْ يَكُونُوا فِي الصَّفِّ الْأَمَامِيِّ فِي بَيْتِ الْعِبَادَةِ، وَأَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمُ النَّاسُ فِي السَّاحَاتِ الْعَامَّةِ وَيَدْعُوهُمُ الْمُعَلِّمَ. ”أَمَّا أَنْتُمْ فَلَا تَسْمَحُوا لِأَحَدٍ أَنْ يَدْعُوَكُمُ الْمُعَلِّمَ، لِأَنَّ لَكُمْ مُعَلِّمًا وَاحِدًا، وَأَنْتُمْ كُلُّكُمْ إِخْوَةٌ. وَلَا تَدْعُوا أَحَدًا عَلَى الْأَرْضِ الْأَبَ، لِأَنَّ لَكُمْ أَبًا وَاحِدًا وَهُوَ فِي السَّمَاءِ. وَلَا تَسْمَحُوا لِأَحَدٍ أَنْ يَدْعُوَكُمُ السَّادَةَ، لِأَنَّ لَكُمْ سَيِّدًا وَاحِدًا هُوَ الْمَسِيحُ. وَأَكْبَرُ وَاحِدٍ فِيكُمْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ خَادِمَكُمْ. مَنْ رَفَعَ مِنْ قَدْرِ نَفْسِهِ يَنْزِلُ، وَمَنْ أَنْزَلَ مِنْ قَدْرِ نَفْسِهِ يَرْتَفِعُ. ”الْوَيْلُ لَكُمْ أَيُّهَا الْفُقَهَاءُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُنَافِقُونَ! فَإِنَّكُمْ تَقْفِلُونَ بَابَ مَمْلَكَةِ اللهِ فِي وَجْهِ النَّاسِ، فَلَا أَنْتُمْ تَدْخُلُونَ وَلَا تَسْمَحُونَ لِلدَّاخِلِينَ بِأَنْ يَدْخُلُوا. ”الْوَيْلُ لَكُمْ أَيُّهَا الْفُقَهَاءُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُنَافِقُونَ! فَإِنَّكُمْ تَنْهَبُونَ مَالَ الْأَرَامِلِ، وَتُقَدِّمُونَ صَلَوَاتٍ طَوِيلَةً لِكَيْ تَلْفِتُوا نَظَرَ النَّاسِ إِلَيْكُمْ. لِذَلِكَ تَنَالُونَ أَشَدَّ الْعَذَابِ. ”الْوَيْلُ لَكُمْ أَيُّهَا الْفُقَهَاءُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُنَافِقُونَ! فَإِنَّكُمْ تُسَافِرُونَ بَحْرًا وَبَرًّا لِتَجْعَلُوا وَلَوْ شَخْصًا وَاحِدًا يَدْخُلُ فِي دِينِكُمْ، وَمَتَى دَخَلَ تَجْعَلُونَهُ يَسْتَحِقُّ الْجَحِيمَ ضِعْفَ مَا أَنْتُمْ تَسْتَحِقُّونَ. ”الْوَيْلُ لَكُمْ أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ: ’مَنْ يَحْلِفُ بِبَيْتِ اللهِ فَلَا يَهُمُّ، أَمَّا مَنْ يَحْلِفُ بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي بَيْتِ اللهِ، فَيَجِبُ أَنْ يَفِيَ بِالْقَسَمِ.‘ أَيُّهَا الْجُهَّالُ الْعُمْيَانُ! أَيُّهُمَا أَعْظَمُ، الذَّهَبُ أَمْ بَيْتُ اللهِ الَّذِي يَجْعَلُ الذَّهَبَ مُقَدَّسًا؟ وَتَقُولُونَ: ’مَنْ يَحْلِفُ بِمَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ فَلَا يَهُمُّ، أَمَّا مَنْ يَحْلِفُ بِالْهَدِيَّةِ الَّتِي عَلَيْهَا، فَيَجِبُ أَنْ يَفِيَ بِالْقَسَمِ.‘ أَيُّهَا الْعُمْيَانُ! أَيُّهُمَا أَعْظَمُ، الْهَدِيَّةُ أَمِ الْمَنَصَّةُ الَّتِي تَجْعَلُ الْهَدِيَّةَ مُقَدَّسَةً؟ فَمَنْ يَحْلِفُ بِالْمَنَصَّةِ، يَحْلِفُ بِهَا وَبِكُلِّ مَا عَلَيْهَا. وَمَنْ يَحْلِفُ بِبَيْتِ اللهِ، يَحْلِفُ بِهِ وَبِالسَّاكِنِ فِيهِ. وَمَنْ يَحْلِفُ بِالسَّمَاءِ، يَحْلِفُ بِعَرْشِ اللهِ وَبِالْجَالِسِ عَلَيْهِ. ”الْوَيْلُ لَكُمْ أَيُّهَا الْفُقَهَاءُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُنَافِقُونَ! فَإِنَّكُمْ تُعْطُونَ للهِ الْعُشْرَ مِنَ النَّعْنَاعِ وَالشَّبَثِ وَالْكَمُّونِ، وَقَدْ أَهْمَلْتُمْ أَهَمَّ مَا فِي الشَّرِيعَةِ: الْعَدْلَ وَالرَّحْمَةَ وَالْأَمَانَةَ. كَانَ يَجِبُ أَنْ تُمَارِسُوا هَذِهِ الْأُمُورَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُهْمِلُوا إِعْطَاءَ الْعُشْرِ. أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ! أَنْتُمْ تُزِيلُونَ الْبَعُوضَةَ مِنَ الْمَاءِ وَتَبْلَعُونَ الْجَمَلَ! ”الْوَيْلُ لَكُمْ أَيُّهَا الْفُقَهَاءُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُنَافِقُونَ! فَإِنَّكُمْ تُنَظِّفُونَ الْكَأْسَ وَالصَّحْنَ مِنَ الْخَارِجِ، وَهُمَا مِنَ الدَّاخِلِ مَمْلوءَانِ بِمَا حَصَلْتُمْ عَلَيْهِ بِالنَّهْبِ وَالطَّمَعِ! أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّ الْأَعْمَى، نَظِّفْ أَوَّلًا الْكَأْسَ مِنَ الدَّاخِلِ، فَيَكُونَ الْخَارِجُ أَيْضًا نَظِيفًا. ”الْوَيْلُ لَكُمْ أَيُّهَا الْفُقَهَاءُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُنَافِقُونَ! فَإِنَّكُمْ مِثْلُ الْقُبُورِ الْمُبَيَّضَةِ، تَبْدُو جَمِيلَةً مِنَ الْخَارِجِ، وَهِيَ مِنَ الدَّاخِلِ مَمْلُوءَةٌ مِنْ عِظَامِ الْمَوْتَى وَكُلِّ نَجَاسَةٍ. وَأَنْتُمْ أَيْضًا مِنَ الْخَارِجِ تَظْهَرُونَ لِلنَّاسِ صَالِحِينَ، لَكِنَّكُمْ مِنَ الدَّاخِلِ مَمْلُوءُونَ مِنَ النِّفَاقِ وَالْفَسَادِ. ”الْوَيْلُ لَكُمْ أَيُّهَا الْفُقَهَاءُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُنَافِقُونَ! فَإِنَّكُمْ تَبْنُونَ مَقَابِرَ الْأَنْبِيَاءِ، وَتُزَيِّنُونَ مَدَافِنَ الصِّدِّيقِينَ. وَتَقُولُونَ: ’لَوْ عِشْنَا فِي أَيَّامِ آبَائِنَا، لَمَا اشْتَرَكْنَا مَعَهُمْ فِي سَفْكِ دَمِ الْأَنْبِيَاءِ.‘ فَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِأَنَّكُمْ أَبْنَاءُ قَتَلَةِ الْأَنْبِيَاءِ. إِذَنْ كَمِّلُوا مَا بَدَأَهُ آبَاؤُكُمْ. ”أَيُّهَا الْحَيَّاتُ! يَا أَوْلَادَ الْأَفَاعِي! كَيْفَ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنْ عِقَابِ الْجَحِيمِ؟ لِهَذَا فَإِنِّي أُرْسِلُ لَكُمُ الْأَنْبِيَاءَ وَالْحُكَمَاءَ وَالْمُعَلِّمِينَ. فَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَصْلِبُونَ، وَفَرِيقًا تَجْلِدُونَ فِي بُيُوتِ الْعِبَادَةِ، وَتُطَارِدُونَ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ. فَيَنْزِلُ بِكُمُ الْعِقَابُ عَلَى دَمِ كُلِّ الصَّالِحِينَ الَّذِي سُفِكَ فِي الْأَرْضِ مِنْ دَمِ هَابِيلَ الصِّدِّيقِ إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا بْنِ بَرَكْيَا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ بَيْنَ الْمِحْرَابِ وَمَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ. أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، هَذَا كُلُّهُ يَنْزِلُ عَلَى هَذَا الْجِيلِ. ”يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ! يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ! يَا قَاتِلَةَ الْأَنْبِيَاءِ، وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا! كَمْ مَرَّةً أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلَادَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا وَأَنْتُمْ لَمْ تُرِيدُوا! اُنْظُرُوا! إِنَّ دَارَكُمْ تُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا! فَإِنِّي أُؤَكِّدُ لَكُمْ أَنَّكُمْ لَنْ تَرَوْنِي بَعْدَ الْآنَ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ وَقْتٌ تَقُولُونَ فِيهِ: ’تَبَارَكَ الْآتِي بِاسْمِ اللهِ.‘“ وَخَرَجَ عِيسَـى مِنْ بَيْتِ اللهِ. وَبَيْنَمَا هُوَ فِي طَرِيقِهِ، جَاءَ إِلَيْهِ تَلَامِيذُهُ لِكَيْ يَلْفِتُوا نَظَرَهُ إِلَى مَبَانِي الْبَيْتِ. فَأَجَابَهُمْ: ”هَلْ تَرَوْنَ كُلَّ هَذِهِ؟ أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، لَنْ يُتْرَكَ فِيهَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ، بَلْ يُهْدَمُ الْكُلُّ.“ وَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ، جَاءَ إِلَيْهِ التَّلَامِيذُ عَلَى انْفِرَادٍ وَقَالُوا لَهُ: ”قُلْ لَنَا: مَتَى سَيَحْدُثُ هَذَا؟ وَمَا هِيَ الْعَلَامَةُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى مَجِيئِكَ وَنِهَايَةِ الزَّمَانِ؟“ أَجَابَهُمْ عِيسَـى: ”اِحْذَرُوا مِنْ أَنْ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ. لِأَنَّهُ سَيَأْتِي كَثِيرُونَ بِاسْمِي وَيَقُولُونَ: ’أَنَا هُوَ الْمَسِيحُ‘، وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ. وَسَتَسْمَعُونَ عَنْ حُرُوبٍ وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ، إِيَّاكُمْ أَنْ تَنْزَعِجُوا، لِأَنَّ هَذَا لَا بُدَّ أَنْ يَحْدُثَ، لَكِنْ لَيْسَتْ هَذِهِ هِيَ النِّهَايَةَ. فَتَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ، وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَحْدُثُ مَجَاعَاتٌ وَزَلَازِلُ فِي أَمَاكِنَ كَثِيرَةٍ. كُلُّ هَذِهِ هِيَ مُجَرَّدُ بِدَايَةِ الْآلَامِ. ”ثُمَّ يُعَذِّبُونَكُمْ وَيَقْتُلُونَكُمْ، وَتَكْرَهُكُمْ كُلُّ الشُّعُوبِ بِسَبَبِي. فَيَرْتَدُّ كَثِيرُونَ، وَيَخُونُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيَكْرَهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَيَظْهَرُ كَثِيرُونَ يَدَّعُونَ النُّبُوَّةَ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ. وَيَعُمُّ الشَّرُّ، فَتَبْرُدُ مَحَبَّةُ الْكَثِيرِينَ. لَكِنَّ الَّذِي يَثْبُتُ إِلَى النِّهَايَةِ يَنْجُو. وَتَنْتَشِرُ الْبُشْرَى بِمَمْلَكَتِي فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْعَالَمِ وَتَصِلُ الشَّهَادَةُ لِكُلِّ الشُّعُوبِ، ثُمَّ تَأْتِي الْآخِرَةُ. ”فَمَتَى رَأَيْتُمُ الَّذِي اسْمُهُ ’النَّجَاسَةُ وَالْخَرَابُ‘ الَّذِي تَكَلَّمَ عَنْهُ النَّبِيُّ دَانِيَالُ، مَوْجُودًا فِي الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ، اِفْهَمْ هَذَا أَيُّهَا الْقَارِئُ، فَالَّذِينَ فِي مِنْطَقَةِ يَهُوذَا يَجِبُ أَنْ يَهْرُبُوا إِلَى الْجِبَالِ. وَمَنْ كَانَ عَلَى السَّطْحِ، فَلَا يَنْزِلْ لِيَأْخُذَ مَا فِي دَارِهِ. وَمَنْ كَانَ فِي الْحَقْلِ، فَلَا يَرْجِعْ لِيَأْخُذَ ثَوْبَهُ. يَا شَقَاءَ الْحَبَالَى وَالْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ. صَلُّوا إِذَنْ لِكَيْ لَا يَحْدُثَ هَرَبُكُمْ فِي الشِّتَاءِ أَوْ يَوْمِ السَّبْتِ. لِأَنَّهُ سَيَحِلُّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَحْدُثْ مِثْلَهُ مُنْذُ بِدَايَةِ الْعَالَمِ إِلَى الْيَوْمِ، وَلَنْ يَتَكَرَّرَ أَبَدًا. وَلَوْ لَمْ تُقَصَّرْ تِلْكَ الْأَيَّامُ، مَا أَمْكَنَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْجُوَ، وَلَكِنْ لِأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ سَتُقَصَّرُ تِلْكَ الْأَيَّامُ. ”فَإِنْ قَالَ لَكُمْ وَاحِدٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ: ’الْمَسِيحُ هُنَا أَوْ هُنَاكَ.‘ فَلَا تُصَدِّقُوا. لِأَنَّهُ سَيَظْهَرُ مَنْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمُ الْمَسِيحُ وَمَنْ يَدَّعُونَ النُّبُوَّةَ، وَيَعْمَلُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَمُعْجِزَاتٍ لِكَيْ يُضِلُّوا الَّذِينَ اخْتَارَهُمُ اللهُ، لَوْ أَمْكَنَ ذَلِكَ. فَانْتَبِهُوا، لَقَدْ أَخْبَرْتُكُمْ مُسَبَّقًا. فَإِنْ قَالُوا لَكُمْ: ’هُوَ فِي الصَّحْرَاءِ‘، فَلَا تَخْرُجُوا إِلَى هُنَاكَ. أَوْ: ’هُوَ فِي الْبُيُوتِ مِنَ الدَّاخِلِ‘، فَلَا تُصَدِّقُوا. لِأَنَّ مَجِيءَ الَّذِي صَارَ بَشَرًا سَيَكُونُ مِثْلَ الْبَرْقِ الَّذِي يُضِيءُ مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الْغَرْبِ. حَيْثُ تَكُونُ الْجُثَّةُ، تَجْتَمِعُ الْجَوَارِحُ. ”وَفِي الْحَالِ، بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الْأَيَّامِ، تُظْلِمُ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ لَا يُضِيءُ، وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ، وَالْأَجْرَامُ السَّمَائِيَّةُ تَرْتَجُّ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تَظْهَرُ فِي السَّمَاءِ آيَةُ الَّذِي صَارَ بَشَرًا، فَتَنْتَحِبُ كُلُّ شُعُوبِ الْأَرْضِ. وَيَرَاهُ النَّاسُ آتِيًا عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ بِكُلِّ عِزَّةٍ وَجَلَالٍ. وَيُرْسِلُ مَلَائِكَتَهُ وَمَعَهُمْ بُوقٌ عَظِيمٌ، فَيَجْمَعُونَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ مِنَ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ وَالشَّمَالِ وَالْجَنُوبِ، مِنْ كُلِّ مَكَانٍ تَحْتَ السَّمَاءِ. ”تَعَلَّمُوا هَذَا الدَّرْسَ مِنْ شَجَرَةِ التِّينِ: مَتَى لَانَتْ أَغْصَانُهَا وَطَلَعَ الْوَرَقُ، تَعْرِفُونَ أَنَّ الصَّيْفَ قَرِيبٌ. كَذَلِكَ مَتَى رَأَيْتُمْ كُلَّ هَذِهِ الْأُمُورِ، اِعْرِفُوا أَنَّ الَّذِي صَارَ بَشَرًا قَرِيبٌ، بَلْ عَلَى الْأَبْوَابِ. أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، كُلُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ سَتَحْدُثُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ هَذَا الْجِيلُ. السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ تَزُولَانِ، أَمَّا كَلَامِي فَلَا يَزُولُ. ”لَا أَحَدَ يَعْرِفُ مَتَى يَحِينُ ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ، لَا الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ، وَلَا الِابْنُ، إِنَّمَا الْأَبُ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُ. وَكَمَا حَدَثَ فِي أَيَّامِ نُوحَ، سَيَحْدُثُ عِنْدَ مَجِيءِ الَّذِي صَارَ بَشَرًا. كَانَ النَّاسُ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي سَبَقَتِ الطُّوفَانَ، يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوِّجُونَ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ نُوحُ إِلَى الْفُلْكِ. وَلَمْ يَكُونُوا عَلَى عِلْمٍ بِمَا سَيَحْدُثُ، حَتَّى جَاءَ الطُّوفَانُ وَأَخَذَهُمْ جَمِيعًا. فَعِنْدَ مَجِيءِ الَّذِي صَارَ بَشَرًا سَيَحْدُثُ نَفْسُ الشَّيْءِ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، يَكُونُ رَجُلَانِ فِي الْحَقْلِ، يُؤْخَذُ وَاحِدٌ وَيُتْرَكُ الْآخَرُ. وَامْرَأَتَانِ تَطْحَنَانِ عَلَى الطَّاحُونَةِ، تُؤْخَذُ وَاحِدَةٌ وَتُتْرَكُ الْأُخْرَى. فَاسْهَرُوا إِذَنْ، لِأَنَّكُمْ لَا تَعْلَمُونَ فِي أَيِّ يَوْمٍ يَأْتِي سَيِّدُكُمْ. اِفْهَمُوا هَذَا: لَوْ عَلِمَ صَاحِبُ الدَّارِ فِي أَيِّ سَاعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ يَجِيءُ اللِّصُّ، لَظَلَّ سَاهِرًا وَلَمْ يَتْرُكْ دَارَهُ تُنْقَبُ. فَكُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مُسْتَعِدِّينَ، لِأَنَّ الَّذِي صَارَ بَشَرًا يَجِيءُ فِي سَاعَةٍ لَا تَتَوَقَّعُونَهُ فِيهَا. ”مَنْ هُوَ الْعَبْدُ الْأَمِينُ الْحَكِيمُ الَّذِي يَثِقُ فِيهِ سَيِّدُهُ، لِيُعْطِيَ الْعَبِيدَ الْآخَرِينَ طَعَامَهُمْ فِي وَقْتِهِ؟ هُوَ الَّذِي عِنْدَمَا يَرْجِعُ سَيِّدُهُ، يَجِدُهُ يَقُومُ بِعَمَلِهِ. هَنِيئًا لِذَلِكَ الْعَبْدِ. أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، إِنَّ سَيِّدَهُ يُقِيمُهُ عَلَى كُلِّ أَمْلَاكِهِ. أَمَّا إِنْ كَانَ هَذَا الْعَبْدُ شِرِّيرًا وَقَالَ فِي نَفْسِهِ: ’سَيِّدِي سَيَتَأَخَّرُ.‘ وَأَخَذَ يَضْرِبُ الْعَبِيدَ زُمَلَاءَهُ، وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ مَعَ السِّكِّيرِينَ، يَأْتِي سَيِّدُ ذَلِكَ الْعَبْدِ فِي يَوْمٍ لَا يَتَوَقَّعُهُ، وَفِي سَاعَةٍ لَا يَعْلَمُهَا، فَيُعَاقِبُهُ عِقَابًا شَدِيدًا، وَيَجْعَلُ مَصِيرَهُ مَعَ الْمُنَافِقِينَ. هُنَاكَ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الْأَسْنَانِ. ”فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، يَكُونُ ظُهُورُ مَمْلَكَةِ اللهِ مِثْلَ 10 بَنَاتٍ أَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَخَرَجْنَ لِلِقَاءِ الْعَرِيسِ. وَكَانَتْ 5 مِنْهُنَّ جَاهِلَاتٍ، وَ5 عَاقِلَاتٍ. فَأَخَذَتِ الْجَاهِلَاتُ مَصَابِيحَهُنَّ وَلَمْ يَأْخُذْنَ مَعَهُنَّ زَيْتًا. أَمَّا الْعَاقِلَاتُ فَأَخَذَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ زَيْتًا فِي إِنَاءٍ مَعَ مِصْبَاحِهَا. وَأَبْطَأَ الْعَرِيسُ، فَنَعِسْنَ جَمِيعًا وَنِمْنَ. وَعِنْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، عَلَا الصِّيَاحُ: ’جَاءَ الْعَرِيسُ! اُخْرُجْنَ لِلِقَائِهِ!‘ فَقَامَتِ الْبَنَاتُ الْـ10 وَهَيَّأَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِصْبَاحَهَا. فَقَالَتِ الْجَاهِلَاتُ لِلْعَاقِلَاتِ: ’أَعْطِينَنَا مِنْ زَيْتِكُنَّ، لِأَنَّ مَصَابِيحَنَا تَنْطَفِئُ.‘ فَأَجَابَتِ الْعَاقِلَاتُ: ’لَا، فَرُبَّمَا لَا يَكْفِي لَنَا وَلَكُنَّ. مِنَ الْأَفْضَلِ أَنْ تَذْهَبْنَ إِلَى الْبَيَّاعِينَ لِشِرَاءِ مَا تَحْتَجْنَ إِلَيْهِ.‘ وَبَيْنَمَا هُنَّ ذَاهِبَاتٌ لِلشِّرَاءِ، وَصَلَ الْعَرِيسُ. فَدَخَلَتِ الْمُسْتَعِدَّاتُ مَعَهُ إِلَى حَفْلِ الْعُرْسِ، وَأُغْلِقَ الْبَابُ. وَبَعْدَ فَتْرَةٍ، جَاءَتْ بَاقِي الْبَنَاتِ وَقُلْنَ: ’يَا سَيِّدُ، يَا سَيِّدُ، اِفْتَحْ لَنَا.‘ فَأَجَابَ الْعَرِيسُ: ’أَقُولُ لَكُنَّ الْحَقَّ، أَنَا لَا أَعْرِفُكُنَّ.‘ فَاسْهَرُوا إِذَنْ، لِأَنَّكُمْ لَا تَعْرِفُونَ الْيَوْمَ وَلَا السَّاعَةَ. ”وَهَذَا مِثْلُ رَجُلٍ مُسَافِرٍ بَعِيدًا، فَنَادَى عَبِيدَهُ، وَسَلَّمَهُمْ أَمْلَاكَهُ. فَأَعْطَى أَحَدَهُمْ 5 وَزْنَاتٍ مِنَ الْمَالِ، وَالثَّانِيَ وَزْنَتَيْنِ، وَالثَّالِثَ وَزْنَةً وَاحِدَةً، كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ طَاقَتِهِ، وَسَافَرَ. فَالَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَاتِ الْـ5، رَاحَ فِي الْحَالِ وَتَاجَرَ بِهَا، وَرَبِحَ 5 وَزْنَاتٍ أُخْرَى. وَالَّذِي أَخَذَ وَزْنَتَيْنِ، عَمِلَ مِثْلَهُ، فَرَبِحَ وَزْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، أَمَّا الَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَةَ الْوَاحِدَةَ، فَرَاحَ وَحَفَرَ فِي الْأَرْضِ، وَخَبَّأَ مَالَ سَيِّدِهِ. ”وَبَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، رَجَعَ سَيِّدُ أُولَئِكَ الْعَبِيدِ وَحَاسَبَهُمْ. فَالَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَاتِ الْـ5، جَاءَ وَقَدَّمَ مَعَهَا 5 وَزْنَاتٍ أُخْرَى. وَقَالَ: ’يَا سَيِّدُ، أَنْتَ سَلَّمْتَنِي 5 وَزْنَاتٍ، وَأَنَا رَبِحْتُ فَوْقَهَا 5 وَزْنَاتٍ.‘ فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: ’أَحْسَنْتَ أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الْأَمِينُ! كُنْتَ أَمِينًا فِي أَمْرٍ بَسِيطٍ، فَسَأُقِيمُكَ عَلَى أُمُورٍ كَبِيرَةٍ. تَعَالَ وَتَمَتَّعْ بِنَعِيمِ سَيِّدِكَ.‘ وَالَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَتَيْنِ، جَاءَ أَيْضًا وَقَالَ: ’يَا سَيِّدُ، أَنْتَ سَلَّمْتَنِي وَزْنَتَيْنِ، وَأَنَا رَبِحْتُ فَوْقَهُمَا وَزْنَتَيْنِ.‘ فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: ’أَحْسَنْتَ أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الْأَمِينُ! كُنْتَ أَمِينًا فِي أَمْرٍ بَسِيطٍ، فَسَأُقِيمُكَ عَلَى أُمُورٍ كَبِيرَةٍ. تَعَالَ وَتَمَتَّعْ بِنَعِيمِ سَيِّدِكَ.‘ أَمَّا الَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَةَ الْوَاحِدَةَ، فَجَاءَ أَيْضًا وَقَالَ: ’يَا سَيِّدُ، أَنَا عَارِفٌ أَنَّكَ رَجُلٌ قَاسٍ، تَحْصُدُ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَزْرَعْ، وَتَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَبْزُرْ. فَخِفْتُ وَرُحْتُ وَخَبَّأْتُ وَزْنَتَكَ فِي الْأَرْضِ. فَهَذَا هُوَ مَالُكَ.‘ فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: ’أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ الْكَسْلَانُ! أَنْتَ عَارِفٌ أَنِّي أَحْصُدُ مِنْ حَيْثُ لَمْ أَزْرَعْ، وَأَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ أَبْزُرْ! إِذَنْ كَانَ يَجِبُ أَنْ تَضَعَ مَالِي فِي الْبَنْكِ، فَعِنْدَ رُجُوعِي كُنْتُ أَسْتَلِمُهُ مَعَ رِبْحٍ. خُذُوا الْوَزْنَةَ مِنْهُ وَأَعْطُوهَا لِمَنْ مَعَهُ 10 وَزْنَاتٍ. لِأَنَّ مَنْ عِنْدَهُ يُعْطَى أَكْثَرَ فَيَزِيدُ، وَمَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ فَحَتَّى الْقَلِيلُ الَّذِي لَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ. وَهَذَا الْعَبْدُ الَّذِي لَا فَائِدَةَ مِنْهُ، اِرْمُوهُ خَارِجًا فِي الظَّلَامِ، هُنَاكَ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الْأَسْنَانِ.‘ ”وَعِنْدَمَا يَجِيءُ الَّذِي صَارَ بَشَرًا فِي جَلَالِهِ وَمَعَهُ كُلُّ الْمَلَائِكَةِ، يَجْلِسُ عَلَى عَرْشِهِ الْعَظِيمِ. وَتَجْتَمِعُ أَمَامَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ، فَيَفْصِلُ النَّاسَ بَعْضَهُمْ عَنْ بَعْضٍ، كَمَا يَفْصِلُ الرَّاعِي الْخِرَافَ عَنِ الْجِدَاءِ. فَيَضَعُ الْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ، وَالْجِدَاءَ عَنْ شِمَالِهِ. ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: ’تَعَالَوْا يَا مَنْ بَارَكَهُمْ أَبِي، خُذُوا نَصِيبَكُمْ: الْمَمْلَكَةَ الْمُعَدَّةَ لَكُمْ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِينَ. لِأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي، عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي، كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي، عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي، مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي، مَحْبُوسًا فَجِئْتُمْ إِلَيَّ.‘ فَيُجِيبُهُ الْأَتْقِيَاءُ: ’يَا مَوْلَانَا، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا فَأَطْعَمْنَاكَ، أَوْ عَطْشَانًا فَسَقَيْنَاكَ، وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيبًا فَآوَيْنَاكَ، أَوْ عُرْيَانًا فَكَسَوْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا فَجِئْنَا إِلَيْكَ؟‘ فَيُجِيبُهُمُ الْمَلِكُ: ’أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمْ هَذَا مَعَ أَحَدِ إِخْوَتِيَ الْبُسَطَاءِ، فَقَدْ فَعَلْتُمُوهُ لِي.‘ ثُمَّ يَقُولُ لِلَّذِينَ عَنِ الشِّمَالِ: ’اُبْعُدُوا عَنِّي يَا مَلَاعِينُ إِلَى النَّارِ الْأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لِإِبْلِيسَ وَمَلَائِكَتِهِ، لِأَنِّي جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِي، عَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِي، كُنْتُ غَرِيبًا فَلَمْ تَأْوُونِي، وَعُرْيَانًا فَلَمْ تَكْسُونِي، مَرِيضًا وَمَحْبُوسًا فَلَمْ تَزُورُونِي.‘ فَيَرُدُّ هَؤُلَاءِ أَيْضًا وَيَقُولُونَ: ’يَا مَوْلَانَا، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا أَوْ عَطْشَانًا أَوْ غَرِيبًا أَوْ عُرْيَانًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا وَلَمْ نَخْدِمْكَ؟‘ فَيَقُولُ لَهُمْ: ’أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوا هَذَا مَعَ أَحَدِ هَؤُلَاءِ الْبُسَطَاءِ، فَلَمْ تَفْعَلُوهُ لِي.‘ فَيَذْهَبُونَ إِلَى الْعِقَابِ الْأَبَدِيِّ، أَمَّا الْأَتْقِيَاءُ فَإِلَى حَيَاةِ الْخُلُودِ.“ وَلَمَّا انْتَهَى عِيسَـى مِنْ كُلِّ هَذَا الْكَلَامِ، قَالَ لِتَلَامِيذِهِ: ”تَعْلَمُونَ أَنَّ عِيدَ الْفِصْحِ بَعْدَ يَوْمَيْنِ وَالَّذِي صَارَ بَشَرًا يُسَلَّمُ لِيُصْلَبَ.“ وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، اِجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَشُيُوخُ الشَّعْبِ فِي قَصْرِ الْحَبْرِ الْأَعْلَى الَّذِي اسْمُهُ قَيَافَا. وَتَشَاوَرُوا مَعًا فِي حِيلَةٍ لِيَقْبِضُوا عَلَى عِيسَى وَيَقْتُلُوهُ. إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: ”لَا نَفْعَلُ هَذَا فِي الْعِيدِ، لِئَلَّا يَثُورَ الشَّعْبُ.“ وَلَمَّا كَانَ عِيسَـى فِي قَرْيَةِ بَيْتَ عَنْيَا، فِي دَارِ سَمْعَانَ الْأَبْرَصِ، جَاءَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةٌ مِنَ الْمَرْمَرِ، بِهَا عِطْرٌ غَالِي الثَّمَنِ، وَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ جَالِسٌ إِلَى الْمَائِدَةِ. فَلَمَّا رَأَى التَّلَامِيذُ هَذَا، اِسْتَاءُوا وَقَالُوا: ”لِمَاذَا أُتْلِفَ هَذَا الْعِطْرُ؟ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَاعَ بِمَبْلَغٍ كَبِيرٍ وَيُعْطَى الثَّمَنُ لِلْفُقَرَاءِ.“ فَعَلِمَ عِيسَـى بِهَذَا وَقَالَ لَهُمْ: ”لِمَاذَا تُزْعِجُونَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ؟ هَذَا عَمَلٌ صَالِحٌ عَمِلَتْهُ لِي، لِأَنَّ الْفُقَرَاءَ عِنْدَكُمْ دَائِمًا أَمَّا أَنَا فَلَا أَبْقَى عِنْدَكُمْ دَائِمًا. وَهِيَ لَمَّا سَكَبَتْ هَذَا الْعِطْرَ عَلَى جِسْمِي، إِنَّمَا عَمِلَتْ هَذَا إِعْدَادًا لِدَفْنِي. أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، حَيْثُمَا انْتَشَرَتْ هَذِهِ الْبُشْرَى فِي كُلِّ الْعَالَمِ، يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِعَمَلِهَا هَذَا وَيَتَذَكَّرُونَهَا.“ ثُمَّ إِنَّ الْمَدْعُوَّ يَهُوذَا الْقَرْيُوتِيَّ، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنَ الِـ12، ذَهَبَ إِلَى رُؤَسَاءِ الْأَحْبَارِ وَقَالَ: ”مَاذَا تُعْطُونِي إِنْ سَلَّمْتُهُ لَكُمْ؟“ فَدَفَعُوا لَهُ 30 عُمْلَةً مِنَ الْفِضَّةِ. وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَخَذَ يَهُوذَا يَتَرَقَّبُ الْفُرْصَةَ الْمُنَاسِبَةَ لِيُسَلِّمَهُ لَهُـمْ. وَفِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ عِيدِ الْفَطِيرِ، جَاءَ التَّلَامِيذُ إِلَى عِيسَـى وَقَالُوا: ”أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نُجَهِّزَ لَكَ لِتَأْكُلَ عَشَاءَ الْفِصْحِ؟“ فَقَالَ: ”اِذْهَبُوا إِلَى الْمَدِينَةِ إِلَى فُلَانٍ وَقُولُوا لَهُ: ’الْمُعَلِّمُ يَقُولُ: ”جَاءَ وَقْتِي، وَسَأَحْتَفِلُ بِالْفِصْحِ مَعَ تَلَامِيذِي فِي دَارِكَ.“‘“ فَعَمِلَ التَّلَامِيذُ كَمَا أَمَرَهُمْ عِيسَـى وَجَهَّزُوا الْفِصْحَ. وَلَمَّا أَقْبَلَ الْمَسَاءُ، جَلَسَ إِلَى الْمَائِدَةِ مَعَ الِـ12. وَبَيْنَمَا هُمْ يَأْكُلُونَ قَالَ: ”أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، وَاحِدٌ مِنْكُمْ سَيَخُونُنِي.“ فَحَزِنُوا جِدًّا وَأَخَذَ الْوَاحِدُ بَعْدَ الْآخَرِ يَسْأَلُهُ: ”هَلْ أَنَا يَا سَيِّدُ؟“ فَأَجَابَ: ”الَّذِي يَخُونُنِي هُوَ وَاحِدٌ قَدْ غَمَسَ يَدَهُ مَعِي فِي الصَّحْنِ. الَّذِي صَارَ بَشَرًا سَيَمُوتُ كَمَا قَالَ عَنْهُ الْكِتَابُ، لَكِنِ الْوَيْلُ لِذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي يَخُونُهُ! كَانَ خَيْرًا لَهُ لَوْ لَمْ يُولَدْ!“ فَأَجَابَ يَهُوذَا الَّذِي خَانَهُ: ”هَلْ أَنَا يَا مُعَلِّمُ؟“ فَقَالَ لَهُ: ”نَعَمْ أَنْتَ.“ وَبَيْنَمَا هُمْ يَأْكُلُونَ، أَخَذَ عِيسَـى خُبْزًا وَشَكَرَ اللهَ وَقَسَّمَ، وَأَعْطَى التَّلَامِيذَ وَقَالَ: ”خُذُوا وَكُلُوا، هَذَا هُوَ جِسْمِي.“ ثُمَّ أَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ وَقَالَ: ”اِشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ، لِأَنَّ هَذَا هُوَ دَمِيَ الَّذِي بِهِ يَعْمَلُ اللهُ عَهْدَهُ مَعَكُمْ، وَهُوَ يُسْفَكُ فِي سَبِيلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ. أُؤَكِّدُ لَكُمْ أَنِّي لَنْ أَشْرَبَ مِنْ عَصِيرِ الْكَرْمَةِ هَذَا مَرَّةً أُخْرَى، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي أَشْرَبُهُ جَدِيدًا مَعَكُمْ فِي مَمْلَكَةِ أَبِي.“ ثُمَّ غَنَّوْا أُغْنِيَةً وَخَرَجُوا إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ عِيسَـى: ”هَذِهِ اللَّيْلَةَ كُلُّكُمْ تَتَرَاجَعُونَ عَنِّي، فَالْكِتَابُ يَقُولُ: ’أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَشَتَّتُ خِرَافُ الْقَطِيعِ.‘ لَكِنْ بَعْدَمَا أَقُومُ مِنَ الْمَوْتِ، أَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ.“ فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: ”حَتَّى وَلَوْ تَرَاجَعَ عَنْكَ الْكُلُّ فَأَنَا لَنْ أَتَرَاجَعَ.“ أَجَابَهُ عِيسَـى: ”أَقُولُ لَكَ الْحَقَّ، هَذِهِ اللَّيْلَةَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ، تُنْكِرُنِي 3 مَرَّاتٍ.“ فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: ”وَلَوْ لَزِمَ الْأَمْرُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ، فَلَا أُنْكِرُكَ أَبَدًا.“ وَقَالَ التَّلَامِيذُ كُلُّهُمْ نَفْسَ هَذَا الْكَلَامِ. ثُمَّ ذَهَبَ عِيسَـى مَعَهُمْ إِلَى مَكَانٍ اسْمُهُ جَسِيمَانِي، فَقَالَ لِلتَّلَامِيذِ: ”اِنْتَظِرُوا هُنَا بَيْنَمَا أَذْهَبُ إِلَى هُنَاكَ وَأُصَلِّي.“ وَأَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَابْنَيْ زَبَدِي، وَبَدَأَ يَشْعُرُ بِالْكَآبَةِ وَالْحُزْنِ. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: ”نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدًّا إِلَى دَرَجَةِ الْمَوْتِ. اِنْتَظِرُوا هُنَا، وَاسْهَرُوا مَعِي.“ ثُمَّ ابْتَعَدَ قَلِيلًا، وَرَمَى نَفْسَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَسَجَدَ وَصَلَّى وَقَالَ: ”يَا أَبِي، إِنْ أَمْكَنَ، أَبْعِدْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ. لَكِنْ لِتَكُنْ إِرَادَتُكَ أَنْتَ لَا إِرَادَتِي أَنَا.“ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى التَّلَامِيذِ، فَوَجَدَهُمْ نَائِمِينَ. فَقَالَ لِبُطْرُسَ: ”أَلَمْ تَقْدِرُوا أَنْ تَسْهَرُوا مَعِي سَاعَةً وَاحِدَةً؟ اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلَّا تَدْخُلُوا فِي مِحْنَةٍ. تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا الصَّوَابَ، لَكِنَّ الطَّبِيعَةَ الْبَشَرِيَّةَ ضَعِيفَةٌ!“ ثُمَّ ذَهَبَ مَرَّةً ثَانِيَةً وَصَلَّى وَقَالَ: ”يَا أَبِي، إِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ وَلَا بُدَّ أَنْ أَشْرَبَهَا، فَلْتَكُنْ إِرَادَتُكَ.“ وَرَجَعَ مَرَّةً أُخْرَى فَوَجَدَهُمْ نَائِمِينَ لِأَنَّ عُيُونَهُمْ كَانَتْ ثَقِيلَةً. فَتَرَكَهُمْ وَذَهَبَ أَيْضًا، وَصَلَّى مَرَّةً ثَالِثَةً نَفْسَ هَذِهِ الصَّلَاةِ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى التَّلَامِيذِ وَقَالَ لَهُمْ: ”لِمَاذَا تَنَامُونَ وَتَسْتَرِيحُونَ؟ اُنْظُرُوا! جَاءَتِ السَّاعَةُ لِأُسَلَّمَ إِلَى أَيْدِي الْأَشْرَارِ. قُومُوا لِنَذْهَبَ. اُنْظُـرُوا! جَاءَ الَّذِي خَانَنِي.“ وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ، جَاءَ يَهُوذَا الَّذِي هُوَ وَاحِدٌ مِنَ الِـ12، وَمَعَهُ عِصَابَةٌ كَبِيرَةٌ مُسَلَّحَةٌ بِالسُّيُوفِ وَالْعِصِيِّ أَرْسَلَهَا رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَشُيُوخُ الشَّعْبِ. وَكَانَ الَّذِي خَانَهُ قَدْ أَعْطَاهُمْ عَلَامَةً وَقَالَ: ”الَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ الْمَطْلُوبُ، اِقْبِضُوا عَلَيْهِ.“ فَذَهَبَ مُبَاشَرَةً إِلَى عِيسَـى وَقَالَ لَهُ: ”السَّلَامُ يَا مُعَلِّمُ.“ وَقَبَّلَهُ. فَقَال لَهُ عِيسَـى: ”يَا صَاحِبِي لِمَاذَا أَنْتَ هُنَا؟“ فَتَقَدَّمُوا وَأَلْقَوْا الْقَبْضَ عَلَى عِيسَـى وَأَمْسَكُوهُ. وَهُنَا مَدَّ وَاحِدٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَ عِيسَـى يَدَهُ وَأَخْرَجَ سَيْفَهُ وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ الْأَحْبَارِ، فَقَطَعَ أُذُنَهُ. فَقَالَ لَهُ عِيسَـى: ”أَرْجِعْ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ، فَكُلُّ مَنْ يَسْتَعْمِلُ السَّيْفَ، بِالسَّيْفِ يَهْلِكُ. هَلْ تَظُنُّ أَنِّي لَا أَقْدِرُ أَنْ أَطْلُبَ مِنْ أَبِي، فَيُرْسِلَ لِي فِي الْحَالِ أَكْثَرَ مِنِ 12 جَيْشًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ؟ إِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَحْدُثَ هَذَا لِيَتِمَّ مَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ.“ وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَالَ عِيسَـى لِلْجُمْهُورِ: ”هَلْ أَنَا لِصٌّ، حَتَّى خَرَجْتُمْ لِتَقْبِضُوا عَلَيَّ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ؟ كُلَّ يَوْمٍ كُنْتُ أَجْلِسُ أُعَلِّمُ فِي بَيْتِ اللهِ، فَلَمْ تَقْبِضُوا عَلَيَّ. لَكِنْ حَدَثَ كُلُّ هَذَا لِكَيْ يَتِمَّ مَا قَالَهُ الْأَنْبِيَاءُ فِي كِتَابِ اللهِ.“ ثُمَّ تَرَكَهُ التَّلَامِيذُ كُلُّهُمْ وَهَرَبُوا. فَالَّذِينَ قَبَضُوا عَلَى عِيسَـى سَاقُوهُ إِلَى قَيَافَا رَئِيسِ الْأَحْبَارِ حَيْثُ كَانَ الْفُقَهَاءُ وَالشُّيُوخُ مُجْتَمِعِينَ عِنْدَهُ. وَتَبِعَهُ بُطْرُسُ مِنْ بَعِيدٍ إِلَى سَاحَةِ دَارِ رَئِيسِ الْأَحْبَارِ، وَدَخَلَ وَجَلَسَ مَعَ الْخَدَمِ لِيَرَى نِهَايَةَ الْأَمْرِ. وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَالْمَجْلِسُ الْأَعْلَى كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةَ زُورٍ ضِدَّ عِيسَـى لِكَيْ يَقْتُلُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوا، مَعَ أَنَّ شُهُودَ زُورٍ كَثِيرِينَ تَقَدَّمُوا. وَأَخِيرًا تَقَدَّمَ اثْنَانِ وَقَالَا: ”هَذَا الرَّجُلُ قَالَ: ’أَسْتَطِيعُ أَنْ أَهْدِمَ بَيْتَ اللهِ، وَفِي 3 أَيَّامٍ أَبْنِيهِ.‘“ فَوَقَفَ رَئِيسُ الْأَحْبَارِ وَقَالَ: ”هَلْ عِنْدَكَ رَدٌّ عَلَى التُّهَمِ الَّتِي يُقَدِّمُهَا ضِدَّكَ هَذَانِ الشَّاهِدَانِ؟“ لَكِنَّ عِيسَـى سَكَتَ. فَقَالَ لَهُ رَئِيسُ الْأَحْبَارِ: ”أُحَلِّفُكَ بِاللهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ؟“ فَقَالَ لَهُ عِيسَـى: ”قُلْتَ الصَّوَابَ، وَأُؤَكِّدُ لَكُمْ جَمِيعًا، أَنَّهُ مِنَ الْآنَ سَتَرَوْنَ الَّذِي صَارَ بَشَرًا جَالِسًا عَنْ يَمِينِ اللهِ الْقَدِيرِ، وَآتِيًا عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ.“ فَشَقَّ رَئِيسُ الْأَحْبَارِ ثِيَابَهُ وَقَالَ: ”لَقَدْ كَفَرَ. لِمَاذَا نَحْتَاجُ إِلَى شُهُودٍ؟ أَنْتُمُ الْآنَ سَمِعْتُمُ الْكُفْرَ! فَمَا رَأْيُكُمْ؟“ أَجَابُوهُ: ”إِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ.“ فَبَصَقُوا فِي وَجْهِهِ وَلَكَمُوهُ، وَالْبَعْضُ مِنْهُمْ لَطَمُوهُ. وَقَالُوا: ”تَنَبَّأْ لَنَا أَيُّهَا الْمَسِيحُ، مَنْ ضَرَبَكَ؟“ وَكَانَ بُطْرُسُ جَالِسًا فِي الْخَارِجِ فِي سَاحَةِ الدَّارِ. فَجَاءَتْ إِلَيْهِ خَادِمَةٌ وَقَالَتْ: ”أَنْتَ أَيْضًا كُنْتَ مَعَ عِيسَـى الْجَلِيلِيِّ.“ لَكِنَّهُ أَنْكَرَ قُدَّامَ الْجَمِيعِ وَقَالَ: ”أَنَا لَا أَعْرِفُ مَا تَقُولِينَ!“ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مَدْخَلِ الدَّارِ، فَرَأَتْهُ وَاحِدَةٌ أُخْرَى، فَقَالَتْ لِلْمَوْجُودِينَ: ”هَذَا الرَّجُلُ كَانَ مَعَ عِيسَـى النَّاصِرِيِّ.“ فَأَنْكَرَ مَرَّةً أُخْرَى، وَحَلَفَ وَقَالَ: ”أَنَا لَا أَعْرِفُ الرَّجُلَ.“ وَبَعْدَ قَلِيلٍ تَقَدَّمَ الْوَاقِفُونَ هُنَاكَ إِلَى بُطْرُسَ وَقَالُوا لَهُ: ”بِالتَّأْكِيدِ أَنْتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، لِأَنَّ لَهْجَتَكَ تُبَيِّنُ حَقِيقَتَكَ.“ فَأَخَذَ يَلْعَنُ نَفْسَهُ وَيَحْلِفُ لَهُمْ وَيَقُولُ: ”أَنَا لَا أَعْرِفُ الرَّجُلَ.“ وَعِنْدَ ذَلِكَ صَاحَ الدِّيكُ. فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ الْكَلَامَ الَّذِي قَالَهُ عِيسَـى: ”قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ، تُنْكِرُنِي 3 مَرَّاتٍ.“ فَخَرَجَ وَبَكَى بِحُرْقَةٍ. وَلَمَّا طَلَعَ الصُّبْحُ، اِتَّخَذَ كُلُّ رُؤَسَاءِ الْأَحْبَارِ وَشُيُوخِ الشَّعْبِ قَرَارًا ضِدَّ عِيسَـى لِيَقْتُلُوهُ. وَقَيَّدُوهُ وَسَاقُوهُ وَسَلَّمُوهُ إِلَى بِيلَاطِسَ الْحَاكِمِ. فَلَمَّا رَأَى يَهُوذَا الْخَائِنُ أَنَّ عِيسَـى قَدْ حُكِمَ عَلَيْهِ، نَدِمَ وَأَرْجَعَ الـ30 عُمْلَةً مِنَ الْفِضَّةِ إِلَى رُؤَسَاءِ الْأَحْبَارِ وَالشُّيُوخِ، وَقَالَ: ”أَخْطَأْتُ لِأَنِّي خُنْتُ إِنْسَانًا بَرِيئًا.“ فَقَالُوا لَهُ: ”مَاذَا يَهُمُّنَا! دَبِّرْ أَنْتَ شَأْنَكَ!“ فَرَمَى الْفِضَّةَ فِي بَيْتِ اللهِ وَخَرَجَ. ثُمَّ ذَهَبَ وَشَنَقَ نَفْسَهُ. فَأَخَذَ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ الْفِضَّةَ وَقَالُوا: ”لَا يَحِلُّ أَنْ نَضَعَهَا مَعَ أَمْوَالِ بَيْتِ اللهِ لِأَنَّهَا ثَمَنُ دَمِ إِنْسَانٍ.“ فَتَشَاوَرُوا مَعًا وَاشْتَرَوْا بِهَا حَقْلَ الْفَخَّارِيِّ، لِيَكُونَ مَقْبَرَةً لِلْأَجَانِبِ. لِهَذَا فَإِنَّ هَذَا الْحَقْلَ إِلَى الْيَوْمِ اسْمُهُ حَقْلُ الدَّمِ. فَتَمَّ مَا قَالَهُ النَّبِيُّ إِرْمِيَا: ”وَأَخَذُوا الـ30 عُمْلَةً مِنَ الْفِضَّةِ، الْمَبْلَغَ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِيَكُونَ ثَمَنَهُ، وَاشْتَرَوْا بِهَا حَقْلَ الْفَخَّارِيِّ كَمَا أَمَرَنِي اللهُ.“ وَأَحْضَرُوا عِيسَـى إِلَى الْحَاكِمِ، فَسَأَلَهُ الْحَاكِمُ: ”هَلْ أَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟“ فَقَالَ عِيسَـى: ”قُلْتَ الصَّوَابَ.“ وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَالشُّيُوخُ يُقَدِّمُونَ التُّهَمَ ضِدَّهُ، فَلَا يَرُدُّ. فَقَالَ لَهُ بِيلَاطِسُ: ”أَلَا تَسْمَعُ كُلَّ هَذِهِ التُّهَمِ الَّتِي يُقَدِّمُونَهَا ضِدَّكَ؟“ لَكِنَّ عِيسَـى لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ حَتَّى تَعَجَّبَ الْحَاكِمُ جِدًّا. وَكَانَ مِنْ عَادَةِ الْحَاكِمِ فِي كُلِّ عِيدٍ، أَنْ يُطْلِقَ لَهُمْ سَرَاحَ وَاحِدٍ مِنَ الْمَسْجُونِينَ يَخْتَارُهُ الشَّعْبُ. وَكَانَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَسْجُونٌ مَشْهُورٌ اسْمُهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. فَلَمَّا اجْتَمَعَ الْجُمْهُورُ، قَالَ لَهُمْ بِيلَاطِسُ: ”مَنْ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ؟ اِبْنَ عَبَّاسٍ أَمْ عِيسَـى الَّذِي اسْمُهُ الْمَسِيحُ؟“ لِأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّهُمْ سَلَّمُوا لَهُ عِيسَـى عَنْ حَسَدٍ. وَلَمَّا كَانَ بِيلَاطِسُ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيِّ الْقَضَاءِ، أَرْسَلَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ تَقُولُ: ”إِيَّاكَ وَهَذَا الرَّجُلَ الصَّالِحَ، لِأَنِّي الْيَوْمَ تَأَلَّمْتُ جِدًّا بِسَبَبِهِ فِي حُلْمٍ.“ لَكِنَّ رُؤَسَاءَ الْأَحْبَارِ وَالشُّيُوخَ حَرَّضُوا النَّاسَ لِكَيْ يُطَالِبُوا بِإِطْلَاقِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتْلِ عِيسَـى. فَأَجَابَهُمُ الْحَاكِمُ: ”مَنْ مِنَ الِاثْنَيْنِ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ؟“ فَقَالُوا: ”اِبْنُ عَبَّاسٍ.“ فَقَالَ لَهُمْ بِيلَاطِسُ: ”وَمَاذَا أَفْعَلُ بِعِيسَـى الَّذِي اسْمُهُ الْمَسِيحُ؟“ فَقَالُوا كُلُّهُمْ: ”اِصْلِبْهُ!“ فَقَالَ: ”لِمَاذَا؟ مَا هُوَ الذَّنْبُ الَّذِي ارْتَكَبَهُ؟“ فَصَرَخُوا أَكْثَرَ: ”اِصْلِبْهُ!“ وَلَمَّا رَأَى بِيلَاطِسُ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ، وَأَنَّ الشَّعْبَ هَاجَ، أَخَذَ مَاءً وَغَسَلَ يَدَيْهِ قُدَّامَ النَّاسِ وَقَالَ: ”أَنَا بَرِيءٌ مِنْ دَمِ هَذَا الرَّجُلِ، دَبِّرُوا أَنْتُمْ شَأْنَكُمْ!“ فَأَجَابَ كُلُّ النَّاسِ: ”دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلَادِنَا.“ فَأَطْلَقَ لَهُمُ ابْنَ عَبَّاسٍ. وَأَمَرَ بِجَلْدِ عِيسَـى، ثُمَّ سَلَّمَهُ لِكَيْ يُصْلَبَ. ثُمَّ إِنَّ عَسْكَرَ الْحَاكِمِ أَخَذُوا عِيسَـى إِلَى قَصْرِ الْوِلَايَةِ، وَجَمَعُوا عَلَيْهِ الْفِرْقَةَ كُلَّهَا. وَنَزَعُوا عَنْهُ ثِيَابَهُ وَأَلْبَسُوهُ رِدَاءً لَوْنُهُ قِرْمِزِيٌّ، وَضَفَرُوا تَاجًا مِنَ الشَّوْكِ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَوَضَعُوا عَصًا فِي يَدِهِ الْيُمْنَى، وَرَكَعُوا عَلَى رُكَبِهِمْ قُدَّامَهُ، وَهَزَأُوا بِهِ وَقَالُوا: ”أَهْلًا بِكَ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!“ وَبَصَقُوا عَلَيْهِ، وَأَخَذُوا مِنْهُ الْعَصَا، وَضَرَبُوهُ بِهَا عَلَى رَأْسِهِ. وَبَعْدَمَا هَزَأُوا بِهِ، نَزَعُوا عَنْهُ الرِّدَاءَ وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابَهُ، وَأَخَذُوهُ لِيَصْلِبُوهُ. وَلَمَّا كَانُوا خَارِجِينَ، قَابَلُوا رَجُلًا مِنَ الْقَيْرَوَانِ اسْمُهُ سَمْعَانُ، فَأَجْبَرُوهُ أَنْ يَحْمِلَ صَلِيبَ عِيسَـى. وَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى مَكَانٍ اسْمُهُ جُلْجُثَةُ، أَيْ مَكَانُ الْجُمْجُمَةِ، قَدَّمُوا لِعِيسَـى خَمْرًا مَخْلُوطَةً بِمُرٍّ لِيَشْرَبَ، فَلَمَّا ذَاقَهَا رَفَضَ أَنْ يَشْرَبَهَا. وَصَلَبُوهُ. ثُمَّ قَسَمُوا ثِيَابَهُ بَيْنَهُمْ بِالْقُرْعَةِ، وَجَلَسُوا هُنَاكَ يَحْرُسُونَهُ. وَكَتَبُوا التُّهْمَةَ الْمُوَجَّهَةَ ضِدَّهُ وَوَضَعُوهَا فَوْقَ رَأْسِهِ: ”هَذَا عِيسَـى مَلِكُ الْيَهُودِ.“ وَصَلَبُوا مَعَهُ لِصَّيْنِ، وَاحِدًا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ. وَكَانَ الْمَارَّةُ يَشْتِمُونَهُ، وَيَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ: ”يَا مَنْ سَتَهْدِمُ بَيْتَ اللهِ ثُمَّ تَبْنِيهِ فِي 3 أَيَّامٍ! أَنْقِذْ نَفْسَكَ وَانْزِلْ عَنِ الصَّلِيبِ إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ.“ وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ يَهْزَأُونَ بِهِ بِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ، وَمَعَهُمُ الْفُقَهَاءُ وَالشُّيُوخُ وَيَقُولُونَ: ”أَنْقَذَ غَيْرَهُ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُنْقِذَ نَفْسَهُ. هُوَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ! فَلْيَنْزِلِ الْآنَ عَنِ الصَّلِيبِ فَنُؤْمِنَ بِهِ. كَانَ يَتَوَكَّلُ عَلَى اللهِ، فَلَعَلَّ اللهَ يُنْقِذُهُ الْآنَ إِنْ كَانَ يَرْضَى عَنْهُ، لِأَنَّهُ قَالَ: ’أَنَا ابْنُ اللهِ.‘“ وَكَانَ اللِّصَّانِ الْمَصْلُوبَانِ مَعَهُ يَشْتِمَانِهِ بِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ. وَخَيَّمَ الظَّلَامُ عَلَى كُلِّ الْأَرْضِ مِنَ الظُّهْرِ حَتَّى السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ عَصْرًا. وَحَوَالَيِ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، صَرَخَ عِيسَـى بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: ”إِيلِي، إِيلِي، لَمَا سَبَكْتَانِي؟“ وَمَعْنَاهَا إِلَهِي، إِلَهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟ فَلَمَّا سَمِعَ بَعْضُ الْوَاقِفِينَ هُنَاكَ، قَالُوا: ”إِنَّهُ يُنَادِي النَّبِيَّ إِلْيَاسَ.“ فَجَرَى وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَأَخَذَ إِسْفِنْجَةً، وَمَلَأَهَا بِالْخَلِّ، وَوَضَعَهَا عَلَى عَصًا، وَرَفَعَهَا إِلَيْهِ لِيَشْرَبَ. فَقَالَ الْآخَرُونَ: ”اُتْرُكْهُ، لِنَرَى هَلْ يَجِيءُ إِلْيَاسُ لِيُنْقِذَهُ.“ فَصَرَخَ عِيسَى أَيْضًا صَرْخَةً عَالِيَةً وَسَلَّمَ رُوحَهُ. وَانْشَقَّتِ السِّتَارَةُ الْمَوْجُودَةُ فِي بَيْتِ اللهِ إِلَى شَطْرَيْنِ مِنْ فَوْقُ إِلَى تَحْتُ. وَتَزَلْزَلَتِ الْأَرْضُ، وَتَشَقَّقَتِ الصُّخُورُ، وَانْفَتَحَتِ الْقُبُورُ. وَكَثِيرٌ مِنَ الصَّالِحِينَ الْمَوْتَى قَامُوا إِلَى الْحَيَاةِ بِأَجْسَامِهِمْ، وَخَرَجُوا مِنَ الْقُبُورِ. وَبَعْدَ قِيَامَتِهِ، دَخَلُوا الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ وَظَهَرُوا لِكَثِيرِينَ. أَمَّا الضَّابِطُ قَائِدُ الْحَرَسِ وَالرِّجَالُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ يَحْرُسُونَ عِيسَـى، فَلَمَّا رَأَوْا الزِّلْزَالَ وَالْأَشْيَاءَ الَّتِي جَرَتْ، خَافُوا جِدًّا وَقَالُوا: ”حَقًّا كَانَ هَذَا ابْنَ اللهِ.“ وَكَانَتْ هُنَاكَ نِسَاءٌ كَثِيرَاتٌ يُرَاقِبْنَ مِنْ بَعِيدٍ. وَكُنَّ قَدْ تَبِعْنَ عِيسَـى مِنَ الْجَلِيلِ وَيَقُمْنَ بِخِدْمَتِهِ. وَمِنْهُنَّ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ، وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَيُوسِفَ، وَأُمُّ ابْنَيْ زَبَدِي. وَلَمَّا حَلَّ الْمَسَاءُ، جَاءَ رَجُلٌ غَنِيٌّ مِنَ الرَّامَةِ اسْمُهُ يُوسِفُ، وَكَانَ هُوَ أَيْضًا مِنْ تَلَامِيذِ عِيسَـى فَذَهَبَ إِلَى بِيلَاطِسَ وَطَلَبَ جُثْمَانَ عِيسَـى. فَأَمَرَ بِأَنْ يُعْطَى لَهُ. فَأَخَذَ يُوسِفُ الْجُثْمَانَ وَلَفَّهُ فِي كَتَّانٍ نَقِيٍّ، وَوَضَعَهُ فِي قَبْرِهِ الْجَدِيدِ الَّذِي كَانَ قَدْ حَفَرَهُ فِي الصَّخْرِ. ثُمَّ دَحْرَجَ حَجَرًا كَبِيرًا عَلَى مَدْخَلِ الْقَبْرِ وَمَضَى. وَكَانَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الْأُخْرَى جَالِسَتَيْنِ هُنَاكَ مُقَابِلَ الْقَبْرِ. وَفِي الْغَدِ أَيْ بَعْدَ يَوْمِ الْإِعْدَادِ، رَاحَ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ مَعًا إِلَى بِيلَاطِسَ وَقَالُوا: ”يَا سَيِّدُ، تَذَكَّرْنَا أَنَّ ذَلِكَ الْمُضِلَّ، لَمَّا كَانَ حَيًّا قَالَ: ’سَأَقُومُ بَعْدَ 3 أَيَّامٍ.‘ فَأَصْدِرْ أَمْرًا بِحِرَاسَةِ الْقَبْرِ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ، لِئَلَّا يَأْتِيَ تَلَامِيذُهُ وَيَسْرِقُوهُ وَيَقُولُوا لِلنَّاسِ إِنَّهُ قَامَ مِنَ الْمَوْتِ. فَتَكُونَ الضَّلَالَةُ الْأَخِيرَةُ أَسْوَأَ مِنَ الْأُولَى.“ فَقَالَ لَهُمْ بِيلَاطِسُ: ”الْحَرَسُ عِنْدَكُمْ! فَاذْهَبُوا وَاحْرُسُوهُ كَمَا تَرَوْنَ.“ فَذَهَبُوا وَأَحْكَمُوا الْقَبْرَ وَخَتَمُوا الْحَجَرَ وَأَقَامُوا عَلَيْهِ حُرَّاسًا. وَبَعْدَ انْتِهَاءِ السَّبْتِ، وَمَعَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ الْأَحَدِ، رَاحَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الْأُخْرَى لِتَنْظُرَا الْقَبْرَ. وَفَجْأَةً حَدَثَ زِلْزَالٌ شَدِيدٌ، لِأَنَّ مَلَاكَ اللهِ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَجَاءَ وَدَحْرَجَ الْحَجَرَ وَجَلَسَ عَلَيْهِ. وَكَانَ مَنْظَرُهُ مِثْلَ الْبَرْقِ، وَثَوْبُهُ أَبْيَضَ مِثْلَ الثَّلْجِ. فَارْتَعَدَ الْحُرَّاسُ مِنَ الْخَوْفِ وَصَارُوا كَالْمَوْتَى. فَقَالَ الْمَلَاكُ لِلْمَرْأَتَيْنِ: ”لَا تَخَافَا. أَنَا عَارِفٌ أَنَّكُمَا تَبْحَثَانِ عَنْ عِيسَـى الَّذِي صَلَبُوهُ. هُوَ لَيْسَ هُنَا، لِأَنَّهُ قَامَ كَمَا قَالَ! تَعَالَيَا وَانْظُرَا الْمَكَانَ الَّذِي كَانَ مَوْضُوعًا فِيهِ. اِذْهَبَا بِسُرْعَةٍ وَأَخْبِرَا تَلَامِيذَهُ أَنَّهُ قَامَ مِنَ الْمَوْتِ، وَهُوَ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ. فَهُنَاكَ تَرَوْنَهُ، أَنَا الْآنَ بَلَّغْتُكُمَا الرِّسَالَةَ.“ فَتَرَكَتِ الْمَرْأَتَانِ الْقَبْرَ بِسُرْعَةٍ وَهُمَا فِي خَوْفٍ وَفِي فَرَحٍ عَظِيمٍ، وَكَانَتَا تَجْـرِيَانِ لِتُبَشِّـرَا التَّلَامِيذَ. وَفَجْـأَةً قَابَلَهُمَا عِيسَـى وَقَالَ: ”سَـلَامٌ.“ فَتَقَدَّمَـتَا وَأَمْسَكَتَا قَدَمَيْهِ وَسَجَدَتَا لَهُ. فَقَالَ لَهُمَا عِيسَـى: ”لَا تَخَافَا. اِذْهَبَا وَقُولَا لِإِخْوَتِي أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى الْجَلِيلِ فَهُنَاكَ يَرَوْنِي.“ وَبَيْنَمَا هُمَا فِي الطَّرِيقِ، ذَهَبَ بَعْضُ الْحُرَّاسِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَخْبَرُوا رُؤَسَاءَ الْأَحْبَارِ بِكُلِّ مَا حَدَثَ. فَاجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ مَعَ الشُّيُوخِ وَدَبَّرُوا خِطَّةً، فَأَعْطَوْا الْحُرَّاسَ مَبْلَغًا كَبِيرًا مِنَ الْمَالِ وَقَالُوا لَهُمْ: ”قُولُوا: ’جَاءَ تَلَامِيذُهُ فِي اللَّيْلِ وَسَرَقُوهُ وَنَحْنُ نَائِمُونَ.‘ وَإِذَا سَمِعَ الْحَاكِمُ هَذَا الْكَلَامَ، نُرْضِيهِ وَنَرُدُّ الْأَذَى عَنْكُمْ.“ فَأَخَذُوا الْمَالَ وَفَعَلُوا كَمَا قَالُوا لَهُمْ. فَانْتَشَرَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ بَيْنَ الْيَهُودِ إِلَى الْيَوْمِ. وَذَهَبَ التَّلَامِيذُ الْـ11 إِلَى الْجَلِيلِ، إِلَى الْجَبَلِ الَّذِي أَخْبَرَهُمْ عِيسَـى أَنْ يَذْهَبُوا إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ سَجَدُوا لَهُ، لَكِنَّ الْبَعْضَ مِنْهُمْ شَكَّ. فَاقْتَرَبَ عِيسَـى وَكَلَّمَهُمْ وَقَالَ: ”كُلُّ سُلْطَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعْطِيَتْ لِي. اِذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا كُلَّ الشُّعُوبِ، وَغَطِّسُوهُمْ بِاسْمِ الْأَبِ وَالِابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُّوسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا بِكُلِّ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ، وَتَأَكَّدُوا أَنِّي مَعَكُمْ كُلَّ الْأَيَّامِ وَإِلَى انْتِهَاءِ الزَّمَانِ.“ بِدَايَةُ الْبُشْرَى بِعِيسَى الْمَسِيحِ ابْنِ اللهِ. قَالَ اللهُ فِي كِتَابِ إِشَعْيَا النَّبِيِّ: ”أَنَا أَبْعَثُ رَسُولِي قُدَّامَكَ، لِكَيْ يُعِدَّ لَكَ الطَّرِيقَ، صَوْتٌ يَصْرُخُ فِي الصَّحْرَاءِ: ’أَعِدُّوا طَرِيقَ رَبِّنَا، اِجْعَلُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً.‘“ فَقَدْ جَاءَ يَحْيَى إِلَى الصَّحْرَاءِ، يَدْعُو النَّاسَ أَنْ يَتُوبُوا وَيَتَغَطَّسُوا فِي الْمَاءِ، لِيَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ. فَذَهَبَ إِلَيْهِ كُلُّ أَهْلِ مِنْطَقَةِ يَهُوذَا وَكُلُّ شَعْبِ الْقُدْسِ، وَاعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ فَغَطَّسَهُمْ فِي نَهْرِ الْأُرْدُنِّ. وَكَانَ يَحْيَى يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ وَبَرِ الْجِمَالِ، وَحَوْلَ وَسَطِهِ حِزَامٌ مِنَ الْجِلْدِ، وَكَانَ يَأْكُلُ الْجَرَادَ وَالْعَسَلَ الْبَرِّيَّ. وَكَانَتْ هَذِهِ رِسَالَتُهُ: ”يَجِيءُ بَعْدِي وَاحِدٌ أَعْظَمُ مِنِّي، وَأَنَا لَا أَسْتَحِقُّ أَنْ أَنْحَنِيَ وَأَحِلَّ رِبَاطَ حِذَائِهِ. أَنَا أُغَطِّسُكُمْ فِي الْمَاءِ، أَمَّا هُوَ فَيُغَطِّسُكُمْ فِي الرُّوحِ الْقُدُّوسِ.“ بَعْدَ ذَلِكَ جَاءَ عِيسَـى مِنَ النَّاصِرَةِ الَّتِي فِي مِنْطَقَةِ الْجَلِيلِ، وَغَطَّسَهُ يَحْيَى فِي الْأُرْدُنِّ. وَبَيْنَمَا هُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمَاءِ، رَأَى السَّمَاءَ تَنْشَقُّ وَالرُّوحَ الْقُدُّوسَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ مِثْلَ حَمَامَةٍ. وَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ يَقُولُ: ”أَنْتَ ابْنِيَ الْحَبِيبُ الَّذِي يُفَرِّحُنِي.“ ثُمَّ قَادَ الرُّوحُ الْقُدُّوسُ عِيسَـى إِلَى الصَّحْرَاءِ. فَأَقَامَ فِيهَا 40 يَوْمًا حَيْثُ امْتَحَنَهُ الشَّيْطَانُ، وَكَانَ مَعَ الْوُحُوشِ، وَكَانَتِ الْمَلَائِكَةُ تَخْدِمُهُ. وَبَعْدَمَا سُجِنَ يَحْيَى، ذَهَبَ عِيسَـى إِلَى مِنْطَقَةِ الْجَلِيلِ يُنَادِي بِبُشْرَى اللهِ، وَيَقُولُ: ”حَانَ الْوَقْتُ، وَأَوْشَكَ اللهُ أَنْ يُقِيمَ مَمْلَكَتَهُ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالْبُشْرَى.“ وَبَيْنَمَا هُوَ سَائِرٌ عَلَى شَاطِئِ بُحَيْرَةِ الْجَلِيلِ، رَأَى صَيَّادَيْنِ هُمَا سَمْعَانُ وَأَخُوهُ أَنْدْرَاوِسُ يَرْمِيَانِ الشَّبَكَةَ فِي الْبُحَيْرَةِ. فَقَالَ لَهُمَا عِيسَـى: ”اِتْبَعَانِي، أَجْعَلْكُمَا تَصِيدَانِ النَّاسَ!“ فَتَرَكَا الشِّبَاكَ حَالًا وَتَبِعَاهُ. وَسَارَ قَلِيلًا، فَرَأَى يَعْقُوبَ بْنَ زَبَدِي وَأَخَاهُ يُوحَنَّا وَهُمَا فِي الْقَارِبِ يُجَهِّزَانِ الشِّبَاكَ. فَنَادَاهُمَا، فَتَرَكَا أَبَاهُمَا زَبَدِي مَعَ الْعُمَّالِ فِي الْقَارِبِ، وَتَبِعَا عِيسَـى. ثُمَّ ذَهَبُوا إِلَى كَفْرَنَاحُومَ، وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ ذَهَبَ عِيسَـى إِلَى بَيْتِ الْعِبَادَةِ وَأَخَذَ يُعَلِّمُ النَّاسَ. فَتَعَجَّبُوا مِنْ تَعْلِيمِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُ بِسُلْطَانٍ وَلَيْسَ كَالْفُقَهَاءِ. وَكَانَ فِي بَيْتِ الْعِبَادَةِ الَّذِي عِنْدَهُمْ، رَجُلٌ فِيهِ رُوحٌ شِرِّيرٌ. فَأَخَذَ يَصْرُخُ: ”مَا لَكَ بِنَا يَا عِيسَـى النَّاصِرِيُّ؟ هَلْ جِئْتَ لِتُهْلِكَنَا؟ أَنَا أَعْرِفُكَ! أَنْتَ قُدُّوسُ اللهِ!“ فَوَبَّخَهُ عِيسَـى وَقَالَ لَهُ: ”اِخْرَسْ! وَاخْرُجْ مِنْهُ!“ فَطَرَحَ الرُّوحُ الشِّرِّيرُ الرَّجُلَ، وَصَرَخَ صَرْخَةً شَدِيدَةً، وَخَرَجَ مِنْهُ. فَانْدَهَشَ الْجَمِيعُ وَسَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا: ”مَا هَذَا؟ إِنَّهَا رِسَالَةٌ جَدِيدَةٌ! وَيُقَدِّمُهَا بِسُلْطَانٍ! حَتَّى الْأَرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ يَأْمُرُهَا فَتُطِيعُهُ!“ فَانْتَشَرَ خَبَرُ عِيسَـى بِسُرْعَةٍ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ مِنْطَقَةِ الْجَلِيلِ. وَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ بَيْتِ الْعِبَادَةِ، ذَهَبُوا إِلَى دَارِ سَمْعَانَ وَأَنْدْرَاوِسَ. وَذَهَبَ مَعَهُمْ أَيْضًا يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا. وَكَانَتْ حَمَاةُ سَمْعَانَ فِي الْفِرَاشِ مَرِيضَةً بِالْحُمَّى، فَأَخْبَرُوا عِيسَـى عَنْهَا. فَتَقَدَّمَ إِلَيْهَا، وَأَمْسَكَ بِيَدِهَا وَأَقَامَهَا. فَتَرَكَتْهَا الْحُمَّى وَبَدَأَتْ تَخْدِمُهُمْ. وَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَأَقْبَلَ الْمَسَاءُ، أَحْضَرُوا إِلَيْهِ كُلَّ الْمَرْضَى وَالَّذِينَ فِيهِمْ شَيَاطِينُ. وَتَجَمَّعَ أَهْلُ الْبَلْدَةِ كُلُّهُمْ عِنْدَ الْبَابِ. فَشَفَى كَثِيرِينَ كَانُوا مَرْضَى بِأَمْرَاضٍ مُتَنَوِّعَةٍ، وَطَرَدَ شَيَاطِينَ كَثِيرَةً. فَعَرَفَتْهُ الشَّيَاطِينُ، لَكِنَّهُ لَمْ يَسْمَحْ لَهَا بِأَنْ تَتَكَلَّمَ. وَقَامَ عِيسَـى فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَخَرَجَ مِنَ الدَّارِ وَذَهَبَ إِلَى مَكَانٍ مُنْعَزِلٍ لِيُصَلِّيَ. فَبَحَثَ عَنْهُ سَمْعَانُ وَأَصْحَابُهُ. وَلَمَّا وَجَدُوهُ قَالُوا لَهُ: ”الْكُلُّ يَبْحَثُونَ عَنْكَ.“ فَقَالَ لَهُمْ: ”تَعَالَوْا نَذْهَبُ إِلَى أَمَاكِنَ أُخْرَى، إِلَى الْقُرَى الْمُجَاوِرَةِ لِكَيْ أُبَشِّرَ هُنَاكَ أَيْضًا، لِأَنِّي جِئْتُ لِهَذَا الْقَصْدِ.“ فَكَانَ يَتَنَقَّلُ فِي كُلِّ الْجَلِيلِ، يُبَشِّرُ فِي بُيُوتِ الْعِبَادَةِ، وَيَطْرُدُ الشَّيَاطِينَ. وَجَاءَ رَجُلٌ أَبْرَصُ إِلَى عِيسَـى، وَرَكَعَ قُدَّامَهُ وَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ وَقَالَ: ”إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ، فَأَنْتَ تَقْدِرُ أَنْ تَشْفِيَنِي.“ فَأَشْفَقَ عِيسَـى عَلَيْهِ، وَمَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ وَقَالَ لَهُ: ”أُرِيدُ، فَاشْفَ.“ وَفِي الْحَالِ زَالَ عَنْهُ الْبَرَصُ وَشُفِيَ. فَصَرَفَهُ عِيسَـى عَلَى الْفَوْرِ، بَعْدَمَا حَذَّرَهُ بِشِدَّةٍ وَهُوَ يَقُولُ لَهُ: ”إِيَّاكَ أَنْ تُخْبِرَ أَحَدًا بِشَيْءٍ، بَلِ اذْهَبْ إِلَى الْحَبْرِ وَأَرِهِ نَفْسَكَ، وَقَدِّمْ مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى كَبُرْهَانٍ لَهُمْ أَنَّكَ شُفِيتَ.“ لَكِنَّهُ ذَهَبَ وَأَخَذَ يُذِيعُ الْخَبَرَ وَيَنْشُرُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، حَتَّى أَصْبَحَ عِيسَـى لَا يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ أَيَّ بَلْدَةٍ عَلَنًا، بَلْ كَانَ يُقِيمُ فِي الْخَارِجِ، فِي أَمَاكِنَ مُنْعَزِلَةٍ. وَمَعَ ذَلِكَ تَوَافَدَ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ. وَبَعْدَ أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ رَجَعَ عِيسَـى إِلَى كَفْرَنَاحُومَ، فَسَمِعَ النَّاسُ أَنَّهُ فِي الدَّارِ. فَتَجَمَّعَ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنْهُمْ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَكَانٌ لِأَحَدٍ وَلَا قُدَّامَ الْبَابِ، فَأَخَذَ يُحَدِّثُهُمْ بِكَلَامِ اللهِ. وَجَاءَ بَعْضُ النَّاسِ وَأَحْضَرُوا إِلَيْهِ مَشْلُولًا يَحْمِلُهُ 4 مِنْهُمْ. وَلَكِنَّهُمْ عَجَزُوا عَنِ الْوُصُولِ بِهِ إِلَى عِيسَـى بِسَبَبِ الزِّحَامِ. فَكَشَفُوا السَّقْفَ فَوْقَ الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ عِيسَـى، وَعَمِلُوا فِيهِ فَتْحَةً، ثُمَّ أَنْزَلُوا الْفِرَاشَ وَعَلَيْهِ الْمَشْلُولُ. فَلَمَّا رَأَى عِيسَـى إِيمَانَهُمْ قَالَ لِلْمَشْلُولِ: ”يَا ابْنِي، مَغْفُورَةٌ لَكَ ذُنُوبُكَ.“ وَكَانَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مَوْجُودِينَ هُنَاكَ فَقَالُوا فِي قُلُوبِهِمْ: ”هَذَا الشَّخْصُ، لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ؟ إِنَّهُ يَكْفُرُ! مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهَ وَحْدَهُ؟“ فَعَرَفَ عِيسَـى بِرُوحِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُفَكِّرُونَ بِهَذَا فِي أَنْفُسِهِمْ، فَسَأَلَهُمْ: ”لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِهَذَا فِي قُلُوبِكُمْ؟ أَيُّهُمَا أَسْهَلُ، أَنْ أَقُولَ لِهَذَا الْمَشْلُولِ: ’مَغْفُورَةٌ لَكَ ذُنُوبُكَ‘، أَوْ أَنْ أَقُولَ لَهُ: ’قُمْ وَاحْمِلْ فِرَاشَكَ وَامْشِ‘؟ لَكِنِّي سَأُثْبِتُ لَكُمْ أَنَّ الَّذِي صَارَ بَشَرًا عِنْدَهُ السُّلْطَةُ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الذُّنُوبَ.“ ثُمَّ قَالَ لِلْمَشْلُولِ: ”أَنَا آمُرُكَ، قُمْ وَاحْمِلْ فِرَاشَكَ وَاذْهَبْ إِلَى دَارِكَ.“ فَقَامَ الرَّجُلُ فِي الْحَالِ، وَحَمَلَ فِرَاشَهُ وَخَرَجَ قُدَّامَ الْجَمِيعِ. فَانْدَهَشُوا كُلُّهُمْ وَسَبَّحُوا اللهَ وَقَالُوا: ”مَا رَأَيْنَا مِثْلَ هَذَا أَبَدًا!“ ثُمَّ ذَهَبَ عِيسَـى مَرَّةً أُخْرَى إِلَى شَاطِئِ الْبُحَيْرَةِ، وَجَاءَ إِلَيْهِ كُلُّ الْجُمْهُورِ فَأَخَذَ يُعَلِّمُهُمْ. وَبَيْنَمَا هُوَ سَائِرٌ، رَأَى لَاوِيَ بْنَ حَلْفِيَ جَالِسًا فِي مَكْتَبِ الضَّرَائِبِ، فَقَالَ لَهُ: ”تَعَالَ اتْبَعْنِي.“ فَقَامَ وَتَبِعَهُ. وَلَمَّا كَانَ عِيسَـى جَالِسًا يَأْكُلُ فِي دَارِ لَاوِيَ، جَلَسَ لِيَأْكُلَ مَعَهُ وَمَعَ تَلَامِيذِهِ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنْ جُبَاةِ الضَّرَائِبِ وَغَيْرِ الْمُتَدَيِّنِينَ. لِأَنَّ كَثِيرِينَ مِنْهُمْ تَبِعُوهُ. فَلَمَّا رَآهُ فُقَهَاءُ الْفَرِّيسِيِّينَ يَأْكُلُ مَعَ غَيْرِ الْمُتَدَيِّنِينَ وَجُبَاةِ الضَّرَائِبِ، قَالُوا لِتَلَامِيذِهِ: ”لِمَاذَا يَأْكُلُ مَعَ جُبَاةِ الضَّرَائِبِ وَغَيْرِ الْمُتَدَيِّنِينَ؟“ وَسَمِعَ عِيسَـى هَذَا فَقَالَ لَهُمْ: ”لَا يَحْتَاجُ الْأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى، أَنَا جِئْتُ لَا لِأَدْعُوَ الصَّالِحِينَ بَلِ الْخَاطِئِينَ.“ وَكَانَ تَلَامِيذُ يَحْيَى وَالْفَرِّيسِيُّونَ صَائِمِينَ. فَجَاءَ بَعْضُ النَّاسِ إِلَى عِيسَـى وَقَالُوا لَهُ: ”لِمَاذَا يَصُومُ تَلَامِيذُ يَحْيَى وَتَلَامِيذُ الْفَرِّيسِيِّينَ، أَمَّا تَلَامِيذُكَ فَلَا يَصُومُونَ؟“ فَأَجَابَهُمْ عِيسَـى: ”هَلْ يَصُومُ ضُيُوفُ الْعُرْسِ وَالْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ مَا دَامَ الْعَرِيسُ مَعَهُمْ لَا يَصُومُونَ. لَكِنْ لَمَّا يَجِيءُ الْوَقْتُ وَيَذْهَبُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَصُومُونَ. لَا أَحَدَ يُصْلِحُ ثَوْبًا قَدِيمًا بِرُقْعَةٍ مِنْ قُمَاشٍ جَدِيدٍ لَمْ يَنْكَمِشْ، وَإِلَّا فَإِنَّ الرُّقْعَةَ تَنْكَمِشُ وَيَبْعُدُ الْجَدِيدُ عَنِ الْقَدِيمِ، وَيَصِيرُ الْخَرْقُ أَسْوَأَ. وَلَا أَحَدَ يَضَعُ خَمْرًا جَدِيدَةً فِي قِرْبَةٍ قَدِيمَةٍ، وَإِلَّا فَإِنَّ الْخَمْرَ تَشُقُّ الْقِرْبَةَ فَتَتْلَفُ الْخَمْرُ وَالْقِرْبَةُ مَعًا. بَلْ تُوضَعُ الْخَمْرُ الْجَدِيدَةُ فِي قِرْبَةٍ جَدِيدَةٍ.“ وَفِي أَحَدِ أَيَّامِ السَّبْتِ، مَرَّ عِيسَـى وَسْطَ حُقُولِ الْقَمْحِ، فَأَخَذَ تَلَامِيذُهُ يَقْطِفُونَ السَّنَابِلَ فِي الطَّرِيقِ. فَقَالَ لَهُ الْفَرِّيسِيُّونَ: ”اُنْظُرْ! لِمَاذَا يَعْمَلُونَ مَا لَا يَحِلُّ عَمَلُهُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ؟“ فَأَجَابَهُمْ: ”أَلَمْ تَقْرَأُوا مَا فَعَلَهُ دَاوُدُ لَمَّا احْتَاجَ وَجَاعَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ؟ إِنَّهُ دَخَلَ بَيْتَ اللهِ فِي أَيَّامِ أَبِيأَثَرَ الْحَبْرِ الْأَعْلَى، وَأَكَلَ مِنْ خُبْزِ الْقُرْبَانِ الْمُقَدَّسِ الَّذِي لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إِلَّا لِلْأَحْبَارِ وَحْدَهُمْ، وَأَعْطَى مِنْهُ أَيْضًا لِأَصْحَابِهِ.“ ثُمَّ قَالَ عِيسَـى لَهُمْ: ”إِنَّ اللهَ لَمْ يَخْلِقِ الْإِنْسَانَ لِلسَّبْتِ، بَلْ جَعَلَ السَّبْتَ لِصَالِحِ الْإِنْسَانِ. إِذَنِ الَّذِي صَارَ بَشَرًا هُوَ رَبُّ السَّبْتِ أَيْضًا.“ وَفِي مَرَّةٍ أُخْرَى، ذَهَبَ عِيسَـى إِلَى بَيْتِ الْعِبَادَةِ وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يَدُهُ مَشْلُولَةٌ. وَكَانَ الْبَعْضُ يُحَاوِلُونَ أَنْ يَجِدُوا شَكْوَى ضِدَّ عِيسَـى، فَأَخَذُوا يُرَاقِبُونَهُ لِكَيْ يَرَوْا إِنْ كَانَ يَشْفِيهِ فِي السَّبْتِ. فَقَالَ عِيسَـى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَدُهُ مَشْلُولَةٌ: ”قُمْ أَمَامَ الْجَمِيعِ.“ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: ”هَلْ يَحِلُّ فِي يَوْمِ السَّبْتِ عَمَلُ الْخَيْرِ أَوْ عَمَلُ الشَّرِّ؟ إِنْقَاذُ حَيَاةٍ أَوْ قَتْلُهَا؟“ فَسَكَتُوا. فَتَلَفَّتَ فِيهِمْ بِغَضَبٍ، وَهُوَ حَزِينٌ عَلَى قَسَاوَةِ قُلُوبِهِمْ. ثُمَّ قَالَ لِلرَّجُلِ: ”مُدَّ يَدَكَ.“ فَمَدَّهَا، فَشُفِيَتْ يَدُهُ تَمَامًا. فَخَرَجَ الْفَرِّيسِيُّونَ، وَتَآمَرُوا مَعَ الْهِيرُودِسِيِّينَ لِيَقْتُلُوا عِيسَى. فَانْصَرَفَ عِيسَـى وَتَلَامِيذُهُ إِلَى الْبُحَيْرَةِ، وَتَبِعَهُ جَمْعٌ غَفِيرٌ مِنْ مَنَاطِقِ الْجَلِيلِ، وَيَهُوذَا وَالْقُدْسِ وَأَدُومِيَّةَ وَشَرْقِ الْأُرْدُنِّ، وَصُورَ وَصَيْدَا، جَاءُوا إِلَيْهِ لِأَنَّهُمْ سَمِعُوا عَنْ أَعْمَالِهِ. فَطَلَبَ مِنْ تَلَامِيذِهِ أَنْ يُعِدُّوا لَهُ قَارِبًا لِكَيْ لَا يَزْحَمَهُ الْجُمْهُورُ. لِأَنَّهُ شَفَى كَثِيرِينَ، فَكَانَ كُلُّ مَنْ بِهِ مَرَضٌ يَتَزَاحَمُ عَلَيْهِ لِكَيْ يَلْمِسَهُ. وَكَانَتِ الْأَرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ، عِنْدَمَا تَرَاهُ، تَسْقُطُ قُدَّامَهُ وَتَصْرُخُ: ”أَنْتَ ابْنُ اللهِ.“ فَكَانَ يُحَذِّرُهَا بِشِدَّةٍ أَنْ لَا تُعْلِنَ عَنْهُ. ثُمَّ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ، وَنَادَى إِلَيْهِ الَّذِينَ أَرَادَهُمْ، فَذَهَبُوا إِلَيْهِ. وَاخْتَارَ 12 وَدَعَاهُمْ رُسُلًا، لِيَكُونُوا صُحْبَتَهُ، وَيُرْسِلَهُمْ لِيُبَشِّرُوا، وَيَكُونَ لَهُمْ سُلْطَةٌ أَنْ يَطْرُدُوا الشَّيَاطِينَ. وَهَؤُلَاءِ الِـ12 هُمْ: سَمْعَانُ الَّذِي سَمَّاهُ بُطْرُسَ، وَيَعْقُوبُ بْنُ زَبَدِي، وَيُوحَنَّا أَخُوهُ، وَسَمَّاهُمَا بُوَانَرْجِسَ أَيِ ابْنَيِ الرَّعْدِ، وَأَنْدْرَاوِسُ، وَفِيلِيبُ، وَبَرْتَلْمِي، وَمَتَّى، وَتُومَا، وَيَعْقُوبُ بْنُ حَلْفِي، وَتَدَّاوُسُ، وَسَمْعَانُ الْغَيُورُ، وَيَهُوذَا الْقَرْيُوتِيُّ الَّذِي خَانَهُ. ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى دَارٍ، وَتَجَمَّعَ النَّاسُ مَرَّةً أُخْرَى حَتَّى تَعَذَّرَ عَلَى عِيسَـى وَتَلَامِيذِهِ أَنْ يَأْكُلُوا. وَلَمَّا سَمِعَ أَهْلُهُ، جَاءُوا لِيَأْخُذُوهُ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّهُ فَقَدَ صَوَابَهُ. أَمَّا الْفُقَهَاءُ الَّذِينَ جَاءُوا مِنَ الْقُدْسِ فَقَالُوا: ”فِيهِ بَعْلَزَبُولُ، وَهُوَ يَطْرُدُ الشَّيَاطِينَ بِوَاسِطَةِ رَئِيسِ الشَّيَاطِينِ.“ فَنَادَاهُمْ إِلَيْهِ وَحَدَّثَهُمْ بِأَمْثَالٍ وَقَالَ: ”كَيْفَ يَقْدِرُ الشَّيْطَانُ أَنْ يَطْرُدَ الشَّيْطَانَ؟ إِنِ انْقَسَمَتْ مَمْلَكَةٌ عَلَى نَفْسِهَا، لَا تَصْمُدُ. وَإِنِ انْقَسَمَتْ عَائِلَةٌ عَلَى نَفْسِهَا، لَا تَصْمُدُ. فَإِنْ قَامَ الشَّيْطَانُ ضِدَّ نَفْسِهِ وَانْقَسَمَ، لَا يَصْمُدُ بَلْ يَنْتَهِي أَمْرُهُ. لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَدْخُلَ دَارَ الرَّجُلِ الْقَوِيِّ وَيَنْهَبَ مَا عِنْدَهُ إِلَّا إِذَا قَيَّدَ الْقَوِيَّ أَوَّلًا، وَبِذَلِكَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْهَبَ دَارَهُ. أَقُولُ لَكُمُ الْحَقِيقَةَ، كُلُّ ذُنُوبِ النَّاسِ تُغْفَرُ لَهُمْ، حَتَّى الْكُفْرُ الَّذِي يَكْفُرُونَهُ. أَمَّا مَنْ يَكْفُرُ بِالرُّوحِ الْقُدُّوسِ، فَلَا غُفْرَانَ لَهُ أَبَدًا، بَلْ يَبْقَى ذَنْبُهُ إِلَى الْأَبَدِ.“ وَبِهَذَا رَدَّ عِيسَـى عَلَى الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ فِيهِ رُوحًا شِرِّيرًا. وَجَاءَتْ أُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ، وَوَقَفُوا خَارِجَ الدَّارِ، وَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ يَدْعُونَهُ. وَكَانَ يَجْلِسُ حَوْلَهُ جَمْعٌ غَفِيرٌ، فَقَالُوا لَهُ: ”أُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ خَارِجَ الدَّارِ وَهُمْ يَطْلُبُونَكَ.“ فَأَجَابَهُمْ: ”مَنْ أُمِّي وَإِخْوَتِي؟“ وَتَلَفَّتَ فِي الْجَالِسِينَ حَوْلَهُ وَقَالَ: ”هَؤُلَاءِ هُمْ أُمِّي وَإِخْوَتِي! لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ مَشِيئَةَ اللهِ، هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي.“ وَفِي مَرَّةٍ أُخْرَى، كَانَ عِيسَـى يُعَلِّمُ عِنْدَ شَاطِئِ الْبُحَيْرَةِ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ جُمْهُورٌ كَثِيرٌ جِدًّا، حَتَّى إِنَّهُ رَكِبَ قَارِبًا فِي الْبُحَيْرَةِ وَجَلَسَ فِيهِ. وَكَانَ كُلُّ الْجُمْهُورِ جَالِسًا عَلَى الشَّاطِئِ. وَعَلَّمَهُمْ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً عَنْ طَرِيقِ الْأَمْثَالِ. فَقَالَ لَهُمْ فِي تَعْلِيمِهِ: ”اِسْمَعُوا، خَرَجَ الزَّارِعُ لِيَزْرَعَ. وَبَيْنَمَا هُوَ يَزْرَعُ، سَقَطَ بَعْضُ الْحَبِّ عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، فَجَاءَتِ الطُّيُورُ وَأَكَلَتْهُ. وَسَقَطَ الْبَعْضُ الْآخَرُ عَلَى أَرْضٍ صَخْرِيَّةٍ قَلِيلَةِ التُّرَابِ، فَنَبَتَ بِسُرْعَةٍ لِأَنَّ التُّرْبَةَ لَمْ تَكُنْ عَمِيقَةً. لَكِنْ لَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، اِحْتَرَقَ النَّبَاتُ وَذَبُلَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ جِذْرٌ. ثُمَّ سَقَطَ الْبَعْضُ بَيْنَ الشَّوْكِ، فَطَلَعَ الشَّوْكُ وَخَنَقَ النَّبَاتَ فَلَمْ يُثْمِرْ. لَكِنَّ الْبَعْضَ الْآخَرَ سَقَطَ عَلَى أَرْضٍ جَيِّدَةٍ، فَنَبَتَ وَنَمَا وَأَثْمَرَ، وَأَنْتَجَ بَعْضُهُ 30 ضِعْفًا، وَبَعْضُهُ 60، وَبَعْضُهُ 100.“ ثُمَّ قَالَ: ”اِسْمَعُونِي يَا مَنْ لَكُمْ آذَانٌ تَسْمَعُ!“ وَلَمَّا كَانَ وَحْدَهُ، سَأَلَهُ أَتْبَاعُهُ وَالرُّسُلُ الِـ12 عَنِ الْأَمْثَالِ. فَقَالَ لَهُمْ: ”أَعْطَيْتُكُمْ أَنْتُمْ سِرَّ مَمْلَكَةِ اللهِ، أَمَّا الَّذِينَ هُمْ خَارِجَ دَائِرَتِنَا، فَأَقُولُ لَهُمْ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْثَالٍ. حَتَّى إِنَّهُمْ مَهْمَا نَظَرُوا لَا يَرَوْنَ، وَمَهْمَا سَمِعُوا لَا يَفْهَمُونَ، لِئَلَّا يَتُوبُوا فَتُغْفَرَ لَهُمْ ذُنُوبُهُمْ.“ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: ”أَلَمْ تَفْهَمُوا هَذَا الْمَثَلَ؟ إِذَنْ كَيْفَ تَفْهَمُونَ غَيْرَهُ مِنَ الْأَمْثَالِ؟ الزَّارِعُ يَزْرَعُ كَلِمَةَ اللهِ. فَالْمَزْرُوعُ عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، هُوَ الَّذِينَ عِنْدَمَا تُزْرَعُ الْكَلِمَةُ يَسْمَعُونَهَا، لَكِنْ يَأْتِي الشَّيْطَانُ حَالًا وَيَنْزِعُ الْكَلِمَةَ الَّتِي زُرِعَتْ فِيهِمْ. وَكَذَلِكَ الْمَزْرُوعُ فِي أَرْضٍ صَخْرِيَّةٍ، هُوَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ وَيَقْبَلُونَهَا حَالًا بِفَرَحٍ، وَلَكِنَّهُمْ بِلَا جُذُورٍ فَلَا يَدُومُونَ، بَلْ عِنْدَمَا يَحْدُثُ ضِيقٌ أَوِ اضْطِهَادٌ مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ، يَتَرَاجَعُونَ فِي الْحَالِ. وَالْمَزْرُوعُ بَيْنَ الشَّوْكِ، هُوَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ، لَكِنْ تَأْتِي هُمُومُ الدُّنْيَا، وَخِدَاعُ الْغِنَى، وَالرَّغْبَةُ فِي الْحُصُولِ عَلَى أَشْيَاءَ أُخْرَى، فَتَخْنُقُ الْكَلِمَةَ وَتَجْعَلُهَا بِلَا ثَمَرٍ. ثُمَّ الْمَزْرُوعُ فِي الْأَرْضِ الْجَيِّدَةِ، هُوَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ كَلِمَةَ اللهِ وَيَقْبَلُونَهَا وَيُثْمِرُونَ، بَعْضُهُمْ 30 ضِعْفًا، وَبَعْضُهُمْ 60، وَبَعْضُهُمْ 100.“ وَقَالَ لَهُمْ: ”هَلْ يَصِحُّ أَنْ نَضَعَ الْمِصْبَاحَ تَحْتَ الْمِكْيَالِ أَوْ تَحْتَ السَّرِيرِ؟ طَبْعًا لَا! بَلْ نَضَعُهُ عَلَى الْمَنَارَةِ. فَكُلُّ سِرٍّ يَنْكَشِفُ، وَكُلُّ خَفِيٍّ يَظْهَرُ. اِسْمَعُونِي يَا مَنْ لَكُمْ آذَانٌ تَسْمَعُ!“ وَقَالَ لَهُمْ: ”اِنْتَبِهُوا إِلَى مَا تَسْمَعُونَ! الْكَيْلُ الَّذِي تَكِيلُونَ بِهِ لِلْآخَرِينَ، هُوَ نَفْسُهُ يُكَالُ بِهِ لَكُمْ وَيُزَادُ عَلَيْهِ. مَنْ عِنْدَهُ يُعْطَى أَكْثَرَ، وَمَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ فَحَتَّى الْقَلِيلُ الَّذِي لَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ.“ ثُمَّ قَالَ: ”مَمْلَكَةُ اللهِ هِيَ مِثْلُ رَجُلٍ يُلْقِي الْبُزُورَ عَلَى الْأَرْضِ، وَيَنَامُ بِاللَّيْلِ وَيَقُومُ بِالنَّهَارِ، وَالزَّرْعُ يَنْبُتُ وَيَنْمُو وَهُوَ لَا يَعْلَمُ كَيْفَ. فَالْأَرْضُ مِنْ نَفْسِهَا تُعْطِي الثَّمَرَ: أَوَّلًا النَّبَاتُ الْأَخْضَرُ، ثُمَّ السُّنْبُلُ، ثُمَّ الْقَمْحُ النَّاضِجُ فِي السُّنْبُلِ. وَمَتَى نَضِجَ الْمَحْصُولُ، فَحَالًا يُرْسِلُ مَنْ يَحْصُدُهُ بِالْمِنْجَلِ، لِأَنَّ وَقْتَ الْحَصَادِ جَاءَ.“ وَقَالَ: ”بِأَيِّ شَيْءٍ نُشَبِّهُ مَمْلَكَةَ اللهِ؟ وَبِأَيِّ مَثَلٍ نُوَضِّحُهَا؟ إِنَّهَا مِثْلُ حَبَّةِ الْخَرْدَلِ، وَهِيَ أَصْغَرُ كُلِّ الْبُزُورِ الَّتِي نَزْرَعُهَا فِي الْأَرْضِ، لَكِنْ بَعْدَمَا نَزْرَعُهَا، تَنْمُو وَتَكْبَرُ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ نَبَاتٍ آخَرَ، وَتَمُدُّ فُرُوعًا كَبِيرَةً حَتَّى إِنَّ طُيُورَ السَّمَاءِ تُعَشِّشُ فِي ظِلِّهَا.“ فَكَانَ يُعَلِّمُهُمْ كَلَامَ اللهِ بِأَمْثَالٍ كَثِيرَةٍ مِثْلِ هَذِهِ، عَلَى قَدْرِ فَهْمِهِمْ. وَكَانَ لَا يُكَلِّمُهُمْ بِغَيْرِ أَمْثَالٍ، لَكِنَّهُ كَانَ يُفَسِّرُ كُلَّ شَيْءٍ لِتَلَامِيذِهِ مَتَى كَانُوا مَعَهُ وَحْدَهُمْ. وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، لَمَّا حَلَّ الْمَسَاءُ، قَالَ لِتَلَامِيذِهِ: ”تَعَالَوْا نَعْبُرُ إِلَى الشَّاطِئِ الْآخَرِ.“ فَتَرَكُوا الْجُمْهُورَ، وَأَخَذُوهُ فِي الْقَارِبِ كَمَا كَانَ، وَكَانَتْ مَعَهُ أَيْضًا قَوَارِبُ أُخْرَى. وَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ عَاصِفَةٌ، وَأَخَذَتِ الْأَمْوَاجُ تَضْرِبُ الْقَارِبَ، حَتَّى كَادَ يَمْتَلِئُ بِالْمَاءِ. وَكَانَ هُوَ فِي الْمُؤَخَّرِ نَائِمًا عَلَى مَخَدَّةٍ. فَأَيْقَظُوهُ وَقَالُوا لَهُ: ”يَا مُعَلِّمُ، أَلَا يَهُمُّكَ أَنْ نَغْرَقَ؟“ فَقَامَ وَوَبَّخَ الرِّيحَ، وَقَالَ لِلْأَمْوَاجِ: ”اُسْكُتِي. اِهْدَأِي.“ فَسَكَتَتِ الرِّيحُ وَسَادَ الْهُدُوءُ التَّامُّ. فَقَالَ لَهُمْ: ”مَا لَكُمْ خَائِفِينَ؟ هَلْ لِحَدِّ الْآنَ لَيْسَ عِنْدَكُمْ إِيمَانٌ؟“ فَارْتَعَبُوا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ”مَنْ هُوَ هَذَا حَتَّى تُطِيعَهُ الرِّيحُ وَالْأَمْوَاجُ؟“ ثُمَّ جَاءُوا إِلَى الشَّاطِئِ الْآخَرِ، حَيْثُ بِلَادُ الْجَرَاسِينَ. وَلَمَّا نَزَلَ عِيسَـى مِنَ الْقَارِبِ، قَابَلَهُ مِنَ الْمَقَابِرِ رَجُلٌ فِيهِ رُوحٌ شِرِّيرٌ. فَكَانَ يُقِيمُ بَيْنَ الْمَقَابِرِ، وَلَمْ يَعُدْ فِي إِمْكَانِ أَحَدٍ أَنْ يَرْبِطَهُ وَلَا حَتَّى بِالسَّلَاسِلِ. لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ رَبَطُوهُ كَثِيرًا بِالْقُيُودِ وَالسَّلَاسِلِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يُحَطِّمُ السَّلَاسِلَ وَيُكَسِّرُ الْقُيُودَ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يُخْضِعَهُ. وَكَانَ طُولَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، بَيْنَ الْقُبُورِ وَفِي الْجِبَالِ، يَصْرُخُ وَيُجَرِّحُ نَفْسَهُ بِالْحِجَارَةِ. فَلَمَّا رَأَى عِيسَـى مِنْ بَعِيدٍ، جَرَى إِلَيْهِ وَسَجَدَ لَهُ، وَصَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: ”مَا لَكَ بِي يَا عِيسَـى يَا ابْنَ اللهِ الْعَلِيِّ؟ أُحَلِّفُكَ بِاللهِ، لَا تُعَذِّبْنِي.“ لِأَنَّ عِيسَـى قَالَ لَهُ: ”أَيُّهَا الرُّوحُ الشِّرِّيرُ، اُخْرُجْ مِنَ الرَّجُلِ.“ وَسَأَلَهُ عِيسَـى: ”مَا اسْمُكَ؟“ فَأَجَابَ: ”اِسْمِي فِرْقَةٌ، لِأَنَّنَا كَثِيرُونَ.“ وَتَوَسَّلَ إِلَى عِيسَـى بِإِلْحَاحٍ أَنْ لَا يَطْرُدَ الْأَرْوَاحَ الشِّرِّيرَةَ مِنْ تِلْكَ الْمِنْطَقَةِ. وَكَانَ هُنَاكَ قَطِيعٌ كَبِيرٌ مِنَ الْخَنَازِيرِ يَرْعَى عَلَى جَانِبِ الْجَبَلِ. فَتَوَسَّلَتْ إِلَيْهِ الْأَرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ وَقَالَتْ: ”أَرْسِلْنَا إِلَى الْخَنَازِيرِ لِنَدْخُلَ فِيهَا.“ فَسَمَحَ لَهَا، فَخَرَجَتِ الْأَرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ مِنَ الرَّجُلِ وَدَخَلَتْ فِي الْخَنَازِيرِ. فَانْدَفَعَ الْقَطِيعُ، وَسَقَطَ مِنْ عَلَى الْجَبَلِ إِلَى الْبُحَيْرَةِ وَغَرِقَ، وَكَانَ عَدَدُهَا حَوَالَيْ 2000. فَهَرَبَ الرُّعَاةُ وَأَخْبَرُوا فِي الْمَدِينَةِ وَفِي الْقُرَى. فَأَقْبَلَ النَّاسُ لِيَرَوْا مَا جَرَى، وَجَاءُوا إِلَى عِيسَـى. وَرَأَوْا الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَلْبُوسًا بِالشَّيَاطِينِ جَالِسًا، وَلَابِسًا مَلَابِسَهُ، وَسَلِيمَ الْعَقْلِ، هُوَ الَّذِي كَانَ فِيهِ فِرْقَةٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ، فَخَافُوا جِدًّا. فَأَخْبَرَهُمْ شُهُودُ الْعِيَانِ بِمَا جَرَى لِلرَّجُلِ الَّذِي كَانَ مَلْبُوسًا بِالشَّيَاطِينِ، وَعَنْ مَوْضُوعِ الْخَنَازِيرِ. فَطَلَبُوا مِنْ عِيسَـى أَنْ يَرْحَلَ عَنْ بَلَدِهِمْ. وَبَيْنَمَا هُوَ يَرْكَبُ الْقَارِبَ، تَوَسَّلَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ مَلْبُوسًا بِالشَّيَاطِينِ أَنْ يَذْهَبَ مَعَهُ. فَلَمْ يَسْمَحْ لَهُ عِيسَـى، بَلْ قَالَ لَهُ: ”اِذْهَبْ إِلَى دَارِكَ، إِلَى أَهْلِكَ، وَأَخْبِرْهُمْ بِكُلِّ مَا عَمِلَهُ رَبُّكَ لَكَ، وَبِرَحْمَتِهِ عَلَيْكَ.“ فَرَاحَ وَأَخَذَ يُخْبِرُ النَّاسَ فِي مِنْطَقَةِ الْمُدُنِ الْعَشْرِ بِمَا عَمِلَهُ عِيسَـى لَهُ، فَانْدَهَشَ الْجَمِيعُ. وَرَجَعَ عِيسَـى فِي الْقَارِبِ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى الشَّاطِئِ الْمُقَابِلِ. فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ جُمْهُورٌ غَفِيرٌ وَهُوَ عَلَى شَاطِئِ الْبُحَيْرَةِ. وَجَاءَ وَاحِدٌ مِنَ الْمَسْئُولِينَ عَنْ بَيْتِ الْعِبَادَةِ اسْمُهُ يَائِرُ، فَلَمَّا رَأَى عِيسَـى رَمَى نَفْسَهُ عِنْدَ قَدَمَيْهِ. وَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ بِإِلْحَاحٍ وَقَالَ: ”بِنْتِيَ الصَّغِيرَةُ عَلَى حَافَّةِ الْمَوْتِ، تَعَالَ وَضَعْ يَدَيْكَ عَلَيْهَا، لِكَيْ تُشْفَى وَتَحْيَا.“ فَذَهَبَ عِيسَـى مَعَهُ، وَتَبِعَهُ جُمْهُورٌ غَفِيرٌ يَزْحَمُهُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. وَكَانَتْ هُنَاكَ امْرَأَةٌ عِنْدَهَا نَزِيفُ دَمٍ مُنْذُ 12 سَنَةً. وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ عِلَاجٍ طَوِيلٍ عِنْدَ أَطِبَّاءَ كَثِيرِينَ، حَيْثُ أَنْفَقَتْ كُلَّ مَا تَمْلِكُ، سَاءَتْ حَالَتُهَا وَلَمْ تَتَحَسَّنْ. فَسَمِعَتْ عَنْ عِيسَـى، وَجَاءَتْ فِي الْجُمْهُورِ مِنْ خَلْفِهِ، وَلَمَسَتْ ثَوْبَهُ. لِأَنَّهَا قَالَتْ: ”يَكْفِي أَنْ أَلْمِسَ وَلَوْ ثِيَابَهُ فَأُشْفَى.“ فَتَوَقَّفَ نَزِيفُ الدَّمِ فِي الْحَالِ، وَشَعَرَتْ فِي جِسْمِهَا أَنَّهَا شُفِيَتْ مِنْ مَرَضِهَا. وَعَلِمَ عِيسَـى فِي نَفْسِهِ أَنَّ قُوَّةً خَرَجَتْ مِنْهُ، فَدَارَ فِي وَسْطِ الْجُمْهُورِ وَقَالَ: ”مَنْ لَمَسَ ثِيَابِي؟“ فَقَالَ لَهُ تَلَامِيذُهُ: ”أَنْتَ تَرَى الْجُمْهُورَ يَزْحَمُكَ، وَمَعَ ذَلِكَ تَقُولُ مَنْ لَمَسَنِي؟“ وَلَكِنَّهُ تَلَفَّتَ حَوْلَهُ لِيَرَى الَّتِي فَعَلَتْ هَذَا. أَمَّا الْمَرْأَةُ، فَعَرَفَتْ مَا حَصَلَ لَهَا، وَجَاءَتْ مُرْتَجِفَةً مِنَ الْخَوْفِ، وَرَمَتْ نَفْسَهَا قُدَّامَهُ، وَقَالَتْ لَهُ كُلَّ الْحَقِيقَةِ. فَقَالَ لَهَا: ”يَا عَزِيزَتِي، إِيمَانُكِ شَفَاكِ، اِذْهَبِي بِالسَّلَامَةِ، وَكُونِي صَحِيحَةً مِنْ مَرَضِكِ.“ وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ، جَاءَ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ دَارِ الْمَسْئُولِ عَنْ بَيْتِ الْعِبَادَةِ وَقَالُوا لَهُ: ”بِنْتُكَ مَاتَتْ، لِمَاذَا تُتْعِبُ الْمُعَلِّمَ؟“ أَمَّا عِيسَـى فَلَمْ يَهْتَمَّ بِكَلَامِهِمْ، وَقَالَ لِلْمَسْئُولِ عَنْ بَيْتِ الْعِبَادَةِ: ”لَا تَخَفْ. آمِنْ فَقَطْ.“ وَلَمْ يَسْمَحْ لِأَحَدٍ أَنْ يَصْحَبَهُ غَيْرُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أَخِي يَعْقُوبَ. وَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى دَارِ الْمَسْئُولِ عَنْ بَيْتِ الْعِبَادَةِ، رَأَى عِيسَـى شَغَبًا وَالنَّاسَ يَبْكُونَ وَيَنُوحُونَ. فَدَخَلَ وَقَالَ: ”لِمَاذَا هَذَا الشَّغَبُ وَالْبُكَاءُ؟ لَمْ تَمُتِ الْبِنْتُ، بَلْ هِيَ نَائِمَةٌ.“ فَسَخِرُوا مِنْهُ، لَكِنَّهُ أَخْرَجَهُمْ كُلَّهُمْ، ثُمَّ أَخَذَ وَالِدَ الْبِنْتِ وَأُمَّهَا وَالَّذِينَ بِصُحْبَتِهِ، وَدَخَلَ حَيْثُ كَانَتِ الْبِنْتُ. وَأَمْسَكَ بِيَدِهَا وَقَالَ لَهَا: ”طَلِيثَا قُومِي.“ وَمَعْنَاهَا: يَا فَتَاةُ، آمُرُكِ أَنْ تَقُومِي. فَحَالًا قَامَتِ الْفَتَاةُ وَأَخَذَتْ تَمْشِي. وَكَانَ عُمْرُهَا 12 سَنَةً. فَانْدَهَشَ النَّاسُ انْدِهَاشًا عَظِيمًا. فَأَمَرَهُمْ بِشِدَّةٍ أَنْ لَا يَعْلَمَ أَحَدٌ بِذَلِكَ، وَقَالَ لَهُمْ أَنْ يُعْطُوا الْبِنْتَ شَيْئًا تَأْكُلُهُ. وَخَرَجَ عِيسَـى مِنْ هُنَاكَ، وَجَاءَ إِلَى بَلْدَتِهِ يَتْبَعُهُ تَلَامِيذُهُ. وَلَمَّا حَلَّ السَّبْتُ، بَدَأَ يُعَلِّمُ فِي بَيْتِ الْعِبَادَةِ. فَكَثِيرُونَ لَمَّا سَمِعُوهُ تَعَجَّبُوا وَقَالُوا: ”مِنْ أَيْنَ حَصَلَ هَذَا الرَّجُلُ عَلَى هَذَا؟ مَا هَذِهِ الْحِكْمَةُ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَهُ، وَمِنْ أَيْنَ حَصَلَ عَلَى هَذِهِ الْقُوَّةِ لِعَمَلِ الْمُعْجِزَاتِ؟ أَلَيْسَ هُوَ النَّجَّارَ ابْنَ مَرْيَمَ؟ وَأَخَا يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَيَهُوذَا وَسَمْعَانَ؟ أَلَيْسَتْ أَخَوَاتُهُ هُنَا مَعْنَا؟“ وَلَمْ يُرِيدُوا أَنْ يَقْبَلُوهُ. فَقَالَ لَهُمْ عِيسَـى: ”لَا كَرَامَةَ لِنَبِيٍّ فِي بَلْدَتِهِ وَبَيْنَ أَقَارِبِهِ وَمَعَ أَهْلِهِ.“ وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَعْمَلَ هُنَاكَ مُعْجِزَاتٍ، إِلَّا شِفَاءَ مَرْضَى قَلِيلِينَ بِأَنْ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ. وَكَانَ مُنْدَهِشًا مِنْ عَدَمِ إِيمَانِهِمْ. وَكَانَ عِيسَـى يَطُوفُ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَى قَرْيَةٍ وَهُوَ يُعَلِّمُ. وَدَعَا إِلَيْهِ الِـ12، وَأَخَذَ يُرْسِلُهُمُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ. وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَةً عَلَى الْأَرْوَاحِ الشِّرِّيرَةِ. وَأَوْصَاهُمْ وَقَالَ: ”لَا تَأْخُذُوا مَعَكُمْ شَيْئًا لِلطَّرِيقِ غَيْرَ عَصًا فَقَطْ، لَا خُبْزًا، وَلَا مِزْوَدًا، وَلَا نُقُودًا فِي جُيُوبِكُمْ. إِنَّمَا الْبَسُوا حِذَاءً، وَلَا تَلْبَسُوا ثَوْبًا إِضَافِيًّا.“ وَقَالَ لَهُمْ: ”وَأَيُّ دَارٍ تَدْخُلُونَهَا، أَقِيمُوا فِيهَا حَتَّى تَتْرُكُوا الْبَلْدَةَ. وَأَيُّ مَكَانٍ يَرْفُضُ أَهْلُهُ أَنْ يَقْبَلُوكُمْ وَأَنْ يَسْمَعُوا لَكُمْ، اُخْرُجُوا مِنْهُ وَانْفُضُوا الْغُبَارَ عَنْ أَرْجُلِكُمْ إِنْذَارًا لَهُمْ.“ فَذَهَبُوا وَكَانُوا يَدْعُونَ النَّاسَ أَنْ يَتُوبُوا. وَطَرَدُوا شَيَاطِينَ كَثِيرَةً، وَدَهَنُوا مَرْضَى كَثِيرِينَ بِالزَّيْتِ وَشَفَوْهُمْ. وَسَمِعَ الْمَلِكُ هِيرُودِسُ عَنْ عِيسَـى، لِأَنَّ اسْمَهُ صَارَ مَشْهُورًا. وَكَانَ بَعْضُ النَّاسِ يَقُولُونَ عَنْهُ إِنَّهُ يَحْيَى قَامَ مِنَ الْمَوْتِ، لِذَلِكَ يَعْمَلُ الْمُعْجِزَاتِ. لَكِنَّ آخَرِينَ قَالُوا: ”إِنَّهُ إِلْيَاسُ النَّبِيُّ.“ وَقَالَ غَيْرُهُمْ: ”هُوَ نَبِيٌّ مِثْلُ أَحَدِ الْأَنْبِيَاءِ الْأَوَّلِينَ.“ أَمَّا هِيرُودِسُ فَلَمَّا سَمِعَ قَالَ: ”هَذَا هُوَ يَحْيَى الَّذِي أَنَا قَطَعْتُ رَأْسَهُ، قَامَ مِنَ الْمَوْتِ.“ لِأَنَّ هِيرُودِسَ نَفْسَهُ كَانَ قَدْ أَرْسَلَ وَقَبَضَ عَلَى يَحْيَى وَقَيَّدَهُ فِي السِّجْنِ، بِسَبَبِ هِيرُودِيَّةَ امْرَأَةِ أَخِيهِ فِيلِيبَ. فَقَدْ تَزَوَّجَهَا هِيرُودِسُ، وَكَانَ يَحْيَى يَقُولُ لَهُ: ”لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ امْرَأَةَ أَخِيكَ.“ لِهَذَا كَانَتْ هِيرُودِيَّةُ تَحْقِدُ عَلَى يَحْيَى، وَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَهُ، لَكِنَّهَا لَمْ تَقْدِرْ. لِأَنَّ هِيرُودِسَ كَانَ يَخَافُ مِنْ يَحْيَى، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ رَجُلٌ تَقِيٌّ وَصَالِحٌ، فَكَانَ يَحْمِيهِ، وَلَمَّا كَانَ يَسْتَمِعُ إِلَيْهِ كَانَ يَرْتَبِكُ جِدًّا، وَمَعَ ذَلِكَ فَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَسْتَمِعَ إِلَيْهِ. وَأَخِيرًا حَانَتِ الْفُرْصَةُ لِهِيرُودِيَّةَ، لَمَّا أَقَامَ هِيرُودِسُ عَشَاءً لِعُظَمَائِهِ وَضُبَّاطِهِ وَأَعْيَانِ الْجَلِيلِ، لِلِاحْتِفَالِ بِعِيدِ مِيلَادِهِ. وَدَخَلَتْ بِنْتُ هِيرُودِيَّةَ وَرَقَصَتْ، فَأَعْجَبَتْ هِيرُودِسَ وَضُيُوفَهُ. فَقَالَ الْمَلِكُ لِلْفَتَاةِ: ”اُطْلُبِي مِنِّي مَا شِئْتِ، فَأُعْطِيَهُ لَكِ.“ وَأَقْسَمَ لَهَا: ”مَهْمَا طَلَبْتِ أُعْطِيكِ، حَتَّى نِصْفَ مَمْلَكَتِي!“ فَخَرَجَتْ وَسَأَلَتْ أُمَّهَا: ”مَاذَا أَطْلُبُ؟“ فَأَجَابَتْهَا: ”رَأْسَ يَحْيَى الْمُغَطِّسِ.“ فَأَسْرَعَتِ الْفَتَاةُ إِلَى الْمَلِكِ فِي لَهْفَةٍ، وَأَخْبَرَتْهُ بِطَلَبِهَا: ”أُرِيدُ أَنْ تُعْطِيَنِي فَوْرًا رَأْسَ يَحْيَى الْمُغَطِّسِ عَلَى طَبَقٍ.“ فَحَزِنَ الْمَلِكُ جِدًّا. لَكِنْ لِأَنَّهُ أَقْسَمَ لَهَا أَمَامَ ضُيُوفِهِ، لَمْ يَشَأْ أَنْ يَرْفُضَ طَلَبَهَا. فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ سَيَّافًا عَلَى الْفَوْرِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُحْضِرَ رَأْسَ يَحْيَى. فَذَهَبَ وَقَطَعَ رَأْسَهُ فِي السِّجْنِ، وَأَحْضَرَ الرَّأْسَ عَلَى طَبَقٍ، وَأَعْطَاهَا لِلْفَتَاةِ، وَالْفَتَاةُ أَعْطَتْهَا لِأُمِّهَا. فَلَمَّا سَمِعَ تَلَامِيذُ يَحْيَى، ذَهَبُوا وَأَخَذُوا جُثَّتَهُ، وَدَفَنُوهَا فِي قَبْرٍ. وَاجْتَمَعَ الرُّسُلُ إِلَى عِيسَى، وَأَخْبَرُوهُ بِكُلِّ مَا عَمِلُوهُ وَعَلَّمُوهُ. وَكَانَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَجِيئُونَ وَيَرُوحُونَ عَلَى عِيسَى وَتَلَامِيذِهِ، فَلَمْ يَتْرُكُوا لَهُمْ فُرْصَةً حَتَّى لِتَنَاوُلِ الطَّعَامِ. فَقَالَ عِيسَى لِلتَّلَامِيذِ: ”تَعَالَوْا مَعِي وَحْدَكُمْ إِلَى مَكَانٍ مُنْعَزِلٍ وَارْتَاحُوا قَلِيلًا.“ فَرَكِبُوا الْقَارِبَ وَحْدَهُمْ، وَذَهَبُوا إِلَى مَكَانٍ مُنْعَزِلٍ. لَكِنَّ كَثِيرِينَ رَأَوْهُمْ ذَاهِبِينَ، وَعَرَفُوا وِجْهَتَهُمْ، فَأَسْرَعُوا مِنْ كُلِّ الْبِلَادِ مَاشِينَ عَلَى الْأَقْدَامِ وَسَبَقُوهُمْ إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ. فَلَمَّا نَزَلَ عِيسَى مِنَ الْقَارِبِ، رَأَى جُمْهُورًا كَثِيرًا، فَأَشْفَقَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا كَغَنَمٍ لَا رَاعِيَ لَهَا، وَبَدَأَ يُعَلِّمُهُمْ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً. وَتَأَخَّرَ الْوَقْتُ، فَجَاءَ إِلَيْهِ تَلَامِيذُهُ وَقَالُوا: ”هَذَا مَكَانٌ مُنْعَزِلٌ، وَالْوَقْتُ تَأَخَّرَ. اِصْرِفِ النَّاسَ، لِيَذْهَبُوا إِلَى الْمَزَارِعِ وَالْقُرَى الْقَرِيبَةِ، وَيَشْـتَرُوا لَهُمْ شَـيْئًا يَأْكُلُونَهُ.“ فَأَجَابَهُمْ: ”أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا.“ قَالُوا لَهُ: ”هَلْ نَذْهَبُ وَنَشْـتَرِي خُبْزًا بِمَبْلَغٍ يُعَادِلُ مُرَتَّبَ 8 أَشْـهُرٍ، وَنُعْطِيهِمْ لِيَأْكُلُوا؟“ فَسَـأَلَهُمْ: ”كَمْ رَغِيفًا عِنْدَكُمْ؟ اِذْهَبُوا وَانْظُرُوا.“ وَلَمَّا عَرَفُوا، قَالُوا لَهُ: ”5 أَرْغِفَةٍ وَسَـمَكَتَانِ.“ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُجْلِسُـوا الْكُلَّ، جَمَاعَاتٍ جَمَاعَاتٍ، عَلَى الْعُشْـبِ الْأَخْضَرِ. فَجَلَسُـوا فِي مَجْمُوعَاتٍ مِنْ 100 وَمِنْ 50. وَأَخَذَ الْأَرْغِفَةَ الْـ5 وَالسَّـمَكَتَيْنِ، وَنَظَرَ إِلَى فَوْقُ، إِلَى السَّـمَاءِ، وَشَكَرَ اللهَ، ثُمَّ قَسَّمَ الْخُبْزَ، وَأَعْطَى تَلَامِيذَهُ لِيُقَدِّمُوا لِلنَّاسِ. وَقَسَّمَ السَّمَكَتَيْنِ أَيْضًا لِلْجَمِيعِ. فَأَكَلُوا كُلُّهُمْ حَتَّى شَبِعُوا. ثُمَّ رَفَعُوا الْكِسَـرَ وَفَضَلَاتِ السَّـمَكِ مِلْءَ 12 قُفَّةً. وَكَانَ الَّذِينَ أَكَلُوا 5000 رَجُلٍ. وَبَعْدَ ذَلِكَ مُبَاشَـرَةً، أَلْزَمَ تَلَامِيذَهُ أَنْ يَرْكَبُوا الْقَارِبَ وَيَسْـبِقُوهُ إِلَى بَيْتَ صَيْدَا، حَتَّى يَصْرِفَ الْجُمْهُورَ. وَبَعْدَمَا وَدَّعَهُمْ، رَاحَ إِلَى الْجَبَلِ لِيُصَلِّيَ. وَلَمَّا جَاءَ اللَّيْلُ، كَانَ الْقَارِبُ فِي وَسَـطِ الْبُحَيْرَةِ، أَمَّا عِيسَـى فَكَانَ عَلَى الْبَرِّ وَحْدَهُ. فَرَآهُمْ مُرْهَقِينَ فِي التَّجْدِيفِ، لِأَنَّ الرِّيحَ كَانَتْ مُعَاكِسَـةً لَهُمْ. وَقَبْلَ الْفَجْرِ جَاءَ إِلَيْهِمْ مَاشِـيًا عَلَى الْمَاءِ، وَكَادَ أَنْ يَمُرَّ بِهِمْ. فَلَمَّا رَأَوْهُ مَاشِـيًا عَلَى الْمَاءِ، ظَنُّوا أَنَّهُ شَـبَحٌ فَصَرَخُوا. لِأَنَّهُمْ رَأَوْهُ كُلُّهُمْ فَارْتَعَبُوا. لَكِنَّهُ كَلَّمَهُمْ فِي الْحَالِ وَقَالَ: ”اِطْمَئِنُّوا، أَنَا هُوَ، لَا تَخَافُوا.“ وَطَلَعَ إِلَيْهِمْ فِي الْقَارِبِ، فَسَـكَتَتِ الرِّيحُ. فَانْدَهَشُـوا جِدًّا، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا شَـيْئًا مِنْ مُعْجِزَةِ الْخُبْزِ، بَلْ كَانَتْ قُلُوبُهُمْ مُقْفَلَةً. وَلَمَّا عَبَرُوا الْبُحَيْرَةَ، وَصَلُوا إِلَى شَاطِـئِ جَنْسَـرْتَ، وَرَبَطُوا الْقَارِبَ هُنَاكَ. وَأَوَّلَ مَا نَزَلُوا مِنَ الْقَارِبِ، عَرَفَ النَّاسُ عَلَى الْفَوْرِ أَنَّهُ عِيسَـى. فَأَسْـرَعُوا فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْمِنْطَقَةِ، وَأَخَذُوا يَحْمِلُونَ إِلَيْهِ الْمَرْضَى عَلَى فِرَاشٍ إِلَى كُلِّ مَكَانٍ سَـمِعُوا أَنَّهُ فِيهِ. وَفِي كُلِّ مَكَانٍ رَاحَ إِلَيْهِ عِيسَـى، سَـوَاءٌ قُرًى أَوْ مُدُنٌ أَوْ رِيفٌ، كَانَ النَّاسُ يَضَعُونَ الْمَرْضَى فِي السَّاحَـةِ الْعَامَّةِ، وَيَطْلُبُونَ مِنْهُ أَنْ يَلْمِسُـوا وَلَوْ طَرَفَ ثَوْبِهِ. وَكُلُّ مَنْ لَمَسَـهُ شُـفِيَ. وَاجْتَمَعَ إِلَى عِيسَـى الْفَرِّيسِيُّونَ وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْقَادِمِينَ مِنَ الْقُدْسِ. فَرَأَوْا بَعْضَ تَلَامِيذِهِ يَتَنَاوَلُونَ الطَّعَامَ بِأَيْدٍ نَجِسَةٍ، أَيْ أَنَّهُمْ لَمْ يَغْسِلُوا أَيْدِيَهُمْ. لِأَنَّ الْفَرِّيسِيِّينَ وَكُلَّ الْيَهُودِ لَا يَأْكُلُونَ إِنْ لَمْ يَغْسِلُوا أَيْدِيَهُمْ مُرَاعَاةً لِلتَّقْلِيدِ الَّذِي فَرَضَهُ شُيُوخُهُمْ. وَعِنْدَمَا يَرْجِعُونَ مِنَ السُّوقِ، لَا يَأْكُلُونَ حَتَّى يَغْتَسِلُوا. كَمَا كَانُوا يُمَارِسُونَ أُمُورًا أُخْرَى كَثِيرَةً فَرَضَهَا عَلَيْهِمُ التَّقْلِيدُ، مِثْلَ غَسْلِ الْكُؤُوسِ وَالْأَوْعِيَةِ وَالْأَوَانِي النُّحَاسِيَّةِ. فَسَأَلَهُ الْفَرِّيسِيُّونَ وَالْفُقَهَاءُ: ”لِمَاذَا لَا يَعْمَلُ تَلَامِيذُكَ بِتَقْلِيدِ الشُّيُوخِ، بَلْ يَأْكُلُونَ بِأَيْدٍ نَجِسَةٍ؟“ فَأَجَابَهُمْ: ”يَا مُنَافِقُونَ! كَانَ إِشَعْيَا عَلَى حَقٍّ لَمَّا تَنَبَّأَ عَنْكُمْ بِقَوْلِ اللهِ فِي الْكِتَابِ: هَذَا الشَّعْبُ يُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ، أَمَّا قَلْبُهُ فَبَعِيدٌ عَنِّي. يَعْبُدُنِي عِبَادَةً هِيَ بِلَا قِيمَةٍ، وَالْعَقَائِدُ الَّتِي يُعَلِّمُهَا هِيَ وَصَايَا مِنْ تَأْلِيفِ النَّاسِ. أَنْتُمْ أَهْمَلْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ، وَتَمَسَّكْتُمْ بِتَقْلِيدِ النَّاسِ!“ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: ”مَا أَحْسَنَكُمْ! لَقَدْ تَرَكْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ لِكَيْ تَحْفَظُوا تَقْلِيدَكُمْ! فَإِنَّ مُوسَى قَالَ: ’أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، وَمَنْ سَبَّ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ يَجِبُ أَنْ يُقْتَلَ.‘ أَمَّا أَنْتُمْ فَتَقُولُونَ: ’إِنْ قَالَ وَاحِدٌ لِأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ: ”مَا كُنْتُ أَعُولُكَ بِهِ هُوَ قُرْبَانٌ، أَيْ أَعْطَيْتُهُ للهِ“، يُعْفَى هَذَا الشَّخْصُ مِنْ مُسَاعَدَةِ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ.‘ فَأَنْتُمْ نَقَضْتُمْ كَلَامَ اللهِ بِتَقْلِيدِكُمُ الْمُتَوَارَثِ. وَأَيْضًا تَفْعَلُونَ أَشْيَاءَ أُخْرَى كَثِيرَةً مِثْلَ هَذِهِ.“ ثُمَّ دَعَا الْجُمْهُورَ إِلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى وَقَالَ لَهُمْ: ”اِسْمَعُونِي كُلُّكُمْ وَافْهَمُوا، لَا شَيْءَ مِنْ خَارِجِ الْإِنْسَانِ إِذَا دَخَلَهُ يُمْكِنُ أَنْ يُنَجِّسَهُ، إِنَّمَا مَا يَخْرُجُ مِنَ الْإِنْسَانِ، هَذَا يُنَجِّسُ الْإِنْسَانَ. اِسْمَعُونِي يَا مَنْ لَكُمْ آذَانٌ تَسْمَعُ!“ وَلَمَّا تَرَكَ الْجُمْهُورَ وَدَخَلَ إِلَى الدَّارِ، سَأَلَهُ تَلَامِيذُهُ عَنِ الْمَثَلِ. فَقَالَ لَهُمْ: ”هَلْ أَنْتُمْ أَغْبِيَاءُ مِثْلُهُمْ؟ أَلَا تَعْرِفُونَ أَنَّ مَا يَدْخُلُ الْإِنْسَانَ مِنَ الْخَارِجِ لَا يُنَجِّسُهُ؟ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ إِلَى قَلْبِهِ، بَلْ إِلَى مَعِدَتِهِ وَمِنْهَا يَخْرُجُ إِلَى الْمِرْحَاضِ.“ بِهَذَا أَعْلَنَ عِيسَى أَنَّ كُلَّ الطَّعَامِ طَاهِرٌ. ثُمَّ أَضَافَ وَقَالَ: ”الَّذِي يُنَجِّسُ الْإِنْسَانَ هُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ. لِأَنَّهُ مِنَ الدَّاخِلِ، مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ، تَخْرُجُ الْأَفْكَارُ الشِّرِّيرَةُ: الْفِسْقُ، السَّرِقَةُ، الْقَتْلُ، الزِّنَى، الطَّمَعُ، الْخُبْثُ، الْغِشُّ، الْفُجُورُ، الْحَسَدُ، تَشْوِيهُ السُّمْعَةِ، الْكِبْرِيَاءُ، الْحَمَاقَةُ، فَكُلُّ هَذِهِ الشُّرُورِ تَأْتِي مِنَ الدَّاخِلِ وَتُنَجِّسُ الْإِنْسَانَ.“ ثُمَّ قَامَ مِنْ هُنَاكَ، وَرَاحَ إِلَى مِنْطَقَةِ صُورَ، وَدَخَلَ إِلَى دَارٍ. وَكَانَ لَا يُرِيدُ أَنْ يَعْرِفَ أَحَدٌ مَكَانَهُ، لَكِنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَخْتَفِيَ. فَسَمِعَتْ عَنْهُ امْرَأَةٌ كَانَ فِي بِنْتِهَا رُوحٌ شِرِّيرٌ. فَجَاءَتْ حَالًا وَرَمَتْ نَفْسَهَا عِنْدَ قَدَمَيْهِ، وَتَوَسَّلَتْ إِلَيْهِ أَنْ يَطْرُدَ الشَّيْطَانَ مِنْ بِنْتِهَا. لَكِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً مِنَ الْجِنْسِ السُّورِيِّ الْفِينِيقِيِّ، قَالَ لَهَا عِيسَـى: ”خَلِّ الْأَوْلَادَ يَشْبَعُونَ أَوَّلًا، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ نَأْخُذَ طَعَامَ الْأَوْلَادِ وَنَرْمِيَهُ لِلْكِلَابِ.“ فَأَجَابَتْهُ: ”نَعَمْ يَا سَيِّدِي! وَلَكِنْ حَتَّى الْكِلَابُ تَأْكُلُ تَحْتَ الْمَائِدَةِ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنَ الْأَوْلَادِ.“ فَقَالَ لَهَا: ”لِأَنَّكِ قُلْتِ هَذَا، اِذْهَبِي، قَدْ خَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ بِنْتِكِ.“ فَرَجَعَتْ إِلَى الدَّارِ، وَوَجَدَتْ بِنْتَهَا رَاقِدَةً فِي الْفِرَاشِ، وَالشَّيْطَانَ قَدْ خَرَجَ مِنْهَا فِعْلًا. ثُمَّ تَرَكَ عِيسَـى مِنْطَقَةَ صُورَ، وَمَرَّ بِمَدِينَةِ صَيْدَا، ثُمَّ بِمِنْطَقَةِ الْمُدُنِ الْعَشْرِ، وَجَاءَ إِلَى بُحَيْرَةِ الْجَلِيلِ. فَأَحْضَرُوا لَهُ رَجُلًا أَطْرَشَ وَمُنْعَقِدَ اللِّسَانِ، وَتَوَسَّلُوا إِلَيْهِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ. فَأَخَذَهُ عِيسَـى عَلَى انْفِرَادٍ، بَعِيدًا عَنِ الْجُمْهُورِ، وَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِي أُذُنَيِ الرَّجُلِ، ثُمَّ بَصَقَ وَلَمَسَ لِسَانَ الرَّجُلِ. وَنَظَرَ إِلَى فَوْقُ، إِلَى السَّمَاءِ، وَتَنَهَّدَ وَقَالَ لَهُ: ”إِفَاتَا“ أَيْ: اِنْفَتِحْ. فَحَالًا انْفَتَحَتْ أُذُنَاهُ، وَانْحَلَّتْ عُقْدَةُ لِسَانِهِ، وَأَخَذَ يَتَكَلَّمُ بِوُضُوحٍ. فَأَمَرَهُمْ عِيسَـى أَنْ لَا يَقُولُوا لِأَحَدٍ. لَكِنْ عَلَى قَدْرِ مَا أَمَرَهُمْ، كَانُوا يُذِيعُونَ خَبَرَهُ أَكْثَرَ. وَكَانُوا مُعْجَبِينَ بِهِ جِدًّا وَيَقُولُونَ: ”عَمِلَ كُلَّ شَيْءٍ حَسَنًا، جَعَلَ حَتَّى الْأَطْرَشَ يَسْمَعُ، وَالْأَخْرَسَ يَتَكَلَّمُ.“ بَعْدَ ذَلِكَ اجْتَمَعَ أَيْضًا جُمْهُورٌ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ شَيْءٌ لِيَأْكُلُوا، فَنَادَى عِيسَـى تَلَامِيذَهُ وَقَالَ لَهُمْ: ”أَنَا أَشْفِقُ عَلَى الْجُمْهُورِ لِأَنَّهُمْ مَعِي هُنَا مُنْذُ 3 أَيَّامٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ لِيَأْكُلُوا. فَإِنْ صَرَفْتُهُمْ إِلَى دِيَارِهِمْ جَائِعِينَ يُصِيبُهُمُ الْإِجْهَادُ الشَّدِيدُ فِي الطَّرِيقِ، لِأَنَّ بَعْضَهُمْ جَاءَ مِنْ بَعِيدٍ.“ فَأَجَابَهُ تَلَامِيذُهُ: ”كَيْفَ يُمْكِنُ لِأَيِّ وَاحِدٍ أَنْ يُشْبِعَ هَؤُلَاءِ بِالْخُبْزِ هُنَا فِي هَذِهِ الصَّحْرَاءِ؟“ فَسَأَلَهُمْ: ”كَمْ رَغِيفًا عِنْدَكُمْ؟“ فَقَالُوا: ”7.“ فَأَمَرَ الْجُمْهُورَ أَنْ يَجْلِسُوا عَلَى الْأَرْضِ، وَأَخَذَ الْأَرْغِفَةَ الـ7، وَشَكَرَ اللهَ وَقَسَّمَ وَأَعْطَى تَلَامِيذَهُ لِكَيْ يُوَزِّعُوا عَلَى النَّاسِ، فَوَزَّعُوهَا. وَكَانَ مَعَهُمْ أَيْضًا قَلِيلٌ مِنْ صِغَارِ السَّمَكِ، فَبَارَكَهَا عِيسَـى وَأَمَرَ تَلَامِيذَهُ أَنْ يُوَزِّعُوهَا أَيْضًا. فَأَكَلَ النَّاسُ حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ رَفَعَ التَّلَامِيذُ مَا فَضَلَ مِنَ الْكِسَرِ 7 سِلَالٍ. وَكَانَ الَّذِينَ أَكَلُوا حَوَالَيْ 4000. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ صَرَفَهُمْ عِيسَـى، وَرَكِبَ الْقَارِبَ مَعَ تَلَامِيذِهِ وَجَاءَ إِلَى مِنْطَقَةِ دَلْمَانُوتَةَ. وَجَاءَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَأَخَذُوا يُجَادِلُونَ عِيسَـى، فَطَلَبُوا مِنْهُ آيَةً مِنَ السَّمَاءِ لِيَخْتَبِرُوهُ. فَتَنَهَّدَ مِنَ الْأَعْمَاقِ وَقَالَ: ”لِمَاذَا يَطْلُبُ هَذَا الشَّعْبُ آيَةً؟ أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، لَنْ يُعْطَى هَذَا الشَّعْبُ آيَةً!“ ثُمَّ تَرَكَهُمْ وَرَجَعَ إِلَى الْقَارِبِ وَرَاحَ إِلَى الشَّاطِئِ الْآخَرِ. وَنَسِيَ التَّلَامِيذُ أَنْ يَأْخُذُوا مَعَهُمْ خُبْزًا، فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فِي الْقَارِبِ إِلَّا رَغِيفٌ وَاحِدٌ. وَأَوْصَاهُمْ عِيسَـى وَقَالَ: ”اِنْتَبِهُوا! اِحْتَرِسُوا مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ وَخَمِيرِ الْمَلِكِ هِيرُودِسَ.“ فَقَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: ”لَا خُبْزَ مَعَنَا!“ فَعَرَفَ عِيسَـى وَقَالَ لَهُمْ: ”لِمَاذَا تَقُولُونَ فِيمَا بَيْنَكُمْ إِنَّهُ لَيْسَ مَعَكُمْ خُبْزٌ؟ هَلْ لِحَدِّ الْآنَ لَا تَفْهَمُونَ وَلَا تَعْرِفُونَ؟ هَلْ قُلُوبُكُمْ مُقْفَلَةٌ؟ هَلْ لَكُمْ عُيُونٌ لَا تَرَى وَآذَانٌ لَا تَسْمَعُ؟ أَلَا تَذْكُرُونَ لَمَّا قَسَّمْتُ الْأَرْغِفَةَ الْـ5 لِلْـ5000؟ كَمْ قُفَّةً مَمْلُوءَةً بِالْكِسَرِ رَفَعْتُمْ؟“ فَقَالُوا: ”12.“ ”وَلَمَّا قَسَّمْتُ الْأَرْغِفَةَ الـ7 لِلْـ4000، كَمْ سَلَّةً مَمْلُوءَةً بِالْكِسَرِ رَفَعْتُمْ؟“ فَقَالُوا: ”7.“ فَقَالَ لَهُمْ: ”وَمَا زِلْتُمْ لَا تَفْهَمُونَ؟“ وَجَاءُوا إِلَى قَرْيَةِ بَيْتَ صَيْدَا، فَأَحْضَرُوا لَهُ رَجُلًا أَعْمَى وَتَوَسَّلُوا إِلَيْهِ أَنْ يَلْمِسَهُ. فَأَخَذَ بِيَدِ الْأَعْمَى وَقَادَهُ إِلَى خَارِجِ الْقَرْيَةِ، ثُمَّ بَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ: ”هَلْ تَرَى أَيَّ شَيْءٍ؟“ فَنَظَرَ وَقَالَ: ”أَرَى النَّاسَ مِثْلَ أَشْجَارٍ تَمْشِي!“ فَوَضَعَ عِيسَـى يَدَيْهِ عَلَى عَيْنَيِ الرَّجُلِ مَرَّةً أُخْرَى. فَلَمَّا فَتَحَ الرَّجُلُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ، أَصْبَحَ صَحِيحًا يَرَى كُلَّ شَيْءٍ بِوُضُوحٍ. فَأَرْسَلَهُ إِلَى دَارِهِ وَقَالَ لَهُ: ”لَا تَذْهَبْ إِلَى الْقَرْيَةِ.“ وَذَهَبَ عِيسَـى وَتَلَامِيذُهُ إِلَى قُرَى قَيْصَرِيَّةِ فِيلِيبَ، وَفِي الطَّرِيقِ سَأَلَ تَلَامِيذَهُ: ”فِي رَأْيِ النَّاسِ، مَنْ أَنَا؟“ فَقَالُوا: ”الْبَعْضُ يَقُولُ إِنَّكَ يَحْـيَى الْمُغَطِّسُ. وَالْبَعْضُ إِنَّكَ إِلْيَاسُ، وَالْبَعْضُ الْآخَرُ يَقُولُ إِنَّكَ وَاحِدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ.“ فَسَأَلَهُمْ: ”وَفِي رَأْيِكُمْ أَنْتُمْ، مَنْ أَنَا؟“ فَأَجَابَهُ بُطْرُسُ: ”أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ.“ فَحَذَّرَهُمْ مِنْ أَنْ يَقُولُوا لِأَحَدٍ عَنْهُ. وَبَدَأَ يُعَلِّمُهُمْ أَنَّ الَّذِي صَارَ بَشَرًا يَجِبُ أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيرًا، وَيَرْفُضَهُ الشُّيُوخُ وَرُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَالْفُقَهَاءُ وَيُقْتَلَ، ثُمَّ بَعْدَ 3 أَيَّامٍ يَقُومَ حَيًّا. وَتَحَدَّثَ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ بِكُلِّ صَرَاحَةٍ، فَأَخَذَهُ بُطْرُسُ عَلَى جَانِبٍ وَبَدَأَ يُعَاتِبُهُ. لَكِنَّهُ الْتَفَتَ وَرَأَى تَلَامِيذَهُ، وَوَبَّخَ بُطْرُسَ وَقَالَ: ”اُبْعُدْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ! أَنْتَ تُفَكِّرُ كَالْبَشَرِ وَلَيْسَ كَمَا يُفَكِّرُ اللهُ.“ ثُمَّ دَعَا الْجُمْهُورَ مَعَ تَلَامِيذِهِ وَقَالَ لَهُمْ: ”مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَنِي، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَخَلَّى عَنْ ذَاتِهِ، وَيَحْمِلَ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعَنِي. لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُنْقِذَ حَيَاتَهُ يَفْقِدُهَا. أَمَّا مَنْ فَقَدَ حَيَاتَهُ فِي سَبِيلِي وَفِي سَبِيلِ رِسَالَةِ الْإِنْجِيلِ فَإِنَّهُ يُنْقِذُهَا. لِأَنَّهُ مَاذَا يَسْتَفِيدُ الْإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ، لَكِنَّهُ ضَيَّعَ نَفْسَهُ؟ وَمَاذَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَدِّمَ الْإِنْسَانُ فِدْيَةً عَنْ نَفْسِهِ؟ كُلُّ مَنْ يَخْجَلُ مِنِّي وَمِنْ كَلَامِي أَمَامَ هَذَا الشَّعْبِ الْفَاسِقِ الشِّرِّيرِ، يَخْجَلُ مِنْهُ الَّذِي صَارَ بَشَرًا حِينَ يَجِيءُ فِي جَلَالِ أَبِيهِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ الْأَطْهَارِ.“ وَقَالَ لَهُمْ: ”أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، بَعْضُ الْمَوْجُودِينَ هُنَا لَنْ يَمُوتُوا حَتَّى يَرَوْا مَمْلَكَةَ اللهِ تَظْهَرُ بِقُوَّةٍ.“ وَبَعْدَ 6 أَيَّامٍ أَخَذَ عِيسَـى بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ فَكَانُوا هُنَاكَ وَحْدَهُمْ. وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ تَلْمَعُ جِدًّا، لَا يَقْدِرُ صَبَّاغٌ فِي الدُّنْيَا أَنْ يُبَيِّضَ مِثْلَهَا. وَظَهَرَ لَهُمْ إِلْيَاسُ وَمُوسَى، وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ مَعَ عِيسَـى. فَقَالَ بُطْرُسُ لِعِيسَـى: ”يَا سَيِّدُ، مَا أَحْلَى أَنَّنَا مَعًا هُنَا! إِذَنْ نَعْمَلُ 3 خِيَامٍ، وَاحِدَةً لَكَ، وَوَاحِدَةً لِمُوسَى، وَوَاحِدَةً لِإِلْيَاسَ.“ وَكَانَ لَا يَعْلَمُ مَاذَا يَقُولُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا خَائِفِينَ جِدًّا. فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ وَغَطَّتْهُمْ، وَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ يَقُولُ: ”هَذَا هُوَ ابْنِيَ الْحَبِيبُ، اِسْمَعُوا لَهُ.“ فَلَمَّا تَلَفَّتُوا حَوْلَهُمْ، فَجْأَةً لَمْ يَرَوْا أَحَدًا مَعَهُمْ إِلَّا عِيسَـى وَحْدَهُ! وَلَمَّا كَانُوا نَازِلِينَ مِنَ الْجَبَلِ، أَوْصَاهُمْ أَنْ لَا يُخْبِرُوا أَحَدًا بِمَا رَأَوْا إِلَّا بَعْدَمَا يَقُومُ هُوَ مِنَ الْمَوْتِ. فَعَمِلُوا بِوَصِيَّتِهِ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَاحَثُونَ مَعًا فِي مَعْنَى ”يَقُومُ مِنَ الْمَوْتِ.“ فَسَأَلُوهُ: ”لِمَاذَا يَقُولُ الْفُقَهَاءُ إِنَّ إِلْيَاسَ يَجِبُ أَنْ يَأْتِيَ أَوَّلًا؟“ فَقَالَ لَهُمْ: ”صَحِيحٌ، إِلْيَاسُ يَأْتِي أَوَّلًا وَيُصْلِحُ كُلَّ الْأُمُورِ. لَكِنْ لِمَاذَا يَقُولُ كِتَابُ اللهِ عَنِ الَّذِي صَارَ بَشَرًا إِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيرًا وَيُهَانَ؟ فَأَقُولُ لَكُمْ إِنَّ إِلْيَاسَ جَاءَ فِعْلًا، وَفَعَلُوا بِهِ مَا شَاءُوا، كَمَا قَالَ عَنْهُ الْكِتَابُ.“ فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى بَاقِي التَّلَامِيذِ، رَأَوْا جُمْهُورًا غَفِيرًا حَوْلَهُمْ، وَبَعْضَ الْفُقَهَاءِ يُجَادِلُونَهُمْ. فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ عِيسَـى، اِنْدَهَشُوا كُلُّهُمْ وَجَرَوْا لِيُسَلِّمُوا عَلَيْهِ. فَسَأَلَ: ”مَا هَذَا الْجِدَالُ؟“ فَأَجَابَهُ وَاحِدٌ مِنَ الْجُمْهُورِ: ”يَا مُعَلِّمُ، أَحْضَرْتُ ابْنِي لَكَ، وَفِيهِ رُوحٌ جَعَلَهُ أَخْرَسَ. وَعِنْدَمَا يَجِيءُ عَلَيْهِ، يَرْمِيهِ عَلَى الْأَرْضِ، فَيُرْغِي بِفَمِهِ وَيَصِرُّ بِأَسْنَانِهِ وَيَنْشَفُ. فَطَلَبْتُ مِنْ تَلَامِيذِكَ أَنْ يَطْرُدُوهُ، فَلَمْ يَقْدِرُوا.“ فَقَالَ لَهُمْ عِيسَـى: ”يَا شَعْبٌ غَيْرُ مُؤْمِنٍ! إِلَى مَتَى أَبْقَى مَعَكُمْ؟ إِلَى مَتَى أَحْتَمِلُكُمْ؟ هَاتُوا لِيَ الْوَلَدَ.“ فَأَحْضَرُوهُ لَهُ. فَلَمَّا رَآهُ الرُّوحُ، جَعَلَ الْوَلَدَ يَتَلَوَّى، فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ، وَكَانَ يَتَمَرَّغُ وَيُرْغِي بِفَمِهِ. فَسَأَلَ عِيسَـى وَالِدَ الصَّبِيِّ: ”مَتَى بَدَأَ هَذَا يُصِيبُهُ؟“ فَأَجَابَ: ”مُنْذُ كَانَ طِفْلًا، وَكَثِيرًا مَا رَمَاهُ فِي النَّارِ وَفِي الْمَاءِ لِيُهْلِكَهُ. لَكِنْ إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَفْعَلَ أَيَّ شَيْءٍ، فَأَشْفِقْ عَلَيْنَا وَسَاعِدْنَا.“ أَجَابَهُ عِيسَـى: ”إِنْ كُنْتُ أَسْتَطِيعُ! نَعَمْ، فَكُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لِمَنْ يُؤْمِنُ.“ فَصَرَخَ أَبُو الْوَلَدِ فِي الْحَالِ وَقَالَ: ”آمَنْتُ، فَسَاعِدْنِي لِأَتَغَلَّبَ عَلَى عَدَمِ إِيمَانِي.“ وَلَمَّا رَأَى عِيسَـى أَنَّ الْجُمْهُورَ يَجْرِي نَحْوَهُ، وَبَّخَ الرُّوحَ الشِّرِّيرَ وَقَالَ: ”أَيُّهَا الرُّوحُ الْأَخْرَسُ وَالْأَطْرَشُ: إِنِّي آمُرُكَ، اُخْرُجْ مِنْهُ وَلَا تَدْخُلْ فِيهِ مَرَّةً أُخْرَى.“ فَصَرَخَ الرُّوحُ، وَجَعَلَ الْوَلَدَ يَتَلَوَّى بِعُنْفٍ، وَخَرَجَ مِنْهُ. فَصَارَ كَالْمَيِّتِ حَتَّى قَالَ كَثِيرُونَ إِنَّهُ فِعْلًا مَاتَ. لَكِنَّ عِيسَـى أَمْسَكَ بِيَدِهِ وَأَقَامَهُ فَوَقَفَ. وَلَمَّا دَخَلَ الدَّارَ، سَأَلَهُ تَلَامِيذُهُ عَلَى انْفِرَادٍ: ”لِمَاذَا لَمْ نَقْدِرْ نَحْنُ أَنْ نَطْرُدَهُ؟“ فَقَالَ لَهُمْ: ”هَذَا النَّوْعُ لَا يَخْرُجُ إِلَّا بِالصَّلَاةِ.“ وَخَرَجُوا مِنْ هُنَاكَ، وَمَرُّوا فِي مِنْطَقَةِ الْجَلِيلِ، وَكَانَ لَا يُرِيدُ أَنْ يَعْلَمَ بِهِ أَحَدٌ. لِأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُ تَلَامِيذَهُ وَيَقُولُ لَهُمْ: ”الَّذِي صَارَ بَشَرًا سَيُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ فَيَقْتُلُونَهُ، وَبَعْدَ أَنْ يُقْتَلَ يَقُومُ حَيًّا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ.“ لَكِنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا هَذَا الْكَلَامَ، وَخَافُوا أَنْ يَسْأَلُوهُ. ثُمَّ جَاءُوا إِلَى كَفْرَنَاحُومَ. وَفِي الدَّارِ سَأَلَ تَلَامِيذَهُ: ”لِمَاذَا كُنْتُمْ تُجَادِلُونَ مَعًا فِي الطَّرِيقِ؟“ فَسَكَتُوا، لِأَنَّهُمْ فِي الطَّرِيقِ كَانُوا يُجَادِلُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِشَأْنِ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ وَاحِدٍ فِيهِمْ. فَجَلَسَ وَنَادَى الِـ12 وَقَالَ لَهُمْ: ”مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلَ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ آخِرَ الْكُلِّ وَخَادِمَ الْكُلِّ.“ وَأَخَذَ طِفْلًا وَأَوْقَفَهُ فِي وَسْطِهِمْ، ثُمَّ حَضَنَهُ وَقَالَ لَهُمْ: ”مَنْ يَقْبَلُ طِفْلًا مِثْلَ هَذَا إِكْرَامًا لِاسْمِي يَقْبَلُنِي، وَمَنْ يَقْبَلُنِي فَهُوَ لَا يَقْبَلُنِي أَنَا بَلِ الَّذِي أَرْسَلَنِي.“ وَقَالَ لَهُ يُوحَنَّا: ”يَا مُعَلِّمُ، رَأَيْنَا وَاحِدًا يَطْرُدُ الشَّيَاطِينَ بِقُوَّةِ اسْمِكَ، فَحَاوَلْنَا أَنْ نَمْنَعَهُ لِأَنَّهُ لَا يَتْبَعُنَا.“ فَقَالَ عِيسَـى: ”لَا تَمْنَعُوهُ! لِأَنَّهُ لَا أَحَدَ يَعْمَلُ مُعْجِزَةً بِقُوَّةِ اسْمِي، ثُمَّ حَالًا بَعْدَهَا يَتَكَلَّمُ عَلَيَّ بِالسُّوءِ. مَنْ لَيْسَ عَلَيْنَا فَهُوَ مَعَنَا. وَأَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، مَنْ يَسْقِيكُمْ كَأْسَ مَاءٍ إِكْرَامًا لِاسْمِي لِأَنَّكُمْ أَتْبَاعُ الْمَسِيحِ، لَنْ يَضِيعَ أَجْرُهُ أَبَدًا. ”مَنْ يَتَسَبَّبُ فِي أَنْ يُخْطِئَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ الصِّغَارِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِي، فَخَيْرٌ لَهُ أَنْ يُرْبَطَ حَجَرُ طَاحُونَةٍ ثَقِيلٌ حَوْلَ رَقَبَتِهِ، وَيُرْمَى فِي الْبَحْرِ. فَإِنْ كَانَتْ يَدُكَ تُسَبِّبُ لَكَ أَنْ تُخْطِئَ اقْطَعْهَا، فَأَحْسَنُ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ إِلَى الْحَيَاةِ وَلَكَ يَدٌ وَاحِدَةٌ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ يَدَانِ وَتَذْهَبَ إِلَى الْجَحِيمِ، إِلَى النَّارِ الَّتِي لَا تَنْطَفِئُ. حَيْثُ دُودُهُمْ لَا يَمُوتُ وَالنَّارُ لَا تَنْطَفِئُ. وَإِنْ كَانَتْ قَدَمُكَ تُسَبِّبُ لَكَ أَنْ تُخْطِئَ اقْطَعْهَا، فَأَحْسَنُ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ إِلَى الْحَيَاةِ وَلَكَ قَدَمٌ وَاحِدَةٌ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ قَدَمَانِ وَتُرْمَى فِي الْجَحِيمِ. حَيْثُ دُودُهُمْ لَا يَمُوتُ وَالنَّارُ لَا تَنْطَفِئُ. وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ تُسَبِّبُ لَكَ أَنْ تُخْطِئَ اقْلَعْهَا، فَأَحْسَنُ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ إِلَى مَمْلَكَةِ اللهِ وَلَكَ عَيْنٌ وَاحِدَةٌ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ عَيْنَانِ وَتُرْمَى فِي الْجَحِيمِ، حَيْثُ دُودُهُمْ لَا يَمُوتُ وَالنَّارُ لَا تَنْطَفِئُ. كُلُّ وَاحِدٍ يُمَلَّحُ بِالنَّارِ. ”الْمِلْحُ شَيْءٌ جَيِّدٌ، لَكِنْ إِذَا فَقَدَ مُلُوحَتَهُ، لَا يُمْكِنُ أَنْ نَرُدَّ لَهُ طَعْمَهُ! لِيَكُنْ فِيكُمْ مِلْحٌ، وَكُونُوا مُسَالِمِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ.“ وَقَامَ مِنْ هُنَاكَ وَذَهَبَ إِلَى مِنْطَقَةِ يَهُوذَا ثُمَّ إِلَى الضَّفَّةِ الْأُخْرَى مِنَ الْأُرْدُنِّ. فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ جُمْهُورٌ مِنَ النَّاسِ مَرَّةً أُخْرَى، فَأَخَذَ يُعَلِّمُهُمْ حَسَبَ عَادَتِهِ. وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْفَرِّيسِيِّينَ بِسُؤَالٍ لِيَخْتَبِرُوهُ، فَقَالُوا: ”هَلْ حَلَالٌ أَنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ؟“ فَأَجَابَ: ”بِمَاذَا أَوْصَاكُمْ مُوسَى؟“ قَالُوا: ”مُوسَى سَمَحَ بِأَنْ نَكْتُبَ شَهَادَةَ طَلَاقٍ وَنُطَلِّقَهَا.“ قَالَ عِيسَـى لَهُمْ: ”بِسَبَبِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ كَتَبَ مُوسَى لَكُمْ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ. لَكِنْ مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ، خَلَقَهُمَا اللهُ ذَكَرًا وَأُنْثَى. لِهَذَا السَّبَبِ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَقْتَرِنُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَصِيرُ الِاثْنَانِ وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ هُمَا وَاحِدٌ لَا اثْنَانِ. وَمَا جَمَعَهُ اللهُ لَا يُفَرِّقْهُ الْإِنْسَانُ.“ وَفِي الدَّارِ، سَأَلَهُ التَّلَامِيذُ عَنْ هَذَا أَيْضًا. فَقَالَ لَهُمْ: ”مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى، يَزْنِي عَلَيْهَا. وَإِنْ طَلَّقَتِ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ، فَهِيَ تَزْنِي.“ وَأَحْضَرَ إِلَيْهِ النَّاسُ بَعْضَ الْأَطْفَالِ لِكَيْ يَلْمِسَهُمْ، لَكِنَّ التَّلَامِيذَ وَبَّخُوا الَّذِينَ أَحْضَرُوهُمْ. فَلَمَّا رَأَى عِيسَـى هَذَا غَضِبَ وَقَالَ لَهُمْ: ”خَلُّوا الْأَطْفَالَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلَا تَمْنَعُوهُمْ، لِأَنَّ اللهَ يُدْخِلُ إِلَى مَمْلَكَتِهِ مَنْ هُمْ مِثْلُهُمْ. وَأَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، مَنْ لَا يَقْبَلُ مَمْلَكَةَ اللهِ كَطِفْلٍ لَنْ يَدْخُلَهَا.“ ثُمَّ حَضَنَهُمْ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ وَبَارَكَهُمْ. وَبَيْنَمَا هُوَ خَارِجٌ إِلَى الطَّرِيقِ، جَرَى إِلَيْهِ رَجُلٌ وَسَجَدَ لَهُ وَسَأَلَهُ: ”أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ! مَاذَا أَعْمَلُ لِكَيْ يَكُونَ لِي نَصِيبٌ فِي حَيَاةِ الْخُلُودِ؟“ فَقَالَ لَهُ عِيسَـى: ”لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لَا صَالِحَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ. أَنْتَ تَعْرِفُ الْوَصَايَا: لَا تَقْتُلْ، لَا تَزْنِ، لَا تَسْرِقْ، لَا تَشْهَدْ بِالزُّورِ، لَا تَغُشَّ، أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ.“ قَالَ لَهُ الرَّجُلُ: ”يَا مُعَلِّمُ، مُنْذُ الصِّغَرِ وَأَنَا أَعْمَلُ بِكُلِّ هَذِهِ الْوَصَايَا.“ فَنَظَرَ إِلَيْهِ عِيسَـى بِمَحَبَّةٍ وَقَالَ لَهُ: ”يَنْقُصُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ: اِذْهَبْ وَبِعْ كُلَّ مَا عِنْدَكَ، وَوَزِّعْ ثَمَنَهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ تَعَالَ اتْبَعْنِي.“ فَحَزِنَ الرَّجُلُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ وَذَهَبَ مَغْمُومًا، لِأَنَّهُ كَانَ غَنِيًّا جِدًّا. فَتَلَفَّتَ عِيسَـى حَوْلَهُ وَقَالَ لِتَلَامِيذِهِ: ”مَا أَصْعَبَ دُخُولَ الْأَغْنِيَاءِ إِلَى مَمْلَكَةِ اللهِ!“ فَانْدَهَشَ التَّلَامِيذُ مِنْ كَلَامِهِ. فَقَالَ عِيسَـى لَهُمْ مَرَّةً أُخْرَى: ”يَا أَوْلَادِي مَا أَصَعَبَ الدُّخُولَ إِلَى مَمْلَكَةِ اللهِ! مُرُورُ جَمَلٍ مِنْ ثُقْبِ إِبْرَةٍ أَسْهَلُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَمْلَكَةِ اللهِ!“ فَانْدَهَشُوا أَكْثَرَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ”إِذَنْ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَنْجُوَ؟“ فَنَظَرَ عِيسَـى إِلَيْهِمْ وَقَالَ: ”النَّاسُ لَا يَقْدِرُونَ، لَكِنَّ اللهَ يَقْدِرُ، لِأَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.“ فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: ”نَحْنُ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ.“ فَقَالَ عِيسَـى: ”أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: كُلُّ مَنْ تَرَكَ دَارًا أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أُمًّا أَوْ أَبًا أَوْ أَوْلَادًا أَوْ حُقُولًا فِي سَبِيلِي وَفِي سَبِيلِ الْإِنْجِيلِ، يَنَالُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، حَتَّى مَعَ الِاضْطِهَادَاتِ، 100 ضِعْفٍ مِنَ الدِّيَارِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْأَوْلَادِ وَالْحُقُولِ، وَفِي الْآخِرَةِ يَنَالُ حَيَاةَ الْخُلُودِ. وَكَثِيرُونَ هُمْ فِي الْأَوَّلِ هُنَا يَصِيرُونَ فِي الْآخِرِ هُنَاكَ، وَمَنْ هُمْ فِي الْآخِرِ هُنَا يَصِيرُونَ فِي الْأَوَّلِ هُنَاكَ.“ وَكَانُوا فِي الطَّرِيقِ صَاعِدِينَ إِلَى مَدِينَةِ الْقُدْسِ وَعِيسَى يَسِيرُ قُدَّامَهُمْ. فَكَانَ التَّلَامِيذُ مُتَحَيِّرِينَ، وَالنَّاسُ الَّذِينَ تَبِعُوهُ كَانُوا خَائِفِينَ. فَأَخَذَ عِيسَى الِـ12 مَرَّةً أُخْرَى عَلَى انْفِرَادٍ وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا سَيَحْدُثُ لَهُ. فَقَالَ: ”اِنْتَبِهُوا! نَحْنُ فِي الطَّرِيقِ إِلَى الْقُدْسِ، وَالَّذِي صَارَ بَشَرًا سَيُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ الْأَحْبَارِ وَالْفُقَهَاءِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ ثُمَّ يُسَلِّمُونَهُ إِلَى الْأَجَانِبِ، فَيَهْزَأُونَ بِهِ، وَيَبْصُقُونَ عَلَيْهِ، وَيَجْلِدُونَهُ، وَيَقْتُلُونَهُ. وَلَكِنَّهُ يَقُومُ حَيًّا بَعْدَ 3 أَيَّامٍ.“ وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا ابْنَا زَبَدِي وَقَالَا لَهُ: ”يَا مُعَلِّمُ، نُرِيدُ أَنْ تَعْمَلَ لَنَا كُلَّ مَا نَطْلُبُهُ مِنْكَ.“ فَقَالَ لَهُمَا: ”مَاذَا تُرِيدَانِ أَنْ أَعْمَلَ لَكُمَا؟“ فَأَجَابَاهُ: ”أَعْطِنَا أَنْ نَجْلِسَ، وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِكَ فِي جَلَالِكَ.“ فَقَالَ لَهُمَا عِيسَـى: ”أَنْتُمَا لَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ! هَلْ تَقْدِرَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأْسَ الَّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا، أَوْ تَنْزِلَا إِلَى أَعْمَاقِ الْأَلَمِ الَّذِي سَأُقَاسِيهِ أَنَا؟“ فَقَالَا لَهُ: ”نَعَمْ، نَقْدِرُ.“ فَقَالَ لَهُمَا عِيسَـى: ”تَشْرَبَانِ كَأْسِي وَتُقَاسِيَانِ آلَامِي، أَمَّا الْجُلُوسُ عَنْ يَمِينِي أَوْ شِمَالِي، فَلَيْسَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ، إِنَّهُ لِمَنْ أُعِدَّ لَهُمْ.“ فَلَمَّا سَمِعَ الْـ10 هَذَا، اِسْتَاءُوا مِنْ يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا. فَنَادَاهُمْ عِيسَـى إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُمْ: ”أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يَعْتَبِرُونَ أَنْفُسَهُمْ حُكَّامًا عَلَى الشُّعُوبِ يَتَسَيَّدُونَ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّ عُظَمَاءَهُمْ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ. فَلَا يَكُنْ هَذَا بَيْنَكُمْ، بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ عَظِيمًا بَيْنَكُمْ، فَلْيَكُنْ خَادِمًا لَكُمْ. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلَ بَيْنَكُمْ، فَلْيَكُنْ عَبْدًا لِلْجَمِيعِ. لِأَنَّ الَّذِي صَارَ بَشَرًا جَاءَ لَا لِيَخْدِمَهُ النَّاسُ، بَلْ لِيَخْدِمَهُمْ وَيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنِ الْكَثِيرِينَ.“ وَجَاءُوا إِلَى أَرِيحَا. وَبَيْنَمَا هُوَ خَارِجٌ مِنْ هُنَاكَ وَمَعَهُ تَلَامِيذُهُ وَجُمْهُورٌ غَفِيرٌ مِنَ النَّاسِ، كَانَ الشَّحَّاذُ الْأَعْمَى بَارْطِمَاوِي أَيِ ابْنُ طِمَاوِي جَالِسًا عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ. فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ عِيسَـى النَّاصِرِيُّ، أَخَذَ يَصْرُخُ: ”يَا عِيسَـى يَا ابْنَ دَاوُدَ ارْحَمْنِي!“ فَوَبَّخَهُ الْكَثِيرُونَ وَقَالُوا لَهُ: ”اُسْكُتْ.“ لَكِنَّهُ صَرَخَ أَكْثَرَ: ”يَا ابْنَ دَاوُدَ ارْحَمْنِي!“ فَتَوَقَّفَ عِيسَـى وَقَالَ: ”نَادُوهُ.“ فَنَادَوْا الْأَعْمَى وَقَالُوا لَهُ: ”أَبْشِرْ! قُمْ، فَهُوَ يُنَادِيكَ.“ فَرَمَى ثَوْبَهُ، وَقَفَزَ وَجَاءَ إِلَى عِيسَـى. فَسَأَلَهُ عِيسَـى: ”مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ لَكَ؟“ فَقَالَ الْأَعْمَى: ”يَا سَيِّدِي، أُرِيدُ أَنْ أُبْصِرَ.“ فَقَالَ لَهُ عِيسَـى: ”اِذْهَبْ، إِيمَانُكَ شَفَاكَ!“ وَفِي الْحَالِ بَدَأَ يَرَى، وَتَبِعَ عِيسَـى فِي الطَّرِيقِ. وَلَمَّا اقْتَرَبُوا مِنْ مَدِينَةِ الْقُدْسِ، وَوَصَلُوا إِلَى بَيْتَ فَجَّ وَبَيْتَ عَنْيَا عِنْدَ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، أَرْسَلَ عِيسَـى اثْنَيْنِ مِنْ تَلَامِيذِهِ، وَقَالَ لَهُمَا: ”اِذْهَبَا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أَمَامَكُمَا، وَأَوَّلَ مَا تَدْخُلَانِهَا، تَجِدَانِ جَحْشًا مَرْبُوطًا لَمْ يَرْكَبْهُ أَحَدٌ أَبَدًا، حِلَّاهُ وَأَحْضِرَاهُ إِلَى هُنَا. وَأَيُّ وَاحِدٍ يَقُولُ لَكُمَا: ’لِمَاذَا تَفْعَلَانِ هَذَا؟‘ قُولَا لَهُ: ’السَّيِّدُ مُحْتَاجٌ لَهُ، وَسَيُرْجِعُهُ إِلَى هُنَا عَلَى الْفَوْرِ.‘“ فَذَهَبَ التِّلْمِيذَانِ، وَوَجَدَا الْجَحْشَ مَرْبُوطًا عِنْدَ أَحَدِ الْأَبْوَابِ فِي الْخَارِجِ عَلَى الطَّرِيقِ فَحَلَّاهُ. فَقَالَ لَهُمَا بَعْضُ الْوَاقِفِينَ هُنَاكَ: ”مَاذَا تَفْعَلَانِ، تَحِلَّانِ الْجَحْشَ؟“ فَقَالَا لَهُمْ كَمَا أَوْصَى عِيسَـى، فَتَرَكُوهُمَا. فَأَحْضَرَا الْجَحْشَ إِلَى عِيسَـى، وَطَرَحَا ثِيَابَهُمَا عَلَيْهِ، فَرَكِبَ عَلَيْهِ. وَفَرَشَ كَثِيرُونَ ثِيَابَهُمْ فِي الطَّرِيقِ، وَآخَرُونَ فَرَشُوا أَغْصَانًا قَطَعُوهَا مِنَ الْحُقُولِ. وَكَانَ الَّذِينَ أَمَامَهُ وَالَّذِينَ وَرَاءَهُ يَهْتِفُونَ: ”الْجَلَالُ! تَبَارَكَ الْآتِي بِاسْمِ اللهِ. تَبَارَكَتْ مَمْلَكَةُ أَبِينَا دَاوُدَ الَّتِي نَنْتَظِرُهَا. الْجَلَالُ فِي الْأَعَالِي!“ وَدَخَلَ عِيسَـى الْقُدْسَ، وَجَاءَ إِلَى بَيْتِ اللهِ، وَنَظَرَ حَوْلَهُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَكَانَ الْوَقْتُ قَدْ تَأَخَّرَ، فَخَرَجَ مَعَ الِـ12 إِلَى بَيْتَ عَنْيَا. وَفِي الْغَدِ، لَمَّا خَرَجُوا مِنْ بَيْتَ عَنْيَا، أَحَسَّ بِالْجُوعِ. فَرَأَى مِنْ بَعِيدٍ شَجَرَةَ تِينٍ عَلَيْهَا وَرَقٌ، فَذَهَبَ إِلَيْهَا لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهَا بَعْضَ التِّينِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهَا لَمْ يَجِدْ فِيهَا إِلَّا الْوَرَقَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْسِمُ التِّينِ. فَقَالَ لَهَا: ”لَنْ يَأْكُلَ أَحَدٌ ثَمَرًا مِنْكِ أَبَدًا.“ وَسَمِعَ تَلَامِيذُهُ هَذَا الْكَلَامَ. ثُمَّ وَصَلُوا إِلَى الْقُدْسِ، وَذَهَبَ عِيسَـى إِلَى بَيْتِ اللهِ، وَأَخَذَ يَطْرُدُ الَّذِينَ يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ هُنَاكَ. وَقَلَبَ مَنَاضِدَ الصَّيَارِفِ وَمَقَاعِدَ تُجَّارِ الْحَمَامِ، وَلَمْ يَسْمَحْ لِأَحَدٍ بِأَنْ يَمُرَّ فِي سَاحَةِ الْبَيْتِ وَهُوَ يَحْمِلُ مَتَاعًا. وَعَلَّمَهُمْ وَقَالَ: ”يَقُولُ كِتَابُ اللهِ: ’بَيْتِي يُدْعَى بَيْتَ الصَّلَاةِ لِكُلِّ الشُّعُوبِ‘، لَكِنْ أَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ.“ وَسَمِعَ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَالْفُقَهَاءُ، فَأَخَذُوا يَبْحَثُونَ عَنْ طَرِيقَةٍ لِيَقْتُلُوهُ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا خَائِفِينَ مِنْهُ لِأَنَّ الشَّعْبَ كُلَّهُ كَانَ مُعْجَبًا جِدًّا بِتَعْلِيمِهِ. وَلَمَّا أَقْبَلَ الْمَسَاءُ، خَرَجَ عِيسَـى وَتَلَامِيذُهُ مِنَ الْمَدِينَةِ. وَلَمَّا كَانُوا رَاجِعِينَ فِي الصُّبْحِ، رَأَوْا أَنَّ شَجَرَةَ التِّينِ ذَبُلَتْ مِنَ الْجُذُورِ. فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ: ”يَا سَيِّدِي انْظُرْ! شَجَرَةُ التِّينِ الَّتِي أَنْتَ لَعَنْتَهَا ذَبُلَتْ.“ أَجَابَهُمْ عِيسَى: ”آمِنُوا بِاللهِ. أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، أَيُّ وَاحِدٍ يَقُولُ لِهَذَا الْجَبَلِ: ’اِنْتَقِلْ مِنْ هُنَا وَانْطَرِحْ فِي الْبَحْرِ‘، وَلَا يَشُكُّ فِي قَلْبِهِ، بَلْ يُؤْمِنُ أَنَّ مَا يَقُولُهُ يَتِمُّ، فَهُوَ فِعْلًا يَتِمُّ لَهُ. لِذَلِكَ أَقُولُ لَكُمْ، كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ فِي الصَّلَاةِ، آمِنُوا أَنَّكُمْ حَصَلْتُمْ عَلَيْهِ فِعْلًا، فَيُعْطَى لَكُمْ. وَمَتَى قُمْتُمْ لِلصَّلَاةِ، فَسَامِحُوا مَنْ أَخْطَأَ فِي حَقِّكُمْ، لِكَيْ يَغْفِرَ لَكُمْ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ أَخْطَاءَكُمْ أَيْضًا. وَإِنْ لَمْ تُسَامِحُوا، لَا يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ أَخْطَاءَكُمْ.“ وَرَجَعُوا إِلَى الْقُدْسِ مَرَّةً أُخْرَى. وَبَيْنَمَا كَانَ عِيسَـى يَتَمَشَّى فِي سَاحَةِ بَيْتِ اللهِ، جَاءَ إِلَيْهِ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَالْفُقَهَاءُ وَالشُّيُوخُ، وَقَالُوا لَهُ: ”بِأَيِّ سُلْطَةٍ تَعْمَلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ؟ وَمَنْ أَعْطَاكَ السُّلْطَةَ لِتَعْمَلَهَا؟“ فَقَالَ لَهُمْ: ”وَأَنَا أَسْأَلُكُمْ سُؤَالًا، أَجِيبُونِي عَنْهُ فَأَقُولَ لَكُمْ بِأَيِّ سُلْطَةٍ أَعْمَلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ: مَنْ أَعْطَى يَحْـيَى السُّلْطَةَ لِيُغَطِّسَ؟ هَلِ اللهُ أَمِ النَّاسُ؟ أَجِيبُونِي.“ فَتَشَاوَرُوا وَقَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: ”إِنْ قُلْنَا: ’اللهُ‘، يَقُولُ لَنَا: ’إِذَنْ لِمَاذَا لَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ؟‘ فَهَلْ نَقُولُ: ’النَّاسُ‘؟“ وَلَكِنَّهُمْ خَافُوا مِنَ الشَّعْبِ، لِأَنَّ الْجَمِيعَ كَانُوا يَعْتَبِرُونَ أَنَّ يَحْـيَى نَبِيٌّ بِالْحَقِّ. فَأَجَابُوا وَقَالُوا لِعِيسَـى: ”لَا نَعْرِفُ.“ فَقَالَ لَهُمْ عِيسَـى: ”وَأَنَا لَا أَقُولُ لَكُمْ بِأَيِّ سُلْطَةٍ أَعْمَلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ.“ وَأَخَذَ يُكَلِّمُهُمْ بِأَمْثَالٍ فَقَالَ: ”غَرَسَ رَجُلٌ بُسْتَانًا، وَبَنَى حَوْلَهُ سُورًا، وَحَفَرَ فِيهِ مَعْصَرَةً، وَبَنَى فِيهِ بُرْجَ حِرَاسَةٍ، ثُمَّ أَجَّرَهُ إِلَى فَلَّاحِينَ وَسَافَرَ إِلَى الْخَارِجِ. وَفِي الْمَوْسِمِ، أَرْسَلَ عَبْدًا إِلَى الْفَلَّاحِينَ لِيَسْتَلِمَ مِنْهُمْ نَصِيبَهُ مِنْ ثَمَرِ الْبُسْتَانِ. فَأَمْسَكُوهُ وَضَرَبُوهُ وَأَرْجَعُوهُ فَارِغَ الْيَدَيْنِ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ عَبْدًا آخَرَ، فَضَرَبُوهُ عَلَى رَأْسِهِ وَجَرَحُوهُ وَأَهَانُوهُ. فَأَرْسَلَ آخَرَ، وَهَذَا قَتَلُوهُ. ثُمَّ أَرْسَلَ كَثِيرِينَ غَيْرَهُمْ، فَضَرَبُوا الْبَعْضَ وَقَتَلُوا الْبَعْضَ. فَمَا بَقِيَ لِلرَّجُلِ غَيْرُ ابْنِهِ الْحَبِيبِ، فَأَرْسَلَهُ إِلَيْهِمْ أَخِيرًا لِأَنَّهُ قَالَ: ’إِنَّهُمْ سَيَحْتَرِمُونَ ابْنِي.‘ لَكِنَّ أُولَئِكَ الْفَلَّاحِينَ قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: ’هَذَا هُوَ الْوَارِثُ. تَعَالَوْا نَقْتُلُهُ فَيَكُونَ الْمِيرَاثُ لَنَا.‘ فَأَمْسَكُوهُ وَقَتَلُوهُ وَرَمَوْهُ خَارِجَ الْبُسْتَانِ. فَمَاذَا يَعْمَلُ صَاحِبُ الْبُسْتَانِ؟ إِنَّهُ يَأْتِي وَيَقْتُلُ الْفَلَّاحِينَ وَيُعْطِي الْبُسْتَانَ لِغَيْرِهِمْ. أَلَمْ تَقْرَأُوا هَذِهِ الْآيَةَ: ’الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ، صَارَ تَاجَ الْبِنَاءِ! رَبُّنَا عَمِلَ هَذَا، وَهُوَ شَيْءٌ عَجِيبٌ فِي نَظَرِنَا‘؟“ فَحَاوَلُوا أَنْ يَقْبِضُوا عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّهُ قَالَ الْمَثَلَ ضِدَّهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ خَافُوا مِنَ الشَّعْبِ، فَتَرَكُوهُ وَانْصَرَفُوا. ثُمَّ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ جَمَاعَةً مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَمِنَ الْهِيرُودِسِيِّينَ لِكَيْ يُوقِعُوهُ فِي كَلَامِهِ. فَجَاءُوا وَقَالُوا لَهُ: ”يَا مُعَلِّمُ، نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَجُلٌ نَزِيهٌ، وَلَا تَخَافُ مِنْ أَحَدٍ، وَلَا تَهُمُّكَ مَرَاكِزُ النَّاسِ، بَلْ تُعَلِّمُ طَرِيقَ اللهِ بِالْحَقِّ. هَلْ حَلَالٌ أَنْ نَدْفَعَ الضَّرِيبَةَ لِقَيْصَرَ أَمْ لَا؟ هَلْ نَدْفَعُ أَمْ لَا نَدْفَعُ؟“ فَفَهِمَ نِفَاقَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ: ”لِمَاذَا تُحَاوِلُونَ أَنْ تُوقِعُونِي؟ هَاتُوا لِي دِينَارًا لِأَرَى.“ فَقَدَّمُوهُ لَهُ، فَقَالَ لَهُمْ: ”صُورَةُ مَنْ هَذِهِ، وَاسْمُ مَنْ هَذَا؟“ قَالُوا: ”قَيْصَرُ.“ فَقَالَ لَهُمْ عِيسَـى: ”أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ، وَمَا للهِ للهِ.“ فَذُهِلُوا مِنْهُ. وَجَاءَ إِلَيْهِ بَعْضُ الصَّدُّوقِيِّينَ وَهُمُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْقِيَامَةِ مِنَ الْمَوْتِ، وَسَأَلُوهُ: ”يَا مُعَلِّمُ، مُوسَى أَعْطَانَا هَذِهِ الْوَصِيَّةَ، إِذَا مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ وَرَاءَهُ زَوْجَةً وَلَمْ يُخَلِّفِ ابْنًا، وَكَانَ لِهَذَا الرَّجُلِ أَخٌ، فَالْأَخُ يَأْخُذُ الْأَرْمَلَةَ وَيُنْجِبُ أَوْلَادًا عَلَى اسْمِ أَخِيهِ. ”فَكَانَ هُنَاكَ 7 إِخْوَةٍ، أَخَذَ الْأَوَّلُ زَوْجَةً وَمَاتَ وَلَمْ يُخَلِّفْ أَوْلَادًا. فَأَخَذَهَا الثَّانِي وَمَاتَ وَلَمْ يُخَلِّفْ أَوْلَادًا، وَكَذَلِكَ الثَّالِثُ. أَخَذَهَا الـ7 كُلُّهُمْ وَمَاتُوا دُونَ أَنْ يُخَلِّفُوا أَوْلَادًا. وَآخِرَ الْكُلِّ مَاتَتِ الْمَرْأَةُ. فَفِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ، عِنْدَمَا يَقُومُ الْمَوْتَى، سَتَكُونُ زَوْجَةَ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ؟ لِأَنَّ الـ7 تَزَوَّجُوهَا!“ فَأَجَابَهُمْ عِيسَـى: ”أَنْتُمْ عَلَى ضَلَالٍ، لِأَنَّكُمْ لَا تَعْرِفُونَ كِتَابَ اللهِ وَلَا قُوَّةَ اللهِ! بَلْ عِنْدَمَا يَقُومُ الْمَوْتَى، لَا يَتَزَوَّجُونَ وَلَا يُزَوَّجُونَ، إِنَّمَا يَكُونُونَ كَالْمَلَائِكَةِ فِي السَّمَاءِ. أَمَّا مِنْ جِهَةِ قِيَامَةِ الْمَوْتَى، أَلَمْ تَقْرَأُوا فِي تَوْرَاةِ مُوسَى، فِي مَوْضُوعِ الْعُلَّيْقَةِ أَنَّ اللهَ قَالَ لَهُ: ’أَنَا هُوَ رَبُّ إِبْرَاهِيمَ وَرَبُّ إِسْحَاقَ وَرَبُّ يَعْقُوبَ‘؟ فَهُوَ رَبُّ أَحْيَاءٍ، لَا رَبُّ أَمْوَاتٍ. أَنْتُمْ إِذَنْ عَلَى ضَلَالٍ مُبِينٍ.“ وَكَانَ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ قَدْ جَاءَ وَسَمِعَهُمْ يَتَنَاقَشُونَ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّ عِيسَـى أَحْسَنَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ، سَأَلَهُ: ”مَا هِيَ أَهَمُّ الْوَصَايَا كُلِّهَا؟“ فَأَجَابَ عِيسَـى: ”أَهَمُّ وَصِيَّةٍ هِيَ: ’اِسْمَعْ يَا شَعْبِي، الْمَوْلَى إِلَهُنَا هُوَ اللهُ الْأَحَدُ. فَأَحِبَّ الْمَوْلَى إِلَهَكَ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَكُلِّ نَفْسِكَ، وَكُلِّ فِكْرِكَ، وَكُلِّ قُدْرَتِكَ.‘ وَالثَّانِيَةُ هِيَ: ’أَحِبَّ الْآخَرِينَ كَمَا تُحِبُّ نَفْسَكَ.‘ وَلَا وَصِيَّةَ أُخْرَى أَعْظَمُ مِنْ هَاتَيْنِ.“ فَقَالَ لَهُ الْفَقِيهُ: ”أَحْسَنْتَ يَا مُعَلِّمُ! أَنْتَ عَلَى حَقٍّ، إِنَّ اللهَ وَاحِدٌ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ. وَأَنْ نُحِبَّهُ بِكُلِّ الْقَلْبِ وَكُلِّ الْفَهْمِ وَكُلِّ الْقُدْرَةِ، وَنُحِبَّ الْآخَرِينَ كَمَا نُحِبُّ أَنْفُسَنَا، أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ الْقَرَابِينِ وَالضَّحَايَا.“ فَلَمَّا رَأَى عِيسَـى أَنَّهُ أَجَابَ بِعَقْلٍ قَالَ لَهُ: ”أَنْتَ لَسْتَ بَعِيدًا عَنْ مَمْلَكَةِ اللهِ.“ وَلَمْ يَتَجَرَّأْ أَحَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَسْأَلَهُ أَسْئِلَةً أُخْرَى. وَلَمَّا كَانَ عِيسَـى يُعَلِّمُ فِي بَيْتِ اللهِ، قَالَ: ”كَيْفَ يَقُولُ الْفُقَهَاءُ إِنَّ الْمَسِيحَ هُوَ ابْنُ دَاوُدَ؟ لِأَنَّ دَاوُدَ نَفْسَهُ، قَالَ بِوَحْيِ الرُّوحِ الْقُدُّوسِ: ’قَالَ اللهُ لِسَيِّدِي: ”اِجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ تَحْتَ قَدَمَيْكَ.“‘ فَدَاوُدُ نَفْسُهُ يَدْعُو الْمَسِيحَ سَيِّدَهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْمَسِيحُ ابْنَهُ؟“ وَكَانَ الْجُمْهُورُ الْغَفِيرُ يُصْغِي إِلَى عِيسَـى بِسُرُورٍ. وَقَالَ فِي تَعْلِيمِهِ: ”اِحْذَرُوا مِنَ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَجَوَّلُوا فِي ثِيَابٍ طَوِيلَةٍ فَاخِرَةٍ، وَأَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمُ النَّاسُ فِي السَّاحَاتِ الْعَامَّةِ، وَأَنْ يَكُونُوا فِي الصَّفِّ الْأَمَامِيِّ فِي بَيْتِ الْعِبَادَةِ، وَأَنْ يَجْلِسُوا فِي مَقَاعِدِ الشَّرَفِ فِي الْوَلَائِمِ، وَهُمْ يَنْهَبُونَ مَالَ الْأَرَامِلِ، وَيُقَدِّمُونَ صَلَوَاتٍ طَوِيلَةً لِكَيْ يَلْفِتُوا نَظَرَ النَّاسِ إِلَيْهِمْ. لِذَلِكَ يَنَالُونَ أَشَدَّ الْعَذَابِ.“ وَجَلَسَ عِيسَـى مُقَابِلَ صُنْدُوقِ التَّبَرُّعَاتِ الَّذِي فِي بَيْتِ اللهِ. وَأَخَذَ يُرَاقِبُ النَّاسَ وَهُمْ يَضَعُونَ فِيهِ النُّقُودَ، فَكَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ يَضَعُونَ مَبَالِغَ كَبِيرَةً. ثُمَّ جَاءَتْ أَرْمَلَةٌ فَقِيرَةٌ وَوَضَعَتْ فِي الصُّنْدُوقِ فِلْسَيْنِ قِيمَتُهُمَا قَلِيلَةٌ جِدًّا. فَنَادَى تَلَامِيذَهُ وَقَالَ لَهُمْ: ”أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، هَذِهِ الْأَرْمَلَةُ الْفَقِيرَةُ وَضَعَتْ فِي الصُّنْدُوقِ أَكْثَرَ مِمَّا وَضَعَهُ الْآخَرُونَ كُلُّهُمْ. لِأَنَّهُمْ جَمِيعًا أَعْطَوْا مِمَّا فَضَلَ عَنْهُمْ، أَمَّا هِيَ فَأَعْطَتْ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ، لِأَنَّهَا أَعْطَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا، نَعَمْ كُلَّ مَا كَانَتْ تَعِيشُ مِنْهُ.“ وَبَيْنَمَا هُوَ خَارِجٌ مِنْ بَيْتِ اللهِ، قَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ تَلَامِيذِهِ: ”يَا مُعَلِّمُ، اُنْظُرْ مَا أَرْوَعَ هَذِهِ الْحِجَارَةَ وَهَذِهِ الْمَبَانِيَ!“ فَقَالَ لَهُ عِيسَـى: ”هَلْ تَرَى هَذِهِ الْمَبَانِيَ الْعَظِيمَةَ؟ لَنْ يُتْرَكَ فِيهَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ، بَلْ يُهْدَمُ الْكُلُّ.“ وَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ مُقَابِلَ بَيْتِ اللهِ، سَأَلَهُ بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا وَأَنْدْرَاوِسُ عَلَى انْفِرَادٍ: ”قُلْ لَنَا: مَتَى سَيَحْدُثُ هَذَا؟ وَمَا هِيَ الْعَلَامَةُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى قُرْبِ حُدُوثِهِ؟“ فَقَالَ لَهُمْ عِيسَـى: ”اِحْذَرُوا مِنْ أَنْ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ. سَيَأْتِي كَثِيرُونَ بِاسْمِي وَيَقُولُونَ: ’أَنَا هُوَ‘، وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ. وَعِنْدَمَا تَسْمَعُونَ عَنْ حُرُوبٍ وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ، فَلَا تَنْزَعِجُوا، لِأَنَّ هَذَا لَا بُدَّ أَنْ يَحْدُثَ، لَكِنْ لَيْسَتْ هَذِهِ هِيَ النِّهَايَةَ. فَتَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ، وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَحْدُثُ زَلَازِلُ فِي أَمَاكِنَ كَثِيرَةٍ، وَأَيْضًا مَجَاعَاتٌ. هَذِهِ هِيَ مُجَرَّدُ بِدَايَةِ الْآلَامِ. ”فَانْتَبِهُوا لِأَنْفُسِكُمْ. لِأَنَّهُ بِسَبَبِي يَأْخُذُونَكُمْ إِلَى الْمَحَاكِمِ، وَتُجْلَدُونَ فِي بُيُوتِ الْعِبَادَةِ. وَتَقِفُونَ أَمَامَ حُكَّامٍ وَمُلُوكٍ بِسَبَبِي لِتَشْهَدُوا لَهُمْ. وَيَجِبُ أَنْ تَنْتَشِرَ الْبُشْرَى فِي كُلِّ الشُّعُوبِ أَوَّلًا. وَمَتَى قَبَضُوا عَلَيْكُمْ وَأَخَذُوكُمْ، فَلَا تَقْلَقُوا مُسَبَّقًا عَلَى مَا يَجِبُ أَنْ تَقُولُوهُ، إِنَّمَا قُولُوا مَا يُعْطَى لَكُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. فَلَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ، بَلِ الرُّوحُ الْقُدُّوسُ. وَيُسَلِّمُ الْأَخُ أَخَاهُ لِلْمَوْتِ، وَالْأَبُ ابْنَهُ، وَيَقُومُ الْأَوْلَادُ عَلَى وَالِدِيهِمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ. وَيَكْرَهُكُمْ جَمِيعُ النَّاسِ بِسَبَبِي. لَكِنَّ الَّذِي يَثْبُتُ إِلَى النِّهَايَةِ يَنْجُو. ”فَمَتَى رَأَيْتُمُ الَّذِي اسْمُهُ ’النَّجَاسَةُ وَالْخَرَابُ‘ مَوْجُودًا حَيْثُ لَا يَجِبُ، اِفْهَمْ هَذَا أَيُّهَا الْقَارِئُ، فَالَّذِينَ فِي مِنْطَقَةِ يَهُوذَا، يَجِبُ أَنْ يَهْرُبُوا إِلَى الْجِبَالِ. وَمَنْ كَانَ عَلَى السَّطْحِ، فَلَا يَنْزِلْ وَلَا يَدْخُلْ لِيَأْخُذَ مَا فِي دَارِهِ. وَمَنْ كَانَ فِي الْحَقْلِ، فَلَا يَرْجِعْ لِيَأْخُذَ ثَوْبَهُ. يَا شَقَاءَ الْحَبَالَى وَالْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ. صَلُّوا لِكَيْ لَا يَحْدُثَ هَذَا فِي الشِّتَاءِ. لِأَنَّهُ سَيَحِلُّ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ ضِيقٌ لَمْ يَحْدُثْ مِثْلُهُ مُنْذُ بِدَايَةِ الْعَالَمِ الَّذِي خَلَقَهُ اللهُ إِلَى الْيَوْمِ، وَلَنْ يَتَكَرَّرَ أَبَدًا. وَلَوْ لَمْ يُقَصِّرِ اللهُ تِلْكَ الْأَيَّامَ، مَا أَمْكَنَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْجُوَ، وَلَكِنْ لِأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ، هُوَ قَصَّرَ تِلْكَ الْأَيَّامَ. ”فَإِنْ قَالَ لَكُمْ وَاحِدٌ: ’الْمَسِيحُ هُنَا، أَوْ هُنَاكَ،‘ فَلَا تُصَدِّقُوا. لِأَنَّهُ سَيَظْهَرُ مَنْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمُ الْمَسِيحُ وَمَنْ يَدَّعُونَ النُّبُوَّةَ، وَيَعْمَلُونَ آيَاتٍ وَمُعْجِزَاتٍ لِكَيْ يُضِلُّوا الَّذِينَ اخْتَارَهُمُ اللهُ، لَوْ أَمْكَنَ ذَلِكَ. إِذَنِ انْتَبِهُوا، أَنَا أَخْبَرْتُكُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ مُسَبَّقًا. ”وَبَعْدَ ذَلِكَ الضِّيقِ، تُظْلِمُ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ لَا يُضِيءُ، وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ، وَالْأَجْرَامُ السَّمَائِيَّةُ تَرْتَجُّ. ثُمَّ يَرَى النَّاسُ الَّذِي صَارَ بَشَرًا آتِيًا فِي السَّحَابِ بِكُلِّ عِزَّةٍ وَجَلَالٍ. ثُمَّ يُرْسِلُ الْمَلَائِكَةَ وَيَجْمَعُ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ مِنَ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ وَالشَّمَالِ وَالْجَنُوبِ، مِنْ كُلِّ مَكَانٍ تَحْتَ السَّمَاءِ. ”تَعَلَّمُوا هَذَا الدَّرْسَ مِنْ شَجَرَةِ التِّينِ: مَتَى لَانَتْ أَغْصَانُهَا وَطَلَعَ الْوَرَقُ، تَعْرِفُونَ أَنَّ الصَّيْفَ قَرِيبٌ. كَذَلِكَ، مَتَى رَأَيْتُمْ هَذِهِ الْأُمُورَ تَحْدُثُ، اِعْرِفُوا أَنَّ الَّذِي صَارَ بَشَرًا قَرِيبٌ، بَلْ عَلَى الْأَبْوَابِ. أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، كُلُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ سَتَحْدُثُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ هَذَا الْجِيلُ. السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ تَزُولَانِ، أَمَّا كَلَامِي فَلَا يَزُولُ. ”لَا أَحَدَ يَعْرِفُ مَتَى يَحِينُ ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ، لَا الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ، وَلَا الِابْنُ، إِنَّمَا الْأَبُ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُ. اِنْتَبِهُوا! اِسْهَرُوا! لِأَنَّكُمْ لَا تَعْلَمُونَ مَتَى يَحِينُ الْوَقْتُ. مِثْلَ رَجُلٍ تَرَكَ دَارَهُ وَسَافَرَ بَعِيدًا، وَأَعْطَى عَبِيدَهُ مَسْئُولِيَّةَ التَّصَرُّفِ كُلَّ وَاحِدٍ فِي عَمَلِهِ، وَأَوْصَى الْبَوَّابَ أَنْ يَسْهَرَ. اِسْهَرُوا إِذَنْ، لِأَنَّكُمْ لَا تَعْلَمُونَ مَتَى يَجِيءُ صَاحِبُ الدَّارِ، هَلْ فِي الْمَسَاءِ، أَوْ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ، أَوْ فِي الْفَجْرِ، أَوْ فِي الصُّبْحِ، لِئَلَّا يَجِيءَ فَجْأَةً فَيَجِدَكُمْ نَائِمِينَ. وَمَا أَقُولُهُ لَكُمْ، أَقُولُهُ لِلْجَمِيعِ: اِسْهَرُوا!“ وَقَبْلَ عِيدِ الْفِصْحِ وَالْفَطِيرِ بِيَوْمَيْنِ، كَانَ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَالْفُقَهَاءُ يُفَكِّرُونَ فِي حِيلَةٍ لِيَقْبِضُوا عَلَى عِيسَـى وَيَقْتُلُوهُ. إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: ”لَا نَفْعَلُ هَذَا فِي الْعِيدِ، لِئَلَّا يَثُورَ الشَّعْبُ.“ وَكَانَ عِيسَـى فِي قَرْيَةِ بَيْتَ عَنْيَا، وَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ إِلَى الْمَائِدَةِ فِي دَارِ رَجُلٍ اسْمُهُ سَمْعَانُ الْأَبْرَصُ، جَاءَتِ امْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةٌ مِنَ الْمَرْمَرِ بِهَا عِطْرُ نَارِدِينَ نَقِيٌّ غَالِي الثَّمَنِ، وَكَسَرَتِ الْقَارُورَةَ وَسَكَبَتِ الْعِطْرَ عَلَى رَأْسِهِ. فَاسْتَاءَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ وَقَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: ”لِمَاذَا أُتْلِفَ هَذَا الْعِطْرُ؟ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَاعَ بِمَبْلَغٍ يُعَادِلُ أَكْثَرَ مِنْ مُرَتَّبِ سَنَةٍ، وَيُعْطَى الثَّمَنُ لِلْفُقَرَاءِ.“ وَكَانُوا غَاضِبِينَ عَلَى الْمَرْأَةِ. أَمَّا عِيسَـى فَقَالَ: ”اُتْرُكُوهَا، لِمَاذَا تُزْعِجُونَهَا؟ هَذَا عَمَلٌ صَالِحٌ عَمِلَتْهُ لِي، لِأَنَّ الْفُقَرَاءَ عِنْدَكُمْ دَائِمًا، وَمَتَى أَرَدْتُمْ تَقْدِرُونَ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِمْ، أَمَّا أَنَا فَلَا أَبْقَى عِنْدَكُمْ دَائِمًا. إِنَّهَا عَمِلَتْ مَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ، دَهَنَتْ جِسْمِي بِالْعِطْرِ إِعْدَادًا لِلدَّفْنِ. وَأَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، حَيْثُمَا انْتَشَرَتِ الْبُشْرَى فِي كُلِّ الْعَالَمِ، يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِعَمَلِهَا هَذَا وَيَتَذَكَّرُونَهَا.“ ثُمَّ إِنَّ يَهُوذَا الْقَرْيُوتِيَّ، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنَ الِـ12، ذَهَبَ إِلَى رُؤَسَاءِ الْأَحْبَارِ، لِكَيْ يُسَلِّمَ عِيسَـى لَهُمْ. فَلَمَّا سَمِعُوا هَذَا فَرِحُوا وَوَعَدُوهُ أَنْ يُعْطُوهُ بَعْضَ الْمَالِ، فَأَخَذَ يَتَرَقَّبُ الْفُرْصَةَ الْمُنَاسِبَةَ لِيُسَلِّمَهُ لَهُمْ. وَفِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ عِيدِ الْفَطِيرِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ أَنْ يَذْبَحُوا فِيهِ خَرُوفَ الْفِصْحِ، قَالَ التَّلَامِيذُ لِعِيسَـى: ”أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نَذْهَبَ وَنُجَهِّزَ لَكَ لِتَأْكُلَ عَشَاءَ الْفِصْحِ؟“ فَأَرْسَلَ اثْنَيْنِ مِنْ تَلَامِيذِهِ وَقَالَ لَهُمَا: ”اِذْهَبَا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَيُقَابِلَكُمَا رَجُلٌ حَامِلٌ جَرَّةَ مَاءٍ فَاتْبَعَاهُ. وَحَيْثُ يَدْخُلُ، تَقُولَانِ لِرَبِّ الدَّارِ: ’الْمُعَلِّمُ يَقُولُ: ”أَيْنَ غُرْفَتِيَ الَّتِي آكُلُ فِيهَا عَشَاءَ الْفِصْحِ مَعَ تَلَامِيذِي؟“‘ فَيُرِيكُمَا غُرْفَةً كَبِيرَةً مَفْرُوشَةً وَمُعَدَّةً فِي الطَّابِقِ الْأَعْلَى. هُنَاكَ جَهِّزَا لَنَا.“ فَرَاحَ التِّلْمِيذَانِ، وَدَخَلَا الْمَدِينَةَ، وَوَجَدَا كُلَّ شَيْءٍ كَمَا قَالَ عِيسَـى لَهُمَا وَجَهَّزَا الْفِصْحَ. وَلَمَّا أَقْبَلَ الْمَسَـاءُ، جَـاءَ عِيسَـى مَعَ الِـ12. وَلَمَّا كَانُوا جَالِسِـينَ إِلَى الْمَائِدَةِ يَأْكُلُونَ، قَالَ عِيسَـى: ”أَقُـولُ لَكُمُ الْحَـقَّ، وَاحِدٌ مِنْكُمْ سَـيَخُونُنِي، وَهُوَ يَأْكُلُ مَعِيَ الْآنَ.“ فَحَزِنُوا وَأَخَذَ الْوَاحِدُ بَعْدَ الْآخَرِ يَسْـأَلُهُ: ”هَلْ أَنَا؟“ فَقَالَ لَهُمْ: ”هُوَ وَاحِدٌ مِنَ الِـ12 وَهُوَ يَغْمِسُ مَعِي فِي الصَّحْـنِ. الَّذِي صَارَ بَشَرًا سَـيَمُوتُ كَمَا قَالَ عَنْهُ الْكِتَابُ، لَكِنِ الْوَيْلُ لِذَلِكَ الرَّجُـلِ الَّذِي يَخُونُهُ! كَانَ خَيْرًا لَهُ لَوْ لَمْ يُولَدْ!“ وَبَيْنَمَا هُمْ يَأْكُلُونَ، أَخَذَ عِيسَـى خُبْزًا وَشَكَرَ اللهَ وَقَسَّمَ وَأَعْطَاهُمْ، وَقَالَ: ”خُذُوا هَذَا هُوَ جِسْمِي.“ ثُمَّ أَخَذَ الْكَأْسَ وَشَـكَرَ وَأَعْطَاهُمْ، فَشَـرِبُوا مِنْهَا كُلُّهُمْ. وَقَالَ لَهُمْ: ”هَذَا هُوَ دَمِيَ الَّذِي بِهِ يَعْمَلُ اللهُ عَهْدَهُ مَعَكُمْ، وَهُوَ يُسْفَكُ فِي سَبِيلِ كَثِيرِينَ. وَأَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، إِنِّي لَنْ أَشْـرَبَ مِنْ عَصِيرِ الْكَرْمَةِ مَرَّةً أُخْرَى، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ أَشْـرَبُهُ جَدِيدًا فِي مَمْلَكَةِ اللهِ.“ ثُمَّ غَنَّوْا أُغْنِيَةً وَخَرَجُوا إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ. وَقَالَ لَهُمْ عِيسَـى: ”كُلُّكُمْ تَتَرَاجَعُونَ، لِأَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ: ’أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَشَتَّتُ الْخِرَافُ.‘ لَكِنْ بَعْدَمَا أَقُومُ مِنَ الْمَوْتِ، أَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ.“ فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: ”حَتَّى وَلَوْ تَرَاجَعَ عَنْكَ الْكُلُّ فَأَنَا لَا أَتَرَاجَعُ.“ أَجَابَهُ عِيسَـى: ”أَقُولُ لَكَ الْحَقَّ، الْيَوْمَ، نَعَمْ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ مَرَّتَيْنِ، تُنْكِرُنِي 3 مَرَّاتٍ.“ لَكِنَّ بُطْرُسَ قَالَ بِإِصْرَارٍ: ”وَلَوْ لَزِمَ الْأَمْرُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ، فَلَا أُنْكِرُكَ أَبَدًا.“ وَقَالَ التَّلَامِيذُ كُلُّهُمْ نَفْسَ هَذَا الْكَلَامِ. وَذَهَبُوا إِلَى مَكَانٍ اسْمُهُ جَسِيمَانِي، فَقَالَ لِتَلَامِيذِهِ: ”اِنْتَظِرُوا هُنَا بَيْنَمَا أُصَلِّي.“ وَأَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، وَبَدَأَ يَشْعُرُ بِالْخَوْفِ وَالْحُزْنِ الشَّدِيدِ. وَقَالَ لَهُمْ: ”نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدًّا إِلَى دَرَجَةِ الْمَوْتِ. اِنْتَظِرُوا هُنَا، وَاسْهَرُوا.“ ثُمَّ ابْتَعَدَ قَلِيلًا، وَرَمَى نَفْسَهُ عَلَى الْأَرْضِ، وَكَانَ يُصَلِّي لِكَيْ تَعْبُـرَ عَنْهُ تِلْكَ السَّاعَةُ إِنْ أَمْكَنَ. وَقَالَ: ”يَا بَابَا! يَا أَبِي! أَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، أَبْعِدْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ. لَكِنْ لِتَكُنْ إِرَادَتُكَ أَنْتَ لَا إِرَادَتِي أَنَا.“ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى التَّلَامِيذِ فَوَجَدَهُمْ نَائِمِينَ، فَقَالَ لِبُطْرُسَ: ”يَا سَمْعَانُ! أَنْتَ نَائِمٌ؟ أَلَمْ تَقْدِرْ أَنْ تَسْهَرَ سَاعَةً وَاحِدَةً؟ اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلَّا تَقَعُوا فِي مِحْنَةٍ، تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا الصَّوَابَ، لَكِنَّ الطَّبِيعَةَ الْبَشَرِيَّةَ ضَعِيفَةٌ!“ وَذَهَبَ وَصَلَّى مَرَّةً أُخْرَى نَفْسَ هَذِهِ الصَّلَاةِ. وَرَجَعَ مَرَّةً أُخْرَى، فَوَجَدَهُمْ نَائِمِينَ لِأَنَّ عُيُونَهُمْ كَانَتْ ثَقِيلَةً، فَلَمْ يَعْرِفُوا مَاذَا يَقُولُونَ لَهُ. ثُمَّ رَجَعَ مَرَّةً ثَالِثَةً وَقَالَ لَهُمْ: ”نَامُوا وَاسْتَرِيحُوا! كَفَى! جَاءَتِ السَّاعَةُ! اُنْظُرُوا! الَّذِي صَارَ بَشَرًا يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْأَشْرَارِ. قُومُوا لِنَذْهَبَ. اُنْظُرُوا! جَاءَ الَّذِي خَانَنِي.“ وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ، جَاءَ يَهُوذَا الَّذِي هُوَ وَاحِدٌ مِنَ الِـ12، وَمَعَهُ عِصَابَةٌ مُسَلَّحَةٌ بِالسُّيُوفِ وَالْعِصِيِّ أَرْسَلَهَا رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَالْفُقَهَاءُ وَالشُّيُوخُ. وَكَانَ الَّذِي خَانَهُ قَدْ أَعْطَاهُمْ عَلَامَةً وَقَالَ: ”الَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ الْمَطْلُوبُ. اِقْبِضُوا عَلَيْهِ وَخُذُوهُ تَحْتَ حِرَاسَةٍ شَدِيدَةٍ.“ وَذَهَبَ مُبَاشَرَةً إِلَى عِيسَـى، وَقَالَ لَهُ: ”يَا مُعَلِّمُ“ وَقَبَّلَهُ. فَأَلْقَوْا الْقَبْضَ عَلَى عِيسَـى وَأَمْسَكُوهُ. فَأَخْرَجَ وَاحِدٌ مِنَ الْمَوْجُودِينَ سَيْفَهُ وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ الْأَحْبَارِ فَقَطَعَ أُذُنَهُ. فَقَالَ لَهُمْ عِيسَـى: ”هَلْ أَنَا لِصٌّ، حَتَّى خَرَجْتُمْ لِتَقْبِضُوا عَلَيَّ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ؟ كُلَّ يَوْمٍ كُنْتُ مَعَكُمْ أُعَلِّمُ فِي بَيْتِ اللهِ، فَلَمْ تَقْبِضُوا عَلَيَّ، لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَتِمَّ كَلَامُ الْكِتَابِ.“ فَتَرَكَهُ الْجَمِيعُ وَهَرَبُوا. وَتَبِعَهُ شَابٌّ لَيْسَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَلَابِسِ غَيْرُ عَبَايَةٍ مِنَ الْكَتَّانِ. فَأَمْسَكُوهُ لَكِنَّهُ تَرَكَ الْعَبَايَةَ وَهَرَبَ عُرْيَانًا. وَسَاقُوا عِيسَـى إِلَى رَئِيسِ الْأَحْبَارِ، فَاجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَالشُّيُوخُ وَالْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ. وَكَانَ بُطْرُسُ قَدْ تَبِعَهُ مِنْ بَعِيدٍ إِلَى دَاخِلِ سَاحَةِ دَارِ رَئِيسِ الْأَحْبَارِ، وَجَلَسَ هُنَاكَ مَعَ الْخَدَمِ يَتَدَفَّأُ عِنْدَ النَّارِ. وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَالْمَجْلِسُ الْأَعْلَى كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةً ضِدَّ عِيسَـى لِكَيْ يَقْتُلُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوا. وَمَعَ أَنَّ كَثِيرِينَ شَهِدُوا ضِدَّهُ بِالزُّورِ، لَكِنْ لَمْ تَتَّفِقْ شَهَادَاتُهُمْ. ثُمَّ قَامَ بَعْضُهُمْ، وَشَهِدُوا ضِدَّهُ بِالزُّورِ وَقَالُوا: ”نَحْنُ سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: ’سَأَهْدِمُ بَيْتَ اللهِ هَذَا الَّذِي صَنَعَهُ النَّاسُ، وَفِي 3 أَيَّامٍ أَبْنِي غَيْرَهُ لَمْ يَصْنَعْهُ النَّاسُ.‘“ وَحَتَّى فِي هَذَا لَمْ تَتَّفِقْ شَهَادَاتُهُمْ. فَوَقَفَ رَئِيسُ الْأَحْبَارِ فِي وَسَطِ الْمَجْلِسِ وَسَأَلَ عِيسَـى: ”هَلْ عِنْدَكَ رَدٌّ عَلَى التُّهَمِ الَّتِي يُقَدِّمُهَا ضِدَّكَ هَؤُلَاءِ الشُّهُودُ؟“ لَكِنَّهُ سَكَتَ وَلَمْ يَرُدَّ. فَسَأَلَهُ رَئِيسُ الْأَحْبَارِ: ”هَلْ أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؟“ أَجَابَ عِيسَـى: ”نَعَمْ، أَنَا هُوَ، وَسَتَرَوْنَ الَّذِي صَارَ بَشَرًا جَالِسًا عَنْ يَمِينِ اللهِ الْقَدِيرِ، وَآتِيًا عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ!“ فَشَقَّ رَئِيسُ الْأَحْبَارِ ثِيَابَهُ وَقَالَ: ”لِمَاذَا نَحْتَاجُ إِلَى شُهُودٍ؟ أَنْتُمْ سَمِعْتُمُ الْكُفْرَ! فَمَا رَأْيُكُمْ؟“ فَحَكَمَ عَلَيْهِ الْجَمِيعُ بِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ. فَأَخَذَ بَعْضُهُمْ يَبْصُقُ عَلَيْهِ، وَغَطَّوْا وَجْهَهُ وَلَكَمُوهُ، وَهُمْ يَقُولُونَ لَهُ: ”تَنَبَّأْ.“ وَأَخَذَ الْحَرَسُ يَلْطِمُونَهُ. وَلَمَّا كَانَ بُطْرُسُ تَحْتُ فِي سَاحَةِ الدَّارِ، جَاءَتْ وَاحِدَةٌ مِنْ خَادِمَاتِ رَئِيسِ الْأَحْبَارِ. وَرَأَتْ بُطْرُسَ يَتَدَفَّأُ، فَتَطَلَّعَتْ فِيهِ وَقَالَتْ: ”أَنْتَ أَيْضًا كُنْتَ مَعَ عِيسَـى النَّاصِرِيِّ.“ لَكِنَّهُ أَنْكَرَ وَقَالَ: ”أَنَا لَا أَعْرِفُ وَلَا أَفْهَمُ مَا تَقُولِينَ!“ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مَدْخَلِ الدَّارِ، وَصَاحَ الدِّيكُ. فَرَأَتْهُ الْخَادِمَةُ هُنَاكَ، وَأَخَذَتْ تَقُولُ لِلْمَوْجُودِينَ: ”هَذَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ!“ لَكِنَّ بُطْرُسَ أَنْكَرَ مَرَّةً أُخْرَى. ثُمَّ بَعْدَ قَلِيلٍ، قَالَ بَعْضُ الْوَاقِفِينَ أَيْضًا لَهُ: ”بِالتَّأْكِيدِ أَنْتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، لِأَنَّكَ جَلِيلِيٌّ فِعْلًا.“ فَأَخَذَ يَلْعَنُ نَفْسَهُ وَيَحْلِفُ لَهُمْ وَيَقُولُ: ”أَنَا لَا أَعْرِفُ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي تَقُولُونَ عَنْهُ.“ وَعِنْدَ ذَلِكَ صَاحَ الدِّيكُ مَرَّةً ثَانِيَةً، فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ الْكَلَامَ الَّذِي قَالَهُ لَهُ عِيسَـى: ”قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ مَرَّتَيْنِ، تُنْكِرُنِي 3 مَرَّاتٍ.“ فَانْفَجَرَ بِالْبُكَاءِ. وَلَمَّا طَلَعَ الصُّبْحُ، اِتَّخَذَ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ قَرَارًا مَعَ الشُّيُوخِ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمَجْلِسِ الْأَعْلَى كُلِّهِ. فَقَيَّدُوا عِيسَـى، وَسَاقُوهُ وَسَلَّمُوهُ إِلَى بِيلَاطِسَ. فَسَأَلَهُ بِيلَاطِسُ: ”هَلْ أَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟“ أَجَابَهُ: ”قُلْتَ الصَّوَابَ.“ وَاتَّهَمَهُ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ. وَسَأَلَهُ بِيلَاطِسُ مَرَّةً أُخْرَى: ”أَمَا تُجَاوِبُ بِشَيْءٍ؟ اُنْظُرْ كُلَّ هَذِهِ التُّهَمِ الَّتِي يُقَدِّمُونَهَا ضِدَّكَ!“ أَمَّا عِيسَـى فَلَمْ يَرُدَّ بِشَيْءٍ، حَتَّى تَعَجَّبَ بِيلَاطِسُ. وَكَانَ مِنْ عَادَةِ بِيلَاطِسَ فِي الْعِيدِ أَنْ يُطْلِقَ لَهُمْ سَرَاحَ سَجِينٍ وَاحِدٍ يَطْلُبُونَهُ. وَكَانَ رَجُلٌ اسْمُهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مَسْجُونًا، وَهُوَ أَحَدُ الثَّوْرِيِّينَ الَّذِينَ ارْتَكَبُوا الْقَتْلَ أَثْنَاءَ الثَّوْرَةِ. فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَطَلَبُوا مِنْ بِيلَاطِسَ أَنْ يَعْمَلَ لَهُمْ حَسَبَ عَادَتِهِ. فَأَجَابَهُمْ: ”هَلْ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ سَرَاحَ مَلِكِ الْيَهُودِ؟“ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الْأَحْبَارِ سَلَّمُوا لَهُ عِيسَـى عَنْ حَسَدٍ. لَكِنَّ رُؤَسَاءَ الْأَحْبَارِ هَيَّجُوا الشَّعْبَ لِكَيْ يَخْتَارُوا إِطْلَاقَ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَعَادَ بِيلَاطِسُ وَقَالَ لَهُمْ: ”إِذَنْ مَاذَا أَفْعَلُ بِالَّذِي تُسَمُّونَهُ مَلِكَ الْيَهُودِ؟“ فَصَرَخُوا: ”اِصْلِبْهُ!“ فَقَالَ لَهُمْ بِيلَاطِسُ: ”لِمَاذَا؟ مَا هُوَ الذَّنْبُ الَّذِي ارْتَكَبَهُ؟“ فَصَرَخُوا أَكْثَرَ: ”اِصْلِبْهُ!“ فَقَرَّرَ بِيلَاطِسُ أَنْ يُرْضِيَ الشَّعْبَ، فَأَطْلَقَ لَهُمُ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَمَرَ بِجَلْدِ عِيسَـى ثُمَّ سَلَّمَهُ لِكَيْ يُصْلَبَ. فَأَخَذَ الْعَسْكَرُ عِيسَـى إِلَى دَاخِلِ الْقَصْرِ، أَيْ قَصْرِ الْوِلَايَةِ، وَجَمَعُوا الْفِرْقَةَ كُلَّهَا. ثُمَّ أَلْبَسُوهُ رِدَاءً لَوْنُهُ أُرْجُوَانِيٌّ، وَضَفَرُوا تَاجًا مِنَ الشَّوْكِ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَأَخَذُوا يُقَدِّمُونَ لَهُ التَّحِيَّةَ وَيَقُولُونَ: ”أَهْلًا بِكَ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!“ وَهُمْ يَضْرِبُونَهُ عَلَى رَأْسِهِ بِعَصًا، وَيَبْصُقُونَ عَلَيْهِ، وَيَرْكَعُونَ عَلَى رُكَبِهِمْ وَيَسْجُدُونَ لَهُ، وَبَعْدَمَا هَزَأُوا بِهِ، نَزَعُوا عَنْهُ الرِّدَاءَ الْأُرْجُوَانِيَّ، وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابَهُ، وَخَرَجُوا بِهِ لِيَصْلِبُوهُ. وَكَانَ سَمْعَانُ الْقَيْرَوَانِيُّ، أَبُو إِسْكَنْدَرَ وَرُوفَا، فِي الطَّرِيقِ رَاجِعًا مِنَ الرِّيفِ، فَأَجْبَرُوهُ أَنْ يَحْمِلَ صَلِيبَ عِيسَـى. وَأَخَذُوا عِيسَى إِلَى مَكَانٍ اسْمُهُ جُلْجُثَةُ، أَيْ مَكَانُ الْجُمْجُمَةِ. ثُمَّ قَدَّمُوا لَهُ خَمْرًا مَخْلُوطَةً بِمُرٍّ، فَرَفَضَ أَنْ يَشْرَبَ. وَصَلَبُوهُ. ثُمَّ قَسَّمُوا ثِيَابَهُ بَيْنَهُمْ بِالْقُرْعَةِ، لِيَرَوْا مَاذَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَكَانَتِ السَّاعَةُ التَّاسِعَةَ صَبَاحًا لَمَّا صَلَبُوهُ. وَكَتَبُوا لَافِتَةً بِالتُّهْمَةِ الْمُوَجَّهَةِ ضِدَّهُ تَقُولُ: ”مَلِكُ الْيَهُودِ.“ وَصَلَبُوا مَعَهُ لِصَّيْنِ، وَاحِدًا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ. فَتَمَّ كَلَامُ الْكِتَابِ الَّذِي يَقُولُ: ”حُسِبَ مَعَ الْأَشْرَارِ.“ وَكَانَ الْمَارَّةُ يَشْتِمُونَهُ وَيَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ: ”يَا مَنْ سَتَهْدِمُ بَيْتَ اللهِ ثُمَّ تَبْنِيهِ فِي 3 أَيَّامٍ! اِنْزِلْ عَنِ الصَّلِيبِ وَأَنْقِذْ نَفْسَكَ.“ وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَالْفُقَهَاءُ يَهْزَأُونَ بِهِ بِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ وَيَقُولُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ: ”أَنْقَذَ غَيْرَهُ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُنْقِذَ نَفْسَهُ، لِيَنْزِلِ الْآنَ عَنِ الصَّلِيبِ، هَذَا الْمَسِيحُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ، فَنَرَى وَنُؤْمِنَ!“ وَكَانَ اللِّصَّانِ الْمَصْلُوبَانِ مَعَهُ يَشْتِمَانِهِ. وَعِنْدَ الظُّهْرِ، خَيَّمَ الظَّلَامُ عَلَى كُلِّ الْأَرْضِ حَتَّى السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ عَصْرًا. وَفِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، صَرَخَ عِيسَـى بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: ”أَلُوِي، أَلُوِي، لَمَا سَبَكْتَانِي؟“ وَمَعْنَاهَا: ”إِلَهِي، إِلَهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟“ فَلَمَّا سَمِعَ بَعْضُ الْوَاقِفِينَ هُنَاكَ، قَالُوا: ”اِسْمَعُوا! إِنَّهُ يُنَادِي النَّبِيَّ إِلْيَاسَ.“ فَجَرَى وَاحِدٌ، وَمَلَأَ إِسْفِنْجَةً بِالْخَلِّ، وَوَضَعَهَا عَلَى عَصًا، وَرَفَعَهَا إِلَيْهِ لِيَشْرَبَ وَهُوَ يَقُولُ: ”اُتْرُكُوهُ لِنَرَى هَلْ يَجِيءُ إِلْيَاسُ لِيُنْزِلَهُ.“ فَصَرَخَ عِيسَى صَرْخَةً عَالِيَةً وَتُوُفِّيَ. وَانْشَقَّتِ السِّتَارَةُ الْمَوْجُودَةُ فِي بَيْتِ اللهِ إِلَى شَطْرَيْنِ مِنْ فَوْقُ إِلَى تَحْتُ. أَمَّا الضَّابِطُ قَائِدُ الْحَرَسِ الَّذِي كَانَ وَاقِفًا مُقَابِلَهُ، فَلَمَّا رَأَى كَيْفَ تُوُفِّيَ، قَالَ: ”حَقًّا كَانَ هَذَا الرَّجُلُ ابْنَ اللهِ.“ وَكَانَتْ هُنَاكَ أَيْضًا جَمَاعَةٌ مِنَ النِّسَاءِ تُرَاقِبُ مِنْ بَعِيدٍ فِيهَا مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ، وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ الصَّغِيرِ وَيُوسِي، وَسَالِمَةُ. هَؤُلَاءِ كُنَّ مِنْ أَتْبَاعِهِ، وَكُنَّ يَقُمْنَ بِخِدْمَتِهِ لَمَّا كَانَ فِي الْجَلِيلِ، وَكَثِيرَاتٌ غَيْرُهُنَّ ذَهَبْنَ مَعَهُ إِلَى الْقُدْسِ وَكُنَّ مَوْجُودَاتٍ عِنْدَ الصَّلِيبِ. وَكَانَ هَذَا هُوَ وَقْتَ الْإِعْدَادِ، أَيِ الْيَوْمَ السَّابِقَ لِلسَّبْتِ. فَلَمَّا حَلَّ الْمَسَاءُ، جَاءَ يُوسِفُ الرَّامِيُّ، وهُوَ عُضْوٌ كَبِيرٌ فِي الْمَجْلِسِ الْأَعْلَى، وَمِنَ الَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ ظُهُورَ مَمْلَكَةِ اللهِ، وَذَهَبَ بِجَرَاءَةٍ إِلَى بِيلَاطِسَ، وَطَلَبَ جُثْمَانَ عِيسَى. فَانْدَهَشَ بِيلَاطِسُ مِنْ أَنَّهُ مَاتَ بِهَذِهِ السُّرْعَةِ، وَنَادَى قَائِدَ الْحَرَسِ وَسَأَلَهُ: ”هَلْ مَضَى عَلَى مَوْتِهِ بَعْضُ الْوَقْتِ؟“ فَلَمَّا عَرَفَ مِنْ قَائِدِ الْحَرَسِ، سَمَحَ لِيُوسِفَ بِالْجُثْمَانِ. فَاشْتَرَى يُوسِفُ كَفَنًا مِنَ الْكَتَّانِ، وَأَنْزَلَ عِيسَى وَلَفَّهُ فِي الْكَتَّانِ وَوَضَعَهُ فِي قَبْرٍ مَحْفُورٍ فِي الصَّخْرِ، وَدَحْرَجَ حَجَرًا عَلَى مَدْخَلِ الْقَبْرِ. وَرَأَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يُوسِي الْمَكَانَ الَّذِي وُضِعَ فِيهِ. وَلَمَّا انْتَهَى السَّبْتُ، اِشْتَرَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَسَالِمَةُ، عُطُورًا لِكَيْ يَذْهَبْنَ وَيَضَعْنَهَا عَلَيْهِ. وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ، ذَهَبْنَ إِلَى الْقَبْرِ بَاكِرًا جِدًّا مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. وَكُنَّ يَقُلْنَ فِيمَا بَيْنَهُنَّ: ”مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا الْحَجَرَ عَنْ بَابِ الْقَبْرِ؟“ وَلَمَّا تَطَلَّعْنَ، رَأَيْنَ أَنَّ الْحَجَرَ قَدْ دُحْرِجَ مَعَ أَنَّهُ كَانَ كَبِيرًا جِدًّا. فَدَخَلْنَ الْقَبْرَ، وَرَأَيْنَ فِي الْجِهَةِ الْيُمْنَى شَابًّا جَالِسًا، لَابِسًا ثَوْبًا أَبْيَضَ، فَارْتَعَبَتِ النِّسَاءُ جِدًّا. فَقَالَ لَهُنَّ: ”لَا تَنْزَعِجْنَ! أَنْتُنَّ تَبْحَثْنَ عَنْ عِيسَى النَّاصِرِيِّ الَّذِي صَلَبُوهُ، هُوَ لَيْسَ هُنَا لِأَنَّهُ قَامَ! اُنْظُرْنَ! هَذَا هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي وَضَعُوهُ فِيهِ. اِذْهَبْنَ وَأَخْبِرْنَ تَلَامِيذَهُ وَبُطْرُسَ: إِنَّهُ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ. فَهُنَاكَ تَرَوْنَهُ كَمَا قَالَ لَكُمْ.“ فَخَرَجَتِ النِّسَاءُ مِنَ الْقَبْرِ وَهَرَبْنَ فِي رُعْبٍ وَحَيْرَةٍ. وَلَمْ يُخْبِرْنَ أَحَدًا بِشَيْءٍ لِأَنَّهُنَّ كُنَّ خَائِفَاتٍ. بَعْدَمَا قَامَ عِيسَى بَاكِرًا فِي يَوْمِ الْأَحَدِ، ظَهَرَ أَوَّلًا لِمَرْيَمَ الْمَجْدَلِيَّةِ الَّتِي كَانَ قَدْ طَرَدَ مِنْهَا 7 شَيَاطِينَ. فَذَهَبَتْ وَأَخْبَرَتْ أَصْحَابَهُ بَيْنَمَا كَانُوا يَنُوحُونَ وَيَبْكُونَ. فَلَمَّا سَمِعُوا أَنَّهُ حَيٌّ وَأَنَّهَا رَأَتْهُ، لَمْ يُصَدِّقُوا. بَعْدَ ذَلِكَ أَظْهَرَ عِيسَى نَفْسَهُ فِي هَيْئَةٍ أُخْرَى لِاثْنَيْنِ مِنْهُمْ كَانَا فِي طَرِيقِهِمَا إِلَى الرِّيفِ. فَذَهَبَا وَأَخْبَرَا الْبَاقِينَ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يُصَدِّقُوهُمَا. ثُمَّ أَظْهَرَ نَفْسَهُ لِلْـ11 بَيْنَمَا كَانُوا جَالِسِينَ يَأْكُلُونَ، وَوَبَّخَهُمْ عَلَى عَدَمِ إِيمَانِهِمْ وَقَسَاوَةِ قُلُوبِهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُصَدِّقُوا الَّذِينَ رَأَوْهُ بَعْدَمَا قَامَ. وَقَالَ لَهُمْ: ”اِذْهَبُوا إِلَى كُلِّ الْعَالَمِ، وَانْشُرُوا الْبُشْرَى لِكُلِّ النَّاسِ. مَنْ يُؤْمِنُ وَيَتَغَطَّسُ يَنْجُو، وَمَنْ لَا يُؤْمِنُ يَهْلِكُ. وَهَذِهِ الْمُعْجِزَاتُ تُصَاحِبُ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ: يَطْرُدُونَ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِي، وَيَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ جَدِيدَةٍ، وَيُمْسِكُونَ الْحَيَّاتِ بِأَيْدِيهِمْ، وَإِنْ شَرِبُوا السِّمَّ الْقَاتِلَ لَا يَضُرُّهُمْ، وَيَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْمَرْضَى فَيُشْفَوْنَ.“ وَبَعْدَمَا تَكَلَّمَ سَيِّدُنَا عِيسَى مَعَهُمْ، رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ، وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللهِ. أَمَّا هُمْ فَذَهَبُوا يَنْشُرُونَ الدَّعْوَةَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَالْمَسِيحُ يَعْمَلُ مَعَهُمْ، وَيُؤَيِّدُ الرِّسَالَةَ بِالْمُعْجِزَاتِ الَّتِي تُرَافِقُهَا. كَثِيرُونَ أَخَذُوا يُسَجِّلُونَ قِصَّةَ الْأُمُورِ الَّتِي جَرَتْ عِنْدَنَا كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا الَّذِينَ هُمْ شُهُودُ عِيَانِ الْكَلِمَةِ وَخُدَّامُهَا الْأَصْلِيُّونَ. لِذَلِكَ، بِمَا أَنِّي أَنَا نَفْسِي فَحَصْتُ كُلَّ شَيْءٍ بِدِقَّةٍ مِنَ الْبِدَايَةِ، رَأَيْتُ أَنَا أَيْضًا أَنْ أَكْتُبَهَا لَكَ مُرَتَّبَةً، أَيُّهَا الْعَزِيزُ حَبِيبُ اللهِ، لِكَيْ تَعْرِفَ أَنَّ الْأُمُورَ الَّتِي تَعَلَّمْتَهَا هِيَ عَلَى أَسَاسٍ صَحِيحٍ. كَانَ فِي أَيَّامِ هِيرُودِسَ مَلِكِ مِنْطَقَةِ يَهُوذَا، حَبْرٌ اسْمُهُ زَكَرِيَّا وَهُوَ مِنْ فِرْقَةِ أَبِيَّا، وَامْرَأَتُهُ مِنْ سُلَالَةِ هَارُونَ وَاسْمُهَا أَلِيصَابَاتُ. وَكَانَ كِلَاهُمَا صَالِحًا فِي نَظَرِ اللهِ، وَيَعْمَلُ بِكُلِّ وَصَايَاهُ وَفَرَائِضِهِ بِكَيْفِيَّةٍ لَا عَيْبَ فِيهَا. لَكِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَلَدٌ لِأَنَّ أَلِيصَابَاتَ كَانَتْ عَاقِرًا. وَكَانَ كِلَاهُمَا كَبِيرَ السِّنِّ. وَذَاتَ مَرَّةٍ لَمَّا كَانَ زَكَرِيَّا يَقُومُ بِفَرَائِضِ الْعِبَادَةِ فِي نَوْبَةِ فِرْقَتِهِ، وَذَلِكَ كَحَبْرٍ فِي مَحْضَرِ اللهِ، وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ حَسَبَ الْعَادَةِ الَّتِي كَانَ يَتْبَعُهَا الْأَحْبَارُ، لِيَدْخُلَ بَيْتَ اللهِ وَيَحْرِقَ الْبَخُورَ. وَكَانَ جُمْهُورُ الشَّعْبِ كُلِّهِ يُصَلِّي فِي الْخَارِجِ وَقْتَ إِحْرَاقِ الْبَخُورِ. فَظَهَرَ لَهُ مَلَاكُ اللهِ وَاقِفًا عَنْ يَمِينِ مَنَصَّةِ الْبَخُورِ، فَاضْطَرَبَ زَكَرِيَّا لَمَّا رَآهُ، وَخَافَ جِدًّا. فَقَالَ لَهُ الْمَلَاكُ: ”لَا تَخَفْ يَا زَكَرِيَّا، لِأَنَّ اللهَ سَمِعَ دُعَاءَكَ، وَامْرَأَتُكَ أَلِيصَابَاتُ سَتَلِدُ لَكَ ابْنًا وَأَنْتَ تُسَمِّيهِ يَحْيَى. فَيَكُونُ فَرَحًا وَسُرُورًا لَكَ، وَكَثِيرُونَ يَبْتَهِجُونَ بِوِلَادَتِهِ. لِأَنَّهُ سَيَكُونُ عَظِيمًا عِنْدَ اللهِ، وَلَنْ يَشْرَبَ خَمْرًا وَلَا مُسْكِرًا، وَيَمْتَلِئُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُّوسِ وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَيُرْجِعُ كَثِيرِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الْمَوْلَى إِلَهِهِمْ. وَيَتَقَدَّمُ أَمَامَ رَبِّنَا بِرُوحِ إِلْيَاسَ وَقُوَّتِهِ، لِيَرُدَّ قُلُوبَ الْآبَاءِ إِلَى أَبْنَائِهِمْ وَالْعُصَاةَ إِلَى الْحِكْمَةِ وَالصَّلَاحِ، فَيُجَهِّزَ لِرَبِّنَا شَعْبًا مُسْتَعِدًّا.“ فَقَالَ زَكَرِيَّا لِلْمَلَاكِ: ”كَيْفَ أَتَأَكَّدُ مِنْ هَذَا؟ فَأَنَا رَجُلٌ عَجُوزٌ وَامْرَأَتِي كَبِيرَةُ السِّنِّ!“ أَجَابَهُ الْمَلَاكُ: ”أَنَا جِبْرِيلُ الَّذِي أَقِفُ فِي مَحْضَرِ اللهِ، وَقَدْ أُرْسِلْتُ لِأُكَلِّمَكَ وَأَزُفَّ إِلَيْكَ هَذِهِ الْبُشْرَى. وَالْآنَ سَتَكُونُ صَامِتًا فَلَا تَقْدِرُ أَنْ تَتَكَلَّمَ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي يَحْدُثُ فِيهِ هَذَا، لِأَنَّكَ لَمْ تُصَدِّقْ كَلَامِيَ الَّذِي سَيَتِمُّ فِي وَقْتِهِ.“ وَكَانَ الشَّعْبُ يَنْتَظِرُ زَكَرِيَّا وَيَتَعَجَّبُ مِنْ تَأَخُّرِهِ دَاخِلَ بَيْتِ اللهِ. فَلَمَّا خَرَجَ، لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ، فَعَرَفُوا أَنَّهُ رَأَى رُؤْيَا فِي بَيْتِ اللهِ. وَكَانَ يُخَاطِبُهُمْ بِالْإِشَارَةِ، وَبَقِيَ أَخْرَسَ. وَلَمَّا انْتَهَتْ أَيَّامُ خِدْمَتِهِ، رَجَعَ إِلَى دَارِهِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ حَبِلَتْ أَلِيصَابَاتُ امْرَأَتُهُ، وَخَبَّأَتْ نَفْسَهَا 5 أَشْهُرٍ، وَكَانَتْ تَقُولُ: ”رَبِّي صَنَعَ بِي هَذَا! إِنَّهُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَنْعَمَ عَلَيَّ وَأَزَالَ عَنِّيَ الْعَارَ بَيْنَ النَّاسِ.“ وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ، أُرْسِلَ الْمَلَاكُ جِبْرِيلُ إِلَى بَلْدَةٍ اسْمُهَا النَّاصِرَةُ فِي مِنْطَقَةِ الْجَلِيلِ، إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ اسْمُهُ يُوسِفُ، وَهُوَ مِنْ سُلَالَةِ دَاوُدَ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ. فَجَاءَ وَقَالَ لَهَا: ”السَّلَامُ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! الْمَوْلَى مَعَكِ.“ فَاضْطَرَبَتْ مِنْ كَلَامِهِ جِدًّا، وَأَخَذَتْ تُفَكِّرُ فِي مَعْنَى هَذِهِ التَّحِيَّةِ. فَقَالَ لَهَا الْمَلَاكُ: ”لَا تَخَافِي يَا مَرْيَمُ لِأَنَّ اللهَ رَضِيَ عَنْكِ، فَسَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا، وَتُسَمِّينَهُ عِيسَـى. سَيَكُونُ عَظِيمًا، وَيُدْعَى ابْنَ الْعَلِيِّ وَيُعْطِيهِ اللهُ عَرْشَ دَاوُدَ أَبِيهِ. وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الْأَبَدِ، وَلَنْ يَكُونَ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ.“ فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلَاكِ: ”كَيْفَ يُمْكِنُ هَذَا وَأَنَا عَذْرَاءُ؟“ أَجَابَهَا الْمَلَاكُ: ”الرُّوحُ الْقُدُّوسُ يَأْتِي عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، لِذَلِكَ الْقُدُّوسُ الَّذِي سَيُولَدُ يُدْعَى ابْنَ اللهِ. وَإِنَّ أَلِيصَابَاتَ قَرِيبَتَكِ، حَبِلَتْ هِيَ أَيْضًا بِابْنٍ وَهِيَ كَبِيرَةُ السِّنِّ. فَالَّتِي كَانُوا يَدْعُونَهَا عَاقِرًا هِيَ الْآنَ فِي شَهْرِهَا السَّادِسِ. لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِيلُ عَلَى اللهِ شَيْءٌ.“ فَقَالَتْ مَرْيَمُ: ”أَنَا خَادِمَةُ الْمَوْلَى، فَلْيَكُنْ لِي كَمَا قُلْتَ.“ وَمَضَى الْمَلَاكُ مِنْ عِنْدِهَا. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَامَتْ مَرْيَمُ، وَرَاحَتْ بِسُرْعَةٍ إِلَى الْجِبَالِ، إِلَى بَلْدَةٍ فِي يَهُوذَا. وَدَخَلَتْ دَارَ زَكَرِيَّا وَسَلَّمَتْ عَلَى أَلِيصَابَاتَ. فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلَامَ مَرْيَمَ، قَفَزَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا، وَامْتَلَأَتْ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُّوسِ، فَهَتَفَتْ بِأَعْلَى صَوْتِهَا: ”مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ، وَمُبَارَكٌ ابْنُكِ الَّذِي تَلِدِينَهُ. هَذَا شَرَفٌ كَبِيرٌ لِي أَنْ تَزُورَنِي أُمُّ سَيِّدِي، فَإِنَّهُ لَمَّا بَلَغَ سَلَامُكِ إِلَى أُذُنَيَّ، قَفَزَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِي مِنَ الْفَرَحِ. وَهَنِيئًا لِمَنْ آمَنَتْ بِأَنَّ كَلَامَ اللهِ لَهَا سَيَتِمُّ.“ فَقَالَتْ مَرْيَمُ: ”مِنْ كُلِّ قَلْبِي أَحْمَدُ رَبِّي، رُوحِي تَفْرَحُ بِاللهِ مُنْقِذِي، لِأَنَّهُ نَظَرَ إِلَيَّ أَنَا خَادِمَتَهُ الْوَضِيعَةَ. فَمِنَ الْآنَ كُلُّ الْأَجْيَالِ تَدْعُونِي مُبَارَكَةً، لِأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ لِي أُمُورًا عَظِيمَةً. اِسْمُهُ قُدُّوسٌ، وَرَحْمَتُهُ هِيَ فِي كُلِّ الْأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. عَمِلَ بِذِرَاعِهِ أَعْمَالًا عَظِيمَةً. الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ بِأَفْكَارِهِمْ وَقُلُوبِهِمْ شَتَّتَهُمْ، وَالْحُكَّامُ مِنْ عُرُوشِهِمْ خَلَعَهُمْ، وَالْمُتَوَاضِعُونَ رَفَعَهُمْ. الْجِيَاعُ أَشْبَعَهُمْ بِالْخَيْرِ، وَالْأَغْنِيَاءُ صَرَفَهُمْ فَارِغِينَ. سَاعَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَبِيدَهُ، وَفَاءً بِعَهْدِهِ أَنْ يَرْحَمَ إِبْرَاهِيمَ وَنَسْلَهُ إِلَى الْأَبَدِ، كَمَا قَالَ لِآبَائِنَا.“ وَأَقَامَتْ مَرْيَمُ عِنْدَهَا حَوَالَيْ 3 أَشْهُرٍ ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى دَارِهَا. أَمَّا أَلِيصَابَاتُ فَحَانَ وَقْتُهَا لِتَلِدَ، فَوَلَدَتِ ابْنًا. وَسَمِعَ جِيرَانُهَا وَأَقَارِبُهَا أَنَّ اللهَ غَمَرَهَا بِرَحْمَتِهِ، فَفَرِحُوا مَعَهَا. وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ جَاءُوا لِيَخْتِنُوا الطِّفْلَ، وَأَرَادُوا أَنْ يُسَمُّوهُ زَكَرِيَّا عَلَى اسْمِ أَبِيهِ. لَكِنَّ أُمَّهُ قَالَتْ: ”لَا، بَلْ نُسَمِّيهِ يَحْـيَى.“ فَقَالُوا لَهَا: ”لَا أَحَدَ فِي أَقَارِبِكِ يُدْعَى بِهَذَا الِاسْمِ.“ وَأَشَارُوا إِلَى وَالِدِهِ لِيَعْرِفُوا مَاذَا يُرِيدُ أَنْ يُسَمِّيَهُ. فَطَلَبَ لَوْحًا وَكَتَبَ عَلَيْهِ ”اِسْمُهُ يَحْـيَى.“ فَتَعَجَّبُوا كُلُّهُمْ. وَفِي الْحَالِ انْفَتَحَ فَمُ زَكَرِيَّا وَانْطَلَقَ لِسَانُهُ، فَتَكَلَّمَ وَسَبَّحَ اللهَ. فَامْتَلَأَ الْجِيرَانُ بِالْخَوْفِ، وَكَانَ النَّاسُ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ جَمِيعِ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي جِبَالِ يَهُوذَا كُلِّهَا. وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوا كَانُوا يُفَكِّرُونَ وَيَقُولُونَ: ”يَا تُرَى مَاذَا سَيَكُونُ هَذَا الطِّفْلُ؟“ لِأَنَّ يَدَ اللهِ كَانَتْ مَعَـهُ. وَامْتَلَأَ زَكَرِيَّا أَبُوهُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُّوسِ فَتَنَبَّأَ وَقَالَ: ”تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، لِأَنَّهُ جَاءَ لِمَعُونَتِنَا وَفِدَائِنَا. فَأَقَامَ لَنَا مُنْقِذًا قَدِيرًا فِي بَيْتِ عَبْدِهِ دَاوُدَ، كَمَا قَالَ بِفَمِ أَنْبِيَائِهِ الصَّالِحِينَ مُنْذُ قَدِيمِ الزَّمَانِ. لِيُنْقِذَنَا مِنْ أَعْدَائِنَا، وَمِنْ أَيْدِي كُلِّ مَنْ يَكْرَهُونَا. وَبِذَلِكَ يُظْهِرُ رَحْمَتَهُ نَحْوَ آبَائِنَا، وَيَفِي بِعَهْدِهِ الْمُقَدَّسِ. لِأَنَّهُ أَقْسَمَ يَمِينًا لِإِبْرَاهِيمَ أَبِينَا، أَنْ يُنْقِذَنَا مِنْ أَيْدِي أَعْدَائِنَا، فَنَعْبُدَهُ بِلَا خَوْفٍ، بِصَلَاحٍ وَتَقْوَى أَمَامَهُ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِنَا. وَأَنْتَ يَا وَلَدِي، تُدْعَى نَبِيَّ الْعَلِيِّ، لِأَنَّكَ تَتَقَدَّمُ أَمَامَ رَبِّنَا لِتُعِدَّ طُرُقَهُ، فَتُعَلِّمُ شَعْبَهُ أَنَّ النَّجَاةَ هِيَ بِمَغْفِرَةِ ذُنُوبِهِمْ. إِلَهُنَا رَحْمَانٌ رَحِيمٌ، لِذَلِكَ يَزُورُنَا بِإِشْرَاقَةٍ مِنَ الْأَعَالِي. لِيُنِيرَ عَلَى الَّذِينَ يَعِيشُونَ فِي الظَّلَامِ وَفِي ظِلَالِ الْمَوْتِ، وَيَهْدِيَ أَقْدَامَنَا فِي طَرِيقِ السَّلَامِ.“ وَكَانَ الطِّفْلُ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِالرُّوحِ، وَكَانَ يَعِيشُ فِي الصَّحْرَاءِ إِلَى أَنْ ظَهَرَ عَلَنًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. وَفِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، أَصْدَرَ الْقَيْصَرُ أُغُسْطُسُ مَرْسُومًا بِإِحْصَاءِ كُلِّ سُكَّانِ الْإِمْبِرَاطُورِيَّةِ. كَانَ هَذَا هُوَ أَوَّلُ إِحْصَاءٍ، وَقَدْ تَمَّ لَمَّا كَانَ كِيرِنِيُوسُ حَاكِمًا عَلَى سُورْيَا. فَذَهَبَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى بَلْدَتِهِ لِيُسَجَّلَ هُنَاكَ. وَيُوسِفُ أَيْضًا صَعِدَ مِنْ مَدِينَةِ النَّاصِرَةِ فِي الْجَلِيلِ، إِلَى بَيْتَ لَحْمَ، مَدِينَةِ دَاوُدَ الَّتِي فِي مِنْطَقَةِ يَهُوذَا، لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ وَعَائِلَتِهِ، وَذَلِكَ لِكَيْ يُسَجَّلَ هُنَاكَ مَعَ مَرْيَمَ خَطِيبَتِهِ، وَهِيَ حُبْلَى. وَبَيْنَمَا هُمَا فِي بَيْتَ لَحْمَ جَاءَ وَقْتُهَا لِتَلِدَ. فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ، وَلَفَّتْهُ فِي قِطْعَةٍ مِنَ الْقُمَاشِ، وَأَنَامَتْهُ فِي مَعْلَفٍ لِلْبَهَائِمِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَكَانٌ فِي الْفُنْدُقِ. وَكَانَ فِي نَفْسِ الْمِنْطَقَةِ رُعَاةٌ يَبِيتُونَ فِي الْحُقُولِ، وَيَتَنَاوَبُونَ حِرَاسَةَ قَطِيعِهِمْ فِي اللَّيْلِ. فَظَهَرَ لَهُمْ مَلَاكُ اللهِ، وَأَضَاءَ جَلَالُ اللهِ حَوْلَهُمْ، فَخَافُوا جِدًّا. فَقَالَ لَهُمُ الْمَلَاكُ: ”لَا تَخَافُوا، فَأَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِخَبَرٍ يُفَرِّحُ كُلَّ النَّاسِ جِدًّا. الْيَوْمَ وُلِدَ لَكُمْ مُنْقِذٌ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ هُوَ الْمَسِيحُ مَوْلَانَا. وَهَذِهِ عَلَامَةٌ لَكُمْ، أَنَّكُمْ تَجِدُونَ طِفْلًا مَلْفُوفًا فِي قِطْعَةٍ مِنَ الْقُمَاشِ وَنَائِمًا فِي مَعْلَفٍ.“ وَفَجْأَةً ظَهَرَ مَعَ الْمَلَاكِ جُمْهُورٌ مِنَ الْجُنْدِ السَّمَائِيِّ، يُسَبِّحُونَ اللهَ وَيَقُولُونَ: ”الْجَلَالُ للهِ فِي الْأَعَالِي، وَالسَّلَامُ فِي الْأَرْضِ لِمَنْ رَضِيَ عَنْهُمْ مِنَ النَّاسِ.“ وَلَمَّا تَرَكَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَرَجَعَتْ إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ الرُّعَاةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ”تَعَالَوْا نَذْهَبُ إِلَى بَيْتَ لَحْمَ، وَنَرَى هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي حَدَثَ وَالَّذِي أَخْبَرَنَا بِهِ اللهُ.“ فَذَهَبُوا بِسُرْعَةٍ، وَوَجَدُوا مَرْيَمَ وَيُوسِفَ وَالطِّفْلَ نَائِمًا فِي الْمَعْلَفِ. فَلَمَّا رَأَوْهُ، أَخْبَرُوا بِالْكَلَامِ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ عَنْ هَذَا الطِّفْلِ. وَكُلُّ مَنْ سَمِعَ تَعَجَّبَ مِمَّا قَالَهُ الرُّعَاةُ. أَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ كُلَّ هَذَا، وَتُفَكِّرُ بِهِ فِي قَلْبِهَا. وَرَجَعَ الرُّعَاةُ وَهُمْ يُسَبِّحُونَ اللهَ وَيَحْمَدُونَهُ عَلَى كُلِّ مَا سَمِعُوهُ وَرَأَوْهُ، لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ كَمَا قَالَ الْمَلَاكُ لَهُمْ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ، حَانَ وَقْتُ خِتَانِهِ، وَدَعَوْهُ عِيسَـى وَذَلِكَ كَمَا دَعَاهُ الْمَلَاكُ قَبْلَ مَا حَبِلَتْ بِهِ مَرْيَمُ. وَلَمَّا حَانَ وَقْتُ تَطْهِيرِهِمَا حَسَبَ شَرِيعَةِ مُوسَى، أَخَذَهُ يُوسِفُ وَمَرْيَمُ إِلَى الْقُدْسِ لِكَيْ يُقَدِّمَاهُ إِلَى اللهِ. فَقَدْ وَرَدَ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ كُلَّ ابْنٍ بِكْرٍ يَجِبُ أَنْ يُكَرَّسَ للهِ. وَأَيْضًا لِكَيْ يُقَدِّمَا ضَحِيَّةً كَمَا وَرَدَ فِي التَّوْرَاةِ: يَمَامَتَيْنِ أَوْ حَمَامَتَيْنِ صَغِيرَتَيْنِ. وَكَانَ فِي الْقُدْسِ رَجُلٌ صَالِحٌ وَتَقِيٌّ اسْمُهُ سَمْعَانُ، يَنْتَظِرُ مَجِيءَ مَنْ سَيُعَزِّي بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَكَانَ الرُّوحُ الْقُدُّوسُ عَلَيْهِ، فَأَوْحَى إِلَيْهِ أَنَّهُ لَنْ يَمُوتَ إِلَّا بَعْدَمَا يَرَى أَوَّلًا الْمَسِيحَ الَّذِي يُرْسِلُهُ اللهُ. فَذَهَبَ إِلَى بَيْتِ اللهِ مُنْقَادًا بِالرُّوحِ. وَلَمَّا دَخَلَ الْأَبَوَانِ وَمَعَهُمَا الطِّفْلُ عِيسَـى لِيَعْمَلَا لَهُ مَا فَرَضَتْهُ الشَّرِيعَةُ، حَمَلَهُ سَمْعَانُ عَلَى ذِرَاعَيْهِ وَبَارَكَ اللهَ وَقَالَ: ”يَا رَبُّ، الْآنَ أَطْلِقْ عَبْدَكَ بِسَلَامٍ كَمَا وَعَدْتَ، لِأَنِّي بِعَيْنَيَّ رَأَيْتُ الْمُنْقِذَ الَّذِي مِنْ عِنْدِكَ الَّذِي أَعْدَدْتَهُ لِيَرَاهُ كُلُّ النَّاسِ. هُوَ نُورٌ لِهِدَايَةِ الْأُمَمِ، وَإِكْرَامٌ لِشَعْبِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ.“ وَكَانَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ يَتَعَجَّبَانِ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي قِيلَ عَنْهُ. وَبَارَكَهُمَا سَمْعَانُ وَقَالَ لِمَرْيَمَ أُمِّهِ: ”هَذَا الطِّفْلُ سَيَكُونُ السَّبَبَ فِي سُقُوطِ كَثِيرِينَ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ. وَيَكُونُ آيَةً يَرْفُضُونَهَا، فَتَنْكَشِفُ أَفْكَارُ وَنِيَّاتُ كَثِيرِينَ. وَأَنْتِ أَيْضًا يَنْفُذُ سَيْفٌ فِي قَلْبِكِ.“ وَكَانَتْ هُنَاكَ نَبِيَّةٌ هِيَ حِنَّةُ بِنْتُ فَنُوئِيلَ مِنْ قَبِيلَةِ أَشِيرَ. وَهِيَ كَبِيرَةُ السِّنِّ، فَبَعْدَ زَوَاجِهَا عَاشَتْ مَعَ رَجُلِهَا 7 سِنِينَ ثُمَّ تَرَمَّلَتْ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ عُمْرُهَا 84 سَنَةً. وَكَانَتْ لَا تَتْرُكُ بَيْتَ اللهِ، بَلْ تَعْبُدُ اللهَ لَيْلًا وَنَهَارًا بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ. فَفِي نَفْسِ تِلْكَ اللَّحْظَةِ، تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِمْ، وَأَخَذَتْ تُسَبِّحُ اللهَ، وَتَحَدَّثَتْ عَنِ الطِّفْلِ مَعَ جَمِيعِ الَّذِينَ كَانُوا يَنْتَظِرُونَ تَحْرِيرَ مَدِينَةِ الْقُدْسِ. وَلَمَّا أَتَمَّ يُوسِفُ وَمَرْيَمُ كُلَّ مَا تَفْرِضُهُ شَرِيعَةُ اللهِ، رَجَعُوا إِلَى الْجَلِيلِ، إِلَى بَلْدَتِهِمِ النَّاصِرَةِ. وَكَانَ الطِّفْلُ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى، مُمْتَلِئًا حِكْمَةً، وَكَانَتْ نِعْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ. وَكَانَ أَبَوَاهُ يَذْهَـبَانِ إِلَى الْقُدْسِ كُلَّ سَـنَةٍ فِي عِيدِ الْفِصْـحِ. وَلَمَّا كَانَ عُمْـرُهُ 12 سَـنَةً، ذَهَـبُوا إِلَى الْعِيدِ كَالْعَـادَةِ. وَلَمَّا انْتَهَـتْ أَيَّامُ الْعِيدِ وَرَجَـعَ أَبَوَاهُ، بَقِيَ الصَّـبِيُّ عِيسَـى فِي الْقُدْسِ وَهُـمَا لَا يَعْلَمَـانِ، بَلْ كَانَا يَظُـنَّانِ أَنَّهُ فِي جَمَاعَـةِ الْمُسَـافِرِينَ. فَسَـافَرَا طُولَ الْيَوْمِ، ثُمَّ أَخَـذَا يَبْحَـثَانِ عَنْهُ بَيْنَ الْأَقَـارِبِ وَالْمَعَـارِفِ. وَلَمَّا لَمْ يَجِـدَاهُ، رَجَعَا إِلَى الْقُدْسِ يَبْحَـثَانِ عَنْهُ. وَبَعْدَ 3 أَيَّامٍ وَجَـدَاهُ فِي بَيْتِ اللهِ، جَالِسًا بَيْنَ عُلَمَاءِ الدِّينِ يَسْـتَمِعُ إِلَيْهِمْ وَيَطْـرَحُ عَلَيْهِـمُ الْأَسْـئِلَةَ. وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوهُ تَعَجَّـبُوا مِنْ فَهْمِـهِ وَأَجْـوِبَتِهِ. فَلَمَّا رَآهُ أَبَـوَاهُ انْدَهَشَـا، وَقَالَتْ لَهُ أُمُّـهُ: ”يَا ابْنِي، لِمَـاذَا فَعَلْتَ بِنَا هَـذَا؟ أَبُوكَ وَأَنَا ظَـلَلْنَا نَبْحَـثُ عَنْكَ وَنَحْـنُ فِي قَلَقٍ شَـدِيدٍ!“ فَقَالَ لَهُمَا: ”وَلِمَـاذَا تَبْحَـثَانِ عَنِّي؟ أَلَا تَعْلَمَانِ أَنِّي يَجِـبُ أَنْ أَكُونَ فِي بَيْتِ أَبِي؟“ فَلَمْ يَفْهَـمَا مَا قَالَهُ لَهُمَا. ثُمَّ ذَهَـبَ مَعَهُـمَا وَرَجَـعَ إِلَى النَّاصِـرَةِ، وَكَانَ مُطِـيعًا لَهُمَا. وَكَانَتْ أُمُّهُ تَحْفَـظُ كُلَّ هَـذِهِ الْأُمُورِ فِي قَلْبِهَـا. وَكَانَ عِيسَى يَنْمُو فِي الْحِكْمَةِ وَالْقَامَةِ، وَيَزِيدُ رِضَى اللهِ وَالنَّاسِ عَلَيْهِ. فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةَ عَشْـرَةَ مِنْ حُكْمِ الْقَيْصَرِ طِيبَارِيُوسَ، لَمَّا كَانَ بِيلَاطِسُ الْبُنْطِيُّ حَاكِمًا عَلَى مِنْطَقَةِ يَهُوذَا، وَهِيرُودِسُ حَاكِمًا عَلَى الْجَلِيلِ، وَأَخُوهُ فِيلِيبُ حَاكِمًا عَلَى مِنْطَقَةِ إِيطُورِيَّةَ وَتَرَاخُونِيتِي، وَلِيسَانِيَاسُ حَاكِمًا عَلَى إِبِلِينَةَ، وَكَانَ حَنَّا وَقَيَافَا رَئِيسَيْنِ لِلْأَحْبَارِ، كَلَّمَ اللهُ يَحْـيَى بْنَ زَكَرِيَّا وَهُوَ فِي الصَّحْرَاءِ. فَذَهَبَ إِلَى جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْأُرْدُنِّ يَدْعُو النَّاسَ أَنْ يَتُوبُوا وَيَتَغَطَّسُوا فِي الْمَاءِ، فَيَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ. وَذَلِكَ كَمَا وَرَدَ فِي كِتَابِ أَقْوَالِ النَّبِيِّ إِشَعْيَا: ”صَوْتٌ يَصْرُخُ فِي الصَّحْرَاءِ وَيَقُولُ: ’أَعِدُّوا طَرِيقَ رَبِّنَا، اِجْعَلُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً. كُلُّ وَادٍ يَمْتَلِئُ، وَكُلُّ جَبَلٍ وَتَلٍّ يَنْخَفِضُ، وَالطُّرُقُ الْمُعْوَجَّةُ تَسْتَقِيمُ، وَالْوَعِرَةُ تَسْتَوِي. وَيَرَى كُلُّ الْبَشَرِ نَجَاةَ اللهِ.‘“ وَكَانَ يَحْيَى يَقُولُ لِلْجَمَاهِيرِ الَّتِي تَخْرُجُ إِلَيْهِ لِكَيْ يُغَطِّسَهُمْ: ”يَا أَوْلَادَ الْأَفَاعِي! مَنِ الَّذِي أَنْذَرَكُمْ لِتَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَبِ الْآتِي؟ اِعْمَلُوا أَعْمَالًا تَدُلُّ عَلَى أَنَّكُمْ تُبْتُمْ فِعْلًا. وَلَا تَقُولُوا فِي أَنْفُسِكُمْ: ’إِبْرَاهِيمُ هُوَ أَبُونَا.‘ لِأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ، إِنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هَذِهِ الْحِجَارَةِ أَوْلَادًا لِإِبْرَاهِيمَ. الْفَأْسُ الْآنَ فِي وَضْعِ الِاسْتِعْدَادِ عَلَى جُذُورِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لَا تُثْمِرُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُرْمَى فِي النَّارِ.“ وَسَأَلَهُ الشَّعْبُ: ”مَاذَا نَعْمَلُ؟“ فَأَجَابَهُمْ: ”مَنْ عِنْدَهُ ثَوْبَانِ يَجِبُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ، وَمَنْ عِنْدَهُ طَعَامٌ يَجِبُ أَنْ يَعْمَلَ كَذَلِكَ.“ وَجَاءَ أَيْضًا بَعْضُ جُبَاةِ الضَّرَائِبِ لِكَيْ يُغَطِّسَهُمْ، فَقَالُوا لَهُ: ”يَا مُعَلِّمُ، مَاذَا نَعْمَلُ؟“ فَقَالَ لَهُمْ: ”لَا تَأْخُذُوا أَكْثَرَ مِمَّا فُرِضَ لَكُمْ.“ وَسَأَلَهُ أَيْضًا بَعْضُ الْجُنُودِ: ”وَنَحْنُ، مَاذَا نَعْمَلُ؟“ فَقَالَ لَهُمْ: ”لَا تَظْلِمُوا أَحَدًا، وَلَا تَفْتَرُوا عَلَى أَحَدٍ، وَاقْنَعُوا بِمُرَتَّبِكُمْ.“ وَكَانَ الشَّعْبُ يَنْتَظِرُ بِلَهْفَةٍ، وَالْكُلُّ يُفَكِّرُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ بِشَأْنِ يَحْيَى، فَرُبَّمَا يَكُونُ هُوَ الْمَسِيحَ. فَأَجَابَ يَحْيَى وَقَالَ لِلْجَمِيعِ: ”أَنَا أُغَطِّسُكُمْ فِي الْمَاءِ، لَكِنْ سَيَجِيءُ وَاحِدٌ أَعْظَمُ مِنِّي، وَأَنَا لَا أَسْتَحِقُّ أَنْ أَحِلَّ رِبَاطَ حِذَائِهِ، هُوَ يُغَطِّسُكُمْ فِي الرُّوحِ الْقُدُّوسِ وَالنَّارِ. وَالْمِذْرَى بِيَدِهِ لِكَيْ يُنَقِّيَ بَيْدَرَهُ، وَيَجْمَعَ الْقَمْحَ إِلَى مَخْزَنِهِ، أَمَّا التِّبْنُ فَيَحْرِقُهُ بِنَارٍ لَا تَنْطَفِئُ.“ وَبِأَقْوَالٍ أُخْرَى كَثِيرَةٍ كَانَ يَحْيَى يُقَدِّمُ النَّصَائِحَ لِلشَّعْبِ وَيُبَشِّرُهُمْ. أَمَّا هِيرُودِسُ الْحَاكِمُ، فَكَانَ قَدْ تَزَوَّجَ هِيرُودِيَّةَ امْرَأَةَ أَخِيهِ، فَوَبَّخَهُ يَحْيَى عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى أَعْمَالِهِ السَّيِّئَةِ الْأُخْرَى. وَأَضَافَ هِيرُودِسُ إِلَى كُلِّ سَيِّئَاتِهِ أَنَّهُ وَضَعَ يَحْيَى فِي السِّجْنِ. وَلَمَّا كَانَ يَحْيَى يُغَطِّسُ كُلَّ الشَّعْبِ، تَغَطَّسَ عِيسَى أَيْضًا. وَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي، اِنْفَتَحَتِ السَّمَاءُ وَنَزَلَ عَلَيْهِ الرُّوحُ الْقُدُّوسُ بِصُورَةٍ مُجَسَّمَةٍ عَلَى شَكْلِ حَمَامَةٍ، وَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ يَقُولُ: ”أَنْتَ ابْنِيَ الْحَبِيبُ الَّذِي يُفَرِّحُنِي.“ وَلَمَّا بَدَأَ عِيسَى رِسَالَتَهُ كَانَ عُمْرُهُ حَوَالَيْ 30 سَنَةً. وَكَانَ النَّاسُ يَظُنُّونَ أَنَّهُ ابْنُ يُوسِفَ، اِبْنِ عَالِي، اِبْنِ مَتَاتَ، اِبْنِ لَاوِي، اِبْنِ مَلْكِي، اِبْنِ يَنَّا، اِبْنِ يُوسِفَ، اِبْنِ مَتَاتِيَا، اِبْنِ عَامُوسَ، اِبْنِ نَاحُومَ، اِبْنِ حَسْلِي، اِبْنِ نَجَّايَ، اِبْنِ مَآتَ، اِبْنِ مَتَاتِيَا، اِبْنِ شَمْعِي، اِبْنِ يُوسِفَ، اِبْنِ يَهُوذَا، اِبْنِ يُوحَنَّا، اِبْنِ رِيسَا، اِبْنِ زَرْبَابِلَ، اِبْنِ سَأَلْتِيلَ، اِبْنِ نِيرِي، اِبْنِ مَلْكِي، اِبْنِ أَدِّي، اِبْنِ قُصَمَ، اِبْنِ أَلْمُودَامَ، اِبْنِ عِيرَ، اِبْنِ يَشُوعَ، اِبْنِ لَعَازَرَ، اِبْنِ يُورِيمَ، اِبْنِ مَتَاتَ، اِبْنِ لَاوِي، اِبْنِ شَمْعُونَ، اِبْنِ يَهُوذَا، اِبْنِ يُوسِفَ، اِبْنِ يُونِسَ، اِبْنِ أَلْيَاقِيمَ، اِبْنِ مَلَيَا، اِبْنِ مَنَّا، اِبْنِ مَتَاتَا، اِبْنِ نَاثَانَ، اِبْنِ دَاوُدَ، اِبْنِ يَسَّى، اِبْنِ عُبَيْدَ، اِبْنِ بُوعَزَ، اِبْنِ سَالِمَ، اِبْنِ نَاحِشَ، اِبْنِ عَمِينَادَابَ، اِبْنِ آرَامَ، اِبْنِ حَاصِرَ، اِبْنِ فَارِصَ، اِبْنِ يَهُوذَا، اِبْنِ يَعْقُوبَ، اِبْنِ إِسْحَاقَ، اِبْنِ إِبْرَاهِيمَ، اِبْنِ تَارَحَ، اِبْنِ نَاحُورَ، اِبْنِ سَرُوجَ، اِبْنِ رَعُو، اِبْنِ فَالِقَ، اِبْنِ عَابِرَ، اِبْنِ شَالَحَ، اِبْنِ قِينَانَ، اِبْنِ أَرْفَكْشَادَ، اِبْنِ سَامَ، اِبْنِ نُوحَ، اِبْنِ لَامِكَ، اِبْنِ مَتُوشَالَحَ، اِبْنِ إِدْرِيسَ، اِبْنِ يَارَدَ، اِبْنِ مَهْلَلْئِيلَ، اِبْنِ قِينَانَ، اِبْنِ أَنُوشَ، اِبْنِ شِيثَ، اِبْنِ آدَمَ، اِبْنِ اللهِ. وَرَجَعَ عِيسَـى مِنَ الْأُرْدُنِّ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ بِالرُّوحِ الْقُدُّوسِ. وَقَادَهُ الرُّوحُ فِي الصَّحْرَاءِ حَيْثُ امْتَحَنَهُ إِبْلِيسُ 40 يَوْمًا. وَلَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا طُولَ هَذِهِ الْفَتْرَةِ. فَلَمَّا انْتَهَتْ جَاعَ. فَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: ”إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ، فَقُلْ لِهَذَا الْحَجَرِ أَنْ يَتَحَوَّلَ إِلَى خُبْزٍ.“ فَأَجَابَهُ عِيسَـى: ”يَقُولُ الْكِتَابُ: ’لَا بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الْإِنْسَانُ.‘“ وَقَادَهُ إِبْلِيسُ إِلَى مَكَانٍ عَالٍ، وَفِي لَحْظَةٍ أَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الدُّنْيَا وَقَالَ لَهُ: ”أُعْطِيكَ السُّلْطَةَ عَلَى هَذِهِ الْمَمَالِكِ كُلِّهَا وَمَا فِيهَا مِنْ عَظَمَةٍ، لِأَنَّهَا أُعْطِيَتْ لِي وَأَنَا أُعْطِيهَا لِمَنْ أَشَاءُ. فَإِنْ كُنْتَ تَسْجُدُ لِي، تَكُونُ لَكَ كُلُّهَا.“ فَأَجَابَهُ عِيسَى: ”يَقُولُ الْكِتَابُ: ’اُسْجُدْ لِلْمَوْلَى إِلَهِكَ، وَاعْبُدْهُ هُوَ وَحْدَهُ.‘“ وَقَادَهُ إِبْلِيسُ إِلَى الْقُدْسِ، وَأَوْقَفَهُ عَلَى قِمَّةِ بَيْتِ اللهِ وَقَالَ لَهُ: ”إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ، فَاطْرَحْ نَفْسَكَ مِنْ هُنَا إِلَى تَحْتُ، لِأَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ: ’يُوصِي مَلَائِكَتَهُ بِكَ لِيَحْرُسُوكَ، فَيَحْمِلُونَكَ عَلَى أَيْدِيهِمْ فَلَا تَصْدِمُ رِجْلَكَ بِحَجَرٍ.‘“ فَأَجَابَهُ عِيسَـى: ”يَقُولُ الْكِتَابُ: ’لَا تَمْتَحِنِ الْمَوْلَى إِلَهَكَ.‘“ فَلَمَّا انْتَهَى إِبْلِيسُ مِنْ كُلِّ امْتِحَانٍ، تَرَكَهُ إِلَى أَنْ تَحِينَ فُرْصَةٌ أُخْرَى. وَرَجَعَ عِيسَـى إِلَى الْجَلِيلِ بِقُوَّةِ الرُّوحِ، وَانْتَشَرَ الْخَبَرُ عَنْهُ فِي الْمِنْطَقَةِ كُلِّهَا. وَكَانَ يُعَلِّمُ فِي بُيُوتِ الْعِبَادَةِ، وَالْكُلُّ يُعَظِّمُونَهُ. وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ، حَيْثُ نَشَأَ. وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ، رَاحَ إِلَى بَيْتِ الْعِبَادَةِ حَسَبَ عَادَتِهِ. وَقَامَ لِيَقْرَأَ، فَقَدَّمُوا لَهُ كِتَابَ النَّبِيِّ إِشَعْيَا. فَلَمَّا فَتَحَهُ، وَجَدَ الْمَكَانَ الْمَكْتُوبَ فِيهِ: ”رُوحُ اللهِ عَلَيَّ، لِأَنَّهُ مَسَحَنِي لِأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لِأُنَادِيَ لِلْمَسْجُونِينَ بِالْحُرِّيَّةِ، وَلِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، لِأُطْلِقَ الْمَظْلُومِينَ أَحْرَارًا، وَأُعْلِنَ عَنْ حُلُولِ سَنَةِ رِضَى اللهِ.“ ثُمَّ أَغْلَقَ الْكِتَابَ، وَسَلَّمَهُ إِلَى الْخَادِمِ وَجَلَسَ. وَكَانَتْ عُيُونُ كُلِّ الَّذِينَ فِي بَيْتِ الْعِبَادَةِ شَاخِصَةً إِلَيْهِ. فَأَخَذَ يُخَاطِبُهُمْ وَقَالَ: ”الْيَوْمَ تَمَّ هَذَا الْكَلَامُ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ.“ وَكَانُوا كُلُّهُمْ يَشْهَدُونَ لَهُ، وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ كَلَامِ النِّعْمَةِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ، وَقَالُوا: ”أَلَيْسَ هَذَا ابْنَ يُوسِفَ؟“ فَقَالَ لَهُمْ: ”لَا شَكَّ أَنَّكُمْ تَقُولُونَ لِي هَذَا الْمَثَلَ: ’يَا طَبِيبُ، اِشْفِ نَفْسَكَ، اِعْمَلْ هُنَا فِي بَلْدَتِكَ الْأَشْيَاءَ الَّتِي سَمِعْنَا أَنَّكَ عَمِلْتَهَا فِي كَفْرَنَاحُومَ.‘“ وَأَضَافَ وَقَالَ: ”أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، لَا نَبِيَّ يُقْبَلُ فِي بَلْدَتِهِ. فَالْحَقِيقَةُ هِيَ أَنَّهُ فِي أَيَّامِ إِلْيَاسَ، لَمَّا أُغْلِقَتِ السَّمَاءُ 3 سِنِينَ وَ6 أَشْهُرٍ، وَحَدَثَتْ مَجَاعَةٌ عَظِيمَةٌ فِي كُلِّ الْبِلَادِ، كَانَ فِي إِسْرَائِيلَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَرَامِلُ كَثِيرَةٌ. لَكِنَّ إِلْيَاسَ لَمْ يُرْسَلْ إِلَى أَيِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، إِنَّمَا أُرْسِلَ إِلَى أَرْمَلَةٍ فِي الصَّرَفَنْدِ فِي مِنْطَقَةِ صَيْدَا. وَفِي أَيَّامِ النَّبِيِّ أَلِيشَعَ، كَانَ فِي إِسْرَائِيلَ كَثِيرُونَ مُصَابُونَ بِالْبَرَصِ، وَلَمْ يُشْفَ أَيُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، لَكِنَّ نُعْمَانَ السُّورِيَّ شُفِيَ.“ فَغَضِبَ جِدًّا كُلُّ الْمَوْجُودِينَ فِي بَيْتِ الْعِبَادَةِ، لَمَّا سَمِعُوا هَذَا الْكَلَامَ. وَقَامُوا وَأَخَذُوا يَدْفَعُونَهُ إِلَى خَارِجِ الْبَلْدَةِ، وَجَاءُوا بِهِ إِلَى حَافَّةِ الْجَبَلِ الَّذِي كَانَتْ بَلْدَتُهُمْ مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ، لِيَطْرَحُوهُ إِلَى تَحْتُ. وَلَكِنَّهُ مَرَّ مِنْ بَيْنِهِمْ وَمَضَى. وَنَزَلَ إِلَى كَفْرَنَاحُـومَ، وَهِيَ مَدِينَةٌ فِي مِنْطَـقَةِ الْجَـلِيلِ. وَكَانَ يُعَلِّمُ النَّاسَ فِي يَوْمِ السَّـبْتِ. فَتَعَجَّـبُوا مِنْ تَعْلِيمِهِ لِأَنَّ كَلَامَهُ لَهُ سُلْطَـانٌ. وَكَانَ فِي بَيْتِ الْعِبَادَةِ رَجُـلٌ فِيهِ رُوحُ شَيْطَانٍ شِرِّيرٍ، فَصَـرَخَ بِأَعْلَى صَـوْتِهِ: ”آهٍ، مَا لَكَ بِنَا يَا عِيسَـى النَّاصِـرِيُّ؟ هَلْ جِـئْتَ لِتُهْـلِكَنَا؟ أَنَا أَعْرِفُكَ! أَنْتَ قُدُّوسُ اللهِ!“ فَوَبَّخَـهُ عِيسَـى وَقَالَ لَهُ: ”اِخْرَسْ وَاخْـرُجْ مِنْهُ!“ فَطَرَحَ الشَّيْطَـانُ الرَّجُلَ قُدَّامَهُمْ وَخَرَجَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذِيَهُ. فَانْدَهَشَ الْجَمِيعُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ”مَا هِيَ هَذِهِ الرِّسَالَةُ؟ فَإِنَّهُ بِسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ يَأْمُرُ الْأَرْوَاحَ الشِّرِّيرَةَ فَتَخْرُجُ!“ فَانْتَشَرَ خَبَرُ عِيسَـى فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ تِلْكَ الْمِنْطَقَةِ. وَقَامَ مِنْ بَيْتِ الْعِبَادَةِ وَدَخَلَ دَارَ سَمْعَانَ. وَكَانَتْ حَمَاةُ سَمْعَانَ مُصَابَةً بِحُمَّى شَدِيدَةٍ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَشْفِيَهَا. فَانْحَنَى نَحْوَهَا وَوَبَّخَ الْحُمَّى فَتَرَكَتْهَا، وَقَامَتْ فِي الْحَالِ وَبَدَأَتْ تَخْدِمُهُمْ. وَعِنْدَ الْغُرُوبِ، كُلُّ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ مَرْضَى بِعِلَلٍ مُخْتَلِفَةٍ، أَحْضَرُوهُمْ إِلَى عِيسَـى، فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَشَفَاهُمْ. وَالشَّيَاطِينُ أَيْضًا خَرَجَتْ مِنْ كَثِيرِينَ، وَكَانَتْ تَصْرُخُ: ”أَنْتَ ابْنُ اللهِ.“ فَكَانَ يُوَبِّخُهَا وَلَا يَسْمَحُ لَهَا أَنْ تَتَكَلَّمَ لِأَنَّهَا عَرَفَتْ أَنَّهُ الْمَسِيحُ. وَلَمَّا طَلَعَ النَّهَارُ، خَرَجَ وَذَهَبَ إِلَى مَكَانٍ مُنْعَزِلٍ. لَكِنَّ الشَّعْبَ كَانَ يَبْحَثُ عَنْهُ، فَلَمَّا وَجَدُوهُ حَاوَلُوا أَنْ لَا يَتْرُكَهُمْ. لَكِنَّهُ قَالَ لَهُمْ: ”يَجِبُ أَنْ أُعْلِنَ بُشْرَى قِيَامِ مَمْلَكَةِ اللهِ لِلْبِلَادِ الْأُخْرَى أَيْضًا. لِأَنِّي أُرْسِلْتُ لِهَذَا الْقَصْدِ.“ فَمَضَى يُبَشِّرُ فِي بُيُوتِ الْعِبَادَةِ الَّتِي فِي مِنْطَقَةِ يَهُوذَا. وَذَاتَ يَوْمٍ كَانَ عِيسَـى وَاقِفًا عَلَى شَاطِئِ بُحَيْرَةِ جَنْسَرْتَ، وَالشَّعْبُ مُحْتَشِدًا حَوْلَهُ لِيَسْمَعَ كَلِمَةَ اللهِ. فَرَأَى قَارِبَيْنِ رَاسِيَيْنِ عِنْدَ الشَّاطِئِ، وَقَدْ نَزَلَ الصَّيَّادُونَ مِنْهُمَا وَكَانُوا يَغْسِلُونَ الشِّبَاكَ. فَرَكِبَ أَحَدَ الْقَارِبَيْنِ وَكَانَ لِسَمْعَانَ، وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَبْعُدَ قَلِيلًا عَنِ الْبَرِّ. ثُمَّ جَلَسَ وَأَخَذَ يُعَلِّمُ الشَّعْبَ مِنَ الْقَارِبِ. وَلَمَّا أَتَمَّ كَلَامَهُ قَالَ لِسَمْعَانَ: ”تَقَدَّمْ إِلَى الْعُمْقِ، وَأَلْقُوا شِبَاكَكُمْ لِلصَّيْدِ.“ فَأَجَابَ سَمْعَانُ: ”يَا سَيِّدُ، تَعِبْنَا اللَّيْلَ كُلَّهُ وَلَمْ نَصِدْ شَيْئًا، وَلَكِنْ حَسَبَ أَمْرِكَ سَأُلْقِي الشِّبَاكَ.“ وَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ، صَادُوا سَمَكًا كَثِيرًا جِدًّا، حَتَّى بَدَأَتْ شِبَاكُهُمْ تَتَمَزَّقُ. فَأَشَارُوا إِلَى شُرَكَائِهِمُ الَّذِينَ فِي الْقَارِبِ الْآخَرِ أَنْ يَأْتُوا وَيُسَاعِدُوهُمْ. فَأَتَوْا وَمَلَأُوا الْقَارِبَيْنِ، حَتَّى كَادَا يَغْرَقَانِ. فَلَمَّا رَأَى سَمْعَانُ بُطْرُسُ ذَلِكَ، رَمَى نَفْسَهُ عِنْدَ رُكْبَتَيْ عِيسَـى وَقَالَ: ”اُبْعُدْ عَنِّي يَا سَيِّدِي، لِأَنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ.“ لِأَنَّهُ كَانَ فِي ذُهُولٍ هُوَ وَكُلُّ أَصْحَابِهِ بِسَبَبِ كَمِّيَّةِ السَّمَكِ الَّتِي صَادُوهَا، وَكَذَلِكَ شَرِيكَاهُ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا ابْنَا زَبَدِي. فَقَالَ عِيسَـى لِسَمْعَانَ: ”لَا تَخَفْ، مِنَ الْآنَ تَصِيدُ النَّاسَ!“ وَرَجَعُوا بِالْقَارِبَيْنِ إِلَى الْبَرِّ، وَتَرَكُوا كُلَّ شَيْءٍ، وَتَبِعُوا عِيسَـى. وَذَاتَ مَرَّةٍ كَانَ عِيسَـى فِي إِحْدَى الْمُدُنِ، فَرَآهُ رَجُلٌ كَانَ مَمْلُوءًا بِالْبَرَصِ. فَرَمَى نَفْسَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَسَجَدَ لَهُ، وَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ وَقَالَ: ”يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ، فَأَنْتَ تَقْدِرُ أَنْ تَشْفِيَنِي.“ فَمَدَّ عِيسَـى يَدَهُ وَلَمَسَهُ وَقَالَ لَهُ: ”أُرِيدُ، فَاشْفَ.“ وَفِي الْحَالِ زَالَ عَنْهُ الْبَرَصُ. فَأَوْصَاهُ عِيسَـى: ”لَا تُخْبِرْ أَحَدًا. بَلِ اذْهَبْ إِلَى الْحَبْرِ وَأَرِهِ نَفْسَكَ، وَقَدِّمْ مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى كَبُرْهَانٍ لَهُمْ أَنَّكَ شُفِيتَ.“ لَكِنِ انْتَشَرَتْ أَخْبَارُ عِيسَـى أَكْثَرَ، فَجَاءَتْ إِلَيْهِ جَمَاهِيرُ مِنَ النَّاسِ لِكَيْ يَسْتَمِعُوا إِلَيْهِ وَيَنَالُوا الشِّفَاءَ مِنْ أَمْرَاضِهِمْ. لَكِنَّهُ كَانَ يَعْتَزِلُ فِي أَمَاكِنَ خَالِيَةٍ لِيُصَلِّيَ. وَذَاتَ يَوْمٍ، كَانَ عِيسَـى يُعَلِّمُ، وَكَانَ بَيْنَ الْحَاضِرِينَ بَعْضُ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ جَاءُوا مِنْ كُلِّ قَرْيَةٍ فِي الْجَلِيلِ وَيَهُوذَا وَمِنَ الْقُدْسِ. وَكَانَتْ قُوَّةُ اللهِ مَعَهُ لِشِفَاءِ الْمَرْضَى. فَجَاءَ بَعْضُ النَّاسِ يَحْمِلُونَ رَجُلًا مَشْلُولًا عَلَى فِرَاشٍ، وَحَاوَلُوا أَنْ يُدْخِلُوهُ إِلَى الدَّارِ وَيَضَعُوهُ قُدَّامَ عِيسَـى. وَلَكِنْ بِسَبَبِ الزِّحَامِ لَمْ يَجِدُوا سَبِيلًا لِإِدْخَالِهِ، فَصَعِدُوا إِلَى السَّطْحِ، وَأَنْزَلُوهُ عَلَى فِرَاشِهِ مِنْ فَتْحَةٍ فِي السَّقْفِ، إِلَى الْوَسَطِ قُدَّامَ عِيسَـى. فَلَمَّا رَأَى عِيسَـى إِيمَانَهُمْ قَالَ لِلرَّجُلِ: ”يَا عَزِيزِي، مَغْفُورَةٌ لَكَ ذُنُوبُكَ.“ فَأَخَذَ الْفُقَهَاءُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ يَقُولُونَ فِي قُلُوبِهِمْ: ”مَنْ هَذَا الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِالْكُفْرِ؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ؟“ وَعَرَفَ عِيسَـى أَفْكَارَهُمْ، فَسَأَلَهُمْ: ”لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِهَذَا فِي قُلُوبِكُمْ؟ أَيُّهُمَا أَسْهَلُ، أَنْ أَقُولَ: ’مَغْفُورَةٌ لَكَ ذُنُوبُكَ.‘ أَوْ أَنْ أَقُولَ: ’قُمْ وَامْشِ‘؟ وَلَكِنِّي سَأُثْبِتُ لَكُمْ أَنَّ الَّذِي صَارَ بَشَرًا عِنْدَهُ السُّلْطَةُ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الذُّنُوبَ.“ ثُمَّ قَالَ لِلْمَشْلُولِ: ”أَنَا آمُرُكَ، قُمْ وَاحْمِلْ فِرَاشَكَ وَاذْهَبْ إِلَى دَارِكَ.“ وَفِي الْحَالِ قَامَ قُدَّامَهُمْ، وَحَمَلَ مَا كَانَ يَرْقُدُ عَلَيْهِ، وَمَضَى إِلَى دَارِهِ وَهُوَ يُسَبِّحُ اللهَ. فَانْدَهَشَ الْجَمِيعُ، وَسَبَّحُوا اللهَ، وَمَلَأَهُمُ الْخَوْفُ وَقَالُوا: ”رَأَيْنَا الْيَوْمَ عَجَائِبَ.“ وَبَعْدَ هَذَا خَرَجَ عِيسَـى، فَرَأَى جَابِيَ ضَرَائِبَ اسْمُهُ لَاوِي جَالِسًا فِي مَكْتَبِ الضَّرَائِبِ، فَقَالَ لَهُ: ”اِتْبَعْنِي.“ فَتَرَكَ كُلَّ شَيْءٍ، وَقَامَ وَتَبِعَهُ. وَأَقَامَ لَهُ لَاوِي وَلِيمَةً كَبِيرَةً فِي دَارِهِ. وَكَانَ جُمْهُورٌ غَفِيرٌ مِنْ جُبَاةِ الضَّرَائِبِ وَغَيْرِهِمْ جَالِسِينَ يَأْكُلُونَ مَعَهُمْ. فَتَذَمَّرَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَفُقَهَاؤُهُمْ عَلَى تَلَامِيذِهِ وَقَالُوا: ”لِمَاذَا تَأْكُلُونَ وَتَشْرَبُونَ مَعَ جُبَاةِ الضَّرَائِبِ وَغَيْرِ الْمُتَدَيِّنِينَ؟“ فَأَجَابَهُمْ عِيسَـى: ”لَا يَحْتَاجُ الْأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى. أَنَا جِئْتُ لَا لِأَدْعُوَ الصَّالِحِينَ إِلَى التَّوْبَةِ، بَلِ الْخَاطِئِينَ.“ وَقَالُوا لَهُ: ”تَلَامِيذُ يَحْيَى يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ كَثِيرًا، وَكَذَلِكَ تَلَامِيذُ الْفَرِّيسِيِّينَ، أَمَّا تَلَامِيذُكَ فَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ!“ فَقَالَ عِيسَى لَهُمْ: ”هَلْ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَجْعَلُوا ضُيُوفَ الْعُرْسِ يَصُومُونَ وَالْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ لَكِنْ لَمَّا يَجِيءُ الْوَقْتُ وَيَذْهَبُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ يَصُومُونَ.“ وَضَرَبَ لَهُمْ هَذَا الْمَثَلَ: ”لَا أَحَدَ يَقْطَعُ رُقْعَةً مِنْ ثَوْبٍ جَدِيدٍ لِيَضَعَهَا فِي ثَوْبٍ قَدِيمٍ، وَإِلَّا يَتَمَزَّقُ الْجَـدِيدُ، وَالرُّقْعَةُ نَفْسُهَـا لَا تُنَاسِـبُ الْقَدِيمَ. وَلَا أَحَـدَ يَضَـعُ خَمْرًا جَدِيدَةً فِي قِرْبَةٍ قَدِيمَةٍ، وَإِلَّا فَإِنَّ الْخَـمْرَ الْجَدِيدَةَ تَشُقُّ الْقِرْبَةَ، فَتَنْسَـكِبُ الْخَـمْرُ، وَتَتْلَفُ الْقِرْبَةُ. بَلْ تُوضَعُ الْخَـمْرُ الْجَدِيدَةُ فِي قِرْبَةٍ جَدِيدَةٍ. وَلَا أَحَـدَ بَعْدَمَا يَشْرَبُ الْخَـمْرَ الْمُعَتَّقَـةَ يُرِيـدُ الْجَـدِيدَةَ، لِأَنَّهُ يَقُـولُ: ’الْعَتِيقُ أَحْسَـنُ.‘“ وَفِي أَحَدِ أَيَّامِ السَّبْتِ، مَرَّ عِيسَى وَسْطَ حُقُولِ الْقَمْحِ، فَأَخَذَ تَلَامِيذُهُ يَقْطِفُونَ السَّنَابِلَ، وَيَفْرُكُونَهَا بِأَيْدِيهِمْ وَيَأْكُلُونَ. فَقَالَ بَعْضُ الْفَرِّيسِيِّينَ: ”لِمَاذَا تَعْمَلُونَ مَا لَا يَحِلُّ عَمَلُهُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ؟“ فَأَجَابَهُمْ عِيسَى وَقَالَ: ”أَلَمْ تَقْرَأُوا مَا فَعَلَهُ دَاوُدُ لَمَّا جَاعَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ؟ إِنَّهُ دَخَلَ بَيْتَ اللهِ وَأَخَذَ وَأَكَلَ مِنْ خُبْزِ الْقُرْبَانِ الْمُقَدَّسِ الَّذِي لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إِلَّا لِلْأَحْبَارِ وَحْدَهُمْ، وَأَعْطَى مِنْهُ أَيْضًا لِأَصْحَابِهِ.“ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: ”الَّذِي صَارَ بَشَرًا هُوَ رَبُّ السَّبْتِ.“ وَفِي سَبْتٍ آخَرَ ذَهَبَ إِلَى بَيْتِ الْعِبَادَةِ وَأَخَذَ يُعَلِّمُ. وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يَدُهُ الْيُمْنَى مَشْلُولَةٌ. وَكَانَ الْفُقَهَاءُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ يُحَاوِلُونَ أَنْ يَجِدُوا شَكْوَى ضِدَّ عِيسَـى، فَأَخَذُوا يُرَاقِبُونَهُ، لِيَرَوْا إِنْ كَانَ يَشْفِي فِي يَوْمِ السَّبْتِ. لَكِنَّهُ عَرَفَ أَفْكَارَهُمْ، فَقَالَ لِلرَّجُلِ الَّذِي يَدُهُ مَشْلُولَةٌ: ”قُمْ وَقِفْ أَمَامَ الْجَمِيعِ.“ فَقَامَ وَوَقَفَ أَمَامَهُمْ. فَقَالَ لَهُمْ عِيسَـى: ”عِنْدِي سُؤَالٌ لَكُمْ، هَلْ يَحِلُّ فِي يَوْمِ السَّبْتِ عَمَلُ الْخَيْرِ أَمْ عَمَلُ الشَّرِّ؟ إِنْقَاذُ حَيَاةٍ أَمْ إِهْلَاكُهَا؟“ وَتَلَفَّتَ فِيهِمْ جَمِيعًا وَقَالَ لِلرَّجُلِ: ”مُدَّ يَدَكَ.“ فَمَدَّهَا فَشُفِيَتْ يَدُهُ تَمَامًا. فَغَضِبُوا جِدًّا، وَتَشَاوَرُوا مَعًا مَاذَا يَفْعَلُونَ بِعِيسَى. وَفِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ خَرَجَ إِلَى الْجَبَلِ لِيُصَلِّيَ، وَقَضَى اللَّيْلَ كُلَّهُ فِي الصَّلَاةِ للهِ. وَلَمَّا طَلَعَ الصُّبْحُ، نَادَى تَلَامِيذَهُ، وَاخْتَارَ مِنْهُمُ 12، وَدَعَاهُمُ الرُّسُلَ وَهُمْ: سَمْعَانُ الَّذِي سَمَّاهُ بُطْرُسَ وَأَنْدْرَاوِسُ أَخُوهُ، يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا، فِيلِيبُ وَبَرْتَلْمِي، مَتَّى وَتُومَا، يَعْقُوبُ بْنُ حَلْفِي وَسَمْعَانُ الَّذِي يُدْعَى الْغَيُورَ، يَهُوذَا بْنُ يَعْقُوبَ وَيَهُوذَا الْقَرْيُوتِيُّ الَّذِي خَانَهُ فِيمَا بَعْدُ. ثُمَّ نَزَلَ مَعَهُمْ، وَوَقَفَ فِي مَكَانٍ مُنْبَسِطٍ. وَكَانَ هُنَاكَ جَمْعٌ غَفِيرٌ مِنْ تَلَامِيذِهِ، وَجَمْعٌ كَبِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِنْ كُلِّ مِنْطَقَةِ يَهُوذَا وَالْقُدْسِ وَسَاحِلِ صُورَ وَصَيْدَا، جَاءُوا لِيَسْمَعُوهُ وَيَنَالُوا الشِّفَاءَ مِنْ أَمْرَاضِهِمْ. وَالَّذِينَ كَانُوا مُعَذَّبِينَ بِأَرْوَاحٍ شِرِّيرَةٍ نَالُوا الشِّفَاءَ. وَكَانَ الْجُمْهُورُ كُلُّهُ يُحَاوِلُ أَنْ يَلْمِسَهُ، لِأَنَّ قُوَّةً كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْهُ وَتَشْفِيهِمْ جَمِيعًا. وَنَظَرَ إِلَى تَلَامِيذِهِ وَقَالَ: ”هَنِيئًا لَكُمْ أَيُّهَا الْمَسَاكِينُ، لِأَنَّ لَكُمْ نَصِيبًا فِي مَمْلَكَةِ اللهِ. هَنِيئًا لَكُمْ يَا مَنْ تَجُوعُونَ الْآنَ، لِأَنَّكُمْ سَتَشْبَعُونَ. هَنِيئًا لَكُمْ يَا مَنْ تَبْكُونَ الْآنَ، لِأَنَّكُمْ سَتَضْحَكُونَ. هَنِيئًا لَكُمْ إِذَا أَبْغَضَكُمُ النَّاسُ، وَإِذَا رَفَضُوكُمْ وَشَتَمُوكُمْ وَأَهَانُوا اسْمَكُمْ بِاعْتِبَارِ أَنَّكُمْ أَتْبَاعُ الَّذِي صَارَ بَشَرًا كَأَنَّهُ عَارٌ. اِفْرَحُوا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَتَهَلَّلُوا لِأَنَّ أَجْرَكُمْ فِي السَّمَاءِ عَظِيمٌ. فَإِنَّ آبَاءَهُمْ عَامَلُوا الْأَنْبِيَاءَ بِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ. ”لَكِنِ الْوَيْلُ لَكُمْ أَيُّهَا الْأَغْنِيَاءُ، لِأَنَّكُمْ قَدْ نِلْتُمْ نَعِيمَكُمْ هُنَا. الْوَيْلُ لَكُمْ يَا مَنْ تَشْبَعُونَ الْآنَ، لِأَنَّكُمْ سَتَجُوعُونَ. الْوَيْلُ لَكُمْ يَا مَنْ تَضْحَكُونَ الْآنَ، لِأَنَّكُمْ سَتَحْزَنُونَ وَتَبْكُونَ. الْوَيْلُ لَكُمْ إِذَا مَدَحَكُمْ كُلُّ النَّاسِ، فَإِنَّ آبَاءَهُمْ عَامَلُوا مَنِ ادَّعَوْا النُّبُوَّةَ بِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ. ”وَلَكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُونَ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى الَّذِينَ يَكْرَهُونَكُمْ، بَارِكُوا الَّذِينَ يَلْعَنُونَكُمْ، وَادْعُوا بِالْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ. مَنْ ضَرَبَكَ عَلَى خَدِّكَ فَاعْرِضْ لَهُ الْخَدَّ الْآخَرَ. وَمَنْ أَخَذَ مِنْكَ رِدَاءَكَ فَلَا تَمْنَعْ عَنْهُ ثَوْبَكَ أَيْضًا. أَعْطِ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُكَ. وَمَنْ أَخَذَ مَا هُوَ لَكَ فَلَا تُطَالِبْهُ بِهِ. عَامِلُوا النَّاسَ بِمِثْلِ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يُعَامِلُوكُمْ. إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ مَنْ يُحِبُّكُمْ، فَهَلْ لَكُمْ فَضْلٌ فِي هَذَا؟ حَتَّى الْأَشْرَارُ يُحِبُّونَ مَنْ يُحِبُّهُمْ. وَإِنْ كُنْتُمْ تُحْسِنُونَ إِلَى مَنْ يُحْسِنُ إِلَيْكُمْ، فَهَلْ لَكُمْ فَضْلٌ فِي هَذَا؟ حَتَّى الْأَشْرَارُ يَفْعَلُونَ هَذَا. وَإِنْ كُنْتُمْ تُقْرِضُونَ مَنْ تَعْرِفُونَ أَنَّهُ سَيَقُومُ بِالسَّدَادِ، فَهَلْ لَكُمْ فَضْلٌ فِي هَذَا؟ حَتَّى الْأَشْرَارُ يُقْرِضُونَ الْأَشْرَارَ وَيَتَوَقَّعُونَ السَّدَادَ بِالْكَامِلِ. وَلَكِنْ أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، وَأَحْسِنُوا إِلَيْهِمْ، وَأَقْرِضُوهُمْ بَيْنَمَا لَيْسَ هُنَاكَ أَمَلٌ فِي السَّدَادِ، فَيَكُونَ أَجْرُكُمْ عَظِيمًا وَتَكُونُوا أَبْنَاءَ الْعَلِيِّ، فَهُوَ يُنْعِمُ حَتَّى عَلَى غَيْرِ الشَّاكِرِينَ وَالْأَشْرَارِ. كُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ رَحِيمٌ. ”لَا تَحْكُمُوا عَلَى أَحَدٍ، وَبِذَلِكَ لَا يَحْكُمُ اللهُ عَلَيْكُمْ. لَا تُحَاسِبُوا أَحَدًا، وَبِذَلِكَ لَا يُحَاسِبُكُمُ اللهُ. سَامِحُوا الْآخَرِينَ، فَيَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ. أَعْطُوا تُعْطَوْا. فِي حِجْرِكُمْ يَصُبُّونَ لَكُمْ كَيْلًا مَلْآنًا وَمَكْبُوسًا وَمَهْزُوزًا وَفَائِضًا. لِأَنَّ الْكَيْلَ الَّذِي تَكِيلُونَ بِهِ لِلْآخَرِينَ، هُوَ نَفْسُهُ يُكَالُ بِهِ لَكُمْ.“ وَضَرَبَ لَهُمْ هَذَا الْمَثَلَ: ”هَلْ يَقْدِرُ أَعْمَى أَنْ يَقُودَ أَعْمَى؟ أَلَا يَسْقُطُ الِاثْنَانِ فِي حُفْرَةٍ؟ لَيْسَ التِّلْمِيذُ أَعْلَى مِنْ مُعَلِّمِهِ، بَلْ كُلُّ مَنْ أَكْمَلَ تَعْلِيمَهُ، يَكُونُ كَمُعَلِّمِهِ. ”لِمَاذَا تَنْظُرُ إِلَى الْقَشَّةِ الَّتِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَلَا تُلَاحِظُ لَوْحَ الْخَشَبِ الَّذِي فِي عَيْنِكَ؟ بَلْ كَيْفَ تَقُولُ لِأَخِيكَ: ’يَا أَخِي، خَلِّنِي أُخْرِجُ الْقَشَّةَ مِنْ عَيْنِكَ‘، بَيْنَمَا أَنْتَ لَا تَرَى اللَّوْحَ الَّذِي فِي عَيْنِكَ؟ يَا مُنَافِقُ، أَخْرِجِ اللَّوْحَ مِنْ عَيْنِكَ أَوَّلًا، فَيُمْكِنَكَ أَنْ تَرَى لِتُخْرِجَ الْقَشَّةَ مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ. ”لَا يُمْكِنُ لِشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَنْ تُعْطِيَ ثَمَرًا رَدِيئًا، وَلَا لِشَجَرَةٍ رَدِيئَةٍ أَنْ تُعْطِيَ ثَمَرًا طَيِّبًا. لِأَنَّ كُلَّ شَجَرَةٍ تُعْرَفُ مِنْ ثَمَرِهَا. فَنَحْنُ لَا نَجْنِي مِنَ الشَّوْكِ تِينًا وَلَا مِنَ الْعُلَّيْقِ عِنَبًا! الْإِنْسَانُ الصَّالِحُ يُقَدِّمُ صَلَاحًا مِنَ الصَّلَاحِ الْمَخْزُونِ فِي قَلْبِهِ، وَالْإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ يُقَدِّمُ شَرًّا مِنَ الشَّرِّ الْمَخْزُونِ فِي قَلْبِهِ. لِأَنَّ الْفَمَ يَتَكَلَّمُ بِالْأَشْيَاءِ الَّتِي تَمْلَأُ الْقَلْبَ. ”لِمَاذَا تَدْعُونِي: ’يَا سَيِّدُ! يَا سَيِّدُ!‘ وَلَا تَعْمَلُونَ بِمَا أَقُولُ؟ كُلُّ مَنْ يَأْتِي إِلَيَّ وَيَسْمَعُ كَلَامِي وَيَعْمَلُ بِهِ، أُشَبِّهُهُ لَكُمْ بِرَجُلٍ يَبْنِي دَارًا، فَحَفَرَ عَمِيقًا، وَوَضَعَ الْأَسَاسَ عَلَى الصَّخْرِ. فَلَمَّا حَدَثَ فَيَضَانٌ، اِنْدَفَعَ النَّهْرُ عَلَى تِلْكَ الدَّارِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُزَعْزِعَهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ مَبْنِيَّةً جَيِّدًا. أَمَّا مَنْ يَسْمَعُ كَلَامِي وَلَا يَعْمَلُ بِهِ، فَيُشْبِهُ رَجُلًا بَنَى دَارًا عَلَى التُّرَابِ مِنْ غَيْرِ أَسَاسٍ، فَانْدَفَعَ النَّهْرُ عَلَيْهَا، فَانْهَارَتْ فِي الْحَالِ وَتَحَطَّمَتْ تَمَامًا.“ وَلَمَّا انْتَهَى عِيسَـى مِنَ التَّحَدُّثِ بِكُلِّ هَذَا إِلَى الشَّعْبِ، دَخَلَ كَفْرَنَاحُومَ. وَكَانَ هُنَاكَ ضَابِطٌ بِرُتْبَةِ قَائِدِ مِئَةٍ، لَهُ عَبْدٌ مَرِيضٌ وَعَلَى وَشْكِ الْمَوْتِ وَكَانَ سَيِّدُهُ يَعِزُّهُ جِدًّا. وَسَمِعَ الضَّابِطُ عَنْ عِيسَـى، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بَعْضَ شُيُوخِ الْيَهُودِ يَسْأَلُهُ أَنْ يَأْتِيَ وَيَشْفِيَ عَبْدَهُ. فَلَمَّا جَاءُوا إِلَى عِيسَـى، تَوَسَّلُوا إِلَيْهِ بِإِلْحَاحٍ وَقَالُوا: ”إِنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَنْ تُسَاعِدَهُ، فَهُوَ يُحِبُّ شَعْبَنَا، وَهُوَ الَّذِي بَنَى لَنَا بَيْتَ الْعِبَادَةِ.“ فَذَهَبَ عِيسَـى مَعَهُمْ. وَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنَ الدَّارِ، أَرْسَلَ إِلَيْهِ الضَّابِطُ بَعْضَ الْأَصْدِقَاءِ يَقُولُ لَهُ: ”يَا سَيِّدِي، لَا تُتْعِبْ نَفْسَكَ، فَأَنَا لَا أَسْتَحِقُّ أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفِي. وَلِهَذَا لَمْ أَعْتَبِرْ نَفْسِي أَهْلًا لِأَنْ أَجِيءَ إِلَيْكَ. وَلَكِنْ يَكْفِي أَنْ تَأْمُرَ فَتَجْعَلَ خَادِمِي يُشْفَى. لِأَنِّي أَنَا نَفْسِي لِي رُؤَسَاءُ، وَأَيْضًا تَحْتِي جُنُودٌ، أَقُولُ لِهَذَا: ’اِذْهَبْ‘ فَيَذْهَبُ. وَلِآخَرَ: ’تَعَالَ‘ فَيَأْتِي. وَلِعَبْدِي: ’اِعْمَلْ هَذَا‘ فَيَعْمَلُ.“ فَلَمَّا سَمِعَ عِيسَى هَذَا تَعَجَّبَ مِنْهُ، وَالْتَفَتَ إِلَى الشَّعْبِ الَّذِي يَتْبَعُهُ وَقَالَ: ”أَقُولُ لَكُمْ، لَمْ أَجِدْ وَاحِدًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ عِنْدَهُ مِثْلُ هَذَا الْإِيمَانِ.“ وَرَجَعَ رُسُلُ الضَّابِطِ إِلَى الدَّارِ، فَوَجَدُوا أَنَّ الْعَبْدَ شُفِيَ. بَعْدَ هَذَا ذَهَبَ عِيسَـى إِلَى بَلْدَةٍ اسْمُهَا نَايِينُ، وَكَانَ يُرَافِقُهُ تَلَامِيذُهُ وَجُمْهُورٌ غَفِيرٌ مِنَ النَّاسِ. فَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنْ بَوَّابَةِ الْبَلْدَةِ، كَانَ هُنَاكَ مَيِّتٌ خَارِجِينَ بِهِ، وَهُوَ ابْنٌ وَحِيدٌ لِأُمِّهِ الْأَرْمَلَةِ. وَكَانَ مَعَهَا جُمْهُورٌ كَبِيرٌ مِنَ الْبَلْدَةِ. فَلَمَّا رَآهَا عِيسَى، أَشْفَقَ عَلَيْهَا وَقَالَ لَهَا: ”لَا تَبْكِي!“ وَتَقَدَّمَ وَلَمَسَ النَّعْشَ، فَوَقَفَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَهُ. فَقَالَ: ”أَيُّهَا الشَّابُّ، قُمْ.“ فَجَلَسَ الْمَيِّتُ وَأَخَذَ يَتَكَلَّمُ، فَأَعْطَاهُ عِيسَـى لِأُمِّهِ. فَامْتَلَأُوا كُلُّهُمْ بِالْخَوْفِ وَسَبَّحُوا اللهَ وَقَالُوا: ”ظَهَرَ بَيْنَنَا نَبِيٌّ عَظِيمٌ، جَاءَ اللهُ لِمَعُونَةِ شَعْبِهِ.“ وَانْتَشَرَ هَذَا الْخَبَرُ عَنْ عِيسَـى فِي كُلِّ بِلَادِ يَهُوذَا وَالْمَنَاطِقِ الْمُجَاوِرَةِ. وَسَمِعَ يَحْـيَى عَنْ كُلِّ هَذِهِ الْأُمُورِ مِنْ تَلَامِيذِهِ. فَنَادَى اثْنَيْنِ مِنْهُمْ وَأَرْسَلَهُمَا إِلَى عِيسَى يَسْأَلُهُ: ”هَلْ أَنْتَ هُوَ الَّذِي نَتَوَقَّعُ مَجِيئَهُ أَمْ نَنْتَظِرُ آخَرَ؟“ فَذَهَبَ الرَّجُلَانِ إِلَى عِيسَـى وَقَالَا لَهُ: ”أَرْسَلَنَا يَحْـيَى الْمُغَطِّسُ لِنَسْأَلَكَ: ’هَلْ أَنْتَ هُوَ الَّذِي نَتَوَقَّعُ مَجِيئَهُ أَمْ نَنْتَظِرُ آخَرَ؟‘“ وَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ شَفَى عِيسَـى كَثِيرِينَ مِنْ أَمْرَاضٍ وَأَوْجَاعٍ وَأَرْوَاحٍ شِرِّيرَةٍ، وَوَهَبَ الْبَصَرَ لِعُمْيَانٍ كَثِيرِينَ. فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمَا: ”اِذْهَبَا وَأَخْبِرَا يَحْـيَى بِمَا سَمِعْتُمَا وَرَأَيْتُمَا: الْعُمْيُ يُبْصِرُونَ، وَالْعُرْجُ يَمْشُونَ، وَالْبُرْصُ يَبْرَأُونَ، وَالطُّرْشُ يَسْمَعُونَ، وَالْمَوْتَى يَقُومُونَ، وَالْمَسَاكِينُ يُبَشَّرُونَ بِالْإِنْجِيلِ. وَهَنِيئًا لِمَنْ لَا يَخِيبُ أَمَلُهُ فِيَّ.“ فَلَمَّا انْصَرَفَ تَلَامِيذُ يَحْـيَى، أَخَذَ عِيسَـى يُحَدِّثُ الْجُمْهُورَ عَنْ يَحْـيَى فَقَالَ: ”لَمَّا خَرَجْتُمْ إِلَيْهِ فِي الصَّحْرَاءِ، مَاذَا رَأَيْتُمْ؟ هَلْ سَاقَ نَبَاتٍ تَهُزُّهَا الرِّيحُ؟ لَا. إِذَنْ لَمَّا خَرَجْتُمْ مَاذَا رَأَيْتُمْ؟ هَلْ رَجُلًا يَرْتَدِي الْمَلَابِسَ الْفَاخِرَةَ؟ لَا، فَالَّذِينَ يَلْبَسُونَ الْمَلَابِسَ الْفَخْمَةَ وَيَتَرَفَّهُونَ هُمْ فِي الْقُصُورِ. لَكِنْ لَمَّا خَرَجْتُمْ مَاذَا رَأَيْتُمْ؟ هَلْ نَبِيًّا؟ نَعَمْ بِالتَّأْكِيدِ، بَلْ وَأَعْظَمَ مِنْ نَبِيٍّ. هَذَا هُوَ الَّذِي قَالَ عَنْهُ الْكِتَابُ: ’أَنَا أَبْعَثُ رَسُولِي قُدَّامَكَ، لِكَيْ يُعِدَّ لَكَ الطَّرِيقَ أَمَامَكَ.‘ وَأَقُولُ لَكُمْ، لَا يُوجَدُ بَيْنَ كُلِّ الْبَشَرِ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ يَحْـيَى. وَلَكِنَّ أَصْغَرَ وَاحِدٍ فِي مَمْلَكَةِ اللهِ أَعْظَمُ مِنْهُ.“ فَلَمَّا سَمِعَ هَذَا كُلُّ الشَّعْبِ، حَتَّى جُبَاةُ الضَّرَائِبِ، شَهِدُوا أَنَّ اللهَ بَارٌّ لِأَنَّ يَحْـيَى غَطَّسَهُمْ. أَمَّا الْفَرِّيسِيُّونَ وَعُلَمَاءُ الشَّرِيعَةِ، فَرَفَضُوا مَشِيئَةَ اللهِ لَهُمْ وَلَمْ يَغْطِسُوا. وَقَالَ عِيسَى: ”بِمَنْ أُشَبِّهُ هَذَا الْجِيلَ؟ مَنْ يُشْبِهُونَ يَا تُرَى؟ إِنَّهُمْ مِثْلُ أَوْلَادٍ قَاعِدِينَ فِي السَّاحَةِ الْعَامَّةِ يَصِيحُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَيَقُولُونَ: ’زَمَّرْنَا لَكُمْ فَلَمْ تَرْقُصُوا، نَدَبْنَا لَكُمْ فَلَمْ تَبْكُوا.‘ جَاءَ يَحْـيَى الْمُغَطِّسُ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا وَلَا يَشْرَبُ خَمْرًا فَقُلْتُمْ: ’فِيهِ شَيْطَانٌ.‘ وَجَاءَ الَّذِي صَارَ بَشَرًا يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ فَقُلْتُمْ: ’هَذَا رَجُلٌ شَرِهٌ وَسِكِّيرٌ، وَصَدِيقٌ لِجُبَاةِ الضَّرَائِبِ وَغَيْرِ الْمُتَدَيِّنِينَ.‘ وَالْحِكْمَةُ الصَّحِيحَةُ تَظْهَرُ فِي مَنْ يَتْبَعُونَهَا.“ وَدَعَاهُ وَاحِدٌ فَرِّيسِيٌّ لِيَتَنَاوَلَ الطَّعَامَ عِنْدَهُ، فَدَخَلَ دَارَ الْفَرِّيسِيِّ وَجَلَسَ إِلَى الْمَائِدَةِ. وَكَانَ فِي الْبَلْدَةِ امْرَأَةٌ سَيِّئَةُ السُّلُوكِ، فَعَرَفَتْ أَنَّ عِيسَـى جَالِسٌ يَأْكُلُ فِي دَارِ الْفَرِّيسِيِّ. فَأَحْضَرَتْ قَارُورَةً مِنَ الْمَرْمَرِ بِهَا عِطْرٌ، وَوَقَفَتْ مِنَ الْخَلْفِ عِنْدَ قَدَمَيْهِ وَهِيَ تَبْكِي. وَأَخَذَتْ تَبِلُّ قَدَمَيْهِ بِدُمُوعِهَا وَتَمْسَحُهُمَا بِشَعْرِهَا، وَتُقَبِّلُهُمَا وَتَدْهِنُهُمَا بِالْعِطْرِ. فَلَمَّا رَأَى الْفَرِّيسِيُّ الَّذِي دَعَاهُ هَذَا الْأَمْرَ، قَالَ فِي نَفْسِهِ: ”لَوْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ نَبِيًّا، لَعَلِمَ مَنْ هِيَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي تَلْمِسُهُ، وَمَا حَالُهَا، لِأَنَّهَا سَيِّئَةُ السُّلُوكِ.“ فَأَجَابَهُ عِيسَـى: ”يَا سَمْعَانُ، عِنْدِي شَيْءٌ أَقُولُهُ لَكَ.“ فَأَجَابَ سَمْعَانُ: ”تَفَضَّلْ يَا مُعَلِّمُ.“ فَقَالَ: ”رَجُلَانِ مَدْيُونَانِ لِوَاحِدٍ صَاحِبِ أَمْوَالٍ. أَحَدُهُمَا مَدْيُونٌ لَهُ بِـ 500 دِينَارٍ وَالْآخَرُ بِـ50. وَلَيْسَ فِي إِمْكَانِهِمَا أَنْ يُسَدِّدَا الدَّيْنَ، فَسَامَحَهُمَا هُمَا الِاثْنَيْنِ. فَمَنْ مِنْهُمَا يُحِبُّهُ أَكْثَرَ؟“ أَجَابَ سَمْعَانُ: ”أَظُنُّ الَّذِي سَامَحَهُ بِالْمَبْلَغِ الْأَكْبَرِ.“ قَالَ عِيسَى: ”قُلْتَ الصَّوَابَ.“ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْمَرْأَةِ وَقَالَ لِسَمْعَانَ: ”أَتَرَى هَذِهِ الْمَرْأَةَ؟ أَنَا دَخَلْتُ دَارَكَ وَأَنْتَ لَمْ تُقَدِّمْ لِي مَاءً لِغَسْلِ قَدَمَيَّ، أَمَّا هِيَ فَقَدْ بَلَّتْ قَدَمَيَّ بِدُمُوعِهَا وَمَسَحَتْهُمَا بِشَعْرِهَا. أَنْتَ لَمْ تُقَبِّلْنِي، أَمَّا هِيَ فَمُنْذُ دُخُولِي هُنَا، لَمْ تَتَوَقَّفْ عَنْ تَقْبِيلِ قَدَمَيَّ. أَنْتَ لَمْ تَدْهِنْ رَأْسِي بِالزَّيْتِ، أَمَّا هِيَ فَدَهَنَتْ قَدَمَيَّ بِالْعِطْرِ. لِهَذَا أَقُولُ لَكَ إِنَّ ذُنُوبَهَا الْكَثِيرَةَ غُفِرَتْ لَهَا، فَأَظْهَرَتْ هَذِهِ الْمَحَبَّةَ الْكَبِيرَةَ. أَمَّا الَّذِي يُغْفَرُ لَهُ قَلِيلٌ، فَيُحِبُّ قَلِيلًا.“ ثُمَّ قَالَ لَهَا: ”مَغْفُورَةٌ لَكِ ذُنُوبُكِ.“ لَكِنَّ الْجَالِسِينَ مَعَهُ قَالُوا فِي أَنْفُسِهِمْ: ”مَنْ هُوَ هَذَا حَتَّى يَغْفِرَ الذُّنُوبَ؟“ ثُمَّ قَالَ لِلْمَرْأَةِ: ”إِيمَانُكِ نَجَّاكِ، اِذْهَبِي بِالسَّلَامَةِ.“ وَبَعْدَ ذَلِكَ كَانَ عِيسَـى يَجُولُ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ وَقَرْيَةٍ يُعْلِنُ بُشْرَى قِيَامِ مَمْلَكَةِ اللهِ. وَكَانَ مَعَهُ الِـ12، وَأَيْضًا بَعْضُ النِّسَاءِ كُنَّ قَدْ شُفِينَ مِنْ أَرْوَاحٍ شِرِّيرَةٍ وَأَمْرَاضٍ، وَهُنَّ مَرْيَمُ الْمَعْرُوفَةُ بِالْمَجْدَلِيَّةِ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا 7 شَيَاطِينَ، وَحِنَّةُ امْرَأَةُ خُوزِي وَكِيلِ هِيرُودِسَ، وَسَوْسَنُ، وَكَثِيرَاتٌ غَيْرُهُنَّ. هَؤُلَاءِ كُنَّ يَبْذِلْنَ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ لِمُسَاعَدَتِهِمْ. وَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَى عِيسَـى مِنْ كُلِّ بَلْدَةٍ، وَتَجَمَّعَ جُمْهُورٌ غَفِيرٌ، فَكَلَّمَهُمْ بِمَثَلٍ وَقَالَ: ”خَرَجَ الزَّارِعُ لِيَزْرَعَ بُزُورَهُ. وَبَيْنَمَا هُوَ يَزْرَعُ، سَقَطَ بَعْضُ الْحَبِّ عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، فَدَاسَتْهُ الْأَقْدَامُ، وَأَكَلَتْهُ طُيُورُ السَّمَاءِ. وَسَقَطَ الْبَعْضُ الْآخَرُ عَلَى الصَّخْرِ، فَلَمَّا طَلَعَ ذَبُلَ لِأَنَّهُ كَانَ بِلَا مَاءٍ. ثُمَّ سَقَطَ الْبَعْضُ بَيْنَ الشَّوْكِ، فَطَلَعَ الشَّوْكُ مَعَهُ وَخَنَقَ النَّبَاتَ الصَّغِيرَ. لَكِنَّ الْبَعْضَ الْآخَرَ سَقَطَ عَلَى أَرْضٍ جَيِّدَةٍ، فَطَلَعَ وَأَنْتَجَ 100 ضِعْفٍ.“ وَلَمَّا قَالَ هَذَا نَادَى: ”اِسْمَعُونِي يَا مَنْ لَكُمْ آذَانٌ تَسْمَعُ!“ وَسَأَلَهُ تَلَامِيذُهُ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْمَثَلِ. فَقَالَ: ”أَعْطَيْتُكُمْ أَنْتُمْ أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرَارَ مَمْلَكَةِ اللهِ، أَمَّا الْآخَرُونَ فَأُكَلِّمُهُمْ بِأَمْثَالٍ، لِكَيْ يَنْظُرُوا لَكِنْ لَا يَرَوْا، وَيَسْمَعُوا لَكِنْ لَا يَفْهَمُوا. ”فَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْمَثَلِ: الْبُزُورُ هِيَ كَلِمَةُ اللهِ. فَالْمَزْرُوعُ عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، هُوَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ثُمَّ يَأْتِي إِبْلِيسُ وَيَنْزِعُ الْكَلِمَةَ مِنْ قُلُوبِهِمْ لِكَيْ لَا يُؤْمِنُوا وَيَنْجُوا. وَالْمَزْرُوعُ عَلَى الصَّخْرِ، هُوَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ كَلِمَةَ اللهِ وَيَقْبَلُونَهَا بِفَرَحٍ، وَلَكِنَّهُمْ بِلَا جُذُورٍ، فَيُؤْمِنُونَ فَتْرَةً، ثُمَّ فِي وَقْتِ الْمِحْنَةِ يَتَرَاجَعُونَ. وَالَّذِي سَقَطَ بَيْنَ الشَّوْكِ، هُوَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ، لَكِنْ بَيْنَمَا هُمْ فِي الطَّرِيقِ، تَخْنُقُهُمُ الْهُمُومُ وَالثَّرْوَةُ وَمَلَذَّاتُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَلَا يَنْضَجُ ثَمَرُهُمْ. وَالَّذِي فِي الْأَرْضِ الْجَيِّدَةِ، هُوَ الَّذِينَ قَلْبُهُمْ طَيِّبٌ وَصَالِحٌ، فَيَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ وَيَتَمَسَّكُونَ بِهَا، وَيُثَابِرُونَ حَتَّى يُثْمِرُوا. ”لَا يَصِحُّ أَنْ نُشْعِلَ الْمِصْبَاحَ ثُمَّ نُغَطِّيَهُ بِوِعَاءٍ أَوْ نَضَعَهُ تَحْتَ السَّرِيرِ، بَلْ نَضَعُهُ عَلَى الْمَنَارَةِ لِكَيْ يَرَى الدَّاخِلُونَ النُّورَ. لِأَنَّ كُلَّ سِرٍّ يَظْهَرُ، وَكُلَّ خَفِيٍّ يُعْرَفُ وَيَنْكَشِفُ. إِذَنِ انْتَبِهُوا كَيْفَ تَسْمَعُونَ. مَنْ عِنْدَهُ يُعْطَى أَكْثَرَ، وَمَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ، فَحَتَّى الْقَلِيلُ الَّذِي يَظُنُّهُ لَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ.“ ثُمَّ جَاءَتْ إِلَيْهِ أُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَصِلُوا إِلَيْهِ بِسَبَبِ الزِّحَامِ. فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: ”أُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ وَاقِفُونَ خَارِجَ الدَّارِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَرَوْكَ.“ فَأَجَابَهُمْ: ”أُمِّي وَإِخْوَتِي هُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ وَيَعْمَلُونَ بِهِ.“ وَذَاتَ يَوْمٍ، قَالَ عِيسَـى لِتَلَامِيذِهِ: ”تَعَالَوْا نَعْبُرُ الْبُحَيْرَةَ إِلَى الشَّاطِئِ الْآخَرِ.“ فَرَكِبُوا قَارِبًا وَأَقْلَعُوا. وَبَيْنَمَا هُمْ يَعْبُرُونَ نَامَ. وَهَبَّتْ رِيحٌ عَاصِفَةٌ عَلَى الْبُحَيْرَةِ، وَبَدَأَ الْقَارِبُ يَمْتَلِئُ بِالْمَاءِ وَأَصْبَحُوا فِي خَطَرٍ. فَرَاحُوا وَأَيْقَظُوهُ وَقَالُوا: ”يَا سَيِّدُ، يَا سَيِّدُ، نَحْنُ عَلَى وَشْكِ الْغَرَقِ!“ فَقَامَ وَوَبَّخَ الرِّيحَ وَالْأَمْوَاجَ الْهَائِجَةَ، فَسَكَتَتْ وَسَادَ الْهُدُوءُ. فَقَالَ لَهُمْ: ”أَيْنَ إِيمَانُكُمْ؟“ فَسَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَهُمْ فِي خَوْفٍ وَدَهْشَةٍ: ”مَنْ هَذَا حَتَّى إِنَّهُ يَأْمُرُ الرِّيَاحَ وَالْأَمْوَاجَ فَتُطِيعُهُ؟“ وَأَبْحَرُوا إِلَى بِلَادِ الْجَرَاسِينَ، وَهِيَ تَقَعُ مُقَابِلَ الْجَلِيلِ. فَلَمَّا نَزَلَ عِيسَـى إِلَى الشَّاطِئِ، قَابَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْبَلْدَةِ فِيهِ شَيَاطِينُ. وَكَانَ لَا يَلْبَسُ أَيَّ مَلَابِسَ مُنْذُ زَمَنٍ طَوِيلٍ، وَلَا يَسْكُنُ فِي دَارٍ بَلْ فِي الْمَقَابِرِ. فَلَمَّا رَأَى عِيسَـى، صَرَخَ وَرَمَى نَفْسَهُ قُدَّامَهُ وَهُوَ يَصِيحُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: ”مَا لَكَ بِي يَا عِيسَـى يَا ابْنَ اللهِ الْعَلِيِّ؟ أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ، لَا تُعَذِّبْنِي.“ لِأَنَّ عِيسَـى أَمَرَ الرُّوحَ الشِّرِّيرَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الرَّجُلِ، لِأَنَّهُ كَثِيرًا مَا كَانَ يَسْتَوْلِي عَلَيْهِ، فَيَرْبِطُونَهُ بِالسَّلَاسِلِ وَالْقُيُودِ لِيَحْبِسُوهُ، لَكِنَّهُ كَانَ يُحَطِّمُ الرُّبُطَ وَيَسُوقُهُ الشَّيْطَانُ إِلَى الصَّحْرَاءِ. فَسَأَلَهُ عِيسَى: ”مَا اسْمُكَ؟“ فَقَالَ: ”فِرْقَةٌ.“ لِأَنَّ شَيَاطِينَ كَثِيرَةً دَخَلَتْ فِيهِ. وَتَوَسَّلَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى عِيسَـى أَنْ لَا يَأْمُرَهَا بِالذَّهَابِ إِلَى الْهَاوِيَةِ. وَكَانَ هُنَاكَ قَطِيعٌ كَبِيرٌ مِنَ الْخَنَازِيرِ يَرْعَى عَلَى جَانِبِ الْجَبَلِ. فَتَوَسَّلَتْ إِلَيْهِ أَنْ يَسْمَحَ لَهَا بِأَنْ تَدْخُلَ فِي الْخَنَازِيرِ، فَسَمَحَ لَهَا. فَخَرَجَتِ الشَّيَاطِينُ مِنَ الرَّجُلِ وَدَخَلَتْ فِي الْخَنَازِيرِ. فَانْدَفَعَ الْقَطِيعُ، وَسَقَطَ مِنْ عَلَى الْجَبَلِ إِلَى الْبُحَيْرَةِ وَغَرِقَ. وَلَمَّا رَأَى الرُّعَاةُ مَا جَرَى، هَرَبُوا وَأَخْبَرُوا فِي الْمَدِينَةِ وَفِي الْقُرَى. فَخَرَجَ النَّاسُ لِيَرَوْا مَا جَرَى، وَجَاءُوا إِلَى عِيسَـى، وَوَجَدُوا الرَّجُلَ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الشَّيَاطِينُ، جَالِسًا عِنْدَ قَدَمَيْ عِيسَـى، وَلَابِسًا مَلَابِسَهُ، وَسَلِيمَ الْعَقْلِ، فَخَافُوا. وَأَخْبَرَهُمْ شُهُودُ الْعِيَانِ كَيْفَ أَنَّ الَّذِي كَانَ مَلْبُوسًا بِالشَّيَاطِينِ شُفِيَ. فَطَلَبَ كُلُّ أَهَالِي مِنْطَقَةِ الْجَرَاسِينَ مِنْ عِيسَـى أَنْ يَرْحَلَ عَنْهُمْ، لِأَنَّهُمُ امْتَلَأُوا خَوْفًا. فَرَكِبَ الْقَارِبَ وَرَجَعَ. وَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الشَّيَاطِينُ أَنْ يَذْهَبَ مَعَهُ، لَكِنَّهُ صَرَفَهُ وَقَالَ لَهُ: ”اِرْجِعْ إِلَى دَارِكَ وَأَخْبِرْ بِكُلِّ مَا عَمِلَهُ اللهُ مَعَكَ.“ فَرَاحَ فِي كُلِّ الْبَلْدَةِ وَأَخْبَرَ النَّاسَ بِمَا عَمِلَهُ عِيسَـى لَهُ. وَلَمَّا رَجَعَ عِيسَـى، رَحَّبَ بِهِ الْجُمْهُورُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَنْتَظِرُونَهُ. وَجَاءَ رَجُلٌ اسْمُهُ يَائِرُ، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنَ الْمَسْئُولِينَ عَنْ بَيْتِ الْعِبَادَةِ، وَرَمَى نَفْسَهُ عِنْدَ قَدَمَيْ عِيسَـى، وَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ إِلَى دَارِهِ، لِأَنَّ لَهُ بِنْتًا وَحِيدَةً عُمْرُهَا حَوَالَيِ 12 سَنَةً، كَانَتْ عَلَى وَشْكِ الْمَوْتِ. وَبَيْنَمَا عِيسَـى ذَاهِبٌ، كَانَتِ الْجَمَاهِيرُ تَزْحَمُهُ جِدًّا. وَكَانَتْ هُنَاكَ امْرَأَةٌ عِنْدَهَا نَزِيفُ دَمٍ مُنْذُ 12 سَنَةً. وَمَعَ أَنَّهَا أَنْفَقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا عَلَى الْأَطِبَّاءِ، لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَشْفِيَهَا. فَجَاءَتْ مِنْ خَلْفِهِ، وَلَمَسَتْ طَرَفَ ثَوْبِهِ، وَفِي الْحَالِ تَوَقَّفَ نَزِيفُهَا. فَقَالَ عِيسَـى: ”مَنْ لَمَسَنِي؟“ فَأَنْكَرَ الْجَمِيعُ. فَقَالَ بُطْرُسُ: ”يَا سَيِّدُ، الْجَمَاهِيرُ تُضَيِّقُ عَلَيْكَ وَتَزْحَمُكَ!“ لَكِنَّ عِيسَـى قَالَ: ”وَاحِدٌ لَمَسَنِي، لِأَنِّي شَعَرْتُ بِقُوَّةٍ خَرَجَتْ مِنِّي.“ فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ عَلِمَ بِأَمْرِهَا، جَاءَتْ مُرْتَجِفَةً، وَرَمَتْ نَفْسَهَا عِنْدَ قَدَمَيْهِ، وَأَخْبَرَتْ قُدَّامَ كُلِّ النَّاسِ لِمَاذَا لَمَسَتْهُ وَكَيْفَ أَنَّهَا شُفِيَتْ فِي الْحَالِ. فَقَالَ لَهَا: ”يَا عَزِيزَتِي، إِيمَانُكِ شَفَاكِ، اِذْهَبِي بِالسَّلَامَةِ.“ وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ، جَاءَ وَاحِدٌ مِنْ دَارِ الْمَسْئُولِ عَنْ بَيْتِ الْعِبَادَةِ وَقَالَ لَهُ: ”بِنْتُكَ مَاتَتْ، لَا تُتْعِبِ الْمُعَلِّمَ.“ فَسَمِعَ عِيسَـى وَقَالَ لَهُ: ”لَا تَخَفْ. آمِنْ فَقَطْ وَهِيَ تُشْفَى.“ وَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الدَّارِ، لَمْ يَسْمَحْ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ غَيْرَ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا وَوَالِدِ الْبِنْتِ وَأُمِّهَا. وَكَانَ الْجَمِيعُ يَبْكُونَ وَيَنْدُبُونَ عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُمْ: ”لَا تَبْكُوا. إِنَّهَا لَمْ تَمُتْ، بَلْ هِيَ نَائِمَةٌ.“ فَسَخِرُوا مِنْهُ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهَا مَاتَتْ. لَكِنَّهُ أَمْسَكَ بِيَدِهَا وَنَادَى وَقَالَ: ”يَا صَبِيَّةُ، قُومِي!“ فَرَجَعَتْ رُوحُهَا وَقَامَتْ فِي الْحَالِ. وَأَمَرَ بِأَنْ يُعْطُوهَا شَيْئًا تَأْكُلُهُ. فَانْدَهَشَ وَالِدَاهَا، لَكِنَّهُ أَمَرَهُمَا أَنْ لَا يُخْبِرَا أَحَدًا بِمَا جَرَى. وَجَمَعَ الِـ12 مَعًا، وَأَعْطَاهُمْ قُوَّةً وَسُلْطَةً لِطَرْدِ الشَّيَاطِينِ وَشِفَاءِ الْأَمْرَاضِ. ثُمَّ أَرْسَلَهُمْ لِيُعْلِنُوا بُشْرَى قِيَامِ مَمْلَكَةِ اللهِ وَيَشْفُوا الْمَرْضَى. فَقَالَ لَهُمْ: ”لَا تَأْخُذُوا مَعَكُمْ شَيْئًا لِلطَّرِيقِ لَا عَصًا، وَلَا مِزْوَدًا، وَلَا خُبْزًا، وَلَا نُقُودًا، وَلَا حَتَّى ثَوْبًا إِضَافِيًّا. وَأَيُّ دَارٍ تَدْخُلُونَهَا، أَقِيمُوا فِيهَا حَتَّى تَرْحَلُوا مِنْ هُنَاكَ. فَإِنْ رَفَضُوا أَنْ يَقْبَلُوكُمْ، فَاخْرُجُوا مِنْ بَلْدَتِهِمْ وَانْفُضُوا الْغُبَارَ عَنْ أَرْجُلِكُمْ إِنْذَارًا لَهُمْ.“ فَخَرَجُوا وَمَضَوْا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَى قَرْيَةٍ، وَهُمْ يُنَادُونَ بِالْبُشْرَى وَيَشْفُونَ الْمَرْضَى فِي كُلِّ مَكَانٍ. وَسَمِعَ هِيرُودِسُ الْحَاكِمُ بِكُلِّ مَا كَانَ يَجْرِي، فَتَحَيَّرَ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ كَانُوا يَقُولُونَ: ”يَحْيَى قَامَ مِنَ الْمَوْتِ.“ وَالْبَعْضَ: ”إِلْيَاسُ ظَهَرَ.“ وَالْبَعْضَ: ”نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الْأَوَّلِينَ قَامَ إِلَى الْحَيَاةِ.“ أَمَّا هِيرُودِسُ فَقَالَ: ”يَحْـيَى، أَنَا قَطَعْتُ رَأْسَهُ. فَمَنْ هَذَا الَّذِي أَسْمَعُ عَنْهُ هَذِهِ الْأُمُورَ؟“ وَكَانَ يَرْغَبُ فِي أَنْ يَرَاهُ. وَلَمَّـا رَجَـعَ الرُّسُـلُ، أَخْـبَرُوا عِيسَـى بِكُلِّ مَا عَمِـلُوهُ. فَأَخَذَهُـمْ وَانْصَـرَفُوا وَحْدَهُـمْ إِلَى بَلْدَةٍ اسْـمُهَا بَيْتُ صَـيْدَا. فَعَرَفَ النَّاسُ وَتَبِعُوهُ، فَرَحَّـبَ بِهِـمْ وَعَلَّمَهُـمْ عَنْ مَمْلَكَةِ اللهِ، وَشَـفَى مَـنْ كَانُوا مُحْتَاجِـينَ إِلَى الشِّـفَاءِ. وَقُرْبَ الْمَسَـاءِ جَـاءَ الِـ12 وَقَالُوا لَهُ: ”اِصْـرِفِ النَّاسَ لِيَذْهَبُوا إِلَى الْقُرَى وَالْمَـزَارِعِ الْقَرِيبَةِ، لِكَيْ يَجِـدُوا طَعَامًا وَيَبِيتُوا، لِأَنَّنَا هُنَا فِي مَـكَانٍ مُـنْعَزِلٍ.“ فَقَالَ لَهُـمْ: ”أَعْطُوهُـمْ أَنْـتُمْ لِيَأْكُلُوا.“ فَقَالُوا: ”لَيْسَ عِنْدَنَا أَكْثَرُ مِـنْ 5 أَرْغِفَةٍ وَسَـمَكَتَيْنِ إِلَّا إِنْ كُنَّا نَذْهَبُ وَنَشْـتَرِي طَـعَامًا لِكُلِّ هَذَا الشَّـعْبِ!“ لِأَنَّهُـمْ كَانُوا حَـوَالَيْ 5000 رَجُـلٍ. فَقَالَ لِتَلَامِـيذِهِ: ”أَجْلِسُوهُمْ فِي جَمَـاعَاتٍ، كُلُّ جَـمَاعَةٍ حَـوَالَيْ 50.“ فَفَعَلُوا وَأَجْلَسُوهُـمْ كُلَّهُـمْ. فَأَخَـذَ الْأَرْغِفَةَ الْـ5 وَالسَّـمَكَتَيْنِ، وَنَظَرَ إِلَى فَوْقُ، إِلَى السَّـمَاءِ، وَشَكَرَ اللهَ عَلَى الطَّعَامِ، ثُـمَّ قَسَّمَ وَأَعْطَى التَّلَامِـيذَ لِيُقَدِّمُـوا لِلنَّاسِ. فَأَكَلُوا كُلُّهُـمْ حَـتَّى شَـبِعُوا. وَرَفَعُوا مَـا فَضَـلَ، 12 قُفَّةً مِـنَ الْكِسَـرِ. وَذَاتَ مَـرَّةٍ، كَانَ يُصَـلِّي عَلَى انْفِرَادٍ. وَكَانَ التَّلَامِـيذُ مَـعَهُ فَسَـأَلَهُمْ: ”فِي رَأْيِ النَّاسِ، مَنْ أَنَا؟“ فَأَجَـابُوا: ”الْبَعْضُ يَقُـولُ إِنَّكَ يَحْـيَى الْمُغَطِّـسُ، وَالْبَعْضُ إِنَّكَ إِلْيَاسُ، وَالْبَعْضُ الْآخَـرُ يَقُـولُ إِنَّكَ نَبِيٌّ مِـنَ الْأَنْبِيَاءِ الْأَوَّلِينَ قَـامَ إِلَى الْحَـيَاةِ.“ فَقَـالَ لَهُـمْ: ”وَفِي رَأْيِكُمْ أَنْتُمْ، مَـنْ أَنَا؟“ أَجَـابَ بُطْـرُسُ: ”أَنْتَ هُوَ الْمَسِـيحُ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللهُ.“ فَحَـذَّرَهُمْ بِشِـدَّةٍ مِنْ أَنْ يَقُـولُوا هَـذَا لِأَحَـدٍ. وَقَالَ: ”الَّذِي صَارَ بَشَرًا يَجِـبُ أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيرًا، وَيَرْفُضَـهُ الشُّـيُوخُ وَرُؤَسَـاءُ الْأَحْبَارِ وَالْفُقَهَـاءُ، وَيُقْـتَلَ، ثُمَّ يَقُـومَ حَـيًّا فِي الْيَوْمِ الثَّالِـثِ.“ وَقَالَ لِلْجَمِـيعِ: ”مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَـنِي، فَيَجِـبُ عَـلَيْهِ أَنْ يَتَخَـلَّى عَنْ ذَاتِهِ، وَيَحْـمِلَ صَـلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ وَيَتْبَعَنِي. لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُنْقِـذَ حَـيَاتَهُ يَفْقِدُهَـا. أَمَّـا مَنْ فَقَدَ حَـيَاتَهُ فِي سَـبِيلِي فَإِنَّهُ يُنْقِـذُهَا. لِأَنَّهُ مَاذَا يَسْتَفِيدُ الْإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ، لَكِنَّهُ خَسِرَ نَفْسَهُ أَوْ ضَيَّعَهَا؟ كُلُّ مَنْ يَخْجَلُ مِنِّي وَمِنْ كَلَامِي، يَخْجَلُ مِنْهُ الَّذِي صَارَ بَشَرًا حِينَ يَجِيءُ فِي جَلَالِهِ وَفِي جَلَالِ الْأَبِ وَالْمَلَائِكَةِ الْأَطْهَارِ. وَأَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، بَعْضُ الْمَوْجُودِينَ هُنَا لَنْ يَمُوتُوا حَتَّى يَرَوْا مَمْلَكَةَ اللهِ.“ وَبَعْدَ هَذَا الْكَلَامِ بِحَوَالَيْ 8 أَيَّامٍ، أَخَذَ عِيسَـى بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا وَيَعْقُوبَ وَصَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ لِيُصَلِّيَ. وَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي، تَغَيَّرَ مَنْظَرُ وَجْهِهِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ لَامِعَةً. وَفَجْأَةً كَانَ يَتَكَلَّمُ مَعَهُ رَجُلَانِ هُمَا مُوسَى وَإِلْيَاسُ. فَقَدْ ظَهَرَا فِي جَلَالٍ، وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ عَنْ رَحِيلِهِ الَّذِي سَيُتَمِّمُهُ فِي الْقُدْسِ. وَكَانَ النُّعَاسُ قَدْ غَلَبَ عَلَى بُطْرُسَ وَصَاحِبَيْهِ. لَكِنَّهُمْ لَمَّا أَفَاقُوا، رَأَوْا جَلَالَ عِيسَـى وَالرَّجُلَيْنِ الْوَاقِفَيْنِ مَعَهُ. وَبَيْنَمَا هُمَا يُفَارِقَانِهِ، قَالَ بُطْرُسُ لِعِيسَـى: ”يَا سَيِّدُ، مَا أَحْلَى أَنَّنَا مَعًا هُنَا! إِذَنْ نَعْمَلُ 3 خِيَامٍ، وَاحِدَةً لَكَ، وَوَاحِدَةً لِمُوسَى، وَوَاحِدَةً لِإِلْيَاسَ.“ وَكَانَ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ. وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ، جَاءَتْ سَحَابَةٌ وَغَطَّتْهُمْ، فَخَافُوا لَمَّا دَخَلُوا فِي السَّحَابَةِ. وَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ يَقُولُ: ”هَذَا هُوَ ابْنِيَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ، اِسْمَعُوا لَهُ.“ وَبَعْدَمَا تَكَلَّمَ الصَّوْتُ، وَجَدُوا عِيسَـى وَحْدَهُ! فَسَكَتُوا وَلَمْ يُخْبِرُوا أَحَدًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَنْ أَيِّ شَيْءٍ مِمَّا رَأَوْهُ. وَفِي الْغَدِ لَمَّا نَزَلُوا مِنَ الْجَبَلِ، قَابَلَهُمْ جُمْهُورٌ غَفِيرٌ. وَصَرَخَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِ الْجُمْهُورِ وَقَالَ: ”يَا مُعَلِّمُ، أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى ابْنِي، فَهُوَ وَلَدِيَ الْوَحِيدُ، يَجِيءُ عَلَيْهِ رُوحٌ بِلَا مُقَدِّمَاتٍ، فَيَصْرُخُ فَجْأَةً، وَيَجْعَلُهُ يَتَلَوَّى وَيُرْغِي بِفَمِهِ، وَلَا يَتْرُكُهُ إِلَّا وَبِهِ إِصَابَاتٌ. وَطَلَبْتُ مِنْ تَلَامِيذِكَ أَنْ يَطْرُدُوهُ، فَلَمْ يَقْدِرُوا.“ فَأَجَابَ عِيسَـى: ”يَا شَعْبٌ غَيْرُ مُؤْمِنٍ وَضَالٌّ! إِلَى مَتَى أَبْقَى مَعَكُمْ وَأَحْتَمِلُكُمْ؟ هَاتِ ابْنَكَ هُنَا.“ وَبَيْنَمَا هُوَ قَادِمٌ، رَمَاهُ الشَّيْطَانُ عَلَى الْأَرْضِ وَجَعَلَهُ يَتَلَوَّى. لَكِنَّ عِيسَـى وَبَّخَ الرُّوحَ الشِّرِّيرَ، وَشَفَى الْوَلَدَ، وَأَعْطَاهُ لِأَبِيهِ. فَتَعَجَّبَ الْجَمِيعُ مِنْ عَظَمَةِ اللهِ. وَبَيْنَمَا كَانَ الْجَمِيعُ مُعْجَبِينَ بِكُلِّ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ عِيسَـى، قَالَ لِتَلَامِيذِهِ: ”اِنْتَبِهُوا إِلَى هَذَا الْكَلَامِ، الَّذِي صَارَ بَشَرًا سَيُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ.“ لَكِنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا هَذَا الْكَلَامَ، فَكَانَ غَامِضًا عَلَيْهِمْ لِكَيْ لَا يَفْهَمُوا مَعْنَاهُ، وَخَافُوا أَنْ يَسْأَلُوهُ عَنْهُ. وَحَدَثَ بَيْنَ تَلَامِيذِهِ جِدَالٌ بِشَأْنِ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ وَاحِدٍ فِيهِمْ. لَكِنَّ عِيسَـى كَانَ يَعْلَمُ أَفْكَارَهُمْ. فَأَخَذَ طِفْلًا، وَأَوْقَفَهُ بِجِوَارِهِ. وَقَالَ لَهُمْ: ”مَنْ يَقْبَلُ هَذَا الطِّفْلَ إِكْرَامًا لِاسْمِي يَقْبَلُنِي. وَمَنْ يَقْبَلُنِي يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي. لِأَنَّ أَصْغَرَ وَاحِدٍ فِيكُمْ كُلِّكُمْ هُوَ أَعْظَمُ وَاحِدٍ.“ فَأَجَابَ يُوحَنَّا: ”يَا سَيِّدُ، رَأَيْنَا وَاحِدًا يَطْرُدُ الشَّيَاطِينَ بِقُوَّةِ اسْمِكَ، فَحَاوَلْنَا أَنْ نَمْنَعَهُ لِأَنَّهُ لَا يَتْبَعُكَ مَعَنَا.“ فَقَالَ لَهُ عِيسَـى: ”لَا تَمْنَعُوهُ! مَنْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ فَهُوَ مَعَكُمْ.“ وَلَمَّا حَانَ وَقْتُهُ لِيُرْفَعَ إِلَى السَّمَاءِ، خَرَجَ مُصَمِّمًا أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْقُدْسِ. وَأَرْسَلَ قُدَّامَهُ رُسُلًا، فَذَهَبُوا وَدَخَلُوا قَرْيَةً سَامِرِيَّةً لِكَيْ يُجَهِّزُوا لَهُ مَا يَلْزَمُ. فَرَفَضَ أَهْلُهَا أَنْ يَقْبَلُوهُ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَّجِهًا إِلَى الْقُدْسِ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ تِلْمِيذَاهُ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا، قَالَا: ”يَا سَيِّدُ، هَلْ تُرِيدُ أَنْ نَأْمُرَ فَتَنْزِلَ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ وَتَحْرِقَهُمْ؟“ فَالْتَفَتَ عِيسَـى وَوَبَّخَهُمَا. وَذَهَبُوا إِلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى. وَبَيْنَمَا كَانُوا سَائِرِينَ فِي الطَّرِيقِ، قَالَ لَهُ رَجُلٌ: ”أَتْبَعُكَ فِي أَيِّ مَكَانٍ تَذْهَبُ إِلَيْهِ.“ فَقَالَ لَهُ عِيسَـى: ”لِلثَّعْلَبِ جُحْرٌ وَلِلطَّيْرِ عُشٌ، أَمَّا الَّذِي صَارَ بَشَرًا فَلَيْسَ لَهُ مَكَانٌ يُسْنِدُ فِيهِ رَأْسَهُ.“ وَقَالَ لِوَاحِدٍ آخَرَ: ”اِتْبَعْنِي.“ فَأَجَابَهُ: ”يَا سَيِّدِي، اِسْمَحْ لِي أَوَّلًا أَنْ أَذْهَبَ وَأَدْفِنَ وَالِدِي.“ لَكِنَّهُ قَالَ لَهُ: ”خَلِّ الْمَوْتَى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ، أَمَّا أَنْتَ فَاذْهَبْ وَأَعْلِنْ بُشْرَى قِيَامِ مَمْلَكَةِ اللهِ.“ وَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ آخَرُ: ”يَا سَيِّدِي، سَأَتْبَعُكَ لَكِنِ اسْمَحْ لِي أَوَّلًا أَنْ أُوَدِّعَ أَهْلِي.“ فَقَالَ لَهُ عِيسَـى: ”مَنْ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْمِحْرَاثِ ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى الْوَرَاءِ، لَا يَصْلُحُ لِمَمْلَكَةِ اللهِ.“ بَعْدَ هَذَا، عَيَّنَ الْمَسِيحُ 72 آخَرِينَ، وَأَرْسَلَهُمْ قُدَّامَهُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، إِلَى كُلِّ بَلَدٍ وَمَكَانٍ حَيْثُ كَانَ يَنْوِي أَنْ يَذْهَبَ. وَقَالَ لَهُمْ: ”الْحَصَادُ كَثِيرٌ لَكِنَّ الْعُمَّالَ قَلِيلُونَ، فَاسْأَلُوا صَاحِبَ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ عُمَّالًا إِلَى حَصَادِهِ. اِذْهَبُوا، فَأَنَا أُرْسِلُكُمْ مِثْلَ حُمْلَانٍ وَسْطَ ذِئَابٍ. لَا تَأْخُذُوا مَعَكُمْ مَحْفَظَةً، وَلَا مِزْوَدًا، وَلَا حِذَاءً، وَلَا تُسَلِّمُوا عَلَى أَحَدٍ فِي الطَّرِيقِ. وَأَيُّ دَارٍ تَدْخُلُونَهَا، قُولُوا أَوَّلًا: ’السَّلَامُ عَلَى هَذِهِ الدَّارِ‘، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ رَجُلُ السَّلَامِ، يَحِلُّ سَلَامُكُمْ عَلَيْهِ، وَإِلَّا يَرْجِعُ إِلَيْكُمْ. وَأَقِيمُوا فِي نَفْسِ الدَّارِ تَأْكُلُونَ وَتَشْرَبُونَ مَا يُقَدِّمُونَهُ، لِأَنَّ الْعَامِلَ يَسْتَحِقُّ أُجْرَتَهُ. فَلَا تَنْتَقِلُوا مِنْ دَارٍ إِلَى دَارٍ. ”وَمَتَى دَخَلْتُمْ بَلْدَةً، وَرَحَّبَ أَهْلُهَا بِكُمْ، فَكُلُوا مَا يُقَدَّمُ لَكُمْ، وَاشْفُوا الْمَرْضَى الَّذِينَ فِيهَا وَقُولُوا: ’أَوْشَكَ اللهُ أَنْ يُقِيمَ مَمْلَكَتَهُ بَيْنَكُمْ.‘ لَكِنْ مَتَى دَخَلْتُمْ بَلْدَةً، وَلَمْ يُرَحِّبْ أَهْلُهَا بِكُمْ، فَاخْرُجُوا إِلَى شَوَارِعِهَا وَقُولُوا: ’حَتَّى غُبَارُ بَلْدَتِكُمُ الَّذِي لَصِقَ بِأَرْجُلِنَا، نَحْنُ نَنْفُضُهُ عَلَيْكُمْ. إِنَّمَا اعْلَمُوا هَذَا، أَوْشَكَ اللهُ أَنْ يُقِيمَ مَمْلَكَتَهُ.‘ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ حَالَةَ سَدُومَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، سَتَكُونُ أَسْهَلَ مِنْ حَالَةِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ. ”الْوَيْلُ لَكِ يَا كُورَزِينُ! الْوَيْلُ لَكِ يَا بَيْتَ صَيْدَا! فَلَوْ جَرَى فِي صُورَ وَصَيْدَا مَا جَرَى عِنْدَكُمَا مِنْ مُعْجِزَاتٍ، لَتَابَ أَهْلُهُمَا مِنْ زَمَنٍ بَعِيدٍ، وَعَبَّرُوا عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ جَلَسُوا لَابِسِينَ الْخَيْشَ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمُ الرَّمَادُ. لَكِنَّ حَالَةَ صُورَ وَصَيْدَا فِي الْحِسَابِ سَتَكُونُ أَسْهَلَ مِنْ حَالَتِكُمَا. وَأَنْتِ يَا كَفْرَنَاحُومَ، هَلْ تَرْتَفِعِينَ إِلَى السَّمَاءِ؟ لَا، بَلْ إِلَى الْهَاوِيَةِ تَهْبِطِينَ. ”مَنْ يَسْمَعُ لَكُمْ يَسْمَعُ لِي، وَمَنْ يَرْفُضُكُمْ يَرْفُضُنِي، وَمَنْ يَرْفُضُنِي يَرْفُضُ الَّذِي أَرْسَلَنِي.“ وَرَجَعَ الِـ72 فَرْحَانِينَ وَقَالُوا: ”يَا سَيِّدُ، حَتَّى الشَّيَاطِينُ تَخْضَعُ لَنَا بِقُوَّةِ اسْمِكَ!“ فَقَالَ لَهُمْ: ”رَأَيْتُ الشَّيْطَانَ يَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ مِثْلَ الْبَرْقِ. أَنَا أَعْطَيْتُكُمُ السُّلْطَةَ لِكَيْ تَدُوسُوا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَكُلَّ قُوَّةٍ لِلْعَدُوِّ، وَلَا يَضُرَّكُمْ شَيْءٌ. لَكِنْ لَا تَفْرَحُوا بِأَنَّ الْأَرْوَاحَ تَخْضَعُ لَكُمْ، بَلِ افْرَحُوا بِأَنَّ أَسْمَاءَكُمْ كُتِبَتْ فِي السَّمَاءِ.“ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ امْتَلَأَ عِيسَـى بِالْفَرَحِ بِالرُّوحِ الْقُدُّوسِ وَقَالَ: ”أَحْمَدُكَ يَا أَبِي، يَا رَبَّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، لِأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هَذِهِ الْأُمُورَ عَنِ الْحُكَمَاءِ وَالْعُلَمَاءِ، وَكَشَفْتَهَا لِلْبُسَطَاءِ. نَعَمْ يَا أَبِي، لِأَنَّ هَذِهِ مَشِيئَتُكَ الصَّالِحَةُ. ”أَبِي أَوْكَلَ لِي كُلَّ شَيْءٍ، لَا أَحَدَ يَعْرِفُ مَنْ هُوَ الِابْنُ إِلَّا الْأَبُ، وَلَا أَحَدَ يَعْرِفُ مَنْ هُوَ الْأَبُ إِلَّا الِابْنُ وَالَّذِينَ يَشَاءُ الِابْنُ أَنْ يَكْشِفَهُ لَهُمْ.“ وَالْتَفَتَ إِلَى تَلَامِيذِهِ وَقَالَ لَهُمْ عَلَى حِدَةٍ: ”هَنِيئًا لِلْعُيُونِ الَّتِي تَرَى مَا تَرَوْنَ. لِأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ، إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُلُوكِ أَرَادُوا أَنْ يَرَوْا مَا تَرَوْنَ وَلَمْ يَرَوْا، وَأَنْ يَسْمَعُوا مَا تَسْمَعُونَ وَلَمْ يَسْمَعُوا.“ وَذَاتَ مَرَّةٍ، قَامَ وَاحِدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ لِيَمْتَحِنَ عِيسَـى فَقَالَ: ”يَا مُعَلِّمُ، مَاذَا أَعْمَلُ لِكَيْ تَكُونَ حَيَاةُ الْخُلُودِ مِنْ نَصِيبِي؟“ قَالَ لَهُ عِيسَـى: ”مَاذَا تَقُولُ التَّوْرَاةُ؟ مَاذَا تَقْرَأُ فِيهَا؟“ أَجَابَ: ”أَحِبَّ الْمَوْلَى إِلَهَكَ بِكُلِّ قَلْبِكَ وَكُلِّ نَفْسِكَ، وَكُلِّ قُدْرَتِكَ، وَكُلِّ فِكْرِكَ، وَأَحِبَّ الْآخَرِينَ كَمَا تُحِبُّ نَفْسَكَ.“ فَقَالَ لَهُ: ”جَوَابُكَ صَحِيحٌ، اِعْمَلْ هَذَا فَتَحْيَا.“ لَكِنَّ الرَّجُلَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّرَ نَفْسَهُ، فَقَالَ لِعِيسَـى: ”مَنْ تَقْصِدُ بِالْآخَرِينَ؟“ أَجَابَهُ عِيسَـى: ”كَانَ رَجُلٌ نَازِلًا مِنَ الْقُدْسِ إِلَى أَرِيحَا، فَوَقَعَ فِي أَيْدِي لُصُوصٍ، فَنَزَعُوا عَنْهُ ثِيَابَهُ وَضَرَبُوهُ، وَتَرَكُوهُ بَيْنَ حَيٍّ وَمَيِّتٍ وَمَضَوْا. وَتَصَادَفَ أَنَّ أَحَدَ رِجَالِ الدِّينِ كَانَ نَازِلًا فِي نَفْسِ الطَّرِيقِ، فَلَمَّا رَآهُ، سَارَ فِي النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى مِنَ الطَّرِيقِ وَمَضَى. وَبِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ، وَصَلَ عِنْدَ الْمَكَانِ أَحَدُ خُدَّامِ بَيْتِ اللهِ، فَلَمَّا رَآهُ، سَارَ فِي النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى مِنَ الطَّرِيقِ وَمَضَى. لَكِنَّ سَامِرِيًّا كَانَ مُسَافِرًا، وَصَلَ عِنْدَ الرَّجُلِ، فَلَمَّا رَآهُ أَشْفَقَ عَلَيْهِ. فَاقْتَرَبَ مِنْهُ، وَصَبَّ زَيْتًا وَخَمْرًا عَلَى جُرُوحِهِ وَرَبَطَهَا، ثُمَّ أَرْكَبَ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ، وَأَخَذَهُ إِلَى فُنْدُقٍ وَاعْتَنَى بِهِ. وَفِي الْغَدِ، أَخْرَجَ عُمْلَتَيْنِ مِنَ الْفِضَّةِ، وَأَعْطَاهُمَا لِصَاحِبِ الْفُنْدُقِ وَقَالَ لَهُ: ’اِعْتَنِ بِهِ، وَإِنْ أَنْفَقْتَ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا، أَدْفَعُهُ لَكَ عِنْدَمَا أَرْجِعُ.‘ ”فَفِي رَأْيِكَ، أَيُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الـ3، قَامَ بِالْوَاجِبِ نَحْوَ الَّذِي وَقَعَ فِي أَيْدِي اللُّصُوصِ؟“ أَجَابَهُ عَالِمُ الشَّرِيعَةِ: ”الَّذِي عَامَلَهُ بِالرَّحْمَةِ.“ فَقَالَ عِيسَـى: ”اِذْهَبْ وَاعْمَلْ مِثْلَهُ.“ وَلَمَّا كَانَ عِيسَـى وَتَلَامِيذُهُ فِي الطَّرِيقِ، وَصَلَ إِلَى قَرْيَةٍ. فَأَضَافَتْهُ سَيِّدَةٌ اسْمُهَا مَرْثَا فِي دَارِهَا. وَكَانَتْ لَهَا أُخْتٌ اسْمُهَا مَرْيَمُ جَلَسَتْ عِنْدَ قَدَمَيِ الْمَسِيحِ لِتَسْمَعَ كَلَامَهُ. أَمَّا مَرْثَا فَكَانَتْ مُرْتَبِكَةً بِالشُّغْلِ الْكَثِيرِ. فَجَاءَتْ وَقَالَتْ: ”يَا سَيِّدِي، أَلَا يَهُمُّكَ أَنَّ أُخْتِي تَرَكَتْنِي أَشْتَغِلُ وَحْدِي؟ قُلْ لَهَا أَنْ تُسَاعِدَنِي!“ أَجَابَهَا عِيسَـى: ”يَا مَرْثَا، يَا مَرْثَا، أَنْتِ مُهْتَمَّةٌ وَمُضْطَرِبَةٌ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ، مَعَ أَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ. مَرْيَمُ اخْتَارَتْ أَحْسَنَ نَصِيبٍ، وَلَنْ يُؤْخَذَ مِنْهَا.“ وَذَاتَ يَوْمٍ، كَانَ عِيسَـى يُصَلِّي فِي مَكَانٍ مَا. فَلَمَّا انْتَهَى، قَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ تَلَامِيذِهِ: ”يَا سَيِّدُ، عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ كَمَا عَلَّمَ يَحْـيَى تَلَامِيذَهُ.“ فَقَالَ لَهُمْ: ”مَتَى صَلَّيْتُمْ قُولُوا: أَيُّهَا الْأَبُ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِتَأْتِ مَمْلَكَتُكَ. اُرْزُقْنَا كُلَّ يَوْمٍ مَا يَكْفِينَا مِنْ خُبْزٍ. وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا، لِأَنَّنَا نَحْنُ نُسَامِحُ كُلَّ مَنْ يُذْنِبُ إِلَيْنَا. وَلَا تُدْخِلْنَا فِي مِحْنَةٍ.“ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: ”لِنَفْرِضْ أَنَّ أَحَدَكُمْ لَهُ صَدِيقٌ، فَيَأْتِي إِلَيْكَ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ وَيَقُولُ لَكَ: ’يَا صَدِيقِي، أَقْرِضْنِي 3 أَرْغِفَةٍ. لِأَنَّ صَدِيقًا فِي سَفَرٍ جَاءَنِي، وَلَيْسَ عِنْدِي مَا أُقَدِّمُهُ لَهُ.‘ فَتَرُدَّ عَلَيْهِ مِنَ الدَّاخِلِ وَتَقُولَ: ’لَا تُزْعِجْنِي! أَغْلَقْنَا الْبَابَ، وَأَنَا وَأَوْلَادِي فِي الْفِرَاشِ، لَا أَقْدِرُ أَنْ أَقُومَ وَأُعْطِيَكَ.‘ أَقُولُ لَكُمْ، مَعَ أَنَّكَ لَا تَقُومُ وَتُعْطِيهِ عَلَى أَسَاسِ أَنَّهُ صَدِيقُكَ، لَكِنْ بِسَبَبِ إِلْحَاحِهِ تَقُومُ وَتُعْطِيهِ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ. ”فَأَقُولُ لَكُمْ: اِسْأَلُوا تُعْطَوْا، اُطْلُبُوا تَجِدُوا، اُطْرُقُوا عَلَى الْبَابِ يُفْتَحْ لَكُمْ. لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَنَالُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَطْرُقُ عَلَى الْبَابِ يُفْتَحُ لَهُ. مَنْ مِنْكُمْ أَيُّهَا الْآبَاءُ، إِذَا طَلَبَ ابْنُكَ مِنْكَ سَمَكَةً، تُعْطِيهِ حَيَّةً بَدَلَ السَّمَكَةِ؟ أَوْ إِذَا طَلَبَ بَيْضَةً، تُعْطِيهِ عَقْرَبًا؟ فَإِنْ كُنْتُمْ أَنْتُمُ الْأَشْرَارَ، تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا عَطَايَا صَالِحَةً لِأَوْلَادِكُمْ، فَكَمْ بِالْأَوْلَى الْأَبُ السَّمَائِيُّ يُعْطِي الرُّوحَ الْقُدُّوسَ لِلَّذِينَ يَطْلُبُونَ مِنْهُ!“ وَكَانَ يَطْرُدُ شَيْطَانًا أَخْرَسَ. فَلَمَّا خَرَجَ الشَّيْطَانُ، تَكَلَّمَ الرَّجُلُ الْأَخْرَسُ، فَتَعَجَّبَ النَّاسُ. لَكِنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: ”إِنَّهُ يَطْرُدُ الشَّيَاطِينَ بِوَاسِطَةِ بَعْلَزَبُولَ رَئِيسِ الشَّيَاطِينِ.“ وَطَلَبَ آخَرُونَ مِنْهُ آيَةً مِنَ السَّمَاءِ لِيَخْتَبِرُوهُ. فَعَرَفَ أَفْكَارَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: ”كُلُّ مَمْلَكَةٍ تَنْقَسِمُ عَلَى نَفْسِهَا تَخْرَبُ، وَكُلُّ عَائِلَةٍ تَنْقَسِمُ عَلَى نَفْسِهَا تَنْهَارُ. فَإِنِ انْقَسَمَ الشَّيْطَانُ عَلَى نَفْسِهِ، كَيْفَ تَصْمُدُ مَمْلَكَتُهُ؟ أَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنِّي أَطْرُدُ الشَّيَاطِينَ بِوَاسِطَةِ بَعْلَزَبُولَ، فَإِنْ كُنْتُ أَنَا أَطْرُدُ الشَّيَاطِينَ بِوَاسِطَةِ بَعْلَزَبُولَ، فَبِوَاسِطَةِ مَنْ يَطْرُدُهُمْ أَتْبَاعُكُمْ؟ لِذَلِكَ هُمْ يَحْكُمُونَ عَلَيْكُمْ. لَكِنْ إِنْ كُنْتُ بِإِصْبَعِ اللهِ أَطْرُدُ الشَّيَاطِينَ، إِذَنْ قَدْ أَقَامَ اللهُ مَمْلَكَتَهُ بَيْنَكُمْ. ”عِنْدَمَا يَحْرُسُ الرَّجُلُ الْقَوِيُّ الْمُسَلَّحُ دَارَهُ، تَكُونُ أَمْوَالُهُ فِي أَمَانٍ. لَكِنْ إِذَا هَجَمَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ أَقْوَى مِنْهُ وَغَلَبَهُ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ سِلَاحَهُ الَّذِي يَتَّكِلُ عَلَيْهِ، وَيُوَزِّعُ الْغَنِيمَةَ. مَنْ لَيْسَ مَعِي فَهُوَ عَلَيَّ، وَمَنْ لَا يَجْمَعُ مَعِي فَهُوَ يُفَرِّقُ. ”مَتَى خَرَجَ الرُّوحُ الشِّرِّيرُ مِنْ إِنْسَانٍ، يَذْهَبُ إِلَى أَمَاكِنَ قَاحِلَةٍ بَحْثًا عَنِ الرَّاحَةِ، فَلَا يَجِدُهَا. فَيَقُولُ: ’أَرْجِعُ إِلَى بَيْتِيَ الَّذِي خَرَجْتُ مِنْهُ.‘ فَيَأْتِي وَيَجِدُهُ نَظِيفًا وَمُرَتَّبًا، فَيَذْهَبُ وَيُحْضِرُ مَعَهُ 7 أَرْوَاحٍ أُخْرَى أَكْثَرَ مِنْهُ شَرًّا. فَتَدْخُلُ الْأَرْوَاحُ، وَتَسْكُنُ هُنَاكَ، فَتَكُونُ حَالَةُ ذَلِكَ الْإِنْسَانِ الْأَخِيرَةُ أَسْوَأَ مِنْ حَالَتِهِ الْأُولَى.“ وَبَيْنَمَا عِيسَى يَقُولُ هَذَا، رَفَعَتْ سَيِّدَةٌ مِنَ الْجُمْهُورِ صَوْتَهَا وَقَالَتْ لَهُ: ”هَنِيئًا لِأُمِّكَ الَّتِي وَلَدَتْكَ وَأَرْضَعَتْكَ.“ فَقَالَ: ”بَلْ هَنِيئًا لِمَنْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ وَيَعْمَلُونَ بِهِ.“ وَلَمَّا ازْدَحَمَ الْجُمْهُورُ، أَخَذَ يَقُولُ: ”هَذَا شَعْبٌّ شِرِّيرٌ، وَهُوَ يَطْلُبُ آيَةً، وَلَنْ يُعْطَى آيَةً غَيْرَ آيَةِ يُونِسَ. فَكَمَا كَانَ يُونِسُ آيَةً لِأَهْلِ مَدِينَةِ نِينَوَى، كَذَلِكَ يَكُونُ الَّذِي صَارَ بَشَرًا لِهَذَا الشَّعْبِ. سَتَقُومُ مَلِكَةُ الْجَنُوبِ فِي يَوْمِ الدِّينِ مَعَ أَهْلِ هَذَا الْجِيلِ وَتَحْكُمُ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهَا جَاءَتْ مِنْ آخِرِ الْأَرْضِ لِتَسْمَعَ حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ، وَهُنَا أَعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَانَ. وَسَيَقُومُ أَهْلُ مَدِينَةِ نِينَوَى فِي يَوْمِ الدِّينِ مَعَ هَذَا الْجِيلِ وَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ أَهْلَ نِينَوَى تَابُوا لَمَّا أَنْذَرَهُمْ يُونِسُ، وَهُنَا أَعْظَمُ مِنْ يُونِسَ. ”لَا أَحَدَ يُشْعِلُ الْمِصْبَاحَ ثُمَّ يَضَعُهُ فِي مَخْبَأٍ أَوْ تَحْتَ الْمِكْيَالِ! بَلْ يُوضَعُ عَلَى الْمَنَارَةِ لِكَيْ يَرَى الدَّاخِلُونَ النُّورَ. عَيْنُكَ هِيَ مِصْبَاحُ جِسْمِكَ. عِنْدَمَا تَكُونُ عَيْنُكَ سَلِيمَةً، يَكُونُ جِسْمُكَ كُلُّهُ مُنَوَّرًا. وَعِنْدَمَا تَكُونُ شِرِّيرَةً، يَكُونُ جِسْمُكَ مُظْلِمًا. إِذَنِ انْتَبِهْ، لِئَلَّا يَكُونَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلَامًا! فَإِنْ كَانَ جِسْمُكَ كُلُّهُ مُنَوَّرًا، وَلَيْسَ فِيهِ أَيُّ جُزْءٍ مُظْلِمٍ، فَإِنَّهُ يُنِيرُ بِكَامِلِهِ كَمَا لَوْ أَضَاءَ عَلَيْكَ مِصْبَاحٌ بِنُورِهِ.“ وَلَمَّا انْتَهَى مِنَ الْكَلَامِ، دَعَاهُ وَاحِدٌ فَرِّيسِيٌّ لِيَأْكُلَ عِنْدَهُ. فَدَخَلَ وَجَلَسَ إِلَى الْمَائِدَةِ. فَلَمَّا رَأَى الْفَرِّيسِيُّ ذَلِكَ، اِنْدَهَشَ لِأَنَّ عِيسَـى لَمْ يَغْتَسِلْ قَبْلَ الْأَكْلِ. فَقَالَ لَهُ عِيسَى: ”أَنْتُمُ الْفَرِّيسِيِّونَ تُنَظِّفُونَ الْكَأْسَ وَالصَّحْنَ مِنَ الْخَارِجِ، وَلَكِنَّكُمْ مِنَ الدَّاخِلِ مَمْلُوءُونَ مِنَ النَّهْبِ وَالْفَسَادِ. يَا أَغْبِيَاءُ! أَلَيْسَ الَّذِي صَنَعَ الْخَارِجَ صَنَعَ الدَّاخِلَ أَيْضًا؟ أَعْطُوا مَا عِنْدَكُمْ صَدَقَةً، فَيَكُونَ كُلُّ شَيْءٍ نَقِيًّا لَكُمْ. الْوَيْلُ لَكُمْ أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّونَ! فَإِنَّكُمْ تُعْطُونَ للهِ الْعُشْرَ مِنَ النَّعْنَاعِ وَالسَّذَّابِ وَسَائِرِ الْأَعْشَابِ، وَتُهْمِلُونَ الْعَدْلَ وَمَحَبَّةَ اللهِ. كَانَ يَجِبُ أَنْ تُمَارِسُوا هَذِهِ الْأُمُورَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُهْمِلُوا إِعْطَاءَ الْعُشْرِ. الْوَيْلُ لَكُمْ أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّونَ! فَإِنَّكُمْ تُحِبُّونَ أَنْ تَكُونُوا فِي الصَّفِّ الْأَمَامِيِّ فِي بَيْتِ الْعِبَادَةِ، وَأَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْكُمُ النَّاسُ فِي السَّاحَاتِ الْعَامَّةِ. الْوَيْلُ لَكُمْ! فَإِنَّكُمْ مِثْلُ الْقُبُورِ الْمَخْفِيَّةِ، يَمْشِي عَلَيْهَا النَّاسُ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.“ فَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ: ”يَا مُعَلِّمُ! عِنْدَمَا تَقُولُ هَذَا فَأَنْتَ تَشْتِمُنَا نَحْنُ أَيْضًا.“ فَقَالَ: ”وَأَنْتُمْ أَيْضًا يَا عُلَمَاءَ الشَّرِيعَةِ، الْوَيْلُ لَكُمْ! فَأَنْتُمْ تُحَمِّلُونَ النَّاسَ بِأَحْمَالٍ ثَقِيلَةٍ، وَلَا تُحَرِّكُونَ وَلَوْ إِصْبَعًا لِتُسَاعِدُوهُمْ. الْوَيْلُ لَكُمْ! فَإِنَّكُمْ تَبْنُونَ مَقَابِرَ الْأَنْبِيَاءِ، وَآبَاؤُكُمْ هُمُ الَّذِينَ قَتَلُوهُمْ. أَنْتُمْ إِذَنْ تَعْتَرِفُونَ بِأَنَّكُمْ تُوَافِقُونَ عَلَى أَعْمَالِ آبَائِكُمْ، هُمْ قَتَلُوهُمْ وَأَنْتُمْ تَبْنُونَ مَقَابِرَهُمْ. لِهَذَا قَالَ اللهُ فِي حِكْمَتِهِ: ’أُرْسِلُ لَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ، فَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ، وَفَرِيقًا يَضْطَهِدُونَ.‘ لِذَلِكَ يَكُونُ هَذَا الْجِيلُ مَسْئُولًا عَنْ دَمِ كُلِّ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِي سُفِكَ مُنْذُ بِدَايَةِ الْعَالَمِ، مِنْ دَمِ هَابِيلَ إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا الَّذِي قُتِلَ بَيْنَ مَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ وَالْمِحْرَابِ. نَعَمْ، أُؤَكِّدُ لَكُمْ، هَذَا الْجِيلُ يَكُونُ مَسْئُولًا عَنْ كُلِّ هَذَا. الْوَيْلُ لَكُمْ يَا عُلَمَاءَ الشَّرِيعَةِ! لِأَنَّكُمْ أَخَذْتُمْ مِفْتَاحَ بَابِ الْمَعْرِفَةِ، لَكِنَّكُمْ لَمْ تَدْخُلُوا، وَمَنَعْتُمُ الدَّاخِلِينَ مِنْ أَنْ يَدْخُلُوا.“ وَلَمَّا خَرَجَ مِنْ هُنَاكَ، بَدَأَ الْفُقَهَاءُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ يُهَاجِمُونَهُ بِشِدَّةٍ، وَيَسْأَلُونَهُ عَنْ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، مُنْتَظِرِينَ أَنْ يُوقِعُوهُ فِي شَيْءٍ يَقُولُهُ. وَفِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ اجْتَمَعَتْ آلَافٌ كَثِيرَةٌ مِنَ النَّاسِ حَتَّى دَاسَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَأَخَذَ عِيسَى يُكَلِّمُ تَلَامِيذَهُ أَوَّلًا فَقَالَ: ”اِحْذَرُوا مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ، أَيِ النِّفَاقِ. كُلُّ مَسْتُورٍ يُعْلَنُ، وَكُلُّ سِرٍّ يُعْرَفُ. فَكُلُّ مَا قُلْتُمُوهُ فِي الظَّلَامِ، سَيُسْمَعُ فِي نُورِ النَّهَارِ. وَمَا هَمَسْتُمْ بِهِ فِي الْأُذُنِ خَلْفَ الْأَبْوَابِ الْمُغْلَقَةِ، سَيُنَادَى بِهِ مِنْ عَلَى السُّطُوحِ. ”وَأَقُولُ لَكُمْ يَا أَعِزَّائِي، لَا تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجِسْمَ، ثُمَّ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يَفْعَلُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. لَكِنِّي أُرِيكُمْ مَنْ تَخَافُونَ: خَافُوا مِنَ الَّذِي بَعْدَمَا يَقْتُلُ الْجِسْمَ، لَهُ الْقُدْرَةُ أَنْ يَرْمِيَ فِي الْجَحِيمِ. نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ، هَذَا خَافُوا مِنْهُ. ”يَبِيعُونَ 5 عَصَافِيرَ بِفِلْسَيْنِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَنْسَى اللهُ وَاحِدًا مِنْهَا. أَمَّا أَنْتُمْ فَحَتَّى شَعْرُ رُؤُوسِكُمْ مَعْدُودٌ كُلُّهُ. فَلَا تَخَافُوا، أَنْتُمْ أَغْلَى مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ. ”وَأَقُولُ لَكُمْ، كُلُّ مَنْ يَشْهَدُ لِي قُدَّامَ النَّاسِ، يَشْهَدُ لَهُ الَّذِي صَارَ بَشَرًا قُدَّامَ مَلَائِكَةِ اللهِ. وَمَنْ يُنْكِرُنِي قُدَّامَ النَّاسِ، يُنْكَرُ قُدَّامَ مَلَائِكَةِ اللهِ. كُلُّ مَنْ قَالَ كَلِمَةً ضِدَّ الَّذِي صَارَ بَشَرًا يُغْفَرُ لَهُ، أَمَّا مَنْ يَكْفُرُ بِالرُّوحِ الْقُدُّوسِ، فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ. ”وَمَتَى أَخَذُوكُمْ إِلَى الْمَحَاكِمِ وَقُدَّامَ الْوُلَاةِ وَرِجَالِ السُّلْطَةِ، فَلَا تَقْلَقُوا بِشَأْنِ كَيْفِيَّةِ الدِّفَاعِ عَنْ أَنْفُسِكُمْ أَوْ مَاذَا تَقُولُونَ. لِأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُّوسَ يُلْهِمُكُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِمَا يَجِبُ أَنْ تَقُولُوهُ.“ وَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ بَيْنِ الشَّعْبِ: ”يَا مُعَلِّمُ، قُلْ لِأَخِي أَنْ يُعْطِيَنِي نَصِيبِي مِنَ الْمِيرَاثِ.“ فَقَالَ لَهُ: ”يَا عَزِيزِي، مَنْ أَقَامَنِي عَلَيْكُمَا قَاضِيًا أَوْ مُقَسِّمًا؟“ وَقَالَ لَهُمْ: ”اِنْتَبِهُوا! اِحْتَرِسُوا مِنْ كُلِّ أَنْوَاعِ الطَّمَعِ، لِأَنَّ حَيَاةَ الْإِنْسَانِ لَيْسَتْ فِي كَثْرَةِ أَمْلَاكِهِ.“ وَضَرَبَ لَهُمْ هَذَا الْمَثَلَ: ”رَجُلٌ غَنِيٌّ، أَنْتَجَتْ أَرْضُهُ مَحْصُولًا وَفِيرًا. فَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ وَقَالَ: ’مَاذَا أَعْمَلُ؟ لَيْسَ عِنْدِي مَكَانٌ أَخْزِنُ فِيهِ مَحْصُولِي.‘ ثُمَّ قَالَ: ’أَعْمَلُ هَذَا، أَهْدِمُ مَخَازِنِي وَأَبْنِي أَكْبَرَ مِنْهَا، وَأَجْمَعُ فِيهَا كُلَّ غِلَالِي وَخَيْرَاتِي، وَأَقُولُ لِنَفْسِي: ”يَا نَفْسِي، عِنْدَكِ خَيْرَاتٌ وَفِيرَةٌ مَوْضُوعَةٌ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ. اِسْتَرِيحِي وَكُلِي وَاشْرَبِي وَتَنَعَّمِي.“‘ لَكِنَّ اللهَ قَالَ لَهُ: ’يَا غَبِيُّ، هَذِهِ اللَّيْلَةَ نَفْسُكَ تُسْتَرَدُّ مِنْكَ، فَهَذَا الَّذِي أَعْدَدْتَهُ لِمَنْ يَكُونُ؟‘ فَهَذَا هُوَ مَصِيرُ مَنْ يَخْزِنُ الْكُنُوزَ لِنَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ غَنِيًّا فِي نَظَرِ اللهِ.“ وَقَالَ لِتَلَامِيذِهِ: ”لِهَذَا أَقُولُ لَكُمْ أَنْ لَا تَقْلَقُوا عَلَى طَعَامٍ لِمَعِيشَتِكُمْ، وَلَا عَلَى مَلَابِسَ لِأَجْسَامِكُمْ. لِأَنَّ الْحَيَاةَ أَهَمُّ مِنَ الطَّعَامِ، وَالْجِسْمَ أَهَمُّ مِنَ الْمَلَابِسِ. تَأَمَّلُوا الْغِرْبَانَ، إِنَّهَا لَا تَزْرَعُ وَلَا تَحْصُدُ، وَلَيْسَ عِنْدَهَا مَخْزَنٌ أَوْ مُسْتَوْدَعٌ، وَاللهُ يَرْزُقُهَا. أَنْتُمْ أَهَمُّ مِنَ الطُّيُورِ بِكَثِيرٍ. هَلْ يَقْدِرُ وَاحِدٌ مِنْكُمْ، مَهْمَا قَلِقَ، أَنْ يُضِيفَ وَلَوْ سَاعَةً وَاحِدَةً إِلَى عُمْرِهِ؟ فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ الصَّغِيرَةُ خَارِجَ إِمْكَانِيَّاتِكُمْ، فَلِمَاذَا تَقْلَقُونَ عَلَى الْبَاقِي؟ ”تَأَمَّلُوا الزَّنَابِقَ وَكَيْفَ تَنْمُو، إِنَّهَا لَا تَتْعَبُ وَلَا تَغْزِلُ. لَكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ، وَلَا حَتَّى سُلَيْمَانُ فِي كُلِّ جَلَالِهِ كَانَ يَلْبَسُ مِثْلَ وَاحِدَةٍ مِنْهَا. فَإِنْ كَانَ الْعُشْبُ الَّذِي يُوجَدُ الْيَوْمَ فِي الْحَقْلِ وَيُرْمَى غَدًا فِي النَّارِ، يُلْبِسُهُ اللهُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، فَكَمْ بِالْأَوْلَى يُلْبِسُكُمْ أَنْتُمْ يَا قَلِيلِي الْإِيمَانِ؟ فَلَا تَهْتَمُّوا بِمَا سَتَأْكُلُونَ وَتَشْرَبُونَ وَلَا تَقْلَقُوا. كُلُّ هَذِهِ الْأُمُورِ يَجْرِي وَرَاءَهَا أَهْلُ الدُّنْيَا، وَأَبُوكُمْ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَيْهَا. بَلِ اطْلُبُوا أَنْ تَمْتَدَّ مَمْلَكَتُهُ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ تُعْطَى لَكُمْ بِالْإِضَافَةِ إِلَى ذَلِكَ. لَا تَخَفْ أَيُّهَا الْقَطِيعُ الصَّغِيرُ، فَأَبُوكُمْ رَضِيَ أَنْ يُنْعِمَ عَلَيْكُمْ بِالْمَمْلَكَةِ. ”بِيعُوا أَمْلَاكَكُمْ وَأَعْطُوا صَدَقَةً. اِقْتَنُوا لِأَنْفُسِكُمْ أَكْيَاسًا لَا تَبْلَى، كَنْزًا فِي السَّمَاءِ لَا يَنْفَدُ، حَيْثُ لَا يَقْتَرِبُ مِنْهُ لِصٌّ، وَلَا يُفْسِدُهُ سُوسٌ. لِأَنَّ قَلْبَكَ يَكُونُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ كَنْزُكَ. ”كُونُوا مُسْتَعِدِّينَ، لَابِسِينَ وَمَصَابِيحُكُمْ مُشْتَعِلَةً. وَأَنْتُمْ مِثْلُ رِجَالٍ يَنْتَظِرُونَ رُجُوعَ سَيِّدِهِمْ مِنْ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ، فَمَتَى وَصَلَ وَطَرَقَ عَلَى الْبَابِ، يَفْتَحُونَ لَهُ فِي الْحَالِ. هَنِيئًا لِهَؤُلَاءِ الْعَبِيدِ الَّذِينَ مَتَى جَاءَ سَيِّدُهُمْ يَجِدُهُمْ سَاهِرِينَ. أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، إِنَّهُ يَلْبَسُ لِلْعَمَلِ، وَيُجْلِسُهُمْ إِلَى الْمَائِدَةِ وَيَأْتِي وَيَخْدِمُهُمْ. هَنِيئًا لِهَؤُلَاءِ الْعَبِيدِ إِذَا وَجَدَهُمْ سَيِّدُهُمْ مُسْتَعِدِّينَ، حَتَّى وَلَوْ جَاءَ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ أَوْ قَبْلَ الْفَجْرِ. اِفْهَمُوا هَذَا: لَوْ عَلِمَ صَاحِبُ الدَّارِ فِي أَيِّ سَاعَةٍ يَجِيءُ اللِّصُّ لَمَا تَرَكَ دَارَهُ تُنْقَبُ. كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مُسْتَعِدِّينَ، لِأَنَّ الَّذِي صَارَ بَشَرًا يَجِيءُ فِي سَاعَةٍ لَا تَتَوَقَّعُونَهُ فِيهَا.“ فَقَالَ بُطْرُسُ: ”يَا سَيِّدُ، هَلْ تَقُولُ هَذَا الْمَثَلَ لَنَا أَمْ لِلْكُلِّ؟“ فَقَالَ عِيسَى: ”مَنْ هُوَ الْوَكِيلُ الْأَمِينُ الْحَكِيمُ الَّذِي يَثِقُ فِيهِ سَيِّدُهُ لِيُعْطِيَ الْعَبِيدَ الْآخَرِينَ نَصِيبَهُمْ مِنَ الطَّعَامِ فِي وَقْتِهِ؟ هُوَ الَّذِي عِنْدَمَا يَرْجِعُ سَيِّدُهُ، يَجِدُهُ يَقُومُ بِعَمَلِهِ. هَنِيئًا لِذَلِكَ الْعَبْدِ. أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، إِنَّ سَيِّدَهُ يُقِيمُهُ عَلَى كُلِّ أَمْلَاكِهِ. أَمَّا إِنْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ فِي نَفْسِهِ: ’سَيِّدِي سَيَتَأَخَّرُ فِي الرُّجُوعِ.‘ وَأَخَذَ يَضْرِبُ الْعَبِيدَ وَالْجَوَارِيَ، وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَسْكَرُ. يَأْتِي سَيِّدُ ذَلِكَ الْعَبْدِ فِي يَوْمٍ لَا يَتَوَقَّعُهُ، وَفِي سَاعَةٍ لَا يَعْلَمُهَا، فَيُعَاقِبُهُ عِقَابًا شَدِيدًا، وَيَجْعَلُ مَصِيرَهُ مَعَ الْكُفَّارِ. ”وَالْعَبْدُ الَّذِي يَعْرِفُ إِرَادَةَ سَيِّدِهِ، وَلَمْ يَسْتَعِدَّ وَلَمْ يَعْمَلْ مَا يُرِيدُهُ سَيِّدُهُ، يُضْرَبُ ضَرْبًا قَاسِيًا. أَمَّا الَّذِي لَا يَعْرِفُ إِرَادَةَ سَيِّدِهِ، وَيَعْمَلُ مَا يَسْتَحِقُّ الضَّرْبَ، فَإِنَّهُ يُضْرَبُ ضَرْبًا أَخَفَّ. كُلُّ مَنْ أُعْطِيَ الْكَثِيرَ يُطْلَبُ مِنْهُ الْكَثِيرُ، وَمَنْ أُوْكِلَ إِلَيْهِ الْكَثِيرُ، يُطَالَبُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ. ”جِئْتُ لِأُلْقِيَ نَارًا عَلَى الْأَرْضِ، وَكَمْ أَتَمَنَّى أَنْ تَكُونَ قَدِ اشْتَعَلَتْ فِعْلًا! لِي آلَامٌ لَا بُدَّ أَنْ أَتَأَلَّمَهَا، فَسَأَكُونُ فِي ضِيقٍ شَدِيدٍ حَتَّى تَنْتَهِيَ. هَلْ تَظُنُّونَ أَنِّي جِئْتُ لِأَبْعَثَ السَّلَامَ فِي الْأَرْضِ؟ لَا بِكُلِّ تَأْكِيدٍ، بَلِ الِانْقِسَامَ. فَمِنَ الْآنَ يَكُونُ 5 فِي عَائِلَةٍ وَاحِدَةٍ مُنْقَسِمِينَ عَلَى بَعْضِهِمْ، 3 ضِدُّ 2، وَ2 ضِدُّ 3. الْأَبُ ضِدُّ الِابْنِ، وَالِابْنُ ضِدُّ الْأَبِ. الْأُمُّ ضِدُّ الْبِنْتِ، وَالْبِنْتُ ضِدُّ الْأُمِّ. الْحَمَاةُ ضِدُّ زَوْجَةِ ابْنِهَا، وَزَوْجَةُ الِابْنِ ضِدُّ حَمَاتِهَا.“ وَقَالَ لِلشَّعْبِ: ”إِذَا رَأَيْتُمْ سَحَابَةً طَالِعَةً فِي الْغَرْبِ، فِي الْحَالِ تَقُولُونَ: ’سَيَنْزِلُ الْمَطَرُ.‘ وَفِعْلًا يَنْزِلُ الْمَطَرُ. وَإِذَا هَبَّتْ رِيحُ الْجَنُوبِ، تَقُولُونَ: ’سَيَأْتِي حَـرٌّ شَدِيدٌ.‘ وَفِعْلًا يَأْتِي حَـرٌّ شَدِيدٌ. يَا مُنَافِقُونَ! تَعْرِفُونَ حَالَةَ الطَّقْسِ مِنْ مَنْظَرِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، فَكَيْفَ لَا تَعْرِفُونَ حَالَةَ الزَّمَنِ الَّذِي تَعِيشُونَ فِيهِ؟ ”لِمَاذا لَا تُدْرِكُونَ مَا هُوَ حَقٌّ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِكُمْ؟ فَمَثَلًا إِنْ أَخَذَكَ خَصْمُكَ إِلَى الْمَحْكَمَةِ، اِبْذِلْ جُهْدَكَ وَأَنْتَ فِي الطَّرِيقِ لِتَصْطَلِحَ مَعَهُ. لِئَلَّا يَجُرَّكَ إِلَى الْقَاضِي، وَالْقَاضِي يُسَلِّمُكَ إِلَى الشُّرْطِيِّ، وَالشُّرْطِيُّ يَضَعُكَ فِي السِّجْنِ. أُؤَكِّدُ لَكَ أَنَّكَ لَنْ تَخْرُجَ مِنْ هُنَاكَ حَتَّى تَدْفَعَ آخِرَ فِلْسٍ عَلَيْكَ.“ وَفِي نَفْسِ الْوَقْتِ، جَاءَ الْبَعْضُ وَأَخْبَرُوا عِيسَـى عَنِ الْجَلِيلِيِّينَ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ بِيلَاطِسُ وَخَلَطَ دَمَهُمْ بِدَمِ ضَحَايَاهُمْ. فَأَجَابَهُمْ: ”هَلْ تَظُنُّونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْجَلِيلِيِّينَ كَانُوا أَكْثَرَ شَرًّا مِنْ بَاقِي أَهْلِ الْجَلِيلِ لِأَنَّهُمْ قَاسَوْا ذَلِكَ؟ لَا! وَإِنِّي أُؤَكِّدُ لَكُمْ، إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَأَنْتُمْ أَيْضًا تَهْلِكُونَ. أَوْ هَلْ تَظُنُّونَ أَنَّ الـ18 الَّذِينَ سَقَطَ عَلَيْهِمُ الْبُرْجُ فِي سِلْوَانَ وَقَتَلَهُمْ، كَانُوا أَكْثَرَ ذَنْبًا مِنْ بَاقِي أَهْلِ الْقُدْسِ؟ لَا! وَإِنِّي أُؤَكِّدُ لَكُمْ، إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَأَنْتُمْ أَيْضًا تَهْلِكُونَ.“ وَضَرَبَ لَهُمْ هَذَا الْمَثَلَ: ”رَجُلٌ عِنْدَهُ شَجَرَةُ تِينٍ مَزْرُوعَةٌ فِي حَدِيقَتِهِ، فَجَاءَ يَبْحَثُ عَنْ ثَمَرٍ فِيهَا، فَلَمْ يَجِدْ. فَقَالَ لِلْبُسْتَانِيِّ: ’الْآنَ لِي 3 سِنِينَ أَجِيءُ أَبْحَثُ عَنْ ثَمَرٍ فِي هَذِهِ التِّينَةِ، وَلَا أَجِدُ. اِقْطَعْهَا، لِمَاذَا تُعَطِّلُ الْأَرْضَ؟‘ أَجَابَهُ: ’يَا سَيِّدُ، اُتْرُكْهَا سَنَةً أُخْرَى، حَتَّى أَحْفِرَ حَوْلَهَا وَأَضَعَ زِبْلًا، فَإِنْ حَمَلَتْ ثِمَارًا فِي الْعَامِ الْقَادِمِ، حَسَنًا، وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ، اِقْطَعْهَا.‘“ وَكَانَ يُعَلِّمُ فِي أَحَدِ بُيُوتِ الْعِبَادَةِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ. وَكَانَتْ هُنَاكَ امْرَأَةٌ فِيهَا رُوحٌ أَمْرَضَهَا 18 سَنَةً. فَكَانَتْ مَحْنِيَّةً جِدًّا، وَلَا تَقْدِرُ أَنْ تَنْتَصِبَ أَبَدًا. فَلَمَّا رَآهَا عِيسَـى، نَادَاهَا إِلَيْهِ وَقَالَ لَهَا: ”يَا عَزِيزَتِي، قَدْ أُطْلِقْتِ مِنْ مَرَضِكِ.“ ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهَا، وَفِي الْحَالِ وَقَفَتْ مُنْتَصِبَةً وَأَخَذَتْ تُسَبِّحُ اللهَ. فَغَضِبَ الْمَسْئُولُ عَنْ بَيْتِ الْعِبَادَةِ، لِأَنَّ عِيسَـى شَفَى فِي يَوْمِ السَّبْتِ، فَقَالَ لِلشَّعْبِ: ”6 أَيَّامٍ هِيَ الْمَسْمُوحُ فِيهَا بِالْعَمَلِ، فَتَعَالَوْا وَاسْتَشْفُوا فِيهَا لَا فِي يَوْمِ السَّبْتِ!“ فَأَجَابَهُ عِيسَى: ”يَا مُنَافِقُونَ! أَلَا يَحِلُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ ثَوْرَهُ أَوْ حِمَارَهُ مِنَ الْمَعْلَفِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ، وَيَأْخُذُهُ لِيَسْقِيَهُ؟ وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ، وَهِيَ بِنْتُ إِبْرَاهِيمَ، رَبَطَهَا الشَّيْطَانُ مُنْذُ 18 سَنَةً، أَلَا يَجِبُ أَنْ تُحَلَّ مِنْ رِبَاطِهَا فِي يَوْمِ السَّبْتِ؟“ وَلَمَّا قَالَ هَذَا، خَجِلَ كُلُّ الَّذِينَ كَانُوا يُعَارِضُونَهُ، وَفَرِحَ كُلُّ الشَّعْبِ بِجَمِيعِ الْأَعْمَالِ الرَّائِعَةِ الَّتِي كَانَ يَعْمَلُهَا. ثُمَّ قَالَ: ”مَاذَا تُشْبِهُ مَمْلَكَةُ اللهِ، وَبِمَاذَا أُقَارِنُهَا؟ إِنَّهَا مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ أَخَذَهَا رَجُلٌ وَزَرَعَهَا فِي حَدِيقَتِهِ، فَنَمَتْ وَصَارَتْ شَجَرَةً، وَعَشَّشَتْ طُيُورُ السَّمَاءِ فِي فُرُوعِهَا.“ وَقَالَ أَيْضًا: ”بِمَاذَا أُقَارِنُ مَمْلَكَةَ اللهِ؟ إِنَّهَا مِثْلُ خَمِيرَةٍ أَخَذَتْهَا امْرَأَةٌ وَوَضَعَتْهَا فِي 3 أَكْيَالِ دَقِيقٍ حَتَّى اخْتَمَرَ الْكُلُّ.“ وَتَابَعَ عِيسَـى سَفَرَهُ إِلَى الْقُدْسِ، وَكَانَ يُعَلِّمُ النَّاسَ الَّذِينَ فِي الْمُدُنِ وَالْقُرَى الَّتِي فِي طَرِيقِهِ. فَسَأَلَهُ وَاحِدٌ: ”يَا سَيِّدُ، هَلِ الَّذِينَ يَنْجُونَ قَلِيلُونَ؟“ فَقَالَ لَهُمْ: ”اِجْتَهِدُوا أَنْ تَدْخُلُوا مِنَ الْبَابِ الضَّيِّقِ، لِأَنِّي أُؤَكِّدُ لَكُمْ أَنَّ كَثِيرِينَ سَيُحَاوِلُونَ أَنْ يَدْخُلُوا وَلَا يَقْدِرُونَ. وَبِمُجَرَّدِ أَنْ يَقُومَ صَاحِبُ الدَّارِ وَيُغْلِقَ الْبَابَ، تَجِدُونَ أَنْفُسَكُمْ وَاقِفِينَ فِي الْخَارِجِ تَطْرُقُونَ عَلَى الْبَابِ وَتَقُولُونَ: ’يَا سَيِّدُ، اِفْتَحْ لَنَا.‘ لَكِنَّهُ يُجِيبُ: ’أَنَا لَا أَعْرِفُكُمْ، وَلَا أَعْرِفُ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ!‘ فَتَقُولُونَ: ’أَكَلْنَا وَشَرِبْنَا مَعَكَ، وَعَلَّمْتَ فِي شَوَارِعِنَا!‘ لَكِنَّهُ يَقُولُ: ’أَنَا لَا أَعْرِفُكُمْ، وَلَا أَعْرِفُ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ! اُبْعُدُوا عَنِّي كُلُّكُمْ أَيُّهَا الْأَشْرَارُ!‘ ”وَيَكُونُ هُنَاكَ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الْأَسْنَانِ، عِنْدَمَا تَرَوْنَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلَّ الْأَنْبِيَاءِ فِي مَمْلَكَةِ اللهِ، وَأَنْتُمْ مَطْرُودُونَ فِي الْخَارِجِ. فَيَأْتِي النَّاسُ مِنَ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ وَمِنَ الشَّمَالِ وَالْجَنُوبِ، وَيَجْلِسُونَ فِي الْوَلِيمَةِ فِي مَمْلَكَةِ اللهِ. حَقًّا، يُوجَدُ مَنْ هُمْ فِي الْآخِرِ هُنَا يَصِيرُونَ فِي الْأَوَّلِ هُنَاكَ، وَمَنْ هُمْ فِي الْأَوَّلِ هُنَا يَصِيرُونَ فِي الْآخِرِ هُنَاكَ.“ وَفِي نَفْسِ الْوَقْتِ، جَاءَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْفَرِّيسِيِّينَ وَقَالُوا لَهُ: ”اُخْرُجْ مِنْ هُنَا وَاهْرُبْ، لِأَنَّ هِيرُودِسَ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَكَ.“ فَأَجَابَهُمْ: ”اِذْهَبُوا وَقُولُوا لِهَذَا الثَّعْلَبِ: ’إِنِّي أَطْرُدُ الشَّيَاطِينَ وَأَشْفِي النَّاسَ الْيَوْمَ وَغَدًا، ثُمَّ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ أَنْتَهِي مِنْ عَمَلِي.‘ لَكِنْ يَجِبُ أَنْ أُوَاصِلَ سَفَرِيَ الْيَوْمَ وَغَدًا وَمَا بَعْدَهُمَا، لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ نَبِيٌّ إِلَّا فِي الْقُدْسِ. ”يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ! يَا مَدِينَةَ الْقُدْسِ! يَا قَاتِلَةَ الْأَنْبِيَاءِ، وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا! كَمْ مَرَّةً أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلَادَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَأَنْتُمْ لَمْ تُرِيدُوا! اُنْظُرُوا! إِنَّ دَارَكُمْ تُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا! وَإِنِّي أُؤَكِّدُ لَكُمْ أَنَّكُمْ لَنْ تَرَوْنِي بَعْدَ الْآنَ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ وَقْتٌ تَقُولُونَ فِيهِ: ’تَبَارَكَ الْآتِي بِاسْمِ اللهِ.‘“ وَذَاتَ سَبْتٍ، ذَهَبَ عِيسَـى إِلَى دَارِ أَحَدِ قَادَةِ الْفَرِّيسِيِّينَ لِيَتَنَاوَلَ الطَّعَامَ، وَكَانُوا يُرَاقِبُونَهُ. وَكَانَ قُدَّامَهُ رَجُلٌ مُصَابٌ بِالِاسْتِسْقَاءِ. فَقَالَ عِيسَـى لِعُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ: ”هَلِ الشِّفَاءُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ حَلَالٌ أَمْ لَا؟“ لَكِنَّهُمْ سَكَتُوا. فَأَمْسَكَ الرَّجُلَ وَشَفَاهُ وَصَرَفَهُ. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: ”مَنْ مِنْكُمْ يَسْقُطُ ابْنُهُ أَوْ حَتَّى ثَوْرُهُ فِي بِئْرٍ فِي يَوْمِ السَّبْتِ وَلَا يُخْرِجُهُ حَالًا؟“ فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُجَاوِبُوهُ عَلَى هَذَا. وَلَمَّا لَاحَظَ كَيْفَ أَنَّ الْمَدْعُوِّينَ اخْتَارُوا أَحْسَنَ الْأَمَاكِنِ، ضَرَبَ لَهُمْ هَذَا الْمَثَلَ فَقَالَ: ”مَتَى دَعَاكَ أَحَدُهُمْ إِلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ، لَا تَجْلِسْ فِي أَحْسَنِ مَكَانٍ، فَرُبَّمَا دَعَا وَاحِدًا أَهَمَّ مِنْكَ. فَيَأْتِيَ الَّذِي دَعَاكُمَا وَيَقُولَ لَكَ: ’أَعْطِ مَكَانَكَ لِهَذَا الرَّجُلِ.‘ فَتَنْسَحِبَ بِخَجَلٍ لِتَأْخُذَ أَقَلَّ مَكَانٍ. بَلْ مَتَى دُعِيتَ، اِذْهَبْ وَاجْلِسْ فِي أَقَلِّ الْأَمَاكِنِ أَهَمِّيَّةً. فَمَتَى جَاءَ الَّذِي دَعَاكَ، يَقُولُ لَكَ: ’يَا عَزِيزِي، اِرْتَفِعْ إِلَى مَكَانٍ أَحْسَنَ!‘ فَتُكْرَمَ قُدَّامَ كُلِّ الضُّيُوفِ الْمَوْجُودِينَ مَعَكَ. لِأَنَّ كُلَّ مَنْ رَفَعَ مِنْ قَدْرِ نَفْسِهِ يَنْزِلُ، وَمَنْ أَنْزَلَ مِنْ قَدْرِ نَفْسِهِ يَرْتَفِعُ.“ ثُمَّ قَالَ عِيسَـى لِلَّذِي دَعَاهُ: ”مَتَى عَمِلْتَ غَدَاءً أَوْ عَشَاءً، فَلَا تَدْعُ أَصْدِقَاءَكَ وَلَا إِخْوَتَكَ وَلَا أَقْرِبَاءَكَ وَلَا جِيرَانَكَ الْأَغْنِيَاءَ، لِئَلَّا يَدْعُوكَ هُمْ أَيْضًا فَتَنَالَ جَزَاءَكَ. بَلْ مَتَى عَمِلْتَ وَلِيمَةً، فَادْعُ الْفُقَرَاءَ وَالْعَاجِزِينَ وَالْعُرْجَ وَالْعُمْيَ، فَتَكُونَ مُبَارَكًا، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسَ بِإِمْكَانِهِمْ أَنْ يُجَازُوكَ، فَتَنَالَ جَزَاءَكَ فِي قِيَامَةِ الصَّالِحِينَ.“ وَلَمَّا سَمِعَ أَحَدُ الْمَوْجُودِينَ هَذَا الْكَلَامَ، قَالَ لَهُ: ”هَنِيئًا لِمَنْ يَتَنَاوَلُ الطَّعَامَ فِي مَمْلَكَةِ اللهِ.“ فَقَالَ لَهُ عِيسَـى: ”رَجُلٌ عَمِلَ وَلِيمَةً عَظِيمَةً، وَدَعَا كَثِيرِينَ. وَفِي وَقْتِ الْوَلِيمَةِ، أَرْسَلَ عَبْدَهُ لِيَقُولَ لِلْمَدْعُوِّينَ: ’تَعَالَوْا، كُلُّ شَيْءٍ جَاهِزٌ.‘ لَكِنَّهُمْ أَخَذُوا يُقَدِّمُونَ الْأَعْذَارَ بِطَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ. فَقَالَ الْأَوَّلُ: ’اِشْتَرَيْتُ حَقْلًا وَيَجِبُ أَنْ أَذْهَبَ وَأَرَاهُ، مِنْ فَضْلِكَ اعْذُرْنِي.‘ وَقَالَ آخَرُ: ’اِشْتَرَيْتُ 5 أَزْوَاجٍ مِنَ الثِّيرَانِ، وَأَنَا ذَاهِبٌ لِأَخْتَبِرَهَا، مِنْ فَضْلِكَ اعْذُرْنِي.‘ وَقَالَ آخَرُ: ’أَنَا تَزَوَّجْتُ، وَلِهَذَا لَا أَقْدِرُ أَنْ أَجِيءَ.‘ ”فَرَجَعَ الْعَبْدُ، وَأَخَبَرَ سَيِّدَهُ بِهَذَا. فَغَضِبَ صَاحِبُ الدَّارِ وَقَالَ لِلْعَبْدِ: ’اُخْرُجْ بِسُرْعَةٍ إِلَى شَوَارِعِ الْبَلْدَةِ وَحَوَارِيهَا، وَأَحْضِرْ إِلَى هُنَا الْفُقَرَاءَ وَالْعَاجِزِينَ وَالْعُمْيَ وَالْعُرْجَ.‘ وَقَالَ الْعَبْدُ: ’يَا سَيِّدُ، نَفَّذْتُ أَمْرَكَ، وَمَا زَالَ يُوجَدُ مَكَانٌ فَارِغٌ.‘ فَقَالَ السَّيِّدُ لِلْعَبْدِ: ’اُخْرُجْ إِلَى الدُّرُوبِ وَالْحَارَاتِ وَأَلِحَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْتُوا، لِكَيْ تَمْتَلِئَ دَارِي. فَإِنِّي أُؤَكِّدُ لَكُمْ، وَلَا وَاحَدٌ مِنْ أُولَئِكَ الْمَدْعُوِّينَ يَذُوقُ مِنْ وَلِيمَتِي.‘“ وَكَانَتْ جَمَاهِيرُ غَفِيرَةٌ مِنَ النَّاسِ تَسِيرُ مَعَ عِيسَـى، فَالْتَفَتَ وَقَالَ لَهُمْ: ”إِنْ كَانَ وَاحِدٌ يَأْتِي إِلَيَّ وَلَا يَعْتَبِرُنِي أَعَزَّ عَلَيْهِ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَزَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ، وَإِخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ، بَلْ حَتَّى نَفْسِهِ، لَا يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ تِلْمِيذِي. وَمَنْ لَا يَحْمِلُ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعُنِي، لَا يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ تِلْمِيذِي. ”لِنَفْرِضْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ بُرْجًا، أَلَا يَجْلِسُ أَوَّلًا وَيَعْمَلُ حِسَابَ التَّكَالِيفِ، لِيَرَى إِنْ كَانَ عِنْدَهُ الْمَالُ الْكَافِي لِإِتْمَامِهِ؟ وَإِلَّا بَعْدَمَا يَضَعُ الْأَسَاسَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُكَمِّلَ، فَكُلُّ الَّذِينَ يَرَوْنَ الْمَنْظَرَ يَضْحَكُونَ عَلَيْهِ وَيَقُولُونَ: ’صَاحِبُنَا هَذَا بَدَأَ يَبْنِي وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُكَمِّلَ!‘ ”أَوْ لِنَفْرِضْ أَنَّ مَلِكًا عَلَى وَشْكِ أَنْ يُحَارِبَ مَلِكًا آخَرَ، أَلَا يَجْلِسُ أَوَّلًا لِيَرَى إِنْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُوَاجِهَ بِـ 10000 رَجُلٍ الَّذِي يَأْتِي عَلَيْهِ بِـ 20000؟ وَإِلَّا يُرْسِلُ إِلَيْهِ وَفْدًا، وَهُوَ مَا زَالَ بَعِيدًا عَنْهُ يَسْأَلُهُ عَنْ شُرُوطِ الصُّلْحِ. وَبِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لَا يَتَخَلَّى عَنْ كُلِّ مَا عِنْدَهُ، لَا يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ تِلْمِيذِي. ”الْمِلْحُ شَيْءٌ جَيِّدٌ، لَكِنْ إِذَا فَقَدَ الْمِلْحُ مُلُوحَتَهُ، لَا يُمْكِنُ أَنْ نَرُدَّ لَهُ طَعْمَهُ، وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لَا لِلتُّرْبَةِ وَلَا لِلْمَزْبَلَةِ، بَلْ يُرْمَى فِي الْخَارِجِ. اِسْمَعُونِي يَا مَنْ لَكُمْ آذَانٌ تَسْمَعُ!“ وَذَاتَ مَرَّةٍ الْتَفَّ حَوْلَهُ كُلُّ جُبَاةِ الضَّرَائِبِ وَغَيْرِ الْمُتَدَيِّنِينَ لِكَيْ يَسْمَعُوهُ. فَتَذَمَّرَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَالْفُقَهَاءُ وَقَالُوا: ”هَذَا الرَّجُلُ يُرَحِّبُ بِغَيْرِ الْمُتَدَيِّنِينَ وَيَأْكُلُ مَعَهُمْ!“ فَضَرَبَ لَهُمْ هَذَا الْمَثَلَ: ”لِنَفْرِضْ أَنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ عِنْدَهُ 100 خَرُوفٍ، وَأَضَاعَ وَاحِدًا مِنْهَا. أَلَا يَتْرُكُ الـ99 فِي الْبَرِّيَّةِ، وَيَذْهَبُ وَيَبْحَثُ عَنِ الضَّالِّ حَتَّى يَجِدَهُ؟ وَمَتَى وَجَدَهُ، يَحْمِلُهُ عَلَى كَتِفَيْهِ بِفَرَحٍ، وَيَرْجِعُ إِلَى دَارِهِ، وَيَدْعُو الْأَصْدِقَاءَ وَالْجِيرَانَ وَيَقُولُ لَهُمْ: ’اِفْرَحُوا مَعِي! وَجَدْتُ خَرُوفِيَ الضَّالَّ.‘ أُؤَكِّدُ لَكُمْ أَنَّهُ بِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ، يَكُونُ فَرَحٌ فِي السَّمَاءِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ أَكْثَرَ مِمَّا يَكُونُ بِـ99 صَالِحًا لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى التَّوْبَةِ. ”أَوْ لِنَفْرِضْ أَنَّ امْرَأَةً عِنْدَهَا 10 دَرَاهِمَ، فَأَضَاعَتْ مِنْهَا دِرْهَمًا وَاحِدًا. أَلَا تُشْعِلُ مِصْبَاحًا، وَتَكْنُسُ الدَّارَ، وَتَبْحَثُ بِاجْتِهَادٍ حَتَّى تَجِدَهُ؟ وَمَتَى وَجَدَتْهُ، تَدْعُو الْأَصْدِقَاءَ وَالْجِيرَانَ وَتَقُولُ: ’اِفْرَحُوا مَعِي! وَجَدْتُ الدِّرْهَمَ الَّذِي ضَاعَ مِنِّي.‘ أُؤَكِّدُ لَكُمْ أَنَّهُ بِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ، يَكُونُ فَرَحٌ بَيْنَ مَلَائِكَةِ اللهِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ.“ وَقَالَ عِيسَـى: ”كَانَ رَجُلٌ لَهُ ابْنَانِ. فَقَالَ الْأَصْغَرُ لِأَبِيهِ: ’يَا أَبِي، أَعْطِنِي نَصِيبِي مِنَ الْأَمْلَاكِ.‘ فَقَسَمَ مَا يَمْلِكُهُ بَيْنَهُمَا. وَبَعْدَ أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ، جَمَعَ الِابْنُ الْأَصْغَرُ كُلَّ شَيْءٍ لَهُ وَسَافَرَ إِلَى الْخَارِجِ، إِلَى بَلْدَةٍ بَعِيدَةٍ. وَهُنَاكَ بَذَّرَ ثَرْوَتَهُ فِي عِيشَةِ الْإِسْرَافِ. وَبَعْدَمَا أَنْفَقَ كُلَّ شَيْءٍ، حَدَثَتْ مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ تِلْكَ الْبِلَادِ، وَأَصْبَحَ مُحْتَاجًا. فَذَهَبَ وَالْتَحَقَ بِخِدْمَةِ مُوَاطِنٍ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبِلَادِ، فَأَرْسَلَهُ إِلَى حُقُولِهِ لِيَرْعَى الْخَنَازِيرَ. وَكَانَ يَتَمَنَّى أَنْ يَمْلَأَ بَطْنَهُ مِنَ الْخَرُّوبِ الَّذِي كَانَتِ الْخَنَازِيرُ تَأْكُلُهُ، فَلَا يُعْطِيهِ أَحَدٌ. ”فَرَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ وَقَالَ: ’كُلُّ الْخَدَمِ الَّذِينَ عِنْدَ أَبِي يَفْضُلُ عَنْهُمُ الطَّعَامُ، وَأَنَا هُنَا أَمُوتُ مِنَ الْجُوعِ! أَقُومُ وَأَذْهَبُ إِلَى أَبِي وَأَقُولُ لَهُ: ”يَا أَبِي، أَخْطَأْتُ فِي حَقِّ اللهِ وَفِي حَقِّكَ، أَنَا لَا أَسْتَحِقُّ أَنْ أُدْعَى ابْنَكَ، اِجْعَلْنِي كَوَاحِدٍ مِنْ خَدَمِكَ.“‘ ”فَقَامَ وَذَهَبَ إِلَى أَبِيهِ. وَبَيْنَمَا هُوَ مَا زَالَ بَعِيدًا، رَآهُ أَبُوهُ فَأَشْفَقَ عَلَيْهِ، وَجَرَى وَرَمَى نَفْسَهُ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ بِحَرَارَةٍ. فَقَالَ الِابْنُ لِأَبِيهِ: ’يَا أَبِي، أَخْطَأْتُ فِي حَقِّ اللهِ وَفِي حَقِّكَ، وَلَا أَسْتَحِقُّ أَنْ أُدْعَى ابْنَكَ.‘ فَقَالَ الْأَبُ لِعَبِيدِهِ: ’أَسْرِعُوا وَهَاتُوا أَفْخَرَ ثَوْبٍ وَأَلْبِسُوهُ، وَضَعُوا خَاتِمًا فِي يَدِهِ، وَحِذَاءً فِي رِجْلَيْهِ. وَهَاتُوا الْعِجْلَ الْمُسَمَّنَ وَاذْبَحُوهُ فَنَأْكُلَ وَنَفْرَحَ، لِأَنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ مَيِّتًا فَرَجَعَ إِلَى الْحَيَاةِ، وَكَانَ ضَالًّا فَوُجِدَ.‘ فَأَخَذُوا يَفْرَحُونَ. ”لَكِنَّ ابْنَهُ الْأَكْبَرَ كَانَ فِي الْحَقْلِ، وَلَمَّا رَجَعَ وَاقْتَرَبَ مِنَ الدَّارِ، سَمِعَ الْمُوسِيقَى وَالرَّقْصَ. فَنَادَى وَاحِدًا مِنَ الْخَدَمِ، وَسَأَلَهُ عَنِ الْمَوْضُوعِ. فَقَالَ لَهُ: ’أَخُوكَ جَاءَ، وَأَبُوكَ ذَبَحَ الْعِجْلَ الْمُسَمَّنَ، لِأَنَّهُ رَجَعَ إِلَيْهِ بِالصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ.‘ فَغَضِبَ وَرَفَضَ أَنْ يَدْخُلَ. فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَبُوهُ وَأَخَذَ يَتَرَجَّاهُ. لَكِنَّهُ أَجَابَ أَبَاهُ وَقَالَ لَهُ: ’كُلَّ هَذِهِ السِّنِينَ وَأَنَا أَخْدِمُكَ، وَلَمْ أُخَالِفْ لَكَ أَمْرًا أَبَدًا، وَلَمْ تُعْطِنِي وَلَوْ جَدْيًا وَاحِدًا لِأَفْرَحَ مَعَ أَصْحَابِي. لَكِنْ لَمَّا رَجَعَ ابْنُكَ هَذَا، الَّذِي بَذَّرَ مَالَكَ مَعَ الزَّوَانِي، ذَبَحْتَ لَهُ الْعِجْلَ الْمُسَمَّنَ!‘ ”فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: ’يَا ابْنِي، أَنْتَ مَعِي دَائِمًا، وَكُلُّ مَا عِنْدِي هُوَ لَكَ. لَكِنْ كَانَ يَجِبُ أَنْ نَفْرَحَ وَنَبْتَهِجَ، لِأَنَّ أَخَاكَ هَذَا كَانَ مَيِّتًا فَرَجَعَ إِلَى الْحَيَاةِ، وَكَانَ ضَالًّا فَوُجِدَ.‘“ وَقَالَ عِيسَـى لِتَلَامِيذِهِ: ”كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ غَنِيٌّ لَهُ وَكِيلٌ. وَجَاءَتْ شَكْوَى إِلَى الرَّجُلِ أَنَّ وَكِيلَهُ يُبَدِّدُ ثَرْوَتَهُ. فَاسْتَدْعَاهُ وَقَالَ لَهُ: ’مَا هَذَا الَّذِي أَسْمَعُهُ عَنْكَ؟ قَدِّمْ حِسَابَ وَكَالَتِكَ، لَنْ تَكُونَ وَكِيلِي بَعْدَ الْآنَ.‘ فَقَالَ الْوَكِيلُ فِي نَفْسِهِ: ’سَيِّدِي سَيَفْصِلُنِي عَنِ الْوَكَالَةِ، مَاذَا أَعْمَلُ؟ هَلْ أَشْتَغِلُ فِي الْفِلَاحَةِ؟ لَيْسَتْ فِيَّ الْقُوَّةُ لِهَذَا! هَلْ أَتَسَوَّلُ؟ هَذَا عَيْبٌ! وَجَدْتُ فِكْرَةً! فَإِنْ ضَاعَتْ مِنِّيَ الْوَظِيفَةُ، يَقْبَلُنِي النَّاسُ فِي دِيَارِهِمْ!‘ ”فَاسْتَدْعَى الْوَكِيلُ كُلَّ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ دَيْنٌ لِسَيِّدِهِ، وَسَأَلَ الْأَوَّلَ: ’كَمْ عَلَيْكَ لِسَيِّدِي؟‘ فَقَالَ: ’100 بَرْمِيلٍ مِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ.‘ فَقَالَ لَهُ الْوَكِيلُ: ’خُذِ السَّنَدَ الَّذِي عَلَيْكَ، وَاجْلِسْ بِسُرْعَةٍ وَاكْتُبْ 50.‘ ثُمَّ سَأَلَ الْآخَرَ: ’وَأَنْتَ، كَمْ عَلَيْكَ؟‘ قَالَ: ’100 كِيسِ قَمْحٍ.‘ فَقَالَ لَهُ: ’خُذِ السَّنَدَ الَّذِي عَلَيْكَ، وَاكْتُبْ 80.‘ ”فَمَدَحَ السَّيِّدُ وَكِيلَهُ غَيْرَ الْأَمِينِ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ بِدَهَاءٍ. فَإِنَّ أَهْلَ هَذِهِ الدُّنْيَا فِي مُعَامَلَتِهِمْ لِأَمْثَالِهِمْ، هُمْ أَكْثَرُ دَهَاءً مِنْ أَهْلِ النُّورِ! وَأَنَا أَقُولُ لَكُمْ: اِكْسِبُوا لَكُمْ أَصْدِقَاءَ بِمَالِ هَذِهِ الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا ذَهَبَ عَنْكُمْ، تُقْبَلُونَ فِي دَارِ الْخُلُودِ. الْأَمِينُ فِي الْأُمُورِ الْبَسِيطَةِ، هُوَ أَمِينٌ أَيْضًا فِي الْأُمُورِ الْكَبِيرَةِ. وَغَيْرُ الْأَمِينِ فِي الْأُمُورِ الْبَسِيطَةِ، هُوَ غَيْرُ أَمِينٍ أَيْضًا فِي الْأُمُورِ الْكَبِيرَةِ. فَإِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ أُمَنَاءَ عَلَى مَالِ هَذِهِ الدُّنْيَا، فَمَنْ يَأْتَمِنُكُمْ عَلَى الْمَالِ الْحَقِّ؟ وَإِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ أُمَنَاءَ عَلَى مَا هُوَ لَيْسَ لَكُمْ، فَمَنْ يُعْطِيكُمْ شَيْئًا لِأَنْفُسِكُمْ؟ لَا يَقْدِرُ الْعَبْدُ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكْرَهَ الْأَوَّلَ وَيُحِبَّ الثَّانِيَ، أَوْ يَكُونَ مُخْلِصًا لِلْأَوَّلِ وَيَحْتَقِرَ الثَّانِيَ. لَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ مَعًا.“ وَكَانَ الْفَرِّيسِيُّونَ يَسْمَعُونَ كُلَّ هَذَا وَيَهْزَأُونَ بِعِيسَـى، لِأَنَّهُمْ يُحِبُّونَ الْمَالَ. فَقَالَ لَهُمْ: ”أَنْتُمْ تَظْهَرُونَ صَالِحِينَ فِي نَظَرِ النَّاسِ، لَكِنَّ اللهَ يَعْرِفُ قُلُوبَكُمْ. فَمَا يَعْتَبِرُهُ النَّاسُ عَظِيمًا هُوَ مَكْرُوهٌ فِي نَظَرِ اللهِ. ”عَهْدُ التَّوْرَاةِ وَالْأَنْبِيَاءِ هُوَ إِلَى يَحْـيَى. وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، بَدَأَتِ الدَّعْوَةُ إِلَى مَمْلَكَةِ اللهِ، وَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُهَا يُوَاجِهُ الْعَدَاءَ. لَكِنَّ زَوَالَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَسْهَلُ مِنْ أَنْ تَسْقُطَ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ الْكِتَابِ. ”كُلُّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي. وَمَنْ يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ يَزْنِي. ”كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ غَنِيٌّ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْغَالِيَةَ، وَيَعِيشُ فِي نَعِيمٍ كُلَّ يَوْمٍ. وَكَانَ شَحَّاذٌ اسْمُهُ لَعَازَرُ مَطْرُوحًا عِنْدَ بَابِهِ وَقَدْ غَطَّتِ الْقُرُوحُ جِسْمَهُ. وَكَانَ يَتَمَنَّى أَنْ يَأْكُلَ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ الْغَنِيِّ. وَأَسْوَأُ مِنْ ذَلِكَ، كَانَتِ الْكِلَابُ تَأْتِي وَتَلْحَسُ قُرُوحَهُ. ”وَمَاتَ الشَّحَّاذُ، فَحَمَلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ إِلَى جِوَارِ إِبْرَاهِيمَ. وَمَاتَ الْغَنِيُّ أَيْضًا وَدُفِنَ. فَنَظَرَ وَهُوَ يَتَعَذَّبُ فِي عَالَمِ الْأَمْوَاتِ، فَرَأَى مِنْ بَعِيدٍ إِبْرَاهِيمَ وَلَعَازَرَ إِلَى جِوَارِهِ. فَنَادَى وَقَالَ: ’يَا أَبِي إِبْرَاهِيمُ، أَشْفِقْ عَلَيَّ، وَأَرْسِلْ لَعَازَرَ لِيَغْمِسَ طَرَفَ إِصْبَعِهِ فِي الْمَاءِ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي، لِأَنِّي مُعَذَّبٌ فِي هَذَا اللَّهِيبِ.‘ لَكِنَّ إِبْرَاهِيمَ أَجَابَ: ’يَا ابْنِي، تَذَكَّرْ أَنَّكَ نِلْتَ خَيْرَاتِكَ فِي حَيَاتِكَ، وَنَالَ لَعَازَرُ الْبَلَايَا. فَالْآنَ هُوَ يَتَعَزَّى هُنَا وَأَنْتَ تَتَعَذَّبُ. وَبِالْإِضَافَةِ إِلَى هَذَا، أُقِيمَتْ هُوَّةٌ عَمِيقَةٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، فَالَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعْبُرُوا مِنْ هُنَا إِلَيْكُمْ لَا يَقْدِرُونَ، وَلَا الَّذِينَ عِنْدَكُمْ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَعْبُرُوا إِلَيْنَا.‘ فَقَالَ: ’أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ إِذَنْ يَا أَبِي، أَنْ تُرْسِلَ لَعَازَرَ إِلَى دَارِ أَبِي، لِأَنَّ لِي 5 إِخْوَةٍ، لِكَيْ يُحَذِّرَهُمْ، فَلَا يَأْتُوا هُمْ أَيْضًا إِلَى مَكَانِ الْعَذَابِ هَذَا.‘ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: ’عِنْدَهُمْ كُتُبُ مُوسَى وَالْأَنْبِيَاءِ، فَلْيَعْمَلُوا بِمَا فِيهَا.‘ لَكِنَّهُ قَالَ: ’لَا يَا أَبِي إِبْرَاهِيمُ، بَلْ إِذَا قَامَ لَهُمْ وَاحِدٌ مِنَ الْمَوْتِ يَتُوبُونَ.‘ أَجَابَ إِبْرَاهِيمُ: ’إِنْ كَانُوا لَا يَعْمَلُونَ بِمَا فِي كُتُبِ مُوسَى وَالْأَنْبِيَاءِ، فَلَنْ يَقْتَنِعُوا وَلَا حَتَّى إِذَا قَامَ وَاحِدٌ مِنَ الْمَوْتِ.‘“ وَقَالَ عِيسَـى لِتَلَامِيذِهِ: ”لَا بُدَّ أَنْ تَحْدُثَ أَشْيَاءُ تَجْعَلُ النَّاسَ يُخْطِئُونَ. لَكِنَّ الْوَيْلَ لِمَنْ يَكُونُ السَّبَبَ فِي حُدُوثِهَا. فَخَيْرٌ لَهُ أَنْ يُرْبَطَ حَجَرُ طَاحُونَةٍ حَوْلَ رَقَبَتِهِ، وَيُرْمَى فِي الْبَحْرِ، مِنْ أَنْ يَجْعَلَ أَحَدَ هَؤُلَاءِ الصِّغَارِ يُخْطِئُ. فَاحْذَرُوا مِنْ هَذَا. ”إِنْ أَخْطَأَ أَخُوكَ فِي حَقِّكَ وَبِّخْهُ، وَإِنْ تَأَسَّفَ سَامِحْهُ. وَإِنْ أَخْطَأَ فِي حَقِّكَ 7 مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ، وَرَجَعَ إِلَيْكَ 7 مَرَّاتٍ وَقَالَ: ’أَنَا مُتَأَسِّفٌ.‘ سَامِحْهُ.“ وَقَالَ الرُّسُلُ لِعِيسَى: ”زِدْ إِيمَانَنَا.“ فَقَالَ: ”لَوْ كَانَ عِنْدَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ الْخَرْدَلِ، لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِشَجَرَةِ التُّوتِ هَذِهِ: ’اِنْقَلِعِي وَانْغَرِسِي فِي الْبَحْرِ.‘ فَتُطِيعُكُمْ. ”لِنَفْرِضْ أَنَّ أَحَدَكُمْ لَهُ عَبْدٌ يَحْرُثُ الْأَرْضَ أَوْ يَرْعَى الْغَنَمَ، فَعِنْدَمَا يَرْجِعُ مِنَ الْحَقْلِ، هَلْ تَقُولُ لَهُ: ’تَعَالَ بِسُرْعَةٍ وَاجْلِسْ وَكُلْ؟‘ طَبْعًا لَا. بَلْ تَقُولُ لَهُ: ’جَهِّزْ لِيَ الْعَشَاءَ، وَاسْتَعِدَّ وَاخْدِمْنِي بَيْنَمَا آكُلُ وَأَشْرَبُ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ، تَأْكُلُ أَنْتَ وَتَشْرَبُ.‘ وَهَلْ تَشْكُرُ الْعَبْدَ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أَمَرْتَهُ بِهِ؟ وَنَفْسُ الشَّيْءِ بِالنِّسْبَةِ لَكُمْ، مَتَى فَعَلْتُمْ كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فَيَجِبُ أَنْ تَقُولُوا: ’نَحْنُ عَبِيدٌ لَا فَضْلَ لَنَا، فَإِنَّنَا قُمْنَا بِوَاجِبِنَا فَقَطْ.‘“ وَفِي طَرِيقِهِ إِلَى الْقُدْسِ، كَانَ عِيسَـى يُسَافِرُ عَلَى الْحُدُودِ بَيْنَ السَّامِرَةِ وَالْجَلِيلِ. وَبَيْنَمَا هُوَ يَدْخُلُ إِحْدَى الْقُرَى قَابَلَهُ 10 رِجَالٍ مُصَابِينَ بِالْبَرَصِ. فَوَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ وَنَادَوْا: ”يَا سَيِّدَنَا عِيسَى، أَشْفِقْ عَلَيْنَا.“ فَلَمَّا رَآهُمْ، قَالَ لَهُمْ: ”اِذْهَبُوا وَأَرُوا أَنْفُسَكُمْ لِلْأَحْبَارِ.“ وَبَيْنَمَا كَانُوا ذَاهِبِينَ طَهَرُوا. فَوَاحِدٌ مِنْهُمْ، لَمَّا رَأَى أَنَّهُ شُفِيَ، رَجَعَ وَهُوَ يُسَبِّحُ اللهَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ. وَرَمَى نَفْسَهُ عَلَى وَجْهِهِ عِنْدَ قَدَمَيْ عِيسَى وَشَكَرَهُ، وَكَانَ سَامِرِيًّا! فَقَالَ عِيسَى: ”أَلَيْسَ الْـ10 طَهَرُوا؟ فَأَيْنَ الـ9؟ أَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَرْجِعُ وَيُسَبِّحُ اللهَ غَيْرَ هَذَا الْأَجْنَبِيِّ؟“ وَقَالَ لَهُ: ”قُمْ وَاذْهَبْ، إِيمَانُكَ شَفَاكَ.“ ثُمَّ سَأَلَهُ الْفَرِّيسِيُّونَ: ”مَتَى يُقِيمُ اللهُ مَمْلَكَتَهُ؟“ فَأَجَابَهُمْ: ”إِنَّ اللهَ لَا يُقِيمُ مَمْلَكَتَهُ بِطَرِيقَةٍ مَنْظُورَةٍ. فَلَا يَقُولُونَ إِنَّهَا هُنَا أَوْ هُنَاكَ. بَلِ الْحَقِيقَةُ هِيَ أَنَّ مَمْلَكَةَ اللهِ هِيَ بَيْنَكُمْ.“ ثُمَّ قَالَ لِتَلَامِيذِهِ: ”سَيَأْتِي وَقْتٌ فِيهِ تَشْتَاقُونَ أَنْ تَرَوْا يَوْمًا وَاحِدًا مِنْ أَيَّامِ الَّذِي صَارَ بَشَرًا، وَلَا تَرَوْنَ. وَسَيَقُولُونَ لَكُمْ: ’إِنَّهُ هُنَا أَوْ هُنَاكَ‘. فَلَا تَذْهَبُوا وَلَا تَتْبَعُوهُمْ. لِأَنَّ الَّذِي صَارَ بَشَرًا سَيَكُونُ فِي يَوْمِهِ مِثْلَ الْبَرْقِ الَّذِي يَبْرُقُ وَيُنِيرُ السَّمَاءَ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا. إِنَّمَا يَجِبُ أَوَّلًا أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيرًا وَأَنْ يَرْفُضَهُ هَذَا الشَّعْبُ. ”وَكَمَا حَدَثَ فِي أَيَّامِ نُوحَ، سَيَحْدُثُ فِي أَيَّامِ الَّذِي صَارَ بَشَرًا. كَانَ النَّاسُ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، وَيَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوَّجُونَ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ نُوحُ إِلَى الْفُلْكِ، وَجَاءَ الطُّوفَانُ وَأَهْلَكَهُمْ جَمِيعًا. وَهُوَ نَفْسُ مَا حَدَثَ فِي أَيَّامِ لُوطَ، فَكَانَ النَّاسُ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، وَيَشْتَرُونَ وَيَبِيعُونَ، وَيَزْرَعُونَ وَيَبْنُونَ. لَكِنْ يَوْمَ خَرَجَ لُوطُ مِنْ سَدُومَ، أَمْطَرَتِ السَّمَاءُ نَارًا وَكِبْرِيتًا فَهَلَكُوا جَمِيعًا. ”وَيَوْمَ يَأْتِي الَّذِي صَارَ بَشَرًا سَيَحْدُثُ نَفْسُ الشَّيْءِ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، مَنْ كَانَ عَلَى السَّطْحِ وَأَمْتِعَتُهُ فِي الدَّارِ، فَلَا يَنْزِلْ لِيَأْخُذَهَا. وَبِالْمِثْلِ، مَنْ كَانَ فِي الْحَقْلِ، فَلَا يَرْجِعْ لِلدَّارِ. تَذَكَّرُوا امْرَأَةَ لُوطَ! مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْفَظَ حَيَاتَهُ يَفْقِدُهَا. أَمَّا مَنْ فَقَدَ حَيَاتَهُ، فَإِنَّهُ يَحْفَظُهَا. أُؤَكِّدُ لَكُمْ أَنَّهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، يَكُونُ اثْنَانِ فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ، فَيُؤْخَذُ وَاحِدٌ وَيُتْرَكُ الْآخَرُ. وَامْرَأَتَانِ تَطْحَنَانِ مَعًا، تُؤْخَذُ وَاحِدَةٌ وَتُتْرَكُ الْأُخْرَى. وَرَجُلَانِ فِي الْحَقْلِ، يُؤْخَذُ وَاحِدٌ وَيُتْرَكُ الْآخَرُ.“ فَسَأَلُوهُ: ”أَيْنَ يَكُونُ هَذَا يَا سَيِّدُ؟“ فَأَجَابَ: ”حَيْثُ تَكُونُ الْجُثَّةُ، تَجْتَمِعُ الْجَوَارِحُ.“ وَضَرَبَ لِتَلَامِيذِهِ مَثَلًا لِيُبَيِّنَ لَهُمْ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُصَلُّوا دَائِمًا وَلَا يَفْشَلُوا، فَقَالَ: ”كَانَ فِي بَلْدَةٍ قَاضٍ لَا يَخَافُ اللهَ وَلَا يَهُمُّهُ النَّاسُ. وَكَانَ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ أَرْمَلَةٌ تَأْتِي وَتَقُولُ لَهُ: ’أَنْصِفْنِي مِنْ خَصْمِي.‘ وَظَلَّ يَرْفُضُ فَتْرَةً مِنَ الزَّمَنِ، لَكِنَّهُ أَخِيرًا قَالَ فِي نَفْسِهِ: ’صَحِيحٌ أَنَا لَا أَخَافُ اللهَ وَلَا يَهُمُّنِي النَّاسُ، لَكِنِّي سَأُنْصِفُ هَذِهِ الْأَرْمَلَةَ لِأَنَّهَا تُزْعِجُنِي، وَإِلَّا تَظَلُّ تَأْتِي وَتُوجِعُ رَأْسِي.‘“ وَقَالَ عِيسَى: ”اِسْمَعُوا مَا يَقُولُهُ الْقَاضِي الظَّالِمُ! إِذَنْ أَلَا يُنْصِفُ اللهُ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ حِينَ يَصْرُخُونَ إِلَيْهِ نَهَارًا وَلَيْلًا؟ هَلْ يَظَلُّ يُبْطِئُ عَلَيْهِمْ؟ أُؤَكِّدُ لَكُمْ أَنَّهُ يُنْصِفُهُمْ سَرِيعًا. لَكِنْ حِينَ يَجِيءُ الَّذِي صَارَ بَشَرًا، هَلْ يَجِدُ عَلَى الْأَرْضِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ؟“ وَضَرَبَ أَيْضًا هَذَا الْمَثَلَ لِمَنْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ أَتْقِيَاءُ وَيَحْتَقِرُونَ الْآخَرِينَ: ”صَعِدَ رَجُلَانِ إِلَى بَيْتِ اللهِ لِلصَّلَاةِ، وَاحِدٌ فَرِّيسِيٌّ وَالْآخَرُ جَابِي ضَرَائِبَ. فَوَقَفَ الْفَرِّيسِيُّ يُصَلِّي إِلَى نَفْسِهِ، وَقَالَ: ’اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُرُكَ لِأَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي النَّاسِ، اللُّصُوصِ وَالْمُجْرِمِينَ وَالزُّنَاةِ، وَلَا مِثْلَ هَذَا الْجَابِي. أَصُومُ مَرَّتَيْنِ فِي الْأُسْبُوعِ، وَأُعْطِي للهِ الْعُشْرَ مِنْ كُلِّ دَخْلِي.‘ أَمَّا جَابِي الضَّرَائِبِ، فَوَقَفَ مِنْ بَعِيدٍ وَهُوَ لَا يَشَاءُ حَتَّى أَنْ يَنْظُرَ إِلَى السَّمَاءِ. بَلْ كَانَ يَضْرِبُ عَلَى صَدْرِهِ وَيَقُولُ: ’اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي أَنَا الْخَاطِئَ.‘ أُؤَكِّدُ لَكُمْ أَنَّ هَذَا الْجَابِيَ، لَا ذَلِكَ الْفَرِّيسِيَّ، ذَهَبَ إِلَى دَارِهِ وَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. لِأَنَّ كُلَّ مَنْ رَفَعَ مِنْ قَدْرِ نَفْسِهِ يَنْزِلُ، لَكِنْ مَنْ أَنْزَلَ مِنْ قَدْرِ نَفْسِهِ يَرْتَفِعُ.“ وَأَحْضَرَ إِلَيْهِ النَّاسُ أَيْضًا بَعْضَ الْأَطْفَالِ الصِّغَارِ لِكَيْ يَلْمِسَهُمْ. فَلَمَّا رَأَى التَّلَامِيذُ هَذَا، وَبَّخُوا الَّذِينَ أَحْضَرُوهُمْ. فَنَادَى عِيسَى الْأَطْفَالَ إِلَيْهِ وَقَالَ: ”خَلُّوا الْأَطْفَالَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلَا تَمْنَعُوهُمْ، لِأَنَّ اللهَ يُدْخِلُ إِلَى مَمْلَكَتِهِ مَنْ هُمْ مِثْلُهُمْ. وَأَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: مَنْ لَا يَقْبَلُ مَمْلَكَةَ اللهِ كَطِفْلٍ، لَنْ يَدْخُلَهَا.“ وَسَأَلَهُ أَحَدُ الرُّؤَسَاءِ: ”أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، مَاذَا أَعْمَلُ لِكَيْ يَكُونَ لِي نَصِيبٌ فِي حَيَاةِ الْخُلُودِ؟“ فَقَالَ لَهُ عِيسَـى: ”لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لَا صَالِحَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ. أَنْتَ تَعْرِفُ الْوَصَايَا: لَا تَزْنِ، لَا تَقْتُلْ، لَا تَسْرِقْ، لَا تَشْهَدْ بِالزُّورِ، أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ.“ قَالَ الرَّجُلُ: ”مُنْذُ الصِّغَرِ وَأَنَا أَعْمَلُ بِكُلِّ هَذِهِ الْوَصَايَا.“ فَلَمَّا سَمِعَ عِيسَـى ذَلِكَ قَالَ لَهُ: ”مَا زَالَ يَنْقُصُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ: بِعْ كُلَّ مَا عِنْدَكَ وَأَعْطِ ثَمَنَهُ لِلْفُقَرَاءِ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ تَعَالَ اتْبَعْنِي.“ فَلَمَّا سَمِعَ هَذَا الْكَلَامَ حَزِنَ، لِأَنَّهُ كَانَ غَنِيًّا جِدًّا. فَنَظَرَ عِيسَـى إِلَيْهِ وَقَالَ: ”مَا أَصْعَبَ دُخُولَ الْأَغْنِيَاءِ إِلَى مَمْلَكَةِ اللهِ! مُرُورُ جَمَلٍ مِنْ ثُقْبِ إِبْرَةٍ أَسْهَلُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَمْلَكَةِ اللهِ!“ فَالَّذِينَ سَمِعُوا هَذَا قَالُوا: ”إِذَنْ، مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَنْجُوَ؟“ فَقَالَ: ”مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ النَّاسُ، يَقْدِرُ عَلَيْهِ اللهُ.“ فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: ”لَاحِظْ أَنَّنَا تَرَكْنَا كُلَّ مَا عِنْدَنَا وَتَبِعْنَاكَ.“ فَقَالَ لَهُمْ: ”أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: كُلُّ مَنْ تَرَكَ دَارًا أَوْ زَوْجَةً أَوْ إِخْوَةً أَوْ وَالِدَيْنِ أَوْ أَوْلَادًا فِي سَبِيلِ مَمْلَكَةِ اللهِ، يَنَالُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أَضْعَافَ مَا تَرَكَ، وَفِي الْآخِرَةِ يَنَالُ حَيَاةَ الْخُلُودِ.“ وَأَخَذَ الِـ12 عَلَى انْفِرَادٍ وَقَالَ لَهُمْ: ”اِنْتَبِهُوا! نَحْنُ فِي الطَّرِيقِ إِلَى الْقُدْسِ، وَسَيَتَحَقَّقُ كُلُّ مَا كَتَبَهُ الْأَنْبِيَاءُ عَنِ الَّذِي صَارَ بَشَرًا، أَنَّهُ سَيُسَلَّمُ إِلَى الْأَجَانِبِ، فَيَهْزَأُونَ بِهِ وَيَشْتِمُونَهُ وَيَبْصُقُونَ عَلَيْهِ وَيَجْلِدُونَهُ وَيَقْتُلُونَهُ، وَلَكِنَّهُ يَقُومُ حَيًّا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ.“ أَمَّا التَّلَامِيذُ فَلَمْ يَفْهَمُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، بَلْ كَانَ هَذَا الْكَلَامُ غَامِضًا عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَعْرِفُوا مَعْنَاهُ. وَلَمَّا اقْتَرَبَ عِيسَـى مِنْ أَرِيحَا، كَانَ هُنَاكَ أَعْمَى جَالِسًا عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ يَتَسَوَّلُ. فَلَمَّا سَمِعَ الْجُمْهُورَ يَسِيرُ، سَأَلَ عَنِ الْمَوْضُوعِ. فَقَالُوا لَهُ إِنَّ عِيسَـى النَّاصِرِيَّ مَارٌّ مِنْ هُنَاكَ. فَصَرَخَ: ”يَا عِيسَـى يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِرْحَمْنِي!“ فَالَّذِينَ كَانُوا يَسِيرُونَ فِي الْمُقَدِّمَةِ، وَبَّخُوهُ وَقَالُوا لَهُ: ”اُسْكُتْ.“ لَكِنَّهُ صَرَخَ أَكَثْرَ: ”يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِرْحَمْنِي!“ فَتَوَقَّفَ عِيسَـى، وَأَمَرَ أَنْ يُحْضِرُوهُ إِلَيْهِ. فَلَمَّا اقْتَرَبَ سَأَلَهُ: ”مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ لَكَ؟“ فَقَالَ: ”يَا سَيِّدِي، أُرِيدُ أَنْ أُبْصِرَ.“ فَقَالَ لَهُ عِيسَـى: ”أَبْصِرْ، إِيمَانُكَ شَفَاكَ!“ وَفِي الْحَالِ بَدَأَ يَرَى، وَتَبِعَ عِيسَـى وَهُوَ يُسَبِّحُ اللهَ. فَكُلُّ الشَّعْبِ لَمَّا رَأَوْا هَذَا، سَبَّحُوا اللهَ أَيْضًا. وَدَخَلَ عِيسَـى أَرِيحَا، وَأَخَذَ يَمُرُّ فِيهَا. وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ اسْمُهُ زَكِيٌّ وَهُوَ رَئِيسٌ عَلَى جُبَاةِ الضَّرَائِبِ، وَكَانَ غَنِيًّا. وَحَاوَلَ أَنْ يَرَى مَنْ هُوَ عِيسَـى، فَلَمْ يَقْدِرْ بِسَبَبِ الزِّحَامِ لِأَنَّهُ كَانَ قَصِيرًا. فَجَرَى قُدَّامَهُمْ وَتَسَلَّقَ شَجَرَةَ جُمَّيْزٍ لِكَيْ يَرَاهُ، لِأَنَّ عِيسَـى كَانَ سَيَمُرُّ مِنْ هُنَاكَ. فَلَمَّا وَصَلَ عِيسَـى إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ، نَظَرَ إِلَى فَوْقُ وَقَالَ لَهُ: ”يَا زَكِيٌّ، اِنْزِلْ بِسُرْعَةٍ لِأَنِّي يَجِبُ أَنْ أَزُورَكَ فِي دَارِكَ الْيَوْمَ.“ فَنَزَلَ بِسُرْعَةٍ، وَاسْتَقْبَلَهُ بِسُرُورٍ. وَرَأَى الْجَمِيعُ هَذَا، فَأَخَذُوا يَتَذَمَّرُونَ وَيَقُولُونَ: ”ذَهَبَ لِيَكُونَ ضَيْفًا عِنْدَ وَاحِدٍ غَيْرِ مُتَدَيِّنٍ!“ فَوَقَفَ زَكِيٌّ وَقَالَ لِلْمَسِيحِ: ”اِسْمَعْ يَا مَوْلَايَ! سَأُعْطِي نِصْفَ مُمْتَلَكَاتِي لِلْفُقَرَاءِ، وَإِنْ كُنْتُ ظَلَمْتُ أَحَدًا فِي شَيْءٍ، أَرُدُّ لَهُ 4 أَضْعَافٍ.“ فَقَالَ لَهُ عِيسَـى: ”الْيَوْمَ جَاءَتِ النَّجَاةُ إِلَى هَذِهِ الدَّارِ، لِأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ أَيْضًا ابْنٌ لِإِبْرَاهِيمَ. لِأَنَّ الَّذِي صَارَ بَشَرًا جَاءَ لِكَيْ يَبْحَثَ عَنِ الْهَالِكِينَ وَيُنْقِذَهُمْ.“ وَبَيْنَمَا هُمْ يَسْتَمِعُونَ إِلَى هَذَا، ضَرَبَ لَهُمْ عِيسَـى مَثَلًا، لِأَنَّهُ كَانَ بِالْقُرْبِ مِنَ الْقُدْسِ، وَكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ مَمْلَكَةَ اللهِ سَتَظْهَرُ فِي الْحَالِ. فَقَالَ: ”سَافَرَ أَحَدُ الْأُمَرَاءِ إِلَى دَوْلَةٍ بَعِيدَةٍ، لِكَيْ يَحْصُلَ عَلَى قَرَارٍ بِأَنْ يُصْبِحَ مَلِكًا ثُمَّ يَرْجِعَ. فَنَادَى 10 مِنْ عَبِيدِهِ وَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُمْلَةً مِنَ الذَّهَبِ، وَقَالَ لَهُمْ: ’تَاجِرُوا بِهَا إِلَى أَنْ أَرْجِعَ.‘ ”لَكِنَّ شَعْبَهُ كَانَ يَكْرَهُهُ، فَأَرْسَلُوا وَرَاءَهُ وَفْدًا يَقُولُ: ’لَا نُرِيدُ أَنَّ هَذَا الشَّخْصَ يَمْلِكُ عَلَيْنَا.‘ وَمَعَ ذَلِكَ حَصَلَ عَلَى الْقَرَارِ بِأَنْ يُصْبِحَ مَلِكًا، وَرَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ. وَأَمَرَ بِاسْتِدْعَاءِ الْعَبِيدِ الَّذِينَ أَعْطَاهُمُ الْمَالَ لِيَعْرِفَ مَاذَا رَبِحَ كُلٌّ مِنْهُمْ فِي تِجَارَتِهِ. فَجَاءَ الْأَوَّلُ وَقَالَ: ’يَا سَيِّدُ، عُمْلَتُكَ رَبِحَتْ 10 عُمْلَاتٍ.‘ فَقَالَ لَهُ: ’أَحْسَنْتَ أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ، كُنْتَ أَمِينًا فِي أَمْرٍ بَسِيطٍ، فَكُنْ حَاكِمًا عَلَى 10 مُدُنٍ.‘ وَجَاءَ الثَّانِي وَقَالَ: ’يَا سَيِّدُ، عُمْلَتُكَ رَبِحَتْ 5 عُمْلَاتٍ.‘ فَقَالَ لَهُ: ’وَأَنْتَ، كُنْ حَاكِمًا عَلَى 5 مُدُنٍ.‘ وَجَاءَ الْآخَرُ وَقَالَ: ’يَا سَيِّدُ، هَذِهِ هِيَ عُمْلَتُكَ حَفِظْتُهَا مَلْفُوفَةً فِي مِنْدِيلٍ، لِأَنِّي خِفْتُ مِنْكَ، فَأَنْتَ رَجُلٌ قَاسٍ، تَأْخُذُ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَضَعْ وَتَحْصُدُ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَزْرَعْ.‘ فَقَالَ لَهُ: ’أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ، مِنْ فَمِكَ أَحْكُمُ عَلَيْكَ. أَنْتَ عَارِفٌ أَنِّي رَجُلٌ قَاسٍ، وَأَنِّي آخُذُ مِنْ حَيْثُ لَمْ أَضَعْ وَأَحْصُدُ مِنْ حَيْثُ لَمْ أَزْرَعْ! إِذَنْ فَلِمَاذَا لَمْ تَضَعْ مَالِي فِي الْبَنْكِ، فَعِنْدَ رُجُوعِي كُنْتُ أَسْتَلِمُهُ مَعَ رِبْحٍ؟‘ وَقَالَ لِلْمَوْجُودِينَ: ’خُذُوا الْعُمْلَةَ مِنْهُ، وَأَعْطُوهَا لِمَنْ مَعَهُ 10 عُمْلَاتٍ.‘ فَقَالُوا لَهُ: ’يَا سَيِّدُ، عِنْدَهُ 10!‘ فَأَجَـابَ: ’أُؤَكِّدُ لَكُمْ، إِنَّ مَنْ عِنْدَهُ يُعْطَـى أَكْثَرَ. وَمَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ، فَحَـتَّى الْقَلِيلُ الَّذِي لَهُ يُؤْخَـذُ مِنْهُ. أَمَّا أَعْدَائِي أُولَئِكَ، الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ، فَهَاتُوهُـمْ هُنَا وَاقْتُلُوهُـمْ قُدَّامِـي.‘“ وَبَعْدَمَا قَالَ عِيسَـى هَذَا، تَقَدَّمَ فِي طَرِيقِهِ إِلَى مَدِينَةِ الْقُدْسِ. وَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنْ بَيْتَ فَجَّ وَبَيْتَ عَنْيَا عِنْدَ الْجَبَلِ الْمَعْرُوفِ بِاسْمِ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، أَرْسَلَ اثْنَيْنِ مِنْ تَلَامِيذِهِ، وَقَالَ لَهُمَا: ”اِذْهَبَا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أَمَامَكُمَا، وَعِنْدَمَا تَدْخُلَانِهَا، تَجِدَانِ جَحْشًا مَرْبُوطًا لَمْ يَرْكَبْهُ أَحَدٌ أَبَدًا، حِلَّاهُ وَأَحْضِرَاهُ إِلَى هُنَا. فَإِنْ سَأَلَكُمَا أَحَدٌ: ’لِمَاذَا تَحِلَّانِهِ؟‘ فَقُولَا لَهُ: ’السَّيِّدُ مُحْتَاجٌ لَهُ.‘“ فَذَهَبَ الْمُرْسَلَانِ وَوَجَدَا كَمَا قَالَ لَهُمَا تَمَامًا. وَبَيْنَمَا هُمَا يَحِلَّانِ الْجَحْشَ، قَالَ لَهُمَا أَصْحَابُهُ: ”لِمَاذَا تَحِلَّانِ الْجَحْشَ؟“ فَقَالَا: ”السَّيِّدُ مُحْتَاجٌ لَهُ.“ فَأَحْضَرَاهُ إِلَى عِيسَـى، وَطَرَحَا ثِيَابَهُمَا عَلَيْهِ، وَأَرْكَبَا عِيسَـى عَلَيْهِ. وَفِيمَا هُوَ سَائِرٌ فَرَشَ النَّاسُ ثِيَابَهُمْ فِي الطَّرِيقِ. وَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنَ الطَّرِيقِ النَّازِلِ مِنْ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، أَخَذَ كُلُّ جُمْهُورِ التَّلَامِيذِ يُسَبِّحُونَ اللهَ بِفَرَحٍ بِصَوْتٍ عَالٍ عَلَى كُلِّ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي رَأَوْهَا، وَيَقُولُونَ: ”تَبَارَكَ الْمَلِكُ الْآتِي بِاسْمِ اللهِ. سَلَامٌ فِي السَّمَاءِ، وَجَلَالٌ فِي الْأَعَالِي.“ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْفَرِّيسِيِّينَ مِنْ بَيْنِ الْجُمْهُورِ: ”يَا مُعَلِّمُ، وَبِّخْ تَلَامِيذَكَ.“ فَأَجَابَ: ”أُؤَكِّدُ لَكُمْ، إِنْ هُمْ سَكَتُوا، فَالْحِجَارَةُ تَهْتِفُ!“ وَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنَ الْقُدْسِ وَرَآهَا بَكَى عَلَيْهَا، وَقَالَ: ”لَيْتَكِ عَلِمْتِ وَلَوْ فِي هَذَا الْيَوْمِ، مَا الَّذِي يَجْلِبُ لَكِ السَّلَامَ! لَكِنْ أُخْفِيَ هَذَا عَنْكِ. فَسَتَأْتِي عَلَيْكِ أَيَّامٌ حِينَ يُحَاصِرُكِ أَعْدَاؤُكِ، وَيُحِيطُونَ بِكِ، وَيُضَيِّقُونَ عَلَيْكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَيَهْدِمُونَكِ إِلَى الْأَرْضِ وَأَهْلُكِ فِي دَاخِلِكِ. وَلَا يَتْرُكُونَ فِيكِ حَجَرًا عَلَى حَجَرٍ، لِأَنَّكِ لَمْ تَفْهَمِي لَمَّا جَاءَ اللهُ لِمَعُونَتِكِ.“ وَذَهَبَ عِيسَـى إِلَى بَيْتِ اللهِ، وَأَخَذَ يَطْرُدُ الَّذِينَ يَبِيعُونَ، وَقَالَ لَهُمْ: ”يَقُولُ كِتَابُ اللهِ: ’بَيْتِي يَكُونُ بَيْتَ الصَّلَاةِ، لَكِنْ أَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ.‘“ وَكَانَ كُلَّ يَوْمٍ يُعَلِّمُ النَّاسَ فِي بَيْتِ اللهِ. وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَالْفُقَهَاءُ وَأَعْيَانُ الشَّعْبِ يُحَاوِلُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا، لِأَنَّ كُلَّ الشَّعْبِ كَانَ مُولَعًا بِالِاسْتِمَاعِ إِلَيْهِ. وَذَاتَ يَوْمٍ، لَمَّا كَانَ عِيسَـى يُعَلِّمُ النَّاسَ فِي بَيْتِ اللهِ وَيُنَادِي بِالْبُشْرَى، جَاءَ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَالْفُقَهَاءُ مَعَ الشُّيُوخِ وَقَالُوا لَهُ: ”قُلْ لَنَا، بِأَيِّ سُلْطَةٍ تَعْمَلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ؟ وَمَنْ أَعْطَاكَ السُّلْطَةَ لِتَعْمَلَهَا؟“ فَأَجَابَهُمْ: ”وَأَنَا أَيْضًا أَسْأَلُكُمْ سُؤَالًا: قُولُوا لِي، مَنْ أَعْطَى يَحْـيَى السُّلْطَةَ لِيُغَطِّسَ؟ هَلِ اللهُ أَمِ النَّاسُ؟“ فَتَشَاوَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَقَالُوا: ”إِنْ قُلْنَا: ’اللهُ.‘ يَقُولُ لَنَا: ’إِذَنْ لِمَاذَا لَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ؟‘ وَإِنْ قُلْنَا: ’النَّاسُ.‘ فَالشَّعْبُ كُلُّهُ يَرْجُمُنَا لِأَنَّهُ مُقْتَنِعٌ أَنَّ يَحْـيَى نَبِيٌّ.“ فَأَجَابُوا وَقَالُوا: ”لَا نَعْرِفُ.“ فَقَالَ عِيسَـى: ”وَلَا أَنَا أَقُولُ لَكُمْ بِأَيِّ سُلْطَةٍ أَعْمَلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ.“ وَضَرَبَ هَذَا الْمَثَلَ لِلشَّعْبِ فَقَالَ: ”غَرَسَ رَجُلٌ بُسْتَانًا، وَأَجَّرَهُ إِلَى فَلَّاحِينَ، ثُمَّ سَافَرَ إِلَى الْخَارِجِ مُدَّةً طَوِيلَةً. وَفِي الْمَوْسِمِ، أَرْسَلَ عَبْدًا إِلَى الْفَلَّاحِينَ، لِكَيْ يُعْطُوهُ نَصِيبَهُ مِنْ ثَمَرِ الْبُسْتَانِ. لَكِنَّ الْفَلَّاحِينَ ضَرَبُوهُ وَأَرْجَعُوهُ فَارِغَ الْيَدَيْنِ. فَأَرْسَلَ عَبْدًا آخَرَ، فَضَرَبُوهُ هُوَ أَيْضًا وَأَهَانُوهُ وَأَرْجَعُوهُ فَارِغَ الْيَدَيْنِ. وَأَرْسَلَ عَبْدًا ثَالِثًا، فَجَرَحُوهُ وَرَمَوْهُ خَارِجًا. فَقَالَ صَاحِبُ الْبُسْتَانِ: ’مَاذَا أَعْمَلُ؟ أُرْسِلُ ابْنِيَ الْحَبِيبَ، رُبَّمَا يَحْتَرِمُونَهُ.‘ فَلَمَّا رَآهُ الْفَلَّاحُونَ، قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: ’هَذَا هُوَ الْوَارِثُ، تَعَالَوْا نَقْتُلُهُ فَيَكُونَ الْمِيرَاثُ لَنَا.‘ فَرَمَوْهُ خَارِجَ الْبُسْتَانِ وَقَتَلُوهُ. فَمَاذَا يَعْمَلُ بِهِمْ صَاحِبُ الْبُسْتَانِ؟ إِنَّهُ يَأْتِي وَيَقْتُلُ أُولَئِكَ الْفَلَّاحِينَ وَيُعْطِي الْبُسْتَانَ لِغَيْرِهِمْ.“ فَلَمَّا سَمِعُوا هَذَا قَالُوا: ”لَا سَمَحَ اللهُ!“ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ عِيسَـى وَقَالَ: ”إِذَنْ فَمَا مَعْنَى قَوْلِ الْكِتَابِ: ’الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ، صَارَ تَاجَ الْبِنَاءِ‘؟ كُلُّ مَنْ يَقَعُ عَلَى هَذَا الْحَجَرِ يَتَكَسَّرُ، وَمَنْ يَقَعُ هَذَا الْحَجَرُ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ.“ وَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ حَاوَلَ الْفُقَهَاءُ وَرُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ أَنْ يَقْبِضُوا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّهُ قَالَ هَذَا الْمَثَلَ ضِدَّهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ خَافُوا مِنَ الشَّعْبِ. وَأَخَـذُوا يُرَاقِبُونَهُ. فَأَرْسَـلُوا لَهُ جَوَاسِيسَ يَتَظَاهَـرُونَ بِأَنَّهُـمْ أَتْقِـيَاءُ، لِكَـيْ يُوقِعُـوهُ فِي شَـيْءٍ يَقُولُهُ، لِكَيْ يُسَـلِّمُوهُ إِلَى قَضَـاءِ الْحَاكِمِ وَسُلْطَتِهِ. فَسَأَلُوهُ: ”يَا مُعَلِّمُ، نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّكَ تَتَكَلَّمُ وَتُعَلِّمُ بِالصِّدْقِ، وَلَا تَهُمُّكَ مَرَاكِزُ النَّاسِ، بَلْ تُعَلِّمُ طَرِيقَ اللهِ بِالْحَقِّ. هَلْ حَلَالٌ أَنْ نَدْفَعَ الضَّرِيبَةَ لِقَيْصَرَ أَمْ لَا؟“ فَفَهِمَ مَكْرَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: ”أَرُونِي دِينَارًا، صُورَةُ مَنْ وَاسْمُ مَنْ عَلَيْهِ؟“ قَالُوا: ”قَيْصَرَ.“ فَقَالَ لَهُمْ: ”إِذَنْ أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ، وَمَا للهِ للهِ.“ وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُوقِعُوهُ فِي شَيْءٍ يَقُولُهُ قُدَّامَ النَّاسِ، وَانْدَهَشُوا لِجَوَابِهِ وَسَكَتُوا. وَجَاءَ إِلَيْهِ بَعْضُ الصَّدُّوقِيِّينَ وَهُمُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْقِيَامَةِ مِنَ الْمَوْتِ، وَسَأَلُوهُ: ”يَا مُعَلِّمُ، مُوسَى أَعْطَانَا هَذِهِ الْوَصِيَّةَ: إِذَا مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ وَرَاءَهُ زَوْجَةً وَلَمْ يُخَلِّفْ أَوْلَادًا، وَكَانَ لِهَذَا الرَّجُلِ أَخٌ، فَالْأَخُ يَأْخُذُ الْأَرْمَلَةَ وَيُنْجِبُ أَوْلَادًا عَلَى اسْمِ أَخِيهِ. فَكَانَ هُنَاكَ 7 إِخْوَةٍ، أَخَذَ الْأَوَّلُ زَوْجَةً وَمَاتَ عَنْ غَيْرِ أَوْلَادٍ. فَأَخَذَهَا الثَّانِي، وَالثَّالِثُ، وَبَاقِي الـ7، وَلَمْ يُخَلِّفُوا أَوْلَادًا وَمَاتُوا. وَآخِرَ الْكُلِّ مَاتَتِ الْمَرْأَةُ. فَفِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ، سَتَكُونُ زَوْجَةَ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ؟ لِأَنَّ الـ7 تَزَوَّجُوهَا!“ فَأَجَابَهُمْ عِيسَـى: ”أَهْلُ هَذَا الزَّمَنِ يَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوَّجُونَ. أَمَّا الَّذِينَ لَهُمْ نَصِيبٌ فِي حَيَاةِ الْخُلُودِ وَالْقِيَامَةِ مِنَ الْمَوْتِ، فَلَا يَتَزَوَّجُونَ وَلَا يُزَوَّجُونَ. وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَمُوتُوا بَعْدَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ كَالْمَلَائِكَةِ. وَهُمْ أَبْنَاءُ اللهِ، وَلِذَلِكَ قَامُوا مِنَ الْمَوْتِ. وَحَتَّى مُوسَى نَفْسُهُ يُوَضِّحُ لَنَا أَنَّ الْأَمْوَاتَ يَقُومُونَ، وَذَلِكَ فِي مَوْضُوعِ الْعُلَّيْقَةِ، حَيْثُ يُشِيرُ إِلَى اللهِ أَنَّهُ رَبُّ إِبْرَاهِيمَ وَرَبُّ إِسْحَاقَ وَرَبُّ يَعْقُوبَ. فَهُوَ رَبُّ أَحْيَاءٍ، لَا أَمْوَاتٍ، وَالْجَمِيعُ أَحْيَاءٌ عِنْدَهُ.“ فَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: ”أَحْسَنْتَ الْكَلَامَ يَا مُعَلِّمُ!“ وَلَمْ يَتَجَرَّأْ أَحَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَسْأَلَهُ أَسْئِلَةً أُخْرَى. وَقَالَ لَهُمْ: ”كَيْفَ يَقُولُونَ إِنَّ الْمَسِيحَ هُوَ ابْنُ دَاوُدَ؟ لِأَنَّ دَاوُدَ نَفْسَهُ يَقُولُ فِي كِتَابِ الْمَزَامِيرِ: ’قَالَ اللهُ لِسَيِّدِي: ”اِجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ تَحْتَ قَدَمَيْكَ.“‘ فَدَاوُدُ يَدْعُو الْمَسِيحَ سَيِّدَهُ فَكَيْفَ يَكُونُ الْمَسِيحُ ابْنَهُ؟“ وَقَالَ لِتَلَامِيذِهِ بِمَسْمَعٍ مِنْ كُلِّ الشَّعْبِ: ”اِحْذَرُوا مِنَ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَجَوَّلُوا فِي ثِيَابٍ طَوِيلَةٍ فَاخِرَةٍ، وَأَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمُ النَّاسُ فِي السَّاحَاتِ العَامَّةِ، وَأَنْ يَكُونُوا فِي الصَّفِّ الْأَمَامِيِّ فِي بَيْتِ الْعِبَادَةِ وَأَنْ يَجْلِسُوا فِي مَقَاعِدِ الشَّرَفِ فِي الْوَلَائِمِ. وَهُمْ يَنْهَبُونَ مَالَ الْأَرَامِلِ، وَيُقَدِّمُونَ صَلَوَاتٍ طَوِيلَةً لِكَيْ يَلْفِتُوا نَظَرَ النَّاسِ إِلَيْهِمْ. إِنَّهُمْ يَنَالُونَ أَشَدَّ الْعَذَابِ.“ وَنَظَرَ عِيسَـى فَرَأَى الْأَغْنِيَاءَ يَضَعُونَ عَطَايَاهُمْ فِي صُنْدُوقِ التَّبَرُّعَاتِ فِي بَيْتِ اللهِ. وَرَأَى أَرْمَلَةً فَقِيرَةً وَضَعَتْ فِلْسَيْنِ. فَقَالَ: ”أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: هَذِهِ الْأَرْمَلَةُ الْفَقِيرَةُ وَضَعَتْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ كُلِّهِمْ. لِأَنَّهُمْ جَمِيعًا أَعْطَوْا مِمَّا فَضَلَ عَنْهُمْ، أَمَّا هِيَ فَأَعْطَتْ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ، بَلْ كُلَّ الَّذِي كَانَتْ تَعِيشُ مِنْهُ.“ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ بَيْتِ اللهِ وَكَيْفَ أَنَّهُ مُزَيَّنٌ بِحِجَارَةٍ جَمِيلَةٍ، وَتُحَفٍ قَدَّمَهَا النَّاسُ للهِ. فَقَالَ: ”بِالنِّسْبَةِ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُشَاهِدُونَهَا، سَيَأْتِي الْوَقْتُ حِينَ لَا يُتْرَكُ فِيهَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ، بَلْ يُهْدَمُ الْكُلُّ.“ فَسَأَلُوهُ: ”يَا مُعَلِّمُ، مَتَى سَيَحْدُثُ هَذَا؟ وَمَا هِيَ الْعَلَامَةُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى قُرْبِ حُدُوثِهِ؟“ فَقَالَ: ”اِحْذَرُوا مِنْ أَنْ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ. لِأَنَّهُ سَيَأْتِي كَثِيرُونَ بِاسْمِي وَيَقُولُونَ: ’أَنَا هُوَ، حَانَ الْوَقْتُ.‘ فَلَا تَتْبَعُوهُمْ. وَعِنْدَمَا تَسْمَعُونَ عَنْ حُرُوبٍ وَثَوْرَاتٍ، فَلَا تَفْزَعُوا. لِأَنَّ هَذَا لَا بُدَّ أَنْ يَحْدُثَ أَوَّلًا لَكِنْ لَا تَأْتِي النِّهَايَةُ بِسُرْعَةٍ.“ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: ”تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ، وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ. وَتَحْدُثُ زَلَازِلُ عَظِيمَةٌ وَمَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ فِي أَمَاكِنَ كَثِيرَةٍ، وَتَجْرِي أَحْدَاثٌ مُخِيفَةٌ وَعَلَامَاتٌ عَظِيمَةٌ مِنَ السَّمَاءِ. ”لَكِنْ قَبْلَ كُلِّ هَذَا، يَقْبِضُونَ عَلَيْكُمْ وَيَضْطَهِدُونَكُمْ. وَيَأْخُذُونَكُمْ إِلَى الْمَحَاكِمِ وَالسُّجُونِ. وَيُحْضِرُونَكُمْ أَمَامَ مُلُوكٍ وَحُكَّامٍ بِسَبَبِ اسْمِي. فَتَكُونُ هَذِهِ فُرْصَةً لَكُمْ لِتَشْهَدُوا. صَمِّمُوا عَلَى أَنْ لَا تُفَكِّرُوا مُسَبَّقًا فِي كَيْفِيَّةِ الدِّفَاعِ عَنْ أَنْفُسِكُمْ. لِأَنِّي أَنَا أُعْطِيكُمْ أَقْوَالًا وَحِكْمَةً لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْ أَعْدَائِكُمْ أَنْ يُقَاوِمَهَا أَوْ يُعَارِضَهَا. وَيَخُونُكُمُ الْوَالِدُونَ وَالْإِخْوَةُ وَالْأَقْرِبَاءُ وَالْأَصْدِقَاءُ، وَيَقْتُلُونَ بَعْضَكُمْ. وَيَكْرَهُكُمْ جَمِيعُ النَّاسِ بِسَبَبِي. وَمَعَ ذَلِكَ، لَنْ تَسْقُطَ شَعْرَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ رُؤُوسِكُمْ. اُثْبُتُوا فَتَرْبَحُوا نُفُوسَكُمْ. ”وَعِنْدَمَا تَرَوْنَ الْقُدْسَ وَقَدْ حَاصَرَتْهَا الْجُيُوشُ، فَاعْلَمُوا أَنَّ خَرَابَهَا قَرِيبٌ. فَالَّذِينَ فِي مِنْطَقَةِ يَهُوذَا يَجِبُ أَنْ يَهْرُبُوا إِلَى الْجِبَالِ، وَالَّذِينَ فِي الْمَدِينَةِ يَجِبُ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا، وَالَّذِينَ فِي الْأَرْيَافِ يَجِبُ أَنْ لَا يَدْخُلُوا الْمَدِينَةَ. لِأَنَّ هَذَا هُوَ وَقْتُ الِانْتِقَامِ، حَيْثُ يَتِمُّ كُلُّ مَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ. يَا شَقَاءَ الْحَبَالَى وَالْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ. لِأَنَّهُ يَكُونُ ضِيقٌ شَدِيدٌ فِي الْبِلَادِ، وَغَضَبٌ عَلَى هَذَا الشَّعْبِ. وَيَمُوتُونَ بِالسَّيْفِ، وَيُؤْخَذُونَ أَسْرَى إِلَى كُلِّ الشُّعُوبِ، وَيَحْتَلُّ الْأَجَانِبُ مَدِينَةَ الْقُدْسِ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ وَقْتُهُمْ. ”وَتَحْدُثُ عَلَامَاتٌ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ. وَعَلَى الْأَرْضِ تَكُونُ الشُّعُوبُ فِي ضِيقٍ وَحَيْرَةٍ بِسَبَبِ ثَوْرَةِ الْبَحْرِ وَهَيَجَانِهِ. وَيُغْمَى عَلَى النَّاسِ مِنَ الْخَوْفِ وَمِنْ تَوَقُّعِ مَا يَحِلُّ بِالْعَالَمِ، لِأَنَّ الْأَجْرَامَ السَّمَائِيَّةَ تَرْتَجُّ. ثُمَّ يَرَوْنَ الَّذِي صَارَ بَشَرًا آتِيًا فِي سَـحَابَةٍ بِكُلِّ عِزَّةٍ وَجَـلَالٍ. فَعِنْدَمَا تَبْدَأُ هَـذِهِ الْأُمُورُ تَحْدُثُ، اِنْتَصِـبُوا وَارْفَعُوا رُؤُوسَـكُمْ لِأَنَّ نَجَاتَكُمْ قَرِيبَةٌ.“ وَضَرَبَ لَهُمْ هَذَا الْمَثَلَ: ”اُنْظُرُوا إِلَى شَجَرَةِ التِّينِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَشْجَارِ. مَتَى طَلَعَ وَرَقُهَا، تَنْظُرُونَ وَتَعْرِفُونَ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِكُمْ أَنَّ الصَّيْفَ قَرِيبٌ. وَكَذَلِكَ مَتَى رَأَيْتُمْ هَذِهِ الْأُمُورَ تَحْدُثُ، اِعْرِفُوا أَنَّ اللهَ أَوْشَكَ أَنْ يُقِيمَ مَمْلَكَتَهُ. أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: إِنَّ الْكُلَّ سَيَحْدُثُ قَبْلَ مَا يَمُوتُ هَذَا الْجِيلُ. السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ تَزُولَانِ، أَمَّا كَلَامِي فَلَا يَزُولُ. ”اِنْتَبِهُوا لِأَنْفُسِكُمْ لِئَلَّا تَنْشَغِلَ قُلُوبُكُمْ بِالْمَلَذَّاتِ وَالسُّكْرِ وَهُمُومِ الْحَيَاةِ، فَيَأْتِيَ ذَلِكَ الْيَوْمُ عَلَيْكُمْ فَجْأَةً مِثْلَ فَخٍّ. لِأَنَّهُ سَيَأْتِي عَلَى كُلِّ حَيٍّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. فَكُونُوا يَقِظِينَ دَائِمًا، وَادْعُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَقْدِرُونَ أَنْ تَهْرُبُوا مِنْ كُلِّ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي سَتَحْدُثُ، ثُمَّ تَقِفُوا قُدَّامَ الَّذِي صَارَ بَشَرًا.“ وَكَانَ عِيسَـى فِي النَّهَارِ يُعَلِّمُ النَّاسَ فِي بَيْتِ اللهِ، وَفِي اللَّيْلِ يَخْرُجُ لِيَبِيتَ فِي الْجَبَلِ الْمَعْرُوفِ بِاسْمِ جَبَلِ الزَّيْتُونِ. وَكَانَ كُلُّ الشَّعْبِ يَذْهَبُ إِلَيْهِ فِي بَيْتِ اللهِ فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ لِيَسْتَمِعَ إِلَيْهِ. وَاقْتَرَبَ عِيدُ الْفَطِيرِ الْمَعْرُوفُ بِعِيدِ الْفِصْحِ. وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَالْفُقَهَاءُ يَبْحَثُونَ عَنْ طَرِيقَةٍ لِيَقْتُلُوا عِيسَـى، لَكِنَّهُمْ كَانُوا خَائِفِينَ مِنَ الشَّعْبِ. وَدَخَلَ الشَّيْطَانُ فِي يَهُوذَا الْمَدْعُوِّ الْقَرْيُوتِيِّ، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنَ الِـ12. فَذَهَبَ إِلَى رُؤَسَاءِ الْأَحْبَارِ وَقَادَةِ حَرَسِ بَيْتِ اللهِ لِمُنَاقَشَةِ خِطَّةِ تَسْلِيمِ عِيسَـى لَهُمْ. فَفَرِحُوا وَتَعَهَّدُوا أَنْ يُعْطُوهُ بَعْضَ الْمَالِ. فَوَافَقَ وَأَخَذَ يَتَرَقَّبُ الْفُرْصَةَ الْمُنَاسِبَةَ لِيُسَلِّمَهُ لَهُمْ عِنْدَمَا لَا يَكُونُ الْجُمْهُورُ مَوْجُودًا. وَجَاءَ يَوْمُ الْفَطِيرِ الَّذِي كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ أَنْ يَذْبَحُوا فِيهِ خَرُوفَ الْفِصْحِ. فَأَرْسَلَ عِيسَـى بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا وَقَالَ لَهُمَا: ”اِذْهَبَا وَجَهِّزَا لَنَا لِنَأْكُلَ عَشَاءَ الْفِصْحِ.“ فَقَالَا: ”أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نُجَهِّزَهُ؟“ فَقَالَ لَهُمَا: ”عِنْدَمَا تَدْخُلَانِ الْمَدِينَةَ، يُقَابِلُكُمَا رَجُلٌ حَامِلٌ جَرَّةَ مَاءٍ. اِتْبَعَاهُ إِلَى الدَّارِ الَّتِي يَدْخُلُهَا، وَقُولَا لِرَبِّ الدَّارِ: ’الْمُعَلِّمُ يَقُولُ لَكَ: ”أَيْنَ الْغُرْفَةُ الَّتِي آكُلُ فِيهَا عَشَاءَ الْفِصْحِ مَعَ تَلَامِيذِي؟“‘ فَيُرِيَكُمَا غُرْفَةً كَبِيرَةً مَفْرُوشَةً فِي الطَّابِقِ الْأَعْلَى، هُنَاكَ جَهِّزَا.“ فَذَهَبَا وَوَجَدَا كُلَّ شَيْءٍ كَمَا قَالَ لَهُمَا عِيسَـى وَجَهَّزَا الْفِصْحَ. وَلَمَّا حَانَتِ السَّاعَةُ، جَلَسَ عِيسَـى وَرُسُلُهُ إِلَى الْمَائِدَةِ. وَقَالَ لَهُمْ: ”اِشْتَقْتُ مِنْ قَلْبِي أَنْ آكُلَ هَذَا الْفِصْحَ مَعَكُمْ قَبْلَ أَنْ أَتَأَلَّمَ. لِأَنِّي أُؤَكِّدُ لَكُمْ أَنِّي لَنْ آكُلَ مِنْهُ مَرَّةً أُخْرَى، حَتَّى يَتَحَقَّقَ مَعْنَاهُ الْمَقْصُودُ فِي مَمْلَكَةِ اللهِ.“ وَأَخَذَ كَأْسًا، وَشَكَرَ وَقَالَ: ”خُذُوا هَذِهِ وَاقْتَسِمُوهَا بَيْنَكُمْ. لِأَنِّي أُؤَكِّدُ لَكُمْ أَنِّي لَنْ أَشْرَبَ مِنْ عَصِيرِ الْكَرْمَةِ مَرَّةً أُخْرَى حَتَّى يُقِيمَ اللهُ مَمْلَكَتَهُ.“ وَأَخَذَ عِيسَى خُبْزًا وَشَكَرَ اللهَ وَقَسَّمَ وَأَعْطَاهُمْ، وَقَالَ: ”هَذَا هُوَ جِسْمِيَ الَّذِي يُعْطَى مِنْ أَجْلِكُمْ. اِعْمَلُوا هَذَا تَذْكَارًا لِي.“ وَبِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ، أَخَذَ الْكَأْسَ بَعْدَ الْعَشَاءِ وَقَالَ: ”هَذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ، يَعْمَلُهُ اللهُ مَعَكُمْ بِدَمِيَ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِكُمْ. لَكِنِ انْتَبِهُوا! الَّذِي يَخُونُنِي مَوْجُودٌ مَعِي عَلَى الْمَائِدَةِ. الَّذِي صَارَ بَشَرًا سَيَمُوتُ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ، لَكِنِ الْوَيْلُ لِذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي يَخُونُهُ!“ فَأَخَذَ التَّلَامِيذُ يَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ: ”مَنْ مِنَّا هُوَ الَّذِي سَيَعْمَلُ هَذَا؟“ وَحَدَثَ جِدَالٌ أَيْضًا بَيْنَهُمْ بِشَأْنِ مَنْ فِيهِمْ هُوَ أَعْظَمُ وَاحِدٍ. فَقَالَ لَهُمْ عِيسَـى: ”مُلُوكُ الشُّعُوبِ يَتَسَيَّدُونَ عَلَيْهِمْ، وَأَصْحَابُ السُّلْطَةِ عِنْدَهُمْ يُعْطُونَهُمْ لَقَبَ ’الْمُحْسِنِ‘ أَمَّا أَنْتُمْ فَلَا يَجِبُ أَنْ يَحْدُثَ هَذَا مَعَكُمْ. بَلْ أَعْظَمُ وَاحِدٍ فِيكُمْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَأَصْغَرِ وَاحِدٍ، وَالرَّئِيسُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَالْخَادِمِ. لِأَنَّ مَنْ أَعْظَمُ، هَلِ الَّذِي يَجْلِسُ إِلَى الْمَائِدَةِ أَمِ الَّذِي يَخْدِمُ؟ طَبْعًا الَّذِي يَجْلِسُ إِلَى الْمَائِدَةِ! وَلَكِنِّي أَنَا بَيْنَكُمْ كَالَّذِي يَخْدِمُ! ”وَأَنْتُمُ الَّذِينَ وَقَفْتُمْ مَعِي فِي مِحَنِي، سَأُعْطِيكُمُ السُّلْطَةَ لِتَمْلِكُوا كَمَا أَعْطَانِي أَبِي السُّلْطَةَ لِأَمْلِكَ، لِكَيْ تَأْكُلُوا وَتَشْرَبُوا عَلَى مَائِدَتِي فِي مَمْلَكَتِي، وَتَجْلِسُوا عَلَى عُرُوشٍ لِتُحَاسِبُوا قَبَائِلَ إِسْرَائِيلَ الِـ12. ”يَا سَمْعَانُ، يَا سَمْعَانُ، طَلَبَ الشَّيْطَانُ أَنْ يَمْتَحِنَكُمْ كَمَا يُغَرْبِلُ الْفَلَّاحُ الْقَمْحَ. لَكِنِّي دَعَوْتُ اللهَ مِنْ أَجْلِكَ يَا سَمْعَانُ، لِكَيْ لَا يَفْشَلَ إِيمَانُكَ. فَمَتَى رَجَعْتَ إِلَيَّ يَجِبُ أَنْ تُقَوِّيَ إِخْوَتَكَ.“ فَقَالَ: ”يَا سَيِّدِي، أَنَا مُسْتَعِدٌّ أَنْ أَذْهَبَ مَعَكَ إِلَى السِّجْنِ وَإِلَى الْمَوْتِ.“ فَأَجَابَ: ”يَا بُطْرُسُ، قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ الْيَوْمَ، تُنْكِرُ 3 مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَعْرِفُنِي.“ وَقَالَ لَهُمْ: ”لَمَّا أَرْسَلْتُكُمْ بِلَا مَحْفَظَةٍ وَلَا مِزْوَدٍ وَلَا حِذَاءٍ، هَلِ احْتَجْتُمْ إِلَى شَيْءٍ؟“ قَالُوا: ”لَا.“ فَقَالَ لَهُمْ: ”أَمَّا الْآنَ فَمَنْ عِنْدَهُ مَحْفَظَةٌ فَلْيَأْخُذْهَا، وَمَنْ عِنْدَهُ مِزْوَدٌ فَلْيَأْخُذْهُ. وَمَنْ لَيْسَ مَعَهُ سَيْفٌ، فَيَجِبُ أَنْ يَبِيعَ ثَوْبَهُ وَيَشْتَرِيَ سَيْفًا. أُؤَكِّدُ لَكُمْ، يَجِبُ أَنْ يَتِمَّ فِيَّ قَوْلُ الْكِتَابِ: ’حُسِبَ مَعَ الْأَشْرَارِ‘ لِأَنَّ مَا يَقُولُهُ الْكِتَابُ عَنِّي سَيَتِمُّ.“ فَقَالَ التَّلَامِيذُ: ”اُنْظُرْ يَا سَيِّدُ، هُنَا سَيْفَانِ.“ فَقَالَ لَهُمْ: ”كَفَاكُمْ!“ وَخَرَجَ وَذَهَبَ كَعَادَتِهِ إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ، وَتَبِعَهُ تَلَامِيذُهُ. وَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الْمَكَانِ، قَالَ لَهُمْ: ”صَلُّوا لِئَلَّا تَقَعُوا فِي مِحْنَةٍ.“ ثُمَّ ابْتَعَدَ عَنْهُمْ قَلِيلًا، وَرَكَعَ وَصَلَّى وَقَالَ: ”يَا أَبِي، إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ، أَبْعِدْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ، لَكِنْ لِتَكُنْ إِرَادَتُكَ أَنْتَ لَا إِرَادَتِي أَنَا.“ وَظَهَرَ لَهُ مَلَاكٌ مِنَ السَّمَاءِ يُقَوِّيهِ. وَكَانَ فِي صِرَاعٍ شَدِيدٍ، فَأَخَذَ يُصَلِّي بِحَرَارَةٍ أَكْثَرَ، وَصَارَ عَرَقُهُ مِثْلَ نُقَطِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى الْأَرْضِ. فَلَمَّا قَامَ مِنَ الصَّلَاةِ، وَرَجَعَ إِلَى التَّلَامِيذِ، وَجَدَهُمْ نَائِمِينَ مِنَ الْحُزْنِ. فَقَالَ لَهُمْ: ”لِمَاذَا أَنْتُمْ نَائِمُونَ؟ قُومُوا وَصَلُّوا لِئَلَّا تَقَعُوا فِي مِحْنَةٍ.“ وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ، جَاءَتْ عِصَابَةٌ يَقُودُهَا الْمَدْعُوُّ يَهُوذَا الَّذِي هُوَ وَاحِدٌ مِنَ الِـ12، وَاقْتَرَبَ مِنْ عِيسَى لِيُقَبِّلَهُ. فَقَالَ لَهُ عِيسَى: ”يَا يَهُوذَا، هَلْ بِقُبْلَةٍ تَخُونُ الَّذِي صَارَ بَشَرًا؟“ فَلَمَّا رَأَى أَتْبَاعُ عِيسَى مَا سَيَحْدُثُ، قَالُوا: ”هَلْ نَضْرِبُ بِالسَّيْفِ يَا مَوْلَانَا؟“ وَضَرَبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَبْدَ رَئِيسِ الْأَحْبَارِ، فَقَطَعَ أُذُنَهُ الْيُمْنَى. فَقَالَ عِيسَى: ”كُفَّ عَنْ هَذَا!“ وَلَمَسَ أُذُنَ الرَّجُلِ وَشَفَاهُ. ثُمَّ قَالَ عِيسَى لِرُؤَسَاءِ الْأَحْبَارِ وَقَادَةِ حَرَسِ بَيْتِ اللهِ وَالشُّيُوخِ الَّذِينَ جَاءُوا عَلَيْهِ: ”هَلْ أَنَا لِصٌّ، حَتَّى خَرَجْتُمْ عَلَيَّ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ؟ كُنْتُ مَعَكُمْ فِي بَيْتِ اللهِ كُلَّ يَوْمٍ، فَلَمْ تَقْبِضُوا عَلَيَّ. هَذِهِ هِيَ سَـاعَتُكُمْ، حَـيْثُ يَتَسَـلَّطُ الظَّـلَامُ.“ فَقَبَضُـوا عَلَيْهِ وَسَـاقُوهُ وَأَحْضَـرُوهُ إِلَى دَارِ رَئِيسِ الْأَحْبَارِ. وَتَبِعَهُ بُطْـرُسُ مِـنْ بَعِـيدٍ. فَلَمَّا أَشْعَلُوا نَارًا فِي وَسَطِ السَّاحَةِ وَجَلَسُوا مَعًا، جَلَسَ بُطْرُسُ بَيْنَهُمْ. فَرَأَتْهُ خَادِمَةٌ مِنْ خِلَالِ ضَوْءِ النَّارِ وَهُوَ جَالِسٌ، فَتَفَرَّسَتْ فِيهِ وَقَالَتْ: ”هَذَا الرَّجُلُ أَيْضًا كَانَ مَعَ عِيسَـى.“ لَكِنَّهُ أَنْكَرَ وَقَالَ: ”يَا امْرَأَةُ، أَنَا لَا أَعْرِفُهُ.“ وَبَعْدَ قَلِيلٍ رَآهُ وَاحِدٌ آخَرُ وَقَالَ: ”وَأَنْتَ أَيْضًا وَاحِدٌ مِنْهُمْ.“ لَكِنَّ بُطْرُسَ قَالَ: ”كَلَّا يَا رَجُلُ!“ وَبَعْدَ حَوَالَيْ سَاعَةٍ، أَصَرَّ وَاحِدٌ آخَرُ وَقَالَ: ”بِالتَّأْكِيدِ هَذَا الرَّجُلُ أَيْضًا كَانَ مَعَ عِيسَـى، لِأَنَّهُ جَلِيلِيٌّ.“ لَكِنَّ بُطْرُسَ قَالَ: ”يَا رَجُلُ، أَنَا لَا أَعْرِفُ مَا تَقُولُ.“ وَبَيْنَمَا هُوَ مَا زَالَ يَتَكَلَّمُ، صَاحَ الدِّيكُ. فَالْتَفَتَ عِيسَى وَنَظَرَ إِلَى بُطْرُسَ، فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلَامَ عِيسَى وَكَيْفَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: ”قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ الْيَوْمَ، تُنْكِرُنِي 3 مَرَّاتٍ.“ فَخَرَجَ وَبَكَى بِحُرْقَةٍ. وَالرِّجَالُ الَّذِينَ كَانُوا يَحْرُسُونَ عِيسَـى، كَانُوا يَهْزَأُونَ بِهِ وَيَضْرِبُونَهُ، وَيُغَطُّونَ وَجْهَهُ وَيَقُولُونَ لَهُ: ”تَنَبَّأْ، مَنْ ضَرَبَكَ؟“ وَوَجَّهُوا إِلَيْهِ شَتَائِمَ أُخْرَى كَثِيرَةً. وَلَمَّا طَلَعَ النَّهَارُ، اِجْتَمَعَ مَجْلِسُ شُيُوخِ الشَّعْبِ، وَهُمْ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَالْفُقَهَاءُ، وَسَاقُوا عِيسَـى إِلَى مَجْلِسِهِمِ الْأَعْلَى. وَقَالُوا: ”إِنْ كُنْتَ أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحَ، فَقُلْ لَنَا.“ أَجَابَهُمْ: ”إِنْ قُلْتُ لَكُمْ لَا تُصَدِّقُونَ، وَإِنْ سَأَلْتُكُمْ لَا تُجِيبُونَ. لَكِنْ مِنَ الْآنَ يَجْلِسُ الَّذِي صَارَ بَشَرًا عَنْ يَمِينِ اللهِ الْقَدِيرِ.“ فَقَالُوا كُلُّهُمْ: ”هَلْ أَنْتَ إِذَنِ ابْنُ اللهِ؟“ أَجَابَ: ”قُلْتُمُ الصَّوَابَ.“ فَقَالُوا: ”لِمَاذَا نَحْتَاجُ إِلَى شَهَادَةٍ أَكْثَرَ؟ نَحْنُ سَمِعْنَاهَا مِنْ فَمِهِ هُوَ!“ فَقَامَتِ الْجَمَاعَةُ كُلُّهَا، وَأَحْضَرُوا عِيسَـى إِلَى بِيلَاطِسَ. وَأَخَذُوا يُقَدِّمُونَ التُّهَمَ ضِدَّهُ، فَقَالُوا: ”وَجَدْنَا هَذَا الشَّخْصَ يُحَرِّضُ أُمَّتَنَا عَلَى الثَّوْرَةِ، وَيُعَارِضُ دَفْعَ الضَّرِيبَةِ لِقَيْصَرَ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ الْمَسِيحُ، يَعْنِي هُوَ مَلِكٌ!“ فَسَأَلَهُ بِيلَاطِسُ: ”هَلْ أَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟“ فَأَجَابَهُ: ”قُلْتَ الصَّوَابَ.“ فَقَالَ بِيلَاطِسُ لِرُؤَسَاءِ الْأَحْبَارِ وَالْجَمَاهِيرِ: ”أَنَا لَا أَجِدُ فِي هَذَا الرَّجُلِ أَيَّ أَسَاسٍ لِلشَّكْوَى ضِدَّهُ.“ لَكِنَّهُمْ أَصَرُّوا وَقَالُوا: ”إِنَّهُ يُثِيرُ الشَّعْبَ فِي كُلِّ مِنْطَقَةِ يَهُوذَا بِتَعَالِيمِهِ. بَدَأَ فِي الْجَلِيلِ وَالْآنَ وَصَلَ إِلَى هُنَا.“ فَلَمَّا سَمِعَ بِيلَاطِسُ ذِكْرَ الْجَلِيلِ، سَأَلَ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ هُنَاكَ. فَلَمَّا أَدْرَكَ أَنَّ عِيسَـى تَابِعٌ لِقَضَاءِ هِيرُودِسَ، أَرْسَلَهُ إِلَى هِيرُودِسَ الَّذِي كَانَ هُوَ أَيْضًا فِي الْقُدْسِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. فَلَمَّا رَأَى هِيرُودِسُ عِيسَـى، فَرِحَ جِدًّا فَقَدْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَرَاهُ مُنْذُ وَقْتٍ طَوِيلٍ لِأَنَّهُ سَمِعَ عَنْهُ، وَكَانَ يَتَمَنَّى أَنْ يَعْمَلَ عِيسَـى مُعْجِزَةً قُدَّامَهُ. فَأَلْقَى عَلَيْهِ أَسْئِلَةً كَثِيرَةً، لَكِنَّ عِيسَـى لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ. فَتَقَدَّمَ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَالْفُقَهَاءُ وَأَخَذُوا يَشْتَكُونَ ضِدَّهُ بِشِدَّةٍ. فَاحْتَقَرَهُ هِيرُودِسُ وَجُنُودُهُ وَهَزَأُوا بِهِ. ثُمَّ أَلْبَسَهُ رِدَاءً فَاخِرًا وَأَرْجَعَهُ إِلَى بِيلَاطِسَ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَصْبَحَ هِيرُودِسُ وَبِيلَاطِسُ صَدِيقَيْنِ، لِأَنَّهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ كَانَا عَدُوَّيْنِ. فَدَعَا بِيلَاطِسُ رُؤَسَاءَ الْأَحْبَارِ وَالْقَادَةَ وَالشَّعْبَ مَعًا. وَقَالَ لَهُمْ: ”أَنْتُمْ أَحْضَرْتُمْ لِي هَذَا الشَّخْصَ وَقُلْتُمْ إِنَّهُ يُحَرِّضُ الشَّعْبَ عَلَى الثَّوْرَةِ، وَأَنَا حَقَّقْتُ مَعَهُ قُدَّامَكُمْ فَلَمْ أَجِدْ أَيَّ أَسَاسٍ لِلشَّكْوَى الَّتِي تُقَدِّمُونَهَا ضِدَّهُ. وَلَا هِيرُودِسُ وَجَدَ أَيَّ شَيْءٍ، لِأَنَّهُ أَرْجَعَهُ إِلَيْنَا. فَهُوَ لَمْ يَفْعَلْ مَا يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ. إِذَنْ سَأَجْلِدُهُ وَأُطْلِقُ سَرَاحَهُ.“ وَكَانَ عَلَى بِيلَاطِسَ أَنْ يُطْلِقَ لَهُمْ سَجِينًا وَاحِدًا فِي الْعِيدِ. فَصَرَخَ الْجُمْهُورُ كُلُّهُ مَعًا: ”اُقْتُلْهُ وَأَطْلِقْ لَنَا ابْنَ عَبَّاسٍ.“ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذَا، قَدْ أُلْقِيَ فِي السِّجْنِ بِسَبَبِ ثَوْرَةٍ حَدَثَتْ فِي الْمَدِينَةِ وَلِجَرِيمَةِ قَتْلٍ. لَكِنَّ بِيلَاطِسَ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُطْلِقَ سَرَاحَ عِيسَـى، فَخَاطَبَ الْجُمْهُورَ مَرَّةً أُخْرَى، لَكِنَّهُمْ رَدُّوا عَلَيْهِ بِالصُّرَاخِ: ”اِصْلِبْهُ! اِصْلِبْهُ!“ فَكَلَّمَهُمْ مَرَّةً ثَالِثَةً وَقَالَ: ”لِمَاذَا؟ مَا هُوَ الذَّنْبُ الَّذِي ارْتَكَبَهُ؟ أَنَا لَا أَجِدُ فِيهِ مَا يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ، لِذَلِكَ سَأَجْلِدُهُ وَأُطْلِقُ سَرَاحَهُ.“ لَكِنَّهُمْ أَصَرُّوا عَلَى طَلَبِهِمْ، وَصَرَخُوا بِأَعْلَى صَوْتِهِمْ أَنْ يَصْلِبَهُ. وَغَلَبَ صُرَاخُهُمْ. فَقَرَّرَ بِيلَاطِسُ أَنْ يَمْنَحَهُمْ طَلَبَهُمْ. فَأَطْلَقَ سَرَاحَ الرَّجُلِ الَّذِي طَلَبُوهُ، أَيِ الَّذِي كَانَ فِي السِّجْنِ بِسَبَبِ الثَّوْرَةِ وَالْقَتْلِ، وَأَعْطَاهُمْ عِيسَـى لِيَعْمَلُوا بِهِ مَا شَاءُوا. فَلَمَّا أَخَذُوهُ، أَمْسَكُوا سَمْعَانَ الْقَيْرَوَانِيَّ وَهُوَ رَاجِعٌ مِنَ الرِّيفِ، وَوَضَعُوا عَلَيْهِ الصَّلِيبَ لِيَحْمِلَهُ وَرَاءَ عِيسَـى. وَتَبِعَهُ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِنْ ضِمْنِهِمْ نِسَاءٌ كَثِيرَاتٌ كُنَّ يَلْطِمْنَ وَيُوَلْوِلْنَ عَلَيْهِ. فَالْتَفَتَ عِيسَـى إِلَيْهِنَّ وَقَالَ: ”يَا بَنَاتَ الْقُدْسِ، لَا تَبْكِينَ عَلَيَّ، بَلِ ابْكِينَ عَلَى أَنْفُسِكُنَّ وَعَلَى أَوْلَادِكُنَّ. لِأَنَّهُ سَيَأْتِي وَقْتٌ حِينَ يَقُولُ النَّاسُ: ’هَنِيئًا لِلْعَوَاقِرِ، وَلِلنِّسَاءِ اللَّاتِي لَمْ يَحْبَلْنَ وَلَمْ يُرْضِعْنَ.‘ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ: ’اُسْقُطِي عَلَيْنَا.‘ وَلِلتِّلَالِ: ’غَطِّينَا.‘ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ النَّاسُ يَعْمَلُونَ هَذَا بِالشَّجَرَةِ الْخَضْرَاءِ، فَمَاذَا يَحْدُثُ عِنْدَمَا تَيْبَسُ؟“ وَأَخَذُوا اثْنَيْنِ آخَرَيْنِ كَانَا مُجْرِمَيْنِ لِكَيْ يَقْتُلُوهُمَا مَعَهُ. فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي اسْمُهُ الْجُمْجُمَةُ، صَلَبُوهُ هُنَاكَ مَعَ الْمُجْرِمَيْنِ، وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ. فَقَالَ عِيسَـى: ”يَا أَبِي، اِغْفِرْ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَا يَفْعَلُونَ.“ وَقَسَّمُوا ثِيَابَهُ بَيْنَهُمْ بِالْقُرْعَةِ. وَوَقَفَ النَّاسُ يَتَفَرَّجُونَ، وَكَانَ الْقَادَةُ يَهْزَأُونَ وَيَقُولُونَ: ”أَنْقَذَ غَيْرَهُ، فَإِنْ كَانَ فِعْلًا الْمَلِكَ الَّذِي اصْطَفَاهُ اللهُ، فَلْيُنْقِذْ نَفْسَهُ!“ وَكَانَ الْجُنُودُ أَيْضًا يَهْزَأُونَ بِهِ، فَاقْتَرَبُوا وَقَدَّمُوا لَهُ خَلًّا وَقَالُوا: ”إِنْ كُنْتَ مَلِكَ الْيَهُودِ، فَأَنْقِذْ نَفْسَكَ.“ وَوَضَعُوا فَوْقَهُ لَافِتَةً تَقُولُ: 'هَذَا مَلِكُ الْيَهُودِ.' وَكَانَ أَحَدُ الْمُجْرِمَيْنِ الْمُعَلَّقَيْنِ يَشْتِمُهُ وَيَقُولُ: ”أَنْتَ تَقُولُ إِنَّكَ الْمَسِيحُ! إِذَنْ أَنْقِذْ نَفْسَكَ وَأَنْقِذْنَا!“ لَكِنَّ الْآخَرَ وَبَّخَهُ وَقَالَ لَهُ: ”أَلَا تَخَافُ اللهَ؟ أَنْتَ تَنَالُ نَفْسَ الْعِقَابِ مِثْلَهُ. لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ لَنَا، عِقَابُنَا هُوَ بِالْعَدْلِ، لِأَنَّنَا نَنَالُ جَزَاءَ مَا عَمِلْنَا. أَمَّا هَذَا الرَّجُلُ فَلَمْ يَرْتَكِبْ أَيَّ خَطَأٍ.“ ثُمَّ قَالَ: ”يَا عِيسَـى، اِفْتَكِرْنِي عِنْدَمَا تَأْتِي فِي مُلْكِكَ.“ فَقَالَ لَهُ عِيسَـى: ”أَقُولُ لَكَ الْحَقَّ، الْيَوْمَ سَتَكُونُ مَعِي فِي الْجَنَّةِ.“ وَجَاءَ الظُّهْرُ، وَخَيَّمَ الظَّلَامُ عَلَى كُلِّ الْأَرْضِ حَتَّى السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ عَصْرًا، لِأَنَّ الشَّمْسَ أَظْلَمَتْ. وَانْشَقَّتِ السِّتَارَةُ الْمَوْجُودَةُ فِي بَيْتِ اللهِ إِلَى شَطْرَيْنِ. فَصَرَخَ عِيسَـى صَرْخَةً عَالِيَةً وَقَالَ: ”يَا أَبِي، فِي يَدَيْكَ أَضَعُ رُوحِي وَدِيعَةً.“ وَلَمَّا قَالَ هَذَا تُوُفِّيَ. أَمَّا الضَّابِطُ قَائِدُ الْحَرَسِ، فَلَمَّا رَأَى مَا حَدَثَ، سَبَّحَ اللهَ وَقَالَ: ”حَقًّا كَانَ هَذَا الرَّجُلُ صَالِحًا.“ وَكُلُّ الْجُمْهُورِ الَّذِي تَجَمَّعَ لِهَذَا الْمَنْظَرِ، شَاهَدُوا مَا جَرَى، وَرَجَعُوا وَهُمْ يَضْرِبُونَ صُدُورَهُمْ. أَمَّا كُلُّ أَصْحَابِهِ وَالنِّسَاءُ اللَّاتِي تَبِعْنَهُ مِنَ الْجَلِيلِ، فَكَانُوا وَاقِفِينَ مِنْ بَعِيدٍ، وَشَاهَدُوا هَذِهِ الْأُمُورَ. وَكَانَ هُنَاكَ عُضْوٌ فِي الْمَجْلِسِ الْأَعْلَى اسْمُهُ يُوسِفُ، وَهُوَ رَجُلٌ تَقِيٌّ وَصَالِحٌ، وَلَمْ يُوَافِقْ عَلَى قَرَارِهِمْ وَلَا عَلَى تَصَرُّفِهِمْ. وَكَانَ مِنَ الرَّامَةِ وَهِيَ بَلْدَةٌ فِي يَهُوذَا، وَكَانَ يَنْتَظِرُ ظُهُورَ مَمْلَكَةِ اللهِ. فَذَهَبَ إِلَى بِيلَاطِسَ وَطَلَبَ جُثْمَانَ عِيسَى. فَأَنْزَلَهُ وَلَفَّهُ فِي كَفَنٍ مِنَ الْكَتَّانِ، وَوَضَعَهُ فِي قَبْرٍ مَحْفُورٍ فِي الصَّخْرِ لَمْ يُوضَعْ فِيهِ أَحَدٌ أَبَدًا. وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ هُوَ يَوْمُ الْإِعْدَادِ وَالسَّبْتُ يَقْتَرِبُ. وَالنِّسَاءُ اللَّاتِي جِئْنَ مَعَ عِيسَـى مِنَ الْجَلِيلِ، تَبِعْنَ يُوسِفَ، وَرَأَيْنَ الْقَبْرَ وَكَيْفَ وُضِعَ فِيهِ الْجُثْمَانُ. ثُمَّ رَجَعْنَ إِلَى الدَّارِ وَأَعْدَدْنَ عُطُورًا وَأَطْيَابًا. وَفِي السَّبْتِ اسْتَرَحْنَ حَسَبَ الْوَصِيَّةِ. وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، أَخَذَتِ النِّسَاءُ الْعُطُورَ الَّتِي أَعْدَدْنَهَا، وَذَهَبْنَ إِلَى الْقَبْرِ، فَوَجَدْنَ أَنَّ الْحَجَرَ قَدْ دُحْرِجَ عَنِ الْقَبْرِ. فَدَخَلْنَ وَلَمْ يَجِدْنَ جُثْمَانَ سَيِّدِنَا عِيسَـى. وَبَيْنَمَا هُنَّ فِي حَيْرَةٍ مِنْ هَذَا، ظَهَرَ لَهُنَّ رَجُلَانِ فِي ثِيَابٍ لَامِعَةٍ، وَوَقَفَا بِجِوَارِهِنَّ. فَخَافَتِ النِّسَاءُ وَنَكَّسْنَ رُؤُوسَهُنَّ إِلَى الْأَرْضِ. فَقَالَ الرَّجُلَانِ لَهُنَّ: ”لِمَاذَا تَبْحَثْنَ عَنِ الْحَيِّ بَيْنَ الْمَوْتَى؟ هُوَ لَيْسَ هُنَا، بَلْ قَامَ! اُذْكُرْنَ كَيْفَ أَنَّهُ وَهُوَ مَعَكُنَّ فِي الْجَلِيلِ قَالَ إِنَّ الَّذِي صَارَ بَشَرًا يَجِبُ أَنْ يُسَلَّمَ إِلَى أَيْدِي الْمُذْنِبِينَ وَيُصْلَبَ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ حَيًّا.“ فَتَذَكَّرْنَ كَلَامَهُ. فَرَجَعْنَ مِنَ الْقَبْرِ، وَأَخْبَرْنَ الْـ11 وَالْبَاقِينَ جَمِيعًا بِكُلِّ هَذِهِ الْأُمُورِ. وَاللَّاتِي أَخْبَرْنَ الرُّسُلَ بِهَذَا هُنَّ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَحِنَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَبَاقِي صَاحِبَاتِهِنَّ. أَمَّا الرُّسُلُ فَلَمْ يُصَدِّقُوا النِّسَاءَ، لِأَنَّ كَلَامَهُنَّ ظَهَرَ لَهُمْ كَأَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُولٍ. لَكِنَّ بُطْرُسَ قَامَ وَجَرَى إِلَى الْقَبْرِ، وَانْحَنَى فَرَأَى الْأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً وَحْدَهَا. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الدَّارِ وَهُوَ فِي حَيْرَةٍ مِمَّا حَدَثَ. وَفِي نَفْسِ الْيَوْمِ، كَانَ اثْنَانِ مِنَ التَّلَامِيذِ فِي طَرِيقِهِمَا إِلَى قَرْيَةٍ اسْمُهَا عِمْوَاسُ، عَلَى بُعْدِ حَوَالَيْ 10 كِيلُومِتْرَاتٍ مِنَ الْقُدْسِ. وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ مَعًا عَنِ الْأُمُورِ الَّتِي حَدَثَتْ. وَبَيْنَمَا هُمَا فِي الْحَدِيثِ وَالْمُنَاقَشَةِ، جَاءَ عِيسَـى بِنَفْسِهِ وَأَخَذَ يَمْشِي مَعَهُمَا. لَكِنْ كَمَا لَوْ أَنَّ عُيُونَهُمَا أُغْمِضَتْ، فَلَمْ يَعْرِفَاهُ. فَقَالَ لَهُمَا: ”عَنْ مَاذَا تَتَحَدَّثَانِ وَأَنْتُمَا مَاشِيَانِ مَعًا؟“ فَتَوَقَّفَا وَكَانَ الْحُزْنُ ظَاهِرًا عَلَى وَجْهَيْهِمَا. وَأَجَابَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَاسْمُهُ كَلُوبَاسُ: ”لَا بُدَّ أَنَّكَ الشَّخْصُ الْوَحِيدُ فِي سُكَّانِ الْقُدْسِ الَّذِي لَا يَعْرِفُ مَا حَدَثَ فِيهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ!“ فَقَالَ لَهُمَا: ”مَاذَا حَدَثَ؟“ قَالَا لَهُ: ”عِيسَـى النَّاصِرِيُّ كَانَ نَبِيًّا قَدِيرًا فِي الْكَلَامِ وَالْأَعْمَالِ فِي نَظَرِ اللهِ وَكُلِّ النَّاسِ، لَكِنَّ رُؤَسَاءَ أَحْبَارِنَا وَقَادَتَنَا أَسْلَمُوهُ لِحُكْمِ الْإِعْدَامِ وَصَلَبُوهُ. وَنَحْنُ كُنَّا نَرْجُو أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُنْقِذُ بَنِي إِسْرَائِيلَ! زِدْ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ لِتِلْكَ الْأَحْدَاثِ. ثُمَّ إِنَّ بَعْضَ النِّسَاءِ مِنْ جَمَاعَتِنَا حَيَّرْنَنَا، فَقَدْ ذَهَبْنَ إِلَى الْقَبْرِ فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، وَلَمْ يَجِدْنَ جُثْمَانَهُ، فَرَجَعْنَ وَقُلْنَ إِنَّهُنَّ شَاهَدْنَ مَلَائِكَةً فِي رُؤْيَا قَالُوا إِنَّهُ حَيٌّ. ثُمَّ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى الْقَبْرِ، فَوَجَدُوا الْحَالَ كَمَا قَالَتِ النِّسَاءُ، أَمَّا هُوَ فَلَمْ يَرَوْهُ.“ فَقَالَ لَهُمَا: ”يَا لِلْغَبَاءِ! هَلْ إِلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ بَلَادَةُ الْقَلْبِ، فَلَا تُؤْمِنَانِ بِكُلِّ مَا قَالَهُ الْأَنْبِيَاءُ؟ كَانَ يَجِبُ أَنْ يُعَانِيَ الْمَسِيحُ هَذِهِ الْآلَامَ ثُمَّ يَدْخُلَ إِلَى جَلَالِهِ!“ وَابْتَدَأَ مِنْ تَوْرَاةِ مُوسَى وَصُحُفِ كُلِّ الْأَنْبِيَاءِ، فَشَرَحَ لَهُمَا مَا وَرَدَ بِشَأْنِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ. وَاقْتَرَبُوا مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَا يَقْصِدَانِهَا، فَتَظَاهَرَ عِيسَـى بِأَنَّهُ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَانٍ أَبْعَدَ. لَكِنَّهُمَا قَالَا: ”مِنْ فَضْلِكَ تَعَالَ عِنْدَنَا، فَالْوَقْتُ تَأَخَّرَ وَاقْتَرَبَ الْمَسَاءُ.“ فَدَخَلَ لِيَبِيتَ عِنْدَهُمَا. وَلَمَّا جَلَسَ مَعَهُمَا إِلَى الْمَائِدَةِ، أَخَذَ الْخُبْزَ وَشَكَرَ اللهَ وَقَسَّمَ وَأَعْطَاهُمَا. فَانْفَتَحَتْ عُيُونُهُمَا وَعَرَفَاهُ. لَكِنَّهُ اخْتَفَى عَنْهُمَا. فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: ”لِهَذَا كَانَ فِي قَلْبِنَا شَوْقٌ وَحَرَارَةٌ لَمَّا كَانَ يُحَدِّثُنَا فِي الطَّرِيقِ وَيَشْرَحُ لَنَا الْكُتُبَ!“ وَقَامَا فِي الْحَالِ وَرَجَعَا إِلَى الْقُدْسِ. فَوَجَدَا الْـ11 وَبَاقِيَ أَصْحَابِهِمْ مُجْتَمِعِينَ مَعًا هُنَاكَ، وَيَقُولُونَ: ”بِالْحَقِيقَةِ قَامَ السَّيِّدُ مِنَ الْمَوْتِ وَظَهَرَ لِسَمْعَانَ.“ فَأَخْبَرَا بِمَا حَدَثَ فِي الطَّرِيقِ، وَكَيْفَ أَنَّهُمَا عَرَفَا السَّيِّدَ لَمَّا قَسَّمَ الْخُبْزَ. وَبَيْنَمَا هُمَا يَتَكَلَّمَانِ بِهَذَا، وَقَفَ عِيسَـى بِنَفْسِهِ فِي وَسَطِهِمْ وَقَالَ لَهُمْ: ”السَّلَامُ عَلَيْكُمْ.“ فَذُهِلُوا وَارْتَعَبُوا، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ يُشَاهِدُونَ شَبَحًا. فَقَالَ لَهُمْ: ”لِمَاذَا هَذَا الِاضْطِرَابُ؟ وَلِمَاذَا هَذَا الشَّكُّ فِي قُلُوبِكُمْ؟ اُنْظُرُوا إِلَى يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ. أَنَا هُوَ بِنَفْسِي. اِلْمِسُونِي وَانْظُرُوا. الشَّبَحُ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعَظْمٌ كَمَا تَرَوْنَ لِي.“ وَلَمَّا قَالَ هَذَا، أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ. وَلَكِنَّهُمْ ظَلُّوا غَيْرَ مُصَدِّقِينَ، مَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا فَرْحَانِينَ وَمُنْدَهِشِينَ، فَقَالَ لَهُمْ: ”هَلْ عِنْدَكُمْ هُنَا شَيْءٌ آكُلُهُ؟“ فَأَعْطَوْهُ قِطْعَةً مِنَ السَّمَكِ الْمَشْوِيِّ، فَأَخَذَهَا وَأَكَلَهَا قُدَّامَهُمْ. وَقَالَ لَهُمْ: ”هَذَا هُوَ الَّذِي قُلْتُهُ لَكُمْ لَمَّا كُنْتُ مَعَكُمْ، وَهُوَ أَنْ يَتِمَّ كُلُّ مَا وَرَدَ عَنِّي فِي تَوْرَاةِ مُوسَى وَصُحُفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ.“ ثُمَّ فَتَحَ عُقُولَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكِتَابَ. وَقَالَ لَهُمْ: ”يَقُولُ الْكِتَابُ إِنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ ثُمَّ يَقُومُ مِنَ الْمَوْتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ. فَيَجِبُ دَعْوَةُ النَّاسِ مِنْ كُلِّ الشُّعُوبِ أَنْ يَتُوبُوا لِتُغْفَرَ ذُنُوبُهُمْ بِوَاسِطَةِ اسْمِهِ. اِبْدَأُوا مِنَ الْقُدْسِ، وَاشْهَدُوا بِهَذَا. وَسَأُرْسِلُ إِلَيْكُمْ مَا وَعَدَ بِهِ أَبِي، فَأَقِيمُوا فِي الْمَدِينَةِ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُوَّةً مِنَ السَّمَاءِ.“ وَخَرَجَ بِهِمْ بِالْقُرْبِ مِنْ بَيْتَ عَنْيَا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَبَارَكَهُمْ. وَبَيْنَمَا هُوَ يُبَارِكُهُمْ، تَرَكَهُمْ وَرُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ. فَسَجَدُوا لَهُ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى الْقُدْسِ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ. وَكَانُوا دَائِمًا فِي بَيْتِ اللهِ يُسَبِّحُونَ اللهَ. فِي الْأَصْلِ كَانَ الْكَلِمَةُ. وَكَانَ الْكَلِمَةُ عِنْدَ اللهِ. وَالْكَلِمَةُ هُوَ ذَاتُ الْإِلَهِ، فَإِنَّهُ كَانَ فِي الْأَصْلِ عِنْدَ اللهِ. بِوَاسِطَتِهِ خَلَقَ اللهُ كُلَّ شَيْءٍ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يُخْلَقْ شَيْءٌ. فِيهِ الْحَيَاةُ، وَحَيَاتُهُ هِيَ النُّورُ الَّذِي يَهْدِي النَّاسَ. وَالنُّورُ يُشْرِقُ فِي ظَلَامِ هَذِهِ الدُّنْيَا، وَالظَّلَامُ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُطْفِئَهُ. كَانَ رَجُلٌ مُرْسَلٌ مِنَ اللهِ اسْمُهُ يَحْيَى، جَاءَ بِقَصْدِ الشَّهَادَةِ، لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ لِكَيْ يُؤْمِنَ الْكُلُّ بِوَاسِطَتِهِ. لَمْ يَكُنْ هُوَ النُّورَ، بَلْ جَاءَ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ. فَالنُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ كَانَ آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ. وَأَتَى إِلَى الْعَالَمِ، وَمَعَ أَنَّ الْعَالَمَ خُلِقَ بِوَاسِطَتِهِ، لَكِنَّ أَهْلَ الْعَالَمِ لَمْ يَعْرِفُوهُ. جَاءَ إِلَى شَعْبِهِ، لَكِنَّ شَعْبَهُ لَمْ يَقْبَلْهُ. أَمَّا الَّذِينَ قَبِلُوهُ، أَيِ الَّذِينَ آمَنُوا بِاسْمِهِ، فَأَعْطَاهُمُ الْحَقَّ فِي أَنْ يَصِيرُوا أَبْنَاءَ اللهِ، لَا لِأَنَّهُمْ وُلِدُوا مِنْ بَشَرٍ، وَلَا بِقَرَارٍ بَشَرِيٍّ، وَلَا عَنْ رَغْبَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ مِنَ اللهِ. وَالْكَلِمَةُ صَارَ بَشَرًا، وَعَاشَ بَيْنَنَا. وَرَأَيْنَا جَلَالَهُ، الْجَلَالَ الَّذِي لَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ الِابْنُ الْوَحِيدُ لِلْأَبِ، وَهُوَ مَمْلُوءٌ بِالنِّعْمَةِ وَالْحَقِّ. شَهِدَ لَهُ يَحْيَى فَهَتَفَ: ”هَذَا هُوَ الَّذِي قُلْتُ عَنْهُ: ’يَجِيءُ بَعْدِي وَيَكُونُ أَعْظَمَ مِنِّي لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ قَبْلِي.‘“ وَنَحْنُ كُلُّنَا نِلْنَا مِنْ غِنَى نِعْمَتِهِ بَرَكَةً بَعْدَ بَرَكَةٍ. لِأَنَّ الشَّرِيعَةَ أُعْطِيَتْ بِوَاسِطَةِ مُوسَى، أَمَّا النِّعْمَةُ وَالْحَقُّ فَقَدْ جَاءَا بِوَاسِطَةِ عِيسَى الْمَسِيحِ. لَا أَحَدَ رَأَى اللهَ أَبَدًا. لَكِنَّ الِابْنَ الْوَحِيدَ الَّذِي بِجِوَارِ الْأَبِ، هُوَ أَخْبَرَ عَنْهُ. وَإِنَّ الْقَادَةَ الَّذِينَ فِي الْقُدْسِ بَعَثُوا بَعْضَ الْأَحْبَارِ وَاللَّاوِيِّينَ إِلَى يَحْيَى لِيَسْأَلُوهُ: ”مَنْ أَنْتَ؟“ فَكَانَتْ هَذِهِ شَهَادَتَهُ، وَأَعْلَنَهَا بِوُضُوحٍ وَلَمْ يُنْكِرْ بَلْ قَالَ: ”أَنَا لَسْتُ الْمَسِيحَ.“ فَسَأَلُوهُ: ”إِذَنْ مَاذَا؟ هَلْ أَنْتَ إِلْيَاسُ؟“ أَجَابَ: ”لَا.“ فَقَالُوا: ”هَلْ أَنْتَ النَّبِيُّ؟“ أَجَابَ: ”لَا.“ فَقَالُوا لَهُ: ”مَنْ أَنْتَ؟ يَجِبُ أَنْ نُقَدِّمَ جَوَابًا لِلَّذِينَ أَرْسَلُونَا. مَاذَا تَقُولُ عَنْ نَفْسِكَ؟“ فَقَالَ: ”أَنَا، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ إِشَعْيَا: ’صَوْتُ وَاحِدٍ يَصْرُخُ فِي الصَّحْرَاءِ: ”اِجْعَلُوا طَرِيقَ رَبِّنَا مُسْتَقِيمَةً.“‘“ وَكَانَ بَيْنَ الْمَبْعُوثِينَ بَعْضُ الْفَرِّيسِيِّينَ، فَسَأَلُوهُ: ”إِنْ كُنْتَ لَا الْمَسِيحَ، وَلَا إِلْيَاسَ، وَلَا النَّبِيَّ، إِذَنْ لِمَاذَا تُغَطِّسُ؟“ أَجَابَهُمْ يَحْيَى: ”أَنَا أُغَطِّسُ فِي الْمَاءِ. لَكِنْ مَوْجُودٌ بَيْنَكُمْ مَنْ لَا تَعْرِفُونَهُ، هُوَ الَّذِي يَجِيءُ بَعْدِي، وَأَنَا لَا أَسْتَحِقُّ أَنْ أَحِلَّ رِبَاطَ حِذَائِهِ.“ جَرَى هَذَا فِي قَرْيَةِ بَيْتَ عَنْيَا الَّتِي فِي شَرْقِ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ حَيْثُ كَانَ يَحْيَى يُغَطِّسُ النَّاسَ فِي الْمَاءِ. وَفِي الْغَدِ رَأَى يَحْيَى عِيسَى مُقْبِلًا إِلَيْهِ، فَقَالَ: ”اُنْظُرُوا! هَذَا هُوَ حَمَلُ الْفِدَاءِ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللهُ لِيَرْفَعَ الْخَطِيئَةَ عَنِ النَّاسِ. هَذَا هُوَ الَّذِي تَحَدَّثْتُ عَنْهُ لَمَّا قُلْتُ: ’يَجِيءُ بَعْدِي وَاحِدٌ هُوَ أَعْظَمُ مِنِّي لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ مِنْ قَبْلِي.‘ وَأَنَا نَفْسِي لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ، لَكِنِّي جِئْتُ لِأُغَطِّسَ فِي الْمَاءِ لِكَيْ يَظْهَرَ هُوَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ.“ وَشَهِدَ يَحْيَى وَقَالَ: ”رَأَيْتُ الرُّوحَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ كَحَمَامَةٍ وَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ. وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ، لَكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي لِأُغَطِّسَ فِي الْمَاءِ قَالَ لِي: ’الَّذِي تَرَى الرُّوحَ يَنْزِلُ وَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ، هُوَ الَّذِي يُغَطِّسُ فِي الرُّوحِ الْقُدُّوسِ.‘ فَأَنَا رَأَيْتُ هَذَا بِنَفْسِي، لِهَذَا أَشْهَدُ أَنَّهُ هُوَ ابْنُ اللهِ.“ وَفِي الْغَدِ كَانَ يَحْيَى هُنَاكَ مَرَّةً أُخْرَى وَاقِفًا مَعَ اثْنَيْنِ مِنْ تَلَامِيذِهِ. وَرَأَى عِيسَى سَائِرًا فَقَالَ: ”اُنْظُرُوا! هَذَا هُوَ حَمَلُ الْفِدَاءِ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللهُ.“ فَسَمِعَ التِّلْمِيذَانِ كَلَامَهُ، فَتَبِعَا عِيسَى. وَالْتَفَتَ عِيسَى فَرَآهُمَا يَتْبَعَانِهِ، فَسَأَلَهُمَا: ”مَاذَا تُرِيدَانِ؟“ فَقَالَا: ”يَا مُعَلِّمُ، أَيْنَ تُقِيمُ؟“ أَجَابَ: ”تَعَالَيَا وَانْظُرَا.“ فَذَهَبَا وَنَظَرَا أَيْنَ كَانَ يُقِيمُ، وَكَانَتِ السَّاعَةُ حَوَالَيِ الرَّابِعَةِ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَبَقِيَا مَعَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ. وَكَانَ أَنْدْرَاوِسُ أَخُو سَمْعَانَ بُطْرُسَ هُوَ أَحَدَ التِّلْمِيذَيْنِ اللَّذَيْنِ سَمِعَا مَا قَالَهُ يَحْيَى وَتَبِعَا عِيسَى. وَفِي الْحَالِ رَاحَ أَنْدْرَاوِسُ وَوَجَدَ أَخَاهُ سَمْعَانَ وَقَالَ لَهُ: ”وَجَدْنَا الْمَسِيحَ.“ وَأَخَذَهُ إِلَى عِيسَى. فَنَظَرَ عِيسَى إِلَى سَمْعَانَ وَقَالَ: ”أَنْتَ سَمْعَانُ بْنُ يُوحَنَّا. وَلَكِنِّي سَأَدْعُوكَ صَفَا.“ أَيْ بُطْرُسَ. وَفِي الْغَدِ نَوَى عِيسَى أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْجَلِيلِ، فَوَجَدَ فِيلِيبَ فَقَالَ لَهُ: ”اِتْبَعْنِي.“ وَكَانَ فِيلِيبُ مِنْ بَيْتَ صَيْدَا بَلْدَةِ أَنْدْرَاوِسَ وَبُطْرُسَ. وَفِيلِيبُ وَجَدَ نَثَنْئِيلَ فَقَالَ لَهُ: ”وَجَدْنَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُوسَى فِي التَّوْرَاةِ وَذَكَرَهُ أَيْضًا الْأَنْبِيَاءُ، عِيسَى بْنَ يُوسِفَ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ.“ فَقَالَ نَثَنْئِيلُ: ”مِنَ النَّاصِرَةِ! هَلْ يَأْتِي مِنَ النَّاصِرَةِ شَيْءٌ صَالِحٌ؟“ فَقَالَ لَهُ فِيلِيبُ: ”تَعَالَ وَانْظُرْ.“ وَرَأَى عِيسَى نَثَنْئِيلَ قَادِمًا إِلَيْهِ، فَقَالَ: ”هَذَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَصِيلٌ لَا غِشَّ فِيهِ.“ فَقَالَ لَهُ نَثَنْئِيلُ: ”كَيْفَ عَرَفْتَنِي؟“ أَجَابَ عِيسَى: ”رَأَيْتُكَ وَأَنْتَ تَحْتَ شَجَرَةِ التِّينِ قَبْلَ مَا نَادَاكَ فِيلِيبُ.“ فَقَالَ نَثَنْئِيلُ: ”يَا مُعَلِّمُ، أَنْتَ ابْنُ اللهِ، أَنْتَ الْمَلِكُ الَّذِي يَنْتَظِرُهُ هَذَا الشَّعْبُ.“ قَالَ لَهُ عِيسَى: ”هَلْ آمَنْتَ لِأَنِّي قُلْتُ لَكَ رَأَيْتُكَ وَأَنْتَ تَحْتَ شَجَرَةِ التِّينِ؟ سَتَرَى أَعْظَمَ مِنْ هَذَا.“ ثُمَّ قَالَ: ”أَقُولُ لَكُمُ الْحَقِيقَةَ، سَتَرَوْنَ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً وَمَلَائِكَةَ اللهِ تَصْعَدُ وَتَنْزِلُ عَلَى الَّذِي صَارَ بَشَرًا.“ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، كَانَ عُرْسٌ فِي مَدِينَةِ قَانَا فِي الْجَلِيلِ. وَكَانَتْ أُمُّ عِيسَى هُنَاكَ. وَدُعِيَ عِيسَى وَتَلَامِيذُهُ إِلَى الْعُرْسِ. وَنَفِدَتِ الْخَمْرُ، فَقَالَتْ أُمُّ عِيسَى لَهُ: ”لَيْسَ عِنْدَهُمْ خَمْرٌ.“ فَقَالَ لَهَا عِيسَى: ”يَا أُمِّي، لِمَاذَا تُرِيدِينَ أَنْ أَتَدَخَّلَ؟ لَمْ يَأْتِ وَقْتِي بَعْدُ!“ فَقَالَتْ أُمُّهُ لِلْخَدَمِ: ”اِعْمَلُوا كُلَّ مَا يَقُولُهُ لَكُمْ.“ وَكَانَتْ هُنَاكَ 6 جِرَارٍ مِنْ حَجَرٍ، يَسَعُ كُلٌّ مِنْهَا مِقْدَارَ مِكْيَالَيْنِ أَوْ 3 مِنَ الْمَاءِ، وَيَتَطَهَّرُ مِنْهَا الْيَهُودُ حَسَبَ عَادَتِهِمْ. فَقَالَ عِيسَى لِلْخَدَمِ: ”اِمْلَأُوا الْجِرَارَ بِالْمَاءِ.“ فَمَلَأُوهَا حَتَّى فَاضَتْ. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: ”خُذُوا مِنْهَا، وَقَدِّمُوا لِرَئِيسِ الْوَلِيمَةِ.“ فَقَدَّمُوا لَهُ. فَذَاقَ الْمَاءَ وَكَانَ قَدْ تَحَوَّلَ إِلَى خَمْرٍ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ مِنْ أَيْنَ جَاءَتْ، لَكِنَّ الْخَدَمَ الَّذِينَ غَرَفُوا الْمَاءَ كَانُوا يَعْرِفُونَ. فَنَادَى الْعَرِيسَ وَقَالَ لَهُ: ”كُلُّ وَاحِدٍ يُقَدِّمُ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ أَوَّلًا، وَبَعْدَمَا يَسْكَرُ النَّاسُ يُقَدِّمُ لَهُمُ الْخَمْرَ الْأَقَلَّ جَوْدَةً. أَمَّا أَنْتَ فَأَبْقَيْتَ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ إِلَى الْآنَ!“ هَذِهِ أَوَّلُ آيَةٍ عَمِلَهَا عِيسَى وَكَانَتْ فِي قَانَا الْجَلِيلِ، وَأَظْهَرَ جَلَالَهُ فَآمَنَ بِهِ تَلَامِيذُهُ. بَعْدَ ذَلِكَ ذَهَبَ إِلَى كَفْرَنَاحُومَ هُوَ وَأُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ وَتَلَامِيذُهُ، وَأَقَامُوا هُنَاكَ أَيَّامًا قَلِيلَةً. وَاقْتَرَبَ عِيدُ الْفِصْحِ الْيَهُودِيُّ فَصَعِدَ عِيسَى إِلَى الْقُدْسِ. وَفِي سَاحَةِ بَيْتِ اللهِ وَجَدَ النَّاسَ يَبِيعُونَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْحَمَامَ، وَآخَرِينَ غَيْرَهُمْ جَالِسِينَ يَصْرِفُونَ الْعُمْلَاتِ. فَصَنَعَ سَوْطًا مِنَ الْحِبَالِ، وَطَرَدَهُمْ كُلَّهُمْ مِنْ بَيْتِ اللهِ مَعَ غَنَمِهِمْ وَبَقَرِهِمْ. وَبَعْثَرَ نُقُودَ الصَّيَارِفِ وَقَلَبَ مَنَاضِدَهُمْ. وَقَالَ لِتُجَّارِ الْحَمَامِ: ”اِرْفَعُوا هَذَا مِنْ هُنَا، لَا تَجْعَلُوا بَيْتَ أَبِي سُوقًا.“ فَتَذَكَّرَ تَلَامِيذُهُ قَوْلَ الْكِتَابِ: ”الْغِيرَةُ عَلَى بَيْتِكَ تَأْكُلُنِي.“ فَقَالَ لَهُ قَادَةُ الْيَهُودِ: ”اِعْمَلْ لَنَا آيَةً تُثْبِتُ بِهَا أَنَّ مِنْ حَقِّكَ أَنْ تَعْمَلَ كُلَّ هَذَا.“ أَجَابَهُمْ عِيسَى: ”اِهْدِمُوا هَذَا الْبَيْتَ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي 3 أَيَّامٍ.“ فَقَالُوا: ”هَذَا الْبَيْتُ بُنِيَ فِي 46 سَنَةً، فَكَيْفَ تُقِيمُهُ أَنْتَ فِي 3 أَيَّامٍ؟“ لَكِنَّهُ كَانَ يَعْنِي بِالْبَيْتِ، جِسْمَهُ هُوَ. فَلَمَّا قَامَ مِنَ الْمَوْتِ، تَذَكَّرَ تَلَامِيذُهُ مَا قَالَهُ، فَآمَنُوا بِالْكِتَابِ وَبِالْكَلَامِ الَّذِي قَالَهُ عِيسَى. وَبَيْنَمَا هُوَ فِي الْقُدْسِ فِي عِيدِ الْفِصْحِ، آمَنَ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَمَّا رَأَوْا الْآيَاتِ الَّتِي كَانَ يَعْمَلُهَا. لَكِنَّ عِيسَى لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ الْكُلَّ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى مَنْ يُخْبِرُهُ عَنِ النَّاسِ، لِأَنَّهُ يَعْرِفُ مَا فِي قُلُوبِ النَّاسِ. وَكَانَ رَجُلٌ فَرِّيسِيٌّ مِنْ قَادَةِ الْيَهُودِ اسْمُهُ نِقِدِيمُوسُ. فَجَاءَ إِلَى عِيسَى فِي اللَّيْلِ، وَقَالَ لَهُ: ”يَا مُعَلِّمُ، نَحْنُ نَعْرِفُ أَنَّكَ مُعَلِّمٌ جِئْتَ مِنْ عِنْدِ اللهِ، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي تَعْمَلُهَا إِلَّا إِذَا كَانَ اللهُ مَعَهُ.“ أَجَابَهُ عِيسَى: ”أَقُولُ لَكَ الْحَقَّ، إِنْ لَمْ يُولَدِ الْإِنْسَانُ وِلَادَةً جَدِيدَةً مِنْ فَوْقُ، لَا يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَمْلَكَةَ اللهِ.“ فَقَالَ نِقِدِيمُوسُ: ”كَيْفَ يُولَدُ الْإِنْسَانُ وَهُوَ كَبِيرُ السِّنِّ؟ هَلْ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ بَطْنَ أُمِّهِ مَرَّةً ثَانِيَةً وَيُولَدَ؟“ أَجَابَهُ عِيسَى: ”أَقُولُ لَكَ الْحَقَّ، إِنْ لَمْ يُولَدِ الْإِنْسَانُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ، لَا يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَمْلَكَةَ اللهِ. يُولَدُ الشَّخْصُ الْوِلَادَةَ الْبَشَرِيَّةَ مِنْ أَبَوَيْهِ، وَيُولَدُ الْوِلَادَةَ الرُّوحِيَّةَ مِنَ الرُّوحِ. لَا تَسْتَغْرِبْ أَنِّي قُلْتُ لَكَ: ’يَجِبُ أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ.‘ فَالرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ أَنْ تَهُبَّ، وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا لَكِنَّكَ لَا تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي وَلَا إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ، وَنَفْسُ الشَّيْءِ بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ مَنْ يُولَدُ مِنَ الرُّوحِ.“ فَقَالَ نِقِدِيمُوسُ: ”كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَحْدُثَ هَذَا؟“ قَالَ عِيسَى: ”أَنْتَ أُسْتَاذٌ كَبِيرٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَا تَعْرِفُ هَذِهِ الْأُمُورَ؟ أَقُولُ لَكَ الْحَقَّ، نَحْنُ نَتَكَلَّمُ بِمَا نَعْلَمُ، وَنَشْهَدُ بِمَا رَأَيْنَا، وَلَكِنَّكُمْ لَا تَقْبَلُونَ شَهَادَتَنَا. إِنْ كُنْتُ كَلَّمْتُكُمْ عَنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَلَا تُؤْمِنُونَ، فَكَيْفَ تُؤْمِنُونَ إِنْ كَلَّمْتُكُمْ عَنْ أُمُورِ السَّمَاءِ؟ لَمْ يَصْعَدْ أَحَدٌ إِلَى السَّمَاءِ إِلَّا الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، أَيِ الَّذِي صَارَ بَشَرًا. ”وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الصَّحْرَاءِ، فَالَّذِي صَارَ بَشَرًا أَيْضًا يَجِبُ أَنْ يُرْفَعَ، لِيَنَالَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ حَيَاةَ الْخُلُودِ. أَحَبَّ اللهُ كُلَّ النَّاسِ لِدَرَجَةِ أَنَّهُ بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لَا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ يَنَالَ حَيَاةَ الْخُلُودِ. لِأَنَّ اللهَ أَرْسَلَ ابْنَهُ إِلَى النَّاسِ لَا لِيُعَاقِبَهُمْ بَلْ لِيُنَجِّيَهُمْ. مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لَا يُعَاقَبُ، وَمَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ فَقَدْ صَدَرَ الْحُكْمُ ضِدَّهُ بِالْعِقَابِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِابْنِ اللهِ الْوَحِيدِ. ”وَهَذَا هُوَ أَسَاسُ الْحُكْمِ: جَاءَ النُّورُ إِلَى الْعَالَمِ، فَأَحَبَّ النَّاسُ الظَّلَامَ بَدَلًا مِنَ النُّورِ، لِأَنَّ أَعْمَالَهُمْ شِرِّيرَةٌ. كُلُّ مَنْ يَعْمَلُ الشَّرَّ يَكْرَهُ النُّورَ، وَلَا يَخْرُجُ إِلَى النُّورِ لِئَلَّا تَنْكَشِفَ أَعْمَالُهُ. وَأَمَّا مَنْ يَسْلُكُ بِالْحَقِّ، فَيَخْرُجُ إِلَى النُّورِ لِكَيْ يَظْهَرَ بِوُضُوحٍ أَنَّهُ يَعْمَلُ مَا يَعْمَلُهُ بِقُوَّةِ اللهِ.“ بَعْدَ هَذَا رَاحَ عِيسَى وَتَلَامِيذُهُ إِلَى بِلَادِ يَهُوذَا، وَأَقَامَ هُنَاكَ مَعَهُمْ، وَكَانَ يُغَطِّسُ. وَكَانَ يَحْيَى أَيْضًا يُغَطِّسُ النَّاسَ فِي عَيْنَ نُونَ بِالْقُرْبِ مِنْ سَالِيمَ، لِأَنَّ الْمِيَاهَ هُنَاكَ كَانَتْ كَثِيرَةً، فَكَانَ النَّاسُ يَجِيئُونَ وَيَتَغَطَّسُونَ. وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُلْقَى يَحْيَى فِي السِّجْنِ. وَحَدَثَ جِدَالٌ بَيْنَ تَلَامِيذِ يَحْيَى وَوَاحِدٍ مِنَ الْيَهُودِ فِي مَوْضُوعِ الْوُضُوءِ. فَجَاءُوا إِلَى يَحْيَى وَقَالُوا لَهُ: ”يَا مُعَلِّمُ، اُنْظُرْ! الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ مَعَكَ عَلَى الضَّفَّةِ الشَّرْقِيَّةِ مِنَ الْأُرْدُنِّ وَشَهِدْتَ لَهُ، هُوَ الْآنَ يُغَطِّسُ، وَكُلُّ النَّاسِ يَرُوحُونَ إِلَيْهِ.“ أَجَابَ يَحْيَى: ”لَا يَنَالُ الْإِنْسَانُ إِلَّا مَا يُعْطِيهِ لَهُ اللهُ. أَنْتُمْ أَنْفُسُكُمْ تَشْهَدُونَ لِي بِأَنِّي قُلْتُ: ’أَنَا لَسْتُ الْمَسِيحَ، بَلْ رَسُولٌ قُدَّامَهُ.‘ الْعَرُوسَةُ لِلْعَرِيسِ، أَمَّا صَدِيقُ الْعَرِيسِ فَيَقِفُ وَيَسْمَعُهُ، وَيَفْرَحُ جِدًّا لِصَوْتِ الْعَرِيسِ. هَذَا إِذَنْ هُوَ فَرَحِي، وَهُوَ الْآنَ كَامِلٌ. لَا بُدَّ أَنَّهُ هُوَ يَزِيدُ وَأَنَا أَنْقُصُ.“ الَّذِي يَأْتِي مِنْ فَوْقُ هُوَ فَوْقَ الْكُلِّ. وَالَّذِي مِنَ الْأَرْضِ هُوَ أَرْضِيٌّ، وَيَتَكَلَّمُ مِثْلَ أَهْلِ الْأَرْضِ. الَّذِي يَأْتِي مِنَ السَّمَاءِ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ، وَيُخْبِرُ بِمَا رَأَى وَسَمِعَ، وَلَا يَقْبَلُ أَحَدٌ رِسَالَتَهُ. مَنْ يَقْبَلُ رِسَالَتَهُ، يَشْهَدُ أَنَّ اللهَ صَادِقٌ. الَّذِي أَرْسَلَهُ اللهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ اللهِ، لِأَنَّ اللهَ يُعْطِيهِ رُوحَهُ بِلَا كَيْلٍ. الْأَبُ يُحِبُّ الِابْنَ، وَجَعَلَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ سُلْطَتِهِ. مَنْ يُؤْمِنُ بِالِابْنِ لَهُ حَيَاةُ الْخُلُودِ، وَمَنْ يَرْفُضُ الِابْنَ لَا يَرَى حَيَاةَ الْخُلُودِ، بَلْ يَحِلُّ عَلَيْهِ غَضَبُ اللهِ. وَسَمِعَ الْفَرِّيسِيُّونَ أَنَّ عِيسَى كَانَ يَجْذِبُ إِلَيْهِ تَلَامِيذَ أَكْثَرَ مِنْ يَحْيَى وَيُغَطِّسُهُمْ. مَعَ أَنَّ عِيسَى نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ يُغَطِّسُ بَلْ تَلَامِيذُهُ. فَلَمَّا عَلِمَ بِذَلِكَ، تَرَكَ مِنْطَقَةَ يَهُوذَا وَرَجَعَ إِلَى الْجَلِيلِ. وَكَانَ لَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَمُرَّ فِي السَّامِرَةِ. فَوَصَلَ إِلَى مَدِينَةٍ فِي السَّامِرَةِ اسْمُهَا سُوكَارُ، بِالْقُرْبِ مِنْ قِطْعَةِ الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَاهَا يَعْقُوبُ لِابْنِهِ يُوسِفَ، وَفِيهَا بِئْرُ يَعْقُوبَ. وَكَانَ عِيسَى قَدْ تَعِبَ مِنَ السَّفَرِ، فَجَلَسَ كَمَا هُوَ عِنْدَ الْبِئْرِ. وَكَانَ الْوَقْتُ حَوَالَيِ الظُّهْرِ. وَجَاءَتِ امْرَأَةٌ سَامِرِيَّةٌ إِلَى الْبِئْرِ لِتَأْخُذَ مَاءً. فَقَالَ لَهَا عِيسَى: ”اِسْقِينِي.“ وَكَانَ تَلَامِيذُهُ قَدْ ذَهَبُوا إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَشْتَرُوا طَعَامًا. فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ السَّامِرِيَّةُ لَهُ: ”أَنْتَ يَهُودِيٌّ وَأَنَا سَامِرِيَّةٌ، فَكَيْفَ تَطْلُبُ مِنِّي أَنْ أَسْقِيَكَ؟“ لِأَنَّ الْيَهُودَ لَا يَتَعَامَلُونَ مَعَ السَّامِرِيِّينَ. أَجَابَهَا عِيسَى: ”لَوْ عَرَفْتِ عَطِيَّةَ اللهِ، وَمَنْ هُوَ الَّذِي يَقُولُ لَكِ: ’اِسْقِينِي‘، لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ فَيُعْطِيكِ مَاءً حَيًّا.“ قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: ”وَلَكِنْ يَا سَيِّدُ! لَيْسَ مَعَكَ دَلْوٌ، وَالْبِئْرُ عَمِيقَةٌ، فَمِنْ أَيْنَ تَأْتِي بِالْمَاءِ الْحَيِّ؟ أَبُونَا يَعْقُوبُ أَعْطَانَا هَذِهِ الْبِئْرَ، وَشَرِبَ مِنْهَا هُوَ وَأَوْلَادُهُ وَغَنَمُهُ، فَهَلْ أَنْتَ أَعْظَمُ مِنْ يَعْقُوبَ؟“ أَجَابَهَا عِيسَى: ”كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ مَرَّةً أُخْرَى، أَمَّا مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا، فَلَنْ يَعْطَشَ أَبَدًا. بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ لَهُ يَصِيرُ فِي دَاخِلِهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَتَدَفَّقُ وَيُعْطِي حَيَاةَ الْخُلُودِ.“ قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: ”يَا سَيِّدُ، أَعْطِنِي هَذَا الْمَاءَ لِكَيْ لَا أَعْطَشَ وَلَا أَعُودَ إِلَى هُنَا لِآخُذَ مَاءً.“ قَالَ لَهَا: ”اِذْهَبِي وَنَادِي زَوْجَكِ وَتَعَالَيْ.“ أَجَابَتِ الْمَرْأَةُ: ”لَيْسَ لِي زَوْجٌ.“ قَالَ لَهَا عِيسَى: ”أَنْتِ عَلَى حَقٍّ لِأَنَّكِ قُلْتِ إِنَّهُ لَيْسَ لَكِ زَوْجٌ، فَقَدْ كَانَ لَكِ 5 أَزْوَاجٍ، وَالرَّجُلُ الَّذِي تَعِيشِينَ مَعَهُ الْآنَ لَيْسَ زَوْجَكِ. أَنْتِ صَدَقْتِ فِي هَذَا.“ قَالَتِ الْمَرْأَةُ: ”يَا سَيِّدُ، أَعْتَقِدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ! آبَاؤُنَا عَبَدُوا اللهَ فِي هَذَا الْجَبَلِ، وَأَنْتُمُ الْيَهُودُ تَقُولُونَ إِنَّ الْمَكَانَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ نَعْبُدَ فِيهِ هُوَ الْقُدْسُ.“ قَالَ لَهَا عِيسَى: ”صَدِّقِينِي يَا امْرَأَةُ، يَحِينُ وَقْتٌ فِيهِ تَعْبُدُونَ الْأَبَ لَكِنْ لَا فِي هَذَا الْجَبَلِ وَلَا فِي الْقُدْسِ. أَنْتُمْ لَا تَعْرِفُونَ الَّذِي تَعْبُدُونَهُ، وَنَحْنُ نَعْرِفُ الَّذِي نَعْبُدُهُ، لِأَنَّ الْمُنْقِذَ يَأْتِي مِنْ عِنْدِنَا. وَيَحِينُ وَقْتٌ، بَلْ حَانَ الْوَقْتُ الَّذِي فِيهِ الْعَابِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَعْبُدُونَ الْأَبَ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ. فَالْأَبُ يُرِيدُ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْعَابِدِينَ. اللهُ رُوحٌ، فَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَعْبُدُهُ أَنْ يَعْبُدَهُ بِالرُّوحِ وَبِالْحَقِّ.“ قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: ”أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ الْمَسِيحَ سَيَجِيءُ. وَمَتَى جَاءَ يَشْرَحُ لَنَا كُلَّ شَيْءٍ.“ أَجَابَهَا عِيسَى: ”أَنَا هُوَ، أَنَا الَّذِي أُكَلِّمُكِ.“ وَعِنْدَ ذَلِكَ، وَصَلَ التَّلَامِيذُ، فَاسْتَغْرَبُوا لِأَنَّهُ كَانَ يُكَلِّمُ امْرَأَةً. وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَسْأَلْهُ أَحَدٌ: ”مَاذَا تُرِيدُ مِنْهَا؟“ أَوْ ”لِمَاذَا تَتَكَلَّمُ مَعَهَا؟“ فَتَرَكَتِ الْمَرْأَةُ جَرَّتَهَا وَرَجَعَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَالَتْ لِلنَّاسِ: ”تَعَالَوْا وَانْظُرُوا رَجُلًا قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ! هَلْ يَا تُرَى هُوَ الْمَسِيحُ؟“ فَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ، وَجَاءُوا إِلَى عِيسَى. وَفِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ كَانَ التَّلَامِيذُ يَتَرَجَّوْنَهُ قَائِلِينَ: ”يَا مُعَلِّمُ، كُلْ.“ فَقَالَ لَهُمْ: ”أَنَا لِي طَعَامٌ آكُلُهُ لَا تَعْرِفُونَهُ أَنْتُمْ.“ فَأَخَذَ التَّلَامِيذُ يَتَسَاءَلُونَ: ”هَلْ جَاءَهُ أَحَدٌ بِالطَّعَامِ؟“ فَقَالَ لَهُمْ عِيسَى: ”طَعَامِي هُوَ أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي، وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ. عِنْدَكُمْ مَثَلٌ يَقُولُ: ’بَعْدَ 4 شُهُورٍ يَجِيءُ الْحَصَادُ‘، وَلَكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ، اِفْتَحُوا عُيُونَكُمْ وَانْظُرُوا الْحُقُولَ، إِنَّهَا نَضِجَتْ وَحَانَ حَصَادُهَا. وَبَدَأَ الْحَاصِدُ يَأْخُذُ أُجْرَتَهُ وَيَجْمَعُ الْمَحْصُولَ لِحَيَاةِ الْخُلُودِ، فَيَفْرَحُ الزَّارِعُ وَالْحَاصِدُ مَعًا. وَيَصْدُقُ الْمَثَلُ: ’وَاحِدٌ يَزْرَعُ وَآخَرُ يَحْصُدُ.‘ أَنَا أَرْسَلْتُكُمْ لِتَحْصُدُوا مَا لَمْ تَتْعَبُوا فِيهِ. غَيْرُكُمْ تَعِبُوا، وَأَنْتُمْ تَنْتَفِعُونَ مِنْ ثِمَارِ تَعَبِهِمْ.“ فَآمَنَ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ السَّامِرِيِّينَ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ تَشْهَدُ وَتَقُولُ: ”قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ.“ فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ السَّامِرِيُّونَ، دَعَوْهُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُمْ، فَأَقَامَ هُنَاكَ يَوْمَيْنِ. فَآمَنَ بِهِ عَدَدٌ أَكْثَرُ لَمَّا سَمِعُوا كَلَامَهُ. وَقَالُوا لِلْمَرْأَةِ: ”نَحْنُ نُؤْمِنُ، لَا لِأَنَّكِ أَخْبَرْتِنَا، بَلْ لِأَنَّنَا سَمِعْنَاهُ بِأَنْفُسِنَا، وَعَرَفْنَا أَنَّهُ هُوَ حَقًّا مُنْقِذُ الْعَالَمِ.“ وَبَعْدَ الْيَوْمَيْنِ، رَاحَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى الْجَلِيلِ. وَكَانَ هُوَ نَفْسُهُ قَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا كَرَامَةَ لِنَبِيٍّ فِي بَلْدَتِهِ. فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الْجَلِيلِ، رَحَّبَ بِهِ الْجَلِيلِيُّونَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ ذَهَبُوا إِلَى الْقُدْسِ فِي الْعِيدِ، وَرَأَوْا كُلَّ مَا عَمِلَهُ عِيسَى هُنَاكَ فِي فَتْرَةِ الْعِيدِ. ثُمَّ زَارَ قَانَا الْجَلِيلِ مَرَّةً أُخْرَى، حَيْثُ حَوَّلَ الْمَاءَ إِلَى خَمْرٍ. وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ حَاشِيَةِ الْمَلِكِ، اِبْنُهُ مَرِيضٌ فِي كَفْرَنَاحُومَ. فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّ عِيسَى جَاءَ مِنْ مِنْطَقَةِ يَهُوذَا إِلَى الْجَلِيلِ، ذَهَبَ إِلَيْهِ وَتَرَجَّاهُ أَنْ يَذْهَبَ مَعَهُ وَيَشْفِيَ ابْنَهُ الَّذِي كَانَ عَلَى وَشْكِ الْمَوْتِ. فَقَالَ لَهُ عِيسَى: ”لَا تُؤْمِنُونَ إِنْ لَمْ تَرَوْا آيَاتٍ وَعَجَائِبَ.“ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: ”يَا سَيِّدُ، تَعَالَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ ابْنِي.“ قَالَ لَهُ عِيسَى: ”اِذْهَبْ، اِبْنُكَ حَيٌّ.“ فَآمَنَ الرَّجُلُ بِمَا قَالَهُ عِيسَى وَذَهَبَ. وَبَيْنَمَا هُوَ فِي الطَّرِيقِ، قَابَلَهُ عَبِيدُهُ وَأَخْبَرُوهُ بِأَنَّ ابْنَهُ حَيٌّ. فَسَأَلَهُمْ: ”فِي أَيِّ سَاعَةٍ تَحَسَّنَتْ حَالَتُهُ؟“ أَجَابُوهُ: ”أَمْسِ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ بَعْدَ الظُّهْرِ تَرَكَتْهُ الْحُمَّى.“ فَعَرَفَ الْأَبُ أَنَّهُ نَفْسُ الْوَقْتِ الَّذِي قَالَ لَهُ فِيهِ عِيسَى: ”اِبْنُكَ حَيٌّ.“ فَآمَنَ هُوَ وَكُلُّ عَائِلَتِهِ. هَذِهِ إِذَنْ هِيَ ثَانِي مُعْجِزَةٍ عَمِلَهَا عِيسَى لَمَّا رَجَعَ مِنْ مِنْطَقَةِ يَهُوذَا إِلَى الْجَلِيلِ. بَعْدَ هَذَا كَانَ عِنْدَ الْيَهُودِ عِيدٌ، فَذَهَبَ عِيسَى إِلَى الْقُدْسِ. وَفِي الْقُدْسِ عِنْدَ بَوَّابَةِ الْغَنَمِ، تُوجَدُ بِرْكَةٌ اسْمُهَا بِلُغَتِهِمْ بَيْتُ حِسْدَا. وَكَانَ حَوْلَهَا 5 قَاعَاتٍ يَرْقُدُ فِيهَا عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ الْمَرْضَى، مِنْ عُمْيٍ وَعُرْجٍ وَمَشْلُولِينَ، يَنْتَظِرُونَ تَحْرِيكَ الْمَاءِ. لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مَلَاكًا كَانَ يَنْزِلُ إِلَى الْبِرْكَةِ أَحْيَانًا وَيُحَرِّكُ الْمَاءَ، فَأَوَّلُ وَاحِدٍ يَنْزِلُ بَعْدَ تَحْرِيكِ الْمَاءِ، يُشْفَى مَهْمَا كَانَ مَرَضُهُ. وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ مَرِيضٌ مُنْذُ 38 سَنَةً. فَرَآهُ عِيسَى رَاقِدًا هُنَاكَ، وَعَرَفَ أَنَّ لَهُ مُدَّةً طَوِيلَةً عَلَى هَذِهِ الْحَالِ. فَقَالَ لَهُ: ”هَلْ تُرِيدُ أَنْ تُشْفَى؟“ أَجَابَهُ الْمَرِيضُ: ”يَا سَيِّدُ، لَيْسَ لِي أَحَدٌ يُنْزِلُنِي فِي الْبِرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ الْمَاءُ. بَلْ وَأَنَا نَازِلٌ، يَنْزِلُ قَبْلِي آخَرُ.“ فَقَالَ لَهُ عِيسَى: ”قُمْ وَاحْمِلْ فِرَاشَكَ وَامْشِ.“ وَفِي الْحَالِ شُفِيَ الرَّجُلُ، وَحَمَلَ فِرَاشَهُ وَمَشَى. وَكَانَ هَذَا فِي يَوْمِ السَّبْتِ. فَقَالَ قَادَةُ الْيَهُودِ لِلَّذِي شُفِيَ: ”الْيَوْمَ السَّبْتُ، لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَحْمِلَ فِرَاشَكَ.“ فَأَجَابَهُمْ: ”الَّذِي شَفَانِي قَالَ لِي: ’اِحْمِلْ فِرَاشَكَ وَامْشِ.‘“ فَسَأَلُوهُ: ”مَنْ هُوَ الَّذِي قَالَ لَكَ: ’اِحْمِلْ فِرَاشَكَ وَامْشِ‘؟“ وَكَانَ الرَّجُلُ لَا يَعْرِفُ مَنْ هُوَ، لِأَنَّ عِيسَى اخْتَفَى وَسْطَ الْجُمْهُورِ الْغَفِيرِ. وَبَعْدَ هَذَا لَقِيَهُ عِيسَى فِي بَيْتِ اللهِ فَقَالَ لَهُ: ”اِنْتَبِهْ! أَنْتَ شُفِيتَ فَيَجِبُ أَنْ تَكُفَّ عَنِ الْخَطِيئَةِ، لِئَلَّا يُصِيبَكَ مَا هُوَ أَسْوَأُ.“ فَذَهَبَ الرَّجُلُ إِلَى قَادَةِ الْيَهُودِ، وَأَخْبَرَهُمْ بِأَنَّ عِيسَى هُوَ الَّذِي شَفَاهُ. فَأَخَذُوا يَضْطَهِدُونَ عِيسَى، لِأَنَّهُ عَمِلَ هَذَا فِي يَوْمِ السَّبْتِ. فَقَالَ لَهُمْ عِيسَى: ”أَبِي لَا يَتَوَقَّفُ عَنِ الْعَمَلِ أَبَدًا، وَأَنَا أَعْمَلُ مِثْلَهُ.“ لِهَذَا السَّبَبِ نَوَى قَادَةُ الْيَهُودِ فِعْلًا أَنْ يَقْتُلُوهُ، لِأَنَّهُ أَوَّلًا خَالَفَ وَصِيَّةَ السَّبْتِ، وَثَانِيًا قَالَ إِنَّ اللهَ أَبُوهُ، فَسَاوَى نَفْسَهُ بِاللهِ. فَقَالَ لَهُمْ عِيسَى: ”أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، لَا يَقْدِرُ الِابْنُ أَنْ يَعْمَلَ شَيْئًا مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ يَعْمَلُ مَا يَرَى الْأَبَ يَعْمَلُهُ. فَكُلُّ مَا يَعْمَلُهُ الْأَبُ يَعْمَلُ مِثْلَهُ الِابْنُ. لِأَنَّ الْأَبَ يُحِبُّ الِابْنَ، وَيُرِيهِ كُلَّ مَا يَعْمَلُهُ، وَسَيُرِيهِ أَعْمَالًا أَعْظَمَ مِنْ هَذِهِ فَتَنْدَهِشُونَ. وَكَمَا أَنَّ الْأَبَ يُقِيمُ الْمَوْتَى وَيُحْيِيهِمْ، كَذَلِكَ الِابْنُ يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ. وَالْأَبُ لَا يُحَاسِبُ أَحَدًا، لِأَنَّهُ أَعْطَى الْحِسَابَ كُلَّهُ لِلِابْنِ. لِكَيْ يُكْرِمَ الْجَمِيعُ الِابْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الْأَبَ. مَنْ لَا يُكْرِمُ الِابْنَ، لَا يُكْرِمُ الْأَبَ الَّذِي أَرْسَلَهُ. ”أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، مَنْ يَسْمَعُ كَلَامِي وَيُؤْمِنُ بِمَنْ أَرْسَلَنِي، لَهُ حَيَاةُ الْخُلُودِ، وَلَا عِقَابَ عَلَيْهِ فِي يَوْمِ الدِّينِ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ. أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، يَحِينُ وَقْتٌ، بَلْ حَانَ الْوَقْتُ الَّذِي فِيهِ يَسْمَعُ الْمَوْتَى صَوْتَ ابْنِ اللهِ، وَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُهُ يَحْيَا. وَكَمَا أَنَّ الْأَبَ نَفْسَهُ هُوَ مَصْدَرُ الْحَيَاةِ، فَقَدْ أَعْطَى الِابْنَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَصْدَرَ الْحَيَاةِ. وَكَذَلِكَ أَعْطَاهُ سُلْطَةَ حِسَابِ الْآخِرَةِ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي صَارَ بَشَرًا. لَا تَسْتَغْرِبُوا هَذَا، لِأَنَّهُ يَحِينُ وَقْتٌ فِيهِ يَسْمَعُ كُلُّ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ فَيَخْرُجُونَ. الَّذِينَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَقُومُونَ إِلَى حَيَاةِ الْخُلُودِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ يَقُومُونَ إِلَى حِسَابِ الْآخِرَةِ. أَنَا لَا أَقْدِرُ أَنْ أَعْمَلَ شَيْئًا مِنْ نَفْسِي، بَلْ أُحَاسِبُ كَمَا يَقُولُ لِيَ الْأَبُ. وَحِسَابِي عَادِلٌ، لِأَنِّي لَا أَطْلُبُ إِرَادَتِي، بَلْ إِرَادَةَ مَنْ أَرْسَلَنِي. ”إِنْ كُنْتُ أَشْهَدُ لِنَفْسِي، فَشَهَادَتِي غَيْرُ صَحِيحَةٍ. يُوجَدُ مَنْ يَشْهَدُ لِي، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ لِي صَحِيحَةٌ. أَنْتُمْ أَرْسَلْتُمْ إِلَى يَحْيَى، وَهُوَ شَهِدَ لِلْحَقِّ. أَنَا أَقُولُ هَذَا، لَا لِأَنِّي أَتَّكِلُ عَلَى شَهَادَةِ النَّاسِ، بَلْ لِكَيْ تَنْجُوا. كَانَ يَحْيَى مِصْبَاحًا مُنِيرًا سَاطِعًا، وَرَضِيتُمْ أَنْ تَسْتَمْتِعُوا بِنُورِهِ فَتْرَةً مِنَ الزَّمَنِ. لَكِنْ لِي شَهَادَةٌ أَعْظَمُ مِنْ شَهَادَةِ يَحْيَى، الْأَعْمَالُ الَّتِي كَلَّفَنِي الْأَبُ بِهَا، أَيِ الْأَعْمَالُ الَّتِي أَعْمَلُهَا، هِيَ تَشْهَدُ لِي أَنَّ الْأَبَ أَرْسَلَنِي. ثُمَّ الْأَبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ نَفْسُهُ يَشْهَدُ لِي. أَنْتُمْ لَا سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ وَلَا رَأَيْتُمْ هَيْئَتَهُ أَبَدًا. وَكَلِمَتُهُ لَا تَثْبُتُ فِيكُمْ، لِأَنَّكُمْ لَا تُصَدِّقُونَ الَّذِي هُوَ أَرْسَلَهُ. أَنْتُمْ تَفْحَصُونَ الْكُتُبَ، لِأَنَّكُمْ تَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا تَهْدِيكُمْ إِلَى حَيَاةِ الْخُلُودِ، وَهِيَ فِعْلًا تَشْهَدُ لِي. وَلَكِنَّكُمْ لَا تُرِيدُونَ أَنْ تَأْتُوا إِلَيَّ لِتَكُونَ لَكُمْ هَذِهِ الْحَيَاةُ. ”أَنَا لَا أَقْبَلُ مَدِيحَ النَّاسِ. وَلَكِنِّي أَعْرِفُكُمْ، وَأَعْرِفُ أَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ لَيْسَتْ فِيكُمْ. أَنَا جِئْتُ بِاسْمِ أَبِي وَلَمْ تَقْبَلُونِي. إِنْ جَاءَ وَاحِدٌ بِاسْمِ نَفْسِهِ تَقْبَلُونَهُ. فَكَيْفَ يُمْكِنُ لَكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا وَأَنْتُمْ تَنْتَظِرُونَ الْمَدِيحَ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَلَا تَطْلُبُونَ الْمَدِيحَ الَّذِي يَأْتِي مِنَ اللهِ وَحْدَهُ؟ لَا تَظُنُّوا أَنِّي أَشْتَكِيكُمْ إِلَى الْأَبِ. الَّذِي يَشْتَكِيكُمْ هُوَ مُوسَى الَّذِي تَضَعُونَ أَمَلَكُمْ فِيهِ. لَوْ كُنْتُمْ تُصَدِّقُونَ مُوسَى، لَكُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي، لِأَنَّهُ هُوَ كَتَبَ عَنِّي. فَإِنْ كُنْتُمْ لَا تُصَدِّقُونَ مَا كَتَبَهُ، فَكَيْفَ تُصَدِّقُونَ كَلَامِي؟“ بَعْدَ هَذَا عَبَرَ عِيسَى إِلَى الضَّفَّةِ الْأُخْرَى مِنْ بُحَيْرَةِ الْجَلِيلِ أَيْ بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ. وَتَبِعَهُ جُمْهُورٌ غَفِيرٌ لِأَنَّهُمْ رَأَوْا الْآيَاتِ الَّتِي يَعْمَلُهَا لِلْمَرْضَى فَيَشْفِيهِمْ. وَصَعِدَ عِيسَى إِلَى الْجَبَلِ وَجَلَسَ مَعَ تَلَامِيذِهِ. وَكَانَ عِيدُ الْفِصْحِ الْيَهُودِيُّ قَرِيبًا. فَنَظَرَ عِيسَى وَرَأَى جُمْهُورًا غَفِيرًا مُقْبِلًا إِلَيْهِ، فَقَالَ لِفِيلِيبَ: ”مِنْ أَيْنَ نَشْتَرِي الْخُبْزَ لِنُطْعِمَهُمْ؟“ قَالَ هَذَا لِيَخْتَبِرَهُ، لِأَنَّهُ هُوَ نَفْسَهُ كَانَ يَعْرِفُ مَا سَيَعْمَلُ. أَجَابَهُ فِيلِيبُ: ”وَلَوِ اشْتَرَيْنَا خُبْزًا بِمَا يُعَادِلُ مُرَتَّبَ 8 أَشْهُرٍ، لَا يَكْفِي لِيَحْصُلَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ عَلَى كِسْرَةٍ صَغِيرَةٍ.“ فَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ تَلَامِيذِهِ، هُوَ أَنْدْرَاوِسُ أَخُو سَمْعَانَ بُطْرُسَ: ”هُنَا وَلَدٌ مَعَهُ 5 أَرْغِفَةِ شَعِيرٍ وَسَمَكَتَانِ، وَلَكِنْ مَاذَا تَنْفَعُ هَذِهِ لِكُلِّ هَذَا الشَّعْبِ؟“ وَكَانَ فِي الْمَكَانِ عُشْبٌ كَثِيرٌ فَقَالَ عِيسَى: ”أَجْلِسُوا النَّاسَ.“ فَجَلَسُوا وَكَانَ عَدَدُ الرِّجَالِ حَوَالَيْ 5000. وَأَخَذَ عِيسَى الْأَرْغِفَةَ، وَشَكَرَ اللهَ، ثُمَّ وَزَّعَهَا عَلَى الْجَالِسِينَ بِقَدْرِ مَا أَرَادُوا. وَعَمِلَ نَفْسَ الشَّيْءِ بِالسَّمَكَتَيْنِ. وَلَمَّا شَبِعُوا، قَالَ لِتَلَامِيذِهِ: ”اِجْمَعُوا مَا فَضَلَ لِكَيْ لَا يَضِيعَ شَيْءٌ.“ فَجَمَعُوا وَمَلَأُوا 12 قُفَّةً مِنَ الْكِسَرِ الَّتِي فَضَلَتْ عَنِ الَّذِينَ أَكَلُوا مِنْ 5 أَرْغِفَةِ الشَّعِيرِ. فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي صَنَعَهَا قَالُوا: ”حَقًّا هَذَا هُوَ النَّبِيُّ الَّذِي نَتَوَقَّعُ أَنْ يَأْتِيَ إِلَى الْعَالَمِ.“ وَعَلِمَ عِيسَى أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْطِفُوهُ وَيَجْعَلُوهُ مَلِكًا، فَابْتَعَدَ عَنْهُمْ وَرَجَعَ وَحْدَهُ إِلَى الْجَبَلِ. وَلَمَّا أَقْبَلَ الْمَسَاءُ، نَزَلَ تَلَامِيذُهُ إِلَى الْبُحَيْرَةِ، وَرَكِبُوا قَارِبًا وَأَخَذُوا يَعْبُرُونَ الْبُحَيْرَةَ إِلَى كَفْرَنَاحُومَ. وَحَلَّ الظَّلَامُ وَلَمْ يَكُنْ عِيسَى قَدْ لَحِقَ بِهِمْ. وَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَهَاجَتِ الْمِيَاهُ. وَبَعْدَمَا قَطَعُوا 4 أَوْ 5 كِيلُومِتْرَاتٍ، رَأَوْا عِيسَى مَاشِيًا عَلَى الْمَاءِ وَيَقْتَرِبُ مِنَ الْقَارِبِ فَخَافُوا. فَقَالَ لَهُمْ: ”أَنَا هُوَ، لَا تَخَافُوا.“ فَأَرَادُوا أَنْ يَأْخُذُوهُ فِي الْقَارِبِ، لَكِنَّ الْقَارِبَ وَصَلَ فِي الْحَالِ إِلَى الشَّاطِئِ الَّذِي كَانُوا يَقْصِدُونَهُ. وَفِي الْغَدِ لَاحَظَ الْجُمْهُورُ الَّذِي بَقِيَ عَلَى الضَّفَّةِ الْأُخْرَى مِنَ الْبُحَيْرَةِ، أَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ قَارِبٌ وَاحِدٌ وَأَنَّ عِيسَى لَمْ يَرْكَبْهُ مَعَ تَلَامِيذِهِ، إِنَّمَا ذَهَبَ التَّلَامِيذُ وَحْدَهُمْ. وَكَانَتْ بَعْضُ الْقَوَارِبِ الْأُخْرَى قَدْ وَصَلَتْ مِنْ طَبَرِيَّةَ، بِالْقُرْبِ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي أَكَلُوا فِيهِ بَعْدَمَا قَدَّمَ سَيِّدُنَا عِيسَى الشُّكْرَ. فَلَمَّا رَأَى الْجُمْهُورُ أَنَّ لَا عِيسَى وَلَا تَلَامِيذَهُ هُنَاكَ، رَكِبُوا الْقَوَارِبَ وَرَاحُوا إِلَى كَفْرَنَاحُومَ يَبْحَثُونَ عَنْ عِيسَى. فَلَمَّا وَجَدُوهُ عَلَى الضَّفَّةِ الْأُخْرَى مِنَ الْبُحَيْرَةِ، قَالُوا لَهُ: ”يَا مُعَلِّمُ، مَتَى وَصَلْتَ إِلَى هُنَا؟“ أَجَابَهُمْ عِيسَى: ”أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، أَنْتُمْ تَبْحَثُونَ عَنِّي، لَا لِأَنَّكُمْ رَأَيْتُمْ آيَاتٍ، بَلْ لِأَنَّكُمْ أَكَلْتُمْ مِنَ الْخُبْزِ وَشَبِعْتُمْ. لَا تَجْرُوا وَرَاءَ الطَّعَامِ الَّذِي يَفْنَى، بَلِ اجْرُوا وَرَاءَ الطَّعَامِ الَّذِي يَدُومُ وَيُؤَدِّي إِلَى حَيَاةِ الْخُلُودِ. هَذَا هُوَ الطَّعَامُ الَّذِي يُعْطِيهِ لَكُمُ الَّذِي صَارَ بَشَرًا، وَخَتَمَهُ اللهُ الْأَبُ.“ قَالُوا لَهُ: ”مَا هِيَ الْأَعْمَالُ الَّتِي يُرِيدُهَا اللهُ مِنَّا؟“ أَجَابَهُمْ عِيسَى: ”الْعَمَلُ الَّذِي يُرِيدُهُ اللهُ مِنْكُمْ هُوَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِمَنْ أَرْسَلَهُ.“ فَقَالُوا لَهُ: ”مَا هِيَ الْآيَةُ الَّتِي تَعْمَلُهَا لِنَرَى وَنُؤْمِنَ بِكَ؟ مَاذَا تَعْمَلُ؟ آبَاؤُنَا أَكَلُوا الْمَنَّ فِي الصَّحْرَاءِ، كَمَا وَرَدَ فِي كِتَابِ اللهِ: ’أَعْطَاهُمْ خُبْزًا مِنَ السَّمَاءِ لِيَأْكُلُوا.‘“ أَجَابَهُمْ عِيسَى: ”أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، مُوسَى لَمْ يُعْطِكُمُ الْخُبْزَ الْحَقِيقِيَّ مِنَ السَّمَاءِ، بَلْ أَبِي هُوَ الَّذِي يُعْطِيكُمُ الْآنَ الْخُبْزَ الْحَقِيقِيَّ مِنَ السَّمَاءِ. لِأَنَّ خُبْزَ اللهِ هُوَ الَّذِي يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَيُعْطِي الْحَيَاةَ لِلنَّاسِ.“ فَقَالُوا لَهُ: ”يَا سَيِّدُ، أَعْطِنَا دَائِمًا هَذَا الْخُبْزَ.“ أَجَابَهُمْ عِيسَى: ”أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ، مَنْ يَأْتِي إِلَيَّ لَا يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنُ بِي لَا يَعْطَشُ أَبَدًا. أَنَا قُلْتُ لَكُمْ إِنَّكُمْ رَأَيْتُمُونِي وَمَعَ ذَلِكَ لَا تُؤْمِنُونَ بِي. كُلُّ مَنْ يُعْطِيهِمُ الْأَبُ لِي، يَأْتُونَ إِلَيَّ. وَمَنْ يَأْتِي إِلَيَّ، لَا أَطْرُدُهُ أَبَدًا. لِأَنِّي نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ، لَا لِأَعْمَلَ إِرَادَتِي، بَلْ إِرَادَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي. وَهَذِهِ هِيَ إِرَادَةُ الَّذِي أَرْسَلَنِي، أَنْ لَا أَفْقِدَ أَيَّ وَاحِدٍ مِنَ الَّذِينَ أَعْطَاهُمْ لِي، بَلْ أُقِيمَهُمْ فِي الْيَوْمِ الْآخِرِ. فَإِنَّ إِرَادَةَ أَبِي هِيَ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَرَانِي وَيُؤْمِنُ بِي يَنَالُ حَيَاةَ الْخُلُودِ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الْآخِرِ.“ فَتَذَمَّرَ النَّاسُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ: ”أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ.“ وَقَالُوا: ”أَلَيْسَ هَذَا هُوَ عِيسَى ابْنَ يُوسِفَ؟ نَحْنُ نَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ، فَكَيْفَ يَقُولُ: ’أَنَا نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ‘؟“ أَجَابَهُمْ عِيسَى: ”لَا تَتَذَمَّرُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ. لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ إِلَيَّ، إِلَّا إِذَا جَذَبَهُ الْأَبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الْآخِرِ. وَرَدَ فِي صُحُفِ الْأَنْبِيَاءِ: ’يَتَعَلَّمُ الْجَمِيعُ مِنَ اللهِ.‘ فَكُلُّ مَنْ سَمِعَ لِلْأَبِ وَتَعَلَّمَ مِنْهُ يَأْتِي إِلَيَّ. لَا أَحَدَ رَأَى الْأَبَ غَيْرُ الْوَاحِدِ الَّذِي جَاءَ مِنَ اللهِ، فَهُوَ وَحْدَهُ رَأَى الْأَبَ. أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، مَنْ آمَنَ فَلَهُ حَيَاةُ الْخُلُودِ. أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. آبَاؤُكُمْ أَكَلُوا الْمَنَّ فِي الصَّحْرَاءِ، وَمَعَ ذَلِكَ مَاتُوا. لَكِنْ هُنَا الْخُبْزُ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ لِيَأْكُلَ مِنْهُ الْإِنْسَانُ وَلَا يَمُوتَ. أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. مَنْ يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الْأَبَدِ. وَهَذَا الْخُبْزُ هُوَ جِسْمِيَ الَّذِي أَبْذِلُهُ لِكَيْ يَحْيَا النَّاسُ.“ فَحَدَثَ جِدَالٌ بَيْنَ الشَّعْبِ وَقَالُوا: ”كَيْفَ يَقْدِرُ هَذَا أَنْ يُعْطِيَنَا جِسْمَهُ لِنَأْكُلَهُ؟“ فَأَجَابَهُمْ عِيسَى: ”أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جِسْمَ الَّذِي صَارَ بَشَرًا وَتَشْرَبُوا دَمَهُ، فَلَنْ تَكُونَ الْحَيَاةُ فِيكُمْ. مَنْ يَأْكُلُ جِسْمِي وَيَشْرَبُ دَمِي، لَهُ حَيَاةُ الْخُلُودِ وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الْآخِرِ. لِأَنَّ جِسْمِي هُوَ طَعَامٌ حَقِيقِيٌّ، وَدَمِي هُوَ شَرَابٌ حَقِيقِيٌّ. مَنْ يَأْكُلُ جِسْمِي وَيَشْرَبُ دَمِي، يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ. وَكَمَا أَنَّ الْأَبَ الْحَيَّ أَرْسَلَنِي، وَأَنَا أَحْيَا بِوَاسِطَتِهِ، فَكَذَلِكَ مَنْ يَأْكُلُنِي يَحْيَا بِوَاسِطَتِي. هَذَا هُوَ الْخُبْزُ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، وَهُوَ لَيْسَ مِثْلَ الْمَنِّ الَّذِي أَكَلَهُ آبَاؤُكُمْ وَمَاتُوا. مَنْ يَأْكُلُ هَذَا الْخُبْزَ يَحْيَا إِلَى الْأَبَدِ.“ هَذَا كُلُّهُ قَالَهُ عِيسَى وَهُوَ يُعَلِّمُ فِي بَيْتِ الْعِبَادَةِ فِي كَفْرَنَاحُومَ. فَكَثِيرٌ مِنْ تَلَامِيذِهِ، لَمَّا سَمِعُوا هَذَا قَالُوا: ”هَذَا كَلَامٌ صَعْبٌ. مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَسْمَعَهُ؟“ فَعَلِمَ عِيسَى فِي نَفْسِهِ أَنَّ تَلَامِيذَهُ يَتَذَمَّرُونَ، فَقَالَ لَهُمْ: ”هَلْ هَذَا الْكَلَامُ يَصْدِمُكُمْ؟ فَمَاذَا يَحْدُثُ إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِي صَارَ بَشَرًا يَصْعَدُ إِلَى حَيْثُ كَانَ مِنْ قَبْلُ؟ الرُّوحُ هُوَ الَّذِي يُعْطِي الْحَيَاةَ. الْجِسْمُ لَا يَنْفَعُ. الْكَلَامُ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ. وَلَكِنْ فِيكُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُونَ.“ قَالَ عِيسَى هَذَا، لِأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ مِنَ الْأَوَّلِ مَنْ هُمُ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ، وَمَنْ هُوَ الَّذِي يَخُونُهُ. ثُمَّ قَالَ: ”هَذَا هُوَ السَّبَبُ أَنِّي قُلْتُ لَكُمْ: ’لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ إِلَيَّ إِنْ لَمْ يَمْنَحْهُ الْأَبُ ذَلِكَ.‘“ وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ هَجَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ تَلَامِيذِهِ، وَانْقَطَعُوا عَنْ مُصَاحَبَتِهِ. فَقَالَ عِيسَى لِلِـ12: ”وَأَنْتُمْ، هَلْ تُرِيدُونَ أَنْ تَتْرُكُونِي مِثْلَهُمْ؟“ أَجَابَهُ سَمْعَانُ بُطْرُسُ: ”يَا سَيِّدُ، إِلَى مَنْ نَذْهَبُ وَكَلَامُكَ هُوَ الَّذِي يَهْدِينَا إِلَى حَيَاةِ الْخُلُودِ؟ نَحْنُ آمَنَّا وَعَرَفْنَا أَنَّكَ قُدُّوسُ اللهِ!“ أَجَابَهُمْ عِيسَى: ”أَنَا اخْتَرْتُكُمْ أَنْتُمُ الِـ12، وَمَعَ ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْكُمْ شَيْطَانٌ!“ قَالَ هَذَا عَنْ يَهُوذَا بْنِ سَمْعَانَ الْقَرْيُوتِيِّ، فَمَعَ أَنَّهُ وَاحِدٌ مِنَ الِـ12، لَكِنَّهُ خَانَهُ فِيمَا بَعْدُ. بَعْدَ هَذَا كَانَ عِيسَى يَتَنَقَّلُ فِي الْجَلِيلِ، وَيَتَجَنَّبُ مِنْطَقَةَ يَهُوذَا لِأَنَّ أَهْلَهَا كَانُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ. وَاقْتَرَبَ عِيدُ الْخِيَامِ الْيَهُودِيُّ. فَقَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ: ”اِنْصَرِفْ مِنْ هُنَا وَاذْهَبْ إِلَى يَهُوذَا، لِكَيْ يَرَى تَلَامِيذُكَ الْآيَاتِ الَّتِي تَعْمَلُهَا. لِأَنَّ الَّذِي يُرِيدُ الشُّهْرَةَ، لَا يَعْمَلُ فِي الْخَفَاءِ. مَا دُمْتَ تَعْمَلُ هَذِهِ الْأَعْمَالَ، فَيَجِبُ أَنْ تُظْهِرَ نَفْسَكَ لِلْعَالَمِ.“ فَحَتَّى إِخْوَتُهُ أَنْفُسُهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ. فَقَالَ لَهُمْ عِيسَى: ”لَمْ يَأْتِ وَقْتِي بَعْدُ، أَمَّا أَنْتُمْ فَالْوَقْتُ مُنَاسِبٌ لَكُمْ دَائِمًا. لَا يَقْدِرُ الْعَالَمُ أَنْ يَكْرَهَكُمْ، لَكِنَّهُ يَكْرَهُنِي أَنَا لِأَنِّي أَشْهَدُ عَلَيْهِ بِأَنَّ أَعْمَالَهُ شِرِّيرَةٌ. اِذْهَبُوا أَنْتُمْ إِلَى الْعِيدِ، أَنَا لَا أَذْهَبُ الْآنَ إِلَى هَذَا الْعِيدِ لِأَنَّ وَقْتِي لَمْ يَأْتِ بَعْدُ.“ قَالَ هَذَا وَانْتَظَرَ فِي الْجَلِيلِ. لَكِنْ بَعْدَمَا ذَهَبَ إِخْوَتُهُ إِلَى الْعِيدِ، ذَهَبَ هُوَ أَيْضًا، لَا ظَاهِرًا بَلْ فِي السِّرِّ. وَكَانَ أَهْلُ الْقُدْسِ يَبْحَثُونَ عَنْهُ فِي الْعِيدِ وَيَقُولُونَ: ”أَيْنَ هُوَ؟“ وَكَانَ النَّاسُ يَتَهَامَسُونَ كَثِيرًا فِي شَأْنِهِ، فَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: ”إِنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ.“ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: ”لَا. بَلْ إِنَّهُ يُضِلُّ الشَّعْبَ.“ لَكِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ عَنْهُ عَلَنًا، خَوْفًا مِنْ قَادَتِهِمْ. وَلَمَّا مَضَى مِنَ الْعِيدِ نِصْفُهُ، رَاحَ عِيسَى إِلَى بَيْتِ اللهِ وَبَدَأَ يُعَلِّمُ. فَتَعَجَّبَ قَادَةُ الْيَهُودِ وَقَالُوا: ”كَيْفَ يُمْكِنُ لِهَذَا أَنْ يَعْرِفَ الْكِتَابَ وَهُوَ لَمْ يَتَعَلَّمْ؟“ أَجَابَهُمْ عِيسَى: ”تَعْلِيمِي لَيْسَ مِنِّي، بَلْ مِنَ الَّذِي أَرْسَلَنِي. مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ مَشِيئَةَ اللهِ سَيَعْرِفُ إِنْ كَانَ تَعْلِيمِي مِنَ اللهِ أَوْ مِنِّي أَنَا. مَنْ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ يَطْلُبُ الْمَدِيحَ لِنَفْسِهِ، أَمَّا مَنْ يَطْلُبُ الْمَدِيحَ لِمَنْ أَرْسَلَهُ، فَهُوَ صَادِقٌ لَا شَرَّ فِيهِ. مُوسَى أَعْطَاكُمُ الشَّرِيعَةَ، لَكِنْ وَلَا وَاحِدٌ مِنْكُمْ يَعْمَلُ بِالشَّرِيعَةِ. لِمَاذَا تُحَاوِلُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي؟“ أَجَابَهُ الشَّعْبُ: ”فِيكَ شَيْطَانٌ! مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَكَ؟“ أَجَابَ عِيسَى: ”عَمِلْتُ عَمَلًا وَاحِدًا فِي يَوْمِ السَّبْتِ فَانْزَعَجْتُمْ كُلُّكُمْ. مُوسَى أَمَرَكُمْ بِالْخِتَانِ، وَلِذَلِكَ تُمَارِسُونَ الْخِتَانَ حَتَّى فِي يَوْمِ السَّبْتِ! لَاحِظُوا أَنَّ هَذَا لَا يَعْنِي أَنَّ الْخِتَانَ بَدَأَ مِنْ مُوسَى بَلْ مِنَ الْآبَاءِ. فَإِنْ كُنْتُمْ تَخْتِنُونَ الْإِنْسَانَ يَوْمَ السَّبْتِ لِئَلَّا تُخَالِفُوا شَرِيعَةَ مُوسَى، فَهَلْ تَغْضَبُونَ عَلَيَّ لِأَنِّي شَفَيْتُ إِنْسَانًا بِكَامِلِهِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ؟ لَا تَحْكُمُوا حَسَبَ الظَّاهِرِ، بَلِ احْكُمُوا بِالْعَدْلِ.“ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْقُدْسِ: ”أَلَيْسَ هَذَا هُوَ الَّذِي يُرِيدُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ؟ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ يَتَكَلَّمُ عَلَنًا وَلَا يَقُولُونَ لَهُ شَيْئًا! فَهَلْ يَا تُرَى اقْتَنَعَ قَادَتُنَا فِعْلًا بِأَنَّهُ الْمَسِيحُ؟ نَحْنُ نَعْرِفُ هَذَا الرَّجُلَ مِنْ أَيْنَ هُوَ، لَكِنْ عِنْدَمَا يَجِيءُ الْمَسِيحُ، لَا يَعْرِفُ أَحَدٌ مِنْ أَيْنَ هُوَ.“ فَرَفَعَ عِيسَى صَوْتَهُ وَهُوَ يُعَلِّمُ فِي بَيْتِ اللهِ وَقَالَ: ”نَعَمْ، تَعْرِفُونِي وَتَعْرِفُونَ مِنْ أَيْنَ أَنَا! وَمَعَ ذَلِكَ أَنَا لَمْ آتِ مِنْ نَفْسِي، فَالَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ صَادِقٌ، وَأَنْتُمْ لَا تَعْرِفُونَهُ. أَمَّا أَنَا فَأَعْرِفُهُ، لِأَنِّي مِنْهُ وَهُوَ أَرْسَلَنِي.“ فَحَاوَلُوا أَنْ يَقْبِضُوا عَلَيْهِ، لَكِنْ لَمْ يُمْسِكْهُ أَحَدٌ، لِأَنَّ وَقْتَهُ لَمْ يَكُنْ حَانَ بَعْدُ. فَآمَنَ بِهِ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَقَالُوا: ”عِنْدَمَا يَجِيءُ الْمَسِيحُ، هَلْ يَعْمَلُ آيَاتٍ أَكْثَرَ مِنَ الَّتِي عَمِلَهَا هَذَا؟“ وَسَمِعَ الْفَرِّيسِيُّونَ الشَّعْبَ يَتَهَامَسُ بِهَذَا الْكَلَامِ عَنْهُ، فَأَرْسَلَ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ حَرَسَ بَيْتِ اللهِ لِيَقْبِضُوا عَلَيْهِ. فَقَالَ عِيسَى: ”أَنَا مَعَكُمْ وَقْتًا قَصِيرًا ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى الَّذِي أَرْسَلَنِي. سَتَبْحَثُونَ عَنِّي وَلَا تَجِدُونِي، وَلَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَأْتُوا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَكُونُ فِيهِ.“ فَقَالَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ”إِلَى أَيْنَ يَنْوِي أَنْ يَذْهَبَ فَلَا نَجِدَهُ؟ هَلْ يَنْوِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى بِلَادِ الْأَجَانِبِ حَيْثُ شَعْبُنَا مُشَتَّتٌ وَيُعَلِّمَ الْأَجَانِبَ؟ مَاذَا يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ’سَتَبْحَثُونَ عَنِّي وَلَا تَجِدُونِي، وَلَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَأْتُوا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَكُونُ فِيهِ‘؟“ وَفِي آخِرِ يَوْمٍ مِنَ الْعِيدِ، وَهُوَ أَهَمُّ يَوْمٍ، وَقَفَ عِيسَى وَقَالَ بِصَوْتٍ عَالٍ: ”إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ، فَلْيَأْتِ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. وَكَمَا قَالَ الْكِتَابُ، مَنْ آمَنَ بِي تَجْرِي مِنْ دَاخِلِهِ أَنْهَارٌ مِنَ الْمَاءِ الْحَيِّ.“ قَالَ هَذَا عَنْ رُوحِ اللهِ الَّذِي يَنَالُهُ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ. فَإِنَّهُ لِحَدِّ ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَكُنِ الرُّوحُ قَدْ أُعْطِيَ لِلنَّاسِ، لِأَنَّ عِيسَى لَمْ يَكُنْ قَدْ تَمَجَّدَ بَعْدُ. وَلَمَّا سَمِعُوا هَذَا الْكَلَامَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: ”حَقًّا هَذَا هُوَ النَّبِيُّ.“ وَقَالَ غَيْرُهُمْ: ”هَذَا هُوَ الْمَسِيحُ.“ لَكِنَّ الْبَعْضَ الْآخَرَ قَالَ: ”لَا يَأْتِي الْمَسِيحُ مِنَ الْجَلِيلِ. لِأَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ إِنَّ الْمَسِيحَ يَكُونُ مِنْ ذُرِّيَّةِ دَاوُدَ، وَمِنْ بَيْتَ لَحْمَ، الْقَرْيَةِ الَّتِي جَاءَ مِنْهَا دَاوُدُ.“ فَانْقَسَمَ رَأْيُ النَّاسِ فِي شَأْنِهِ. وَأَرَادَ الْبَعْضُ أَنْ يَقْبِضَ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَمْ يُمْسِكْهُ أَحَدٌ. وَلَمَّا رَجَعَ حَرَسُ بَيْتِ اللهِ، سَأَلَهُمْ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ: ”لِمَاذَا لَمْ تُحْضِرُوهُ؟“ أَجَابَ الْحَرَسُ: ”لَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ أَبَدًا مِثْلَ هَذَا الرَّجُلِ.“ فَقَالَ الْفَرِّيسِيُّونَ: ”هَلْ أَنْتُمْ أَيْضًا ضَلَلْتُمْ؟ هَلْ آمَنَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ قَادَتِنَا أَوْ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ؟ أَمَّا هَؤُلَاءِ الرَّعَاعُ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ الشَّرِيعَةَ، فَعَلَيْهِمُ اللَّعْنَةُ!“ لَكِنَّ نِقِدِيمُوسَ، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَكَانَ قَدْ جَاءَ مِنْ قَبْلُ إِلَى عِيسَى، قَالَ لَهُمْ: ”هَلْ تَحْكُمُ شَرِيعَتُنَا عَلَى أَحَدٍ دُونَ أَنْ نَسْمَعَ مِنْهُ أَوَّلًا وَنَعْرِفَ مَا فَعَلَ؟“ أَجَابُوهُ: ”هَلْ أَنْتَ أَيْضًا مِنَ الْجَلِيلِ؟ اِبْحَثْ فَتَجِدَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي نَبِيٌّ مِنَ الْجَلِيلِ أَبَدًا.“ وَذَهَبَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى دَارِهِ. أَمَّا عِيسَى فَذَهَبَ إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَيْتِ اللهِ عِنْدَ الْفَجْرِ. وَالْتَفَّ حَوْلَهُ كُلُّ النَّاسِ، فَجَلَسَ وَأَخَذَ يُعَلِّمُهُمْ. وَأَحْضَرَ الْفُقَهَاءُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ امْرَأَةً ضَبَطُوهَا وَهِيَ تَزْنِي، وَأَوْقَفُوهَا قُدَّامَ الْجَمِيعِ وَقَالُوا لَهُ: ”يَا مُعَلِّمُ، هَذِهِ الْمَرْأَةُ ضُبِطَتْ وَهِيَ تَرْتَكِبُ الزِّنَى. وَمُوسَى أَوْصَانَا فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ نَقْتُلُهَا بِالرَّجْمِ، فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟“ وَضَعُوا لَهُ هَذَا السُّؤَالَ كَفَخٍّ، لِكَيْ يَجِدُوا شَكْوَى ضِدَّهُ. أَمَّا عِيسَى فَانْحَنَى وَكَتَبَ بِإِصْبَعِهِ عَلَى الْأَرْضِ. وَلَمَّا اسْتَمَرُّوا يَسْأَلُونَهُ، اِعْتَدَلَ فِي جَلْسَتِهِ وَقَالَ لَهُمْ: ”مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلَا خَطِيئَةٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِيهَا بِحَجَرٍ.“ وَانْحَنَى مَرَّةً أُخْرَى وَكَتَبَ عَلَى الْأَرْضِ. فَلَمَّا سَمِعُوا هَذَا، اِنْصَرَفُوا الْوَاحِدُ بَعْدَ الْآخَرِ، اِبْتِدَاءً مِنَ الشُّيُوخِ. وَبَقِيَ عِيسَى وَحْدَهُ وَالْمَرْأَةُ وَاقِفَةٌ مَكَانَهَا. فَاعْتَدَلَ عِيسَى فِي جَلْسَتِهِ وَقَالَ لَهَا: ”يَا امْرَأَةُ أَيْنَ هُمْ؟ أَلَمْ يَحْكُمْ عَلَيْكِ أَحَدٌ مِنْهُمْ؟“ قَالَتْ: ”لَا يَا سَيِّدُ.“ فَقَالَ لَهَا عِيسَى: ”وَلَا أَنَا أَحْكُمُ عَلَيْكِ. اِذْهَبِي وَلَا تَرْجِعِي إِلَى الْخَطِيئَةِ.“ وَكَلَّمَهُمْ عِيسَى أَيْضًا وَقَالَ: ”أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعُنِي لَا يَمْشِي فِي الظَّلَامِ، بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ.“ فَقَالَ لَهُ الْفَرِّيسِيُّونَ: ”أَنْتَ الْآنَ تَشْهَدُ لِنَفْسِكَ، فَشَهَادَتُكَ لَا تَصِحُّ.“ أَجَابَهُمْ عِيسَى: ”مَعَ أَنِّي أَشْهَدُ لِنَفْسِي فَشَهَادَتِي تَصِحُّ، لِأَنِّي أَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ جِئْتُ وَإِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ. أَمَّا أَنْتُمْ فَلَا تَعْلَمُونَ مِنْ أَيْنَ جِئْتُ وَلَا إِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ. أَنْتُمْ تَحْكُمُونَ بِمَقَايِيسِ الْبَشَرِ، وَأَنَا لَا أَحْكُمُ عَلَى أَحَدٍ. وَإِذَا حَكَمْتُ، فَحُكْمِي صَحِيحٌ لِأَنِّي لَا أَحْكُمُ وَحْدِي، بَلْ أَنَا وَالْأَبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي. وَرَدَ فِي شَرِيعَتِكُمْ أَنَّ شَهَادَةَ شَاهِدَيْنِ تَصِحُّ. فَأَنَا أَشْهَدُ لِنَفْسِي، وَالشَّاهِدُ الْآخَرُ الَّذِي مَعِي هُوَ الْأَبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي.“ قَالُوا لَهُ: ”أَيْنَ أَبُوكَ؟“ أَجَابَ عِيسَى: ”أَنْتُمْ لَا تَعْرِفُونِي وَلَا تَعْرِفُونَ أَبِي. لَوْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضًا.“ قَالَ عِيسَى هَذَا الْكَلَامَ عِنْدَ صُنْدُوقِ التَّبَرُّعَاتِ، وَهُوَ يُعَلِّمُ فِي بَيْتِ اللهِ. وَلَمْ يَقْبِضْ عَلَيْهِ أَحَدٌ لِأَنَّ وَقْتَهُ لَمْ يَكُنْ حَانَ بَعْدُ. وَقَالَ لَهُمْ ثَانِيَةً: ”أَنَا ذَاهِبٌ وَسَتَبْحَثُونَ عَنِّي وَلَكِنَّكُمْ تَمُوتُونَ فِي خَطِيئَتِكُمْ، وَلَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَأْتُوا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَنَا ذَاهِبٌ إِلَيْهِ.“ فَقَالَ قَادَةُ الْيَهُودِ: ”هَلْ سَيَقْتُلُ نَفْسَهُ؟ لِأَنَّهُ يَقُولُ: ’لَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَأْتُوا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَنَا ذَاهِبٌ إِلَيْهِ.‘“ فَقَالَ لَهُمْ: ”أَنْتُمْ مِنْ أَسْفَلُ، وَأَنَا مِنْ فَوْقُ. أَنْتُمْ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا، وَأَنَا لَسْتُ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا. لِذَلِكَ قُلْتُ لَكُمْ، سَتَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ. إِنْ كُنْتُمْ لَا تُؤْمِنُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ، تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ.“ فَقَالُوا لَهُ: ”مَنْ أَنْتَ؟“ أَجَابَهُمْ عِيسَى: ”أَنَا هُوَ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ مِنَ الْأَوَّلِ، عِنْدِي أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ أَقُولُهَا عَنْكُمْ، وَأَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ أَحْكُمُ بِهَا عَلَيْكُمْ. لَكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي صَادِقٌ، وَمَا سَمِعْتُهُ مِنْهُ أُخْبِرُ بِهِ الْعَالَمَ.“ فَلَمْ يَفْهَمُوا أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُهُمْ عَنِ الْأَبِ. وَقَالَ لَهُمْ عِيسَى: ”مَتَى رَفَعْتُمُ الَّذِي صَارَ بَشَرًا، تَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ، وَأَنِّي لَا أَعْمَلُ شَيْئًا مِنْ نَفْسِي، بَلْ أَقُولُ مَا عَلَّمَنِي الْأَبُ. إِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ مَعِي وَهُوَ لَا يَتْرُكُنِي وَحْدِي، لِأَنِّي أَعْمَلُ دَائِمًا مَا يُرْضِيهِ.“ وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ بِهَذَا آمَنَ بِهِ كَثِيرُونَ. وَقَالَ عِيسَى لِلَّذِينَ آمَنُوا بِهِ: ”إِنْ ثَبَتُّمْ فِي كَلَامِي تَكُونُونَ حَقًّا تَلَامِيذِي، فَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ.“ أَجَابُوهُ: ”نَحْنُ أَوْلَادُ إِبْرَاهِيمَ، وَلَمْ نَكُنْ عَبِيدًا لِأَحَدٍ أَبَدًا. كَيْفَ تَقُولُ لَنَا: ’تَصِيرُونَ أَحْرَارًا‘؟“ أَجَابَهُمْ عِيسَى: ”أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، كُلُّ مَنْ يَرْتَكِبُ الْخَطِيئَةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيئَةِ. وَالْعَبْدُ لَا يُقِيمُ فِي الدَّارِ إِلَى الْأَبَدِ، أَمَّا الِابْنُ فَيُقِيمُ فِيهَا إِلَى الْأَبَدِ. فَإِنْ حَرَّرَكُمُ الِابْنُ، تَصِيرُونَ أَحْرَارًا حَقًّا. أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكُمْ أَوْلَادُ إِبْرَاهِيمَ، لَكِنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي، لِأَنَّ كَلِمَتِي لَا مَكَانَ لَهَا فِي قُلُوبِكُمْ. أَنَا أُكَلِّمُكُمْ بِمَا رَأَيْتُ عِنْدَ أَبِي، وَأَنْتُمْ تَعْمَلُونَ بِمَا سَمِعْتُمْ مِنْ أَبِيكُمْ.“ أَجَابُوهُ: ”أَبُونَا هُوَ إِبْرَاهِيمُ.“ قَالَ لَهُمْ عِيسَى: ”لَوْ كُنْتُمْ أَوْلَادَ إِبْرَاهِيمَ بِحَقٍّ لَكُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ إِبْرَاهِيمَ. لَكِنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي، أَنَا الَّذِي قُلْتُ لَكُمُ الْحَقَّ الَّذِي سَمِعْتُهُ مِنَ اللهِ. إِبْرَاهِيمُ لَمْ يَعْمَلْ هَذَا. أَنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ أَبِيكُمْ.“ قَالُوا لَهُ: ”نَحْنُ لَمْ نُولَدْ مِنْ زِنًى. أَبُونَا الْوَحِيدُ هُوَ اللهُ.“ قَالَ لَهُمْ عِيسَى: ”لَوْ كَانَ اللهُ أَبَاكُمْ لَكُنْتُمْ تُحِبُّونِي، لِأَنِّي مِنَ اللهِ خَرَجْتُ وَجِئْتُ، فَلَمْ أَحْضُرْ مِنْ نَفْسِي، بَلْ هُوَ أَرْسَلَنِي. لِمَاذَا لَا تَفْهَمُونَ مَا أَقُولُ؟ لِأَنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَسْمَعُوا كَلَامِي. إِبْلِيسُ هُوَ أَبُوكُمْ، وَأَنْتُمْ أَبْنَاؤُهُ. لِذَلِكَ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا رَغَبَاتِ أَبِيكُمْ، فَهُوَ مِنَ الْبَدْءِ كَانَ قَاتِلًا. وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَى الْحَقِّ، فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْحَقِّ. عِنْدَمَا يَكْذِبُ، فَهَذَا أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ بِالنِّسْبَةِ لَهُ، لِأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكِذْبِ. أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أَقُولُ الْحَقَّ، وَلِهَذَا لَا تُصَدِّقُونِي. مَنْ مِنْكُمْ يَقْدِرُ أَنْ يُثْبِتَ أَنِّي ارْتَكَبْتُ خَطِيئَةً؟ إِنْ كُنْتُ أَقُولُ الْحَقَّ، فَلِمَاذَا لَا تُؤْمِنُونَ بِي؟ الَّذِي يَنْتَمِي للهِ يَسْمَعُ كَلَامَ اللهِ. وَأَنْتُمْ لَا تَسْمَعُونَ لِأَنَّكُمْ لَا تَنْتَمُونَ للهِ.“ قَالَ النَّاسُ: ”نَحْنُ عَلَى حَقٍّ حِينَ نَقُولُ إِنَّكَ سَامِرِيٌّ وَفِيكَ شَيْطَانٌ.“ أَجَابَهُمْ عِيسَى: ”أَنَا لَيْسَ فِيَّ شَيْطَانٌ. بَلْ أُكْرِمُ أَبِي، وَأَنْتُمْ تَحْتَقِرُونِي. أَنَا لَا أَطْلُبُ الْمَجْدَ لِي، يُوجَدُ مَنْ يَطْلُبُهُ وَهُوَ الَّذِي يَحْكُمُ فِي هَذَا. أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، مَنْ يَعْمَلُ بِكَلَامِي لَنْ يَمُوتَ أَبَدًا.“ قَالَ لَهُ النَّاسُ: ”الْآنَ تَأَكَّدْنَا أَنَّ فِيكَ شَيْطَانًا. مَاتَ إِبْرَاهِيمُ، وَمَاتَ الْأَنْبِيَاءُ، وَأَنْتَ تَقُولُ: ’مَنْ يَعْمَلُ بِكَلَامِي لَنْ يَمُوتَ أَبَدًا!‘ هَلْ أَنْتَ أَعْظَمُ مِنْ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ الَّذِي مَاتَ؟ حَتَّى الْأَنْبِيَاءُ مَاتُوا، مَنْ تَحْسِبُ نَفْسَكَ؟“ أَجَابَهُمْ عِيسَى: ”إِنْ كُنْتُ أُمَجِّدُ نَفْسِي، فَمَجْدِي هُوَ لَا شَيْءَ. وَلَكِنَّ أَبِي هُوَ الَّذِي يُمَجِّدُنِي، وَهُوَ الَّذِي تَقُولُونَ عَنْهُ: ’هُوَ إِلَهُنَا.‘ أَنْتُمْ لَا تَعْرِفُونَهُ، وَأَنَا أَعْرِفُهُ. وَإِنْ قُلْتُ إِنِّي لَا أَعْرِفُهُ أَكُونُ كَذَّابًا مِثْلَكُمْ. لَكِنِّي أَعْرِفُهُ وَأَعْمَلُ بِكَلَامِهِ. إِبْرَاهِيمُ أَبُوكُمُ اشْتَاقَ بِفَرَحٍ أَنْ يَرَى يَوْمِي، فَرَآهُ وَابْتَهَجَ.“ فَقَالُوا لَهُ: ”كَيْفَ رَأَيْتَ إِبْرَاهِيمَ، وَأَنْتَ لَمْ تَبْلُغِ الْـ50 بَعْدُ؟“ قَالَ لَهُمْ عِيسَى: ”أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ، أَنَا هُوَ.“ فَتَنَاوَلُوا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ، لَكِنَّهُ اخْتَفَى وَخَرَجَ مِنْ بَيْتِ اللهِ. وَبَيْنَمَا هُوَ سَائِرٌ رَأَى رَجُلًا أَعْمَى مُنْذُ وِلَادَتِهِ. فَسَأَلَهُ تَلَامِيذُهُ: ”يَا مُعَلِّمُ، مَنْ أَخْطَأَ، هَذَا الرَّجُلُ أَمْ وَالِدَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟“ أَجَابَ عِيسَى: ”لَا هُوَ أَخْطَأَ وَلَا وَالِدَاهُ، وَلَكِنَّهُ وُلِدَ أَعْمَى لِكَيْ تَظْهَرَ فِيهِ أَعْمَالُ اللهِ. مَا دَامَ الْوَقْتُ نَهَارًا، فَيَجِبُ أَنْ نَعْمَلَ أَعْمَالَ الَّذِي أَرْسَلَنِي. سَيَأْتِي اللَّيْلُ، وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ. مَا دُمْتُ فِي الْعَالَمِ فَأَنَا نُورُ الْعَالَمِ.“ وَلَمَّا قَالَ هَذَا، بَصَقَ عَلَى الْأَرْضِ، وَصَنَعَ طِينًا مِنَ الْبُصَاقِ، وَوَضَعَ الطِّينَ عَلَى عَيْنَيِ الرَّجُلِ، وَقَالَ لَهُ: ”اِذْهَبْ وَاغْتَسِلْ فِي بِرْكَةِ سِلْوَانَ.“ أَيْ رَسُولٍ. فَذَهَبَ وَاغْتَسَلَ، وَرَجَعَ مُبْصِرًا. فَالْجِيرَانُ وَالَّذِينَ كَانُوا يَعْرِفُونَ مِنْ قَبْلُ أَنَّهُ شَحَّاذٌ قَالُوا: ”أَلَيْسَ هَذَا هُوَ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ يَجْلِسُ وَيَسْتَعْطِي؟“ قَالَ الْبَعْضُ: ”نَعَمْ.“ وَقَالَ آخَرُونَ: ”لَا، بَلْ يُشْبِهُهُ.“ أَمَّا هُوَ فَقَالَ: ”أَنَا هُوَ.“ فَقَالُوا لَهُ: ”إِذَنْ كَيْفَ انْفَتَحَتْ عَيْنَاكَ؟“ أَجَابَ: ”الرَّجُلُ الَّذِي اسْمُهُ عِيسَى، صَنَعَ طِينًا وَوَضَعَهُ عَلَى عَيْنَيَّ وَقَالَ لِي: ’اِذْهَبْ إِلَى سِلْوَانَ وَاغْتَسِلْ.‘ فَذَهَبْتُ وَاغْتَسَلْتُ وَأَصْبَحْتُ أَرَى.“ فَقَالُوا لَهُ: ”أَيْنَ هُوَ؟“ قَالَ: ”لَا أَعْرِفُ.“ فَأَخَذُوا الَّذِي كَانَ أَعْمَى إِلَى الْفَرِّيسِيِّينَ. وَكَانَ الْيَوْمُ الَّذِي عَمِلَ فِيهِ عِيسَى الطِّينَ وَفَتَحَ عَيْنَيِ الْأَعْمَى، هُوَ يَوْمَ سَبْتٍ. فَسَأَلَهُ الْفَرِّيسِيُّونَ أَيْضًا كَيْفَ أَصْبَحَ يَرَى. قَالَ لَهُمْ: ”وَضَعَ طِينًا عَلَى عَيْنَيَّ وَاغْتَسَلْتُ، فَأَنَا أَرَى.“ فَقَالَ بَعْضُ الْفَرِّيسِيِّينَ: ”هَذَا الرَّجُلُ لَيْسَ مِنَ اللهِ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ شَرِيعَةَ السَّبْتِ.“ وَقَالَ آخَرُونَ: ”كَيْفَ يُمْكِنُ لِرَجُلٍ خَاطِئٍ أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَ هَذِهِ الْآيَاتِ؟“ فَوَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ. فَسَأَلُوا الْأَعْمَى مَرَّةً أُخْرَى: ”وَأَنْتَ بِمَا أَنَّهُ فَتَحَ عَيْنَيْكَ، مَا رَأْيُكَ فِيهِ؟“ أَجَابَ: ”إِنَّهُ نَبِيٌّ.“ لَكِنَّ قَادَةَ الْيَهُودِ لَمْ يُصَدِّقُوا أَنَّهُ كَانَ أَعْمَى وَأَصْبَحَ يَرَى، حَتَّى اسْتَدْعَوْا وَالِدَيْهِ وَسَأَلُوهُمَا: ”هَلْ هَذَا ابْنُكُمَا الَّذِي تَقُولَانِ إِنَّهُ وُلِدَ أَعْمَى؟ فَكَيْفَ يَرَى الْآنَ؟“ أَجَابَ وَالِدَاهُ: ”نَعْلَمُ أَنَّ هَذَا ابْنُنَا، وَأَنَّهُ وُلِدَ أَعْمَى. أَمَّا كَيْفَ يَرَى الْآنَ، وَمَنْ فَتَحَ عَيْنَيْهِ، فَلَا نَعْلَمُ. اِسْأَلُوهُ هُوَ، فَهُوَ يَقْدِرُ أَنْ يُجَاوِبَ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ بَالِغٌ.“ قَالَ وَالِدَاهُ هَذَا لِخَوْفِهِمَا مِنْ قَادَةِ الْيَهُودِ، لِأَنَّ الْقَادَةَ اتَّفَقُوا مَعًا أَنَّ مَنْ يَشْهَدُ بِأَنَّ عِيسَى هُوَ الْمَسِيحُ، يُمْنَعُ مِنْ بَيْتِ الْعِبَادَةِ. وَلِهَذَا قَالَ وَالِدَاهُ: ”اِسْأَلُوهُ هُوَ لِأَنَّهُ بَالِغٌ.“ وَلِلْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ اسْتَدْعَى الْفَرِّيسِيُّونَ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ أَعْمَى وَقَالُوا لَهُ: ”نُحَلِّفُكَ بِاللهِ أَنْ تَقُولَ الْحَقَّ. نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ خَاطِئٌ.“ أَجَابَ: ”خَاطِئٌ أَوْ غَيْرُ خَاطِئٍ، أَنَا لَا أَعْلَمُ. إِنَّمَا أَعْلَمُ شَيْئًا وَاحِدًا: أَنِّي كُنْتُ أَعْمَى وَالْآنَ أَرَى.“ قَالُوا لَهُ: ”مَاذَا عَمِلَ لَكَ؟ كَيْفَ فَتَحَ عَيْنَيْكَ؟“ أَجَابَهُمْ: ”قُلْتُ لَكُمْ وَلَمْ تَسْمَعُوا. لِمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تَسْتَمِعُوا مَرَّةً ثَانِيَةً؟ هَلْ أَنْتُمْ أَيْضًا تَرْغَبُونَ فِي أَنْ تَكُونُوا تَلَامِيذَهُ؟“ فَشَتَمُوهُ وَقَالُوا: ”أَنْتَ تِلْمِيذُهُ أَمَّا نَحْنُ فَتَلَامِيذُ مُوسَى. نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مُوسَى كَلَّمَهُ اللهُ، أَمَّا هَذَا الشَّخْصُ فَلَا نَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هُوَ.“ أَجَابَهُمُ الرَّجُلُ: ”عَجَبًا! أَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ مِنْ أَيْنَ هُوَ مَعَ أَنَّهُ فَتَحَ عَيْنَيَّ! نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ اللهَ يَسْتَجِيبُ لِمَنِ اتَّقَاهُ وَعَمِلَ إِرَادَتَهُ، وَلَا يَسْتَجِيبُ لِلْخَاطِئِينَ. وَلَمْ نَسْمَعْ فِي التَّارِيخِ كُلِّهِ عَنْ وَاحِدٍ فَتَحَ عَيْنَيْ شَخْصٍ وُلِدَ أَعْمَى. فَلَوْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ لَيْسَ مِنَ اللهِ، لَمَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَعْمَلَ شَيْئًا.“ فَأَجَابُوهُ: ”أَنْتَ كُلُّكَ مَوْلُودٌ فِي الذُّنُوبِ، وَتُرِيدُ أَنْ تُعَلِّمَنَا؟“ وَطَرَدُوهُ خَارِجًا. وَسَمِعَ عِيسَى أَنَّهُمْ طَرَدُوهُ، وَلَقِيَهُ فَقَالَ لَهُ: ”أَتُؤْمِنُ بِالَّذِي صَارَ بَشَرًا؟“ أَجَابَهُ: ”مَنْ هُوَ يَا سَيِّدُ، لِكَيْ أُؤْمِنَ بِهِ؟“ قَالَ لَهُ عِيسَى: ”أَنْتَ رَأَيْتَهُ، وَهُوَ الَّذِي يُكَلِّمُكَ.“ قَالَ: ”آمَنْتُ يَا سَيِّدُ.“ وَسَجَدَ لَهُ. فَقَالَ عِيسَى: ”جِئْتُ إِلَى هَذَا الْعَالَمِ لِكَيْ أَحْكُمَ بِأَنْ يَرَى الَّذِينَ لَا يَرَوْنَ، وَيَعْمَى الَّذِينَ يَرَوْنَ!“ فَسَمِعَهُ بَعْضُ الْفَرِّيسِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ، فَقَالُوا: ”هَلْ تَقُولُ إِنَّنَا نَحْنُ أَيْضًا عُمْيٌ؟“ قَالَ لَهُمْ عِيسَى: ”لَوْ كُنْتُمْ عُمْيًا لَمَا كَانَ عَلَيْكُمْ ذَنْبٌ. وَلَكِنَّكُمْ تَقُولُونَ: ’نَحْنُ نَرَى.‘ إِذَنْ فَأَنْتُمْ مَسْئُولُونَ عَنْ ذَنْبِكُمْ. ”أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، مَنْ لَا يَدْخُلُ إِلَى حَظِيرَةِ الْخِرَافِ مِنَ الْبَابِ، بَلْ يَطْلَعُ مِنْ مَكَانٍ آخَرَ، فَهُوَ سَارِقٌ وَلِصٌّ. وَمَنْ يَدْخُلُ مِنَ الْبَابِ، فَهُوَ رَاعِي الْخِرَافِ. وَالْبَوَّابُ يَفْتَحُ لَهُ، وَالْخِرَافُ تُصْغِي إِلَى صَوْتِهِ. فَيُنَادِي خِرَافَهُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِاسْمِهِ وَيَقُودُهَا إِلَى خَارِجِ الْحَظِيرَةِ. وَمَتَى أَخْرَجَهَا كُلَّهَا، يَمْشِي قُدَّامَهَا وَهِيَ تَتْبَعُهُ، لِأَنَّهَا تَعْرِفُ صَوْتَهُ. وَهِيَ لَا تَتْبَعُ الْغَرِيبَ، بَلْ تَهْرُبُ مِنْهُ، لِأَنَّهَا لَا تَعْرِفُ صَوْتَ الْغُرَبَاءِ.“ ضَرَبَ عِيسَى لَهُمْ هَذَا الْمَثَلَ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا مَغْزَى كَلَامِهِ. فَقَالَ عِيسَى: ”أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، أَنَا هُوَ بَابُ الْخِرَافِ. كُلُّ الَّذِينَ جَاءُوا قَبْلِي هُمْ سُرَّاقٌ وَلُصُوصٌ، وَلَكِنَّ الْخِرَافَ لَمْ تَسْمَعْ لَهُمْ. أَنَا هُوَ الْبَابُ، مَنْ دَخَلَ مِنِّي يَنْجُو، فَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ مَرْعًى. السَّارِقُ يَأْتِي لِيَسْرِقَ وَيَذْبَحَ وَيُهْلِكَ. أَمَّا أَنَا فَجِئْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ، بَلْ حَيَاةٌ وَفِيرَةٌ. ”أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يُضَحِّي بِنَفْسِهِ مِنْ أَجْلِ الْخِرَافِ. الْعَامِلُ بِالْأُجْرَةِ لَيْسَ مِثْلَ الرَّاعِي صَاحِبِ الْخِرَافِ. إِذَا رَأَى الْعَامِلُ الذِّئْبَ مُقْبِلًا، يَتْرُكُ الْخِرَافَ وَيَهْرُبُ، فَيَخْطِفُ الذِّئْبُ الْخِرَافَ وَيُبَدِّدُهَا. فَهُوَ يَهْرُبُ لِأَنَّهُ عَامِلٌ بِالْأُجْرَةِ، وَلَا تَهُمُّهُ الْخِرَافُ. أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَأَعْرِفُ خِرَافِي وَخِرَافِي تَعْرِفُنِي، كَمَا أَنَّ الْأَبَ يَعْرِفُنِي وَأَنَا أَعْرِفُ الْأَبَ. وَأَنَا أُضَحِّي بِنَفْسِي مِنْ أَجْلِ الْخِرَافِ. وَلِي خِرَافٌ أُخْرَى لَيْسَتْ مِنْ هَذِهِ الْحَظِيرَةِ، فَيَجِبُ أَنْ أَجْمَعَهَا إِلَيَّ أَيْضًا، فَتُصْغِيَ إِلَى صَوْتِي، وَيَكُونَ هُنَاكَ قَطِيعٌ وَاحِدٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ. الْأَبُ يُحِبُّنِي، لِأَنِّي أُضَحِّي بِحَيَاتِي لِكَيْ أَنَالَهَا ثَانِيَةً. لَا أَحَدَ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَنَا أُضَحِّي بِهَا بِرِضَايَ. عِنْدِيَ السُّلْطَةُ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَا، وَعِنْدِيَ السُّلْطَةُ أَنْ أَنَالَهَا ثَانِيَةً. هَذَا هُوَ مَا أَوْصَانِي بِهِ الْأَبُ.“ وَمَرَّةً ثَانِيَةً وَقَعَ الْخِلَافُ الْحَادُّ بَيْنَ الشَّعْبِ بِسَبَبِ هَذَا الْكَلَامِ. فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ: ”فِيهِ شَيْطَانٌ، إِنَّهُ مَجْنُونٌ. لِمَاذَا تَسْتَمِعُونَ إِلَيْهِ؟“ وَقَالَ آخَرُونَ: ”لَيْسَ هَذَا كَلَامَ مَنْ فِيهِ شَيْطَانٌ. هَلْ يَقْدِرُ الشَّيْطَانُ أَنْ يَفْتَحَ عَيْنَيِ الْأَعْمَى؟“ وَجَاءَ عِيدُ التَّجْدِيدِ فِي الْقُدْسِ. وَكَانَ ذَلِكَ فِي الشِّتَاءِ. وَكَانَ عِيسَى يَتَمَشَّى فِي قَاعَةِ سُلَيْمَانَ فِي بَيْتِ اللهِ. فَالْتَفَّ حَوْلَهُ النَّاسُ وَقَالُوا لَهُ: ”إِلَى مَتَى تُحَيِّرُنَا؟ إِنْ كُنْتَ الْمَسِيحَ فَقُلْ لَنَا بِصَرَاحَةٍ.“ أَجَابَهُمْ عِيسَى: ”قُلْتُ لَكُمْ، وَلَكِنَّكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ. الْأَعْمَالُ الَّتِي أَعْمَلُهَا بِاسْمِ أَبِي هِيَ تَشْهَدُ لِي. وَلَكِنَّكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ لِأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنْ خِرَافِي. خِرَافِي تُصْغِي إِلَى صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا وَهِيَ تَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةَ الْخُلُودِ، فَلَا تَهْلِكُ أَبَدًا، وَلَا يَخْطِفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي. أَبِي الَّذِي أَعْطَاهَا لِي هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْكُلِّ، وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطِفَ شَيْئًا مِنْ يَدِ الْأَبِ. أَنَا وَالْأَبُ وَاحِدٌ.“ وَمَرَّةً ثَانِيَةً، تَنَاوَلَ النَّاسُ حِجَارَةً لِكَيْ يَرْجُمُوهُ. فَقَالَ لَهُمْ عِيسَى: ”أَرَيْتُكُمْ أَعْمَالًا صَالِحَةً كَثِيرَةً مِنَ الْأَبِ. بِسَبَبِ أَيِّ عَمَلٍ مِنْهَا تَرْجُمُونِي؟“ أَجَابُوهُ: ”نَحْنُ لَا نَرْجُمُكَ بِسَبَبِ عَمَلٍ صَالِحٍ، بَلْ بِسَبَبِ الْكُفْرِ، فَمَعَ أَنَّكَ إِنْسَانٌ، تَقُولُ إِنَّكَ اللهُ.“ أَجَابَهُمْ عِيسَى: ”وَرَدَ فِي كِتَابِكُمْ: ’أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ.‘ فَهُوَ يَدْعُو الَّذِينَ جَاءَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللهِ آلِهَةً، وَالْكِتَابُ دَائِمًا عَلَى حَقٍّ. فَهَلْ تَقُولُونَ لِلَّذِي اخْتَارَهُ الْأَبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى الْعَالَمِ: ’أَنْتَ كَافِرٌ.‘ لِأَنِّي قُلْتُ إِنِّي ابْنُ اللهِ؟ إِنْ كُنْتُ لَا أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فَلَا تُصَدِّقُونِي. لَكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُهَا، فَصَدِّقُوا هَذِهِ الْأَعْمَالَ إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي أَنَا، فَتَعْرِفُوا وَتَعْلَمُوا أَنَّ الْأَبَ فِيَّ وَأَنَا فِي الْأَبِ.“ فَحَاوَلُوا أَنْ يَقْبِضُوا عَلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى، لَكِنَّهُ أَفْلَتَ مِنْ أَيْدِيهِمْ. وَعَبَرَ الْأُرْدُنَّ مَرَّةً أُخْرَى، وَرَاحَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ يَحْيَى يُغَطِّسُ فِيهِ فِي الْأَوَّلِ، وَأَقَامَ هُنَاكَ. وَجَاءَ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: ”يَحْيَى لَمْ يَعْمَلْ آيَاتٍ، لَكِنْ كُلُّ مَا قَالَهُ يَحْيَى عَنْ هَذَا الرَّجُلِ هُوَ صَحِيحٌ.“ وَآمَنَ بِهِ كَثِيرُونَ هُنَاكَ. وَكَانَ رَجُلٌ مَرِيضٌ هُوَ لَعَازَرُ مِنْ بَيْتَ عَنْيَا، قَرْيَةِ مَرْيَمَ وَأُخْتِهَا مَرْثَا. وَمَرْيَمُ هِيَ الَّتِي دَهَنَتِ السَّيِّدَ بِالْعِطْرِ وَمَسَحَتْ قَدَمَيْهِ بِشَعْرِهَا، وَلَعَازَرُ الْمَرِيضُ هَذَا هُوَ أَخُوهَا. فَأَرْسَلَتِ الْأُخْتَانِ إِلَى عِيسَى تَقُولَانِ: ”يَا سَيِّدُ، الَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ.“ فَلَمَّا سَمِعَ عِيسَى قَالَ: ”هَذَا الْمَرَضُ لَنْ يُؤَدِّيَ إِلَى الْمَوْتِ، إِنَّمَا هُوَ لِمَجْدِ اللهِ، لِكَيْ يَتَمَجَّدَ بِهِ ابْنُ اللهِ.“ وَكَانَ عِيسَى يُحِبُّ مَرْثَا وَأُخْتَهَا وَلَعَازَرَ. وَمَعَ ذَلِكَ، لَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ مَرِيضٌ، اِنْتَظَرَ يَوْمَيْنِ فِي الْمِنْطَقَةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا. ثُمَّ قَالَ لِلتَّلَامِيذِ: ”تَعَالَوْا بِنَا نَرْجِعُ إِلَى بِلَادِ يَهُوذَا.“ فَقَالَ لَهُ التَّلَامِيذُ: ”يَا مُعَلِّمُ، مُنْذُ قَلِيلٍ حَاوَلَ قَادَتُهُمْ أَنْ يَرْجُمُوكَ، فَهَلْ تَرْجِعُ إِلَى هُنَاكَ؟“ أَجَابَ عِيسَى: ”تُوجَدُ فِي النَّهَارِ 12 سَاعَةً، فَمَنْ يَمْشِي فِي النَّهَارِ، لَا يَعْثُرُ لِأَنَّهُ يَرَى نُورَ هَذَا الْعَالَمِ. وَمَنْ يَمْشِي فِي اللَّيْلِ يَعْثُرُ، لِأَنَّ النُّورَ لَيْسَ فِيهِ.“ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ لَهُمْ: ”لَعَازَرُ حَبِيبُنَا نَامَ، وَلَكِنِّي أَذْهَبُ لِأُوقِظَهُ.“ قَالَ لَهُ التَّلَامِيذُ: ”يَا سَيِّدُ، إِنْ كَانَ قَدْ نَامَ يُشْفَى.“ وَكَانَ عِيسَى يَقْصِدُ أَنَّهُ مَاتَ، لَكِنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ عَنِ النَّوْمِ الْعَادِيِّ. فَقَالَ لَهُمْ عِيسَى بِوُضُوحٍ: ”لَعَازَرُ مَاتَ. وَأَنَا مَسْرُورٌ أَنِّي لَمْ أَكُنْ هُنَاكَ، لِأَنَّ هَذَا لِفَائِدَتِكُمْ لِكَيْ تُؤْمِنُوا، فَتَعَالَوْا نَذْهَبُ إِلَيْهِ.“ قَالَ تُومَا الَّذِي يُدْعَى التَّوْأَمَ لِزُمَلَائِهِ التَّلَامِيذِ: ”تَعَالَوْا نَذْهَبُ نَحْنُ أَيْضًا، فَرُبَّمَا نَمُوتُ مَعَهُ.“ وَلَمَّا وَصَلَ عِيسَى، وَجَدَ أَنَّ لَعَازَرَ صَارَ لَهُ فِي الْقَبْرِ 4 أَيَّامٍ. وَكَانَتْ بَيْتُ عَنْيَا قَرِيبَةً مِنَ الْقُدْسِ، حَوَالَيْ 3 كِيلُومِتْرَاتٍ. وَكَانَ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ النَّاسِ قَدْ جَاءُوا لِيُعَزُّوا مَرْثَا وَمَرْيَمَ فِي أَخِيهِمَا. فَلَمَّا سَمِعَتْ مَرْثَا أَنَّ عِيسَى قَادِمٌ، خَرَجَتْ لِتُقَابِلَهُ، أَمَّا مَرْيَمُ فَقَعَدَتْ فِي الدَّارِ. فَقَالَتْ مَرْثَا لِعِيسَى: ”يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ هُنَا مَا كَانَ أَخِي قَدْ مَاتَ. وَلَكِنْ، حَتَّى فِي هَذَا الْوَقْتِ، أَنَا أَعْرِفُ أَنَّ كُلَّ مَا تَطْلُبُهُ مِنَ اللهِ، يُعْطِيهِ لَكَ.“ قَالَ لَهَا عِيسَى: ”سَيَقُومُ أَخُوكِ.“ قَالَتْ لَهُ مَرْثَا: ”أَنَا أَعْرِفُ أَنَّهُ سَيَقُومُ فِي الْقِيَامَةِ فِي الْيَوْمِ الْآخِرِ.“ قَالَ لَهَا عِيسَى: ”أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا. وَمَنْ كَانَ حَيًّا وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ أَبَدًا. هَلْ تُؤْمِنِينَ بِهَذَا؟“ قَالَتْ لَهُ: ”نَعَمْ يَا سَيِّدُ، أَنَا أُؤْمِنُ أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الَّذِي نَتَوَقَّعُ أَنْ يَأْتِيَ إِلَى الْعَالَمِ.“ قَالَتْ هَذَا ثُمَّ رَاحَتْ وَنَادَتْ أُخْتَهَا مَرْيَمَ وَقَالَتْ لَهَا سِرًّا: ”الْمُعَلِّمُ هُنَا وَهُوَ يَدْعُوكِ.“ وَلَمَّا سَمِعَتْ مَرْيَمُ هَذَا، قَامَتْ بِسُرْعَةٍ وَذَهَبَتْ إِلَيْهِ. وَلَمْ يَكُنْ عِيسَى قَدْ وَصَلَ إِلَى الْقَرْيَةِ، بَلْ كَانَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي قَابَلَتْهُ فِيهِ مَرْثَا. وَالنَّاسُ الَّذِينَ كَانُوا فِي الدَّارِ مَعَ مَرْيَمَ يُعَزُّونَهَا، رَأَوْا كَيْفَ أَنَّهَا قَامَتْ بِسُرْعَةٍ وَخَرَجَتْ، فَتَبِعُوهَا لِأَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهَا ذَاهِبَةٌ إِلَى الْقَبْرِ لِتَبْكِيَ هُنَاكَ. فَلَمَّا وَصَلَتْ إِلَى حَيْثُ كَانَ عِيسَى وَرَأَتْهُ، رَمَتْ نَفْسَهَا عِنْدَ قَدَمَيْهِ وَقَالَتْ لَهُ: ”يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ هُنَا مَا كَانَ أَخِي قَدْ مَاتَ.“ فَلَمَّا رَآهَا عِيسَى تَبْكِي، وَالنَّاسَ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَهَا يَبْكُونَ، تَنَهَّدَ وَظَهَرَ عَلَيْهِ الْحُزْنُ. وَقَالَ: ”أَيْنَ دَفَنْتُمُوهُ؟“ قَالُوا لَهُ: ”يَا سَيِّدُ، تَعَالَ وَانْظُرْ.“ فَبَكَى عِيسَى. فَقَالَ الشَّعْبُ: ”اُنْظُرُوا كَمْ كَانَ يُحِبُّهُ.“ لَكِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: ”إِنَّهُ فَتَحَ عَيْنَيِ الْأَعْمَى، أَمَا كَانَ يَقْدِرُ أَنْ يَحْفَظَ لَعَازَرَ مِنَ الْمَوْتِ؟“ فَتَنَهَّدَ عِيسَى مَرَّةً ثَانِيَةً. ثُمَّ وَصَلَ إِلَى الْقَبْرِ، وَكَانَ عِبَارَةً عَنْ مَغَارَةٍ عَلَى مَدْخَلِهَا حَجَرٌ. فَقَالَ عِيسَى: ”اِرْفَعُوا الْحَجَرَ.“ فَقَالَتْ مَرْثَا أُخْتُ الْمَيِّتِ: ”يَا سَيِّدُ، إِنَّهُ أَنْتَنَ لِأَنَّ هَذَا هُوَ رَابِعُ يَوْمٍ لَهُ.“ أَجَابَهَا عِيسَى: ”أَلَمْ أَقُلْ لَكِ إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ جَلَالَ اللهِ؟“ فَرَفَعُوا الْحَجَرَ، وَنَظَرَ عِيسَى إِلَى فَوْقُ وَقَالَ: ”أَشْكُرُكَ يَا أَبِي لِأَنَّكَ اسْتَجَبْتَ لِي. أَنَا عَارِفٌ أَنَّكَ دَائِمًا تَسْتَجِيبُ لِي. وَلَكِنِّي قُلْتُ هَذَا مِنْ أَجْلِ الشَّعْبِ الْوَاقِفِ حَوْلِي لِكَيْ يُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي.“ وَبَعْدَمَا قَالَ هَذَا صَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: ”يَا لَعَازَرُ اخْرُجْ!“ فَخَرَجَ الْمَيِّتُ وَهُوَ مَلْفُوفٌ بِالْأَكْفَانِ عَلَى يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَوَجْهُهُ مَعْصُوبٌ بِمِنْدِيلٍ. فَقَالَ لَهُمْ عِيسَى: ”حِلُّوا عَنْهُ الْأَكْفَانَ وَخَلُّوهُ يَذْهَبُ.“ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ جَاءُوا لِزِيَارَةِ مَرْيَمَ رَأَوْا مَا عَمِلَهُ عِيسَى، فَآمَنُوا بِهِ. لَكِنَّ جَمَاعَةً مِنْهُمْ ذَهَبُوا إِلَى الْفَرِّيسِيِّينَ وَأَخْبَرُوهُمْ بِمَا عَمِلَهُ. فَعَقَدَ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ اجْتِمَاعًا لِلْمَجْلِسِ الْأَعْلَى، وَقَالُوا: ”هَذَا الرَّجُلُ يَعْمَلُ آيَاتٍ كَثِيرَةً، فَمَاذَا نَعْمَلُ؟ إِنْ تَرَكْنَاهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ يُؤْمِنُ بِهِ الْجَمِيعُ، فَيَأْتِي الرُّومَانِيُّونَ وَيُدَمِّرُونَ بَيْتَ اللهِ وَيَأْخُذُونَ أُمَّتَنَا.“ قَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ هُوَ قَيَافَا الَّذِي كَانَ الْحَبْرَ الْأَعْلَى فِي تِلْكَ السَّنَةِ: ”أَنْتُمْ لَا تَعْرِفُونَ شَيْئًا، وَلَا تَفْهَمُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ يَمُوتَ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلَا تَهْلِكَ الْأُمَّةُ كُلُّهَا.“ قَالَ هَذَا لَا مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ لِأَنَّهُ كَانَ الْحَبْرَ الْأَعْلَى فِي تِلْكَ السَّنَةِ، تَنَبَّأَ أَنَّ عِيسَى سَيَمُوتُ عَنِ الْأُمَّةِ. وَلَيْسَ عَنْ تِلْكَ الْأُمَّةِ وَحْدَهَا، بَلْ أَيْضًا عَنْ أَبْنَاءِ اللهِ الْمُتَفَرِّقِينَ، لِيَجْمَعَهُمْ وَيَجْعَلَهُمْ وَاحِدًا. وَمِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ قَرَّرَ قَادَةُ الْيَهُودِ أَنْ يَقْتُلُوا عِيسَى. فَكَفَّ عِيسَى عَنْ أَنْ يَظْهَرَ عَلَنًا بَيْنَ الشَّعْبِ، وَرَاحَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى الْمِنْطَقَةِ الْمُجَاوِرَةِ لِلصَّحْرَاءِ، إِلَى بَلْدَةٍ اسْمُهَا أَفْرَايِمُ، وَأَقَامَ فِيهَا مَعَ تَلَامِيذِهِ. وَاقْتَرَبَ عِيدُ الْفِصْحِ الْيَهُودِيُّ، فَذَهَبَ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنْ أَهَالِي الْقُرَى إِلَى الْقُدْسِ لِيَقُومُوا بِفَرِيضَةِ التَّطْهِيرِ قَبْلَ الْعِيدِ. وَكَانُوا يَبْحَثُونَ عَنْ عِيسَى وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَهُمْ وَاقِفُونَ فِي بَيْتِ اللهِ: ”مَا رَأْيُكُمْ؟ هَلْ سَيَجِيءُ إِلَى الْعِيدِ أَمْ لَا؟“ وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ قَدْ أَمَرُوا أَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْرِفُ مَكَانَهُ يُخْبِرُهُمْ، لِكَيْ يَقْبِضُوا عَلَيْهِ. وَقَبْلَ الْفِصْحِ بِـ6 أَيَّامٍ، جَاءَ عِيسَى إِلَى بَيْتَ عَنْيَا، حَيْثُ كَانَ يَسْكُنُ لَعَازَرُ الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الْمَوْتِ. فَعَمِلُوا لَهُ عَشَاءً هُنَاكَ. وَكَانَتْ مَرْثَا تَخْدِمُ، وَكَانَ لَعَازَرُ أَحَدَ الْجَالِسِينَ مَعَهُ إِلَى الْمَائِدَةِ. فَأَخَذَتْ مَرْيَمُ قَارُورَةَ عِطْرٍ غَالِي الثَّمَنِ مِنَ النَّارِدِينِ النَّقِيِّ، وَدَهَنَتْ قَدَمَيْ عِيسَى، ثُمَّ مَسَحَتْهُمَا بِشَعْرِهَا. فَامْتَلَأَتِ الدَّارُ مِنْ رَائِحَةِ الْعِطْرِ. فَقَالَ أَحَدُ تَلَامِيذِهِ وَهُوَ يَهُوذَا الْقَرْيُوتِيُّ، الَّذِي خَانَهُ فِيمَا بَعْدُ: ”لِمَاذَا؟ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَاعَ هَذَا الْعِطْرُ بِمَبْلَغٍ يُعَادِلُ مُرَتَّبَ سَنَةٍ وَيُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ!“ قَالَ هَذَا، لَا لِأَنَّهُ كَانَ يَهُمُّهُ الْفُقَرَاءُ، بَلْ لِأَنَّهُ لِصٌّ، وَكَانَ صُنْدُوقُ النُّقُودِ مَعَهُ فَكَانَ يَسْرِقُ مِمَّا يُوضَعُ فِيهِ. فَقَالَ عِيسَى: ”اُتْرُكْهَا، إِنَّهَا حَفِظَتْ هَذَا الْعِطْرَ لِلْيَوْمِ، يَوْمِ إِعْدَادِي لِلدَّفْنِ. الْفُقَرَاءُ عِنْدَكُمْ دَائِمًا، أَمَّا أَنَا فَلَا أَبْقَى عِنْدَكُمْ دَائِمًا.“ وَعَلِمَ جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الشَّعْبِ أَنَّ عِيسَى هُنَاكَ، فَجَاءُوا لَا مِنْ أَجْلِ عِيسَى فَقَطْ، بَلْ لِيَرَوْا لَعَازَرَ الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الْمَوْتِ. فَقَرَّرَ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ أَنْ يَقْتُلُوا لَعَازَرَ أَيْضًا، لِأَنَّ بِسَبَبِهِ كَانَ نَاسٌ كَثِيرُونَ يَتْرُكُونَهُمْ وَيُؤْمِنُونَ بِعِيسَى. وَفِي الْغَدِ سَمِعَ الْجُمْهُورُ الْكَبِيرُ الَّذِي جَاءَ لِلْعِيدِ، أَنَّ عِيسَى فِي طَرِيقِهِ إِلَى الْقُدْسِ. فَحَمَلُوا أَغْصَانَ النَّخْلِ وَخَرَجُوا لِاسْتِقْبَالِهِ وَهُمْ يَهْتِفُونَ: ”الْجَلَالُ! تَبَارَكَ الْآتِي بِاسْمِ اللهِ، تَبَارَكَ مَلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةِ.“ وَوَجَدَ عِيسَى جَحْشًا، فَرَكِبَ عَلَيْهِ كَمَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ: ”لَا تَخَافُوا يَا أَهْلَ الْقُدْسِ! هَذَا مَلِكُكُمْ يَأْتِي رَاكِبًا عَلَى جَحْشٍ ابْنِ دَابَّةٍ.“ وَفِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، لَمْ يَفْهَمْ تَلَامِيذُهُ كُلَّ هَذَا. لَكِنْ بَعْدَمَا تَمَجَّدَ عِيسَى، فَهِمُوا أَنَّ الْكِتَابَ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ عَنْهُ، وَأَنَّهُمْ نَفَّذُوهَا لَهُ. وَالشَّعْبُ الَّذِي كَانَ مَعَهُ لَمَّا نَادَى لَعَازَرَ مِنَ الْقَبْرِ وَأَقَامَهُ مِنَ الْمَوْتِ، أَخْبَرَ بِمَا حَدَثَ. لِهَذَا خَرَجَ كَثِيرُونَ لِاسْتِقْبَالِهِ، لِأَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَّهُ عَمِلَ هَذِهِ الْآيَةَ. فَقَالَ الْفَرِّيسِيُّونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ”نَحْنُ فَشِلْنَا تَمَامًا. الْعَالَمُ كُلُّهُ يَتْبَعُهُ!“ وَكَانَ بَيْنَ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَى الْقُدْسِ لِيَعْبُدُوا اللهَ فِي الْعِيدِ بَعْضُ الْأَجَانِبِ. فَذَهَبُوا إِلَى فِيلِيبَ، وَهُوَ مِنْ بَيْتَ صَيْدَا الَّتِي فِي الْجَلِيلِ، وَقَالُوا لَهُ: ”يَا سَيِّدُ، نُرِيدُ أَنْ نَرَى عِيسَى.“ فَذَهَبَ فِيلِيبُ وَأَخْبَرَ أَنْدْرَاوِسَ، وَذَهَبَ أَنْدْرَاوِسُ وَفِيلِيبُ وَأَخْبَرَا عِيسَى. فَأَجَابَهُمْ عِيسَى: ”جَاءَتِ السَّاعَةُ الَّتِي فِيهَا يَتَمَجَّدُ الَّذِي صَارَ بَشَرًا. أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، إِنْ كَانَتْ حَبَّةُ الْقَمْحِ لَا تَقَعُ فِي الْأَرْضِ وَتَمُوتُ، فَإِنَّهَا تَبْقَى حَبَّةً وَاحِدَةً، أَمَّا إِنْ مَاتَتْ فَإِنَّهَا تُنْتِجُ حَبًّا كَثِيرًا. مَنْ كَانَتْ حَيَاتُهُ عَزِيزَةً عَلَيْهِ يَفْقِدُهَا، وَمَنْ لَا يُحِبُّهَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا يَرْبَحُهَا وَتَكُونُ لَهُ حَيَاةُ الْخُلُودِ. مَنْ أَرَادَ أَنْ يَخْدِمَنِي فَيَجِبُ أَنْ يَتْبَعَنِي، لِأَنَّ خَادِمِي يَكُونُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَنَا فِيهِ. وَكُلُّ مَنْ يَخْدِمُنِي يُكْرِمُهُ أَبِي. ”قَلْبِيَ الْآنَ مُضْطَرِبٌ. فَهَلْ أَقُولُ: ’أَنْقِذْنِي يَا أَبِي مِنْ هَذِهِ السَّاعَةِ‘؟ لَا، فَأَنَا جِئْتُ لِهَذِهِ السَّاعَةِ. يَا أَبِي، مَجِّدِ اسْمَكَ.“ فَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ يَقُولُ: ”أَنَا مَجَّدْتُهُ، وَأُمَجِّدُهُ أَيْضًا.“ فَالْجُمْهُورُ الَّذِي كَانَ هُنَاكَ سَمِعَ الصَّوْتَ وَقَالَ: ”حَدَثَ رَعْدٌ.“ آخَرُونَ قَالُوا: ”كَلَّمَهُ مَلَاكٌ.“ فَقَالَ عِيسَى: ”هَذَا الصَّوْتُ جَاءَ، لَا مِنْ أَجْلِي أَنَا، بَلْ مِنْ أَجْلِكُمْ أَنْتُمْ. الْآنَ يَحِلُّ الْعِقَابُ عَلَى هَذِهِ الدُّنْيَا. الْآنَ يُطْرَدُ سَيِّدُ هَذِهِ الدُّنْيَا. وَأَنَا مَتَى رُفِعْتُ مِنَ الْأَرْضِ، أَجْذِبُ إِلَيَّ جَمِيعَ النَّاسِ.“ بِهَذَا الْكَلَامِ أَشَارَ إِلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي سَيَمُوتُ بِهَا. فَأَجَابَهُ الشَّعْبُ: ”سَمِعْنَا مِنَ الْكِتَابِ أَنَّ الْمَسِيحَ يَبْقَى إِلَى الْأَبَدِ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: ’لَا بُدَّ أَنْ يُرْفَعَ الَّذِي صَارَ بَشَرًا‘، فَمَنْ هُوَ هَذَا الَّذِي صَارَ بَشَرًا؟“ قَالَ لَهُمْ عِيسَى: ”النُّورُ مَعَكُمْ وَقْتًا قَصِيرًا. إِذَنْ وَاصِلُوا السَّيْرَ مَا دَامَ النُّورُ يُشْرِقُ عَلَيْكُمْ، لِئَلَّا يَجِيءَ عَلَيْكُمُ الظَّلَامُ. لِأَنَّ الَّذِي يَمْشِي فِي الظَّلَامِ لَا يَعْلَمُ أَيْنَ هُوَ ذَاهِبٌ. مَا دَامَ النُّورُ مَعَكُمْ، آمِنُوا بِالنُّورِ لِتَصِيرُوا أَهْلَ النُّورِ.“ قَالَ عِيسَى هَذَا ثُمَّ ذَهَبَ وَاخْتَفَى عَنْهُمْ. وَمَعَ أَنَّهُ عَمِلَ آيَاتٍ كَثِيرَةً قُدَّامَهُمْ لَكِنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ. وَبِذَلِكَ تَمَّ الْكَلَامُ الَّذِي قَالَهُ إِشَعْيَا النَّبِيُّ: ”يَا رَبُّ، مَنْ آمَنَ بِرِسَالَتِنَا، وَلِمَنْ ظَهَرَتْ قُوَّةُ ذِرَاعِ اللهِ؟“ فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُؤْمِنُوا. كَمَا أَنَّ إِشَعْيَا قَالَ أَيْضًا: ”أَعْمَى عُيُونَهُمْ، وَقَسَّى قُلُوبَهُمْ، لِئَلَّا يَرَوْا بِعُيُونِهِمْ، وَيَفْهَمُوا بِقُلُوبِهِمْ، فَيَرْجِعُوا إِلَيَّ فَأَشْفِيَهُمْ.“ قَالَ إِشَعْيَا هَذَا لِأَنَّهُ رَأَى جَلَالَ عِيسَى وَتَكَلَّمَ عَنْهُ. وَمَعَ ذَلِكَ، آمَنَ بِهِ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ الْقَادَةِ أَنْفُسِهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يُعْلِنُوا إِيمَانَهُمْ، لِخَوْفِهِمْ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ لِئَلَّا يَطْرُدُوهُمْ مِنْ بُيُوتِ الْعِبَادَةِ. لِأَنَّهُمْ أَحَبُّوا أَنْ يَنَالُوا مَدِيحَ النَّاسِ أَكْثَرَ مِنَ الْمَدِيحِ الَّذِي يَأْتِي مِنَ اللهِ. فَقَالَ عِيسَى بِصَوْتٍ عَالٍ: ”مَنْ يُؤْمِنُ بِي، يُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي، لَا بِي أَنَا وَحْدِي. وَمَنْ رَآنِي، رَأَى الَّذِي أَرْسَلَنِي. أَنَا النُّورُ الَّذِي جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، فَكُلُّ مَنْ آمَنَ بِي لَا يَبْقَى فِي الظَّلَامِ. مَنْ يَسْمَعُ كَلَامِي وَلَا يَعْمَلُ بِهِ، فَأَنَا لَا أَحْكُمُ عَلَيْهِ. لِأَنِّي جِئْتُ، لَا لِأَحْكُمَ عَلَى النَّاسِ، بَلْ لِأُنْقِذَ النَّاسَ. مَنْ يَرْفُضُنِي وَلَا يَقْبَلُ كَلَامِي، لَهُ مَنْ يَحْكُمُ عَلَيْهِ: كَلِمَتِيَ الَّتِي أُنَادِي بِهَا سَتَحْكُمُ عَلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الْآخِرِ. لِأَنِّي لَمْ أَتَكَلَّمْ مِنْ عِنْدِي، بَلِ الْأَبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي، هُوَ أَوْصَانِي بِمَا أَقُولُ وَأَتَكَلَّمُ. وَأَنَا عَارِفٌ أَنَّ وَصِيَّتَهُ تَهْدِي إِلَى حَيَاةِ الْخُلُودِ، فَالْكَلَامُ الَّذِي أَقُولُهُ هُوَ الَّذِي قَالَهُ لِيَ الْأَبُ.“ وَاقْتَرَبَ عِيدُ الْفِصْحِ. وَكَانَ عِيسَى يَعْلَمُ أَنَّ وَقْتَهُ حَانَ لِيَرْحَلَ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ إِلَى الْأَبِ. فَهُوَ أَحَبَّ الَّذِينَ يَنْتَمُونَ لَهُ فِي هَذَا الْعَالَمِ، أَحَبَّهُمْ إِلَى أَقْصَى الْحُدُودِ. فَبَيْنَمَا هُمْ يَتَعَشَّوْنَ مَعًا، كَانَ الشَّيْطَانُ قَدْ وَضَعَ فِي قَلْبِ يَهُوذَا بْنِ سَمْعَانَ الْقَرْيُوتِيِّ أَنْ يَخُونَ عِيسَى. وَكَانَ عِيسَى يَعْلَمُ أَنَّ الْأَبَ وَضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ سُلْطَتِهِ هُوَ، وَأَنَّهُ جَاءَ مِنَ اللهِ، وَإِلَى اللهِ يَرْجِعُ. فَقَامَ عَنِ الْعَشَاءِ، وَخَلَعَ عَبَايَتَهُ، وَأَخَذَ مِنْشَفَةً وَرَبَطَهَا حَوْلَ وَسَطِهِ. وَصَبَّ مَاءً فِي مَغْسَلٍ، وَبَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التَّلَامِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ الَّتِي عَلَى وَسَطِهِ. فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى سَمْعَانَ بُطْرُسَ قَالَ سَمْعَانُ لَهُ: ”يَا سَيِّدِي، أَنْتَ تَغْسِلُ رِجْلَيَّ؟“ أَجَابَهُ عِيسَى: ”أَنْتَ الْآنَ لَا تَفْهَمُ مَا أَعْمَلُهُ، لَكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ.“ قَالَ بُطْرُسُ: ”لَنْ تَغْسِلَ رِجْلَيَّ أَبَدًا.“ أَجَابَهُ عِيسَى: ”إِنْ لَمْ أَغْسِلْكَ، فَلَنْ يَكُونَ لَكَ نَصِيبٌ مَعِي.“ قَالَ لَهُ سَمْعَانُ بُطْرُسُ: ”يَا سَيِّدِي، لَا رِجْلَيَّ فَقَطْ، بَلْ يَدَيَّ وَرَأْسِي أَيْضًا.“ قَالَ لَهُ عِيسَى: ”مَنِ اسْتَحَمَّ صَارَ نَقِيًّا بِجُمْلَتِهِ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَّا إِلَى غَسْلِ رِجْلَيْهِ. وَأَنْتُمْ أَنْقِيَاءُ، لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ وَاحِدٍ فِيكُمْ.“ فَإِنَّ عِيسَى كَانَ يَعْرِفُ مَنِ الَّذِي سَيَخُونُهُ، لِهَذَا قَالَ: ”لَسْتُمْ كُلُّكُمْ أَنْقِيَاءَ.“ فَلَمَّا غَسَلَ أَرْجُلَهُمْ لَبِسَ عَبَايَتَهُ وَجَلَسَ وَقَالَ لَهُمْ: ”هَلْ تَفْهَمُونَ مَا عَمِلْتُهُ لَكُمْ؟ أَنْتُمْ تَدْعُونِيَ الْمُعَلِّمَ وَالسَّيِّدَ، وَأَنْتُمْ عَلَى حَقٍّ لِأَنِّي فِعْلًا كَذَلِكَ. فَإِنْ كُنْتُ، وَأَنَا سَيِّدُكُمْ وَمُعَلِّمُكُمْ غَسَلْتُ أَرْجُلَكُمْ، فَيَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَغْسِلُوا بَعْضُكُمْ أَرْجُلَ بَعْضٍ. لِأَنِّي جَعَلْتُ مِنْ نَفْسِي قُدْوَةً لَكُمْ، لِتَعْمَلُوا أَنْتُمْ أَيْضًا كَمَا عَمِلْتُ مَعَكُمْ. أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، لَيْسَ الْعَبْدُ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَلَا الرَّسُولُ أَعْظَمَ مِنَ الَّذِي أَرْسَلَهُ. فَإِنْ عَلِمْتُمْ هَذَا، هَنِيئًا لَكُمْ إِنْ عَمِلْتُمْ بِهِ. ”أَنَا لَا أَقُولُ هَذَا عَنْ جَمِيعِكُمْ. أَنَا عَارِفٌ الَّذِينَ اخْتَرْتُهُمْ. لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَتِمَّ مَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ: ’الَّذِي أَكَلَ مِنْ خُبْزِيَ انْقَلَبَ ضِدِّي.‘ وَأَنَا أُخْبِرُكُمُ الْآنَ بِهَذَا قَبْلَ مَا يَحْدُثُ، حَتَّى مَتَى حَدَثَ تُؤْمِنُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ. أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، مَنْ يَقْبَلُ الَّذِي أُرْسِلُهُ يَقْبَلُنِي، وَمَنْ يَقْبَلُنِي يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي.“ وَبَعْدَمَا قَالَ عِيسَى هَذَا، أَعْلَنَ وَهُوَ مُضْطَرِبٌ جِدًّا: ”أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، وَاحِدٌ مِنْكُمْ سَيَخُونُنِي.“ فَنَظَرَ التَّلَامِيذُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ حَائِرِينَ لَا يَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ الشَّخْصُ الَّذِي قَصَدَهُ. وَكَانَ أَحَدُ التَّلَامِيذِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ عِيسَى يُحِبُّهُ، جَالِسًا إِلَى جِوَارِ عِيسَى. فَأَشَارَ إِلَيْهِ سَمْعَانُ بُطْرُسُ أَنْ يَسْأَلَهُ مَنْ هُوَ الْمَقْصُودُ. فَمَالَ لِلْوَرَاءِ عَلَى صَدْرِ عِيسَى وَقَالَ لَهُ: ”يَا سَيِّدُ، مَنْ هُوَ؟“ أَجَابَ عِيسَى: ”هُوَ الَّذِي أُعْطِيهِ هَذِهِ اللُّقْمَةَ بَعْدَمَا أَغْمِسُهَا.“ فَغَمَسَ اللُّقْمَةَ وَرَفَعَهَا وَأَعْطَاهَا لِيَهُوذَا بْنِ سَمْعَانَ الْقَرْيُوتِيِّ. فَلَمَّا أَخَذَهَا، دَخَلَهُ الشَّيْطَانُ. فَقَالَ لَهُ عِيسَى: ”مَا نَوَيْتَ أَنْ تَعْمَلَهُ اعْمَلْهُ بِسُرْعَةٍ.“ فَلَمْ يَفْهَمْ أَحَدٌ مِنَ الْمَوْجُودِينَ فِي الْعَشَاءِ لِمَاذَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ. لَكِنْ لِأَنَّ صُنْدُوقَ النُّقُودِ كَانَ مَعَ يَهُوذَا، ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ عِيسَى قَالَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بَعْضَ لَوَازِمِ الْعِيدِ أَوْ أَنْ يُعْطِيَ شَيْئًا لِلْفُقَرَاءِ. فَتَنَاوَلَ يَهُوذَا اللُّقْمَةَ وَخَرَجَ بِسُرْعَةٍ، وَكَانَ اللَّيْلُ قَدْ أَظْلَمَ. فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ عِيسَى: ”حَانَ الْوَقْتُ أَنْ يَتَمَجَّدَ الَّذِي صَارَ بَشَرًا، وَيَتَمَجَّدَ اللهُ بِوَاسِطَتِهِ. وَإِنْ كَانَ اللهُ يَتَمَجَّدُ بِوَاسِطَتِهِ، فَإِنَّ اللهَ يُمَجِّدُ الِابْنَ فِي ذَاتِهِ، وَيُمَجِّدُهُ دُونَ تَأْخِيرٍ. يَا أَوْلَادِي، سَأَبْقَى مَعَكُمْ فَتْرَةً قَصِيرَةً. وَمَا قُلْتُهُ لِلشَّعْبِ أَقُولُهُ لَكُمُ الْآنَ: ’سَتَبْحَثُونَ عَنِّي وَلَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَأْتُوا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَنَا ذَاهِبٌ إِلَيْهِ.‘ هَذِهِ وَصِيَّةٌ جَدِيدَةٌ أُعْطِيهَا لَكُمْ، أَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. أَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا. بِهَذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلَامِيذِي، إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا.“ فَقَالَ لَهُ سَمْعَانُ بُطْرُسُ: ”إِلَى أَيْنَ أَنْتَ ذَاهِبٌ يَا سَيِّدُ؟“ أَجَابَهُ عِيسَى: ”أَنْتَ الْآنَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تَتْبَعَنِي إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَنَا ذَاهِبٌ إِلَيْهِ، لَكِنَّكَ سَتَتْبَعُنِي فِيمَا بَعْدُ.“ قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: ”يَا سَيِّدُ، لِمَاذَا لَا أَقْدِرُ أَنْ أَتْبَعَكَ الْآنَ؟ أَنَا مُسْتَعِدٌّ أَنْ أُضَحِّيَ بِحَيَاتِي فِي سَبِيلِكَ.“ أَجَابَ عِيسَى: ”أَنْتَ تُضَحِّي بِحَيَاتِكَ فِي سَبِيلِي؟ أَقُولُ لَكَ الْحَقَّ، قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ تُنْكِرُنِي 3 مَرَّاتٍ. ”لَا تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ. آمِنُوا بِاللهِ وَآمِنُوا بِي. فِي دَارِ أَبِي مَسَاكِنُ كَثِيرَةٌ. لَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا صَحِيحًا، مَا كُنْتُ أَقُولُهُ لَكُمْ. أَنَا ذَاهِبٌ لِأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا. وَبَعْدَمَا أَذْهَبُ وَأُعِدُّ لَكُمُ الْمَكَانَ، أَرْجِعُ وَآخُذُكُمْ مَعِي، لِتَكُونُوا فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَنَا فِيهِ. أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ الطَّرِيقَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَنَا ذَاهِبٌ إِلَيْهِ.“ فَقَالَ لَهُ تُومَا: ”يَا سَيِّدُ نَحْنُ لَا نَعْلَمُ أَيْنَ أَنْتَ ذَاهِبٌ، فَكَيْفَ نَعْرِفُ الطَّرِيقَ؟“ قَالَ لَهُ عِيسَى: ”أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ، أَنَا هُوَ الْحَقُّ، أَنَا هُوَ الْحَيَاةُ. لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ إِلَى الْأَبِ إِلَّا بِوَاسِطَتِي. إِنْ كُنْتُمْ تَعْرِفُونِي، فَسَتَعْرِفُونَ أَبِي أَيْضًا. بَلْ مِنَ الْآنَ تَعْرِفُونَهُ وَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ.“ قَالَ لَهُ فِيلِيبُ: ”يَا سَيِّدُ، أَرِنَا الْأَبَ، وَهَذَا يَكْفِي لَنَا.“ قَالَ لَهُ عِيسَى: ”أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ هَذَا الْوَقْتِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَعْرِفُنِي يَا فِيلِيبُ؟ مَنْ رَآنِي رَأَى الْأَبَ. فَكَيْفَ تَقُولُ: ’أَرِنَا الْأَبَ‘؟ أَلَا تُؤْمِنُ أَنِّي فِي الْأَبِ وَالْأَبَ فِيَّ؟ الْكَلَامُ الَّذِي أَقُولُهُ لَكُمْ لَا أَقُولُهُ مِنْ عِنْدِي، بَلِ الْأَبُ هُوَ الَّذِي يُقِيمُ فِيَّ وَيَعْمَلُ أَعْمَالَهُ. صَدِّقُونِي أَنِّي فِي الْأَبِ وَالْأَبَ فِيَّ. أَوْ عَلَى الْأَقَلِّ صَدِّقُوا هَذَا بِسَبَبِ الْمُعْجِزَاتِ نَفْسِهَا. أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، مَنْ يُؤْمِنُ بِي يَعْمَلُ الْأَعْمَالَ الَّتِي أَعْمَلُهَا، بَلْ وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا لِأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى الْأَبِ. وَكُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ بِاسْمِي أَعْمَلُهُ، لِكَيْ يَتَمَجَّدَ الْأَبُ بِوَاسِطَةِ الِابْنِ. إِنْ طَلَبْتُمْ شَيْئًا بِاسْمِي أَعْمَلُهُ. ”إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونِي، تَعْمَلُونَ بِوَصَايَايَ، وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الْأَبِ، فَيُعْطِيكُمْ مُعِينًا آخَرَ يَبْقَى مَعَكُمْ إِلَى الْأَبَدِ، ذَلِكَ هُوَ رُوحُ الْحَقِّ، الَّذِي لَا يَقْبَلُهُ أَهْلُ الْعَالَمِ لِأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَهُ وَلَا يَعْرِفُونَهُ. أَنْتُمْ تَعْرِفُونَهُ لِأَنَّهُ مَعَكُمْ، وَسَيَكُونُ فِيكُمْ. لَا أَتْرُكُكُمْ يَتَامَى، بَلْ سَأَرْجِعُ إِلَيْكُمْ. بَعْدَ قَلِيلٍ لَنْ يَرَانِيَ الْعَالَمُ، أَمَّا أَنْتُمْ فَتَرَوْنِي. وَلِأَنِّي حَيٌّ فَأَنْتُمْ أَيْضًا سَتَحْيَوْنَ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَعْرِفُونَ أَنِّي فِي أَبِي، وَأَنَّكُمْ فِيَّ، وَأَنَا فِيكُمْ. مَنْ يَقْبَلُ وَصَايَايَ وَيَعْمَلُ بِهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي. وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي وَأَنَا أُحِبُّهُ وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي.“ فَقَالَ لَهُ يَهُوذَا (لَيْسَ الْقَرْيُوتِيَّ): ”كَيْفَ يُمْكِنُ يَا سَيِّدُ أَنْ تُظْهِرَ ذَاتَكَ لَنَا وَلَيْسَ لِلْعَالَمِ؟“ أَجَابَهُ عِيسَى: ”مَنْ يُحِبُّنِي يَعْمَلُ بِكَلَامِي، فَيُحِبُّهُ أَبِي، وَنَأْتِي إِلَيْهِ وَنُقِيمُ مَعَهُ. مَنْ لَا يُحِبُّنِي، لَا يَعْمَلُ بِكَلَامِي. هَذَا الْكَلَامُ الَّذِي تَسْمَعُونَهُ لَيْسَ مِنْ عِنْدِي، بَلْ هُوَ كَلَامُ الْأَبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي. ”قُلْتُ لَكُمْ هَذَا وَأَنَا مَعَكُمْ. أَمَّا الْمُعِينُ، الرُّوحُ الْقُدُّوسُ الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الْأَبُ بِاسْمِي فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ. ”سَلَامًا أَتْرُكُ لَكُمْ، سَلَامِي أُعْطِيكُمْ. وَمَا أُعْطِيهِ أَنَا لَا يُمْكِنُ لِلْعَالَمِ أَنْ يُعْطِيَ مِثْلَهُ. لَا تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلَا تَخَافُوا. سَمِعْتُمْ مَا قُلْتُهُ: ’أَنَا ذَاهِبٌ، ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَيْكُمْ.‘ فَإِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونِي، اِفْرَحُوا لِأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى الْأَبِ، لِأَنَّ الْأَبَ أَعْظَمُ مِنِّي. أَخْبَرْتُكُمْ بِهَذَا الْآنَ قَبْلَ مَا يَحْدُثُ، حَتَّى مَتَى حَدَثَ تُؤْمِنُونَ. لَنْ أُطِيلَ عَلَيْكُمُ الْكَلَامَ، لِأَنَّ سَيِّدَ هَذِهِ الدُّنْيَا قَادِمٌ، وَلَيْسَ لَهُ أَيُّ سُلْطَانٍ عَلَيَّ. لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَعْرِفَ الْعَالَمُ أَنِّي أُحِبُّ الْأَبَ، وَأَنِّي أَعْمَلُ بِمَا أَوْصَانِي بِهِ. قُومُوا نَذْهَبُ مِنْ هُنَا. ”أَنَا هُوَ الْكَرْمَةُ الْحَقِيقِيَّةُ، وَأَبِي هُوَ الْكَرَّامُ. كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ لَا يُثْمِرُ يَقْطَعُهُ، وَكُلُّ غُصْنٍ يُثْمِرُ يُنَقِّيهِ لِكَيْ يُثْمِرَ أَكْثَرَ. أَنْتُمُ الْآنَ أَنْقِيَاءُ بِفَضْلِ الْكَلَامِ الَّذِي قُلْتُهُ لَكُمْ. اُثْبُتُوا فِيَّ كَمَا أَثْبُتُ فِيكُمْ. وَكَمَا أَنَّ الْغُصْنَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُثْمِرَ مِنْ نَفْسِهِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْكَرْمَةِ، فَأَنْتُمْ أَيْضًا لَا تَقْدِرُونَ أَنْ تُثْمِرُوا إِنْ لَمْ تَثْبُتُوا فِيَّ. ”أَنَا الْكَرْمَةُ، وَأَنْتُمُ الْأَغْصَانُ. مَنْ يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ يُثْمِرُ ثَمَرًا كَثِيرًا، لِأَنَّكُمْ بِدُونِي لَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَعْمَلُوا شَيْئًا. مَنْ لَا يَثْبُتُ فِيَّ، يُرْمَى بَعِيدًا مِثْلَ غُصْنٍ يَابِسٍ. وَالْأَغْصَانُ الْيَابِسَةُ تُجْمَعُ وَتُرْمَى فِي النَّارِ وَتُحْرَقُ. إِنْ ثَبَتُّمْ فِيَّ وَثَبَتَ كَلَامِي فِيكُمْ، فَاطْلُبُوا مَا تُرِيدُونَ فَتَنَالُوهُ. بِهَذَا يَتَمَجَّدُ أَبِي: أَنْ تُثْمِرُوا ثَمَرًا كَثِيرًا، فَيَظْهَرَ أَنَّكُمْ تَلَامِيذِي. ”كَمَا أَحَبَّنِي الْأَبُ، أَنَا أَيْضًا أَحْبَبْتُكُمْ، فَاثْبُتُوا فِي مَحَبَّتِي. إِنْ كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ بِوَصَايَايَ تَثْبُتُونَ فِي مَحَبَّتِي، كَمَا أَنِّي أَعْمَلُ بِوَصَايَا أَبِي وَأَثْبُتُ فِي مَحَبَّتِهِ. قُلْتُ لَكُمْ هَذَا، لِتَفْرَحُوا مِثْلِي، فَيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلًا. هَذِهِ هِيَ وَصِيَّتِي: أَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ. لَا تُوجَدُ مَحَبَّةٌ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُضَحِّيَ الْوَاحِدُ بِنَفْسِهِ فِي سَبِيلِ أَحِبَّائِهِ. إِنْ عَمِلْتُمْ بِوَصَايَايَ فَأَنْتُمْ أَحِبَّائِي. أَنَا لَا أَدْعُوكُمْ عَبِيدًا بَعْدَ الْآنَ، لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَعْرِفُ مَا يَعْمَلُ سَيِّدُهُ. إِنَّمَا دَعَوْتُكُمْ أَحِبَّائِي، لِأَنِّي عَرَّفْتُكُمْ بِكُلِّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي. أَنْتُمْ لَمْ تَخْتَارُونِي، أَنَا الَّذِي اخْتَرْتُكُمْ وَعَيَّنْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتُثْمِرُوا ثَمَرًا يَدُومُ، فَيُعْطِيَكُمُ الْأَبُ كُلَّ مَا تَطْلُبُونَهُ بِاسْمِي. فَهَذِهِ هِيَ وَصِيَّتِي لَكُمْ: أَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. ”إِنْ كَرِهَكُمُ الْعَالَمُ، فَاعْلَمُوا أَنَّهُ كَرِهَنِي قَبْلَ مَا يَكْرَهُكُمْ. لَوْ كُنْتُمْ مِنْ أَهْلِ الْعَالَمِ، لَكَانَ الْعَالَمُ يُحِبُّكُمْ كَأَهْلِهِ. لَكِنْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ مِنَ الْعَالَمِ، فَأَنْتُمْ لَسْتُمْ مِنْ أَهْلِهِ، وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ أَنَّهُ يَكْرَهُكُمْ. تَذَكَّرُوا مَا قُلْتُهُ لَكُمْ: ’لَيْسَ الْعَبْدُ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ‘، إِنْ كَانُوا قَدِ اضْطَهَدُونِي فَسَيَضْطَهِدُونَكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا، وَإِنْ كَانُوا قَدْ عَمِلُوا بِكَلَامِي فَسَيَعْمَلُونَ بِكَلَامِكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا. وَهُمْ يَفْعَلُونَ كُلَّ هَذَا بِكُمْ بِسَبَبِ اسْمِي، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الَّذِي أَرْسَلَنِي. لَوْ لَمْ أَكُنْ قَدْ جِئْتُ وَكَلَّمْتُهُمْ، لَمَا كَانَ عَلَيْهِمْ ذَنْبٌ. لَكِنِ الْآنَ لَا عُذْرَ لَهُمْ فِي ذَنْبِهِمْ. مَنْ يَكْرَهُنِي يَكْرَهُ أَبِي أَيْضًا. لَوْ لَمْ أَكُنْ قَدْ عَمِلْتُ مَعَهُمْ مُعْجِزَاتٍ لَمْ يَعْمَلْهَا غَيْرِي، لَمَا كَانَ عَلَيْهِمْ ذَنْبٌ. لَكِنَّهُمْ رَأَوْا مُعْجِزَاتِي، وَكَرِهُونِي أَنَا وَأَبِي. وَبِذَلِكَ تَمَّ الْقَوْلُ الْوَارِدُ فِي كِتَابِهِمْ: ’كَرِهُونِي بِلَا سَبَبٍ.‘ ”وَمَتَى جَاءَ الْمُعِينُ الَّذِي أُرْسِلُهُ لَكُمْ مِنْ عِنْدِ الْأَبِ، رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي يَأْتِي مِنَ الْأَبِ، هُوَ يَشْهَدُ لِي. وَأَنْتُمْ أَيْضًا تَشْهَدُونَ لِي، لِأَنَّكُمْ مَعِي مِنَ الْأَوَّلِ. ”قُلْتُ لَكُمْ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لِكَيْ لَا تَتَرَاجَعُوا. سَيَطْرُدُونَكُمْ مِنْ بَيْتِ الْعِبَادَةِ. فِي الْحَقِيقَةِ يَجِيءُ وَقْتٌ، يَظُنُّ فِيهِ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً للهِ. وَهُمْ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ أَبِي وَلَا يَعْرِفُونِي. لَكِنِّي أَخْبَرْتُكُمْ بِهَذَا، حَتَّى مَتَى حَانَ الْوَقْتُ لِتَحْدُثَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ، تَذْكُرُونَ أَنِّي قُلْتُ لَكُمْ عَنْهَا. أَنَا لَمْ أُخْبِرْكُمْ بِهَا مِنَ الْأَوَّلِ لِأَنِّي كُنْتُ مَعَكُمْ. ”أَمَّا الْآنَ، فَأَنَا ذَاهِبٌ إِلَى الَّذِي أَرْسَلَنِي، وَمَعَ ذَلِكَ وَلَا وَاحِدٌ مِنْكُمْ يَسْأَلُنِي: ’أَيْنَ أَنْتَ ذَاهِبٌ؟‘ وَلَكِنْ لِأَنِّي أَخْبَرْتُكُمْ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، مَلَأَ الْحُزْنُ قُلُوبَكُمْ. لَكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَذْهَبَ، لِأَنِّي إِنْ كُنْتُ لَا أَذْهَبُ لَا يَجِيءُ إِلَيْكُمُ الْمُعِينُ، أَمَّا إِنْ ذَهَبْتُ فَإِنِّي أُرْسِلُهُ لَكُمْ. وَعِنْدَمَا يَجِيءُ يُبَيِّنُ لِأَهْلِ الْعَالَمِ أَنَّهُمْ عَلَى خَطَأٍ مِنْ جِهَةِ الْخَطِيئَةِ وَالصَّلَاحِ وَالْعِقَابِ. فَخَطِيئَتُهُمْ هِيَ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِي. وَصَلَاحِي يَظْهَرُ فِي أَنِّي رَاجِعٌ إِلَى الْأَبِ وَلَنْ تَرَوْنِي. وَالْعِقَابُ هُوَ الْحُكْمُ الَّذِي صَدَرَ ضِدَّ سَيِّدِ هَذِهِ الدُّنْيَا. ”عِنْدِيَ الْكَثِيرُ لِأَقُولَهُ لَكُمْ، وَلَكِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوهُ الْآنَ. لَكِنْ عِنْدَمَا يَجِيءُ رُوحُ الْحَقِّ يُرْشِدُكُمْ إِلَى كُلِّ الْحَقِّ، لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ شَيْئًا مِنْ عِنْدِهِ، بَلْ يَتَكَلَّمُ بِمَا يَسْمَعُ وَيُخْبِرُكُمْ بِمَا سَيَحْدُثُ. وَهُوَ سَيُمَجِّدُنِي، لِأَنَّ مَا يُخْبِرُكُمْ بِهِ هُوَ مِنْ عِنْدِي. كُلُّ مَا هُوَ لِلْأَبِ هُوَ لِي. وَلِهَذَا قُلْتُ لَكُمْ إِنَّ مَا يُخْبِرُكُمْ بِهِ هُوَ مِنْ عِنْدِي. بَعْدَ قَلِيلٍ لَا تَرَوْنِي، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَلِيلٍ تَرَوْنِي.“ فَقَالَ بَعْضُ تَلَامِيذِهِ لِبَعْضٍ: ”مَاذَا يَقْصِدُ بِقَوْلِهِ لَنَا: ’بَعْدَ قَلِيلٍ لَا تَرَوْنِي، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَلِيلٍ تَرَوْنِي.‘ ثُمَّ قَوْلِهِ: ’أَنَا رَاجِعٌ إِلَى الْأَبِ‘؟“ وَقَالُوا: ”مَا مَعْنَى بَعْدَ قَلِيلٍ؟ نَحْنُ لَا نَفْهَمُ كَلَامَهُ.“ وَعَلِمَ عِيسَى أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَسْأَلُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ: ”تَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَكُمْ عَنْ قَوْلِي: ’بَعْدَ قَلِيلٍ لَا تَرَوْنِي، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَلِيلٍ تَرَوْنِي.‘ أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، سَتَبْكُونَ وَتَنُوحُونَ، وَأَمَّا أَهْلُ الْعَالَمِ فَيَفْرَحُونَ. سَتَحْزَنُونَ لَكِنَّ حُزْنَكُمْ يَتَحَوَّلُ إِلَى فَرَحٍ. الْمَرْأَةُ تَتَأَلَّمُ وَهِيَ تَلِدُ لِأَنَّ وَقْتَهَا جَاءَ. لَكِنْ مَتَى وَلَدَتْ طِفْلَهَا، تَنْسَى أَوْجَاعَهَا لِأَنَّهَا تَفْرَحُ بِوِلَادَةِ إِنْسَانٍ فِي الْعَالَمِ. فَأَنْتُمْ أَيْضًا تَحْزَنُونَ الْآنَ، لَكِنِّي سَأَرَاكُمْ مَرَّةً أُخْرَى، فَيَفْرَحُ قَلْبُكُمْ، وَلَا يَسْلُبُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، لَا تَطْلُبُونَ مِنِّي شَيْئًا. أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ، كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ مِنَ الْأَبِ بِاسْمِي يُعْطِيهِ لَكُمْ. لِلْآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئًا بِاسْمِي. اُطْلُبُوا تَنَالُوا فَيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلًا. ”مَعَ أَنِّي اسْتَعْمَلْتُ الرُّمُوزَ فِي حَدِيثِي مَعَكُمْ، لَكِنْ يَأْتِي وَقْتٌ لَا أُحَدِّثُكُمْ فِيهِ بِرُمُوزٍ، بَلْ أُخْبِرُكُمْ عَنِ الْأَبِ بِكَلَامٍ وَاضِحٍ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَطْلُبُونَ مِنْهُ بِاسْمِي. وَأَنَا لَا أَقُولُ إِنِّي سَأَدْعُو الْأَبَ بِالنِّيَابَةِ عَنْكُمْ. فَالْأَبُ نَفْسُهُ يُحِبُّكُمْ، لِأَنَّكُمْ تُحِبُّونِي وَقَدْ آمَنْتُمْ أَنِّي جِئْتُ مِنَ اللهِ. نَعَمْ، مِنَ الْأَبِ جِئْتُ، وَأَتَيْتُ إِلَى هَذَا الْعَالَمِ، ثُمَّ أَتْرُكُ الْعَالَمَ وَأَذْهَبُ إِلَى الْأَبِ.“ فَقَالَ تَلَامِيذُهُ: ”أَنْتَ الْآنَ تَتَكَلَّمُ بِوُضُوحٍ وَلَيْسَ بِرُمُوزٍ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ الْآنَ أَنَّكَ تَعْرِفُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلَا تَحْتَاجُ إِلَى مَنْ يَسْأَلُكَ، لِذَلِكَ نُؤْمِنُ أَنَّكَ جِئْتَ مِنَ اللهِ.“ أَجَابَهُمْ عِيسَى: ”هَلْ تُؤْمِنُونَ الْآنَ؟ سَيَحِينُ وَقْتٌ، بَلْ حَانَ الْوَقْتُ الَّذِي فِيهِ تَتَفَرَّقُونَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي حَالِهِ وَتَتْرُكُونِي وَحْدِي. لَكِنِّي لَسْتُ وَحْدِي لِأَنَّ الْأَبَ مَعِي. قُلْتُ لَكُمْ هَذَا لِيَكُونَ عِنْدَكُمْ سَلَامٌ بِوَاسِطَتِي. سَتُعَانُونَ الضِّيقَ فِي الْعَالَمِ، لَكِنْ ثِقُوا أَنَا غَلَبْتُ الْعَالَمَ.“ وَبَعْدَ هَذَا الْكَلَامِ، نَظَرَ عِيسَى إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: ”يَا أَبِي، حَانَ الْوَقْتُ، مَجِّدِ ابْنَكَ لِكَيْ يُمَجِّدَكَ ابْنُكَ، لِأَنَّكَ أَعْطَيْتَهُ السُّلْطَةَ عَلَى جَمِيعِ الْبَشَرِ، لِكَيْ يَمْنَحَ حَيَاةَ الْخُلُودِ لِكُلِّ الَّذِينَ أَعْطَيْتَهُمْ لَهُ. وَحَيَاةُ الْخُلُودِ هِيَ أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الْإِلَهَ الْحَقَّ وَحْدَكَ، وَيَعْرِفُوا عِيسَى الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ. أَنَا مَجَّدْتُكَ عَلَى الْأَرْضِ، بِأَنِّي أَنْجَزْتُ الْعَمَلَ الَّذِي كَلَّفْتَنِي بِهِ. وَالْآنَ مَجِّدْنِي إِلَى جِوَارِكَ يَا أَبِي بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ خَلْقِ الْعَالَمِينَ. ”أَنَا أَظْهَرْتُ اسْمَكَ لِلَّذِينَ أَعْطَيْتَهُمْ لِي مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الْعَالَمِ. كَانُوا لَكَ فَأَعْطَيْتَهُمْ لِي. وَهُمْ عَمِلُوا بِكَلَامِكَ، وَعَرَفُوا الْآنَ أَنَّ كُلَّ مَا أَعْطَيْتَهُ لِي هُوَ مِنْ عِنْدِكَ. فَأَنَا بَلَّغْتُهُمُ الرِّسَالَةَ الَّتِي أَعْطَيْتَهَا لِي. وَهُمْ قَبِلُوهَا وَعَرَفُوا حَقًّا أَنِّي جِئْتُ مِنْ عِنْدِكَ، وَآمَنُوا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي. أَنَا أَدْعُو لَهُمْ. فَلَا أَدْعُو لِأَهْلِ الْعَالَمِ، بَلْ لِلَّذِينَ أَعْطَيْتَهُمْ لِي لِأَنَّهُمْ لَكَ. وَكُلُّ الَّذِينَ لِي هُمْ لَكَ، وَالَّذِينَ لَكَ هُمْ لِي. وَأَنَا أَتَمَجَّدُ بِوَاسِطَتِهِمْ. هُمْ بَاقُونَ فِي هَذَا الْعَالَمِ، أَمَّا أَنَا فَلَنْ أَبْقَى فِي هَذَا الْعَالَمِ لِأَنِّي رَاجِعٌ إِلَيْكَ. أَيُّهَا الْأَبُ الْقُدُّوسُ، اِحْفَظْهُمْ بِقُوَّةِ اسْمِكَ الَّذِي أَعْطَيْتَهُ لِي، لِكَيْ يَكُونُوا وَاحِدًا، كَمَا أَنَّنَا أَنْتَ وَأَنَا وَاحِدٌ. لَمَّا كُنْتُ مَعَهُمْ، حَافَظْتُ عَلَيْهِمْ وَحَرَسْتُهُمْ بِقُوَّةِ اسْمِكَ الَّذِي أَعْطَيْتَهُ لِي، وَلَمْ يَهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا الَّذِي اخْتَارَ لِنَفْسِهِ الْهَلَاكَ لِيَتِمَّ مَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ. ”وَالْآنَ أَنَا رَاجِعٌ إِلَيْكَ، وَإِنَّمَا أَقُولُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَأَنَا مَا زِلْتُ فِي الْعَالَمِ، لِيَفْرَحُوا مِثْلِي فَرَحًا كَامِلًا. أَنَا بَلَّغْتُهُمْ كَلِمَتَكَ، فَكَرِهَهُمْ أَهْلُ الْعَالَمِ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنَ الْعَالَمِ، كَمَا أَنِّي أَنَا لَسْتُ مِنَ الْعَالَمِ. أَنَا لَا أَطْلُبُ مِنْكَ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ الْعَالَمِ، بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ. هُمْ لَيْسُوا مِنَ الْعَالَمِ، كَمَا أَنِّي أَنَا لَسْتُ مِنَ الْعَالَمِ. اِجْعَلْهُمْ مُخَصَّصِينَ لَكَ بِوَاسِطَةِ الْحَقِّ. كَلِمَتُكَ هُوَ الْحَقُّ. وَكَمَا أَرْسَلْتَنِي إِلَى الْعَالَمِ، أَنَا أَيْضًا أَرْسَلْتُهُمْ إِلَى الْعَالَمِ. وَإِنِّي كَرَّسْتُ نَفْسِي تَمَامًا مِنْ أَجْلِهِمْ، لِكَيْ يُكَرِّسُوا هُمْ أَيْضًا أَنْفُسَهُمْ تَمَامًا لِلْحَقِّ. ”وَأَنَا لَا أَدْعُو لِهَؤُلَاءِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا لِمَنْ يُؤْمِنُونَ بِي بِوَاسِطَةِ كَلَامِهِمْ. لِكَيْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ وَاحِدًا، أَيُّهَا الْأَبُ، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ. فَلْيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا فِينَا، بِذَلِكَ يُؤْمِنُ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي. أَنَا أَكْرَمْتُهُمْ بِنَفْسِ إِكْرَامِكَ لِي، لِكَيْ يَكُونُوا وَاحِدًا، كَمَا أَنَّنَا أَنْتَ وَأَنَا وَاحِدٌ. أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِتَكُونَ وَحْدَتُهُمْ كَامِلَةً، فَيَعْرِفَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي وَأَنَّكَ تُحِبُّهُمْ كَمَا تُحِبُّنِي. ”أَيُّهَا الْأَبُ، هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَهُمْ لِي أُرِيدُ أَنْ يَكُونُوا مَعِي فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَكُونُ فِيهِ، فَيَرَوْا الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَهُ لِي، لِأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي مِنْ قَبْلِ خَلْقِ الْعَالَمِينَ. أَيُّهَا الْأَبُ الْبَارُّ، أَهْلُ الْعَالَمِ لَمْ يَعْرِفُوكَ، أَمَّا أَنَا فَعَرَفْتُكَ. وَهَؤُلَاءِ عَرَفُوا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي. أَنَا عَرَّفْتُهُمْ بِشَخْصِكَ، وَسَأُعَرِّفُهُمْ بِهِ، لِكَيْ تَكُونَ فِيهِمُ الْمَحَبَّةُ الَّتِي أَحْبَبْتَنِي بِهَا، وَأَكُونَ أَنَا فِيهِمْ.“ وَبَعْدَ هَذِهِ الصَّلَاةِ، خَرَجَ عِيسَى مَعَ تَلَامِيذِهِ، وَعَبَرَ وَادِي قَدْرُونَ. وَكَانَ هُنَاكَ بُسْتَانٌ، فَدَخَلَهُ هُوَ وَتَلَامِيذُهُ. وَكَانَ يَهُوذَا الَّذِي خَانَهُ، يَعْرِفُ ذَلِكَ الْمَكَانَ، لِأَنَّ عِيسَى اجْتَمَعَ مَعَ تَلَامِيذِهِ هُنَاكَ عِدَّةَ مَرَّاتٍ. فَأَخَذَ يَهُوذَا فِرْقَةً مِنَ الْعَسْكَرِ وَجَمَاعَةً مِنَ الْحَرَسِ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ، وَرَاحَ إِلَى الْبُسْتَانِ. وَكَانَ مَعَهُمْ مَصَابِيحُ وَمَشَاعِلُ وَسِلَاحٌ. وَكَانَ عِيسَى يَعْلَمُ كُلَّ مَا سَيَحْدُثُ لَهُ، فَخَرَجَ وَقَالَ لَهُمْ: ”مَنْ تَطْلُبُونَ؟“ فَأَجَابُوا: ”عِيسَى النَّاصِرِيَّ.“ قَالَ لَهُمْ: ”أَنَا هُوَ.“ وَكَانَ يَهُوذَا الَّذِي خَانَهُ وَاقِفًا مَعَهُمْ. فَلَمَّا قَالَ عِيسَى لَهُمْ: ”أَنَا هُوَ“ رَجَعُوا إِلَى الْوَرَاءِ وَوَقَعُوا عَلَى الْأَرْضِ. فَسَأَلَهُمْ عِيسَى ثَانِيَةً: ”مَنْ تَطْلُبُونَ؟“ قَالُوا: ”عِيسَى النَّاصِرِيَّ.“ أَجَابَ عِيسَى: ”قُلْتُ لَكُمْ أَنَا هُوَ، فَإِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونِي أَنَا، خَلُّوا هَؤُلَاءِ يَذْهَبُونَ.“ وَبِهَذَا تَمَّتِ الْكَلِمَةُ الَّتِي قَالَهَا: ”لَمْ أَفْقِدْ أَحَدًا مِنَ الَّذِينَ أَعْطَيْتَهُمْ لِي.“ وَكَانَ مَعَ سَمْعَانَ بُطْرُسَ سَيْفٌ، فَأَخْرَجَهُ وَضَرَبَ عَبْدَ الْحَبْرِ الْأَعْلَى، وَقَطَعَ أُذُنَهُ الْيُمْنَى. وَكَانَ اسْمُ الْعَبْدِ مَلْخُسَ. فَقَالَ عِيسَى لِبُطْرُسَ: ”ضَعْ سَيْفَكَ فِي غِمْدِهِ. الْكَأْسُ الَّتِي أَعْطَانِي الْأَبُ أَلَا أَشْرَبُهَا؟“ فَقَبَضَ الْعَسْكَرُ وَالْقَائِدُ وَحَرَسُ الْيَهُودِ عَلَى عِيسَى وَقَيَّدُوهُ وَسَاقُوهُ أَوَّلًا إِلَى حَنَّا، وَهُوَ حَمُو قَيَافَا الْحَبْرِ الْأَعْلَى فِي تِلْكَ السَّنَةِ. وَقَيَافَا هُوَ الَّذِي نَصَحَ قَادَةَ الْيَهُودِ أَنَّهُ خَيْرٌ أَنْ يَمُوتَ رَجُلٌ وَاحِدٌ بَدَلًا عَنِ الشَّعْبِ. وَكَانَ سَمْعَانُ بُطْرُسُ وَتِلْمِيذٌ آخَرُ يَتْبَعَانِ عِيسَى. هَذَا التِّلْمِيذُ الْآخَرُ كَانَ يَعْرِفُهُ رَئِيسُ الْأَحْبَارِ، فَدَخَلَ مَعَ عِيسَى إِلَى قَصْرِ رَئِيسِ الْأَحْبَارِ. أَمَّا بُطْرُسُ فَوَقَفَ فِي الْخَارِجِ عِنْدَ الْبَابِ. فَخَرَجَ التِّلْمِيذُ الْآخَرُ الَّذِي كَانَ رَئِيسُ الْأَحْبَارِ يَعْرِفُهُ، وَكَلَّمَ الْبَوَّابَةَ وَأَدْخَلَ بُطْرُسَ. فَقَالَتِ الْخَادِمَةُ الْبَوَّابَةُ لِبُطْرُسَ: ”هَلْ أَنْتَ أَيْضًا مِنْ تَلَامِيذِ هَذَا الرَّجُلِ؟“ فَقَالَ: ”لَا، لَسْتُ مِنْهُمْ.“ وَكَانَ الْبَرْدُ شَدِيدًا. فَأَوْقَدَ الْخَدَمُ وَالْحَرَسُ نَارًا، وَوَقَفُوا يَتَدَفَّأُونَ. وَوَقَفَ بُطْرُسُ أَيْضًا يَتَدَفَّأُ مَعَهُمْ. فَسَأَلَ رَئِيسُ الْأَحْبَارِ عِيسَى عَنْ تَلَامِيذِهِ وَعَنِ التَّعْلِيمِ الَّذِي يُنَادِي بِهِ. فَأَجَابَهُ عِيسَى: ”أَنَا كَلَّمْتُ الْعَالَمَ عَلَنًا، وَدَائِمًا عَلَّمْتُ فِي بُيُوتِ الْعِبَادَةِ وَفِي بَيْتِ اللهِ حَيْثُ يَجْتَمِعُ كُلُّ الْيَهُودِ، وَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا فِي السِّرِّ. إِذَنْ لِمَاذَا تَسْأَلُنِي أَنَا؟ اِسْأَلِ الَّذِينَ سَمِعُوا، عَنِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي كَلَّمْتُهُمْ بِهَا، فَهُمْ يَعْرِفُونَ مَا قُلْتُ.“ فَلَمَّا قَالَ عِيسَى هَذَا، لَطَمَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَاحِدٌ مِنَ الْحَرَسِ كَانَ بِجَانِبِهِ وَقَالَ لَهُ: ”أَبِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ تَرُدُّ عَلَى رَئِيسِ الْأَحْبَارِ؟“ أَجَابَهُ عِيسَى: ”إِنْ كُنْتُ أَخْطَأْتُ فِي كَلَامِي، فَبَيِّنِ الْخَطَأَ. وَإِنْ كُنْتُ تَكَلَّمْتُ بِالصَّوَابِ، فَلِمَاذَا تَضْرِبُنِي؟“ فَأَرْسَلَهُ حَنَّا مُقَيَّدًا إِلَى قَيَافَا الْحَبْرِ الْأَعْلَى. وَكَانَ سَمْعَانُ بُطْرُسُ وَاقِفًا يَتَدَفَّأُ فَقَالُوا لَهُ: ”هَلْ أَنْتَ أَيْضًا مِنْ تَلَامِيذِهِ؟“ فَأَنْكَرَ وَقَالَ: ”لَا، لَسْتُ مِنْهُمْ.“ فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْ عَبِيدِ رَئِيسِ الْأَحْبَارِ وَهُوَ قَرِيبُ الرَّجُلِ الَّذِي قَطَعَ بُطْرُسُ أُذُنَهُ: ”أَمَا رَأَيْتُكَ مَعَهُ فِي الْبُسْتَانِ؟“ فَأَنْكَرَ بُطْرُسُ أَيْضًا. وَعِنْدَ ذَلِكَ صَاحَ الدِّيكُ. وَسَاقُوا عِيسَى مِنْ عِنْدِ قَيَافَا إِلَى قَصْرِ الْوِلَايَةِ. وَكَانَ الصُّبْحُ قَدْ طَلَعَ، فَلَمْ يَدْخُلِ الْيَهُودُ إِلَى الْقَصْرِ، لِئَلَّا يَتَنَجَّسُوا فَلَا يَأْكُلُوا مِنَ الْفِصْحِ. لِذَلِكَ خَرَجَ بِيلَاطِسُ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: ”بِمَاذَا تَتَّهِمُونَ هَذَا الرَّجُلَ؟“ أَجَابُوهُ: ”لَوْ لَمْ يَكُنْ مُجْرِمًا لَمَا كُنَّا سَلَّمْنَاهُ لَكَ.“ فَقَالَ لَهُمْ بِيلَاطِسُ: ”خُذُوهُ أَنْتُمْ وَحَاكِمُوهُ حَسَبَ شَرِيعَتِكُمْ.“ فَقَالَ لَهُ الْيَهُودُ: ”نَحْنُ غَيْرُ مَسْمُوحٍ لَنَا أَنْ نَقْتُلَ أَحَدًا.“ وَبِذَلِكَ تَمَّ مَا قَالَهُ عِيسَى عَنِ الطَّرِيقَةِ الَّتِي سَيَمُوتُ بِهَا. فَدَخَلَ بِيلَاطِسُ إِلَى الْقَصْرِ، وَدَعَا عِيسَى وَقَالَ لَهُ: ”هَلْ أَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟“ أَجَابَهُ عِيسَى: ”هَلْ تَقُولُ هَذَا بِحَسَبِ تَفْكِيرِكَ أَنْتَ، أَمْ بِحَسَبِ كَلَامِ الْآخَرِينَ عَنِّي؟“ أَجَابَ بِيلَاطِسُ: ”هَلْ أَنَا يَهُودِيٌّ؟ شَعْبُكَ وَرُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ سَلَّمُوكَ لِي. مَاذَا عَمِلْتَ؟“ أَجَابَ عِيسَى: ”مُلْكِي لَا يَنْتَمِي إِلَى هَذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَ مُلْكِي يَنْتَمِي إِلَى هَذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُحَارِبُونَ عَنِّي لِكَيْ لَا يَقْبِضَ قَادَةُ الْيَهُودِ عَلَيَّ، وَلَكِنَّ مُلْكِي لَا يَنْتَمِي إِلَى هُنَا.“ قَالَ لَهُ بِيلَاطِسُ: ”إِذَنْ فَأَنْتَ مَلِكٌ؟“ أَجَابَ عِيسَى: ”قُلْتَ الصَّوَابَ، أَنَا مَلِكٌ. وَقَدْ وُلِدْتُ وَجِئْتُ إِلَى الْعَالَمِ لِهَذَا: لِأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. فَكُلُّ مَنْ يَنْتَمِي إِلَى الْحَقِّ يَسْمَعُ لِي.“ قَالَ لَهُ بِيلَاطِسُ: ”مَا هُوَ الْحَقُّ؟“ وَلَمَّا قَالَ هَذَا خَرَجَ ثَانِيَةً إِلَى الشَّعْبِ وَقَالَ لَهُمْ: ”لَا أَجِدُ فِيهِ أَيَّ ذَنْبٍ. لَكِنْ تَعَوَّدْتُمْ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ وَاحِدًا فِي الْفِصْحِ، فَهَلْ تَرْغَبُونَ فِي أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ الْيَهُودِ؟“ فَأَجَابُوهُ بِالصُّرَاخِ وَقَالُوا: ”لَا تُطْلِقْ هَذَا! بَلِ ابْنَ عَبَّاسٍ.“ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِصًّا. فَأَخَذَ بِيلَاطِسُ عِيسَى وَأَمَرَ بِأَنْ يُجْلَدَ. وَضَفَرَ الْجُنُودُ تَاجًا مِنَ الشَّوْكِ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَأَلْبَسُوهُ رِدَاءً لَوْنُهُ أُرْجُوَانِيٌّ. وَأَخَذُوا يَتَقَدَّمُونَ إِلَيْهِ وَيَقُولُونَ: ”أَهْلًا بِكَ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!“ وَهُمْ يَلْطِمُونَهُ عَلَى وَجْهِهِ. وَخَرَجَ بِيلَاطِسُ مَرَّةً أُخْرَى وَقَالَ لِلْيَهُودِ: ”اُنْظُرُوا، سَأُخْرِجُهُ إِلَيْكُمْ لِتَعْرِفُوا أَنِّي لَا أَجِدُ فِيهِ أَيَّ ذَنْبٍ.“ فَخَرَجَ عِيسَى، وَعَلَيْهِ تَاجُ الشَّوْكِ وَالرِّدَاءُ الْأُرْجُوَانِيُّ. فَقَالَ لَهُمْ بِيلَاطِسُ: ”هَذَا هُوَ الرَّجُلُ.“ فَلَمَّا رَآهُ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَالْحَرَسُ صَرَخُوا: ”اِصْلِبْهُ، اِصْلِبْهُ.“ فَقَالَ لَهُمْ بِيلَاطِسُ: ”خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاصْلِبُوهُ لِأَنِّي لَا أَجِدُ فِيهِ أَيَّ ذَنْبٍ.“ أَجَابَهُ الْيَهُودُ: ”لَنَا شَرِيعَةٌ، وَحَسَبَ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَنَّهُ ابْنُ اللهِ.“ فَلَمَّا سَمِعَ بِيلَاطِسُ هَذَا الْكَلَامَ، خَافَ جِدًّا. فَرَجَعَ إِلَى دَاخِلِ الْقَصْرِ وَسَأَلَ عِيسَى: ”مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟“ فَلَمْ يَرُدَّ عِيسَى عَلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ بِيلَاطِسُ: ”هَلْ تَرْفُضُ أَنْ تُكَلِّمَنِي؟ أَلَا تَعْلَمُ أَنَّ لِيَ السُّلْطَةَ أَنْ أُطْلِقَكَ وَالسُّلْطَةَ أَنْ أَصْلِبَكَ؟“ أَجَابَهُ عِيسَى: ”لَيْسَ لَكَ سُلْطَةٌ عَلَيَّ لَوْ لَمْ يَكُنْ أَعْطَاهَا اللهُ لَكَ. لِذَلِكَ فَالَّذِي سَلَّمَنِي إِلَيْكَ ذَنْبُهُ أَعْظَمُ.“ وَلِهَذَا حَاوَلَ بِيلَاطِسُ أَنْ يُطْلِقَ سَرَاحَهُ. فَصَرَخَ الْيَهُودُ: ”إِنْ أَطْلَقْتَ سَرَاحَهُ، فَأَنْتَ لَا تُحِبُّ قَيْصَرَ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ مَلِكٌ يُعَادِي قَيْصَرَ.“ فَلَمَّا سَمِعَ بِيلَاطِسُ هَذَا الْكَلَامَ، أَخْرَجَ عِيسَى، وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ الْقَضَاءِ فِي مَكَانٍ اسْمُهُ الْبَلَاطُ، وَبِالْعِبْرِيَّةِ جَبَّاثَا. وَكَانَ الْوَقْتُ حَوَالَيِ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ صَبَاحًا فِي يَوْمِ الْإِعْدَادِ لِلْفِصْحِ. فَقَالَ لِلْيَهُودِ: ”هَذَا هُوَ مَلِكُكُمْ.“ فَصَرَخُوا: ”اُقْتُلْهُ! اُقْتُلْهُ! اِصْلِبْهُ!“ فَقَالَ لَهُمْ بِيلَاطِسُ: ”هَلْ أَصْلِبُ مَلِكَكُمْ؟“ أَجَابَ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ: ”لَا مَلِكَ عَلَيْنَا غَيْرَ قَيْصَرَ.“ وَأَخِيرًا سَلَّمَهُ إِلَيْهِمْ لِيُصْلَبَ، فَأَخَذَهُ الْعَسْكَرُ. وَخَرَجَ عِيسَى وَهُوَ حَامِلٌ صَلِيبَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي اسْمُهُ الْجُمْجُمَةُ، وَبِالْعِبْرِيَّةِ الْجُلْجُثَةُ. وَصَلَبُوهُ هُنَاكَ، وَصَلَبُوا اثْنَيْنِ آخَرَيْنِ مَعَهُ، مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا وَعِيسَى فِي الْوَسَطِ. وَكَتَبَ بِيلَاطِسُ لَافِتَةً تَقُولُ: ”عِيسَى النَّاصِرِيُّ مَلِكُ الْيَهُودِ!“ وَوَضَعُوهَا عَلَى الصَّلِيبِ. فَقَرَأَ اللَّافِتَةَ كَثِيرٌ مِنَ الْيَهُودِ، لِأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ عِيسَى كَانَ بِالْقُرْبِ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَكَانَتِ الْكِتَابَةُ بِاللُّغَاتِ الْعِبْرِيَّةِ وَاللَّاتِينِيَّةِ وَالْيُونَانِيَّةِ. فَقَالَ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ لِبِيلَاطِسَ: ”لَا تَكْتُبْ: ’مَلِكُ الْيَهُودِ‘، بَلِ اكْتُبْ: ’هَذَا الرَّجُلُ قَالَ: ”أَنَا مَلِكُ الْيَهُودِ.“‘“ فَأَجَابَ بِيلَاطِسُ: ”مَا كَتَبْتُ قَدْ كَتَبْتُ.“ وَأَمَّا الْعَسْكَرُ فَلَمَّا صَلَبُوا عِيسَى، أَخَذُوا ثِيَابَهُ وَقَسَّمُوهَا إِلَى 4 أَقْسَامٍ، لِكُلِّ عَسْكَرِيٍّ قِسْمٌ. وَأَخَذُوا الْقَمِيصَ أَيْضًا، وَكَانَ قِطْعَةً وَاحِدَةً مَنْسُوجَةً مِنْ فَوْقُ إِلَى تَحْتُ بِغَيْرِ خِيَاطَةٍ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ”لَا نَشُقُّهُ بَلْ نُلْقِي قُرْعَةً لِنَرَى مَنْ يَأْخُذُهُ.“ فَتَمَّ مَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ: ”قَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ، وَعَلَى مَلَابِسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً.“ فَهَذَا هُوَ مَا فَعَلَهُ الْعَسْكَرُ. وَكَانَتْ أُمُّ عِيسَى وَاقِفَةً عِنْدَ صَلِيبِهِ، وَمَعَهَا أُخْتُهَا مَرْيَمُ امْرَأَةُ كِلُوبَا، وَمَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ. فَرَأَى عِيسَى أُمَّهُ وَإِلَى جَانِبِهَا التِّلْمِيذُ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ فَقَالَ لَهَا: ”يَا أُمِّي، هَذَا ابْنُكِ.“ ثُمَّ قَالَ لِلتِّلْمِيذِ: ”هَذِهِ أُمُّكَ.“ وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَخَذَهَا التِّلْمِيذُ إِلَى دَارِهِ. وَرَأَى عِيسَى أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ تَمَّ. وَلِكَيْ يَتَحَقَّقَ مَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ قَالَ: ”أَنَا عَطْشَانُ.“ وَكَانَ هُنَاكَ وِعَاءٌ مَمْلُوءٌ بِالْخَلِّ. فَغَمَسُوا فِيهِ إِسْفِنْجَةً، وَوَضَعُوهَا عَلَى غُصْنٍ مِنْ نَبَاتِ السَّعْتَرِ، وَرَفَعُوهَا إِلَى فَمِهِ. فَلَمَّا تَنَاوَلَ عِيسَى الْخَلَّ قَالَ: ”تَمَّ كُلُّ شَيْءٍ.“ ثُمَّ حَنَى رَأْسَهُ وَسَلَّمَ رُوحَهُ. وَكَانَ هَذَا يَوْمَ الْإِعْدَادِ، فَطَلَبَ قَادَةُ الْيَهُودِ مِنْ بِيلَاطِسَ أَنْ تُكْسَرَ سِيقَانُ الْمَصْلُوبِينَ وَتُنْزَلَ جُثَثُهُمْ، لِكَيْ لَا تَبْقَى عَلَى الصَّلِيبِ إِلَى يَوْمِ السَّبْتِ، لِأَنَّ ذَلِكَ السَّبْتَ كَانَ يَوْمًا كَبِيرًا. فَجَاءَ الْعَسْكَرُ وَكَسَرُوا سَاقَيِ الْأَوَّلِ وَالْآخَرِ الْمَصْلُوبَيْنِ مَعَ عِيسَى. لَكِنْ لَمَّا وَصَلُوا إِلَيْهِ، وَجَدُوا أَنَّهُ مَاتَ، فَلَمْ يَكْسِرُوا سَاقَيْهِ. فَطَعَنَهُ وَاحِدٌ مِنَ الْعَسْكَرِ بِحَرْبَةٍ فِي جَنْبِهِ، وَفِي الْحَالِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ. وَهَذِهِ هِيَ شَهَادَةُ مَنْ رَأَى، فَهِيَ شَهَادَةٌ صَادِقَةٌ. وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُولُ الصِّدْقَ، وَيُقَدِّمُهَا لِكَيْ تُؤْمِنُوا أَنْتُمْ أَيْضًا. وَحَدَثَ هَذَا لِكَيْ يَتَحَقَّقَ مَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ: ”لَنْ يُكْسَرَ عَظْمٌ مِنْهُ.“ وَيَقُولُ الْكِتَابُ أَيْضًا فِي مَكَانٍ آخَرَ: ”سَيَنْظُرُونَ إِلَى الَّذِي طَعَنُوهُ.“ بَعْدَ هَذَا جَاءَ يُوسِفُ الرَّامِيُّ، وَهُوَ تِلْمِيذُ عِيسَى فِي السِّرِّ لِأَنَّهُ كَانَ يَخَافُ مِنْ قَادَةِ الْيَهُودِ، وَطَلَبَ مِنْ بِيلَاطِسَ أَنْ يَأْخُذَ جُثْمَانَ عِيسَى فَسَمَحَ لَهُ بِيلَاطِسُ. فَرَاحَ وَأَخَذَ الْجُثْمَانَ. وَرَاحَ مَعَهُ نِقِدِيمُوسُ الَّذِي زَارَ عِيسَى مِنْ قَبْلُ فِي اللَّيْلِ، وَأَخَذَ نِقِدِيمُوسُ مَعَهُ مَزِيجًا مِنَ الْمُرِّ وَالْعُودِ وَزْنُهُ حَوَالَيْ 34 كِيلُوجْرَامًا. فَأَخَذَا جُثْمَانَ عِيسَى وَلَفَّاهُ مَعَ الطِّيبِ بِأَكْفَانٍ مِنْ كَتَّانٍ، حَسَبَ عَادَةِ الْيَهُودِ فِي دَفْنِ مَوْتَاهُمْ. وَكَانَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي صَلَبُوا فِيهِ عِيسَى بُسْتَانٌ، وَفِي الْبُسْتَانِ قَبْرٌ جَدِيدٌ لَمْ يُدْفَنْ فِيهِ أَحَدٌ. فَدَفَنَا عِيسَى فِي ذَلِكَ الْقَبْرِ لِأَنَّهُ كَانَ قَرِيبًا، وَلِأَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ كَانَ يَوْمَ الْإِعْدَادِ عِنْدَ الْيَهُودِ. وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ، فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ بَيْنَمَا مَا زَالَ الْوَقْتُ ظَلَامًا، رَاحَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ إِلَى الْقَبْرِ. فَرَأَتْ أَنَّ الْحَجَرَ نُقِلَ عَنِ الْقَبْرِ. فَأَسْرَعَتْ وَرَاحَتْ إِلَى سَمْعَانَ بُطْرُسَ وَالتِّلْمِيذِ الْآخَرِ الَّذِي كَانَ عِيسَى يُحِبُّهُ، وَقَالَتْ لَهُمَا: ”أَخَذُوا السَّيِّدَ مِنَ الْقَبْرِ، وَلَا نَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعُوهُ.“ فَخَرَجَ بُطْرُسُ وَالتِّلْمِيذُ الْآخَرُ إِلَى الْقَبْرِ. وَكَانَا يَجْرِيَانِ مَعًا، لَكِنَّ التِّلْمِيذَ الْآخَرَ سَبَقَ بُطْرُسَ، فَوَصَلَ إِلَى الْقَبْرِ قَبْلَهُ. وَانْحَنَى فَرَأَى الْأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ. ثُمَّ وَصَلَ سَمْعَانُ بُطْرُسُ بَعْدَهُ، وَدَخَلَ إِلَى الْقَبْرِ وَرَأَى الْأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً. لَكِنَّ الْمِنْدِيلَ الَّذِي كَانَ عَلَى رَأْسِ عِيسَى غَيْرُ مَوْضُوعٍ مَعَ الْأَكْفَانِ، بَلْ مَلْفُوفٌ فِي مَكَانٍ آخَرَ وَحْدَهُ. فَدَخَلَ التِّلْمِيذُ الْآخَرُ أَيْضًا إِلَى الْقَبْرِ، وَكَانَ قَدْ وَصَلَ قَبْلَ بُطْرُسَ، فَرَأَى وَآمَنَ. فَإِنَّ التَّلَامِيذَ، لَمْ يَكُونُوا قَدْ فَهِمُوا قَوْلَ الْكِتَابِ إِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَقُومَ مِنَ الْمَوْتِ. ثُمَّ رَجَعَ التِّلْمِيذَانِ إِلَى الدَّارِ. أَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ وَاقِفَةً خَارِجَ الْقَبْرِ تَبْكِي. فَانْحَنَتْ لِتَنْظُرَ دَاخِلَ الْقَبْرِ وَهِيَ تَبْكِي، فَرَأَتْ مَلَاكَيْنِ فِي ثِيَابٍ بَيْضَاءَ، جَالِسَيْنِ وَاحِدًا عِنْدَ الرَّأْسِ وَالْآخَرَ عِنْدَ الرِّجْلَيْنِ حَيْثُ كَانَ جُثْمَانُ عِيسَى مَوْجُودًا. فَقَالَا لَهَا: ”لِمَاذَا تَبْكِينَ أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ؟“ فَقَالَتْ لَهُمَا: ”أَخَذُوا سَيِّدِي وَلَا أَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعُوهُ.“ قَالَتْ هَذَا ثُمَّ الْتَفَتَتْ إِلَى الْوَرَاءِ، فَرَأَتْ عِيسَى وَاقِفًا، لَكِنَّهَا لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ عِيسَى. فَقَالَ لَهَا عِيسَى: ”لِمَاذَا تَبْكِينَ أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ؟ وَمَنْ تَطْلُبِينَ؟“ فَظَنَّتْ أَنَّهُ الْبُسْتَانِيُّ فَقَالَتْ لَهُ: ”يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتَ أَنْتَ أَخَذْتَهُ، فَقُلْ لِي أَيْنَ وَضَعْتَهُ وَأَنَا آخُذُهُ.“ فَقَالَ لَهَا عِيسَى: ”يَا مَرْيَمُ!“ فَالْتَفَتَتْ وَقَالَتْ لَهُ بِالْعِبْرِيَّةِ: ”رَبُّونِي!“ وَمَعْنَاهَا ”يَا مُعَلِّمُ.“ فَقَالَ لَهَا عِيسَى: ”لَا تُمْسِكِينِي، لِأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى الْأَبِ. لَكِنِ اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ إِنِّي صَاعِدٌ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلَهِي وَإِلَهِكُمْ.“ فَرَاحَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَأَخْبَرَتِ التَّلَامِيذَ بِأَنَّهَا رَأَتِ السَّيِّدَ وَأَنَّهُ قَالَ لَهَا هَذَا الْكَلَامَ. وَفِي مَسَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، يَوْمِ الْأَحَدِ، كَانَ التَّلَامِيذُ مُجْتَمِعِينَ وَالْأَبْوَابُ مُقْفَلَةً لِخَوْفِهِمْ مِنْ قَادَةِ الْيَهُودِ. وَجَاءَ عِيسَى وَوَقَفَ بَيْنَهُمْ وَقَالَ: ”السَّلَامُ عَلَيْكُمْ.“ وَبَعْدَمَا قَالَ هَذَا، أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ. فَفَرِحَ التَّلَامِيذُ لَمَّا رَأَوْا السَّيِّدَ. وَقَالَ لَهُمْ عِيسَى ثَانِيَةً: ”السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. كَمَا أَرْسَلَنِي الْأَبُ، أُرْسِلُكُمْ أَنَا أَيْضًا.“ وَلَمَّا قَالَ هَذَا نَفَخَ فِيهِمْ وَقَالَ لَهُمْ: ”اِقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُّوسَ. إِنْ غَفَرْتُمْ لِأَحَدٍ ذُنُوبَهُ تُغْفَرْ لَهُ، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوهَا لَا تُغْفَرْ.“ وَلَكِنَّ تُومَا الَّذِي يُدْعَى التَّوْأَمَ، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنَ الِـ12، لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ لَمَّا جَاءَ عِيسَى. فَقَالَ لَهُ بَاقِي التَّلَامِيذِ: ”رَأَيْنَا السَّيِّدَ.“ قَالَ تُومَا: ”لَا أُصَدِّقُ إِلَّا إِذَا رَأَيْتُ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ فِي يَدَيْهِ، وَوَضَعْتُ إِصْبَعِي فِي مَكَانِ الْمَسَامِيرِ وَيَدِي فِي جَنْبِهِ.“ وَبَعْدَ 8 أَيَّامٍ، كَانَ التَّلَامِيذُ فِي الدَّارِ مَرَّةً أُخْرَى، وَتُومَا مَعَهُمْ. وَكَانَتِ الْأَبْوَابُ مُقْفَلَةً، فَجَاءَ عِيسَى وَوَقَفَ بَيْنَهُمْ وَقَالَ: ”السَّلَامُ عَلَيْكُمْ.“ ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: ”هَاتِ إِصْبَعَكَ هُنَا وَانْظُرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلَا تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا.“ أَجَابَ تُومَا: ”يَا رَبِّي وَإِلَهِي!“ قَالَ لَهُ عِيسَى: ”هَلْ آمَنْتَ لِأَنَّكَ رَأَيْتَنِي؟ هَنِيئًا لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَوْا.“ وَعَمِلَ عِيسَى آيَاتٍ أُخْرَى كَثِيرَةً قُدَّامَ تَلَامِيذِهِ، لَمْ تُكْتَبْ فِي هَذَا الْكِتَابِ. أَمَّا هَذِهِ فَكُتِبَتْ لِكَيْ تُؤْمِنُوا أَنَّ عِيسَى هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَنَالُوا الْحَيَاةَ بِالْإِيمَانِ بِهِ. وَبَعْدَ هَذَا، أَظْهَرَ عِيسَى نَفْسَهُ لِلتَّلَامِيذِ مَرَّةً أُخْرَى. كَانَ ذَلِكَ عَلَى شَاطِئِ بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ، وَأَظْهَرَ نَفْسَهُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ: اِجْتَمَعَ سَمْعَانُ بُطْرُسُ، وَتُومَا الَّذِي يُدْعَى التَّوْأَمَ، وَنَثَنْئِيلُ الَّذِي مِنْ قَانَا الْجَلِيلِ، وَابْنَا زَبَدِي، وَاثْنَانِ آخَرَانِ مِنْ تَلَامِيذِهِ. فَقَالَ لَهُمْ سَمْعَانُ بُطْرُسُ: ”أَنَا ذَاهِبٌ لِلصَّيْدِ.“ فَقَالُوا لَهُ: ”نَذْهَبُ مَعَكَ.“ فَخَرَجُوا وَرَكِبُوا الْقَارِبَ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَصِيدُوا شَيْئًا تِلْكَ اللَّيْلَةَ. وَعِنْدَ الْفَجْرِ، وَقَفَ عِيسَى عَلَى الشَّاطِئِ، وَلَمْ يَعْرِفِ التَّلَامِيذُ أَنَّهُ عِيسَى. فَقَالَ لَهُمْ: ”يَا أَوْلَادُ! هَلْ مَعَكُمْ سَمَكٌ؟“ أَجَابُوهُ: ”لَا.“ فَقَالَ لَهُمْ: ”اِرْمُوا الشَّبَكَةَ إِلَى يَمِينِ الْقَارِبِ تَجِدُوا السَّمَكَ.“ فَرَمَوْهَا، وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَسْحَبُوهَا مِنْ كَثْرَةِ السَّمَكِ. فَقَالَ التِّلْمِيذُ الَّذِي يُحِبُّهُ عِيسَى لِبُطْرُسَ: ”هُوَ السَّيِّدُ.“ فَلَمَّا سَمِعَ سَمْعَانُ بُطْرُسُ أَنَّهُ السَّيِّدُ، تَسَتَّرَ بِثَوْبِهِ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ خَلَعَهُ، وَأَلْقَى بِنَفْسِهِ فِي الْمَاءِ. وَجَاءَ بَاقِي التَّلَامِيذِ فِي الْقَارِبِ وَهُمْ يَسْحَبُونَ الشَّبَكَةَ بِمَا فِيهَا مِنَ السَّمَكِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بَعِيدِينَ عَنِ الشَّاطِئِ، حَوَالَيْ 100 مِتْرٍ فَقَطْ. وَلَمَّا نَزَلُوا مِنَ الْقَارِبِ إِلَى الشَّاطِئِ، وَجَدُوا جَمْرًا مُتَّقِدًا عَلَيْهِ سَمَكٌ وَخُبْزٌ. فَقَالَ لَهُمْ عِيسَى: ”هَاتُوا مِنَ السَّمَكِ الَّذِي صِدْتُمُوهُ الْآنَ.“ فَصَعِدَ سَمْعَانُ بُطْرُسُ إِلَى الْقَارِبِ، وَسَحَبَ الشَّبَكَةَ إِلَى الْبَرِّ. وَكَانَتْ قَدِ امْتَلَأَتْ بِـ153 سَمَكَةً كَبِيرَةً. وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ تَتَمَزَّقْ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ الْكَبِيرِ. وَقَالَ لَهُمْ عِيسَى: ”تَعَالَوْا افْطِرُوا.“ وَلَمْ يَتَجَرَّأْ أَحَدٌ مِنَ التَّلَامِيذِ أَنْ يَسْأَلَهُ: ”مَنْ أَنْتَ؟“ لِأَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّهُ السَّيِّدُ. فَتَقَدَّمَ عِيسَى وَأَخَذَ الْخُبْزَ وَأَعْطَاهُمْ، وَكَذَلِكَ السَّمَكَ. هَذِهِ هِيَ ثَالِثُ مَرَّةٍ ظَهَرَ فِيهَا عِيسَى لِتَلَامِيذِهِ بَعْدَ قِيَامَتِهِ مِنَ الْمَوْتِ. وَبَعْدَمَا أَكَلُوا قَالَ عِيسَى لِسَمْعَانَ بُطْرُسَ: ”يَا سَمْعَانُ بْنَ يُوحَنَّا، هَلْ تُحِبُّنِي مَحَبَّةً شَدِيدَةً أَكْثَرَ مِنَ الْكُلِّ؟“ قَالَ لَهُ: ”نَعَمْ يَا سَيِّدُ، أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ.“ فَقَالَ لَهُ: ”أَطْعِمْ حُمْلَانِي.“ وَقَالَ لَهُ ثَانِيَةً: ”يَا سَمْعَانُ بْنَ يُوحَنَّا، هَلْ تُحِبُّنِي مَحَبَّةً شَدِيدَةً؟“ أَجَابَهُ: ”نَعَمْ يَا سَيِّدُ، أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ.“ فَقَالَ لَهُ: ”اِرْعَ غَنَمِي.“ وَقَالَ لَهُ مَرَّةً ثَالِثَةً: ”يَا سَمْعَانُ بْنَ يُوحَنَّا، هَلْ تُحِبُّنِي؟“ فَحَزِنَ بُطْرُسُ لِأَنَّهُ قَالَ لَهُ مَرَّةً ثَالِثَةً: ”هَلْ تُحِبُّنِي؟“ فَأَجَابَهُ: ”يَا سَيِّدُ أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ.“ فَقَالَ لَهُ عِيسَى: ”أَطْعِمْ غَنَمِي. أَقُولُ لَكَ الْحَقَّ، لَمَّا كُنْتَ شَابًّا، كُنْتَ تَلْبَسُ ثَوْبَكَ بِنَفْسِكَ وَتَذْهَبُ حَيْثُ تُرِيدُ، وَلَكِنْ عِنْدَمَا تُصْبِحُ شَيْخًا، تَمُدُّ يَدَيْكَ وَغَيْرُكَ يُلْبِسُكَ ثَوْبَكَ، وَيَأْخُذُكَ إِلَى حَيْثُ لَا تُرِيدُ.“ بِهَذَا الْكَلَامِ أَشَارَ عِيسَى إِلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي سَيَمُوتُ بِهَا بُطْرُسُ وَيَتَمَجَّدُ اللهُ بِهَا. ثُمَّ قَالَ لَهُ: ”اِتْبَعْنِي.“ وَالْتَفَتَ بُطْرُسُ وَرَاءَهُ فَرَأَى التِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ عِيسَى يُحِبُّهُ يَتْبَعُهُمَا. وَهُوَ التِّلْمِيذُ الَّذِي مَالَ عَلَى صَدْرِ عِيسَى فِي أَثْنَاءِ الْعَشَاءِ وَقَالَ لَهُ: ”يَا سَيِّدُ، مَنْ هُوَ الَّذِي يَخُونُكَ؟“ فَلَمَّا رَآهُ بُطْرُسُ قَالَ لِعِيسَى: ”يَا سَيِّدُ، وَهَذَا مَاذَا سَيَحْدُثُ لَهُ؟“ قَالَ لَهُ عِيسَى: ”لَوْ أَرَدْتُ أَنْ يَبْقَى لِحَدِّ مَا أَرْجِعُ، فَهَذَا لَا يَعْنِيكَ. اِتْبَعْنِي أَنْتَ.“ فَشَاعَ الْكَلَامُ بَيْنَ الْإِخْوَةِ أَنَّ هَذَا التِّلْمِيذَ لَنْ يَمُوتَ. لَكِنَّ عِيسَى لَمْ يَقُلْ إِنَّهُ لَنْ يَمُوتَ، بَلْ: ”لَوْ أَرَدْتُ أَنْ يَبْقَى لِحَدِّ مَا أَرْجِعُ، فَهَذَا لَا يَعْنِيكَ.“ وَهَذَا التِّلْمِيذُ هُوَ الَّذِي يَشْهَدُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ، وَكَتَبَهَا هُنَا، وَنَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ صَادِقَةٌ. وَعَمِلَ عِيسَى أُمُورًا أُخْرَى كَثِيرَةً. لَوْ كُتِبَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، لَا أَظُنُّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الَّتِي تَحْوِيهَا. فِي كِتَابِيَ الْأَوَّلِ يَا حَبِيبَ اللهِ، حَدَّثْتُكَ عَنْ كُلِّ مَا بَدَأَ عِيسَـى يَعْمَلُهُ وَيُعَلِّمُ بِهِ، مِنَ الْأَوَّلِ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي رُفِعَ فِيهِ إِلَى السَّمَاءِ. وَذَلِكَ بَعْدَمَا أَعْطَى وَصَايَاهُ بِوَاسِطَةِ الرُّوحِ الْقُدُّوسِ لِرُسُلِهِ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ. فَبَعْدَ مَوْتِهِ، بَيَّنَ لَهُمْ بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ أَنَّهُ حَيٌّ، وَأَظْهَرَ نَفْسَهُ لَهُمْ خِلَالَ 40 يَوْمًا، وَعَلَّمَهُمْ عَنْ مَمْلَكَةِ اللهِ. وَذَاتَ مَرَّةٍ، لَمَّا كَانَ يَأْكُلُ مَعَهُمْ، أَوْصَاهُمْ وَقَالَ: ”لَا تُغَادِرُوا مَدِينَةَ الْقُدْسِ، بَلِ انْتَظِرُوا أَنْ يُتَمِّمَ الْأَبُ وَعْدَهُ لَكُمْ كَمَا سَمِعْتُمْ مِنِّي. لِأَنَّ يَحْيَى غَطَّسَ النَّاسَ فِي الْمَاءِ أَمَّا أَنْتُمْ فَإِنَّكُمْ بَعْدَ أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ تُغَطَّسُونَ فِي الرُّوحِ الْقُدُّوسِ.“ وَلَمَّا اجْتَمَعَ الرُّسُلُ مَعَ عِيسَـى سَأَلُوهُ: ”يَا سَيِّدُ، هَلْ فِي هَذَا الْوَقْتِ تَرُدُّ السُّلْطَةَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ؟“ فَأَجَابَهُمْ: ”لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الْأَوْقَاتَ وَالْمَوَاعِيدَ الَّتِي حَدَّدَهَا الْأَبُ بِسُلْطَانِهِ الْخَاصِّ. بَلْ عِنْدَمَا يَحِلُّ الرُّوحُ الْقُدُّوسُ عَلَيْكُمْ، تَنَالُونَ قُوَّةً وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي الْقُدْسِ، وَفِي كُلِّ بِلَادِ يَهُوذَا وَالسَّامِرَةِ، وَإِلَى آخِرِ الْأَرْضِ.“ وَبَعْدَمَا قَالَ هَذَا، رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ قُدَّامَ عُيُونِهِمْ، ثُمَّ أَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَنْظَارِهِمْ. وَبَيْنَمَا هُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ يَبْتَعِدُ عَنْهُمْ، فَجْأَةً ظَهَرَ لَهُمْ رَجُلَانِ فِي ثِيَابٍ بَيْضَاءَ. وَقَالَا لَهُمْ: ”أَيُّهَا الرِّجَالُ الْجَلِيلِيُّونَ، لِمَاذَا أَنْتُمْ وَاقِفُونَ تَنْظُرُونَ إِلَى السَّمَاءِ؟ إِنَّ عِيسَـى هَذَا الَّذِي أُخِذَ عَنْكُمْ إِلَى السَّمَاءِ، هُوَ نَفْسُهُ سَيَرْجِعُ بِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ كَمَا رَأَيْتُمُوهُ ذَاهِبًا إِلَى هُنَاكَ.“ فَرَجَعُوا إِلَى الْقُدْسِ مِنَ الْجَبَلِ الْمَعْرُوفِ بِاسْمِ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، وَهُوَ بِالْقُرْبِ مِنَ الْقُدْسِ عَلَى بُعْدِ أَقَلَّ مِنْ كِيلُومِتْرٍ وَاحِدٍ. وَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، صَعِدُوا إِلَى الْغُرْفَةِ الَّتِي كَانُوا سَاكِنِينَ فِيهَا فِي الطَّابِقِ الْأَعْلَى. وَكَانَ الْمَوْجُودُونَ هُمْ بُطْرُسُ وَيُوحَنَّا وَيَعْقُوبُ وَأَنْدْرَاوِسُ وَفِيلِيبُ وَتُومَا وَبَرْتَلْمِي وَمَتَّى وَيَعْقُوبُ بْنُ حَلْفِي وَسَمْعَانُ الْغَيُورُ وَيَهُوذَا بْنُ يَعْقُوبَ. كُلُّ هَؤُلَاءِ كَانُوا يُوَاظِبُونَ عَلَى دُعَاءِ اللهِ بِقَلْبٍ وَاحِدٍ، وَمَعَهُمْ بَعْضُ النِّسَاءِ وَمَرْيَمُ أُمُّ عِيسَـى وَإِخْوَتُهُ. وَذَاتَ يَوْمٍ، اِجْتَمَعَ مَعًا حَوَالَيْ 120 مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِعِيسَى، فَوَقَفَ بُطْرُسُ وَحَدَّثَهُمْ وَقَالَ: ”يَا إِخْوَتِي، كَانَ لَا بُدَّ أَنْ يَتِمَّ كَلَامُ الْكِتَابِ الَّذِي قَالَهُ الرُّوحُ الْقُدُّوسُ بِفَمِ دَاوُدَ النَّبِيِّ، عَنْ يَهُوذَا الَّذِي كَانَ مُرْشِدًا لِلَّذِينَ قَبَضُوا عَلَى عِيسَـى. لِأَنَّهُ كَانَ وَاحِدًا مِنَّا، وَكَانَ لَهُ نَصِيبٌ مَعَنَا فِي هَذِهِ الْخِدْمَةِ.“ (فَإِنَّ يَهُوذَا اشْتَرَى حَقْلًا بِأُجْرَةِ الشَّرِّ الَّذِي عَمِلَهُ، ثُمَّ سَقَطَ عَلَى رَأْسِهِ، فَانْشَقَّتْ بَطْنُهُ، وَانْدَلَقَتْ أَمْعَاؤُهُ. وَعَلِمَ أَهْلُ الْقُدْسِ جَمِيعًا بِهَذِهِ الْحَادِثَةِ، فَأَطْلَقُوا عَلَى الْحَقْلِ اسْمَ: 'حَقَلْ دَمَا' بِلُغَتِهِمْ، أَيْ حَقْلِ الدَّمِ.) وَقَالَ بُطْرُسُ: ”فَالْكِتَابُ يَقُولُ فِي الْمَزَامِيرِ: ’لَيْتَ دَارَهُ تَصِيرُ خَرَابًا، وَلَا يَسْكُنُ فِيهَا أَحَدٌ.‘ وَيَقُولُ أَيْضًا: ’لِيَأْخُذْ وَظِيفَتَهُ وَاحِدٌ آخَرُ.‘ لِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ نَخْتَارَ وَاحِدًا مِنَ الَّذِينَ رَافَقُونَا طُولَ الْمُدَّةِ الَّتِي قَضَاهَا سَيِّدُنَا عِيسَـى مَعَنَا، مُنْذُ غَطَّسَهُ يَحْيَى إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ رُفِعَ عَنَّا إِلَى السَّمَاءِ، فَيَكُونَ هَذَا الشَّخْصُ شَاهِدًا مَعَنَا لِقِيَامَتِهِ.“ فَاقْتَرَحُوا اثْنَيْنِ: يُوسِفَ الَّذِي اسْمُهُ ابْنُ سَابَا وَمَعْرُوفٌ أَيْضًا بِاسْمِ الصِّدِّيقِ، وَمَتِّيَاسَ. ثُمَّ تَضَرَّعُوا وَقَالُوا: ”يَا رَبُّ، أَنْتَ تَعْرِفُ قَلْبَ كُلِّ وَاحِدٍ. أَعْلِنْ لَنَا الَّذِي تَخْتَارُهُ مِنْ بَيْنِ هَذَيْنِ الْأَخَوَيْنِ، لِيَقُومَ بِهَذِهِ الْخِدْمَةِ وَيَكُونَ رَسُولًا بَدَلَ يَهُوذَا، لِأَنَّهُ تَرَكَهَا وَرَاحَ إِلَى حَيْثُ يَنْتَمِي.“ ثُمَّ أَلْقَوْا قُرْعَةً بَيْنَهُمَا، فَوَقَعَتْ عَلَى مَتِّيَاسَ، فَضَمُّوهُ إِلَى الْـ11 رَسُولًا. وَلَمَّا جَاءَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ، كَانَ كُلُّ الْمُؤْمِنِينَ مُجْتَمِعِينَ مَعًا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ. وَفَجْأَةً حَدَثَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ كَأَنَّهُ صَوْتُ رِيحٍ عَاصِفَةٍ، وَمَلَأَ الدَّارَ كُلَّهَا حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ. وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ، وَتَوَزَّعَتْ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَامْتَلَأُوا كُلُّهُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُّوسِ، وَأَخَذُوا يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَتَكَلَّمُوا. وَكَانَ يُوجَدُ فِي الْقُدْسِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَهُودٌ أَتْقِيَاءُ جَاءُوا مِنْ كُلِّ بِلَادِ الْعَالَمِ. فَلَمَّا سَمِعُوا هَذَا الصَّوْتَ، اِجْتَمَعَ جُمْهُورٌ مِنْهُمْ. وَكَانُوا فِي حَيْرَةٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَانَ يَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَتِهِ. فَانْدَهَشُوا وَتَعَجَّبُوا وَقَالُوا: ”هَؤُلَاءِ النَّاسُ الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ هُمْ جَمِيعًا مِنَ الْجَلِيلِ. فَكَيْفَ يَسْمَعُهُمْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَتِهِ الْخَاصَّةِ؟ نَحْنُ مِنْ فَرْتِيَّةَ، وَمَادِي، وَعِيلَامَ، وَبَعْضُنَا مِنْ سُكَّانِ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ، وَيَهُوذَا، وَكَبْدُوكْيَةَ، وَبُنْتُوسَ، وَآسْيَا، وَفِرِيجِيَّةَ، وَبَمْفِيلِيَّةَ، وَمِصْرَ، وَمِنْطَقَةِ لِيبْيَا الَّتِي بِالْقُرْبِ مِنَ الْقَيْرَوَانِ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى زَائِرِينَ مِنْ رُومَا يَهُودٍ وَمُتَهَوِّدِينَ، وَأَيْضًا مِنْ كِرِيتَ وَمِنْ بِلَادِ الْعَرَبِ! وَمَعَ ذَلِكَ نَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ عَنْ أَعْمَالِ اللهِ الْعَظِيمَةِ بِلُغَاتِنَا نَحْنُ!“ فَكَانُوا كُلُّهُمْ فِي ذُهُولٍ وَحَيْرَةٍ، وَهُمْ يَسْأَلُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا: ”مَا مَعْنَى هَذَا؟“ وَآخَرُونَ كَانُوا يَهْزَأُونَ وَيَقُولُونَ: ”إِنَّهُمْ سَكَارَى!“ فَوَقَفَ بُطْرُسُ مَعَ الْـ11 رَسُولًا، وَخَاطَبَ الْجُمْهُورَ بِصَوْتٍ عَالٍ وَقَالَ: ”أَيُّهَا الْيَهُودُ، وَأَنْتُمْ يَا كُلَّ الْمَوْجُودِينَ فِي الْقُدْسِ، اِنْتَبِهُوا وَاسْمَعُونِي. هَؤُلَاءِ لَيْسُوا سَكَارَى كَمَا تَظُنُّونَ، لِأَنَّهَا السَّاعَةُ التَّاسِعَةُ صَبَاحًا. إِنَّمَا هَذَا هُوَ مَا قَالَ عَنْهُ النَّبِيُّ يُوئِيلُ: ’قَالَ اللهُ: ”إِنِّي فِي الْأَيَّامِ الْأَخِيرَةِ أُفِيضُ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤًى، وَيَحْلُمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلَامًا. وَحَتَّى عَبِيدِي مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، أُفِيضُ عَلَيْهِمْ رُوحِي فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ فَيَتَنَبَّأُونَ. وَأَعْمَلُ عَجَائِبَ فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَآيَاتٍ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، فَيَكُونُ دَمٌ وَنَارٌ وَدُخَانٌ كَثِيفٌ. وَتُظْلِمُ الشَّمْسُ، وَيَتَحَوَّلُ الْقَمَرُ إِلَى لَوْنِ الدَّمِ، قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمُ رَبِّنَا، ذَلِكَ الْيَوْمُ الْعَظِيمُ الْجَلِيلُ. وَكُلُّ مَنْ يَبْتَهِلُ إِلَى الْمَوْلَى يَنْجُو.“‘ ”يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اسْمَعُوا هَذَا الكَلَامَ: عِيسَـى النَّاصِرِيُّ هُوَ رَجُلٌ بَرْهَنَ اللهُ لَكُمْ عَلَى أَنَّهُ أَرْسَلَهُ، وَذَلِكَ بِمُعْجِزَاتٍ وَعَجَائِبَ وَآيَاتٍ عَمِلَهَا بِوَاسِطَتِهِ. وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ هَذَا لِأَنَّهَا جَرَتْ بَيْنَكُمْ. وَهُوَ سُلِّمَ لَكُمْ حَسَبَ خِطَّةِ اللهِ الْمَرْسُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ، فَصَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ بِمُسَاعَدَةِ الْكُفَّارِ. لَكِنَّ اللهَ حَرَّرَهُ مِنْ أَلَمِ الْمَوْتِ وَأَقَامَهُ حَيًّا، فَلَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا لِلْمَوْتِ أَنْ يُبْقِيَهُ أَسِيرًا. لِأَنَّ دَاوُدَ يَقُولُ عَنْهُ: ’اللهُ أَمَامِي دَائِمًا، هُوَ عَنْ يَمِينِي، فَلَا أَضْطَرِبُ. لِهَذَا قَلْبِي فَرْحَانٌ وَلِسَانِي مُتَهَلِّلٌ، وَجِسْمِي أَيْضًا يَرْقُدُ عَلَى رَجَاءٍ. لِأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي عَالَمِ الْأَمْوَاتِ، وَلَنْ تَسْمَحَ لِقُدُّوسِكَ أَنْ يَتَعَفَّنَ فِي الْقَبْرِ. هَدَيْتَنِي إِلَى طَرِيقِ الْحَيَاةِ، وَتَمْلَأُنِي بِالْفَرَحِ فِي مَحْضَرِكَ.‘ ”أَيُّهَا الْإِخْوَةُ، اِسْمَحُوا لِي أَنْ أُكَلِّمَكُمْ بِصَرَاحَةٍ، أَبُونَا دَاوُدُ مَاتَ وَدُفِنَ، وَقَبْرُهُ مَوْجُودٌ هُنَا إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. وَقَدْ كَانَ نَبِيًّا، وَعَرَفَ أَنَّ اللهَ حَلَفَ لَهُ بِقَسَمٍ بِأَنْ يَضَعَ وَاحِدًا مِنْ نَسْلِهِ عَلَى عَرْشِهِ. فَرَأَى الْمُسْتَقْبَلَ وَتَحَدَّثَ عَنْ قِيَامَةِ الْمَسِيحِ بِقَوْلِهِ إِنَّ اللهَ لَنْ يَتْرُكَهُ فِي عَالَمِ الْأَمْوَاتِ، وَإِنَّ جِسْمَهُ لَنْ يَتَعَفَّنَ فِي الْقَبْرِ. فَعِيسَى هَذَا، أَقَامَهُ اللهُ حَيًّا. وَنَحْنُ كُلُّنَا نَشْهَدُ بِذَلِكَ. وَلَمَّا رُفِعَ إِلَى يَمِينِ اللهِ، نَالَ مِنَ الْأَبِ الرُّوحَ الْقُدُّوسَ الْمَوْعُودَ بِهِ، وَأَفَاضَهُ عَلَيْنَا. وَهَذَا هُوَ الَّذِي تَرَوْنَهُ وَتَسْمَعُونَهُ الْآنَ. لِأَنَّ دَاوُدَ لَمْ يَصْعَدْ إِلَى السَّمَاءِ، لَكِنَّهُ هُوَ نَفْسَهُ يَقُولُ: ’قَالَ اللهُ لِسَيِّدِي: ”اِجْلِسْ عَنْ يَمِينِي، حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ تَحْتَ قَدَمَيْكَ.“‘ ”إِذَنْ يَجِبُ عَلَى كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْرِفُوا بِكُلِّ تَأْكِيدٍ أَنَّ عِيسَى هَذَا الَّذِي أَنْتُمْ صَلَبْتُمُوهُ، جَعَلَهُ اللهُ الْمَسِيحَ سَيِّدَ الْكُلِّ.“ فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ هَذَا، وَخَزَتْهُمْ قُلُوبُهُمْ، فَسَأَلُوا بُطْرُسَ وَبَاقِيَ الرُّسُلِ: ”أَيُّهَا الْإِخْوَةُ، مَاذَا نَعْمَلُ؟“ أَجَابَهُمْ بُطْرُسُ: ”تُوبُوا وَلْيَتَغَطَّسْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ بِاسْمِ عِيسَـى الْمَسِيحِ، لِكَيْ تُغْفَرَ ذُنُوبُكُمْ، وَتَنَالُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُّوسِ. لِأَنَّ الْوَعْدَ هُوَ لَكُمْ وَلِأَوْلَادِكُمْ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ بَعِيدٍ. هُوَ لِكُلِّ الَّذِينَ يَدْعُوهُمُ الْمَوْلَى إِلَهُنَا لِنَفْسِهِ.“ وَكَانَ بُطْرُسُ يُعَلِّمُهُمْ بِكَلَامٍ آخَرَ كَثِيرٍ، وَأَنْذَرَهُمْ وَقَالَ: ”أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ شَرِّ هَذَا الْجِيلِ الْفَاسِدِ.“ فَالَّذِينَ قَبِلُوا كَلَامَهُ تَغَطَّسُوا. وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ انْضَمَّ إِلَى جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ حَوَالَيْ 3000 شَخْصٍ. وَكَانُوا يُوَاظِبُونَ عَلَى تَلَقِّي تَعْلِيمِ الرُّسُلِ، وَعَلَى اجْتِمَاعَاتِ الشَّرِكَةِ الْأَخَوِيَّةِ وَتَنَاوُلِ الْخُبْزِ مَعًا وَالِابْتِهَالِ للهِ. وَتَمَّتْ عَجَائِبُ وَآيَاتٌ كَثِيرَةٌ عَلَى أَيْدِي الرُّسُلِ، فَامْتَلَأَ الْجَمِيعُ مِنَ الْخَوْفِ. وَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ كُلُّهُمْ مُتَّحِدِينَ، وَكُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ. فَكَانُوا يَبِيعُونَ أَرْضَهُمْ وَأَمْلَاكَهُمْ، وَيُوَزِّعُونَ الثَّمَنَ عَلَى الْآخَرِينَ حَسَبَ احْتِيَاجِ كُلِّ وَاحِدٍ. وَكَانُوا يَجْتَمِعُونَ مَعًا فِي بَيْتِ اللهِ كُلَّ يَوْمٍ. وَيَتَنَاوَلُونَ الْخُبْزَ فِي دَارِ الْوَاحِدِ بَعْدَ الْآخَرِ، وَيَتَشَارَكُونَ فِي الطَّعَامِ مَعًا بِفَرَحٍ وَتَوَاضُعٍ. وَكَانُوا يُسَبِّحُونَ اللهَ، وَيَتَمَتَّعُونَ بِرِضَى كُلِّ الشَّعْبِ عَلَيْهِمْ. وَكَانَ الْمَسِيحُ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ الَّذِينَ يُنْعِمُ عَلَيْهِمْ بِالنَّجَاةِ إِلَى جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ. وَذَاتَ يَوْمٍ، ذَهَبَ بُطْرُسُ وَيُوحَنَّا إِلَى بَيْتِ اللهِ لِصَلَاةِ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ عَصْرًا. وَعِنْدَ بَابِ بَيْتِ اللهِ الَّذِي اسْمُهُ الْبَابُ الْجَمِيلُ، كَانَ يُوجَدُ رَجُلٌ كَسِيحٌ مُنْذُ وِلَادَتِهِ. وَكَانَ النَّاسُ يَحْمِلُونَهُ كُلَّ يَوْمٍ وَيَضَعُونَهُ هُنَاكَ لِكَيْ يَطْلُبَ صَدَقَةً مِنَ الدَّاخِلِينَ إِلَى الْبَيْتِ. فَلَمَّا رَأَى بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا يَدْخُلَانِ، طَلَبَ مِنْهُمَا صَدَقَةً. فَثَبَّتَ بُطْرُسُ وَيُوحَنَّا نَظَرَهُمَا عَلَى الرَّجُلِ ثُمَّ قَالَ بُطْرُسُ لَهُ: ”اُنْظُرْ إِلَيْنَا.“ فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا وَهُوَ يَتَوَقَّعُ أَنْ يَحْصُلَ مِنْهُمَا عَلَى شَيْءٍ. لَكِنَّ بُطْرُسَ قَالَ: ”لَيْسَ عِنْدِي فِضَّةٌ وَلَا ذَهَبٌ، لَكِنِّي أُعْطِيكَ مَا عِنْدِي: بِاسْمِ عِيسَـى الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ قُمْ وَامْشِ.“ وَأَمْسَكَهُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَهُ. وَفِي الْحَالِ تَقَوَّتْ رِجْلَاهُ وَكَعْبَاهُ، فَقَفَزَ وَوَقَفَ عَلَى رِجْلَيْهِ وَبَدَأَ يَمْشِي. وَدَخَلَ مَعَهُمَا إِلَى بَيْتِ اللهِ وَهُوَ يَمْشِي وَيَقْفِزُ وَيُسَبِّحُ اللهَ. وَكُلُّ الَّذِينَ كَانُوا هُنَاكَ رَأَوْهُ وَهُوَ يَمْشِي وَيُسَبِّحُ اللهَ. وَعَرَفُوا أَنَّهُ هُوَ الشَّحَّاذُ الَّذِي كَانَ يَجْلِسُ عِنْدَ الْبَابِ الْجَمِيلِ، فَانْدَهَشُوا جِدًّا وَانْذَهَلُوا مِمَّا جَرَى لَهُ. وَبَيْنَمَا كَانَ الرَّجُلُ يُلَازِمُ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا فِي قَاعَةِ بَيْتِ اللهِ الْمَعْرُوفَةِ بِقَاعَةِ سُلَيْمَانَ، جَرَى إِلَيْهِمْ كُلُّ النَّاسِ وَهُمْ فِي ذُهُولٍ. فَلَمَّا رَأَى بُطْرُسُ هَذَا قَالَ لَهُمْ: ”يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِمَاذَا تَتَعَجَّبُونَ مِنْ هَذَا؟ وَلِمَاذَا تَنْظُرُونَ إِلَيْنَا كَمَا لَوْ أَنَّنَا جَعَلْنَا هَذَا الرَّجُلَ يَمْشِي بِقُوَّتِنَا نَحْنُ أَوْ بِتَقْوَانَا؟ بَلْ رَبُّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، رَبُّ آبَائِنَا مَجَّدَ خَادِمَهُ عِيسَـى، الَّذِي سَلَّمْتُمُوهُ لِيُقْتَلَ وَرَفَضْتُمُوهُ أَمَامَ بِيلَاطِسَ، مَعَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُطْلِقَ سَرَاحَهُ. فَرَفَضْتُمُ الْقُدُّوسَ الْبَارَّ، وَطَلَبْتُمُ الْعَفْوَ عَنْ قَاتِلٍ! أَنْتُمْ قَتَلْتُمْ وَاهِبَ الْحَيَاةِ، لَكِنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَنَحْنُ شُهُودٌ بِذَلِكَ. وَهَذَا الرَّجُلُ الَّذِي تَرَوْنَهُ وَتَعْرِفُونَهُ، تَقَوَّى بِوَاسِطَةِ الْإِيمَانِ بِاسْمِ عِيسَى. فَالْإِيمَانُ بِعِيسَى أَعْطَاهُ هَذَا الشِّفَاءَ التَّامَّ كَمَا تَرَوْنَ جَمِيعًا. ”وَالْآنَ يَا إِخْوَتِي، أَنَا عَارِفٌ أَنَّكُمْ أَنْتُمْ وَقَادَتَكُمْ عَمِلْتُمْ هَذَا عَنْ جَهْلٍ. لَكِنَّ اللهَ بِهَذَا أَتَمَّ مَا أَنْبَأَ بِهِ مِنْ قَبْلُ بِوَاسِطَةِ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ، وَهُوَ أَنَّ مَسِيحَهُ يَتَأَلَّمُ. فَتُوبُوا وَارْجِعُوا إِلَى اللهِ لِكَيْ يَمْحُوَ ذُنُوبَكُمْ. فَتَأْتِيَ أَوْقَاتُ الْفَرَجِ مِنْ عِنْدِهِ، وَيُرْسِلَ الْمَسِيحَ الَّذِي اخْتَارَهُ لَكُمْ، أَيْ عِيسَـى. فَهُوَ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى فِي السَّمَاءِ إِلَى وَقْتِ إِصْلَاحِ كُلِّ الْأُمُورِ، كَمَا أَوْحَى اللهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ إِلَى أَنْبِيَائِهِ الصَّالِحِينَ. فَإِنَّ مُوسَى قَالَ: ’سَيُقِيمُ لَكُمُ الْمَوْلَى إِلَهُكُمْ مِنْ بَيْنِ شَعْبِكُمْ نَبِيًّا مِثْلِي، فَأَطِيعُوا كُلَّ مَا يَقُولُهُ لَكُمْ. وَكُلُّ مَنْ لَا يُطِيعُهُ يُبَادُ مِنْ بَيْنِ الشَّعْبِ.‘ وَكَذَلِكَ تَنَبَّأَ عَنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ صَمُوئِيلَ وَكُلِّ مَنْ جَاءَ بِرِسَالَةٍ بَعْدَهُ. فَالْبَرَكَاتُ الَّتِي تَنَبَّأَ بِهَا هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءُ هِيَ لَكُمْ، وَكَذَلِكَ لَكُمُ الْعَهْدُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ لِآبَائِكُمْ لَمَّا قَالَ لِإِبْرَاهِيمَ: ’بِوَاسِطَةِ نَسْلِكَ أُبَارِكُ كُلَّ شُعُوبِ الْأَرْضِ.‘ فَإِنَّ اللهَ أَقَامَ خَادِمَهُ، وَأَرْسَلَهُ لَكُمْ أَنْتُمْ أَوَّلًا، لِكَيْ يُبَارِكَكُمْ بِأَنْ يُرْجِعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَنْ سُلُوكِهِ الشِّرِّيرِ.“ وَبَيْنَمَا كَانَ بُطْرُسُ وَيُوحَنَّا يُكَلِّمَانِ الشَّعْبَ، أَقْبَلَ عَلَيْهِمَا الْأَحْبَارُ وَقَائِدُ حَرَسِ بَيْتِ اللهِ وَالصَّدُّوقِيُّونَ. وَكَانُوا مُتَضَايِقِينَ جِدًّا لِأَنَّ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا كَانَا يُعَلِّمَانِ الشَّعْبَ وَيَقُولَانِ إِنَّ الْمَوْتَى سَيَقُومُونَ إِلَى الْحَيَاةِ كَمَا قَامَ عِيسَـى. فَقَبَضُوا عَلَيْهِمَا، وَوَضَعُوهُمَا فِي الْحَبْسِ إِلَى الْغَدِ، لِأَنَّ الْمَسَاءَ كَانَ قَدْ حَلَّ. لَكِنَّ كَثِيرِينَ مِنَ الَّذِينَ سَمِعُوا الرِّسَالَةَ آمَنُوا، وَصَارَ عَدَدُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الرِّجَالِ حَوَالَيْ 5000. وَفِي الْغَدِ، اِجْتَمَعَ قَادَةُ الْيَهُودِ وَالشُّيُوخُ وَالْفُقَهَاءُ فِي الْقُدْسِ. وَكَانَ هُنَاكَ حَنَّا رَئِيسُ الْأَحْبَارِ، وَأَيْضًا قَيَافَا وَيُوحَنَّا وَإِسْكَنْدَرُ وَجَمِيعُ الَّذِينَ يَنْتَمُونَ إِلَى عَائِلَةِ رَئِيسِ الْأَحْبَارِ. فَأَحْضَرُوا بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا قُدَّامَهُمْ وَسَأَلُوهُمَا: ”بِأَيِّ قُوَّةٍ، وَبِاسْمِ مَنْ فَعَلْتُمَا هَذَا؟“ فَامْتَلَأَ بُطْرُسُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُّوسِ وَأَجَابَهُمْ: ”يَا قَادَةَ الشَّعْبِ وَشُيُوخَهُمْ، أَنْتُمْ تَسْأَلُونَا الْيَوْمَ عَنْ مَعْرُوفٍ صَنَعْنَاهُ مَعَ مَرِيضٍ، وَتُرِيدُونَ أَنْ تَعْرِفُوا كَيْفَ شُفِيَ. إِذَنْ فَاعْلَمُوا جَمِيعًا، وَلْيَعْلَمْ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ يَقِفُ أَمَامَكُمْ سَلِيمًا بِقُوَّةِ اسْمِ عِيسَـى الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ الَّذِي أَنْتُمْ صَلَبْتُمُوهُ، لَكِنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الْمَوْتِ. فَإِنَّ عِيسَـى هَذَا هُوَ الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضْتُمُوهُ أَيُّهَا الْبَنَّاؤُونَ، وَقَدْ صَارَ تَاجَ الْبِنَاءِ. لَا نَجَاةَ بِغَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي الْعَالَمِ كُلِّهِ اسْمٌ آخَرُ أُعْطِيَ لِلنَّاسِ نَنَالُ بِهِ النَّجَاةَ.“ فَلَمَّا رَأَوْا شَجَاعَةَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا، وَعَرَفُوا أَنَّهُمَا مِنْ عَامَّةِ الشَّعْبِ وَغَيْرُ مُتَعَلِّمَيْنِ، تَعَجَّبُوا وَأَدْرَكُوا أَنَّهُمَا مِنْ أَصْحَابِ عِيسَـى. لَكِنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا مَاذَا يَقُولُونَ، لِأَنَّهُمْ رَأَوْا الرَّجُلَ الَّذِي شُفِيَ وَاقِفًا مَعَهُمَا. فَأَمَرُوهُمَا بِالْخُرُوجِ مِنَ الْمَجْلِسِ، ثُمَّ تَشَاوَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَقَالُوا: ”مَاذَا نَعْمَلُ بِهَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ؟ كُلُّ سُكَّانِ الْقُدْسِ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمَا صَنَعَا آيَةً عَظِيمَةً، وَنَحْنُ لَا نَقْدِرُ أَنْ نُنْكِرَهَا. لَكِنْ لِكَيْ لَا يَنْتَشِرَ هَذَا الْأَمْرُ أَكْثَرَ بَيْنَ الشَّعْبِ، نُهَدِّدُهُمَا لِكَيْ لَا يُكَلِّمَا أَحَدًا بِهَذَا الِاسْمِ.“ فَأَحْضَرُوهُمَا وَأَمَرُوهُمَا أَنْ لَا يَذْكُرَا اسْمَ عِيسَـى، وَلَا يُعَلِّمَا النَّاسَ بِهِ. فَأَجَابَهُمْ بُطْرُسُ وَيُوحَنَّا: ”اُحْكُمُوا أَنْتُمْ، هَلْ يَصِحُّ فِي نَظَرِ اللهِ أَنْ نُطِيعَكُمْ أَنْتُمْ أَمْ نُطِيعَ اللهَ؟ نَحْنُ لَا نَقْدِرُ أَنْ نَسْكُتَ، بَلْ سَنَتَكَلَّمُ بِمَا رَأَيْنَا وَسَمِعْنَا.“ فَهَدَّدُوهُمَا مَرَّةً أُخْرَى ثُمَّ أَطْلَقُوهُمَا. وَلَمْ يَجِدُوا طَرِيقَةً لِمُعَاقَبَتِهِمَا، بَلْ خَافُوا مِنَ الشَّعْبِ فَقَدْ كَانَ الْجَمِيعُ يُسَبِّحُونَ اللهَ عَلَى مَا جَرَى. لِأَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي حَدَثَتْ مَعَهُ مُعْجِزَةُ الشِّفَاءِ هَذِهِ كَانَ عُمْرُهُ أَكْثَرَ مِنْ 40 سَنَةً. وَلَمَّا أُطْلِقَ سَرَاحُ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا، رَجَعَا إِلَى أَصْحَابِهِمَا وَأَخْبَرَاهُمْ بِكُلِّ مَا قَالَهُ لَهُمَا رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَالشُّيُوخُ. فَلَمَّا سَمِعُوا هَذَا، رَفَعُوا صَوْتَهُمْ مَعًا بِالدُّعَاءِ للهِ وَقَالُوا: ”يَا رَبُّ، يَا صَانِعَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالْبَحْرِ وَكُلِّ مَا فِيهَا، أَنْتَ تَكَلَّمْتَ بِالرُّوحِ الْقُدُّوسِ عَلَى فَمِ عَبْدِكَ أَبِينَا دَاوُدَ وَقُلْتَ: ’لِمَاذَا هَاجَتِ الْأُمَمُ؟ وَلِمَاذَا فَكَّرَتِ الشُّعُوبُ فِي أُمُورٍ بَاطِلَةٍ؟ اِسْتَعَدَّ مُلُوكُ الْأَرْضِ، وَاجْتَمَعَ الْحُكَّامُ مَعًا، ضِدَّ اللهِ وَضِدَّ الْمَسِيحِ مُخْتَارِهِ!‘ فَإِنَّهُ فِعْلًا اجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ هِيرُودِسُ وَبِيلَاطِسُ الْبُنْطِيُّ وَالْأَجَانِبُ وَبَنُو إِسْرَائِيلَ، ضِدَّ خَادِمِكَ الْقُدُّوسِ عِيسَـى الَّذِي مَسَحْتَهُ. وَعَمِلُوا كُلَّ مَا سَبَقَ وَقَضَيْتَ بِهِ بِحَسَبِ قُوَّتِكَ وَمَشِيئَتِكَ. فَانْظُرِ الْآنَ يَا رَبُّ إِلَى تَهْدِيدِهِمْ، وَامْنَحْنَا نَحْنُ عَبِيدَكَ أَنْ نُعْلِنَ كَلَامَكَ بِكُلِّ جَرَاءَةٍ. وَمُدَّ يَدَكَ لِلشِّفَاءِ، وَاعْمَلْ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ بِاسْمِ خَادِمِكَ الْقُدُّوسِ عِيسَـى.“ فَلَمَّا دَعَوْا اللهَ اهْتَزَّ الْمَكَانُ الَّذِي كَانُوا مُجْتَمِعِينَ فِيهِ، وَامْتَلَأُوا جَمِيعًا بِالرُّوحِ الْقُدُّوسِ. وَأَخَذُوا يُعْلِنُونَ كَلَامَ اللهِ بِجَرَاءَةٍ. وَكَانَ كُلُّ الْمُؤْمِنِينَ قَلْبًا وَاحِدًا وَنَفْسًا وَاحِدَةً. وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ يَمْلِكُ مَا عِنْدَهُ، بَلْ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ. وَاسْتَمَرَّ الرُّسُلُ يَشْهَدُونَ بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ أَنَّ سَيِّدَنَا عِيسَـى قَامَ مِنَ الْمَوْتِ. وَكَانَتْ نِعْمَةُ اللهِ الْوَفِيرَةُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا. فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُحْتَاجٌ، لِأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ كَانُوا يَمْلِكُونَ حُقُولًا أَوْ بُيُوتًا كَانُوا يَبِيعُونَهَا، وَيُحْضِرُونَ الثَّمَنَ وَيُعْطُونَهُ لِلرُّسُلِ، وَهُمْ يُوَزِّعُونَهُ حَسَبَ احْتِيَاجِ كُلِّ وَاحِدٍ. وَيُوسِفُ الَّذِي كَانَ الرُّسُلُ يَدْعُونَهُ بَرْنَابَا أَيِ الَّذِي يُشَجِّعُ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ لَاوِي، وَجِنْسِيَّتُهُ قُبْرُصِيٌّ، كَانَ عِنْدَهُ حَقْلٌ، فَبَاعَهُ وَأَحْضَرَ الثَّمَنَ وَأَعْطَاهُ لِلرُّسُلِ. لَكِنْ كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ اسْمُهُ حَنَانْيَا، بَاعَ قِطْعَةَ أَرْضٍ هُوَ وَزَوْجَتُهُ سَفِيرَةُ، وَاحْتَفَظَ لِنَفْسِهِ بِجُزْءٍ مِنَ الثَّمَنِ وَكَانَتْ زَوْجَتُهُ تَعْلَمُ ذَلِكَ. فَأَحْضَرَ الْبَاقِيَ وَأَعْطَاهُ لِلرُّسُلِ. فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: ”يَا حَنَانْيَا، لِمَاذَا مَلَأَ الشَّيْطَانُ قَلْبَكَ فَكَذَبْتَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُّوسِ وَاحْتَفَظْتَ لِنَفْسِكَ بِجُزْءٍ مِنْ ثَمَنِ الْحَقْلِ؟ قَبْلَ مَا بِعْتَهُ كَانَ لَكَ، وَلَمَّا بِعْتَهُ كَانَ بِإِمْكَانِكَ أَنْ تَعْمَلَ بِثَمَنِهِ مَا تَشَاءُ. فَلِمَاذَا قَصَدْتَ هَذَا فِي قَلْبِكَ؟ أَنْتَ كَذَبْتَ عَلَى اللهِ لَا عَلَى النَّاسِ!“ فَلَمَّا سَمِعَ حَنَانْيَا هَذَا الْكَلَامَ، وَقَعَ مَيِّتًا. وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوا بِهَذَا خَافُوا جِدًّا. فَجَاءَ بَعْضُ الشُّبَّانِ وَكَفَّنُوا حَنَانْيَا وَخَرَجُوا بِهِ وَدَفَنُوهُ. وَبَعْدَ حَوَالَيْ 3 سَاعَاتٍ، جَاءَتْ زَوْجَتُهُ وَهِيَ لَا تَعْلَمُ مَا جَرَى. فَقَالَ لَهَا بُطْرُسُ: ”قُولِي لِي، هَلْ بِهَذَا الْمَبْلَغِ بِعْتُمَا الْأَرْضَ؟“ قَالَتْ: ”نَعَمْ، بِهَذَا الْمَبْلَغِ.“ فَقَالَ لَهَا بُطْرُسُ: ”لِمَاذَا اتَّفَقْتِ أَنْتِ وَزَوْجُكِ عَلَى امْتِحَانِ رُوحِ اللهِ؟ اُنْظُرِي! الَّذِينَ دَفَنُوا زَوْجَكِ وَصَلُوا عِنْدَ الْبَابِ، وَسَيَحْمِلُونَكِ أَنْتِ أَيْضًا!“ فَوَقَعَتْ فِي الْحَالِ عِنْدَ قَدَمَيْهِ وَمَاتَتْ. وَلَمَّا دَخَلَ الشُّبَّانُ وَجَدُوهَا مَيِّتَةً، فَخَرَجُوا بِهَا وَدَفَنُوهَا بِجِوَارِ زَوْجِهَا. وَكُلُّ جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوا بِهَذَا خَافُوا جِدًّا. وَتَمَّتْ بِوَاسِطَةِ الرُّسُلِ آيَاتٌ وَعَجَائِبُ كَثِيرَةٌ بَيْنَ الشَّعْبِ. وَكَانَ كُلُّ الْمُؤْمِنِينَ يَجْتَمِعُونَ مَعًا فِي قَاعَةِ سُلَيْمَانَ. وَلَمْ يَتَجَرَّأْ أَحَدٌ مِنْ خَارِجِ جَمَاعَتِهِمْ أَنْ يَنْدَسَّ بَيْنَهُمْ. بَلْ كَانَ الشَّعْبُ يَحْتَرِمُهُمْ جِدًّا. وَآمَنَ بِعِيسَى عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَانْضَمُّوا إِلَيْهِمْ. وَكَانَ النَّاسُ يَحْمِلُونَ الْمَرْضَى إِلَى الشَّوَارِعِ، وَيَضَعُونَهُمْ عَلَى فِرَاشٍ أَوْ حَصِيرٍ حَتَّى عِنْدَمَا يَمُرُّ بُطْرُسُ رُبَّمَا يَحِلُّ ظِلُّهُ عَلَى بَعْضِهِمْ. وَكَانَتْ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَهَالِي الْبِلَادِ الْمُجَاوِرَةِ لِلْقُدْسِ تَأْتِي بِالْمَرْضَى وَالْمُعَذَّبِينَ بِالْأَرْوَاحِ الشِّرِّيرَةِ، وَكَانُوا كُلُّهُمْ يَنَالُونَ الشِّفَاءَ. فَامْتَلَأَ رَئِيسُ الْأَحْبَارِ بِالْحَسَدِ هُوَ وَجَمَاعَتُهُ الَّذِينَ مِنْ حِزْبِ الصَّدُّوقِيِّينَ، فَقَبَضُوا عَلَى الرُّسُلِ، وَوَضَعُوهُمْ فِي السِّجْنِ الْعَامِّ. لَكِنَّ مَلَاكَ اللهِ فَتَحَ أَبْوَابَ السِّجْنِ فِي اللَّيْلِ، وَأَخْرَجَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: ”اِذْهَبُوا وَقِفُوا فِي بَيْتِ اللهِ، وَأَعْلِنُوا لِلنَّاسِ رِسَالَةَ الْحَيَاةِ الْجَدِيدَةِ كَامِلَةً.“ فَأَطَاعُوا مَا قَالَهُ، وَذَهَبُوا إِلَى بَيْتِ اللهِ عِنْدَ الْفَجْرِ، وَأَخَذُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ. فَجَاءَ رَئِيسُ الْأَحْبَارِ وَجَمَاعَتُهُ، وَاسْتَدْعَوْا الْمَجْلِسَ الْأَعْلَى، أَيْ كُلَّ مَجْلِسِ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ، وَأَمَرُوا بِإِحْضَارِ الرُّسُلِ مِنَ السِّجْنِ. لَكِنْ لَمَّا ذَهَبَ الْحَرَسُ إِلَى السِّجْنِ، لَمْ يَجِدُوهُمْ هُنَاكَ. فَرَجَعُوا وَأَخْبَرُوا وَقَالُوا: ”وَجَدْنَا السِّجْنَ مُغْلَقًا بِكُلِّ إِحْكَامٍ، وَالْحَرَسَ وَاقِفِينَ عِنْدَ الْأَبْوَابِ. لَكِنْ لَمَّا فَتَحْنَا لَمْ نَجِدْ أَحَدًا فِي الدَّاخِلِ.“ فَلَمَّا سَمِعَ قَائِدُ حَرَسِ بَيْتِ اللهِ وَرُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ هَذَا الْكَلَامَ، تَحَيَّرُوا وَقَالُوا: ”يَا تُرَى مَاذَا حَدَثَ؟“ فَجَاءَ وَاحِدٌ وَقَالَ لَهُمْ: ”الرِّجَالُ الَّذِينَ وَضَعْتُمُوهُمْ فِي السِّجْنِ، هُمْ فِي بَيْتِ اللهِ وَاقِفُونَ يُعَلِّمُونَ الشَّعْبَ.“ فَذَهَبَ قَائِدُ الْحَرَسِ وَرِجَالُهُ، وَأَحْضَرُوهُمْ بِغَيْرِ عُنْفٍ لِأَنَّهُمْ خَافُوا أَنْ يَرْجُمَهُمُ الشَّعْبُ. فَلَمَّا أَدْخَلُوهُمْ أَمَامَ الْمَجْلِسِ، اِسْتَجْوَبَهُمْ رَئِيسُ الْأَحْبَارِ وَقَالَ: ”نَحْنُ أَمَرْنَاكُمْ أَنْ لَا تُعَلِّمُوا بِهَذَا الِاسْمِ، لَكِنَّكُمْ مَلَأْتُمُ الْقُدْسَ بِتَعْلِيمِكُمْ، وَتُرِيدُونَ أَنْ تُلْقُوا عَلَيْنَا مَسْئُولِيَّةَ قَتْلِ هَذَا الرَّجُلِ!“ أَجَابَهُ بُطْرُسُ وَالرُّسُلُ: ”يَجِبُ أَنْ نُطِيعَ اللهَ لَا النَّاسَ. أَنْتُمْ قَتَلْتُمْ عِيسَـى، أَنْتُمْ صَلَبْتُمُوهُ، وَلَكِنَّ اللهَ إِلَهَ آبَائِنَا أَقَامَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَرَفَعَهُ إِلَى يَمِينِهِ، لِيَكُونَ هُوَ الْمَلِكَ وَالْمُنْقِذَ، وَبِوَاسِطَتِهِ يُمْكِنُ لِبَنِي شَعْبِنَا أَنْ يَتُوبُوا وَتُغْفَرَ ذُنُوبُهُمْ. وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِهَذَا، وَكَذَلِكَ يَشْهَدُ الرُّوحُ الْقُدُّوسُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُطِيعُونَهُ.“ فَلَمَّا سَمِعَ أَعْضَاءُ الْمَجْلِسِ هَذَا الْكَلَامَ، غَضِبُوا وَأَرَادُوا أَنْ يَقْتُلُوا الرُّسُلَ. لَكِنَّ وَاحِدًا مِنْهُمُ اسْمُهُ غَمَلْئِيلُ، وَهُوَ فَرِّيسِيٌّ وَأُسْتَاذٌ فِي الشَّرِيعَةِ، وَكَانَ كُلُّ الشَّعْبِ يَحْتَرِمُهُ، وَقَفَ فِي الْمَجْلِسِ وَأَمَرَ بِإِخْرَاجِ الرُّسُلِ قَلِيلًا. ثُمَّ قَالَ لِأَعْضَاءِ الْمَجْلِسِ: ”يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِيَّاكُمْ أَنْ تُنَفِّذُوا مَا تَنْوُونَ بِهَؤُلَاءِ الرِّجَالِ. لِأَنَّهُ مُنْذُ بَعْضِ الْوَقْتِ قَامَ تُودَاسُ، وَقَالَ إِنَّهُ رَجُلٌ عَظِيمٌ، فَتَبِعَهُ حَوَالَيْ 400 رَجُلٍ. وَلَكِنَّهُ قُتِلَ وَتَفَرَّقَ كُلُّ أَتْبَاعِهِ وَانْتَهَى أَمْرُهُمْ. وَبَعْدَ ذَلِكَ قَامَ يَهُوذَا الْجَلِيلِيُّ فِي أَيَّامِ الْإِحْصَاءِ وَجَذَبَ وَرَاءَهُ جَمَاعَةً مِنَ النَّاسِ. لَكِنَّهُ هُوَ أَيْضًا قُتِلَ وَتَفَرَّقَ كُلُّ أَتْبَاعِهِ. لِهَذَا فَإِنِّي فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ أَنْصَحُكُمْ أَنْ تَبْتَعِدُوا عَنْ هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ وَتَتْرُكُوهُمْ وَشَأْنَهُمْ، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَتْ أَفْكَارُهُمْ وَأَعْمَالُهُمْ مِنْ عِنْدِ الْبَشَرِ، فَإِنَّهَا تَفْشَلُ. أَمَّا إِنْ كَانَتْ فِعْلًا مِنْ عِنْدِ اللهِ، فَلَنْ تَقْدِرُوا أَنْ تَغْلِبُوهُمْ، بَلْ يَتَّضِحُ أَنَّكُمْ تُحَارِبُونَ اللهَ!“ فَعَمِلَ الْمَجْلِسُ بِنَصِيحَتِهِ، وَاسْتَدْعَوْا الرُّسُلَ، وَجَلَدُوهُمْ وَأَمَرُوهُمْ أَنْ لَا يَتَكَلَّمُوا بِاسْمِ عِيسَـى، ثُمَّ أَطْلَقُوا سَرَاحَهُمْ. فَخَرَجُوا مِنَ الْمَجْلِسِ فَرْحَانِينَ، لِأَنَّ اللهَ اعْتَبَرَهُمْ مُسْتَحِقِّينَ أَنْ يُهَانُوا مِنْ أَجْلِ عِيسَى. وَكَانُوا كُلَّ يَوْمٍ، فِي بَيْتِ اللهِ وَمِنْ دَارٍ إِلَى دَارٍ، يُعَلِّمُونَ وَيُبَشِّرُونَ بِلَا تَوَقُّفٍ، أَنَّ عِيسَـى هُوَ الْمَسِيحُ. وَلَمَّا كَثُرَ عَدَدُ التَّلَامِيذِ، حَدَثَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمْ أَصْلًا يَهُودٌ مِنْ بِلَادٍ أَجْنَبِيَّةٍ، اِشْتَكَوْا ضِدَّ الَّذِينَ هُمْ أَصْلًا يَهُودٌ مِنْ أَهْلِ الْبِلَادِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُهْمِلُونَ أَرَامِلَهُمْ فِي تَوْزِيعِ الْمَعُونَةِ الْيَوْمِيَّةِ. فَدَعَا الرُّسُلُ الِـ12 كُلَّ جَمَاعَةِ التَّلَامِيذِ وَقَالُوا لَهُمْ: ”لَا يَصِحُّ لَنَا أَنْ نُهْمِلَ خِدْمَةَ كَلِمَةِ اللهِ لِنَقُومَ بِتَوْزِيعِ الطَّعَامِ. فَاخْتَارُوا، أَيُّهَا الْإِخْوَةُ، 7 رِجَالٍ مِنْكُمْ لَهُمْ سُمْعَةٌ حَسَنَةٌ، وَمَمْلُوءِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُّوسِ وَالْحِكْمَةِ، لِكَيْ نُكَلِّفَهُمْ بِهَذَا الْوَاجِبِ. أَمَّا نَحْنُ فَنُوَاظِبُ عَلَى الصَّلَاةِ وَخِدْمَةِ كَلِمَةِ اللهِ.“ فَارْتَاحَتِ الْجَمَاعَةُ كُلُّهَا لِهَذَا الرَّأْيِ، وَاخْتَارُوا اصْطَفَانَ، وَهُوَ رَجُلٌ مَمْلُوءٌ مِنَ الْإِيمَانِ وَالرُّوحِ الْقُدُّوسِ، وَمَعَهُ فِيلِيبُ وَبَرْكُو وَنِيسَانُ وَتِيمُونُ وَبَرْمَانُ وَنِقُولَا الْأَنْطَاكِيُّ الَّذِي تَهَوَّدَ مِنْ قَبْلُ. وَأَحْضَرَتِ الْجَمَاعَةُ هَؤُلَاءِ الـ7 أَمَامَ الرُّسُلِ، وَوَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهِمْ وَدَعَوْا اللهَ مِنْ أَجْلِهِمْ. وَكَانَ كَلَامُ اللهِ يَنْتَشِرُ، وَعَدَدُ التَّلَامِيذِ فِي الْقُدْسِ يَزِيدُ بِسُرْعَةٍ، وَقَبِلَ الْإِيمَانَ عَدَدٌ كَبِيرٌ جِدًّا مِنَ الْأَحْبَارِ. وَكَانَ اصْطَفَانُ مَمْلُوءًا مِنْ نِعْمَةِ اللهِ وَقُوَّتِهِ، وَكَانَ يَعْمَلُ عَجَائِبَ وَآيَاتٍ عَظِيمَةً بَيْنَ النَّاسِ. لَكِنْ عَارَضَهُ بَعْضُ الَّذِينَ يَنْتَمُونَ إِلَى الْجَمَاعَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِاسْمِ جَمَاعَةِ الْمُتَحَرِّرِينَ، وَهُمْ يَهُودٌ مِنَ الْقَيْرَوَانِ وَالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَأَيْضًا مِنْ كِيلِيكِيَّةَ وَآسْيَا، وَبَدَأُوا يُجَادِلُونَ اصْطَفَانَ. وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَغْلِبُوهُ بِسَبَبِ الْحِكْمَةِ الَّتِي أَعْطَاهَا لَهُ الرُّوحُ الْقُدُّوسُ فِي الْكَلَامِ. فَحَرَّضُوا بَعْضَ النَّاسِ لِيَقُولُوا: ”سَمِعْنَا هَذَا الرَّجُلَ يَقُولُ كَلَامَ كُفْرٍ عَلَى مُوسَى وَعَلَى اللهِ.“ وَبِذَلِكَ أَثَارُوا ضِدَّهُ الشَّعْبَ وَالشُّيُوخَ وَالْفُقَهَاءَ، فَقَبَضُوا عَلَيْهِ وَأَحْضَرُوهُ أَمَامَ الْمَجْلِسِ الْأَعْلَى. وَأَحْضَرُوا شُهُودَ زُورٍ يَقُولُونَ: ”هَذَا الشَّخْصُ لَا يَتَوَقَّفُ عَنِ الْكَلَامِ ضِدَّ بَيْتِ اللهِ الْمُقَدَّسِ وَضِدَّ الْعَقِيدَةِ. لِأَنَّنَا سَمِعْنَاهُ يَقُولُ إِنَّ عِيسَـى النَّاصِرِيَّ هَذَا سَيَهْدِمُ بَيْتَ اللهِ وَيُغَيِّرُ الْعَادَاتِ الَّتِي تَسَلَّمْنَاهَا مِنْ مُوسَى.“ فَنَظَرَ إِلَيْهِ كُلُّ الْحَاضِرِينَ فِي الْمَجْلِسِ وَرَأَوْا وَجْهَهُ كَأَنَّهُ وَجْهُ مَلَاكٍ. فَسَأَلَ رَئِيسُ الْأَحْبَارِ اصْطَفَانَ: ”هَلْ هَذِهِ الِاتِّهَامَاتُ صَحِيحَةٌ؟“ فَأَجَابَ اصْطَفَانُ: ”يَا إِخْوَتِي وَيَا آبَائِي اسْمَعُونِي، ظَهَرَ اللهُ صَاحِبُ الْجَلَالَةِ لِأَبِينَا إِبْرَاهِيمَ لَمَّا كَانَ فِي بِلَادِ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ قَبْلَ مَا سَكَنَ فِي حَارَانَ، وَقَالَ لَهُ: ’اُتْرُكْ بَلَدَكَ وَأَهْلَكَ، وَاخْرُجْ إِلَى الْبَلَدِ الَّتِي سَأُرِيهَا لَكَ.‘ فَتَرَكَ بِلَادَ الْكَلْدَانِيِّينَ وَسَكَنَ فِي حَارَانَ. وَبَعْدَمَا مَاتَ أَبُوهُ، نَقَلَهُ اللهُ مِنْ هُنَاكَ إِلَى هَذِهِ الْبِلَادِ الَّتِي أَنْتُمْ تُقِيمُونَ فِيهَا الْآنَ. وَلَمْ يُعْطِهِ فِيهَا نَصِيبًا، وَلَا حَتَّى قَدَمًا. إِنَّمَا وَعَدَهُ بِأَنْ تَكُونَ مِلْكًا لَهُ وَلِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أَوْلَادٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. ”وَقَالَ اللهُ لَهُ: ’سَيَكُونُ نَسْلُكَ غَرِيبًا فِي بِلَادٍ أَجْنَبِيَّةٍ فَيَسْتَعْبِدُونَهُمْ وَيُذِلُّونَهُمْ 400 سَنَةٍ. وَلَكِنِّي أُعَاقِبُ الشَّعْبَ الَّذِي يَسْتَعْبِدُهُمْ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَخْرُجُونَ مِنْ تِلْكَ الْبِلَادِ، وَيَعْبُدُونِي هُنَا فِي هَذَا الْمَكَانِ.‘ ثُمَّ أَعْطَى اللهُ إِبْرَاهِيمَ عَهْدَ الْخِتَانِ. وَبِمُوجِبِ هَذَا، لَمَّا وُلِدَ ابْنُهُ إِسْحَاقُ، خَتَنَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ. ثُمَّ إِسْحَاقُ خَتَنَ ابْنَهُ يَعْقُوبَ، وَيَعْقُوبُ أَيْضًا خَتَنَ أَوْلَادَهُ، أَيْ آبَاءَنَا الِـ12. ”وَالْآبَاءُ حَسَدُوا يُوسِفَ وَبَاعُوهُ كَعَبْدٍ إِلَى مِصْرَ. لَكِنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ، وَأَنْقَذَهُ مِنْ كُلِّ مَصَائِبِهِ، وَأَعْطَاهُ حِكْمَةً، وَجَعَلَ فِرْعَوْنَ مَلِكَ مِصْرَ يَرْضَى عَنْهُ، فَأَقَامَهُ وَالِيًا عَلَى مِصْرَ وَعَلَى كُلِّ قَصْرِهِ. ”وَحَدَثَتْ مَجَاعَةٌ فِي كُلِّ مِصْرَ وَكَنْعَانَ فَقَاسَى النَّاسُ جِدًّا، وَاحْتَاجَ آبَاؤُنَا إِلَى الطَّعَامِ. فَلَمَّا سَمِعَ يَعْقُوبُ أَنَّهُ يُوجَدُ قَمْحٌ فِي مِصْرَ، أَرْسَلَ إِلَيْهَا آبَاءَنَا لِأَوَّلِ مَرَّةٍ. وَفِي الزِّيَارَةِ الثَّانِيَةِ، عَرَّفَهُمْ يُوسِفُ بِنَفْسِهِ، وَسَمِعَ فِرْعَوْنُ عَنْ عَائِلَةِ يُوسِفَ. وَأَرْسَلَ يُوسِفُ وَاسْتَدْعَى وَالِدَهُ يَعْقُوبَ هُوَ وَكُلَّ أَهْلِهِ، وَكَانُوا 75 شَخْصًا. فَنَزَلَ يَعْقُوبُ إِلَى مِصْرَ، وَمَاتَ فِيهَا هُوَ وَآبَاؤُنَا. فَنَقَلُوهُمْ إِلَى شَكِيمَ، وَدَفَنُوهُمْ فِي الْقَبْرِ الَّذِي اشْتَرَاهُ إِبْرَاهِيمُ مِنْ أَوْلَادِ حَمُورَ فِي شَكِيمَ بِمَبْلَغٍ مِنَ الْمَالِ. ”وَلَمَّا كَانَ الْوَقْتُ يَقْتَرِبُ لِيُتَمِّمَ اللهُ وَعْدَهُ الَّذِي أَعْطَاهُ لِإِبْرَاهِيمَ، كَانَ شَعْبُنَا فِي مِصْرَ يَكْثُرُ وَيَزِيدُ عَدَدًا. ثُمَّ قَامَ مَلِكٌ آخَرُ عَلَى مِصْرَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ شَيْئًا عَنْ يُوسِفَ. فَغَدَرَ بِشَعْبِنَا، وَأَذَلَّ آبَاءَنَا، وَأَجْبَرَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا أَطْفَالَهُمْ خَارِجَ الدَّارِ لِكَيْ يَمُوتُوا. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وُلِدَ مُوسَى، وَكَانَ جَمِيلًا جِدًّا، فَتَرَبَّى 3 أَشْهُرٍ فِي دَارِ وَالِدِهِ. وَلَمَّا تَرَكَهُ أَهْلُهُ، أَخَذَتْهُ بِنْتُ فِرْعَوْنَ وَرَبَّتْهُ كَابْنٍ لَهَا. فَتَثَقَّفَ مُوسَى بِكُلِّ حِكْمَةِ الْمِصْرِيِّينَ، وَصَارَ عَظِيمًا فِي أَقْوَالِهِ وَأَعْمَالِهِ. ”وَلَمَّا كَانَ عُمْرُهُ 40 سَنَةً، خَطَرَ فِي بَالِهِ أَنْ يَزُورَ إِخْوَتَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَرَأَى مِصْرِيًّا يَعْتَدِي عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَدَافَعَ عَنِ الْمَظْلُومِ وَانْتَقَمَ لَهُ وَقَتَلَ الْمِصْرِيَّ. وَظَنَّ أَنَّ إِخْوَتَهُ يَفْهَمُونَ أَنَّ اللهَ بِذَلِكَ يَسْتَخْدِمُهُ لِإِنْقَاذِهِمْ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا. وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، صَادَفَ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ يَتَشَاجَرَانِ، فَحَاوَلَ أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ: ’أَنْتُمَا أَخَوَانِ، فَلِمَاذَا يَعْتَدِي أَحَدُكُمَا عَلَى الْآخَرِ؟‘ لَكِنَّ الَّذِي كَانَ يَعْتَدِي عَلَى الْآخَرِ دَفَعَ مُوسَى عَلَى جَانِبٍ وَقَالَ لَهُ: ’مَنْ جَعَلَكَ رَئِيسًا وَقَاضِيًا عَلَيْنَا؟ هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ الْمِصْرِيَّ بِالْأَمْسِ؟‘ فَلَمَّا سَمِعَ مُوسَى هَذَا، هَرَبَ إِلَى بِلَادِ مِدْيَانَ، وَأَقَامَ هُنَاكَ كَأَجْنَبِيٍّ، وَهُنَاكَ أَنْجَبَ وَلَدَيْنِ. ”وَبَعْدَ 40 سَنَةً، ظَهَرَ لَهُ مَلَاكٌ فِي لَهِيبِ نَارٍ فِي عُلَّيْقَةٍ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي صَحْرَاءِ جَبَلِ سِينَاءَ. فَانْدَهَشَ مُوسَى مِنَ الْمَنْظَرِ وَاقْتَرَبَ لِيَرَى. فَسَمِعَ صَوْتَ اللهِ يَقُولُ لَهُ: ’أَنَا رَبُّ آبَائِكَ، رَبُّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ.‘ فَارْتَعَبَ مُوسَى وَلَمْ يَجْرُؤْ أَنْ يَنْظُرَ. فَقَالَ لَهُ اللهُ: ’اِخْلَعْ حِذَاءَكَ لِأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ فِيهِ هُوَ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ. أَنَا رَأَيْتُ ذُلَّ شَعْبِيَ الَّذِي فِي مِصْرَ، أَنَا سَمِعْتُ أَنِينَهُمْ، فَنَزَلْتُ لِأُنْقِذَهُمْ. وَالْآنَ تَعَالَ لِأُرْسِلَكَ إِلَى مِصْرَ.‘ ”هَذَا هُوَ مُوسَى الَّذِي رَفَضُوهُ وَقَالُوا: ’مَنْ جَعَلَكَ رَئِيسًا وَقَاضِيًا عَلَيْنَا؟‘ أَرْسَلَهُ اللهُ بِوَاسِطَةِ الْمَلَاكِ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ فِي الْعُلَّيْقَةِ، لِيَكُونَ رَئِيسَهُمْ وَمُنْقِذَهُمْ. فَأَخْرَجَهُمْ مِنْ مِصْرَ وَصَنَعَ عَجَائِبَ وَآيَاتٍ فِي مِصْرَ، وَعِنْدَ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ، وَطُولَ 40 سَنَةً فِي الصَّحْرَاءِ. هَذَا هُوَ مُوسَى الَّذِي قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ’سَيُرْسِلُ لَكُمُ اللهُ مِنْ بَيْنِ شَعْبِكُمْ نَبِيًّا مِثْلِي.‘ هَذَا هُوَ الَّذِي كَانَ مَعَ جَمَاعَةِ الشَّعْبِ فِي الصَّحْرَاءِ، وَسِيطًا بَيْنَ الْمَلَاكِ الَّذِي كَلَّمَهُ فِي جَبَلِ سِينَاءَ وَآبَائِنَا. فَتَلَقَّى كَلَامًا يَمْنَحُ الْحَيَاةَ وَأَعْطَاهُ لَنَا. ”لَكِنَّ آبَاءَنَا رَفَضُوا أَنْ يُطِيعُوا مُوسَى، وَلَمْ يَقْبَلُوهُ، بَلْ رَجَعُوا بِقُلُوبِهِمْ إِلَى مِصْرَ. وَقَالُوا لِهَارُونَ: ’اِصْنَعْ لَنَا آلِهَةً تَهْدِينَا فِي سَيْرِنَا، لِأَنَّ مُوسَى، هَذَا الشَّخْصَ الَّذِي أَخْرَجَنَا مِنْ مِصْرَ، لَا نَعْلَمُ مَاذَا جَرَى لَهُ.‘ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، صَنَعُوا صَنَمًا عَلَى شَكْلِ عِجْلٍ، وَقَدَّمُوا لَهُ ضَحَايَا، وَفَرِحُوا بِمَا صَنَعَتْهُ أَيْدِيهِمْ. لَكِنَّ اللهَ تَرَكَهُمْ، وَسَلَّمَهُمْ لِيَعْبُدُوا نُجُومَ السَّمَاءِ، كَمَا يَقُولُ الْوَحْيُ فِي كِتَابِ الْأَنْبِيَاءِ: ’يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، هَلْ قَدَّمْتُمْ لِي ضَحَايَا وَقَرَابِينَ طُولَ 40 سَنَةً فِي الصَّحْرَاءِ؟ لَا، بَلْ حَمَلْتُمْ مَعَكُمْ خَيْمَةَ الْإِلَهِ مُولَخَ، وَنَجْمَ الْإِلَهِ رَفَانَ، وَالتَّمَاثِيلَ الَّتِي صَنَعْتُمُوهَا لِتَعْبُدُوهَا. لِذَلِكَ أَنْفِيكُمْ إِلَى أَبْعَدَ مِنْ بَابِلَ.‘ ”وَلَمَّا كَانَ آبَاؤُنَا فِي الصَّحْرَاءِ، كَانَتْ خَيْمَةُ الْعَهْدِ مَعَهُمْ. فَإِنَّ مُوسَى صَنَعَهَا حَسَبَ الْمِثَالِ الَّذِي رَآهُ، كَمَا أَمَرَهُ اللهُ. وَبَعْدَ ذَلِكَ تَسَلَّمَهَا آبَاؤُنَا وَأَحْضَرُوهَا إِلَى هَذِهِ الْبِلَادِ تَحْتَ قِيَادَةِ يَشُوعَ. فَإِنَّهُمُ احْتَلُّوا هَذِهِ الْبِلَادَ بَعْدَمَا طَرَدَ اللهُ مِنْ أَمَامِهِمِ الشُّعُوبَ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا. وَبَقِيَتِ الْخَيْمَةُ هُنَا إِلَى وَقْتِ دَاوُدَ. وَنَالَ دَاوُدُ رِضَى اللهِ، فَطَلَبَ مِنَ اللهِ أَنْ يَسْمَحَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ مَسْكَنًا لِرَبِّ يَعْقُوبَ. لَكِنَّ سُلَيْمَانَ هُوَ الَّذِي بَنَى لَهُ بَيْتًا. إِلَّا أَنَّ اللهَ الْعَلِيَّ لَا يَسْكُنُ فِي بُيُوتٍ مِنْ صُنْعِ الْبَشَرِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ: ’قَالَ اللهُ: ”السَّمَاءُ عَرْشِي، وَالْأَرْضُ هِيَ الْمَكَانُ الَّذِي أَضَعُ فِيهِ قَدَمَيَّ. فَهَلْ تَبْنُونَ لِي بَيْتًا؟ أَوْ مَكَانًا أَرْتَاحُ فِيهِ؟ أَلَمْ أَصْنَعْ أَنَا كُلَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِيَدِي؟“‘“ ثُمَّ قَالَ اصْطَفَانُ: ”أَيُّهَا الشَّعْبُ الْعَنِيدُ، يَا مَنْ قُلُوبُكُمْ قَاسِيَةٌ، وَآذَانُكُمْ صَمَّاءُ! أَنْتُمْ مِثْلُ آبَائِكُمْ تُقَاوِمُونَ الرُّوحَ الْقُدُّوسَ دَائِمًا. هَلْ يُوجَدُ نَبِيٌّ وَاحِدٌ لَمْ يَضْطَهِدُوهُ؟ إِنَّهُمْ قَتَلُوا حَتَّى الرُّسُلَ الَّذِينَ تَنَبَّأُوا مِنْ قَبْلُ عَنْ مَجِيءِ الْبَارِّ. وَالْآنَ أَنْتُمْ غَدَرْتُمْ بِهِ وَقَتَلْتُمُوهُ. أَنْتُمُ الَّذِينَ تَسَلَّمْتُمُ الشَّرِيعَةَ بِوَاسِطَةِ مَلَائِكَةٍ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ تَعْمَلُوا بِهَا.“ فَلَمَّا سَمِعَ أَعْضَاءُ الْمَجْلِسِ هَذَا، غَضِبُوا جِدًّا، وَصَرُّوا بِأَسْنَانِهِمْ مِنَ الْغَضَبِ. لَكِنَّ اصْطَفَانَ نَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، وَهُوَ مُمْتَلِئٌ بِالرُّوحِ الْقُدُّوسِ، فَرَأَى جَلَالَ اللهِ، وَعِيسَـى وَاقِفًا عَنْ يَمِينِ اللهِ. فَقَالَ: ”اُنْظُرُوا! إِنِّي أَرَى السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَالَّذِي صَارَ بَشَرًا وَاقِفًا عَنْ يَمِينِ اللهِ.“ فَسَدُّوا آذَانَهُمْ، وَصَرَخُوا بِأَعْلَى صَوْتِهِمْ، وَهَجَمُوا عَلَيْهِ كُلُّهُمْ دُفْعَةً وَاحِدَةً، وَرَاحُوا بِهِ إِلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ، وَأَخَذُوا يَرْجُمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ. وَوَضَعَ الشُّهُودُ ثِيَابَهُمْ عِنْدَ قَدَمَيْ شَابٍّ اسْمُهُ شَاوُلُ. وَبَيْنَمَا هُمْ يَرْجُمُونَ اصْطَفَانَ، اِبْتَهَلَ وَقَالَ: ”يَا مَوْلَايَ عِيسَـى، اِقْبَلْ رُوحِي.“ ثُمَّ وَقَعَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَرَخَ: ”يَا مَوْلَايَ، لَا تَحْسِبْ هَذَا الذَّنْبَ ضِدَّهُمْ.“ وَلَمَّا قَالَ هَذَا تُوُفِّيَ. وَكَانَ شَاوُلُ مُوَافِقًا عَلَى قَتْلِ اصْطَفَانَ. وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ هَاجَ اضْطِهَادٌ شَدِيدٌ ضِدَّ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ فِي الْقُدْسِ. فَتَشَتَّتُوا كُلُّهُمْ فِي أَنْحَاءِ يَهُوذَا وَالسَّامِرَةِ، أَمَّا الرُّسُلُ فَبَقَوْا فِي الْقُدْسِ. وَقَامَ بَعْضُ الرِّجَالِ الْأَتْقِيَاءِ بِدَفْنِ اصْطَفَانَ، وَبَكَوْا عَلَيْهِ بِشِدَّةٍ. أَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ يَسْعَى إِلَى خَرَابِ أُمَّةِ الْمَسِيحِ. فَكَانَ يَذْهَبُ مِنْ دَارٍ إِلَى دَارٍ وَيَجُرُّ مِنْ هُنَاكَ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَيَرْمِيهِمْ فِي السِّجْنِ. وَالَّذِينَ تَشَتَّتُوا، ذَهَبُوا مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ وَهُمْ يُبَشِّرُونَ بِكَلَامِ اللهِ. فَذَهَبَ فِيلِيبُ إِلَى مَدِينَةٍ فِي السَّامِرَةِ وَبَشَّرَ بِالْمَسِيحِ. وَلَمَّا كَانَتِ الْجَمَاهِيرُ تَسْمَعُ فِيلِيبَ يَتَحَدَّثُ، وَتَرَى الْآيَاتِ الَّتِي كَانَ يَعْمَلُهَا، كَانُوا يُصْغُونَ بِكُلِّ انْتِبَاهٍ إِلَى كَلَامِهِ. وَكَانَتِ الْأَرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ تَصْرُخُ وَتَخْرُجُ مِنْ كَثِيرِينَ، وَكَذَلِكَ نَالَ الشِّفَاءَ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ الْمَشْلُولِينَ وَالْعُرْجِ. فَامْتَلَأَتِ الْمَدِينَةُ بِالْفَرَحِ. وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ رَجُلٌ اسْمُهُ سِيمُونُ، كَانَ يُدْهِشُ أَهْلَ السَّامِرَةِ، لِأَنَّهُ يُمَارِسُ السِّحْرَ، وَيَدَّعِي أَنَّهُ شَخْصٌ غَيْرُ عَادِيٍّ. وَصَدَّقَهُ الْجَمِيعُ مِنَ الْعَظِيمِ إِلَى الْبَسِيطِ، وَقَالُوا إِنَّهُ هُوَ الْقُدْرَةُ الْإِلَهِيَّةُ الَّتِي اسْمُهَا الْقُوَّةُ الْعَظِيمَةُ! وَقَدْ صَدَّقُوهُ لِأَنَّهُ كَانَ يُدْهِشُهُمْ بِسِحْرِهِ زَمَانًا طَوِيلًا. لَكِنْ لَمَّا أَعْلَنَ لَهُمْ فِيلِيبُ بُشْرَى قِيَامِ مَمْلَكَةِ اللهِ، وَأَخْبَرَهُمْ عَنْ قُوَّةِ اسْمِ عِيسَـى الْمَسِيحِ، آمَنُوا وَتَغَطَّسُوا رِجَالًا وَنِسَاءً. وَسِيمُونُ نَفْسُهُ آمَنَ أَيْضًا وَتَغَطَّسَ، وَكَانَ يُلَازِمُ فِيلِيبَ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَيَتَعَجَّبُ مِنَ الْآيَاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي كَانَ يَرَاهَا. وَسَمِعَ الرُّسُلُ فِي الْقُدْسِ أَنَّ أَهْلَ السَّامِرَةِ قَبِلُوا كَلَامَ اللهِ، فَأَرْسَلُوا لَهُمْ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا. فَذَهَبَا وَتَضَرَّعَا مِنْ أَجْلِهِمْ لِكَيْ يَنَالُوا الرُّوحَ الْقُدُّوسَ لِأَنَّهُ لِحَدِّ ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَكُنْ حَلَّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ. إِنَّمَا كَانُوا قَدْ تَغَطَّسُوا بِاسْمِ الْمَسِيحِ عِيسَـى. فَوَضَعَ بُطْرُسُ وَيُوحَنَّا أَيْدِيَهُمَا عَلَيْهِمْ، فَنَالُوا الرُّوحَ الْقُدُّوسَ. وَلَمَّا رَأَى سِيمُونُ أَنَّ الرُّوحَ الْقُدُّوسَ يَحِلُّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَمَا يَضَعُ الرُّسُلُ أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهِمْ، عَرَضَ عَلَى بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا بَعْضَ النُّقُودِ، وَقَالَ لَهُمَا: ”أَعْطِيَانِي أَنَا أَيْضًا هَذِهِ الْمَقْدِرَةَ، لِكَيْ يَنَالَ الرُّوحَ الْقُدُّوسَ كُلُّ مَنْ وَضَعْتُ يَدَيَّ عَلَيْهِ.“ فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: ”سَتَهْلِكُ أَنْتَ وَنُقُودُكَ! لِأَنَّكَ ظَنَنْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ هِبَةَ اللهِ بِالنُّقُودِ! لَيْسَ لَكَ نَصِيبٌ وَلَا قِسْمَةٌ فِي هَذَا، لِأَنَّ قَلْبَكَ غَيْرُ مُخْلِصٍ فِي نَظَرِ اللهِ. فَتُبْ عَنْ شَرِّكَ هَذَا، وَاطْلُبْ مِنَ الْمَوْلَى لَعَلَّهُ يَغْفِرُ لَكَ الْأَمْرَ الَّذِي فَكَّرْتَ بِهِ فِي قَلْبِكَ. لِأَنِّي أَرَى أَنَّكَ مَمْلُوءٌ بِمَرَارَةِ الْحَسَدِ وَمُقَيَّدٌ بِالشَّرِّ.“ فَقَالَ سِيمُونُ: ”اُطْلُبَا أَنْتُمَا مِنَ الْمَوْلَى لِكَيْ لَا يُصِيبَنِي شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْتُمَا.“ وَبَعْدَمَا قَدَّمَ بُطْرُسُ وَيُوحَنَّا شَهَادَتَهُمَا وَأَعْلَنَا رِسَالَةَ الْمَسِيحِ، رَجَعَا إِلَى الْقُدْسِ. وَفِي الطَّرِيقِ كَانَا يُنَادِيَانِ بِالْبُشْرَى فِي قُرًى كَثِيرَةٍ فِي مِنْطَقَةِ السَّامِرَةِ. وَكَلَّمَ مَلَاكُ اللهِ فِيلِيبَ وَقَالَ لَهُ: ”اِسْتَعِدَّ أَنْ تَذْهَبَ فِي الظُّهْرِ إِلَى الطَّرِيقِ الصَّحْرَاوِيِّ بَيْنَ الْقُدْسِ وَغَزَّةَ.“ فَاسْتَعَدَّ فِيلِيبُ وَذَهَبَ. وَفِي الطَّرِيقِ قَابَلَ رَجُلًا مِنَ الْحَبَشَةِ كَانَ رَاجِعًا إِلَى بِلَادِهِ بَعْدَمَا زَارَ الْقُدْسَ لِلْحَجِّ. وَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ مِنْ كِبَارِ الْقَوْمِ وَيَعْمَلُ وَزِيرًا لِلْخِزَانَةِ عِنْدَ كِنْدَاكَةَ مَلِكَةِ الْحَبَشَةِ. وَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي مَرْكَبَتِهِ، كَانَ يَقْرَأُ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ إِشَعْيَا. فَقَالَ الرُّوحُ الْقُدُّوسُ لِفِيلِيبَ: ”تَقَدَّمْ وَرَافِقِ الْمَرْكَبَةَ.“ فَجَرَى فِيلِيبُ إِلَى الْمَرْكَبَةِ، وَسَمِعَ الرَّجُلَ يَقْرَأُ كَلَامَ النَّبِيِّ إِشَعْيَا، فَقَالَ لَهُ: ”هَلْ أَنْتَ فَاهِمٌ مَا تَقْرَأُ؟“ فَأَجَابَ: ”كَيْفَ أَفْهَمُ إِنْ لَمْ يَشْرَحْ لِي أَحَدٌ؟“ وَدَعَا الْوَزِيرُ فِيلِيبَ أَنْ يَصْعَدَ وَيَرْكَبَ مَعَهُ. أَمَّا فَصْلُ الْكِتَابِ الَّذِي كَانَ يَقْرَأُهُ فَهُوَ: ”كَانَ كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَحَمَلٍ صَامِتٍ بَيْنَ يَدَيْ مَنْ يَجُزُّهُ، فَلَمْ يَفْتَحْ فَمَهُ. أَذَلُّوهُ وَعَامَلُوهُ بِغَيْرِ عَدْلٍ، وَمَنْ يَصِفُ مَا جَرَى لَهُ؟ لِأَنَّ حَيَاتَهُ عَلَى الْأَرْضِ انْتَهَتْ.“ فَقَالَ الْوَزِيرُ لِفِيلِيبَ: ”قُلْ لِي مِنْ فَضْلِكَ، عَمَّنْ يَتَحَدَّثُ النَّبِيُّ؟ عَنْ نَفْسِهِ أَمْ عَنْ شَخْصٍ آخَرَ؟“ فَبَدَأَ فِيلِيبُ يَتَكَلَّمُ، وَأَخَذَ يُبَشِّرُهُ بِإِنْجِيلِ عِيسَـى ابْتِدَاءً مِنْ هَذَا الْفَصْلِ مِنْ كِتَابِ اللهِ. وَبَيْنَمَا هُمَا فِي الطَّرِيقِ، وَصَلَا إِلَى مَكَانٍ فِيهِ مَاءٌ، فَقَالَ الْوَزِيرُ: ”اُنْظُرْ! هُنَا مَاءٌ! مَاذَا يَمْنَعُ أَنْ أَتَغَطَّسَ؟“ أَجَابَهُ فِيلِيبُ: ”إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، يُمْكِنُكَ أَنْ تَغْطِسَ.“ فَقَالَ الرَّجُلُ: ”أَنَا أُؤْمِنُ أَنَّ عِيسَـى هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ.“ وَأَمَرَ أَنْ تَقِفَ الْمَرْكَبَةُ، فَنَزَلَا إِلَى الْمَاءِ مَعًا، فِيلِيبُ وَالرَّجُلُ، وَغَطَّسَهُ فِيلِيبُ. وَلَمَّا خَرَجَا مِنَ الْمَاءِ، خَطَفَ رُوحُ اللهِ فِيلِيبَ، وَلَمْ يَعُدِ الْوَزِيرُ يَرَاهُ، فَتَابَعَ سَفَرَهُ بِفَرَحٍ. أَمَّا فِيلِيبُ فَظَهَرَ فِي مَدِينَةِ أَشْدُودَ، فَأَخَذَ يُسَافِرُ وَيُنَادِي بِالْبُشْرَى فِي كُلِّ الْبِلَادِ إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَى قَيْصَرِيَّةَ. وَكَانَ شَاوُلُ مَا زَالَ يُهَدِّدُ أَتْبَاعَ عِيسَى بِالْقَتْلِ. فَذَهَبَ إِلَى رَئِيسِ الْأَحْبَارِ وَطَلَبَ مِنْهُ رَسَائِلَ إِلَى بُيُوتِ الْعِبَادَةِ الَّتِي فِي دِمَشْقَ، لِكَيْ يَقْبِضَ عَلَى الَّذِينَ يَجِدُهُمْ مِنْ أَتْبَاعِ الطَّرِيقِ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَيَأْخُذَهُمْ إِلَى الْقُدْسِ. وَبَيْنَمَا هُوَ مُسَافِرٌ، وَكَانَ قَدِ اقْتَرَبَ مِنْ دِمَشْقَ، فَجْأَةً أَضَاءَ حَوْلَهُ نُورٌ مِنَ السَّمَاءِ. فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ، وَسَمِعَ صَوْتًا يَقُولُ لَهُ: ”يَا شَاوُلُ! يَا شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟“ فَقَالَ شَاوُلُ: ”مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟“ أَجَابَهُ: ”أَنَا عِيسَى الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ. قُمْ وَادْخُلِ الْمَدِينَةَ، فَتُخْبَرَ بِمَا يَجِبُ أَنْ تَعْمَلَهُ.“ أَمَّا الرِّجَالُ الْمُسَافِرُونَ مَعَهُ، فَوَقَفُوا لَا يَنْطِقُونَ وَهُمْ يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ وَلَا يَرَوْنَ أَحَدًا. فَقَامَ شَاوُلُ مِنْ عَلَى الْأَرْضِ وَفَتَحَ عَيْنَيْهِ، فَوَجَدَ أَنَّهُ لَا يَرَى. فَقَادُوهُ بِيَدِهِ إِلَى دِمَشْقَ. وَبَقِيَ 3 أَيَّامٍ لَا يَرَى، وَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ. وَكَانَ فِي دِمَشْقَ وَاحِدٌ مِنْ أَتْبَاعِ عِيسَى اسْمُهُ حَنَانْيَا، فَقَالَ لَهُ الْمَسِيحُ فِي رُؤْيَا: ”يَا حَنَانْيَا.“ فَقَالَ: ”نَعَمْ يَا مَوْلَايَ!“ فَقَالَ لَهُ: ”قُمْ وَاذْهَبْ إِلَى شَارِعِ الْمُسْتَقِيمِ، وَاسْأَلْ فِي دَارِ يَهُوذَا عَنْ رَجُلٍ مِنْ طَرْسُوسَ اسْمُهُ شَاوُلُ. فَهُوَ الْآنَ يُصَلِّي وَقَدْ رَأَى فِي رُؤْيَا رَجُلًا اسْمُهُ حَنَانْيَا جَاءَ إِلَيْهِ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ لِكَيْ يَرَى.“ أَجَابَ حَنَانْيَا: ”يَا مَوْلَايَ! أَنَا سَمِعْتُ مِنْ كَثِيرِينَ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ، وَعَنِ الْأَذَى الَّذِي سَبَّبَهُ لِشَعْبِكَ فِي الْقُدْسِ. وَهُوَ جَاءَ إِلَى هُنَا وَمَعَهُ إِذْنٌ مِنْ رُؤَسَاءِ الْأَحْبَارِ لِكَيْ يَقْبِضَ عَلَى كُلِّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِكَ.“ فَقَالَ لَهُ عِيسَى: ”اِذْهَبْ، لِأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ أَنَا اخْتَرْتُهُ لِيَكُونَ أَدَاةً لِيَحْمِلَ اسْمِي إِلَى الشُّعُوبِ وَالْمُلُوكِ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ. وَسَأُرِيهِ كَيْفَ أَنَّهُ سَيَتَأَلَّمُ كَثِيرًا مِنْ أَجْلِ اسْمِي.“ فَذَهَبَ حَنَانْيَا إِلَى الدَّارِ، وَدَخَلَ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى شَاوُلَ وَقَالَ: ”يَا أَخُ شَاوُلُ، سَيِّدُنَا عِيسَـى الَّذِي ظَهَرَ لَكَ فِي الطَّرِيقِ إِلَى هُنَا، أَرْسَلَنِي لِكَيْ تَرَى وَتَمْتَلِئَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُّوسِ.“ وَعَلَى الْفَوْرِ وَقَعَ مِنْ عَيْنَيْهِ شَيْءٌ مِثْلُ قُشُورٍ وَأَصْبَحَ يَرَى. فَقَامَ وَتَغَطَّسَ وَتَنَاوَلَ بَعْضَ الطَّعَامِ فَتَقَوَّى، ثُمَّ قَضَى بِضْعَةَ أَيَّامٍ مَعَ التَّلَامِيذِ فِي دِمَشْقَ. وَذَهَبَ شَاوُلُ مُبَاشَرَةً إِلَى بُيُوتِ الْعِبَادَةِ وَبَدَأَ يُنَادِي أَنَّ عِيسَـى هُوَ ابْنُ اللهِ. فَانْدَهَشَ كُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوهُ وَقَالُوا: ”أَلَيْسَ هَذَا هُوَ الَّذِي كَانَ يُحَاوِلُ أَنْ يُبِيدَ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِهَذَا الِاسْمِ فِي الْقُدْسِ، وَجَاءَ إِلَى هُنَا بِقَصْدِ أَنْ يَقْبِضَ عَلَيْهِمْ وَيَأْخُذَهُمْ إِلَى رُؤَسَاءِ الْأَحْبَارِ؟“ أَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ يَزْدَادُ قُوَّةً، وَكَانَ يُحَيِّرُ الْيَهُودَ الْمُقِيمِينَ فِي دِمَشْقَ بِالْأَدِلَّةِ الَّتِي كَانَ يُقَدِّمُهَا عَلَى أَنَّ عِيسَـى هُوَ الْمَسِيحُ. وَبَعْدَ فَتْرَةٍ مِنَ الْوَقْتِ، تَآمَرَ الْيَهُودُ لِيَقْتُلُوهُ. فَكَانُوا يُرَاقِبُونَ بَوَّابَاتِ الْمَدِينَةِ نَهَارًا وَلَيْلًا لِكَيْ يَقْتُلُوهُ، لَكِنَّ شَاوُلَ سَمِعَ عَنِ الْمُؤَامَرَةِ. فَأَخَذَهُ أَتْبَاعُهُ فِي اللَّيْلِ، وَأَنْزَلُوهُ مِنَ السُّورِ فِي قُفَّةٍ. وَلَمَّا وَصَلَ شَاوُلُ إِلَى الْقُدْسِ، حَاوَلَ أَنْ يَنْضَمَّ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ، لَكِنَّهُمْ كُلَّهُمْ خَافُوا مِنْهُ، وَلَمْ يُصَدِّقُوا أَنَّهُ أَصْبَحَ مُؤْمِنًا بِعِيسَى. لَكِنَّ بَرْنَابَا أَخَذَهُ إِلَى الرُّسُلِ، وَشَرَحَ لَهُمْ كَيْفَ أَنَّ شَاوُلَ رَأَى عِيسَى فِي الطَّرِيقِ، وَأَنَّ عِيسَى تَحَدَّثَ مَعَهُ، وَكَيْفَ أَنَّ شَاوُلَ نَفْسَهُ بَشَّرَ بِاسْمِ عِيسَـى بِجَرَاءَةٍ فِي دِمَشْقَ. فَأَقَامَ شَاوُلُ عِنْدَهُمْ، وَأَخَذَ يَتَنَقَّلُ مَعَهُمْ فِي الْقُدْسِ وَيُبَشِّرُ بِاسْمِ عِيسَى بِلَا خَوْفٍ. وَكَانَ يُخَاطِبُ الْيَهُودَ الَّذِينَ مِنَ الْبِلَادِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَيُجَادِلُهُمْ، فَصَمَّمُوا أَنْ يَقْتُلُوهُ. فَلَمَّا عَلِمَ الْإِخْوَةُ بِذَلِكَ، أَخَذُوهُ إِلَى مِينَاءِ قَيْصَرِيَّةَ وَمِنْ هُنَاكَ صَرَفُوهُ إِلَى طَرْسُوسَ. وَكَانَتْ جَمَاعَاتُ الْمُؤْمِنِينَ تَنْعَمُ بِالسَّلَامِ فِي كُلِّ بِلَادِ يَهُوذَا وَالْجَلِيلِ وَالسَّامِرَةِ. وَكَانَتْ تَنْمُو وَتَتَقَدَّمُ فِي مَخَافَةِ اللهِ، وَتَزِيدُ فِي الْعَدَدِ بِمُسَاعَدَةِ الرُّوحِ الْقُدُّوسِ. وَكَانَ بُطْرُسُ يُسَافِرُ فِي كُلِّ الْمِنْطَقَةِ، وَذَاتَ مَرَّةٍ زَارَ أَتْبَاعَ الْمَسِيحِ الْمَوْجُودِينَ فِي لُدَّةَ. فَوَجَدَ هُنَاكَ رَجُلًا مَشْلُولًا اسْمُهُ إِينَاسُ، كَانَ طَرِيحَ الْفِرَاشِ مُنْذُ 8 سِنِينَ. فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: ”يَا إِينَاسُ، عِيسَـى الْمَسِيحُ يَشْفِيكَ. قُمْ وَرَتِّبْ فِرَاشَكَ بِنَفْسِكَ.“ فَقَامَ فِي الْحَالِ. وَرَآهُ كُلُّ سُكَّانِ لُدَّةَ وَشَارُونَ، فَاهْتَدَوْا كُلُّهُمْ إِلَى الْمَسِيحِ. وَكَانَ فِي مَدِينَةِ يَافَا وَاحِدَةٌ مِنْ أَتْبَاعِ عِيسَى اسْمُهَا طَابِيتَه، أَيْ غَزَالَةٌ. وَكَانَتْ دَائِمًا تَعْمَلُ الْخَيْرَ وَتُسَاعِدُ الْمُحْتَاجِينَ. وَحَدَثَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَنَّهَا مَرِضَتْ وَمَاتَتْ. فَغَسَّلُوهَا وَوَضَعُوهَا فِي غُرْفَةٍ فِي الطَّابِقِ الْأَعْلَى. وَلُدَّةُ قَرِيبَةٌ مِنْ يَافَا. وَسَمِعَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ فِي يَافَا أَنَّ بُطْرُسَ مَوْجُودٌ فِي لُدَّةَ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ بِرِسَالَةٍ تَقُولُ: ”مِنْ فَضْلِكَ تَعَالَ إِلَيْنَا بِسُرْعَةٍ.“ فَقَامَ بُطْرُسُ وَذَهَبَ مَعَهُمَا. وَلَمَّا وَصَلَ أَخَذُوهُ إِلَى الْغُرْفَةِ، فَتَجَمَّعَتْ حَوْلَهُ كُلُّ الْأَرَامِلِ بَاكِيَاتٍ يُرِينَهُ الْأَقْمِصَةَ وَالثِّيَابَ الَّتِي كَانَتْ غَزَالَةُ تَعْمَلُهَا وَهِيَ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ. فَأَخْرَجَ بُطْرُسُ الْجَمِيعَ مِنَ الْغُرْفَةِ، وَرَكَعَ وَتَضَرَّعَ إِلَى اللهِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْجُثَّةِ وَقَالَ: ”يَا طَابِيتَه قُومِي!“ فَفَتَحَتْ عَيْنَيْهَا، وَلَمَّا رَأَتْ بُطْرُسَ جَلَسَتْ. فَمَدَّ يَدَهُ لَهَا وَأَقَامَهَا. ثُمَّ دَعَا الْمُؤْمِنِينَ وَالْأَرَامِلَ، وَقَدَّمَهَا لَهُمْ حَيَّةً. وَانْتَشَرَ الْخَبَرُ فِي يَافَا كُلِّهَا، فَآمَنَ كَثِيرُونَ بِعِيسَى. وَأَقَامَ بُطْرُسُ فِي يَافَا بَعْضَ الْوَقْتِ عِنْدَ وَاحِدٍ دَبَّاغٍ اسْمُهُ سَمْعَانُ. وَكَانَ فِي مَدِينَةِ قَيْصَرِيَّةَ ضَابِطٌ اسْمُهُ كُرْنِلْيُوسُ، بِرُتْبَةِ قَائِدِ مِئَةٍ فِي الْكَتِيبَةِ الَّتِي اسْمُهَا الْكَتِيبَةُ الْإِيطَالِيَّةُ. وَكَانَ تَقِيًّا يَخَافُ اللهَ هُوَ وَكُلُّ عَائِلَتِهِ وَيَتَصَدَّقُ كَثِيرًا عَلَى الْمُحْتَاجِينَ، وَيَطْلُبُ وَجْهَ اللهِ دَائِمًا. وَذَاتَ يَوْمٍ، حَوَالَيِ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ الظُّهْرِ، رَأَى بِوُضُوحٍ فِي رُؤْيَا، مَلَاكًا مِنْ عِنْدِ اللهِ يَأْتِي إِلَيْهِ وَيَقُولُ: ”يَا كُرْنِلْيُوسُ.“ فَنَظَرَ إِلَيْهِ وَهُوَ خَائِفٌ وَقَالَ: ”مَاذَا يَا سَيِّدُ؟“ قَالَ لَهُ الْمَلَاكُ: ”صَلَوَاتُكَ وَصَدَقَاتُكَ صَعِدَتْ أَمَامَ اللهِ، فَأَنْتَ فِي فِكْرِهِ. وَالْآنَ أَرْسِلْ بَعْضَ الرِّجَالِ إِلَى يَافَا، وَاسْتَدْعِ سَمْعَانَ الَّذِي اسْمُهُ أَيْضًا بُطْرُسُ. وَهُوَ مَوْجُودٌ عِنْدَ سَمْعَانَ الدَّبَّاغِ الَّذِي دَارُهُ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ.“ وَلَمَّا انْصَرَفَ الْمَلَاكُ الَّذِي كَلَّمَهُ، نَادَى اثْنَيْنِ مِنْ خُدَّامِهِ، وَجُنْدِيًّا تَقِيًّا مِنْ مُسَاعِدِيهِ. وَشَرَحَ لَهُمْ كُلَّ مَا جَرَى، وَأَرْسَلَهُمْ إِلَى يَافَا. وَفِي الْغَدِ بَيْنَمَا هُمْ يَقْتَرِبُونَ مِنَ الْمَدِينَةِ، صَعِدَ بُطْرُسُ إِلَى السَّطْحِ لِيُصَلِّيَ سَاعَةَ الظُّهْرِ. وَجَاعَ جِدًّا وَكَانَ يَتَمَنَّى أَنْ يَأْكُلَ. وَبَيْنَمَا كَانُوا يُجَهِّزُونَ الطَّعَامَ، وَقَعَ فِي غَيْبُوبَةٍ، وَرَأَى السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَشَيْئًا نَازِلًا مِثْلَ مِلَاءَةٍ كَبِيرَةٍ تَتَدَلَّى إِلَى الْأَرْضِ مِنْ أَطْرَافِهَا الْـ4. وَكَانَ فِيهَا مِنْ كُلِّ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي تَمْشِي وَالَّتِي تَزْحَفُ وَطُيُورِ السَّمَاءِ. وَجَاءَهُ صَوْتٌ يَقُولُ: ”قُمْ يَا بُطْرُسُ، اِذْبَحْ وَكُلْ.“ فَقَالَ بُطْرُسُ: ”لَا يَا سَيِّدِي! أَنَا لَمْ آكُلْ شَيْئًا نَجِسًا أَوْ دَنِسًا أَبَدًا.“ فَقَالَ لَهُ الصَّوْتُ مَرَّةً ثَانِيَةً: ”مَا جَعَلَهُ اللهُ طَاهِرًا، لَا تَعْتَبِرْهُ أَنْتَ نَجِسًا!“ وَحَدَثَ هَذَا 3 مَرَّاتٍ، ثُمَّ ارْتَفَعَتِ الْمِلَاءَةُ إِلَى السَّمَاءِ فِي الْحَالِ. وَبَيْنَمَا كَانَ بُطْرُسُ حَائِرًا فِي مَعْنَى الرُّؤْيَا الَّتِي رَآهَا، كَانَ الرِّجَالُ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ كُرْنِلْيُوسُ قَدْ سَأَلُوا عَنْ دَارِ سَمْعَانَ، وَوَصَلُوا قُدَّامَ الْبَابِ. فَنَادَوْا وَسَأَلُوا: ”هَلْ عِنْدَكُمْ ضَيْفٌ هُنَا اسْمُهُ سَمْعَانُ بُطْرُسُ؟“ وَكَانَ بُطْرُسُ مَا زَالَ يُفَكِّرُ فِي مَعْنَى الرُّؤْيَا، فَقَالَ لَهُ الرُّوحُ: ”يُوجَدُ 3 رِجَالٍ يَطْلُبُونَكَ. قُمْ وَانْزِلْ وَاذْهَبْ مَعَهُمْ بِلَا تَرَدُّدٍ لِأَنِّي أَنَا الَّذِي أَرْسَلْتُهُمْ.“ فَنَزَلَ بُطْرُسُ إِلَى الرِّجَالِ وَقَالَ: ”أَنَا هُوَ الَّذِي تَطْلُبُونَهُ، فَلِمَاذَا جِئْتُمْ؟“ أَجَابُوا: ”جِئْنَا مِنْ عِنْدِ الضَّابِطِ كُرْنِلْيُوسَ وَهُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ يَتَّقِي اللهَ، وَيَحْتَرِمُهُ كُلُّ شَعْبِ الْيَهُودِ. فَقَدْ ظَهَرَ لَهُ مَلَاكٌ طَاهِرٌ وَقَالَ لَهُ أَنْ يَسْتَدْعِيَكَ إِلَى دَارِهِ، لِكَيْ يَسْمَعَ مَا عِنْدَكَ مِنْ كَلَامٍ.“ فَدَعَاهُمْ بُطْرُسُ وَأَضَافَهُمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ. وَفِي الْغَدِ ذَهَبَ مَعَهُمْ، وَرَافَقَهُ أَيْضًا بَعْضُ الْإِخْوَةِ مِنْ يَافَا. وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي وَصَلَ إِلَى قَيْصَرِيَّةَ، وَكَانَ كُرْنِلْيُوسُ يَنْتَظِرُهُمْ وَقَدْ دَعَا أَقَارِبَهُ وَأَصْدِقَاءَهُ الْمُقَرَّبِينَ. وَلَمَّا وَصَلَ بُطْرُسُ إِلَى الدَّارِ، خَرَجَ كُرْنِلْيُوسُ لِاسْتِقْبَالِهِ وَرَمَى نَفْسَهُ عِنْدَ قَدَمَيْهِ وَسَجَدَ لَهُ. لَكِنَّ بُطْرُسَ أَقَامَهُ وَقَالَ لَهُ: ”قُمْ، أَنَا مُجَرَّدُ إِنْسَانٍ.“ وَدَخَلَ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ مَعَهُ، فَوَجَدَ عَدَدًا كَبِيرًا مِنَ النَّاسِ مُجْتَمِعِينَ. فَقَالَ لَهُمْ: ”أَنْتُمْ كُلُّكُمْ تَعْرِفُونَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَلَى الْيَهُودِيِّ أَنْ يَتَعَامَلَ مَعَ غَيْرِ الْيَهُودِ أَوْ يَزُورَهُمْ. لَكِنَّ اللهَ أَظْهَرَ لِي أَنْ لَا أَعْتَبِرَ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ نَجِسًا أَوْ دَنِسًا. وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ أَنَّهُ لَمَّا أَرْسَلْتُمْ لِي، جِئْتُ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ. لِهَذَا فَإِنِّي أَسْأَلُكُمْ: لِمَاذَا أَرْسَلْتُمْ لِي؟“ فَقَالَ كُرْنِلْيُوسُ: ”مُنْذُ 4 أَيَّامٍ، فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ الظُّهْرِ، كُنْتُ أُصَلِّي فِي دَارِي، وَفَجْأَةً ظَهَرَ أَمَامِي رَجُلٌ لَابِسٌ ثَوْبًا لَامِعًا وَقَالَ لِي: ’يَا كُرْنِلْيُوسُ، سَمِعَ اللهُ صَلَاتَكَ، وَذَكَرَ صَدَقَاتِكَ. أَرْسِلْ إِلَى يَافَا وَاسْتَدْعِ سَمْعَانَ بُطْرُسَ. وَهُوَ ضَيْفٌ فِي دَارِ سَمْعَانَ الدَّبَّاغِ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ.‘ فَأَرْسَلْتُ إِلَيْكَ فَوْرًا، وَأَنْتَ أَحْسَنْتَ بِأَنْ أَتَيْتَ. وَالْآنَ نَحْنُ كُلُّنَا مَوْجُودُونَ هُنَا فِي مَحْضَرِ اللهِ لِنَسْمَعَ كُلَّ مَا أَمَرَكَ رَبُّنَا أَنْ تَقُولَهُ.“ فَبَدَأَ بُطْرُسُ يُخَاطِبُهُمْ وَقَالَ: ”تَبَيَّنَ لِي فِعْلًا أَنَّ اللهَ لَا يَتَحَيَّزُ لِأَحَدٍ، بَلْ يَقْبَلُ كُلَّ مَنْ يَتَّقِيهِ وَيَعْمَلُ الصَّلَاحَ، مَهْمَا كَانَتْ جِنْسِيَّتُهُ. هَذِهِ هِيَ الرِّسَالَةُ الَّتِي بَعَثَهَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ لِيُعْلِنَ لَهُمُ الْخَبَرَ السَّارَّ وَهُوَ أَنَّ السَّلَامَ يَأْتِي بِوَاسِطَةِ عِيسَـى الْمَسِيحِ رَبِّ الْكُلِّ. وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ مَا جَرَى فِي كُلِّ مِنْطَقَةِ يَهُوذَا، وَبَدَأَ فِي الْجَلِيلِ بَعْدَ الْغِطَاسِ الَّذِي كَانَ يَحْيَى يَدْعُو إِلَيْهِ. كَيْفَ أَنَّ اللهَ مَسَحَ عِيسَـى النَّاصِرِيَّ بِالرُّوحِ الْقُدُّوسِ وَالْقُوَّةِ، فَكَانَ يَجُولُ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَعْمَلُ الْخَيْرَ وَيَشْفِي كُلَّ الَّذِينَ تَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ، لِأَنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ. وَنَحْنُ شُهُودٌ عَلَى كُلِّ مَا عَمِلَهُ فِي بِلَادِ الْيَهُودِ وَفِي الْقُدْسِ. وَصَلَبُوهُ وَقَتَلُوهُ، لَكِنَّ اللهَ أَقَامَهُ حَيًّا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ. وَجَعَلَهُ يَظْهَرُ، لَا لِكُلِّ النَّاسِ، بَلْ لِلشُّهُودِ الَّذِينَ اخْتَارَهُمُ اللهُ مِنْ قَبْلُ، أَيْ نَحْنُ الَّذِينَ أَكَلْنَا وَشَرِبْنَا مَعَهُ بَعْدَمَا قَامَ مِنَ الْمَوْتِ. ثُمَّ أَمَرَنَا أَنْ نُبَشِّرَ النَّاسَ وَنُعْلِنَ لَهُمْ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي عَيَّنَهُ اللهُ لِيَكُونَ دَيَّانَ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ. وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يَنَالُ غُفْرَانَ الذُّنُوبِ بِوَاسِطَةِ اسْمِهِ.“ وَبَيْنَمَا كَانَ بُطْرُسُ يَتَكَلَّمُ بِهَذَا الْكَلَامِ، حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُّوسُ عَلَى كُلِّ الَّذِينَ سَمِعُوا الرِّسَالَةَ. فَانْدَهَشَ الْمُؤْمِنُونَ الْيَهُودُ الَّذِينَ رَافَقُوا بُطْرُسَ، لِأَنَّ اللهَ أَفَاضَ مَوْهِبَةَ الرُّوحِ الْقُدُّوسِ عَلَى غَيْرِ الْيَهُودِ أَيْضًا. لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ وَيُعَظِّمُونَ اللهَ. فَقَالَ بُطْرُسُ: ”هَؤُلَاءِ النَّاسُ نَالُوا الرُّوحَ الْقُدُّوسَ مِثْلَنَا نَحْنُ، فَهَلْ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ أَنْ يَتَغَطَّسُوا فِي الْمَاءِ؟“ فَأَمَرَ بِأَنْ يَتَغَطَّسُوا بِاسْمِ عِيسَـى الْمَسِيحِ. ثُمَّ طَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُمْ بِضْعَةَ أَيَّامٍ. وَسَمِعَ الرُّسُلُ وَالْإِخْوَةُ الَّذِينَ فِي بِلَادِ يَهُوذَا أَنَّ غَيْرَ الْيَهُودِ أَيْضًا قَبِلُوا كَلَامَ اللهِ. فَلَمَّا رَجَعَ بُطْرُسُ إِلَى الْقُدْسِ انْتَقَدَهُ الْإِخْوَةُ الْمَخْتُونُونَ، وَقَالُوا لَهُ: ”أَنْتَ دَخَلْتَ عِنْدَ أُنَاسٍ غَيْرِ مَخْتُونِينَ وَأَكَلْتَ مَعَهُمْ!“ فَشَرَحَ بُطْرُسُ لَهُمُ الْأُمُورَ بِالتَّفْصِيلِ كَمَا حَدَثَتْ. فَقَالَ: ”كُنْتُ أُصَلِّي فِي مَدِينَةِ يَافَا، فَوَقَعَتْ عَلَيَّ غَيْبُوبَةٌ وَرَأَيْتُ رُؤْيَا. رَأَيْتُ شَيْئًا مِثْلَ مِلَاءَةٍ كَبِيرَةٍ تَتَدَلَّى مِنَ السَّمَاءِ مِنْ أَطْرَافِهَا الْـ4، حَتَّى وَصَلَتْ إِلَيَّ. فَنَظَرْتُ فِيهَا جَيِّدًا وَتَأَمَّلْتُهَا، فَوَجَدْتُ أَنَّ فِيهَا مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي تَمْشِي وَالَّتِي تَزْحَفُ وَالْوُحُوشِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ. ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتًا يَقُولُ لِي: ’قُمْ يَا بُطْرُسُ، اِذْبَحْ وَكُلْ.‘ فَقُلْتُ: ’لَا يَا سَيِّدِي، أَنَا لَمْ يَدْخُلْ فَمِي شَيْءٌ نَجِسٌ أَوْ دَنِسٌ أَبَدًا.‘ فَتَكَلَّمَ الصَّوْتُ مِنَ السَّمَاءِ مَرَّةً ثَانِيَةً: ’مَا جَعَلَهُ اللهُ طَاهِرًا، لَا تَعْتَبِرْهُ أَنْتَ نَجِسًا!‘ وَحَدَثَ هَذَا 3 مَرَّاتٍ، ثُمَّ ارْتَفَعَ كُلُّ شَيْءٍ أَيْضًا إِلَى السَّمَاءِ. وَفِي نَفْسِ اللَّحْظَةِ، وَصَلَ إِلَى الدَّارِ الَّتِي كُنْتُ فِيهَا 3 رِجَالٍ كَانُوا مُرْسَلِينَ إِلَيَّ مِنْ قَيْصَرِيَّةَ. فَقَالَ لِيَ الرُّوحُ أَنْ أَذْهَبَ مَعَهُمْ بِلَا تَرَدُّدٍ. فَذَهَبْتُ وَرَافَقَنِي هَؤُلَاءِ الْإِخْوَةُ الـ6. وَدَخَلْنَا دَارَ الرَّجُلِ، فَأَخْبَرَنَا كَيْفَ أَنَّهُ رَأَى الْمَلَاكَ يَظْهَرُ لَهُ فِي دَارِهِ وَيَقُولُ لَهُ: ’أَرْسِلْ إِلَى يَافَا، وَاسْتَدْعِ سَمْعَانَ الَّذِي اسْمُهُ بُطْرُسُ، وَهُوَ يُكَلِّمُكَ كَلَامًا بِهِ تَنْجُو أَنْتَ وَكُلُّ عَائِلَتِكَ.‘ فَلَمَّا بَدَأْتُ أَتَكَلَّمُ، حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُّوسُ عَلَيْهِمْ كَمَا حَلَّ عَلَيْنَا نَحْنُ فِي الْأَوَّلِ. فَتَذَكَّرْتُ مَا قَالَهُ مَوْلَانَا لَنَا: ’إِنَّ يَحْيَى غَطَّسَ النَّاسَ فِي الْمَاءِ، أَمَّا أَنْتُمْ فَتُغَطَّسُونَ فِي الرُّوحِ الْقُدُّوسِ.‘ فَإِنْ كَانَ اللهُ أَعْطَاهُمْ نَفْسَ الْمَوْهِبَةِ مِثْلَنَا نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِمَوْلَانَا عِيسَى الْمَسِيحِ، فَمَنْ أَنَا حَتَّى أَقْدِرَ أَنْ أَمْنَعَ اللهَ؟“ فَلَمَّا سَمِعُوا هَذَا، هَدَأُوا وَسَبَّحُوا اللهَ وَقَالُوا: ”إِذَنْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَى غَيْرِ الْيَهُودِ أَيْضًا بِالتَّوْبَةِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى الْحَيَاةِ!“ وَالَّذِينَ تَشَتَّتُوا فِي الِاضْطِهَادِ الَّذِي وَقَعَ بِسَبَبِ اصْطَفَانَ، ذَهَبُوا إِلَى فِينِيقِيَةَ وَقُبْرُصَ وَأَنْطَاكِيَةَ، وَكَانُوا يُنَادُونَ بِالرِّسَالَةِ بَيْنَ الْيَهُودِ فَقَطْ. لَكِنَّ بَعْضَهُمْ، وَكَانُوا أَصْلًا مِنْ قُبْرُصَ وَمِنَ الْقَيْرَوَانِ، لَمَّا جَاءُوا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ بَدَأُوا يُكَلِّمُونَ غَيْرَ الْيَهُودِ أَيْضًا وَيُبَشِّرُونَهُمْ بِسَيِّدِنَا عِيسَـى. وَكَانَتْ يَدُ اللهِ مَعَهُمْ، فَآمَنَ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَاهْتَدَوْا إِلَى الْمَسِيحِ. وَبَلَغَ الْخَبَرُ جَمَاعَةَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْقُدْسِ، فَأَرْسَلُوا بَرْنَابَا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ. فَلَمَّا وَصَلَ وَرَأَى نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْهِمْ، فَرِحَ وَشَجَّعَهُمْ أَنْ يَتَمَسَّكُوا بِالْمَسِيحِ مِنْ كُلِّ الْقَلْبِ. وَكَانَ بَرْنَابَا رَجُلًا صَالِحًا مَمْلُوءًا مِنَ الرُّوحِ الْقُدُّوسِ وَمِنَ الْإِيمَانِ. وَانْضَمَّ إِلَى عِيسَى عَدَدٌ كَبِيرٌ جِدًّا مِنَ النَّاسِ. وَذَهَبَ بَرْنَابَا إِلَى طَرْسُوسَ يَبْحَثُ عَنْ شَاوُلَ. فَلَمَّا وَجَدَهُ، أَحْضَرَهُ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ. وَلِمُدَّةِ سَنَةٍ كَامِلَةٍ كَانَ بَرْنَابَا وَشَاوُلُ يَجْتَمِعَانِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَيُعَلِّمَانِ عَدَدًا كَبِيرًا جِدًّا مِنَ النَّاسِ. وَهُنَاكَ فِي أَنْطَاكِيَةَ سُمِّيَ الْمُؤْمِنُونَ بِالْمَسِيحِ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ بِاسْمِ الْمَسِيحِيِّينَ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ذَهَبَ بَعْضُ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْقُدْسِ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ. فَقَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمُ اسْمُهُ أَغَابُوسُ وَتَنَبَّأَ بِإِلْهَامٍ مِنَ الرُّوحِ أَنَّ مَجَاعَةً شَدِيدَةً سَتَحِلُّ عَلَى كُلِّ الْبِلَادِ. وَحَدَثَ هَذَا فِعْلًا أَيَّامَ حُكْمِ كُلُودِيُوسَ. فَقَرَّرَ التَّلَامِيذُ أَنْ يُرْسِلُوا تَبَرُّعًا، كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ مَقْدِرَتِهِ لِإِعَانَةِ الْإِخْوَةِ الَّذِينَ فِي مِنْطَقَةِ يَهُوذَا. وَفِعْلًا عَمِلُوا هَذَا، وَأَرْسَلُوا تَبَرُّعَهُمْ إِلَى شُيُوخِ جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ بَرْنَابَا وَشَاوُلَ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَبَضَ الْمَلِكُ هِيرُودِسُ عَلَى بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ وَقَصَدَ أَنْ يُؤْذِيَهُمْ. فَقَتَلَ يَعْقُوبَ أَخَا يُوحَنَّا بِالسَّيْفِ. وَلَمَّا رَأَى أَنَّ هَذَا يُرْضِي الْيَهُودَ، قَرَّرَ أَنْ يَقْبِضَ عَلَى بُطْرُسَ أَيْضًا، وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ عِيدِ الْفَطِيرِ. فَلَمَّا قَبَضَ عَلَيْهِ، وَضَعَهُ فِي السِّجْنِ وَسَلَّمَهُ إِلَى 4 فِرَقٍ مِنَ الْحَرَسِ، كُلُّ فِرْقَةٍ 4 جُنُودٍ. وَكَانَ يَنْوِي أَنْ يُقَدِّمَهُ إِلَى مُحَاكَمَةٍ عَلَنِيَّةٍ بَعْدَ عِيدِ الْفِصْحِ. فَكَانَ بُطْرُسُ فِي السِّجْنِ تَحْتَ حِرَاسَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ. أَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَكَانُوا يَرْفَعُونَ صَلَوَاتٍ حَارَّةً إِلَى اللهِ مِنْ أَجْلِهِ. وَلَمَّا كَانَ هِيرُودِسُ سَيُقَدِّمُهُ إِلَى الْمُحَاكَمَةِ فِي الصُّبْحِ، كَانَ بُطْرُسُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ نَائِمًا بَيْنَ حَارِسَيْنِ، وَمَرْبُوطًا بِسِلْسِلَتَيْنِ، وَكَانَ أَمَامَ الْبَابِ جُنُودٌ يَحْرُسُونَ السِّجْنَ. وَفَجْأَةً ظَهَرَ مَلَاكُ اللهِ هُنَاكَ، فَامْتَلَأَتْ غُرْفَةُ السِّجْنِ بِالنُّورِ، وَضَرَبَ الْمَلَاكُ بُطْرُسَ عَلَى جَنْبِهِ وَأَيْقَظَهُ وَقَالَ لَهُ: ”قُمْ حَالًا!“ فَسَقَطَتِ السِّلْسِلَتَانِ مِنْ يَدَيْهِ. ثُمَّ قَالَ لَهُ الْمَلَاكُ: ”شُدَّ حِزَامَكَ، وَالْبَسْ حِذَاءَكَ.“ فَفَعَلَ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: ”اِلْبَسْ عَبَايَتَكَ وَاتْبَعْنِي.“ فَخَرَجَ بُطْرُسُ يَتْبَعُ الْمَلَاكَ، وَكَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ يَرَى رُؤْيَا وَلَا يَدْرِي أَنَّ مَا عَمِلَهُ الْمَلَاكُ هُوَ حَقِيقَةٌ. فَعَبَرَ الْمَلَاكُ وَبُطْرُسُ نُقْطَةَ الْحِرَاسَةِ الْأُولَى، ثُمَّ الثَّانِيَةَ، وَوَصَلَا إِلَى بَابِ الْحَدِيدِ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْمَدِينَةِ، فَانْفَتَحَ لَهُمَا مِنْ نَفْسِهِ، فَخَرَجَا مِنْهُ. وَبَعْدَمَا مَشَيَا شَارِعًا وَاحِدًا، فَجْأَةً تَرَكَهُ الْمَلَاكُ. وَعِنْدَ ذَلِكَ رَجَعَ بُطْرُسُ إِلَى وَعْيِهِ وَقَالَ: ”الْآنَ عَلِمْتُ بِالتَّأْكِيدِ أَنَّ الْمَسِيحَ أَرْسَلَ مَلَاكَهُ وَأَنْقَذَنِي مِنْ قَبْضَةِ هِيرُودِسَ وَمِنْ كُلِّ مَا كَانَ يَنْتَظِرُهُ الشَّعْبُ الْيَهُودِيُّ.“ فَلَمَّا أَدْرَكَ ذَلِكَ، ذَهَبَ إِلَى دَارِ مَرْيَمَ أُمِّ يُوحَنَّا الْمَعْرُوفِ بِاسْمِ مَرْقُسَ، حَيْثُ كَانَ قَدِ اجْتَمَعَ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَانُوا يَتَضَرَّعُونَ للهِ. وَطَرَقَ عَلَى الْبَابِ الْخَارِجِيِّ، فَجَاءَتْ خَادِمَةٌ اسْمُهَا رَوْضَةُ لِكَيْ تَرُدَّ. فَعَرَفَتْ صَوْتَ بُطْرُسَ وَلَمْ تَفْتَحْ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ، بَلْ جَرَتْ إِلَى الدَّاخِلِ وَقَالَتْ: ”بُطْرُسُ وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ!“ فَقَالُوا لَهَا: ”أَنْتِ مَجْنُونَةٌ!“ لَكِنَّهَا أَصَرَّتْ أَنَّ الْأَمْرَ صَحِيحٌ. فَقَالُوا لَهَا: ”هَذَا مَلَاكُهُ!“ أَمَّا بُطْرُسُ فَاسْتَمَرَّ يَطْرُقُ. فَلَمَّا فَتَحُوا الْبَابَ وَرَأَوْهُ انْدَهَشُوا! فَأَشَارَ لَهُمْ بِيَدِهِ أَنْ يَسْكُتُوا، وَحَكَى لَهُمْ كَيْفَ أَخْرَجَهُ الْمَوْلَى مِنَ السِّجْنِ. ثُمَّ قَالَ: ”أَخْبِرُوا يَعْقُوبَ وَالْإِخْوَةَ بِهَذَا.“ ثُمَّ خَرَجَ وَذَهَبَ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ. وَلَمَّا طَلَعَ النَّهَارُ، حَدَثَ اضْطِرَابٌ شَدِيدٌ بَيْنَ الْحَرَسِ وَتَسَاءَلُوا: ”مَاذَا جَرَى لِبُطْرُسَ؟“ وَلَمَّا طَلَبَهُ هِيرُودِسُ وَلَمْ يَجِدْهُ، اِسْتَجْوَبَ الْحَرَسَ، ثُمَّ أَمَرَ بِإِعْدَامِهِمْ. وَبَعْدَ ذَلِكَ ذَهَبَ هِيرُودِسُ مِنْ مِنْطَقَةِ يَهُوذَا إِلَى قَيْصَرِيَّةَ وَأَقَامَ فِيهَا بَعْضَ الْوَقْتِ. وَكَانَ هِيرُودِسُ غَاضِبًا عَلَى شَعْبِ صُورَ وَصَيْدَا، فَجَاءَ إِلَيْهِ وَفْدٌ مِنْهُمْ وَاسْتَعْطَفُوا بَلَاسْتُسَ الْوَكِيلَ عَلَى أُمُورِ الْمَلِكِ، وَطَلَبُوا الصُّلْحَ، لِأَنَّ بِلَادَهُمْ كَانَتْ تَحْصُلُ عَلَى إِمْدَادِ الطَّعَامِ مِنْ مَمْلَكَتِهِ. وَفِي يَوْمٍ مُحَدَّدٍ لَبِسَ هِيرُودِسُ ثِيَابَهُ الْمَلَكِيَّةَ وَجَلَسَ عَلَى الْعَرْشِ يَخْطُبُ فِيهِمْ. فَكَانَ الشَّعْبُ يَهْتِفُ: ”هَذَا صَوْتُ إِلَهٍ لَا صَوْتُ إِنْسَانٍ.“ فَضَرَبَهُ مَلَاكُ اللهِ فِي الْحَالِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّمِ الْجَلَالَ للهِ، فَأَكَلَهُ الدُّودُ وَمَاتَ. وَكَانَتْ كَلِمَةُ اللهِ تَنْتَشِرُ وَتُثْمِرُ. وَبَعْدَمَا أَتَمَّ بَرْنَابَا وَشَاوُلُ خِدْمَتَهُمَا، رَجَعَا مِنَ الْقُدْسِ، وَأَخَذَا مَعَهُمَا يُوحَنَّا الْمَعْرُوفَ بِاسْمِ مَرْقُسَ. وَكَانَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَنْطَاكِيَةَ أَنْبِيَاءٌ وَمُعَلِّمُونَ: بَرْنَابَا، وَسَمْعَانُ الَّذِي يُدْعَى الْأَسْوَدَ، وَلُوسِيُوسُ الَّذِي مِنَ الْقَيْرَوَانِ، وَمَنَايِنُ الَّذِي تَرَبَّى مَعَ هِيرُودِسَ الْحَاكِمِ، وَشَاوُلُ. وَبَيْنَمَا هُمْ يَتَعَبَّدُونَ لِلْمَوْلَى وَيَصُومُونَ، قَالَ الرُّوحُ الْقُدُّوسُ: ”اِفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِيَقُومَا بِالْخِدْمَةِ الَّتِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهَا.“ فَصَامُوا وَوَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهِمَا وَدَعَوْا اللهَ مِنْ أَجْلِهِمَا وَصَرَفُوهُمَا. وَبِهَذَا أَرْسَلَهُمَا الرُّوحُ الْقُدُّوسُ. فَذَهَبَا إِلَى سَلُوكِيَةَ، وَمِنْهَا سَافَرَا عَنْ طَرِيقِ الْبَحْرِ إِلَى قُبْرُصَ. فَوَصَلَا إِلَى سَلَامِيسَ، وَبَشَّرَا بِكَلِمَةِ اللهِ فِي بُيُوتِ الْعِبَادَةِ الْيَهُودِيَّةِ. وَكَانَ يُوحَنَّا مَعَهُمَا كَمُسَاعِدٍ. وَسَافَرَا فِي الْجَزِيرَةِ كُلِّهَا حَتَّى إِلَى بَافُوسَ. وَهُنَاكَ قَابَلَا سَاحِرًا يَهُودِيًّا اسْمُهُ بَارْيَشُوعُ، كَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ نَبِيٌّ. وَكَانَ مَعَ سَرْجِيُوسَ بُولُسَ الْحَاكِمِ. وَكَانَ الْحَاكِمُ رَجُلًا ذَكِيًّا، فَأَرْسَلَ إِلَى بَرْنَابَا وَشَاوُلَ وَطَلَبَ أَنْ يَسْمَعَ كَلِمَةَ اللهِ. فَعَارَضَهُمَا عَلِيمٌ السَّاحِرُ، وَهَذَا مَعْنَى اسْمِهِ، وَحَاوَلَ أَنْ يَمْنَعَ الْحَاكِمَ عَنِ الْإِيمَانِ. لَكِنَّ شَاوُلَ الَّذِي اسْمُهُ أَيْضًا بُولُسُ امْتَلَأَ بِالرُّوحِ الْقُدُّوسِ، وَقَالَ لِلسَّاحِرِ فِي وَجْهِهِ: ”يَا ابْنَ إِبْلِيسَ، أَيُّهَا الْمُمْتَلِئُ بِالْخِدَاعِ وَالْغِشِّ، يَا عَدُوَّ كُلِّ صَلَاحٍ، أَلَا تَكُفُّ عَنْ إِفْسَادِ طُرُقِ رَبِّنَا الْمُسْتَقِيمَةِ؟ الْآنَ يَضْرِبُكَ رَبُّنَا فَتَكُونُ أَعْمَى وَلَا تَرَى حَتَّى نُورَ الشَّمْسِ إِلَى حِينٍ.“ وَفَجْأَةً جَاءَ عَلَى عَيْنَيْهِ ظَلَامٌ، وَكَانَ يَتَلَمَّسُ وَيُحَاوِلُ أَنْ يَجِدَ مَنْ يَقُودُهُ بِيَدِهِ. وَرَأَى الْحَاكِمُ مَا جَرَى، فَانْدَهَشَ مِنَ التَّعْلِيمِ عَنْ عِيسَى وَآمَنَ. وَأَبْحَرَ بُولُسُ وَزَمِيلَاهُ مِنْ بَافُوسَ، وَأَقْبَلُوا إِلَى بَرْجَةَ فِي بَمْفِيلِيَّةَ. لَكِنَّ يُوحَنَّا تَرَكَ بُولُسَ وَبَرْنَابَا وَرَجَعَ إِلَى الْقُدْسِ. أَمَّا هُمَا فَسَافَرَا مِنْ بَرْجَةَ وَوَصَلَا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ الَّتِي فِي بِيسِيدِيَّةَ، وَذَهَبَا إِلَى بَيْتِ الْعِبَادَةِ يَوْمَ السَّبْتِ وَجَلَسَا. وَبَعْدَ تِلَاوَةِ فَصْلٍ مِنَ التَّوْرَاةِ وَكُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ، أَرْسَلَ إِلَيْهِمَا الْمَسْئُولُونَ عَنْ بَيْتِ الْعِبَادَةِ يَقُولُونَ: ”أَيُّهَا الْأَخَوَانِ، إِنْ كَانَ عِنْدَكُمَا كَلِمَةُ تَشْجِيعٍ لِلشَّعْبِ، فَتَفَضَّلَا وَتَكَلَّمَا.“ فَوَقَفَ بُولُسُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ وَقَالَ: ”اِسْمَعُونِي يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَغَيْرَهُمْ مِمَّنْ يَتَّقُونَ اللهَ. إِلَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ اخْتَارَ آبَاءَنَا. وَلَمَّا كَانَ هَذَا الشَّعْبُ غَرِيبًا فِي مِصْرَ، رَفَعَ شَأْنَهُمْ وَأَخْرَجَهُمْ مِنْ هُنَاكَ بِقُوَّتِهِ الْعَظِيمَةِ. ثُمَّ احْتَمَلَهُمْ حَوَالَيْ 40 سَنَةً فِي الصَّحْرَاءِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ أَهْلَكَ 7 أُمَمٍ فِي بِلَادِ كَنْعَانَ وَأَعْطَى أَرْضَهُمْ لِشَعْبِهِ. وَاسْتَغْرَقَ كُلُّ هَذَا حَوَالَيْ 450 سَنَةً. ثُمَّ أَعْطَاهُمْ قُضَاةً حَتَّى عَهْدِ صَمُوئِيلَ النَّبِيِّ. فَلَمَّا طَلَبُوا مَلِكًا، أَعْطَاهُمُ اللهُ شَاوُلَ بْنَ قَيْسَ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ قَبِيلَةِ بِنْيَمِينَ، فَمَلَكَ 40 سَنَةً. ثُمَّ خَلَعَهُ اللهُ وَجَعَلَ دَاوُدَ مَلِكًا عَلَيْهِمْ، وَشَهِدَ لَهُ وَقَالَ: ’وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رَجُلًا يَرْتَاحُ لَهُ قَلْبِي، فَسَيَعْمَلُ كُلَّ مَا أُرِيدُهُ.‘ وَمِنْ نَسْلِ هَذَا الرَّجُلِ، أَعْطَى اللهُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مُنْقِذًا هُوَ عِيسَـى، كَمَا وَعَدَ. ”وَقَبْلَ أَنْ يَجِيءَ عِيسَـى، دَعَا يَحْيَى كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَتُوبُوا وَيَتَغَطَّسُوا. وَلَمَّا اقْتَرَبَتْ نِهَايَةُ خِدْمَةِ يَحْيَى قَالَ: ’مَنْ تَظُنُّونَ أَنِّي أَنَا؟ أَنَا لَسْتُ الْمَسِيحَ! لَكِنَّهُ سَيَجِيءُ بَعْدِي وَأَنَا لَا أَسْتَحِقُّ أَنْ أَحِلَّ رِبَاطَ حِذَائِهِ.‘ ”أَيُّهَا الْإِخْوَةُ، أَنْتُمْ يَا أَوْلَادَ إِبْرَاهِيمَ، وَغَيْرَهُمْ مِمَّنْ يَتَّقُونَ اللهَ. إِنَّ رِسَالَةَ النَّجَاةِ هَذِهِ أُرْسِلَتْ لَنَا نَحْنُ. لَكِنَّ أَهْلَ الْقُدْسِ وَقَادَتَهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا عِيسَـى، فَحَكَمُوا عَلَيْهِ. وَبِذَلِكَ أَتَمُّوا كَلَامَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِي يُقْرَأُ كُلَّ سَبْتٍ. فَمَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا أَيَّ جُرْمٍ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْمَوْتَ، طَلَبُوا مِنْ بِيلَاطِسَ أَنْ يَقْتُلَهُ. وَلَمَّا أَتَمُّوا كُلَّ مَا قَالَهُ الْكِتَابُ عَنْهُ، أَنْزَلُوهُ مِنْ عَلَى الصَّلِيبِ، وَوَضَعُوهُ فِي قَبْرٍ. لَكِنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الْمَوْتِ. وَظَهَرَ أَيَّامًا كَثِيرَةً لِلَّذِينَ ذَهَبُوا مَعَهُ مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى الْقُدْسِ، وَهُمُ الْآنَ يَشْهَدُونَ لَهُ بَيْنَ شَعْبِنَا. ”فَنَحْنُ نُخْبِرُكُمْ بِهَذِهِ الْبِشَارَةِ: إِنَّ اللهَ وَعَدَ آبَاءَنَا، وَالْآنَ أَتَمَّ الْوَعْدَ لَنَا نَحْنُ أَوْلَادَهُمْ، وَذَلِكَ بِأَنَّهُ أَقَامَ عِيسَـى مِنَ الْمَوْتِ. كَمَا يَقُولُ الْكِتَابُ فِي الْمَزْمُورِ الثَّانِي: ’أَنْتَ ابْنِي، أَنَا الْيَوْمَ تَوَّجْتُكَ ابْنًا لِي.‘ فَأَقَامَهُ اللهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَلَنْ يَعُودَ إِلَى فَسَادِ الْمَوْتِ أَبَدًا. وَفِي هَذَا الْمَجَالِ قَالَ اللهُ: ’أُعْطِيكَ الْبَرَكَاتِ الصَّالِحَةَ وَالْمَضْمُونَةَ الَّتِي وَعَدْتُ بِهَا دَاوُدَ.‘ كَمَا يَقُولُ أَيْضًا فِي مَزْمُورٍ آخَرَ: ’لَنْ تَسْمَحَ لِقُدُّوسِكَ أَنْ يَتَعَفَّنَ فِي الْقَبْرِ.‘ لَكِنَّ دَاوُدَ مَاتَ بَعْدَمَا خَدَمَ جِيلَهُ بِحَسَبِ قَصْدِ اللهِ، وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ وَتَعَفَّنَ فِي الْقَبْرِ. لَكِنَّ الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ لَمْ يَتَعَفَّنْ. لِذَلِكَ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ، يَجِبُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّنَا نُبَشِّرُكُمْ بِأَنَّ مَغْفِرَةَ الذُّنُوبِ هِيَ بِوَاسِطَةِ عِيسَى. وَبِوَاسِطَتِهِ يَتَحَرَّرُ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ، مِنْ كُلِّ خَطِيئَةٍ لَمْ يُمْكِنْ لِشَرِيعَةِ مُوسَى أَنْ تُحَرِّرَكُمْ مِنْهَا. إِذَنِ احْذَرُوا! لِئَلَّا يَحْدُثَ لَكُمْ مَا قَالَهُ الْأَنْبِيَاءُ: ’اُنْظُرُوا أَيُّهَا الْمُسْتَهْزِئُونَ! اِنْدَهِشُوا وَاهْلِكُوا! لِأَنِّي سَأَعْمَلُ فِي أَيَّامِكُمْ عَمَلًا لَنْ تُصَدِّقُوهُ أَبَدًا. حَتَّى وَلَوْ أَخْبَرُوكُمْ بِهِ.‘“ وَبَيْنَمَا كَانَ بُولُسُ وَبَرْنَابَا خَارِجَيْنِ مِنْ بَيْتِ الْعِبَادَةِ، طَلَبَ النَّاسُ مِنْهُمَا أَنْ يُكَلِّمَاهُمْ فِي نَفْسِ الْمَوْضُوعِ فِي السَّبْتِ التَّالِي. وَلَمَّا انْتَهَى الِاجْتِمَاعُ، اِنْضَمَّ إِلَى بُولُسَ وَبَرْنَابَا كَثِيرٌ مِنَ الْيَهُودِ وَمِنَ الْمُتَهَوِّدِينَ الْأَتْقِيَاءِ. فَأَخَذَ بُولُسُ وَبَرْنَابَا يُكَلِّمَانِهِمْ وَيُشَجِّعَانِهِمْ أَنْ يَتَّكِلُوا دَائِمًا عَلَى نِعْمَةِ اللهِ. وَفِي السَّبْتِ التَّالِي اجْتَمَعَتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا تَقْرِيبًا لِتَسْمَعَ كَلِمَةَ اللهِ. لَكِنْ لَمَّا رَأَى الْيَهُودُ الْجَمَاهِيرَ، اِمْتَلَأُوا بِالْغِيرَةِ، فَأَخَذُوا يُعَارِضُونَ كَلَامَ بُولُسَ وَيَشْتِمُونَهُ. فَأَجَابَهُمْ بُولُسُ وَبَرْنَابَا بِجَرَاءَةٍ وَقَالَا: ”كَانَ مِنَ الْوَاجِبِ أَنْ نُحَدِّثَكُمْ أَنْتُمْ أَوَّلًا بِكَلِمَةِ اللهِ. لَكِنْ بِمَا أَنَّكُمْ تَرْفُضُونَهَا وَتَحْكُمُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِأَنَّكُمْ لَا تَسْتَحِقُّونَ حَيَاةَ الْخُلُودِ، فَنَحْنُ الْآنَ نَذْهَبُ إِلَى الشُّعُوبِ الْأُخْرَى. لِأَنَّ الْمَوْلَى أَمَرَنَا وَقَالَ: ’جَعَلْتُكَ نُورًا لِلْأُمَمِ، لِتَحْمِلَ النَّجَاةَ إِلَى آخِرِ الْأَرْضِ.‘“ فَفَرِحَ غَيْرُ الْيَهُودِ لَمَّا سَمِعُوا هَذَا، وَأَكْرَمُوا رِسَالَةَ الْمَسِيحِ. وَآمَنَ كُلُّ الَّذِينَ اخْتَارَهُمُ اللهُ لِحَيَاةِ الْخُلُودِ. وَانْتَشَرَتْ رِسَالَةُ الْمَسِيحِ فِي كُلِّ الْمِنْطَقَةِ. لَكِنَّ الْيَهُودَ حَرَّضُوا النِّسَاءَ ذَوَاتِ الشَّأْنِ الْمُتَدَيِّنَاتِ، وَالرِّجَالَ الْمَسْئُولِينَ عَنِ الْمَدِينَةِ، وَأَثَارُوا اضْطِهَادًا ضِدَّ بُولُسَ وَبَرْنَابَا وَطَرَدُوهُمَا مِنْ مِنْطَقَتِهِمْ. فَنَفَضَ بُولُسُ وَبَرْنَابَا عَلَيْهِمْ غُبَارَ أَرْجُلِهِمَا، وَذَهَبَا إِلَى إِيقُونِيَةَ. وَامْتَلَأَ التَّلَامِيذُ بِالْفَرَحِ وَبِالرُّوحِ الْقُدُّوسِ. وَفِي إِيقُونِيَةَ أَيْضًا ذَهَبَ بُولُسُ وَبَرْنَابَا إِلَى بَيْتِ الْعِبَادَةِ، وَأَخَذَا يَتَكَلَّمَانِ لِدَرَجَةِ أَنْ آمَنَ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ الْيَهُودِ وَغَيْرِ الْيَهُودِ. لَكِنَّ الْيَهُودَ الَّذِينَ رَفَضُوا أَنْ يُؤْمِنُوا، أَثَارُوا غَيْرَ الْيَهُودِ وَسَمَّمُوا فِكْرَهُمْ ضِدَّ الْإِخْوَةِ. فَقَضَى بُولُسُ وَبَرْنَابَا هُنَاكَ فَتْرَةً طَوِيلَةً يَتَكَلَّمَانِ بِجَرَاءَةٍ عَنْ نِعْمَةِ الْمَسِيحِ. وَكَانَ هُوَ يُؤَيِّدُ رِسَالَتَهُمَا بِأَنْ أَعْطَاهُمَا الْقُوَّةَ لِعَمَلِ الْآيَاتِ وَالْعَجَائِبِ. وَانْقَسَمَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ. فَانْحَازَ الْبَعْضُ لِلْيَهُودِ، وَالْبَعْضُ الْآخَرُ لِلرَّسُولَيْنِ. وَكَانَتْ هُنَاكَ مُؤَامَرَةٌ بَيْنَ غَيْرِ الْيَهُودِ وَالْيَهُودِ مَعَ قَادَتِهِمْ لِيَهْجُمُوا عَلَيْهِمَا وَيَرْجُمُوهُمَا. فَشَعَرَ بُولُسُ وَبَرْنَابَا بِذَلِكَ، فَهَرَبَا إِلَى مَدِينَتَيْنِ فِي لِيقُونِيَةَ هُمَا لِسْتْرَةُ وَدَرْبَةُ، وَإِلَى الْمَنَاطِقِ الْمُجَاوِرَةِ. وَهُنَاكَ نَادَيَا بِالْبُشْرَى أَيْضًا. وَكَانَ يَجْلِسُ فِي لِسْتْرَةَ رَجُلٌ عَاجِزُ الرِّجْلَيْنِ، كَانَ كَسِيحًا مُنْذُ وِلَادَتِهِ، وَلَمْ يَمْشِ أَبَدًا. وَكَانَ يَسْتَمِعُ إِلَى بُولُسَ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ. فَنَظَرَ إِلَيْهِ بُولُسُ، وَرَأَى أَنَّ عِنْدَهُ الْإِيمَانَ لِيَحْصُلَ عَلَى الشِّفَاءِ، فَقَالَ لَهُ بِصَوْتٍ عَالٍ: ”قُمْ وَقِفْ عَلَى رِجْلَيْكَ.“ فَقَفَزَ الرَّجُلُ وَأَخَذَ يَمْشِي. فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ مَا عَمِلَهُ بُولُسُ، صَرَخُوا بِلُغَةِ لِيقُونِيَةَ وَقَالُوا: ”أَخَذَتِ الْآلِهَةُ شَكْلَ الْبَشَرِ وَجَاءَتْ بَيْنَنَا.“ فَأَطْلَقُوا عَلَى بَرْنَابَا اسْمَ زِيُوسَ، وَعَلَى بُولُسَ اسْمَ هِرْمِسَ لِأَنَّهُ الْمُتَكَلِّمُ الرَّئِيسِيُّ. وَكَانَ بِالْقُرْبِ مِنَ الْمَدِينَةِ مَعْبَدٌ لِلصَّنَمِ زِيُوسَ، فَأَحْضَرَ كَاهِنُهُ عُجُولًا وَأَكَالِيلَ زَهْرٍ إِلَى بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ، وَأَرَادَ هُوَ وَالشَّعْبُ أَنْ يُقَدِّمُوا ضَحَايَا لَهُمَا. فَلَمَّا سَمِعَ الرَّسُولَانِ بَرْنَابَا وَبُولُسُ بِهَذَا، مَزَّقَا ثِيَابَهُمَا وَأَسْرَعَا إِلَى الْجُمْهُورِ وَهُمَا يَصِيحَانِ: ”أَيُّهَا النَّاسُ، لِمَاذَا تَعْمَلُونَ هَذَا؟ نَحْنُ مُجَرَّدُ بَشَرٍ مِثْلُكُمْ، وَنَحْنُ نُبَلِّغُكُمُ الْبُشْرَى لِكَيْ تَرْجِعُوا عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْفَارِغَةِ إِلَى الْإِلَهِ الْحَيِّ الَّذِي صَنَعَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا. فَفِي الْعُصُورِ السَّابِقَةِ، سَمَحَ لِكُلِّ الشُّعُوبِ أَنْ يَعْمَلُوا مَا يُرِيدُونَ. وَلَكِنَّهُ دَائِمًا يُقَدِّمُ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّهُ مَوْجُودٌ. فَيَعْمَلُ الْمَعْرُوفَ، وَيُعْطِيكُمُ الْمَطَرَ مِنَ السَّمَاءِ وَالْمَحَاصِيلَ فِي وَقْتِهَا، وَيُشْبِعُكُمْ بِالطَّعَامِ، وَيَمْلَأُ قُلُوبَكُمْ بِالْفَرَحِ.“ وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ، أَمْكَنَهُمَا بِصُعُوبَةٍ أَنْ يَمْنَعَا النَّاسَ مِنْ تَقْدِيمِ الضَّحَايَا لَهُمَا. ثُمَّ جَاءَ بَعْضُ الْيَهُودِ مِنْ أَنْطَاكِيَةَ وَإِيقُونِيَةَ، وَأَقْنَعُوا الشَّعْبَ، فَرَجَمُوا بُولُسَ وَسَحَبُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَظَنُّوا أَنَّهُ مَاتَ. لَكِنِ الْتَفَّ حَوْلَهُ التَّلَامِيذُ، فَقَامَ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ. ثُمَّ فِي الْغَدِ سَافَرَ هُوَ وَبَرْنَابَا إِلَى دَرْبَةَ. وَنَادَى الرَّسُولَانِ بِالْبُشْرَى فِي دَرْبَةَ، وَرَبِحَا عَدَدًا كَبِيرًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. ثُمَّ رَجَعَا إِلَى لِسْتْرَةَ وَإِيقُونِيَةَ وَأَنْطَاكِيَةَ، وَهُمَا يُشَدِّدَانِ التَّلَامِيذَ وَيُشَجِّعَانِهِمْ عَلَى الثَّبَاتِ فِي الْإِيمَانِ. وَقَالَا: ”يَجِبُ أَنْ نَتَأَلَّمَ كَثِيرًا لِنَدْخُلَ مَمْلَكَةَ اللهِ.“ وَاخْتَارَ بُولُسُ وَبَرْنَابَا شُيُوخًا لِكُلِّ جَمَاعَةٍ، وَبَعْدَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ تَرَكَاهُمْ وَدِيعَةً لِلْمَسِيحِ الَّذِي آمَنُوا بِهِ. وَبَعْدَمَا سَافَرَا فِي بِيسِيدِيَّةَ، وَصَلَا إِلَى بَمْفِيلِيَّةَ. وَلَمَّا نَادَيَا بِالرِّسَالَةِ فِي بَرْجَةَ نَزَلَا إِلَى أَتَّالِيَةَ. ثُمَّ أَبْحَرَا مِنْ هُنَاكَ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ، وَهِيَ الْمَدِينَةُ الَّتِي مِنْهَا أَرْسَلَهُمَا الْإِخْوَةُ وَدِيعَةً فِي رِعَايَةِ اللهِ، لِيَقُومَا بِالْعَمَلِ الَّذِي أَكْمَلَاهُ. وَلَمَّا وَصَلَا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ، جَمَعَا الْمُؤْمِنِينَ مَعًا وَأَخْبَرَاهُمْ بِكُلِّ مَا عَمِلَهُ رَبُّنَا بِوَاسِطَتِهِمَا، وَكَيْفَ أَنَّهُ فَتَحَ بَابَ الْإِيمَانِ لِلشُّعُوبِ الْأُخْرَى. وَقَضَيَا وَقْتًا طَوِيلًا مَعَ التَّلَامِيذِ. وَذَهَبَ بَعْضُ الرِّجَالِ مِنَ مِنْطَقَةِ يَهُوذَا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ، وَأَخَذُوا يُعَلِّمُونَ الْإِخْوَةَ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يُخْتَنُوا حَسَبَ الْعَادَةِ الَّتِي سَنَّهَا مُوسَى، فَلَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَنْجُوا. وَقَامَ خِلَافٌ شَدِيدٌ وَجِدَالٌ بَيْنَ بُولُسَ وَبَرْنَابَا مِنْ نَاحِيَةٍ، وَهَؤُلَاءِ الْإِخْوَةِ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى. فَقَرَّرَتِ الْجَمَاعَةُ إِرْسَالَ بُولُسَ وَبَرْنَابَا وَبَعْضِ الْآخَرِينَ مِنْهُمْ إِلَى الْقُدْسِ، لِيَبْحَثُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَعَ الرُّسُلِ وَالشُّيُوخِ. وَبَعْدَمَا أَرْسَلَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، مَرُّوا فِي فِينِيقِيَةَ وَالسَّامِرَةِ وَكَانُوا يُعْطُونَ تَقْرِيرًا عَنِ اهْتِدَاءِ غَيْرِ الْيَهُودِ. فَسَبَّبُوا فَرَحًا عَظِيمًا لِكُلِّ الْإِخْوَةِ. وَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى الْقُدْسِ، اِسْتَقْبَلَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَالرُّسُلُ وَالشُّيُوخُ، فَأَخْبَرُوهُمْ عَنْ كُلِّ مَا عَمِلَهُ رَبُّنَا بِوَاسِطَتِهِمْ. لَكِنْ قَامَ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ حِزْبِ الْفَرِّيسِيِّينَ، وَقَالُوا إِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْأَجَانِبِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يُخْتَنُوا وَأَنْ نَطْلُبَ مِنْهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا بِشَرِيعَةِ مُوسَى. فَاجْتَمَعَ الرُّسُلُ وَالشُّيُوخُ لِيَنْظُرُوا فِي هَذَا الْأَمْرِ. وَبَعْدَ نِقَاشٍ كَثِيرٍ، وَقَفَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُمْ: ”يَا إِخْوَتِي، أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنْذُ بَعْضِ الْوَقْتِ، اِخْتَارَنِي اللهُ مِنْ بَيْنِكُمْ لِأُبَلِّغَ رِسَالَةَ الْإِنْجِيلِ لِغَيْرِ الْيَهُودِ، فَسَمِعُوا وَآمَنُوا. وَإِنَّ اللهَ الْعَلِيمَ بِمَا فِي الْقُلُوبِ، أَظْهَرَ أَنَّهُ قَبِلَهُمْ، بِأَنْ أَعْطَاهُمُ الرُّوحَ الْقُدُّوسَ مِثْلَنَا تَمَامًا، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، لِأَنَّهُ بِالْإِيمَانِ طَهَّرَ قُلُوبَهُمْ. فَلِمَاذَا تَمْتَحِنُونَ اللهَ الْآنَ بِأَنْ تَضَعُوا عَلَى التَّلَامِيذِ حِمْلًا ثَقِيلًا عَجَزَ آبَاؤُنَا وَعَجَزْنَا نَحْنُ عَنْ حَمْلِهِ؟ فَنَحْنُ نُؤْمِنُ أَنَّهُ بِوَاسِطَةِ نِعْمَةِ مَوْلَانَا عِيسَـى نَنْجُو، كَمَا يَنْجُونَ هُمْ أَيْضًا.“ فَسَكَتَتِ الْجَمَاعَةُ كُلُّهَا، وَاسْتَمَعُوا إِلَى بَرْنَابَا وَبُولُسَ، وَهُمَا يُخْبِرَانِ عَنْ كُلِّ الْآيَاتِ وَالْعَجَائِبِ الَّتِي عَمِلَهَا اللهُ بِوَاسِطَتِهِمَا بَيْنَ غَيْرِ الْيَهُودِ. فَلَمَّا انْتَهَيَا مِنَ الْكَلَامِ، تَابَعَ يَعْقُوبُ الْحَدِيثَ فَقَالَ: ”يَا إِخْوَتِي، اِسْمَعُونِي، سَمْعَانُ أَخْبَرَنَا كَيْفَ أَنَّ اللهَ اهْتَمَّ بِالشُّعُوبِ الْأُخْرَى مُنْذُ الْبِدَايَةِ لِيَأْخُذَ مِنْ بَيْنِهِمْ أُمَّةً لَهُ. وَكَلَامُ الْأَنْبِيَاءِ يَتَّفِقُ مَعَ هَذَا، فَالْكِتَابُ يَقُولُ: ’بَعْدَ هَذَا، سَأَرْجِعُ وَأَبْنِي خَيْمَةَ دَاوُدَ الْمُنْهَدِمَةَ، أَبْنِي أَنْقَاضَهَا وَأُقِيمُهَا. فَيَطْلُبُ بَاقِي الْبَشَرِ الْمَوْلَى، وَأَيْضًا كُلُّ الشُّعُوبِ الَّتِي تَنْتَمِي لِي. رَبُّنَا يَقُولُ هَذَا وَهُوَ الَّذِي يَعْمَلُ هَذِهِ الْأُمُورَ الْمَعْرُوفَةَ مُنْذُ أَجْيَالٍ قَدِيمَةٍ.‘ إِذَنْ، أَنَا أَرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ نُصَعِّبَ الْأُمُورَ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْيَهُودِ الَّذِينَ يَرْجِعُونَ إِلَى اللهِ. بَلْ نَكْتُبُ لَهُمْ وَنُخْبِرُهُمْ أَنْ يَمْتَنِعُوا عَنِ الطَّعَامِ الَّذِي يَتَنَجَّسُ بِالْأَصْنَامِ، وَعَنِ الزِّنَى، وَعَنْ لَحْمِ الْحَيَوَانَاتِ الْمَخْنُوقَةِ، وَعَنِ الدَّمِ. لِأَنَّ تَوْرَاةَ مُوسَى لَهَا مَنْ يُنَادِي بِهَا فِي كُلِّ مَدِينَةٍ مُنْذُ الْعُصُورِ الْقَدِيمَةِ وَيَقْرَأُهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِ الْعِبَادَةِ كُلَّ سَبْتٍ.“ وَقَرَّرَ الرُّسُلُ وَالشُّيُوخُ مَعَ بَاقِي الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَخْتَارُوا رَجُلَيْنِ مِنْ بَيْنِهِمْ وَيُرْسِلُوهُمَا مَعَ بُولُسَ وَبَرْنَابَا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ. فَاخْتَارُوا يَهُوذَا الْمَعْرُوفَ بِاسْمِ بَارْسَابَا وَسِيلَا وَهُمَا رَجُلَانِ يُعْتَبَرَانِ مِنَ الْقَادَةِ بَيْنَ الْإِخْوَةِ. وَأَرْسَلُوا مَعَهُمْ هَذِهِ الرِّسَالَةَ: ”مِنْ: إِخْوَتِكُمُ الرُّسُلِ وَالشُّيُوخِ. إِلَى: الْمُؤْمِنِينَ مِنْ غَيْرِ الْيَهُودِ فِي أَنْطَاكِيَةَ وَسُورْيَا وَكِيلِيكِيَّةَ. بَعْدَ التَّحِيَّةِ، سَمِعْنَا أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ عِنْدِنَا بَعْضُ النَّاسِ بِدُونِ تَصْرِيحٍ مِنَّا وَأَزْعَجُوكُمْ وَأَقْلَقُوا أَفْكَارَكُمْ بِكَلَامِهِمْ. فَاتَّفَقْنَا جَمِيعًا أَنْ نَخْتَارَ رَجُلَيْنِ نُرْسِلُهُمَا إِلَيْكُمْ مَعَ حَبِيبَيْنَا بَرْنَابَا وَبُولُسَ، رَجُلَيْنِ خَاطَرَا بِحَيَاتِهِمَا مِنْ أَجْلِ اسْمِ عِيسَـى الْمَسِيحِ مَوْلَانَا، هُمَا يَهُوذَا وَسِيلَا. وَنَحْنُ نُرْسِلُهُمَا لِكَيْ يُبْلِغَاكُمْ شَفَوِيًّا مَا نَكْتُبُهُ هُنَا. فَقَدْ رَأَى الرُّوحُ الْقُدُّوسُ وَنَحْنُ، أَنْ لَا نُثَقِّلَ عَلَيْكُمْ بِشَيْءٍ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا: أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ الطَّعَامِ الْمُقَدَّمِ لِلْأَصْنَامِ، وَعَنِ الدَّمِ، وَعَنْ لَحْمِ الْحَيَوَانَاتِ الْمَخْنُوقَةِ، وَعَنِ الزِّنَى. فَإِنْ تَحَاشَيْتُمْ هَذِهِ تَفْعَلُونَ حَسَنًا. مَعَ تَحِيَّاتِنَا.“ وَانْطَلَقَ الرِّجَالُ وَنَزَلُوا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ، حَيْثُ جَمَعُوا الْمُؤْمِنِينَ مَعًا وَسَلَّمُوهُمُ الرِّسَالَةَ. فَقَرَأُوهَا وَفَرِحُوا بِمَا فِيهَا مِنْ تَشْجِيعٍ. وَكَانَ يَهُوذَا وَسِيلَا نَبِيَّيْنِ، فَقَالَا أَشْيَاءَ كَثِيرَةً شَجَّعَتِ الْإِخْوَةَ وَقَوَّتْهُمْ. وَبَعْدَمَا قَضَيَا بَعْضَ الْوَقْتِ هُنَاكَ، صَرَفَهُمَا الْإِخْوَةُ بِسَلَامٍ لِيَرْجِعَا مِنْ أَنْطَاكِيَةَ إِلَى الَّذِينَ أَرْسَلُوهُمَا. لَكِنَّ سِيلَا قَرَّرَ أَنْ يَنْتَظِرَ هُنَاكَ. أَمَّا بُولُسُ وَبَرْنَابَا فَبَقِيَا فِي أَنْطَاكِيَةَ يُعَلِّمَانِ وَيُنَادِيَانِ بِرِسَالَةِ الْمَسِيحِ مَعَ كَثِيرِينَ آخَرِينَ أَيْضًا. وَبَعْدَ فَتْرَةٍ مِنَ الْوَقْتِ، قَالَ بُولُسُ لِبَرْنَابَا: ”تَعَالَ نَرْجِعُ وَنَزُورُ الْإِخْوَةَ فِي كُلِّ الْبِلَادِ الَّتِي نَادَيْنَا فِيهَا بِرِسَالَةِ الْمَسِيحِ وَنَرَى كَيْفَ حَالَهُمْ.“ فَأَرَادَ بَرْنَابَا أَنْ يَأْخُذَا مَعَهُمَا يُوحَنَّا الْمَعْرُوفَ بِاسْمِ مَرْقُسَ. لَكِنَّ بُولُسَ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَأْخُذَاهُ، لِأَنَّهُ تَرَكَهُمَا فِي بَمْفِيلِيَّةَ، وَلَمْ يُكْمِلِ الْخِدْمَةَ مَعَهُمَا. فَحَدَثَ خِلَافٌ شَدِيدٌ بَيْنَهُمَا، حَتَّى انْفَصَلَا عَنْ بَعْضِهِمَا. فَأَخَذَ بَرْنَابَا مَرْقُسَ وَأَبْحَرَ إِلَى قُبْرُصَ. أَمَّا بُولُسُ فَاخْتَارَ سِيلَا، وَأَرْسَلَهُ الْإِخْوَةُ وَدِيعَةً فِي رِعَايَةِ اللهِ، فَذَهَبَ وَسَافَرَ فِي سُورْيَا وَكِيلِيكِيَّةَ يُقَوِّي الْمُؤْمِنِينَ. وَسَافَرَ بُولُسُ إِلَى دَرْبَةَ ثُمَّ إِلَى لِسْتْرَةَ. وَكَانَ فِي لِسْتْرَةَ وَاحِدٌ مِنْ أَتْبَاعِ عِيسَى اسْمُهُ تِيمُوتَاوُسُ، أُمُّهُ يَهُودِيَّةٌ مُؤْمِنَةٌ وَأَبُوهُ يُونَانِيٌّ. وَكَانَ الْإِخْوَةُ فِي لِسْتْرَةَ وَإِيقُونِيَةَ يَمْدَحُونَهُ كَثِيرًا. وَأَرَادَ بُولُسُ أَنْ يَأْخُذَهُ مَعَهُ فِي الرِّحْلَةِ، فَخَتَنَهُ بِسَبَبِ الْيَهُودِ الْمَوْجُودِينَ فِي تِلْكَ الْمِنْطَقَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا كُلُّهُمْ يَعْرِفُونَ أَنَّ أَبَاهُ يُونَانِيٌّ. فَسَافَرُوا مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ، وَكَانُوا يُسَلِّمُونَ الْقَرَارَاتِ الَّتِي حَكَمَ بِهَا الرُّسُلُ وَالشُّيُوخُ فِي الْقُدْسِ، إِلَى الْمُؤْمِنِينَ لِيَعْمَلُوا بِهَا. فَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ يَتَقَوَّوْنَ فِي الْإِيمَانِ وَيَزْدَادُ عَدَدُهُمْ كُلَّ يَوْمٍ. وَسَافَرُوا فِي مِنْطَقَةِ فِرِيجِيَّةَ وَغَلَاطِيَةَ، لِأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُّوسَ مَنَعَهُمْ مِنْ أَنْ يُبَشِّرُوا بِالرِّسَالَةِ فِي مُقَاطَعَةِ آسْيَا. فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى حُدُودِ مِيسِيَّا، حَاوَلُوا أَنْ يَتَّجِهُوا إِلَى بِتِنْيَةَ، فَلَمْ يَسْمَحْ لَهُمْ رُوحُ عِيسَـى. فَمَرُّوا عَلَى مِيسِيَّا وَنَزَلُوا إِلَى تَرْوَاسَ. وَفِي اللَّيْلِ، رَأَى بُولُسُ رُؤْيَا فِيهَا رَجُلٌ مَقْدُونِيٌّ وَاقِفٌ يَتَوَسَّلُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ: ”تَعَالَ إِلَى مَقْدُونْيَا وَسَاعِدْنَا.“ فَلَمَّا رَأَى بُولُسُ الرُّؤْيَا، تَأَكَّدْنَا أَنَّ اللهَ دَعَانَا لِنُبَشِّرَهُمْ، وَفِي الْحَالِ عَمِلْنَا اسْتِعْدَادَنَا لِنَذْهَبَ إِلَى مَقْدُونْيَا. فَأَبْحَرْنَا مِنْ تَرْوَاسَ وَاتَّجَهْنَا مُبَاشَرَةً إِلَى سَمُوتْرَاكِي، وَفِي الْغَدِ إِلَى نِيَابُلِسَ. وَمِنْ هُنَاكَ سَافَرْنَا إِلَى فِيلِبِّي، وَهِيَ مُسْتَعْمَرَةٌ رُومَانِيَّةٌ وَأَهَمُّ مَدِينَةٍ فِي تِلْكَ الْمِنْطَقَةِ مِنْ مَقْدُونْيَا. وَأَقَمْنَا هُنَاكَ عِدَّةَ أَيَّامٍ. وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ خَرَجْنَا مِنْ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ إِلَى ضَفَّةِ النَّهْرِ. وَكُنَّا نَتَوَقَّعُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مُصَلَّى. فَجَلَسْنَا نُكَلِّمُ النِّسَاءَ الْمُجْتَمِعَاتِ هُنَاكَ. وَكَانَ بَيْنَ الْمُسْتَمِعَاتِ امْرَأَةٌ تَعْبُدُ اللهَ مِنْ مَدِينَةِ ثِيَاتْرَا اسْمُهَا لِيدْيَا، وَهِيَ تَاجِرَةُ أَقْمِشَةٍ أُرْجُوَانِيَّةٍ. فَفَتَحَ الْمَوْلَى قَلْبَهَا لِتَقْبَلَ كَلَامَ بُولُسَ. فَلَمَّا تَغَطَّسَتْ هِيَ وَعَائِلَتُهَا، أَلَحَّتْ عَلَيْنَا وَقَالَتْ: ”إِنْ كُنْتُمْ تَعْتَبِرُونَ أَنِّي مُؤْمِنَةٌ بِالْمَسِيحِ فَتَعَالَوْا إِلَى دَارِي وَأَقِيمُوا عِنْدِي.“ فَأَجْبَرَتْنَا أَنْ نَذْهَبَ. وَذَاتَ مَرَّةٍ، كُنَّا ذَاهِبِينَ إِلَى الْمُصَلَّى، فَقَابَلَتْنَا خَادِمَةٌ بِهَا رُوحٌ يَجْعَلُهَا تَعْلَمُ الْغَيْبَ. وَكَانَتْ تَجْلِبُ لِأَسْيَادِهَا مَالًا كَثِيرًا مِنْ قِرَاءَةِ الْبَخْتِ. فَهَذِهِ الْفَتَاةُ أَخَذَتْ تَسِيرُ وَرَاءَ بُولُسَ وَنَحْنُ مَعَهُ وَكَانَتْ تَصْرُخُ: ”هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ هُمْ عَبِيدُ اللهِ الْعَلِيِّ، وَهُمْ يُخْبِرُونَكُمْ عَنْ طَرِيقِ النَّجَاةِ!“ وَظَلَّتْ تَفْعَلُ هَذَا عِدَّةَ أَيَّامٍ، حَتَّى تَضَايَقَ بُولُسُ جِدًّا، فَالْتَفَتَ وَقَالَ لِلرُّوحِ: ”بِاسْمِ عِيسَـى الْمَسِيحِ آمُرُكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا.“ فَخَرَجَ فِي نَفْسِ اللَّحْظَةِ. فَلَمَّا رَأَى أَسْيَادُهَا ذَلِكَ، عَرَفُوا أَنَّ مَوْرِدَ رِزْقِهِمْ ضَاعَ، فَأَمْسَكُوا بُولُسَ وَسِيلَا وَجَرُّوهُمَا إِلَى السُّلْطَاتِ فِي السَّاحَةِ الْعَامَّةِ. وَقَدَّمُوهُمَا إِلَى الْحُكَّامِ وَقَالُوا: ”هَذَانِ الرَّجُلَانِ يَهُودِيَّانِ وَيُثِيرَانِ الْفَوْضَى فِي مَدِينَتِنَا، فَهُمَا يُنَادِيَانِ بِعَادَاتٍ لَا يَصِحُّ لَنَا نَحْنُ الرُّومَانِيِّينَ أَنْ نَقْبَلَهَا أَوْ نَعْمَلَ بِهَا.“ فَثَارَ الْجُمْهُورُ ضِدَّهُمَا، وَمَزَّقَ الْحُكَّامُ ثِيَابَهُمَا عَنْهُمَا وَأَمَرُوا بِأَنْ يُضْرَبَا بِالْعِصِيِّ. فَضَرَبُوهُمَا كَثِيرًا، وَرَمَوْهُمَا فِي السِّجْنِ، وَأَمَرُوا السَّجَّانَ بِأَنْ يُشَدِّدَ الْحِرَاسَةَ عَلَيْهِمَا. وَتَنْفِيذًا لِهَذَا الْأَمْرِ، رَمَاهُمَا فِي أَعْمَاقِ السِّجْنِ وَأَدْخَلَ أَرْجُلَهُمَا فِي خَشَبَةِ التَّعْذِيبِ. وَحَوَالَيْ نِصْفِ اللَّيْلِ، كَانَ بُولُسُ وَسِيلَا يُصَلِّيَانِ وَيُسَبِّحَانِ اللهَ بِالْأَغَانِي، وَالْمَسْجُونُونَ الْآخَرُونَ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْهِمَا. وَفَجْأَةً حَدَثَ زِلْزَالٌ عَنِيفٌ هَزَّ أَرْكَانَ السِّجْنِ. وَفِي الْحَالِ انْفَتَحَتْ كُلُّ أَبْوَابِ السِّجْنِ، وَانْفَكَّتْ قُيُودُ الْمَسْجُونِينَ جَمِيعًا. فَقَامَ السَّجَّانُ مِنْ نَوْمِهِ. وَلَمَّا رَأَى أَبْوَابَ السِّجْنِ مَفْتُوحَةً، أَخْرَجَ سَيْفَهُ لِيَقْتُلَ نَفْسَهُ، لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ الْمَسْجُونِينَ هَرَبُوا. فَصَرَخَ بُولُسُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: ”لَا تُؤْذِ نَفْسَكَ! نَحْنُ كُلُّنَا هُنَا!“ فَطَلَبَ السَّجَّانُ نُورًا وَانْدَفَعَ وَهُوَ يَرْتَجِفُ مِنَ الْخَوْفِ وَرَمَى نَفْسَهُ أَمَامَ بُولُسَ وَسِيلَا. ثُمَّ أَخْرَجَهُمَا وَقَالَ: ”يَا سَيِّدَيَّ، مَاذَا أَعْمَلُ لِكَيْ أَنْجُوَ؟“ فَأَجَابَاهُ: ”آمِنْ بِمَوْلَانَا عِيسَـى الْمَسِيحِ، فَتَنْجُوَ أَنْتَ وَكُلُّ عَائِلَتِكَ.“ ثُمَّ بَشَّرَاهُ بِرِسَالَةِ الْمَسِيحِ هُوَ وَكُلَّ أَهْلِ دَارِهِ. فَأَخَذَهُمَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مِنَ اللَّيْلِ وَغَسَلَ جُرُوحَهُمَا، وَتَغَطَّسَ فِي الْحَالِ هُوَ وَعَائِلَتُهُ. ثُمَّ أَحْضَرَهُمَا إِلَى دَارِهِ، وَقَدَّمَ لَهُمَا طَعَامًا. وَامْتَلَأَتِ الْعَائِلَةُ كُلُّهَا بِالْفَرَحِ، لِأَنَّهُمْ آمَنُوا بِاللهِ. وَلَمَّا طَلَعَ النَّهَارُ، أَرْسَلَ الْحُكَّامُ بَعْضَ الْحَرَسِ إِلَى السَّجَّانِ يَقُولُونَ: ”أَطْلِقْ سَرَاحَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ.“ فَأَخْبَرَ السَّجَّانُ بُولُسَ وَقَالَ لَهُ: ”أَمَرَ الْحُكَّامُ بِإِطْلَاقِ سَرَاحِكُمَا. فَاخْرُجَا الْآنَ وَاذْهَبَا بِسَلَامٍ.“ فَقَالَ بُولُسُ لِلْحَرَسِ: ”ضَرَبُونَا عَلَنًا بِغَيْرِ مُحَاكَمَةٍ مَعَ أَنَّ جِنْسِيَّتَنَا رُومَانِيَّةٌ، وَرَمَوْنَا فِي السِّجْنِ. وَالْآنَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَخَلَّصُوا مِنَّا فِي السِّرِّ! لَا، بَلْ لِيَأْتُوا هُمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَيُوَدِّعُونَا!“ فَأَخْبَرَ الْحَرَسُ الْحُكَّامَ بِهَذَا. فَلَمَّا سَمِعُوا أَنَّ بُولُسَ وَسِيلَا رُومَانِيَّانِ، خَافُوا. فَجَاءُوا وَاعْتَذَرُوا لَهُمَا، وَأَخْرَجُوهُمَا مِنَ السِّجْنِ، وَطَلَبُوا مِنْهُمَا أَنْ يَرْحَلَا مِنَ الْمَدِينَةِ. فَلَمَّا خَرَجَ بُولُسُ وَسِيلَا مِنَ السِّجْنِ، ذَهَبَا إِلَى دَارِ لِيدْيَا، حَيْثُ تَقَابَلَا مَعَ الْإِخْوَةِ وَشَجَّعَاهُمْ، ثُمَّ انْصَرَفَا. وَمَرَّا بِأَمْفِيبُلِسَ وَأَبُلُونِيَّةَ ثُمَّ وَصَلَا إِلَى تَسَالُونْكِي. وَكَانَ هُنَاكَ بَيْتُ عِبَادَةٍ لِلْيَهُودِ. فَذَهَبَ بُولُسُ إِلَيْهِ كَعَادَتِهِ، وَكَانَ لِـ3 سُبُوتٍ يُنَاقِشُهُمْ مِنْ كِتَابِ اللهِ، وَيَشْرَحُ لَهُمْ وَيُثْبِتُ أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَتَأَلَّمَ الْمَسِيحُ ثُمَّ يَقُومَ مِنَ الْمَوْتِ. وَقَالَ: ”عِيسَـى هَذَا الَّذِي أُبَشِّرُكُمْ بِهِ هُوَ الْمَسِيحُ.“ فَاقْتَنَعَ بَعْضُ الْيَهُودِ وَانْضَمُّوا إِلَى بُولُسَ وَسِيلَا، وَكَذَلِكَ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ الْيُونَانِيِّينَ الْأَتْقِيَاءِ، وَمِنَ النِّسَاءِ ذَوَاتِ الشَّأْنِ. فَامْتَلَأَ الْيَهُودُ بِالْحَسَدِ، وَجَمَعُوا بَعْضَ الْأَشْرَارِ مِنْ أَوْلَادِ الشَّارِعِ وَكَوَّنُوا عِصَابَةً وَبَدَأُوا يُثِيرُونَ الْفَوْضَى فِي الْمَدِينَةِ. فَهَجَمُوا عَلَى دَارِ يَاسُونَ وَفَتَّشُوا عَنْ بُولُسَ وَسِيلَا لِكَيْ يُخْرِجُوهُمَا إِلَى الْجُمْهُورِ. فَلَمَّا لَمْ يَجِدُوهُمَا، جَرُّوا يَاسُونَ وَبَعْضَ الْإِخْوَةِ وَأَخَذُوهُمْ إِلَى حُكَّامِ الْمَدِينَةِ وَهُمْ يَصْرُخُونَ: ”هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَلَبُوا الدُّنْيَا كُلَّهَا جَاءُوا هُنَا، وَيَاسُونُ يُضِيفُهُمْ فِي دَارِهِ. وَهُمْ كُلُّهُمْ يُخَالِفُونَ أَوَامِرَ قَيْصَرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ يُوجَدُ مَلِكٌ آخَرُ اسْمُهُ عِيسَـى.“ فَانْزَعَجَ الْجُمْهُورُ وَالْحُكَّامُ لَمَّا سَمِعُوا هَذَا. وَأَخَذُوا كَفَالَةً مِنْ يَاسُونَ وَالْآخَرِينَ، ثُمَّ أَطْلَقُوا سَرَاحَهُمْ. وَلَمَّا أَقْبَلَ اللَّيْلُ، أَسْرَعَ الْإِخْوَةُ وَأَرْسَلُوا بُولُسَ وَسِيلَا إِلَى بِيرِيَّةَ. فَلَمَّا وَصَلَا هُنَاكَ، ذَهَبَا إِلَى بَيْتِ الْعِبَادَةِ الْيَهُودِيِّ. وَكَانَ أَهْلُ بِيرِيَّةَ أَشْرَفَ مِنْ أَهْلِ تَسَالُونْكِي، لِأَنَّهُمْ قَبِلُوا الرِّسَالَةَ بِحَمَاسٍ شَدِيدٍ وَكَانُوا يَدْرُسُونَ الْكِتَابَ كُلَّ يَوْمٍ لِيَتَأَكَّدُوا مِنْ صِحَّةِ الْأُمُورِ. وَآمَنَ كَثِيرٌ مِنَ الْيَهُودِ وَأَيْضًا عَدَدٌ مِنَ النِّسَاءِ الْيُونَانِيَّاتِ ذَوَاتِ الشَّأْنِ وَكَثِيرٌ مِنَ الرِّجَالِ الْيُونَانِيِّينَ. فَلَمَّا عَرَفَ الْيَهُودُ الَّذِينَ فِي تَسَالُونْكِي أَنَّ بُولُسَ يُبَشِّرُ بِكَلِمَةِ اللهِ فِي بِيرِيَّةَ أَيْضًا، رَاحُوا هُنَاكَ لِإِثَارَةِ الشَّعْبِ وَتَحْرِيضِهِ عَلَى الْهَيَجَانِ. فَأَسْرَعَ الْإِخْوَةُ وَأَرْسَلُوا بُولُسَ إِلَى الشَّاطِئِ. وَبَقِيَ سِيلَا وَتِيمُوتَاوُسُ فِي بِيرِيَّةَ. وَالرِّجَالُ الَّذِينَ رَافَقُوا بُولُسَ، أَوْصَلُوهُ إِلَى أَثِينَا ثُمَّ رَجَعُوا وَمَعَهُمْ وَصِيَّةٌ مِنْ بُولُسَ لِكَيْ يَلْحَقَ بِهِ سِيلَا وَتِيمُوتَاوُسُ بِأَسْرَعِ مَا يُمْكِنُ. وَلَمَّا كَانَ بُولُسُ يَنْتَظِرُهُمَا فِي أَثِينَا، تَضَايَقَ جِدًّا لَمَّا رَأَى الْمَدِينَةَ مَمْلُوءَةً بِالْأَصْنَامِ. فَأَخَذَ يَتَنَاقَشُ فِي بَيْتِ الْعِبَادَةِ مَعَ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعَابِدِينَ، وَكَذَلِكَ فِي سَاحَةِ الْمَدِينَةِ كُلَّ يَوْمٍ مَعَ أَيِّ وَاحِدٍ يُقَابِلُهُ هُنَاكَ. فَحَدَثَ جِدَالٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ الْأَبِيقُورِيِّينَ وَالرِّوَاقِيِّينَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ”مَاذَا يُرِيدُ هَذَا الثَّرْثَارُ أَنْ يَقُولَ؟“ وَقَالَ الْبَعْضُ الْآخَرُ: ”يَبْدُو أَنَّهُ يُنَادِي بِآلِهَةٍ غَرِيبَةٍ.“ قَالُوا هَذَا لِأَنَّ بُولُسَ كَانَ يُبَشِّرُ بِعِيسَى وَالْقِيَامَةِ. فَأَخَذُوهُ وَسَارُوا بِهِ إِلَى مَجْلِسِ الْأَرِيُوبَاغَ وَقَالُوا لَهُ: ”نُرِيدُ أَنْ نَعْرِفَ هَذِهِ الْعَقِيدَةَ الْجَدِيدَةَ الَّتِي تُنَادِي بِهَا. أَنْتَ تُلْقِي عَلَى مَسَامِعِنَا أَفْكَارًا غَرِيبَةً، فَنَحْنُ نُرِيدُ أَنْ نَعْرِفَ مَعْنَاهَا.“ وَكَانَ أَهْلُ أَثِينَا، وَالْأَجَانِبُ الْمُقِيمُونَ هُنَاكَ، يَصْرِفُونَ وَقْتَهُمْ فِي الْحَدِيثِ عَنِ الْأَفْكَارِ الْجَدِيدَةِ وَالِاسْتِمَاعِ إِلَيْهَا. فَوَقَفَ بُولُسُ فِي مَجْلِسِ الْأَرِيُوبَاغَ وَقَالَ: ”يَا أَهْلَ أَثِينَا، أَرَى أَنَّكُمْ مُتَدَيِّنُونَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. لِأَنِّي وَأَنَا سَائِرٌ فِي مَدِينَتِكُمْ لَاحَظْتُ مَعْبُودَاتِكُمْ. حَتَّى إِنِّي وَجَدْتُ مَكَانًا مَكْتُوبًا عَلَيْهِ: ’لِعِبَادَةِ الْإِلَهِ الْمَجْهُولِ.‘ فَهَذَا الَّذِي تَعْبُدُونَهُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْرِفُونَهُ، أُبَشِّرُكُمْ بِهِ الْآنَ. إِنَّهُ اللهُ خَالِقُ الْكَوْنِ وَمَا فِيهِ، هُوَ رَبُّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَلَا يَسْكُنُ فِي مَعَابِدَ يَبْنِيهَا النَّاسُ. فَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى خِدْمَةِ النَّاسِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حَاجَةٍ إِلَى شَيْءٍ. بَلْ هُوَ نَفْسُهُ يُعْطِي كُلَّ النَّاسِ الْحَيَاةَ وَالنَّفَسَ وَكُلَّ شَيْءٍ. وَقَدْ خَلَقَ كُلَّ شُعُوبِ الْبَشَرِ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ، لِكَيْ يُعَمِّرُوا وَجْهَ كُلِّ الْأَرْضِ، وَحَدَّدَ لَهُمُ الْأَوْقَاتَ وَالْأَمَاكِنَ الَّتِي يَعِيشُونَ فِيهَا. لِكَيْ يَطْلُبُوهُ فَيَتَحَسَّسُوا هُنَا وَهُنَاكَ وَيَهْتَدُوا إِلَيْهِ. مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بَعِيدًا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا. لِأَنَّنَا فِيهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ. وَكَمَا قَالَ أَحَدُ شُعَرَائِكُمْ: ’نَحْنُ قَبَسٌ مِنْهُ.‘ ”وَحَيْثُ أَنَّنَا قَبَسٌ مِنَ اللهِ، فَيَجِبُ أَنْ لَا نَظُنَّ أَنَّ الْأُلُوهِيَّةَ صَنَمٌ يَصْنَعُهُ الْإِنْسَانُ بِفَنِّهِ وَمَهَارَتِهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَجَرٍ. إِنَّ اللهَ فِي الْمَاضِي غَضَّ النَّظَرَ عَنْ هَذَا الْجَهْلِ، أَمَّا الْآنَ فَهُوَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا. لِأَنَّهُ حَدَّدَ يَوْمًا فِيهِ يُحَاسِبُ الْعَالَمَ بِالْعَدْلِ بِوَاسِطَةِ الرَّجُلِ الَّذِي اخْتَارَهُ. وَبَرْهَنَ لِجَمِيعِ النَّاسِ عَلَى أَنَّهُ اخْتَارَهُ بِأَنْ أَقَامَهُ مِنَ الْمَوْتِ.“ فَلَمَّا سَمِعُوا عَنِ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمَوْتِ، أَخَذَ بَعْضُهُمْ يَهْزَأُ، وَقَالَ الْبَعْضُ الْآخَرُ: ”نُرِيدُ أَنْ نَسْمَعَ مِنْكَ مَرَّةً أُخْرَى عَنْ هَذَا الْمَوْضُوعِ.“ وَعِنْدَ ذَلِكَ خَرَجَ بُولُسُ مِنَ الْمَجْلِسِ. لَكِنَّ بَعْضَ الرِّجَالِ انْضَمُّوا إِلَيْهِ وَآمَنُوا، وَمِنْهُمْ دِيُونِيسُ وَهُوَ عُضْوٌ فِي الْأَرِيُوبَاغَ، وَأَيْضًا امْرَأَةٌ اسْمُهَا تَمَارَةُ، وَآخَرُونَ غَيْرُهُمَا. بَعْدَ هَذَا، تَرَكَ بُولُسُ أَثِينَا وَرَاحَ إِلَى كُورِنْتُوسَ. وَتَقَابَلَ هُنَاكَ مَعَ وَاحِدٍ يَهُودِيٍّ اسْمُهُ عَقِيلُ، وَهُوَ مِنْ بِلَادِ الْبُنْطِ. وَكَانَ قَدْ جَاءَ حَدِيثًا مِنْ إِيطَالِيَا هُوَ وَزَوْجَتُهُ بَرَكَةُ، لِأَنَّ الْقَيْصَرَ كُلُودِيُوسَ أَمَرَ كُلَّ الْيَهُودِ أَنْ يُغَادِرُوا رُومَا. فَذَهَبَ بُولُسُ لِيَزُورَهُمَا. ثُمَّ أَقَامَ عِنْدَهُمَا وَاشْتَغَلَ مَعَهُمَا، لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ نَفْسِ الْمِهْنَةِ مِثْلَهُمَا، أَيْ صَانِعَ خِيَامٍ. وَكَانَ كُلَّ يَوْمِ سَبْتٍ يَتَنَاقَشُ مَعَ النَّاسِ فِي بَيْتِ الْعِبَادَةِ وَيُحَاوِلُ أَنْ يُقْنِعَ الْيَهُودَ وَالْيُونَانِيِّينَ. وَلَمَّا وَصَلَ سِيلَا وَتِيمُوتَاوُسُ مِنْ مَقْدُونْيَا، تَفَرَّغَ بُولُسُ تَمَامًا لِيُنَادِيَ بِالْبُشْرَى. فَكَانَ يَشْهَدُ لِلْيَهُودِ أَنَّ عِيسَـى هُوَ الْمَسِيحُ. لَكِنَّهُمْ عَارَضُوهُ وَأَخَذُوا يَشْتِمُونَهُ، فَنَفَضَ ثَوْبَهُ وَقَالَ لَهُمْ: ”إِنْ هَلَكْتُمْ فَأَنْتُمُ الْمَسْئُولُونَ! أَنَا بَرِيءٌ مِنْكُمْ. مِنَ الْآنَ سَأَذْهَبُ إِلَى غَيْرِ الْيَهُودِ.“ فَانْتَقَلَ مِنْ هُنَاكَ وَنَزَلَ عِنْدَ وَاحِدٍ اسْمُهُ تِيتُوسُ الصِّدِّيقُ وَهُوَ غَيْرُ يَهُودِيٍّ وَيَعْبُدُ اللهَ وَدَارُهُ بِجِوَارِ بَيْتِ الْعِبَادَةِ. فَآمَنَ كِرِيسْبِي بِالْمَسِيحِ هُوَ وَكُلُّ عَائِلَتِهِ، وَكَانَ مِنَ الْمَسْئُولِينَ عَنْ بَيْتِ الْعِبَادَةِ. وَكَثِيرُونَ مِنْ أَهْلِ كُورِنْتُوسَ الَّذِينَ سَمِعُوا بُولُسَ آمَنُوا وَتَغَطَّسُوا. وَذَاتَ لَيْلَةٍ، تَحَدَّثَ سَيِّدُنَا عِيسَى إِلَى بُولُسَ فِي رُؤْيَا وَقَالَ: ”لَا تَخَفْ، تَكَلَّمْ وَلَا تَسْكُتْ. أَنَا مَعَكَ وَلَنْ يَقْدِرَ أَحَدٌ أَنْ يُؤْذِيَكَ، لِأَنَّ لِي شَعْبًا كَثِيرًا فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ.“ فَأَقَامَ بُولُسُ هُنَاكَ سَنَةً وَ6 أَشْهُرٍ يُعَلِّمُهُمْ كَلِمَةَ اللهِ. وَلَمَّا كَانَ غَالِيُونُ حَاكِمًا عَلَى أَخَائِيَةَ، تَجَمَّعَ الْيَهُودُ كُلُّهُمْ وَهَجَمُوا عَلَى بُولُسَ، وَأَخَذُوهُ إِلَى الْمَحْكَمَةِ. وَقَالُوا: ”هَذَا الرَّجُلُ يُؤَثِّرُ عَلَى النَّاسِ لِيَعْبُدُوا اللهَ بِطَرِيقَةٍ تُخَالِفُ عَقِيدَتَنَا.“ وَلَمَّا كَانَ بُولُسُ عَلَى وَشْكِ أَنْ يَتَكَلَّمَ، قَالَ غَالِيُونُ لِلْيَهُودِ: ”أَيُّهَا الْيَهُودُ، لَوْ كَانَتْ شَكْوَاكُمْ هِيَ عَنِ ارْتِكَابِ مُخَالَفَةٍ أَوْ جَرِيمَةٍ، لَكَانَ مِنَ الْمَعْقُولِ أَنْ أَسْمَعَ لَكُمْ. لَكِنْ بِمَا أَنَّ الْمُشْكِلَةَ هِيَ عَنْ كَلَامٍ بِشَأْنِ أَسْمَاءٍ وَبِشَأْنِ عَقِيدَتِكُمْ، فَعَلَيْكُمْ أَنْ تُنْهُوا الْمَوْضُوعَ فِيمَا بَيْنَكُمْ، أَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أَكُونَ قَاضِيًا فِي هَذَا.“ وَطَرَدَهُمْ مِنَ الْمَحْكَمَةِ. فَتَجَمَّعُوا كُلُّهُمْ عَلَى سُوسِي، وَهُوَ مِنَ الْمَسْئُولِينَ عَنْ بَيْتِ الْعِبَادَةِ وَضَرَبُوهُ قُدَّامَ الْمَحْكَمَةِ. وَلَمْ يَهْتَمَّ غَالِيُونُ أَبَـدًا. وَأَقَامَ بُولُسُ فَتْرَةً فِي كُورِنْتُوسَ، ثُمَّ وَدَّعَ الْإِخْوَةَ وَسَافَرَ بَحْرًا إِلَى سُورْيَا وَمَعَهُ بَرَكَةُ وَعَقِيلُ. لَكِنَّهُ قَبْلَ أَنْ يُسَافِرَ حَلَقَ رَأْسَهُ فِي مَدِينَةِ كَنْكِرْيَةَ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ. وَوَصَلُوا إِلَى أَفَاسُسَ، فَتَرَكَ بُولُسُ بَرَكَةَ وَعَقِيلَ هُنَاكَ. أَمَّا هُوَ فَذَهَبَ إِلَى بَيْتِ الْعِبَادَةِ وَتَنَاقَشَ مَعَ الْيَهُودِ. فَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَقْضِيَ وَقْتًا أَطْوَلَ مَعَهُمْ، فَلَمْ يَقْبَلْ. لَكِنَّهُ قَالَ لَهُمْ وَهُوَ يُوَدِّعُهُمْ: ”سَأَرْجِعُ إِلَيْكُمْ إِنْ شَاءَ اللهُ.“ ثُمَّ سَافَرَ بَحْرًا مِنْ أَفَاسُسَ. وَنَزَلَ فِي قَيْصَرِيَّةَ، فَذَهَبَ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ رَاحَ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ. وَبَعْدَمَا قَضَى بَعْضَ الْوَقْتِ فِي أَنْطَاكِيَةَ، خَرَجَ وَسَافَرَ فِي بِلَادِ مِنْطَقَةِ غَلَاطِيَةَ وَمِنْطَقَةِ فِرِيجِيَّةَ، وَكَانَ يُقَوِّي كُلَّ الْإِخْوَةِ. وَجَاءَ إِلَى أَفَاسُسَ وَاحِدٌ يَهُودِيٌّ اسْمُهُ أَبُلُّوسُ مِنْ أَهَالِي الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَهُوَ مُتَكَلِّمٌ فَصِيحٌ وَيَعْرِفُ كِتَابَ اللهِ. وَكَانَ قَدْ تَعَلَّمَ طَرِيقَ الْمَوْلَى، وَيَتَكَلَّمُ بِحَمَاسٍ عَظِيمٍ، وَيُعَلِّمُ بِدِقَّةٍ عَنْ عِيسَـى. لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ إِلَّا غِطَاسَ يَحْيَى. فَأَخَذَ يَتَكَلَّمُ فِي بَيْتِ الْعِبَادَةِ بِجَرَاءَةٍ. فَلَمَّا سَمِعَهُ عَقِيلُ وَبَرَكَةُ، أَخَذَاهُ إِلَى دَارِهِمَا وَشَرَحَا لَهُ طَرِيقَ اللهِ بِدِقَّةٍ أَكْثَرَ. وَقَرَّرَ أَبُلُّوسُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أَخَائِيَةَ، فَشَجَّعَهُ الْإِخْوَةُ وَكَتَبُوا إِلَى الْمُؤْمِنِينَ هُنَاكَ لِكَيْ يُرَحِّبُوا بِهِ. فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى هُنَاكَ، كَانَ عَوْنًا كَبِيرًا لِلَّذِينَ آمَنُوا بِفَضْلِ نِعْمَةِ اللهِ. لِأَنَّهُ كَانَ فِي حِوَارِهِ مَعَ الْيَهُودِ يَهْزِمُهُمْ أَمَامَ الْجَمَاهِيرِ، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ مِنَ الْكِتَابِ أَنَّ عِيسَى هُوَ الْمَسِيحُ. وَلَمَّا كَانَ أَبُلُّوسُ فِي كُورِنْتُوسَ، سَافَرَ بُولُسُ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي يَمُرُّ دَاخِلَ الْبِلَادِ، حَتَّى وَصَلَ إِلَى أَفَاسُسَ. فَوَجَدَ بَعْضَ التَّلَامِيذِ هُنَاكَ، فَسَأَلَهُمْ: ”هَلْ نِلْتُمُ الرُّوحَ الْقُدُّوسَ لَمَّا آمَنْتُمْ؟“ أَجَابُوا: ”لَا! وَلَا حَتَّى سَمِعْنَا بِوُجُودِ الرُّوحِ الْقُدُّوسِ.“ فَسَأَلَهُمْ بُولُسُ: ”إِذَنْ بِأَيِّ غِطَاسٍ تَغَطَّسْتُمْ؟“ أَجَابُوا: ”بِغِطَاسِ يَحْيَى.“ فَقَالَ بُولُسُ: ”غِطَاسُ يَحْيَى كَانَ غِطَاسَ التَّوْبَةِ، فَقَدْ دَعَا النَّاسَ لِيُؤْمِنُوا بِالَّذِي يَأْتِي بَعْدَهُ أَيْ عِيسَـى.“ فَلَمَّا سَمِعُوا هَذَا، تَغَطَّسُوا بِاسْمِ الْمَسِيحِ عِيسَـى. ثُمَّ وَضَعَ بُولُسُ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ، فَحَلَّ الرُّوحُ الْقُدُّوسُ عَلَيْهِمْ، وَأَخَذُوا يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ وَيَتَنَبَّأُونَ. وَكَانُوا حَوَالَيِ 12 رَجُلًا. وَذَهَبَ بُولُسُ إِلَى بَيْتِ الْعِبَادَةِ، وَتَكَلَّمَ هُنَاكَ بِجَرَاءَةٍ 3 أَشْهُرٍ عَنْ مَمْلَكَةِ اللهِ. وَكَانَ يُنَاقِشُ النَّاسَ وَيُقْنِعُهُمْ. لَكِنَّ بَعْضَهُمْ عَانَدُوا وَرَفَضُوا أَنْ يُؤْمِنُوا وَأَخَذُوا يَشْتِمُونَ الطَّرِيقَ عَلَنًا. فَتَرَكَهُمْ بُولُسُ، وَأَخَذَ التَّلَامِيذَ وَحْدَهُمْ، وَكَانَ يُحَدِّثُهُمْ كُلَّ يَوْمٍ فِي مَدْرَسَةِ تِيرَانُوسَ. وَاسْتَمَرَّ هَذَا سَنَتَيْنِ، حَتَّى إِنَّ كُلَّ الْيَهُودِ وَالْيُونَانِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي وِلَايَةِ آسْيَا، سَمِعُوا رِسَالَةَ الْمَسِيحِ. وَعَمِلَ اللهُ مُعْجِزَاتٍ غَيْرَ عَادِيَّةٍ بِوَاسِطَةِ بُولُسَ. فَكَانَ النَّاسُ يَأْخُذُونَ إِلَى الْمَرْضَى مَنَادِيلَ أَوْ مَلَابِسَ لَمَسَتْ جِسْمَ بُولُسَ، فَتَزُولُ الْأَمْرَاضُ عَنْهُمْ، وَتَخْرُجُ الْأَرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ مِنْهُمْ. وَكَانَ هُنَاكَ يَهُودٌ رَحَّالَةٌ يَحْتَرِفُونَ طَرْدَ الْأَرْوَاحِ الشِّرِّيرَةِ، فَحَاوَلَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَسْتَخْدِمُوا اسْمَ سَيِّدِنَا عِيسَـى لِطَرْدِهَا. فَكَانُوا يَقُولُونَ: ”أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ بِاسْمِ عِيسَـى الَّذِي يُنَادِي بِهِ بُولُسُ أَنْ تَخْرُجَ.“ وَكَانَ مِنْ ضِمْنِ هَؤُلَاءِ 7 أَوْلَادٍ لِسَكَاوَا وَهُوَ أَحَدُ قَادَةِ الْأَحْبَارِ الْيَهُودِ. فَأَجَابَهُمُ الرُّوحُ الشِّرِّيرُ: ”عِيسَـى أَنَا أَعْرِفُهُ، وَبُولُسُ أَنَا أَعْرِفُهُ، لَكِنْ مَنْ أَنْتُمْ؟“ ثُمَّ هَجَمَ الرَّجُلُ الَّذِي فِيهِ الرُّوحُ الشِّرِّيرُ عَلَيْهِمْ وَغَلَبَهُمْ كُلَّهُمْ، وَأَشْبَعَهُمْ ضَرْبًا. فَهَرَبُوا مِنَ الدَّارِ عُرَاةً مُجَرَّحِينَ. فَسَمِعَ بِهَذَا كُلُّ أَهَالِي أَفَاسُسَ مِنْ يَهُودٍ وَغَيْرِهِمْ، وَخَافُوا كُلُّهُمْ، وَتَعَظَّمَ اسْمُ سَيِّدِنَا عِيسَـى. وَكَثِيرٌ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا، جَاءُوا وَاعْتَرَفُوا وَأَخْبَرُوا بِأَعْمَالِهِمِ الشِّرِّيرَةِ. وَكَثِيرٌ مِنَ الَّذِينَ يُمَارِسُونَ السِّحْرَ، جَمَعُوا كُتُبَهُمْ وَأَحْرَقُوهَا قُدَّامَ النَّاسِ. وَحَسَبُوا ثَمَنَ الْكُتُبِ، فَكَانَتِ الْجُمْلَةُ 50000 عُمْلَةٍ نَقْدِيَّةٍ مِنَ الْفِضَّةِ. وَبِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ كَانَتْ رِسَالَةُ الْمَسِيحِ تَنْتَشِرُ بِسُرْعَةٍ وَتَزِيدُ قُوَّةً. وَبَعْدَمَا حَدَثَ كُلُّ هَذَا، قَرَّرَ بُولُسُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْقُدْسِ، مُرُورًا بِمَقْدُونْيَا وَأَخَائِيَةَ. وَقَالَ: ”بَعْدَمَا أَذْهَبُ إِلَى هُنَاكَ، يَجِبُ أَنْ أَزُورَ رُومَا أَيْضًا.“ فَأَرْسَلَ اثْنَيْنِ مِنْ مُسَاعِدِيهِ هُمَا تِيمُوتَاوُسُ وَأَرَسْتُسُ إِلَى مَقْدُونْيَا، أَمَّا هُوَ فَانْتَظَرَ فَتْرَةً فِي آسْيَا. وَحَدَثَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ اضْطِرَابٌ كَبِيرٌ فِي أَفَاسُسَ بِسَبَبِ طَرِيقِ عِيسَى. فَإِنَّ الصَّائِغَ الَّذِي اسْمُهُ دِمِتْرِي كَانَ يَصْنَعُ نَمَاذِجَ مِنَ الْفِضَّةِ لِمَعْبَدِ الْإِلَهَةِ أَرْطَامِيسَ. فَكَانَ هَذَا يَعُودُ بِالرِّبْحِ الْوَفِيرِ عَلَى الْعُمَّالِ. فَنَادَى عُمَّالَهُ مَعَ آخَرِينَ مِنْ أَهْلِ الْمِهْنَةِ وَقَالَ لَهُمْ: ”أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَخَاءَنَا يَعْتَمِدُ عَلَى هَذِهِ الْمِهْنَةِ. وَأَنْتُمْ تَرَوْنَ وَتَسْمَعُونَ كَيْفَ أَنَّ هَذَا الشَّخْصَ بُولُسَ أَغْوَى عَدَدًا كَبِيرًا مِنَ النَّاسِ، هُنَا فِي أَفَاسُسَ وَفِي كُلِّ وِلَايَةِ آسْيَا تَقْرِيبًا. وَهُوَ يَقُولُ إِنَّ الْآلِهَةَ الَّتِي يَصْنَعُهَا النَّاسُ لَيْسَتْ آلِهَةً أَبَدًا. وَهُنَا الْخَطَرُ، إِنَّ مِهْنَتَنَا تَفْقِدُ سُمْعَتَهَا الطَّيِّبَةَ، وَأَيْضًا مَعْبَدُ الْإِلَهَةِ الْعَظِيمَةِ أَرْطَامِيسَ يَفْقِدُ هَيْبَتَهُ، بَلْ وَالْإِلَهَةُ نَفْسُهَا تَفْقِدُ عَظَمَتَهَا، وَهِيَ الَّتِي يَعْبُدُهَا النَّاسُ فِي كُلِّ آسْيَا وَبَاقِي الْعَالَمِ!“ فَلَمَّا سَمِعُوا هَذَا غَضِبُوا جِدًّا وَأَخَذُوا يَصْرُخُونَ: ”عَظِيمَةٌ هِيَ أَرْطَامِيسُ إِلَهَةُ أَهْلِ أَفَاسُسَ!“ وَفِي الْحَالِ سَادَ الِاضْطِرَابُ فِي الْمَدِينَةِ كُلِّهَا. وَأَمْسَكَ النَّاسُ غَايِسَ وَرِسْتُرْكِيَ وَهُمَا مِنْ مَقْدُونْيَا وَرَفِيقَا بُولُسَ فِي رِحْلَتِهِ، وَانْدَفَعُوا كُلُّهُمْ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِلَى مَلْعَبِ الْمَدِينَةِ. وَأَرَادَ بُولُسُ أَنْ يُوَاجِهَ الْجُمْهُورَ، فَمَنَعَهُ التَّلَامِيذُ. كَمَا أَنَّ بَعْضَ الْمَسْئُولِينَ فِي الْوِلَايَةِ، وَهُمْ أَصْدِقَاءُ بُولُسَ، أَرْسَلُوا لَهُ يَرْجُونَهُ أَنْ لَا يُعَرِّضَ نَفْسَهُ لِخَطَرِ الذَّهَابِ إِلَى الْمَلْعَبِ. وَسَادَتِ الْفَوْضَى عَلَى الْحَشْدِ، فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَصْرُخُ بِشَيْءٍ وَبَعْضُهُمْ بِشَيْءٍ آخَرَ، حَتَّى إِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا لِمَاذَا اجْتَمَعُوا! وَدَفَعَ الْيَهُودُ إِسْكَنْدَرَ إِلَى الْأَمَامِ، وَأَطْلَعَهُ بَعْضُ الْمَوْجُودِينَ عَلَى الْأَمْرِ، فَأَشَارَ إِسْكَنْدَرُ بِيَدِهِ لِيَسْكُتُوا حَتَّى يُقَدِّمَ الدِّفَاعَ لِلنَّاسِ. لَكِنْ لَمَّا أَدْرَكُوا أَنَّهُ يَهُودِيٌّ، صَرَخُوا كُلُّهُمْ مَعًا: ”عَظِيمَةٌ هِيَ أَرْطَامِيسُ إِلَهَةُ أَهْلِ أَفَاسُسَ!“ وَظَلُّوا يُرَدِّدُونَ هَذَا حَوَالَيْ سَاعَتَيْنِ. أَخِيرًا تَمَكَّنَ حَاكِمُ الْمَدِينَةِ مِنْ تَهْدِئَةِ الْجُمْهُورِ وَقَالَ: ”يَا أَهْلَ أَفَاسُسَ! الْعَالَمُ كُلُّهُ يَعْرِفُ أَنَّ مَدِينَةَ أَفَاسُسَ هِيَ حَارِسَةُ مَعْبَدِ أَرْطَامِيسَ الْعَظِيمَةِ وَحَارِسَةُ تِمْثَالِهَا الَّذِي هَبَطَ مِنَ السَّمَاءِ! هَذَا أَمْرٌ مَعْرُوفٌ وَلَا خِلَافَ فِيهِ. إِذَنْ يَجِبُ أَنْ تَهْدَأُوا وَلَا تَعْمَلُوا شَيْئًا بِتَهَوُّرٍ. أَنْتُمْ أَحْضَرْتُمْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَى هُنَا مَعَ أَنَّهُمَا لَمْ يَنْتَهِكَا حُرْمَةَ الْمَعْبَدِ وَلَا شَتَمَا إِلَهَتَنَا. فَإِنْ كَانَ دِمِتْرِي وَأَهْلُ مِهْنَتِهِ لَهُمْ شَكْوَى عَلَى أَحَدٍ، فَعِنْدَنَا مَحَاكِمُ وَقُضَاةٌ، فَلْيَشْتَكُوا إِلَيْهِمْ. وَإِنْ كَانَ لَكُمْ شَكْوَى أُخْرَى، فَيَجِبُ أَنْ نَنْظُرَ فِيهَا فِي اجْتِمَاعٍ قَانُونِيٍّ. أَمَّا بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، فَنَحْنُ فِي خَطَرٍ أَنْ نُتَّهَمَ بِالْفِتْنَةِ بِسَبَبِ حَوَادِثِ الْيَوْمِ. وَلَيْسَ لَنَا عُذْرٌ نُبَرِّرُ بِهِ هَذَا التَّجَمُّعَ.“ وَلَمَّا قَالَ هَذَا صَرَفَ التَّجَمُّعَ. وَلَمَّا انْتَهَى الْهَيَجَانُ، أَحْضَرَ بُولُسُ التَّلَامِيذَ إِلَيْهِ وَشَجَّعَهُمْ، ثُمَّ وَدَّعَهُمْ وَسَافَرَ إِلَى مَقْدُونْيَا. وَأَخَذَ يَتَنَقَّلُ فِي كُلِّ تِلْكَ الْمِنْطَقَةِ وَهُوَ يُشَجِّعُ النَّاسَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ. ثُمَّ أَخِيرًا وَصَلَ إِلَى الْيُونَانِ، فَأَقَامَ هُنَاكَ 3 أَشْهُرٍ. وَبَيْنَمَا هُوَ يَسْتَعِدُّ لِلسَّفَرِ عَنْ طَرِيقِ الْبَحْرِ إِلَى سُورْيَا، تَآمَرَ الْيَهُودُ لِيَقْتُلُوهُ، فَقَرَّرَ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ طَرِيقِ مَقْدُونْيَا. وَكَانَ فِي صُحْبَتِهِ سُوبَاتْرُ بْنُ بُرُّسَ مِنْ بِيرِيَّةَ، وَرِسْتُرْكِيُ وَسَكُونْدُسُ مِنْ تَسَالُونْكِي، وَغَايِسُ مِنْ دَرْبَةَ، وَأَيْضًا تِيمُوتَاوُسُ. وَمِنْ وِلَايَةِ آسْيَا كَانَ مَعَهُ الشَّدِيدُ وَطَرِيفِي. فَهَؤُلَاءِ الرِّجَالُ سَبَقُونَا إِلَى تَرْوَاسَ وَانْتَظَرُونَا هُنَاكَ. أَمَّا نَحْنُ فَسَافَرْنَا عَنْ طَرِيقِ الْبَحْرِ مِنْ فِيلِبِّي بَعْدَ عِيدِ الْفَطِيرِ، وَبَعْدَ 5 أَيَّامٍ لَحِقْنَا بِهِمْ فِي تَرْوَاسَ، وَأَقَمْنَا هُنَاكَ 7 أَيَّامٍ. وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ اجْتَمَعْنَا مَعًا لِنَتَنَاوَلَ الْخُبْزَ. وَأَخَذَ بُولُسُ يَعِظُ النَّاسَ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ حَتَّى مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ لِأَنَّهُ كَانَ يَنْوِي السَّفَرَ فِي الْغَدِ. وَكَانَتْ هُنَاكَ مَصَابِيحُ كَثِيرَةٌ فِي الطَّابِقِ الْأَعْلَى حَيْثُ كُنَّا مُجْتَمِعِينَ. وَكَانَ شَابٌّ اسْمُهُ يُوتِيكُ قَدْ جَلَسَ فِي النَّافِذَةِ وَغَلَبَ عَلَيْهِ النُّعَاسُ بَيْنَمَا بُولُسُ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ. فَلَمَّا نَامَ نَوْمًا عَمِيقًا، سَقَطَ مِنَ الطَّابِقِ الثَّالِثِ إِلَى الْأَرْضِ، وَرَفَعُوهُ مَيِّتًا. فَنَزَلَ بُولُسُ، وَرَمَى نَفْسَهُ عَلَى الشَّابِّ وَحَضَنَهُ وَقَالَ: ”لَا تَنْزَعِجُوا، فَهُوَ حَيٌّ!“ ثُمَّ صَعِدَ بُولُسُ، وَقَدَّمَ خُبْزًا وَأَكَلَ. ثُمَّ تَابَعَ كَلَامَهُ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ سَافَرَ. فَأَخَذُوا الشَّابَّ إِلَى دَارِهِ حَيًّا، وَتَعَزَّوْا جِدًّا. وَرَكِبْنَا السَّفِينَةَ قَبْلَ بُولُسَ وَأَبْحَرْنَا إِلَى أَسُّوسَ، لِكَيْ يَرْكَبَ هُوَ مَعَنَا مِنْ هُنَاكَ. لِأَنَّهُ رَتَّبَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أَسُّوسَ سَيْرًا عَلَى الْأَقْدَامِ. فَلَمَّا لَحِقَ بِنَا هُنَاكَ أَخَذْنَاهُ مَعَنَا وَذَهَبْنَا إِلَى مِينَاءِ مِتْلِينَ. وَفِي الْغَدِ أَبْحَرْنَا مِنْهَا وَوَصَلْنَا بِالْقُرْبِ مِنْ جَزِيرَةِ خِيُوسَ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مَرَرْنَا بِجَزِيرَةِ سَامُوسَ، وَفِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَصَلْنَا إِلَى مِيلِيتِي. وَكَانَ بُولُسُ قَدْ قَرَّرَ أَنْ يَتَجَاوَزَ أَفَاسُسَ فِي سَفَرِهِ لِئَلَّا يَتَأَخَّرَ فِي آسْيَا. فَإِنَّهُ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُسْرِعَ لِكَيْ يَصِلَ إِلَى الْقُدْسِ قَبْلَ يَوْمِ الْخَمْسِينَ إِنْ أَمْكَنَ. وَمِنْ مِيلِيتِي، أَرْسَلَ بُولُسُ إِلَى أَفَاسُسَ وَاسْتَدْعَى شُيُوخَ جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ. فَلَمَّا وَصَلُوا قَالَ لَهُمْ: ”أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ كَيْفَ كُنْتُ أَسْلُكُ طُولَ الْفَتْرَةِ الَّتِي قَضَيْتُهَا عِنْدَكُمْ، مُنْذُ أَوَّلِ يَوْمٍ جِئْتُ فِيهِ إِلَى آسْيَا. فَقَدْ كُنْتُ أَخْدِمُ الْمَسِيحَ بِكُلِّ تَوَاضُعٍ وَبِدُمُوعٍ، بِالرَّغْمِ مِنَ الْمِحَنِ الصَّعْبَةِ الَّتِي أَصَابَتْنِي بِسَبَبِ مُؤَامَرَاتِ الْيَهُودِ. وَتَعْلَمُونَ أَنِّي لَمْ أَمْنَعْ عَنْكُمْ شَيْئًا يُفِيدُكُمْ، بَلْ كُنْتُ أَعِظُكُمْ وَأُعَلِّمُكُمْ، عَلَنًا وَمِنْ دَارٍ إِلَى دَارٍ. فَكُنْتُ أُحَدِّثُ الْيَهُودَ وَغَيْرَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى اللهِ وَيَتُوبُوا وَيُؤْمِنُوا بِسَيِّدِنَا عِيسَـى. وَالْآنَ أَنَا ذَاهِبٌ إِلَى الْقُدْسِ بِدَافِعٍ مِنَ الرُّوحِ. وَلَا أَعْلَمُ مَاذَا يَنْتَظِرُنِي هُنَاكَ. إِنَّمَا أَعْلَمُ أَنَّ الرُّوحَ الْقُدُّوسَ يُعْلِنُ لِي فِي كُلِّ مَدِينَةٍ أَنَّ السَّلَاسِلَ وَالْمَصَاعِبَ تَنْتَظِرُنِي. لَكِنَّ حَيَاتِي لَا تَهُمُّنِي، بَلِ الْمُهِمُّ هُوَ أَنْ أَقُومَ بِمُهِمَّتِي وَأُتَمِّمَ الْعَمَلَ الَّذِي كَلَّفَنِي بِهِ سَيِّدُنَا عِيسَـى، وَهُوَ أَنْ أُخْبِرَ بِبِشَارَةِ نِعْمَةِ اللهِ. وَأَنَا عَارِفٌ أَنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا وَجْهِي بَعْدَ الْيَوْمِ، أَنْتُمْ جَمِيعًا الَّذِينَ تَجَوَّلْتُ بَيْنَكُمْ أُعْلِنُ بُشْرَى قِيَامِ مَمْلَكَةِ اللهِ. لِذَلِكَ فَإِنِّي أُعْلِنُ لَكُمْ جَمِيعًا الْيَوْمَ أَنَّهُ إِنْ هَلَكَ أَحَدُكُمْ، فَأَنَا غَيْرُ مَسْئُولٍ عَنْهُ. لِأَنِّي لَمْ أَمْتَنِعْ عَنْ أَنْ أُعْلِنَ لَكُمْ كُلَّ مَشِيئَةِ اللهِ. فَاحْرُسُوا أَنْفُسَكُمْ وَكُلَّ الْقَطِيعِ الَّذِي أَقَامَكُمُ الرُّوحُ الْقُدُّوسُ رُعَاةً عَلَيْهِ. اِرْعَوْا أُمَّةَ رَبِّنَا الَّتِي اشْتَرَاهَا بِدَمِهِ. ”وَأَنَا عَارِفٌ أَنَّهُ بَعْدَ رَحِيلِي، سَتَأْتِي بَيْنَكُمْ ذِئَابٌ مُفْتَرِسَةٌ لَا تَشْفِقُ عَلَى الْقَطِيعِ. وَسَيَقُومُ الْبَعْضُ مِنْ بَيْنِكُمْ أَنْتُمْ، وَيُحَرِّفُونَ الْحَقَّ لِكَيْ يَجْذِبُوا التَّلَامِيذَ فَيَتْبَعُوهُمْ. إِذَنِ احْتَرِسُوا! تَذَكَّرُوا أَنِّي لِمُدَّةِ 3 سِنِينَ لَمْ أَتَوَقَّفْ عَنْ أَنْ أُنْذِرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ بِدُمُوعٍ لَيْلًا وَنَهَارًا. ”وَالْآنَ أَتْرُكُكُمْ وَدِيعَةً مَعَ اللهِ وَمَعَ رِسَالَةِ نِعْمَتِهِ، فَهِيَ قَادِرَةٌ أَنْ تَبْنِيَكُمْ وَتُعْطِيَكُمْ نَصِيبًا مَعَ جَمِيعِ الْمُخَصَّصِينَ للهِ. أَنَا لَمْ أَرْغَبْ أَبَدًا فِي فِضَّةِ أَحَدٍ أَوْ ذَهَبِهِ أَوْ ثِيَابِهِ. بَلْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اشْتَغَلْتُ بِهَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ لِأُسَدِّدَ احْتِيَاجَاتِي وَاحْتِيَاجَاتِ الَّذِينَ مَعِي. وَأَوْضَحْتُ لَكُمْ بِكُلِّ طَرِيقَةٍ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ نَعْمَلَ وَنَتْعَبَ لِكَيْ نُسَاعِدَ الضُّعَفَاءَ. تَذَكَّرُوا كَلِمَاتِ سَيِّدِنَا عِيسَـى: ’الْبَرَكَةُ هِيَ فِي الْعَطَاءِ أَكْثَرُ مِنَ الْأَخْذِ.‘“ فَلَمَّا قَالَ بُولُسُ هَذَا، رَكَعَ مَعَهُمْ جَمِيعًا وَصَلَّى. وَبَكَوْا كُلُّهُمْ وَعَانَقُوهُ وَقَبَّلُوهُ. وَشَعَرُوا بِالْحُزْنِ، خَاصَّةً لِأَنَّهُ قَالَ إِنَّهُمْ لَنْ يَرَوْا وَجْهَهُ مَرَّةً أُخْرَى. ثُمَّ رَافَقُوهُ إِلَى السَّفِينَةِ. وَبَعْدَمَا رَحَلْنَا عَنْهُمْ، أَبْحَرْنَا مُبَاشَرَةً إِلَى جَزِيرَةِ قُوشَ. وَفِي الْغَدِ ذَهَبْنَا إِلَى جَزِيرَةِ رُودُسَ وَمِنْ هُنَاكَ إِلَى مِينَاءِ بَاتَرَا. وَوَجَدْنَا سَفِينَةً مُسَافِرَةً إِلَى فِينِيقِيَةَ، فَرَكِبْنَاهَا وَأَبْحَرْنَا. وَرَأَيْنَا جَزِيرَةَ قُبْرُصَ وَمَرَرْنَا بِهَا عَنْ شِمَالِنَا، وَاتَّجَهْنَا إِلَى سُورْيَا، ثُمَّ نَزَلْنَا فِي مِينَاءِ صُورَ لِأَنَّ السَّفِينَةَ كَانَتْ سَتُفْرِغُ حُمُولَتَهَا هُنَاكَ. فَوَجَدْنَا فِي صُورَ بَعْضَ التَّلَامِيذِ، وَأَقَمْنَا عِنْدَهُمْ 7 أَيَّامٍ. وَكَانُوا بِالرُّوحِ يَنْصَحُونَ بُولُسَ أَنْ لَا يَذْهَبَ إِلَى الْقُدْسِ. وَلَمَّا انْتَهَتْ زِيَارَتُنَا، خَرَجْنَا لِنُكَمِّلَ سَفَرَنَا. فَرَافَقَنَا كُلُّ التَّلَامِيذِ مَعَ زَوْجَاتِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ لِيُوَدِّعُونَا إِلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ، وَرَكَعْنَا عَلَى الشَّاطِئِ لِنُصَلِّيَ. ثُمَّ وَدَّعْنَا بَعْضُنَا بَعْضًا وَرَكِبْنَا السَّفِينَةَ، وَرَجَعُوا هُمْ إِلَى دِيَارِهِمْ. وَتَابَعْنَا الرِّحْلَةَ مِنْ صُورَ إِلَى عَكَّا، فَسَلَّمْنَا عَلَى الْإِخْوَةِ وَأَقَمْنَا عِنْدَهُمْ يَوْمًا. وَخَرَجْنَا فِي الْغَدِ وَوَصَلْنَا إِلَى قَيْصَرِيَّةَ، وَنَزَلْنَا فِي دَارِ فِيلِيبَ الْبَشِيرِ الَّذِي هُوَ وَاحِدٌ مِنَ الـ7. وَكَانَ لَهُ 4 بَنَاتٍ غَيْرُ مُتَزَوِّجَاتٍ عِنْدَهُنَّ مَوْهِبَةُ النُّبُوَّةِ. وَبَعْدَمَا مَضَتْ عِدَّةُ أَيَّامٍ وَنَحْنُ عِنْدَهُ، نَزَلَ نَبِيٌّ مِنْ مِنْطَقَةِ يَهُوذَا اسْمُهُ أَغَابُوسُ. وَجَاءَ إِلَيْنَا وَأَخَذَ حِزَامَ بُولُسَ وَقَيَّدَ بِهِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ هُوَ وَقَالَ: ”يَقُولُ الرُّوحُ الْقُدُّوسُ إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْحِزَامِ سَيُقَيِّدُهُ الْيَهُودُ فِي الْقُدْسِ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى الْأَجَانِبِ.“ فَلَمَّا سَمِعْنَا هَذَا أَخَذْنَا نَتَرَجَّى بُولُسَ، نَحْنُ وَالنَّاسُ الَّذِينَ هُنَاكَ، لِكَيْ لَا يَذْهَبَ إِلَى الْقُدْسِ. فَقَالَ بُولُسُ: ”لِمَاذَا تَبْكُونَ وَتَكْسِرُونَ قَلْبِي؟ أَنَا مُسْتَعِدٌّ لَا أَنْ أُقَيَّدَ فَقَطْ، بَلْ أَنْ أَمُوتَ أَيْضًا فِي الْقُدْسِ مِنْ أَجْلِ اسْمِ سَيِّدِنَا عِيسَـى.“ فَلَمَّا لَمْ نَقْدِرْ أَنْ نُقْنِعَهُ، سَكَتْنَا وَقُلْنَا: ”لِتَكُنْ مَشِيئَةُ الْمَوْلَى.“ بَعْدَ هَذَا أَعْدَدْنَا أَنْفُسَنَا، وَسَافَرْنَا إِلَى الْقُدْسِ. وَكَانَ يُرَافِقُنَا بَعْضُ التَّلَامِيذِ مِنْ قَيْصَرِيَّةَ، فَأَخَذُونَا إِلَى دَارِ مَنَاسُونَ الْقُبْرُصِيِّ، وَهُوَ تِلْمِيذٌ قَدِيمٌ لِنُقِيمَ عِنْدَهُ. وَلَمَّا وَصَلْنَا إِلَى الْقُدْسِ، رَحَّبَ بِنَا الْإِخْوَةُ بِفَرَحٍ. وَفِي الْغَدِ ذَهَبْنَا مَعَ بُولُسَ لِنَزُورَ يَعْقُوبَ، وَكَانَ الشُّيُوخُ كُلُّهُمْ مُجْـتَمِعِينَ عِنْدَهُ. فَسَـلَّمَ بُولُسُ عَلَيْهِـمْ وَأَخْـبَرَهُمْ بِالتَّفْصِـيلِ بِمَا عَمِلَهُ اللهُ بَيْنَ الشُّعُوبِ الْأُخْرَى بِوَاسِطَـةِ خِدْمَتِهِ. فَلَمَّا سَـمِعُوا هَذَا، سَـبَّحُوا اللهَ. ثُمَّ قَالُوا لِبُولُسَ: ”أَنْتَ تَرَى أَيُّهَـا الْأَخُ، أَنَّ آلَافًا مِنَ الْيَهُـودِ آمَنُوا وَهُمْ مُتَعَصِّـبُونَ لِلشَّـرِيعَةِ. وَقَدْ سَـمِعُوا بِأَنَّكَ تُعَـلِّمُ الْيَهُـودَ الْمُقِيمِـينَ بَيْنَ الشُّعُوبِ الْأُخْرَى أَنْ يَرْتَدُّوا عَنْ مُوسَـى، وَتَقُولُ لَهُـمْ أَنْ لَا يَخْـتِنُوا أَوْلَادَهُـمْ، وَأَنْ لَا يَعْمَـلُوا حَسَـبَ الْعَادَاتِ الْمَعْـرُوفَةِ. وَلَا شَـكَّ أَنَّهُمْ سَيَسْـمَعُونَ أَنَّكَ جِـئْتَ إِلَى هُنَا، فَمَا الْعَمَـلُ إِذَنْ؟ اِعْمَلْ مَا نَقُولُهُ لَكَ، عِنْدَنَا 4 رِجَـالٍ عَلَيْهِـمْ نَذْرٌ. خُذْهُـمْ وَتَطَهَّرْ مَعَهُـمْ وَاصْـرِفْ عَلَيْهِمْ لِيَحْـلِقُوا رُؤُوسَهُـمْ، فَيَعْرِفَ الْجَـمِيعُ أَنَّ مَا سَـمِعُوهُ عَنْكَ غَيْرُ صَـحِيحٍ. لِأَنَّكَ أَنْتَ نَفْسَـكَ تَعْمَلُ بِالشَّـرِيعَةِ. أَمَّا بِشَأْنِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ غَيْرِ الْيَهُـودِ، فَقَدْ أَرْسَـلْنَا لَهُـمْ قَرَارَنَا بِأَنَّهُمْ يَجِـبُ أَنْ يَمْتَنِعُوا عَنْ أَكْلِ الطَّـعَامِ الَّذِي يُقَدَّمُ لِلْأَصْـنَامِ، وَعَنِ الدَّمِ، وَعَنْ لَحْـمِ الْحَـيَوَانَاتِ الْمَخْـنُوقَةِ، وَعَنِ الزِّنَى.“ فَأَخَـذَ بُولُسُ الرِّجَـالَ فِي الْغَدِ وَتَطَهَّـرَ مَعَهُـمْ. ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى بَيْتِ اللهِ لِيُسَـجِّلَ تَارِيخَ انْتِهَـاءِ أَيَّامِ التَّطْهِـيرِ وَوَقْتَ تَقْدِيمِ الْقُرْبَانِ عَنْ كُلِّ وَاحِـدٍ مِنْهُمْ. فَلَمَّا قَارَبَتِ الْأَيَّامُ الـ7 عَلَى الِانْتِهَاءِ، رَأَى بَعْضُ الْيَهُودِ الَّذِينَ مِنْ وِلَايَةِ آسْيَا بُولُسَ فِي بَيْتِ اللهِ، فَأَثَارُوا كُلَّ الشَّعْبِ وَأَمْسَكُوهُ وَهُمْ يَصْرُخُونَ: ”النَّجْدَةَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ! هَذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يُعَلِّمُ الْجَمِيعَ فِي كُلِّ مَكَانٍ ضِدَّ شَعْبِنَا وَعَقِيدَتِنَا وَهَذَا الْمَكَانِ. وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ أَدْخَلَ الْأَجَانِبَ إِلَى بَيْتِ اللهِ وَنَجَّسَ هَذَا الْمَكَانَ الْمُقَدَّسَ.“ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ رَأَوْا طَرِيفِي الْأَفَاسُسِيَّ مَعَ بُولُسَ فِي الْمَدِينَةِ، فَظَنُّوا أَنَّ بُولُسَ أَدْخَلَهُ مَعَهُ إِلَى بَيْتِ اللهِ. فَهَاجَتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا، وَجَاءَ النَّاسُ يَجْرُونَ مِنْ كُلِّ اتِّجَاهٍ. فَلَمَّا أَمْسَكُوا بُولُسَ جَرُّوهُ خَارِجَ بَيْتِ اللهِ، ثُمَّ أُغْلِقَتِ الْأَبْوَابُ فِي الْحَالِ. وَبَيْنَمَا هُمْ يُحَاوِلُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ سَمِعَ قَائِدُ الْكَتِيبَةِ الرُّومَانِيَّةِ أَنَّ مَدِينَةَ الْقُدْسِ كُلَّهَا فِي هَيَجَانٍ. وَفِي الْحَالِ أَخَذَ بَعْضَ الضُّبَّاطِ وَالْجُنُودِ وَجَرَى إِلَى الْجُمْهُورِ. فَلَمَّا رَأَوْا الْقَائِدَ وَجُنُودَهُ كَفُّوا عَنْ ضَرْبِ بُولُسَ. فَجَاءَ الْقَائِدُ وَقَبَضَ عَلَيْهِ وَأَمَرَ بِأَنْ يُقَيَّدَ بِسِلْسِلَتَيْنِ. وَبَدَأَ يَسْأَلُ: ”مَنْ هُوَ وَمَاذَا فَعَلَ؟“ فَأَخَذَ الْبَعْضُ يَصْرُخُ بِشَيْءٍ، وَغَيْرُهُمْ بِشَيْءٍ آخَرَ. فَلَمْ يَتَمَكَّنِ الْقَائِدُ مِنْ أَنْ يَعْرِفَ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ بِسَبَبِ هَيَجَانِ النَّاسِ، فَأَمَرَ بِأَنْ يَأْخُذُوا بُولُسَ إِلَى الْمُعَسْكَرِ. فَلَمَّا وَصَلَ بُولُسُ إِلَى السُّلَّمِ، حَمَلَهُ الْجُنُودُ لِيُخَلِّصُوهُ مِنْ عُنْفِ الْجُمْهُورِ، لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتْبَعُونَهُ وَهُمْ يَصْرُخُونَ: ”إِلَى الْإِعْدَامِ.“ وَبَيْنَمَا كَانَ الْجُنُودُ يُدْخِلُونَ بُولُسَ إِلَى الْمُعَسْكَرِ، قَالَ لِلْقَائِدِ: ”هَلْ تَسْمَحُ أَنْ أَقُولَ لَكَ شَيْئًا؟“ فَأَجَابَهُ الْقَائِدُ: ”هَلْ تَتَكَلَّمُ الْيُونَانِيَّةَ؟ أَلَسْتَ أَنْتَ الْمِصْرِيَّ الَّذِي أَثَارَ الِاضْطِرَابَ وَقَادَ 4000 مِنَ الْقَتَلَةِ إِلَى الصَّحْرَاءِ مُنْذُ فَتْرَةٍ؟“ فَأَجَابَ بُولُسُ: ”أَنَا يَهُودِيٌّ مِنْ طَرْسُوسَ، الْمَدِينَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي كِيلِيكِيَّةَ. مِنْ فَضْلِكَ اسْمَحْ لِي بِأَنْ أُخَاطِبَ الشَّعْبَ.“ فَسَمَحَ لَهُ الْقَائِدُ. فَوَقَفَ بُولُسُ عَلَى السُّلَّمِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّعْبِ. فَلَمَّا سَكَتُوا كُلُّهُمْ، قَالَ لَهُمْ بِاللُّغَةِ الْعِبْرِيَّةِ: ”يَا إِخْوَتِي وَآبَائِي، اِسْمَعُوا الْآنَ دِفَاعِي عَنْ نَفْسِي.“ فَلَمَّا سَمِعُوهُ يَتَكَلَّمُ بِالْعِبْرِيَّةِ، هَدَأُوا أَكْثَرَ. فَقَالَ بُولُسُ: ”أَنَا يَهُودِيٌّ مَوْلُودٌ فِي طَرْسُوسَ الَّتِي فِي كِيلِيكِيَّةَ، وَلَكِنِّي نَشَأْتُ هُنَا فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ. وَكَانَ أُسْتَاذِي هُوَ غَمَلْئِيلُ، وَتَعَلَّمْتُ شَرِيعَةَ آبَائِنَا بِكُلِّ تَفَاصِيلِهَا. وَكُنْتُ غَيُورًا فِي أُمُورِ اللهِ مِثْلَكُمْ جَمِيعًا الْيَوْمَ، فَاضْطَهَدْتُ أَتْبَاعَ هَذَا الطَّرِيقِ إِلَى الْمَوْتِ، وَكُنْتُ أَقْبِضُ عَلَيْهِمْ رِجَالًا وَنِسَاءً وَأَرْمِيهِمْ فِي السِّجْنِ. وَيَشْهَدُ عَلَى صِحَّةِ كَلَامِي رَئِيسُ الْأَحْبَارِ وَأَعْضَاءُ الْمَجْلِسِ جَمِيعًا. فَإِنِّي أَخَذْتُ مِنْهُمْ رَسَائِلَ إِلَى إِخْوَانِهِمْ فِي دِمَشْقَ، وَذَهَبْتُ لِكَيْ أَقْبِضَ عَلَى هَؤُلَاءِ النَّاسِ الَّذِينَ هُنَاكَ وَأُحْضِرَهُمْ إِلَى الْقُدْسِ لِلْعِقَابِ. ”وَعِنْدَ الظُّهْرِ تَقْرِيبًا، لَمَّا اقْتَرَبْتُ مِنْ دِمَشْقَ، فَجْأَةً أَضَاءَ حَوْلِي نُورٌ سَاطِعٌ مِنَ السَّمَاءِ، فَسَقَطْتُ عَلَى الْأَرْضِ، وَسَمِعْتُ صَوْتًا يَقُولُ لِي: ’يَا شَاوُلُ! يَا شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟‘ فَقُلْتُ: ’مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟‘ فَأَجَابَ: ’أَنَا عِيسَـى النَّاصِرِيُّ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ.‘ وَالَّذِينَ مَعِي رَأَوْا النُّورَ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا صَوْتَ الَّذِي كَانَ يُكَلِّمُنِي. فَقُلْتُ: ’مَاذَا أَعْمَلُ يَا مَوْلَايَ؟‘ فَقَالَ: ’قُمْ، وَادْخُلْ دِمَشْقَ وَهُنَاكَ تُخْبَرُ بِكُلِّ مَا يَجِبُ أَنْ تَعْمَلَهُ.‘ ”فَقَادَنِي أَصْحَابِي بِيَدِي إِلَى دِمَشْقَ، لِأَنَّ شِدَّةَ النُّورِ أَعْمَتْ عَيْنَيَّ. وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ تَقِيٌّ اسْمُهُ حَنَانْيَا يَعْمَلُ بِالشَّرِيعَةِ وَيَحْتَرِمُهُ كُلُّ الْيَهُودِ الَّذِينَ هُنَاكَ. فَجَاءَ إِلَيَّ وَوَقَفَ بِجَانِبِي وَقَالَ: ’يَا أَخُ شَاوُلُ، أَبْصِرْ!‘ فَرَأَيْتُهُ فِي الْحَالِ. ثُمَّ قَالَ: ’إِلَهُ آبَائِنَا اخْتَارَكَ لِتَعْرِفَ مَشِيئَتَهُ، وَتَرَى الْبَارَّ وَتَسْمَعَ كَلَامًا مِنْ فَمِهِ، وَتَكُونَ شَاهِدًا لَهُ أَمَامَ الْجَمِيعِ بِمَا رَأَيْتَ وَسَمِعْتَ. وَالْآنَ مَا لَكَ تُبْطِئُ؟ قُمْ وَتَغَطَّسْ، وَاغْتَسِلْ مِنْ ذُنُوبِكَ، وَادْعُ بِاسْمِهِ.‘ ”ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى الْقُدْسِ، وَكُنْتُ أُصَلِّي فِي بَيْتِ اللهِ، فَوَقَعْتُ فِي غَيْبُوبَةٍ. وَرَأَيْتُ الْمَسِيحَ، فَقَالَ لِي: ’أَسْرِعْ، اُخْرُجْ مِنَ الْقُدْسِ حَالًا، لِأَنَّهُمْ لَنْ يَقْبَلُوا شَهَادَتَكَ عَنِّي.‘ فَأَجَبْتُ: ’يَا مَوْلَايَ، هَؤُلَاءِ النَّاسُ يَعْلَمُونَ أَنِّي ذَهَبْتُ إِلَى بُيُوتِ الْعِبَادَةِ لِكَيْ أَسْجِنَ وَأَضْرِبَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِكَ. وَلَمَّا سُفِكَ دَمُ شَهِيدِكَ اصْطَفَانَ، كُنْتُ مَوْجُودًا هُنَاكَ وَمُوَافِقًا عَلَى ذَلِكَ، وَقُمْتُ بِحِرَاسَةِ ثِيَابِ الَّذِينَ قَتَلُوهُ.‘ فَقَالَ لِي: ’اِذْهَبْ، سَأُرْسِلُكَ بَعِيدًا إِلَى الشُّعُوبِ الْأُخْرَى.‘“ وَكَانَ الْجُمْهُورُ يُصْغِي إِلَى بُولُسَ إِلَى أَنْ قَالَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ، وَعِنْدَهَا صَرَخُوا بِأَعْلَى صَوْتِهِمْ: ”أَزِلْ هَذَا الشَّخْصَ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ! حَرَامٌ أَنْ يَعِيشَ!“ وَأَخَذُوا يَصْرُخُونَ وَيُلَوِّحُونَ بِثِيَابِهِمْ وَيَرْمُونَ التُّرَابَ فِي الْهَوَاءِ. فَأَمَرَ الْقَائِدُ جُنُودَهُ بِأَنْ يَأْخُذُوا بُولُسَ إِلَى الْمُعَسْكَرِ، وَأَعْطَاهُمْ تَعْلِيمَاتٍ بِأَنْ يَجْلِدُوهُ وَيَسْتَجْوِبُوهُ لِكَيْ يَعْرِفَ لِمَاذَا صَرَخَ النَّاسُ ضِدَّهُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ. فَلَمَّا مَدُّوهُ لِيَجْلِدُوهُ، قَالَ بُولُسُ لِلضَّابِطِ الْمَوْجُودِ: ”هَلْ يَسْمَحُ لَكُمُ الْقَانُونُ بِأَنْ تَجْلِدُوا شَخْصًا رُومَانِيَّ الْجِنْسِيَّةِ قَبْلَ مُحَاكَمَتِهِ؟“ فَلَمَّا سَمِعَ الضَّابِطُ هَذَا، ذَهَبَ إِلَى الْقَائِدِ وَأَخْبَرَهُ وَقَالَ: ”مَا هَذَا الَّذِي كُنَّا سَنَعْمَلُهُ؟ هَذَا الرَّجُلُ رُومَانِيُّ الْجِنْسِيَّةِ!“ فَذَهَبَ الْقَائِدُ إِلَى بُولُسَ وَسَأَلَهُ: ”قُلْ لِي، هَلْ أَنْتَ رُومَانِيُّ الْجِنْسِيَّةِ؟“ فَأَجَابَ: ”نَعَمْ.“ فَقَالَ الْقَائِدُ: ”أَنَا حَصَلْتُ عَلَى هَذِهِ الْجِنْسِيَّةِ بِمَبْلَغٍ كَبِيرٍ مِنَ الْمَالِ.“ فَأَجَابَهُ بُولُسُ: ”أَمَّا أَنَا فَقَدْ وُلِدْتُ فِيهَا.“ وَفِي الْحَالِ ابْتَعَدَ الَّذِينَ كَانُوا مُكَلَّفِينَ بِاسْتِجْوَابِهِ. وَانْزَعَجَ الْقَائِدُ نَفْسُهُ لِأَنَّهُ قَيَّدَ بُولُسَ بِالسَّلَاسِلِ مَعَ أَنَّهُ رُومَانِيُّ الْجِنْسِيَّةِ. وَأَرَادَ الْقَائِدُ أَنْ يَعْرِفَ حَقِيقَةَ التُّهْمَةِ الْمُوَجَّهَةِ مِنَ الْيَهُودِ ضِدَّ بُولُسَ، فَحَلَّ قُيُودَهُ فِي الْغَدِ وَأَمَرَ أَنْ يَجْتَمِعَ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَكُلُّ الْمَجْلِسِ الْأَعْلَى. ثُمَّ أَخَذَ بُولُسَ وَأَحْضَرَهُ قُدَّامَهُمْ. فَنَظَرَ بُولُسُ إِلَى الْمَجْلِسِ وَقَالَ: ”أَيُّهَا الْإِخْوَةُ، أَنَا عِشْتُ للهِ بِضَمِيرٍ صَالِحٍ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ.“ وَهُنَا أَمَرَ حَنَانْيَا رَئِيسُ الْأَحْبَارِ خُدَّامَهُ بِأَنْ يَضْرِبُوا بُولُسَ عَلَى فَمِهِ. فَقَالَ لَهُ بُولُسُ: ”يَضْرِبُكَ اللهُ أَيُّهَا الْحَائِطُ الْمُبَيَّضُ! كَيْفَ تَجْلِسُ هُنَا لِتُحَاكِمَنِي حَسَبَ الشَّرِيعَةِ، ثُمَّ تُخَالِفُ الشَّرِيعَةَ فَتَأْمُرُ بِضَرْبِي؟“ فَقَالَ الْخُدَّامُ: ”هَلْ تَشْتِمُ رَئِيسَ أَحْبَارِ اللهِ؟“ فَأَجَابَ بُولُسُ: ”لَمْ أَكُنْ أَعْلَمُ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ أَنَّهُ رَئِيسُ الْأَحْبَارِ، لِأَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ: ’لَا تَلْعَنْ رَئِيسَ شَعْبِكَ.‘“ وَلَمَّا عَلِمَ بُولُسُ أَنَّ بَعْضَ أَعْضَاءِ الْمَجْلِسِ مِنَ الصَّدُّوقِيِّينَ وَالْبَعْضَ الْآخَرَ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ، نَادَى فِي الْمَجْلِسِ وَقَالَ: ”أَيُّهَا الْإِخْوَةُ، أَنَا فَرِّيسِيٌّ ابْنُ فَرِّيسِيٍّ، وَأَنَا أُحَاكَمُ الْآنَ لِأَنَّ عِنْدِي رَجَاءً أَنَّ الْمَوْتَى سَيَقُومُونَ.“ فَلَمَّا قَالَ هَذَا، وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ وَانْقَسَمَ الْمَجْلِسُ. لِأَنَّ الصَّدُّوقِيِّينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْقِيَامَةِ، وَلَا بِالْمَلَائِكَةِ، وَلَا بِالْأَرْوَاحِ، أَمَّا الْفَرِّيسِيُّونَ فَيُؤْمِنُونَ بِكُلِّ هَذَا. وَحَدَثَ هِيَاجٌ شَدِيدٌ، وَوَقَفَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْمَذْهَبِ الْفَرِّيسِيِّ وَأَخَذُوا يَحْتَجُّونَ بِشِدَّةٍ وَقَالُوا: ”نَحْنُ لَا نَجِدُ أَيَّ ذَنْبٍ فِي هَذَا الرَّجُلِ. رُبَّمَا كَلَّمَهُ رُوحٌ أَوْ مَلَاكٌ!“ وَزَادَ الْخِلَافُ حَتَّى خَافَ الْقَائِدُ أَنْ يُمَزِّقُوا بُولُسَ تَمْزِيقًا. فَأَمَرَ الْجُنُودَ أَنْ يَنْزِلُوا وَيَخْطِفُوهُ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَيَأْخُذُوهُ إِلَى الْمُعَسْكَرِ. وَفِي اللَّيْلِ، جَاءَ الْمَسِيحُ وَوَقَفَ بِجِوَارِ بُولُسَ وَقَالَ لَهُ: ”اِطْمَئِنْ! يَجِبُ أَنْ تَشْهَدَ لِي فِي رُومَا كَمَا شَهِدْتَ لِي فِي الْقُدْسِ.“ وَفِي الصُّبْحِ تَآمَرَ الْيَهُودُ مَعًا وَحَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمِ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ حَتَّى يَقْتُلُوا بُولُسَ. وَكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ تَآمَرُوا أَكْثَرَ مِنْ 40 رَجُلًا. فَذَهَبُوا إِلَى رُؤَسَاءِ الْأَحْبَارِ وَالشُّيُوخِ وَقَالُوا: ”نَحْنُ أَقْسَمْنَا يَمِينًا أَنْ لَا نَأْكُلَ شَيْئًا حَتَّى نَقْتُلَ بُولُسَ. فَالْآنَ، اُطْلُبُوا مِنَ الْقَائِدِ، أَنْتُمْ وَبَاقِي الْمَجْلِسِ، أَنْ يُحْضِرَ بُولُسَ قُدَّامَكُمْ بِحُجَّةِ أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ عَمَلَ تَحْقِيقٍ فِي مَوْضُوعِهِ، وَنَكُونُ نَحْنُ مُسْتَعِدِّينَ لِقَتْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْمَجْلِسِ.“ وَسَمِعَ ابْنُ أُخْتِ بُولُسَ بِخَبَرِ الْكَمِينِ، فَذَهَبَ إِلَى الْمُعَسْكَرِ وَأَخْبَرَ بُولُسَ. فَاسْتَدْعَى بُولُسُ أَحَدَ الضُّبَّاطِ وَقَالَ لَهُ: ”خُذْ هَذَا الشَّابَّ إِلَى الْقَائِدِ، لِأَنَّ عِنْدَهُ شَيْئًا يُرِيدُ أَنْ يُخْبِرَهُ بِهِ.“ فَأَخَذَهُ الضَّابِطُ إِلَى الْقَائِدِ وَقَالَ لَهُ: ”اِسْتَدْعَانِي السَّجِينُ بُولُسُ وَطَلَبَ مِنِّي أَنْ أُحْضِرَ لَكَ هَذَا الشَّابَّ، لِأَنَّ عِنْدَهُ شَيْئًا يُرِيدُ أَنْ يُخْبِرَكَ بِهِ.“ فَأَخَذَ الْقَائِدُ الشَّابَّ مِنْ يَدِهِ وَانْفَرَدَ بِهِ وَسَأَلَهُ: ”مَاذَا عِنْدَكَ؟ أَخْبِرْنِي.“ فَقَالَ: ”اِتَّفَقَ الْيَهُودُ أَنْ يَطْلُبُوا مِنْكَ أَنْ تُحْضِرَ بُولُسَ إِلَى الْمَجْلِسِ غَدًا بِحُجَّةِ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ عَمَلَ تَحْقِيقٍ فِي مَوْضُوعِهِ. فَلَا تَسْمَعْ لَهُمْ، لِأَنَّ أَكْثَرَ مِنْ 40 وَاحِدًا مِنْهُمْ عَمِلُوا لَهُ كَمِينًا وَحَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمِ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ حَتَّى يَقْتُلُوهُ، وَهُمْ مُسْتَعِدُّونَ الْآنَ يَنْتَظِرُونَ أَنْ تُجِيبَ لَهُمْ طَلَبَهُمْ.“ فَصَرَفَ الْقَائِدُ الشَّابَّ وَحَذَّرَهُ وَقَالَ لَهُ: ”لَا تَقُلْ لِأَحَدٍ إِنَّكَ أَخْبَرْتَنِي بِهَذَا.“ ثُمَّ دَعَا الْقَائِدُ اثْنَيْنِ مِنْ ضُبَّاطِهِ وَأَمَرَهُمَا: ”أَعِدَّا 200 جُنْدِيٍّ وَ70 فَارِسًا وَ200 مُتَسَلِّحٍ بِالْحِرَابِ، لِيَذْهَبُوا إِلَى قَيْصَرِيَّةَ اللَّيْلَةَ فِي السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ مَسَاءً. وَأَيْضًا فَرَسًا يَرْكَبُهُ بُولُسُ لِكَيْ يَصِلَ سَالِمًا إِلَى الْحَاكِمِ فِيلِكْسَ.“ وَكَتَبَ رِسَالَةً إِلَى الْحَاكِمِ يَقُولُ فِيهَا: ”مِنْ: كُلُودِيُوسَ لِيسِيَاسَ، إِلَى: صَاحِبِ الْفَخَامَةِ فِيلِكْسَ الْحَاكِمِ. بَعْدَ التَّحِيَّةِ، هَذَا الرَّجُلُ قَبَضَ عَلَيْهِ الْيَهُودُ وَكَانُوا عَلَى وَشْكِ أَنْ يَقْتُلُوهُ. لَكِنِّي وَصَلْتُ مَعَ جُنُودِي وَأَنْقَذْنَاهُ مِنْهُمْ، لِأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّهُ مُوَاطِنٌ رُومَانِيٌّ. وَكُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَعْرِفَ سَبَبَ شَكْوَاهُمْ ضِدَّهُ، فَأَخَذْتُهُ إِلَى مَجْلِسِهِمْ. فَوَجَدْتُ أَنَّ التُّهْمَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَسَائِلَ تَخُصُّ عَقِيدَتَهُمْ. لَكِنْ لَيْسَتْ هُنَاكَ شَكْوَى ضِدَّهُ تَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ أَوِ السِّجْنَ. ثُمَّ عَلِمْتُ أَنَّ هُنَاكَ مُؤَامَرَةً ضِدَّ الرَّجُلِ، فَأَرْسَلْتُهُ لَكَ بِسُرْعَةٍ. وَقَدْ أَمَرْتُ الَّذِينَ يَتَّهِمُونَهُ أَنْ يُقَدِّمُوا لَكَ قَضِيَّتَهُمْ ضِدَّهُ.“ فَنَفَّذَ الْجُنُودُ الْأَوَامِرَ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَهُمْ، وَأَخَذُوا بُولُسَ مَعَهُمْ فِي اللَّيْلِ وَوَصَلُوا بِهِ حَتَّى أَنْتِيبَاتْرِسَ. وَفِي الْغَدِ تَرَكُوا الْفُرْسَانَ يَذْهَبُونَ مَعَهُ، وَرَجَعُوا هُمْ إِلَى الْمُعَسْكَرِ. فَلَمَّا وَصَلَ الْفُرْسَانُ إِلَى قَيْصَرِيَّةَ، أَعْطَوْا الرِّسَالَةَ إِلَى الْحَاكِمِ وَسَلَّمُوا لَهُ بُولُسَ. فَقَرَأَ الْحَاكِمُ الرِّسَالَةَ، وَسَأَلَ مِنْ أَيِّ وِلَايَةٍ هُوَ. فَعَرَفَ أَنَّهُ مِنْ كِيلِيكِيَّةَ. فَقَالَ: ”سَأَسْمَعُ قَضِيَّتَكَ عِنْدَمَا يَجِيءُ الَّذِينَ يَشْتَكُونَ ضِدَّكَ.“ ثُمَّ أَمَرَ بِحِرَاسَةِ بُولُسَ فِي قَصْرِ هِيرُودِسَ. وَبَعْدَ 5 أَيَّامٍ نَزَلَ حَنَانْيَا رَئِيسُ الْأَحْبَارِ إِلَى قَيْصَرِيَّةَ وَمَعَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَمُحَامٍ اسْمُهُ تَرْتُلُّسُ، وَشَكَوْا بُولُسَ إِلَى الْحَاكِمِ. فَلَمَّا دُعِيَ بُولُسُ، قَدَّمَ تَرْتُلُّسُ الشَّكْوَى أَمَامَ فِيلِكْسَ فَقَالَ: ”نَحْنُ بِفَضْلِكَ نَتَمَتَّعُ بِسَلَامٍ وَافِرٍ، وَإِنَّ الْإِصْلَاحَ الَّذِي تَمَّ لِخَيْرِ هَذِهِ الْبِلَادِ، يَعُودُ إِلَى حُسْنِ تَدْبِيرِكَ يَا صَاحِبَ الْفَخَامَةِ فِيلِكْسَ. فَنَحْنُ نَقْبَلُ هَذَا كُلَّهُ بِالشُّكْرِ الْجَزِيلِ دَائِمًا وَفِي كُلِّ مَكَانٍ. وَلِكَيْ لَا أُطِيلَ الْكَلَامَ عَلَيْكَ، أَرْجُو أَنْ تَسْمَعَنَا بِلُطْفِكَ بِاخْتِصَارٍ. نَحْنُ وَجَدْنَا هَذَا الرَّجُلَ يُسَبِّبُ الْمَشَاكِلَ وَيُثِيرُ الِاضْطِرَابَ بَيْنَ الْيَهُودِ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْعَالَمِ. وَهُوَ زَعِيمُ طَائِفَةِ النَّصَارَى، وَحَاوَلَ أَيْضًا أَنْ يُنَجِّسَ بَيْتَ اللهِ. فَقَبَضْنَا عَلَيْهِ وَأَرَدْنَا أَنْ نُحَاكِمَهُ حَسَبَ عَقِيدَتِنَا. فَجَاءَ الْقَائِدُ لِيسِيَاسُ، وَاسْتَخْدَمَ مَعَنَا الْعُنْفَ وَأَخَذَهُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا، وَأَمَرَ خُصُومَهُ بِأَنْ يَرْفَعُوا شَكْوَاهُمْ إِلَيْكَ. فَعِنْدَمَا تَسْتَجْوِبُهُ أَنْتَ بِنَفْسِكَ، يُمْكِنُكَ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ شَكْوَانَا ضِدَّهُ صَحِيحَةٌ.“ وَوَافَقَ بَاقِي الْيَهُودِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ صَحِيحٌ. فَأَشَارَ الْحَاكِمُ إِلَى بُولُسَ لِيَتَكَلَّمَ، فَقَالَ: ”أَنَا عَارِفٌ أَنَّكَ تَحْكُمُ هَذِهِ الْبِلَادَ مُنْذُ سِنِينَ عَدِيدَةٍ، لِذَلِكَ أُدَافِعُ عَنْ نَفْسِي بِارْتِيَاحٍ. يُمْكِنُكَ بِسُهُولَةٍ أَنْ تَتَبَيَّنَ أَنِّي ذَهَبْتُ إِلَى الْقُدْسِ لِلْعِبَادَةِ مُنْذُ مَا لَا يَزِيدُ عَنِ 12 يَوْمًا. وَلَمْ يَجِدْنِي خُصُومِي أُجَادِلُ أَحَدًا فِي بَيْتِ اللهِ أَوْ أُثِيرُ الشَّعْبَ فِي بُيُوتِ الْعِبَادَةِ وَلَا فِي أَيِّ مَكَانٍ آخَرَ فِي الْمَدِينَةِ. وَلَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يُثْبِتُوا لَكَ الشَّكْوَى الَّتِي يُقَدِّمُونَهَا ضِدِّيَ الْآنَ. إِنَّمَا أَشْهَدُ أَنِّي أَعْبُدُ إِلَهَ آبَائِنَا حَسَبَ الطَّرِيقِ الَّذِي يَصِفُونَهُ بِأَنَّهُ بِدْعَةٌ، وَأُؤْمِنُ بِكُلِّ مَا فِي التَّوْرَاةِ وَكُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ. وَعِنْدِي نَفْسُ الرَّجَاءِ فِي اللهِ مِثْلُ هَؤُلَاءِ، وَهُوَ قِيَامَةُ الْمَوْتَى مِنْ صَالِحِينَ وَأَشْرَارٍ. لِهَذَا أَبْذِلُ جُهْدِي دَائِمًا لِيَكُونَ ضَمِيرِي نَقِيًّا أَمَامَ اللهِ وَالنَّاسِ. ”وَبَعْدَ غِيَابِ عِدَّةِ سَنَوَاتٍ عَنِ الْقُدْسِ، رَجَعْتُ لِأُحْضِرَ لِشَعْبِي بَعْضَ الْهَدَايَا لِلْفُقَرَاءِ وَلِكَيْ أُقَدِّمَ بَعْضَ الْقَرَابِينِ. فَلَمَّا وَجَدُونِي أَعْمَلُ هَذَا فِي بَيْتِ اللهِ، كُنْتُ قَدْ تَطَهَّرْتُ. وَلَمْ يَكُنْ مَعِي جُمْهُورٌ، وَلَا سَبَّبْتُ أَيَّ فَوْضَى. لَكِنْ كَانَ هُنَاكَ بَعْضُ الْيَهُودِ مِنْ وِلَايَةِ آسْيَا، كَانَ يَجِبُ أَنْ يَأْتُوا هُمْ بِأَنْفُسِهِمْ أَمَامَكَ وَيُقَدِّمُوا شَكْوَاهُمْ لَوْ كَانَ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ ضِدِّي! أَوْ هَؤُلَاءِ الْمَوْجُودُونَ هُنَا، هَلْ فِي إِمْكَانِهِمْ أَنْ يَقُولُوا مَا هُوَ الذَّنْبُ الَّذِي وَجَدُوهُ فِيَّ لَمَّا حُوكِمْتُ أَمَامَ الْمَجْلِسِ الْأَعْلَى؟ إِلَّا طَبْعًا هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي أَعْلَنْتُهُ وَأَنَا وَاقِفٌ بَيْنَهُمْ وَقُلْتُ: أَنْتُمْ تُحَاكِمُونِي الْيَوْمَ لِأَنِّي أُؤْمِنُ أَنَّ الْمَوْتَى سَيَقُومُونَ.“ وَكَانَ فِيلِكْسُ عِنْدَهُ مَعْرِفَةٌ جَيِّدَةٌ عَنْ طَرِيقِ عِيسَى، فَأَنْهَى الِاجْتِمَاعَ وَقَالَ: ”عِنْدَمَا يَحْضُرُ الْقَائِدُ لِيسِيَاسُ سَأَحْكُمُ فِي قَضِيَّتِكَ.“ وَأَمَرَ الضَّابِطَ أَنْ يَحْفَظَ بُولُسَ تَحْتَ الْحِرَاسَةِ، وَأَنْ يُعْطِيَهُ بَعْضَ الْحُرِّيَّةِ، وَأَنْ يَسْمَحَ لِأَصْدِقَائِهِ أَنْ يَزُورُوهُ وَيَخْدِمُوهُ. وَبَعْدَ عِدَّةِ أَيَّامٍ جَاءَ فِيلِكْسُ وَمَعَهُ دُرُوسِلَا زَوْجَتُهُ وَهِيَ يَهُودِيَّةٌ. فَاسْتَدْعَى بُولُسَ وَاسْتَمَعَ إِلَيْهِ. فَكَلَّمَهُ بُولُسُ عَنِ الْإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ عِيسَـى. وَبَيْنَمَا بُولُسُ يَتَحَدَّثُ عَنِ الصَّلَاحِ وَالْعِفَّةِ وَيَوْمِ الدِّينِ خَافَ فِيلِكْسُ وَقَالَ لَهُ: ”هَذَا يَكْفِي الْآنَ! اِذْهَبْ وَعِنْدَمَا أَجِدُ الْوَقْتَ الْمُنَاسِبَ أَسْتَدْعِيكَ.“ وَكَانَ يَرْجُو أَنْ يُعْطِيَهُ بُولُسُ رَشْوَةً، لِذَلِكَ كَانَ يُرْسِلُ وَيَسْتَدْعِيهِ كَثِيرًا وَيَتَحَدَّثُ مَعَهُ. وَمَرَّتْ سَنَتَانِ، ثُمَّ جَاءَ مَكَانَ فِيلِكْسَ حَاكِمٌ آخَرُ اسْمُهُ بَرْكِيُوسُ فُسْتُوسُ. وَأَرَادَ فِيلِكْسُ أَنْ يُرْضِيَ الْيَهُودَ، فَتَرَكَ بُولُسَ فِي السِّجْنِ. وَبَعْدَ وُصُولِ فُسْتُوسَ إِلَى الْوِلَايَةِ بِـ3 أَيَّامٍ، صَعِدَ مِنْ قَيْصَرِيَّةَ إِلَى الْقُدْسِ. فَجَاءَ إِلَيْهِ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَقَادَةُ الْيَهُودِ وَشَكَوْا بُولُسَ لَهُ. وَطَلَبُوا مِنْهُ بِإِلْحَاحٍ أَنْ يُرْضِيَهُمْ فَيُرْسِلَ بُولُسَ إِلَى الْقُدْسِ، لِأَنَّهُمْ وَضَعُوا لَهُ كَمِينًا لِيَقْتُلُوهُ فِي الطَّرِيقِ. فَأَجَابَهُمْ فُسْتُوسُ: ”بُولُسُ مَحْجُوزٌ فِي قَيْصَرِيَّةَ، وَأَنَا رَاجِعٌ إِلَى هُنَاكَ حَالًا. لِيَأْتِ مَعِي بَعْضُ قَادَتِكُمْ وَيُقَدِّمُوا الشَّكْوَى ضِدَّ الرَّجُلِ هُنَاكَ إِنْ كَانَ مُذْنِبًا.“ وَقَضَى فُسْتُوسُ عِنْدَهُمْ 8 أَوْ 10 أَيَّامٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى قَيْصَرِيَّةَ. وَفِي الْغَدِ جَلَسَ عَلَى مَنَصَّةِ الْقَضَاءِ وَأَمَرَ بِإِحْضَارِ بُولُسَ قُدَّامَهُ. فَلَمَّا وَصَلَ بُولُسُ، أَحَاطَ بِهِ الْيَهُودُ الَّذِينَ نَزَلُوا مِنَ الْقُدْسِ، وَقَدَّمُوا شَكَاوَى خَطِيرَةً كَثِيرَةً ضِدَّهُ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُثْبِتُوهَا. فَدَافَعَ بُولُسُ عَنْ نَفْسِهِ وَقَالَ: ”أَنَا لَمْ أَرْتَكِبْ أَيَّ ذَنْبٍ ضِدَّ عَقِيدَةِ الْيَهُودِ وَلَا ضِدَّ بَيْتِ اللهِ وَلَا ضِدَّ قَيْصَرَ.“ وَلَكِنَّ فُسْتُوسَ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُرْضِيَ الْيَهُودَ فَقَالَ لِبُولُسَ: ”هَلْ أَنْتَ مُسْتَعِدٌّ أَنْ تَذْهَبَ إِلَى الْقُدْسِ، فَتَكُونَ مُحَاكَمَتُكَ فِي هَذِهِ الشَّكَاوَى قُدَّامِي هُنَاكَ؟“ أَجَابَ بُولُسُ: ”أَنَا الْآنَ وَاقِفٌ أَمَامَ مَحْكَمَةِ قَيْصَرَ حَيْثُ يَجِبُ أَنْ أُحَاكَمَ. أَنَا لَمْ أُذْنِبْ ضِدَّ الْيَهُودِ فِي شَيْءٍ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ هَذَا جَيِّدًا. وَلَوْ كُنْتُ قَدِ ارْتَكَبْتُ شَيْئًا يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ، مَا كُنْتُ أَهْرُبُ مِنَ الْمَوْتِ. أَمَّا إِنْ كَانَتْ هَذِهِ التُّهَمُ الَّتِي يُوَجِّهُهَا إِلَيَّ الْيَهُودُ غَيْرَ صَحِيحَةٍ، إِذَنْ لَا يَحِقُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُسَلِّمَنِي إِلَيْهِمْ. أَنَا رَافِعٌ قَضِيَّتِي إِلَى قَيْصَرَ!“ وَتَشَاوَرَ فُسْتُوسُ مَعَ مُعَاوِنِيهِ ثُمَّ قَالَ: ”إِلَى قَيْصَـرَ رَفَعْتَ قَضِيَّتَكَ، فَإِلَى قَيْصَـرَ تَذْهَبُ!“ وَبَعْدَ أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ، جَاءَ الْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ وَمَعَهُ بِرْنِيسُ إِلَى قَيْصَرِيَّةَ لِيُسَلِّمَا عَلَى فُسْتُوسَ. وَأَقَامَا هُنَاكَ أَيَّامًا كَثِيرَةً، فَعَرَضَ فُسْتُوسُ عَلَى الْمَلِكِ قَضِيَّةَ بُولُسَ وَقَالَ لَهُ: ”يُوجَدُ رَجُلٌ هُنَا تَرَكَهُ فِيلِكْسُ مَسْجُونًا. وَلَمَّا ذَهَبْتُ إِلَى الْقُدْسِ اشْتَكَى ضِدَّهُ رُؤَسَاءُ الْأَحْبَارِ وَشُيُوخُ الْيَهُودِ وَطَلَبُوا أَنْ أَحْكُمَ عَلَيْهِ. فَقُلْتُ لَهُمْ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَادَةِ الرُّومَانِ أَنْ يَحْكُمُوا عَلَى أَحَدٍ إِلَّا إِذَا وَاجَهَ خُصُومَهُ أَوَّلًا، وَأُعْطِيَ الْفُرْصَةَ لِيُدَافِعَ عَنْ نَفْسِهِ وَيَرُدَّ عَلَى الشَّكَاوَى. فَجَاءُوا مَعِي إِلَى هُنَا، وَبِدُونِ تَأْخِيرٍ جَلَسْتُ فِي الْغَدِ عَلَى مَنَصَّةِ الْقَضَاءِ وَأَمَرْتُ بِإِحْضَارِ الرَّجُلِ. فَلَمَّا قَامَ خُصُومُهُ لِيَتَكَلَّمُوا، لَمْ يَذْكُرُوا أَيَّ تُهْمَةٍ مِمَّا كُنْتُ أَتَوَقَّعُهُ. إِنَّمَا قَامَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ جِدَالٌ عَنْ دِينِهِمْ وَعَنْ شَخْصٍ مَاتَ اسْمُهُ عِيسَـى وَبُولُسُ يَقُولُ إِنَّهُ حَيٌّ. فَحِرْتُ كَيْفَ أُحَقِّقُ فِي الْأَمْرِ، وَسَأَلْتُ بُولُسَ إِنْ كَانَ عَلَى اسْتِعْدَادٍ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْقُدْسِ فَتَكُونَ مُحَاكَمَتُهُ فِي هَذِهِ الشَّكَاوَى هُنَاكَ. لَكِنَّهُ رَفَعَ قَضِيَّتَهُ إِلَى جَلَالَةِ الْقَيْصَرِ لِيَنْظُرَ فِيهَا، فَأَمَرْتُ بِأَنْ يُحْفَظَ إِلَى أَنْ أَتَمَكَّنَ مِنْ إِرْسَالِهِ إِلَى قَيْصَرَ.“ فَقَالَ أَغْرِيبَاسُ لِفُسْتُوسَ: ”أَنَا نَفْسِي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ هَذَا الرَّجُلَ.“ فَأَجَابَ: ”غَدًا تَسْمَعُهُ.“ وَفِي الْغَدِ جَاءَ أَغْرِيبَاسُ وَبِرْنِيسُ فِي مَوْكِبٍ فَخْمٍ، وَدَخَلَا قَاعَةَ الِاسْتِمَاعِ يُحِيطُ بِهِمَا الْقَادَةُ الْعَسْكَرِيُّونَ وَعُظَمَاءُ الْمَدِينَةِ. وَأَمَرَ فُسْتُوسُ بِإِحْضَارِ بُولُسَ. فَقَالَ فُسْتُوسُ: ”أَيُّهَا الْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ، وَيَا كُلَّ الْحَاضِرِينَ مَعَنَا هُنَا، هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي تَرَوْنَهُ شَكَاهُ إِلَيَّ الشَّعْبُ الْيَهُودِيُّ كُلُّهُ فِي الْقُدْسِ وَهُنَا فِي قَيْصَرِيَّةَ، وَكَانُوا يَصْرُخُونَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يَبْقَى حَيًّا. أَمَّا أَنَا فَوَجَدْتُ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ شَيْئًا يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ. لَكِنَّهُ رَفَعَ قَضِيَّتَهُ إِلَى جَلَالَةِ الْقَيْصَرِ، فَقَرَّرْتُ أَنْ أُرْسِلَهُ إِلَى رُومَا. لَكِنْ لَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ وَاضِحٌ أَكْتُبُهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ إِلَى جَلَالَةِ الْقَيْصَرِ. لِذَلِكَ أَحْضَرْتُهُ أَمَامَكُمْ جَمِيعًا، وَخَاصَّةً أَمَامَكَ أَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ، حَتَّى إِذَا نَظَرْنَا فِي قَضِيَّتِهِ، أَجِدُ مَا أَكْتُبُهُ. لِأَنِّي أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ الْمَعْقُولِ أَنْ أُرْسِلَ سَجِينًا دُونَ أَنْ أُحَدِّدَ التُّهَمَ الْمُوَجَّهَةَ ضِدَّهُ.“ فَقَالَ أَغْرِيبَاسُ لِبُولُسَ: ”نَسْمَحُ لَكَ أَنْ تُدَافِعَ عَنْ نَفْسِكَ.“ فَأَشَارَ بُولُسُ بِيَدِهِ وَبَدَأَ دِفَاعَهُ فَقَالَ: ”أَيُّهَا الْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ، إِنِّي أَعْتَبِرُ نَفْسِي سَعِيدًا أَنْ أُدَافِعَ عَنْ نَفْسِي أَمَامَكَ الْيَوْمَ، وَأَرُدَّ عَلَى شَكَاوَى الْيَهُودِ. خَاصَّةً وَأَنَّكَ تَعْرِفُ جَيِّدًا كُلَّ عَادَاتِ الْيَهُودِ وَالِاخْتِلَافَاتِ الْمَوْجُودَةِ بَيْنَهُمْ. لِذَلِكَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ تَسْمَعَنِي بِصَبْرٍ. ”كُلُّ الْيَهُودِ يَعْرِفُونَ سِيرَتِي مُنْذُ كُنْتُ طِفْلًا، وَيَعْرِفُونَ نَشْأَتِي فِي بَلَدِي وَعِيشَتِي فِي الْقُدْسِ. فَهُمْ يَعْرِفُونِي مُنْذُ وَقْتٍ طَوِيلٍ. وَإِنْ أَرَادُوا، يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا أَنِّي كُنْتُ أَتْبَعُ أَضْيَقَ مَذَاهِبِ دِينِنَا أَيْ كُنْتُ فَرِّيسِيًّا. وَالْآنَ أَنَا أُحَاكَمُ بِسَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي عِنْدِي فِي أَنْ يُحَقِّقَ اللهُ وَعْدَهُ لِآبَائِنَا. وَهُوَ الْوَعْدُ الَّذِي تَرْجُو قَبَائِلُنَا الِـ12 أَنْ يَتَحَقَّقَ بَيْنَمَا هُمْ يَعْبُدُونَ اللهَ بِمُوَاظَبَةٍ نَهَارًا وَلَيْلًا. وَبِسَبَبِ هَذَا الرَّجَاءِ أَيُّهَا الْمَلِكُ، يَشْتَكِي الْيَهُودُ ضِدِّي. لِمَاذَا لَا تُصَدِّقُونَ أَنَّ اللهَ يُقِيمُ الْمَوْتَى؟ ”أَنَا نَفْسِي كُنْتُ مُقْتَنِعًا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ أَعْمَلَ كُلَّ مَا فِي إِمْكَانِي لِأُعَارِضَ اسْمَ عِيسَـى النَّاصِرِيِّ. وَنَفَّذْتُ هَذَا فِي الْقُدْسِ بِتَفْوِيضٍ مِنْ رُؤَسَاءِ الْأَحْبَارِ، وَوَضَعْتُ كَثِيرِينَ مِنْ أَتْبَاعِ عِيسَى فِي السِّجْنِ. وَعِنْدَمَا كَانَ يَحْكُمُ الْمَجْلِسُ عَلَى أَحَدِهِمْ بِالْإِعْدَامِ، كُنْتُ أُعْطِي صَوْتِي بِالْمُوَافَقَةِ عَلَى الْحُكْمِ. وَكَثِيرًا مَا ذَهَبْتُ إِلَى بُيُوتِ الْعِبَادَةِ لِأُعَذِّبَهُمْ وَأُحَاوِلَ أَنْ أُجْبِرَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ. وَبَلَغَ تَعَصُّبِي ضِدَّهُمْ أَنْ ذَهَبْتُ إِلَى مُدُنٍ خَارِجَ بِلَادِنَا لِكَيْ أَضْطَهِدَهُمْ. ”وَفِي إِحْدَى هَذِهِ الْأَسْفَارِ، كُنْتُ ذَاهِبًا إِلَى دِمَشْقَ بِتَفْوِيضٍ وَتَوْكِيلٍ مِنْ رُؤَسَاءِ الْأَحْبَارِ. وَبَيْنَمَا أَنَا فِي الطَّرِيقِ، أَيُّهَا الْمَلِكُ، رَأَيْتُ عِنْدَ الظُّهْرِ نُورًا مِنَ السَّمَاءِ أَسْطَعَ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ أَنَارَ حَوْلِي وَحَوْلَ أَصْحَابِي. فَسَقَطْنَا كُلُّنَا عَلَى الْأَرْضِ. وَسَمِعْتُ صَوْتًا يَقُولُ لِي بِاللُّغَةِ الْعِبْرِيَّةِ: ’يَا شَاوُلُ! يَا شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟ صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ الْمِنْخَاسَ.‘ فَسَأَلْتُهُ: ’مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟‘ فَأَجَابَ: ’أَنَا عِيسَـى الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ. قُمْ وَقِفْ عَلَى رِجْلَيْكَ. أَنَا ظَهَرْتُ لَكَ لِكَيْ أَجْعَلَكَ خَادِمًا وَشَاهِدًا لِهَذِهِ الرُّؤْيَا الَّتِي تَرَانِي فِيهَا الْآنَ، وَلِغَيْرِهَا مِنَ الرُّؤَى الَّتِي سَأُظْهِرُهَا لَكَ. وَسَأُنْقِذُكَ مِنْ شَعْبِكَ وَمِنَ الشُّعُوبِ الْأُخْرَى. فَأَنَا أُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ، وَتُرْجِعَهُمْ مِنَ الظَّلَامِ إِلَى النُّورِ، وَمِنْ سَيْطَرَةِ الشَّيْطَانِ إِلَى اللهِ، لِكَيْ يَنَالُوا مَغْفِرَةَ الذُّنُوبِ وَنَصِيبًا مَعَ الَّذِينَ هُمْ مُخَصَّصِينَ لِي بِالْإِيمَانِ بِي.‘ ”وَلِهَذَا أَيُّهَا الْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ، لَمْ أُعَانِدْ هَذِهِ الرُّؤْيَا السَّمَائِيَّةَ. فَدَعَوْتُ أَوَّلًا أَهْلَ دِمَشْقَ، ثُمَّ أَهْلَ الْقُدْسِ، ثُمَّ كُلَّ مِنْطَقَةِ يَهُوذَا، ثُمَّ الْأَجَانِبَ أَيْضًا، وَقُلْتُ لَهُمْ أَنْ يَتُوبُوا وَيَرْجِعُوا إِلَى اللهِ وَيَقُومُوا بِأَعْمَالٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ تَابُوا فِعْلًا. وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ أَنَّ الْيَهُودَ أَمْسَكُونِي فِي بَيْتِ اللهِ وَحَاوَلُوا أَنْ يَقْتُلُونِي. وَلَكِنَّ اللهَ سَاعَدَنِي لِحَدِّ الْيَوْمِ، وَلِذَلِكَ أَنَا وَاقِفٌ هُنَا وَأَشْهَدُ لِلْبَسِيطِ وَلِلْعَظِيمِ عَلَى السَّوَاءِ. أَنَا لَا أَقُولُ شَيْئًا غَيْرَ مَا قَالَ عَنْهُ الْأَنْبِيَاءُ وَمُوسَى إِنَّهُ سَيَحْدُثُ. إِنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ، وَيَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَقُومُ مِنَ الْمَوْتِ، وَيُبَشِّرُ شَعْبَهُ وَالشُّعُوبَ الْأُخْرَى بِالنُّورِ.“ وَهُنَا قَاطَعَ فُسْتُوسُ بُولُسَ فِي دِفَاعِهِ وَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: ”أَنْتَ مَجْنُونٌ يَا بُولُسُ! تَبَحُّرُكَ فِي الْعِلْمِ أَفْقَدَكَ عَقْلَكَ!“ فَأَجَابَهُ بُولُسُ: ”أَنَا لَسْتُ مَجْنُونًا يَا صَاحِبَ الْفَخَامَةِ فُسْتُوسَ، بَلْ مَا أَقُولُهُ صَحِيحٌ وَمَعْقُولٌ. إِنَّ الْمَلِكَ عَلَى عِلْمٍ بِهَذِهِ الْأُمُورِ، وَفِي إِمْكَانِي أَنْ أُكَلِّمَهُ بِكُلِّ صَرَاحَةٍ. فَأَنَا مُتَأَكِّدٌ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ لِأَنَّهَا لَمْ تَحْدُثْ فِي زَاوِيَةٍ مُظْلِمَةٍ. هَلْ تُؤْمِنُ بِالْأَنْبِيَاءِ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ؟ أَنَا عَارِفٌ أَنَّكَ تُؤْمِنُ!“ فَقَالَ أَغْرِيبَاسُ لِبُولُسَ: ”هَلْ تَظُنُّ أَنَّ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْقَصِيرِ يُمْكِنُكَ أَنْ تُقْنِعَنِي بِأَنْ أَصِيرَ مَسِيحِيًّا؟“ فَأَجَابَ بُولُسُ: ”وَقْتٌ قَصِيرٌ أَوْ طَوِيلٌ، إِنِّي أَدْعُو اللهَ لَكَ وَلِجَمِيعِ الَّذِينَ يَسْمَعُونِي الْيَوْمَ أَنْ تَصِيرُوا مِثْلِي، وَلَكِنْ بِدُونِ هَذِهِ الْقُيُودِ.“ فَقَامَ الْمَلِكُ، وَقَامَ مَعَهُ الْحَاكِمُ وَبِرْنِيسُ وَالْجَالِسُونَ مَعَهُمْ. وَخَرَجُوا مِنَ الْقَاعَةِ وَهُمْ يَقُولُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ”هَذَا الرَّجُلُ لَمْ يَعْمَلْ شَيْئًا يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ أَوْ حَتَّى السِّجْنَ.“ وَقَالَ أَغْرِيبَاسُ لِفُسْتُوسَ: ”هَذَا الرَّجُلُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُطْلَقَ سَرَاحُهُ، لَوْ لَمْ يَكُنْ قَدْ رَفَعَ قَضِيَّتَهُ إِلَى قَيْصَرَ.“ وَتَقَرَّرَ أَنْ نُسَافِرَ فِي الْبَحْرِ إِلَى إِيطَالِيَا. فَسَلَّمُوا بُولُسَ وَبَعْضَ الْمَسْجُونِينَ الْآخَرِينَ إِلَى ضَابِطٍ بِرُتْبَةِ قَائِدِ مِئَةٍ اسْمُهُ يُولِيُوسُ، يَنْتَمِي إِلَى كَتِيبَةِ الْقَيْصَرِ. وَرَكِبْنَا سَفِينَةً مِنْ أَدْرَامِيتَ مُتَّجِهَةً إِلَى بَعْضِ الْمَوَانِئِ عَلَى شَاطِئِ وِلَايَةِ آسْيَا وَأَبْحَرْنَا. وَكَانَ مَعَنَا رِسْتُرْكِيُ الْمَقْدُونِيُّ الَّذِي مِنْ تَسَالُونْكِي. وَفِي الْغَدِ وَصَلْنَا إِلَى صَيْدَا. وَكَانَ يُولِيُوسُ يُعَامِلُ بُولُسَ مُعَامَلَةً طَيِّبَةً، فَسَمَحَ لَهُ أَنْ يَزُورَ أَصْدِقَاءَهُ فِي صَيْدَا لِيَنَالَ مِنْهُمْ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ. وَمِنْ هُنَاكَ أَبْحَرْنَا مَرَّةً أُخْرَى. وَلِأَنَّ الرِّيحَ كَانَتْ ضِدَّنَا سَافَرْنَا بِالْقُرْبِ مِنْ شَوَاطِئِ قُبْرُصَ. ثُمَّ إِلَى الْبَحْرِ الَّذِي مُقَابِلَ كِيلِيكِيَّةَ وَبَمْفِيلِيَّةَ وَوَصَلْنَا إِلَى مِينَاءِ مِيرَا فِي وِلَايَةِ لِيكِيَّةَ. فَوَجَدَ الضَّابِطُ هُنَاكَ سَفِينَةً مِنَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ مُتَّجِهَةً إِلَى إِيطَالِيَا، فَأَرْكَبَنَا فِيهَا. وَسَافَرْنَا بِبُطْءٍ عِدَّةَ أَيَّامٍ، وَبِالْجُهْدِ اقْتَرَبْنَا مِنْ شَاطِئِ كِنِيدُسَ. لَكِنَّ الرِّيحَ مَنَعَتْنَا مِنْ أَنْ نُرْسِيَ هُنَاكَ، فَسَافَرْنَا بِالْقُرْبِ مِنْ شَوَاطِئِ جَزِيرَةِ كِرِيتَ مُقَابِلَ سَلْمُونَةَ. وَبِصُعُوبَةٍ وَصَلْنَا إِلَى مَكَانٍ اسْمُهُ الْمَوَانِئُ الْحَسَنَةُ بِالْقُرْبِ مِنْ مَدِينَةِ لَسَائِيَةَ. وَبِذَلِكَ ضَاعَ مِنَّا وَقْتٌ طَوِيلٌ، وَأَصْبَحَ السَّفَرُ فِي الْبَحْرِ خَطِرًا لِأَنَّ الْوَقْتَ كَانَ بَعْدَ الصِّيَامِ. فَأَنْذَرَهُمْ بُولُسُ وَقَالَ: ”أَيُّهَا الرِّجَالُ، إِنِّي أَرَى أَنَّ سَفَرَنَا فِيهِ خُطُورَةٌ وَخَسَارَةٌ عَظِيمَةٌ، لَا عَلَى السَّفِينَةِ وَحُمُولَتِهَا فَقَطْ، بَلْ عَلَى أَرْوَاحِنَا أَيْضًا.“ لَكِنَّ الضَّابِطَ مَالَ إِلَى كَلَامِ قَائِدِ السَّفِينَةِ وَكَلَامِ صَاحِبِهَا وَلَمْ يُعْطِ نَصِيحَةَ بُولُسَ أَهَمِّيَّةً. وَكَانَ الْمِينَاءُ لَا يَصْلُحُ لِقَضَاءِ فَصْلِ الشِّتَاءِ هُنَاكَ، فَقَرَّرَتِ الْأَغْلَبِيَّةُ أَنْ نُكَمِّلَ السَّفَرَ، عَلَى أَمَلِ أَنْ نَصِلَ إِلَى مِينَاءِ فِينِكْسَ فِي كِرِيتَ وَنَقْضِيَ الشِّتَاءَ هُنَاكَ. وَهَذَا الْمِينَاءُ يُطِلُّ عَلَى الْجَنُوبِ الْغَرْبِيِّ وَالشَّمَالِ الْغَرْبِيِّ. وَهَبَّتْ رِيحٌ خَفِيفَةٌ مِنَ الْجَنُوبِ، فَظَنَّ الْبَحَّارَةُ أَنَّهُمْ نَالُوا مَا يُرِيدُونَ، فَرَفَعُوا الْمِرْسَاةَ وَأَبْحَرُوا بِالْقُرْبِ مِنْ سَاحِلِ كِرِيتَ. لَكِنْ بَعْدَ قَلِيلٍ هَبَّتْ رِيحٌ عَاصِفَةٌ اسْمُهَا الشَّمَالِيَّةُ الشَّرْقِيَّةُ، جَاءَتْ مِنَ الْجَزِيرَةِ. فَانْدَفَعَتِ السَّفِينَةُ وَلَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تُقَاوِمَ الرِّيحَ. فَاسْتَسْلَمْنَا وَالرِّيحُ تَسُوقُنَا عَلَى غَيْرِ هُدًى. وَمَرَرْنَا بِالْقُرْبِ مِنْ جَزِيرَةٍ صَغِيرَةٍ اسْمُهَا كُودَا، وَأَمْكَنَنَا بِصُعُوبَةٍ أَنْ نُؤَمِّنَ قَارِبَ النَّجَاةِ. فَرَفَعُوهُ إِلَى السَّفِينَةِ، ثُمَّ رَبَطُوا الْحِبَالَ حَوْلَ السَّفِينَةِ لِتَأْمِينِهَا. وَخَافُوا أَنْ نَصْطَدِمَ بِالسَّاحِلِ الرَّمْلِيِّ عِنْدَ سِرْتِسَ، فَأَنْزَلُوا الشِّرَاعَ وَتَرَكُوا السَّفِينَةَ تَنْسَاقُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ. وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعَاصِفَةُ جِدًّا، حَتَّى إِنَّهُ فِي الْيَوْمِ التَّالِي أَخَذَ الْبَحَّارَةُ يَرْمُونَ حُمُولَةَ السَّفِينَةِ إِلَى الْبَحْرِ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ رَمَوْا أَدَوَاتِ السَّفِينَةِ بِأَيْدِيهِمْ. وَمَرَّتْ أَيَّامٌ كَثِيرَةٌ لَمْ نَرَ فِيهَا الشَّمْسَ وَلَا النُّجُومَ، وَاسْتَمَرَّتِ الْعَاصِفَةُ تَهُبُّ بِعُنْفٍ، حَتَّى إِنَّنَا أَخِيرًا قَطَعْنَا كُلَّ أَمَلٍ فِي النَّجَاةِ. وَكَانَ الْمُسَافِرُونَ قَدِ امْتَنَعُوا عَنْ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ مُدَّةً طَوِيلَةً، فَوَقَفَ بُولُسُ بَيْنَهُمْ وَقَالَ: ”أَيُّهَا الرِّجَالُ، كَانَ يَجِبُ أَنْ تَعْمَلُوا بِنَصِيحَتِي وَلَا تَتْرُكُوا كِرِيتَ، فَتَسْلَمُوا مِنْ هَذَا الْخَطَرِ وَالْخَسَارَةِ. وَلَكِنِّي الْآنَ أَطْلُبُ مِنْكُمْ أَنْ تَطْمَئِنُّوا، فَلَنْ يُفْقَدَ أَحَدٌ مِنْكُمْ، إِلَّا أَنَّ السَّفِينَةَ وَحْدَهَا سَتَتَحَطَّمُ. فَاللَّيْلَةَ الْمَاضِيَةَ جَاءَنِي مَلَاكٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ الَّذِي أَنْتَمِي لَهُ وَأَعْبُدُهُ وَقَالَ لِي: ’لَا تَخَفْ يَا بُولُسُ، فَلَا بُدَّ أَنَّكَ تَقِفُ أَمَامَ قَيْصَرَ. وَقَدْ وَهَبَكَ اللهُ حَيَاةَ جَمِيعِ الْمُسَافِرِينَ مَعَكَ.‘ فَاطْمَئِنُّوا أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَنَا عِنْدِي إِيمَانٌ بِاللهِ أَنَّ كَلَامَهُ سَيَتِمُّ. فَلَا بُدَّ أَنْ نَنْدَفِعَ إِلَى إِحْدَى الْجُزُرِ.“ وَفِي اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ، وَكَانَتِ الرِّيَاحُ مَا زَالَتْ تَسُوقُنَا فِي بَحْرِ أَدْرِيَا، ظَنَّ الْبَحَّارَةُ عِنْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ أَنَّهُمْ يَقْتَرِبُونَ مِنَ الْبَرِّ. فَقَاسُوا عُمْقَ الْمَاءِ وَوَجَدُوهُ 40 مِتْرًا، وَبَعْدَ فَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ قَاسُوا مَرَّةً أُخْرَى فَوَجَدُوهُ 30 مِتْرًا. فَخَافُوا أَنْ نَصْطَدِمَ بِالصُّخُورِ، فَرَمَوْا مِنْ مُؤَخَّرِ السَّفِينَةِ 4 مَرَاسٍ وَهُمْ يَرْجُونَ أَنْ يَطْلَعَ الصُّبْحُ. وَأَرَادَ الْبَحَّارَةُ أَنْ يَهْرُبُوا مِنَ السَّفِينَةِ، فَأَنْزَلُوا قَارِبَ النَّجَاةِ إِلَى الْبَحْرِ عَلَى زَعْمِ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ إِنْزَالَ بَعْضِ الْمَرَاسِي مِنَ الْمُقَدِّمَةِ. فَقَالَ بُولُسُ لِلضَّابِطِ وَالْجُنُودِ: ”إِنْ لَمْ يَبْقَ هَؤُلَاءِ فِي السَّفِينَةِ فَلَنْ يُمْكِنَكُمْ أَنْ تَنْجُوا.“ فَقَطَعَ الْجُنُودُ حِبَالَ الْقَارِبِ وَتَرَكُوهُ يَسْقُطُ فِي الْمَاءِ. وَقَبْلَ الْفَجْرِ، طَلَبَ بُولُسُ مِنْهُمْ كُلِّهِمْ أَنْ يَأْكُلُوا وَقَالَ لَهُمْ: ”هَذَا هُوَ الْيَوْمُ الرَّابِعَ عَشَرَ وَأَنْتُمْ فِي تَرَقُّبٍ مُسْتَمِرٍّ وَبِلَا طَعَامٍ، فَلَمْ تَأْكُلُوا شَيْئًا. أَرْجُوكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا بَعْضَ الطَّعَامِ، أَنْتُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هَذَا لِنَجَاتِكُمْ. وَلَنْ يَفْقِدَ وَاحِدٌ مِنْكُمْ شَعْرَةً مِنْ رَأْسِهِ“ وَلَمَّا قَالَ هَذَا، أَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ اللهَ قُدَّامَهُمْ جَمِيعًا. ثُمَّ قَسَّمَهُ وَبَدَأَ يَأْكُلُ. فَاطْمَأَنُّوا كُلُّهُمْ، وَتَنَاوَلُوا بَعْضَ الطَّعَامِ. وَكَانَ عَدَدُنَا فِي السَّفِينَةِ 276 شَخْصًا. وَبَعْدَمَا شَبِعُوا، رَمَوْا الْقَمْحَ فِي الْبَحْرِ لِكَيْ يُخَفِّفُوا عَنِ السَّفِينَةِ. وَلَمَّا طَلَعَ النَّهَارُ، لَمْ يَقْدِرِ الْبَحَّارَةُ أَنْ يُمَيِّزُوا الْبَرَّ. لَكِنَّهُمْ رَأَوْا خَلِيجًا لَهُ شَاطِئٌ رَمْلِيٌّ. فَقَرَّرُوا أَنْ يَدْفَعُوا السَّفِينَةَ إِلَيْهِ إِنْ أَمْكَنَ. فَقَطَعُوا الْمَرَاسِيَ وَتَرَكُوهَا تَسْقُطُ فِي الْبَحْرِ. وَفِي نَفْسِ الْوَقْتِ حَلُّوا الْحِبَالَ الَّتِي تَرْبِطُ الدَّفَّةَ، وَرَفَعُوا الشِّرَاعَ الْأَمَامِيَّ لِلرِّيحِ وَاتَّجَهُوا نَحْوَ الشَّاطِئِ. لَكِنَّ السَّفِينَةَ انْدَفَعَتْ إِلَى تَلٍّ رَمْلِيٍّ وَاصْطَدَمَتْ بِهِ. فَانْغَرَزَ الْمُقَدَّمُ وَبَقِيَ لَا يَتَحَرَّكُ، وَأَخَذَ الْمُؤَخَّرُ يَتَحَطَّمُ مِنْ عُنْفِ الْأَمْوَاجِ. فَأَرَادَ الْجُنُودُ أَنْ يَقْتُلُوا الْمَسَاجِينَ لِئَلَّا يَسْبَحُوا إِلَى الشَّاطِئِ وَيَهْرُبُوا. لَكِنَّ الضَّابِطَ أَرَادَ أَنْ يُنْقِذَ بُولُسَ، فَمَنَعَهُمْ مِنْ تَنْفِيذِ قَصْدِهِمْ. فَأَمَرَ الْقَادِرِينَ عَلَى السِّبَاحَةِ أَنْ يَقْفِزُوا أَوَّلًا وَيَخْرُجُوا إِلَى الشَّاطِئِ. ثُمَّ يَتْبَعَهُمُ الْبَاقُونَ عَلَى أَلْوَاحٍ مِنَ السَّفِينَةِ أَوْ عَلَى حُطَامِهَا. وَبِهَذَا وَصَلَ الْجَمِيعُ إِلَى الْبَرِّ سَالِمِينَ. وَلَمَّا وَصَلْنَا، عَرَفْنَا أَنَّ اسْمَ الْجَزِيرَةِ هُوَ مَالْطَةُ. وَعَامَلَنَا أَهْلُهَا بِلُطْفٍ غَيْرِ عَادِيٍّ، فَرَحَّبُوا بِنَا وَأَوْقَدُوا لَنَا نَارًا لِأَنَّ الطَّقْسَ كَانَ مُمْطِرًا وَبَارِدًا. وَجَمَعَ بُولُسُ بَعْضَ الْحَطَبِ وَرَمَاهُ فِي النَّارِ، فَخَرَجَتْ حَيَّةٌ دَفَعَتْهَا الْحَرَارَةُ، وَتَعَلَّقَتْ بِيَدِهِ. فَلَمَّا رَأَى أَهْلُ الْجَزِيرَةِ الْحَيَّةَ مُعَلَّقَةً بِيَدِهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ”لَا بُدَّ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَاتِلٌ، فَمَعَ أَنَّهُ نَجَا مِنَ الْبَحْرِ، لَا يَسْمَحُ لَهُ الْعَدْلُ بِأَنْ يَعِيشَ.“ لَكِنَّ بُولُسَ نَفَضَ الْحَيَّةَ فِي النَّارِ وَلَمْ يَمَسَّهُ أَذًى. وَكَانَ النَّاسُ يَتَوَقَّعُونَ أَنْ يَتَوَرَّمَ أَوْ يَسْقُطَ مَيِّتًا فَجْأَةً، لَكِنَّهُمْ بَعْدَمَا انْتَظَرُوا طَوِيلًا وَرَأَوْا أَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ لَهُ شَيْءٌ، غَيَّرُوا رَأْيَهُمْ وَقَالُوا إِنَّهُ إِلَهٌ. وَكَانَتْ بِالْقُرْبِ مِنَ الْمَكَانِ حُقُولٌ يَمْلِكُهَا بُوبِلْيُوسُ حَاكِمُ الْجَزِيرَةِ. فَاسْتَقْبَلَنَا فِي دَارِهِ، وَأَكْرَمَ ضِيَافَتَنَا 3 أَيَّامٍ. وَكَانَ أَبُوهُ مَرِيضًا فِي الْفِرَاشِ، يُعَانِي مِنَ الْحُمَّى وَالْإِسْهَالِ الدَّمَوِيِّ، فَزَارَهُ بُولُسُ وَدَعَا اللهَ مِنْ أَجْلِهِ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ وَشَفَاهُ. فَلَمَّا حَدَثَ هَذَا، جَاءَ إِلَيْهِ كُلُّ الْمَرْضَى فِي الْجَزِيرَةِ وَنَالُوا الشِّفَاءَ. فَأَكْرَمُونَا كَثِيرًا، وَعِنْدَ رَحِيلِنَا أَعْطَوْنَا مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ. وَبَعْدَ 3 أَشْهُرٍ أَبْحَرْنَا فِي سَفِينَةٍ مِنَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ عَلَيْهَا رَسْمُ 'الْإِلَهَيْنِ التَّوْأَمَيْنِ' وَكَانَتْ قَدْ قَضَتْ فَصْلَ الشِّتَاءِ فِي مَالْطَةَ. وَوَصَلْنَا إِلَى مَدِينَةِ سِيرَاكِيُوسَ وَقَضَيْنَا فِيهَا 3 أَيَّامٍ. ثُمَّ أَبْحَرْنَا مِنْ هُنَاكَ حَتَّى وَصَلْنَا إِلَى مَدِينَةِ رِيغِيُونَ. وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي هَبَّتْ رِيحٌ جَنُوبِيَّةٌ، ثُمَّ وَصَلْنَا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ إِلَى بُوطِيُولِي. وَوَجَدْنَا هُنَاكَ بَعْضَ الْإِخْوَةِ، فَطَلَبُوا مِنَّا أَنْ نَقْضِيَ مَعَهُمْ أُسْبُوعًا. وَبِهَذَا ذَهَبْنَا إِلَى رُومَا. وَسَمِعَ الْإِخْوَةُ هُنَاكَ بِوُصُولِنَا، فَسَافَرُوا إِلَى سَاحَةِ أَبْيُوسَ وَإِلَى الْحَوَانِيتِ الثَّلَاثَةِ لِاسْتِقْبَالِنَا. فَلَمَّا رَآهُمْ بُولُسُ، شَكَرَ اللهَ وَتَشَجَّعَ. وَلَمَّا وَصَلْنَا إِلَى رُومَا، سَمَحَ الضَّابِطُ لِبُولُسَ أَنْ يُقِيمَ فِي مَنْزِلٍ خَاصٍّ مَعَ الْجُنْدِيِّ الَّذِي يَحْرُسُهُ. وَبَعْدَ 3 أَيَّامٍ، اِسْتَدْعَى بُولُسُ قَادَةَ الْيَهُودِ مَعًا. فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قَالَ لَهُمْ: ”يَا إِخْوَتِي، أَنَا لَمْ أَفْعَلْ شَيْئًا ضِدَّ شَعْبِنَا أَوْ ضِدَّ عَادَاتِ آبَائِنَا، وَمَعَ ذَلِكَ قَبَضُوا عَلَيَّ فِي الْقُدْسِ وَسَلَّمُونِي إِلَى الرُّومَانِيِّينَ. فَحَقَّقُوا فِي مَوْضُوعِي وَأَرَادُوا أَنْ يُطْلِقُوا سَرَاحِي، لِأَنِّي غَيْرُ مُذْنِبٍ بِأَيِّ جَرِيمَةٍ تَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ. لَكِنَّ الْيَهُودَ عَارَضُوا، فَاضْطُرِرْتُ أَنْ أَرْفَعَ قَضِيَّتِي إِلَى قَيْصَرَ. لَكِنَّ هَذَا لَا يَعْنِي أَنِّي أَشْكُو أُمَّتِي. فَلِهَذَا السَّبَبِ طَلَبْتُ أَنْ أَرَاكُمْ وَأُكَلِّمَكُمْ. أَنَا مُقَيَّدٌ بِهَذِهِ السِّلْسِلَةِ بِسَبَبِ رَجَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.“ فَأَجَابُوهُ: ”نَحْنُ لَمْ تَصِلْنَا أَيَّةُ رَسَائِلَ مِنْ مِنْطَقَةِ يَهُوذَا بِشَأْنِكَ، وَالْإِخْوَةُ الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ هُنَاكَ لَمْ يُخْبِرُونَا بِشَيْءٍ رَدِيءٍ عَنْكَ. لَكِنَّنَا نُرِيدُ أَنْ نَسْمَعَ آرَاءَكَ، لِأَنَّ النَّاسَ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَقُولُونَ أَشْيَاءَ ضِدَّ هَذَا الْمَذْهَبِ.“ وَاتَّفَقُوا أَنْ يُقَابِلُوا بُولُسَ فِي يَوْمٍ مُحَدَّدٍ، وَجَاءُوا إِلَى مَنْزِلِهِ وَمَعَهُمْ آخَرُونَ كَثِيرُونَ. فَحَدَّثَهُمْ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الْمَسَاءِ وَشَرَحَ لَهُمْ حَقَائِقَ مَمْلَكَةِ اللهِ، وَحَاوَلَ أَنْ يُقْنِعَهُمْ بِرِسَالَةِ عِيسَـى، مُسْتَخْدِمًا تَوْرَاةَ مُوسَى وَصُحُفَ الْأَنْبِيَاءِ. فَاقْتَنَعَ بَعْضُهُمْ بِكَلَامِهِ، وَرَفَضَ الْبَعْضُ الْآخَرُ أَنْ يُؤْمِنَ. فَاخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَأَخَذُوا يَنْصَرِفُونَ بَعْدَمَا قَالَ بُولُسُ لَهُمْ: ”صَدَقَ الرُّوحُ الْقُدُّوسُ لَمَّا قَالَ لِآبَائِكُمْ بِلِسَانِ النَّبِيِّ إِشَعْيَا: ’اِذْهَبْ إِلَى هَذَا الشَّعْبِ وَقُلْ: ”مَهْمَا سَمِعْتُمْ لَا تَفْهَمُونَ، وَمَهْمَا نَظَرْتُمْ لَا تَرَوْنَ. لِأَنَّ قَلْبَ هَذَا الشَّعْبِ تَقَسَّى، وَآذَانَهُمْ ثَقُلَتْ عَنِ السَّمْعِ، وَأَغْمَضُوا عُيُونَهُمْ، لِئَلَّا يَرَوْا بِعُيُونِهِمْ، وَيَسْمَعُوا بِآذَانِهِمْ، وَيَفْهَمُوا بِقُلُوبِهِمْ، فَيَرْجِعُوا إِلَيَّ فَأَشْفِيَهُمْ.“‘ لِذَلِكَ أُرِيدُ أَنْ تَعْرِفُوا أَنَّ اللهَ أَرْسَلَ نَجَاتَهُ إِلَى غَيْرِ الْيَهُودِ، وَهُمْ سَيَسْمَعُونَ.“ وَبَعْدَمَا قَالَ هَذَا، خَرَجَ الْيَهُودُ مِنْ عِنْدِهِ وَهُمْ فِي مُنَاقَشَاتٍ حَادَّةٍ. وَأَقَامَ بُولُسُ سَنَتَيْنِ كَامِلَتَيْنِ فِي مَنْزِلِهِ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ، وَكَانَ يُرَحِّبُ بِكُلِّ مَنْ يَأْتِي إِلَيْهِ لِيَزُورَهُ. وَكَانَ يُعْلِنُ بُشْرَى قِيَامِ مَمْلَكَةِ اللهِ بِجَرَاءَةٍ وَبِلَا مُعَطِّلٍ، وَيُعَلِّمُ النَّاسَ عَنْ سَيِّدِنَا عِيسَـى الْمَسِيحِ. مِنْ: بُولُسَ عَبْدِ الْمَسِيحِ عِيسَى. إِنَّ اللهَ دَعَانِي لِأَكُونَ رَسُولًا، وَاخْتَارَنِي لِأُنَادِيَ بِالْبُشْرَى. هَذِهِ هِيَ الْبُشْرَى الَّتِي وَعَدَ بِهَا مِنْ قَبْلُ بِوَاسِطَةِ أَنْبِيَائِهِ، كَمَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ. وَهِيَ عَنِ ابْنِهِ عِيسَى الْمَسِيحِ مَوْلَانَا. فَهُوَ كَإِنْسَانٍ، وُلِدَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ، وَلَكِنَّهُ بِالرُّوحِ الْقُدُّوسِ، تَبَرْهَنَ بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ أَنَّهُ ابْنُ اللهِ وَذَلِكَ بِقِيَامَتِهِ مِنَ الْمَوْتِ. إِنَّهُ بِوَاسِطَةِ عِيسَى الْمَسِيحِ، وَمِنْ أَجْلِ اسْمِهِ، نِلْتُ نِعْمَةً لِأَكُونَ رَسُولًا لِأَدْعُوَ النَّاسَ مِنْ كُلِّ الشُّعُوبِ، إِلَى الطَّاعَةِ وَالْإِيمَانِ. وَأَنْتُمْ أَيْضًا مِنْ ضِمْنِهِمْ، لِأَنَّ اللهَ دَعَاكُمْ لِتَكُونُوا لِعِيسَى الْمَسِيحِ. وَأَنَا أَكْتُبُ لَكُمْ أَنْتُمْ كُلُّكُمُ الَّذِينَ فِي رُومَا، الَّذِينَ يُحِبُّكُمُ اللهُ وَدَعَاكُمْ لِتَكُونُوا شَعْبَهُ الْخَاصَّ. عَلَيْكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلَامُ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَعِيسَى الْمَسِيحِ مَوْلَانَا. أَوَّلُ كُلِّ شَيْءٍ، أَشْكُرُ إِلَهِي بِوَاسِطَةِ عِيسَى الْمَسِيحِ مِنْ أَجْلِكُمْ جَمِيعًا، لِأَنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ يَتَحَدَّثُ عَنْ إِيمَانِكُمْ. وَإِنَّ اللهَ الَّذِي أَعْبُدُهُ مِنْ كُلِّ قَلْبِي، وَأُبَشِّرُ بِإِنْجِيلِ ابْنِهِ، يَشْهَدُ لِي أَنِّي أَذْكُرُكُمْ دَائِمًا فِي دُعَائِي، وَأَسْأَلُهُ أَنْ أَتَمَكَّنَ بِمَشِيئَةِ اللهِ مِنْ أَنْ أَحْضُرَ لِزِيَارَتِكُمْ فِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ. لِأَنِّي مُشْتَاقٌ جِدًّا أَنْ أَرَاكُمْ لِكَيْ أُعْطِيَكُمْ بَرَكَةً رُوحِيَّةً لِتَقْوِيَتِكُمْ. أَيْ أَنَّنَا نُشَجِّعُ بَعْضُنَا بَعْضًا وَأَنَا عِنْدَكُمْ، فَأَنَا أَتَشَجَّعُ بِإِيمَانِكُمْ، وَأَنْتُمْ بِإِيمَانِي. وَأُرِيدُكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا يَا إِخْوَتِي، أَنِّي قَصَدْتُ عِدَّةَ مَرَّاتٍ أَنْ أَزُورَكُمْ، وَلَكِنِّي مُنِعْتُ لِحَدِّ الْآنَ. إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تُثْمِرَ خِدْمَتِي عِنْدَكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا، كَمَا أَثْمَرَتْ بَيْنَ الشُّعُوبِ الْأُخْرَى. لِأَنَّ عَلَيَّ وَاجِبًا نَحْوَ كُلِّ الشُّعُوبِ: الْمُتَحَضِّرَةِ وَغَيْرِ الْمُتَحَضِّرَةِ، الْمُثَقَّفَةِ وَغَيْرِ الْمُثَقَّفَةِ عَلَى السَّوَاءِ. هَذَا هُوَ السَّبَبُ أَنِّي أَرْغَبُ جِدًّا فِي أَنْ أُبَشِّرَكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا الَّذِينَ فِي رُومَا. أَنَا أَفْتَخِرُ بِرِسَالَةِ الْإِنْجِيلِ، لِأَنَّهَا الْقُوَّةُ الَّتِي يَسْتَخْدِمُهَا اللهُ لِإِنْقَاذِ كُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ، سَوَاءٌ يَهُودٌ أَمْ غَيْرُ يَهُودٍ. لِأَنَّ اللهَ أَعْلَنَ فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ كَيْفَ يَعْتَبِرُنَا صَالِحِينَ، وَذَلِكَ بِالْإِيمَانِ أَوَّلًا وَأَخِيرًا. كَمَا يَقُولُ الْكِتَابُ: ”الصَّالِحُ بِوَاسِطَةِ الْإِيمَانِ يَحْيَا.“ إِنَّ غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ مِنْ شَرٍّ وَفَسَادٍ، الَّذِينَ بِفَسَادِهِمْ يَحْجُبُونَ الْحَقَّ. لِأَنَّ كُلَّ مَا يُمْكِنُ لِلْبَشَرِ أَنْ يَعْرِفُوهُ عَنِ اللهِ، هُوَ وَاضِحٌ لَهُمْ لِأَنَّ اللهَ أَوْضَحَهُ لَهُمْ. وَمُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِينَ، فَإِنَّ صِفَاتِ اللهِ الَّتِي لَا تَرَاهَا الْعَيْنُ، أَيْ قُوَّتَهُ الْأَبَدِيَّةَ وَطَبِيعَتَهُ الْإِلَهِيَّةَ، هِيَ ظَاهِرَةٌ بِوُضُوحٍ وَتُدْرِكُهَا الْعُقُولُ مِنْ خِلَالِ مَخْلُوقَاتِهِ. إِذَنْ، هَؤُلَاءِ النَّاسُ هُمْ بِلَا عُذْرٍ. فَهُمْ عَرَفُوا اللهَ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يُمَجِّدُوهُ كَإِلَهٍ وَلَمْ يَحْمَدُوهُ، بَلِ انْحَطَّ فِكْرُهُمْ، وَأَظْلَمَ عَقْلُهُمُ الْغَبِيُّ. يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ، وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ أَغْبِيَاءُ. وَبَدَلًا مِنْ جَلَالِ اللهِ الدَّائِمِ، يَعْبُدُونَ التَّمَاثِيلَ الْمَصْنُوعَةَ عَلَى شَكْلِ الْإِنْسَانِ الْفَانِي، وَالطُّيُورِ، وَالْحَيَوَانَاتِ، وَالزَّوَاحِفِ. لِذَلِكَ تَرَكَهُمُ اللهُ إِلَى شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ لِيَرْتَكِبُوا النَّجَاسَةَ، فَأَهَانُوا أَجْسَامَهُمْ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ. لِأَنَّهُمْ تَبِعُوا الْبَاطِلَ بَدَلًا مِنْ حَقِّ اللهِ، وَاتَّقَوْا وَعَبَدُوا الْمَخْلُوقَ بَدَلًا مِنَ الْخَالِقِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى الْأَبَدِ. آمِينَ. لِذَلِكَ تَرَكَهُمُ اللهُ إِلَى شَهَوَاتٍ فَاضِحَةٍ. فَإِنَّ نِسَاءَهُمُ اسْتَبْدَلْنَ الْعَلَاقَةَ الْجِنْسِيَّةَ الطَّبِيعِيَّةَ بِمُمَارَسَاتٍ غَيْرِ طَبِيعِيَّةٍ. وَكَذَلِكَ الرِّجَالُ، تَرَكُوا الْعَلَاقَةَ الْجِنْسِيَّةَ الطَّبِيعِيَّةَ مَعَ النِّسَاءِ، وَاحْتَرَقُوا بِالشَّهْوَةِ بَعْضُهُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، وَارْتَكَبُوا الْفَحْشَاءَ رِجَالًا مَعَ رِجَالٍ، وَبِذَلِكَ جَلَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمُ الْعِقَابَ الْعَادِلَ لِفِسْقِهِمْ. وَلِأَنَّهُمْ رَفَضُوا أَنْ يَعْرِفُوا اللهَ، فَإِنَّ اللهَ تَرَكَهُمْ إِلَى عُقُولِهِمُ الْفَاسِدَةِ، لِيَعْمَلُوا مَا لَا يَصِحُّ. مَمْلُوءِينَ بِكُلِّ أَنْوَاعِ الشَّرِّ وَالْإِثْمِ وَالطَّمَعِ وَالرَّذِيلَةِ. وَمَمْلُوءِينَ بِالْحَسَدِ وَالْقَتْلِ وَالْخِصَامِ وَالْمَكْرِ وَالسُّوءِ. نَمَّامِينَ، مُفْتَرِينَ، يَكْرَهُونَ اللهَ، شَتَّامِينَ، مُتَكَبِّرِينَ، مُنْتَفِخِينَ، بَارِعِينَ فِي عَمَلِ الشَّرِّ، لَا يُطِيعُونَ الْوَالِدَيْنِ، بِلَا فَهْمٍ وَلَا شَرَفٍ وَلَا حَنَانٍ وَلَا رَحْمَةٍ. وَمَعَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ جَيِّدًا أَنَّ اللهَ حَكَمَ بِالْمَوْتِ عَلَى مَنْ يَعْمَلُ هَذِهِ الْأَعْمَالَ، فَهُمْ يَعْمَلُونَهَا وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ يَمْدَحُونَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَهَا. فَأَنْتَ يَا مَنْ تَحْكُمُ عَلَى الْآخَرِينَ وَفِي نَفْسِ الْوَقْتِ تَعْمَلُ أَعْمَالَهُمْ، أَنْتَ بِلَا عُذْرٍ، مَهْمَا كُنْتَ. لِأَنَّكَ عِنْدَمَا تَحْكُمُ عَلَيْهِمْ، تَحْكُمُ عَلَى نَفْسِكَ أَيْضًا. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ اللهَ يُعَاقِبُ بِالْعَدْلِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ هَذِهِ الْأَعْمَالَ. فَهَلْ تَظُنُّ يَا مَنْ تَحْكُمُ عَلَى الْآخَرِينَ وَتَعْمَلُ أَعْمَالَهُمْ، أَنَّكَ تَهْرُبُ مِنْ عِقَابِ اللهِ؟ أَمْ أَنَّكَ تَسْتَهِينُ بِلُطْفِهِ الْعَظِيمِ وَصَبْرِهِ وَاحْتِمَالِهِ؟ أَلَا تَعْلَمُ أَنَّ الْقَصْدَ مِنْ لُطْفِ اللهِ هُوَ أَنْ يَقُودَكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟ لَكِنَّكَ عَنِيدٌ وَقَلْبَكَ قَاسٍ، فَأَنْتَ تَخْزِنُ لِنَفْسِكَ عِقَابًا أَفْظَعَ يَحِلُّ عَلَيْكَ يَوْمَ يُعْلِنُ اللهُ غَضَبَهُ وَعِقَابَهُ الْعَادِلَ. لِأَنَّ اللهَ سَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِهِ. فَمِنْ نَاحِيَةٍ: الَّذِينَ بِالْمُثَابَرَةِ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ، يَسْعَوْنَ إِلَى الْجَلَالِ وَالْكَرَامَةِ وَالْحَيَاةِ الْبَاقِيَةِ، يُعْطِيهِمْ حَيَاةَ الْخُلُودِ. وَمِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى: يَصُبُّ غَضَبَهُ وَغَيْظَهُ عَلَى الْأَنَانِيِّينَ وَالَّذِينَ يَرْفُضُونَ الْحَقَّ وَيَتْبَعُونَ الْبَاطِلَ. فَالْوَيْلُ وَالْعَذَابُ لِكُلِّ مَنْ يَعْمَلُ الشَّرَّ، لِلْيَهُودِ ثُمَّ أَيْضًا لِغَيْرِ الْيَهُودِ. وَالْجَلَالُ وَالْكَرَامَةُ وَالسَّلَامُ لِكُلِّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَيْرَ، لِلْيَهُودِ ثُمَّ أَيْضًا لِغَيْرِ الْيَهُودِ. لِأَنَّ اللهَ لَا يَتَحَيَّزُ لِأَحَدٍ. فَالَّذِينَ لَيْسَ عِنْدَهُمْ شَرِيعَةُ مُوسَى وَيُخْطِئُونَ، يَهْلِكُونَ حَتَّى بِدُونِهَا. وَالَّذِينَ عِنْدَهُمْ شَرِيعَةُ مُوسَى وَيُخْطِئُونَ، يُحْكَمُ عَلَيْهِمْ بِمُوجِبِهَا. فَلَيْسَ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَى تِلَاوَةِ الشَّرِيعَةِ هُوَ الَّذِي يُعْتَبَرُ صَالِحًا عِنْدَ اللهِ. بَلْ مَنْ يُطِيعُ الشَّرِيعَةَ كُلَّهَا. فَغَيْرُ الْيَهُودِ لَيْسَ عِنْدَهُمْ شَرِيعَةُ مُوسَى، لَكِنْ مَتَى عَمِلُوا بِالْفِطْرَةِ مَا تَأْمُرُ بِهِ الشَّرِيعَةُ، فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَيْسَ عِنْدَهُمُ الشَّرِيعَةُ، يَكُونُونَ شَرِيعَةً لِأَنْفُسِهِمْ. وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ مَا تَأْمُرُ بِهِ الشَّرِيعَةُ مَوْجُودٌ فِي قُلُوبِهِمْ. فَإِنَّ ضَمَائِرَهُمْ تُحَدِّثُهُمْ بِذَلِكَ، وَأَفْكَارَهُمُ الدَّاخِلِيَّةَ تُخْبِرُهُمْ مَتَى عَمِلُوا الْخَطَأَ وَمَتَى عَمِلُوا الصَّوَابَ. وَكُلُّ هَذَا يُؤْخَذُ فِي الِاعْتِبَارِ يَوْمَ يُحَاكِمُ اللهُ أَسْرَارَ النَّاسِ بِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ عِيسَى. فَالْإِنْجِيلُ الَّذِي أُنَادِي بِهِ يُقَرِّرُ هَذَا. وَالْآنَ، أَنْتَ تُسَمِّي نَفْسَكَ يَهُودِيًّا، وَتَتَّكِلُ عَلَى الشَّرِيعَةِ، وَتَفْتَخِرُ بِاللهِ. أَنْتَ تَعْرِفُ الشَّرِيعَةَ، وَلِذَلِكَ تَفْهَمُ مَشِيئَةَ اللهِ وَتَعْرِفُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. وَأَنْتَ تَعْتَقِدُ أَنَّكَ قَائِدٌ لِلْعُمْيَانِ، وَنُورٌ لِمَنْ هُمْ فِي الظَّلَامِ، وَمُهَذِّبٌ لِلْأَغْبِيَاءِ، وَمُعَلِّمٌ لِلْجُهَلَاءِ، وَأَنَّكَ بَلَغْتَ ذُرْوَةَ الْمَعْرِفَةِ وَالْحَقِّ لِأَنَّ عِنْدَكَ الشَّرِيعَةَ. مَهْلًا، أَنْتَ يَا مَنْ تُعَلِّمُ الْآخَرِينَ، لِمَاذَا لَا تُعَلِّمُ نَفْسَكَ؟ أَنْتَ تُنَادِي وَتَقُولُ: ”لَا تَسْرِقُوا“، فَهَلْ يَصِحُّ أَنَّكَ تَسْرِقُ؟ أَنْتَ تَقُولُ: ”لَا تَزْنُوا“، فَهَلْ يَصِحُّ أَنَّكَ تَزْنِي؟ أَنْتَ تَكْرَهُ الْأَصْنَامَ، فَهَلْ يَصِحُّ أَنَّكَ تَنْهَبُ بَيْتَ اللهِ؟ أَنْتَ تَتَبَاهَى بِالشَّرِيعَةِ، فَهَلْ يَصِحُّ أَنَّكَ تُهِينُ اللهَ بِأَنْ تَعْصَى الشَّرِيعَةَ؟ فَإِنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ: ”بِسَبَبِكُمْ أَنْتُمْ أَيُّهَا الْيَهُودُ، يَكْفُرُ الْأَجَانِبُ بِاسْمِ اللهِ تَعَالَى.“ فَإِذَا كُنْتَ تَعْمَلُ بِأَوَامِرِ الشَّرِيعَةِ، يَكُونُ لِخِتَانِكَ قِيمَةٌ. أَمَّا إِذَا كُنْتَ تُخَالِفُ الشَّرِيعَةَ، فَخِتَانُكَ هُوَ بِلَا مَعْنًى. وَمِنَ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى، إِنْ كَانَ وَاحِدٌ مِنْ غَيْرِ الْمَخْتُونِينَ يَعْمَلُ بِفَرَائِضِ الشَّرِيعَةِ، أَلَا يَعْتَبِرُهُ اللهُ كَأَنَّهُ مَخْتُونٌ؟ فَغَيْرُ الْمَخْتُونِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِفَرَائِضِ الشَّرِيعَةِ يَحْكُمُونَ عَلَيْكُمْ أَنْتُمُ الْيَهُودَ الَّذِينَ تُخَالِفُونَ الشَّرِيعَةَ مَعَ أَنَّهَا مَكْتُوبَةٌ عِنْدَكُمْ وَمَعَ أَنَّكُمْ مَخْتُونُونَ. لِأَنَّ الْيَهُودِيَّ الْحَقِيقِيَّ لَيْسَ هُوَ الْيَهُودِيَّ حَسَبَ الظَّاهِرِ. وَالْخِتَانَ الْحَقِيقِيَّ لَيْسَ هُوَ مُجَرَّدَ عَلَامَةٍ خَارِجِيَّةٍ فِي الْجِسْمِ، بَلِ الْيَهُودِيُّ الْحَقِيقِيُّ هُوَ الْيَهُودِيُّ فِي الْقَلْبِ، وَالْخِتَانُ الْحَقِيقِيُّ هُوَ خِتَانُ الْقَلْبِ، أَيِ الْخِتَانُ الرُّوحِيُّ لَا الْحَرْفِيُّ. وَهَذَا الشَّخْصُ رُبَّمَا لَا يَمْدَحُهُ النَّاسُ، لَكِنَّ اللهَ يَمْدَحُهُ. إِذَنْ هَلْ كَانَ لِلْيَهُودِ امْتِيَازٌ عَلَى غَيْرِهِمْ؟ وَهَلْ كَانَ لِعَهْدِ الْخِتَانِ فَائِدَةٌ؟ نَعَمْ، اِمْتِيَازَاتٌ وَفَوَائِدُ كَثِيرَةٌ، أَهَمُّهَا أَنَّ اللهَ اسْتَأْمَنَهُمْ عَلَى كَلَامِهِ. لَكِنْ مَاذَا لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ غَيْرَ أَمِينٍ؟ هَلْ هَذَا يُلْغِي وَفَاءَ اللهِ؟ طَبْعًا لَا. صَدَقَ اللهُ وَلَوْ كَذَبَ كُلُّ النَّاسِ. فَالْكِتَابُ يَقُولُ: ”اللَّهُمَّ، أَنْتَ صَادِقٌ فِي كَلَامِكَ، وَمَتَى حَكَمْتَ تَغْلِبُ.“ فَإِنْ كَانَ شَرُّنَا يُبَيِّنُ أَنَّ اللهَ بَارٌّ، فَهَلْ يَصِحُّ أَنْ نَقُولَ إِنَّ اللهَ غَيْرُ عَادِلٍ لِأَنَّهُ يُعَاقِبُنَا؟ هَذَا سُؤَالٌ بِحَسَبِ تَفْكِيرِ النَّاسِ، وَالْجَوَابُ هُوَ: طَبْعًا لَا. لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ اللهُ غَيْرَ عَادِلٍ فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هُوَ دَيَّانَ الْعَالَمِ؟ رُبَّمَا تَقُولُ: ”إِنْ كَانَ بِسَبَبِ كِذْبِي يَظْهَرُ صِدْقُ اللهِ بِوُضُوحٍ، وَيَعُودُ هَذَا عَلَيْهِ بِالْجَلَالِ، فَلِمَاذَا يُعَاقِبُنِي كَمُذْنِبٍ؟“ أَوْ: ”لِمَاذَا لَا نَعْمَلُ الشَّرَّ لِكَيْ يَأْتِيَ مِنْهُ الْخَيْرُ؟“ بَعْضُ النَّاسِ يَفْتَرُونَ عَلَيَّ وَيَزْعُمُونَ أَنِّي أَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ. هَؤُلَاءِ سَيَحِلُّ عَلَيْهِمُ الْعِقَابُ الْعَادِلُ. إِذَنْ، فَهَلْ نَحْنُ الْيَهُودُ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ غَيْرِنَا؟ لَا، أَبَدًا. فَإِنِّي قَدْ أَوْضَحْتُ أَنَّ الْيَهُودَ وَغَيْرَ الْيَهُودِ عَلَى السَّوَاءِ هُمْ عَبِيدٌ لِلْخَطِيئَةِ. كَمَا يَقُولُ الْكِتَابُ: ”لَا يُوجَدُ أَحَدٌ صَالِحٌ أَبَدًا، وَلَا وَاحِدٌ يَفْهَمُ، وَلَا وَاحِدٌ يَطْلُبُ اللهَ، كُلُّهُمْ ضَلُّوا، كُلُّهُمْ فَسَدُوا، وَلَا وَاحِدٌ يَعْمَلُ الصَّلَاحَ، وَلَا حَتَّى وَاحِدٌ. حَنَاجِرُهُمْ قُبُورٌ مَفْتُوحَةٌ، أَلْسِنَتُهُمْ خَادِعَةٌ، شِفَاهُهُمْ تَحْتَهَا سِمُّ الثَّعَابِينِ، أَفْوَاهُهُمْ مَمْلُوءَةٌ بِاللَّعْنِ وَالْكَلَامِ الْمُرِّ، أَرْجُلُهُمْ تُسْرِعُ إِلَى سَفْكِ الدَّمِ، يَنْشُرُونَ الْخَرَابَ وَالشَّقَاءَ فِي الطُّرُقِ الَّتِي يَسِيرُونَ فِيهَا، أَمَّا طَرِيقُ السَّلَامِ فَلَا يَعْرِفُونَهُ، وَلَا يَخْطُرُ عَلَى بَالِهِمْ أَنْ يَتَّقُوا اللهَ.“ وَنَحْنُ نَعْرِفُ أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الشَّرِيعَةِ يَسْرِي عَلَى الَّذِينَ عِنْدَهُمُ الشَّرِيعَةُ. وَبِذَلِكَ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ عُذْرٌ، بَلْ يَكُونُ كُلُّ الْعَالَمِ وَاقِعًا تَحْتَ قَصَاصِ اللهِ. لِأَنَّ فَرَائِضَ الشَّرِيعَةِ لَا تَجْعَلُ أَيَّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ صَالِحًا عِنْدَ اللهِ، بَلْ تُعَرِّفُنَا مَا هِيَ الْخَطِيئَةُ. وَلَكِنِ الْآنَ أَظْهَرَ اللهُ كَيْفَ يَعْتَبِرُنَا صَالِحِينَ عِنْدَهُ بِدُونِ الشَّرِيعَةِ، كَمَا قَالَتْ تَوْرَاةُ مُوسَى وَصُحُفُ الْأَنْبِيَاءِ. إِنَّ اللهَ يَعْتَبِرُنَا صَالِحِينَ عِنْدَهُ بِوَاسِطَةِ الْإِيمَانِ بِعِيسَى الْمَسِيحِ. وَهَذَا مُمْكِنٌ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ، الْجَمِيعُ بِلَا فَرْقٍ. لِأَنَّ الْجَمِيعَ أَخْطَأُوا وَلَمْ يَبْلُغُوا إِلَى مَا يُمَجِّدُ اللهَ. لَكِنَّ اللهَ يَعْتَبِرُهُمْ صَالِحِينَ مَجَّانًا بِفَضْلٍ مِنْهُ، بِوَاسِطَةِ الْفِدَاءِ الَّذِي بِالْمَسِيحِ عِيسَى. فَإِنَّ اللهَ قَدَّمَهُ ضَحِيَّةً لِيُكَفِّرَ عَنْ ذُنُوبِنَا بِدَمِهِ، إِذَا آمَنَّا بِهِ. وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ اللهَ بَارٌّ، لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ صَبَرَ فِي الْمَاضِي عَلَى ذُنُوبِ النَّاسِ وَلَمْ يُعَاقِبْهُمْ عَلَيْهَا. كَمَا أَنَّ هَذَا يُبَيِّنُ أَيْضًا فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ أَنَّ اللهَ بَارٌّ، لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِعِيسَى صَالِحًا، وَهَذَا دَلِيلٌ فِعْلًا عَلَى أَنَّ اللهَ بَارٌّ. فَهَلْ يَصِحُّ أَنْ نَتَبَاهَى بِشَيْءٍ؟ لَا! لَا يُوجَدُ مَكَانٌ لِلتَّبَاهِي! لِمَاذَا؟ هَلْ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ هِيَ الْمُهِمَّةُ؟ لَا، بَلْ لِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْمُهِمُّ! فَإِنَّ النَّتِيجَةَ الَّتِي تَوَصَّلْنَا إِلَيْهَا هِيَ أَنَّ اللهَ يَعْتَبِرُ الشَّخْصَ صَالِحًا لِإِيمَانِهِ لَا لِأَنَّهُ يَعْمَلُ بِفَرَائِضِ الشَّرِيعَةِ. وَإِلَّا يَكُونُ اللهُ هُوَ إِلَهَ الْيَهُودِ وَحْدَهُمْ. أَلَيْسَ هُوَ إِلَهَ كُلِّ الشُّعُوبِ أَيْضًا؟ بِالتَّأْكِيدِ، هُوَ إِلَهُ كُلِّ الشُّعُوبِ. لِأَنَّ اللهَ وَاحِدٌ، وَهُوَ يَعْتَبِرُ الْيَهُودَ صَالِحِينَ بِوَاسِطَةِ الْإِيمَانِ، وَكَذَلِكَ غَيْرَ الْيَهُودِ بِوَاسِطَةِ نَفْسِ هَذَا الْإِيمَانِ. فَهَلْ هَذَا يَعْنِي أَنَّنَا نُلْغِي الشَّرِيعَةَ بِالْإِيمَانِ؟ لَا سَمَحَ اللهُ! بَلْ إِنَّنَا نُسَانِدُ الشَّرِيعَةَ. وَهُنَا نَسْأَلُ: مَاذَا اكْتَشَفَ أَبُونَا إِبْرَاهِيمُ بِهَذَا الشَّأْنِ؟ لَوْ كَانَ اللهُ قَدِ اعْتَبَرَ إِبْرَاهِيمَ صَالِحًا بِسَبَبِ أَعْمَالِهِ، لَكَانَ مِنْ حَقِّ إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَتَبَاهَى، لَكِنْ لَيْسَ أَمَامَ اللهِ. فَمَاذَا يَقُولُ الْكِتَابُ؟ إِنَّهُ يَقُولُ: ”آمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللهِ، فَاعْتَبَرَهُ لَهُ صَلَاحًا.“ فَالشَّخْصُ الَّذِي يَشْتَغِلُ يَحْصُلُ عَلَى أَجْرٍ، وَهَذَا الْأَجْرُ لَا يُعْتَبَرُ هَدِيَّةً، بَلْ هُوَ أَجْرُهُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ. أَمَّا الشَّخْصُ الَّذِي لَا يَتَّكِلُ عَلَى أَعْمَالِهِ، بَلْ يُؤْمِنُ بِاللهِ الَّذِي يُبْرِئُ الْمُذْنِبَ، فَهَذَا الْإِيمَانُ هُوَ الَّذِي يَعْتَبِرُهُ اللهُ صَلَاحًا. وَهَذَا هُوَ نَفْسُ مَا قَالَهُ دَاوُدُ لَمَّا تَحَدَّثَ عَنْ هَنَاءِ الْإِنْسَانِ الَّذِي يَعْتَبِرُهُ اللهُ صَالِحًا بِصَرْفِ النَّظَرِ عَنْ أَعْمَالِهِ، فَقَالَ: ”هَنِيئًا لِمَنْ يَغْفِرُ اللهُ لَهُ ذُنُوبَهُ، وَيُسَامِحُهُ عَلَى خَطَايَاهُ. هَنِيئًا لِمَنْ لَا يَحْسِبُ اللهُ لَهُ خَطِيئَةً.“ فَهَلْ هَذَا الْهَنَاءُ هُوَ لِلْمَخْتُونِينَ وَحْدَهُمْ؟ لَا، بَلْ لِغَيْرِ الْمَخْتُونِينَ أَيْضًا. لِأَنَّنَا ذَكَرْنَا مَا قَالَهُ الْكِتَابُ إِنَّ اللهَ اعْتَبَرَ إِيمَانَ إِبْرَاهِيمَ صَلَاحًا. وَمَتَى تَمَّ ذَلِكَ؟ فِي أَيِّ حَالَةٍ كَانَ إِبْرَاهِيمُ؟ هَلْ كَانَ مَخْتُونًا أَمْ غَيْرَ مَخْتُونٍ؟ الْجَوَابُ هُوَ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ غَيْرَ مَخْتُونٍ. وَقَدْ خُتِنَ بَعْدَ ذَلِكَ، كَعَلَامَةٍ وَبُرْهَانٍ أَنَّ اللهَ اعْتَبَرَ إِيمَانَهُ صَلَاحًا وَهُوَ غَيْرُ مَخْتُونٍ. إِذَنْ، إِبْرَاهِيمُ هُوَ أَبُو كُلِّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ غَيْرِ الْمَخْتُونِينَ، الَّذِينَ يَعْتَبِرُهُمُ اللهُ صَالِحِينَ. وَأَيْضًا أَبُو الْمَخْتُونِينَ الَّذِينَ لَا يَتَّكِلُونَ عَلَى الْخِتَانِ، بَلْ يَسِيرُونَ فِي خُطَى الْإِيمَانِ الَّذِي سَارَ فِيهِ أَبُونَا إِبْرَاهِيمُ حَتَّى مِنْ قَبْلِ أَنْ يُخْتَنَ. وَلَمَّا وَعَدَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ وَنَسْلَهُ بِأَنْ يُعْطِيَهُمُ الْعَالَمَ نَصِيبًا، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى أَسَاسِ الْعَمَلِ بِالشَّرِيعَةِ، بَلْ عَلَى أَسَاسِ الصَّلَاحِ الَّذِي يَأْتِي عَنِ الْإِيمَانِ. فَلَوْ كَانَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِفَرَائِضِ الشَّرِيعَةِ هُمُ الَّذِينَ يَنَالُونَ هَذَا النَّصِيبَ، إِذَنْ يَكُونُ الْإِيمَانُ عَدِيمَ الْأَهَمِّيَّةِ وَالْوَعْدُ بِلَا قِيمَةٍ. لِأَنَّ الشَّرِيعَةَ تَجْلِبُ غَضَبَ اللهِ عَلَى مَنْ يُخَالِفُهَا. وَحَيْثُ لَا تُوجَدُ شَرِيعَةٌ، لَا تُوجَدُ مُخَالَفَةٌ. فَالْوَعْدُ إِذَنْ يَأْتِي بِالْإِيمَانِ لِكَيْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ هَدِيَّةٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَيَكُونَ مَضْمُونًا لِجَمِيعِ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ، لَيْسَ فَقَطِ الَّذِينَ يَعِيشُونَ حَسَبَ الشَّرِيعَةِ، بَلْ أَيْضًا الَّذِينَ يَعِيشُونَ بِالْإِيمَانِ مِثْلَ إِبْرَاهِيمَ. فَإِنَّهُ هُوَ أَبُونَا كُلِّنَا، كَمَا يَقُولُ الْكِتَابُ: ”إِنِّي جَعَلْتُكَ أَبًا لِشُعُوبٍ كَثِيرَةٍ.“ فَهُوَ أَبُونَا فِي نَظَرِ اللهِ الَّذِي آمَنَ بِهِ، وَالَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى، وَالَّذِي بِأَمْرِهِ يَجْعَلُ مَا هُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ يَأْتِي إِلَى الْوُجُودِ. فَمَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَمَلٌ، إِلَّا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ عِنْدَهُ أَمَلٌ وَآمَنَ. وَبِذَلِكَ أَصْبَحَ أَبًا لِشُعُوبٍ كَثِيرَةٍ كَمَا قَالَ لَهُ اللهُ: ”يَكُونُ نَسْلُكَ كَثِيرًا جِدًّا.“ وَلَمْ يَضْعُفْ إِيمَانُهُ، فَمَعَ أَنَّ عُمْرَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ حَوَالَيْ 100 سَنَةٍ، وَكَانَ يَعْرِفُ أَنَّ جِسْمَهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الْإِنْجَابِ، وَأَنَّ سَارَةَ أَيْضًا لَا تَقْدِرُ أَنْ تُنْجِبَ أَطْفَالًا، لَمْ يَضْعُفْ إِيمَانُهُ أَبَدًا، وَلَمْ يَشُكَّ فِي وَعْدِ اللهِ، بَلْ تَقَوَّى فِي إِيمَانِهِ، وَأَعْطَى الْمَجْدَ للهِ. لَقَدْ كَانَ مُتَأَكِّدًا جِدًّا أَنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يَفِيَ بِوَعْدِهِ. هَذَا هُوَ الْإِيمَانُ الَّذِي اعْتَبَرَهُ اللهُ لَهُ صَلَاحًا. وَالْوَحْيُ عِنْدَمَا يَقُولُ إِنَّ اللهَ اعْتَبَرَهُ صَالِحًا، لَا يَقُولُ ذَلِكَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَحْدَهُ، بَلْ بِالنِّسْبَةِ لَنَا أَيْضًا. فَإِنَّ اللهَ يَعْتَبِرُنَا صَالِحِينَ، نَحْنُ الَّذِينَ نُؤْمِنُ بِاللهِ الَّذِي أَقَامَ سَيِّدَنَا عِيسَى مِنَ الْمَوْتِ. لِأَنَّ اللهَ قَدَّمَهُ إِلَى الْمَوْتِ بِسَبَبِ ذُنُوبِنَا، وَأَقَامَهُ إِلَى الْحَيَاةِ لِيَعْتَبِرَنَا صَالِحِينَ عِنْدَهُ. وَبِمَا أَنَّ اللهَ اعْتَبَرَنَا صَالِحِينَ بِوَاسِطَةِ الْإِيمَانِ، فَنَحْنُ فِي سَلَامٍ مَعَهُ بِمَوْلَانَا عِيسَى الْمَسِيحِ. وَبِوَاسِطَةِ الْإِيمَانِ أَيْضًا، أَدْخَلَنَا إِلَى دَائِرَةِ نِعْمَتِهِ الَّتِي نُقِيمُ فِيهَا الْآنَ، وَنَفْرَحُ بِالْأَمَلِ الَّذِي عِنْدَنَا أَنَّنَا سَنَتَمَتَّعُ بِجَلَالِ اللهِ. بَلْ نَفْرَحُ حَتَّى فِي الضِّيقَاتِ، لِأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ الضِّيقَ يُعَلِّمُنَا الصَّبْرَ، وَالصَّبْرُ يُؤَهِّلُنَا لِلِانْتِصَارِ فِي الْمِحَنِ، وَالِانْتِصَارُ يَبْعَثُ فِينَا الْأَمَلَ، وَالْأَمَلُ لَا يَخِيبُ، لِأَنَّ اللهَ أَفَاضَ مَحَبَّتَهُ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُّوسِ الَّذِي أَعْطَاهُ لَنَا. وَنَحْنُ لَمَّا كُنَّا عَاجِزِينَ، مَاتَ الْمَسِيحُ مِنْ أَجْلِ الْأَشْرَارِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي اخْتَارَهُ اللهُ. لَيْسَ مِنَ السَّهْلِ أَنْ يُضَحِّيَ أَحَدٌ بِنَفْسِهِ وَيَمُوتَ مِنْ أَجْلِ شَخْصٍ صَالِحٍ، رُبَّمَا يَتَجَرَّأُ وَاحِدٌ أَنْ يَمُوتَ مِنْ أَجْلِ إِنْسَانٍ طَيِّبٍ جِدًّا. لَكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لِأَنَّهُ وَنَحْنُ مَا زِلْنَا مُذْنِبِينَ، مَاتَ الْمَسِيحُ مِنْ أَجْلِنَا. وَبِمَا أَنَّ اللهَ اعْتَبَرَنَا صَالِحِينَ بِوَاسِطَةِ دَمِ الْمَسِيحِ الَّذِي ضَحَّى بِهِ مِنْ أَجْلِنَا، إِذَنْ نَحْنُ بِكُلِّ تَأْكِيدٍ نَنْجُو مِنْ غَضَبِ اللهِ بِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ. فَقَدْ كُنَّا أَعْدَاءَ اللهِ، لَكِنَّهُ صَالَحَنَا بِوَاسِطَةِ مَوْتِ ابْنِهِ. إِذَنْ بِكُلِّ تَأْكِيدٍ أَنَّنَا الْآنَ وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ، نَنْجُو بِوَاسِطَةِ حَيَاتِهِ. بَلْ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، نَفْرَحُ بِاللهِ بِوَاسِطَةِ مَوْلَانَا عِيسَى الْمَسِيحِ الَّذِي صَالَحَنَا مَعَهُ. إِنَّ الْخَطِيئَةَ جَاءَتْ إِلَى الْعَالَمِ عَنْ طَرِيقِ إِنْسَانٍ وَاحِدٍ، وَجَلَبَتِ الْخَطِيئَةُ مَعَهَا الْمَوْتَ. لِهَذَا يَمُوتُ كُلُّ النَّاسِ، لِأَنَّهُمْ أَخْطَأُوا كُلُّهُمْ. فَالْخَطِيئَةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْعَالَمِ حَتَّى مِنْ قَبْلِ شَرِيعَةِ مُوسَى، لَكِنَّهَا لَمْ تَكُنْ تُحْسَبُ ضِدَّ النَّاسِ كَخَطِيئَةٍ لِأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ شَرِيعَةٌ. وَمَعَ ذَلِكَ فَمِنْ زَمَنِ آدَمَ إِلَى زَمَنِ مُوسَى، سَيْطَرَ الْمَوْتُ عَلَى النَّاسِ، حَتَّى عَلَى الَّذِينَ لَمْ يُخْطِئُوا بِمُخَالَفَةِ وَصِيَّةٍ مَا، كَمَا أَخْطَأَ آدَمُ. وَآدَمُ كَانَ يَرْمُزُ إِلَى شَخْصٍ سَيَأْتِي بَعْدَهُ. لَكِنَّ هَدِيَّةَ اللهِ تَخْتَلِفُ عَنْ خَطِيئَةِ آدَمَ. فَإِنْ كَانَ الْجِنْسُ الْبَشَرِيُّ يَمُوتُ نَتِيجَةً لِخَطِيئَةِ إِنْسَانٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ نِعْمَةَ اللهِ أَعْظَمُ بِكَثِيرٍ لِأَنَّهَا تُعْطَى لِلْجِنْسِ الْبَشَرِيِّ بِوَفْرَةٍ كَهَدِيَّةٍ مَجَّانِيَّةٍ بِوَاسِطَةِ إِنْسَانٍ وَاحِدٍ هُوَ عِيسَى الْمَسِيحُ. وَهَدِيَّةُ اللهِ تَخْتَلِفُ عَنْ خَطِيئَةِ ذَلِكَ الْإِنْسَانِ الْوَاحِدِ أَيْضًا فِي النَّتَائِجِ. لِأَنَّ تِلْكَ الْخَطِيئَةَ الْوَاحِدَةَ جَلَبَتِ الْهَلَاكَ عَلَى النَّاسِ، أَمَّا النِّعْمَةُ فَتَجْلِبُ لَهُمُ الصَّلَاحَ حَتَّى بَعْدَ ارْتِكَابِ ذُنُوبٍ كَثِيرَةٍ. فَخَطِيئَةُ إِنْسَانٍ وَاحِدٍ جَعَلَتِ الْمَوْتَ يُسَيْطِرُ عَلَى الْبَشَرِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْإِنْسَانِ الْوَاحِدِ. أَمَّا الْآنَ فَالَّذِينَ يَنَالُونَ نِعْمَةَ اللهِ الْوَفِيرَةَ وَعَطِيَّةَ الصَّلَاحِ، بِلَا شَكٍّ يَحْيَوْنَ وَيَمْلِكُونَ بِوَاسِطَةِ إِنْسَانٍ وَاحِدٍ هُوَ عِيسَى الْمَسِيحُ. فَكَمَا أَنَّ خَطِيئَةً وَاحِدَةً جَلَبَتِ الْهَلَاكَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ، فَإِنَّ صَلَاحًا وَاحِدًا يَجْلِبُ الصَّلَاحَ وَالْحَيَاةَ لِجَمِيعِ النَّاسِ. وَكَمَا أَنَّهُ بِمَعْصِيَةِ إِنْسَانٍ وَاحِدٍ صَارَ كُلُّ الْبَشَرِ مُذْنِبِينَ، كَذَلِكَ بِطَاعَةِ إِنْسَانٍ وَاحِدٍ يُمْكِنُ لِكُلِّ الْبَشَرِ أَنْ يُعْتَبَرُوا صَالِحِينَ عِنْدَ اللهِ. وَالشَّرِيعَةُ جَاءَتْ لِتُبَيِّنَ فَظَاعَةَ الْمَعْصِيَةِ. لَكِنْ كُلَّمَا كَثُرَتْ خَطِيئَةُ النَّاسِ، تَزِيدُ نِعْمَةُ اللهِ أَكْثَرَ مِنْهَا. وَالنَّتِيجَةُ هِيَ: كَمَا أَنَّ الْخَطِيئَةَ سَيْطَرَتْ فَجَلَبَتِ الْمَوْتَ، كَذَلِكَ تُسَيْطِرُ النِّعْمَةُ عَنْ طَرِيقِ الصَّلَاحِ فَتَجْلِبُ حَيَاةَ الْخُلُودِ بِوَاسِطَةِ عِيسَى الْمَسِيحِ مَوْلَانَا. فَمَاذَا نَقُولُ إِذَنْ؟ هَلْ نَسْتَمِرُّ فِي ارْتِكَابِ الْخَطِيئَةِ لِكَيْ تَزِيدَ النِّعْمَةُ؟ لَا سَمَحَ اللهُ! نَحْنُ مُتْنَا بِالنِّسْبَةِ لِلْخَطِيئَةِ فَكَيْفَ نَعِيشُ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهَا؟ أَلَا تَعْلَمُونَ أَنَّنَا كُلَّنَا لَمَّا غَطَسْنَا لِنَتَّحِدَ بِالْمَسِيحِ عِيسَى، غَطَسْنَا لِنَشْتَرِكَ مَعَهُ فِي مَوْتِهِ؟ وَهَذَا يَعْنِي أَنَّنَا فِي الْغِطَاسِ، مُتْنَا مَعَهُ وَدُفِنَّا مَعَهُ. فَكَمَا قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الْمَوْتِ بِقُدْرَةِ الْأَبِ وَجَلَالِهِ، نَحْنُ أَيْضًا نَحْيَا حَيَاةً جَدِيدَةً. فَإِنْ كُنَّا قَدِ اتَّحَدْنَا مَعَهُ فِي الْمَوْتِ، أَيْ مُتْنَا كَمَا مَاتَ هُوَ، فَإِنَّنَا بِالتَّأْكِيدِ نَتَّحِدُ مَعَهُ فِي الْقِيَامَةِ، أَيْ نَقُومُ كَمَا قَامَ هُوَ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الطَّبِيعَةَ الْقَدِيمَةَ الَّتِي كَانَتْ فِينَا صُلِبَتْ مَعَ الْمَسِيحِ، لِكَيْ يَبْطُلَ مَفْعُولُ الْخَطِيئَةِ فِي كِيَانِنَا فَلَا نَبْقَى عَبِيدًا لِلْخَطِيئَةِ. لِأَنَّ مَنْ مَاتَ، قَدْ تَحَرَّرَ مِنَ الْخَطِيئَةِ. وَبِمَا أَنَّنَا مُتْنَا مَعَ الْمَسِيحِ، فَنَحْنُ نُؤْمِنُ أَنَّنَا سَنَحْيَا مَعَهُ أَيْضًا. لِأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ الْمَسِيحَ قَامَ مِنَ الْمَوْتِ وَأَنَّهُ لَنْ يَمُوتَ مَرَّةً أُخْرَى. فَالْمَوْتُ لَمْ يَعُدْ لَهُ سُلْطَةٌ عَلَيْهِ. لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ، مَاتَ مِنْ أَجْلِ الْخَطِيئَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَطْ، أَمَّا الْآنَ فَالْحَيَاةُ الَّتِي يَحْيَاهَا هِيَ فِي سَبِيلِ اللهِ. وَبِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ، يَجِبُ أَنْ تَعْتَبِرُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتًا بِالنِّسْبَةِ لِلْخَطِيئَةِ، لَكِنْ أَحْيَاءً فِي سَبِيلِ اللهِ لِأَنَّكُمْ تَنْتَمُونَ إِلَى الْمَسِيحِ عِيسَى. لِهَذَا، لَا تَسْمَحُوا لِلْخَطِيئَةِ بِأَنْ تُسَيْطِرَ فِي جِسْمِكُمُ الْفَانِي، فَتَنْقَادُوا لِشَهَوَاتِهِ. وَلَا تُقَدِّمُوا أَعْضَاءَ جِسْمِكُمْ لِلْخَطِيئَةِ، كَآلَاتٍ لِعَمَلِ الشَّرِّ، بَلْ قَدِّمُوا أَنْفُسَكُمْ للهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّكُمُ الْآنَ أَحْيَاءٌ مِنَ الْمَوْتِ. وَقَدِّمُوا أَعْضَاءَ جِسْمِكُمْ لَهُ، كَآلَاتٍ لِعَمَلِ الصَّلَاحِ. وَبِذَلِكَ لَا يَكُونُ لِلْخَطِيئَةِ سُلْطَةٌ عَلَيْكُمْ، لِأَنَّكُمْ لَسْتُمْ خَاضِعِينَ لِلشَّرِيعَةِ بَلْ لِنِعْمَةِ اللهِ. فَمَاذَا إِذَنْ؟ هَلْ نَعْمَلُ الْخَطِيئَةَ لِأَنَّنَا لَا نَخْضَعُ لِلشَّرِيعَةِ بَلْ لِلنِّعْمَةِ؟ لَا سَمَحَ اللهُ! أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ إِنْ قَدَّمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ لِخِدْمَةِ سَيِّدٍ مَا وَطَاعَتِهِ، فَمَعْنَى هَذَا أَنَّكُمْ عَبِيدٌ لَهُ. فَإِمَّا أَنَّكُمْ عَبِيدٌ لِلْخَطِيئَةِ الَّتِي تَقُودُ إِلَى الْمَوْتِ، أَوْ لِلطَّاعَةِ الَّتِي تَقُودُ إِلَى الصَّلَاحِ. فَأَنْتُمْ فِي الْمَاضِي كُنْتُمْ عَبِيدًا لِلْخَطِيئَةِ، وَلَكِنْ شُكْرًا للهِ، لِأَنَّكُمْ أَطَعْتُمْ مِنَ الْقَلْبِ حَقَائِقَ التَّعْلِيمِ الَّذِي أُعْطِيَ لَكُمْ. فَالْآنَ تَحَرَّرْتُمْ مِنَ الْخَطِيئَةِ، وَصِرْتُمْ عَبِيدَ الصَّلَاحِ. أَنَا أَسْتَعْمِلُ هُنَا تَعْبِيرَاتٍ بَشَرِيَّةً لِأَنِّي عَارِفٌ ضَعْفَكُمُ الْبَشَرِيَّ. فَأَنْتُمْ فِي الْمَاضِي قَدَّمْتُمْ أَعْضَاءَ جِسْمِكُمْ كَعَبِيدٍ لِلنَّجَاسَةِ وَالشَّرِّ الْمُتَزَايِدِ، فَالْآنَ يَجِبُ أَنْ تُقَدِّمُوهَا كَعَبِيدٍ لِلطَّهَارَةِ وَالصَّلَاحِ. وَلَمَّا كُنْتُمْ عَبِيدَ الْخَطِيئَةِ، كُنْتُمْ غَيْرَ مُقَيَّدِينَ بِعَمَلِ الصَّلَاحِ. فَمَاذَا رَبِحْتُمْ مِنْ ذَلِكَ غَيْرَ أُمُورٍ تَخْجَلُونَ مِنْهَا الْآنَ لِأَنَّهَا تَقُودُ إِلَى الْمَوْتِ؟ أَمَّا الْآنَ فَأَنْتُمْ تَحَرَّرْتُمْ مِنَ الْخَطِيئَةِ وَأَصْبَحْتُمْ عَبِيدَ اللهِ. وَالنَّتِيجَةُ هِيَ الْحَيَاةُ الصَّالِحَةُ، ثُمَّ حَيَاةُ الْخُلُودِ. لِأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيئَةِ هِيَ الْمَوْتُ، أَمَّا الْهَدِيَّةُ الَّتِي يُعْطِيهَا اللهُ فَهِيَ حَيَاةُ الْخُلُودِ بِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ عِيسَى مَوْلَانَا. أَيُّهَا الْإِخْوَةُ، أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ الْقَانُونَ، لِذَلِكَ لَا شَكَّ سَتَفْهَمُونَ كَلَامِي. إِنَّ الْقَانُونَ يَسْرِي عَلَى الْإِنْسَانِ وَهُوَ حَيٌّ فَقَطْ. فَمَثَلًا الْمَرْأَةُ الْمُتَزَوِّجَةُ، مُرْتَبِطَةٌ قَانُونِيًّا بِزَوْجِهَا مَا دَامَ حَيًّا. لَكِنْ إِنْ مَاتَ الزَّوْجُ، تَكُونُ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِعَقْدِ الزَّوَاجِ. أَمَّا إِنْ تَزَوَّجَتْ بِرَجُلٍ آخَرَ بَيْنَمَا زَوْجُهَا حَيٌّ، فَهِيَ زَانِيَةٌ. لَكِنْ إِنْ مَاتَ زَوْجُهَا تُصْبِحُ حُرَّةً قَانُونِيًّا، حَتَّى إِنَّهَا إِنْ تَزَوَّجَتْ بِرَجُلٍ آخَرَ لَا تَكُونُ زَانِيَةً. وَنَفْسُ الشَّيْءِ بِالنِّسْبَةِ لَكُمْ يَا إِخْوَتِي، فَأَنْتُمْ كَأَعْضَاءَ فِي جِسْمِ الْمَسِيحِ مُتُّمْ بِالنِّسْـبَةِ لِلشَّـرِيعَةِ لِكَيْ تَنْتَمُوا لِآخَـرَ، أَيْ لِلَّذِي قَامَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَـيَاةِ، فَنَعْمَلَ أَعْمَالًا نَافِعَةً للهِ. فَلَمَّا كُنَّا تَحْـتَ تَصَـرُّفِ الطَّبِيعَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، كَانَتْ مُيُولُنَا الشِّـرِّيرَةُ الَّتِي تُثِيرُهَـا الشَّـرِيعَةُ، تَعْمَلُ فِي كِيَانِنَا كُلِّهِ فَنَعْمَلُ أَعْمَالًا تُؤَدِّي إِلَى الْمَوْتِ. أَمَّا الْآنَ فَقَدْ تَحَـرَّرْنَا مِنَ الشَّـرِيعَةِ، لِأَنَّنَا مُتْنَا بِالنِّسْـبَةِ لِلشَّـيْءِ الَّذِي كَانَ يُقَيِّدُنَا. لِذَلِكَ نَحْـنُ نَعْبُدُ اللهَ بِطَـرِيقَةٍ جَدِيدَةٍ بِالرُّوحِ، وَلَيْسَ بِالطَّـرِيقَةِ الْقَدِيمَةِ حَسَـبَ الْفَرَائِضِ الْمَكْتُوبَةِ. فَمَاذَا نَقُولُ إِذَنْ؟ هَـلْ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الشَّـرِيعَةُ نَفْسُهَا خَطِـيئَةً؟ لَا سَمَحَ اللهُ! بَلِ الشَّـرِيعَةُ هِـيَ الَّتِي جَعَلَتْنِي أَعْرِفُ مَا هِـيَ الْخَطِـيئَةُ. فَمَثَلًا لَوْ لَمْ تَقُلِ الشَّـرِيعَةُ: ”لَا تَشْـتَهِ“ مَا كُنْتُ قَدْ عَرَفْتُ مَا هِـيَ الشَّهْوَةُ. لَكِنَّ الْخَطِـيئَةَ وَجَـدَتْ فُرْصَـةً لِاسْتِخْدَامِ هَذِهِ الْوَصِـيَّةِ، وَأَثَارَتْ فِيَّ كُلَّ أَنْوَاعِ الشَّهْوَةِ. لِأَنَّ الْخَطِـيئَةَ هِيَ بِلَا قُوَّةٍ إِذَا لَمْ تَكُنْ هُـنَاكَ شَـرِيعَةٌ. فَأَنَا قَبْلَ مَا عَرَفْتُ الشَّرِيعَةَ، كُنْتُ حَـيًّا. لَكِنْ لَمَّا جَاءَتْنِي الْوَصِـيَّةُ، بَدَأَتِ الْخَطِـيئَةُ تَحْيَا، وَمُتُّ أَنَا. فَالْوَصِـيَّةُ الَّتِي كَانَ الْمَقْصُـودُ مِنْهَا أَنْ تَجْعَلَنِي أَحْـيَا، هِيَ نَفْسُهَا جَعَلَتْنِي أَمُوتُ. لِأَنَّ الْخَطِـيئَةَ اسْتَخْدَمَتِ الْوَصِيَّةَ كَفُرْصَةٍ لَهَا، وَخَدَعَتْنِي وَمَوَّتَتْنِي. فَالشَّرِيعَةُ إِذَنْ صَالِحَةٌ، وَالْوَصِيَّةُ أَيْضًا صَالِحَةٌ وَعَادِلَةٌ وَطَاهِرَةٌ. فَهَلِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي كَانَ الْمَقْصُودُ بِهَا أَنْ تَكُونَ لِلْخَيْرِ، سَبَّبَتْ لِيَ الْمَوْتَ؟ لَا سَمَحَ اللهُ! بَلِ الْخَطِيئَةُ، لِكَيْ يَظْهَرَ أَنَّهَا خَطِيئَةٌ، اِسْتَخْدَمَتْ مَا هُوَ لِلْخَيْرِ لِتُمَوِّتَنِي. وَبِذَلِكَ فَإِنَّهُ عَنْ طَرِيقِ الْوَصِيَّةِ، بَرْهَنَتِ الْخَطِيئَةُ عَلَى شَرِّهَا الْفَظِيعِ. نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الشَّرِيعَةَ رُوحِيَّةٌ، أَمَّا أَنَا فَبَشَرٌ وَعَبْدٌ لِلْخَطِيئَةِ. أَنَا لَا أَفْهَمُ تَصَرُّفَاتِي، لِأَنِّي لَا أَعْمَلُ مَا أُرِيدُهُ بَلْ مَا أَكْرَهُهُ. فَإِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ مَا لَا أُرِيدُهُ، فَإِنِّي بِذَلِكَ أَتَّفِقُ مَعَ الشَّرِيعَةِ أَنَّهَا صَالِحَةٌ. لَكِنْ فِي الْحَقِيقَةِ لَسْتُ أَنَا الَّذِي أَعْمَلُ تِلْكَ الْأَعْمَالَ، بَلِ الْخَطِيئَةُ السَّاكِنَةُ فِيَّ. أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِيَّ أَيُّ شَيْءٍ صَالِحٍ، أَقْصِدُ فِي طَبِيعَتِيَ الدُّنْيَوِيَّةِ، لِأَنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْمَلَ الْخَيْرَ لَكِنِّي غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ أَعْمَلَهُ. فَالْخَيْرُ الَّذِي أُرِيدُهُ لَا أَعْمَلُهُ، وَالشَّرُّ الَّذِي لَا أُرِيدُهُ أَعْمَلُهُ. إِذَنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ مَا لَا أُرِيدُهُ، فَإِنَّ الْخَطِيئَةَ السَّاكِنَةَ فِيَّ هِيَ الَّتِي تَعْمَلُهُ لَا أَنَا. فَهَذِهِ هِيَ الْقَاعِدَةُ الَّتِي وَجَدْتُهَا: عِنْدَمَا أُرِيدُ أَنْ أَعْمَلَ الْخَيْرَ، أَجِدُ أَنَّ الَّذِي فِي إِمْكَانِي هُوَ عَمَلُ الشَّرِّ. فَفِي دَاخِلِ نَفْسِي، أَنَا أَفْرَحُ بِشَرِيعَةِ اللهِ، لَكِنِّي أَجِدُ فِي كِيَانِي قُوَّةً أُخْرَى تُحَارِبُ الْمَبَادِئَ الَّتِي يَقْبَلُهَا عَقْلِي، وَتَجْعَلُنِي أَسِيرًا لِقُوَّةِ الْخَطِيئَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي كِيَانِي. يَا تَعَاسَتِي! مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ هَذَا الْجِسْمِ الَّذِي مَصِيرُهُ الْمَوْتُ؟ شُكْرًا للهِ، لِأَنَّ مَوْلَانَا عِيسَى الْمَسِيحَ هُوَ مُنْقِذِي. إِذَنْ بِاخْتِصَارٍ، أَنَا بِحَسَبِ فِكْرِي خَاضِعٌ لِشَرِيعَةِ اللهِ، لَكِنْ بِحَسَبِ طَبِيعَتِيَ الدُّنْيَوِيَّةِ خَاضِعٌ لِقُوَّةِ الْخَطِيئَةِ. إِذَنْ مَنْ يَنْتَمُونَ لِلْمَسِيحِ عِيسَى، لَنْ يَدِينَهُمُ اللهُ. لِأَنَّ قُوَّةَ الرُّوحِ الَّذِي يَمْنَحُ الْحَيَاةَ بِالْمَسِيحِ عِيسَى، حَرَّرَتْنِي مِنْ قُوَّةِ الْخَطِيئَةِ وَالْمَوْتِ. فَالشَّرِيعَةُ عَجَزَتْ عَنْ هَذَا لِأَنَّ الطَّبِيعَةَ الْبَشَرِيَّةَ أَضْعَفَتْهَا. لَكِنَّ اللهَ عَمِلَ مَا عَجَزَتْ عَنْهُ الشَّرِيعَةُ، فَأَرْسَلَ ابْنَهُ فِي جِسْمٍ بَشَرِيٍّ يُشْبِهُ جِسْمَنَا الْبَشَرِيَّ الْخَاطِئَ، لِيَكُونَ قُرْبَانًا لِلتَّكْفِيرِ عَنِ الْخَطِيئَةِ، وَلِكَيْ يَحْكُمَ عَلَى الْخَطِيئَةِ فِي الطَّبِيعَةِ الْبَشَرِيَّةِ. وَبِذَلِكَ تَمَّ إِرْضَاءُ مَطْلَبِ الشَّرِيعَةِ الْعَادِلِ فِينَا، نَحْنُ الَّذِينَ نَعِيشُ حَسَبَ الرُّوحِ وَلَيْسَ حَسَبَ الطَّبِيعَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ. لِأَنَّ الَّذِينَ يَعِيشُونَ حَسَبَ طَبِيعَتِهِمُ الدُّنْيَوِيَّةِ، تَـكُونُ أَفْكَارُهُمْ دُنْيَوِيَّةً. وَالَّذِينَ يَعِيشُونَ حَسَبَ رُوحِ اللهِ، تَكُونُ أَفْكَارُهُمْ رُوحِيَّةً. فَإِذَا كَانَ فِكْرُكَ دُنْيَوِيًّا تَمُوتُ. وَإِذَا كَانَ فِكْرُكَ رُوحِيًّا، تَحْيَا وَتَكُونُ فِي سَلَامٍ. لِأَنَّ الْإِنْسَانَ الَّذِي فِكْرُهُ دُنْيَوِيٌّ هُوَ عَدُوٌّ للهِ لِأَنَّهُ لَا يُطِيعُ شَرِيعَةَ اللهِ. فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُطِيعَهَا. الَّذِينَ تَحْتَ سُلْطَةِ الطَّبِيعَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ لا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يُرْضُوا اللهَ. وَلَكِنْ إِنْ كَانَ رُوحُ اللهِ سَاكِنًا فِيكُمْ، فَأَنْتُمْ لَسْتُمْ تَحْتَ سُلْطَةِ الطَّبِيعَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، بَلْ تَحْتَ سُلْطَةِ الرُّوحِ. وَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ لَيْسَ فِيهِ رُوحُ الْمَسِيحِ، فَهُوَ لَا يَنْتَمِي لِلْمَسِيحِ. لَكِنْ إِنْ كَانَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ، فَمَعَ أَنَّ جِسْمَكُمْ يَفْنَى بِسَبَبِ الْخَطِيئَةِ، لَكِنَّ رُوحَكُمْ تَحْيَا لِأَنَّ اللهَ اعْتَبَرَكُمْ صَالِحِينَ عِنْدَهُ. وَإِنْ كَانَ رُوحُ اللهِ الَّذِي أَقَامَ عِيسَى مِنَ الْمَوْتِ سَاكِنًا فِيكُمْ، إِذَنْ، هُوَ الَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الْمَوْتِ، سَيَبْعَثُ الْحَيَاةَ فِي أَجْسَامِكُمُ الْفَانِيَةِ بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ. إِذَنْ يَا إِخْوَتِي، يَجِبُ أَنْ لَا نُطِيعَ طَبِيعَتَنَا الدُّنْيَوِيَّةَ أَوْ نَعِيشَ حَسَبَهَا. إِنْ كُنْتُمْ تَعِيشُونَ حَسَبَ الطَّبِيعَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ تَمُوتُونَ. لَكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِوَاسِطَةِ رُوحِ اللهِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ الطَّبِيعَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، فَإِنَّكُمْ تَحْيَوْنَ. وَالَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ، هُمْ أَوْلَادُ اللهِ. لِأَنَّ الرُّوحَ الَّذِي حَصَلْتُمْ عَلَيْهِ، لَيْسَ هُوَ الرُّوحَ الَّذِي يَجْعَلُكُمْ عَبِيدًا مَرَّةً أُخْرَى وَيُسَبِّبُ لَكُمُ الْخَوْفَ، بَلْ هُوَ الرُّوحُ الَّذِي يَجْعَلُكُمْ أَبْنَاءَ اللهِ. هُوَ الرُّوحُ الَّذِي نَدْعُو بِهِ اللهَ فَنَقُولُ: ”يَا بَابَا، يَا أَبِي.“ الرُّوحُ نَفْسُهُ يَشْهَدُ مَعَ أَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَبْنَاءُ اللهِ. وَبِمَا أَنَّنَا أَبْنَاءُ اللهِ، فَلَنَا نَصِيبٌ فِي بَرَكَاتِ اللهِ، أَيْ نَشْتَرِكُ مَعَ الْمَسِيحِ فِي نَصِيبِهِ. وَلَكِنَّنَا يَجِبُ أَنْ نَتَأَلَّمَ مَعَ الْمَسِيحِ هُنَا، لِكَيْ نَتَمَتَّعَ بِجَلَالِهِ هُنَاكَ. وَإِنِّي أَعْتَبِرُ أَنَّ آلَامَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا هِيَ لَا شَيْءَ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَلَالِ الَّذِي سَيُعْلِنُهُ اللهُ لَنَا. فَإِنَّ الْخَلِيقَةَ كُلَّهَا تَنْتَظِرُ بِفَارِغِ الصَّبْرِ أَنْ يُعْلِنَ اللهُ أَبْنَاءَهُ. لِأَنَّ الْخَلِيقَةَ أُصِيبَتْ بِالْفَشَلِ، لَيْسَ بِإِرَادَتِهَا، بَلْ بِإِرَادَةِ اللهِ. وَمَعَ ذَلِكَ هُنَاكَ أَمَلٌ أَنَّهَا هِيَ أَيْضًا تَتَحَرَّرُ مِنْ مَصِيرِ الْفَنَاءِ، لِتَحْصُلَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَالْجَلَالِ مَعَ أَبْنَاءِ اللهِ. فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الْخَلِيقَةَ كُلَّهَا تَئِنُّ لِحَدِّ الْآنَ كَمَا مِنْ آلَامِ الْوِلَادَةِ. وَلَيْسَ الْخَلِيقَةُ وَحْدَهَا هِيَ الَّتِي تَئِنُّ، بَلْ نَحْنُ أَيْضًا الَّذِينَ حَصَلْنَا عَلَى الرُّوحِ كَأَوَّلِ بَرَكَةٍ مِنَ اللهِ، نَئِنُّ فِي أَنْفُسِنَا مُنْتَظِرِينَ مِنْهُ أَنْ يُعْلِنَ أَنَّنَا أَبْنَاؤُهُ وَذَلِكَ بِفِدَاءِ أَجْسَامِنَا. نَحْنُ نَجَوْنَا وَعِنْدَنَا هَذَا الْأَمَلُ. لَكِنْ إِنْ كُنَّا نَرَى الشَّيْءَ الَّذِي نَأْمُلُ فِيهِ، فَالْأَمَلُ لَا مَعْنَى لَهُ. لِأَنَّهُ كَيْفَ يَأْمُلُ الْوَاحِدُ فِي أَنْ يَحْصُلَ عَلَى مَا هُوَ عِنْدَهُ؟ لَكِنَّنَا نَأْمُلُ فِي شَيْءٍ لَا نَرَاهُ، وَنَنْتَظِرُهُ بِصَبْرٍ. وَالرُّوحُ أَيْضًا يُسَاعِدُنَا فِي ضَعْفِنَا. فَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ كَيْفَ نَبْتَهِلُ كَمَا يَجِبُ، لَكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا عِنْدَ اللهِ بِأَنَّاتٍ لَا تُعَبِّرُ عَنْهَا كَلِمَاتٌ. وَإِنَّ اللهَ الَّذِي يَرَى مَا فِي الْقُلُوبِ، يَعْرِفُ فِكْرَ الرُّوحِ. لِأَنَّ الرُّوحَ يَشْفَعُ فِي الْمُؤْمِنِينَ حَسَبَ مَشِيئَةِ اللهِ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ اللهَ يَجْعَلُ كُلَّ الْأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ، الَّذِينَ دَعَاهُمْ حَسَبَ تَدْبِيرِهِ. لِأَنَّهُ عَرَفَهُمْ مِنْ قَبْلُ، وَقَصَدَ لَهُمْ أَنْ يَكُونُوا مِثْلَ ابْنِهِ فَيَكُونَ هُوَ الْبِكْرَ بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ. وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَصَدَ لَهُمْ ذَلِكَ يَدْعُوهُمْ، وَالَّذِينَ يَدْعُوهُمْ يَعْتَبِرُهُمْ صَالِحِينَ، وَالَّذِينَ يَعْتَبِرُهُمْ صَالِحِينَ سَيُمَجِّدُهُمْ. إِذَنْ مَاذَا نَقُولُ بَعْدَ كُلِّ هَذَا؟ مَا دَامَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟ إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْخَلْ عَلَيْنَا بِابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ مِنْ أَجْلِنَا جَمِيعًا، فَكَيْفَ لَا يُعْطِينَا مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضًا؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَشْتَكِيَ ضِدَّ الَّذِينَ اخْتَارَهُمُ اللهُ؟ لَا أَحَدٌ! لِأَنَّ اللهَ اعْتَبَرَنَا صَالِحِينَ. وَمَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَحْكُمَ ضِدَّنَا؟ لَا أَحَدٌ! لِأَنَّ الْمَسِيحَ عِيسَى مَاتَ، وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَامَ حَيًّا، وَهُوَ عَنْ يَمِينِ اللهِ يَشْفَعُ فِينَا. مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ لَنَا؟ لَا الضِّيقُ وَلَا الْعَذَابُ وَلَا الِاضْطِهَادُ وَلَا الْجُوعُ وَلَا الْعُرْيُ وَلَا الْخَطَرُ وَلَا الْمَوْتُ بِالسَّيْفِ. بَلْ كَمَا يَقُولُ الْكِتَابُ: ”نَحْنُ فِي سَبِيلِكَ نُوَاجِهُ الْمَوْتَ طُولَ الْيَوْمِ، وَنُحْسَبُ كَغَنَمٍ لِلذَّبْحِ.“ إِنَّمَا فِي كُلِّ هَذَا نَنْتَصِرُ نَصْرًا عَظِيمًا بِوَاسِطَةِ الَّذِي أَحَبَّنَا. لِأَنِّي مُتَأَكِّدٌ أَنَّهُ لَا الْمَوْتُ وَلَا الْحَيَاةُ، لَا الْمَلَائِكَةُ وَلَا الْحُكَّامُ، لَا الْأُمُورُ الْحَاضِرَةُ وَلَا الْمُسْتَقْبَلَةُ، لَا جُيُوشُ الْأَرْوَاحِ الَّتِي مِنْ فَوْقُ وَلَا الَّتِي مِنْ تَحْتُ، لَا شَيْءَ فِي الْكَوْنِ كُلِّهِ يَقْدِرُ أَنْ يَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ لَنَا الَّتِي تَجَلَّتْ فِي الْمَسِيحِ عِيسَى مَوْلَانَا. أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ وَلَا أَكْذِبُ لِأَنِّي مُؤْمِنٌ بِالْمَسِيحِ، وَضَمِيرِيَ الَّذِي نَوَّرَهُ الرُّوحُ الْقُدُّوسُ يُؤَكِّدُ لِي أَنِّي صَادِقٌ: أَنَا حَزِينٌ جِدًّا، وَفِي قَلْبِي أَلَمٌ مُسْتَمِرٌّ، بِسَبَبِ إِخْوَتِي أَقْرِبَائِيَ الَّذِينَ مِنْ لَحْمِي وَدَمِي. لِدَرَجَةِ أَنِّي مُسْتَعِدٌّ أَنْ أَكُونَ مَلْعُونًا وَبِغَيْرِ الْمَسِيحِ، لَوْ كَانَ ذَلِكَ يَنْفَعُهُمْ. فَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَقَدْ جَعَلَهُمُ اللهُ أَبْنَاءَهُ، وَأَظْهَرَ لَهُمْ جَلَالَهُ، وَأَعْطَاهُمُ الْعُهُودَ وَالشَّرِيعَةَ وَالْعِبَادَةَ وَالْوُعُودَ. وَهُمْ نَسْلُ الْآبَاءِ الْأَوَّلِينَ، وَأَيْضًا الْعَائِلَةُ الْبَشَرِيَّةُ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا الْمَسِيحُ، الَّذِي هُوَ اللهُ الْمُعَظَّمُ فَوْقَ الْكُلِّ، لَهُ الْحَمْدُ إِلَى الْأَبَدِ. آمِينَ. هَذَا لَا يَعْنِي أَنَّ اللهَ لَمْ يَحْفَظْ وَعْدَهُ، بَلْ لَيْسَ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ هُمْ شَعْبَ اللهِ بِحَقٍّ، وَلَا كُلُّ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ هُمْ أَبْنَاؤُهُ بِحَقٍّ. إِنَّمَا قَالَ اللهُ لِإِبْرَاهِيمَ: ”عَنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ يَكُونُ نَسْلُكَ.“ هَذَا يَعْنِي أَنَّ لَيْسَ كُلُّ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ هُمْ أَبْنَاءَ اللهِ، بَلِ الَّذِينَ جَاءُوا حَسَبَ وَعْدِ اللهِ يُعْتَبَرُونَ نَسْلَ إِبْرَاهِيمَ بِحَقٍّ. وَكَانَ نَصُّ الْوَعْدِ هُوَ: ”سَأَرْجِعُ فِي الْوَقْتِ الْمُحَدَّدِ، وَيَكُونُ لِسَارَةَ ابْنٌ.“ لَيْسَ ذَلِكَ فَقَطْ، بَلْ إِنَّ وَلَدَيْ رِفْقَةَ كَانَ لَهُمَا أَبٌ وَاحِدٌ هُوَ أَبُونَا إِسْحَاقُ. لَكِنْ قَبْلَ أَنْ يُولَدَا، وَقَبْلَ أَنْ يَعْمَلَا خَيْرًا أَوْ شَرًّا، وَلِكَيْ تُنَفَّذَ خِطَّةُ اللهِ فِي الِاخْتِيَارِ، لِأَنَّهُ يَخْتَارُ النَّاسَ لَا عَلَى أَسَاسِ أَعْمَالِهِمْ بَلْ بِدَعْوَةٍ مِنْهُ، قَالَ اللهُ لِرِفْقَةَ إِنَّ الْكَبِيرَ يَكُونُ خَادِمًا لِلصَّغِيرِ. وَقَالَ أَيْضًا فِي كِتَابِهِ: ”أَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ وَكَرِهْتُ الْعِيصَ.“ فَمَا مَعْنَى هَذَا؟ هَلِ اللهُ ظَالِمٌ؟ لَا، بَلْ مُنَزَّهٌ هُوَ عَنْ ذَلِكَ! فَقَدْ قَالَ لِمُوسَى: ”إِنِّي أَرْحَمُ مَنْ أَرْحَمُ، وَأَشْفِقُ عَلَى مَنْ أَشْفِقُ.“ فَالِاخْتِيَارُ إِذَنْ يَعْتَمِدُ عَلَى رَحْمَةِ اللهِ، لَا عَلَى رَغْبَةِ الْإِنْسَانِ أَوْ مَجْهُودِهِ. وَقَدْ قَالَ اللهُ فِي الْكِتَابِ لِفِرْعَوْنَ: ”إِنِّي أَقَمْتُكَ لِكَيْ أُظْهِرَ قُوَّتِي بِوَاسِطَتِكَ، وَلِكَيْ يُخْبِرَ النَّاسُ بِاسْمِي فِي كُلِّ الْعَالَمِ.“ فَهُوَ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْحَمَ وَاحِدًا يَرْحَمُهُ. وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُقَسِّيَ قَلْبَ وَاحِدٍ، يُقَسِّي قَلْبَهُ. فَيَقُولُ لِي وَاحِدٌ مِنْكُمْ: ”إِذَنْ لِمَاذَا يَلُومُنَا اللهُ؟ وَمَنْ يَقْدِرُ أَنْ يُقَاوِمَ مَشِيئَتَهُ؟“ فَأُجِيبُكَ: مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ حَتَّى تَرُدَّ عَلَى اللهِ؟ هَلْ يَعْتَرِضُ الْوِعَاءُ عَلَى صَانِعِهِ وَيَقُولُ: ”لِمَاذَا صَنَعْتَنِي بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ؟“ إِنَّ مِنْ حَقِّ الْفَخَّارِيِّ أَنْ يَعْمَلَ مَا يَشَاءُ بِالطِّينِ، فَيَعْمَلَ مِنْ نَفْسِ الْقِطْعَةِ إِنَاءً لِاسْتِعْمَالٍ كَرِيمٍ، وَآخَرَ لِاسْتِعْمَالٍ وَضِيعٍ. وَهَذَا هُوَ نَفْسُ الشَّيْءِ الَّذِي عَمِلَهُ اللهُ: إِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُظْهِرَ غَضَبَهُ وَيُعْلِنَ قُوَّتَهُ، فَاحْتَمَلَ بِكُلِّ صَبْرٍ النَّاسَ الَّذِينَ غَضِبَ عَلَيْهِمْ، الَّذِينَ هُمْ فِي الطَّرِيقِ لِلْهَلَاكِ. وَأَرَادَ أَيْضًا أَنْ يُعْلِنَ جَلَالَهُ الْعَظِيمَ لَنَا نَحْنُ الَّذِينَ رَحِمَنَا وَأَعَدَّنَا مِنْ قَبْلُ لِنَتَمَتَّعَ بِجَلَالِهِ. فَهُوَ دَعَانَا، لَا مِنْ بَيْنِ الْيَهُودِ وَحْدَهُمْ، بَلْ أَيْضًا مِنْ بَيْنِ الشُّعُوبِ الْأُخْرَى. كَمَا قَالَ فِي كِتَابِ هُوشَعَ: ”الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا شَعْبِي أَدْعُوهُمْ شَعْبِي، وَالَّتِي لَمْ تَكُنْ مَحْبُوبَةً أَدْعُوهَا مَحْبُوبَةً، وَفِي نَفْسِ الْمَكَانِ الَّذِي قَالَ اللهُ لَهُمْ فِيهِ: ’أَنْتُمْ لَسْتُمْ شَعْبِي‘، هُنَاكَ يُدْعَوْنَ أَبْنَاءَ اللهِ الْحَيِّ.“ وَإِشَعْيَا يَهْتِفُ بِشَأْنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيَقُولُ: ”حَتَّى وَإِنْ كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ كَثِيرِينَ جِدًّا كَرَمْلِ الْبَحْرِ، فَلَنْ يَبْقَى مِنْهُمْ إِلَّا عَدَدٌ قَلِيلٌ فَقَطْ يَنْجُو. لِأَنَّ اللهَ يُنَفِّذُ حُكْمَهُ عَلَى الْعَالَمِ، فَوْرًا وَبِصِفَةٍ نِهَائِيَّةٍ.“ كَمَا قَالَ إِشَعْيَا أَيْضًا قَبْلَ ذَلِكَ: ”لَوْ لَمْ يَكُنِ اللهُ الْقَدِيرُ قَدْ حَفِظَ لَنَا نَسْلًا، لَأَصْبَحْنَا مِثْلَ سَدُومَ، وَصِرْنَا مِثْلَ عَمُورَةَ.“ فَمَا مَعْنَى هَذَا؟ مَعْنَاهُ أَنَّ غَيْرَ الْيَهُودِ الَّذِينَ لَمْ يُحَاوِلُوا أَنْ يُعْتَبَرُوا صَالِحِينَ عِنْدَ اللهِ، اِعْتَبَرَهُمُ اللهُ صَالِحِينَ. هَذَا هُوَ الصَّلَاحُ الَّذِي بِالْإِيمَانِ. أَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَقَدْ حَاوَلُوا أَنْ يُعْتَبَرُوا صَالِحِينَ عِنْدَ اللهِ عَنْ طَرِيقِ الْعَمَلِ بِالشَّرِيعَةِ، لَكِنَّهُمْ فَشِلُوا فِي الْعَمَلِ بِالشَّرِيعَةِ. لِمَاذَا؟ لِأَنَّهُمُ اتَّكَلُوا عَلَى الْأَعْمَالِ بَدَلًا مِنَ الْإِيمَانِ. فَاصْطَدَمُوا بِحَجَرٍ يَجْعَلُهُمْ يَعْثُرُونَ، كَمَا يَقُولُ الْكِتَابُ: ”اِنْتَبِهُوا! إِنِّي أَضَعُ فِي الْقُدْسِ حَجَرًا يَجْعَلُ النَّاسَ يَعْثُرُونَ، وَصَخْرَةً تَجْعَلُهُمْ يَسْقُطُونَ، وَمَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لَا يَخْجَلُ.“ يَا إِخْوَتِي، كَمْ أَشْتَاقُ مِنْ كُلِّ قَلْبِي، وَأَتَوَسَّلُ للهِ أَنْ يَحْصُلَ بَنُو أُمَّتِي عَلَى النَّجَاةِ. أَنَا أَشْهَدُ لَهُمْ أَنَّ عِنْدَهُمْ حَمَاسًا للهِ، لَكِنَّهُ حَمَاسٌ بِغَيْرِ مَعْرِفَةٍ. فَهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا طَرِيقَةَ اللهِ الَّتِي بِهَا يَعْتَبِرُ الْإِنْسَانَ صَالِحًا عِنْدَهُ، فَحَاوَلُوا أَنْ تَكُونَ لَهُمْ طَرِيقَتُهُمُ الْخَاصَّةُ، لِذَلِكَ لَمْ يَخْضَعُوا لِطَرِيقَةِ اللهِ. لَكِنَّ الْمَسِيحَ هُوَ غَايَةُ الشَّرِيعَةِ، لِذَلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يَعْتَبِرُهُ اللهُ صَالِحًا. وَمُوسَى كَتَبَ عَنِ الصَّلَاحِ الَّذِي يَأْتِي عَنْ طَرِيقِ الْعَمَلِ بِالشَّرِيعَةِ فَقَالَ: ”كُلُّ مَنْ يَعْمَلُ هَذِهِ الْأُمُورَ يَحْيَا بِهَا.“ أَمَّا الصَّلَاحُ الَّذِي يَأْتِي عَنْ طَرِيقِ الْإِيمَانِ فَيَقُولُ الْكِتَابُ عَنْهُ: ”لَا تَقُلْ فِي قَلْبِكَ: ’مَنْ يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ؟‘“ أَيْ لِكَيْ يُنْزِلَ الْمَسِيحَ مِنْ هُنَاكَ. ”وَلَا تَقُلْ: ’مَنْ يَنْزِلُ إِلَى عَالَمِ الْأَمْوَاتِ؟‘“ أَيْ لِكَيْ يُقِيمَ الْمَسِيحَ إِلَى الْحَيَاةِ. بَلْ يَقُولُ الْكِتَابُ: ”الْكَلِمَةُ قَرِيبَةٌ مِنْكَ، فِي فَمِكَ وَفِي قَلْبِكَ.“ أَيْ كَلِمَةُ الْإِيمَانِ الَّتِي نُبَشِّرُ بِهَا. وَهِيَ: إِنْ كُنْتَ تَشْهَدُ بِفَمِكَ وَتَقُولُ: ”عِيسَى هُوَ مَوْلَانَا“ وَإِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الْمَوْتِ فَإِنَّكَ تَنْجُو. لِأَنَّكَ تُؤْمِنُ بِالْقَلْبِ فَيَعْتَبِرُكَ اللهُ صَالِحًا، وَتَشْهَدُ بِالْفَمِ فَتَنْجُو. كَمَا يَقُولُ الْكِتَابُ: ”كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لَا يَخْجَلُ.“ هَذَا يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُوجَدُ فَرْقٌ بَيْنَ الْيَهُودِ وَغَيْرِ الْيَهُودِ، لِأَنَّ الْمَوْلَى هُوَ رَبُّ الْكُلِّ، وَهُوَ غَنِيٌّ يُعْطِي كُلَّ مَنْ يَبْتَهِلُ إِلَيْهِ. كَمَا يَقُولُ الْكِتَابُ: ”كُلُّ مَنْ يَبْتَهِلُ إِلَى الْمَوْلَى يَنْجُو.“ لَكِنْ كَيْفَ يَدْعُونَهُ إِلَّا إِذَا آمَنُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يُؤْمِنُونَ بِهِ إِلَّا إِذَا سَمِعُوا عَنْهُ؟ وَكَيْفَ يَسْمَعُونَ عَنْهُ إِلَّا إِذَا جَاءَ وَاحِدٌ وَبَشَّرَهُمْ؟ وَكَيْفَ يُبَشِّرُهُمْ هَذَا إِلَّا إِذَا أَرْسَلَهُ اللهُ؟ وَالْكِتَابُ يَقُولُ: ”مَا أَجْمَلَ أَنْ يَأْتِيَ إِلَيْنَا مَنْ يَحْمِلُ بُشْرَى الْخَيْرِ.“ لَكِنْ لَيْسَ الْجَمِيعُ قَدْ قَبِلُوا الْإِنْجِيلَ، فَإِشَعْيَا يَقُولُ: ”يَا رَبُّ، مَنْ آمَنَ بِرِسَالَتِنَا؟“ إِذَنِ الْإِيمَانُ يَأْتِي مِنْ سَمَاعِ الرِّسَالَةِ، وَالرِّسَالَةُ هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي تُحَدِّثُنَا عَنِ الْمَسِيحِ. لَكِنِّي أَسْأَلُ: هَلْ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا؟ بِالتَّأْكِيدِ سَمِعُوا. فَالْكِتَابُ يَقُولُ: ”صَوْتُهُمْ بَلَغَ الْأَرْضَ كُلَّهَا، وَكَلَامُهُمْ وَصَلَ إِلَى جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْعَالَمِ.“ مَرَّةً أُخْرَى أَسْأَلُ: هَلْ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَفْهَمُوا؟ بِالتَّأْكِيدِ فَهِمُوا. فَأَوَّلًا مُوسَى يَتَحَدَّثُ بِقَوْلِ اللهِ: ”أَجْعَلُكُمْ تَغَارُونَ بِمَنْ هُمْ لَيْسُوا أُمَّةً، وَبِأُمَّةٍ غَبِيَّةٍ أَغِيظُكُمْ.“ وَإِشَعْيَا أَيْضًا يَذْكُرُ بِجَرَاءَةٍ قَوْلَ اللهِ: ”الَّذِينَ لَمْ يَبْحَثُوا عَنِّي وَجَدُونِي، فَأَظْهَرْتُ نَفْسِي لِلَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِي.“ ثُمَّ قَوْلَهُ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ”مَدَدْتُ يَدَيَّ طُولَ الْيَوْمِ إِلَى شَعْبٍ مُتَمَرِّدٍ وَعَنِيدٍ.“ وَهُنَا أَسْأَلُ: هَلْ رَفَضَ اللهُ شَعْبَهُ؟ الْجَوَابُ: طَبْعًا لَا. فَأَنَا نَفْسِي مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنْ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ، وَمِنْ قَبِيلَةِ بِنْيَمِينَ. اللهُ لَمْ يَرْفُضْ شَعْبَهُ الَّذِي اخْتَارَهُ مِنْ قَبْلُ. أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ مَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ عَنْ إِلْيَاسَ لَمَّا شَكَا بَنِي إِسْرَائِيلَ للهِ وَقَالَ: ”يَا رَبُّ! قَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ، وَهَدَمُوا الْأَمَاكِنَ الَّتِي نُقَدِّمُ فِيهَا الْقُرْبَانَ لَكَ، وَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، وَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَقْتُلُونِي.“ فَبِمَاذَا أَجَابَهُ اللهُ؟ لَقَدْ قَالَ لَهُ: ”إِنِّي أَبْقَيْتُ لِنَفْسِي 7000 شَخْصٍ لَمْ يَنْحَنُوا لِيَعْبُدُوا الْبَعْلَ.“ وَهَذَا هُوَ نَفْسُ الْحَالِ الْآنَ: تُوجَدُ بَقِيَّةٌ اخْتَارَهَا اللهُ بِنِعْمَتِهِ. هَذَا الِاخْتِيَارُ هُوَ نِعْمَةٌ مِنْهُ، وَلَيْسَ لِأَنَّ أَعْمَالَهُمْ صَالِحَةٌ، وَإِلَّا فَالنِّعْمَةُ لَا تَكُونُ نِعْمَةً أَبَدًا. فَمَاذَا بَعْدُ؟ إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَجِدُوا مَا كَانُوا يَبْحَثُونَ عَنْهُ، لَكِنْ وَجَدَهُ الَّذِينَ اخْتَارَهُمُ اللهُ. وَالْبَاقُونَ تَقَسَّتْ قُلُوبُهُمْ. كَمَا يَقُولُ الْكِتَابُ: ”أَعْطَاهُمُ اللهُ بَلَادَةَ الرُّوحِ، وَعُيُونًا لَا تَرَى، وَآذَانًا لَا تَسْمَعُ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ.“ وَدَاوُدُ يَقُولُ: ”لَيْتَ مَائِدَتَهُمْ تَصِيرُ مَصْيَدَةً لَهُمْ وَفَخًّا وَمَعْثَرَةً وَعِقَابًا. لَيْتَ عُيُونَهُمْ تَعْمَى فَلَا يَرَوْا، وَلَيْتَ ظُهُورَهُمْ تَكُونُ مَحْنِيَّةً دَائِمًا.“ وَهُنَا أَسْأَلُ: هَلْ هَذَا التَّعَثُّرُ يَعْنِي أَنَّهُمْ سَقَطُوا وَلَنْ يَقُومُوا؟ الْجَوَابُ: طَبْعًا لَا. بَلْ زَلَّتُهُمْ جَلَبَتِ النَّجَاةَ لِغَيْرِ الْيَهُودِ لِكَيْ يَغَارَ الْيَهُودُ مِنْهُمْ. فَإِنْ كَانَتْ زَلَّةُ الْيَهُودِ جَلَبَتْ بَرَكَةً عَظِيمَةً لِلْعَالَمِ، وَفَشَلُهُمْ جَلَبَ بَرَكَةً عَظِيمَةً لِغَيْرِ الْيَهُودِ، فَكَمْ تَكُونُ الْبَرَكَةُ أَعْظَمَ عِنْدَمَا يَرْجِعُونَ إِلَى اللهِ؟ أَنَا أَقُولُ هَذَا لِغَيْرِ الْيَهُودِ مِنْكُمْ، بِمَا أَنِّي رَسُولٌ إِلَى غَيْرِ الْيَهُودِ، فَإِنِّي أَعْتَبِرُ أَنَّ خِدْمَتِي مُهِمَّةٌ جِدًّا، وَأُحَاوِلُ أَنْ أُثِيرَ غِيرَةَ إِخْوَانِيَ الْيَهُودِ لِكَيْ أُنْقِذَ الْبَعْضَ مِنْهُمْ. لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ اللهُ لَمَّا رَفَضَهُمْ، صَالَحَ الْعَالَمَ، إِذَنْ عِنْدَمَا يَقْبَلُهُمْ، مَاذَا يَحْدُثُ؟ لَا شَكَّ الْحَيَاةُ لِمَنْ هُمْ أَمْوَاتٌ! وَإِنْ كَانَتْ أَوَّلُ قِطْعَةٍ مِنَ الْخُبْزِ مُكَرَّسَةً للهِ، فَالْخُبْزُ كُلُّهُ يَكُونُ مُكَرَّسًا. وَإِنْ كَانَ جِذْرُ الشَّجَرَةِ مُكَرَّسًا، فَالْفُرُوعُ أَيْضًا تَكُونُ مُكَرَّسَةً. إِنَّ بَعْضَ الْفُرُوعِ قُطِعَتْ مِنْ شَجَرَةِ الزَّيْتُونِ، وَطُعِّمَ مَكَانَهَا فَرْعٌ مِنْ زَيْتُونَةٍ بَرِّيَّةٍ، أَيْ أَنْتَ يَا غَيْرَ الْيَهُودِيِّ، فَأَصْبَحْتَ تَتَغَذَّى مِنْ جِذْرِ الزَّيْتُونَةِ وَعُصَارَتِهَا. فَلَا تَفْتَخِرْ عَلَى الْفُرُوعِ الَّتِي قُطِعَتْ. وَبِأَيِّ حَقٍّ تَفْتَخِرُ؟ أَنْتَ لَا تَحْمِلُ الْجِذْرَ، بَلِ الْجِذْرُ هُوَ الَّذِي يَحْمِلُكَ. رُبَّمَا تَقُولُ: ”قُطِعَتِ الْفُرُوعُ لِكَيْ أُطَعَّمَ أَنَا مَكَانَهَا.“ صَحِيحٌ. هُمْ قُطِعُوا لِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا، وَأَنْتَ تَبْقَى لِأَنَّكَ تُؤْمِنُ. فَلَا يَأْخُذْكَ الْغُرُورُ، بَلِ احْتَرِسْ لِنَفْسِكَ. لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ اللهُ لَمْ يَرْأَفْ بِالْفُرُوعِ الطَّبِيعِيَّةِ، فَلِمَاذَا يَرْأَفُ بِكَ أَنْتَ؟ لَاحِظْ هُنَا لُطْفَ اللهِ وَقَسْوَتَهُ. فَهُوَ قَاسٍ عَلَى الَّذِينَ سَقَطُوا، وَلَطِيفٌ مَعَكَ إِذَا كُنْتَ تَبْقَى أَهْلًا لِهَذَا اللُّطْفِ. وَإِلَّا فَأَنْتَ أَيْضًا تُقْطَعُ. وَإِنْ رَجَعَ الْيَهُودُ عَنْ عَدَمِ إِيمَانِهِمْ، يُطَعِّمُهُمُ اللهُ، لِأَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يُطَعِّمَهُمْ أَيْضًا. إِذَنْ، إِنْ كُنْتَ أَنْتَ قَدْ قُطِعْتَ مِنَ الزَّيْتُونَةِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي تَنْتَمِي إِلَيْهَا أَصْلًا، وَطُعِّمْتَ فِي زَيْتُونَةٍ جَيِّدَةٍ خِلَافًا لِطَبِيعَتِكَ، فَمَا أَسْهَلَ أَنْ يُطَعَّمَ الْيَهُودُ كَفُرُوعٍ طَبِيعِيَّةٍ فِي زَيْتُونَتِهِمُ الْخَاصَّةِ؟ يَا إِخْوَتِي يُوجَدُ سِرٌّ أُرِيدُكُمْ أَنْ تَعْرِفُوهُ، لِئَلَّا يُصِيبَكُمُ الْغُرُورُ. وَهُوَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَقَسَّى قَلْبُهُمْ إِلَى فَتْرَةٍ مَحْدُودَةٍ فَقَطْ، إِلَى أَنْ يَأْتِيَ الْعَدَدُ الْكَامِلُ مِنْ غَيْرِ الْيَهُودِ إِلَى الْإِيمَانِ. وَبِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ يَنْجُو جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. كَمَا يَقُولُ الْكِتَابُ: ”يَأْتِي الْمُنْقِذُ مِنَ الْقُدْسِ، وَيُبْعِدُ الشَّرَّ عَنْ بَنِي يَعْقُوبَ، وَيَكُونُ هَذَا هُوَ عَهْدِي مَعَهُمْ، عِنْدَمَا أُزِيلُ عَنْهُمْ ذُنُوبَهُمْ.“ فَالْيَهُودُ يَرْفُضُونَ الْإِنْجِيلَ، لِذَلِكَ هُمْ أَعْدَاءُ اللهِ. وَهَذَا لِفَائِدَتِكُمْ أَنْتُمْ يَا غَيْرَ الْيَهُودِ. وَلَكِنْ بِمَا أَنَّ اللهَ اخْتَارَهُمْ، فَهُوَ مَا زَالَ يُحِبُّهُمْ بِسَبَبِ آبَائِهِمْ. لِأَنَّ اللهَ لَا يَرْجِعُ فِي عَطَايَاهُ وَلَا فِي اخْتِيَارِهِ. أَنْتُمْ يَا غَيْرَ الْيَهُودِ كُنْتُمْ فِي الْمَاضِي غَيْرَ مُطِيعِينَ للهِ، لَكِنَّهُ رَحِمَكُمُ الْآنَ نَتِيجَةً لِعَدَمِ طَاعَةِ الْيَهُودِ. وَبِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ، هُمُ الْآنَ غَيْرُ مُطِيعِينَ، حَتَّى مِنْ خِلَالِ رَحْمَةِ اللهِ لَكُمْ يَنَالُونَ رَحْمَةً. لِأَنَّ اللهَ جَعَلَ كُلَّ النَّاسِ سُجَنَاءَ فِي عَدَمِ الطَّاعَةِ، لِكَيْ يَرْحَمَهُمْ جَمِيعًا. يَا لَعَظَمَةِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَنْ يَفْهَمُ مَقَاصِدَهُ؟ وَمَنْ يَعْرِفُ طُرُقَهُ؟ ”مَنْ عَرَفَ فِكْرَ اللهِ؟ وَمَنْ كَانَ مُشِيرًا لَهُ؟ مَنْ أَعْطَى اللهَ؟ لِكَيْ يَرُدَّ لَهُ الدَّيْنَ!“ لِأَنَّ كُلَّ الْأَشْيَاءِ هُوَ خَالِقُهَا، وَهِيَ كَائِنَةٌ بِوَاسِطَتِهِ وَمِنْ أَجْلِهِ. فَلَهُ الْجَلَالُ إِلَى الْأَبَدِ. آمِـينَ. إِذَنْ يَا إِخْوَتِي، بِمَا أَنَّ اللهَ رَأَفَ بِنَا، فَأَرْجُوكُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا أَنْفُسَكُمْ لَهُ ضَحِيَّةً حَيَّةً مُكَرَّسَةً وَيَرْضَى بِهَا، فَيَكُونُ هَذَا مِنْكُمْ عِبَادَةً رُوحِيَّةً. لَا تَعِيشُوا حَسَبَ عَادَاتِ هَذِهِ الدُّنْيَا، بَلْ غَيِّرُوا أَنْفُسَكُمْ بِأَنْ تُجَدِّدُوا عُقُولَكُمْ. بِذَلِكَ تَعْرِفُونَ إِرَادَةَ اللهِ، لِأَنَّهَا صَالِحَةٌ وَمَقْبُولَةٌ وَكَامِلَةٌ. وَإِنِّي بِفَضْلِ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيَّ، أُوصِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ بِهَذَا: لَا تَعْتَبِرْ نَفْسَكَ أَنَّكَ عَظِيمٌ. بَلْ كُنْ مُتَعَقِّلًا فِي تَقْدِيرِكَ لِنَفْسِكَ، فِي حُدُودِ نَصِيبِكَ مِنَ الْإِيمَانِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ لَكَ. الْجِسْمُ الْوَاحِدُ تُوجَدُ فِيهِ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ. لَكِنَّ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ لَيْسَ لَهَا نَفْسُ الْوَظَائِفِ. وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لَنَا، مَعَ أَنَّنَا كَثِيرُونَ، لَكِنْ بِانْتِمَائِنَا لِلْمَسِيحِ، نَحْنُ جِسْمٌ وَاحِدٌ، وَكُلُّنَا أَعْضَاءٌ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ. فَنَحْنُ عِنْدَنَا مَوَاهِبُ مُخْتَلِفَةٌ حَسَبَ النِّعْمَةِ الَّتِي أَعْطَاهَا اللهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا. فَمَنْ لَهُ مَوْهِبَةُ النُّبُوَّةِ، فَلْيَتَنَبَّأْ بِمَا يُوَافِقُ الْعَقِيدَةَ. وَمَنْ لَهُ مَوْهِبَةُ الْخِدْمَةِ فَلْيَخْدِمْ. وَمَنْ لَهُ مَوْهِبَةُ التَّعْلِيمِ فَلْيُعَلِّمْ. وَمَنْ لَهُ مَوْهِبَةُ التَّشْجِيعِ فَلْيُشَجِّعْ. وَمَنْ لَهُ مَوْهِبَةُ الْعَطَاءِ فَلْيَكُنْ كَرِيمًا. وَمَنْ لَهُ مَوْهِبَةُ الْقِيَادَةِ فَلْيَعْمَلْ بِاجْتِهَادٍ. وَمَنْ لَهُ مَوْهِبَةُ الرَّحْمَةِ فَلْيَعْمَلْ ذَلِكَ بِسُرُورٍ. الْمَحَبَّةُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ بِإِخْلَاصٍ. اِكْرَهُوا الشَّرَّ وَتَمَسَّكُوا بِالْخَيْرِ. أَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِحَرَارَةٍ كَإِخْوَةٍ فِي الْمَسِيحِ. أَكْرِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَكْثَرَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ. لَا تَكُونُوا كَسَالَى بَلْ مُجْتَهِدِينَ. اِخْدِمُوا الْمَوْلَى بِحَمَاسٍ بِرُوحِ اللهِ. اِفْرَحُوا فِي الرَّجَاءِ. اِصْبِرُوا فِي الضِّيقِ. وَاظِبُوا عَلَى الصَّلَاةِ. تَبَرَّعُوا لِسَدِّ حَاجَاتِ الْمُؤْمِنِينَ. أَضِيفُوا الْغُرَبَاءَ. بَارِكُوا الَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ، بَارِكُوا وَلَا تَلْعَنُوا. اِفْرَحُوا مَعَ الْفَرِحِينَ، وَابْكُوا مَعَ الْبَاكِينَ. عِيشُوا مَعًا فِي وِفَاقٍ. لَا تَتَكَبَّرُوا، بَلْ كُونُوا أَصْدِقَاءَ لِلْبُسَطَاءِ. لَا تَجْعَلُوا الْغُرُورَ يُصِيبُكُمْ. لَا تَرُدُّوا عَلَى الشَّرِّ بِالشَّرِّ. اِعْمَلُوا مَا يَعْتَبِرُهُ الْجَمِيعُ أَنَّهُ خَيْرٌ. حَاوِلُوا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ أَنْ تُسَالِمُوا جَمِيعَ النَّاسِ. يَا أَحِبَّائِي لَا تَنْتَقِمُوا لِأَنْفُسِكُمْ، بَلِ اتْرُكُوا الْعِقَابَ للهِ، لِأَنَّهُ يَقُولُ فِي الْكِتَابِ: ”هَذَا كَلَامُ اللهِ، أَنَا أَنْتَقِمُ، أَنَا أُجَازِي.“ بَلْ: ”إِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ أَطْعِمْهُ، وَإِنْ عَطِشَ اسْقِهِ، لِأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هَذَا، تَضَعُ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ.“ لَا يَغْلِبْكَ الشَّرُّ، بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ. يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَخْضَعَ لِلسُّلْطَاتِ الْحَاكِمَةِ، لِأَنَّ كُلَّ سُلْطَةٍ هِيَ بِإِذْنِ اللهِ. فَالسُّلْطَاتُ الْمَوْجُودَةُ الْآنَ، اللهُ هُوَ الَّذِي عَيَّنَهَا. إِذَنْ مَنْ يُقَاوِمُ السُّلْطَةَ، يُقَاوِمُ تَدْبِيرَ اللهِ. وَالَّذِينَ يُقَاوِمُونَ يَجْلِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمُ الْعِقَابَ. فَالْحُكَّامُ لَا يُخَوِّفُونَ مَنْ يَعْمَلُ الْخَيْرَ بَلْ مَنْ يَعْمَلُ الشَّرَّ. هَلْ تُرِيدُ أَنْ لَا تَخَافَ مِنَ الشَّخْصِ الَّذِي فِي مَرْكَزِ السُّلْطَةِ؟ إِذَنِ اعْمَلِ الْخَيْرَ فَيَرْضَى عَنْكَ، لِأَنَّهُ يَخْدِمُ اللهَ لِمَصْلَحَتِكَ. أَمَّا إِنْ كُنْتَ تَعْمَلُ الشَّرَّ فَخَفْ مِنْهُ، لِأَنَّهُ يَحْمِلُ السَّيْفَ وَعِنْدَهُ السُّلْطَةُ لِاسْتِعْمَالِهِ. فَهُوَ خَادِمُ اللهِ لِيُجَازِيَ وَيُعَاقِبَ مَنْ يَعْمَلُ الشَّرَّ. إِذَنْ يَجِبُ أَنْ تَخْضَعَ لِلسُّلْطَةِ، لَيْسَ فَقَطْ خَوْفًا مِنَ الْعِقَابِ، بَلْ أَيْضًا لِأَنَّ ضَمِيرَكَ يُحَدِّثُكَ بِأَنَّ هَذَا هُوَ الْوَاجِبُ. وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ أَيْضًا فِي أَنَّكُمْ تَدْفَعُونَ الضَّرَائِبَ، لِأَنَّ رِجَالَ السُّلْطَةِ هُمْ خُدَّامُ اللهِ عِنْدَمَا يَقُومُونَ بِعَمَلِهِمْ. فَأَعْطُوا كُلَّ وَاحِدٍ مَا يَسْتَحِقُّهُ: ضَرِيبَةَ الْأَمْلَاكِ لِمَنْ هِيَ لَهُ، وَضَرِيبَةَ الدَّخْلِ لِمَنْ هِيَ لَهُ، وَالِاحْتِرَامَ لِمَنْ لَهُ الِاحْتِرَامُ، وَالْإِكْرَامَ لِمَنْ لَهُ الْإِكْرَامُ. لَا تَكُونُوا مَدْيُونِينَ لِأَحَدٍ بِشَيْءٍ، إِلَّا بِأَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا، فَمَنْ يُحِبُّ الْآخَرِينَ يَكُونُ قَدْ عَمِلَ بِالشَّرِيعَةِ كُلِّهَا. لِأَنَّ الْوَصَايَا الَّتِي تَقُولُ: ”لَا تَزْنِ، لَا تَقْتُلْ، لَا تَسْرِقْ، لَا تَشْتَهِ“ وَبَاقِي الْوَصَايَا كُلِّهَا تَتَلَخَّصُ فِي وَصِيَّةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ: ”أَحِبَّ الْآخَرِينَ كَمَا تُحِبُّ نَفْسَكَ.“ فَالَّذِي يُحِبُّ الْآخَرِينَ لَا يُسِيءُ إِلَيْهِمْ بِشَيْءٍ. إِذَنِ الْمَحَبَّةُ هِيَ الْعَمَلُ بِالشَّرِيعَةِ كُلِّهَا. فِي كُلِّ هَذَا تَذَكَّرُوا أَنَّهُ قَدْ حَانَ الْوَقْتُ، الْآنَ يَجِبُ أَنْ تُفِيقُوا مِنْ نَوْمِكُمْ، لِأَنَّ نَجَاتَنَا الْآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَتْ حِينَ آمَنَّا. كَادَ اللَّيْلُ أَنْ يَنْتَهِيَ وَيَطْلَعَ النَّهَارُ. فَيَجِبُ أَنْ نَطْرَحَ بَعِيدًا الْأَعْمَالَ الَّتِي تُعْمَلُ فِي الظَّلَامِ، وَنَلْبَسَ السِّلَاحَ الَّذِي بِهِ نُحَارِبُ فِي النُّورِ. يَجِبُ أَنْ نَعِيشَ كَمَا يَلِيقُ بِمَنْ يَسِيرُ فِي نُورِ النَّهَارِ، لَا مُجُونَ وَلَا سُكْرَ، لَا فِسْقَ وَلَا خَلَاعَةَ، لَا خِصَامَ وَلَا حَسَدَ. بَلْ لِيَكُنِ السِّلَاحُ الَّذِي تَلْبَسُونَهُ هُوَ عِيسَى الْمَسِيحَ مَوْلَانَا. وَلَا تُفَكِّرُوا فِي إِشْبَاعِ شَهَوَاتِ الطَّبِيعَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ. اِقْبَلُوا بَيْنَكُمْ مَنْ هُوَ ضَعِيفُ الْإِيمَانِ، وَلَا تُحَاكِمُوهُ عَلَى آرَائِهِ فِي الْمَوْضُوعَاتِ الَّتِي فِيهَا خِلَافٌ. فَوَاحِدٌ يَعْتَقِدُ أَنَّ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَأْكُلَ كُلَّ شَيْءٍ، وَآخَرُ إِيمَانُهُ ضَعِيفٌ فَيَأْكُلُ الْخُضْرَوَاتِ فَقَطْ. فَمَنْ يَأْكُلُ كُلَّ شَيْءٍ، يَجِبُ أَنْ لَا يَحْتَقِرَ مَنْ يَأْكُلُ الْخُضْرَوَاتِ فَقَطْ. وَمَنْ يَأْكُلُ الْخُضْرَوَاتِ وَحْدَهَا، يَجِبُ أَنْ لَا يَنْتَقِدَ مَنْ يَأْكُلُ كُلَّ شَيْءٍ لِأَنَّ اللهَ قَبِلَهُ. مَنْ أَنْتَ حَتَّى تَنْتَقِدَ خَادِمَ غَيْرِكَ؟ إِنْ كَانَ يَثْبُتُ أَوْ يَفْشَلُ، هَذَا قَرَارُ سَيِّدِهِ هُوَ. بَلْ إِنَّهُ سَيَثْبُتُ لِأَنَّ الْمَوْلَى قَادِرٌ أَنْ يُثَبِّتَهُ. وَاحِدٌ يَعْتَبِرُ أَنَّ يَوْمًا أَهَمُّ مِنْ يَوْمٍ، وَوَاحِدٌ آخَرُ يَعْتَبِرُ أَنَّ كُلَّ الْأَيَّامِ سَوَاءٌ. فَكُلُّ وَاحِدٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُقْتَنِعًا تَمَامًا بِرَأْيِهِ. فَمَنْ يُعْطِي أَهَمِّيَّةً خَاصَّةً لِيَوْمٍ مَا، يَفْعَلُ ذَلِكَ لِإِكْرَامِ اللهِ. وَمَنْ يَأْكُلُ اللَّحْمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِإِكْرَامِ اللهِ، لِأَنَّهُ يَشْكُرُ اللهَ. وَالَّذِي يَرْفُضُ أَنْ يَأْكُلَ بَعْضَ الْأَطْعِمَةِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ لِإِكْرَامِ اللهِ، وَهُوَ أَيْضًا يَشْكُرُ اللهَ. لَا أَحَدَ مِنَّا يَعِيشُ لِنَفْسِهِ، وَلَا أَحَدَ يَمُوتُ لِنَفْسِهِ. فِي حَيَاتِنَا نَعِيشُ لِلْمَسِيحِ، وَحِينَ نَمُوتُ نَذْهَبُ إِلَيْهِ، فَسَوَاءٌ فِي حَيَاتِنَا أَوْ بَعْدَ مَوْتِنَا، نَحْنُ نَنْتَمِي لِلْمَسِيحِ. لِهَذَا مَاتَ الْمَسِيحُ وَقَامَ إِلَى الْحَيَاةِ، لِيَكُونَ رَبَّ الْأَمْوَاتِ وَالْأَحْيَاءِ. فَلَا يَنْتَقِدُ أَحَدٌ أَخَاهُ، وَلَا يَحْتَقِرُ أَحَدٌ أَخَاهُ، لِأَنَّنَا كُلَّنَا سَنَقِفُ أَمَامَ كُرْسِيِّ مَحْكَمَةِ اللهِ. كَمَا يَقُولُ الْكِتَابُ: ”قَالَ اللهُ: ’أَقْسَمْتُ بِذَاتِي، سَيَسْجُدُ الْكُلُّ لِي عَلَى رُكَبِهِمْ، وَيَشْهَدُ الْجَمِيعُ عَلَنًا أَنِّي أَنَا اللهُ.‘“ إِذَنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا سَيُعْطِي عَنْ نَفْسِهِ حِسَابًا للهِ. فَلَا نَنْتَقِدْ بَعْضُنَا بَعْضًا، بَلْ صَمِّمُوا أَنْ لَا يَفْعَلَ أَحَدٌ شَيْئًا يَجْعَلُ أَخَاهُ يَعْثُرُ أَوْ يَسْقُطُ فِي الْخَطِيئَةِ. وَبِمَا أَنِّي أَنْتَمِي لِسَيِّدِنَا عِيسَى، فَأَنَا مُقْتَنِعٌ تَمَامًا أَنَّهُ لَا يُوجَدُ طَعَامٌ نَجِسٌ فِي حَدِّ ذَاتِهِ، بَلْ يَكُونُ نَجِسًا لِمَنْ يَعْتَبِرُهُ نَجِسًا. إِنْ كَانَ أَخُوكَ يَتَضَايَقُ بِسَبَبِ طَعَامِكَ، فَأَنْتَ لَا تَتَصَرَّفُ بِمَحَبَّةٍ. لَا تَجْعَلْ طَعَامَكَ يَتَسَبَّبُ فِي أَنْ يَهْلِكَ أَخُوكَ الَّذِي مَاتَ الْمَسِيحُ مِنْ أَجْلِهِ. اِحْذَرْ لِكَيْ لَا يَتَكَلَّمَ النَّاسُ بِالسُّوءِ ضِدَّ الْأُمُورِ الَّتِي تَعْتَبِرُ أَنَّهَا صَالِحَةٌ لَكَ. لِأَنَّ مَمْلَكَةَ اللهِ لَيْسَتْ أَكْلًا وَشُرْبًا، بَلْ صَلَاحًا وَسَلَامًا وَفَرَحًا بِالرُّوحِ الْقُدُّوسِ. فَمَنْ يَخْدِمُ الْمَسِيحَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، يَرْضَى عَنْهُ اللهُ وَيَمْدَحُهُ النَّاسُ. إِذَنْ يَجِبُ أَنْ نَتْبَعَ مَا يُؤَدِّي إِلَى السَّلَامِ وَإِلَى تَقْوِيَةِ أَحَدِنَا الْآخَرَ. لَا تَهْدِمْ عَمَلَ اللهِ بِسَبَبِ مَا تَأْكُلُهُ. صَحِيحٌ كُلُّ الطَّعَامِ حَلَالٌ، لَكِنْ مِنَ الْخَطَأِ أَنْ تُعْثِرَ الْآخَرِينَ بِسَبَبِ مَا تَأْكُلُهُ. مِنَ الْأَفْضَلِ أَنْ تَمْتَنِعَ عَنْ أَكْلِ اللَّحْمِ، وَعَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَعَنْ أَيِّ شَيْءٍ آخَرَ يَجْعَلُ أَخَاكَ يَسْقُطُ. اِحْتَفِظْ بِاعْتِقَادِكَ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ. هَنِيئًا لِمَنْ لَا يَلُومُ نَفْسَهُ عِنْدَمَا يَعْمَلُ مَا هُوَ حَلَالٌ بِحَسَبِ اعْتِقَادِهِ. أَمَّا مَنْ يَأْكُلُ وَعِنْدَهُ شَكٌّ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ عَنْ غَيْرِ إِيمَانٍ، وَكُلُّ مَا يَصْدُرُ عَنْ غَيْرِ إِيمَانٍ هُوَ خَطِيئَةٌ. فَنَحْنُ الْأَقْوِيَاءُ، يَجِبُ أَنْ نَحْتَمِلَ ضَعْفَ الضُّعَفَاءِ، وَلَا نُرْضِيَ أَنْفُسَنَا. بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يُرْضِي الْآخَرِينَ لِخَيْرِهِمْ لِكَيْ يَتَقَوَّوْا فِي الْإِيمَانِ. لِأَنَّ الْمَسِيحَ لَمْ يُرْضِ نَفْسَهُ، بَلْ كَمَا يَقُولُ الْكِتَابُ: ”شَتَائِمُ الَّذِينَ شَتَمُوكَ جَاءَتْ عَلَيَّ أَنَا.“ وَكُلُّ مَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ مُنْذُ الْقَدِيمِ هُوَ لِتَعْلِيمِنَا، لِكَيْ نَثْبُتَ وَنَتَقَوَّى بِكَلِمَةِ اللهِ، وَيَكُونَ عِنْدَنَا أَمَلٌ. أَسْأَلُ اللهَ الَّذِي يُعْطِي الثَّبَاتَ وَالْقُوَّةَ، أَنْ يَجْعَلَكُمْ مُتَّحِدِينَ مَعًا فِي الرَّأْيِ وَأَنْتُمْ تَتْبَعُونَ الْمَسِيحَ عِيسَى، لِكَيْ تُسَبِّحُوا اللهَ أَبَا سَيِّدِنَا عِيسَى الْمَسِيحِ بِرَأْيٍ وَاحِدٍ وَصَوْتٍ وَاحِدٍ. اِقْبَلُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا قَبِلَكُمُ الْمَسِيحُ، لِكَيْ يَتَمَجَّدَ اللهُ. فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ الْمَسِيحَ صَارَ خَادِمًا لِلْيَهُودِ لِكَيْ يُبَيِّنَ أَنَّ اللهَ صَادِقٌ، لِأَنَّهُ تَمَّمَ وُعُودَهُ لِلْآبَاءِ. وَأَيْضًا لِكَيْ يُسَبِّحَ غَيْرُ الْيَهُودِ اللهَ عَلَى رَحْمَتِهِ، كَمَا يَقُولُ الْكِتَابُ: ”لِذَلِكَ أَحْمَدُكَ بَيْنَ الشُّعُوبِ، وَأُغَنِّي بِالتَّسَابِيحِ لِاسْمِكَ.“ وَيَقُولُ أَيْضًا: ”اِفْرَحُوا أَيُّهَا الْأُمَمُ مَعَ شَعْبِهِ.“ وَأَيْضًا: ”سَبِّحُوا اللهَ يَا كُلَّ الْأُمَمِ، اِحْمَدُوهُ يَا كُلَّ الشُّعُوبِ.“ وَيَقُولُ إِشَعْيَا أَيْضًا: ”يَأْتِي سَلِيلُ يَسَّى، يَقُومُ لِيَسُودَ عَلَى الْأُمَمِ، وَتَضَعُ الشُّعُوبُ أَمَلَهَا فِيهِ.“ أَسْأَلُ اللهَ الَّذِي يُعْطِي الْأَمَلَ، أَنْ يَمْلَأَكُمْ بِكُلِّ فَرَحٍ وَسَلَامٍ بِاتِّكَالِكُمْ عَلَيْهِ، لِكَيْ يَزِيدَ أَمَلُكُمْ جِدًّا بِقُوَّةِ الرُّوحِ الْقُدُّوسِ. وَأَنَا مُتَأَكِّدٌ يَا إِخْوَتِي، أَنَّكُمْ مَمْلُوءُونَ بِالْخَيْرِ، وَكَامِلُونَ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَقَادِرُونَ أَنْ تُعَلِّمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. لَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أُذَكِّرَكُمْ بِبَعْضِ الْأُمُورِ فَكَتَبْتُ لَكُمْ عَنْهَا بِجَرَاءَةٍ. فَإِنَّ اللهَ أَنْعَمَ عَلَيَّ بِأَنْ أَكُونَ خَادِمَ الْمَسِيحِ عِيسَى إِلَى الشُّعُوبِ. أَقُومُ لَهُمْ بِعَمَلِ الْحَبْرِ، فَأُبَلِّغُهُمْ بُشْرَى اللهِ، لِكَيْ يَصِيرُوا قُرْبَانًا مَقْبُولًا عِنْدَهُ وَمُخَصَّصًا لَهُ بِالرُّوحِ الْقُدُّوسِ. فَأَنَا أَفْتَخِرُ بِأَنِّي أَخْدِمُ اللهَ بِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ عِيسَى. وَالْأَشْيَاءُ الَّتِي أَجْرُؤُ أَنْ أَتَكَلَّمَ عَنْهَا هُنَا، هِيَ فَقَطِ الَّتِي عَمِلَهَا الْمَسِيحُ بِوَاسِطَتِي لِهِدَايَةِ الشُّعُوبِ إِلَى طَاعَةِ اللهِ، فَهُوَ قَدِ اسْتَخْدَمَنِي بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَبِقُوَّةِ آيَاتٍ وَمُعْجِزَاتٍ، بِقُوَّةِ الرُّوحِ. فَقَدْ أَعْلَنْتُ بُشْرَى الْمَسِيحِ فِي كُلِّ مَكَانٍ مِنَ الْقُدْسِ إِلَى الْيَرْكُومَ. وَرَغْبَتِيَ الدَّائِمَةُ هِيَ أَنْ أُبَشِّرَ بِالْإِنْجِيلِ فِي الْبِلَادِ الَّتِي لَمْ تَسْمَعْ عَنِ الْمَسِيحِ، لِكَيْ لَا أَبْنِيَ عَلَى أَسَاسٍ وَضَعَهُ غَيْرِي. كَمَا يَقُولُ الْكِتَابُ: ”الَّذِينَ لَمْ يُخْبَرُوا بِهِ يَرَوْنَ، وَالَّذِينَ لَمْ يَسْمَعُوا عَنْهُ يَفْهَمُونَ.“ هَذَا هُوَ السَّبَبُ أَنِّي مَرَّاتٍ كَثِيرَةً مُنِعْتُ مِنَ الْمَجِيءِ إِلَيْكُمْ. أَمَّا الْآنَ بِمَا أَنَّ الْخِدْمَةَ فِي هَذِهِ الْمَنَاطِقِ لَا تَحْتَاجُ إِلَيَّ، وَبِمَا أَنِّي أَرْغَبُ فِي أَنْ أَزُورَكُمْ مُنْذُ سِنِينَ كَثِيرَةٍ، فَأَرْجُو أَنْ أَمُرَّ بِكُمْ وَأَنَا فِي طَرِيقِي إِلَى أَسْبَانِيَا. بِذَلِكَ أَتَمَتَّعُ بِزِيَارَتِكُمْ وَلَوْ لِفَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ، ثُمَّ تُجَهِّزُونِي بِمَا أَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِأُكَمِّلَ سَفَرِي إِلَى هُنَاكَ. أَمَّا الْآنَ، فَأَنَا فِي طَرِيقِي إِلَى الْقُدْسِ فِي خِدْمَةِ الْمُؤْمِنِينَ هُنَاكَ. لِأَنَّ الْإِخْوَةَ الَّذِينَ فِي مَقْدُونْيَا وَأَخَائِيَةَ، قَرَّرُوا أَنْ يَتَبَرَّعُوا بِمَعُونَةٍ مَالِيَّةٍ لِمُسَاعَدَةِ الْمُؤْمِنِينَ الْفُقَرَاءِ فِي الْقُدْسِ. إِنَّهُمْ قَرَّرُوا ذَلِكَ بِفَرَحٍ، وَفِي الْحَقِيقَةِ هَذَا وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ. لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْيَهُودَ قَدَّمُوا مِنْ بَرَكَاتِهِمُ الرُّوحِيَّةِ إِلَى الشُّعُوبِ، إِذَنْ يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الشُّعُوبِ أَنْ يُسَاعِدُوا الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْيَهُودِ بِالْبَرَكَاتِ الْمَادِّيَّةِ. فَبَعْدَ أَنْ أُسَلِّمَهُمُ النُّقُودَ كُلَّهَا وَأَنْتَهِيَ مِنْ هَذِهِ الْمُهِمَّةِ، أَمُرُّ بِكُمْ فِي طَرِيقِي إِلَى أَسْبَانِيَا. وَأَنَا عَارِفٌ أَنِّي عِنْدَمَا أَحْضُرُ عِنْدَكُمْ سَأَحْضُرُ وَأَنَا مُمْتَلِئٌ مِنْ بَرَكَاتِ الْمَسِيحِ. فَأَرْجُوكُمْ يَا إِخْوَتِي، مِنْ أَجْلِ مَوْلَانَا عِيسَى الْمَسِيحِ، وَمِنْ أَجْلِ الْمَحَبَّةِ الَّتِي يُعْطِيهَا الرُّوحُ، أَنْ تُجَاهِدُوا مَعِي فِي دُعَاءِ اللهِ مِنْ أَجْلِي، لِكَيْ أَنْجُوَ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي بِلَادِ يَهُوذَا، وَلِكَيْ يُرَحِّبَ الْإِخْوَةُ الَّذِينَ فِي الْقُدْسِ بِخِدْمَتِي لَهُمْ. فَأَجِيءَ إِلَيْكُمْ بِمَشِيئَةِ اللهِ وَقَلْبِي فَرْحَانٌ، وَأَرْتَاحَ بِوُجُودِي مَعَكُمْ. أَسْأَلُ اللهَ الَّذِي يُعْطِي السَّلَامَ، أَنْ يَكُونَ مَعَكُمْ جَمِيعًا. آمِـينَ. أُوصِيكُمْ بِأُخْتِنَا فِيبِي خَادِمَةِ جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ الَّتِي فِي كَنْكِرْيَةَ. رَحِّبُوا بِهَا كَأُخْتٍ فِي الْمَسِيحِ بِطَرِيقَةٍ تَلِيقُ بِمَنْ يَنْتَمُونَ للهِ. وَسَاعِدُوهَا فِي أَيِّ أَمْرٍ تَحْتَاجُ إِلَيْكُمْ فِيهِ، لِأَنَّهَا سَاعَدَتِ الْكَثِيرِينَ وَسَاعَدَتْنِي أَنَا أَيْضًا. سَلِّمُوا عَلَى بَرَكَةَ وَعَقِيلَ زَمِيلَيَّ فِي خِدْمَةِ الْمَسِيحِ عِيسَى، اللَّذَيْنِ خَاطَرَا بِحَيَاتِهِمَا مِنْ أَجْلِي. وَلَسْتُ أَنَا وَحْدِي أَشْكُرُهُمَا، بَلْ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا. سَلِّمُوا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَجْتَمِعُونَ فِي دَارِهِمَا. سَلِّمُوا عَلَى أَبَيْنِتُوسَ حَبِيبِيَ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَنِ اهْتَدَى إِلَى الْمَسِيحِ فِي آسْيَا. سَلِّمُوا عَلَى مَرْيَمَ الَّتِي تَعِبَتْ كَثِيرًا فِي خِدْمَتِكُمْ. سَلِّمُوا عَلَى أَنْدَرُونِي وَيُونْيَا قَرِيبَيَّ اللَّذَيْنِ كَانَا مَسْجُونَيْنِ مَعِي، وَهُمَا مِنَ الْمَشْهُورِينَ بَيْنَ الرُّسُلِ بَلِ اهْتَدَيَا إِلَى الْمَسِيحِ قَبْلِي. سَلِّمُوا عَلَى أَمْفِلَاوُسَ حَبِيبِيَ الَّذِي يَنْتَمِي لِلْمَسِيحِ. سَلِّمُوا عَلَى أُرْبَانَ زَمِيلِنَا فِي خِدْمَةِ الْمَسِيحِ، وَعَلَى أَسَاخِي حَبِيبِي. سَلِّمُوا عَلَى أَفْلِي الَّذِي بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ مُخْلِصٌ لِلْمَسِيحِ. وَعَلَى الَّذِينَ مِنْ عَائِلَةِ أَرِسْتُوفُلَ. سَلِّمُوا عَلَى هِرُدِيُونَ قَرِيبِي، وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْمَسِيحِ مِنْ عَائِلَةِ نَرْقِيسَ. سَلِّمُوا عَلَى طَرِيفَةَ وَطَرُوفَةَ اللَّتَيْنِ تَعْمَلَانِ فِي خِدْمَةِ الْمَسِيحِ. سَلِّمُوا عَلَى فَارْسِيَةَ الْمَحْبُوبَةِ الَّتِي عَمِلَتِ الْكَثِيرَ فِي خِدْمَةِ الْمَسِيحِ. سَلِّمُوا عَلَى رُوفَا، ذَلِكَ الْمُؤْمِنِ الْمُمْتَازِ! وَعَلَى أُمِّهِ الَّتِي هِيَ كَأُمٍّ لِي. سَلِّمُوا عَلَى سِنْقِرَاطَ وَفِلِيغُونَ وَهِرْمِسَ وَفَتْرُوبَ وَهِرْمَاسَ وَعَلَى كُلِّ الْإِخْوَةِ الَّذِينَ مَعَهُمْ. سَلِّمُوا عَلَى فِيلَاغِي وَجُولِيَا وَنِيرِي وَأُخْتِهِ وَأُولُمْبَاسَ وَعَلَى جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ مَعَهُمْ. سَلِّمُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِقُبْلَةٍ طَاهِرَةٍ. كُلُّ جَمَاعَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمَسِيحِ يُسَلِّمُونَ عَلَيْكُمْ. وَأَطْلُبُ مِنْكُمْ يَا إِخْوَتِي، أَنْ تَحْتَرِسُوا مِنَ الَّذِينَ يُسَبِّبُونَ الِانْقِسَامَاتِ، وَيَضَعُونَ الْعَقَبَاتِ فِي طَرِيقِكُمْ، وَيُعَلِّمُونَ أَشْيَاءَ مُخَالِفَةً لِلتَّعْلِيمِ الَّذِي تَلَقَّيْتُمُوهُ، اِبْتَعِدُوا عَنْهُمْ. لِأَنَّ هَؤُلَاءِ النَّاسَ لَا يَخْدِمُونَ السَّيِّدَ الْمَسِيحَ، بَلْ بُطُونَهُمُ الشَّرِهَةَ. وَيَخْدَعُونَ قُلُوبَ الْبُسَطَاءِ بِالْكَلَامِ الْمَعْسُولِ وَالْحَدِيثِ الْعَذْبِ. أَمَّا أَنْتُمْ فَقَدْ سَمِعَ الْجَمِيعُ عَنْ طَاعَتِكُمْ. وَلِهَذَا فَإِنِّي أَفْرَحُ بِكُمْ، وَأُرِيدُكُمْ أَنْ تَكُونُوا حُكَمَاءَ فِي مَا هُوَ خَيْرٌ وَأَبْرِيَاءَ فِي مَا هُوَ شَرٌّ. اللهُ الَّذِي يُعْطِي السَّلَامَ، سَيَسْحَقُ الشَّيْطَانَ تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ عَنْ قَرِيبٍ. نِعْمَةُ سَيِّدِنَا عِيسَى مَعَكُمْ. يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ تِيمُوتَاوُسُ زَمِيلِي فِي الْخِدْمَةِ، وَأَيْضًا أَقْرِبَائِي لُوسِيُوسُ وَيَاسُونُ وَسُوبَاتْرُ. وَأَنَا تَرْتِيُوسُ كَاتِبُ هَذِهِ الرِّسَالَةِ، أُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ كَمُؤْمِنٍ بِالْمَسِيحِ. يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ غَايِسُ الَّذِي يُضِيفُنِي هُنَا وَيَجْتَمِعُ الْمُؤْمِنُونَ فِي دَارِهِ. يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أَرَسْتُسُ أَمِينُ خِزَانَةِ الْمَدِينَةِ، وَكَوَارْتُسُ الْأَخُ. نِعْمَةُ عِيسَى الْمَسِيحِ مَوْلَانَا مَعَكُمْ جَمِيعًا. آمِينَ. الْجَلَالُ للهِ الْقَادِرِ أَنْ يُقَوِّيَكُمْ بِالْإِنْجِيلِ الَّذِي أُبَشِّرُ بِهِ، أَيِ الرِّسَالَةِ الَّتِي أُنَادِي بِهَا عَنْ عِيسَى الْمَسِيحِ. وَذَلِكَ بِأَنْ يُعْلِنَ لَكُمْ هَذَا السِّرَّ الَّذِي كَانَ مَكْتُومًا عَلَى مَدَى أَزْمِنَةٍ طَوِيلَةٍ. وَلَكِنَّهُ كُشِفَ الْآنَ وَيَجِبُ أَنْ يُذَاعَ إِلَى كُلِّ الشُّعُوبِ، لِكَيْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ وَيُطِيعُوهُ. فَهَذَا هُوَ مَا تَنَبَّأَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ فِي الْكِتَابِ، وَهَذَا هُوَ مَا أَمَرَ بِهِ اللهُ الْأَزَلِيُّ. هُوَ الْحَكِيمُ وَحْدَهُ، لَهُ الْجَلَالُ إِلَى الْأَبَدِ بِوَاسِطَةِ عِيسَى الْمَسِيحِ. آمِـينَ. مِنْ: بُولُسَ الَّذِي دَعَاهُ اللهُ حَسَبَ مَشِيئَتِهِ لِيَكُونَ رَسُولَ الْمَسِيحِ عِيسَـى، وَمِنَ الْأَخِ سُوسِي. إِلَى: جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ بِاللهِ فِي كُورِنْتُوسَ، الَّذِينَ خَصَّصَهُمْ لِنَفْسِهِ بِالْمَسِيحِ عِيسَى. وَمَعَكُمْ كُلُّ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِاسْمِ الْمَسِيحِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، فَهُوَ مَوْلَاهُمْ وَمَوْلَانَا. عَلَيْكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلَامُ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَعِيسَـى الْمَسِيحِ مَوْلَانَا. أَشْكُرُ اللهَ مِنْ أَجْلِكُمْ دَائِمًا عَلَى نِعْمَتِهِ الَّتِي أَعْطَاهَا لَكُمْ بِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ عِيسَـى. لِأَنَّكُمْ بِانْتِمَائِكُمْ لَهُ، أَصْبَحْتُمْ أَغْنِيَاءَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فِي الْكَلَامِ وَفِي الْمَعْرِفَةِ. لِأَنَّ رِسَالَةَ الْمَسِيحِ الَّتِي نُبَشِّرُ بِهَا ثَبَتَتْ فِيكُمْ، حَتَّى إِنَّهُ لَا تَنْقُصُكُمْ أَيُّ مَوْهِبَةٍ رُوحِيَّةٍ، بَيْنَمَا تَنْتَظِرُونَ مَجِيءَ عِيسَى الْمَسِيحِ مَوْلَانَا. وَهُوَ أَيْضًا سَيَحْفَظُكُمْ ثَابِتِينَ إِلَى النِّهَايَةِ، لِتَكُونُوا بِلَا عَيْبٍ فِي يَوْمِ مَوْلَانَا عِيسَـى الْمَسِيحِ. فَإِنَّ اللهَ أَمِينٌ، وَهُوَ الَّذِي دَعَاكُمْ لِتَكُونَ لَكُمْ رَابِطَةٌ مَعَ ابْنِهِ عِيسَى الْمَسِيحِ مَوْلَانَا. يَا إِخْوَتِي أَطْلُبُ مِنْكُمْ، بِاسْمِ مَوْلَانَا عِيسَـى الْمَسِيحِ، أَنْ تَكُونُوا جَمِيعًا عَلَى وِفَاقٍ مَعًا، غَيْرَ مُنْقَسِمِينَ بَلْ مُتَّحِدِينَ فِي الرَّأْيِ وَالْفِكْرِ. لِأَنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكُمْ يَا إِخْوَتِي مِنْ عَائِلَةِ خُلْوِي، أَنَّ بَيْنَكُمُ انْقِسَامَاتٍ. أَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يَقُولُ: ”أَنَا مَعَ بُولُسَ“ أَوْ: ”أَنَا مَعَ أَبُلُّوسَ“ أَوْ: ”أَنَا مَعَ بُطْرُسَ“ أَوْ: ”أَنَا مَعَ الْمَسِيحِ.“ هَلِ انْقَسَمَ الْمَسِيحُ؟ هَلْ بُولُسُ هُوَ الَّذِي صُلِبَ مِنْ أَجْلِكُمْ؟ هَلْ تَغَطَّسْتُمْ بِاسْمِ بُولُسَ؟ أَشْكُرُ اللهَ أَنِّي لَمْ أُغَطِّسْ أَحَدًا مِنْكُمْ إِلَّا كِرِيسْبِي وَغَايِسَ. فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَقُولَ إِنَّكُمْ تَغَطَّسْتُمْ بِاسْمِي. نَعَمْ، وَغَطَّسْتُ أَيْضًا عَائِلَةَ اصْطَفَانَ. فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، لَا أَذْكُرُ إِنْ كُنْتُ غَطَّسْتُ أَيَّ وَاحِدٍ آخَرَ. لِأَنَّ الْمَسِيحَ أَرْسَلَنِي، لَا لِأُغَطِّسَ، بَلْ لِأُبَشِّرَ بِالْإِنْجِيلِ، لَا بِلُغَةِ الْحِكْمَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَإِلَّا فَإِنَّ تَضْحِيَةَ الْمَسِيحِ عَلَى الصَّلِيبِ تَفْقِدُ قُوَّتَهَا. لِأَنَّ رِسَالَةَ الصَّلِيبِ بِالنِّسْبَةِ لِلْهَالِكِينَ هِيَ غَبَاءٌ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لَنَا نَحْنُ النَّاجِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ. لِأَنَّ اللهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: ”سَأُبِيدُ حِكْمَةَ الْحُكَمَاءِ، وَأَرْفُضُ فَهْمَ الْفُهَمَاءِ.“ فَأَيْنَ الْحَكِيمُ؟ أَيْنَ الْفَقِيهُ؟ أَيْنَ فَيْلَسُوفُ هَذَا الزَّمَانِ؟ لَقَدْ جَعَلَ اللهُ حِكْمَةَ هَذِهِ الدُّنْيَا جَهَالَةً! لِأَنَّ اللهَ فِي حِكْمَتِهِ، قَصَدَ أَنْ يَعْرِفَهُ النَّاسُ لَا عَنْ طَرِيقِ حِكْمَتِهِمْ. بَلْ شَاءَ أَنْ يُنْقِذَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ عَنْ طَرِيقِ الْبِشَارَةِ الَّتِي يَعْتَبِرُ الْبَعْضُ أَنَّهَا غَبَاءٌ. لِأَنَّ الْيَهُودَ يَطْلُبُونَ مُعْجِزَةً، وَالْيُونَانِيِّينَ يُرِيدُونَ حِكْمَةً. لَكِنَّنَا نَحْنُ نُبَشِّرُ بِالْمَسِيحِ الَّذِي ضَحَّى بِنَفْسِهِ عَلَى الصَّلِيبِ. وَهَذَا مُشْكِلَةٌ كَبِيرَةٌ لِلْيَهُودِ، وَغَبَاءٌ لِلْآخَرِينَ. أَمَّا لِلَّذِينَ دَعَاهُمُ اللهُ، يَهُودًا كَانُوا أَوْ غَيْرَ يَهُودٍ، فَهُوَ الْمَسِيحُ قُوَّةُ اللهِ وَحِكْمَةُ اللهِ. فَمَا يَبْدُو أَنَّهُ غَبَاءٌ مِنَ اللهِ، هُوَ أَحْكَمُ مِنْ حِكْمَةِ النَّاسِ. وَمَا يَبْدُو أَنَّهُ ضَعْفٌ مِنَ اللهِ، هُوَ أَقْوَى مِنْ قُوَّةِ النَّاسِ. تَذَكَّرُوا يَا إِخْوَتِي كَيْفَ كُنْتُمْ لَمَّا دَعَاكُمُ اللهُ. فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَكُمْ كَثِيرُونَ حُكَمَاءُ حَسَبَ حِكْمَةِ الْبَشَرِ، وَلَا كَثِيرُونَ عُظَمَاءُ أَوْ مِنْ أَصْلٍ شَرِيفٍ. بَلِ اخْتَارَ اللهُ الَّذِينَ يَعْتَبِرُهُمُ الْعَالَمُ جُهَلَاءَ لِيُخْجِلَ الْحُكَمَاءَ، وَالَّذِينَ يَعْتَبِرُهُمُ الْعَالَمُ ضُعَفَاءَ لِيُخْجِلَ الْأَقْوِيَاءَ. وَاخْتَارَ اللهُ الْوَضِيعِينَ وَالْمُحْتَقَرِينَ وَمَنْ هُمْ لَا شَيْءَ فِي نَظَرِ الْعَالَمِ، لِيُبِيدَ مَنْ يَعْتَبِرُهُمُ الْعَالَمُ أَنَّهُمْ شَيْءٌ، لِكَيْ لَا يَفْتَخِرَ أَحَدٌ أَمَامَ اللهِ. فَأَنْتُمْ تَنْتَمُونَ لِلْمَسِيحِ عِيسَى بِفَضْلِ اللهِ، لِأَنَّ اللهَ جَعَلَهُ حِكْمَتَنَا. وَاللهُ هُوَ الَّذِي بِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ اعْتَبَرَنَا صَالِحِينَ وَخَصَّصَنَا لَهُ وَفَدَانَا. إِذَنْ كَمَا يَقُولُ الْكِتَابُ: ”مَنْ أَرَادَ أَنْ يَفْتَخِرَ، فَلْيَفْتَخِرْ بِالْمَوْلَى.“ لِهَذَا يَا إِخْوَتِي، لَمَّا جِئْتُ لِأُبَشِّرَكُمْ بِالسِّرِّ الَّذِي أَعْلَنَهُ اللهُ لَنَا، لَمْ أَسْتَعْمِلْ تَعْبِيرَاتِ الْبَلَاغَةِ أَوِ الْحِكْمَةِ. بَلْ قَرَّرْتُ أَنْ أَنْسَى كُلَّ شَيْءٍ وَأَنَا عِنْدَكُمْ إِلَّا عِيسَـى الْمَسِيحَ وَمَوْتَهُ عَلَى الصَّلِيبِ. فَلَمَّا حَضَرْتُ عِنْدَكُمْ، كُنْتُ ضَعِيفًا وَخَائِفًا وَمُرْتَعِبًا جِدًّا. وَلَمَّا كُنْتُ أُكَلِّمُكُمْ وَأُبَشِّرُكُمْ، لَمْ أَسْتَعْمِلْ أُسْلُوبَ الْحِكْمَةِ وَالْإِقْنَاعِ، بَلْ بُرْهَانَ قُوَّةِ رُوحِ اللهِ. وَذَلِكَ لِكَيْ يَتَأَسَّسَ إِيمَانُكُمْ عَلَى قُوَّةِ اللهِ، لَا عَلَى حِكْمَةِ الْبَشَرِ. وَمَعَ ذَلِكَ، نَحْنُ نَسْتَعْمِلُ أُسْلُوبَ الْحِكْمَةِ مَعَ النَّاضِجِينَ رُوحِيًّا. لَكِنَّهَا حِكْمَةٌ لَيْسَتْ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا، وَلَا مِنْ قَادَةِ هَذِهِ الدُّنْيَا الزَّائِلِينَ. بَلْ حِكْمَةُ اللهِ السِّرِّيَّةُ الَّتِي كَانَتْ مَخْفِيَّةً عَنِ النَّاسِ، وَأَعَدَّهَا اللهُ مِنْ قَبْلِ بَدْءِ الزَّمَانِ لِإِكْرَامِنَا. وَلَمْ يَفْهَمْهَا أَحَدٌ مِنْ قَادَةِ هَذِهِ الدُّنْيَا، لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا فَهِمُوهَا مَا كَانُوا صَلَبُوا صَاحِبَ الْجَلَالَةِ. فَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ أُمُورٍ يَقُولُ عَنْهَا الْكِتَابُ: ”أَشْيَاءُ لَمْ تُشَاهِدْهَا عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ بِهَا أُذُنٌ، وَلَا يَتَصَوَّرُهَا عَقْلُ إِنْسَانٍ، هِيَ الَّتِي أَعَدَّهَا اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ.“ لَكِنَّهُ كَشَفَهَا لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ. لِأَنَّ رُوحَ اللهِ يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ اللهِ. فَإِنَّ رُوحَ الْإِنْسَانِ الَّذِي دَاخِلَهُ، هُوَ وَحْدَهُ يَعْرِفُ فِكْرَ ذَلِكَ الْإِنْسَانِ. وَكَذَلِكَ رُوحُ اللهِ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُ فِكْرَ اللهِ. وَنَحْنُ لَمْ نَحْصُلْ عَلَى رُوحِ هَذَا الْعَالَمِ، بَلِ الرُّوحِ الَّذِي مِنَ اللهِ، لِكَيْ نَعْرِفَ الْأُمُورَ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا اللهُ عَلَيْنَا. فَنَتَحَدَّثَ عَنْهَا بِكَلَامٍ نَتَعَلَّمُهُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُّوسِ، وَلَيْسَ مِنْ حِكْمَةِ النَّاسِ. فَنَشْرَحُ الْأُمُورَ الرُّوحِيَّةَ لِلْأَشْخَاصِ الرُّوحِيِّينَ. أَمَّا الْإِنْسَانُ الدُّنْيَوِيُّ، فَلَا يَقْبَلُ الْأُمُورَ الَّتِي مِنْ رُوحِ اللهِ، لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ أَنَّهَا غَبَاءٌ. وَهُوَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَفْهَمَهَا، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ رُوحُ اللهِ لِكَيْ يُمْكِنَهُ أَنْ يُمَيِّزَ قِيمَتَهَا. فَالْإِنْسَانُ الرُّوحِيُّ يُمْكِنُهُ أَنْ يُقَيِّمَ كُلَّ شَيْءٍ، أَمَّا هُوَ فَلَا يَخْضَعُ لِتَقْيِيمِ الْآخَرِينَ لَهُ. وَالْكِتَابُ يَقُولُ: ”مَنْ عَرَفَ فِكْرَ اللهِ لِيُرْشِدَهُ؟“ أَمَّا نَحْنُ فَلَنَا فِكْرُ الْمَسِيحِ. لِهَذَا يَا إِخْوَتِي، لَمْ أَقْدِرْ أَنْ أُكَلِّمَكُمْ كَأَشْخَاصٍ رُوحِيِّينَ بَلْ كَدُنْيَوِيِّينَ، كَأَطْفَالٍ فِي الْإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ. فَمَا قَدَّمْتُهُ لَكُمْ هُوَ كَاللَّبَنِ الْحَلِيبِ، لَا كَالطَّعَامِ الْقَوِيِّ. لِأَنَّكُمْ لَمْ تَكُونُوا قَادِرِينَ عَلَى أَكْلِ الطَّعَامِ، بَلْ لِلْآنَ أَنْتُمْ غَيْرُ قَادِرِينَ، لِأَنَّكُمْ مَا زِلْتُمْ دُنْيَوِيِّينَ. لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ فِيكُمْ حَسَدٌ وَخِصَامٌ، أَلَا تَكُونُونَ دُنْيَوِيِّينَ وَتَتَصَرَّفُونَ كَبَاقِي النَّاسِ؟ لِأَنَّهُ عِنْدَمَا يَقُولُ وَاحِدٌ: ”أَنَا مَعَ بُولُسَ“، وَآخَرُ: ”أَنَا مَعَ أَبُلُّوسَ“، أَلَا تَكُونُونَ كَبَاقِي النَّاسِ؟ فَمَنْ هُوَ أَبُلُّوسُ؟ وَمَنْ هُوَ بُولُسُ؟ هُمَا خَادِمَانِ اهْتَدَيْتُمْ بِوَاسِطَتِهِمَا إِلَى الْإِيمَانِ. وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَخْدِمُ حَسَبَ الْمَسْئُولِيَّةِ الَّتِي أَعْطَاهَا لَهُ الْمَسِيحُ. فَأَنَا زَرَعْتُ، وَأَبُلُّوسُ سَقَى، لَكِنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الزَّرْعَ يَنْمُو. إِذَنْ لَا الزَّارِعُ يَهُمُّ، وَلَا السَّاقِي يَهُمُّ، بَلِ اللهُ الَّذِي يُنَمِّي. وَلَا يُوجَدُ فَرْقٌ بَيْنَ الزَّارِعِ وَالسَّاقِي. وَكُلٌّ مِنْهُمَا سَيَنَالُ أَجْرَهُ الْخَاصَّ حَسَبَ تَعَبِهِ. فَنَحْنُ نَعْمَلُ مَعًا فِي خِدْمَةِ اللهِ، وَأَنْتُمْ حَقْلُ اللهِ وَبِنَاءُ اللهِ. وَبِفَضْلِ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيَّ، أَنَا وَضَعْتُ الْأَسَاسَ مِثْلَ مُهَنْدِسٍ خَبِيرٍ، وَآخَرُ يَبْنِي عَلَى هَذَا الْأَسَاسِ. فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَنْتَبِهَ كَيْفَ يَبْنِي. لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا غَيْرَ الْأَسَاسِ الَّذِي وَضَعَهُ اللهُ، أَيْ عِيسَى الْمَسِيحِ. فَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ يَبْنِي عَلَى هَذَا الْأَسَاسِ بِنَاءً مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ، أَوْ مِنْ خَشَبٍ وَقَشٍّ وَتِبْنٍ، فَسَيَظْهَرُ عَمَلُهُ. لِأَنَّ يَوْمَ الدِّينِ يُبَيِّنُهُ. فَإِنَّ النَّارَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَكْشِفُهُ، وَتُبَيِّنُ قِيمَةَ عَمَلِ كُلِّ وَاحِدٍ. فَمَنْ يَبْقَى عَمَلُهُ الَّذِي بَنَاهُ، يَنَالُ أَجْرًا. وَمَنْ يَحْتَرِقُ عَمَلُهُ، يَخْسَرُ الْأَجْرَ. هُوَ نَفْسُهُ يَنْجُو، لَكِنَّهُ يَكُونُ كَوَاحِدٍ هَرَبَ مِنْ وَسَطِ حَرِيقٍ. أَلَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ بَيْتُ اللهِ وَأَنَّ رُوحَ اللهِ سَاكِنٌ فِيكُمْ؟ فَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ يَخْرِبُ بَيْتَ اللهِ، يُهْلِكُهُ اللهُ. لِأَنَّ بَيْتَ اللهِ مُقَدَّسٌ، وَهُوَ أَنْتُمْ. فَلَا يَخْدَعْ أَحَدٌ مِنْكُمْ نَفْسَهُ. إِنْ كَانَ وَاحِدٌ مِنْكُمْ يَظُنُّ أَنَّهُ حَكِيمٌ بِحَسَبِ حِكْمَةِ هَذِهِ الدُّنْيَا، فَيَجِبُ أَنْ يَصِيرَ غَبِيًّا لِكَيْ يَكُونَ حَكِيمًا بِحَقٍّ. لِأَنَّ مَا يَعْتَبِرُهُ هَذَا الْعَالَمُ حِكْمَةً، هُوَ غَبَاءٌ فِي نَظَرِ اللهِ. فَالْكِتَابُ يَقُولُ: ”اللهُ يُمْسِكُ الْحُكَمَاءَ بِمَكْرِهِمْ.“ وَيَقُولُ أَيْضًا: ”اللهُ يَعْرِفُ أَفْكَارَ الْحُكَمَاءِ، وَيَعْلَمُ أَنَّهَا تَافِهَةٌ.“ إِذَنْ يَجِبُ أَنْ لَا يَفْتَخِرَ أَحَدٌ بِالنَّاسِ. لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ هُوَ لَكُمْ: سَوَاءٌ بُولُسُ أَوْ أَبُلُّوسُ أَوْ بُطْرُسُ، أَوِ الْعَالَمُ أَوِ الْحَيَاةُ أَوِ الْمَوْتُ، أَوِ الْحَاضِرُ أَوِ الْمُسْتَقْبَلُ، الْكُلُّ لَكُمْ. وَأَنْتُمْ تَنْتَمُونَ لِلْمَسِيحِ، وَالْمَسِيحُ يَنْتَمِي للهِ. يَجِبُ أَنْ يَعْتَبِرَنَا النَّاسُ خُدَّامَ الْمَسِيحِ وَوُكَلَاءَ عَلَى أَسْرَارِ اللهِ. فَالْمَطْلُوبُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْوُكَلَاءِ أَنْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ. أَمَّا أَنَا فَلَا يَهُمُّنِي أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ تُحَاسِبُونِي أَنْتُمْ أَوْ أَيُّ مَحْكَمَةٍ بَشَرِيَّةٍ. بَلْ إِنِّي لَا أُحَاسِبُ نَفْسِي. إِنَّ ضَمِيرِي لَا يَلُومُنِي فِي شَيْءٍ، لَكِنَّ هَذَا لَا يَعْنِي أَنِّي بَرِيءٌ، بَلِ الْمَسِيحُ هُوَ الَّذِي يُحَاسِبُنِي. إِذَنْ لَا تَحْكُمُوا قَبْلَ الْأَوَانِ، قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمَسِيحُ. فَهُوَ سَيَكْشِفُ مَا خَفِيَ فِي الظَّلَامِ، وَيُظْهِرُ نِيَّاتِ الْقُلُوبِ. بِذَلِكَ يَحْصُلُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى الْمَدِيحِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ مِنَ اللهِ. فَأَنَا يَا إِخْوَتِي، قَدَّمْتُ نَفْسِي وَأَبُلُّوسَ كَمِثَالٍ لِفَائِدَتِكُمْ، لِكَيْ تَتَعَلَّمُوا مِنْ حَالَتِنَا أَنْ لَا يَخْرُجَ أَحَدٌ عَنْ قَوَاعِدِ الْأُصُولِ فَيَنْتَفِخَ بِالْكِبْرِيَاءِ، وَيَتَحَزَّبَ فِي صَفِّ وَاحِدٍ ضِدَّ الْآخَرِ. فَمَنْ مَيَّزَكَ أَنْتَ عَلَى غَيْرِكَ؟ كُلُّ مَا عِنْدَكَ، أَعْطَاهُ اللهُ لَكَ. وَإِنْ كَانَ قَدْ أُعْطِيَ لَكَ، فَلِمَاذَا تَفْتَخِرُ كَأَنَّهُ لَمْ يُعْطَ لَكَ؟ أَنْتُمْ شَبِعْتُمْ وَاغْتَنَيْتُمْ وَأَصْبَحْتُمْ مُلُوكًا بِدُونِنَا! وَيَا لَيْتَكُمْ كُنْتُمْ مُلُوكًا فِعْلًا، لِكَيْ نَشْتَرِكَ مَعَكُمْ فِي الْمُلْكِ! يَبْدُو أَنَّ اللهَ عَرَضَنَا نَحْنُ الرُّسُلَ، فِي مُؤَخَّرَةِ الْمَوْكِبِ كَأَنَّهُ مَحْكُومٌ عَلَيْنَا بِالْإِعْدَامِ. لِأَنَّنَا صِرْنَا مَنْظَرًا لِلْعَالَمِ، لِلْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ مَعًا. نَحْنُ أَغْبِيَاءُ فِي سَبِيلِ الْمَسِيحِ، وَأَنْتُمْ عُقَلَاءُ بِانْتِمَائِكُمْ لِلْمَسِيحِ. نَحْنُ ضُعَفَاءُ، وَأَنْتُمْ أَقْوِيَاءُ. أَنْتُمْ مُكَرَّمُونَ، وَنَحْنُ مُحْتَقَرُونَ. لِحَدِّ الْآنَ، نَحْنُ نُعَانِي الْجُوعَ وَالْعَطَشَ وَالْعُرْيَ وَالضَّرْبَ وَالتَّشَرُّدَ. نَتْعَبُ وَنَشْتَغِلُ بِأَيْدِينَا لِنَحْصُلَ عَلَى مَعِيشَتِنَا. نُشْتَمُ فَنُبَارِكُ. نُضْطَهَدُ فَنَحْتَمِلُ. يُفْتَرَى عَلَيْنَا فَنَتَكَلَّمُ بِلُطْفٍ. لِحَدِّ الْيَوْمِ، نَحْنُ مِثْلُ حُثَالَةِ الْمُجْتَمَعِ، وَمِثْلُ زِبَالَةِ الْعَالَمِ. أَنَا أَكْتُبُ هَذَا لَا لِكَيْ أُخْجِلَكُمْ، بَلْ لِأَنْصَحَكُمْ لِأَنَّكُمْ أَوْلَادِيَ الْأَحِبَّاءُ. فَقَدْ يَكُونُ لَكُمْ 10000 مُرْشِدٍ فِي طَرِيقِ الْمَسِيحِ، لَكِنْ لَيْسَ لَكُمْ آبَاءٌ كَثِيرُونَ! أَنَا أَنْجَبْتُكُمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ عِيسَى لِأَنِّي أَنَا بَشَّرْتُكُمْ بِالْإِنْجِيلِ. لِذَلِكَ أَرْجُوكُمْ أَنْ تَقْتَدُوا بِي. وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ أَنِّي أَرْسَلْتُ لَكُمْ تِيمُوتَاوُسَ. هُوَ ابْنِيَ الْحَبِيبُ الْأَمِينُ الَّذِي يَتْبَعُ الْمَسِيحَ، وَهُوَ يُذَكِّرُكُمْ بِالْمَبَادِئِ الَّتِي أَسِيرُ عَلَيْهَا فِي الْحَيَاةِ الْجَدِيدَةِ الَّتِي تَنْتَمِي لِلْمَسِيحِ عِيسَـى، وَالَّتِي أُعَلِّمُ بِهَا الْمُؤْمِنِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ. بَعْضُكُمْ يَظُنُّ أَنِّي لَنْ أَحْضُرَ عِنْدَكُمْ، لِذَلِكَ يَنْتَفِخُونَ بِالْكِبْرِيَاءِ. لَكِنِّي بِمَشِيئَةِ اللهِ سَأَحْضُرُ قَرِيبًا، فَأَرَى إِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَبِّرُونَ عِنْدَهُمْ قُوَّةٌ أَمْ إِنَّهُ مُجَرَّدُ كَلَامٍ! لِأَنَّ مَمْلَكَةَ اللهِ لَيْسَتْ كَلَامًا بَلْ قُوَّةً. مَاذَا تُرِيدُونَ إِذَنْ؟ أَنْ أَحْضُرَ إِلَيْكُمْ بِعَصًا، أَمْ بِالْمَحَبَّةِ وَرُوحِ اللُّطْفِ؟ بَلَغَنِي أَنَّهُ فِعْلًا يُوجَدُ زِنًى عِنْدَكُمْ! وَهُوَ زِنًى لَا يَرْتَكِبُهُ حَتَّى الْوَثَنِيُّونَ: رَجُلٌ مِنْكُمْ يُعَاشِرُ امْرَأَةَ أَبِيهِ! وَمَعَ ذَلِكَ أَنْتُمْ مَا زِلْتُمْ مُنْتَفِخِينَ وَمُتَكَبِّرِينَ! كَانَ يَجِبُ أَنْ تَحْزَنُوا جِدًّا، وَأَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي ارْتَكَبَ هَذَا الْفِعْلَ يُنْزَعُ مِنْ بَيْنِكُمْ. أَمَّا أَنَا، فَمَعَ أَنِّي غَائِبٌ عَنْكُمْ بِالْجِسْمِ، إِلَّا أَنِّي مَوْجُودٌ مَعَكُمْ بِالرُّوحِ. وَقَدْ أَصْدَرْتُ حُكْمِي عَلَى الَّذِي ارْتَكَبَ هَذَا كَمَا لَوْ كُنْتُ مَوْجُودًا فِعْلًا: فَعِنْدَمَا تَجْتَمِعُونَ مَعًا بِاسْمِ سَيِّدِنَا عِيسَـى، وَأَنَا مَعَكُمْ بِالرُّوحِ، وَقُوَّةُ سَيِّدِنَا عِيسَـى فِي وَسْطِنَا، يَجِبُ أَنْ يُسَلَّمَ هَذَا الرَّجُلُ إِلَى الشَّيْطَانِ، لِتَهْلِكَ طَبِيعَتُهُ الدُّنْيَوِيَّةُ، لِكَيْ تَنْجُوَ رُوحُهُ فِي يَوْمِ مَوْلَانَا عِيسَى. لَا يَصِحُّ لَكُمْ أَنْ تَفْتَخِرُوا. أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ خَمِيرَةً صَغِيرَةً تُخَمِّرُ الْعَجِينَ كُلَّهُ. إِذَنْ أَبْعِدُوا عَنْكُمُ الْخَمِيرَةَ الْقَدِيمَةَ، لِكَيْ تَكُونُوا عَجِينًا جَدِيدًا. أَنْتُمْ فَطِيرٌ، لِأَنَّ حَمَلَ الْفِدَاءِ أَيِ الْمَسِيحَ، قُدِّمَ ضَحِيَّةً نِيَابَةً عَنَّا. يَجِبُ أَنْ نَحْتَفِلَ بِالْعِيدِ، لَا بِخُبْزٍ فِيهِ خَمِيرَةٌ قَدِيمَةٌ، خَمِيرَةُ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ، بَلْ بِفَطِيرٍ لَيْسَ فِيهِ خَمِيرَةٌ، فَطِيرِ النَّقَاءِ وَالْحَقِّ. لَمَّا كَتَبْتُ لَكُمْ فِي رِسَالَتِي أَنْ لَا تَخْتَلِطُوا مَعَ الزُّنَاةِ، لَمْ أَكُنْ أَقْصِدُ كُلَّ الْأَشْرَارِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، مِنْ زُنَاةٍ وَطَمَّاعِينَ وَغَشَّاشِينَ وَمَنْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ. وَإِلَّا فَهَذَا يَعْنِي أَنَّكُمْ تَخْرُجُونَ مِنَ الْمُجْتَمَعِ الْبَشَرِيِّ كُلِّهِ. بَلْ أَنَا أَقْصِدُ أَنْ لَا تَخْتَلِطُوا مَعَ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ مُؤْمِنٌ بَيْنَمَا هُوَ زَانٍ أَوْ طَمَّاعٌ أَوْ يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ أَوْ شَتَّامٌ أَوْ سِكِّيرٌ أَوْ سَرَّاقٌ. فَمِثْلُ هَذَا الشَّخْصِ يَجِبُ أَنْ لَا تَأْكُلُوا مَعَهُ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ أَنَا لَيْسَ مِنْ حَقِّي أَنْ أُحَاسِبَ الَّذِينَ هُمْ خَارِجَ أُمَّةِ الْمَسِيحِ. أَمَّا الَّذِينَ دَاخِلَهَا فَيَجِبُ أَنْ تُحَاسِبُوهُمْ أَنْتُمْ. لِأَنَّ الَّذِينَ هُمْ خَارِجَهَا سَيُحَاسِبُهُمُ اللهُ. اِعْزِلُوا هَذَا الشَّخْصَ الْفَاسِدَ مِنْ بَيْنِكُمْ. إِنْ كَانَ وَاحِدٌ فِيكُمْ لَهُ شَكْوَى ضِدَّ أَخٍ آخَرَ، فَهَلْ يَتَجَرَّأُ أَنْ يُقَاضِيَهُ عِنْدَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ بَدَلًا مِنْ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ؟ أَلَا تَعْلَمُونَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ سَيُحَاكِمُونَ الْعَالَمَ؟ فَإِنْ كُنْتُمْ سَتُحَاكِمُونَ الْعَالَمَ، إِذَنْ بِالتَّأْكِيدِ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَحْكُمُوا فِي الْقَضَايَا الْبَسِيطَةِ. وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَيْضًا أَنَّنَا سَوْفَ نُحَاكِمُ الْمَلَائِكَةَ، فَبِالْأَوْلَى أَنْ نَحْكُمَ فِي قَضَايَا هَذِهِ الْحَيَاةِ. فَإِنْ كَانَ بَيْنَكُمْ خِلَافٌ فِي أُمُورِ هَذِهِ الْحَيَاةِ، فَهَلْ تَعْرِضُونَهُ عَلَى قُضَاةٍ لَا تَعْمَلُ لَهُمْ أُمَّةُ الْمَسِيحِ اعْتِبَارًا؟ يَا لِلْعَارِ! أَلَا يُوجَدُ بَيْنَكُمْ وَاحِدٌ حَكِيمٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ؟ هَلْ يُقَاضِي الْأَخُ أَخَاهُ عِنْدَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ إِنَّ وُجُودَ قَضَايَا بَيْنَكُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّكُمْ فَشِلْتُمْ تَمَامًا. لِمَاذَا لَا تَحْتَمِلُونَ الظُّلْمَ؟ لِمَاذَا لَا تَقْبَلُونَ أَنْ يَسْلُبُوكُمْ؟ أَلَيْسَ هَذَا أَفْضَلَ؟ لَكِنْ أَنْتُمْ تَظْلِمُونَ وَتَسْلُبُونَ حَتَّى إِخْوَتَكُمُ الْمُؤْمِنِينَ! أَنْتُمْ بِلَا شَكٍّ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا نَصِيبَ لِلْأَشْرَارِ فِي مَمْلَكَةِ اللهِ. فَلَا تَنْخَدِعُوا، لَا الْفَاسِقُونَ، وَلَا الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ، وَلَا الزُّنَاةُ، وَلَا الْعَاهِرُونَ، وَلَا الَّذِينَ يُمَارِسُونَ الشُّذُوذَ الْجِنْسِيَّ، وَلَا السَّارِقُونَ، وَلَا الطَّمَّاعُونَ، وَلَا السِّكِّيرُونَ، وَلَا الشَّتَّامُونَ، وَلَا السَّالِبُونَ، لَا أَحَدَ مِنْ كُلِّ هَؤُلَاءِ لَهُ نَصِيبٌ فِي مَمْلَكَةِ اللهِ. وَلَقَدْ كَانَ بَعْضٌ مِنْكُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، لَكِنَّ اللهَ طَهَّرَكُمْ وَخَصَّصَكُمْ لَهُ وَاعْتَبَرَكُمْ صَالِحِينَ بِقُوَّةِ اسْمِ سَيِّدِنَا عِيسَـى الْمَسِيحِ وَبِرُوحِ إِلَهِنَا. كُلُّ شَيْءٍ حَلَالٌ لِي، لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ يَنْفَعُ. فَمَعَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ حَلَالٌ لِي، لَكِنِّي لَنْ أَسْمَحَ لِشَيْءٍ أَنْ يَسْتَعْبِدَنِي. الطَّعَامُ لِلْبَطْنِ وَالْبَطْنُ لِلطَّعَامِ، لَكِنَّ اللهَ سَيُبِيدُ كُلًّا مِنْهُمَا. أَمَّا جِسْمُ الْإِنْسَانِ فَلَيْسَ لِلزِّنَى، بَلْ لِخِدْمَةِ الْمَسِيحِ، وَالْمَسِيحُ هُوَ الَّذِي يُشْبِعُ احْتِيَاجَاتِ الْجِسْمِ. وَإِنَّ اللهَ الَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الْمَوْتِ، سَيُقِيمُنَا نَحْنُ أَيْضًا بِقُدْرَتِهِ. أَلَا تَعْلَمُونَ أَنَّ أَجْسَامَكُمْ هِيَ أَعْضَاءٌ فِي الْمَسِيحِ؟ فَهَلْ يَصِحُّ أَنْ آخُذَ أَعْضَاءَ الْمَسِيحِ وَأَجْعَلَهَا تَتَّحِدُ بِامْرَأَةٍ عَاهِرَةٍ؟ لَا سَمَحَ اللهُ! فَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَنْ يَقْتَرِنُ بِعَاهِرَةٍ، يَصِيرُ مَعَهَا وَاحِدًا. لِأَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ: ”يَصِيرُ الِاثْنَانِ وَاحِدًا.“ أَمَّا الَّذِي يَتَّحِدُ مَعَ الْمَسِيحِ، فَيَصِيرُ مَعَهُ رُوحًا وَاحِدًا. اُهْرُبُوا مِنَ الزِّنَى! كُلُّ خَطِيئَةٍ أُخْرَى يَرْتَكِبُهَا الْإِنْسَانُ هِيَ خَارِجُ جِسْمِهِ، أَمَّا الَّذِي يَزْنِي فَهُوَ يُذْنِبُ فِي حَقِّ جِسْمِهِ. أَلَا تَعْلَمُونَ أَنَّ جِسْمَكُمْ هُوَ بَيْتٌ لِلرُّوحِ الْقُدُّوسِ السَّاكِنِ فِيكُمْ وَالَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ لَكُمْ؟ فَأَنْتُمْ لَسْتُمْ مِلْكًا لِأَنْفُسِكُمْ بَلْ للهِ، لِأَنَّهُ اشْتَرَاكُمْ بِثَمَنٍ، إِذَنْ أَكْرِمُوا اللهَ فِي أَجْسَامِكُمْ. وَأَمَّا بِشَأْنِ الْمَسَائِلِ الَّتِي كَتَبْتُمْ عَنْهَا، فَمِنَ الْأَفْضَلِ لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ. وَلَكِنْ خَوْفًا مِنَ الزِّنَى، لِيَكُنْ لِكُلِّ رَجُلٍ امْرَأَتُهُ، وَلِكُلِّ امْرَأَةٍ رَجُلُهَا. وَعَلَى الرَّجُـلِ أَنْ يُعْطِـيَ امْرَأَتَهُ حَقَّهَـا كَزَوْجَـةٍ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تُعْطِـي رَجُلَهَا حَقَّهُ كَزَوْجٍ. فَالزَّوْجَـةُ لَيْسَ لَهَـا السُّلْطَـةُ عَلَى جِسْمِهَـا لِأَنَّهُ لِزَوْجِهَـا. وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ لَيْسَ لَهُ السُّلْطَـةُ عَلَى جِسْـمِهِ لِأَنَّهُ لِزَوْجَـتِهِ. فَلَا يَمْنَعْ أَحَـدُكُمَا الْآخَـرَ عَنْ نَفْسِـهِ، إِلَّا إِذَا كَانَ بِاتِّفَـاقٍ، وَلِفَـتْرَةٍ مَحْـدُودَةٍ، بِقَصْـدِ التَّفَرُّغِ لِلصَّلَاةِ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَرْجِعَانِ إِلَى الْعَلَاقَةِ الزَّوْجِيَّةِ مَعًا لِكَيْ لَا يُغْرِيَكُمَا الشَّيْطَانُ بِسَبَبِ عَدَمِ ضَبْطِ النَّفْسِ. أَقُولُ لَكُمْ هَذَا، عَلَى سَبِيلِ الْإِذْنِ لَا الْأَمْرِ. فَأَنَا أَتَمَنَّى لَوْ كَانَ جَمِيعُ النَّاسِ مِثْلِي. لَكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَهُ مَوْهِبَةٌ خَاصَّةٌ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، فَوَاحِدٌ لَهُ هَذِهِ الْمَوْهِبَةُ، وَآخَرُ لَهُ مَوْهِبَةٌ أُخْرَى. وَأَقُولُ لِغَيْرِ الْمُتَزَوِّجِينَ وَالْأَرَامِلِ إِنَّهُ مِنَ الْأَفْضَلِ لَهُمْ أَنْ يَبْقَوْا مِثْلِي. لَكِنْ إِنْ لَمْ يُمْكِنْهُمْ أَنْ يَضْبِطُوا أَنْفُسَهُمْ، فَيَجِبُ أَنْ يَتَزَوَّجُوا. لِأَنَّ الزَّوَاجَ أَفْضَلُ مِنَ التَّحَرُّقِ بِالشَّهْوَةِ. أَمَّا الْمُتَزَوِّجُونَ، فَأُوصِيهِمْ، فِي الْحَقِيقَةِ هَذَا لَيْسَ كَلَامِي أَنَا، بَلْ مَا عَلَّمَ بِهِ الْمَسِيحُ: يَجِبُ أَنْ لَا تَتْرُكَ الْمَرْأَةُ رَجُلَهَا. وَإِنْ كَانَتْ تَتْرُكُهُ، فَيَجِبُ أَنْ تَبْقَى غَيْرَ مُتَزَوِّجَةٍ، أَوْ تُصَالِحَ رَجُلَهَا. وَيَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ لَا يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ. أَمَّا الْبَاقُونَ، الَّذِينَ لَمْ يَتَحَدَّثِ الْمَسِيحُ فِي قَضِيَّتِهِمْ، أَقُولُ أَنَا لَهُمْ: إِنْ كَانَ وَاحِدٌ مُؤْمِنٌ لَهُ زَوْجَةٌ غَيْرُ مُؤْمِنَةٍ، وَهِيَ تَرْضَى أَنْ تَعِيشَ مَعَهُ، فَلَا يُطَلِّقْهَا. وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةٌ لَهَا زَوْجٌ غَيْرُ مُؤْمِنٍ، وَهُوَ يَرْضَى أَنْ يَعِيشَ مَعَهَا، فَلَا تُطَلِّقْهُ. لِأَنَّ الزَّوْجَ غَيْرَ الْمُؤْمِنِ يَتَبَارَكُ مِنْ أَجْلِ امْرَأَتِهِ الْمُؤْمِنَةِ. وَالزَّوْجَةَ غَيْرَ الْمُؤْمِنَةِ تَتَبَارَكُ مِنْ أَجْلِ رَجُلِهَا الْمُؤْمِنِ. وَإِلَّا يَكُونُ الْأَوْلَادُ غَيْرَ مُبَارَكِينَ، لَكِنْ فِي الْحَقِيقَةِ هُمْ مُبَارَكُونَ. أَمَّا إِنْ كَانَ الطَّرَفُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ لَا يَرْضَى بِهَذَا، وَيُرِيدُ أَنْ يَنْفَصِلَ فَلْيَنْفَصِلْ. فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ الطَّرَفُ الْمُؤْمِنُ غَيْرَ خَاضِعٍ لِرِبَاطِ الزَّوَاجِ. لَكِنَّ اللهَ دَعَانَا نَحْنُ الْمُؤْمِنِينَ لِنَعِيشَ فِي سَلَامٍ. لِأَنَّهُ مَنْ يَعْلَمُ أَيَّتُهَا الزَّوْجَةُ الْمُؤْمِنَةُ، رُبَّمَا تَكُونِينَ أَنْتِ السَّبَبَ فِي أَنْ يَنْجُوَ زَوْجُكِ؟ وَمَنْ يَعْلَمُ أَيُّهَا الزَّوْجُ الْمُؤْمِنُ، رُبَّمَا تَكُونُ أَنْتَ السَّبَبَ فِي أَنْ تَنْجُوَ زَوْجَتُكَ؟ لَكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَجِبُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْحَيَاةِ حَسَبَ الْمَوْهِبَةِ الَّتِي أَعْطَاهَا لَهُ الْمَسِيحُ، وَالْحَالَةِ الَّتِي دَعَاهُ فِيهَا اللهُ. هَذَا مَا أَفْرِضُهُ عَلَى كُلِّ الْمُؤْمِنِينَ. هَلْ وَاحِدٌ دُعِيَ وَهُوَ مَخْتُونٌ؟ إِذَنْ فَلَا يُحَاوِلْ أَنْ يُزِيلَ عَلَامَةَ خِتَانِهِ. هَلْ وَاحِدٌ دُعِيَ وَهُوَ غَيْرُ مَخْتُونٍ؟ فَلَا يُحَاوِلْ أَنْ يُخْتَنَ. فَلَا يَهُمُّ إِنْ كُنَّا مَخْتُونِينَ أَوْ غَيْرَ مَخْتُونِينَ، إِنَّمَا الْمُهِمُّ هُوَ الْعَمَلُ بِوَصَايَا اللهِ. يَجِبُ أَنْ يَبْقَى كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى الْحَالِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا حِينَ دَعَاهُ اللهُ. هَلْ كُنْتَ عَبْدًا لَمَّا دَعَاكَ اللهُ؟ فَلَا يَهُمَّكَ. بَلْ إِذَا أَمْكَنَكَ أَنْ تَصِيرَ حُرًّا، فَاغْتَنِمِ الْفُرْصَةَ. لِأَنَّهُ إِنْ كُنْتَ عَبْدًا حِينَ دَعَاكَ الْمَسِيحُ، فَقَدْ تَحَرَّرْتَ مِنْ قُوَّةِ الْخَطِيئَةِ. وَإِنْ كُنْتَ حُرًّا حِينَ دَعَاكَ الْمَسِيحُ، فَقَدْ صِرْتَ عَبْدًا لَهُ. لَقَدِ اشْتَرَاكُمُ اللهُ بِثَمَنٍ، فَلَا تَصِيرُوا عَبِيدًا لِلنَّاسِ. كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، يَا إِخْوَتِي يَجِبُ أَنْ يَبْقَى مَعَ اللهِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا عِنْدَمَا دَعَاهُ. أَمَّا بِشَأْنِ غَيْرِ الْمُتَزَوِّجِينَ، فَلَيْسَ عِنْدِي وَصِيَّةٌ لَهُمْ مِنَ الْمَسِيحِ. لَكِنْ حَيْثُ إِنَّهُ أَعْطَانِي حِكْمَةً يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَثِقُوا فِيهَا، فَأَقُولُ إِنَّهُ بِسَبَبِ الضِّيقِ الْحَالِيِّ يَكُونُ مِنَ الْأَفْضَلِ أَنْ يَبْقَى كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حَالِهِ. هَلْ أَنْتَ مُرْتَبِطٌ بِزَوْجَةٍ؟ إِذَنْ لَا تَطْلُبْ أَنْ تَنْفَصِلَ عَنْهَا. هَلْ أَنْتَ غَيْرُ مُرْتَبِطٍ بِزَوْجَةٍ؟ إِذَنْ لَا تَطْلُبْ زَوْجَةً. لَكِنَّكَ إِنْ تَزَوَّجْتَ، فَأَنْتَ لَا تُخْطِئُ. وَإِنْ تَزَوَّجَتِ الْفَتَاةُ، فَهِيَ لَا تُخْطِئُ. لَكِنَّ الَّذِينَ يَتَزَوَّجُونَ يُلَاقُونَ مَتَاعِبَ فِي الْحَيَاةِ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُوَفِّرَ عَلَيْكُمْ هَذَا. يَا إِخْوَتِي، إِنِّي أَقْصِدُ أَنْ أَقُولَ إِنَّ الْوَقْتَ أَصْبَحَ قَصِيرًا جِدًّا. إِذَنْ مِنَ الْآنَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ لَهُمْ زَوْجَاتٌ كَأَنَّهُمْ بِلَا زَوْجَاتٍ. وَالَّذِينَ يَبْكُونَ كَأَنَّهُمْ لَا يَبْكُونَ. وَالَّذِينَ يَفْرَحُونَ كَأَنَّهُمْ لَا يَفْرَحُونَ. وَالَّذِينَ يَشْتَرُونَ كَأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ. وَالَّذِينَ يَتَعَامَلُونَ فِي أُمُورِ هَذِهِ الدُّنْيَا كَأَنَّهُمْ لَا يَتَعَامَلُونَ. لِأَنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا زَائِلَةٌ بِكُلِّ مَا فِيهَا. أُرِيدُكُمْ أَنْ لَا تَقْلَقُوا. غَيْرُ الْمُتَزَوِّجِ يَهْتَمُّ بِأُمُورِ الْمَسِيحِ، لِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُرْضِيَهُ. أَمَّا الْمُتَزَوِّجُ فَيَهْتَمُّ بِأُمُورِ الدُّنْيَا، لِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُرْضِيَ زَوْجَتَهُ. فَاهْتِمَامُهُ مُشَتَّتٌ فِي اتِّجَاهَيْنِ. كَذَلِكَ الْمَرْأَةُ غَيْرُ الْمُتَزَوِّجَةِ أَوِ الْعَذْرَاءُ تَهْتَمُّ بِأُمُورِ الْمَسِيحِ، وَتَرْغَبُ فِي أَنْ تَكُونَ مُكَرَّسَةً لَهُ جِسْمًا وَرُوحًا. أَمَّا الْمُتَزَوِّجَةُ فَهِيَ تَهْتَمُّ بِأُمُورِ الدُّنْيَا، لِأَنَّهَا تُرِيدُ أَنْ تُرْضِيَ زَوْجَهَا. أَنَا أَقُولُ هَذَا لَا لِكَيْ أُقَيِّدَ مِنْ حُرِّيَّتِكُمْ، بَلْ لِفَائِدَتِكُمْ، لِكَيْ تَعْمَلُوا مَا يَلِيقُ وَتَخْدِمُوا الْمَسِيحَ دُونَ ارْتِبَاكٍ. إِنْ كَانَ وَاحِدٌ يَرَى أَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ بِطَرِيقَةٍ سَلِيمَةٍ نَحْوَ خَطِيبَتِهِ، وَأَنَّ شَهْوَتَهُ جَامِحَةٌ، إِذَنْ لَا بُدَّ مِنَ الزَّوَاجِ. نَعَمْ، فَلْيَعْمَلْ مَا يُرِيدُ، لَيْسَ فِي هَذَا خَطَأٌ. وَأَمَّا مَنْ يُصَمِّمُ فِي فِكْرِهِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ، وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ نَفْسِهِ وَغَيْرُ مُضْطَرٍّ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْ خَطِيبَتِهِ، فَيَفْعَلُ أَحْسَنَ. إِذَنْ، مَنْ يَتَزَوَّجُ يَفْعَلُ حَسَنًا، وَمَنْ لَا يَتَزَوَّجُ يَفْعَلُ أَحْسَنَ. الزَّوْجَةُ مُرْتَبِطَةٌ بِزَوْجِهَا مَا دَامَ حَيًّا. لَكِنْ إِنْ مَاتَ زَوْجُهَا، تَصِيرُ حُرَّةً يَحِقُّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ مَنْ تُرِيدُ، مِنْ بَيْنِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَطْ. لَكِنْ فِي رَأْيِي أَنَّهَا تَكُونُ أَكْثَرَ سَعَادَةً إِنْ بَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا. وَأَعْتَقِدُ أَنِّي أَقُولُ هَذَا بِرُوحِ اللهِ. وَأَمَّا بِشَأْنِ اللَّحْمِ الَّذِي يُقَدَّمُ لِلْأَصْنَامِ، فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا كُلَّنَا عِنْدَنَا مَعْرِفَةٌ. لَكِنَّ الْمَعْرِفَةَ تَجْعَلُ النَّاسَ يَنْتَفِخُونَ بِالْكِبْرِيَاءِ، أَمَّا الْمَحَبَّةُ فَتَبْنِي. فَإِنْ ظَنَّ وَاحِدٌ أَنَّهُ يَعْرِفُ شَيْئًا، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَعْرِفُ كَمَا يَجِبُ. أَمَّا اللهُ فَيَعْرِفُ مَنْ يُحِبُّهُ. إِذَنْ بِشَأْنِ الْأَكْلِ مِنَ اللَّحْمِ الَّذِي يُقَدَّمُ لِلْأَصْنَامِ: نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الصَّنَمَ لَيْسَ إِلَهًا لَهُ وُجُودٌ فِي الْعَالَمِ. لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ. فَإِنْ كَانَ فِي السَّمَاءِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ مَا يَزْعُمُ النَّاسُ أَنَّهُمْ آلِهَةٌ، وَمَا أَكْثَرَ تِلْكَ الْآلِهَةَ وَالْأَرْبَابَ! لَكِنْ لَيْسَ لَنَا إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ، هُوَ الْأَبُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَنَحْنُ نَحْيَا لِأَجْلِهِ. وَلَنَا سَيِّدٌ وَاحِدٌ، هُوَ عِيسَى الْمَسِيحُ الَّذِي بِوَاسِطَتِهِ خَلَقَ اللهُ كُلَّ شَيْءٍ، وَهُوَ يُعْطِينَا الْحَيَاةَ. لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ وَاحِدٍ يَعْرِفُ هَذَا. فَبَعْضُ النَّاسِ تَعَوَّدُوا عَلَى الْأَصْنَامِ، لِدَرَجَةِ أَنَّهُمْ لِحَدِّ الْآنَ عِنْدَمَا يَأْكُلُونَ مِنْ ذَلِكَ اللَّحْمِ، يَعْتَبِرُونَ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ إِلَى صَنَمٍ فِعْلًا. وَلِأَنَّ ضَمِيرَهُمْ ضَعِيفٌ، يَشْعُرُونَ أَنَّهُمْ تَنَجَّسُوا. إِلَّا أَنَّ الطَّعَامَ لَا يُقَرِّبُنَا إِلَى اللهِ. فَإِنْ كُنَّا نَرْفُضُ أَنْ نَأْكُلَ لَا نَنْقُصُ فِي شَيْءٍ. وَإِنْ كُنَّا نَأْكُلُ لَا نَزِيدُ فِي شَيْءٍ. لَكِنِ انْتَبِهُوا لِئَلَّا تَكُونَ حُرِّيَّتُكُمْ هَذِهِ سَبَبَ عَثْرَةٍ لِلضَّعِيفِ. فَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ ضَمِيرُهُ ضَعِيفٌ، يَرَاكَ أَنْتَ يَا صَاحِبَ الْمَعْرِفَةِ، جَالِسًا تَأْكُلُ فِي مَعْبَدٍ لِلْأَصْنَامِ، فَإِنَّهُ يَتَجَرَّأُ وَيَأْكُلُ مِنَ اللَّحْمِ الَّذِي يُقَدَّمُ لِلْأَصْنَامِ. فَتَكُونُ مَعْرِفَتُكَ أَنْتَ هِيَ السَّبَبَ فِي أَنْ يَهْلِكَ هَذَا الشَّخْصُ الضَّعِيفُ، مَعَ أَنَّهُ أَخُوكَ وَقَدْ مَاتَ الْمَسِيحُ مِنْ أَجْلِهِ. وَبِمَا أَنَّكُمْ تُخْطِئُونَ إِلَى إِخْوَتِكُمْ وَتَجْرَحُونَ ضَمِيرَهُمُ الضَّعِيفَ، فَأَنْتُمْ تُخْطِئُونَ إِلَى الْمَسِيحِ. إِذَنْ إِنْ كَانَ الطَّعَامُ يَتَسَبَّبُ فِي أَنْ يَسْقُطَ أَخِي، فَلَنْ آكُلَ اللَّحْمَ أَبَدًا لِكَيْ لَا أَجْعَلَ أَخِي يَسْقُطُ. أَنَا حُرٌّ! أَنَا رَسُولٌ! أَنَا رَأَيْتُ عِيسَى مَوْلَانَا، وَأَنْتُمْ ثَمَرُ خِدْمَتِي لَهُ. حَتَّى لَوْ لَمْ أَكُنْ رَسُولًا لِغَيْرِكُمْ، فَعَلَى الْأَقَلِّ أَنَا رَسُولٌ لَكُمْ. أَنْتُمْ تَنْتَمُونَ لِلْمَسِيحِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنِّي رَسُولٌ. هَذَا هُوَ دِفَاعِي لَدَى الَّذِينَ يَنْتَقِدُونِي: أَلَيْسَ لَنَا الْحَقُّ فِي أَنْ نَحْصُلَ عَلَى طَعَامِنَا وَشَرَابِنَا مِنَ الْخِدْمَةِ؟ أَلَيْسَ لَنَا الْحَقُّ فِي أَنْ تُرَافِقَنَا زَوْجَةٌ مُؤْمِنَةٌ فِي أَسْفَارِنَا، كَمَا يَعْمَلُ بَاقِي الرُّسُلِ وَإِخْوَةُ السَّيِّدِ وَبُطْرُسُ؟ أَمْ أَنَا وَبَرْنَابَا وَحْدَنَا فُرِضَ عَلَيْنَا أَنْ نَشْتَغِلَ بِأَيْدِينَا لِنَكْسِبَ رِزْقَنَا؟ مَنْ يَخْدِمُ كَجُنْدِيٍّ عَلَى نَفَقَتِهِ الْخَاصَّةِ؟ وَمَنْ يَزْرَعُ حَدِيقَةً وَلَا يَأْكُلُ مِنْ ثَمَرِهَا؟ وَمَنْ يَرْعَى قَطِيعًا وَلَا يَتَغَذَّى بِلَبَنِ الْقَطِيعِ؟ وَفِي هَذَا أَنَا لَا أَسْتَنِدُ عَلَى الْمَنْطِقِ الْبَشَرِيِّ وَحْدَهُ، بَلِ الْكِتَابُ أَيْضًا يَقُولُ نَفْسَ الشَّيْءِ. فَقَدْ وَرَدَ فِي تَوْرَاةِ مُوسَى: ”لَا تَسُدَّ فَمَ الثَّوْرِ وَهُوَ يَدْرُسُ.“ هَلِ اللهُ تَهُمُّهُ الثِّيرَانُ؟ أَمْ أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ يَقُولُ هَذَا مِنْ أَجْلِنَا نَحْنُ؟ نَعَمْ، هَذَا مَكْتُوبٌ مِنْ أَجْلِنَا، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْحَارِثَ يَحْرُثُ الْأَرْضَ، وَالدَّارِسَ يَدْرُسُ الْحُبُوبَ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا عِنْدَهُ أَمَلٌ فِي أَنْ يَحْصُلَ عَلَى نَصِيبِهِ مِنَ الْغَلَّةِ. فَإِنْ كُنَّا زَرَعْنَا لَكُمْ بَرَكَاتٍ رُوحِيَّةً، فَهَلْ يَكُونُ كَثِيرًا أَنْ نَحْصُدَ مِنْكُمْ بَرَكَاتٍ مَادِّيَّةً؟ وَإِنْ كَانَ غَيْرُنَا لَهُمُ الْحَقُّ فِي أَنْ يَحْصُلُوا عَلَى بَرَكَاتٍ مَادِّيَّةٍ مِنْكُمْ، إِذَنْ نَحْنُ بِالْأَوْلَى نَكُونُ أَحَقَّ. لَكِنَّنَا لَمْ نُطَالِبْ بِحَقِّنَا، بَلْ بِالْعَكْسِ، نَحْنُ نَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ لِكَيْ لَا نُعَطِّلَ إِنْجِيلَ الْمَسِيحِ. أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يَخْدِمُونَ فِي بَيْتِ اللهِ، يَحْصُلُونَ عَلَى رِزْقِهِمْ مِنْ قَرَابِينِ الْبَيْتِ. وَالَّذِينَ يَخْدِمُونَ عِنْدَ مَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ، يَحْصُلُونَ عَلَى نَصِيبِهِمْ مِنَ الْخَيْرَاتِ الَّتِي تُقَدَّمُ هُنَاكَ. وَالْمَسِيحُ أَيْضًا أَمَرَ أَنَّ الَّذِينَ يُبَشِّرُونَ بِالْإِنْجِيلِ يَحْصُلُونَ عَلَى رِزْقِهِمْ مِنْ خِدْمَةِ الْإِنْجِيلِ. لَكِنِّي لَمْ أَسْتَعْمِلْ أَيَّ حَقٍّ مِنْ هَذِهِ الْحُقُوقِ. وَلَا أَنَا أَكْتُبُ هَذَا لِأُطَالِبَ بِشَيْءٍ مِنْهَا. بَلْ إِنِّي أُفَضِّلُ الْمَوْتَ عَلَى أَنْ يَحْرِمَنِي أَحَدٌ مِنْ هَذَا الِافْتِخَارِ. وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِيَ الْحَقُّ أَنْ أَفْتَخِرَ بِأَنِّي أُبَشِّرُ بِالْإِنْجِيلِ، لِأَنَّ هَذَا وَاجِبٌ مَفْرُوضٌ عَلَيَّ. الْوَيْلُ لِي إِنْ كُنْتُ لَا أُبَشِّرُ بِالْإِنْجِيلِ. فَلَوْ كُنْتُ أَقُومُ بِهَذِهِ الْخِدْمَةِ بِاخْتِيَارِي، لَكَانَ يَحِقُّ لِي أَنْ أَحْصُلَ عَلَى أُجْرَةٍ. لَكِنْ فِي الْحَقِيقَةِ أَنَا أَخْدِمُ لَيْسَ بِاخْتِيَارِي، بَلْ أَقُومُ بِمَسْئُولِيَّةٍ وَضَعَهَا اللهُ عَلَيَّ. إِذَنْ مَا هِيَ أُجْرَتِي عَلَى هَذَا؟ أُجْرَتِي هِيَ أَنِّي أُبَشِّرُ بِالْإِنْجِيلِ مَجَّانًا، وَلَا أُطَالِبُ بِحُقُوقِيَ الَّتِي لِي كَخَادِمٍ لِلْإِنْجِيلِ. أَنَا حُرٌّ وَلَسْتُ عَبْدًا لِأَحَدٍ، لَكِنِّي جَعَلْتُ نَفْسِي عَبْدَ الْجَمِيعِ لِكَيْ أَرْبَحَ لِلْمَسِيحِ أَكْبَرَ عَدَدٍ مُمْكِنٍ. لِكَيْ أَرْبَحَ الْيَهُودَ، صِرْتُ كَأَنِّي يَهُودِيٌّ. وَلِكَيْ أَرْبَحَ أَهْلَ الشَّرِيعَةِ، صِرْتُ كَأَنِّي مِنْ أَهْلِ الشَّرِيعَةِ، مَعَ أَنِّي لَسْتُ تَحْتَ نُفُوذِ الشَّرِيعَةِ. وَلِكَيْ أَرْبَحَ الَّذِينَ هُمْ بِلَا شَرِيعَةٍ، صِرْتُ كَأَنِّي بِلَا شَرِيعَةٍ، مَعَ أَنَّ لِي شَرِيعَةً مِنْ عِنْدِ اللهِ لِأَنِّي خَاضِعٌ لِشَرِيعَةِ الْمَسِيحِ. وَلِكَيْ أَرْبَحَ الضُّعَفَاءَ، صِرْتُ ضَعِيفًا. صِرْتُ لِلْكُلِّ كُلَّ شَيْءٍ لِأُنْقِذَ بَعْضَهُمْ بِكُلِّ وَسِيلَةٍ مُمْكِنَةٍ. وَأَنَا أَعْمَلُ كُلَّ هَذَا فِي سَبِيلِ الْإِنْجِيلِ، لِكَيْ يَكُونَ لِي نَصِيبٌ فِي بَرَكَاتِهِ. أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْمُتَسَابِقِينَ فِي الْمُبَارَاةِ يَجْرُونَ كُلُّهُمْ، لَكِنَّ وَاحِدًا فَقَطْ هُوَ الَّذِي يَفُوزُ بِالْجَائِزَةِ. فَأَنْتُمْ أَيْضًا يَجِبُ أَنْ تَجْرُوا وَتَفُوزُوا. وَكُلُّ مُتَسَابِقٍ يَقُومُ بِتَدْرِيبَاتٍ شَاقَّةٍ كَثِيرَةٍ. وَهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِكَيْ يَفُوزُوا بِإِكْلِيلٍ مِنْ زُهُورٍ تَذْبُلُ. أَمَّا نَحْنُ فَلِكَيْ نَفُوزَ بِإِكْلِيلٍ يَبْقَى إِلَى الْأَبَدِ. لِهَذَا فَأَنَا أَجْرِي وَلِي هَدَفٌ أَمَامِي، وَأُلَاكِمُ لَا كَمَنْ يَضْرِبُ فِي الْهَوَاءِ. بَلْ أَقْهَرُ جِسْمِي وَأُخْضِعُهُ، وَإِلَّا بَعْدَمَا دَعَوْتُ غَيْرِي إِلَى الْمُبَارَاةِ، أَصِيرُ أَنَا نَفْسِي غَيْرَ مُؤَهَّلٍ لَهَا. وَأُرِيدُ يَا إِخْوَتِي، أَنْ تَفْهَمُوا مَا حَدَثَ لِآبَائِنَا. فَكُلُّهُمْ كَانُوا تَحْتَ سَحَابَةٍ تَقُودُهُمْ، وَكُلُّهُمْ عَبَرُوا فِي الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ سَالِمِينَ. فَكَأَنَّهُمْ غَطَسُوا فِي السَّحَابَةِ وَفِي الْبَحْرِ لِيَصِيرُوا أَتْبَاعَ مُوسَى. وَكُلُّهُمْ أَكَلُوا مِنْ نَفْسِ الطَّعَامِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ لَهُمْ، وَشَرِبُوا مِنْ نَفْسِ الشَّرَابِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ لَهُمْ. لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ صَخْرَةٍ أَعْطَاهَا اللهُ لَهُمْ وَكَانَتْ تُرَافِقُهُمْ، وَهَذِهِ الصَّخْرَةُ هِيَ الْمَسِيحُ. وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَرْضَ اللهُ عَنْ أَكْثَرِهِمْ، فَسَقَطُوا مَيِّتِينَ فِي الصَّحْرَاءِ. كُلُّ هَذَا حَصَلَ لِيَكُونَ عِبْرَةً لَنَا لِإِنْذَارِنَا، لِكَيْ لَا نَشْتَهِيَ الشَّرَّ مِثْلَهُمْ. فَلَا نَعْبُدِ الْأَصْنَامَ كَمَا فَعَلَ بَعْضُهُمْ، كَمَا يَقُولُ الْكِتَابُ: ”جَلَسَ الشَّعْبُ لِيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ، ثُمَّ قَامَ لِيَمْرَحَ.“ وَلَا نَرْتَكِبِ الزِّنَى كَمَا فَعَلَ بَعْضُهُمْ، فَمَاتَ مِنْهُمْ 23000 فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. وَلَا نَمْتَحِنِ الْمَسِيحَ كَمَا فَعَلَ بَعْضُهُمْ، فَأَهْلَكَتْهُمُ الْحَيَّاتُ. وَلَا نَتَذَمَّرْ كَمَا فَعَلَ بَعْضُهُمْ، فَأَهْلَكَهُمْ مَلَاكُ الْمَوْتِ. كُلُّ هَذَا حَصَلَ لَهُمْ لِيَكُونَ عِبْرَةً، وَكُتِبَ لِإِنْذَارِنَا نَحْنُ الَّذِينَ نَعِيشُ فِي آخِرِ الزَّمَنِ. إِذَنْ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ ثَابِتٌ، فَيَجِبُ أَنْ يَنْتَبِهَ لِئَلَّا يَسْقُطَ. إِنَّ الْمِحَنَ الَّتِي أَصَابَتْكُمْ، إِنَّمَا هِيَ عَادِيَّةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْبَشَرِ. اللهُ أَمِينٌ، وَهُوَ لَنْ يَسْمَحَ لَكُمْ بِمِحْنَةٍ لَا تَقْدِرُونَ عَلَيْهَا، بَلْ يُدَبِّرُ لَكُمْ مَعَ الْمِحْنَةِ سَبِيلَ الْخُرُوجِ مِنْهَا، لِكَيْ يُمْكِنَكُمْ أَنْ تَحْتَمِلُوهَا. لِذَلِكَ يَا أَحِبَّائِي، اِبْتَعِدُوا عَنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ. أَنَا أُكَلِّمُكُمْ كَعُقَلَاءَ، اُحْكُمُوا فِي مَا أَقُولُ: عِنْدَمَا نُقَدِّمُ الشُّكْرَ عَلَى كَأْسِ الْبَرَكَةِ وَنَتَنَاوَلُ مِنْهَا، فَنَحْنُ بِذَلِكَ نَشْتَرِكُ مَعًا فِي دَمِ الْمَسِيحِ. أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ وَأَيْضًا عِنْدَمَا نُقَسِّمُ الْخُبْزَ وَنَتَنَاوَلُ مِنْهُ، نَحْنُ نَشْتَرِكُ مَعًا فِي جِسْمِ الْمَسِيحِ. فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ جِسْمٌ وَاحِدٌ، لِأَنَّ رَغِيفَ الْخُبْزِ هُوَ وَاحِدٌ، وَكُلَّنَا نَشْتَرِكُ فِيهِ مَعًا. تَأَمَّلُوا مُمَارَسَاتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. الَّذِينَ يَأْكُلُونَ مِنَ الضَّحَايَا لَهُمْ رَابِطَةٌ مَعَ اللهِ فِي مَكَانِ تَقْدِيمِهَا. فَمَا مَعْنَى كَلَامِي؟ هَلْ يَعْنِي أَنَّ الصَّنَمَ هُوَ إِلَهٌ حَقِيقِيٌّ أَوْ أَنَّ الطَّعَامَ الَّذِي يُقَدَّمُ لِلصَّنَمِ هُوَ ضَحِيَّةٌ حَقِيقِيَّةٌ؟ طَبْعًا لَا، بَلْ أَعْنِي أَنَّ ضَحَايَا الْوَثَنِيِّينَ إِنَّمَا يُقَدِّمُونَهَا لِلشَّيَاطِينِ وَلَيْسَ للهِ. وَأَنَا لَا أُرِيدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَكُمْ رَابِطَةٌ مَعَ الشَّيَاطِينِ. لَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَشْرَبُوا مِنْ كَأْسِ الْمَسِيحِ وَمِنْ كَأْسِ الشَّيَاطِينِ. وَلَا أَنْ تَشْتَرِكُوا فِي مَائِدَةِ الْمَسِيحِ وَفِي مَائِدَةِ الشَّيَاطِينِ. فَإِنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ، نُثِيرُ غِيرَتَهُ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا لَسْنَا أَقْوَى مِنْهُ. كُلُّ شَيْءٍ حَلَالٌ، لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ يَنْفَعُ. كُلُّ شَيْءٍ حَلَالٌ، لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ يَبْنِي. كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يَجِبُ أَنْ يَسْعَى لِمَا فِيهِ الْخَيْرُ لِلْآخَرِينَ وَلَيْسَ لَهُ وَحْدَهُ. كُلُّ مَا يُبَاعُ فِي سُوقِ اللَّحْمِ، يُمْكِنُكَ أَنْ تَأْكُلَ مِنْهُ، وَلَا يَكُونَ عِنْدَكَ شَكٌّ فِي ضَمِيرِكَ. لِأَنَّ: ”لِرَبِّنَا الْأَرْضُ وَكُلُّ مَا عَلَيْهَا.“ وَإِنْ دَعَاكَ وَاحِدٌ غَيْرُ مُؤْمِنٍ لِتَأْكُلَ عِنْدَهُ، وَأَنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَذْهَبَ، فَيَجِبُ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ كُلِّ مَا يُقَدَّمُ لَكَ، وَلَا يَكُونَ عِنْدَكَ شَكٌّ فِي ضَمِيرِكَ. لَكِنْ إِنْ قَالَ لَكَ وَاحِدٌ: ”هَذَا الطَّعَامُ مُقَدَّمٌ لِلْأَصْنَامِ“ فَلَا تَأْكُلْ مِنْهُ مُرَاعَاةً لِمَنْ أَخْبَرَكَ، وَمِنْ أَجْلِ رَاحَةِ الضَّمِيرِ. أَنَا لَا أَقْصِدُ ضَمِيرَكَ أَنْتَ، بَلْ ضَمِيرَهُ هُوَ. رُبَّمَا تَقُولُ: ”لِمَاذَا تُقَيَّدُ حُرِّيَّتِي بِضَمِيرِ وَاحِدٍ غَيْرِي؟ وَإِنْ كُنْتُ عِنْدَمَا آكُلُ ذَلِكَ الطَّعَامَ أَشْكُرُ اللهَ عَلَيْهِ، فَلِمَاذَا يَلُومُنِي أَحَدٌ لِأَجْلِ مَا أَشْكُرُ اللهَ عَلَيْهِ؟“ فَأُجِيبُكَ: ”إِنْ كُنْتَ تَأْكُلُ أَوْ تَشْرَبُ أَوْ تَفْعَلُ أَيَّ شَيْءٍ آخَرَ، اِعْمَلْ كُلَّ شَيْءٍ لِمَجْدِ اللهِ. لَا تَكُنْ سَبَبَ عَثْرَةٍ لِأَحَدٍ، لَا لِيَهُودِيٍّ وَلَا لِأَجْنَبِيٍّ وَلَا لِأُمَّةِ اللهِ.“ أَنَا أَيْضًا أَعْمَلُ هَذَا، أُحَاوِلُ أَنْ أُرْضِيَ الْجَمِيعَ فِي كُلِّ مَا أَعْمَلُ، وَلَا أَهْتَمُّ بِمَا فِيهِ مَصْلَحَتِي أَنَا، بَلْ بِمَا فِيهِ مَصْلَحَةُ الْجَمِيعِ لِكَيْ يَنْجُوا. اِقْتَدُوا بِي كَمَا أَقْتَدِي بِالْمَسِيحِ. إِنِّي أَمْدَحُكُمْ لِأَنَّكُمْ تَذْكُرُونِي دَائِمًا، وَلِأَنَّكُمْ تُحَافِظُونَ عَلَى التَّعَالِيمِ كَمَا سَلَّمْتُهَا لَكُمْ. لِأَنِّي أُرِيدُكُمْ أَنْ تَفْهَمُوا أَنَّ الَّذِي يَرْأَسُ الرَّجُلَ هُوَ الْمَسِيحُ، وَالَّذِي يَرْأْسُ الْمَرْأَةَ هُوَ الرَّجُلُ، وَالَّذِي يَرْأَسُ الْمَسِيحَ هُوَ اللهُ. فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ يُصَلِّي أَوْ يَتَنَبَّأُ وَرَأْسُهُ مُغَطًّى، يُهِينُ الْمَسِيحَ الَّذِي هُوَ رَأْسُهُ. أَمَّا الْمَرْأَةُ فَهِيَ بِعَكْسِ ذَلِكَ، لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ وَرَأْسُهَا مَكْشُوفَةٌ، تُهِينُ الرَّجُلَ الَّذِي هُوَ رَأْسُهَا. وَهِيَ لَيْسَتْ أَفْضَلَ مِنْ وَاحِدَةٍ شَعْرُهَا مَحْلُوقٌ. فَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ لَا تُرِيدُ أَنْ تُغَطِّيَ رَأْسَهَا، فَيَجِبُ أَنْ تَقُصَّ شَعْرَهَا. لَكِنْ إِنْ كَانَ مِنَ الْعَيْبِ أَنْ تَقُصَّ شَعْرَهَا أَوْ تَحْلِقَهُ، إِذَنْ يَجِبُ أَنْ تُغَطِّيَ رَأْسَهَا. وَالرَّجُلُ لَا يَصِحُّ لَهُ أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ. لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ لِيُعَبِّرَ عَنِ اللهِ وَيُكْرِمَهُ. أَمَّا الْمَرْأَةُ فَهِيَ لِإِكْرَامِ الرَّجُلِ. وَالرَّجُلُ لَمْ يُصْنَعْ مِنَ الْمَرْأَةِ، بَلِ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ. وَالرَّجُلُ لَمْ يُخْلَقْ لِأَجْلِ الْمَرْأَةِ، بَلِ الْمَرْأَةُ لِأَجْلِ الرَّجُلِ. لِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُغَطِّيَ رَأْسَهَا كَعَلَامَةٍ عَلَى سُلْطَةِ رَجُلِهَا عَلَيْهَا، وَأَيْضًا احْتِرَامًا لِلْمَلَائِكَةِ. وَبِمَا أَنَّنَا نَنْتَمِي لِلْمَسِيحِ، فَالْمَرْأَةُ لَا تَسْتَغْنِي عَنِ الرَّجُلِ وَالرَّجُلُ لَا يَسْتَغْنِي عَنِ الْمَرْأَةِ. لِأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ صُنِعَتْ مِنَ الرَّجُلِ، فَالْآنَ يَأْتِي الرَّجُلُ مِنَ الْمَرْأَةِ. لَكِنَّ مَصْدَرَ الْكُلِّ هُوَ اللهُ. اُحْكُمُوا أَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ، هَلْ يَصِحُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّيَ للهِ وَهِيَ مَكْشُوفَةُ الرَّأْسِ؟ إِنَّ الطَّبِيعَةَ نَفْسَهَا تُعَلِّمُكُمْ أَنَّ الشَّعْرَ الطَّوِيلَ عَيْبٌ لِلرَّجُلِ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ فَهَذَا مِنْ دَوَاعِي الْفَخْرِ لَهَا. لِأَنَّ شَعْرَهَا الطَّوِيلَ هُوَ بِمَثَابَةِ غِطَاءٍ. فَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ يُرِيدُ أَنْ يُجَادِلَ بِهَذَا الشَّأْنِ، فَأَقُولُ إِنَّ مَا يُخَالِفُ هَذَا لَيْسَ مِنْ عَادَتِنَا وَلَا مِنْ عَادَةِ جَمَاعَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِاللهِ. لَكِنِّي لَا أَمْدَحُكُمْ وَأَنَا أُقَدِّمُ لَكُمْ هَذِهِ التَّعْلِيمَاتِ الْآتِيَةَ، لِأَنَّ اجْتِمَاعَاتِكُمْ تَضُرُّ أَكْثَرَ مِمَّا تَنْفَعُ. أَوَّلُ كُلِّ شَيْءٍ، بَلَغَنِي أَنَّهُ حِينَ تَجْتَمِعُونَ مَعًا، يُوجَدُ بَيْنَكُمُ انْقِسَامٌ. وَأَنَا أُصَدِّقُ هَذَا بَعْضَ الشَّيْءِ، فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْخِلَافِ، لِكَيْ يَظْهَرَ مَنْ هُوَ الْمُؤْمِنُ الْحَقُّ. فَأَنْتُمْ حِينَ تَجْتَمِعُونَ مَعًا، فَمَا تَعْمَلُونَهُ هُوَ لَيْسَ أَكْلَ عَشَاءِ الْمَسِيحِ! لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَتَنَاوَلُ عَشَاءَهُ قَبْلَ مَا يَحْضُرُ الْآخَرُونَ، وَالنَّتِيجَةُ هِيَ أَنَّ الْبَعْضَ يَسْكَرُ وَالْبَعْضَ الْآخَرَ يَجُوعُ! أَلَيْسَ لَكُمْ بُيُوتٌ تَأْكُلُونَ وَتَشْرَبُونَ فِيهَا؟ أَمْ أَنَّكُمْ تَسْتَهِينُونَ بِجَمَاعَةِ اللهِ، وَتَجْعَلُونَ الْفُقَرَاءَ يَخْجَلُونَ؟ فَمَاذَا أَقُولُ لَكُمْ عَلَى هَذَا؟ هَلْ أَمْدَحُكُمْ؟ طَبْعًا لَا! لِأَنِّي تَسَلَّمْتُ هَذَا مِنْ مَوْلَانَا، وَقَدْ سَلَّمْتُهُ لَكُمْ، وَهُوَ أَنَّ سَيِّدَنَا عِيسَـى فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي قَبَضُوا عَلَيْهِ فِيهَا، أَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ اللهَ وَقَسَّمَ وَقَالَ: ”هَذَا هُوَ جِسْمِي مِنْ أَجْلِكُمْ، اِعْمَلُوا هَذَا تَذْكَارًا لِي.“ وَبِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ، أَخَذَ الْكَأْسَ بَعْدَ الْعَشَاءِ وَقَالَ: ”هَذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ الَّذِي يَعْمَلُهُ اللهُ مَعَكُمْ بِدَمِي. فِي كُلِّ مَرَّةٍ تَشْرَبُونَ مِنْهَا، اِعْمَلُوا هَذَا تَذْكَارًا لِي.“ إِذَنْ إِلَى أَنْ يَجِيءَ الْمَسِيحُ، كُلَّ مَرَّةٍ تَأْكُلُونَ فِيهَا هَذَا الْخُبْزَ وَتَشْرَبُونَ هَذِهِ الْكَأْسَ، تُخْبِرُونَ بِمَوْتِهِ. فَمَنْ يَأْكُلُ مِنْ خُبْزِ الْمَسِيحِ أَوْ يَشْرَبُ مِنْ كَأْسِهِ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ، يُذْنِبُ فِي حَقِّ جِسْمِ الْمَسِيحِ وَدَمِهِ. فَيَجِبُ أَنْ يَخْتَبِرَ الْوَاحِدُ نَفْسَهُ ثُمَّ يَأْكُلَ مِنَ الْخُبْزِ وَيَشْرَبَ مِنَ الْكَأْسِ. لِأَنَّ مَنْ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ بِغَيْرِ أَنْ يُرَاعِيَ جِسْمَ الْمَسِيحِ، فَهُوَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ الْعِقَابَ عَلَى نَفْسِهِ. وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ أَنَّ كَثِيرِينَ مِنْكُمْ ضُعَفَاءُ وَمَرْضَى، وَكَثِيرِينَ مَاتُوا. أَمَّا إِنْ كُنَّا نَخْتَبِرُ أَنْفُسَنَا، فَإِنَّنَا نَتَجَنَّبُ الْعِقَابَ. لَكِنَّ اللهَ يُعَاقِبُنَا لِكَيْ نَتَأَدَّبَ فَلَا يَحِلَّ عَلَيْنَا غَضَبُهُ الَّذِي يَحِلُّ عَلَى الْعَالَمِ. إِذَنْ يَا إِخْوَتِي، عِنْدَمَا تَجْتَمِعُونَ مَعًا لِتَأْكُلُوا، اِنْتَظِرُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. وَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ جَائِعًا، فَيَجِبُ أَنْ يَأْكُلَ فِي بَيْتِهِ، لِئَلَّا يُعَاقِبَكُمُ اللهُ بِسَبَبِ اجْتِمَاعِكُمْ. أَمَّا الْمَسَائِلُ الْأُخْرَى، فَعِنْدَمَا أَحْضُرُ سَأَنْظُرُ فِيهَـا. وَالْآنَ إِلَى مَوْضُوعِ الْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ، لِأَنِّي لَا أُرِيدُكُمْ أَنْ تَكُونُوا جُهَلَاءَ. أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ لَمَّا كُنْتُمْ وَثَنِيِّينَ، كُنْتُمْ تَنْقَادُونَ عَلَى غَيْرِ هُدًى إِلَى الْأَصْنَامِ الَّتِي لَا تَنْطِقُ. لِهَذَا أُرِيدُ أَنْ أُعَرِّفَكُمْ أَنَّ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِرُوحِ اللهِ لَا يَتَكَلَّمُ بِالسُّوءِ ضِدَّ عِيسَـى، وَكَذَلِكَ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ عِيسَـى هُوَ مَوْلَانَا إِلَّا بِالرُّوحِ الْقُدُّوسِ. تُوجَدُ أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ مِنَ الْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ، لَكِنَّ الَّذِي يُعْطِي هَذِهِ الْمَوَاهِبَ هُوَ رُوحٌ وَاحِدٌ. وَتُوجَدُ أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ مِنَ الْخِدْمَةِ، لَكِنَّ الَّذِي نَخْدِمُهُ هُوَ سَيِّدٌ وَاحِدٌ. وَتُوجَدُ أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ مِنَ الْأَعْمَالِ، لَكِنَّ الَّذِي يَعْمَلُهَا كُلَّهَا بِوَاسِطَتِنَا هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ. وَكُلُّ وَاحِدٍ يَنَالُ مَوْهِبَةً تُبَيِّنُ أَنَّ الرُّوحَ مَوْجُودٌ فِيهِ لِلْمَنْفَعَةِ الْعَامَّةِ. فَوَاحِدٌ يُعْطِيهِ اللهُ كَلِمَةَ حِكْمَةٍ بِالرُّوحِ، وَآخَرُ كَلِمَةَ مَعْرِفَةٍ بِالرُّوحِ نَفْسِهِ. وَآخَرُ يُعْطِيهِ إِيمَانًا بِالرُّوحِ نَفْسِهِ، وَآخَرُ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ بِهَذَا الرُّوحِ الْوَاحِدِ. وَآخَرُ يُعْطِيهِ الْقُوَّةَ لِعَمَلِ الْمُعْجِزَاتِ، وَآخَرُ نُبُوَّةً، وَآخَرُ تَمْيِيزَ الْأَرْوَاحِ. وَآخَرُ يُعْطِيهِ التَّكَلُّمَ بِأَنْوَاعِ لُغَاتٍ، وَآخَرُ تَرْجَمَةَ هَذِهِ اللُّغَاتِ. وَكُلُّ هَذِهِ يَعْمَلُهَا الرُّوحُ الْوَاحِدُ نَفْسُهُ، وَيُوَزِّعُ الْمَوَاهِبَ كَمَا يَشَاءُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ. إِنَّ جِسْمَ الْإِنْسَانِ وَاحِدٌ مَعَ أَنَّهُ يَتَكَوَّنُ مِنْ أَعْضَاءٍ كَثِيرَةٍ. وَكَذَلِكَ الْمَسِيحُ فَمَعَ أَنَّ فِيهِ أَعْضَاءً كَثِيرَةً لَكِنَّهُ جِسْمٌ وَاحِدٌ. فَنَحْنُ كُلُّنَا، يَهُودٌ أَوْ غَيْرُ يَهُودٍ، عَبِيدٌ أَوْ أَحْرَارٌ، تَغَطَّسْنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ لِنَصِيرَ جِسْمًا وَاحِدًا، وَارْتَوَيْنَا مِنْ رُوحٍ وَاحِدٍ. فَالْجِسْمُ لَيْسَ عُضْوًا وَاحِدًا، بَلْ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ. وَلَوْ كَانَتِ الرِّجْلُ تَقُولُ: ”أَنَا لَسْتُ يَدًا، فَأَنَا لَا أَنْتَمِي لِلْجِسْمِ“ فَهَلْ هَذَا يَعْنِي أَنَّهَا فِعْلًا لَا تَنْتَمِي لِلْجِسْمِ؟ وَلَوْ كَانَتِ الْأُذُنُ تَقُولُ: ”أَنَا لَسْتُ عَيْنًا، فَأَنَا لَا أَنْتَمِي لِلْجِسْمِ“ فَهَلْ هَذَا يَعْنِي أَنَّهَا فِعْلًا لَا تَنْتَمِي لِلْجِسْمِ؟ وَلَوْ كَانَ الْجِسْمُ كُلُّهُ عَيْنًا، فَكَيْفَ نَسْمَعُ؟ وَلَوْ كَانَ كُلُّهُ أُذُنًا، فَكَيْفَ نَشُمُّ؟ لَكِنَّ اللهَ وَضَعَ كُلَّ عُضْوٍ مِنَ الْأَعْضَاءِ فِي الْجِسْمِ لِقَصْدٍ. فَلَوْ كَانَتْ كُلُّهَا عُضْوًا وَاحِدًا، فَكَيْفَ يَتَكَوَّنُ الْجِسْمُ؟ لَكِنَّ الْأَعْضَاءَ كَثِيرَةٌ وَالْجِسْمَ وَاحِدٌ. فَلَا تَقْدِرُ الْعَيْنُ أَنْ تَقُولَ لِلْيَدِ: ”أَنَا لَا أَحْتَاجُ إِلَيْكِ“ وَلَا تَقْدِرُ الرَّأْسُ أَنْ تَقُولَ لِلرِّجْلَيْنِ: ”أَنَا لَا أَحْتَاجُ إِلَيْكُمَا.“ بَلْ بِالْعَكْسِ، أَعْضَاءُ الْجِسْمِ الَّتِي تَبْدُو ضَعِيفَةً هِيَ مُهِمَّةٌ جِدًّا. وَالْأَعْضَاءُ الَّتِي نَظُنُّ أَنَّهَا غَيْرُ مُهِمَّةٍ، نُعَامِلُهَا بِعِنَايَةٍ أَكْثَرَ. بَيْنَمَا الَّتِي نَسْتَحِي مِنْهَا، لَهَا وَقَارٌ أَكْثَرُ. أَمَّا الَّتِي لَا نَسْتَحِي مِنْهَا، فَلَا تَحْتَاجُ إِلَى هَذَا الْوَقَارِ. لَكِنَّ اللهَ صَنَعَ الْجِسْمَ وَأَعْطَى كَرَامَةً أَكْثَرَ لِلْعُضْوِ الَّذِي هُوَ بِلَا كَرَامَةٍ. لِكَيْ لَا يَقَعَ خِلَافٌ فِي الْجِسْمِ، بَلْ تَعْتَنِيَ كُلُّ الْأَعْضَاءِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ. فَإِذَا كَانَ عُضْوٌ يَشْعُرُ بِأَلَمٍ، تَشْعُرُ بَاقِي الْأَعْضَاءِ بِالْأَلَمِ مَعَهُ. وَإِذَا كَانَ عُضْوٌ يَنَالُ إِكْرَامًا خَاصًّا، تَفْرَحُ بَاقِي الْأَعْضَاءِ مَعَهُ. أَنْتُمْ جِسْمُ الْمَسِيحِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عُضْوٌ فِيهِ. وَقَدْ وَضَعَ اللهُ كُلَّ وَاحِدٍ فِي مَكَانِهِ فِي أُمَّةِ الْمَسِيحِ: أَوَّلًا الرُّسُلَ، ثَانِيًا الْأَنْبِيَاءَ، ثَالِثًا الْمُعَلِّمِينَ. وَبَعْدَهُمُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الْمُعْجِزَاتِ، وَبَعْدَهُمُ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ مَوَاهِبُ شِفَاءٍ، أَوْ إِعَانَةُ الْآخَرِينَ، أَوْ حُسْنُ الْإِدَارَةِ، أَوِ التَّكَلُّمُ بِأَنْوَاعِ لُغَاتٍ. فَهَلِ الْكُلُّ رُسُلٌ؟ هَلِ الْكُلُّ أَنْبِيَاءُ؟ هَلِ الْكُلُّ مُعَلِّمُونَ؟ هَلِ الْكُلُّ يَعْمَلُونَ الْمُعْجِزَاتِ؟ هَلِ الْكُلُّ عِنْدَهُمْ مَوَاهِبُ شِفَاءٍ؟ هَلِ الْكُلُّ يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ؟ هَلِ الْكُلُّ يُتَرْجِمُونَ؟ إِذَنِ ارْغَبُوا فِي الْمَوَاهِبِ الْأَهَمِّ، وَسَأُبَيِّنُ لَكُمْ هُنَا أَفْضَلَ طَرِيقٍ: لَوْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِلُغَاتِ النَّاسِ وَالْمَلَائِكَةِ، لَكِنْ لَيْسَ عِنْدِي مَحَبَّةٌ، فَأَنَا نُحَاسٌ يَقْرَعُ بِلَا مَعْنَى، أَوْ أَجْرَاسٌ تَضْرِبُ بِلَا انْسِجَامٍ! وَلَوْ كَانَتْ عِنْدِي مَوْهِبَةُ النُّبُوَّةِ، وَكُنْتُ أَفْهَمُ كُلَّ الْأَسْرَارِ، وَأَعْرِفُ كُلَّ شَيْءٍ، وَكَانَ عِنْدِي كُلُّ الْإِيمَانِ لِأَنْقُلَ الْجِبَالَ، لَكِنْ لَيْسَ عِنْدِي مَحَبَّةٌ، فَأَنَا لَا شَيْءَ. وَلَوْ أَعْطَيْتُ كُلَّ مَا عِنْدِي لِلْفُقَرَاءِ، وَسَلَّمْتُ جِسْمِي لِيُحْرَقَ، لَكِنْ لَيْسَ عِنْدِي مَحَبَّةٌ، فَلَا أَسْتَفِيدُ شَيْئًا. الْمَحَبَّةُ تَصْبِرُ وَتَشْفِقُ. الْمَحَبَّةُ لَا تَحْسِدُ وَلَا تَتَبَاهَى وَلَا تَنْتَفِخُ بِالْكِبْرِيَاءِ. الْمَحَبَّةُ لَا تَتَصَرَّفُ بِوَقَاحَةٍ، وَلَا تَسْعَى إِلَى مَصْلَحَتِهَا الْخَاصَّةِ، وَلَا تَثُورُ وَلَا تَتَذَكَّرُ الْإِسَاءَةَ، وَلَا تَفْرَحُ بِالضَّلَالِ، بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ. الْمَحَبَّةُ تَصْفَحُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتَأْمَلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ. مَوَاهِبُ النُّبُوَّةِ سَتَبْطُلُ، وَالتَّكَلُّمُ بِلُغَاتٍ يَنْتَهِي، وَالْمَعْرِفَةُ أَيْضًا تَبْطُلُ، أَمَّا الْمَحَبَّةُ فَتَدُومُ وَلَا تَنْتَهِي. فَإِنَّ مَوْهِبَةَ الْمَعْرِفَةِ الَّتِي عِنْدَنَا مَحْدُودَةٌ، وَمَوْهِبَةَ النُّبُوَّةِ الَّتِي عِنْدَنَا مَحْدُودَةٌ. لَكِنْ عِنْدَمَا يَأْتِي مَا هُوَ كَامِلٌ، يَنْتَهِي كُلُّ مَا هُوَ مَحْدُودٌ. لَمَّا كُنْتُ طِفْلًا، كُنْتُ أَتَكَلَّمُ وَأُفَكِّرُ وَأُدْرِكُ كَطِفْلٍ. أَمَّا الْآنَ فَأَصْبَحْتُ رَجُلًا وَتَرَكْتُ تَصَرُّفَاتِ الْأَطْفَالِ. الْآنَ نَرَى صُورَةً غَيْرَ وَاضِحَةٍ فِي مِرْآةٍ، أَمَّا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَسَنَرَى بِوُضُوحٍ. الْآنَ مَعْرِفَتِي مَحْدُودَةٌ، أَمَّا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَسَتَكُونُ كَامِلَةً كَمَا يَعْرِفُنِي اللهُ. وَبِالِاخْتِصَارِ، هَذِهِ الـ3 تَدُومُ: الْإِيمَانُ وَالْأَمَلُ وَالْمَحَبَّةُ، لَكِنَّ أَعْظَمَهَا كُلِّهَا الْمَحَبَّةُ. إِذَنْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عِنْدَكُمْ مَحَبَّةٌ، لَكِنِ ارْغَبُوا أَيْضًا فِي الْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ وَخَاصَّةً مَوْهِبَةَ النُّبُوَّةِ. مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلُغَةٍ غَيْرِ مَعْرُوفَةٍ لَا يَفْهَمُهُ النَّاسُ، لِأَنَّهُ بِالرُّوحِ يَتَكَلَّمُ بِأَسْرَارٍ، فَهُوَ يُكَلِّمُ اللهَ لَا النَّاسَ. أَمَّا مَنْ يَتَنَبَّأُ، فَهُوَ يُكَلِّمُ النَّاسَ بِمَا يُفِيدُ وَيُشَجِّعُ وَيُقَوِّي. فَمَنْ يَتَكَلَّمُ بِلُغَةٍ غَيْرِ مَعْرُوفَةٍ يُفِيدُ نَفْسَهُ، وَمَنْ يَتَنَبَّأُ يُفِيدُ جَمَاعَةَ الْمُؤْمِنِينَ. فَأُرِيدُ لَكُمْ أَنْ تَتَكَلَّمُوا كُلُّكُمْ بِلُغَاتٍ، لَكِنِّي أُرِيدُ لَكُمْ أَكْثَرَ أَنْ تَتَنَبَّأُوا. لِأَنَّ الَّذِي يَتَنَبَّأُ هُوَ أَهَمُّ مِنَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِلُغَاتٍ، إِلَّا إِذَا كَانَ يُتَرْجِمُ لِكَيْ تَسْتَفِيدَ جَمَاعَةُ الْمُؤْمِنِينَ. إِذَنْ يَا إِخْوَتِي، لَوْ جِئْتُ عِنْدَكُمْ وَكَلَّمْتُكُمْ بِلُغَاتٍ، لَا يُمْكِنُ أَنْ أُفِيدَكُمْ، إِلَّا إِذَا كُنْتُ أُقَدِّمُ لَكُمْ إِعْلَانًا مِنَ اللهِ أَوْ مَعْرِفَةً أَوْ نُبُوَّةً أَوْ تَعْلِيمًا. وَحَتَّى بِالنِّسْبَةِ لِلْآلَاتِ الْمُوسِيقِيَّةِ الَّتِي لَا حَيَاةَ فِيهَا، مِثْلَ الْمِزْمَارِ أَوِ الْقِيثَارَةِ، كَيْفَ يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْرِفَ اللَّحْنَ الْمَعْزُوفَ إِلَّا إِذَا كَانَتِ الْأَنْغَامُ مُتَمَيِّزَةً عَنْ بَعْضِهَا؟ وَإِنْ كَانَ صَوْتُ الْبُوقِ غَيْرَ وَاضِحٍ، مَنْ يَسْتَعِدُّ لِلْحَرْبِ؟ وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لَكَ، إِنْ كُنْتَ تَتَكَلَّمُ بِلُغَاتٍ كَلَامًا غَيْرَ مَفْهُومٍ، لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْهَمَ مَا تَقُولُ. إِنَّمَا تَكُونُ كَأَنَّكَ تُكَلِّمُ الْهَوَاءَ. لَا شَكَّ أَنَّهُ تُوجَدُ لُغَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي الْعَالَمِ، وَكُلُّهَا لَهَا مَعْنَى. لَكِنْ إِنْ كُنْتُ لَا أَفْهَمُ اللُّغَةَ الَّتِي أَسْمَعُهَا، أَكُونُ أَجْنَبِيًّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَكَلِّمِ، وَالْمُتَكَلِّمُ أَجْنَبِيًّا بِالنِّسْبَةِ لِي. أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ عِنْدَكُمْ حَمَاسًا لِلْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ، إِذَنْ حَاوِلُوا أَنْ تَزِيدُوا فِي الْمَوَاهِبِ الَّتِي هِيَ لِفَائِدَةِ الْمُؤْمِنِينَ كُلِّهِمْ. يَجِبُ عَلَى الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِلُغَةٍ غَيْرِ مَعْرُوفَةٍ أَنْ يَطْلُبَ مِنَ اللهِ لِيُعْطِيَهُ أَنْ يُتَرْجِمَ مَا يَقُولُ. لِأَنِّي إِنْ كُنْتُ أُصَلِّي بِلُغَةٍ، فَإِنَّ رُوحِي هِيَ الَّتِي تُصَلِّي، أَمَّا عَقْلِي فَلَا يَعْمَلُ شَيْئًا. فَمَا الْحَلُّ إِذَنْ؟ أُصَلِّي بِالرُّوحِ وَأَيْضًا أُصَلِّي بِالْعَقْلِ. أُغَنِّي وَأُسَبِّحُ بِالرُّوحِ وَأَيْضًا أُغَنِّي وَأُسَبِّحُ بِالْعَقْلِ. لِأَنَّكَ إِنْ كُنْتَ تَشْكُرُ اللهَ بِالرُّوحِ فَقَطْ، فَالشَّخْصُ الْعَادِيُّ الْمَوْجُودُ فِي الِاجْتِمَاعِ، لَا يَفْهَمُ مَا تَقُولُ. لِذَلِكَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ: ”آمِينَ“ عَلَى الشُّكْرِ الَّذِي قَدَّمْتَهُ. قَدْ تَكُونُ صَلَاةُ الشُّكْرِ الَّتِي قَدَّمْتَهَا عَظِيمَةً، لَكِنَّ غَيْرَكَ لَمْ يَسْتَفِدْ مِنْهَا. أَشْكُرُ اللهَ لِأَنِّي أَتَكَلَّمُ بِلُغَاتٍ أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ وَاحِدٍ فِيكُمْ. لَكِنِّي فِي الِاجْتِمَاعِ أُفَضِّلُ أَنْ أَقُولَ 5 كَلِمَاتٍ مَفْهُومَةٍ لِكَيْ أُعَلِّمَ بِهَا الْآخَرِينَ، عَلَى أَنْ أَقُولَ 10000 كَلِمَةٍ بِلُغَةٍ غَيْرِ مَعْرُوفَةٍ. يَا إِخْوَتِي، لَا تَكُونُوا كَالْأَطْفَالِ فِي تَفْكِيرِكُمْ. إِنَّمَا فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرِّ، نَعَمْ، كُونُوا كَالْأَطْفَالِ. أَمَّا فِي التَّفْكِيرِ فَيَجِبُ أَنْ تَكُونُوا بَالِغِينَ. جَاءَ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ اللهِ: ”سَأُكَلِّمُ هَذَا الشَّعْبَ بِوَاسِطَةِ أَشْخَاصٍ لُغَتُهُمْ غَرِيبَةٌ، بِوَاسِطَةِ شِفَاهِ أَجَانِبَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَنْ يَسْمَعُوا لِي.“ إِذَنْ مَوْهِبَةُ التَّكَلُّمِ بِلُغَاتٍ هِيَ آيَةٌ لِغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَيْسَتْ لِلْمُؤْمِنِينَ. أَمَّا مَوْهِبَةُ النُّبُوَّةِ فَهِيَ آيَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَلَيْسَتْ لِغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ. فَإِنِ اجْتَمَعَ الْمُؤْمِنُونَ مَعًا، وَأَخَذَ الْجَمِيعُ يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ، ثُمَّ دَخَلَ بَعْضُ الْأَشْخَاصِ الْعَادِيِّينَ أَوْ غَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَمَاذَا يَقُولُونَ؟ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّكُمْ مَجَانِينُ! أَمَّا إِنْ كَانَ الْجَمِيعُ يَتَنَبَّأُونَ، وَدَخَلَ شَخْصٌ عَادِيٌّ أَوْ غَيْرُ مُؤْمِنٍ، فَإِنَّهُ يَسْمَعُ مِنْ كُلِّ مُتَكَلِّمٍ مَا يُوَبِّخُ ضَمِيرَهُ وَيَحْكُمُ عَلَيْهِ، وَتَنْكَشِفُ أَسْرَارُ قَلْبِهِ، فَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ للهِ وَيَشْهَدُ أَنَّ اللهَ مَوْجُودٌ بَيْنَكُمْ فِعْلًا. خُلَاصَةُ الْقَوْلِ إِذَنْ يَا إِخْوَتِي، أَنَّهُ عِنْدَمَا تَجْتَمِعُونَ مَعًا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عِنْدَهُ أُغْنِيَةٌ أَوْ تَعْلِيمٌ أَوْ إِعْلَانٌ مِنَ اللهِ أَوْ رِسَالَةٌ بِلُغَةٍ غَيْرِ مَعْرُوفَةٍ أَوْ تَرْجَمَةٌ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ شَيْءٍ لِفَائِدَةِ جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ. إِنْ كَانَ الْبَعْضُ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِلُغَاتٍ، فَاسْمَحُوا لِـ2 أَوْ عَلَى الْأَكْثَرِ 3، وَاحِدًا بَعْدَ الْآخَرِ، وَيَجِبُ أَنْ يُتَرْجِمَ وَاحِدٌ. فَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ مَنْ يُتَرْجِمُ، فَالَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِلُغَاتٍ، يَجِبُ أَنْ يَسْكُتَ فِي الِاجْتِمَاعِ، وَيَهْمِسَ بِالْكَلَامِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ. وَالَّذِينَ عِنْدَهُمْ مَوْهِبَةُ النُّبُوَّةِ، اِسْمَحُوا لِـ2 أَوْ 3 مِنْهُمْ أَنْ يَتَكَلَّمُوا، وَعَلَى الْآخَرِينَ أَنْ يُقَيِّمُوا كَلَامَهُمْ. فَإِنْ جَاءَ إِعْلَانٌ مِنَ اللهِ لِوَاحِدٍ آخَرَ مِنَ الْجَالِسِينَ، يَجِبُ عَلَى الَّذِي كَانَ يَتَكَلَّمُ أَنْ يَسْكُتَ. بِذَلِكَ تَكُونُ لَكُمْ جَمِيعًا فُرْصَةٌ أَنْ تَتَنَبَّأُوا وَاحِدًا بَعْدَ الْآخَرِ لِكَيْ يَتَعَلَّمَ الْجَمِيعُ وَيَتَشَجَّعُوا. وَالَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ، يَجِبُ أَنْ يَتَحَكَّمُوا فِي مَوْهِبَةِ النُّبُوَّةِ الَّتِي عِنْدَهُمْ. لِأَنَّ اللهَ لَا يُرِيدُ الْفَوْضَى، بَلِ السَّلَامَ. وَكَمَا يَحْدُثُ فِي كُلِّ جَمَاعَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، يَجِبُ أَنْ تَسْكُتَ النِّسَاءُ فِي الِاجْتِمَاعَاتِ، لِأَنَّهُنَّ غَيْرُ مَسْمُوحٍ لَهُنَّ أَنْ يَتَكَلَّمْنَ. بَلْ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَكُونَ خَاضِعَةً كَمَا تَقُولُ التَّوْرَاةُ. وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةٌ تُرِيدُ أَنْ تَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ، فَيَجِبُ أَنْ تَسْأَلَ زَوْجَهَا فِي الدَّارِ. لِأَنَّهُ عَيْبٌ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي الِاجْتِمَاعِ. أَمْ أَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ كَلِمَةَ اللهِ بَدَأَتْ مِنْ عِنْدِكُمْ، وَأَنَّهَا جَاءَتْ لَكُمْ أَنْتُمْ وَحْدَكُمْ؟ إِنْ كَانَ وَاحِدٌ يَظُنُّ أَنَّهُ نَبِيٌّ أَوْ أَنَّ عِنْدَهُ مَوْهِبَةً رُوحِيَّةً، فَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَكْتُبُهُ لَكُمْ هُوَ أَمْرٌ مِنَ الْمَسِيحِ. فَإِنْ كَانَ يَجْهَلُ هَذَا فَهُوَ فِعْلًا جَاهِلٌ. إِذَنْ يَا إِخْوَتِي، اِرْغَبُوا فِي مَوْهِبَةِ النُّبُوَّةِ، وَلَا تَمْنَعُوا التَّكَلُّمَ بِلُغَاتٍ. لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ شَيْءٍ بِحَسَبِ الْأُصُولِ وَبِنِظَامٍ. وَالْآنَ يَا إِخْوَتِي أُرِيدُ أَنْ أُذَكِّرَكُمْ بِالْإِنْجِيلِ الَّذِي بَشَّرْتُكُمْ بِهِ وَقَبِلْتُمُوهُ وَثَبَتُّمْ فِيهِ، لِأَنَّكُمْ تَنْجُونَ بِهِ، إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِالرِّسَالَةِ الَّتِي بَشَّرْتُكُمْ بِهَا. طَبْعًا إِلَّا إِنْ كَانَ إِيمَانُكُمْ غَيْرَ حَقِيقِيٍّ. أَنَا تَسَلَّمْتُ هَذَا، ثُمَّ سَلَّمْتُهُ لَكُمْ لِأَنَّهُ فِي غَايَةِ الْأَهَمِّيَّةِ: إِنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ ذُنُوبِنَا، كَمَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ. وَدُفِنَ ثُمَّ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، كَمَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ. وَظَهَرَ لِبُطْرُسَ ثُمَّ لِلِـ12. وَبَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ لِأَكْثَرَ مِنْ 500 أَخٍ كَانُوا مَعًا فِي نَفْسِ الْوَقْتِ. وَمُعْظَمُ هَؤُلَاءِ مَا زَالَ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ، لَكِنْ تُوُفِّيَ بَعْضُهُمْ. بَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ ثُم لِكُلِّ الرُّسُلِ. وَآخِرُ الْكُلِّ ظَهَرَ لِي أَنَا أَيْضًا كَأَنِّي جَنِينٌ وُلِدَ فِي غَيْرِ الْمِيعَادِ! فَأَنَا أَقَلُّ الرُّسُلِ شَأْنًا، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا أَسْتَحِقُّ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيَّ لَقَبُ رَسُولٍ لِأَنِّي اضْطَهَدْتُ أُمَّةَ اللهِ. لَكِنْ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْآنَ هُوَ بِفَضْلِ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيَّ. فَالنِّعْمَةُ الَّتِي أَعْطَاهَا لِي لَمْ تَكُنْ بِلَا فَائِدَةٍ، بَلْ جَاهَدْتُ أَكْثَرَ مِنْ بَاقِي الرُّسُلِ كُلِّهِمْ. لَكِنْ مَنِ الَّذِي جَاهَدَ حَقِيقَةً؟ هَلْ أَنَا؟ لَا، بَلْ نِعْمَةُ اللهِ الَّتِي فِيَّ. إِذَنْ سَوَاءٌ أَنَا أَوْ هُمْ، فَهَذِهِ هِيَ الرِّسَالَةُ الَّتِي نُبَشِّرُ بِهَا كُلُّنَا وَالَّتِي آمَنْتُمْ بِهَا. وَبِمَا أَنَّ الرِّسَالَةَ الَّتِي نُبَشِّرُ بِهَا هِيَ أَنَّ الْمَسِيحَ قَامَ مِنَ الْمَوْتِ، فَكَيْفَ يَقُولُ بَعْضُكُمْ إِنَّ الْأَمْوَاتَ لَا يَقُومُونَ؟ إِنْ كَانَ الْأَمْوَاتُ لَا يَقُومُونَ، فَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا لَمْ يَقُمْ! وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَالرِّسَالَةُ الَّتِي نُبَشِّرُ بِهَا هِيَ بِلَا مَعْنًى، وَإِيمَانُكُمْ أَيْضًا هُوَ بِلَا مَعْنًى. وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، يَتَّضِحُ أَنَّنَا شُهُودُ زُورٍ عَلَى اللهِ. لِأَنَّنَا شَهِدْنَا عَلَى اللهِ أَنَّهُ أَقَامَ الْمَسِيحَ، بَيْنَمَا هُوَ لَمْ يُقِمْهُ لَوْ كَانَ الْأَمْوَاتُ لَا يَقُومُونَ. فَلَوْ كَانَ الْأَمْوَاتُ لَا يَقُومُونَ، فَالْمَسِيحُ أَيْضًا لَمْ يَقُمْ. وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، إِذَنْ إِيمَانُكُمْ فَارِغٌ، وَأَنْتُمْ مَا زِلْتُمْ فِي ذُنُوبِكُمْ. وَيَكُونُ قَدْ هَلَكَ الْمُؤْمِنُونَ بِالْمَسِيحِ الَّذِينَ مَاتُوا. وَلَوْ كَانَ أَمَلُنَا فِي الْمَسِيحِ يَقْتَصِرُ عَلَى هَذِهِ الْحَيَاةِ فَقَطْ، فَنَحْنُ أَشْقَى الْخَلْقِ جَمِيعًا. إِنَّمَا الْحَقِيقَةُ هِيَ أَنَّ الْمَسِيحَ قَامَ مِنَ الْمَوْتِ، وَهَذَا هُوَ الْعُرْبُونُ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ مَاتُوا سَيَقُومُونَ أَيْضًا. لِأَنَّهُ بِمَا أَنَّ الْمَوْتَ جَاءَ بِوَاسِطَةِ إِنْسَانٍ، فَإِنَّ الْقِيَامَةَ مِنَ الْمَوْتِ أَيْضًا تَأْتِي بِوَاسِطَةِ إِنْسَانٍ. فَكَمَا أَنَّ كُلَّ النَّاسِ يَمُوتُونَ لِأَنَّهُمْ يَنْتَمُونَ لِآدَمَ، كَذَلِكَ كُلُّ الَّذِينَ يَنْتَمُونَ لِلْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ إِلَى الْحَيَاةِ. لَكِنْ كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ تَرْتِيبِهِ: فَالْمَسِيحُ قَامَ أَوَّلًا، وَعِنْدَمَا يَأْتِي الْمَسِيحُ مَرَّةً ثَانِيَةً، يَقُومُ الَّذِينَ يَنْتَمُونَ لَهُ. ثُمَّ تَأْتِي الْآخِرَةُ، فَيَهْزِمُ الْمَسِيحُ كُلَّ رِئَاسَةٍ وَسُلْطَةٍ وَقُوَّةٍ مُعَادِيَةٍ للهِ، وَيُسَلِّمُ الْمُلْكَ للهِ الْأَبِ. فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَمْلِكَ الْمَسِيحُ إِلَى أَنْ يَضَعَ كُلَّ أَعْدَائِهِ تَحْتَ قَدَمَيْهِ. وَآخِرُ عَدُوٍّ يُهْزَمُ هُوَ الْمَوْتُ. فَالْكِتَابُ يَقُولُ إِنَّ اللهَ أَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ. وَعِنْدَمَا يَقُولُ: ”كُلَّ شَيْءٍ“ فَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ هَذَا لَا يَتَضَمَّنُ اللهَ نَفْسَهُ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ لِلْمَسِيحِ. وَعِنْدَمَا يَتِمُّ إِخْضَاعُ كُلِّ شَيْءٍ لِلْمَسِيحِ، فَإِنَّ الْمَسِيحَ نَفْسَهُ يَخْضَعُ للهِ الَّذِي أَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ لَهُ، لِكَيْ يَمْلِكَ اللهُ تَمَامًا عَلَى الْكُلِّ. بَعْضُ النَّاسِ يَغْطِسُونَ نِيَابَةً عَنِ الْمَوْتَى، فَمَا مَعْنَى مَا يَفْعَلُونَهُ إِنْ كَانَ الْأَمْوَاتُ لَا يَقُومُونَ؟ وَلِمَاذَا يَغْطِسُونَ بَدَلًا مِنْهُمْ؟ وَبِالنِّسْبَةِ لَنَا أَيْضًا، لِمَاذَا نُعَرِّضُ أَنْفُسَنَا لِلْخَطَرِ كُلَّ سَاعَةٍ؟ فَأَنَا أُوَاجِهُ الْمَوْتَ كُلَّ يَوْمٍ! أَقُولُ لَكُمْ هَذَا يَا إِخْوَتِي، لِأَنِّي أَفْخَرُ بِكُمْ كَمُؤْمِنِينَ بِالْمَسِيحِ عِيسَـى مَوْلَانَا. لَوْ كُنْتُ مُجَرَّدَ إِنْسَانٍ يَفْنَى، فَمَا الْفَائِدَةُ الَّتِي جَنَيْتُهَا لَمَّا حَارَبْتُ وُحُوشًا فِي أَفَاسُسَ؟ إِنْ كَانَ الْأَمْوَاتُ لَا يَقُومُونَ، إِذَنْ خَلُّونَا نَأْكُلُ وَنَشْرَبُ، لِأَنَّنَا غَدًا نَمُوتُ. لَا تَضِلُّوا، صُحْبَةُ الْأَشْرَارِ تُفْسِدُ الْأَخْلَاقَ الْجَيِّدَةَ. اِرْجِعُوا إِلَى صَوَابِكُمْ كَمَا يَجِبُ وَلَا تُخْطِئُوا. أَقُولُ هَذَا لِكَيْ أُخَجِّلَكُمْ لِأَنَّ بَعْضَكُمْ لَا يَعْرِفُ اللهَ. لَكِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ يَسْأَلُ: ”كَيْفَ يَقُومُ الْمَوْتَى؟ وَبِأَيِّ جِسْمٍ يَعُودُونَ؟“ يَا غَبِيُّ، الْبِزْرَةُ الَّتِي تَزْرَعُهَا يَجِبُ أَنْ تَمُوتَ أَوَّلًا لِكَيْ يُمْكِنَ أَنْ تَحْيَا. وَمَا تَزْرَعُهُ لَيْسَ هُوَ النَّبَاتَ الَّذِي يَطْلَعُ فِيمَا بَعْدُ، بَلْ مُجَرَّدُ بِزْرَةٍ مِنَ الْقَمْحِ مَثَلًا أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْبُزُورِ. وَإِنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي يُعْطِيهَا الْجِسْمَ الَّذِي يُرِيدُهُ، فَهُوَ يُعْطِي كُلَّ بِزْرَةٍ جِسْمَهَا الْخَاصَّ. وَأَجْسَامُ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ لَيْسَتْ مُتَشَابِهَةً. فَالنَّاسُ لَهُمْ نَوْعٌ مِنَ الْجِسْمِ، وَالْحَيَوَانَاتُ نَوْعٌ آخَرُ، وَالطُّيُورُ نَوْعٌ آخَرُ، وَالسَّمَكُ نَوْعٌ آخَرُ. وَتُوجَدُ أَجْسَامٌ سَمَائِيَّةٌ، وَأَجْسَامٌ أَرْضِيَّةٌ. لَكِنَّ الْأَجْسَامَ السَّمَائِيَّةَ لَهَا جَمَالٌ يَخْتَلِفُ عَنْ جَمَالِ الْأَجْسَامِ الْأَرْضِيَّةِ. وَالشَّمْسُ لَهَا جَمَالٌ، وَالْقَمَرُ لَهُ جَمَالٌ آخَرُ، وَالنُّجُومُ جَمَالٌ آخَرُ، بَلْ كُلُّ نَجْمٍ يَخْتَلِفُ عَنِ الْآخَرِ فِي جَمَالِهِ. وَهَذَا هُوَ الْحَالُ فِي قِيَامَةِ الْأَمْوَاتِ. الْجِسْمُ الَّذِي يُدْفَنُ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ فِي حَالَةِ تَلَفٍ، يُقَامُ فِي حَالَةِ عَدَمِ تَلَفٍ. يُدْفَنُ وَهُوَ حَقِيرٌ وَيُقَامُ مُكَرَّمًا. يُدْفَنُ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَيُقَامُ قَوِيًّا. يُدْفَنُ جِسْمًا مَادِّيًّا وَيُقَامُ جِسْمًا رُوحِيًّا. يُوجَدُ جِسْمٌ مَادِّيٌّ وَأَيْضًا جِسْمٌ رُوحِيٌّ. لِهَذَا السَّبَبِ يَقُولُ الْكِتَابُ: ”صَارَ آدَمُ، الْإِنْسَانُ الْأَوَّلُ، كَائِنًا حَيًّا.“ أَمَّا آدَمُ الْأَخِيرُ فَصَارَ رُوحًا يَمْنَحُ الْحَيَاةَ. لَاحِظُوا أَنَّ الرُّوحِيَّ لَا يَأْتِي أَوَّلًا، بَلِ الْمَادِّيُّ ثُمَّ بَعْدَهُ الرُّوحِيُّ. فَالْإِنْسَانُ الْأَوَّلُ جَاءَ مِنَ الْأَرْضِ مِنَ التُّرَابِ، وَالْإِنْسَانُ الثَّانِي جَاءَ مِنَ السَّمَاءِ. فَالَّذِينَ يَنْتَمُونَ إِلَى الْأَرْضِ هُمْ مِثْلُ الْإِنْسَانِ الَّذِي مِنَ التُّرَابِ، وَالَّذِينَ يَنْتَمُونَ إِلَى السَّمَاءِ هُمْ مِثْلُ الْإِنْسَانِ الَّذِي جَاءَ مِنَ السَّمَاءِ. وَكَمَا أَنَّنَا نُشْبِهُ الَّذِي جَاءَ مِنَ التُّرَابِ، فَإِنَّنَا أَيْضًا سَوْفَ نُشْبِهُ الَّذِي جَاءَ مِنَ السَّمَاءِ. يَا إِخْوَتِي أَنَا أَقْصِدُ أَنْ أَقُولَ إِنَّ الْجِسْمَ الَّذِي مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ لَيْسَ لَهُ نَصِيبٌ فِي مَمْلَكَةِ اللهِ، الْفَانِي لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْلِكَ فِي عَدَمِ الْفَنَاءِ. اِنْتَبِهُوا، هَذَا سِرٌّ أَقُولُهُ لَكُمْ: لَا نَمُوتُ كُلُّنَا، بَلْ سَنَتَغَيَّرُ كُلُّنَا فِي لَحْظَةٍ، بَلْ فِي غَمْضَةِ عَيْنٍ، عِنْدَمَا يُنَادِي الْبُوقُ الْأَخِيرُ. لِأَنَّ الْبُوقَ سَيُنَادِي، فَيَقُومُ الْأَمْوَاتُ لِلْخُلُودِ، وَنَحْنُ نَتَغَيَّرُ. لِأَنَّ هَذَا الْكَائِنَ الَّذِي يَتْلَفُ لَا بُدَّ أَنْ يَتَغَيَّرَ إِلَى مَا لَا يَتْلَفُ، وَهَذَا الَّذِي يَمُوتُ يَتَغَيَّرُ إِلَى مَا لَا يَمُوتُ. وَعِنْدَمَا يَتِمُّ هَذَا، وَيَتَغَيَّرُ مَا يَتْلَفُ إِلَى مَا لَا يَتْلَفُ، وَمَا يَمُوتُ إِلَى مَا لَا يَمُوتُ، يَتَحَقَّقُ الْقَوْلُ الَّذِي جَاءَ فِي الْكِتَابِ: ”زَالَ الْمَوْتُ، وَتَمَّ النَّصْرُ! يَا مَوْتُ لَنْ تَغْلِبَنَا! يَا مَوْتُ لَنْ تَلْدَغَنَا!“ الْخَطِيئَةُ هِيَ الَّتِي جَعَلَتِ الْمَوْتَ يَلْدَغُنَا، وَالشَّرِيعَةُ هِيَ الَّتِي أَعْطَتِ الْخَطِيئَةَ قُوَّتَهَا. لَكِنْ شُكْرًا للهِ الَّذِي يَمْنَحُنَا النَّصْرَ بِوَاسِطَةِ عِيسَـى الْمَسِيحِ مَوْلَانَا. إِذَنْ يَا إِخْوَتِيَ الْأَحِبَّاءَ، اُثْبُتُوا فَلَا يَزِيحَكُمْ أَحَدٌ مِنْ مَكَانِكُمْ. اِجْتَهِدُوا دَائِمًا فِي خِدْمَةِ الْمَسِيحِ، فَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ تَعَبَكُمْ فِي سَبِيلِهِ لَا يَضِيعُ هَبَاءً. أَمَّا بِشَأْنِ جَمْعِ التَّبَرُّعَاتِ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَاعْمَلُوا كَمَا أَوْصَيْتُ جَمَاعَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فِي غَلَاطِيَةَ. وَهُوَ أَنَّهُ فِي يَوْمِ الْأَحَدِ مِنْ كُلِّ أُسْبُوعٍ، يَدَّخِرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَبْلَغًا مِنَ الْمَالِ يُنَاسِبُ دَخْلَهُ، وَيَحْتَفِظُ بِهِ، لِكَيْ لَا تَجْمَعُوا التَّبَرُّعَاتِ عِنْدَمَا أَحْضُرُ عِنْدَكُمْ. فَعِنْدَمَا أَحْضُرُ، أَبْعَثُ هَدِيَّتَكُمْ إِلَى الْقُدْسِ مَعَ أَشْخَاصٍ تَخْتَارُونَهُمْ أَنْتُمْ، وَأُعْطِيهِمْ رَسَائِلَ تَوْصِيَةٍ مِنِّي. وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ يَسْتَحِقُّ، أَذْهَبُ أَنَا أَيْضًا وَيَذْهَبُونَ هُمْ مَعِي. لَكِنِّي سَأَحْضُرُ عِنْدَكُمْ بَعْدَمَا أَمُرُّ بِمَقْدُونْيَا، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ أَمُرَّ بِهَا. وَرُبَّمَا أَقْضِي عِنْدَكُمْ بَعْضَ الْوَقْتِ، أَوْ رُبَّمَا أَقْضِي الشِّتَاءَ كُلَّهُ عِنْدَكُمْ، لِكَيْ تُسَاعِدُونِي لِأُكَمِّلَ رِحْلَتِي إِلَى حَيْثُ أَذْهَبُ. لِأَنِّي لَا أُرِيدُ أَنْ أَحْضُرَ عِنْدَكُمُ الْآنَ فِي زِيَارَةٍ قَصِيرَةٍ، بَلْ أَرْجُو أَنْ أَبْقَى عِنْدَكُمْ بَعْضَ الْوَقْتِ إِنْ شَاءَ اللهُ. أَمَّا الْآنَ فَإِنِّي سَأَنْتَظِرُ فِي أَفَاسُسَ إِلَى عِيدِ الْخَمْسِينَ، لِأَنَّهُ انْفَتَحَ لِي بَابٌ وَاسِعٌ لِلْخِدْمَةِ الْمُثْمِرَةِ، وَيُوجَدُ خُصُومٌ كَثِيرُونَ. إِنْ جَاءَ تِيمُوتَاوُسُ عِنْدَكُمْ، اِجْعَلُوهُ يَشْعُرُ بِالِاطْمِئْنَانِ بَيْنَكُمْ، لِأَنَّهُ يَخْدِمُ اللهَ مِثْلِي. وَيَجِبُ أَنْ لَا يَسْتَهِينَ بِهِ أَحَدٌ، بَلْ سَاعِدُوهُ لِيُكَمِّلَ رِحْلَتَهُ بِسَلَامٍ وَيَحْضُرَ إِلَيَّ، لِأَنِّي أَنْتَظِرُ وُصُولَهُ مَعَ الْإِخْوَةِ. أَمَّا الْأَخُ أَبُلُّوسُ، فَطَلَبْتُ مِنْهُ بِإِلْحَاحٍ شَدِيدٍ أَنْ يَذْهَبَ إِلَيْكُمْ مَعَ الْإِخْوَةِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَرْغَبْ أَنْ يَذْهَبَ الْآنَ. فَعِنْدَمَا يَجِدُ فُرْصَةً مُنَاسِبَةً سَيَأْتِي عِنْدَكُمْ. اِنْتَبِهُوا، اُثْبُتُوا فِي الْإِيمَانِ، كُونُوا رِجَالًا، كُونُوا أَقْوِيَاءَ. اِعْمَلُوا كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَحَبَّةِ. يَا إِخْوَتِي، أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ عَائِلَةَ اصْطَفَانَ. فَهُمْ أَوَّلُ مَنِ اهْتَدَى إِلَى الْمَسِيحِ فِي أَخَائِيَةَ، وَقَدْ كَرَّسُوا أَنْفُسَهُمْ لِخِدْمَةِ الْمُؤْمِنِينَ. فَأَرْجُوكُمْ أَنْ تَخْضَعُوا لَهُمْ وَلِأَمْثَالِهِمْ وَلِكُلِّ مَنْ يَعْمَلُ وَيَخْدِمُ مَعَهُمْ. فَرِحْتُ بِمَجِيءِ اصْطَفَانَ وَبَخِيتَ وَأَخَائِي، لِأَنَّهُمْ عَوَّضُوا عَنْكُمْ فِي غِيَابِكُمْ، وَأَرَاحُوا قَلْبِي، كَمَا أَرَاحُوا قُلُوبَكُمْ. فَأَكْرِمُوا أَمْثَالَهُمْ. جَمَاعَاتُ الْمُؤْمِنِينَ فِي آسْيَا يُسَلِّمُونَ عَلَيْكُمْ. عَقِيلُ وَبَرَكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ الَّذَينَ يَجْتَمِعُونَ فِي دَارِهِمَا يَبْعَثُونَ لَكُمْ سَلَامَهُمُ الْحَارَّ كَمُؤْمِنِينَ بِالْمَسِيحِ. كُلُّ الْإِخْوَةِ هُنَا يُسَلِّمُونَ عَلَيْكُمْ. سَلِّمُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِقُبْلَةٍ طَاهِرَةٍ وَالْآنَ أَنَا أَكْتُبُ لَكُمْ هَذِهِ التَّحِيَّةَ بِخَطِّ يَدِي: سَلَامٌ مِنِّي أَنَا بُولُسَ. مَنْ لَا يُحِبُّ الْمَسِيحَ مَصِيرُهُ الْهَلَاكُ. مَارَانَاتَا، تَعَالَ يَا سَيِّدُ. نِعْمَةُ سَيِّدِنَا عِيسَى مَعَكُمْ. مَحَبَّتِي لَكُمْ جَمِيعًا بِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ عِيسَى. مِنْ: بُولُسَ رَسُولِ الْمَسِيحِ عِيسَى حَسَبَ مَشِيئَةِ اللهِ، وَمِنَ الْأَخِ تِيمُوتَاوُسَ. إِلَى: جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ بِاللهِ الَّتِي فِي كُورِنْتُوسَ، وَإِلَى جَمِيعِ الصَّالِحِينَ فِي أَخَائِيَةَ كُلِّهَا. عَلَيْكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلَامُ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَعِيسَـى الْمَسِيحِ مَوْلَانَا. تَبَارَكَ اللهُ أَبُو سَيِّدِنَا عِيسَى الْمَسِيحِ، الْأَبُ الرَّحِيمُ، اللهُ مَنْبَعُ كُلِّ تَعْزِيَةٍ. فَهُوَ يُعَزِّينَا فِي كُلِّ ضِيقٍ، وَبِذَلِكَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نُعَزِّيَ الَّذِينَ هُمْ فِي أَيِّ ضِيقٍ، بِنَفْسِ التَّعْزِيَةِ الَّتِي نَنَالُهَا مِنْهُ. فَكَمَا أَنَّنَا نُعَانِي الْكَثِيرَ مِنْ آلَامِ الْمَسِيحِ، كَذَلِكَ بِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ نَتَعَزَّى جِدًّا. فَإِنْ كُنَّا نَتَضَايَقُ، فَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى تَعْزِيَتِكُمْ وَنَجَاتِكُمْ. وَإِنْ كُنَّا نَتَعَزَّى، فَأَنْتُمْ أَيْضًا تَتَعَزَّوْنَ. وَهَذَا يُسَاعِدُكُمْ لِتَحْتَمِلُوا بِصَبْرٍ نَفْسَ الْآلَامِ الَّتِي نَتَأَلَّمُ بِهَا نَحْنُ. وَإِنَّ أَمَلَنَا فِيكُمْ ثَابِتٌ، لِأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَشْتَرِكُونَ مَعَنَا فِي الْآلَامِ، وَأَيْضًا فِي التَّعْزِيَةِ. وَنُرِيدُ أَنْ نُذَكِّرَكُمْ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ، بِالضِّيقِ الَّذِي أَصَابَنَا فِي آسْيَا، فَإِنَّهُ كَانَ ثَقِيلًا جِدًّا وَفَوْقَ طَاقَتِنَا، لِدَرَجَةِ أَنَّنَا يَئِسْنَا مِنَ الْحَيَاةِ. بَلْ شَعَرْنَا أَنَّنَا مَحْكُومٌ عَلَيْنَا بِالْإِعْدَامِ. وَقَدْ حَدَثَ ذَلِكَ لِكَيْ لَا نَتَّكِلَ عَلَى أَنْفُسِنَا، بَلْ عَلَى اللهِ وَحْدَهُ الَّذِي يُقِيمُ الْمَوْتَى. فَهُوَ أَنْقَذَنَا مِنْ خَطَرِ ذَلِكَ الْمَوْتِ الرَّهِيبِ، وَمَا زَالَ يُنْقِذُنَا الْآنَ، وَلَنَا أَمَلٌ فِيهِ أَنَّهُ سَيُنْقِذُنَا أَيْضًا. وَأَنْتُمْ تُسَاعِدُونَا بِالدُّعَاءِ لَنَا، فَيَسْتَجِيبُ اللهُ دُعَاءَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ وَيُبَارِكُنَا، مِمَّا يَجْعَلُ الْكَثِيرِينَ يَحْمَدُونَهُ مِنْ أَجْلِنَا. نَحْنُ نَفْخَرُ بِهَذَا، وَضَمِيرُنَا يَشْهَدُ لَنَا أَنَّنَا نَسْلُكُ مَعَ الْجَمِيعِ، وَخَاصَّةً مَعَكُمْ أَنْتُمْ، بِأَمَانَةٍ وَإِخْلَاصٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ. وَهَذَا بِفَضْلِ نِعْمَةِ اللهِ لَا بِحِكْمَةٍ بَشَرِيَّةٍ. وَمَا أَكْتُبُهُ لَكُمْ لَا يَحْمِلُ مَعَانِيَ غَامِضَةً، بَلْ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَقْرَأُوهُ وَتَفْهَمُوهُ. وَأَرْجُو أَنَّهُ كَمَا فَهِمْتُمْ عَنَّا بَعْضَ الْأُمُورِ، يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَفْهَمُوا كُلَّ شَيْءٍ عَنَّا، لِكَيْ تَفْخَرُوا بِنَا، كَمَا سَنَفْخَرُ نَحْنُ بِكُمْ فِي يَوْمِ مَوْلَانَا عِيسَـى. وَكُنْتُ وَاثِقًا مِنْ هَذَا، فَقَرَّرْتُ أَنْ أَزُورَكُمْ أَوَّلًا وَذَلِكَ لِكَيْ تَسْتَفِيدُوا مَرَّتَيْنِ. فَأَمُرَّ بِكُمْ وَأَنَا ذَاهِبٌ إِلَى مَقْدُونْيَا، ثُمَّ أَيْضًا وَأَنَا رَاجِعٌ مِنْهَا، لِكَيْ أَحْصُلَ مِنْكُمْ عَلَى مُسَاعَدَةٍ لِرِحْلَتِي إِلَى مِنْطَقَةِ يَهُوذَا. فَهَلْ كُنْتُ غَيْرَ جَادٍّ لَمَّا قَرَّرْتُ هَذَا؟ أَوْ هَلْ أَتَّخِذُ قَرَارَاتِي كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ الدُّنْيَا، فَأَقُولُ نَعَمْ وَلَا فِي نَفْسِ الْوَقْتِ؟ يَشْهَدُ اللهُ لَنَا حَسَبَ أَمَانَتِهِ أَنَّ كَلَامَنَا مَعَكُمْ لَمْ يَكُنْ نَعَمْ وَلَا فِي نَفْسِ الْوَقْتِ. لِأَنَّ عِيسَـى الْمَسِيحَ، اِبْنَ اللهِ الَّذِي بَشَّرْنَاكُمْ بِهِ أَنَا وَسِلْوَانُ وَتِيمُوتَاوُسُ، لَمْ يَكُنْ نَعَمْ وَلَا، بَلْ هُوَ نَعَمْ دَائِمًا. فَإِنَّ كُلَّ وُعُودِ اللهِ هِيَ نَعَمْ بِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ. وَبِوَاسِطَتِهِ نَحْنُ نُسَبِّحُ اللهَ عِنْدَمَا نَقُولُ: ”آمِينَ.“ اللهُ هُوَ الَّذِي يُثَبِّتُنَا جَمِيعًا فِي الْمَسِيحِ، نَحْنُ وَأَنْتُمْ. وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَنَا، وَوَضَعَ خَتْمَهُ عَلَيْنَا، وَأَعْطَانَا الرُّوحَ الْقُدُّوسَ فِي قُلُوبِنَا كَعُرْبُونٍ. أَطْلُبُ اللهَ شَاهِدًا، إِنِّي لَمْ أَحْضُرْ إِلَيْكُمْ فِي كُورِنْتُوسَ لِشَفَقَتِي عَلَيْكُمْ. لَا تَظُنُّوا أَنَّنَا نُحَاوِلُ أَنْ نُسَيْطِرَ عَلَى إِيمَانِكُمْ. بَلْ نَحْنُ نَعْمَلُ مَعَكُمْ لِأَجْلِ فَرَحِكُمْ، فَأَنْتُمْ ثَابِتُونَ بِالْإِيمَانِ. لِذَلِكَ قَرَّرْتُ أَنْ لَا أَزُورَكُمْ زِيَارَةً مُؤْلِمَةً أُخْرَى. لِأَنِّي إِنْ كُنْتُ أُحْزِنُكُمْ فَمَنْ يُفَرِّحُنِي؟ هَلِ الَّذِينَ أُحْزِنُهُمْ؟ لِهَذَا كَتَبْتُ لَكُمْ مَا كَتَبْتُهُ، حَتَّى عِنْدَمَا أَجِيءُ إِلَيْكُمْ لَا يُحْزِنُنِي مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُفَرِّحُونِي. أَنَا عِنْدِي ثِقَةٌ فِيكُمْ كُلِّكُمْ أَنَّكُمْ كُلَّكُمْ تَشْتَرِكُونَ مَعِي فِي فَرَحِي. فَكَتَبْتُ ذَلِكَ لَكُمْ وَأَنَا حَزِينٌ جِدًّا وَقَلْبِي كَئِيبٌ، وَكُنْتُ أَبْكِي بِالدُّمُوعِ. أَنَا لَمْ أَقْصِدْ أَنْ أُحْزِنَكُمْ بَلْ أَرَدْتُ أَنْ أُعَرِّفَكُمْ أَنِّي أُحِبُّكُمْ جِدًّا. فَالَّذِي كَانَ السَّبَبَ فِي هَذَا الْحُزْنِ، لَمْ يُحْزِنِّي أَنَا وَحْدِي، بَلْ أَحْزَنَ جَمِيعَكُمْ أَيْضًا إِلَى حَدٍّ مَا. قُلْتُ: إِلَى حَدٍّ مَا، لِكَيْ لَا أَكُونَ صَعْبًا عَلَيْهِ. وَهَذَا الشَّخْصُ، يَكْفِيهِ الْعِقَابُ الَّذِي أَوْقَعَهُ أَكْثَرُكُمْ عَلَيْهِ. بَلْ يَجِبُ أَنْ تُسَامِحُوهُ وَتُشَجِّعُوهُ لِئَلَّا يَفْشَلَ مِنَ الْحُزْنِ الشَّدِيدِ. لِذَلِكَ أَرْجُوكُمْ أَنْ تُبَيِّنُوا لَهُ أَنَّكُمْ تُحِبُّونَهُ فِعْلًا. وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ أَنِّي كَتَبْتُ لَكُمْ لِكَيْ أَخْتَبِرَكُمْ وَأَرَى إِنْ كُنْتُمْ مُطِيعِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ. فَإِنْ كُنْتُمْ تُسَامِحُونَ أَيَّ وَاحِدٍ، فَأَنَا أَيْضًا أُسَامِحُهُ. وَأَنَا عِنْدَمَا أُسَامِحُ، إِنْ كَانَ هُنَاكَ مَا يَسْتَحِقُّ الْمُسَامَحَةَ، فَإِنِّي أُسَامِحُ فِي مَحْضَرِ الْمَسِيحِ مِنْ أَجْلِكُمْ أَنْتُمْ. لِئَلَّا يَغْلِبَنَا الشَّيْطَانُ، لِأَنَّنَا نَعْلَمُ حِيَلَهُ. وَلَمَّا جِئْتُ إِلَى تَرْوَاسَ لِأُبَشِّرَ بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، وَجَدْتُ أَنَّ مَوْلَانَا فَتَحَ الْبَابَ لِي. لَكِنِّي كُنْتُ غَيْرَ مُرْتَاحٍ فِي فِكْرِي، لِأَنِّي لَمْ أَجِدْ تِيتُوسَ أَخِي هُنَاكَ. فَوَدَّعْتُ الْإِخْوَةَ وَسَافَرْتُ إِلَى مَقْدُونْيَا. لَكِنْ شُكْرًا للهِ، الَّذِي يَقُودُنَا دَائِمًا فِي مَوْكِبِ النَّصْرِ كَمُؤْمِنِينَ بِالْمَسِيحِ. وَهُوَ يَسْتَخْدِمُنَا فِي كُلِّ مَكَانٍ لِنَشْرِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ مِثْلَ رَائِحَةٍ عَطِرَةٍ. لِأَنَّنَا مِثْلُ رَائِحَةٍ عَطِرَةٍ يُقَدِّمُهَا الْمَسِيحُ للهِ، وَتَنْتَشِرُ بَيْنَ النَّاجِينَ وَبَيْنَ الْهَالِكِينَ. فَنَحْنُ لِلْهَالِكِينَ رَائِحَةُ مَوْتٍ تَزِيدُهُمْ مَوْتًا، أَمَّا لِلنَّاجِينَ فَنَحْنُ رَائِحَةُ حَيَاةٍ تَزِيدُهُمْ حَيَاةً. وَمَنْ هُوَ كُفْءٌ لِهَذِهِ الْمَسْئُولِيَّةِ؟ نَحْنُ لَا نُتَاجِرُ بِكَلَامِ اللهِ مِنْ أَجْلِ رِبْحٍ كَمَا يَفْعَلُ الْكَثِيرُونَ، بَلْ كَمُؤْمِنِينَ بِالْمَسِيحِ نَتَكَلَّمُ بِإِخْلَاصٍ أَمَامَ اللهِ الَّذِي أَرْسَلَنَا. فَهَلْ هَذَا يَعْنِي أَنَّنَا بَدَأْنَا نَمْدَحُ أَنْفُسَنَا مِنْ جَدِيدٍ؟ أَوْ أَنَّنَا مِثْلُ بَعْضِ النَّاسِ، نَحْتَاجُ إِلَى خِطَابَاتِ تَوْصِيَةٍ إِلَيْكُمْ أَوْ مِنْكُمْ؟ لَا، بَلْ أَنْتُمْ خِطَابُ التَّوْصِيَةِ بِالنِّسْبَةِ لَنَا. نَعَمْ أَنْتُمْ خِطَابٌ مَكْتُوبٌ فِي قُلُوبِنَا وَيَعْرِفُهُ وَيَقْرَأُهُ جَمِيعُ النَّاسِ. فَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّكُمْ خِطَابٌ مِنَ الْمَسِيحِ وَضَعَهُ فِي أَمَانَتِنَا. وَهُوَ مَكْتُوبٌ لَا بِحِبْرٍ، بَلْ بِرُوحِ اللهِ الْحَيِّ. وَلَا عَلَى أَلْوَاحٍ مِنَ الْحَجَرِ، بَلْ عَلَى صَفَحَاتِ قُلُوبٍ بَشَرِيَّةٍ. هَذَا الِاتِّكَالُ الْكَامِلُ عَلَى اللهِ هُوَ بِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ. فَنَحْنُ لَيْسَ عِنْدَنَا الْكَفَاءَةُ فِي ذَوَاتِنَا لِنَعْمَلَ أَيَّ شَيْءٍ، إِنَّمَا كَفَاءَتُنَا هِيَ مِنْ عِنْدِ اللهِ. فَهُوَ الَّذِي أَهَّلَنَا لِنَخْدِمَ الْعَهْدَ الْجَدِيدَ، عَهْدَ الرُّوحِ، لَا عَهْدَ شَرَائِعَ مَكْتُوبَةٍ بِحُرُوفٍ. لِأَنَّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ بِحُرُوفٍ يَحْكُمُ بِالْمَوْتِ، أَمَّا الرُّوحُ فَيَمْنَحُ الْحَيَاةَ. فَالشَّرِيعَةُ كَانَتْ مَكْتُوبَةً بِحُرُوفٍ مَنْقُوشَةٍ عَلَى حَجَرٍ. وَجَاءَتْ مَصْحُوبَةً بِجَلَالٍ، لِدَرَجَةِ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يُمْكِنْهُمْ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى وَجْهِ مُوسَى لِجَلَالِ طَلْعَتِهِ، مَعَ أَنَّهُ جَلَالٌ زَالَ فِيمَا بَعْدُ. فَإِنْ كَانَ الْعَهْدُ الْقَدِيمُ الَّذِي يَحْكُمُ بِالْمَوْتِ، جَاءَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، فَبِالْأَوْلَى يَكُونُ عَهْدُ الرُّوحِ الْقُدُّوسِ مَصْحُوبًا بِجَلَالٍ أَعْظَمَ. أَيْ إِنْ كَانَ الْعَهْدُ الَّذِي يَحْكُمُ عَلَى النَّاسِ بِالْعِقَابِ، جَاءَ مَصْحُوبًا بِجَلَالٍ، فَإِنَّ الْعَهْدَ الَّذِي يَجْعَلُهُمْ صَالِحِينَ عِنْدَ اللهِ، يَكُونُ مَصْحُوبًا بِجَلَالٍ أَعْظَمَ. وَمَا كَانَ لَهُ جَلَالٌ فِي الْمَاضِي، لَا جَلَالَ لَهُ الْآنَ بِالْمُقَارَنَةِ مَعَ هَذَا الْجَلَالِ الَّذِي يَفُوقُهُ بِكَثِيرٍ. لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ غَيْرُ الْبَاقِي لَهُ جَلَالٌ، فَإِنَّ الْبَاقِيَ يَكُونُ لَهُ جَلَالٌ أَعْظَمُ. وَبِمَا أَنَّ عِنْدَنَا هَذَا الْأَمَلَ، فَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ بِثِقَةٍ. وَلَيْسَ مِثْلَ مُوسَى الَّذِي كَانَ يَضَعُ غِطَاءً عَلَى وَجْهِهِ، لِكَيْ لَا يَرَى بَنُو إِسْرَائِيلَ ذَلِكَ الْجَلَالَ وَهُوَ يَخْتَفِي. فَإِنَّ عُقُولَهُمْ أَصْبَحَتْ بَلِيدَةً، لِأَنَّ ذَلِكَ الْغِطَاءَ مَا زَالَ مَوْجُودًا إِلَى يَوْمِنَا هَذَا عِنْدَمَا يَقْرَأُونَ كِتَابَ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، وَهُوَ لَا يُرْفَعُ إِلَّا بِوَاسِطَةِ الْإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ. فَإِلَى يَوْمِنَا هَذَا، عِنْدَمَا يَقْرَأُونَ تَوْرَاةَ مُوسَى، الْغِطَاءُ مَوْجُودٌ عَلَى قُلُوبِهِمْ. لَكِنْ عِنْدَمَا يَهْتَدِي الشَّخْصُ إِلَى الْمَوْلَى، يُرْفَعُ الْغِطَاءُ. وَالْكَلِمَةُ 'الْمَوْلَى' هُنَا تَعْنِي الرُّوحَ، وَحَيْثُ يَكُونُ رُوحُ الْمَوْلَى فَنَحْنُ أَحْرَارٌ، وَبِلَا غِطَاءٍ عَلَى الْوَجْهِ. لِذَلِكَ كُلُّنَا نَعْكِسُ جَلَالَ اللهِ مِثْلَ مِرْآةٍ. لِأَنَّ الرُّوحَ يُغَيِّرُ حَيَاتَنَا لِتُعَبِّرَ عَنْ طَبِيعَةِ اللهِ، فَيَزِيدَ جَلَالُهُ فِينَا. وَبِمَا أَنَّ اللهَ فِي رَحْمَتِهِ كَلَّفَنَا بِهَذِهِ الْمُهِمَّةِ، لِذَلِكَ لَا نَيْأَسُ. بَلْ نَبَذْنَا كُلَّ مَا يُعْمَلُ فِي الْخَفَاءِ، وَكُلَّ مَا يَجْلِبُ الْعَارَ. وَلَا نَسْتَعْمِلُ الْخِدَاعَ، وَلَا نُحَرِّفُ كَلَامَ اللهِ. بَلْ نُعْلِنُ الْحَقَّ بِوُضُوحٍ فَيَمْدَحُنَا النَّاسُ فِي قُلُوبِهِمْ أَمَامَ اللهِ. وَلَكِنْ إِنْ كَانَ الْإِنْجِيلُ الَّذِي نُبَشِّرُ بِهِ غَامِضًا، فَهُوَ غَامِضٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْهَالِكِينَ فَقَطْ. لِأَنَّ سَيِّدَ هَذِهِ الدُّنْيَا أَعْمَى عُقُولَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِكَيْ لَا يَرَوْا نُورَ الْبِشَارَةِ الَّتِي تُبَيِّنُ جَلَالَ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ التَّعْبِيرُ الصَّادِقُ عَنْ طَبِيعَةِ اللهِ. فَنَحْنُ لَا نُبَشِّرُ بِأَنْفُسِنَا، بَلْ بِأَنَّ الْمَسِيحَ عِيسَـى هُوَ مَوْلَانَا. أَمَّا نَحْنُ فَخُدَّامٌ لَكُمْ مِنْ أَجْلِ عِيسَى. لِأَنَّ اللهَ الَّذِي أَمَرَ أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنَ الظَّلَامِ، أَشْرَقَ بِنُورِهِ فِي قُلُوبِنَا، لِكَيْ نَعْرِفَ جَلَالَ اللهِ الَّذِي فِي شَخْصِ الْمَسِيحِ. وَنَحْنُ مُجَرَّدُ آنِيَةٍ مِنْ فَخَّارٍ تَحْوِي هَذَا الْكَنْزَ. وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ هَذِهِ الْقُوَّةَ الْعَظِيمَةَ هِيَ مِنَ اللهِ لَا مِنَّا. فَنَحْنُ نُوَاجِهُ الصُّعُوبَاتِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، لَكِنَّنَا لَا نَنْهَارُ. نَحْتَارُ فِي مَشَاكِلِنَا، لَكِنَّنَا لَا نَيْأَسُ. يَضْطَهِدُنَا النَّاسُ، لَكِنَّ اللهَ لَا يَنْسَانَا. يَضْرِبُونَا، لَكِنَّنَا لَا نَتَحَطَّمُ. وَدَائِمًا نَحْمِلُ فِي جِسْمِنَا مَوْتَ عِيسَى بِذَلِكَ تَظْهَرُ حَيَاتُهُ أَيْضًا فِي جِسْمِنَا. لِأَنَّنَا نَحْنُ أَحْيَاءٌ لَكِنَّنَا نَتَعَرَّضُ لِلْمَوْتِ دَائِمًا مِنْ أَجْلِ عِيسَـى، لِكَيْ تَظْهَرَ حَيَاةُ عِيسَـى أَيْضًا فِي جِسْمِنَا الْفَانِي. إِذَنْ فَالْمَوْتُ يَعْمَلُ فِينَا، وَالْحَيَاةُ تَعْمَلُ فِيكُمْ. وَنَحْنُ فِينَا نَفْسُ رُوحِ الْإِيمَانِ الَّذِي يَذْكُرُهُ الْكِتَابُ فِي الْآيَةِ: ”آمَنْتُ لِذَلِكَ تَكَلَّمْتُ.“ فَنَحْنُ أَيْضًا نُؤْمِنُ لِذَلِكَ نَتَكَلَّمُ. وَنَعْلَمُ أَنَّ اللهَ الَّذِي أَقَامَ مَوْلَانَا عِيسَـى مِنَ الْمَوْتِ، سَيُقِيمُنَا نَحْنُ أَيْضًا مَعَ عِيسَـى، وَيَأْتِي بِنَا مَعَكُمْ إِلَى حَضْرَتِهِ. كُلُّ هَذَا مِنْ أَجْلِكُمْ. فَكُلَّمَا وَصَلَتْ نِعْمَةُ اللهِ إِلَى عَدَدٍ أَكْبَرَ مِنَ النَّاسِ، يَزِيدُ الشُّكْرُ الَّذِي يُقَدَّمُ لِجَلَالِ اللهِ. لِهَذَا لَا نَيْأَسُ. وَمَعَ أَنَّ كِيَانَنَا الْخَارِجِيَّ هُوَ فِي طَرِيقِهِ إِلَى الْفَنَاءِ، لَكِنَّنَا مِنَ الدَّاخِلِ نَتَجَدَّدُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ. لِأَنَّ الضِّيقَ الَّذِي نُوَاجِهُهُ هُوَ بَسِيطٌ وَمُؤَقَّتٌ، لَكِنَّهُ يُهَيِّئُ لَنَا جَلَالًا أَبَدِيًّا عَظِيمًا يَفُوقُهُ. إِذَنْ نَحْنُ لَا نَنْظُرُ إِلَى الْأُمُورِ الَّتِي نَرَاهَا، بَلْ إِلَى الْأُمُورِ الَّتِي لَا نَرَاهَا. لِأَنَّ الَّذِي نَرَاهُ مُؤَقَّتٌ، أَمَّا الَّذِي لَا نَرَاهُ فَأَبَدِيٌّ. نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِنِ انْهَدَمَتِ الْخَيْمَةُ الَّتِي نَعِيشُ فِيهَا هُنَا عَلَى الْأَرْضِ، أَيْ جِسْمُنَا الْبَشَرِيُّ، فَإِنَّ اللهَ عِنْدَهُ دَارٌ لَنَا فِي السَّمَاءِ، بَيْتٌ أَبَدِيٌّ لَمْ تَصْنَعْهُ يَدُ إِنْسَانٍ. وَبَيْنَمَا نَحْنُ فِي هَذِهِ الْخَيْمَةِ، فَإِنَّنَا نَئِنُّ وَنَشْتَاقُ أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهَا الْبَيْتَ السَّمَائِيَّ. لِأَنَّنَا إِذَا لَبِسْنَاهُ، لَا نَكُونُ عُرْيَانِينَ. فَمَا دُمْنَا فِي هَذِهِ الْخَيْمَةِ نَحْنُ نَئِنُّ تَحْتَ حِمْلٍ ثَقِيلٍ، لِأَنَّنَا لَا نُرِيدُ أَنْ نَخْلَعَ الْبَيْتَ الْأَرْضِيَّ، بَلْ أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهُ السَّمَائِيَّ، لِكَيْ تَبْلَعَ الْحَيَاةُ مَا هُوَ مَائِتٌ فِينَا. اللهُ هُوَ الَّذِي أَعَدَّنَا لِهَذَا الْقَصْدِ نَفْسِهِ، وَهُوَ أَعْطَانَا الرُّوحَ الْقُدُّوسَ كَعُرْبُونٍ لِكُلِّ هَذَا. لِذَلِكَ نَحْنُ دَائِمًا عِنْدَنَا ثِقَةٌ، وَنَعْلَمُ أَنَّهُ مَا دُمْنَا نَسْكُنُ فِي هَذَا الْجِسْمِ، فَإِنَّنَا نُقِيمُ بَعِيدًا عَنِ الْمَسِيحِ. وَنحْنُ نَعِيشُ بِالْإِيمَانِ، وَلَيْسَ حَسَبَ مَا نَرَاهُ بِالْعَيْنِ. إِذَنْ عِنْدَنَا ثِقَةٌ، وَنُفَضِّلُ أَنْ نَتْرُكَ هَذَا الْجِسْمَ، وَنُقِيمَ عِنْدَ الْمَسِيحِ. وَهَدَفُنَا هُوَ أَنْ نُرْضِيَهُ سَوَاءٌ كُنَّا مُقِيمِينَ هُنَا أَوْ هُنَاكَ. لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ نَظْهَرَ كُلُّنَا أَمَامَ كُرْسِيِّ مَحْكَمَةِ الْمَسِيحِ لِكَيْ يَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ جَزَاءَ مَا عَمِلَ فِي حَيَاتِهِ، خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا. نَحْنُ نَعْرِفُ مَخَافَةَ الْمَسِيحِ، لِذَلِكَ نُحَاوِلُ أَنْ نُقْنِعَ الْآخَرِينَ. إِنَّ اللهَ يَعْرِفُنَا عَلَى حَقِيقَتِنَا، وَأَرْجُو أَنَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا تَعْرِفُونَا فِي قُلُوبِكُمْ عَلَى حَقِيقَتِنَا. نَحْنُ لَا نَعُودُ نَمْدَحُ أَنْفُسَنَا لَكُمْ، بَلْ نُعْطِيكُمْ فُرْصَةً لِتَفْخَرُوا بِنَا، لِكَيْ يُمْكِنَكُمْ أَنْ تُجَاوِبُوا عَلَى الَّذِينَ يَفْخَرُونَ بِالْمَظَاهِرِ الْخَارِجِيَّةِ، لَا بِمَا فِي الْقَلْبِ. فَإِنْ كُنَّا مَجَانِينَ، فَنَحْنُ مَجَانِينُ فِي سَبِيلِ اللهِ! وَإِنْ كُنَّا عُقَلَاءَ، فَنَحْنُ عُقَلَاءُ مِنْ أَجْلِكُمْ أَنْتُمْ! فَإِنَّ مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ تُسَيْطِرُ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ نُدْرِكُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ وَاحِدٌ مَاتَ مِنْ أَجْلِ الْجَمِيعِ، إِذَنْ فَالْجَمِيعُ مَاتُوا أَيْضًا. وَالسَّبَبُ فِي أَنَّهُ مَاتَ مِنْ أَجْلِ الْجَمِيعِ، هُوَ أَنْ يَعِيشَ الَّذِينَ يَحْيَوْنَ، لَا لِأَنْفُسِهِمْ فِيمَا بَعْدُ بَلْ لِلَّذِي مَاتَ وَقَامَ مِنْ أَجْلِهِمْ. إِذَنْ مِنَ الْآنَ، تَقْدِيرُنَا لِلْآخَرِينَ لَيْسَ حَسَبَ مَقَايِيسِ النَّاسِ. وَحَتَّى إِنْ كُنَّا فَعَلْنَا هَذَا مَعَ الْمَسِيحِ مِنْ قَبْلُ، فَإِنَّ تَقْدِيرَنَا لَهُ الْآنَ لَيْسَ حَسَبَ مَقَايِيسِ النَّاسِ. إِنْ كَانَ وَاحِدٌ يَنْتَمِي لِلْمَسِيحِ، فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. رَاحَ الْقَدِيمُ وَجَاءَ الْجَدِيدُ. كُلُّ هَذَا يَعْمَلُهُ اللهُ الَّذِي صَالَحَنَا مَعَ نَفْسِهِ بِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ، وَكَلَّفَنَا بِمُهِمَّةِ أَنْ نُصَالِحَ الْآخَرِينَ مَعَهُ. أَقْصِدُ أَنَّ اللهَ صَالَحَ الْعَالَمَ مَعَهُ بِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ، وَلَمْ يَحْسِبْ أَخْطَاءَهُمْ ضِدَّهُمْ، ثُمَّ اسْتَأْمَنَنَا نَحْنُ عَلَى الرِّسَالَةِ الَّتِي بِهَا نُصَالِحُهُمْ مَعَهُ. إِذَنْ، نَحْنُ سُفَرَاءُ الْمَسِيحِ، وَكَأَنَّ اللهَ نَفْسَهُ يَرْجُوكُمْ بِوَاسِطَتِنَا. فَبِالنِّيَابَةِ عَنِ الْمَسِيحِ، نَحْنُ نَتَوَسَّلُ إِلَيْكُمْ: تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ. فَالْمَسِيحُ الَّذِي لَمْ يَرْتَكِبْ ذَنْبًا، صَارَ ضَحِيَّةً عَنْ ذُنُوبِنَا، لِكَيْ نَكُونَ مَقْبُولِينَ عِنْدَ اللهِ بِوَاسِطَتِهِ. وَبِمَا أَنَّنَا خُدَّامٌ مَعَ اللهِ، فَنَرْجُوكُمْ أَنْ لَا تُضَيِّعُوا نِعْمَتَهُ هَبَاءً بَعْدَمَا قَبِلْتُمُوهَا. لِأَنَّ اللهَ يَقُولُ: ”فِي وَقْتِ رِضَايَ سَمِعْتُكَ، وَفِي يَوْمِ النَّجَاةِ سَاعَدْتُكَ.“ وَإِنَّ وَقْتَ رِضَى اللهِ هُوَ الْآنَ، وَالْيَوْمَ هُوَ يَوْمُ النَّجَاةِ. نَحْنُ لَا نَعْمَلُ مَا يُعْثِرُ الْآخَرِينَ، لِكَيْ لَا يَلْحَقَ الْخِدْمَةَ لَوْمٌ. بَلْ فِي كُلِّ الظُّرُوفِ نُبَيِّنُ أَنَّنَا فِعْلًا خُدَّامُ اللهِ: فَنَحْتَمِلُ الضِّيقَ وَالْأَلَمَ وَالْعَذَابَ، وَالضَّرْبَ وَالسَّجْنَ وَالِاضْطِرَابَ، وَالْعَمَلَ الشَّاقَّ، بِلَا نَوْمٍ وَلَا أَكْلٍ. وَأَيْضًا نُبَيِّنُ أَنَّنَا خُدَّامُ اللهِ بِطَهَارَةِ الْحَيَاةِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالصَّبْرِ وَاللُّطْفِ، وَبِالرُّوحِ الْقُدُّوسِ، وَبِالْمَحَبَّةِ الْخَالِصَةِ، وَبِالْكَلَامِ الصَّادِقِ، وَبِقُوَّةِ اللهِ، وَبِأَسْلِحَةِ الصَّلَاحِ لِلْهُجُومِ وَالدِّفَاعِ. سَوَاءٌ نُكْرَمُ أَوْ نُهَانُ. سَوَاءٌ نُمْدَحُ أَوْ نُلَامُ. يُعَامِلُنَا النَّاسُ كَمُضِلِّينَ مَعَ أَنَّنَا صَادِقُونَ! وَكَمَجْهُولِينَ مَعَ أَنَّنَا مَعْرُوفُونَ! وَكَمَوْتَى مَعَ أَنَّنَا أَحْيَاءٌ! وَكَمُعَاقَبِينَ مَعَ أَنَّنَا غَيْرُ مَائِتِينَ! وَكَحَزَانَى مَعَ أَنَّنَا دَائِمًا فَرِحُونَ! وَكَفُقَرَاءَ مَعَ أَنَّنَا نُغْنِي الْكَثِيرِينَ! وَكَأَنَّ لَا شَيْءَ لَنَا مَعَ أَنَّنَا نَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ! يَا أَهْلَ كُورِنْتُوسَ الْأَعِزَّاءَ، لَقَدْ كَلَّمْنَاكُمْ بِصَرَاحَةٍ، وَفَتَحْنَا قُلُوبَنَا لَكُمْ. نَحْنُ لَا نَمْنَعُ عَوَاطِفَنَا مِنْ نَحْوِكُمْ، إِنَّمَا أَنْتُمُ الَّذِينَ تَمْنَعُونَ عَوَاطِفَكُمْ مِنْ نَحْوِنَا. أَقُولُ لَكُمْ هَذَا بِاعْتِبَارِ أَنِّكُمْ أَوْلَادِي: ”عَامِلُونَا كَمَا نُعَامِلُكُمْ، وَافْتَحُوا قُلُوبَكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا لَنَا.“ لَا تَكُنْ لَكُمْ رَابِطَةٌ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ. هَلْ يَتَّفِقُ الصَّلَاحُ مَعَ الشَّرِّ؟ وَهَلْ يَتَّحِدُ النُّورُ مَعَ الظَّلَامِ؟ وَهَلْ يَتَحَالَفُ الْمَسِيحُ مَعَ إِبْلِيسَ؟ فَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ لَا يَشْتَرِكُ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ، وَبَيْتُ اللهِ لَا يَقْبَلُ الْأَصْنَامَ. بَيْتُ اللهِ الْحَيِّ هُوَ نَحْنُ، كَمَا قَالَ اللهُ: ”إِنِّي أَسْكُنُ فِيهِمْ وَأَسِيرُ مَعَهُمْ، وَأَكُونُ إِلَهَهُمْ وَهُمْ يَكُونُونَ شَعْبِي. لِذَلِكَ اخْرُجُوا مِنْ بَيْنِهِمْ وَاتْرُكُوهُمْ، هَذَا كَلَامُ اللهِ. لَا تَمَسُّوا مَا هُوَ نَجِسٌ فَأَقْبَلَكُمْ، وَأَكُونَ أَبًا لَكُمْ، وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ أَبْنَائِي وَبَنَاتِي، هَذَا كَلَامُ الْمَوْلَى الْقَدِيرِ.“ أَيُّهَا الْأَحِبَّاءُ، بِمَا أَنَّ هَذِهِ الْوُعُودَ هِيَ لَنَا، إِذَنْ يَجِبُ أَنْ نُطَهِّرَ أَنْفُسَنَا مِنْ كُلِّ مَا يُنَجِّسُ الْجِسْمَ وَالرُّوحَ، وَنَحْيَا حَيَاةً صَالِحَةً فِي مَخَافَةِ اللهِ. أَفْسِحُوا لَنَا مَكَانًا فِي قُلُوبِكُمْ. نَحْنُ لَمْ نَظْلِمْ أَحَدًا، وَلَمْ نُؤْذِ أَحَدًا، وَلَمْ نَسْتَغِلَّ أَحَدًا. لَا أَقُولُ هَذَا لِكَيْ أَلُومَكُمْ، فَأَنَا قُلْتُ لَكُمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّ لَكُمْ مَكَانَةً خَاصَّةً فِي قُلُوبِنَا لِدَرَجَةِ أَنَّنَا عَلَى اسْتِعْدَادٍ أَنْ نَمُوتَ أَوْ نَعِيشَ مَعَكُمْ. أَنَا عِنْدِي ثِقَةٌ كَبِيرَةٌ فِيكُمْ، وَأَفْخَرُ بِكُمْ جِدًّا. فَمَعَ كُلِّ الْمَصَاعِبِ الَّتِي تُوَاجِهُنَا، أَنَا مُمْتَلِئٌ عَزَاءً وَقَلْبِي يَفِيضُ بِالْفَرَحِ. فَإِنَّنَا لَمَّا حَضَرْنَا إِلَى مَقْدُونْيَا، لَمْ يَعْرِفْ جِسْمُنَا الرَّاحَةَ أَبَدًا. بَلْ كُنَّا فِي ضِيقٍ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ: نِزَاعٌ فِي الْخَارِجِ، وَخَوْفٌ فِي الدَّاخِلِ. لَكِنَّ اللهَ الَّذِي يُعَزِّي الْبَائِسِينَ، عَزَّانَا بِمَجِيءِ تِيتُوسَ. وَلَيْسَ فَقَطْ بِمَجِيئِهِ، بَلْ أَيْضًا بِالْعَزَاءِ الَّذِي نَالَهُ مِنْكُمْ. فَهُوَ أَخْبَرَنَا عَنْ شَوْقِكُمْ إِلَيَّ، وَأَسَفِكُمْ عَلَى مَا حَدَثَ، وَتَحَمُّسِكُمْ فِي صَفِّي، فَزَادَ فَرَحِي جِدًّا. وَمَعَ أَنِّي أَحْزَنْتُكُمْ بِخِطَابِي، فَأَنَا لَا أَنْدَمُ عَلَى هَذَا الْآنَ. أَنَا نَدِمْتُ، لَمَّا عَرَفْتُ أَنَّهُ أَحْزَنَكُمْ إِلَى حِينٍ. أَمَّا الْآنَ فَأَنَا فَرْحَانٌ، لَا لِأَنَّكُمْ حَزِنْتُمْ، بَلْ لِأَنَّ حُزْنَكُمْ قَادَكُمْ إِلَى التَّوْبَةِ. أَنْتُمْ حَزِنْتُمْ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ، لِذَلِكَ نَحْنُ لَمْ نُسَبِّبْ لَكُمْ أَيَّ أَذًى. لِأَنَّ الْحُزْنَ الَّذِي بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ، يُنْتِجُ تَوْبَةً تُؤَدِّي إِلَى النَّجَاةِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ نَدَمٌ. أَمَّا الْحُزْنُ الَّذِي تُسَبِّبُهُ الدُّنْيَا، فَيُؤَدِّي إِلَى الْمَوْتِ. فَانْظُرُوا نَتَائِجَ حُزْنِكُمُ الَّذِي بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ: أَنْتُمْ أَخَذْتُمُ الْمَوْضُوعَ بِجِدِّيَّةٍ، وَاعْتَذَرْتُمْ عَمَّا حَدَثَ، وَغَضِبْتُمْ، وَانْزَعَجْتُمْ، ثُمَّ ظَهَرَ شَوْقُكُمْ إِلَيَّ، وَوَلَاؤُكُمْ لِي، وَعَاقَبْتُمُ الْمُذْنِبَ. وَفِي كُلِّ هَذَا أَظْهَرْتُمْ أَنَّكُمْ أَبْرِيَاءُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ. فَالْخِطَابُ الَّذِي بَعَثْتُهُ لَكُمْ، لَمْ يَكُنْ مِنْ أَجْلِ الظَّالِمِ وَلَا حَتَّى مِنْ أَجْلِ الْمَظْلُومِ، بَلْ كَانَ قَصْدِي هُوَ أَنْ أُبَيِّنَ لَكُمْ أَمَامَ اللهِ أَنَّكُمْ تَهْتَمُّونَ بِنَا فِعْلًا. وَهَذَا جَعَلَنَا نَتَعَزَّى. لَكِنْ بِالْإِضَافَةِ إِلَى أَنَّنَا تَعَزَّيْنَا، فَقَدْ فَرِحْنَا أَكْثَرَ بِفَرَحِ تِيتُوسَ، لِأَنَّكُمْ جَمِيعًا أَرَحْتُمْ رُوحَهُ. فَأَنَا افْتَخَرْتُ بِكُمْ لِتِيتُوسَ، وَأَنْتُمْ لَمْ تُخْجِلُونِي فِي هَذَا. وَكَمَا أَنَّ كُلَّ مَا قُلْنَاهُ لَكُمْ هُوَ حَقٌّ، فَالْآنَ اتَّضَحَ أَنَّ افْتِخَارَنَا بِكُمْ لِتِيتُوسَ أَيْضًا هُوَ حَقٌّ. كَمَا أَنَّ مَحَبَّتَهُ لَكُمْ أَقْوَى، لِأَنَّهُ يَتَذَكَّرُ كَيْفَ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ كُلُّكُمْ مُطِيعِينَ، وَأَنَّكُمْ رَحَّبْتُمْ بِهِ بِاحْتِرَامٍ وَخَوْفٍ. فَأَنَا فَرْحَانٌ لِأَنِّي أَسْتَطِيعُ أَنْ أَثِقَ بِكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَنُرِيدُكُمْ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ، أَنْ تَعْرِفُوا عَنْ نِعْمَةِ اللهِ الَّتِي أَعْطَاهَا لِجَمَاعَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فِي مَقْدُونْيَا. فَإِنَّهُمْ كَانُوا فِي مِحْنَةٍ صَعْبَةٍ وَضِيقٍ شَدِيدٍ، لَكِنْ قَادَهُمْ فَرَحُهُمُ الْغَامِرُ وَفَقْرُهُمُ الْمُدْقِعُ، لِيُعْطُوا بِكَرَمٍ عَظِيمٍ. أَنَا أَشْهَدُ لَهُمْ أَنَّهُمْ تَبَرَّعُوا عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِمْ وَفَوْقَ طَاقَتِهِمْ. وَفَعَلُوا ذَلِكَ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ، وَتَوَسَّلُوا إِلَيْنَا بِإِلْحَاحٍ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ نَصِيبٌ فِي التَّبَرُّعِ لِمُسَاعَدَةِ الْمُؤْمِنِينَ. فَعَمِلُوا أَكْثَرَ مِمَّا كُنَّا نَتَوَقَّعُ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُمْ أَعْطَوْا أَنْفُسَهُمْ أَوَّلًا لِلْمَسِيحِ، ثُمَّ لَنَا بِمَشِيئَةِ اللهِ. وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ أَنَّنَا طَلَبْنَا مِنْ تِيتُوسَ، أَنْ يُكَمِّلَ عِنْدَكُمْ هَذَا الْعَمَلَ الصَّالِحَ كَمَا بَدَأَهُ. وَبِمَا أَنَّكُمْ أَغْنِيَاءُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فِي الْإِيمَانِ وَالْكَلَامِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَفِي كُلِّ اجْتِهَادٍ، وَفِي مَحَبَّتِكُمْ لَنَا، لِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا أَغْنِيَاءَ فِي نِعْمَةِ الْعَطَاءِ أَيْضًا. أَنَا لَا أَقْصِدُ هَذَا كَأَمْرٍ، بَلْ أُحَدِّثُكُمْ عَنِ الْآخَرِينَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْعَطَاءِ، لِكَيْ أَخْتَبِرَ صِدْقَ مَحَبَّتِكُمْ. أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ نِعْمَةَ سَيِّدِنَا عِيسَـى الْمَسِيحِ، فَهُوَ الْغَنِيُّ، لَكِنَّهُ صَارَ فَقِيرًا مِنْ أَجْلِكُمْ، لِكَيْ تَصِيرُوا أَنْتُمْ أَغْنِيَاءَ بِفَقْرِهِ. فَهَذَا هُوَ رَأْيِي فِي الْمَوْضُوعِ، وَهُوَ لِمَصْلَحَتِكُمْ: أَنْتُمْ فِي الْعَامِ الْمَاضِي كُنْتُمْ أَوَّلَ مَنْ رَغِبَ فِي تَقْدِيمِ الْمُسَاعَدَةِ، وَأَوَّلَ مَنْ قَدَّمَهَا فِعْلًا. فَالْآنَ كَمِّلُوا هَذَا الْعَمَلَ، فَيَتَنَاسَبُ التَّنْفِيذُ مَعَ الْحَمَاسِ وَالرَّغْبَةِ. وَأَعْطُوا مِمَّا عِنْدَكُمْ، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْحَمَاسُ مَوْجُودًا، فَاللهُ يَقْبَلُ مَا نُقَدِّمُهُ حَسَبَ مَا عِنْدَنَا، فَهُوَ لَا يَطْلُبُ مَا لَيْسَ عِنْدَنَا. أَنَا لَا أَقْصِدُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُكُمْ فِي رَخَاءٍ وَأَنْتُمْ فِي عَوَزٍ. بَلْ أَنْ تَكُونَ هُنَاكَ مُسَاوَاةٌ. فَالْيَوْمَ أَنْتُمْ فِي رَخَاءٍ وَيُمْكِنُكُمْ أَنْ تُسَاعِدُوهُمْ فِي حَاجَتِهِمْ، وَفِي يَوْمٍ آخَرَ يَكُونُونَ هُمْ فِي رَخَاءٍ وَيُمْكِنُهُمْ أَنْ يُسَاعِدُوكُمْ فِي حَاجَتِكُمْ. بِذَلِكَ تَكُونُ هُنَاكَ مُسَاوَاةٌ. كَمَا يَقُولُ الْكِتَابُ: ”الَّذِي جَمَعَ كَثِيرًا لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ شَيْءٌ، وَالَّذِي جَمَعَ قَلِيلًا لَمْ يَنْقُصْهُ شَيْءٌ.“ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَضَعَ فِي قَلْبِ تِيتُوسَ أَنْ يَهْتَمَّ بِكُمْ مِثْلِي. فَلَمَّا طَلَبْنَا مِنْهُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَيْكُمْ، رَحَّبَ بِالطَّلَبِ، بَلْ وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ هُوَ ذَاهِبٌ إِلَيْكُمْ بِحَمَاسٍ كَبِيرٍ وَمِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ. وَأَرْسَلْنَا مَعَهُ الْأَخَ الَّذِي تَمْدَحُهُ كُلُّ جَمَاعَاتِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى خِدْمَتِهِ لِلْإِنْجِيلِ. وَبِالْإِضَافَةِ إِلَى ذَلِكَ، اِخْتَارَتْهُ لِيَكُونَ رَفِيقًا لَنَا فِي السَّفَرِ لِكَيْ نَحْمِلَ هَذَا الْعَطَاءَ، فَيَتَمَجَّدَ الْمَسِيحُ، وَيَتَّضِحَ اهْتِمَامُنَا بِالْخِدْمَةِ. وَقَدْ رَتَّبْنَا هَذَا لِأَنَّنَا نَحْرِصُ أَنْ لَا يَلُومَنَا أَحَدٌ عَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي نَتَوَلَّى بِهَا أَمْرَ هَذِهِ الْمَبَالِغِ الْكَبِيرَةِ. فَنَحْنُ نَهْتَمُّ بِعَمَلِ الْخَيْرِ، لَا فِي نَظَرِ اللهِ فَقَطْ، بَلْ فِي نَظَرِ النَّاسِ أَيْضًا. وَكَذَلِكَ أَرْسَلْنَا مَعَهُمَا أَخَانَا الَّذِي أَثْبَتَ لَنَا بِطُرُقٍ كَثِيرَةٍ أَنَّهُ مُتَحَمِّسٌ، وَالْآنَ هُوَ أَكْثَرُ حَمَاسًا لِأَنَّ عِنْدَهُ ثِقَةً عَظِيمَةً فِيكُمْ. أَمَّا تِيتُوسُ، فَهُوَ زَمِيلِي وَمُعَاوِنِي فِي الْخِدْمَةِ عِنْدَكُمْ. أَمَّا الْأَخَوَانِ فَهُمَا مُمَثِّلَانِ عَنْ جَمَاعَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَتَمَجَّدُ الْمَسِيحُ بِهِمَا. إِذَنْ عَبِّرُوا عَنْ مَحَبَّتِكُمْ لَهُمْ بِوُضُوحٍ، فَيَرَى الْمُؤْمِنُونَ أَنَّنَا عَلَى حَقٍّ فِي افْتِخَارِنَا بِكُمْ. فِي الْحَقِيقَةِ أَنَا لَا أَحْتَاجُ أَنْ أَكْتُبَ لَكُمْ فِي مَوْضُوعِ التَّبَرُّعِ لِمُسَاعَدَةِ الْمُؤْمِنِينَ. فَأَنَا عَارِفٌ حَمَاسَكُمْ لِتَقْدِيمِ الْمُسَاعَدَةِ، وَافْتَخَرْتُ بِهَذَا عِنْدَ الْمَقْدُونِيِّينَ وَقُلْتُ لَهُمْ: ”الْإِخْوَةُ فِي أَخَائِيَةَ عَلَى اسْتِعْدَادٍ أَنْ يَتَبَرَّعُوا مُنْذُ الْعَامِ الْمَاضِي.“ لِذَلِكَ فَإِنَّ حَمَاسَكُمْ شَجَّعَ أَكْثَرَهُمْ. لَكِنِّي أَرْسَلْتُ لَكُمْ هَؤُلَاءِ الْإِخْوَةَ لِئَلَّا يَظْهَرَ أَنَّ افْتِخَارَنَا بِكُمْ فِي هَذَا الْأَمْرِ هُوَ كَلَامٌ فَارِغٌ. فَأُرِيدُ أَنْ تَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ فِعْلًا كَمَا قُلْتُ. لِأَنَّهُ إِذَا حَضَرَ مَعِي بَعْضُ الْإِخْوَةِ مِنْ مَقْدُونْيَا، وَوَجَدُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُسْتَعِدِّينَ، فَإِنَّنَا نَخْجَلُ لِأَنَّنَا وَثِقْنَا فِيكُمْ إِلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا تَخْجَلُونَ. لِذَلِكَ رَأَيْتُ أَنَّهُ مِنَ الْمُهِمِّ أَنْ أَطْلُبَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْإِخْوَةِ أَنْ يَسْبِقُونِي إِلَيْكُمْ، لِكَيْ يُجَهِّزُوا التَّبَرُّعَ السَّخِيَّ الَّذِي وَعَدْتُمْ بِهِ. فَعِنْدَمَا أَحْضُرُ، يَكُونُ جَاهِزًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ هَدِيَّةٌ تُقَدِّمُونَهَا بِإِرَادَتِكُمْ وَأَنْتُمْ غَيْرُ مُجْبَرِينَ. وَتَذَكَّرُوا أَنَّ مَنْ يَزْرَعْ بِالْبُخْلِ يَحْصُدْ قَلِيلًا، وَمَنْ يَزْرَعْ بِالسَّخَاءِ يَحْصُدْ وَفِيرًا. فَكُلُّ وَاحِدٍ يَجِبُ أَنْ يَتَبَرَّعَ كَمَا نَوَى فِي قَلْبِهِ وَهُوَ غَيْرُ نَادِمٍ أَوْ مُجْبَرٍ، لِأَنَّ اللهَ يُحِبُّ مَنْ يُعْطِي بِفَرَحٍ. اللهُ قَادِرٌ أَنْ يُغْنِيَكُمْ بِكُلِّ بَرَكَةٍ، فَيَكُونَ عِنْدَكُمْ كُلُّ مَا يَكْفِي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، لِكُلِّ الظُّرُوفِ، وَأَيْضًا يَفْضُلُ عَنْكُمْ لِتَقُومُوا بِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ. كَمَا يَقُولُ الْكِتَابُ: ”وَزَّعَ بِسَخَاءٍ، أَعْطَى الْفُقَرَاءَ، صَلَاحُهُ يَدُومُ إِلَى الْأَبَدِ.“ اللهُ الَّذِي يَرْزُقُ الزَّارِعَ بِالْبُزُورِ لِيَزْرَعَ وَبِالطَّعَامِ لِيَأْكُلَ، سَيَرْزُقُكُمْ بِالْبُزُورِ الَّتِي تَحْتَاجُونَ إِلَيْهَا، وَيُنَمِّيهَا، وَيَجْعَلُ صَلَاحَكُمْ يُنْتِجُ حَصَادًا وَفِيرًا. وَسَيُغْنِيكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِتَكُونُوا كُرَمَاءَ فِي كُلِّ وَقْتٍ. وَهَذَا يَجْعَلُ النَّاسَ يَشْكُرُونَ اللهَ عَلَى مَا عَمِلْنَا. لِأَنَّ هَذِهِ الْخِدْمَةَ الَّتِي تُقَدِّمُونَهَا، لَا تَقْتَصِرُ عَلَى سَدِّ حَاجَاتِ الْإِخْوَةِ الْمُؤْمِنِينَ، بَلْ أَيْضًا تَجْعَلُ الْكَثِيرِينَ يُقَدِّمُونَ الشُّكْرَ الْجَزِيلَ للهِ. فَأَنْتُمْ بِهَذِهِ الْخِدْمَةِ أَظْهَرْتُمْ مَعْدِنَكُمْ. فَهُمْ بِسَبَبِهَا يُسَبِّحُونَ اللهَ مِنْ أَجْلِ طَاعَتِكُمْ لَهُ وَإِيمَانِكُمْ بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، وَلِأَنَّكُمْ تُعْطُونَ بِسَخَاءٍ لَهُمْ وَلِلْجَمِيعِ. وَهُمْ أَيْضًا يَدْعُونَ اللهَ مِنْ أَجْلِكُمْ، وَفِي قُلُوبِهِمْ مَحَبَّةٌ عَمِيقَةٌ لَكُمْ، مِنْ أَجْلِ نِعْمَةِ اللهِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي أَعْطَاهَا لَكُمْ. فَشُكْرًا للهِ عَلَى هَدِيَّتِهِ الَّتِي تَفُوقُ الْوَصْفَ. ثُمَّ أَطْلُبُ مِنْكُمْ بِوَدَاعَةِ الْمَسِيحِ وَلُطْفِهِ، أَنَا بُولُسَ الَّذِي يَقُولُونَ عَنِّي إِنِّي مُتَوَاضِعٌ وَأَنَا عِنْدَكُمْ، وَجَرِيءٌ وَأَنَا بَعِيدٌ عَنْكُمْ. أَرْجُوكُمْ، لَا تُجْبِرُونِي أَنْ أَسْتَعْمِلَ هَذِهِ الْجَرَاءَةَ وَأَنَا عِنْدَكُمْ. لِأَنِّي أَرَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنِ اسْتِعْمَالِهَا مَعَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّنَا نَعِيشُ حَسَبَ هَذِهِ الدُّنْيَا. فَمَعَ أَنَّنَا نَعِيشُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، لَكِنَّنَا لَا نُجَاهِدُ كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ الدُّنْيَا. لِأَنَّ الْأَسْلِحَةَ الَّتِي نُجَاهِدُ بِهَا تَخْتَلِفُ عَنِ الْأَسْلِحَةِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا النَّاسُ. فَأَسْلِحَتُنَا لَهَا الْقُدْرَةُ مِنَ اللهِ عَلَى إِبَادَةِ حُصُونِ الْعَدُوِّ. فَنُبِيدُ الْجِدَالَ وَكُلَّ كِبْرِيَاءَ تَقِفُ ضِدَّ مَعْرِفَةِ اللهِ، وَنَأْسِرُ كُلَّ فِكْرٍ وَنَجْعَلُهُ يُطِيعُ الْمَسِيحَ. وَمَتَى أَصْبَحَتْ طَاعَتُكُمْ كَامِلَةً، نَكُونُ مُسْتَعِدِّينَ أَنْ نُعَاقِبَ كُلَّ عِصْيَانٍ. اُنْظُرُوا إِلَى الْأُمُورِ عَلَى حَقِيقَتِهَا: إِنْ كَانَ وَاحِدٌ يَثِقُ أَنَّهُ يَنْتَمِي لِلْمَسِيحِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَذَكَّرَ أَنَّنَا نَحْنُ أَيْضًا نَنْتَمِي لِلْمَسِيحِ بِنَفْسِ الْمِقْدَارِ. أَنَا لَا أَخْجَلُ إِنْ كُنْتُ أَفْتَخِرُ بِسُلْطَتِي أَكْثَرَ مِنَ اللَّازِمِ، لِأَنَّ الْمَسِيحَ أَعْطَاهَا لِي لِأَبْنِيَكُمْ لَا لِأَهْدِمَكُمْ. إِذَنْ لَا تَظُنُّوا أَنِّي أُحَاوِلُ أَنْ أُخِيفَكُمْ بِالْخِطَابَاتِ الَّتِي أَكْتُبُهَا. رُبَّمَا يَقُولُ وَاحِدٌ: ”خِطَابَاتُ بُولُسَ قَاسِيَةٌ وَعَنِيفَةٌ، لَكِنَّهُ وَهُوَ مَوْجُودٌ، فَهُوَ ضَعِيفٌ وَكَلَامُهُ تَافِهٌ.“ هَذَا الشَّخْصُ يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَكْتُبُهُ فِي خِطَابَاتِي وَأَنَا غَائِبٌ، سَأَفْعَلُهُ حِينَ أَحْضُرُ عِنْدَكُمْ. طَبْعًا نَحْنُ لَا نَتَجَرَّأُ أَنْ نُسَاوِيَ أَنْفُسَنَا بِالَّذِينَ يَمْدَحُونَ أَنْفُسَهُمْ، وَلَا أَنْ نُقَارِنَ أَنْفُسَنَا بِهِمْ. إِنَّهُمْ أَغْبِيَاءُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقِيسُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَيُقَارِنُونَ أَنْفُسَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ. أَمَّا نَحْنُ فَلَا نَفْخَرُ بِمَا يَتَعَدَّى حُدُودَنَا الْخَاصَّةَ. إِنَّمَا نَقْصُرُ افْتِخَارَنَا عَلَى الْمَجَالِ الَّذِي قَسَمَهُ اللهُ لَنَا. وَهَذَا الْمَجَالُ يَشْمَلُكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا. لَوْ لَمْ نَكُنْ بَشَّرْنَاكُمْ بِالْإِنْجِيلِ، لَكَانَ فَخْرُنَا بِكُمْ مُبَالَغَةً مِنَّا. لَكِنَّنَا فِعْلًا بَشَّرْنَاكُمْ بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ. فَنَحْنُ لَا نَتَعَدَّى حُدُودَنَا لِنَفْخَرَ بِمَا عَمِلَهُ غَيْرُنَا. بَلْ كَمَا نَرْجُو أَنْ يَزِيدَ إِيمَانُكُمْ، كَذَلِكَ نَرْجُو أَنَّ مَجَالَ خِدْمَتِنَا بَيْنَكُمْ يَمْتَدُّ جِدًّا. فَنُبَشِّرُ بِالْإِنْجِيلِ فِي بِلَادٍ أُخْرَى غَيْرِ بِلَادِكُمْ، دُونَ أَنْ نَفْخَرَ بِمَا تَمَّ عَمَلُهُ فِي مَجَالِ خِدْمَةِ غَيْرِنَا. بَلْ كَمَا يَقُولُ الْكِتَابُ: ”مَنْ أَرَادَ أَنْ يَفْتَخِرَ، فَلْيَفْتَخِرْ بِالْمَوْلَى.“ فَلَيْسَ مَنْ يَمْدَحُ نَفْسَهُ يَكُونُ مَقْبُولًا، بَلْ مَنْ يَمْدَحُهُ اللهُ. أَرْجُو أَنْ تَحْتَمِلُوا مِنِّي بَعْضَ الْغَبَاءِ. أَنَا عَارِفٌ أَنَّكُمْ تَحْتَمِلُونَ فِعْلًا. إِنِّي أَغِيرُ عَلَيْكُمْ غِيرَةً هِيَ مِنَ اللهِ. لِأَنِّي خَطَبْتُكُمْ لِلْمَسِيحِ لِأَزُفَّكُمْ لَهُ مِثْلَ عَذْرَاءَ طَاهِرَةٍ لِرَجُلِهَا الْوَاحِدِ. لَكِنِّي أَخَافُ أَنْ تَضِلَّ عُقُولُكُمْ عَنْ وَلَائِكُمْ وَإِخْلَاصِكُمْ لِلْمَسِيحِ، مِثْلَ حَوَّاءَ الَّتِي خَدَعَتْهَا الْحَيَّةُ بِمَكْرِهَا. لِأَنَّكُمْ عَلَى أَتَمِّ الِاسْتِعْدَادِ أَنْ تَقْبَلُوا إِنْ كَانَ وَاحِدٌ يَأْتِي إِلَيْكُمْ لِيُبَشِّرَكُمْ بِعِيسَـى آخَرَ غَيْرِ الَّذِي بَشَّرْنَاكُمْ بِهِ، أَوْ لِتَنَالُوا رُوحًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي نِلْتُمُوهُ، أَوْ لِتَقْبَلُوا إِنْجِيلًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي قَبِلْتُمُوهُ! فَهَلْ أَنَا أَقَلُّ شَأْنًا مِنْ هَؤُلَاءِ الرُّسُلِ 'الْعُظَمَاءِ'؟ لَا أَظُنُّ! حَتَّى إِنْ كُنْتُ غَيْرَ فَصِيحٍ فِي الْكَلَامِ، لَكِنِّي غَيْرُ نَاقِصٍ فِي الْمَعْرِفَةِ. وَنَحْنُ أَوْضَحْنَا هَذَا لَكُمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَبِكُلِّ طَرِيقَةٍ. فَهَلْ أَخْطَأْتُ بِأَنِّي بَلَّغْتُكُمْ بُشْرَى اللهِ مَجَّانًا، فَأَنْزَلْتُ مِنْ مَقَامِي، لِكَيْ يَرْتَفِعَ مَقَامُكُمْ؟ كَانَتْ هُنَاكَ جَمَاعَاتٌ أُخْرَى تَعُولُنِي، فَكَأَنِّي سَلَبْتُهُمْ هُمْ، لِكَيْ أَخْدِمَكُمْ أَنْتُمْ. وَلَمَّا احْتَجْتُ إِلَى شَيْءٍ وَأَنَا عِنْدَكُمْ، لَمْ أُثَقِّلْ عَلَى أَيِّ وَاحِدٍ فِيكُمْ. لِأَنَّ الْإِخْوَةَ الَّذِينَ حَضَرُوا مِنْ مَقْدُونْيَا أَعْطَوْنِي مَا كُنْتُ أَحْتَاجُ إِلَيْهِ. فَلَمْ أُثَقِّلْ عَلَيْكُمْ، وَلَنْ أُثَقِّلَ أَبَدًا. أُؤَكِّدُ لَكُمْ حَسَبَ حَقِّ الْمَسِيحِ الَّذِي فِيَّ، لَنْ يَقْدِرَ أَحَدٌ فِي بِلَادِ أَخَائِيَةَ أَنْ يُضَيِّعَ عَلَيَّ هَذَا الْفَخْرَ. لِمَاذَا؟ هَلْ لِأَنِّي لَا أُحِبُّكُمْ؟ اللهُ يَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكُمْ. بَلْ سَأَسْتَمِرُّ فِي عَمَلِ مَا أَعْمَلُهُ الْآنَ، لِكَيْ لَا أُعْطِيَ فُرْصَةً لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ فُرْصَةً لِيَظْهَرُوا أَنَّهُمْ مُسَاوُونَ لَنَا فِي الْأُمُورِ الَّتِي يَفْخَرُونَ بِهَا. هَؤُلَاءِ هُمْ رُسُلٌ كَذَبَةٌ، عُمَّالٌ غَيْرُ أُمَنَاءَ، وَيَظْهَرُونَ كَأَنَّهُمْ رُسُلُ الْمَسِيحِ. وَلَا عَجَبَ، لِأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يَظْهَرُ وَكَأَنَّهُ مَلَاكُ نُورٍ. فَلَيْسَ مِنَ الْغَرِيبِ إِذَنْ أَنْ يَظْهَرَ خُدَّامُهُ وَكَأَنَّهُمْ خُدَّامُ الصَّلَاحِ. لَكِنْ سَتَكُونُ نِهَايَتُهُمْ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ. أُكَرِّرُ مَرَّةً أُخْرَى، يَجِبُ أَنْ لَا يَظُنَّ أَحَدٌ أَنِّي غَبِيٌّ. أَمَّا إِنْ كُنْتُمْ تَظُنُّونَ أَنِّي غَبِيٌّ، إِذَنْ فَاقْبَلُونِي كَغَبِيٍّ لِكَيْ أَفْتَخِرَ وَلَوْ قَلِيلًا. فَمَا أَقُولُهُ الْآنَ، لَيْسَ مِنَ الْمَسِيحِ، بَلْ أَتَكَلَّمُ مِثْلَ وَاحِدٍ غَبِيٍّ عِنْدَهُ الْجَرَاءَةُ أَنْ يَفْتَخِرَ. لِأَنَّ كَثِيرِينَ يَفْتَخِرُونَ بِامْتِيَازَاتِهِمُ الدُّنْيَوِيَّةِ، فَلِمَاذَا لَا أَفْتَخِرُ أَنَا أَيْضًا؟ لَا شَكَّ أَنَّكُمْ أَنْتُمُ الْعُقَلَاءُ تَحْتَمِلُونَ الْجُهَلَاءَ بِسُرُورٍ. نَعَمْ، أَنْتُمْ تَحْتَمِلُونَ إِنْ كَانَ وَاحِدٌ يَسْتَعْبِدُكُمْ، أَوْ يَسْتَغِلُّكُمْ، أَوْ يَسْلُبُكُمْ، أَوْ يَسْتَعْلِي عَلَيْكُمْ، أَوْ يَلْطِمُكُمْ عَلَى الْوَجْهِ. وَإِنِّي أَعْتَرِفُ بِخَجَلٍ، أَنَّنَا كُنَّا ضُعَفَاءَ فَلَمْ نَعْمَلْ هَذَا مَعَكُمْ! لَكِنْ بِمَا أَنِّي أَتَكَلَّمُ بِغَبَاءٍ، فَكُلُّ مَا يُرِيدُ أَنْ يَفْتَخِرَ بِهِ هَؤُلَاءِ، فَأَنَا أَيْضًا أَفْتَخِرُ بِهِ. هَلْ هُمْ عِبْرَانِيُّونَ؟ فَأَنَا أَيْضًا. هَلْ هُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ فَأَنَا أَيْضًا. هَلْ هُمْ مِنْ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ؟ فَأَنَا كَذَلِكَ. هَلْ هُمْ خُدَّامُ الْمَسِيحِ؟ أَقُولُ كَمَجْنُونٍ، أَنَا أَحْسَنُ مِنْهُمْ! فَقَدْ تَعِبْتُ أَكْثَرَ مِنْهُمْ، وَسُجِنْتُ أَكْثَرَ مِنْهُمْ، وَجُلِدْتُ أَكْثَرَ مِنْهُمْ، وَتَعَرَّضْتُ لِلْمَوْتِ أَكْثَرَ مِنْهُمْ. 5 مَرَّاتٍ جَلَدَنِي الْيَهُودُ، فِي كُلِّ مَرَّةٍ 39 جَلْدَةً. ضُرِبْتُ بِالْعِصِيِّ 3 مَرَّاتٍ. رُجِمْتُ بِالْحِجَارَةِ مَرَّةً. تَحَطَّمَتْ بِيَ السَّفِينَةُ 3 مَرَّاتٍ. قَضَيْتُ يَوْمًا كَامِلًا، بِنَهَارِهِ وَلَيْلِهِ، فِي عَرْضِ الْبَحْرِ. فِي أَسْفَارٍ عَدِيدَةٍ، وَاجَهْتُ مَخَاطِرَ مِنْ أَنْهَارٍ وَمَخَاطِرَ مِنْ لُصُوصٍ، مَخَاطِرَ مِنْ يَهُودٍ وَمَخَاطِرَ مِنْ غَيْرِ يَهُودٍ، مَخَاطِرَ فِي الْمُدُنِ وَمَخَاطِرَ فِي الْقِفَارِ، مَخَاطِرَ فِي الْبَحْرِ وَمَخَاطِرَ مِنْ إِخْوَةٍ كَذَبَةٍ. فِي تَعَبٍ وَمَشَقَّةٍ، وَفِي سَهَرٍ بِلَا نَوْمٍ. قَاسَيْتُ مِنَ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَقِلَّةِ التَّغْذِيَةِ وَمِنَ الْبَرْدِ وَمِنْ قِلَّةِ الْمَلَابِسِ. وَبِالْإِضَافَةِ إِلَى كُلِّ هَذَا، هُنَاكَ انْشِغَالِيَ الْيَوْمِيُّ بِمَسْئُولِيَّةِ كُلِّ جَمَاعَاتِ الْمُؤْمِنِينَ. مَنْ يَضْعُفُ وَأَنَا لَا أَضْعُفُ مَعَهُ! مَنْ يَقَعُ فِي الْخَطِيئَةِ، وَأَنَا لَا أَحْتَرِقُ مِنَ الْحُزْنِ عَلَيْهِ! إِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنَ الِافْتِخَارِ، فَإِنِّي أَفْتَخِرُ بِالْأُمُورِ الَّتِي تُبَيِّنُ أَنِّي ضَعِيفٌ. اللهُ أَبُو سَيِّدِنَا عِيسَـى، تَبَارَكَ إِلَى الْأَبَدِ، يَعْلَمُ أَنِّي لَا أَكْذِبُ. حَاكِمُ دِمَشْقَ الَّذِي يَعْمَلُ تَحْتَ سُلْطَةِ الْمَلِكِ الْحَارِثِ، أَمَرَ بِحِرَاسَةِ مَدِينَةِ دِمَشْقَ لِكَيْ يَقْبِضَ عَلَيَّ. لَكِنَّ الْإِخْوَةَ وَضَعُونِي فِي قُفَّةٍ، وَأَنْزَلُونِي مِنْ نَافِذَةٍ فِي السُّورِ، وَهَرَبْتُ مِنْهُ. لَا بُدَّ لِي أَنْ أَفْتَخِرَ. وَمَعَ أَنَّ هَذَا لَا يَنْفَعُ، لَكِنِّي سَأُحَدِّثُكُمُ الْآنَ عَنْ رُؤَى الْمَسِيحِ وَإِعْلَانَاتِهِ لِي. أَعْرِفُ رَجُلًا يَنْتَمِي لِلْمَسِيحِ، وَمُنْذُ 14 سَنَةً خُطِفَ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ. فَهَلْ كَانَ بِجِسْمِهِ أَمْ بِغَيْرِ جِسْمِهِ؟ لَا أَعْلَمُ. اللهُ يَعْلَمُ. وَإِنِّي أُكَرِّرُ: أَنَا لَا أَعْلَمُ إِنْ كَانَ بِجِسْمِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِسْمِهِ، اللهُ يَعْلَمُ. إِنَّمَا أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ خُطِفَ إِلَى الْجَنَّةِ، وَسَمِعَ أَشْيَاءَ لَا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهَا، وَلَا يَجُوزُ لِإِنْسَانٍ أَنْ يَتَحَدَّثَ بِهَا. أَنَا أَفْتَخِرُ بِهَذَا الرَّجُلِ، وَلَا أَفْتَخِرُ بِنَفْسِي إِلَّا بِضَعْفِي. وَلَوْ أَرَدْتُ أَنْ أَفْتَخِرَ، لَا أَكُونُ غَبِيًّا، لِأَنِّي أَقُولُ الْحَقَّ. لَكِنِّي سَأَمْتَنِعُ لِئَلَّا يَظُنَّ أَحَدٌ أَنِّي أَعْظَمُ مِمَّا يَرَى فِيَّ أَوْ يَسْمَعُ مِنِّي. وَلِكَيْ لَا أَتَكَبَّرَ بِسَبَبِ رَوْعَةِ هَذِهِ الْإِعْلَانَاتِ، أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِي جِسْمِي: رَسُولًا مِنَ الشَّيْطَانِ لِيُعَذِّبَنِي، لِئَلَّا أَتَكَبَّرَ. فَتَضَرَّعْتُ إِلَى الْمَسِيحِ 3 مَرَّاتٍ أَنْ يَأْخُذَهَا عَنِّي، لَكِنَّهُ قَالَ لِي: ”نِعْمَتِي تَكْفِيكَ، لِأَنَّ قُوَّتِي تَبْلُغُ كَمَالَهَا فِيكَ وَأَنْتَ ضَعِيفٌ.“ إِذَنْ بِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِضَعْفِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ. فَمِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ، أَفْرَحُ بِالضَّعْفِ وَالْإِهَانَةِ وَالضِّيقِ وَالِاضْطِهَادِ وَالْمَشَقَّةِ. لِأَنِّي حِينَ أَكُونُ ضَعِيفًا، أَكُونُ قَوِيًّا. أَنَا تَصَرَّفْتُ كَغَبِيٍّ. أَنْتُمْ أَجْبَرْتُمُونِي عَلَى هَذَا، كَانَ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَمْدَحُونِي، لِأَنِّي لَسْتُ أَقَلَّ شَأْنًا مِنْ هَؤُلَاءِ الرُّسُلِ 'الْعُظَمَاءِ' حَتَّى وَإِنْ كُنْتُ لَا أُسَاوِي شَيْئًا. وَبَرْهَنْتُ لَكُمْ عَلَى أَنِّي رَسُولٌ بِالْآيَاتِ وَالْعَجَائِبِ وَالْمُعْجِزَاتِ الَّتِي عَمِلْتُهَا بَيْنَكُمْ بِكُلِّ صَبْرٍ. فَهَلْ عَامَلْتُكُمْ بِأَسْوَأَ مِمَّا عَامَلْتُ الْجَمَاعَاتِ الْأُخْرَى؟ إِلَّا طَبْعًا، فِي أَنِّي لَمْ أُثَقِّلْ عَلَيْكُمْ بِشَيْءٍ! أَرْجُو أَنْ تُسَامِحُونِي عَلَى هَذَا الظُّلْمِ! أَنَا مُسْتَعِدٌّ الْآنَ أَنْ أَزُورَكُمْ لِلْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ. وَلَنْ أُثَقِّلَ عَلَيْكُمْ، فَأَنَا أُرِيدُكُمْ أَنْتُمْ، لَا مَا عِنْدَكُمْ. لَيْسَ عَلَى الْأَوْلَادِ أَنْ يُوَفِّرُوا لِوَالِدِيهِمْ، بَلْ عَلَى الْوَالِدِينَ أَنْ يُوَفِّرُوا لِلْأَوْلَادِ. وَمِنْ جِهَتِي، فَإِنِّي بِكُلِّ سُرُورٍ أَبْذِلُ كُلَّ مَا عِنْدِي، بَلْ وَأَبْذِلُ نَفْسِي مِنْ أَجْلِكُمْ. فَإِنْ كُنْتُ أُحِبُّكُمْ أَكْثَرَ، هَلْ تُحِبُّونِي أَقَلَّ؟ رُبَّمَا تَقُولُونَ إِنِّي لَمْ أُثَقِّلْ عَلَيْكُمْ، لَكِنِّي كَمُحْتَالٍ سَلَبْتُكُمْ بِمَكْرٍ! هَلِ انْتَفَعْتُ مِنْكُمْ عَنْ طَرِيقِ أَيِّ وَاحِدٍ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ أَرْسَلْتُهُمْ إِلَيْكُمْ؟ طَلَبْتُ مِنْ تِيتُوسَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَيْكُمْ، وَأَرْسَلْتُ مَعَهُ الْأَخَ. فَهَلِ انْتَفَعَ تِيتُوسُ مِنْكُمْ بِشَيْءٍ؟ أَلَمْ نَتَصَرَّفْ أَنَا وَهُوَ بِرُوحٍ وَاحِدٍ؟ أَلَمْ نَسْلُكْ نَفْسَ الطَّرِيقِ؟ رُبَّمَا تَظُنُّونَ أَنَّنَا طُولَ هَذَا الْوَقْتِ وَنَحْنُ نُدَافِعُ عَنْ أَنْفُسِنَا أَمَامَكُمْ. لَا، بَلْ إِنَّنَا نَتَكَلَّمُ أَمَامَ اللهِ كَمُؤْمِنِينَ بِالْمَسِيحِ، وَكُلُّ قَصْدِنَا أَيُّهَا الْأَحِبَّاءُ هُوَ أَنْ نَبْنِيَكُمْ رُوحِيًّا. أَنَا أَخَافُ أَنِّي عِنْدَمَا أَحْضُرُ إِلَيْكُمْ، أَجِدُكُمْ عَلَى غَيْرِ مَا أُرِيدُ، وَتَجِدُونِي عَلَى غَيْرِ مَا تُرِيدُونَ. أَخَافُ أَنْ يُوجَدَ بَيْنَكُمْ خِلَافٌ وَحَسَدٌ وَغَضَبٌ وَأَنَانِيَّةٌ وَشَتَائِمُ وَافْتِرَاءُ وَكِبْرِيَاءُ وَفَوْضَى. أَخَافُ أَنَّهُ عِنْدَمَا أَحْضُرُ إِلَيْكُمْ مَرَّةً أُخْرَى، يُذِلُّنِي إِلَهِي عِنْدَكُمْ، فَأَبْكِي عَلَى الْكَثِيرِينَ الَّذِينَ أَخْطَأُوا مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَتُوبُوا عَنِ النَّجَاسَةِ وَالزِّنَى وَالْخَلَاعَةِ الَّتِي ارْتَكَبُوهَا. سَتَكُونُ هَذِهِ هِيَ ثَالِثَ مَرَّةٍ أَزُورُكُمْ فِيهَا. وَكَمَا أَنَّ الْحُكْمَ فِي كُلِّ قَضِيَّةٍ يَكُونُ بِنَاءً عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَوْ 3، فَأَنَا حَذَّرْتُكُمْ لَمَّا كُنْتُ عِنْدَكُمْ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ، وَالْآنَ وَأَنَا غَائِبٌ أُكَرِّرُ نَفْسَ الشَّيْءِ وَأَقُولُ لَكُمْ إِنِّي عِنْدَمَا أَحْضُرُ، لَنْ أَشْفِقَ عَلَى الَّذِينَ أَخْطَأُوا مِنْ قَبْلُ وَلَا عَلَى أَيِّ وَاحِدٍ مِنَ الْآخَرِينَ. أَنْتُمْ تُرِيدُونَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَكَلَّمُ بِوَاسِطَتِي! هَذَا هُوَ الدَّلِيلُ: إِنَّهُ لَيْسَ ضَعِيفًا بَيْنَكُمْ، بَلْ قَوِيًّا! فَمَعَ أَنَّهُ كَانَ ضَعِيفًا لَمَّا صُلِبَ، لَكِنَّهُ الْآنَ حَيٌّ بِقُوَّةِ اللهِ. وَنَحْنُ أَيْضًا ضُعَفَاءُ بِانْتِمَائِنَا لَهُ، لَكِنَّنَا أَقْوِيَاءُ لِنَتَعَامَلَ مَعَكُمْ، لِأَنَّنَا نَحْيَا مَعَهُ بِقُوَّةِ اللهِ. اِخْتَبِرُوا أَنْفُسَكُمْ، وَانْظُرُوا إِنْ كُنْتُمْ عَلَى الْإِيمَانِ. اِمْتَحِنُوا أَنْفُسَكُمْ. لَا شَكَّ أَنَّكُمْ تَعْرِفُونَ أَنَّ الْمَسِيحَ عِيسَـى فِيكُمْ، طَبْعًا إِلَّا إِذَا فَشِلْتُمْ فِي الِامْتِحَانِ. وَأَرْجُو أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّنَا نَحْنُ لَمْ نَفْشَلْ فِي الِامْتِحَانِ. وَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ لَا تَفْعَلُوا أَيَّ خَطَأٍ. لَا لِكَيْ يَرَى النَّاسُ أَنَّنَا نَجَحْنَا فِي الِامْتِحَانِ، بَلْ لِكَيْ تَعْمَلُوا مَا هُوَ حَقٌّ، حَتَّى وَلَوْ ظَهَرْنَا نَحْنُ كَفَاشِلِينَ. لِأَنَّنَا لَا نَقْدِرُ أَنْ نَعْمَلَ أَيَّ شَيْءٍ ضِدَّ الْحَقِّ، بَلْ مَعَ الْحَقِّ. وَنَفْرَحُ عِنْدَمَا نَكُونُ نَحْنُ ضُعَفَاءَ وَأَنْتُمْ أَقْوِيَاءَ. فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ تَكُونُوا كَامِلِينَ. وَالسَّبَبُ فِي أَنِّي أَكْتُبُ هَذَا وَأَنَا غَائِبٌ هُوَ لِكَيْ لَا أُعَامِلَكُمْ بِقَسْوَةٍ عِنْدَمَا أَحْضُرُ، وَذَلِكَ حَسَبَ السُّلْطَةِ الَّتِي أَعْطَاهَا الْمَسِيحُ لِي لِأَبْنِيَكُمْ لَا لِأَهْدِمَكُمْ. وَأَخِيرًا يَا إِخْوَتِي، إِلَى اللِّقَاءِ. سِيرُوا نَحْوَ الْكَمَالِ. اِعْمَلُوا بِنَصِيحَتِي. كُونُوا مُتَّحِدِينَ فِي الرَّأْيِ. عِيشُوا بِسَلَامٍ. اللهُ الَّذِي يُعْطِي الْمَحَبَّةَ وَالسَّلَامَ يَكُونُ مَعَكُمْ. سَلِّمُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِقُبْلَةٍ طَاهِرَةٍ. كُلُّ الْمُؤْمِنِينَ يُسَلِّمُونَ عَلَيْكُمْ. نِعْمَةُ عِيسَى الْمَسِيحِ مَوْلَانَا، وَمَحَبَّةُ اللهِ، وَرَابِطَةُ الرُّوحِ الْقُدُّوسِ، تَكُونُ مَعَكُمْ جَمِيعًا. مِنْ: بُولُسَ الَّذِي هُوَ رَسُولٌ، لَا مِنْ عِنْدِ النَّاسِ وَلَا بِوَاسِطَةِ بَشَرٍ، بَلِ الَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ عِيسَـى الْمَسِيحُ وَاللهُ الْأَبُ الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الْمَوْتِ. وَمِنْ: كُلِّ الْإِخْوَةِ الَّذِينَ مَعِي هُنَا. إِلَى: جَمَاعَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فِي غَلَاطِيَةَ. عَلَيْكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلَامُ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَعِيسَـى الْمَسِيحِ مَوْلَانَا، الَّذِي ضَحَّى بِنَفْسِهِ مِنْ أَجْلِ ذُنُوبِنَا لِيُنْقِذَنَا مِنْ هَذَا الْعَالَمِ الشِّرِّيرِ، حَسَبَ مَشِيئَةِ اللهِ الَّذِي هُوَ أَبُونَا. لَهُ الْجَلَالُ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ، آمِينَ. إِنَّ اللهَ دَعَاكُمْ بِنِعْمَةِ الْمَسِيحِ لِتَكُونُوا شَعْبَهُ، لِذَلِكَ أَنَا مُنْدَهِشٌ جِدًّا، أَنَّكُمْ بِهَذِهِ السُّرْعَةِ تَتْرُكُونَهُ لِتَقْبَلُوا إِنْجِيلًا مُخَالِفًا! فِي الْحَقِيقَةِ لَا يُوجَدُ إِنْجِيلٌ آخَرُ، لَكِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يُزْعِجُونَكُمْ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُحَرِّفُوا إِنْجِيلَ الْمَسِيحِ. فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يُبَشِّرُكُمْ بِإِنْجِيلٍ يَخْتَلِفُ عَنِ الَّذِي بَشَّرْنَاكُمْ بِهِ، يَكُونُ مَصِيرُهُ الْهَلَاكَ، وَلَوْ فَعَلْنَا ذَلِكَ نَحْنُ أَنْفُسُنَا، أَوْ حَتَّى مَلَاكٌ مِنَ السَّمَاءِ. نَحْنُ قُلْنَا لَكُمْ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ قَبْلُ، وَإِنِّي أُكَرِّرُهُ هُنَا مَرَّةً أُخْرَى: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُبَشِّرُكُمْ بِإِنْجِيلٍ غَيْرِ الَّذِي قَبِلْتُمُوهُ، يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْهَلَاكِ. فَهَلْ أَتَوَدَّدُ الْآنَ لِلنَّاسِ أَمْ للهِ؟ هَلْ أُحَاوِلُ أَنْ أُرْضِيَ النَّاسَ؟ لَوْ كُنْتُ مَا زِلْتُ أُحَاوِلُ أَنْ أُرْضِيَ النَّاسَ، فَأَنَا لَسْتُ خَادِمًا لِلْمَسِيحِ. وَأُرِيدُكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا يَا إِخْوَتِي، أَنَّ الْإِنْجِيلَ الَّذِي بَشَّرْتُكُمْ بِهِ، هُوَ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ النَّاسِ. فَأَنَا لَمْ أَتَسَلَّمْهُ وَلَمْ أَتَعَلَّمْهُ مِنْ بَشَرٍ، بَلْ عِيسَـى الْمَسِيحُ هُوَ الَّذِي أَعْلَنَهُ لِي. أَنْتُمْ سَمِعْتُمْ عَنْ سِيرَتِي فِي الْحَيَاةِ لَمَّا كُنْتُ عَلَى الدِّينِ الْيَهُودِيِّ: فَقَدْ كُنْتُ أَضْطَهِدُ أُمَّةَ اللهِ أَشَدَّ الِاضْطِهَادِ، وَأُحَاوِلُ أَنْ أَمْحُوَهَا مِنَ الْوُجُودِ. وَكُنْتُ مُتَقَدِّمًا عَلَى كَثِيرِينَ مِنْ بَنِي أُمَّتِي الَّذِينَ فِي سِنِّي، فِي مُمَارَسَةِ فَرَائِضِ الدِّينِ، وَكُنْتُ مُتَحَمِّسًا أَكْثَرَ مِنْهُمْ لِتَقَالِيدِ آبَائِنَا. لَكِنَّ اللهَ اخْتَارَنِي وَأَنَا فِي بَطْنِ أُمِّي، وَدَعَانِي بِنِعْمَتِهِ لِأَخْدِمَهُ. فَلَمَّا شَاءَ أَنْ يُظْهِرَ لِيَ ابْنَهُ، لِكَيْ أُبَشِّرَ بِإِنْجِيلِهِ بَيْنَ الشُّعُوبِ، لَمْ أَسْتَشِرْ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ. وَلَمْ أَذْهَبْ إِلَى الْقُدْسِ إِلَى الرُّسُلِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ قَبْلِي. بَلْ ذَهَبْتُ فَوْرًا إِلَى بِلَادِ الْعَرَبِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ رَجَعْتُ إِلَى دِمَشْقَ. ثُمَّ بَعْدَ 3 سِنِينَ ذَهَبْتُ فِعْلًا إِلَى الْقُدْسِ لِكَيْ أَتَعَرَّفَ عَلَى بُطْرُسَ، وَأَقَمْتُ عِنْدَهُ 15 يَوْمًا. لَكِنِّي لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنَ الرُّسُلِ الْآخَرِينَ غَيْرَ يَعْقُوبَ أَخِي السَّيِّدِ. أُؤَكِّدُ لَكُمْ أَمَامَ اللهِ أَنَّ مَا أَكْتُبُهُ لَكُمْ هُوَ الْحَقُّ. بَعْدَ ذَلِكَ ذَهَبْتُ إِلَى بَعْضِ بِلَادِ سُورْيَا وَكِيلِيكِيَّةَ. وَإِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَتْ جَمَاعَاتُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمَسِيحِ فِي بِلَادِ يَهُوذَا لَا تَعْرِفُنِي شَخْصِيًّا. كُلُّ مَا سَمِعُوهُ هُوَ هَذَا: ”الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ يَضْطَهِدُنَا، أَصْبَحَ الْآنَ يُنَادِي بِالْإِيمَانِ الَّذِي كَانَ يُحَاوِلُ أَنْ يَهْدِمَهُ.“ فَكَانُوا يُسَبِّحُونَ اللهَ بِسَبَبِي. ثُمَّ بَعْدَ 14 سَنَةً، ذَهَبْتُ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى الْقُدْسِ مَعَ بَرْنَابَا، وَأَخَذْتُ تِيتُوسَ أَيْضًا مَعِي. وَقَدْ ذَهَبْتُ بِنَاءً عَلَى رُؤْيَا مِنَ اللهِ. وَعَقَدْتُ اجْتِمَاعًا خَاصًّا مَعَ الْإِخْوَةِ الَّذِينَ لَهُمُ اعْتِبَارٌ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمْ رِسَالَةَ الْإِنْجِيلِ الَّذِي أُبَشِّرُ بِهِ بَيْنَ الشُّعُوبِ الْأُخْرَى، لِئَلَّا تَكُونَ خِدْمَتِي فِي الْمَاضِي وَفِي الْحَاضِرِ بِلَا فَائِدَةٍ. وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ تِيتُوسَ الَّذِي كَانَ يُرَافِقُنِي، لَمْ يُضْطَرَّ أَنْ يُخْتَنَ، مَعَ أَنَّهُ يُونَانِيٌّ. وَكَانَ هَذَا الْمَوْضُوعُ قَدْ أُثِيرَ لِأَنَّ بَعْضَ الْإِخْوَةِ الْكَذَبَةِ انْدَسُّوا بَيْنَنَا لِيَتَجَسَّسُوا عَلَى الْحُرِّيَّةِ الَّتِي أَعْطَاهَا لَنَا الْمَسِيحُ عِيسَـى، وَكَانَ قَصْدُهُمْ أَنْ يَسْتَعْبِدُونَا. لَكِنَّنَا لَمْ نَسْتَسْلِمْ وَلَمْ نَخْضَعْ لَهُمْ وَلَا لَحْظَةً وَاحِدَةً، لِكَيْ نَصُونَ لَكُمُ الْإِنْجِيلَ الْحَقَّ. أَمَّا الَّذِينَ يَبْدُو أَنَّ لَهُمْ أَهَمِّيَّةً فَلَمْ يَقْتَرِحُوا عَلَيَّ أَيَّ شَيْءٍ جَدِيدٍ. وَمَكَانَتُهُمْ هَذِهِ لَيْسَ لَهَا قِيمَةٌ عِنْدِي، كَمَا أَنَّ اللهَ أَيْضًا لَا تَهُمُّهُ مَرَاكِزُ النَّاسِ. بِالْعَكْسِ، هَؤُلَاءِ رَأَوْا أَنَّ اللهَ أَوْكَلَ إِلَيَّ أَنْ أُنَادِيَ بِالْإِنْجِيلِ بَيْنَ الشُّعُوبِ، كَمَا أَوْكَلَ إِلَى بُطْرُسَ أَنْ يُنَادِيَ بِهِ بَيْنَ الْيَهُودِ. لِأَنَّ اللهَ الَّذِي بِقُدْرَتِهِ جَعَلَ بُطْرُسَ رَسُولًا لِلْيَهُودِ، هُوَ أَيْضًا بِقُدْرَتِهِ جَعَلَنِي رَسُولًا لِلشُّعُوبِ. وَإِنَّ يَعْقُوبَ وَبُطْرُسَ وَيُوحَنَّا، الَّذِينَ لَهُمُ اعْتِبَارٌ كَأَعْمِدَةٍ فِي أُمَّةِ الْمَسِيحِ، رَأَوْا أَنَّ اللهَ أَنْعَمَ عَلَيَّ بِهَذَا، وَصَافَحُونِي بِالْيَدِ أَنَا وَبَرْنَابَا إِشَارَةً إِلَى شَرِكَتِنَا مَعًا، فَنَحْنُ نَخْدِمُ بَيْنَ الشُّعُوبِ، وَهُمْ بَيْنَ الْيَهُودِ. وَكُلُّ مَا طَلَبُوهُ مِنَّا هُوَ أَنْ نَتَذَكَّرَ الْفُقَرَاءَ، وَهُوَ الْأَمْرُ الَّذِي أَنَا مُتَحَمِّسٌ لَهُ حَتَّى مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ. لَكِنْ لَمَّا جَاءَ بُطْرُسُ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ، عَارَضْتُهُ وَجْهًا لِوَجْهٍ، لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى خَطَأٍ. فَهُوَ فِي الْأَوَّلِ كَانَ يَأْكُلُ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الشُّعُوبِ، لَكِنْ لَمَّا حَضَرَ بَعْضُ الرِّجَالِ مِنْ عِنْدِ يَعْقُوبَ، بَدَأَ يَتَرَاجَعُ وَيَتَجَنَّبُ الْأَكْلَ مَعَ الشُّعُوبِ، لِأَنَّهُ خَافَ مِنْ دُعَاةِ الْخِتَانِ. وَاشْتَرَكَ مَعَهُ فِي هَذَا النِّفَاقِ الْآخَرُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا هُنَاكَ. وَحَتَّى بَرْنَابَا نَفْسُهُ انْقَادَ إِلَى نِفَاقِهِمْ. فَلَمَّا رَأَيْتُ أَنَّ سُلُوكَهُمْ لَا يَتَّفِقُ مَعَ الْإِنْجِيلِ الْحَقِّ، قُلْتُ لِبُطْرُسَ قُدَّامَهُمْ جَمِيعًا: ”أَنْتَ يَهُودِيٌّ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَعِيشُ كَالْيَهُودِ، بَلْ تَتْبَعُ عَادَاتِ الشُّعُوبِ، فَلِمَاذَا إِذَنْ تُحَاوِلُ أَنْ تُجْبِرَ الشُّعُوبَ أَنْ يَتْبَعُوا عَادَاتِ الْيَهُودِ؟“ نَحْنُ يَهُودٌ أَبًا عَنْ جَدٍّ، وَلَسْنَا مِنَ الشُّعُوبِ الْمُذْنِبِينَ، كَمَا يُسَمُّونَهُمْ. وَمَعَ ذَلِكَ، نَعْلَمُ أَنَّ اللهَ يَعْتَبِرُ الْإِنْسَانَ صَالِحًا لَا بِالْعَمَلِ بِفَرَائِضِ الشَّرِيعَةِ، بَلْ بِالْإِيمَانِ بِعِيسَـى الْمَسِيحِ. لِذَلِكَ نَحْنُ أَيْضًا آمَنَّا بِالْمَسِيحِ عِيسَـى لِكَيْ نُعْتَبَرَ صَالِحِينَ عِنْدَ اللهِ بِالْإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ لَا بِالْعَمَلِ بِفَرَائِضِ الشَّرِيعَةِ. لِأَنَّهُ بِعَمَلِ فَرَائِضِ الشَّرِيعَةِ لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يُعْتَبَرَ صَالِحًا عِنْدَ اللهِ. فَإِنْ كَانَ النَّاسُ يَأْتُونَ لِلْمَسِيحِ لِيُعْتَبَرُوا صَالِحِينَ عِنْدَ اللهِ مَعَ أَنَّهُمْ مُذْنِبُونَ، فَهَلْ هَذَا يَعْنِي أَنَّ الْمَسِيحَ يُشَجِّعُ عَلَى الذَّنْبِ؟ قَطْعًا لَا. فَإِنْ كُنْتُ أَعُودُ وَأَبْنِي مَا هَدَمْتُهُ، فَإِنِّي بِهَذَا أُثْبِتُ أَنِّي أَخْطَأْتُ لَمَّا هَدَمْتُهُ. لِأَنَّ الشَّرِيعَةَ مَوَّتَتْنِي، فَتَحَرَّرْتُ مِنْ قُوَّتِهَا لِأَحْيَا للهِ. أَنَا صُلِبْتُ مَعَ الْمَسِيحِ، وَالَّذِي يَحْيَا الْآنَ لَيْسَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. وَالْحَيَاةُ الَّتِي أَحْيَاهَا الْآنَ، أَحْيَاهَا بِالْإِيمَانِ، الْإِيمَانِ بِابْنِ اللهِ الَّذِي أَحَبَّنِي وَضَحَّى بِنَفْسِهِ مِنْ أَجْلِي. أَنَا لَا أَنْقُضُ نِعْمَةَ اللهِ. لَوْ كُنَّا نُعْتَبَرُ صَالِحِينَ عِنْدَ اللهِ بِالْعَمَلِ بِفَرَائِضِ الشَّرِيعَةِ، إِذَنْ مَوْتُ الْمَسِيحِ هُوَ بِلَا مَعْنًى. يَا غَلَاطِيُّونَ يَا أَغْبِيَاءُ! مَنْ سَحَرَ عُقُولَكُمْ بَعْدَمَا وَصَفْنَا لَكُمْ صَلْبَ الْمَسِيحِ بِكُلِّ وُضُوحٍ لِعُيُونِكُمْ؟ أُرِيدُ أَنْ أَفْهَمَ مِنْكُمْ شَيْئًا وَاحِدًا فَقَطْ: هَلْ نِلْتُمْ رُوحَ اللهِ لِأَنَّكُمْ عَمِلْتُمْ بِفَرَائِضِ الشَّرِيعَةِ، أَمْ لِأَنَّكُمْ سَمِعْتُمُ الْإِنْجِيلَ وَآمَنْتُمْ بِهِ؟ هَلْ أَنْتُمْ أَغْبِيَاءُ إِلَى هَذَا الْحَدِّ؟ أَنْتُمْ بَدَأْتُمْ بِرُوحِ اللهِ، فَهَلْ تَظُنُّونَ أَنَّكُمْ تَقْدِرُونَ أَنْ تَصِلُوا إِلَى الْكَمَالِ بِمَجْهُودِكُمُ الْبَشَرِيِّ؟ وَهَلْ كَانَتِ اخْتِبَارَاتُكُمْ كُلُّهَا بِلَا فَائِدَةٍ؟ وَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ بِلَا فَائِدَةٍ؟ إِنَّ اللهَ يُعْطِيكُمْ رُوحَهُ وَيَعْمَلُ بَيْنَكُمُ الْمُعْجِزَاتِ، لَا لِأَنَّكُمْ تَعْمَلُونَ بِفَرَائِضِ الشَّرِيعَةِ، بَلْ لِأَنَّكُمْ تَسْمَعُونَ الْإِنْجِيلَ وَتُؤْمِنُونَ بِهِ. تَأَمَّلُوا إِبْرَاهِيمَ أَيْضًا، إِنَّهُ آمَنَ بِاللهِ فَاعْتَبَرَ اللهُ ذَلِكَ لَهُ صَلَاحًا. فَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ هُمْ أَوْلَادُ إِبْرَاهِيمَ بِحَقٍّ. لِذَلِكَ تَنَبَّأَ الْكِتَابُ أَنَّ اللهَ سَيَعْتَبِرُ الشُّعُوبَ صَالِحِينَ عِنْدَهُ بِالْإِيمَانِ، فَأَعْلَنَ الْإِنْجِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ مُسَبَّقًا بِقَوْلِهِ لَهُ: ”بِوَاسِطَتِكَ يُبَارِكُ اللهُ كُلَّ الشُّعُوبِ.“ فَكُلُّ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ يُبَارِكُهُمُ اللهُ، كَمَا بَارَكَ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي آمَنَ. أَمَّا الَّذِينَ يَتَّكِلُونَ عَلَى أَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ بِفَرَائِضِ الشَّرِيعَةِ، فَهُمْ مَلْعُونُونَ. لِأَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ: ”مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ لَا يَعْمَلُ دَائِمًا بِكُلِّ مَا جَاءَ فِي كِتَابِ الشَّرِيعَةِ.“ وَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يُعْتَبَرَ صَالِحًا عِنْدَ اللهِ بِوَاسِطَةِ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ: ”الصَّالِحُ بِوَاسِطَةِ الْإِيمَانِ، يَحْيَا.“ وَالشَّرِيعَةُ لَا تَعْتَمِدُ عَلَى الْإِيمَانِ، بَلْ عَلَى الْأَعْمَالِ. فَالْكِتَابُ يَقُولُ: ”مَنْ يَعْمَلُ بِهَذِهِ الْوَصَايَا يَحْيَا.“ لَكِنَّ الْمَسِيحَ فَدَانَا مِنَ اللَّعْنَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ، بِأَنَّهُ صَارَ لَعْنَةً مِنْ أَجْلِنَا. لِأَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ أَيْضًا: ”مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ يُصْلَبُ عَلَى خَشَبَةٍ.“ وَهُوَ فَدَانَا لِكَيْ تَحْصُلَ الشُّعُوبُ بِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ عِيسَـى، عَلَى الْبَرَكَةِ الَّتِي لِإِبْرَاهِيمَ، وَبِذَلِكَ نَنَالُ بِالْإِيمَانِ الرُّوحَ الَّذِي وَعَدَ اللهُ بِهِ. يَا إِخْوَتِي، أُعْطِيكُمْ مَثَلًا مِنْ مُعَامَلَاتِ النَّاسِ مَعَ بَعْضِهِمْ: عِنْدَمَا يَكُونُ مَعَنَا عَقْدٌ مُسَجَّلٌ، لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُلْغِيَهُ أَوْ يُضِيفَ إِلَيْهِ. وَنَفْسُ الشَّيْءِ هُنَا: فَقَدْ أَعْطَى اللهُ وَعْدًا لِإِبْرَاهِيمَ وَنَسْلِهِ. وَهُوَ لَا يَقُولُ لَهُ ”أَنْسَالُكَ“ بِالْجَمْعِ، بَلْ ”نَسْلُكَ“ بِالْمُفْرَدِ، أَيِ الْمَسِيحُ. أَعْنِي بِهَذَا أَنَّ اللهَ عَمِلَ عَهْدًا مَعَ إِبْرَاهِيمَ، إِذَنْ فَالشَّرِيعَةُ الَّتِي جَاءَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِـ 430 سَنَةً، لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَنْقُضَ ذَلِكَ الْعَهْدَ وَتُلْغِيَ الْوَعْدَ. فَلَوْ كُنَّا نَنَالُ هَذِهِ الْبَرَكَةَ بِالْعَمَلِ بِالشَّرِيعَةِ، يَصِيرُ الْوَعْدُ غَيْرَ ضَرُورِيٍّ! لَكِنَّ الْوَاقِعَ هُوَ أَنَّ اللهَ فِي نِعْمَتِهِ أَعْطَى الْبَرَكَةَ لِإِبْرَاهِيمَ بِوَعْدٍ. إِذَنْ مَا هُوَ الْقَصْدُ مِنَ الشَّرِيعَةِ؟ الْجَوَابُ هُوَ أَنَّهَا أُضِيفَتْ لِكَيْ تُبَيِّنَ مَا هِيَ الْمَعْصِيَةُ. وَكَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا أَنْ تَبْقَى فَقَطْ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ النَّسْلُ الْمَوْعُودُ بِهِ. وَقَدْ أَعْلَنَتْهَا مَلَائِكَةٌ إِلَى وَسِيطٍ. وَالْوَسِيطُ يَعْنِي وُجُودَ أَكْثَرَ مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ، لَكِنَّ اللهَ وَاحِدٌ. فَهَلْ هَذَا يَعْنِي أَنَّ الشَّرِيعَةَ ضِدُّ وُعُودِ اللهِ؟ طَبْعًا لَا. لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتِ الشَّرِيعَةُ قَادِرَةً أَنْ تَمْنَحَ الْحَيَاةَ، لَكُنَّا فِعْلًا نُعْتَبَرُ صَالِحِينَ عِنْدَ اللهِ بِإِطَاعَتِهَا. لَكِنَّ الْكِتَابَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ مُكَبَّلٌ بِالْخَطِيئَةِ. فَالْوَعْدُ يُعْطَى فَقَطْ عَلَى أَسَاسِ الْإِيمَانِ بِعِيسَـى الْمَسِيحِ، لِمَنْ يُؤْمِنُونَ بِهِ. وَلَكِنْ قَبْلَ مَا جَاءَ هَذَا الْإِيمَانُ، كُنَّا مَسْجُونِينَ بِالشَّرِيعَةِ. فَلَمْ تَكُنْ لَنَا حُرِّيَّةٌ، حَتَّى أَرَانَا اللهُ الْإِيمَانَ الْمُنْتَظَرَ. فَكَانَتِ الشَّرِيعَةُ هِيَ الْمُرَبِّيَ الَّذِي يُشْرِفُ عَلَيْنَا لِيَقُودَنَا إِلَى الْمَسِيحِ، حَيْثُ نُعْتَبَرُ صَالِحِينَ بِالْإِيمَانِ. وَالْآنَ بَعْدَمَا جَاءَ الْإِيمَانُ، نَحْنُ لَسْنَا تَحْتَ إِشْرَافِ الشَّرِيعَةِ. أَنْتُمْ كُلُّكُمْ أَبْنَاءُ اللهِ بِالْإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ عِيسَـى. لِأَنَّكُمْ أَنْتُمْ جَمِيعًا يَا مَنِ اتَّحَدْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فِي الْغِطَاسِ، لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ كَأَنَّهُ رِدَاءٌ. فَالْآنَ لَا يُوجَدُ فَرْقٌ بَيْنَ يَهُودِيٍّ وَيُونَانِيٍّ، بَيْنَ عَبْدٍ وَحُرٍّ، بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، أَنْتُمْ كُلُّكُمْ وَاحِدٌ بِانْتِمَائِكُمْ لِلْمَسِيحِ عِيسَـى. وَبِمَا أَنَّكُمْ لِلْمَسِيحِ، فَأَنْتُمْ إِذَنْ نَسْلُ إِبْرَاهِيمَ، وَلَكُمْ نَصِيبٌ فِي الْبَرَكَةِ الَّتِي وَعَدَ اللهُ بِهَا. مَعْنَى كَلَامِي هُوَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْوَارِثُ مَا زَالَ قَاصِرًا، فَمَعَ أَنَّهُ صَاحِبُ الثَّرْوَةِ كُلِّهَا، فَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ عَنِ الْعَبْدِ، لِأَنَّهُ تَحْتَ سُلْطَةِ أَوْصِيَاءَ وَوُكَلَاءَ لِحَدِّ الْوَقْتِ الَّذِي عَيَّنَهُ أَبُوهُ. وَنَفْسُ الشَّيْءِ بِالنِّسْبَةِ لَنَا: نَحْنُ لَمَّا كُنَّا قَاصِرِينَ رُوحِيًّا، كُنَّا عَبِيدًا لِقُوَّاتِ هَذَا الْعَالَمِ. وَلَمَّا حَانَ الْوَقْتُ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ، فَجَاءَ مِنِ امْرَأَةٍ وَصَارَ تَحْتَ سُلْطَةِ الشَّرِيعَةِ، لِكَيْ يَفْدِيَ الَّذِينَ هُمْ تَحْتَ سُلْطَةِ الشَّرِيعَةِ، فَنَصِيرَ أَبْنَاءَ اللهِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّكُمْ أَبْنَاءُ اللهِ، هُوَ أَنَّهُ أَرْسَلَ رُوحَ ابْنِهِ إِلَى قُلُوبِنَا، الرُّوحَ الَّذِي يَهْتِفُ: ”يَا بَابَا! يَا أَبِي.“ إِذَنْ، أَنْتَ ابْنٌ لَا عَبْدٌ. وَبِمَا أَنَّكَ ابْنٌ، فَإِنَّ اللهَ أَنْعَمَ عَلَيْكَ بِنَصِيبٍ مِنْ بَرَكَاتِهِ. أَنْتُمْ فِي الْمَاضِي كُنْتُمْ لَا تَعْرِفُونَ اللهَ. وَكُنْتُمْ عَبِيدًا لِآلِهَةٍ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ آلِهَةً أَبَدًا. أَمَّا الْآنَ فَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَ اللهَ، بَلْ يَجِبُ أَنْ أَقُولَ إِنَّ اللهَ يَعْرِفُكُمْ. إِذَنْ لِمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تَرْجِعُوا إِلَى الْقُوَّاتِ الضَّعِيفَةِ الْحَقِيرَةِ الَّتِي كُنْتُمْ عَبِيدًا لَهَا فِي الْمَاضِي؟ أَنْتُمْ تَحْتَفِلُونَ بِمُنَاسَبَاتٍ: أَيَّامٍ وَشُهُورٍ وَفُصُولٍ وَسِنِينَ! أَنَا خَائِفٌ عَلَيْكُمْ، لِئَلَّا يَكُونَ تَعَبِي مَعَكُمْ ضَاعَ بِلَا فَائِدَةٍ. أَتَوَسَّلُ إِلَيْكُمْ يَا إِخْوَتِي أَنْ تَصِيرُوا مِثْلِي لِأَنِّي صِرْتُ مِثْلَكُمْ. أَنْتُمْ لَمْ تُسِيئُوا إِلَيَّ. بَلْ تَعْرِفُونَ أَنَّهُ بِسَبَبِ مَرَضِي، حَانَتْ لِيَ الْفُرْصَةُ أَنْ أُبَشِّرَكُمْ بِالْإِنْجِيلِ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ. وَمَعَ أَنَّ مَرَضِي هَذَا سَبَّبَ لَكُمُ الْمَتَاعِبَ، لَكِنَّكُمْ لَمْ تَحْتَقِرُونِي وَلَمْ تَنْفُرُوا مِنِّي. بَلْ رَحَّبْتُمْ بِي كَمَا لَوْ كُنْتُ مَلَاكًا مِنْ عِنْدِ اللهِ، كَمَا لَوْ كُنْتُ الْمَسِيحَ عِيسَـى نَفْسَهُ. فَأَيْنَ ذَهَبَ فَرَحُكُمْ؟ أَنَا أَشْهَدُ لَكُمْ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَكُمْ، لَكُنْتُمْ قَلَعْتُمْ عُيُونَكُمْ وَأَعْطَيْتُمُوهَا لِي. فَهَلْ صِرْتُ الْآنَ عَدُوَّكُمْ لِأَنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ؟ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَهْتَمُّونَ بِكُمْ هُمْ غَيْرُ مُخْلِصِينَ! فَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبْعِدُوكُمْ عَنِّي، لِكَيْ تَنْحَازُوا إِلَيْهِمْ. مِنَ الْجَمِيلِ أَنْ يَهْتَمُّوا بِكُمْ، لَوْ كَانَ اهْتِمَامًا بِإِخْلَاصٍ وَفِي كُلِّ وَقْتٍ وَلَيْسَ فَقَطْ وَأَنَا عِنْدَكُمْ. أَنْتُمْ أَوْلَادِيَ الْأَعِزَّاءُ، وَمَرَّةً أُخْرَى أَنَا أُعَانِي آلَامَ وِلَادَتِكُمْ إِلَى أَنْ تَنْطَبِعَ فِيكُمْ صِفَاتُ الْمَسِيحِ. لَيْتَنِي كُنْتُ مَوْجُودًا عِنْدَكُمُ الْآنَ، فَأُغَيِّرَ لَهْجَتِي، لِأَنِّي تَحَيَّرْتُ فِي أَمْرِكُمْ. قُولُوا لِي أَنْتُمُ الَّذِينَ تُرِيدُونَ أَنْ تَكُونُوا تَحْتَ سُلْطَةِ الشَّرِيعَةِ: لِمَاذَا لَا تَنْتَبِهُونَ إِلَى مَا تَقُولُهُ التَّوْرَاةُ؟ فَهِيَ تَقُولُ إِنَّهُ كَانَ لِإِبْرَاهِيمَ ابْنَانِ، وَاحِدٌ مِنْ جَارِيَتِهِ وَالْآخَرُ مِنْ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ. فَابْنُ الْجَارِيَةِ جَاءَ بِالطَّرِيقَةِ الطَّبِيعِيَّةِ، أَمَّا ابْنُ الْحُرَّةِ فَجَاءَ تَحْقِيقًا لِوَعْدِ اللهِ. وَكُلُّ هَذَا لَهُ مَغْزًى، فَالْمَرْأَتَانِ تَرْمُزَانِ إِلَى مِيثَاقَيْنِ: مِيثَاقٍ تَمَّ فِي جَبَلِ سِينَاءَ، وَيُنْجِبُ أَوْلَادًا يَصِيرُونَ عَبِيدًا. هَذَا هُوَ هَاجِرُ، لِأَنَّ هَاجِرَ تُمَثِّلُ جَبَلَ سِينَاءَ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ. وَهِيَ تَرْمُزُ أَيْضًا إِلَى مَدِينَةِ الْقُدْسِ الْحَالِيَّةِ، لِأَنَّهَا هِيَ وَشَعْبَهَا الْآنَ عَبِيدٌ. أَمَّا مَدِينَةُ الْقُدْسِ السَّمَائِيَّةِ فَهِيَ حُرَّةٌ، وَهِيَ أُمُّنَا. لِأَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ: ”اِفْرَحِي أَيَّتُهَا الْعَاقِرُ، مَعَ أَنَّكِ لَمْ تَحْبَلِي، اِهْتِفِي وَهَلِّلِي، مَعَ أَنَّكِ لَمْ تَلِدِي، لِأَنَّ أَوْلَادَ الزَّوْجَةِ الْمَهْجُورَةِ، أَكْثَرُ مِنْ أَوْلَادِ الَّتِي زَوْجُهَا مَعَهَا.“ أَمَّا أَنْتُمْ يَا إِخْوَتِي، فَإِنَّكُمْ أَبْنَاءُ اللهِ حَسَبَ الْوَعْدِ، كَمَا كَانَ إِسْحَاقُ. وَكَمَا حَصَلَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، أَنَّ الِابْنَ الَّذِي وُلِدَ بِالطَّرِيقَةِ الطَّبِيعِيَّةِ كَانَ يَضْطَهِدُ الَّذِي وُلِدَ بِقُوَّةِ رُوحِ اللهِ، فَهَذَا يَحْصُلُ الْآنَ أَيْضًا. لَكِنْ مَاذَا يَقُولُ الْكِتَابُ؟ اُطْرُدِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا، لِأَنَّ ابْنَ الْجَارِيَةِ لَنْ يَرِثَ مَعَ ابْنِ الْحُرَّةِ. إِذَنْ، يَا إِخْوَتِي نَحْنُ لَسْنَا أَوْلَادَ الْجَارِيَةِ، بَلْ أَوْلَادُ الْحُرَّةِ. الْمَسِيحُ حَرَّرَنَا لِنَبْقَى أَحْرَارًا. إِذَنِ اثْبُتُوا فِي هَذِهِ الْحُرِّيَّةِ، وَلَا تَرْجِعُوا إِلَى الْعُبُودِيَّةِ. اِنْتَبِهُوا، أَنَا بُولُسَ أَقُولُ لَكُمْ هَذَا: إِنْ كُنْتُمْ تُخْتَنُونَ، فَهَذَا يَعْنِي أَنَّ الْمَسِيحَ غَيْرُ نَافِعٍ لَكُمْ. وَمَرَّةً أُخْرَى أُحَذِّرُكُمْ، أَنَّ كُلَّ مَنْ يُخْتَنُ يَكُونُ مُجْبَرًا بِأَنْ يَعْمَلَ بِفَرَائِضِ الشَّرِيعَةِ كُلِّهَا. فَإِنْ حَاوَلْتُمْ أَنْ تُعْتَبَرُوا صَالِحِينَ عِنْدَ اللهِ عَنْ طَرِيقِ الْعَمَلِ بِفَرَائِضِ الشَّرِيعَةِ، تَفْقِدُونَ الْمَسِيحَ، لِأَنَّكُمْ تَتْرُكُونَ نِعْمَةَ اللهِ. أَمَّا نَحْنُ، فَإِنَّنَا بِالرُّوحِ وَبِوَاسِطَةِ الْإِيمَانِ نَتَوَقَّعُ أَنْ نَصِيرَ صَالِحِينَ عِنْدَ اللهِ. هَذَا هُوَ رَجَاؤُنَا. لِأَنَّنَا إِنْ كُنَّا نَنْتَمِي لِلْمَسِيحِ عِيسَـى، فَلَا يَهُمُّ إِنْ كُنَّا مَخْتُونِينَ أَوْ غَيْرَ مَخْتُونِينَ، إِنَّمَا الْمُهِمُّ هُوَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَنَا الْإِيمَانُ الَّذِي يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ بِالْمَحَبَّةِ. كُنْتُمْ تَتَقَدَّمُونَ فِي السِّبَاقِ، فَمَنْ صَدَّكُمْ عَنْ طَاعَةِ الْحَقِّ؟ هَذَا الْإِغْرَاءُ لَيْسَ مِنَ اللهِ الَّذِي يَدْعُوكُمْ. تَذَكَّرُوا أَنَّ خَمِيرَةً صَغِيرَةً تُخَمِّرُ الْعَجِينَ كُلَّهُ. أَنَا أَثِقُ فِي الْمَسِيحِ أَنَّكُمْ لَنْ تَقْبَلُوا رَأْيًا مُخَالِفًا. وَمَهْمَا كَانَ الشَّخْصُ الَّذِي يُزْعِجُكُمْ، فَسَيَنَالُ عِقَابَهُ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِي يَا إِخْوَتِي، لَوْ كُنْتُ مَا زِلْتُ أَدْعُو إِلَى مُمَارَسَةِ الْخِتَانِ، فَلِمَاذَا يَضْطَهِدُنِي الْيَهُودُ لِحَدِّ الْآنَ؟ لَوْ كُنْتُ مَا زِلْتُ أَدْعُو إِلَى ذَلِكَ، إِذَنِ الْعَثْرَةُ الَّتِي يُسَبِّبُهَا الصَّلِيبُ تَكُونُ قَدْ زَالَتْ. قُولُوا لِلَّذِينَ يُزْعِجُونَكُمْ، لَيْسَ فَقَطْ أَنْ يُخْتَنُوا بَلْ أَيْضًا أَنْ يَخْصُوا أَنْفُسَهُمْ! يَا إِخْوَتِي، أَنْتُمْ دُعِيتُمْ لِتَكُونُوا أَحْرَارًا. لَكِنْ لَا تُحَوِّلُوا هَذِهِ الْحُرِّيَّةَ إِلَى فُرْصَةٍ لِعَمَلِ مَا يُرْضِي الطَّبِيعَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ. بَلِ اخْدِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِمَحَبَّةٍ. لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ نُلَخِّصَ الشَّرِيعَةَ كُلَّهَا فِي وَصِيَّةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ: ”أَحِبَّ الْآخَرِينَ كَمَا تُحِبُّ نَفْسَكَ.“ لَكِنْ إِنْ كُنْتُمْ مِثْلَ الْوُحُوشِ، وَاحِدٌ يَعُضُّ الْآخَرَ، وَوَاحِدٌ يَفْتَرِسُ الْآخَرَ، فَاحْذَرُوا لِئَلَّا تُفْنُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. فَأَنَا أَقْصِدُ أَنْ أَقُولَ لَكُمْ هَذَا: عِيشُوا حَسَبَ الرُّوحِ، بِذَلِكَ لَنْ تُنَفِّذُوا رَغَبَاتِ الطَّبِيعَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ. لِأَنَّ مَا تَرْغَبُ فِيهِ الطَّبِيعَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ يُخَالِفُ الرُّوحَ، وَمَا يَرْغَبُ فِيهِ الرُّوحُ يُخَالِفُ الطَّبِيعَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا يُعَارِضُ الْآخَرَ، لِكَيْ لَا تَعْمَلُوا مَا تُرِيدُونَ. أَمَّا إِنْ كُنْتُمْ تَنْقَادُونَ بِالرُّوحِ، فَأَنْتُمْ لَسْتُمْ تَحْتَ سَيْطَرَةِ الشَّرِيعَةِ. وَإِنَّ أَعْمَالَ الطَّبِيعَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَاضِحَةٌ وَهِيَ: الزِّنَى وَالنَّجَاسَةُ وَالْخَلَاعَةُ وَعِبَادَةُ الْأَصْنَامِ وَالسِّحْرُ وَالْكَرَاهِيَةُ وَالْعِرَاكُ وَالْغِيرَةُ وَالْهَيَجَانُ وَالْأَنَانِيَّةُ وَالْخِصَامُ وَالِانْقِسَامُ وَالْحَسَدُ وَالسُّكْرُ وَالْمُجُونُ وَإِلَى آخِرِهِ. وَإِنِّي أُحَذِّرُكُمُ الْآنَ كَمَا حَذَّرْتُكُمْ مِنْ قَبْلُ، إِنَّ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ هَذِهِ لَنْ يَكُونَ لَهُمْ نَصِيبٌ فِي مَمْلَكَةِ اللهِ. وَأَمَّا الثَّمَرُ الَّذِي يُنْتِجُهُ الرُّوحُ فَهُوَ: الْمَحَبَّةُ وَالْفَرَحُ وَالسَّلَامُ وَالصَّبْرُ وَاللُّطْفُ وَالْخَيْرُ وَالْإِخْلَاصُ وَالْوَدَاعَةُ وَضَبْطُ النَّفْسِ. لَا يُوجَدُ أَيُّ قَانُونٍ يَقِفُ ضِدَّ هَذِهِ الْفَضَائِلِ. وَالَّذِينَ يَنْتَمُونَ إِلَى الْمَسِيحِ عِيسَـى، صَلَبُوا الطَّبِيعَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ، وَشَهَوَاتِهَا وَرَغَبَاتِهَا. وَبِمَا أَنَّ الرُّوحَ أَحْيَانَا، فَيَجِبُ أَنْ نَنْقَادَ بِالرُّوحِ، وَلَا نَكُونَ مَغْرُورِينَ، وَلَا نَغِيظَ بَعْضُنَا الْبَعْضَ، وَلَا نَحْسِدَ بَعْضُنَا الْبَعْضَ. يَا إِخْوَتِي، إِنْ وَقَعَ أَحَدُكُمْ فِي خَطَأٍ، فَيَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْتُمُ الرُّوحِيِّينَ أَنْ تَرُدُّوهُ بِلُطْفٍ. وَانْتَبِهْ أَنْتَ لِنَفْسِكَ، لِكَيْ لَا تَقَعَ أَنْتَ أَيْضًا فِي الْإِغْرَاءِ. اِحْمِلُوا أَثْقَالَ بَعْضِكُمُ الْبَعْضِ، بِهَذَا تُنَفِّذُونَ شَرِيعَةَ الْمَسِيحِ. مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ مُهِمٌّ، بَيْنَمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ غَيْرُ مُهِمٍّ، فَهُوَ يَخْدَعُ نَفْسَهُ. يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَمْتَحِنَ أَعْمَالَهُ، بِذَلِكَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْتَخِرَ بِنَفْسِهِ دُونَ أَنْ يُقَارِنَ نَفْسَهُ بِالْآخَرِينَ. لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَحْمِلُ حِمْلَ نَفْسِهِ. مَنْ يَتَعَلَّمُ كَلَامَ اللهِ، مِنْ وَاجِبِهِ أَنْ يُقَدِّمَ إِلَى مُعَلِّمِهِ مِنْ كُلِّ الْخَيْرِ الَّذِي عِنْدَهُ. لَا تَنْخَدِعُوا، اللهُ لَا يَغُشُّهُ أَحَدٌ: كُلُّ وَاحِدٍ يَحْصُدُ مَا يَزْرَعُهُ. الَّذِي يَزْرَعُ مَا يُرْضِي طَبِيعَتَهُ الدُّنْيَوِيَّةَ، فَمِنَ الطَّبِيعَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ يَحْصُدُ الْهَلَاكَ. وَالَّذِي يَزْرَعُ مَا يُرْضِي الرُّوحَ، فَمِنَ الرُّوحِ يَحْصُدُ حَيَاةَ الْخُلُودِ. فَلَا نَتْعَبْ مِنْ عَمَلِ الْخَيْرِ لِأَنَّنَا سَنَحْصُدُ فِي الْأَوَانِ إِنْ كُنَّا لَا نَيْأَسُ. إِذَنْ فِي كُلِّ فُرْصَةٍ مُمْكِنَةٍ، يَجِبُ أَنْ نَعْمَلَ الْخَيْرَ مَعَ جَمِيعِ النَّاسِ، وَخَاصَّةً إِخْوَتِنَا فِي الْإِيمَانِ. هَذِهِ الْحُرُوفُ الْكَبِيرَةُ الَّتِي تَقْرَأُونَهَا الْآنَ، كَتَبْتُهَا أَنَا بِيَدِي. الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا مَقْبُولِينَ بِحَسَبِ الْمَظَاهِرِ، يُحَاوِلُونَ أَنْ يُجْبِرُوكُمْ أَنْ تُخْتَنُوا. لِمَاذَا؟ لِكَيْ لَا يُضْطَهَدُوا فِي سَبِيلِ صَلِيبِ الْمَسِيحِ. بَلْ إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمَخْتُونِينَ، هُمْ أَنْفُسُهُمْ لَا يَعْمَلُونَ بِفَرَائِضِ الشَّرِيعَةِ، لَكِنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ تُخْتَنُوا لِكَيْ يَفْتَخِرُوا بِأَنَّهُمْ جَعَلُوكُمْ تُخْتَنُونَ. أَمَّا أَنَا، فَإِنِّي لَا وَلَنْ أَفْتَخِرَ بِشَيْءٍ إِلَّا بِصَلِيبِ سَيِّدِنَا عِيسَـى الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ صُلِبَ الْعَالَمُ بِالنِّسْبَةِ لِي، وَأَنَا صُلِبْتُ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَالَمِ. فَلَا يَهُمُّ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ مَخْتُونًا أَوْ غَيْرَ مَخْتُونٍ، إِنَّمَا الْمُهِمُّ هُوَ أَنْ يَكُونَ خَلِيقَةً جَدِيدَةً. السَّلَامُ وَالرَّحْمَةُ عَلَى كُلِّ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِهَذَا الْمَبْدَأِ، هَؤُلَاءِ هُمْ شَعْبُ اللهِ بِحَقٍّ. إِذَنْ مِنَ الْآنَ، يَجِبُ أَنْ لَا يُزْعِجَنِي أَحَدٌ لِأَنَّ فِي جِسْمِي عَلَامَاتٍ تَدُلُّ عَلَى أَنِّي مِلْكٌ لِسَيِّدِنَا عِيسَـى. نِعْمَةُ عِيسَـى الْمَسِيحِ مَوْلَانَا مَعَ رُوحِكُمْ جَمِيعًا يَا إِخْوَتِي. آمِينَ. مِنْ: بُولُسَ رَسُولِ الْمَسِيحِ عِيسَـى حَسَبَ مَشِيئَةِ اللهِ. إِلَى: الصَّالِحِينَ فِي أَفَاسُسَ، الْأُمَنَاءِ الَّذِينَ يَنْتَمُونَ لِلْمَسِيحِ عِيسَـى. عَلَيْكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلَامُ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَعِيسَـى الْمَسِيحِ مَوْلَانَا. تَبَارَكَ اللهُ أَبُو سَيِّدِنَا عِيسَـى الْمَسِيحِ، لِأَنَّهُ بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاءِ بِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ. فَإِنَّهُ قَبْلَ مَا خَلَقَ الْعَالَمِينَ، اِخْتَارَنَا بِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ لِنَكُونَ صَالِحِينَ وَبِلَا عَيْبٍ فِي نَظَرِهِ. وَفِي مَحَبَّتِهِ قَرَّرَ مُقَدَّمًا أَنْ يَجْعَلَنَا أَبْنَاءَهُ بِوَاسِطَةِ عِيسَـى الْمَسِيحِ. وَذَلِكَ حَسَبَ مَشِيئَتِهِ الصَّالِحَةِ وَقَصْدِهِ، لِكَيْ نُسَبِّحَهُ عَلَى نِعْمَتِهِ الْمَجِيدَةِ الَّتِي أَعْطَاهَا لَنَا بِوَاسِطَةِ ابْنِهِ الْمَحْبُوبِ. فَالْمَسِيحُ فَدَانَا بِدَمِهِ وَغَفَرَ ذُنُوبَنَا. هَذِهِ هِيَ نِعْمَةُ اللهِ الْغَنِيَّةُ الَّتِي أَغْدَقَهَا عَلَيْنَا بِسَخَاءٍ. وَهُوَ بِكَامِلِ حِكْمَتِهِ وَفَهْمِهِ، كَشَفَ لَنَا سِرَّ قَصْدِهِ، أَيْ مَشِيئَتَهُ الصَّالِحَةَ الَّتِي قَصَدَهَا لَنَا، لِكَيْ يُتَمِّمَهَا بِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ عِنْدَمَا يَحِينُ الْوَقْتُ. فَيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ مَعًا، كُلَّ مَا فِي السَّمَاءِ وَكُلَّ مَا عَلَى الْأَرْضِ، تَحْتَ رَأْسٍ وَاحِدٍ هُوَ الْمَسِيحُ. وَبِوَاسِطَـةِ الْمَسِـيحِ أَيْضًا، اِخْـتَارَنَا اللهُ مُقَدَّمًا لِنَكُونَ لَهُ، وَذَلِكَ حَسَـبَ خِطَّـتِهِ. فَهُـوَ الَّذِي يَجْعَلُ كُلَّ شَيْءٍ يَسِيرُ حَسَبَ قَصْـدِهِ وَمَشِـيئَتِهِ. فَاخْتَارَنَا نَحْـنُ أَوَّلَ مَنْ وَضَـعْنَا أَمَلَنَا فِي الْمَسِـيحِ، لِكَيْ نُسَـبِّحَ بِجَـلَالِهِ. وَبِوَاسِطَـتِهِ أَيْضًا آمَنْتُمْ لَمَّا سَـمِعْتُمْ رِسَـالَةَ الْحَـقِّ، أَيِ الْإِنْجِـيلَ الَّذِي فِيهِ نَجَـاتُكُمْ. وَبِوَاسِطَـةِ الْمَسِـيحِ أَيْضًا وَضَـعَ اللهُ خَـتْمَهُ عَلَيْكُمْ، بِأَنْ أَعْطَـاكُمُ الرُّوحَ الْقُدُّوسَ الَّذِي وَعَـدَ بِهِ. هَذَا هُـوَ الضَّـمَانُ أَنَّنَا سَنَحْصُلُ عَلَى نَصِـيبِنَا فِي بَرَكَاتِ اللهِ، إِلَى أَنْ يَتِمَّ فِدَاءُ شَـعْبِهِ الْخَـاصِّ، لِكَيْ نُسَـبِّحَ بِجَـلَالِهِ. وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ أَنِّي مُنْذُ سَمِعْتُ عَنْ إِيمَانِكُمْ بِسَيِّدِنَا عِيسَى، وَعَنْ مَحَبَّتِكُمْ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ، لَا أَتَوَقَّفُ عَنْ تَقْدِيمِ الشُّكْرِ للهِ مِنْ أَجْلِكُمْ. وَإِنِّي أَذْكُرُكُمْ فِي صَلَاتِي، وَأَسْأَلُ أَبَانَا صَاحِبَ الْجَلَالَةِ، إِلَهَ سَيِّدِنَا عِيسَى الْمَسِيحِ، أَنْ يُعْطِيَكُمْ رُوحَ الْحِكْمَةِ وَالِاسْتِنَارَةِ لِكَيْ تَعْرِفُوهُ مَعْرِفَةً كَامِلَةً. وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَفْتَحَ عُقُولَكُمْ وَيُنِيرَهَا، لِكَيْ تَعْرِفُوا الرَّجَاءَ الَّذِي دَعَاكُمْ لَهُ، وَالْبَرَكَاتِ الْوَفِيرَةَ الْمَجِيدَةَ الَّتِي جَعَلَهَا مِنْ نَصِيبِ عَبِيدِهِ الصَّالِحِينَ، وَقُوَّتَهُ الْعَظِيمَةَ الْفَائِقَةَ الَّتِي لَنَا نَحْنُ الْمُؤْمِنِينَ. وَهِيَ نَفْسُهَا قُدْرَتُهُ الْهَائِلَةُ الَّتِي بِهَا أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الْمَوْتِ، وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاءِ، فَوْقَ كُلِّ الْحُكَّامِ وَالْقَادَةِ وَالرُّؤَسَاءِ وَالسَّادَةِ وَكُلِّ أَلْقَابِ السُّلْطَةِ الْمَوْجُودَةِ، لَا فِي هَذَا الزَّمَنِ فَقَطْ، بَلْ فِي الْآخِرَةِ أَيْضًا. فَأَخْضَعَ اللهُ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيِ الْمَسِيحِ، وَأَعْطَاهُ لِأُمَّةِ الْمُؤْمِنِينَ سَيِّدًا عَلَى الْكُلِّ. فَأُمَّةُ الْمَسِيحِ هِيَ جِسْمُهُ، وَهُوَ يُكَمِّلُهَا كَمَا يُكَمِّلُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَتَمِّ مَعْنًى. وَأَنْتُمْ كُنْتُمْ مَيِّتِينَ بِسَبَبِ مَعَاصِيكُمْ وَذُنُوبِكُمُ الَّتِي عِشْتُمْ فِيهَا فِي الْمَاضِي. وَكُنْتُمْ سَائِرِينَ فِي طَرِيقِ هَذِهِ الدُّنْيَا، وَتَابِعِينَ قَائِدَ قُوَّاتِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي الْهَوَاءِ، أَيِ الرُّوحَ الَّذِي يَتَحَكَّمُ الْآنَ فِي الَّذِينَ لَا يُطِيعُونَ اللهَ. وَنَحْنُ كُلُّنَا كُنَّا فِي الْمَاضِي مِثْلَهُمْ، فَانْغَمَسْنَا فِي شَهَوَاتِ طَبِيعَتِنَا الدُّنْيَوِيَّةِ، وَنَفَّذْنَا رَغَبَاتِهَا وَأَفْكَارَهَا. لِذَلِكَ كَانَ مِنَ الطَّبِيعِيِّ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْنَا غَضَبُ اللهِ مِثْلَ الْبَاقِينَ أَيْضًا. لَكِنَّ اللهَ، رَحْمَتُهُ عَلَيْنَا وَاسِعَةٌ، وَمَحَبَّتُهُ لَنَا عَظِيمَةٌ! فَلَمَّا كُنَّا مَيِّتِينَ فِي الْمَعَاصِي، أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ. أَنْتُمْ نَجَوْتُمْ بِنِعْمَةِ اللهِ. وَأَقَامَنَا مَعَ الْمَسِيحِ وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاءِ، لِأَنَّنَا نَنْتَمِي لِلْمَسِيحِ عِيسَـى. وَبِذَلِكَ يُبَيِّنُ إِلَى كُلِّ الْأَزْمَانِ أَنَّ نِعْمَتَهُ غَنِيَّةٌ وَبِلَا حُدُودٍ، لِأَنَّهُ أَشْفَقَ عَلَيْنَا بِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ عِيسَى. أَنْتُمْ نَجَوْتُمْ بِنِعْمَةِ اللهِ لِأَنَّكُمْ آمَنْتُمْ بِهِ. لَيْسَ هَذَا نَتِيجَةَ مَجْهُودِكُمْ، إِنَّمَا هَدِيَّةٌ مِنَ اللهِ. وَلَا هُوَ نَتِيجَةُ عَمَلٍ قُمْتُمْ بِهِ، لِكَيْ لَا يَفْتَخِرَ أَحَدٌ. نَحْنُ صِنَاعَةُ اللهِ، هُوَ خَلَقَنَا بِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ عِيسَـى لِنَعْمَلَ الصَّالِحَاتِ الَّتِي أَعَدَّهَا لَنَا مِنْ قَبْلُ لِنَعْمَلَهَا. لِذَلِكَ تَذَكَّرُوا حَالَتَكُمْ فِي الْمَاضِي، أَنْتُمُ الَّذِينَ حَسَبَ الْأَصْلِ غَيْرُ يَهُودٍ. فَإِنَّ الْيَهُودَ الَّذِينَ يَدْعُونَ أَنْفُسَهُمُ 'الْمَخْتُونِينَ' يَدْعُونَكُمْ أَنْتُمْ 'غَيْرَ الْمَخْتُونِينَ' مَعَ أَنَّ هَذَا خِتَانٌ يُعْمَلُ بِالْيَدِ فِي الْجِسْمِ فَقَطْ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كُنْتُمْ بِلَا صِلَةٍ بِالْمَسِيحِ، لَا تَنْتَمُونَ لِلشَّعْبِ الَّذِي اخْتَارَهُ اللهُ، وَلَيْسَ لَكُمْ نَصِيبٌ فِي عُهُودِ اللهِ مَعَهُمْ وَلَا وُعُودِهِ لَهُمْ، وَكُنْتُمْ تَعِيشُونَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا بِلَا رَجَاءٍ وَبِغَيْرِ اللهِ. أَمَّا الْآنَ فَبِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ عِيسَـى، أَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ بَعِيدِينَ أَصْبَحْتُمْ قَرِيبِينَ بِدَمِهِ الَّذِي ضَحَّى بِهِ. فَالْمَسِيحُ هُوَ سَلَامُنَا، لِأَنَّهُ جَعَلَ الِاثْنَيْنِ شَعْبًا وَاحِدًا. وَبِجِسْمِهِ أَزَالَ حَائِطَ الْعَدَاوَةِ الَّذِي كَانَ يَفْصِلُهُمَا عَنْ بَعْضِهِمَا. لِأَنَّهُ أَلْغَى الشَّرِيعَةَ بِوَصَايَاهَا وَفَرَائِضِهَا. وَقَصْدُهُ هُوَ أَنْ يَخْلِقَ مِنَ الِاثْنَيْنِ شَعْبًا وَاحِدًا جَدِيدًا يَنْتَمِي لَهُ، وَبِذَلِكَ يُحَقِّقُ السَّلَامَ. فَيُصَالِحُهُمَا مَعَ اللهِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ، وَيَقْضِي عَلَى الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُمَا بِانْتِمَائِهِمَا لَهُ. كُلُّ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ عَلَى الصَّلِيبِ. فَجَاءَ الْمَسِيحُ وَنَادَى بِبُشْرَى السَّلَامِ لِلْجَمِيعِ: لَكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ بَعِيدِينَ عَنِ اللهِ، وَلِلَّذِينَ كَانُوا قَرِيبِينَ مِنْهُ. إِذَنْ بِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ نَحْنُ جَمِيعًا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَتَقَرَّبَ إِلَى الْأَبِ بِرُوحٍ وَاحِدٍ. فَأَنْتُمْ لَسْتُمْ غُرَبَاءَ أَوْ أَجَانِبَ فِيمَا بَعْدُ، بَلْ مُوَاطِنُونَ مَعَ الصَّالِحِينَ، وَأَعْضَاءٌ فِي عَائِلَةِ اللهِ، مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ، وَالْمَسِيحُ عِيسَـى نَفْسُهُ هُوَ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ الَّذِي بِهِ يَشُدُّ الْبِنَاءُ بَعْضُهُ بَعْضًا فِي انْسِجَامٍ، وَيَكْتَمِلُ لِيَصِيرَ بَيْتًا مُقَدَّسًا للهِ. وَلِأَنَّكُمْ تَنْتَمُونَ لِلْمَسِيحِ، فَهُوَ يَبْنِيكُمْ مَعًا لِتَصِيرُوا مَسْكَنًا للهِ يُقِيمُ فِيهِ بِرُوحِهِ. لِهَذَا أَنَا بُولُسَ مَسْجُونٌ الْآنَ فِي سَبِيلِ الْمَسِيحِ عِيسَـى مِنْ أَجْلِكُمْ أَنْتُمْ يَا غَيْرَ الْيَهُودِ. لَا شَكَّ أَنَّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّ اللهَ بِنِعْمَتِهِ أَعْطَانِي هَذِهِ الْخِدْمَةَ لَكُمْ. فَكَشَفَ لِي سِرَّهُ فِي رُؤْيَا. وَكَتَبْتُ لَكُمْ عَنْ هَذَا بِاخْتِصَارٍ، فَإِنْ قَرَأْتُمْ مَا كَتَبْتُهُ، تُدْرِكُونَ أَنِّي أَعْرِفُ سِرَّ الْمَسِيحِ. هَذَا السِّرُّ، لَمْ يَعْرِفْهُ النَّاسُ فِي الْأَجْيَالِ الْمَاضِيَةِ، أَمَّا الْآنَ فَقَدْ كَشَفَهُ اللهُ بِرُوحِهِ لِرُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ الصَّالِحِينَ. وَالسِّرُّ هُوَ أَنَّهُ بِوَاسِطَةِ الْإِنْجِيلِ صَارَ لِغَيْرِ الْيَهُودِ نَصِيبٌ مَعَ الْيَهُودِ فِي بَرَكَاتِ اللهِ، وَأَنَّهُمْ أَصْبَحُوا أَعْضَاءً مَعًا فِي جِسْمٍ وَاحِدٍ، وَأَنَّهُمْ يَحْصُلُونَ مَعًا عَلَى وَعْدِ اللهِ بِانْتِمَائِهِمْ لِلْمَسِيحِ عِيسَى. وَبِنِعْمَةِ اللهِ الَّتِي أَعْطَاهَا لِي بِعَمَلِ قُوَّتِهِ، صِرْتُ خَادِمَ الْإِنْجِيلِ. فَمَعَ أَنِّي أَقَلُّ مِنْ أَصْغَرِ مُؤْمِنٍ، لَكِنَّ اللهَ أَعْطَانِي هَذِهِ النِّعْمَةَ لِأُبَشِّرَ غَيْرَ الْيَهُودِ بِغِنَى الْمَسِيحِ الَّذِي بِلَا حُدُودٍ، وَأُوَضِّحَ لِلنَّاسِ مَعْنَى هَذَا السِّرِّ. فَإِنَّ اللهَ خَالِقَ كُلِّ الْأَشْيَاءِ، أَبْقَاهُ مَكْتُومًا فِي كُلِّ الْعُصُورِ الْمَاضِيَةِ. وَقَصْدُهُ مِنْ هَذَا هُوَ أَنَّهُ عَنْ طَرِيقِ أُمَّةِ الْمَسِيحِ، يُمْكِنُ الْآنَ لِلْحُكَّامِ وَالْقَادَةِ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ، أَنْ يَعْرِفُوا حِكْمَةَ اللهِ الْمُتَعَدِّدَةَ الْأَشْكَالِ. فَهَذَا هُوَ قَصْدُهُ الْأَزَلِيُّ الَّذِي تَمَّمَهُ بِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ عِيسَـى مَوْلَانَا. فَنَحْنُ بِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ، وَبِالْإِيمَانِ بِهِ، يُمْكِنُنَا أَنْ نَتَقَرَّبَ إِلَى اللهِ بِحُرِّيَّةٍ وَثِقَةٍ. لِذَلِكَ أَرْجُو أَنْ لَا تَيْأَسُوا بِسَبَبِ الضِّيقَاتِ الَّتِي أُعَانِيهَا مِنْ أَجْلِكُمْ، فَهِيَ لِمَجْدِكُمْ. لِهَذَا السَّبَبِ أَسْجُدُ عَلَى رُكْبَتَيَّ أَمَامَ الْأَبِ الَّذِي مِنْهُ تَحْصُلُ كُلُّ عَائِلَتِهِ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الْأَرْضِ، عَلَى اسْمِهَا. وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُؤَيِّدَكُمْ فِي كِيَانِكُمُ الدَّاخِلِيِّ بِقُوَّةٍ بِرُوحِهِ عَلَى قَدْرِ غِنَاهُ فِي الْمَجْدِ. وَأَنْ يَسْكُنَ الْمَسِيحُ فِي قُلُوبِكُمْ بِالْإِيمَانِ. وَأَنْ تَتَعَمَّقَ جُذُورُكُمْ وَأَسَاسَاتُكُمْ فِي الْمَحَبَّةِ. وَأَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ وَكُلُّ الْمُؤْمِنِينَ أَقْوِيَاءَ لِتَفْهَمُوا كَيْفَ أَنَّ مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ عَرِيضَةٌ جِدًّا وَطَوِيلَةٌ جِدًّا، وَعَالِيَةٌ جِدًّا وَعَمِيقَةٌ جِدًّا. وَأَنْ تَعْرِفُوا هَذِهِ الْمَحَبَّةَ، مَعَ أَنَّهَا تَفُوقُ كُلَّ مَعْرِفَةٍ، فَتَمْتَلِئُوا تَمَامًا بِكُلِّ كَمَالِ اللهِ. اللهُ هُوَ الْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ أَكْثَرَ جِدًّا مِنْ كُلِّ مَا نَطْلُبُ أَوْ نَتَخَيَّلُ، حَسَبَ قُوَّتِهِ الَّتِي تَعْمَلُ فِينَا. فَلَهُ الْجَلَالُ فِي أُمَّةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَبِالْمَسِيحِ عِيسَـى، فِي كُلِّ زَمَنٍ، وَإِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ. آمِـينَ. فَأَنَا الْمَسْجُونَ هُنَا مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ، أُوصِيكُمْ أَنْ تَعِيشُوا كَمَا يَلِيقُ بِالدَّعْوَةِ الَّتِي دَعَاكُمْ بِهَا اللهُ. كُونُوا دَائِمًا مُتَوَاضِعِينَ، لُطَفَاءَ، صَبُورِينَ، وَاحْتَمِلُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِمَحَبَّةٍ. لَقَدْ جَعَلَكُمُ الرُّوحُ وَاحِدًا، فَابْذِلُوا كُلَّ جُهْدِكُمْ لِتَحْفَظُوا هَذِهِ الْوَحْدَةَ بِالسَّلَامِ الَّذِي يَرْبِطُكُمْ مَعًا. لِأَنَّهُ يُوجَدُ جِسْمٌ وَاحِدٌ وَرُوحٌ وَاحِدٌ، كَمَا دَعَاكُمُ اللهُ لِتَشْتَرِكُوا مَعًا فِي رَجَاءٍ وَاحِدٍ. وَيُوجَدُ سَيِّدٌ وَاحِدٌ، وَإِيمَانٌ وَاحِدٌ، وَتَغْطِيسٌ وَاحِدٌ. اللهُ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَبُو كُلِّ النَّاسِ، وَرَبُّ كُلِّ النَّاسِ، وَيَعْمَلُ فِيهِمْ كُلِّهِمْ، وَهُوَ فِيهِمْ كُلِّهِمْ. وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا يَنَالُ نَصِيبًا مِنَ النِّعْمَةِ كَمَا قَسَمَ لَهُ الْمَسِيحُ. كَمَا يَقُولُ الْكِتَابُ: ”لَمَّا صَعِدَ إِلَى الْأَعَالِي، أَخَذَ مَعَهُ أَسْرَى كَثِيرِينَ، وَأَعْطَى هَدَايَا لِلنَّاسِ.“ أَمَّا قَوْلُهُ: ”صَعِدَ“ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَوَّلًا نَزَلَ إِلَى هَذِهِ الْأَرْضِ الْوَضِيعَةِ. فَالْمَسِيحُ الَّذِي نَزَلَ، هُوَ نَفْسُهُ صَعِدَ فَوْقَ كُلِّ السَّمَاوَاتِ، لِكَيْ يَمْلَأَ الْكُلَّ بِحُضُورِهِ. ثُمَّ إِنَّهُ هُوَ الَّذِي ”أَعْطَى هَدَايَا لِلنَّاسِ“ فَجَعَلَ الْبَعْضَ رُسُلًا، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ بَشِيرِينَ، وَالْبَعْضَ رُعَاةً مُعَلِّمِينَ. وَذَلِكَ لِيُعِدَّ الْمُؤْمِنِينَ لِيَقُومُوا بِالْخِدْمَةِ لِبِنَاءِ جِسْمِ الْمَسِيحِ. حَتَّى نَصِلَ كُلُّنَا مَعًا إِلَى الْوَحْدَةِ فِي الْإِيمَانِ وَفِي مَعْرِفَةِ ابْنِ اللهِ، وَنُصْبِحَ بَالِغِينَ، وَنَصِلَ إِلَى مُسْتَوَى الْكَمَالِ التَّامِّ الَّذِي يُوجَدُ فِي الْمَسِيحِ. بِذَلِكَ لَا نَبْقَى أَطْفَالًا، تَقْذِفُنَا الْأَمْوَاجُ، وَتُطِيحُ بِنَا الرِّيحُ إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ. أَقْصِدُ بِهَذَا تَعَالِيمَ الْخُبَثَاءِ الْمُحْتَالِينَ، الَّذِينَ يُحَاوِلُونَ أَنْ يُضِلُّوا النَّاسَ. بَلْ نُعْلِنُ الْحَقَّ بِمَحَبَّةٍ، فَنَنْمُو بِكُلِّ وَسِيلَةٍ نَحْوَ الْمَسِيحِ. فَهُوَ الرَّأْسُ وَبِهِ يَتَمَاسَكُ كُلُّ الْجِسْمِ مَعًا، وَتَتَّصِلُ كُلُّ الْأَعْضَاءِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، وَيَعْمَلُ كُلُّ عُضْوٍ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ. فَيَنْمُو الْجِسْمُ كُلُّهُ وَيَبْنِي نَفْسَهُ بِالْمَحَبَّةِ. فَأُوصِيكُمْ بِهَذَا بِإِلْحَاحٍ بِاسْمِ الْمَسِيحِ: لَا تَعِيشُوا بَعْدَ الْآنَ كَمَا يَفْعَلُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ، الَّذِينَ أَفْكَارُهُمْ عَقِيمَةٌ، وَعُقُولُهُمْ مُظْلِمَةٌ، وَهُمْ بَعِيدُونَ عَنِ الْحَيَاةِ الَّتِي يَمْنَحُهَا اللهُ، بِسَبَبِ جَهْلِهِمْ وَعِنَادِهِمْ، وَفَقَدُوا كُلَّ إِحْسَاسٍ، وَسَلَّمُوا أَنْفُسَهُمْ لِلْخَلَاعَةِ لِيَرْتَكِبُوا كُلَّ فَاحِشَةٍ بِلَا ضَابِطٍ. أَمَّا أَنْتُمْ فَتَعَلَّمْتُمْ مِنَ الْمَسِيحِ أُمُورًا تَخْتَلِفُ عَنْ هَذِهِ. أَنْتُمْ سَمِعْتُمْ رِسَالَتَهُ وَتَنْتَمُونَ لَهُ، لِذَلِكَ تَعَلَّمْتُمُ الْحَقَّ الْمَوْجُودَ فِي عِيسَـى. وَهُوَ أَنْ تَنْزِعُوا عَنْكُمُ الطَّبِيعَةَ الْقَدِيمَةَ الَّتِي كَانَتْ فِي الْمَاضِي تُوَجِّهُ حَيَاتَكُمْ، وَتَقُودُكُمْ إِلَى الْهَلَاكِ بِرَغَبَاتِهَا الْخَادِعَةِ. وَأَنْ تُجَدِّدُوا قُلُوبَكُمْ وَعُقُولَكُمْ. وَأَنْ تَلْبَسُوا الطَّبِيعَةَ الْجَدِيدَةَ الَّتِي خَلَقَهَا اللهُ حَسَبَ صِفَاتِهِ لِتَكُونُوا صَالِحِينَ وَمُخَصَّصِينَ للهِ بِالْحَقِّ. لَا تَكْذِبُوا أَبَدًا، بَلْ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يُكَلِّمَ الْآخَرِينَ بِالصِّدْقِ، لِأَنَّنَا أَعْضَاءٌ نَنْتَمِي بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ. حَتَّى وَإِنْ غَضِبْتُمْ فَلَا تُخْطِئُوا، لَا تَغْرُبِ الشَّمْسُ عَلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ مَا زِلْتُمْ غَضْبَانِينَ. لَا تُعْطُوا إِبْلِيسَ فُرْصَةً بَيْنَكُمْ. الَّذِي كَانَ يَسْرِقُ مِنْ قَبْلُ، يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُفَّ عَنِ السَّرِقَةِ، وَأَنْ يَتْعَبَ فِي عَمَلٍ شَرِيفٍ لِيَعُولَ نَفْسَهُ وَأَيْضًا يُسَاعِدَ الْمُحْتَاجِينَ. لَا تَخْرُجْ كَلِمَةٌ بَذِيئَةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ، بَلْ تَكَلَّمُوا بِمَا هُوَ صَالِحٌ لِتَقْوِيَةِ الْآخَرِينَ وَمُنَاسِبٌ لِحَاجَتِهِمْ، لِيَكُونَ بَرَكَةً لِلسَّامِعِينَ. لَا تُحْزِنُوا رُوحَ اللهِ الْقُدُّوسَ، لِأَنَّ اللهَ خَتَمَكُمْ بِهِ كَضَمَانٍ مِنْهُ أَنَّهُ فِي يَوْمٍ قَادِمٍ سَيُتَمِّمُ فِدَاءَكُمْ. تَخَلَّصُوا مِنْ كُلِّ حِقْدٍ وَهَيَجَانٍ وَغَضَبٍ وَعِرَاكٍ وَشَتِيمَةٍ وَكُلِّ شَرٍّ. كُونُوا لُطَفَاءَ وَشَفُوقِينَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، وَسَامِحُوا كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ لَمَّا آمَنْتُمْ بِالْمَسِيحِ. أَنْتُمْ أَبْنَاءُ اللهِ الْأَحِبَّاءُ، فَاقْتَدُوا بِهِ. عِيشُوا بِالْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا الْمَسِيحُ وَبَذَلَ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِنَا قُرْبَانًا وَضَحِيَّةً للهِ طَيِّبَةَ الرَّائِحَةِ. أَمَّا الزِّنَى وَكُلُّ أَنْوَاعِ النَّجَاسَةِ وَالطَّمَعِ، فَلَا تَسْمَحُوا حَتَّى بِأَنْ تُذْكَرَ بَيْنَكُمْ، لِأَنَّ هَذَا لَا يَلِيقُ بِالْمُؤْمِنِينَ. وَأَيْضًا الْقَبَاحَةُ وَالْكَلَامُ السَّخِيفُ وَالنُّكْتَةُ الْبَذِيئَةُ هَذِهِ لَا تَلِيقُ بِكُمْ، بَلْ بِالْأَوْلَى عِبَارَاتُ الشُّكْرِ. تَأَكَّدُوا أَنَّهُ لَا نَصِيبَ فِي مَمْلَكَةِ الْمَسِيحِ إِلَهِنَا لِأَيِّ وَاحِدٍ زَانٍ أَوْ نَجِسٍ أَوْ طَمَّاعٍ، لِأَنَّ الطَّمَّاعَ يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ. فَلَا يَخْدَعْكُمْ أَحَدٌ بِالْكَلَامِ الْفَارِغِ، لِأَنَّهُ بِسَبَبِ هَذِهِ الْأُمُورِ يَحِلُّ غَضَبُ اللهِ عَلَى الَّذِينَ لَا يُطِيعُونَهُ. لِذَلِكَ لَا تَشْتَرِكُوا مَعَهُمْ. أَنْتُمْ فِي الْمَاضِي كُنْتُمْ ظَلَامًا، أَمَّا الْآنَ فَأَنْتُمْ نُورٌ، لِأَنَّكُمْ تَنْتَمُونَ لِلْمَسِيحِ. إِذَنْ عِيشُوا كَمَا يَلِيقُ بِأَهْلِ النُّورِ. لِأَنَّ النُّورَ يُنْتِجُ ثِمَارًا هِيَ كُلُّ خَيْرٍ وَصَلَاحٍ وَحَقٍّ. اِعْرِفُوا مَا يُرْضِي الْمَسِيحَ. لَا تَشْتَرِكُوا فِي أَعْمَالِ أَهْلِ الظَّلَامِ الَّتِي لَا ثِمَارَ مِنْهَا، بَلِ اكْشِفُوهَا عَلَى حَقِيقَتِهَا. لِأَنَّ مَا يَعْمَلُونَهُ فِي السِّرِّ نَحْنُ نَخْجَلُ حَتَّى مِنْ ذِكْرِهِ. لَكِنَّ كُلَّ شَيْءٍ عِنْدَمَا يَنْكَشِفُ فِي النُّورِ، يَظْهَرُ عَلَى حَقِيقَتِهِ. لِأَنَّ النُّورَ هُوَ الَّذِي يُظْهِرُ كُلَّ شَيْءٍ، لِهَذَا يَقُولُونَ: ”تَيَقَّظْ يَا نَائِمُ، وَقُمْ مِنَ الْمَوْتِ، فَيُشرِقَ عَلَيْكَ الْمَسِيحُ.“ فَانْتَبِهُوا جَيِّدًا كَيْفَ تَعِيشُونَ، لَا كَجُهَلَاءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ. اِنْتَهِزُوا كُلَّ فُرْصَةٍ مُمْكِنَةٍ لِعَمَلِ الْخَيْرِ، لِأَنَّ هَذِهِ أَيَّامٌ شِرِّيرَةٌ. لَا تَكُونُوا أَغْبِيَاءَ، بَلِ اعْرِفُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ الْمَسِيحِ. لَا تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ، فَفِي السُّكْرِ خَرَابٌ، بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ. حَدِّثُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِالْمَزَامِيرِ وَالتَّسَابِيحِ وَالْأَغَانِي الَّتِي بِالرُّوحِ. غَنُّوا وَأَنْشِدُوا لِرَبِّنَا فِي قُلُوبِكُمْ. اُشْكُرُوا اللهَ الْأَبَ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ بِاسْمِ سَيِّدِنَا عِيسَـى الْمَسِيحِ. اِخْضَعُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ لِأَنَّكُمْ تَتَّقُونَ الْمَسِيحَ. أَيَّتُهَا الزَّوْجَاتُ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ يَجِبُ أَنْ تَخْضَعَ لِزَوْجِهَا كَمَا لِلْمَسِيحِ. لِأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ رَأْسُ زَوْجَتِهِ، كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ هُوَ رَأْسُ أُمَّتِهِ، الَّتِي هِيَ جِسْمُهُ وَهُوَ مُنْقِذُهَا. فَكَمَا تَخْضَعُ أُمَّةُ الْمَسِيحِ لَهُ، يَجِبُ أَنْ تَخْضَعَ الزَّوْجَةُ لِزَوْجِهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ. أَيُّهَا الْأَزْوَاجُ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يَجِبُ أَنْ يُحِبَّ زَوْجَتَهُ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أُمَّتَهُ وَضَحَّى بِنَفْسِهِ مِنْ أَجْلِهَا، لِكَيْ يُخَصِّصَهَا لَهُ وَيُطَهِّرَهَا بِالْغَسْلِ بِالْمَاءِ بِوَاسِطَةِ كَلِمَةِ اللهِ، وَلِكَيْ يُقَدِّمَهَا إِلَى نَفْسِهِ أُمَّةً رَائِعَةَ الْجَمَالِ، وَلَيْسَ فِيهَا عُيُوبٌ أَوْ تَجَاعِيدُ أَوْ أَيُّ نَقْصٍ، بَلْ صَالِحَةً وَبِلَا خَطَأٍ. فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ أَنْ يُحِبَّ زَوْجَتَهُ كَمَا يُحِبُّ جِسْمَهُ. فَالَّذِي يُحِبُّ زَوْجَتَهُ يُحِبُّ نَفْسَهُ. لَا أَحَدَ يَكْرَهُ جِسْمَهُ أَبَدًا، بَلْ يُطْعِمُهُ وَيَعْتَنِي بِهِ. وَهَذَا هُوَ مَا يَعْمَلُهُ الْمَسِيحُ مَعَ أُمَّتِهِ، لِأَنَّنَا نَحْنُ أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، كَمَا يَقُولُ الْكِتَابُ: ”لِهَذَا السَّبَبِ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ، وَيَقْتَرِنُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَصِيرُ الِاثْنَانِ وَاحِدًا.“ هَذَا سِرٌّ عَظِيمٌ. وَأَنَا أَقْصِدُ بِهِ الْمَسِيحَ وَأُمَّتَهُ، لَكِنَّهُ يَنْطَبِقُ عَلَيْكُمْ أَيْضًا: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يَجِبُ أَنْ يُحِبَّ زَوْجَتَهُ كَنَفْسِهِ، وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ أَنْ تَحْتَرِمَ زَوْجَهَا. أَيُّهَا الْأَوْلَادُ، يَجِبُ عَلَيْكُمْ كَمُؤْمِنِينَ أَنْ تُطِيعُوا وَالِدِيكُمْ، لِأَنَّ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ. ”أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ“ هِيَ أَوَّلُ وَصِيَّةٍ مَعَهَا وَعْدٌ وَهُوَ ”لِكَيْ تَنْجَحَ وَيَطُولَ عُمْرُكَ فِي الْأَرْضِ.“ وَأَنْتُمْ أَيُّهَا الْآبَاءُ، لَا تَغِيظُوا أَوْلَادَكُمْ، بَلْ رَبُّوهُمْ فِي الْأَدَبِ وَالتَّعْلِيمِ الَّذِي مِنَ الْمَسِيحِ. أَيُّهَا الْعَبِيدُ، أَطِيعُوا أَسْيَادَكُمْ مِنَ الْبَشَرِ بِاحْتِرَامٍ وَخَوْفٍ وَقَلْبٍ مُخْلِصٍ، كَأَنَّكُمْ تَخْدِمُونَ الْمَسِيحَ. اِعْمَلُوا هَذَا، لَيْسَ فَقَطْ وَهُمْ يُرَاقِبُونَكُمْ، لِكَيْ يَرْضَوْا عَنْكُمْ، بَلْ كَعَبِيدِ الْمَسِيحِ، اِعْمَلُوا إِرَادَةَ اللهِ مِنْ قُلُوبِكُمْ. اِخْدِمُوهُمْ بِفَرَحٍ كَأَنَّكُمْ تَخْدِمُونَ السَّيِّدَ الْمَسِيحَ وَلَيْسَ مُجَرَّدَ النَّاسِ. وَتَذَكَّرُوا أَنَّ الْمَسِيحَ سَيُكَافِئُ كُلَّ وَاحِدٍ، سَوَاءٌ كَانَ عَبْدًا أَوْ حُرًّا، عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي يَعْمَلُهُ. وَأَنْتُمْ أَيُّهَا الْأَسْيَادُ، عَامِلُوا عَبِيدَكُمْ بِنَفْسِ هَذِهِ الْمَبَادِئِ. لَا تُهَدِّدُوهُمْ، وَتَذَكَّرُوا أَنَّكُمْ أَنْتُمْ وَهُمْ جَمِيعًا فَوْقَكُمْ سَيِّدٌ فِي السَّـمَاءِ، وَهُوَ لَا يَتَحَيَّزُ لِأَحَدٍ. وَأَخِيرًا، كُونُوا أَقْوِيَاءَ بِالْمَسِيحِ وَبِقُدْرَتِهِ الْعَظِيمَةِ. اِلْبَسُوا السِّلَاحَ الْكَامِلَ الَّذِي يُعْطِيهِ اللهُ، لِكَيْ يُمْكِنَكُمْ أَنْ تَصْمُدُوا ضِدَّ خِطَطِ إِبْلِيسَ. فَنَحْنُ نُحَارِبُ، لَيْسَ ضِدَّ أَعْدَاءٍ مِنَ الْبَشَرِ، بَلْ ضِدَّ حُكَّامِ هَذَا الْعَالَمِ الْمُظْلِمِ وَقَادَتِهِ وَأَسْيَادِهِ، وَضِدَّ الْقُوَّاتِ الرُّوحِيَّةِ الشِّرِّيرَةِ فِي الْأَجْوَاءِ السَّمَائِيَّةِ. لِذَلِكَ احْمِلُوا السِّلَاحَ الْكَامِلَ الَّذِي يُعْطِيهِ اللهُ، حَتَّى عِنْدَمَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ يَوْمُ الشَّرِّ، يُمْكِنَكُمْ أَنْ تَصُدُّوا هَجَمَاتِ الْعَدُوِّ، وَفِي نِهَايَةِ الْمَعْرَكَةِ تَكُونُوا ثَابِتِينَ. قِفُوا مُسْـتَعِدِّينَ. اِلْبَسُوا الْحَقَّ كَحِزَامٍ حَوْلَ الْوَسَطِ، وَالصَّلَاحَ كَالدِّرْعِ الَّذِي يَحْمِي الصَّدْرَ. وَالْبَسُوا فِي أَقْدَامِكُمُ الْحَمَاسَ لِنَشْرِ إِنْجِيلِ السَّلَامِ. وَبِالْإِضَافَةِ إِلَى كُلِّ هَذَا احْمِلُوا الْإِيمَانَ كَتُرْسٍ، لِأَنَّكُمْ بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا السِّهَامَ الْمُشْتَعِلَةَ الَّتِي يَقْذِفُكُمْ بِهَا الْعَدُوُّ الشِّرِّيرُ. اِلْبَسُوا النَّجَاةَ كَخُوذَةٍ تَحْمِي الرَّأْسَ. تَسَلَّحُوا بِكَلَامِ اللهِ كَسَيْفٍ يُعْطِيهِ لَكُمُ الرُّوحُ. صَلُّوا فِي كُلِّ وَقْتٍ بِالرُّوحِ بِكُلِّ أَنْوَاعِ الصَّلَاةِ وَالِابْتِهَالِ. اِسْهَرُوا وَوَاظِبُوا عَلَى هَذَا. وَادْعُوا اللهَ دَائِمًا مِنْ أَجْلِ كُلِّ الْمُؤْمِنِينَ. وَمِنْ أَجْلِي أَنَا أَيْضًا حَتَّى عِنْدَمَا أَفْتَحُ فَمِي لِلْكَلَامِ، يُعْطِينِي اللهُ رِسَالَةً لِأَتَحَدَّثَ بِجَرَاءَةٍ وَأُعْلِنَ سِرَّ الْإِنْجِيلِ. أَنَا هُنَا سَفِيرُ هَذَا الْإِنْجِيلِ، مَعَ أَنِّي مُقَيَّدٌ بِسِلْسِلَةٍ مِنْ أَجْلِهِ. إِذَنْ صَلُّوا لِكَيْ أُنَادِيَ بِهِ بِجَرَاءَةٍ كَمَا يَجِبُ عَلَيَّ. الشَّدِيدُ سَيُخْبِرُكُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ، لِأَنِّي أُرِيدُكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا أَخْبَارِي وَأَحْوَالِي. إِنَّهُ أَخٌ مَحْبُوبٌ وَخَادِمٌ أَمِينٌ فِي عَمَلِ الْمَسِيحِ. وَقَدْ أَرْسَلْتُهُ إِلَيْكُمْ لِهَذَا السَّبَبِ، لِكَيْ يُعَرِّفَكُمْ أَحْوَالَنَا وَيُشَجِّعَكُمْ. السَّلَامُ وَالْمَحَبَّةُ مَعَ الْإِيمَانِ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَعِيسَى الْمَسِيحِ مَوْلَانَا، إِلَى جَمِيعِ الْإِخْوَةِ. النِّعْمَةُ مَعَ جَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ سَيِّدَنَا عِيسَـى الْمَسِيحَ مَحَبَّةً لَا تَزُولُ أَبَدًا. مِنْ: بُولُسَ وَتِيمُوتَاوُسَ خَادِمَيِ الْمَسِيحِ عِيسَـى. إِلَى: جَمِيعِ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ يَنْتَمُونَ إِلَى الْمَسِيحِ عِيسَـى فِي فِيلِبِّي، وَمَعَكُمْ رُعَاتُكُمْ وَخُدَّامُكُمْ. عَلَيْكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلَامُ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَعِيسَـى الْمَسِيحِ مَوْلَانَا. أَشْكُرُ اللهَ مِنْ أَجْلِكُمْ كُلَّمَا تَذَكَّرْتُكُمْ. وَدَائِمًا أُصَلِّي بِفَرَحٍ مِنْ أَجْلِكُمْ جَمِيعًا، لِأَنَّكُمُ اشْتَرَكْتُمْ مَعِي فِي خِدْمَةِ الْإِنْجِيلِ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ إِلَى الْآنَ. وَأَنَا وَاثِقٌ أَنَّ اللهَ الَّذِي بَدَأَ فِيكُمْ هَذَا الْعَمَلَ الصَّالِحَ، يُنْمِيهِ حَتَّى يَكْمُلَ يَوْمَ يَأْتِي الْمَسِيحُ عِيسَـى ثَانِيَةً. أَنْتُمْ دَائِمًا فِي قَلْبِي، وَيَحِقُّ لِي أَنْ أَشْعُرَ بِهَذَا الشُّعُورِ مِنْ نَحْوِكُمْ جَمِيعًا. فَأَنْتُمْ كُلُّكُمْ شُرَكَائِي فِي نِعْمَةِ اللهِ، سَوَاءٌ الْآنَ وَأَنَا مُقَيَّدٌ فِي السِّجْنِ، أَوْ وَأَنَا أُدَافِعُ عَنِ الْإِنْجِيلِ وَأُبَيِّنُ أَنَّهُ الْحَقُّ. اللهُ يَشْهَدُ لِي أَنِّي مُشْتَاقٌ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا بِمَحَبَّةٍ نَابِعَةٍ مِنْ الْمَسِيحِ عِيسَـى. وَإِنِّي أَدْعُو اللهَ أَنْ تَزِيدَ مَحَبَّتُكُمْ أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ، وَمَعَهَا الْمَعْرِفَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَالْفَهْمُ الصَّحِيحُ. بِذَلِكَ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَخْتَارُوا مَا هُوَ أَفْضَلُ، وَتَكُونُوا أَنْقِيَاءَ وَبِلَا عَيْبٍ إِلَى يَوْمِ يَأْتِي الْمَسِيحُ ثَانِيَةً، وَتَمْتَلِئَ حَيَاتُكُمْ بِأَعْمَالِ الصَّلَاحِ بِوَاسِطَةِ عِيسَـى الْمَسِيحِ لِمَجْدِ اللهِ وَحَمْدِهِ. وَالْآنَ، أُرِيدُكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا يَا إِخْوَتِي أَنَّ الْأُمُورَ الَّتِي حَصَلَتْ لِي، فِي الْوَاقِعِ سَاعَدَتْ عَلَى انْتِشَارِ الْإِنْجِيلِ. حَتَّى إِنَّ الْحَرَسَ الْمَلَكِيَّ كُلَّهُ، وَعَامَّةَ النَّاسِ هُنَا، يَعْرِفُونَ أَنِّي مَسْجُونٌ فِي سَبِيلِ الْمَسِيحِ. وَبِسَبَبِ سَجْنِي، أَصْبَحَ أَغْلَبُ الْإِخْوَةِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمَسِيحِ عِنْدَهُمْ ثِقَةٌ أَكْثَرُ لِيُنَادُوا بِكَلِمَةِ اللهِ بِجَرَاءَةٍ عَظِيمَةٍ وَبِلَا خَوْفٍ. صَحِيحٌ، الْبَعْضُ يُبَشِّرُ بِالْمَسِيحِ بِدَافِعِ الْغِيرَةِ وَالْمُنَافَسَةِ، لَكِنَّ الْبَعْضَ الْآخَرَ بِنِيَّةٍ حَسَنَةٍ. فَهَؤُلَاءِ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ بِدَافِعِ الْمَحَبَّةِ لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ أَقَامَنِي لِلدِّفَاعِ عَنِ الْإِنْجِيلِ. أَمَّا الْآخَرُونَ فَيُنَادُونَ بِالْمَسِيحِ عَنْ أَنَانِيَّةٍ وَبِغَيْرِ إِخْلَاصٍ، وَيَقْصِدُونَ أَنْ يُسَبِّبُوا لِي مَتَاعِبَ أَكْثَرَ وَأَنَا هُنَا فِي السِّجْنِ. فَهَلْ هَذَا يَهُمُّنِي؟ لَا. بَلِ الْمُهِمُّ هُوَ أَنَّ الْمَسِيحَ يُنَادَى بِهِ بِكُلِّ وَسِيلَةٍ، سَوَاءٌ بِدَافِعِ التَّظَاهُرِ أَوْ بِإِخْلَاصٍ. أَنَا فَرْحَانٌ بِهَذَا وَسَأَفْرَحُ أَيْضًا، لِأَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي سَأَنْجُو بِفَضْلِ صَلَوَاتِكُمْ وَبِمَعُونَةِ رُوحِ عِيسَـى الْمَسِيحِ. وَكُلُّ مَا أَتَوَقَّعُهُ وَأَرْجُوهُ هُوَ أَنِّي لَا أَفْشَلُ فِي شَيْءٍ، بَلْ أَكُونُ جَرِيئًا جِدًّا فِي كُلِّ وَقْتٍ وَخَاصَّةً الْآنَ، لِكَيْ أُمَجِّدَ الْمَسِيحَ بِكُلِّ كِيَانِي سَوَاءٌ عِشْتُ أَوْ مُتُّ. فَإِنْ عِشْتُ فَالْمَسِيحُ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ لِي، وَإِنْ مُتُّ فَهَذَا رِبْحٌ. لَكِنْ إِنْ بَقِيتُ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ فَإِنِّي أَقُومُ بِأَعْمَالٍ ذَاتِ قِيمَةٍ. إِذَنْ أَنَا لَا أَعْرِفُ أَيُّهُمَا أَخْتَارُ! أَنَا حَائِرٌ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ: أَرْغَبُ فِي أَنْ أَرْحَلَ مِنْ هَذِهِ الْحَيَاةِ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ، هَذَا أَفْضَلُ جِدًّا. لَكِنْ مِنْ أَجْلِكُمْ، أَهَمُّ بِكَثِيرٍ أَنْ أَبْقَى عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ، أَنَا مُتَأَكِّدٌ مِنْ هَذَا. لِذَلِكَ أَنَا عَارِفٌ أَنِّي سَأَبْقَى وَأَكُونُ مَعَكُمْ جَمِيعًا لِكَيْ تَتَقَدَّمُوا أَكْثَرَ وَتَفْرَحُوا فِي الْإِيمَانِ. وَعِنْدَمَا أَحْضُرُ عِنْدَكُمْ مَرَّةً أُخْرَى، يَزِيدُ فَرَحُكُمْ بِالْمَسِيحِ عِيسَـى بِسَبَبِي. الْمُهِمُّ هُوَ أَنْ تَعِيشُوا كَمَا يَلِيقُ بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ. فَإِذَا جِئْتُ وَرَأَيْتُكُمْ، أَوْ سَمِعْتُ عَنْكُمْ وَأَنَا غَائِبٌ، أَعْرِفُ أَنَّكُمْ ثَابِتُونَ بِرُوحٍ وَاحِدٍ، وَتُجَاهِدُونَ مَعًا بِقَلْبٍ وَاحِدٍ فِي سَبِيلِ الْإِيمَانِ بِالْإِنْجِيلِ. لَا تَخَافُوا مِنْ خُصُومِكُمْ أَبَدًا. فَهَذَا يُبَيِّنُ لَهُمْ أَنَّهُمْ سَيَهْلِكُونَ، وَأَنَّكُمْ سَتَنْجُونَ بِاللهِ. لِأَنَّهُ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ، أُنْعِمَ عَلَيْكُمْ لَا أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا أَنْ تَتَأَلَّمُوا فِي سَبِيلِهِ. فَأَنْتُمْ تُحَارِبُونَ فِي نَفْسِ الْمَعْرَكَةِ الَّتِي رَأَيْتُمُونِي أُحَارِبُ فِيهَا فِي الْمَاضِي، وَتَسْمَعُونَ أَنِّي مَا زِلْتُ أُحَارِبُ فِيهَا. هَلْ حَيَاتُكُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فِيهَا تَشْجِيعٌ لِلْآخَرِينَ؟ هَلْ مَحَبَّتُهُ لَكُمْ فِيهَا عَزَاءٌ لِلْآخَرِينَ؟ هَلْ لَكُمْ رَابِطَةٌ مَعًا بِالرُّوحِ؟ هَلْ عِنْدَكُمْ شَفَقَةٌ وَحَنَانٌ؟ إِنْ كَانَ نَعَمْ، فَتَمِّمُوا فَرَحِي بِأَنْ تَكُونُوا مُتَّحِدِينَ فِي الرَّأْيِ وَفِي الْمَحَبَّةِ، وَمَعًا بِقَلْبٍ وَاحِدٍ وَقَصْدٍ وَاحِدٍ. لَا تَفْعَلُوا شَيْئًا بِدَافِعِ الْأَنَانِيَّةِ أَوِ الْغُرُورِ، بَلْ كُونُوا مُتَوَاضِعِينَ لِدَرَجَةِ أَنْ تَعْتَبِرُوا غَيْرَكُمْ أَفْضَلَ مِنْكُمْ. كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يَجِبُ أَنْ يَسْعَى لِمَا فِيهِ الْخَيْرُ لِلْآخَرِينَ وَلَيْسَ لَهُ وَحْدَهُ. فَكِّرُوا مِثْلَ الْمَسِيحِ عِيسَـى: فَهُوَ لَهُ طَبِيعَةُ اللهِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ أَنَّ مُسَاوَاتَهُ للهِ غَنِيمَةٌ يَتَمَسَّكُ بِهَا. بَلْ جَعَلَ نَفْسَهُ لَا شَيْءَ، أَخَذَ طَبِيعَةَ عَبْدٍ، صَارَ مِثْلَ الْبَشَرِ، جَاءَ فِي هَيْئَةِ إِنْسَانٍ، تَوَاضَعَ جِدًّا، وَأَطَاعَ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَى الْمَوْتِ، لِدَرَجَةِ أَنَّهُ مَاتَ عَلَى الصَّلِيبِ. لِذَلِكَ رَفَعَهُ اللهُ إِلَى أَعْلَى مَكَانَةٍ، وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ بِالِاسْمِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ اسْمٍ. حَتَّى يَسْجُدَ الْكُلُّ عَلَى رُكَبِهِمْ لِاسْمِ عِيسَـى، كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الْأَرْضِ وَتَحْتَ الْأَرْضِ، وَيَشْهَدَ الْجَمِيعُ عَلَنًا وَيَقُولُوا: ”عِيسَـى الْمَسِيحُ هُوَ مَوْلَانَا“ إِجْلَالًا للهِ الْأَبِ. يَا أَحِبَّائِي، لَمَّا كُنْتُ مَوْجُودًا عِنْدَكُمْ، كُنْتُمْ دَائِمًا مُطِيعِينَ، إِذَنْ مِنَ الْمُهِمِّ أَكْثَرُ أَنْ تَفْعَلُوا ذَلِكَ الْآنَ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْكُمْ. جَاهِدُوا لِتُتَمِّمُوا نَجَاتَكُمْ بِحِرْصٍ وَخَوْفٍ. لِأَنَّ اللهَ نَفْسَهُ يَعْمَلُ فِيكُمْ لِيَجْعَلَكُمْ رَاغِبِينَ وَقَادِرِينَ أَنْ تَعْمَلُوا مَشِيئَتَهُ الصَّالِحَةَ. قُومُوا بِوَاجِبَاتِكُمْ بِلَا تَذَمُّرٍ وَلَا جِدَالٍ، لِكَيْ تَكُونُوا أَبْرِيَاءَ وَأَنْقِيَاءَ، كَأَبْنَاءِ اللهِ الْكَامِلِينَ وَسَطَ عَالَمٍ فَاسِدٍ شِرِّيرٍ. وَأَنْتُمْ تُضِيئُونَ بَيْنَهُمْ كَنُجُومٍ تُنِيرُ السَّمَاءَ، لِأَنَّكُمْ تُقَدِّمُونَ لَهُمْ كَلَامَ الْحَيَاةِ. وَبِذَلِكَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَفْتَخِرَ فِي يَوْمِ الْمَسِيحِ بِأَنَّ جِهَادِي وَتَعَبِي لَمْ يَكُونَا بِلَا فَائِدَةٍ. إِنَّ إِيمَانَكُمْ هُوَ كَضَحِيَّةٍ وَخِدْمَةٍ للهِ، فَحَتَّى إِذَا سُفِكَ دَمِي فَوْقَ هَذِهِ الضَّحِيَّةِ، فَإِنِّي أَفْرَحُ وَأُفَرِّحُكُمْ كُلَّكُمْ مَعِي. وَأَنْتُمْ أَيْضًا يَجِبُ أَنْ تَفْرَحُوا وَتُفَرِّحُونِي مَعَكُمْ. أَرْجُو بِمَشِيئَةِ سَيِّدِنَا عِيسَى أَنْ أَبْعَثَ لَكُمْ تِيمُوتَاوُسَ قَرِيبًا، فَأَفْرَحَ عِنْدَمَا أَسْمَعُ أَخْبَارَكُمْ. فَلَيْسَ عِنْدِي هُنَا آخَرُ مِثْلُهُ يَهْتَمُّ بِأَحْوَالِكُمْ بِإِخْلَاصٍ. لِأَنَّ الْكُلَّ يَسْعَى لِمَصْلَحَتِهِ لَا لِمَصْلَحَةِ عِيسَى الْمَسِيحِ. أَمَّا تِيمُوتَاوُسُ، فَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَ خِبْرَتَهُ، فَإِنَّهُ عَمِلَ مَعِي فِي خِدْمَةِ الْإِنْجِيلِ كَابْنٍ يَخْدِمُ مَعَ أَبِيهِ. لِذَلِكَ أَرْجُو أَنْ أَبْعَثَهُ لَكُمْ بِمُجَرَّدِ أَنْ أَعْرِفَ كَيْفَ سَتَسِيرُ أُمُورِي. وَأَثِقُ فِي الْمَسِيحِ أَنِّي أَنَا نَفْسِي سَأَحْضُرُ عِنْدَكُمْ قَرِيبًا. الْأَخُ أَبُو فَرِيدٍ الَّذِي أَرْسَلْتُمُوهُ لِيُسَاعِدَنِي، خَدَمَ مَعِي وَحَارَبَ فِي صَفِّي. وَالْآنَ رَأَيْتُ أَنَّهُ مِنَ الْمُهِمِّ أَنْ أَبْعَثَهُ لَكُمْ. فَهُوَ مُشْتَاقٌ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا، وَتَضَايَقَ جِدًّا لِأَنَّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ كَانَ مَرِيضًا. لِأَنَّهُ فِعْلًا مَرِضَ جِدًّا حَتَّى أَوْشَكَ أَنْ يَمُوتَ. لَكِنَّ اللهَ أَشْفَقَ عَلَيْهِ، وَعَلَيَّ أَنَا أَيْضًا، لِكَيْ لَا أَحْزَنَ أَكْثَرَ. وَهَذَا مَا جَعَلَنِي أَرْغَبُ جِدًّا فِي أَنْ أُرْسِلَهُ لَكُمْ لِكَيْ تَفْرَحُوا عِنْدَمَا تَرَوْنَهُ، وَيَقِلَّ حُزْنِي. إِذَنِ اسْتَقْبِلُوهُ بِكُلِّ سُرُورٍ كَأَخٍ فِي الْمَسِيحِ، وَأَكْرِمُوا الَّذِينَ هُمْ مِثْلُهُ. لِأَنَّهُ مِنْ أَجْلِ خِدْمَةِ الْمَسِيحِ، خَاطَرَ بِحَيَاتِهِ، وَأَوْشَكَ أَنْ يَمُوتَ، لِكَيْ يُقَدِّمَ لِيَ الْمُسَاعَدَةَ الَّتِي لَمْ تَسْتَطِيعُوا أَنْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوهَا. أَخِيرًا يَا إِخْوَتِي، اِفْرَحُوا بِالْمَسِيحِ. أَنَا أُكَرِّرُ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ مِنْ قَبْلُ، هَذَا لَا يُتْعِبُنِي، بَلْ فِيهِ أَمَانٌ لَكُمْ. اِحْتَرِسُوا مِنَ الْكِلَابِ، اِحْتَرِسُوا مِنْ عُمَّالِ السُّوءِ، اِحْتَرِسُوا مِنَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى أَنْ يَقْطَعُوا جُزْءًا مِنَ الْجِسْمِ! لِأَنَّنَا نَحْنُ خُتِنَّا الْخِتَانَ الْحَقَّ، وَنَحْنُ نَعْبُدُ بِرُوحِ اللهِ، وَنَفْتَخِرُ بِالْمَسِيحِ عِيسَـى، وَلَا نَتَّكِلُ عَلَى امْتِيَازَاتٍ بَشَرِيَّةٍ. إِنْ كَانَ وَاحِدٌ يَظُنُّ أَنَّ لَهُ الْحَقَّ فِي أَنْ يَتَّكِلَ عَلَى امْتِيَازَاتٍ بَشَرِيَّةٍ، فَمِنْ حَقِّي أَنَا بِالْأَوْلَى أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ. فَقَدْ خُتِنْتُ لَمَّا كَانَ عُمْرِي 8 أَيَّامٍ، وَأَنَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنْ قَبِيلَةِ بِنْيَمِينَ، عِبْرَانِيٌّ ابْنُ عِبْرَانِيِّينَ، مُتَعَصِّبٌ لِلشَّرِيعَةِ كَفَرِّيسِيٍّ، وَمِنْ شِدَّةِ غِيرَتِي اضْطَهَدْتُ أُمَّةَ الْمَسِيحِ، وَمِنْ جِهَةِ الصَّلَاحِ الَّذِي تَطْلُبُهُ الشَّرِيعَةُ، كُنْتُ بِلَا عَيْبٍ. لَكِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الَّتِي كُنْتُ أَعْتَبِرُ أَنَّهَا مُهِمَّةٌ، هِيَ الْآنَ فِي حِسَابِي بِلَا قِيمَةٍ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ. بَلْ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، كُلُّ الْأَشْيَاءِ هِيَ فِي حِسَابِي بِلَا قِيمَةٍ بِالْمُقَارَنَةِ مَعَ عَظَمَةِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ عِيسَـى مَوْلَايَ. فَأَنَا مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَهِيَ فِي حِسَابِي مُجَرَّدُ زِبَالَةٍ، وَذَلِكَ لِكَيْ أَرْبَحَ الْمَسِيحَ، وَأَنْتَمِيَ لَهُ، وَيَعْتَبِرَنِي اللهُ صَالِحًا بِالْإِيمَانِ. لَا صَلَاحِي أَنَا عَلَى أَسَاسِ أَنِّي عَمِلْتُ بِفَرَائِضِ الشَّرِيعَةِ، بَلِ الصَّلَاحُ الَّذِي هُوَ بِالْإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ. أُرِيدُ أَنْ أَعْرِفَ الْمَسِيحَ، وَأَخْتَبِرَ قُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَأُشَارِكَهُ فِي آلَامِهِ، وَأُصْبِحَ مِثْلَهُ فِي مَوْتِهِ، لِكَيْ أَقُومَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ. أَنَا لَا أَقُولُ إِنِّي تَوَصَّلْتُ إِلَى كُلِّ هَذَا، أَوْ بَلَغْتُ الْكَمَالَ. بَلْ أَسْعَى لِكَيْ آخُذَ الْجَائِزَةَ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا أَخَذَنِي الْمَسِيحُ. يَا إِخْوَتِي أَنَا لَا أَعْتَبِرُ أَنِّي أَخَذْتُهَا بَعْدُ، لَكِنِّي أَفْعَلُ هَذَا الْأَمْرَ فَقَطْ: أَنْسَى مَا وَرَائِي، وَأَبْذِلُ كُلَّ جُهْدِي نَحْوَ مَا هُوَ قُدَّامِي. أَنَا أَسْعَى نَحْوَ الْهَدَفِ لِكَيْ أَرْبَحَ الْجَائِزَةَ، أَيِ الْحَيَاةَ السَّمَائِيَّةَ الَّتِي دَعَانِي اللهُ لَهَا بِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ عِيسَـى. كُلُّ الْبَالِغِينَ رُوحِيًّا يَجِبُ أَنْ يُفَكِّرُوا بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ. أَمَّا إِنْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ لَا يَتَّفِقُ مَعَ هَذَا، فَاللهُ سَيُوَضِّحُ لَهُ الْأُمُورَ. إِنَّمَا يَجِبُ أَنْ نُوَاصِلَ سَيْرَنَا تَابِعِينَ الْحَقَّ الَّذِي بَلَغَنَا. اِقْتَدُوا بِي كُلُّكُمْ يَا إِخْوَتِي. وَانْتَبِهُوا إِلَى الَّذِينَ يَعِيشُونَ حَسَبَ الْمِثَالِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ. أَنَا قُلْتُ لَكُمْ هَذَا مَرَّاتٍ كَثِيرَةً مِنْ قَبْلُ، وَالْآنَ أُكَرِّرُهُ وَأَنَا أَبْكِي: إِنَّ كَثِيرِينَ فِي سُلُوكِهِمْ هُمْ أَعْدَاءُ صَلِيبِ الْمَسِيحِ. هَؤُلَاءِ مَصِيرُهُمُ الْهَلَاكُ، فَهُمْ يَعْبُدُونَ بُطُونَهُمْ، وَيَفْتَخِرُونَ بِمَا يُخْجِلُ، وَكُلُّ تَفْكِيرِهِمْ هُوَ فِي أُمُورِ هَذِهِ الدُّنْيَا. أَمَّا نَحْنُ فَإِنَّ وَطَنَنَا هُوَ السَّمَاءُ، وَمِنَ السَّمَاءِ نَنْتَظِرُ بِشَوْقٍ مُنْقِذَنَا وَسَيِّدَنَا عِيسَى. فَهُوَ سَيُغَيِّرُ أَجْسَامَنَا الْحَقِيرَةَ، وَيَجْعَلُهَا مِثْلَ جِسْمِهِ الْمُمَجَّدِ، وَذَلِكَ بِقُوَّتِهِ الَّتِي بِهَا يَجْعَلُ كُلَّ شَيْءٍ يَخْضَعُ تَحْتَ أَمْرِهِ. يَا إِخْوَتِيَ الْأَحِبَّاءَ، أَنَا مُشْتَاقٌ إِلَيْكُمْ جِدًّا. أَنْتُمْ فَرَحِي! أَنْتُمْ إِكْلِيلِي! إِذَنِ اثْبُتُوا فِي الْمَسِيحِ يَا أَحِبَّائِي. أَطْلُبُ مِنْ سَالِمَةٍ وَمِنْ سَعِيدَةٍ، أَنْ تَكُونَا عَلَى وِفَاقٍ مَعًا كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. وَأَنْتَ أَيْضًا يَا زَمِيلِيَ الْمُخْلِصَ، أَطْلُبُ مِنْكَ أَنْ تُسَاعِدَ هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا جَاهَدَتَا مَعِي فِي خِدْمَةِ الْإِنْجِيلِ مَعَ كَلِيمَنْتَ وَكُلِّ الْبَاقِينَ الَّذِينَ خَدَمُوا مَعِي، الَّذِينَ أَسْمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ الْحَيَاةِ. اِفْرَحُوا بِالْمَسِيحِ دَائِمًا، وَأَقُولُهَا مَرَّةً أُخْرَى: اِفْرَحُوا. عَامِلُوا الْجَمِيعَ بِلُطْفٍ. الْمَسِيحُ قَرِيبٌ. لَا تَقْلَقُوا عَلَى شَيْءٍ، بَلِ اطْلُبُوا كُلَّ شَيْءٍ مِنَ اللهِ فِي الصَّلَاةِ، بِتَضَرُّعٍ وَشُكْرٍ. وَسَلَامُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ فَهْمِ الْبَشَرِ، يَحْرُسُ قُلُوبَكُمْ وَعَقُولَكُمْ بِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ عِيسَـى. أَخِيرًا يَا إِخْوَتِي، فَكِّرُوا دَائِمًا فِي كُلِّ مَا هُوَ حَقٌّ وَشَرِيفٌ، وَكُلِّ مَا هُوَ صَالِحٌ وَطَاهِرٌ، وَكُلِّ مَا هُوَ مَحْبُوبٌ وَلَهُ سُمْعَةٌ حَسَنَةٌ، وَفِي أَيِّ شَيْءٍ طَيِّبٍ وَيَسْتَحِقُّ الْمَدِيحَ. اِعْمَلُوا حَسَبَ كُلِّ الْأُمُورِ الَّتِي عَلَّمْتُكُمْ إِيَّاهَا، وَأَخْبَرْتُكُمْ بِهَا، وَسَمِعْتُمُوهَا مِنِّي، وَرَأَيْتُمُونِي أَعْمَلُهَا. اللهُ الَّذِي يُعْطِي السَّلَامَ يَكُونُ مَعَكُمْ. لَقَدْ مَلَأَنِي الْمَسِيحُ بِالْفَرَحِ لِأَنَّكُمُ الْآنَ، بَعْدَ كُلِّ هَذَا الْوَقْتِ الطَّوِيلِ، أَظْهَرْتُمُ اهْتِمَامَكُمْ بِي مَرَّةً أُخْرَى. أَنْتُمْ لَمْ تُهْمِلُونِي، إِنَّمَا لَمْ تَتَوَفَّرْ لَكُمُ الْفُرْصَةُ لِكَيْ تُعَبِّرُوا عَنْ ذَلِكَ. لَا أَقُولُ هَذَا لِأَنِّي مُحْتَاجٌ إِلَى شَيْءٍ، فَقَدْ تَعَلَّمْتُ أَنْ أَرْضَى بِأَحْوَالِي. أَنَا أَعْرِفُ كَيْفَ أَعِيشُ فِي عُسْرٍ أَوْ فِي يُسْرٍ. لَقَدْ تَعَلَّمْتُ هَذَا السِّرَّ: أَنْ أَكُونَ قَنُوعًا مَهْمَا كَانَتِ الْأَحْوَالُ وَالظُّرُوفُ، سَوَاءٌ كُنْتُ شَبْعَانَ أَوْ جَوْعَانَ، سَوَاءٌ كُنْتُ فِي سَعَةٍ أَوْ فِي عَوَزٍ. أَنَا قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ بِالْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي. لَكِنَّكُمْ عَمِلْتُمْ خَيْرًا بِأَنْ شَارَكْتُمْ فِي مَتَاعِبِي. وَأَنْتُمْ يَا شَعْبَ فِيلِبِّي، تَعْلَمُونَ أَنِّي لَمَّا تَرَكْتُ مَقْدُونْيَا، فِي بَدْءِ الدَّعْوَةِ بِالْإِنْجِيلِ بَيْنَكُمْ، كُنْتُمْ أَنْتُمُ الْجَمَاعَةَ الْوَحِيدَةَ الَّتِي سَاعَدَتْنِي وَاهْتَمَّتْ بِحِسَابِ الدَّخْلِ وَالْمُنْصَرِفِ. حَتَّى لَمَّا احْتَجْتُ إِلَى الْمُسَاعَدَةِ وَأَنَا فِي تَسَالُونْكِي، أَرْسَلْتُمْ إِلَيَّ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ. أَنَا لَا أَطْلُبُ هَدَايَاكُمْ، بَلْ أَطْلُبُ لَكُمُ الرِّبْحَ الَّذِي يُضِيفُهُ اللهُ لِحِسَابِكُمْ. فَقَدْ حَصَلْتُ عَلَى كُلِّ مَا أَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَأَكْثَرَ. عِنْدِي كِفَايَتِي لِأَنِّي اسْتَلَمْتُ الْهَدَايَا الَّتِي أَحْضَرَهَا أَبُو فَرِيدٍ مِنْ عِنْدِكُمْ. إِنَّهَا مِثْلُ قُرْبَانٍ للهِ طَيِّبِ الرَّائِحَةِ، وَضَحِيَّةٍ يَقْبَلُهَا وَيَرْضَى عَنْهَا. إِلَهِي سَيُعْطِيكُمْ كُلَّ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ حَسَبَ غِنَاهُ الْعَظِيمِ جِدًّا بِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ عِيسَـى. وَالْآنَ، الْجَلَالُ لِإِلَهِنَا وَأَبِينَا إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ. آمِينَ. سَلِّمُوا عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ بِالْمَسِيحِ عِيسَـى. الْإِخْوَةُ الَّذِينَ مَعِي يُسَلِّمُونَ عَلَيْكُمْ. كُلُّ الْمُؤْمِنِينَ هُنَا وَخَاصَّةً الَّذِينَ فِي قَصْرِ الْمَلِكِ، يُسَلِّمُونَ عَلَيْكُمْ. نِعْمَةُ عِيسَى الْمَسِيحِ مَوْلَانَا مَعَ رُوحِكُمْ. مِنْ: بُولُسَ رَسُولِ الْمَسِيحِ عِيسَـى حَسَبَ مَشِيئَةِ اللهِ، وَمِنَ الْأَخِ تِيمُوتَاوُسَ. إِلَى: الْإِخْوَةِ الصَّالِحِينَ الْأُمَنَاءِ الَّذِينَ يَنْتَمُونَ لِلْمَسِيحِ فِي كُولُوسِي. عَلَيْكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّـلَامُ مِنَ اللهِ أَبِينَا. نَحْنُ دَائِمًا نَشْكُرُ اللهَ أَبَا سَيِّدِنَا عِيسَـى الْمَسِيحِ حِينَ نُصَلِّي مِنْ أَجْلِكُمْ. لِأَنَّنَا سَمِعْنَا عَنْ إِيمَانِكُمْ بِالْمَسِيحِ عِيسَـى، وَعَنْ مَحَبَّتِكُمْ لِكُلِّ الْمُؤْمِنِينَ. هَذَا الْإِيمَانُ، وَهَذِهِ الْمَحَبَّةُ، هُمَا نَتِيجَةٌ لِلرَّجَاءِ الَّذِي عِنْدَكُمْ فِي أُمُورٍ مَحْفُوظَةٍ لَكُمْ فِي السَّمَاءِ. وَأَنْتُمْ سَمِعْتُمْ عَنْ هَذَا الرَّجَاءِ فِي رِسَالَةِ الْحَقِّ أَيِ الْإِنْجِيلِ، الَّذِي بَلَغَكُمْ. فَهُوَ يُثْمِرُ وَيَنْتَشِرُ فِي كُلِّ الْعَالَمِ، كَمَا أَثْمَرَ وَانْتَشَرَ بَيْنَكُمْ، مُنْذُ يَوْمِ سَمِعْتُمْ عَنْ نِعْمَةِ اللهِ، وَعَرَفْتُمْ حَقًّا مَا هِيَ. وَذَلِكَ كَمَا عَلَّمَكُمْ زَمِيلُنَا فِي الْخِدْمَةِ أَبُو فِرَاسٍ الْمَحْبُوبُ، الَّذِي يَخْدِمُ الْمَسِيحَ بِأَمَانَةٍ بِالنِّيَابَةِ عَنَّا. فَهُوَ أَخْبَرَنَا عَنِ الْمَحَبَّةِ الَّتِي مَنَحَهَا لَكُمُ الرُّوحُ. هَذَا هُوَ السَّبَبُ أَنَّنَا مُنْذُ يَوْمِ سَمِعْنَا هَذَا، لَمْ نَتَوَقَّفْ عَنِ الدُّعَاءِ مِنْ أَجْلِكُمْ، فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُعْطِيَكُمْ كُلَّ حِكْمَةٍ وَفَهْمٍ رُوحِيٍّ، لِكَيْ تَعْرِفُوا مَشِيئَتَهُ مَعْرِفَةً تَامَّةً. فَتَعِيشُوا كَمَا يَلِيقُ بِالْمَسِيحِ، وَتَعْمَلُوا مَا يَسُرُّهُ دَائِمًا، وَتُثْمِرُوا بِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ، وَتَنْمُوا فِي مَعْرِفَةِ اللهِ. وَنَسْأَلُهُ أَيْضًا أَنْ يُقَوِّيَكُمْ بِكُلِّ قُوَّةٍ حَسَبَ قُدْرَةِ جَلَالِهِ، لِكَيْ تَحْتَمِلُوا كُلَّ شَيْءٍ بِصَبْرٍ وَفَرَحٍ، وَتَشْكُرُوا الْأَبَ الَّذِي جَعَلَكُمْ مُؤَهَّلِينَ لِتَحْصُلُوا عَلَى نَصِيبٍ مَعَ الصَّالِحِينَ فِي مَمْلَكَةِ النُّورِ. لِأَنَّهُ أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظَّلَامِ، وَنَقَلَنَا إِلَى مَمْلَكَةِ ابْنِهِ الْمَحْـبُوبِ الَّذِي فَدَانَا وَغَفَرَ ذُنُوبَنَا. الْمَسِيحُ هُوَ التَّعْبِيرُ الصَّادِقُ عَنْ طَبِيعَةِ اللهِ الَّذِي لَا يُرَى، هُوَ الْأَوَّلُ فَوْقَ كُلِّ الْخَلِيقَةِ. لِأَنَّ اللهَ خَلَقَ بِوَاسِطَتِهِ كُلَّ مَا فِي السَّمَاءِ وَمَا عَلَى الْأَرْضِ، مَا يُرَى، وَأَيْضًا مَا لَا يُرَى فِي عَالَمِ الْأَرْوَاحِ مِنْ مُلُوكٍ وَسَادَةٍ وَحُكَّامٍ وَقَادَةٍ. كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ بِوَاسِطَتِهِ وَلَهُ. فَهُوَ مَوْجُودٌ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَكُلُّ الْكَوْنِ يَتَمَاسَكُ مَعًا بِوَاسِطَتِهِ. وَهُوَ الرَّأْسُ وَأُمَّتُهُ هِيَ الْجِسْمُ. هُوَ الْبِدَايَةُ وَأَوَّلُ مَنْ قَامَ مِنَ الْمَوْتِ، لِكَيْ يَكُونَ هُوَ السَّيِّدَ فِي كُلِّ شَيْءٍ. لِأَنَّ اللهَ شَاءَ أَنْ يَحِلَّ بِكُلِّ كَمَالِهِ فِي الْمَسِيحِ، وَبِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ يُصَالِحُ كُلَّ الْكَوْنِ لِنَفْسِهِ، أَيْ كُلَّ مَا عَلَى الْأَرْضِ، وَكُلَّ مَا فِي السَّمَاءِ. فَهُوَ الَّذِي حَقَّقَ السَّلَامَ بِدَمِهِ الَّذِي ضَحَّى بِهِ عَلَى الصَّلِيبِ. وَأَنْتُمْ كُنْتُمْ فِي الْمَاضِي بَعِيدِينَ عَنِ اللهِ، وَكُنْتُمْ أَعْدَاءَهُ بِأَفْكَارِكُمْ وَبِأَعْمَالِكُمُ الشِّرِّيرَةِ. لَكِنَّهُ الْآنَ صَالَحَكُمْ بِوَاسِطَةِ مَوْتِ الْمَسِيحِ بِجِسْمِهِ الْبَشَرِيِّ عَلَى الصَّلِيبِ. وَذَلِكَ لِكَيْ يَأْتِيَ بِكُمْ إِلَى قُدَّامِهِ صَالِحِينَ وَأَطْهَارًا وَبِلَا عَيْبٍ. هَذَا إِنْ كُنْتُمْ تَسْتَمِرُّونَ مُؤَسَّسِينَ وَثَابِتِينَ فِي الْإِيمَانِ، وَلَا تَنْتَقِلُونَ عَنِ الرَّجَاءِ الْمَوْعُودِ بِهِ فِي الْإِنْجِيلِ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ. هَذَا الْإِنْجِيلُ أُخْبِرَتْ بِهِ كُلُّ خَلِيقَةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ، وَأَنَا بُولُسَ صِرْتُ خَادِمًا لَهُ. أَنَا فَرْحَانٌ لِأَنِّي أَتَأَلَّمُ مِنْ أَجْلِكُمْ، لِأَنِّي بِهَذَا الْأَلَمِ فِي جِسْمِي، أُكَمِّلُ مَا نَقَصَ مِنَ الْآلَامِ الَّتِي يُعَانِيهَا الْمَسِيحُ مِنْ أَجْلِ جِسْمِهِ، أَيْ أُمَّتِهِ. فَقَدْ صِرْتُ خَادِمًا لَهَا، وَكَلَّفَنِي اللهُ بِأَنْ أُقَدِّمَ لَكُمْ رِسَالَتَهُ كَامِلَةً. هَذَا هُوَ السِّرُّ الَّذِي كَانَ مَخْفِيًّا طُولَ الْقُرُونِ وَالْعُصُورِ الْمَاضِيَةِ لَكِنَّ اللهَ كَشَفَهُ الْآنَ لِعَبِيدِهِ الصَّالِحِينَ. فَإِنَّهُ شَاءَ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ هَذَا السِّرَّ الرَّائِعَ الْعَظِيمَ الَّذِي عِنْدَهُ لِلشُّعُوبِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَسِيحَ يَحْيَا فِيكُمْ، وَهُوَ رَجَاؤُكُمْ فِي الْمَجْدِ. فَنَحْنُ نُبَشِّرُ الْجَمِيعَ بِالْمَسِيحِ، وَنُرْشِدُهُمْ وَنُعَلِّمُهُمْ بِكُلِّ حِكْمَةٍ، لِكَيْ نُقَدِّمَ الْجَمِيعَ للهِ كَامِلِينَ بِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ. وَلِكَيْ يَتِمَّ هَذَا، أَنَا أَتْعَبُ وَأُكَافِحُ مُتَّكِلًا عَلَى قُدْرَتِهِ الَّتِي تَعْمَلُ فِيَّ بِقُوَّةٍ. وَأُرِيدُكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا أَنِّي أُجَاهِدُ مِنْ أَجْلِكُمْ، وَمِنْ أَجْلِ الَّذِينَ فِي لَاوُدِكِيَّةَ، وَكُلِّ الَّذِينَ لَمْ يُقَابِلُونِي شَخْصِيًّا، لِكَيْ يَتَشَجَّعُوا فِي قُلُوبِهِمْ، وَيَتَّحِدُوا مَعًا بِالْمَحَبَّةِ. بِذَلِكَ يَكُونُ عِنْدَهُمُ الْفَهْمُ الْكَامِلُ بِكُلِّ غِنَاهُ، فَيَعْرِفُوا سِرَّ اللهِ أَيِ الْمَسِيحَ. فَهُوَ الْمَخْزُونُ فِيهِ كُلُّ كُنُوزِ الْحِكْمَةِ وَالْمَعْرِفَةِ. أَقُولُ لَكُمْ هَذَا لِكَيْ لَا يَخْدَعَكُمْ أَحَدٌ بِالْمُنَاقَشَاتِ الْجَذَّابَةِ. فَمَعَ أَنِّي غَائِبٌ عَنْكُمْ بِالْجِسْمِ، لَكِنِّي مَوْجُودٌ مَعَكُمْ بِالرُّوحِ، وَأَفْرَحُ لِأَنِّي أَرَاكُمْ مُنَظَّمِينَ، وَثَابِتِينَ فِي إِيمَانِكُمْ بِالْمَسِيحِ. وَبِمَا أَنَّكُمْ قَبِلْتُمُ الْمَسِيحَ عِيسَى سَيِّدًا لَكُمْ، إِذَنْ عِيشُوا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ. عَمِّقُوا جُذُورَكُمْ فِيهِ، وَابْنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَيْهِ. تَقَوَّوْا فِي الْإِيمَانِ كَمَا تَعَلَّمْتُمْ، وَكُونُوا دَائِمًا شَاكِرِينَ. اِحْذَرُوا لِئَلَّا يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ بِفَلْسَفَةٍ فَارِغَةٍ خَادِعَةٍ مَبْنِيَّةٍ عَلَى تَقَالِيدِ النَّاسِ، وَعَلَى قُوَّاتِ هَذَا الْعَالَمِ، وَلَيْسَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى الْمَسِيحِ. لِأَنَّهُ فِي الْمَسِيحِ، يَسْكُنُ اللهُ بِكَامِلِ أُلُوهِيَّتِهِ فِي جِسْمٍ بَشَرِيٍّ. وَأَنْتُمْ نِلْتُمُ الْحَيَاةَ الْكَامِلَةَ لِأَنَّكُمْ تَنْتَمُونَ لِلْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ فَوْقَ كُلِّ رِئَاسَةٍ وَسُلْطَةٍ فِي عَالَمِ الْأَرْوَاحِ. وَبِمَا أَنَّكُمْ تَنْتَمُونَ لَهُ فَقَدْ خُتِنْتُمْ، أَيْ نُزِعَتْ عَنْكُمُ الطَّبِيعَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ. هَذَا لَيْسَ الْخِتَانَ الَّذِي يَعْمَلُهُ النَّاسُ، بَلِ الَّذِي يَعْمَلُهُ الْمَسِيحُ. لِأَنَّكُمْ فِي الْغِطَاسِ دُفِنْتُمْ مَعَهُ، ثُمَّ قُمْتُمْ مَعَهُ لِأَنَّكُمْ آمَنْتُمْ بِقُدْرَةِ اللهِ الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الْمَوْتِ. أَنْتُمْ كُنْتُمْ مَيِّتِينَ بِسَبَبِ ذُنُوبِكُمْ وَطَبِيعَتِكُمُ الدُّنْيَوِيَّةِ غَيْرِ الْمَخْتُونَةِ، لَكِنَّ اللهَ أَحْيَاكُمْ مَعَ الْمَسِيحِ. إِنَّهُ سَامَحَنَا عَلَى كُلِّ ذُنُوبِنَا، وَأَلْغَى السَّنَدَ الَّذِي كَانَ مَكْتُوبًا ضِدَّنَا، بِكُلِّ مَطَالِبِهِ الَّتِي كَانَتْ فِي غَيْرِ مَصْلَحَتِنَا، وَأَزَالَهُ تَمَامًا بِأَنْ سَمَّرَهُ عَلَى الصَّلِيبِ. وَبِالصَّلِيبِ انْتَصَرَ الْمَسِيحُ عَلَى الْحُكَّامِ وَالْقَادَةِ الَّذِينَ فِي عَالَمِ الْأَرْوَاحِ، وَنَزَعَ عَنْهُمْ سِلَاحَهُمْ وَسَاقَهُمْ أَذِلَّاءَ فِي مَوْكِبِهِ الظَّافِرِ. إِذَنْ لَا تَسْمَحُوا لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْكُمْ مِنْ جِهَةِ مَا تَأْكُلُونَ أَوْ تَشْرَبُونَ، وَلَا مِنْ جِهَةِ عِيدٍ أَوِ احْتِفَالِ رَأْسِ الشَّهْرِ أَوْ يَوْمِ السَّبْتِ. هَذِهِ كَانَتْ مُجَرَّدَ ظِلٍّ لِمَا سَيَأْتِي، الْمَسِيحُ هُوَ الْحَقِيقَةُ ذَاتُهَا. لَا تَسْمَحُوا لِأَحَدٍ أَنْ يَحْرِمَكُمْ مِنْ جَائِزَتِكُمْ بِالتَّوَاضُعِ الْكَاذِبِ وَعِبَادَةِ الْمَلَائِكَةِ. مِثْلُ هَذَا يَرَى رُؤًى، وَفِكْرُهُ الدُّنْيَوِيُّ يَجْعَلُهُ يَنْتَفِخُ بِأُمُورٍ تَافِهَةٍ، وَلَا يَتَمَسَّكُ بِالْمَسِيحِ الَّذِي هُوَ الرَّأْسُ وَالَّذِي بِوَاسِطَتِهِ يَتَمَاسَكُ كُلُّ الْجِسْمِ مَعًا بِالْمَفَاصِلِ وَالْأَعْصَابِ وَيَتَغَذَّى وَيَنْمُو كَمَا يُرِيدُ اللهُ. أَنْتُمْ مُتُّمْ مَعَ الْمَسِيحِ فَتَحَرَّرْتُمْ مِنْ قُوَّاتِ هَذَا الْعَالَمِ. إِذَنْ لِمَاذَا تَعِيشُونَ كَمَا لَوْ أَنَّكُمْ تَنْتَمُونَ إِلَى هَذَا الْعَالَمِ؟ لِمَاذَا تَخْضَعُونَ لِفَرَائِضِهِ مِثْلَ: ”لَا تَمْسِكْ، لَا تَذُقْ، لَا تَلْمِسْ“؟ هَذِهِ كُلُّهَا فَرَائِضُ تَخُصُّ أَشْيَاءَ تَبْلَى بِالِاسْتِعْمَالِ، وَهِيَ مُجَرَّدُ قَوَانِينَ وَتَعَالِيمَ وَضَعَهَا النَّاسُ. وَتَظْهَرُ كَأَنَّهَا وَصَايَا حَكِيمَةٌ بِمَا فِيهَا مِنْ نِظَامٍ صَارِمٍ لِلْعِبَادَةِ، وَتَوَاضُعٍ كَاذِبٍ، وَتَعْذِيبٍ لِلْجِسْمِ، لَكِنَّهَا لَا تَنْفَعُ أَبَدًا فِي ضَبْطِ شَهَوَاتِ الطَّبِيعَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ. أَنْتُمْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ، لِذَلِكَ اطْلُبُوا مَا هُوَ فِي السَّمَاءِ، حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللهِ. اِهْتَمُّوا بِالْأُمُورِ السَّمَائِيَّةِ لَا بِالْأُمُورِ الَّتِي فِي الْأَرْضِ، لِأَنَّكُمْ مُتُّمْ وَالْآنَ حَيَاتُكُمْ مَسْتُورَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللهِ. الْمَسِيحُ هُوَ حَيَاتُكُمْ، وَعِنْدَمَا يَأْتِي ثَانِيَةً، سَتَأْتُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ فِي جَلَالِهِ. إِذَنْ يَجِبُ أَنْ تُمِيتُوا الْمُيُولَ الدَّنِيئَةَ الَّتِي فِيكُمْ: الزِّنَى، وَالنَّجَاسَةَ، وَالشَّهْوَةَ، وَالرَّغْبَةَ الشِّرِّيرَةَ، وَالطَّمَعَ الَّذِي هُوَ نَوْعٌ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ. لِأَنَّهُ بِسَبَبِ هَذِهِ الْأُمُورِ سَيَحِلُّ غَضَبُ اللهِ عَلَى الَّذِينَ لَا يُطِيعُونَهُ. وَكَانَتْ هَذِهِ حَالَتَكُمْ أَنْتُمْ، لَمَّا كُنْتُمْ تَعِيشُونَ فِي هَذِهِ الرَّذَائِلِ. أَمَّا الْآنَ فَيَجِبُ أَيْضًا أَنْ تُبْعِدُوا عَنْكُمُ الْغَضَبَ وَالْهَيَجَانَ وَالْخُبْثَ وَالشَّتِيمَةَ وَالْكَلَامَ الْقَبِيحَ. لَا تَكْذِبُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ. فَأَنْتُمْ نَزَعْتُمْ عَنْكُمُ الطَّبِيعَةَ الْقَدِيمَةَ وَأَعْمَالَهَا، وَلَبِسْتُمُ الطَّبِيعَةَ الْجَدِيدَةَ الَّتِي خَلَقَهَا اللهُ وَالَّتِي تَنْمُو فِي مَعْرِفَتِهِ لِتَكُونُوا حَسَبَ صِفَاتِ الْخَالِقِ. وَفِي هَذَا لَا يُوجَدُ فَرْقٌ بَيْنَ يُونَانِيٍّ وَيَهُودِيٍّ، بَيْنَ مَخْتُونٍ وَغَيْرِ مَخْتُونٍ، بَيْنَ أَجْنَبِيٍّ وَبَدَوِيٍّ، بَيْنَ عَبْدٍ وَحُرٍّ. الْمُهِمُّ هُوَ الْمَسِيحُ، وَالْمَسِيحُ هُوَ فِي الْكُلِّ. إِنَّ اللهَ اخْتَارَكُمْ أَنْتُمْ شَعْبَهُ الْمُخَصَّصَ لَهُ، وَهُوَ يُحِبُّكُمْ. إِذَنْ تَحَلَّوْا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ: الْحَنَانِ وَاللُّطْفِ وَالتَّوَاضُعِ وَالْوَدَاعَةِ وَالصَّبْرِ. اِحْتَمِلُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَسَامِحُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. إِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ وَاحِدٌ، سَامِحْهُ كَمَا سَامَحَكَ الْمَسِيحُ. وَأَهَمُّ كُلِّ شَيْءٍ تَحَلَّوْا بِالْمَحَبَّةِ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَرْبِطُ الْكُلَّ فِي وَحْدَةٍ تَامَّةٍ. اللهُ دَعَاكُمْ إِلَى سَلَامِ الْمَسِيحِ كَأَعْضَاءٍ فِي جِسْمٍ وَاحِدٍ، فَلْيَمْلِكْ هَذَا السَّلَامُ فِي قُلُوبِكُمْ، وَكُونُوا شَاكِرِينَ. يَجِبُ أَنْ تَسْتَقِرَّ كَلِمَةُ الْمَسِيحِ بِكُلِّ غِنَاهَا فِيكُمْ. عَلِّمُوا وَأَرْشِدُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِكُلِّ حِكْمَةٍ. غَنُّوا للهِ بِقُلُوبٍ شَاكِرَةٍ، بِالْمَزَامِيرِ وَالتَّسَابِيحِ وَالْأَغَانِي الَّتِي بِالرُّوحِ. وَكُلُّ شَيْءٍ تَقُولُونَهُ أَوْ تَفْعَلُونَهُ، لِيَكُنْ بِاسْمِ سَيِّدِنَا عِيسَـى، وَبِوَاسِطَةِ عِيسَـى اشْكُرُوا اللهَ الْأَبَ. أَيَّتُهَا الزَّوْجَاتُ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ يَجِبُ أَنْ تَخْضَعَ لِزَوْجِهَا، فَهَذَا وَاجِبٌ عَلَى الزَّوْجَةِ الْمُؤْمِنَةِ بِالْمَسِيحِ. أَيُّهَا الْأَزْوَاجُ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يَجِبُ أَنْ يُحِبَّ زَوْجَتَهُ، وَلَا يَكُونَ قَاسِيًا عَلَيْهَا. أَيُّهَا الْأَوْلَادُ، أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِأَنَّ هَذَا يُرْضِي الْمَسِيحَ. أَيُّهَا الْآبَاءُ، لَا تَغِيظُوا أَوْلَادَكُمْ لِئَلَّا يَفْشَلُوا. أَيُّهَا الْعَبِيدُ، أَطِيعُوا أَسْيَادَكُمْ مِنَ الْبَشَرِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لَيْسَ فَقَطْ وَهُمْ يُرَاقِبُونَكُمْ لِكَيْ يَرْضَوْا عَنْكُمْ، بَلْ بِقَلْبٍ مُخْلِصٍ لِأَنَّكُمْ تَخَافُونَ الْمَسِيحَ. وَكُلُّ شَيْءٍ تَعْمَلُونَهُ، اِعْمَلُوهُ بِكُلِّ الْقَلْبِ كَمَا لَوْ كُنْتُمْ تَخْدِمُونَ الْمَسِيحَ وَلَيْسَ النَّاسَ. وَتَذَكَّرُوا أَنَّهُ سَيُعْطِيكُمْ نَصِيبًا مِنْ عِنْدِهِ كَأَجْرٍ لَكُمْ، لِأَنَّ الْمَسِيحَ هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي تَخْدِمُونَهُ. أَمَّا الَّذِي يَعْمَلُ الشَّرَّ فَسَيَنَالُ جَزَاءَ شَرِّهِ، لِأَنَّ اللهَ لَا يَتَحَيَّزُ لِأَحَدٍ. أَيُّهَا الْأَسْيَادُ، عَامِلُوا عَبِيدَكُمْ بِالْعَدْلِ وَالْمُسَاوَاةِ وَتَذَكَّرُوا أَنَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا فَوْقَكُمْ سَيِّدٌ فِي السَّمَاءِ. صَلُّوا دَائِمًا، وَفِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ كُونُوا صَاحِينَ وَشَاكِرِينَ. صَلُّوا أَيْضًا مِنْ أَجْلِنَا، لِكَيْ يَفْتَحَ اللهُ لَنَا بَابًا لِنُبَلِّغَ الرِّسَالَةَ، فَنُبَشِّرَ بِسِرِّ الْمَسِيحِ. أَنَا مَسْجُونٌ بِسَبَبِ هَذَا. وَصَلُّوا لِكَيْ أُبَشِّرَ بِهِ بِوُضُوحٍ كَمَا يَجِبُ. تَصَرَّفُوا بِحِكْمَةٍ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَاغْتَنِمُوا كُلَّ فُرْصَةٍ تَتَوَفَّرُ لَكُمْ. لِيَكُنْ كَلَامُكُمْ دَائِمًا لَطِيفًا وَلَهُ تَأْثِيرٌ حَسَنٌ، لِكَيْ تَعْرِفُوا أَنْ تُجَاوِبُوا كُلَّ وَاحِدٍ كَمَا يَجِبُ. الشَّدِيدُ سَيُعَرِّفُكُمْ بِكُلِّ أَخْبَارِي. هُوَ أَخِيَ الْمَحْبُوبُ، وَمُسَاعِدِيَ الْمُخْلِصُ، وَزَمِيلِي فِي خِدْمَةِ الْمَسِيحِ. وَأَنَا أَرْسَلْتُهُ إِلَيْكُمْ لِهَذَا السَّبَبِ، لِيُعَرِّفَكُمْ أَحْوَالَنَا كُلِّنَا وَيُشَجِّعَكُمْ. وَمَعَهُ الْأَخُ الْمَحْبُوبُ وَالْأَمِينُ نَافِعٌ الَّذِي هُوَ وَاحِدٌ مِنْكُمْ. هُمَا سَيُعَرِّفَانِكُمْ بِكُلِّ مَا يَحْصُلُ هُنَا. الْأَخُ رِسْتُرْكِيُ الْمَسْجُونُ مَعِي يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ. وَكَذَلِكَ مَرْقُسُ قَرِيبُ بَرْنَابَا. أَنَا بَعَثْتُ لَكُمْ تَعْلِيمَاتٍ بِشَأْنِ مَرْقُسَ. فَإِنْ جَاءَ عِنْدَكُمْ، رَحِّبُوا بِهِ. يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أَيْضًا يَشُوعُ الْمُسَمَّى الصِّدِّيقَ. مِنْ بَيْنِ كُلِّ الْيَهُودِ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْمَسِيحِ، هَؤُلَاءِ وَحْدَهُمْ يَخْدِمُونَ مَعِي فِي سَبِيلِ مَمْلَكَةِ اللهِ. إِنَّهُمْ عَزَاءٌ كَبِيرٌ لِي. يُسَـلِّمُ عَلَيْكُمْ أَبُو فِرَاسٍ خَـادِمُ الْمَسِـيحِ، وَالَّذِي هُـوَ وَاحِـدٌ مِنْكُمْ. وَهُـوَ دَائِمًا يُصَـلِّي مِنْ أَجْـلِكُمْ بِاجْتِهَـادٍ لِكَيْ تَثْبُتُوا كَامِلِينَ وَعِنْدَكُمْ ثِقَةٌ تَامَّةٌ مِنْ جِهَةِ كُلِّ مَشِـيئَةِ اللهِ. وَإِنِّي أَشْهَـدُ لَهُ أَنَّهُ يَتْعَـبُ كَثِيرًا مِنْ أَجْـلِكُمْ، وَمِنْ أَجْـلِ الَّذِينَ فِي لَاوُدِكِيَّةَ، وَالَّذِينَ فِي هِـرَابُلِسَ. يُسَـلِّمُ عَلَيْكُمْ لُوقَا الطَّـبِيبُ الْمَحْبُوبُ، وَكَذَلِكَ دِيمَـاسُ. سَـلِّمُوا عَلَى الْإِخْـوَةِ فِي لَاوُدِكِيَّةَ، وَعَلَى الْأُخْـتِ نِمْفَاسَ وَالْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَجْـتَمِعُونَ فِي دَارِهَا. بَعْدَمَا تَقْرَأُونَ هَـذِهِ الرِّسَـالَةَ عِنْدَكُمْ، أَرْسِـلُوهَا إِلَى الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ فِي لَاوُدِكِيَّةَ لِيَقْرَأُوهَـا هُـنَاكَ أَيْضًا، وَالرِّسَـالَةُ الَّتِي فِي لَاوُدِكِيَّةَ اقْرَأُوهَـا أَنْتُمْ كَذَلِكَ. قُولُوا لِأَرْشِـيبِي: ”يَجِبُ أَنْ تُكَمِّلَ الْخِدْمَةَ الَّتِي اسْتَأْمَنَكَ الْمَسِيحُ عَلَيْهَا.“ وَالْآنَ، أَنَا أَكْتُبُ لَكُمْ هَذِهِ التَّحِيَّةَ بِخَطِّ يَدِي: سَـلَامٌ مِنِّي أَنَا بُولُسَ، تَذَكَّرُوا أَنِّي مَسْجُـونٌ. نِعْمَةُ اللهِ مَعَكُمْ. مِنْ: بُولُسَ وَسِيلَا وَتِيمُوتَاوُسَ. إِلَى: جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَسَالُونْكِي، الَّذِينَ يَنْتَمُونَ إِلَى اللهِ أَبِينَا وَعِيسَى الْمَسِيحِ مَوْلَانَا. عَلَيْكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلَامُ. نَحْنُ نَشْكُرُ اللهَ دَائِمًا مِنْ أَجْلِكُمْ جَمِيعًا، وَدَائِمًا نَذْكُرُكُمْ فِي صَلَوَاتِنَا. لِأَنَّنَا نَتَذَكَّرُ دَائِمًا فِي مَحْضَرِ إِلَهِنَا وَأَبِينَا كَيْفَ أَنَّ أَعْمَالَكُمْ تَدُلُّ عَلَى الْإِيمَانِ، وَأَنَّ جِهَادَكُمْ يَدُلُّ عَلَى الْمَحَبَّةِ، وَأَنَّ ثَبَاتَكُمْ يَدُلُّ عَلَى الرَّجَاءِ فِي عِيسَى الْمَسِيحِ مَوْلَانَا. أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْأَحِبَّاءُ، نَحْنُ نَعْرِفُ أَنَّ اللهَ اخْتَارَكُمْ لَهُ. لِأَنَّنَا لَمَّا بَشَّرْنَاكُمْ بِالْإِنْجِيلِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِالْكَلَامِ وَحْدَهُ، بَلْ أَيْضًا بِقُوَّةٍ، وَبِالرُّوحِ الْقُدُّوسِ، وَبِإِقْنَاعٍ قَوِيٍّ. وَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَ أَنَّنَا لَمَّا كُنَّا عِنْدَكُمْ تَصَرَّفْنَا بِمَا فِيهِ الْخَيْرُ لَكُمْ. فَاقْتَدَيْتُمْ بِنَا وَبِالْمَسِيحِ. وَمَعَ أَنَّكُمْ وَاجَهْتُمْ ضِيقَاتٍ شَدِيدَةً لَكِنَّكُمْ قَبِلْتُمُ الرِّسَالَةَ بِفَرَحِ الرُّوحِ الْقُدُّوسِ. فَأَصْبَحْتُمْ مِثَالًا يَقْتَدِي بِهِ كُلُّ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ فِي مَقْدُونْيَا وَفِي أَخَائِيَةَ. لِأَنَّكُمْ أَذَعْتُمْ رِسَالَةَ الْمَسِيحِ لَا فِي مَقْدُونْيَا وَأَخَائِيَةَ فَقَطْ، بَلْ وَصَلَتْ أَخْبَارُ إِيمَانِكُمْ بِاللهِ إِلَى كُلِّ مَكَانٍ. فَلَا يُوجَدُ شَيْءٌ آخَرُ نَحْتَاجُ أَنْ نَقُولَهُ لِلنَّاسِ بِهَذَا الشَّأْنِ. فَهُمْ يُخْبِرُونَ كَيْفَ أَنَّكُمْ رَحَّبْتُمْ بِنَا وَاهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ، وَتَرَكْتُمُ الْأَصْنَامَ لِتَعْبُدُوا اللهَ الْحَيَّ الْحَقَّ، وَتَنْتَظِرُوا أَنْ يَأْتِيَ مِنَ السَّمَاءِ ابْنُهُ الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الْمَوْتِ، عِيسَى الَّذِي يُنَجِّينَا مِنَ الْغَضَبِ الْآتِي. أَنْتُمْ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ تَعْرِفُونَ أَنَّ زِيَارَتَنَا لَكُمْ لَمْ تَكُنْ فَاشِلَةً. بَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّنَا قَبْلَ مَا حَضَرْنَا عِنْدَكُمْ، أَسَاءُوا إِلَيْنَا جِدًّا فِي فِيلِبِّي وَأَهَانُونَا. وَمَعَ أَنَّنَا وَاجَهْنَا مُعَارَضَةً شَدِيدَةً، لَكِنَّ إِلَهَنَا أَعْطَانَا الْجَرَاءَةَ لِنُبَشِّرَكُمْ بِإِنْجِيلِهِ. نَحْنُ فِي وَعْظِنَا لَا نَسْتَعْمِلُ التَّضْلِيلَ وَلَا الْإِغْرَاءَ وَلَا الِاحْتِيَالَ. بَلْ إِنَّ اللهَ اخْتَبَرَنَا وَاسْتَأْمَنَنَا عَلَى الْإِنْجِيلِ. فَنَحْنُ نُبَشِّرُ لَا لِنُرْضِيَ النَّاسَ، بَلِ اللهَ الَّذِي يَفْحَصُ قُلُوبَنَا. وَكَلَامُنَا كَمَا تَعْلَمُونَ، لَمْ يَكُنْ كَلَامًا مَعْسُولًا، وَلَا كَانَ غِطَاءً لِلطَّمَعِ، اللهُ يَشْهَدُ لَنَا. وَلَا حَاوَلْنَا أَنْ نَحْصُلَ عَلَى مَدِيحِ النَّاسِ، لَا أَنْتُمْ وَلَا غَيْرُكُمْ. كَانَ مِنْ حَقِّنَا أَنْ نَطْلُبَ مِنْكُمُ الْكَثِيرَ، لِأَنَّنَا رُسُلُ الْمَسِيحِ. لَكِنْ لَمَّا كُنَّا عِنْدَكُمْ، كُنَّا لُطَفَاءَ مَعَكُمْ مِثْلَ أُمٍّ تَحْنُو عَلَى أَطْفَالِهَا. نَحْنُ أَحْبَبْنَاكُمْ لِدَرَجَةِ أَنَّنَا رَغِبْنَا بِكُلِّ سُرُورٍ أَنْ نُعْطِيَكُمْ، لَا الْإِنْجِيلَ وَحْدَهُ، بَلْ أَنْفُسَنَا أَيْضًا، لِأَنَّكُمْ صِرْتُمْ أَعِزَّاءَ عَلَيْنَا جِدًّا. فَأَنْتُمْ تَذْكُرُونَ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ، كَيْفَ خَدَمْنَا وَتَعِبْنَا، لِأَنَّنَا بَيْنَمَا كُنَّا نُبَلِّغُكُمْ بُشْرَى اللهِ، كُنَّا نَعْمَلُ فِي مِهْنَتِنَا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِكَيْ لَا نَكُونَ حِمْلًا عَلَى أَيِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ. وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ، وَاللهُ نَفْسُهُ يَشْهَدُ، كَيْفَ كُنَّا نَتَصَرَّفُ بَيْنَكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ، بِالطَّهَارَةِ وَالتَّقْوَى وَبِلَا عَيْبٍ. وَتَعْرِفُونَ أَنَّنَا عَامَلْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ كَمَا يُعَامِلُ الْأَبُ أَوْلَادَهُ. فَكُنَّا نُشَجِّعُكُمْ وَنُعَزِّيكُمْ وَنَطْلُبُ مِنْكُمْ بِإِلْحَاحٍ أَنْ تَعِيشُوا كَمَا يَلِيقُ بِاللهِ الَّذِي يَدْعُوكُمْ إِلَى مَمْلَكَتِهِ وَجَلَالِهِ. كَمَا نَشْكُرُ اللهَ أَيْضًا بِاسْتِمْرَارٍ لِأَنَّكُمْ لَمَّا سَمِعْتُمْ رِسَالَةَ اللهِ الَّتِي بَلَّغْنَاهَا لَكُمْ، قَبِلْتُمُوهَا لَا كَأَنَّهَا رِسَالَةٌ مِنَ الْبَشَرِ، بَلْ كَمَا هِيَ بِالْحَقِيقَةِ، رِسَالَةُ اللهِ الَّتِي تَعْمَلُ فِيكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ. فَصِرْتُمْ يَا إِخْوَتِي، مِثْلَ جَمَاعَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فِي بِلَادِ يَهُوذَا، أَيْ شَعْبِ الْمَسِيحِ عِيسَى هُنَاكَ. فَالْيَهُودُ اضْطَهَدُوهُمْ، وَأَنْتُمْ أَيْضًا، أَبْنَاءُ أُمَّتِكُمُ اضْطَهَدُوكُمْ. إِنَّ الْيَهُودَ هُمُ الَّذِينَ قَتَلُوا سَيِّدَنَا عِيسَى وَالْأَنْبِيَاءَ، وَالْآنَ هُمْ يَضْطَهِدُونَا نَحْنُ أَيْضًا. فَهُمْ يَعْمَلُونَ مَا لَا يُرْضِي اللهَ وَيُعَادُونَ كُلَّ النَّاسِ. وَيُحَاوِلُونَ أَنْ يَمْنَعُونَا مِنْ أَنْ نُقَدِّمَ رِسَالَةَ النَّجَاةِ لِغَيْرِ الْيَهُودِ. وَبِهَذَا يَزِيدُونَ ذُنُوبَهُمْ إِلَى النِّهَايَةِ. لِذَلِكَ أَخِيرًا نَزَلَ عَلَيْهِمْ غَضَبُ اللهِ. أَيُّهَا الْإِخْوَةُ، نَحْنُ لَمَّا افْتَرَقْنَا عَنْكُمْ، لَمْ تَمْضِ إِلَّا فَتْرَةٌ قَصِيرَةٌ ثُمَّ بَدَأْنَا نَشْتَاقُ إِلَيْكُمْ جِدًّا، وَرَغِبْنَا فِي أَنْ نَرَاكُمْ. وَمَعَ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ بَعِيدِينَ عَنْ عُيُونِنَا لَكِنْ لَيْسَ عَنْ قُلُوبِنَا. فَأَرَدْنَا أَنْ نَحْضُرَ لِزِيَارَتِكُمْ. فِي الْحَقِيقَةِ أَنَا بُولُسَ حَاوَلْتُ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ، لَكِنَّ الشَّيْطَانَ أَعَاقَنَا. لِأَنَّهُ عِنْدَمَا يَأْتِي سَيِّدُنَا عِيسَى ثَانِيَةً، مَنْ سَيَكُونُ أَمَلَنَا وَفَرَحَنَا؟ أَنْتُمْ بِلَا شَكٍّ. نَعَمْ أَنْتُمْ سَتَكُونُونَ إِكْلِيلَنَا الَّذِي نَفْخَرُ بِهِ قُدَّامَهُ. حَقًّا أَنْتُمْ فَخْرُنَا وَفَرَحُنَا. وَأَخِيرًا لَمْ نَقْدِرْ أَنْ نَحْتَمِلَ أَكْثَرَ، لِذَلِكَ قَرَّرْنَا أَنْ نَنْتَظِرَ وَحْدَنَا فِي أَثِينَا. فَأَرْسَلْنَا تِيمُوتَاوُسَ أَخَانَا وَالَّذِي يَعْمَلُ مَعَنَا فِي خِدْمَةِ اللهِ لِنَشْرِ إِنْجِيلِ الْمَسِيحِ. أَرْسَلْنَاهُ لِكَيْ يُثَبِّتَكُمْ وَيُقَوِّيَكُمْ فِي الْإِيمَانِ، حَتَّى لَا يَتَرَاجَعَ أَحَدٌ بِسَبَبِ هَذِهِ الضِّيقَاتِ. أَنْتُمْ أَنْفُسُكُمْ تَعْرِفُونَ أَنَّهَا مِنْ نَصِيبِنَا. لِأَنَّنَا لَمَّا كُنَّا عِنْدَكُمْ أَخْبَرْنَاكُمْ أَنَّنَا سَنُعَانِي الِاضْطِهَادَ. وَحَدَثَ هَذَا بِالْفِعْلِ كَمَا تَعْلَمُونَ. هَذَا هُوَ السَّبَبُ أَنِّي لَمَّا لَمْ أَقْدِرْ أَنْ أَحْتَمِلَ أَكْثَرَ، أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ لِكَيْ أَعْرِفَ أَحْوَالَ إِيمَانِكُمْ، لِئَلَّا يَكُونَ إِبْلِيسُ أَغْوَاكُمْ وَضَاعَ تَعَبُنَا هَبَاءً. وَالْآنَ رَجَعَ تِيمُوتَاوُسُ مِنْ عِنْدِكُمْ، وَأَحْضَرَ لَنَا الْأَخْبَارَ الطَّيِّبَةَ عَنْ إِيمَانِكُمْ وَمَحَبَّتِكُمْ. وَأَخْبَرَنَا أَنَّكُمْ تَذْكُرُونَا دَائِمًا بِالْخَيْرِ، وَمُشْتَاقُونَ أَنْ تَرَوْنَا كَمَا نَشْتَاقُ نَحْنُ أَنْ نَرَاكُمْ. لِذَلِكَ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ، صَارَ إِيمَانُكُمْ مُشَجِّعًا كَبِيرًا لَنَا فِي وَسَطِ أَحْزَانِنَا وَآلَامِنَا. طَابَتْ لَنَا الْحَيَاةُ مَا دُمْتُمْ ثَابِتِينَ فِي الْمَسِيحِ. نَحْنُ نَفْرَحُ بِكُمْ جِدًّا فِي مَحْضَرِ إِلَهِنَا، وَكَيْفَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نُقَدِّمَ للهِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الشُّكْرِ مِنْ أَجْلِ كُلِّ هَذَا الْفَرَحِ؟ إِنَّنَا نَتَوسَّلُ إِلَيْهِ بِإِلْحَاحٍ لَيْلًا وَنَهَارًا لِكَيْ نَرَاكُمْ شَخْصِيًّا وَلِكَيْ نُزَوِّدَكُمْ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ إِيمَانُكُمْ. أَسْأَلُ إِلَهَنَا وَأَبَانَا نَفْسَهُ وَمَوْلَانَا عِيسَى أَنْ يَفْتَحَ الطَّرِيقَ لَنَا لِنَحْضُرَ عِنْدَكُمْ. أَسْأَلُ الْمَسِيحَ أَنْ يَجْعَلَ مَحَبَّةَ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ وَلِكُلِّ النَّاسِ تَزِيدُ وَتَفِيضُ بِغَزَارَةٍ كَمَحَبَّتِنَا لَكُمْ، وَأَنْ يُثَبِّتَ قُلُوبَكُمْ لِتَكُونُوا صَالِحِينَ وَبِلَا عَيْبٍ أَمَامَ إِلَهِنَا وَأَبِينَا عِنْدَمَا يَأْتِي سَيِّدُنَا عِيسَى مَعَ كُلِّ أَوْلِيَائِهِ الصَّالِحِينَ. وَأَخِيرًا يَا إِخْوَتِي، نَسْأَلُكُمْ وَنَرْجُوكُمْ بِاسْمِ سَيِّدِنَا عِيسَى أَنْ تَعِيشُوا بِمَا يُرْضِي اللهَ، كَمَا تَعَلَّمْتُمْ مِنَّا وَكَمَا تَعْمَلُونَ فِعْلًا، إِنَّمَا تَقَدَّمُوا أَكْثَرَ فِي هَذَا. أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ الْإِرْشَادَاتِ الَّتِي أَعْطَيْنَاهَا لَكُمْ بِأَمْرِ سَيِّدِنَا عِيسَى: إِنَّ اللهَ يُرِيدُ أَنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ، فَيَجِبُ أَنْ تَمْتَنِعُوا تَمَامًا عَنِ الزِّنَى. وَأَنْ يَضْبِطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ جِسْمَهُ بِطَهَارَةٍ وَشَرَفٍ، وَلَا يَنْسَاقَ لِلشَّهْوَةِ كَالْأَشْرَارِ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ اللهَ. وَلَا يَتَعَدَّى أَحَدٌ عَلَى أَخِيهِ أَوْ يُسِيءَ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْأَمْرِ. وَنَحْنُ عَرَّفْنَاكُمْ مِنْ قَبْلُ وَحَذَّرْنَاكُمْ بِشِدَّةٍ، أَنَّ اللهَ يَنْتَقِمُ مِنْ كُلِّ مَنْ يَفْعَلُ هَذِهِ الشُّرُورَ. لِأَنَّ اللهَ دَعَانَا لَا لِنَكُونَ نَجِسِينَ، بَلْ لِنَحْيَا حَيَاةً طَاهِرَةً. إِذَنْ أَيُّ وَاحِدٍ يَرْفُضُ هَذَا التَّعْلِيمَ، فَهُوَ لَا يَرْفُضُ النَّاسَ، بَلِ اللهَ الَّذِي يُعْطِيكُمْ رُوحَهُ الْقُدُّوسَ. وَأَنْتُمْ لَا تَحْتَاجُونَ أَنْ أَكْتُبَ لَكُمْ بِشَأْنِ مَحَبَّتِكُمْ لِلْإِخْوَةِ الْمُؤْمِنِينَ، لِأَنَّ اللهَ عَلَّمَكُمْ أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. وَفِعْلًا أَنْتُمْ تُحِبُّونَ جَمِيعَ الْإِخْوَةِ فِي مَقْدُونْيَا كُلِّهَا. لَكِنَّنَا نَرْجُوكُمْ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ أَنْ تَفْعَلُوا هَذَا أَكْثَرَ، وَأَنْ تَحْرِصُوا عَلَى أَنْ تَعِيشُوا حَيَاةً هَادِئَةً، وَأَنْ لَا تَتَدَخَّلُوا فِي أُمُورِ الْغَيْرِ، وَأَنْ تَكْسِبُوا رِزْقَكُمْ بِعَرَقِ جَبِينِكُمْ كَمَا عَلَّمْنَاكُمْ. بِذَلِكَ يَحْتَرِمُكُمْ غَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا تَعْتَمِدُونَ عَلَى أَحَدٍ لِسَدَادِ احْتِيَاجَاتِكُمْ. وَنُرِيدُكُمْ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ أَنْ تَعْرِفُوا مَا سَيَحْدُثُ لِلَّذِينَ مَاتُوا، لِكَيْ لَا تَحْزَنُوا كَالْآخَرِينَ الَّذِينَ لَيْسَ عِنْدَهُمْ أَمَلٌ. نَحْنُ نُؤْمِنُ أَنَّ عِيسَى مَاتَ ثُمَّ قَامَ مِنَ الْمَوْتِ، وَكَذَلِكَ نُؤْمِنُ أَنَّ الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ مُؤْمِنُونَ بِهِ، سَيُقِيمُهُمُ اللهُ لِيَأْتُوا مَعَ عِيسَى. نَحْنُ نُخْبِرُكُمْ بِالْكَلَامِ الَّذِي قَالَهُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ، وَهُوَ أَنَّنَا نَحْنُ الَّذِينَ نَبْقَى أَحْيَاءً حِينَ يَأْتِي، لَنْ نَسْبِقَ الَّذِينَ مَاتُوا. لِأَنَّ الْهُتَافَ يُدَوِّي، وَرَئِيسَ الْمَلَائِكَةِ يُنَادِي، وَبُوقَ اللهِ يَضْرِبُ، وَيَأْتِي الْمَسِيحُ نَفْسُهُ مِنَ السَّمَاءِ. فَأَوَّلًا يَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ الَّذِينَ مَاتُوا، ثُمَّ نَحْنُ الَّذِينَ نَبْقَى أَحْيَاءً نُخْطَفُ مَعَهُمْ فِي السَّحَابِ لِنُقَابِلَ الْمَسِيحَ فِي الْهَوَاءِ، وَبِذَلِكَ نَكُونُ مَعَهُ إِلَى الْأَبَدِ. إِذَنْ شَجِّعُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِهَذَا الْكَلَامِ. أَيُّهَا الْإِخْوَةُ، أَنْتُمْ لَا تَحْتَاجُونَ أَنْ أَكْتُبَ لَكُمْ بِشَأْنِ تَوَارِيخِ وَمَوَاعِيدِ هَذِهِ الْأُمُورِ. فَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ جَيِّدًا أَنَّ يَوْمَ رَبِّنَا سَيَأْتِي كَمَا يَأْتِي لِصٌّ فِي اللَّيْلِ. فَبَيْنَمَا يَقُولُ النَّاسُ: ”كُلُّ شَيْءٍ فِي سَلَامٍ وَأَمَانٍ“ يَهْلِكُونَ فَجْأَةً، كَمَا تُفَاجِئُ آلَامُ الْوِلَادَةِ الْمَرْأَةَ الْحُبْلَى، فَلَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَهْرُبُوا. أَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ، فَلَسْتُمْ فِي الظَّلَامِ، وَذَلِكَ الْيَوْمُ لَنْ يُفَاجِئَكُمْ كَلِصٍّ. أَنْتُمْ جَمِيعًا أَهْلُ النُّورِ وَأَهْلُ النَّهَارِ. نَحْنُ لَسْنَا أَهْلَ اللَّيْلِ أَوِ الظَّلَامِ. فَيَجِبُ أَنْ لَا نَنَامَ كَمَا يَفْعَلُ الْآخَرُونَ، بَلْ نَسْهَرَ وَنَضْبِطَ أَنْفُسَنَا. لِأَنَّهُ فِي اللَّيْلِ يَنَامُ الَّذِينَ يَنَامُونَ، وَيَسْكَرُ الَّذِينَ يَسْكَرُونَ. أَمَّا نَحْنُ فَإِنَّنَا أَهْلُ النَّهَارِ وَيَجِبُ أَنْ نَضْبِطَ أَنْفُسَنَا، وَنَلْبَسَ الْإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ كَدِرْعٍ يَحْمِي الصَّدْرَ، وَالْأَمَلَ فِي النَّجَاةِ كَخُوذَةٍ تَحْمِي الرَّأْسَ. لِأَنَّ اللهَ اخْتَارَنَا لَا لِنُقَاسِيَ غَضَبَهُ، بَلْ لِنَحْصُلَ عَلَى النَّجَاةِ بِوَاسِطَةِ مَوْلَانَا عِيسَى الْمَسِيحِ. فَالْمَسِيحُ مَاتَ مِنْ أَجْلِنَا لِكَيْ نَحْيَا مَعَهُ، سَوَاءٌ كُنَّا أَحْيَاءً أَوْ أَمْوَاتًا عِنْدَ مَجِيئِهِ. إِذَنْ شَجِّعُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَشَدِّدُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا، كَمَا تَعْمَلُونَ بِالْفِعْلِ. وَنَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ، أَنْ تَحْتَرِمُوا الَّذِينَ يَتْعَبُونَ بَيْنَكُمْ، الَّذِينَ هُمْ قَادَةٌ وَمُعَلِّمُونَ لَكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ مَعَ الْمَسِيحِ. اِحْتَرِمُوهُمْ جِدًّا وَأَحِبُّوهُمْ مِنْ أَجْلِ الْخِدْمَةِ الَّتِي يَقُومُونَ بِهَا. عِيشُوا مَعًا بِالسَّلَامِ. وَنَطْلُبُ مِنْكُمْ هَذَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ: أَنْذِرُوا الْكَسَالَى، شَجِّعُوا الْخَائِفِينَ، سَاعِدُوا الضُّعَفَاءَ، اِصْبِرُوا مَعَ الْجَمِيعِ. لَا تُجَازُوا عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ، بَلِ اسْعَوْا دَائِمًا لِعَمَلِ الْخَيْرِ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ وَلِجَمِيعِ النَّاسِ. كُونُوا دَائِمًا فَرْحَانِينَ، صَلُّوا بِاسْتِمْرَارٍ، اِحْمَدُوا اللهَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، لِأَنَّ هَذَا هُوَ مَا يُرِيدُهُ اللهُ مِنْكُمْ كَمُؤْمِنِينَ بِالْمَسِيحِ عِيسَى. لَا تُطْفِئُوا نَارَ الرُّوحِ، وَلَا تَحْتَقِرُوا مَوْهِبَةَ النُّبُوَّةِ. اِمْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ، تَمَسَّكُوا بِمَا هُوَ حَسَنٌ، وَتَجَنَّبُوا كُلَّ أَنْوَاعِ الشَّرِّ. أَسْأَلُ اللهَ نَفْسَهُ الَّذِي يُعْطِي السَّلَامَ أَنْ يَجْعَلَكُمْ صَالِحِينَ إِلَى التَّمَامِ، وَيَحْفَظَ كِيَانَكُمْ كُلَّهُ، الرُّوحَ وَالنَّفْسَ وَالْجِسْمَ، بِلَا عَيْبٍ إِلَى مَجِيءِ مَوْلَانَا عِيسَى الْمَسِيحِ. الَّذِي دَعَاكُمْ أَمِينٌ فَهُوَ سَيَفْعَلُ هَذَا. أَيُّهَا الْإِخْوَةُ، صَلُّوا مِنْ أَجْلِنَا. سَلِّمُوا عَلَى جَمِيعِ الْإِخْوَةِ بِقُبْلَةٍ طَاهِرَةٍ. أُوصِيكُمْ أَمَامَ الْمَسِيحِ أَنْ تَقْرَأُوا هَذِهِ الرِّسَالَةَ لِجَمِيعِ الْإِخْوَةِ. نِعْمَةُ عِيسَى الْمَسِيحِ مَوْلَانَا مَعَكُمْ. مِنْ: بُولُسَ وَسِيلَا وَتِيمُوتَاوُسَ إِلَى: جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَسَالُونْكِي، الَّذِينَ يَنْتَمُونَ إِلَى اللهِ أَبِينَا وَعِيسَى الْمَسِيحِ مَوْلَانَا. عَلَيْكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلَامُ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَمَوْلَانَا عِيسَى الْمَسِيحِ. نَحْنُ يَجِبُ أَنْ نَشْكُرَ اللهَ دَائِمًا مِنْ أَجْلِكُمْ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ. وَهَذَا لَازِمٌ، لِأَنَّ إِيمَانَكُمْ يَنْمُو كَثِيرًا، وَمَحَبَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ تَزِيدُ. لِذَلِكَ نَفْتَخِرُ بِكُمْ بَيْنَ جَمَاعَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، لِثَبَاتِكُمْ وَإِيمَانِكُمْ فِي كُلِّ الِاضْطِهَادَاتِ وَالضِّيقَاتِ الَّتِي تَحْتَمِلُونَهَا. وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللهَ عَادِلٌ فِي قَضَائِهِ، وَقَصْدُهُ أَنْ تُعْتَبَرُوا أَهْلًا لِمَمْلَكَتِهِ الَّتِي تَتَأَلَّمُونَ مِنْ أَجْلِهَا. وَبِمَا أَنَّ اللهَ عَادِلٌ، فَالَّذِينَ يُضَايِقُونَكُمْ سَيُجَازِيهِمْ ضِيقًا، أَمَّا أَنْتُمُ الَّذِينَ تَتَأَلَّمُونَ، وَنَحْنُ أَيْضًا، فَسَيُعْطِينَا جَمِيعًا رَاحَةً. وَذَلِكَ عِنْدَمَا يَأْتِي سَيِّدُنَا عِيسَى مِنَ السَّمَاءِ مَعَ مَلَائِكَتِهِ الْجَبَابِرَةِ وَسْطَ نَارٍ مُشْتَعِلَةٍ، لِيُعَاقِبَ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ اللهَ وَلَا يُطِيعُونَ إِنْجِيلَ مَوْلَانَا عِيسَى. وَعِقَابُهُمْ هُوَ الْهَلَاكُ الْأَبَدِيُّ، وَالطَّرْدُ بَعِيدًا عَنِ الْمَسِيحِ وَعَنْ جَلَالِهِ وَقُدْرَتِهِ. وَهَذَا عِنْدَمَا يَأْتِي رَبُّنَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، لِكَيْ يُمَجِّدَهُ أَوْلِيَاؤُهُ الصَّالِحُونَ، وَيُعَبِّرَ كُلُّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ إِعْجَابِهِمْ بِهِ. وَأَنْتُمْ سَتَكُونُونَ بَيْنَهُمْ لِأَنَّكُمْ آمَنْتُمْ بِالرِّسَالَةِ الَّتِي بَلَّغْنَاهَا لَكُمْ. هَذَا هُوَ السَّبَبُ أَنَّنَا نَدْعُو اللهَ مِنْ أَجْلِكُمْ دَائِمًا، لِكَيْ يَجْعَلَكُمْ أَهْلًا لِمَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ، وَلِكَيْ يُتَمِّمَ لَكُمْ بِقُوَّتِهِ كُلَّ رَغْبَةٍ صَالِحَةٍ، وَكُلَّ مَا تَعْمَلُونَهُ بِالْإِيمَانِ. بِهَذَا يَتَمَجَّدُ اسْمُ سَيِّدِنَا عِيسَى بِوَاسِطَتِكُمْ، وَأَنْتُمْ تَتَمَجَّدُونَ بِوَاسِطَتِهِ، بِفَضْلِ نِعْمَةِ إِلَهِنَا عِيسَى الْمَسِيحِ مَوْلَانَا. أَمَّا بِشَأْنِ مَجِيءِ مَوْلَانَا عِيسَى الْمَسِيحِ وَلِقَائِنَا مَعَهُ، فَنَرْجُوكُمْ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ أَنْ لَا تَرْتَبِكُوا بِسُرْعَةٍ وَلَا تَنْزَعِجُوا مِنَ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ يَوْمَ السَّيِّدِ جَاءَ فِعْلًا، وَيَسْتَنِدُونَ فِي ذَلِكَ عَلَى نُبُوَّةٍ أَوْ كَلِمَةٍ سَمِعُوهَا أَوْ رِسَالَةٍ يَدَّعُونَ أَنَّهَا مِنَّا. لَا تَسْمَحُوا لِأَحَدٍ أَنْ يَخْدَعَكُمْ بِأَيِّ حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ. لِأَنَّهُ قَبْلَ مَا يَأْتِي ذَلِكَ الْيَوْمُ، لَا بُدَّ أَنْ يَنْتَشِرَ الضَّلَالُ أَوَّلًا، وَيَظْهَرَ شَخْصٌ هُوَ الشَّرُّ مُجَسَّمًا، الَّذِي مَصِيرُهُ الْهَلَاكُ. فَيُعَادِيَ كُلَّ مَا يُسَمَّى إِلَهًا أَوْ مَعْبُودًا وَيَرْفَعَ نَفْسَهُ فَوْقَهُمْ جَمِيعًا، حَتَّى إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي بَيْتِ اللهِ، وَيَدَّعِي أَنَّهُ هُوَ نَفْسَهُ اللهُ. هَلْ تَذْكُرُونَ أَنِّي قُلْتُ لَكُمْ هَذَا لَمَّا كُنْتُ عِنْدَكُمْ؟ فَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَ مَا يَمْنَعُ حُدُوثَ هَذَا فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ، لِكَيْ يَظْهَرَ شَخْصُ الشَّرِّ الْمُجَسَّمِ فِي وَقْتِهِ الْمُعَيَّنِ. فَإِنَّ قُوَّةَ الشَّرِّ تَعْمَلُ الْآنَ فِي السِّرِّ، لِأَنَّهُ يُوجَدُ حَاجِزٌ. فَعِنْدَمَا يُرْفَعُ هَذَا الْحَاجِزُ مِنَ الطَّرِيقِ، يَظْهَرُ شَخْصُ الشَّرِّ الْمُجَسَّمِ. لَكِنَّ سَيِّدَنَا عِيسَى سَيَقْضِي عَلَيْهِ بِنَفْخَةٍ مِنْ فَمِهِ، وَيُبِيدُهُ بِبَهَاءِ مَجِيئِهِ. إِنَّ شَخْصَ الشَّرِّ الْمُجَسَّمِ هَذَا يَأْتِي بِفِعْلِ قُوَّةِ الشَّيْطَانِ، وَيَعْمَلُ كُلَّ أَنْوَاعِ الْمُعْجِزَاتِ وَالْآيَاتِ وَالْعَجَائِبِ الْمُزَيَّفَةِ، وَيَسْتَعْمِلُ كُلَّ أَنْوَاعِ الشَّرِّ لِيَخْدَعَ الْهَالِكِينَ. فَهُمْ هَالِكُونَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا وَلَمْ يُحِبُّوا الْحَقَّ الَّذِي فِيهِ نَجَاتُهُمْ. وَلِهَذَا السَّبَبِ يُرْسِلُ اللهُ عَلَيْهِمْ ضَلَالًا فَظِيعًا، حَتَّى يُصَدِّقُوا الْبَاطِلَ. وَبِذَلِكَ يَحِلُّ الْعِقَابُ عَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِالْحَقِّ بَلْ فَرِحُوا بِالشَّرِّ. أَمَّا نَحْنُ، فَيَجِبُ أَنْ نَشْكُرَ اللهَ دَائِمًا مِنْ أَجْلِكُمْ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ لِأَنَّ الْمَسِيحَ يُحِبُّكُمْ، وَقَدِ اخْتَارَكُمْ مِنَ الْبَدْءِ لِتَنْجُوا بِعَمَلِ رُوحِهِ الَّذِي يُطَهِّرُكُمْ وَبِالْإِيمَانِ بِالْحَقِّ. وَهُوَ دَعَاكُمْ إِلَى هَذَا، بِوَاسِطَةِ الْإِنْجِيلِ الَّذِي بَشَّرْنَاكُمْ بِهِ، لِيَكُونَ لَكُمْ نَصِيبٌ فِي جَلَالِ مَوْلَانَا عِيسَى الْمَسِيحِ. إِذَنِ اثْبُتُوا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ، تَمَسَّكُوا بِالتَّعَالِيمِ الَّتِي سَلَّمْنَاهَا لَكُمْ، سَوَاءٌ مَا قُلْنَاهُ لَكُمْ أَوْ مَا كَتَبْنَاهُ فِي رِسَالَتِنَا. أَسْأَلُ مَوْلَانَا عِيسَى الْمَسِيحَ، وَاللهَ أَبَانَا الَّذِي أَحَبَّنَا وَأَنْعَمَ عَلَيْنَا بِعَزَاءٍ أَبَدِيٍّ وَبِرَجَاءٍ أَكِيدٍ، أَنْ يُعَزِّيَ قُلُوبَكُمْ وَيُشَدِّدَكُمْ لِكَيْ تَقُولُوا وَتَعْمَلُوا مَا هُوَ صَالِحٌ دَائِمًا. وَأَخِيرًا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ، صَلُّوا مِنْ أَجْلِنَا لِكَيْ تَنْتَشِرَ رِسَالَةُ الْمَسِيحِ بِسُرْعَةٍ وَتُكْرَمَ، كَمَا حَدَثَ عِنْدَكُمْ. وَصَلُّوا أَيْضًا لِكَيْ يُنْقِذَنَا اللهُ مِنَ النَّاسِ الْأَرْدِيَاءِ الْأَشْرَارِ، فَلَيْسَ الْجَمِيعُ يُؤْمِنُونَ. لَكِنَّ الْمَسِيحَ أَمِينٌ، وَهُوَ سَيُشَدِّدُكُمْ وَيُحَافِظُ عَلَيْكُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ. وَنَحْنُ نَثِقُ فِيهِ أَنَّكُمْ تَعْمَلُونَ وَسَتَعْمَلُونَ مَا نُوصِيكُمْ بِهِ. أَسْأَلُهُ أَنْ يَهْدِيَ قُلُوبَكُمْ إِلَى مَحَبَّةِ اللهِ وَإِلَى صَبْرِ الْمَسِيحِ. أَيُّهَا الْإِخْوَةُ، نَحْنُ نَأْمُرُكُمْ بِهَذَا بِاسْمِ سَيِّدِنَا عِيسَى الْمَسِيحِ، تَجَنَّبُوا كُلَّ أَخٍ كَسْلَانَ لَا يَعِيشُ حَسَبَ التَّعَالِيمِ الَّتِي تَسَلَّمْتُمُوهَا مِنَّا. أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ أَنَّكُمْ يَجِبُ أَنْ تَقْتَدُوا بِنَا. فَنَحْنُ لَمَّا كُنَّا عِنْدَكُمْ، لَمْ نَكُنْ كَسَالَى، وَلَا قَبِلْنَا مِنْ أَحَدٍ مِنْكُمْ طَعَامًا مَجَّانًا. بَلْ كُنَّا نَعْمَلُ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَنَتْعَبُ وَنُكَافِحُ لِكَيْ لَا نَكُونَ حِمْلًا عَلَى أَيِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ. هَذَا لَا يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا الْحَقُّ فِي أَنْ نَحْصُلَ عَلَى مَعُونَةٍ مِنْكُمْ، بَلْ أَرَدْنَا أَنْ نُقَدِّمَ أَنْفُسَنَا قُدْوَةً لَكُمْ، لِتَعْمَلُوا مِثْلَنَا. وَلَمَّا كُنَّا عِنْدَكُمْ أَوْصَيْنَاكُمْ بِهَذَا الْمَبْدَأِ: مَنْ لَا يُرِيدُ أَنْ يَشْتَغِلَ، لَا يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ. نَحْنُ سَمِعْنَا أَنَّ بَعْضَكُمْ كَسَالَى لَا يَشْتَغِلُونَ، وَيَتَدَخَّلُونَ فِي أُمُورِ الْغَيْرِ. فَنَأْمُرُ هَؤُلَاءِ وَنُوصِيهِمْ بِسُلْطَانِ مَوْلَانَا عِيسَى الْمَسِيحِ، أَنْ يَعْمَلُوا بِهُدُوءٍ وَيَكْسِبُوا رِزْقَهُمْ بِعَرَقِ جَبِينِهِمْ. أَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ، فَلَا تَتْعَبُوا مِنْ عَمَلِ الْخَيْرِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ لَا يُطِيعُ مَا نَقُولُهُ فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ، لَاحِظُوهُ وَلَا تَتَعَامَلُوا مَعَهُ لِكَيْ يَخْجَلَ. أَنَا لَا أَعْنِي أَنْ تَعْتَبِرُوهُ عَدُوًّا، بَلْ تُرْشِدُوهُ كَأَخٍ. أَسْأَلُ اللهَ نَفْسَهُ الَّذِي يُعْطِي السَّلَامَ، أَنْ يُعْطِيَكُمْ سَلَامَهُ دَائِمًا وَفِي كُلِّ الظُّرُوفِ. لِيَكُنِ الْمَسِيحُ مَعَكُمْ جَمِيعًا. وَالْآنَ أَنَا أَكْتُبُ لَكُمْ هَذِهِ التَّحِيَّةَ بِخَطِّ يَدِي: سَلَامٌ مِنِّي أَنَا بُولُسَ. هَذَا هُوَ إِمْضَائِي كَمَا فِي كُلِّ رِسَالَةٍ. أَنَا كَتَبْتُ هَذَا. نِعْمَةُ عِيسَى الْمَسِيحِ مَوْلَانَا مَعَكُمْ جَمِيعًا. مِنْ: بُولُسَ رَسُولِ الْمَسِيحِ عِيسَـى حَسَبَ أَمْرِ اللهِ مُنْقِذِنَا وَالْمَسِيحِ عِيسَى رَجَائِنَا. إِلَى: تِيمُوتَاوُسَ ابْنِيَ الْحَقِيقِيِّ فِي الْإِيمَانِ. عَلَيْكَ النِّعْمَةُ وَالرَّحْمَةُ وَالسَّلَامُ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَعِيسَـى الْمَسِيحِ مَوْلَانَا. لَمَّا كُنْتُ فِي طَرِيقِي إِلَى مَقْدُونْيَا، طَلَبْتُ مِنْكَ أَنْ تَنْتَظِرَ فِي أَفَاسُسَ لِكَيْ تَأْمُرَ بَعْضَ النَّاسِ أَنْ يَتَوَقَّفُوا عَنْ تَعْلِيمِ الْعَقَائِدِ الْفَاسِدَةِ، وَلَا يَنْتَبِهُوا إِلَى خُرَافَاتٍ وَأَنْسَابٍ لَا آخِرَ لَهَا. فَهَذِهِ تُسَبِّبُ النِّزَاعَ وَلَا تُسَاعِدُ عَلَى تَقَدُّمِ عَمَلِ اللهِ الَّذِي يَقُومُ عَلَى الْإِيمَانِ. وَالْهَدَفُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ هُوَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ مَحَبَّةٌ نَابِعَةٌ مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ، وَمِنْ ضَمِيرٍ نَقِيٍّ، وَمِنْ إِيمَانٍ مُخْلِصٍ. بَعْضُ الْأَفْرَادِ ضَلُّوا عَنْ هَذِهِ الْفَضَائِلِ، فَتَاهُوا فِي مُبَاحَثَاتٍ غَبِيَّةٍ. وَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا أَسَاتِذَةً فِي الشَّرِيعَةِ، مَعَ أَنَّهُمْ لَا يَفْهَمُونَ الْكَلَامَ الَّذِي يَقُولُونَهُ، وَلَا الْآرَاءَ الَّتِي يَتَمَسَّكُونَ بِهَا. نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الشَّرِيعَةَ نَافِعَةٌ إِذَا اسْتُعْمِلَتْ بِطَرِيقَةٍ سَلِيمَةٍ. وَنَعْلَمُ أَيْضًا أَنَّ الْقَوَانِينَ تُوضَعُ، لَا لِلصَّالِحِينَ، بَلْ لِلْعُصَاةِ وَالْمُتَمَرِّدِينَ، لِلْكَفَرَةِ وَالْأَشْرَارِ، لِلنَّجِسِينَ وَمَنْ هُمْ بِلَا دِينٍ، لِمَنْ يَقْتُلُونَ الْآبَاءَ وَالْأُمَّهَاتِ، لِمَنْ يَقْتُلُونَ النَّاسَ، لِلزُّنَاةِ وَمَنْ يُمَارِسُونَ الشُّذُوذَ الْجِنْسِيَّ، لِتُجَّارِ الرَّقِيقِ، لِلْكَذَّابِينَ وَمَنْ يَحْلِفُونَ بِالْبَاطِلِ. فَهِيَ لِكُلِّ مَا يُخَالِفُ الْعَقِيدَةَ السَّلِيمَةَ الَّتِي حَسَبَ الْبُشْرَى الْمَجِيدَةِ، بُشْرَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، الَّتِي اسْتَأْمَنَنِي هُوَ عَلَيْهَا. أَشْكُرُ الْمَسِيحَ عِيسَى مَوْلَانَا الَّذِي قَوَّانِي، وَاعْتَبَرَنِي أَمِينًا فَاخْتَارَنِي لِخِدْمَتِهِ. مَعَ أَنِّي فِي الْمَاضِي كَفَرْتُ بِهِ وَاضْطَهَدْتُهُ وَشَتَمْتُهُ. لَكِنَّ اللهَ رَحِمَنِي لِأَنِّي تَصَرَّفْتُ بِجَهْلٍ وَعَدَمِ إِيمَانٍ، وَغَمَرَنِي بِنِعْمَتِهِ، وَمَعَهَا الْإِيمَانُ وَالْمَحَبَّةُ، وَذَلِكَ بِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ عِيسَـى. هَذَا كَلَامٌ حَقٌّ، وَيَسْتَحِقُّ أَنْ يُقْبَلَ تَمَامًا: إِنَّ الْمَسِيحَ عِيسَى جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُنْقِذَ الْمُذْنِبِينَ وَأَنَا أَكْثَرُهُمْ شَرًّا. فَإِنَّ اللهَ رَحِمَنِي أَنَا أَكْثَرَ الْمُذْنِبِينَ شَرًّا، لِكَيْ يُبَيِّنَ عِيسَـى الْمَسِيحُ صَبْرَهُ الْعَظِيمَ فِيَّ كَمِثَالٍ لِلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَنَالُونَ حَيَاةَ الْخُلُودِ. وَالْآنَ الْكَرَامَةُ وَالْجَلَالُ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ لِمَلِكِ الْعَالَمِينَ، الدَّائِمِ، الَّذِي لَا يُرَى، اللهِ الْأَحَدِ. آمِـينَ. يَا ابْنِي تِيمُوتَاوُسَ، هَذِهِ هِيَ وَصِيَّتِي لَكَ، وَهِيَ تَتَّفِقُ مَعَ النُّبُوَّاتِ الَّتِي جَاءَتْ بِشَأْنِكَ فِي الْمَاضِي. فَاتْبَعْهَا لِكَيْ تُجَاهِدَ أَحْسَنَ جِهَادٍ. تَمَسَّكْ بِالْإِيمَانِ، وَبِضَمِيرٍ نَقِيٍّ. بَعْضُ الْأَفْرَادِ رَفَضُوا الضَّمِيرَ النَّقِيَّ، فَتَحَطَّمَتْ سَفِينَةُ إِيمَانِهِمْ. وَمِنْهُمْ مَثَلًا هِمِنَايُسُ وَإِسْكَنْدَرُ، فَإِنِّي أَسْلَمْتُهُمَا لِلشَّيْطَانِ لِكَيْ يَتَأَدَّبَا وَلَا يَكْفُرَا. فَأُوصِيكُمْ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ أَنْ تُقِيمُوا الدُّعَاءَ وَالصَّلَاةَ وَالتَّضَرُّعَ وَالْحَمْدَ مِنْ أَجْلِ كُلِّ النَّاسِ، وَمِنْ أَجْلِ الْمُلُوكِ وَأَصْحَابِ الْمَنَاصِبِ. لِكَيْ نَحْيَا حَيَاةً هَادِئَةً مُطْمَئِنَّةً بِكُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ. فَهَذَا حَسَنٌ وَمَقْبُولٌ عِنْدَ اللهِ مُنْقِذِنَا. فَهُوَ يُرِيدُ لِجَمِيعِ النَّاسِ أَنْ يَنْجُوا، وَيُقْبِلُوا إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ. اللهُ وَاحِدٌ، وَلَا شَفِيعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ إِلَّا الْإِنْسَانُ الْمَسِيحُ عِيسَـى الَّذِي ضَحَّى بِنَفْسِهِ لِيَفْدِيَ كُلَّ النَّاسِ. هَذِهِ هِيَ الشَّهَادَةُ الَّتِي يَجِبُ أَنْ تُقَدَّمَ فِي وَقْتِهَا الْمُنَاسِبِ. وَأَقُولُ الْحَقَّ وَلَا أَكْذِبُ، إِنَّ اللهَ جَعَلَنِي دَاعِيَةً وَرَسُولًا، وَمُعَلِّمًا لِلشُّعُوبِ فِي الْإِيمَانِ الْحَقِّ. فَأُرِيدُ مِنَ الرِّجَالِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يُصَلُّوا رَافِعِينَ أَيَادِيَ طَاهِرَةً بِلَا غَضَبٍ وَلَا عِرَاكٍ. وَأُرِيدُ مِنَ الْمَرْأَةِ أَنْ تَلْبَسَ ثِيَابًا لَائِقَةً تَدُلُّ عَلَى التَّوَاضُعِ وَالْحِشْمَةِ، وَتُزَيِّنَ نَفْسَهَا لَا بِشَكْلِ تَصْفِيفِ الشَّعْرِ، وَلَا بِالذَّهَبِ وَاللَّآلِئِ، وَلَا بِالْمَلَابِسِ الْغَالِيَةِ، بَلْ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي تُنَاسِبُ الْمَرْأَةَ الَّتِي تَقُولُ إِنَّهَا تَقِيَّةٌ. يَجِبُ أَنْ تَتَعَلَّمَ الْمَرْأَةُ وَهِيَ سَاكِتَةٌ بِكُلِّ خُضُوعٍ. أَنَا لَا أَسْمَحُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلَا أَنْ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ يَجِبُ أَنْ تَسْكُتَ. لِأَنَّ آدَمَ خُلِقَ أَوَّلًا ثُمَّ حَوَّاءُ بَعْدَهُ، وَلِأَنَّ آدَمَ لَمْ يَنْخَدِعْ، بَلِ الْمَرْأَةُ هِيَ الَّتِي انْخَدَعَتْ فَوَقَعَتْ فِي الْمَعْصِيَةِ. لَكِنَّهَا تَنْجُو عَنْ طَرِيقِ وِلَادَةِ الْأَطْفَالِ، إِنْ كَانَتْ تَسْتَمِرُّ فِي الْإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ وَالصَّلَاحِ مَعَ الْحِشْمَةِ. هَذَا كَلَامٌ حَقٌّ: مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ رَاعِيًا لِلْجَمَاعَةِ، فَهُوَ يَرْغَبُ فِي خِدْمَةٍ صَالِحَةٍ. فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الرَّاعِي بِلَا عَيْبٍ، لَهُ زَوْجَةٌ وَاحِدَةٌ، عَاقِلًا، يَضْبِطُ نَفْسَهُ، مُنَظَّمًا، يُضِيفُ الْغُرَبَاءَ، قَادِرًا أَنْ يُعَلِّمَ، لَا يُدْمِنُ الْخَمْرَ، لَا يَتَعَارَكُ، لَطِيفًا، مُسَالِمًا، غَيْرَ مُحِبٍّ لِلْمَالِ، يُحْسِنُ تَدْبِيرَ عَائِلَتِهِ، وَيُرَبِّي أَوْلَادَهُ عَلَى طَاعَتِهِ وَاحْتِرَامِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ. لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَا يَعْرِفُ أَنْ يُدَبِّرَ عَائِلَتَهُ، فَكَيْفَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْتَنِيَ بِجَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ؟ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ الرَّاعِي حَدِيثًا فِي الْإِيمَانِ، لِئَلَّا يَنْتَفِخَ بِالْكِبْرِيَاءِ فَيَحِلَّ عَلَيْهِ نَفْسُ الْعِقَابِ الَّذِي حُكِمَ بِهِ عَلَى إِبْلِيسَ. وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ لَهُ سُمْعَةٌ حَسَنَةٌ عِنْدَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلَّا يَجْلِبَ عَلَى نَفْسِهِ اللَّوْمَ، وَيَقَعَ فِي فَخِّ إِبْلِيسَ. كَذَلِكَ الْمُدَبِّرُونَ، يَجِبُ أَنْ يَكُونُوا وَقُورِينَ، مُخْلِصِينَ، لَا يُدْمِنُونَ الْخَمْرَ، وَلَا يَطْمَعُونَ فِي الرِّبْحِ الْحَرَامِ، وَيَتَمَسَّكُونَ بِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ الْعَمِيقَةِ بِضَمِيرٍ نَقِيٍّ. وَيَجِبُ أَنْ تَخْتَبِرُوهُمْ أَوَّلًا، فَإِنْ كَانُوا بِلَا لَوْمٍ، يَقُومُونَ بِالْخِدْمَةِ. كَذَلِكَ زَوْجَةُ الْمُدَبِّرِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ وَقُورَةً، لَا تَفْتَرِي عَلَى النَّاسِ، بَلْ عَاقِلَةً وَأَمِينَةً فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَالْمُدَبِّرُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ لَهُ زَوْجَةٌ وَاحِدَةٌ، وَيُحْسِنَ تَدْبِيرَ أَوْلَادِهِ وَعَائِلَتِهِ. فَالَّذِينَ يَقُومُونَ بِخِدْمَتِهِمْ خَيْرَ قِيَامٍ، يَنَالُونَ مَكَانَةً عَالِيَةً وَثِقَةً عَظِيمَةً فِي إِيمَانِهِمْ بِالْمَسِيحِ عِيسَـى. وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ آتِيَ إِلَيْكَ قَرِيبًا، لَكِنِّي كَتَبْتُ لَكَ هَذَا الْخِطَابَ، حَتَّى إِذَا تَأَخَّرْتُ، تَعْرِفُ كَيْفَ تَتَصَرَّفُ فِي بَيْتِ اللهِ، أَيْ أُمَّةِ اللهِ الْحَيِّ، الَّتِي هِيَ عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ. بِلَا شَكٍّ، عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ دِينِنَا: ظَهَرَ الْمَسِيحُ فِي جِسْمِ بَشَرٍ، شَهِدَ لَهُ رُوحُ اللهِ، شَاهَدَتْهُ الْمَلَائِكَةُ، نَادَى بِهِ أَتْبَاعُهُ بَيْنَ الشُّعُوبِ، آمَنَ بِهِ النَّاسُ فِي الْعَالَمِ، رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ بِجَلَالٍ. وَيَقُولُ الرُّوحُ الْقُدُّوسُ بِصَرَاحَةٍ، إِنَّهُ فِي الْأَزْمِنَةِ الْأَخِيرَةِ يَرْتَدُّ الْبَعْضُ عَنِ الْإِيمَانِ، وَيَتْبَعُونَ أَرْوَاحًا مُضَلِّلَةً وَمُعْتَقَدَاتٍ مِنْ وَحْيِ الشَّيَاطِينِ، يُرَوِّجُهَا مُنَافِقُونَ كَذَّابُونَ، ضَمَائِرُهُمْ مَيِّتَةٌ. يَمْنَعُونَ النَّاسَ عَنِ الزَّوَاجِ وَعَنْ أَكْلِ أَنْوَاعٍ مُعَيَّنَةٍ مِنَ الطَّعَامِ خَلَقَهَا اللهُ لِيَأْكُلَهَا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَرَفُوا الْحَقَّ وَهُمْ شَاكِرُونَ. لِأَنَّ كُلَّ مَا خَلَقَهُ اللهُ جَيِّدٌ. فَيَجِبُ أَنْ لَا نَرْفُضَ شَيْئًا بَلْ نَقْبَلَهُ بِالشُّكْرِ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ طَاهِرًا بِكَلِمَةِ اللهِ وَبِالصَّلَاةِ. إِنْ كُنْتَ تَلْفِتُ انْتِبَاهَ الْإِخْوَةِ إِلَى هَذِهِ الْأُمُورِ، تَكُونُ خَادِمًا صَالِحًا لِلْمَسِيحِ عِيسَـى، وَتُغَذِّي نَفْسَكَ عَلَى حَقَائِقِ الْإِيمَانِ وَالْعَقِيدَةِ السَّلِيمَةِ الَّتِي تَتْبَعُهَا. اِبْتَعِدْ عَنِ الْخُرَافَاتِ الْبَاطِلَةِ وَحِكَايَاتِ الْعَجَائِزِ، وَدَرِّبْ نَفْسَكَ فِي التَّقْوَى. الرِّيَاضَةُ الْبَدَنِيَّةُ نَافِعَةٌ بَعْضَ الشَّيْءِ، أَمَّا التَّقْوَى فَنَافِعَةٌ لِكُلِّ شَيْءٍ، لِأَنَّ لَهَا الْوَعْدَ بِالْحَيَاةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. هَذَا كَلَامٌ حَقٌّ، وَيَسْتَحِقُّ أَنْ يُقْبَلَ تَمَامًا. وَنَحْنُ نَتْعَبُ وَنُكَافِحُ لِأَنَّنَا وَضَعْنَا رَجَاءَنَا فِي اللهِ الْحَيِّ الَّذِي هُوَ مُنْقِذُ جَمِيعِ النَّاسِ وَخَاصَّةً الْمُؤْمِنِينَ. أَوْصِهِمْ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَعَلِّمْهُمْ إِيَّاهَا. لَا تَسْمَحْ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَهِينَ بِحَدَاثَةِ سِنِّكَ، بَلْ كُنْ قُدْوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْكَلَامِ وَالتَّصَرُّفِ وَفِي الْمَحَبَّةِ وَالْإِيمَانِ وَالطَّهَارَةِ. إِلَى أَنْ أَحْضُرَ عِنْدَكَ، وَاظِبْ عَلَى تِلَاوَةِ كَلَامِ اللهِ لِلْجَمَاعَةِ وَالْوَعْظِ وَالتَّعْلِيمِ. لَا تُهْمِلْ مَوْهِبَتَكَ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَكَ بِالنُّبُوَّةِ لَمَّا وَضَعَ الشُّيُوخُ أَيْدِيَهُمْ عَلَيْكَ. اِهْتَمَّ بِهَذِهِ الْأُمُورِ، وَابْذِلْ كُلَّ جُهْدِكَ فِيهَا فَيُلَاحِظَ الْجَمِيعُ تَقَدُّمَكَ. اِنْتَبِهْ إِلَى نَفْسِكَ، وَإِلَى مَا تُعَلِّمُهُ لِلنَّاسِ وَدَاوِمْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّكَ بِهَذَا تُنْقِذُ نَفْسَكَ وَالَّذِينَ يَسْمَعُونَكَ أَيْضًا. لَا تُوَبِّخْ شَيْخًا، بَلِ انْصَحْهُ كَأَنَّهُ أَبُوكَ. عَامِلِ الشُّبَّانَ كَأَنَّهُمْ إِخْوَتُكَ، وَالنِّسَاءَ الْعَجَائِزَ كَأَنَّهُنَّ أُمَّهَاتٌ لَكَ، وَالشَّابَّاتِ بِكُلِّ طَهَارَةٍ كَأَنَّهُنَّ أَخَوَاتُكَ. أَحْسِنْ إِلَى الْأَرَامِلِ اللَّوَاتِي لَيْسَ لَهُنَّ عَائِلٌ. أَمَّا الْأَرْمَلَةُ الَّتِي لَهَا أَوْلَادٌ أَوْ أَحْفَادٌ، فَأَوَّلُ وَاجِبٍ عَلَيْهِمْ هُوَ أَنْ يَتَعَلَّمُوا أَنْ يُمَارِسُوا الصَّلَاحَ نَحْوَ عَائِلَتِهِمْ. فَيَرُدُّوا الْإِحْسَانَ لِلْوَالِدَيْنِ، لِأَنَّ هَذَا يُرْضِي اللهَ. فَالْأَرْمَلَةُ الَّتِي لَيْسَ لَهَا عَائِلٌ، وَهِيَ وَحِيدَةٌ فِي الدُّنْيَا، تَضَعُ رَجَاءَهَا فِي اللهِ، وَتَبْتَهِلُ إِلَيْهِ وَتُصَلِّي لَهُ دَائِمًا، لَيْلًا وَنَهَارًا. أَمَّا الَّتِي انْشَغَلَتْ فِي الْمَلَذَّاتِ، فَمَعَ أَنَّهَا حَيَّةٌ، هِيَ فِي الْوَاقِعِ مَيِّتَةٌ. أَوْصِهِمْ بِهَذَا لِيَكُونُوا بِلَا لَوْمٍ. أَيُّ وَاحِدٍ لَا يَعْتَنِي بِأَقَارِبِهِ، خَاصَّةً أَفْرَادَ عَائِلَتِهِ، يَكُونُ قَدْ أَنْكَرَ الْإِيمَانَ، وَهُوَ أَسْوَأُ مِنَ الْكَافِرِ. لَا تَكْتُبِ امْرَأَةً فِي سِجِلِّ الْأَرَامِلِ، إِلَّا إِنْ كَانَ عُمْرُهَا عَلَى الْأَقَلِّ 60 سَنَةً، وَكَانَتْ أَمِينَةً لِزَوْجِهَا، وَمَعْرُوفٌ عَنْهَا أَنَّهَا عَمِلَتِ الصَّلَاحَ، فَرَبَّتْ أَوْلَادَهَا تَرْبِيَةً حَسَنَةً، وَأَضَافَتِ الْغُرَبَاءَ، وَغَسَلَتْ أَرْجُلَ الْمُؤْمِنِينَ، وَسَاعَدَتِ الْمُتَضَايِقِينَ، أَيْ أَنَّهَا قَامَتْ بِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ. لَا تَكْتُبْ أَرْمَلَةً شَابَّةً لِأَنَّهَا عِنْدَمَا تَثُورُ فِيهَا الْغَرِيزَةُ، تَشْغَلُهَا عَنِ الْمَسِيحِ، فَتُرِيدُ أَنْ تَتَزَوَّجَ، وَبِذَلِكَ تَجْلِبُ عَلَى نَفْسِهَا اللَّوْمَ لِأَنَّهَا نَقَضَتْ مَا تَعَهَّدَتْ بِهِ مِنْ قَبْلُ. وَفِي نَفْسِ الْوَقْتِ أَيْضًا، تَتَعَلَّمُ الْكَسَلَ وَالتَّسَكُّعَ مِنْ دَارٍ إِلَى دَارٍ، وَلَيْسَ الْكَسَلَ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا الثَّرْثَرَةَ وَالتَّدَخُّلَ فِي مَا لَا يَعْنِيهَا وَالتَّحَدُّثَ بِأُمُورٍ لَا تَلِيقُ. لِذَلِكَ أُرِيدُ أَنْ تَتَزَوَّجَ الْأَرْمَلَةُ الشَّابَّةُ، وَتُنْجِبَ الْأَطْفَالَ، وَتُدَبِّرَ عَائِلَتَهَا، وَلَا تُعْطِيَ لِلْعَدُوِّ فُرْصَةً لِأَنْ يَشْتَكِيَ ضِدَّنَا. خَاصَّةً أَنَّ بَعْضَ الْأَرَامِلِ الشَّابَّاتِ ضَلَلْنَ فِعْلًا، وَذَهَبْنَ وَرَاءَ الشَّيْطَانِ. الْمُؤْمِنَةُ الَّتِي لَهَا أَقَارِبُ أَرَامِلُ، يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَعُولَهُنَّ وَلَا تُثَقِّلَ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ، لِكَيْ يَعُولُوا هُمُ الْأَرَامِلَ اللَّوَاتِي لَيْسَ لَهُنَّ عَائِلٌ. الشُّيُوخُ الَّذِينَ يُحْسِنُونَ الْقِيَادَةَ، يَسْتَحِقُّونَ الْإِكْرَامَ الْمُضَاعَفَ، خَاصَّةً الَّذِينَ يَتْعَبُونَ فِي الْوَعْظِ وَالتَّعْلِيمِ. لِأَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ: ”لَا تَسُدَّ فَمَ الثَّوْرِ وَهُوَ يَدْرُسُ.“ وَيَقُولُ أَيْضًا: ”الْعَامِلُ يَسْتَحِقُّ أَجْرَهُ.“ لَا تَقْبَلْ شَكْوَى ضِدَّ شَيْخٍ، إِلَّا إِذَا ثَبَتَتْ بِـ2 أَوْ 3 مِنَ الشُّهُودِ. وَالَّذِينَ يُخْطِئُونَ، وَبِّخْهُمْ أَمَامَ الْجَمِيعِ لِكَيْ يَخَافَ الْبَاقُونَ. أُوصِيكَ أَمَامَ اللهِ وَالْمَسِيحِ عِيسَى وَالْمَلَائِكَةِ الْمُخْتَارِينَ، أَنْ تُنَفِّذَ هَذِهِ الْإِرْشَادَاتِ بِلَا تَعَصُّبٍ ضِدَّ أَحَدٍ، وَلَا تَحَيُّزٍ فِي صَفِّ أَحَدٍ. لَا تَتَسَرَّعْ فِي وَضْعِ يَدَيْكَ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا تَشْتَرِكْ مَعَ الْآخَرِينَ فِي ذُنُوبِهِمْ، اِحْفَظْ نَفْسَكَ طَاهِرًا. لَا تَشْرَبِ الْمَاءَ وَحْدَهُ، بَلْ خُذْ قَلِيلًا مِنَ الْخَمْرِ بِسَبَبِ مَعِدَتِكَ وَأَمْرَاضِكَ الْكَثِيرَةِ. بَعْضُ النَّاسِ ذُنُوبُهُمْ وَاضِحَةٌ حَتَّى قَبْلَ يَوْمِ الدِّينِ، وَالْبَعْضُ الْآخَرُ لَا تَنْكَشِفُ ذُنُوبُهُمْ إِلَّا فِيمَا بَعْدُ. وَكَذَلِكَ فَإِنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَاضِحَةٌ، أَمَّا إِنْ كَانَتْ غَيْرَ وَاضِحَةٍ، فَلَنْ تَبْقَى مَخْفِيَّةً طَوِيلًا. يَجِبُ عَلَى الْعَبِيدِ أَنْ يَعْتَبِرُوا سَادَتَهُمْ مُسْتَحِقِّينَ كُلَّ احْتِرَامٍ، لِكَيْ لَا يُسِيءَ أَحَدٌ إِلَى اسْمِ اللهِ تَعَالَى وَإِلَى عَقِيدَتِنَا. وَالَّذِينَ لَهُمْ سَادَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَا يَسْتَهِينُوا بِهِمْ عَلَى أَسَاسِ أَنَّهُمْ إِخْوَةٌ، بَلْ بِالْعَكْسِ، يَجِبُ أَنْ يَخْدِمُوهُمْ أَكْثَرَ، لِأَنَّ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ مِنْ خِدْمَتِهِمْ هُمْ مُؤْمِنُونَ وَأَحِبَّاءُ لَهُمْ. يَجِبُ أَنْ تُعَلِّمَهُمْ هَذِهِ الْمَبَادِئَ وَتَعِظَ بِهَا. أَيُّ وَاحِدٍ يُعَلِّمُ بِمَا يُخَالِفُ هَذَا وَلَا يَتَّفِقُ مَعَ رِسَالَةِ سَيِّدِنَا عِيسَى الْمَسِيحِ، الَّتِي هِيَ الرِّسَالَةُ الْحَقُّ وَعَقِيدَةُ التَّقْوَى، هُوَ مَغْرُورٌ وَلَا يَفْهَمُ شَيْئًا. هُوَ مَرِيضٌ يَشْتَهِي النِّقَاشَ وَالْجِدَالَ مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى الْغِيرَةِ وَالْعِرَاكِ وَالشَّتَائِمِ وَالظُّنُونِ السَّيِّئَةِ وَالنِّزَاعِ الْمُسْتَمِرِّ. وَهَذِهِ أَعْمَالُ مَنْ أَفْكَارُهُمْ فَاسِدَةٌ وَضَلُّوا عَنِ الْحَقِّ، وَيَعْتَبِرُونَ أَنَّ التَّقْوَى وَسِيلَةٌ لِلْغِنَى. حَقًّا إِنَّ التَّقْوَى تَجْعَلُ الْإِنْسَانَ غَنِيًّا جِدًّا إِنْ كَانَ قَانِعًا بِمَا عِنْدَهُ. نَحْنُ لَمْ نُحْضِرْ مَعَنَا شَيْئًا إِلَى هَذِهِ الدُّنْيَا، وَعِنْدَمَا نَتْرُكُهَا لَنْ نَأْخُذَ مَعَنَا شَيْئًا. فَإِنْ كَانَ عِنْدَنَا طَعَامٌ وَكِسَاءٌ، فَلْنَكُنْ قَانِعِينَ. أَمَّا الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَصِيرُوا أَغْنِيَاءَ فَيَقَعُونَ فِي إِغْرَاءٍ وَفِي فَخٍّ، لِأَنَّهُمْ يَرْغَبُونَ فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ غَبِيَّةٍ وَضَارَّةٍ تُؤَدِّي إِلَى خَرَابِهِمْ وَهَلَاكِهِمْ. لِأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ هِيَ جِذْرٌ تَنْمُو مِنْهُ كُلُّ أَنْوَاعِ الشَّرِّ. وَبَعْضُ النَّاسِ، مِنْ شِدَّةِ رَغْبَتِهِمْ فِي الْمَالِ، ضَلُّوا عَنِ الْإِيمَانِ وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ. أَمَّا أَنْتَ، بِمَا أَنَّكَ تَنْتَمِي للهِ، فَابْتَعِدْ عَنْ كُلِّ هَذَا. اِتْبَعِ الصَّلَاحَ وَالتَّقْوَى وَالْإِيمَانَ، وَالْمَحَبَّةَ وَالصَّبْرَ وَاللُّطْفَ. جَاهِدِ الْجِهَادَ الْحَسَنَ فِي سَبِيلِ الْإِيمَانِ، وَتَمَسَّكْ بِحَيَاةِ الْخُلُودِ الَّتِي دَعَاكَ اللهُ إِلَيْهَا لَمَّا شَهِدْتَ شَهَادَةً حَسَنَةً أَمَامَ شُهُودٍ كَثِيرِينَ. وَأُوصِيكَ أَمَامَ اللهِ الَّذِي يُحْيِي كُلَّ شَيْءٍ، وَأَمَامَ الْمَسِيحِ عِيسَى الَّذِي شَهِدَ شَهَادَةً حَسَنَةً أَمَامَ بِيلَاطِسَ الْبُنْطِيِّ، أَنْ تَقُومَ بِهَذِهِ الْوَاجِبَاتِ بِأَمَانَةٍ وَبِلَا لَوْمٍ وَلَا عَيْبٍ، إِلَى يَوْمِ يَأْتِي مَوْلَانَا عِيسَى الْمَسِيحُ مَرَّةً ثَانِيَةً. فَإِنَّ اللهَ سَيُرْسِلُهُ فِي الْوَقْتِ الْمُحَدَّدِ. تَبَارَكَ اللهُ، هُوَ السُّلْطَانُ الْوَحِيدُ، مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الْأَرْبَابِ، هُوَ الدَّائِمُ وَحْدَهُ، يَسْكُنُ فِي نُورٍ لَا يَقْتَرِبُ مِنْهُ أَحَدٌ. لَا إِنْسَانَ رَآهُ، وَلَا يَقْدِرُ إِنْسَانٌ أَنْ يَرَاهُ. لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ الْأَبَدِيَّةُ. آمِينَ. وَالَّذِينَ هُمْ أَغْنِيَاءُ فِي أُمُورِ هَذِهِ الدُّنْيَا أَوْصِهِمْ أَنْ لَا يَتَكَبَّرُوا، وَأَنْ يَتَوَكَّلُوا لَا عَلَى الْغِنَى الزَّائِلِ، بَلْ عَلَى اللهِ الَّذِي يُعْطِينَا كُلَّ شَيْءٍ بِسَخَاءٍ لِكَيْ نَتَمَتَّعَ. أَوْصِهِمْ أَنْ يَعْمَلُوا الْخَيْرَ، وَأَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَكُرَمَاءَ يُعْطُونَ مِمَّا عِنْدَهُمْ لِلْآخَرِينَ. بِذَلِكَ يَخْزِنُونَ لِأَنْفُسِهِمْ كَنْزًا يَكُونُ أَسَاسًا مَتِينًا لِلْمُسْتَقْبَلِ، لِكَيْ يَعْرِفُوا مَا هِيَ الْحَيَاةُ الْحَقِيقِيَّةُ. يَا تِيمُوتَاوُسُ، حَافِظْ عَلَى الْوَدِيعَةِ الَّتِي فِي عُهْدَتِكَ. اِبْتَعِدْ عَنِ الْكَلَامِ الْفَارِغِ التَّافِهِ، وَعَنِ الْمُنَاقَشَاتِ الْغَبِيَّةِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْمَعْرِفَةَ. الْبَعْضُ يَقُولُونَ إِنَّ عِنْدَهُمْ هَذِهِ الْمَعْرِفَةَ، لَكِنَّهُمْ ضَلُّوا عَنْ طَرِيقِ الْإِيمَانِ. النِّعْمَةُ مَعَكُمْ. مِنْ: بُولُسَ رَسُولِ الْمَسِيحِ عِيسَى، وَذَلِكَ حَسَبَ مَشِيئَةِ اللهِ وَإِتْمَامًا لِوَعْدِهِ بِأَنْ يَمْنَحَ الْحَيَاةَ لِمَنْ يُؤْمِنُ بِالْمَسِيحِ عِيسَـى. إِلَى: اِبْنِيَ الْحَبِيبِ تِيمُوتَاوُسَ. عَلَيْكَ النِّعْمَةُ وَالرَّحْمَةُ وَالسَّلَامُ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالْمَسِيحِ عِيسَـى مَوْلَانَا. أَشْكُرُ اللهَ الَّذِي أَعْبُدُهُ بِضَمِيرٍ نَقِيٍّ، كَمَا كَانَ يَعْبُدُهُ آبَائِي وَأَجْدَادِي، وَأَذْكُرُكَ دَائِمًا فِي دُعَائِي لَيْلًا وَنَهَارًا. وَأَتَذَكَّرُ دُمُوعَكَ، فَأَشْتَاقُ أَنْ أَرَاكَ لِكَيْ أَمْتَلِئَ بِالْفَرَحِ. وَأَتَذَكَّرُ أَيْضًا إِيمَانَكَ الصَّادِقَ، هَذَا الْإِيمَانَ الَّذِي حَلَّ أَوَّلًا فِي قَلْبِ جَدَّتِكَ لُوِيسَةَ، ثُمَّ فِي قَلْبِ وَالِدَتِكَ فَائِزَةَ، وَأَنَا مُتَأَكِّدٌ أَنَّهُ فِيكَ أَنْتَ أَيْضًا. لِهَذَا أُذَكِّرُكَ أَنْ تُشْعِلَ الْمَوْهِبَةَ الَّتِي أَعْطَاهَا لَكَ اللهُ لَمَّا وَضَعْتُ يَدَيَّ عَلَيْكَ. لِأَنَّ الرُّوحَ الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ لَنَا هُوَ رُوحُ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَضَبْطِ النَّفْسِ، وَلَيْسَ رُوحَ الْجُبْنِ. فَلَا تَخْجَلْ مِنْ أَنْ تَشْهَدَ لِلْمَسِيحِ، وَلَا تَخْجَلْ مِنِّي أَنَا الْمَسْجُونَ مِنْ أَجْلِهِ. بَلْ تَوَكَّلْ عَلَى قُوَّةِ اللهِ، وَاحْتَمِلْ نَصِيبَكَ مِنَ الْآلَامِ فِي سَبِيلِ الْإِنْجِيلِ. إِنَّ اللهَ أَنْقَذَنَا وَدَعَانَا إِلَى حَيَاةٍ صَالِحَةٍ، لَا بِفَضْلِ أَعْمَالِنَا بَلْ لِأَنَّ هَذِهِ هِيَ مَشِيئَتُهُ وَنِعْمَتُهُ عَلَيْنَا. وَهُوَ مَنَحَنَا هَذِهِ النِّعْمَةَ بِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ عِيسَـى مِنْ قَبْلِ بَدْءِ الزَّمَنِ. لَكِنَّهُ أَعْلَنَهَا لَنَا الْآنَ بِمَجِيءِ الْمَسِيحِ عِيسَى مُنْقِذِنَا الَّذِي هَزَمَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِالْإِنْجِيلِ. إِنَّ اللهَ جَعَلَنِي لِلْإِنْجِيلِ دَاعِيَةً وَرَسُولًا وَمُعَلِّمًا. وَلِهَذَا أَحْتَمِلُ هَذِهِ الْمَتَاعِبَ، وَلَكِنِّي لَا أَخْجَلُ، لِأَنِّي عَارِفٌ مَنْ آمَنْتُ بِهِ، وَمُتَأَكِّدٌ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ لِي وَدِيعَتِي إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ. تَمَسَّكْ بِالْمَبَادِئِ السَّلِيمَةِ الَّتِي سَمِعْتَهَا مِنِّي، اِتْبَعْهَا كَمِثَالٍ تَقْتَدِي بِهِ، مَعَ الْإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ فِي الْمَسِيحِ عِيسَـى. الْوَدِيعَةُ الصَّالِحَةُ الَّتِي أُوكِلَتْ إِلَيْكَ، حَافِظْ عَلَيْهَا بِعَوْنِ الرُّوحِ الْقُدُّوسِ الَّذِي حَلَّ فِـينَا. أَنْتَ تَعْرِفُ أَنَّ كُلَّ الَّذِينَ هُمْ فِي وِلَايَةِ آسْيَا تَخَلَّوْا عَنِّي بِمَا فِيهِمْ فُوغَالِي وَأَرْمَاجْنِي. أَسْأَلُ الْمَسِيحَ أَنْ يُحْسِنَ إِلَى عَائِلَةِ أَنِيسَ، فَإِنَّهُ رَفَّهَ عَنِّي مَرَّاتٍ كَثِيرَةً وَلَمْ يَخْجَلْ مِنِّي أَبَدًا وَأَنَا فِي السِّجْنِ. بَلْ لَمَّا كَانَ فِي رُومَا، بَحَثَ عَنِّي بِاجْتِهَادٍ حَتَّى وَجَدَنِي. أَسْأَلُ الْمَسِيحَ أَنْ يُحْسِنَ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ إِلَهِيٍّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. يَا تِيمُوتَاوُسُ، أَنْتَ تَعْلَمُ جَيِّدًا الْخِدْمَاتِ الْكَثِيرَةَ الَّتِي قَدَّمَهَا هَذَا الْأَخُ فِي أَفَاسُسَ. وَأَنْتَ يَا ابْنِي، كُنْ قَوِيًّا بِالنِّعْمَةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ عِيسَـى. وَالْأَشْيَاءُ الَّتِي سَمِعْتَهَا مِنِّي فِي مَحْضَرِ شُهُودٍ كَثِيرِينَ، سَلِّمْهَا لِأَشْخَاصٍ أُمَنَاءَ عِنْدَهُمُ الْمَقْدِرَةُ أَنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أَيْضًا. اِحْتَمِلْ نَصِيبَكَ مِنَ الْآلَامِ كَجُنْدِيٍّ مُخْلِصٍ لِلْمَسِيحِ عِيسَـى. فَالْجُنْدِيُّ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُرْضِيَ قَائِدَهُ لَا يَنْشَغِلُ بِأُمُورِ الْحَيَاةِ الْمَدَنِيَّةِ. وَاللَّاعِبُ الَّذِي يَشْتَرِكُ فِي مُبَارَاةٍ، لَا يَفُوزُ بِالْجَائِزَةِ إِلَّا إِذَا كَانَ يَحْتَرِمُ قَوَاعِدَ الْمُبَارَاةِ. وَالْفَلَّاحُ الَّذِي يَتْعَبُ فِي الْحَقْلِ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ مَنْ يَحْصُلُ عَلَى نَصِيبِهِ فِي الْغَلَّةِ. فَكِّرْ فِي مَا أَقُولُ، وَالْمَسِيحُ يُسَاعِدُكَ لِتَفْهَمَ كُلَّ شَيْءٍ. تَذَكَّرْ عِيسَـى الْمَسِيحَ الَّذِي قَامَ مِنَ الْمَوْتِ، وَالَّذِي هُوَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ. هَذَا هُوَ الْإِنْجِيلُ الَّذِي أُبَشِّرُ بِهِ، وَأُقَاسِي الْآلَامَ فِي سَبِيلِهِ، لِدَرَجَةِ أَنِّي مَسْجُونٌ هُنَا كَمُجْرِمٍ. لَكِنَّ كَلِمَةَ اللهِ لَا تُسْجَنُ. لِذَلِكَ أَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَجْلِ الْمُخْتَارِينَ لِيَحْصُلُوا هُمْ أَيْضًا عَلَى النَّجَاةِ بِوَاسِطَةِ الْمَسِيحِ عِيسَـى، وَعَلَى الْجَلَالِ الْأَبَدِيِّ. هَذَا كَلَامٌ حَقٌّ: إِنْ مُتْنَا مَعَهُ نَحْيَا مَعَهُ. إِنْ ثَبَتْنَا فِيهِ نَمْلِكُ مَعَهُ. إِنْ أَنْكَرْنَاهُ فَهُوَ أَيْضًا يُنْكِرُنَا. إِنْ كُنَّا غَيْرَ أُمَنَاءَ يَبْقَى هُوَ أَمِينًا، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُنْكِرَ نَفْسَهُ. ذَكِّرْهُمْ بِهَذِهِ الْأُمُورِ، وَحَذِّرْهُمْ فِي مَحْضَرِ اللهِ مِنَ الْجِدَالِ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَعُ فِي شَيْءٍ بَلْ يَهْدِمُ السَّامِعِينَ. اِبْذِلْ كُلَّ جُهْدِكَ لِكَيْ يَرْضَى اللهُ عَنْكَ، وَتَكُونَ خَادِمًا لَا يَخْجَلُ مِنْ خِدْمَتِهِ، وَتُفَسِّرَ كَلَامَ الْحَقِّ تَفْسِيرًا صَحِيحًا. اِبْتَعِدْ عَنِ الْكَلَامِ الْفَارِغِ التَّافِهِ، فَالَّذِينَ يَنْشَغِلُونَ بِهِ يَزِيدُونَ كُفْرًا، وَتَعْلِيمُهُمْ يَنْتَشِرُ كَالسَّرَطَانِ فِي الْجِسْمِ. وَمِنْهُمْ مَثَلًا هِمِنَايُسُ وَفَلْتُوسُ، إِنَّهُمَا ضَلَّا عَنِ الْحَقِّ، يَقُولَانِ إِنَّ قِيَامَةَ الْأَمْوَاتِ حَدَثَتْ فِعْلًا، فَيَهْدِمَانِ إِيمَانَ بَعْضِ الْأَفْـرَادِ. لَكِـنَّ الْأَسَـاسَ الْمَـتِينَ الَّـذِي وَضَـعَهُ اللهُ يَظَـلُّ ثَابِـتًا، وَعَـلَيْهِ هَـذَا الْخَـتْمُ: ”رَبُّنَا يَعْـرِفُ الَّذِينَ هُمْ لَهُ.“ وَأَيْضًا: ”كُلُّ مَنْ يَعْبُدُ رَبَّنَا، يَجِبُ أَنْ يَبْتَعِـدَ عَـنِ الشَّـرِّ.“ فِي دَارٍ كَبِيرَةٍ، تُوجَـدُ آنِيَةٌ مِـنْ كُلِّ الْأَنْوَاعِ. بَعْضُـهَا مِنْ ذَهَـبٍ وَمِنْ فِضَّـةٍ، وَبَعْضُهَـا مِنْ خَشَـبٍ وَمِنْ فَخَّـارٍ، بَعْضُهَـا لِاسْـتِعْمَالٍ كَرِيمٍ، وَبَعْضُهَـا لِاسْـتِعْمَالٍ حَـقِيرٍ. فَإِنْ كَانَ وَاحِـدٌ يَحْفَظُ نَفْسَـهُ طَاهِـرًا مِنْ هَذِهِ الشُّـرُورِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا، يَكُونُ إِنَاءً كَرِيمًا مُخَصَّصًا للهِ، نَافِعًا لِخِـدْمَةِ السَّـيِّدِ، وَمُسْـتَعِدًّا لِكُلِّ عَمَلٍ صَـالِحٍ. اِبْتَعِدْ عَنْ شَهَـوَاتِ الشَّـبَابِ، وَاتْبَعِ الصَّـلَاحَ وَالْإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالسَّـلَامَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ الْمَسِيحَ بِقَلْبٍ طَاهِرٍ. اِبْتَعِدْ عَنِ الْمُنَاقَشَـاتِ التَّافِهَةِ الْغَبِيَّةِ، فَأَنْتَ تَعْرِفُ أَنَّهَا تُسَـبِّبُ الْخِصَـامَ. وَخَادِمُ الْمَسِيحِ لَا يَصِـحُّ لَهُ أَنْ يُخَاصِـمَ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَشْـفِقَ عَلَى الْجَمِيعِ، وَأَنْ يَكُونَ قَادِرًا أَنْ يُعَلِّمَ، وَصَـبُورًا، وَيُصَـحِّحَ الَّذِينَ يُعَارِضُـونَهُ بِلُطْفٍ، لَعَلَّ اللهَ يَمْنَحُهُمْ أَنْ يَتُوبُوا وَيَعْرِفُوا الْحَقَّ، لِكَيْ يَرْجِعُوا إِلَى صَوَابِهِمْ وَيَهْرُبُوا مِنْ فَخِّ إِبْلِيسَ الَّذِي صَادَهُمْ لِيَعْمَلُوا مَشِيئَتَهُ. وَأُرِيدُ أَنْ أُذَكِّرَكَ بِأَنَّهُ فِي الْأَيَّامِ الْأَخِيرَةِ تَأْتِي أَوْقَاتٌ صَعْبَةٌ. فَيَكُونُ النَّاسُ مُحِبِّينَ لِأَنْفُسِهِمْ، مُحِبِّينَ لِلْمَالِ، مُتَكَبِّرِينَ، مَغْرُورِينَ، شَتَّامِينَ، غَيْرَ مُطِيعِينَ لِلْوَالِدَيْنِ، نَاكِرِينَ لِلْجَمِيلِ، فَاسِدِينَ، بِلَا شَفَقَةٍ، غَيْرَ مُتَسَامِحِينَ، مُفْتَرِينَ، مُتَهَوِّرِينَ، شَرِسِينَ، يَكْرَهُونَ الْخَيْرَ، خَائِنِينَ، طَائِشِينَ، مُنْتَفِخِينَ بِالْكِبْرِيَاءِ، يُحِبُّونَ الْمَلَذَّاتِ أَكْثَرَ مِنَ اللهِ، يَتَمَسَّكُونَ بِمَظَاهِرِ التَّقْوَى لَكِنَّهُمْ يَرْفُضُونَ قُوَّتَهَا الْفَعَّالَةَ. فَابْتَعِدْ عَنْ هَؤُلَاءِ النَّاسِ. إِنَّ الْبَعْضَ مِنْهُمْ يَنْدَسُّ فِي الْعَائِلَاتِ، وَيَفْتِنُ نِسَاءً ضَعِيفَاتٍ مُثْقَلَاتٍ بِالذُّنُوبِ، وَمُنْقَادَاتٍ لِكُلِّ أَنْوَاعِ الشَّهَوَاتِ، يَتَعَلَّمْنَ دَائِمًا، لَكِنْ لَا يُمْكِنُهُنَّ أَنْ يَعْرِفْنَ الْحَقَّ أَبَدًا. وَكَمَا أَنَّ يَنِّيسَ وَيَمْبِرِيسَ عَارَضَا مُوسَى، كَذَلِكَ هَؤُلَاءِ النَّاسُ يُعَارِضُونَ الْحَقَّ، عُقُولُهُمْ فَاسِدَةٌ، وَهُمْ غَيْرُ أَهْلٍ لِلْإِيمَانِ. لَكِنَّهُمْ لَنْ يَتَقَدَّمُوا أَكْثَرَ، لِأَنَّ غَبَاوَتَهُمْ سَتَنْكَشِفُ بِوُضُوحٍ لِلْجَمِيعِ كَمَا انْكَشَفَتْ غَبَاوَةُ يَنِّيسَ وَيَمْبِرِيسَ. أَمَّا أَنْتَ فَإِنَّكَ تَعْرِفُ كُلَّ شَيْءٍ عَنْ عَقِيدَتِي وَسُلُوكِي وَهَدَفِي وَإِيمَانِي وَصَبْرِي وَمَحَبَّتِي وَثَبَاتِي وَالِاضْطِهَادَاتِ وَالْآلَامِ الَّتِي قَابَلْتُهَا. أَنْتَ تَعْرِفُ كُلَّ مَا حَصَلَ لِي فِي أَنْطَاكِيَةَ وَإِيقُونِيَةَ وَلِسْتْرَةَ: كَانَتِ اضْطِهَادَاتٍ رَهِيبَةً، لَكِنَّ الْمَسِيحَ أَنْقَذَنِي مِنْهَا كُلِّهَا. فَكُلُّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَعِيشَ بِالتَّقْوَى كَمُؤْمِنٍ بِالْمَسِيحِ عِيسَـى، يَضْطَهِدُهُ النَّاسُ. أَمَّا الْأَشْرَارُ وَالْمُحْتَالُونَ فَيَزِيدُونَ شَرًّا، يَخْدَعُونَ غَيْرَهُمْ وَيَخْدَعُونَ أَنْفُسَهُمْ. أَمَّا أَنْتَ فَاثْبُتْ عَلَى الْمَبَادِئِ الَّتِي تَعَلَّمْتَهَا وَآمَنْتَ بِهَا. وَتَذَكَّرْ عَلَى يَدِ مَنْ تَعَلَّمْتَ ذَلِكَ. فَإِنَّكَ مُنْذُ كُنْتَ طِفْلًا تَعْرِفُ كِتَابَ اللهِ الَّذِي يَجْعَلُكَ حَكِيمًا لِتَنَالَ النَّجَاةَ بِالْإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ عِيسَـى. كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِتَعْلِيمِ الْحَقِّ، وَتَوْبِيخِ الضَّلَالِ، وَتَصْحِيحِ الْخَطَأِ، وَالْإِرْشَادِ إِلَى الصَّلَاحِ. لِيَكُونَ الشَّخْصُ الَّذِي يَنْتَمِي للهِ مُجَهَّزًا وَمُؤَهَّلًا لِيَقُومَ بِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ. سَيَأْتِي الْمَسِيحُ عِيسَـى لِيَمْلِكَ وَيُحَاسِبَ الْأَحْيَاءَ وَالْأَمْوَاتَ. لِذَلِكَ أُوصِيكَ أَمَامَ اللهِ وَأَمَامَ الْمَسِيحِ أَنْ تُنَادِيَ بِكَلَامِ اللهِ. كُنْ مُسْتَعِدًّا لِذَلِكَ، سَوَاءً كَانَ الْوَقْتُ مُنَاسِبًا أَوْ غَيْرَ مُنَاسِبٍ. وَبِّخْهُمْ وَأَنْذِرْهُمْ وَشَجِّعْهُمْ، وَكُنْ صَبُورًا جِدًّا وَأَنْتَ تُعَلِّمُهُمْ. لِأَنَّهُ سَيَأْتِي وَقْتٌ فِيهِ لَا يَحْتَمِلُ النَّاسُ الْعَقِيدَةَ السَّلِيمَةَ، بَلْ يَجْمَعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ مُعَلِّمِينَ عَلَى حَسَبِ هَوَاهُمْ، يُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا يُطْرِبُ آذَانَهُمْ. فَهُمْ يَسُدُّونَ آذَانَهُمْ عَنْ سَمَاعِ الْحَقِّ، وَيَنْحَرِفُونَ إِلَى الْخُرَافَاتِ. أَمَّا أَنْتَ فَكُنْ صَاحِيًا فِي كُلِّ شَيْءٍ. اِحْتَمِلِ الْمَشَقَّاتِ. قُمْ بِعَمَلِ الْبَشِيرِ. قُمْ بِخِدْمَتِكَ خَيْرَ قِيَامٍ. أَمَّا أَنَا فَجَاءَتِ السَّاعَةُ لِأُضَحِّيَ بِحَيَاتِي ذَاتِهَا، حَانَ الْوَقْتُ أَنْ أَنْتَقِلَ مِنْ هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السِّبَاقَ، حَافَظْتُ عَلَى الْإِيمَانِ. وَالْآنَ يَنْتَظِرُنِي إِكْلِيلُ الصَّالِحِينَ، الَّذِي سَيُقَدِّمُهُ لِي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، الْمَسِيحُ الْقَاضِي الْعَادِلُ. وَلَيْسَ لِي أَنَا وَحْدِي، بَلْ لِكُلِّ الَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ مَجِيئَهُ بِشَوْقٍ. اِبْذِلْ كُلَّ جُهْدِكَ لِكَيْ تَأْتِيَ إِلَيَّ بِسُرْعَةٍ، لِأَنَّ دِيمَاسَ أَحَبَّ هَذِهِ الدُّنْيَا، فَتَرَكَنِي وَذَهَبَ إِلَى تَسَالُونْكِي. كَرَاسُ ذَهَبَ إِلَى غَلَاطِيَةَ، وَتِيتُوسُ إِلَى دَلْمَاطِيَّةَ. لُوقَا هُوَ الْوَحِيدُ الْمَوْجُودُ مَعِيَ الْآنَ. مُرَّ بِمَرْقُسَ وَأَحْضِرْهُ مَعَكَ، فَهُوَ نَافِعٌ لِي فِي الْخِدْمَةِ. بَعَثْتُ الشَّدِيدَ إِلَى أَفَاسُسَ. عِنْدَمَا تَأْتِي، أَحْضِرْ مَعَكَ الْعَبَايَةَ الَّتِي تَرَكْتُهَا مَعَ قَرْبُسَ فِي تَرْوَاسَ، وَأَحْضِرْ أَيْضًا الْكُتُبَ وَخُصُوصًا مَصَاحِفَ الْجِلْدِ. إِسْكَنْدَرُ النَّحَّاسُ أَسَاءَ إِلَيَّ جِدًّا، الْمَسِيحُ سَيُجَازِيهِ عَلَى أَفْعَالِهِ. اِحْتَرِسْ مِنْهُ، فَإِنَّهُ عَارَضَ رِسَالَتَنَا جِدًّا. فِي الْمُحَاكَمَةِ الْأُولَى لَمَّا دَافَعْتُ عَنْ نَفْسِي، لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ لِلدِّفَاعِ عَنِّي بَلْ تَرَكُونِي كُلُّهُمْ. اللَّهُمَّ لَا تَحْسِبْ هَذَا ضِدَّهُمْ. لَكِنَّ سَيِّدِي الْمَسِيحَ وَقَفَ مَعِي وَقَوَّانِي، فَأَمْكَنَنِي أَنْ أُبَشِّرَ بِالْإِنْجِيلِ كَامِلًا لِيَسْمَعَهُ كُلُّ الْأَجَانِبِ. فَنَجَوْتُ مِنْ فَمِ الْأَسَدِ. وَسَيُنَجِّينِي سَيِّدِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ، وَيَحْفَظُنِي حَتَّى يُحْضِرَنِي إِلَى مَمْلَكَتِهِ فِي السَّمَاءِ. لَهُ الْجَلَالُ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ. آمِـينَ. سَلِّمْ عَلَى بَرَكَةَ وَعَقِيلَ وَعَائِلَةِ أَنِيسَ. أَرِسْتُسُ بَقِيَ فِي كُورِنْتُوسَ. تَرَكْتُ طَرِيفِي مَرِيضًا فِي مِيلِيتِي. اِبْذِلْ كُلَّ جُهْدِكَ لِكَيْ تَحْضُرَ قَبْلَ الشِّتَاءِ. يُوبُلُسُ وَبُودِسُ وَلِينُو وَكَلُودِيَا وَكُلُّ الْإِخْوَةِ يُسَلِّمُونَ عَلَيْكَ. الْمَسِيحُ مَعَ رُوحِكَ. النِّعْمَةُ مَعَكُمْ. مِنْ: بُولُسَ عَبْدِ اللهِ، وَرَسُولِ عِيسَى الْمَسِيحِ. أَنَا أُرْسِلْتُ لِأَهْدِيَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمُ اللهُ إِلَى الْإِيمَانِ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ الَّذِي يَقُودُ لِلتَّقْوَى. وَرِسَالَتِي هِيَ عَنِ الرَّجَاءِ فِي حَيَاةِ الْخُلُودِ الَّتِي وَعَدَ اللهُ بِهَا مِنْ قَبْلِ بَدْءِ الزَّمَنِ، وَهُوَ لَا يَكْذِبُ. فَفِي الْوَقْتِ الْمُحَدَّدِ، أَعْلَنَ اللهُ مُنْقِذُنَا كَلِمَتَهُ، وَكَلَّفَنِي بِأَمْرٍ مِنْهُ بِأَنْ أُبَشِّرَ بِهَا. وَأَنَا أَكْتُبُ إِلَى تِيتُوسَ، اِبْنِيَ الْحَقِيقِيِّ فِي الْإِيمَانِ الَّذِي لَنَا كُلِّنَا نَصِيبٌ فِيهِ. عَلَيْكَ النِّعْمَةُ وَالسَّلَامُ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالْمَسِيحِ عِيسَى مُنْقِذِنَا. أَنَا تَرَكْتُكَ فِي كِرِيتَ، لِكَيْ تُرَتِّبَ الْأُمُورَ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى تَرْتِيبٍ، وَلِكَيْ تُقِيمَ شُيُوخًا لِلْجَمَاعَةِ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ، كَمَا أَوْصَيْتُكَ. فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْخُ بِلَا لَوْمٍ، لَهُ زَوْجَةٌ وَاحِدَةٌ، وَيَكُونَ أَوْلَادُهُ مُؤْمِنِينَ وَلَا يَتَّهِمُهُمْ أَحَدٌ بِالْخَلَاعَةِ أَوِ التَّمَرُّدِ. وَبِمَا أَنَّ رَاعِيَ الْجَمَاعَةِ مَسْئُولٌ عَنْ عَمَلِ اللهِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِلَا لَوْمٍ، غَيْرَ عَنِيدٍ وَلَا غَضُوبٍ وَلَا سِكِّيرٍ وَلَا عَنِيفٍ وَلَا يَسْعَى إِلَى الرِّبْحِ الْحَرَامِ. بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَرِيمًا، مُحِبًّا لِلْخَيْرِ، يَضْبِطُ نَفْسَهُ، صَالِحًا، تَقِيًّا، عَاقِلًا، وَيَتَمَسَّكُ بِالرِّسَالَةِ الْحَقِّ كَمَا نُعَلِّمُهَا. بِذَلِكَ يَكُونُ قَادِرًا أَنْ يُشَجِّعَ الْآخَرِينَ بِالْعَقِيدَةِ السَّلِيمَةِ، وَأَنْ يَرُدَّ عَلَى الْمُعَارِضِينَ. لِأَنَّ كَثِيرِينَ، خَاصَّةً مِنْ جَمَاعَةِ الْخِتَانِ، يَتَمَرَّدُونَ وَيَخْدَعُونَ النَّاسَ بِالْكَلَامِ الْفَارِغِ. هَؤُلَاءِ يَجِبُ سَدُّ أَفْوَاهِهِمْ، لِأَنَّهُمْ يَهْدِمُونَ عَائِلَاتٍ بِأَكْمَلِهَا، بِتَعْلِيمِ أَشْيَاءَ لَا تَصِحُّ، وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الرِّبْحِ الْحَرَامِ. قَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، هُوَ نَبِيٌّ خَاصٌّ بِهِمْ: ”الْكِرِيتِيُّونَ دَائِمًا كَذَّابُونَ، هُمْ بَهَائِمُ خَبِيثَةٌ، وَكَسَالَى شَرِهُونَ.“ هَذَا الْكَلَامُ صَحِيحٌ. لِهَذَا يَجِبُ أَنْ تُوَبِّخَهُمْ بِشِدَّةٍ، لِكَيْ يَكُونَ إِيمَانُهُمْ سَلِيمًا وَلَا يَنْتَبِهُوا إِلَى خُرَافَاتٍ يَهُودِيَّةٍ، وَلَا إِلَى فَرَائِضَ يَسُنُّهَا الَّذِينَ يَرْفُضُونَ الْحَقَّ. كُلُّ شَيْءٍ طَاهِرٌ لِلطَّاهِرِينَ، أَمَّا لِلنَّجِسِينَ وَغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَا يُوجَدُ شَيْءٌ طَاهِرٌ، لِأَنَّ أَفْكَارَهُمْ وَضَمَائِرَهُمْ نَجِسَةٌ. يَقُولُونَ إِنَّهُمْ يَعْرِفُونَ اللهَ، لَكِنَّهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ يَكْفُرُونَ بِهِ. فَهُمْ مَكْرُوهُونَ، وَغَيْرُ مُطِيعِينَ، وَغَيْرُ نَافِعِينَ فِي أَيِّ عَمَلٍ صَالِحٍ. أَمَّا أَنْتَ، فَيَجِبُ أَنْ تُعَلِّمَ بِمَا يَتَّفِقُ مَعَ الْعَقِيدَةِ السَّلِيمَةِ: عَلِّمِ الرِّجَالَ كِبَارَ السِّنِّ أَنْ يَكُونُوا عَاقِلِينَ، وَقُورِينَ، يَضْبِطُونَ أَنْفُسَهُمْ، وَأَصِحَّاءَ فِي الْإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ وَالصَّبْرِ. وَعَلِّمِ النِّسَاءَ الْعَجَائِزَ أَيْضًا، أَنْ تَعِيشَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فِي الصَّلَاحِ، وَلَا تَفْتَرِيَ عَلَى النَّاسِ، وَلَا تُدْمِنَ الْخَمْرَ، بَلْ تُرْشِدَ إِلَى الصَّلَاحِ، فَتَنْصَحَ الزَّوْجَاتِ الشَّابَّاتِ أَنْ تُحِبَّ كُلُّ وَاحِدَةٍ زَوْجَهَا وَأَوْلَادَهَا، وَتَضْبِطَ نَفْسَهَا، وَتَكُونَ طَاهِرَةً، تَعْتَنِي بِبَيْتِهَا، لَطِيفَةً، تَخْضَعُ لِزَوْجِهَا، لِكَيْ لَا يُسِيءَ أَحَدٌ إِلَى كَلِمَةِ اللهِ. أَرْشِدِ الشُّبَّانَ أَيْضًا أَنْ يَضْبِطُوا أَنْفُسَهُمْ. وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ أَنْتَ مِثَالًا لَهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ، بِأَنْ تَعْمَلَ الْخَيْرَ. كُنْ مُخْلِصًا وَجَادًّا فِي تَعْلِيمِكَ. لِيَكُنْ كَلَامُكَ سَلِيمًا وَبِلَا عَيْبٍ، لِكَيْ يَخْجَلَ خَصْمُنَا لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ شَيْئًا رَدِيئًا يَقُولُهُ ضِدَّنَا. يَجِبُ أَنْ يَخْضَعَ الْعَبِيدُ لِسَادَتِهِمْ، وَأَنْ يُرْضُوهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا يُخَالِفُوهُمْ، وَلَا يَسْرِقُوا مِنْهُمْ، بَلْ يُبَيِّنُوا أَنَّهُمْ أُمَنَاءُ جِدًّا. بِهَذَا يُظْهِرُونَ فِي كُلِّ مَا يَعْمَلُونَهُ جَمَالَ التَّعْلِيمِ الَّذِي عَنِ اللهِ مُنْقِذِنَا. ظَهَرَتْ نِعْمَةُ اللهِ، وَفِيهَا نَجَاةُ كُلِّ النَّاسِ. وَهِيَ تُعَلِّمُنَا أَنْ نَمْتَنِعَ عَنْ كُلِّ شَرٍّ وَعَنْ شَهَوَاتِ الدُّنْيَا، وَأَنْ نَعِيشَ حَيَاةَ ضَبْطِ النَّفْسِ وَالصَّلَاحِ وَالتَّقْوَى فِي هَذَا الْعَالَمِ، بَيْنَمَا نَنْتَظِرُ أَنْ يَتَحَقَّقَ أَمَلُنَا السَّعِيدُ، بِمَجِيءِ إِلَهِنَا وَمُنْقِذِنَا الْعَظِيمِ عِيسَى الْمَسِيحِ فِي جَلَالِهِ. فَهُوَ الَّذِي ضَحَّى بِنَفْسِهِ مِنْ أَجْلِنَا لِكَيْ يَفْدِيَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، وَيَجْعَلَنَا شَعْبًا طَاهِرًا خَاصًّا لَهُ، وَمُتَحَمِّسًا لِعَمَلِ الْخَيْرِ. عَلِّمْهُمْ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، وَاسْتَعْمِلْ سُلْطَتَكَ الْكَامِلَةَ لِكَيْ تُشَجِّعَهُمْ أَوْ تُوَبِّخَهُمْ. لَا تَسْمَحْ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَهِينَ بِكَ. ذَكِّرِ الْإِخْوَةَ أَنْ يَخْضَعُوا لِلْحُكَّامِ وَالْقَادَةِ وَيُطِيعُوهُمْ، وَأَنْ يَكُونُوا دَائِمًا مُسْتَعِدِّينَ لِعَمَلِ الْخَيْرِ، وَلَا يَتَكَلَّمُوا بِالسُّوءِ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَتَعَارَكُوا، بَلْ يَكُونُوا لُطَفَاءَ يُعَامِلُونَ جَمِيعَ النَّاسِ بِكُلِّ وَدَاعَةٍ. نَحْنُ أَيْضًا فِي الْمَاضِي كُنَّا أَغْبِيَاءَ، غَيْرَ مُطِيعِينَ، ضَالِّينَ، مُسْتَعْبَدِينَ لِشَهَوَاتٍ وَمَلَذَّاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، نَعِيشُ فِي الْخُبْثِ وَالْحَسَدِ، وَكُنَّا نَكْرَهُ النَّاسَ وَالنَّاسُ يَكْرَهُونَا. فَلَمَّا ظَهَرَ لُطْفُ اللهِ مُنْقِذِنَا وَمَحَبَّتُهُ لِلنَّاسِ، أَنْقَذَنَا، لَا بِسَبَبِ أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ عَمِلْنَاهَا، بَلْ لِأَنَّهُ رَحِيمٌ. فَأَنْقَذَنَا بِأَنْ غَسَلَنَا بِالْمِيلَادِ الثَّانِي، وَجَدَّدَنَا بِالرُّوحِ الْقُدُّوسِ. وَأَفَاضَ الرُّوحَ عَلَيْنَا بِغَزَارَةٍ بِوَاسِطَةِ عِيسَى الْمَسِيحِ مُنْقِذِنَا. فَهُوَ اعْتَبَرَنَا صَالِحِينَ بِنِعْمَتِهِ، وَأَعْطَانَا نَصِيبًا مَعَهُ وَرَجَاءً فِي حَيَاةِ الْخُلُودِ. هَذَا كَلَامٌ حَقٌّ. وَأُرِيدُكَ أَنْ تُصِرَّ عَلَى هَذَا، لِكَيْ يَجْتَهِدَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَيُكَرِّسُوا أَنْفُسَهُمْ لِعَمَلِ الْخَيْرِ. فَهَذَا حَسَنٌ وَمُفِيدٌ لِلْكُلِّ. اِبْتَعِدْ عَنِ الْمُنَاقَشَاتِ الْغَبِيَّةِ، وَالْبَحْثِ فِي الْأَنْسَابِ، وَالْخِصَامِ، وَالنِّزَاعِ بِشَأْنِ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّ هَذِهِ تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ. الشَّخْصُ الَّذِي يُثِيرُ الْبِدَعَ، حَذِّرْهُ مَرَّةً ثُمَّ مَرَّةً ثَانِيَةً. بَعْدَ ذَلِكَ اقْطَعْ عَلَاقَتَكَ بِهِ. شَخْصٌ كَهَذَا هُوَ بِالتَّأْكِيدِ ضَالٌّ وَخَاطِئٌ وَحَكَمَ عَلَى نَفْسِهِ. عِنْدَمَا أُرْسِلُ لَكَ أَرْتِيمَ أَوِ الشَّدِيدَ، اِبْذِلْ كُلَّ جُهْدِكَ لِتَحْضُرَ إِلَيَّ فِي نُقُوبْلُسَ، لِأَنِّي قَرَّرْتُ أَنْ أَقْضِيَ الشِّتَاءَ هُنَاكَ. اِبْذِلْ كُلَّ جُهْدِكَ لِتُسَاعِدَ الزَّيْنَ الْمُحَامِيَ وَأَبُلُّوسَ وَهُمَا يَسْتَعِدَّانِ لِلسَّفَرِ، وَجَهِّزْهُمَا بِكُلِّ مَا يَحْتَاجَانِ إِلَيْهِ. الَّذِينَ هُمْ مِنْ جَمَاعَتِنَا يَجِبُ أَنْ يَتَعَلَّمُوا أَنْ يَجْتَهِدُوا فِي عَمَلِ الْخَيْرِ، لِسَدِّ الِاحْتِيَاجَاتِ الْيَوْمِيَّةِ، فَلَا يَعِيشُوا حَيَاةً غَيْرَ نَافِعَةٍ. كُلُّ الَّذِينَ مَعِي يُسَلِّمُونَ عَلَيْكَ. سَلِّمْ عَلَى أَحِبَّائِي فِي الْإِيمَانِ. النِّعْمَةُ مَعَكُمْ جَمِيعًا. مِنْ: بُولُسَ الْمَسْجُونِ فِي سَبِيلِ الْمَسِيحِ عِيسَى، وَمِنَ الْأَخِ تِيمُوتَاوُسَ. إِلَى: حَبِيبِنَا وَزَمِيلِنَا فِي الْخِدْمَةِ فِلِمُونَ، وَإِلَى الْأُخْتِ أَبِفِيَّةَ، وَإِلَى أَرْشِيبِي زَمِيلِنَا فِي الْجِهَادِ، وَإِلَى الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَجْتَمِعُونَ فِي دَارِكَ. عَلَيْكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلَامُ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَعِيسَـى الْمَسِيحِ مَوْلَانَا. أَخِي فِلِمُونَ: أَنَا أَشْكُرُ إِلَهِي دَائِمًا عِنْدَمَا أَذْكُرُكَ فِي صَلَاتِي، لِأَنِّي أَسْمَعُ عَنْ مَحَبَّتِكَ وَإِخْلَاصِكَ لِسَيِّدِنَا عِيسَى وَلِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ. وَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ تُشَارِكَ إِيمَانَكَ مَعَ الْآخَرِينَ بِنَشَاطٍ، فَتَخْتَبِرَ كُلَّ بَرَكَاتِ الْمَسِيحِ الَّتِي لَنَا. إِنَّ مَحَبَّتَكَ يَا أَخِي، تُفَرِّحُنِي وَتُشَجِّعُنِي جِدًّا، لِأَنَّكَ أَرَحْتَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ. لِذَلِكَ، بِمَا أَنِّي أَنْتَمِي لِلْمَسِيحِ، فَمِنْ حَقِّي أَنْ آمُرَكَ بِأَنْ تَعْمَلَ مَا هُوَ لَازِمٌ. لَكِنِّي مِنْ أَجْلِ الْمَحَبَّةِ الَّتِي بَيْنَنَا، فَضَّلْتُ أَنْ أَرْجُوَكَ. أَنَا بُولُسَ الرَّجُلَ الْعَجُوزَ، وَالْآنَ مَسْجُونٌ فِي سَبِيلِ الْمَسِيحِ عِيسَـى، أَرْجُوكَ مِنْ أَجْلِ ابْنِي نَافِعٍ، الَّذِي وَلَدْتُهُ فِي الْإِيمَانِ وَأَنَا فِي السِّجْنِ. فَهُوَ فِي الْمَاضِي كَانَ غَيْرَ نَافِعٍ لَكَ، أَمَّا الْآنَ فَهُوَ نَافِعٌ لَكَ وَلِي عَلَى السَّوَاءِ. وَأَنَا أُرْسِلُهُ لَكَ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ كِيَانِي. فَإِنِّي كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يَبْقَى مَعِي هُنَا لِيَخْدِمَنِي نِيَابَةً عَنْكَ وَأَنَا مَسْجُونٌ فِي سَبِيلِ الْإِنْجِيلِ. لَكِنِّي لَمْ أَرْغَبْ فِي أَنْ أَعْمَلَ شَيْئًا بِغَيْرِ مُوَافَقَتِكَ، لِكَيْ لَا تَكُونَ مُجْبَرًا فِي هَذَا الْمَعْرُوفِ، بَلْ حُرَّ الِاخْتِيَارِ. وَرُبَّمَا فَارَقَكَ فَتْرَةً قَصِيرَةً لِيَكُونَ لَكَ إِلَى الْأَبَدِ. لَا كَعَبْدٍ فِيمَا بَعْدُ، بَلْ أَفْضَلَ مِنْ عَبْدٍ، كَأَخٍ حَبِيبٍ. فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِي أَخِيَ الْحَبِيبُ، وَكَمْ بِالْأَوْلَى بِالنِّسْبَةِ لَكَ أَنْتَ؟ كَعَبْدٍ حَسَبَ الْعَلَاقَةِ الْبَشَرِيَّةِ، وَكَأَخٍ فِي الْمَسِيحِ. فَإِنْ كُنْتَ تَعْتَبِرُنِي شَرِيكَكَ، أَرْجُو أَنْ تُرَحِّبَ بِهِ كَمَا تُرَحِّبُ بِي أَنَا شَخْصِيًّا. وَإِنْ كَانَ أَسَاءَ إِلَيْكَ، أَوْ إِنْ كَانَ مَدْيُونًا لَكَ بِشَيْءٍ، اِحْسِبْ ذَلِكَ عَلَيَّ. هَذَا ضَمَانٌ مُوَقَّعٌ مِنِّي: أَنَا بُولُسَ سَأُسَدِّدُ الدَّيْنَ. وَلَا دَاعِيَ أَنْ أَذْكُرَ هُنَا أَنَّكَ أَنْتَ مَدْيُونٌ لِي بِحَيَاتِكَ نَفْسِهَا. لِذَلِكَ يَا أَخِي، أَرْجُوكَ أَنْ تَعْمَلَ مَعِي هَذَا الْمَعْرُوفَ لِوَجْهِ الْمَسِيحِ. أَرِحْ قَلْبِي كَأَخٍ لَكَ فِي الْمَسِيحِ. وَأَنَا أَكْتُبُ لَكَ هَذَا، لِأَنَّ عِنْدِي ثِقَةً أَنَّكَ سَتُطِيعُ، وَأَنَا عَارِفٌ أَنَّكَ سَتَفْعَلُ مَا أَطْلُبُهُ وَأَكْثَرَ. أَمْرٌ آخَرُ أُرِيدُهُ مِنْكَ، جَهِّزْ لِي مَكَانًا، لِأَنِّي أَرْجُو أَنْ يَسْتَجِيبَ اللهُ صَلَوَاتِكُمْ، فَأَحْضُرَ عِنْدَكُمْ لِزِيَارَتِكُمْ. أَبُو فِرَاسٍ الْمَسْجُونُ مَعِي مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ عِيسَـى، يُسَلِّمُ عَلَيْكَ. وَكَذَلِكَ مَرْقُسُ وَرِسْتُرْكِيُ وَدِيمَاسُ وَلُوقَا زُمَلَائِي فِي الْخِدْمَةِ. نِعْمَةُ عِيسَـى الْمَسِيحِ مَوْلَانَا مَعَ رُوحِكُمْ. فِي الْمَاضِي، كَلَّمَ اللهُ آبَاءَنَا بِوَاسِطَةِ الْأَنْبِيَاءِ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً وَبِطُرُقٍ مُتَنَوِّعَةٍ. وَلَكِنَّهُ الْآنَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْأَخِيرَةِ، كَلَّمَنَا بِوَاسِطَةِ ابْنِهِ الَّذِي جَعَلَهُ مَالِكًا لِكُلِّ شَيْءٍ، وَالَّذِي بِوَاسِطَتِهِ خَلَقَ الْعَالَمِينَ. فَالِابْنُ هُوَ ضِيَاءُ جَلَالِ اللهِ، وَالتَّعْبِيرُ الصَّادِقُ عَنْ جَوْهَرِهِ، وَالَّذِي يَحْفَظُ كُلَّ مَا فِي الْكَوْنِ بِكَلِمَتِهِ الْقَدِيرَةِ. فَلَمَّا أَتَمَّ تَطْهِيرَ ذُنُوبِ الْإِنْسَانِ، جَلَسَ عَنْ يَمِينِ الْجَلَالَةِ فِي السَّمَاءِ. فَصَارَ الِابْنُ أَعْظَمَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَالِاسْمُ الَّذِي أَعْطَاهُ لَهُ اللهُ أَعْظَمَ مِنْ أَسْمَائِهِمْ. لِأَنَّ اللهَ لَمْ يَقُلْ لِأَيِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: ”أَنْتَ ابْنِي، أَنَا الْيَوْمَ تَوَّجْتُكَ ابْنًا لِي.“ وَلَا قَالَ عَنْ أَيِّ وَاحِدٍ: ”أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا، وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا.“ وَلَكِنَّهُ يُقَدِّمُ ابْنَهُ الْبِكْرَ إِلَى الْعَالَمِ وَيَقُولُ: ”يَجِبُ أَنْ تَسْجُدَ لَهُ كُلُّ مَلَائِكَةِ اللهِ.“ ثُمَّ يَقُولُ عَنِ الْمَلَائِكَةِ: ”صَنَعْتَ مَلَائِكَتَكَ رِيَاحًا، وَخُدَّامَكَ لَهِيبَ نَارٍ.“ لَكِنَّهُ يُخَاطِبُ الِابْنَ فَيَقُولُ: ”اللَّهُمَّ، عَرْشُكَ ثَابِتٌ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ، أَنْتَ تَمْلِكُ عَلَى شَعْبِكَ بِالْعَدْلِ، أَنْتَ تُحِبُّ الْحَقَّ وَتَكْرَهُ الْبَاطِلَ، لِهَذَا عَظَّمَكَ اللهُ إِلَهُكَ فَوْقَ أَصْحَابِكَ، فَمَسَحَكَ بِزَيْتِ الْفَرَحِ.“ وَيَقُولُ لَهُ أَيْضًا: ”يَا رَبُّ، أَنْتَ فِي الْبَدْءِ أَسَّسْتَ الْأَرْضَ، وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ، هِيَ تَفْنَى وَأَنْتَ تَبْقَى، كُلُّهَا تَبْلَى كَمَا يَبْلَى الثَّوْبُ. تَطْوِيهَا كُلَّهَا كَرِدَاءٍ، ثُمَّ تُغَيِّرُهَا كَثَوْبٍ، أَمَّا أَنْتَ فَتَدُومُ وَلَا تَتَغَيَّرُ، وَسِنُوكَ لَا تَنْتَهِي أَبَدًا.“ فَهَلْ قَالَ اللهُ لِأَيِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَا قَالَهُ لِلِابْنِ: ”اِجْلِسْ عَنْ يَمِينِي، حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ تَحْتَ قَدَمَيْكَ“؟ لَا. فَالْمَلَائِكَةُ هِيَ أَرْوَاحٌ خَادِمَةٌ، يُرْسِلُهَا اللهُ لِتَخْدِمَ الَّذِينَ يَنَالُونَ النَّجَاةَ. لِهَذَا السَّبَبِ يَجِبُ أَنْ نَنْتَبِهَ أَكْثَرَ إِلَى الْكَلَامِ الَّذِي سَمِعْنَاهُ لِكَيْ لَا نَضِلَّ. فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الرِّسَالَةَ الَّتِي أَعْلَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ، ثَبَتَ أَنَّهَا صَادِقَةٌ، لِدَرَجَةِ أَنَّ كُلَّ مَنْ خَالَفَهَا أَوْ عَصَاهَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعِقَابُ الْعَادِلُ. فَكَيْفَ نَهْرُبُ نَحْنُ إِنْ كُنَّا نُهْمِلُ هَذِهِ النَّجَاةَ الْعَظِيمَةَ؟ فَإِنَّ الْمَسِيحَ نَفْسَهُ أَعْلَنَهَا أَوَّلًا، ثُمَّ الَّذِينَ سَمِعُوهُ أَكَّدُوهَا لَنَا. وَأَيَّدَ اللهُ شَهَادَتَهُمْ بِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ وَمُعْجِزَاتٍ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ، وَبِمَوَاهِبِ الرُّوحِ الْقُدُّوسِ الَّتِي وَزَّعَهَا حَسَبَ إِرَادَتِهِ. ثُمَّ إِنَّ الْآخِرَةَ الَّتِي نَتَكَلَّمُ عَنْهَا، لَمْ يُخْضِعْهَا اللهُ لِلْمَلَائِكَةِ. فَأَعْلَنَ وَاحِدٌ عَنْ هَذَا فِي مَكَانٍ مَا فِي الْكِتَابِ وَقَالَ: ”مَا هُوَ الْإِنْسَانُ حَتَّى تُفَكِّرَ فِيهِ؟ وَمَا هُوَ الْبَشَرُ حَـتَّى تَهْـتَمَّ بِهِ؟ جَعَلْتَهُ أَقَلَّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَلِيلًا، ثُمَّ تَوَّجْتَهُ بِالْجَلَالِ وَالْكَرَامَةِ، وَأَخْضَعْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ.“ وَمَا دَامَ اللهُ أَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ لَهُ، فَهَذَا يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ أَيَّ شَيْءٍ غَيْرَ خَاضِعٍ لَهُ. لَكِنَّنَا فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ، لَا نَرَى كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ سُلْطَتِهِ. إِنَّمَا نَرَى عِيسَى الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ أَقَلَّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَلِيلًا، الْآنَ مُتَوَّجًا بِالْجَلَالِ وَالْكَرَامَةِ لِأَنَّهُ تَأَلَّمَ وَمَاتَ. فَهُوَ بِنِعْمَةِ اللهِ مَاتَ مِنْ أَجْلِ كُلِّ النَّاسِ. اللهُ هُوَ صَانِعُ كُلَّ شَيْءٍ بِقُوَّتِهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ مَوْجُودٌ لِجَلَالِهِ. فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُحْضِرَ أَبْنَاءً كَثِيرِينَ إِلَى جَلَالِهِ، جَعَلَ الَّذِي يَقُودُهُمْ إِلَى النَّجَاةِ يُكَمِّلُ عَمَلَهُ بِوَاسِطَةِ الْأَلَمِ. فَإِنَّ عِيسَى الَّذِي يُطَهِّرُ وَالْأَشْخَاصَ الَّذِينَ طَهَّرَهُمْ هُمْ مِنْ عَائِلَةٍ وَاحِدَةٍ. وَلِهَذَا فَهُوَ لَا يَخْجَلُ أَنْ يَدْعُوَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ إِخْوَةً. فَيَقُولُ: ”أُعْلِنُ اسْمَكَ لِإِخْوَتِي، وَأُسَبِّحُكَ وَسَطَ الْجَمَاعَةِ.“ وَيَقُولُ أَيْضًا: ”عَلَى اللهِ أَتَوَكَّلُ.“ وَأَيْضًا: ”لَبَّيْكَ! وَمَعِيَ الْأَوْلَادُ الَّذِينَ أَعْطَاهُمُ اللهُ لِي.“ وَبِمَا أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَوْلَادَ هُمْ بَشَرٌ مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ، فَإِنَّ عِيسَى نَفْسَهُ صَارَ بَشَرًا مِثْلَهُمْ، لِكَيْ يَمُوتَ وَبِذَلِكَ يَقْضِيَ عَلَى إِبْلِيسَ الَّذِي لَهُ سُلْطَةُ الْمَوْتِ، وَيُحَرِّرَ الَّذِينَ كَانُوا طُولَ حَيَاتِهِمْ عَبِيدًا لِلْخَوْفِ مِنَ الْمَوْتِ. فَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّهُ جَاءَ لَا لِيُسَاعِدَ الْمَلَائِكَةَ، بَلْ لِيُسَاعِدَ نَسْلَ إِبْرَاهِيمَ. لِذَلِكَ كَانَ لَا بُدَّ أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِيَكُونَ حَبْرَهُمُ الْأَعْلَى الرَّحِيمَ الْأَمِينَ، الَّذِي يَخْدِمُ اللهَ وَيُكَفِّرُ عَنْ ذُنُوبِ النَّاسِ. وَبِمَا أَنَّهُ هُوَ نَفْسَهُ تَأَلَّمَ وَامْتُحِنَ، فَهُوَ قَادِرٌ أَنْ يُعِينَ مَنْ هُمْ فِي مِحْنَةٍ. إِذَنْ يَا إِخْوَتِيَ الصَّالِحِينَ، يَا مَنْ دَعَاكُمُ اللهُ، فَكِّرُوا فِي عِيسَى، الرَّسُولِ وَالْحَبْرِ الْأَعْلَى الَّذِي نَشْهَدُ بِهِ عَلَنًا. فَهُوَ أَمِينٌ للهِ الَّذِي اخْتَارَهُ، كَمَا كَانَ مُوسَى أَمِينًا فِي بَيْتِ اللهِ كُلِّهِ. لَكِنَّ عِيسَى يَسْتَحِقُّ كَرَامَةً أَعْظَمَ مِنْ مُوسَى، كَمَا أَنَّ الَّذِي يَبْنِي الْبَيْتَ لَهُ كَرَامَةٌ أَعْظَمُ مِنَ الْبَيْتِ نَفْسِهِ. كُلُّ بَيْتٍ لَهُ مَنْ يَبْنِيهِ، لَكِنَّ الَّذِي يَبْنِي كُلَّ شَيْءٍ هُوَ اللهُ. فَمُوسَى كَانَ أَمِينًا بِصِفَتِهِ خَادِمًا فِي بَيْتِ اللهِ كُلِّهِ، لِيُعْلِنَ الرِّسَالَةَ الَّتِي كَانَ يَجِبُ أَنْ تُبَلَّغَ. أَمَّا الْمَسِيحُ، فَهُوَ أَمِينٌ بِصِفَتِهِ الِابْنَ الَّذِي يَتَسَلَّطُ عَلَى بَيْتِ اللهِ. وَنَحْنُ بَيْتُهُ، إِنْ كُنَّا نَتَمَسَّكُ بِثَبَاتِنَا وَالرَّجَاءِ الَّذِي نَفْخَرُ بِهِ. لِذَلِكَ كَمَا يَقُولُ الرُّوحُ الْقُدُّوسُ: ”اِسْمَعُوا صَوْتَهُ الْيَوْمَ، وَلَا تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ كَمَا فَعَلْتُمْ وَقْتَ الْعِصْيَانِ، يَوْمَ الِامْتِحَانِ فِي الصَّحْرَاءِ، لَمَّا اخْتَبَرَنِي آبَاؤُكُمْ وَامْتَحَنُونِي، مَعَ أَنَّهُمْ رَأَوْا أَعْمَالِي 40 سَنَةً. لِذَلِكَ غَضِبْتُ عَلَى ذَلِكَ الْجِيلِ، وَقُلْتُ إِنَّ قُلُوبَهُمْ دَائِمًا ضَالَّةٌ، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ طُرُقِي، لِذَلِكَ أَقْسَمْتُ فِي غَضَبِي، أَنَّهُمْ لَنْ يَدْخُلُوا إِلَى رَاحَتِي.“ إِذَنْ يَا إِخْوَتِي، اِحْذَرُوا مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ وَاحِدٌ قَلْبُهُ شِرِّيرٌ وَعَدِيمُ الْإِيمَانِ فَيَرْتَدَّ عَنِ اللهِ الْحَيِّ. بَلْ بِمَا أَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي يَذْكُرُهُ الْكِتَابُ مَا زَالَ مَوْجُودًا، فَيَجِبُ أَنْ تُشَجِّعُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كُلَّ يَوْمٍ، لِئَلَّا تَخْدَعَ الْخَطِيئَةُ أَحَدًا مِنْكُمْ فَيُصْبِحَ عَنِيدًا. نَحْنُ لَنَا نَصِيبٌ فِي الْمَسِيحِ إِنْ كُنَّا نَتَمَسَّكُ إِلَى النِّهَايَةِ بِالثِّقَةِ الَّتِي عِنْدَنَا مِنَ الْبِدَايَةِ. لِأَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ لَنَا نَحْنُ أَيْضًا: ”اِسْمَعُوا صَوْتَهُ الْيَوْمَ، وَلَا تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ كَمَا فَعَلْتُمْ وَقْتَ الْعِصْيَانِ.“ فَمَنْ هُمُ الَّذِينَ سَمِعُوا صَوْتَهُ وَتَمَرَّدُوا عَلَيْهِ؟ هُمْ كُلُّ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ مِصْرَ بِقِيَادَةِ مُوسَى. وَعَلَى مَنْ غَضِبَ 40 سَنَةً؟ عَلَى الَّذِينَ أَذْنَبُوا، فَسَقَطُوا مَيِّتِينَ فِي الصَّحْرَاءِ. وَلِمَنْ أَقْسَمَ اللهُ أَنَّهُمْ لَنْ يَدْخُلُوا إِلَى رَاحَتِهِ؟ بِالتَّأْكِيدِ لِلَّذِينَ لَمْ يُطِيعُوهُ. إِذَنْ نَرَى أَنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا بِسَبَبِ عَدَمِ إِيمَانِهِمْ. إِنَّ وَعْدَ اللهِ لَنَا بِأَنْ نَدْخُلَ إِلَى رَاحَتِهِ مَا زَالَ يَسْرِي لِحَدِّ الْآنَ. لَكِنْ يَجِبُ أَنْ نَنْتَبِهَ، لِئَلَّا يُحْرَمَ مِنْهُ أَيُّ وَاحِدٍ فِيكُمْ. فَنَحْنُ سَمِعْنَا الْبِشَارَةَ كَمَا سَمِعُوهَا هُمْ. لَكِنَّ الرِّسَالَةَ الَّتِي سَمِعُوهَا لَمْ تَنْفَعْهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوهَا لَمْ يَقْبَلُوهَا بِإِيمَانٍ. أَمَّا نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا، فَنَدْخُلُ إِلَى رَاحَةِ اللهِ. كَمَا قَالَ: ”أَقْسَمْتُ فِي غَضَبِي، أَنَّهُمْ لَنْ يَدْخُلُوا إِلَى رَاحَتِي.“ قَالَ هَذَا مَعَ أَنَّ عَمَلَهُ تَمَّ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِينَ. وَيَقُولُ الْوَحْيُ فِي مَكَانٍ مَا فِي الْكِتَابِ عَنِ الْيَوْمِ السَّابِعِ: ”ثُمَّ تَوَقَّفَ اللهُ عَنْ كُلِّ عَمَلِهِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ.“ ثُمَّ قَالَ فِي الْفَقْرَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا: ”لَنْ يَدْخُلُوا إِلَى رَاحَتِي.“ فَالَّذِينَ سَمِعُوا الْإِنْجِيلَ أَوَّلًا، لَمْ يَدْخُلُوا إِلَى تِلْكَ الرَّاحَةِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُطِيعُوا. فَوَاضِحٌ إِذَنْ أَنَّ الرَّاحَةَ الْإِلَهِيَّةَ هِيَ بِانْتِظَارِ آخَرِينَ سَيَدْخُلُونَ إِلَيْهَا. لِأَنَّ اللهَ عَيَّنَ يَوْمًا آخَرَ يَقُولُ عَنْهُ: ”الْيَوْمَ“ وَتَكَلَّمَ عَنْ هَذَا بَعْدَ ذَلِكَ بِسِنِينَ كَثِيرَةٍ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ فِي الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ قَبْلُ: ”اِسْمَعُوا صَوْتَهُ الْيَوْمَ، وَلَا تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ.“ وَلَوْ كَانَ يَشُوعُ أَدْخَلَ الشَّعْبَ إِلَى الرَّاحَةِ الْإِلَهِيَّةِ، فَلِمَاذَا يَتَكَلَّمُ اللهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ يَوْمٍ آخَرَ؟ إِذَنْ بَقِيَتْ رَاحَةٌ حَقِيقِيَّةٌ لِشَعْبِ اللهِ. لِأَنَّ مَنْ يَدْخُلُ إِلَى رَاحَةِ اللهِ، يَتَوَقَّفُ هُوَ أَيْضًا عَنْ عَمَلِهِ، كَمَا تَوَقَّفَ اللهُ عَنْ عَمَلِهِ. فَيَجِبُ أَنْ نَبْذِلَ كُلَّ جُهْدِنَا لِكَيْ نَدْخُلَ إِلَى تِلْكَ الرَّاحَةِ، وَلَا يَفْشَلَ أَحَدٌ مِنَّا كَمَا فَشِلَ الَّذِينَ لَمْ يُطِيعُوا. كَلِمَةُ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ، وَهِيَ حَادَّةٌ أَكْثَرُ مِنْ كُلِّ سَيْفٍ بِحَدَّيْنِ، وَتَنْفُذُ إِلَى الْعُمْقِ، إِلَى مَا بَيْنَ النَّفْسِ وَالرُّوحِ، وَمَا بَيْنَ الْمَفَاصِلِ وَالنُّخَاعِ، وَهِيَ قَادِرَةٌ أَنْ تَفْحَصَ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ. فَلَا يُوجَدُ شَيْءٌ فِي الْخَلِيقَةِ كُلِّهَا يَخْفَى عَلَى اللهِ. بَلْ كُلُّ شَيْءٍ عُرْيَانٌ وَمَكْشُوفٌ أَمَامَ عَيْنَيْهِ، هُوَ الَّذِي سَنُؤَدِّي لَهُ حِسَابَ أَنْفُسِنَا. إِذَنْ بِمَا أَنَّ لَنَا حَبْرَنَا الْأَعْلَى الْعَظِيمَ، عِيسَى ابْنَ اللهِ، الَّذِي صَعِدَ وَدَخَلَ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَجِبُ أَنْ نَتَمَسَّكَ بِإِيمَانِنَا الَّذِي نَشْهَدُ بِهِ عَلَنًا. لِأَنَّ حَبْرَنَا الْأَعْلَى هَذَا قَادِرٌ أَنْ يَفْهَمَ ضَعْفَنَا، لِأَنَّهُ امْتُحِنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَنَا، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُخْطِئْ أَبَدًا. فَيَجِبُ أَنْ نَتَقَرَّبَ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ اللهِ حَيْثُ النِّعْمَةُ، لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً تُعِينُنَا فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ. كُلُّ حَبْرٍ أَعْلَى يُؤْخَذُ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، وَيُعَيَّنُ لِيَكُونَ نَائِبًا عَنْهُمْ أَمَامَ اللهِ، فَيُقَدِّمَ للهِ قَرَابِينَ وَضَحَايَا لِلتَّكْفِيرِ عَنْ ذُنُوبِهِمْ. وَلِأَنَّهُ هُوَ نَفْسَهُ مُعَرَّضٌ لِلضَّعْفِ الْبَشَرِيِّ، فَيَقْدِرُ أَنْ يَعْطِفَ عَلَى الْجُهَّالِ وَالضَّالِّينَ. وَبِسَبَبِ ضَعْفِهِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ ضَحَايَا لِيُكَفِّرَ عَنْ ذُنُوبِهِ هُوَ أَيْضًا، كَمَا كَانَ يُكَفِّرُ عَنْ ذُنُوبِ النَّاسِ. وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَتَّخِذُ لِنَفْسِهِ هَذِهِ الْوَظِيفَةَ الشَّرِيفَةَ، إِنَّمَا كَانَتْ تَأْتِي بِدَعْوَةٍ مِنَ اللهِ، كَمَا حَدَثَ مَعَ هَارُونَ. كَذَلِكَ الْمَسِيحُ، لَمْ يَرْفَعْ نَفْسَهُ لِيَصِيرَ الْحَبْرَ الْأَعْلَى، بَلِ اللهُ هُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ: ”أَنْتَ ابْنِي، أَنَا الْيَوْمَ تَوَّجْتُكَ ابْنًا لِي.“ وَقَالَ لَهُ فِي مَكَانٍ آخَرَ: ”أَنْتَ حَبْرٌ إِلَى الْأَبَدِ مِثْلُ الْمَلِكِ صَادِقَ.“ وَالْمَسِيحُ، فِي أَثْنَاءِ وُجُودِهِ كَإِنْسَانٍ هُنَا عَلَى الْأَرْضِ، قَدَّمَ صَلَوَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ، إِلَى اللهِ الْقَادِرِ أَنْ يُنْقِذَهُ مِنَ الْمَوْتِ فَاسْتَجَابَ لَهُ لِتَقْوَاهُ. وَمَعَ أَنَّهُ الِابْنُ، تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ بِوَاسِطَةِ الْأَلَمِ الَّذِي قَاسَاهُ. وَبَعْدَمَا أَكْمَلَ عَمَلَهُ، أَصْبَحَ قَادِرًا أَنْ يُعْطِيَ النَّجَاةَ الْأَبَدِيَّةَ لِكُلِّ الَّذِينَ يُطِيعُونَهُ. لِأَنَّ اللهَ عَيَّنَهُ حَبْرًا أَعْلَى مِثْلَ الْمَلِكِ صَادِقَ. وَعِنْدِي كَلَامٌ كَثِيرٌ يُمْكِنُ أَنْ أَقُولَهُ بِهَذَا الشَّأْنِ، لَكِنَّ شَرْحَهُ صَعْبٌ عَلَيْكُمْ، لِأَنَّكُمْ بُلَدَاءُ فِي الْفَهْمِ. كَانَ يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا الْآنَ مُعَلِّمِينَ، لَكِنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ مِنْ جَدِيدٍ إِلَى مَنْ يُعَلِّمُكُمُ الْمَبَادِئَ الْأَوَّلِيَّةَ لِكَلَامِ اللهِ. أَنْتُمْ مَا زِلْتُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى اللَّبَنِ الْحَلِيبِ، بَدَلًا مِنَ الطَّعَامِ الْقَوِيِّ. فَمَنْ يَتَغَذَّى بِاللَّبَنِ الْحَلِيبِ، هُوَ طِفْلٌ رَضِيعٌ عَدِيمُ الْخِبْرَةِ فِي التَّعْلِيمِ الْقَوِيمِ. أَمَّا الطَّعَامُ الْقَوِيُّ، فَهُوَ لِلْبَالِغِينَ الَّذِينَ حَوَاسُّهُمْ مُدَرَّبَةٌ بِطَرِيقَةٍ عَمَلِيَّةٍ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. إِذَنْ يَجِبُ أَنْ نَتَقَدَّمَ إِلَى النُّضْجِ، وَنَتْرُكَ وَرَاءَنَا الدُّرُوسَ الْأَوَّلِيَّةَ عَنِ الْمَسِيحِ، فَلَا نَعُودَ إِلَى الْكَلَامِ عَنِ التَّوْبَةِ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى الْمَوْتِ، وَعَنِ الْإِيمَانِ بِاللهِ، وَشَعَائِرِ التَّغْطِيسِ، وَوَضْعِ الْأَيْدِي، وَقِيَامَةِ الْمَوْتَى، وَعِقَابِ الْآخِرَةِ. لَا، بَلْ نَتَقَدَّمُ إِلَى النُّضْجِ، وَذَلِكَ بِإِذْنِ اللهِ. أَمَّا الَّذِينَ جَاءُوا إِلَى النُّورِ، وَذَاقُوا عَطِيَّةَ السَّمَاءِ، وَنَالُوا نَصِيبًا مِنَ الرُّوحِ الْقُدُّوسِ، وَذَاقُوا حَلَاوَةَ كَلِمَةِ اللهِ، وَمُعْجِزَاتِ الْحَيَاةِ الْجَدِيدَةِ، ثُمَّ ارْتَدُّوا، لَا يُمْكِنُ إِرْجَاعُهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ مَرَّةً أُخْرَى، لِأَنَّهُمْ هُمْ أَنْفُسَهُمْ يَصْلِبُونَ ابْنَ اللهِ مَرَّةً ثَانِيَةً، وَيَهْزَأُونَ بِهِ عَلَنًا. فَالْأَرْضُ الَّتِي تَشْرَبُ الْمَطَرَ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهَا مِنْ وَقْتٍ لِآخَرَ، وَتُنْتِجُ مَحْصُولًا نَافِعًا لِمَنْ يَفْلَحُهَا، يُبَارِكُهَا اللهُ. أَمَّا إِنْ كَانَتْ تُنْبِتُ شَوْكًا وَعُلَّيْقًا، فَهِيَ عَدِيمَةُ الْقِيمَةِ، وَتَسْتَحِقُّ اللَّعْنَةَ، وَيَكُونُ مَصِيرَهَا الْحَرْقُ. وَمَعَ أَنَّنَا نَقُولُ هَذَا أَيُّهَا الْأَحِبَّاءُ، لَكِنَّنَا مُتَأَكِّدُونَ أَنَّكُمْ فِي حَالَةٍ أَفْضَلَ وَأَنَّكُمْ سَائِرُونَ فِي طَرِيقِ النَّجَاةِ. لِأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَالِمٍ حَتَّى يَنْسَى عَمَلَكُمْ، وَلَا مَحَبَّتَكُمْ لَهُ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي أَنَّكُمْ خَدَمْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا تَزَالُونَ تَخْدِمُونَهُمْ. وَرَغْبَتُنَا الشَّدِيدَةُ هِيَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يُظْهِرُ نَفْسَ الْحَمَاسِ، وَيَتَمَسَّكُ بِالرَّجَاءِ إِلَى النِّهَايَةِ. لَا تَكُونُوا كَسَالَى، بَلِ اقْتَدُوا بِالَّذِينَ يَحْصُلُونَ عَلَى مَوَاعِيدِ اللهِ بِالْإِيمَانِ وَالصَّبْرِ. فَلَمَّا وَعَدَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ، أَقْسَمَ بِنَفْسِهِ، لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ أَعْظَمُ مِنْهُ يُقْسِمُ بِهِ. فَقَالَ لِإِبْرَاهِيمَ: ”سَأُبَارِكُكَ وَأُعْطِيكَ نَسْلًا كَثِيرًا.“ لِذَلِكَ انْتَظَرَ إِبْرَاهِيمُ بِصَبْرٍ حَتَّى نَالَ الْوَعْدَ. فَالْوَاقِعُ أَنَّ النَّاسَ يُقْسِمُونَ بِمَنْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُمْ. وَالْقَسَمُ يُؤَكِّدُ كَلَامَهُمْ وَيُنْهِي الْخِلَافَ بَيْنَهُمْ. وَكَذَلِكَ لَمَّا أَرَادَ اللهُ أَنْ يُؤَكِّدَ لِلَّذِينَ يَنَالُونَ الْوَعْدَ أَنَّ قَرَارَهُ لَنْ يَتَغَيَّرَ أَبَدًا، أَثْبَتَهُ لَهُمْ بِقَسَمٍ. فَعَنْ طَرِيقِ أَمْرَيْنِ لَا يَتَغَيَّرَانِ وَلَا يُمْكِنُ للهِ أَنْ يَكْذِبَ فِيهِمَا، أَيِ الْوَعْدِ وَالْقَسَمِ، أَرَادَ أَنْ نَتَشَجَّعَ جِدًّا، نَحْنُ الَّذِينَ لَجَأْنَا إِلَيْهِ لِنَتَمَسَّكَ بِالرَّجَاءِ الْمُقَدَّمِ لَنَا. هَذَا الرَّجَاءُ هُوَ مِرْسَاةٌ ثَابِتَةٌ وَمَأْمُونَةٌ تَسْتَقِرُّ عَلَيْهَا نُفُوسُنَا. وَهُوَ يَدْخُلُ وَرَاءَ السِّتَارَةِ إِلَى الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ، حَيْثُ دَخَلَ عِيسَى قَبْلَنَا نِيَابَةً عَنَّا، وَصَارَ الْحَبْرَ الْأَعْلَى لِلْأَبَدِ مِثْلَ الْمَلِكِ صَادِقَ. فَالْمَلِكُ صَادِقُ هَذَا كَانَ مَلِكَ سَالِيمَ، وَحَبْرَ اللهِ الْعَلِيِّ. وَهُوَ الَّذِي قَابَلَ إِبْرَاهِيمَ وَبَارَكَهُ لَمَّا كَانَ إِبْرَاهِيمُ رَاجِعًا بَعْدَمَا هَزَمَ الْمُلُوكَ. فَأَعْطَاهُ إِبْرَاهِيمُ الْعُشْرَ مِنْ كُلِّ الْغَنِيمَةِ. وَتَفْسِيرُ اسْمِهِ هُوَ أَوَّلًا: 'الْمَلِكُ صَادِقُ' أَيْ 'مَلِكُ الْعَدْلِ' ثُمَّ 'مَلِكُ سَالِيمَ' أَيْ 'مَلِكُ السَّلَامِ.' وَنَحْنُ لَا نَعْرِفُ شَيْئًا عَنْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ نَسَبِهِ أَوْ بِدَايَةِ حَيَاتِهِ أَوْ نِهَايَتِهَا. بَلْ هُوَ مِثْلُ ابْنِ اللهِ يَبْقَى حَبْرًا إِلَى الْأَبَدِ. فَتَأَمَّلُوا فِي عَظَمَتِهِ! أَبُونَا إِبْرَاهِيمُ نَفْسُهُ، أَعْطَاهُ الْعُشْرَ مِنَ الْغَنِيمَةِ. ثُمَّ إِنَّ الْأَحْبَارَ الَّذِينَ مِنْ بَنِي لَاوِي، تَأْمُرُهُمُ التَّوْرَاةُ أَنْ يَأْخُذُوا الْعُشْرَ مِنَ الشَّعْبِ، أَيْ مِنْ إِخْوَتِهِمْ، مَعَ أَنَّهُمْ هُمْ أَيْضًا مِنْ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ، أَمَّا الْمَلِكُ صَادِقُ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ نَسْلِ لَاوِي، فَأَخَذَ الْعُشْرَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارَكَ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي لَهُ الْوُعُودُ مِنَ اللهِ! وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ الْأَكْبَرَ يُبَارِكُ الْأَصْغَرَ. فَالْأَحْبَارُ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الْعُشْرَ هُمْ بَشَرٌ يَمُوتُونَ، أَمَّا الْمَلِكُ صَادِقُ الَّذِي أَخَذَ الْعُشْرَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ، فَيَشْهَدُ عَنْهُ الْكِتَابُ أَنَّهُ حَيٌّ. بَلْ وَأَكْثَرُ مِنْ هَذَا، يُمْكِنُ أَنْ نَقُولَ إِنَّ لَاوِيَ الَّذِي يَأْخُذُ الْعُشْرَ، هُوَ نَفْسُهُ دَفَعَ الْعُشْرَ عَنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ. لِأَنَّهُ كَانَ فِي صُلْبِ جَدِّهِ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا قَابَلَهُ الْمَلِكُ صَادِقُ. إِنَّ الْمُهِمَّةَ الَّتِي يَقُومُ بِهَا الْحَبْرُ اللَّاوِيُّ هِيَ أَسَاسُ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أُعْطِيَتْ لِلشَّعْبِ. لَكِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْوُصُولُ إِلَى الْكَمَالِ عَنْ طَرِيقِ مُهِمَّةِ هَذَا الْحَبْرِ، لِذَلِكَ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَقُومَ حَبْرٌ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ مِثْلُ الْمَلِكِ صَادِقَ وَلَيْسَ مِثْلَ هَارُونَ. وَبِمَا أَنَّ مُهِمَّةَ الْحَبْرِ تَغَيَّرَتْ، فَلَا بُدَّ أَنْ تَتَغَيَّرَ الشَّرِيعَةُ أَيْضًا. وَالَّذِي نَتَحَدَّثُ عَنْهُ هُنَا، أَيِ الْمَسِيحُ، يَنْتَمِي إِلَى قَبِيلَةٍ أُخْرَى، لَمْ يَخْدِمْ مِنْهَا أَحَدٌ عِنْدَ مَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ. لِأَنَّهُ مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ سَيِّدَنَا جَاءَ مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا، وَمُوسَى لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ سَيَقُومُ أَحْبَارٌ مِنْ هَذِهِ الْقَبِيلَةِ. وَمِمَّا يَزِيدُ الْأَمْرَ وُضُوحًا أَنَّ الْحَبْرَ الْآخَرَ يَقُومُ عَلَى مِثَالِ الْمَلِكِ صَادِقَ، لَا بِحَسَبِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي تَنُصُّ عَلَى نَسَبٍ بَشَرِيٍّ مُعَيَّنٍ، بَلْ بِوَاسِطَةِ قُوَّةِ حَيَاتِهِ الَّتِي لَا تَزُولُ. لِأَنَّ الْكِتَابَ يَشْهَدُ لَهُ: ”أَنْتَ حَبْرٌ إِلَى الْأَبَدِ مِثْلُ الْمَلِكِ صَادِقَ.“ فَالنِّظَامُ الْقَدِيمُ أُلْغِيَ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَغَيْرُ نَافِعٍ، وَلِأَنَّ الشَّرِيعَةَ لَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تُوَصِّلَ إِلَى الْكَمَالِ. فَالْآنَ جَاءَ رَجَاءٌ أَفْضَلُ، بِوَاسِطَتِهِ نَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ. وَتَمَّ هَذَا بِوَاسِطَةِ قَسَمٍ. كَانَ الْآخَرُونَ يَصِيرُونَ أَحْبَارًا بِغَيْرِ قَسَمٍ، أَمَّا عِيسَى فَصَارَ حَبْرًا بِوَاسِطَةِ قَسَمٍ مِنَ اللهِ الَّذِي قَالَ لَهُ: ”أَقْسَمَ اللهُ وَلَنْ يَتَرَاجَعَ فِي كَلَامِهِ، أَنْتَ حَبْرٌ إِلَى الْأَبَدِ.“ لِهَذَا صَارَ عِيسَى ضَامِنَ عَهْدٍ أَفْضَلَ مِنَ الْعَهْدِ الْأَوَّلِ. وَيُوجَدُ فَرْقٌ آخَرُ، هُوَ أَنَّ أُولَئِكَ الْأَحْبَارَ كَانُوا كَثِيرِينَ لِأَنَّ الْمَوْتَ كَانَ يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْبَقَاءِ فِي مُهِمَّتِهِمْ. أَمَّا عِيسَى، فَهُوَ حَبْرٌ لَا يَتَغَيَّرُ، لِأَنَّهُ يَبْقَى إِلَى الْأَبَدِ. لِذَلِكَ هُوَ قَادِرٌ أَنْ يُنْقِذَ إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللهِ بِوَاسِطَتِهِ، لِأَنَّهُ حَيٌّ دَائِمًا لِيَشْفَعَ فِيهِمْ. فَهَذَا هُوَ الْحَبْرُ الْأَعْلَى الَّذِي يُنَاسِبُ حَاجَتَنَا فِعْلًا، لِأَنَّهُ قُدُّوسٌ وَطَاهِرٌ وَبِلَا عَيْبٍ، يَخْتَلِفُ عَنِ الْبَشَرِ الْمُذْنِبِينَ، وَقَدِ ارْتَفَعَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ. وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يُقَدِّمَ ضَحَايَا كُلَّ يَوْمٍ لِيُكَفِّرَ عَنْ ذُنُوبِهِ أَوَّلًا ثُمَّ عَنْ ذُنُوبِ الشَّعْبِ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ الْحَبْرُ الْأَعْلَى فِي الْقَدِيمِ، لِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً لَمَّا ضَحَّى بِنَفْسِهِ. فَالشَّرِيعَةُ تُعَيِّنُ فِي رُتْبَةِ الْحَبْرِ الْأَعْلَى بَشَرًا ضُعَفَاءَ، أَمَّا الْقَسَمُ الَّذِي جَاءَ بَعْدَ الشَّرِيعَةِ، فَيُعَيِّنُ ابْنَ اللهِ الْكَامِلَ لِيَكُونَ الْحَبْرَ الْأَعْلَى إِلَى الْأَبَدِ. وَأَهَمُّ مَا أُرِيدُ أَنْ أَقُولَهُ هُنَا، هُوَ أَنَّ هَذَا هُوَ حَبْرُنَا الْأَعْلَى، الَّذِي جَلَسَ عَنْ يَمِينِ عَرْشِ الْجَلَالَةِ فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ يَخْدِمُ فِي أَقْدَسِ مَكَانٍ، أَيْ فِي الْخَيْمَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي أَقَامَهَا اللهُ لَا إِنْسَانٌ. وَبِمَا أَنَّ كُلَّ حَبْرٍ أَعْلَى يُعَيَّنُ لِيُقَدِّمَ قَرَابِينَ وَضَحَايَا، إِذَنْ يَجِبُ أَنَّ هَذَا الْحَبْرَ الْأَعْلَى أَيْضًا يَكُونُ لَهُ مَا يُقَدِّمُهُ. فَلَوْ كَانَ الْمَسِيحُ هُنَا عَلَى الْأَرْضِ، لَمَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ حَبْرًا لِأَنَّهُ يُوجَدُ أَحْبَارٌ آخَرُونَ يُقَدِّمُونَ الْقَرَابِينَ حَسَبَ الشَّرِيعَةِ. وَهُمْ يَخْدِمُونَ فِي قُدْسٍ هُوَ صُورَةٌ وَظِلٌّ لِلَّذِي فِي السَّمَاءِ. وَهَذَا وَاضِحٌ، فَإِنَّ مُوسَى قَبْلَ أَنْ يَصْنَعَ خَيْمَةَ الْعِبَادَةِ قَالَ لَهُ اللهُ: ”اِنْتَبِهْ! يَجِبُ أَنْ تَعْمَلَ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ الْمِثَالِ الَّذِي أَرَيْتُهُ لَكَ عَلَى الْجَبَلِ.“ أَمَّا الْمَسِيحُ، فَحَصَلَ عَلَى خِدْمَةٍ أَفْضَلَ جِدًّا مِنْ خِدْمَةِ أُولَئِكَ الْأَحْبَارِ، لِأَنَّهُ وَسِيطٌ لِعَهْدٍ أَفْضَلَ، وَلِأَنَّ هَذَا الْعَهْدَ مُؤَسَّسٌ عَلَى وُعُودٍ أَفْضَلَ. فَلَوْ كَانَ الْعَهْدُ الْأَوَّلُ بِلَا عَيْبٍ، فَلِمَاذَا نَحْتَاجُ إِلَى عَهْدٍ آخَرَ يَحِلُّ مَحَلَّهُ؟ لَكِنَّ اللهَ يَلُومُ الشَّعْبَ وَيَقُولُ: ”هَذَا كَلَامُ اللهِ، سَيَأْتِي وَقْتٌ، أَعْمَلُ فِيهِ عَهْدًا جَدِيدًا، مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَنِي يَهُوذَا. لَا كَالْعَهْدِ الَّذِي عَمِلْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ، لَمَّا أَمْسَكْتُ بِيَدِهِمْ وَأَخْرَجْتُهُمْ مِنْ مِصْرَ، لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا عَهْدِي فَأَهْمَلْتُهُمْ. هَذَا كَلَامُ اللهِ. وَهَذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَعْمَلُهُ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ، هَذَا كَلَامُ اللهِ. أَضَعُ شَرِيعَتِي فِي فِكْرِهِمْ، وَأَكْتُبُهَا فِي قَلْبِهِمْ، وَأَكُونُ إِلَهَهُمْ، وَهُمْ يَكُونُونَ شَعْبِي. وَلَا يُعَلِّمُ أَحَدٌ جَارَهُ أَوْ أَخَاهُ وَيَقُولُ لَهُ: ’اِعْرِفِ اللهَ.‘ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ سَيَعْرِفُونِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ. وَأَغْفِرُ لَهُمْ شَرَّهُمْ، وَلَا أَذْكُرُ ذَنْبَهُمْ فِيمَا بَعْدُ.“ وَبِمَا أَنَّهُ يَقُولُ عَنْ هَذَا إِنَّهُ 'عَهْدٌ جَدِيدٌ' فَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْعَهْدَ الْأَوَّلَ صَارَ قَدِيمًا. وَكُلُّ مَا هُوَ قَدِيمٌ وَعَتِيقٌ فَهُوَ فِي طَرِيقِهِ إِلَى الْفَنَاءِ. وَالْعَهْدُ الْأَوَّلُ كَانَتْ لَهُ فَرَائِضُ لِلْعِبَادَةِ، وَمَكَانٌ مُقَدَّسٌ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ. فَقَدْ أُقِيمَتْ خَيْمَةٌ، الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْهَا يُسَمَّى الْمَقْدِسَ وَفِيهِ الْمَنَارَةُ وَالْمَائِدَةُ وَخُبْزُ الْقُرْبَانِ. ثُمَّ وَرَاءَ السِّـتَارَةِ الثَّانِيَةِ، الْقِسْـمُ الَّذِي يُسَـمَّى الْمَقْدِسَ الدَّاخِلِيَّ، وَفِيهِ مَنَصَّةُ الْبَخُورِ وَهِيَ مِنْ ذَهَبٍ، وَصُـنْدُوقُ الْعَهْدِ وَكُلُّهُ مُغَشًّى بِالذَّهَبِ، وَبِدَاخِلِهِ جَرَّةُ الْمَنِّ وَهِيَ مِنْ ذَهَبٍ، وَعَصَـا هَارُونَ الَّتِي أَزْهَرَتْ، وَلَوْحَانِ مِنْ حَجَرٍ عَلَيْهِمَا وَصَـايَا الْعَهْدِ. وَفَوْقَ الصُّـنْدُوقِ الْمَلَاكَانِ الْمُقَرَّبَانِ، يُعَبِّرَانِ عَنْ جَلَالِ اللهِ، وَأَجْنِحَتُهُمَا تُظَلِّلُ الْغِطَاءَ. لَكِنْ لَيْسَ هَذَا هُوَ الْمَجَالَ لِأَتَحَدَّثَ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ بِالتَّفْصِـيلِ. وَمَتَى تَمَّ إِعْدَادُ كُلِّ شَـيْءٍ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، يَدْخُلُ الْأَحْبَارُ فِي كُلِّ وَقْتٍ إِلَى الْقِسْـمِ الْأَوَّلِ، وَيَقُومُونَ بِفَرَائِضِ الْعِبَادَةِ. أَمَّا الْقِسْـمُ الثَّانِي، فَيَدْخُلُ إِلَيْهِ الْحَبْرُ الْأَعْلَى وَحْدَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي السَّـنَةِ. وَدَائِمًا يَأْخُذُ مَعَهُ الدَّمَ الَّذِي يُقَدِّمُهُ لِيُكَفِّرَ عَنْ ذُنُوبِهِ وَعَنِ الذُّنُوبِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا الشَّـعْبُ عَنْ جَهْلٍ مِنْهُمْ. وَبِهَذَا أَرَادَ الرُّوحُ الْقُدُّوسُ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ مَا دَامَتْ هَذِهِ الْخَيْمَةُ الْأَرْضِيَّةُ مَوْجُودَةً فَإِنَّ الطَّرِيقَ إِلَى الْمَقْدِسِ الْحَقِيقِيِّ السَّمَائِيِّ غَيْرُ مَفْتُوحٍ. وَهَذَا يُشِـيرُ إِلَى الْوَقْتِ الْحَاضِرِ، فَإِنَّ الْقَرَابِينَ وَالضَّحَايَا الَّتِي يُقَدِّمُونَهَا لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُنَقِّيَ ضَمِيرَ مَنْ يُقَدِّمُهَا. لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ فَرَائِضَ خَارِجِيَّةٍ تَقْتَصِـرُ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْوُضُوءِ، لِذَلِكَ يُعْمَلُ بِهَا إِلَى أَنْ يَأْتِيَ وَقْتُ النِّظَامِ الْجَدِيدِ. أَمَّا الْمَسِيحُ فَجَاءَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ الْحَبْرُ الْأَعْلَى لِخِدْمَةِ الْبَرَكَاتِ الْجَدِيدَةِ. وَدَخَلَ إِلَى خَيْمَةٍ أَعْظَمَ وَأَكْمَلَ، لَمْ يَصْنَعْهَا النَّاسُ وَلَيْسَتْ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا. فَإِنَّهُ دَخَلَ الْمَقْدِسَ الدَّاخِلِيَّ الْحَقِيقِيَّ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَأَخَذَ مَعَهُ، لَا دَمَ جِدَاءٍ وَعُجُولٍ، بَلْ دَمَهُ هُوَ، وَبِذَلِكَ حَقَّقَ لَنَا الْفِدَاءَ الْأَبَدِيَّ. وَإِنْ كَانَ دَمُ جِدَاءٍ وَثِيرَانٍ وَرَمَادُ عِجْلَةٍ مَحْرُوقَةٍ، يُرَشُّ عَلَى الْمُنَجَّسِينَ فَيُطَهِّرُ جِسْمَهُمْ وَيُنَقِّيهِمْ، إِذَنْ بِالْأَوْلَى دَمُ الْمَسِيحِ. لِأَنَّ الْمَسِيحَ قَدَّمَ نَفْسَهُ للهِ بِالرُّوحِ الْأَزَلِيِّ كَضَحِيَّةٍ بِلَا عَيْبٍ، فَدَمُهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُطَهِّرَ ضَمَائِرَنَا مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى الْمَوْتِ، لِكَيْ نَعْبُدَ اللهَ الْحَيَّ. لِهَذَا السَّبَبِ، الْمَسِيحُ هُوَ وَسِيطُ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي بِهِ يَنَالُ مَنْ دَعَاهُمُ اللهُ نَصِيبَهُمُ الْأَبَدِيَّ الَّذِي وَعَدَهُمْ بِهِ. لِأَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ لِيَفْدِيَ النَّاسَ مِنْ مَعَاصِيهِمُ الَّتِي ارْتَكَبُوهَا فِي أَيَّامِ الْعَهْدِ الْأَوَّلِ. إِنْ كَانَ وَاحِدٌ يَمُوتُ وَيَتْرُكُ وَصِيَّةً، فَلَا بُدَّ مِنْ إِثْبَاتِ أَنَّهُ تُوُفِّيَ. لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ يَسْرِي مَفْعُولُهَا فَقَطْ عِنْدَ وَفَاةِ صَاحِبِهَا. لَكِنَّهُ مَا دَامَ حَيًّا، فَلَيْسَ لَهَا مَفْعُولٌ. لِذَلِكَ، حَتَّى الْعَهْدُ الْأَوَّلُ عُمِلَ بِوَاسِطَةِ الدَّمِ. لِأَنَّ مُوسَى، بَعْدَمَا بَلَّغَ الشَّعْبَ كُلَّ وَصَايَا التَّوْرَاةِ، أَخَذَ دَمَ عُجُولٍ وَجِدَاءٍ وَمَعَهُ بَعْضُ الْمَاءِ، وَرَشَّهُ عَلَى الْكِتَابِ نَفْسِهِ وَعَلَى جَمِيعِ الشَّعْبِ بِوَاسِطَةِ صُوفٍ أَحْمَرَ وَحُزْمَةٍ مِنْ نَبَاتِ السَّعْتَرِ. وَقَالَ: ”هَذَا هُوَ دَمُ الْعَهْدِ الَّذِي أَوْصَاكُمُ اللهُ أَنْ تَحْفَظُوهُ.“ وَبِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ، رَشَّ الدَّمَ عَلَى الْخَيْمَةِ وَعَلَى كُلِّ أَدَوَاتِ الْعِبَادَةِ. فَالتَّوْرَاةُ تُوصِي بِأَنْ يُطَهَّرَ كُلُّ شَيْءٍ تَقْرِيبًا بِوَاسِطَةِ الدَّمِ. وَلَا غُفْرَانَ بِدُونِ إِرَاقَةِ دَمٍ. فَإِذَا كَانَ مَا يَرْمُزُ إِلَى الْأَشْيَاءِ السَّمَائِيَّةِ لَا بُدَّ مِنْ تَطْهِيرِهِ بِهَذِهِ الضَّحَايَا، إِذَنِ الْأَشْيَاءُ السَّمَائِيَّةُ نَفْسُهَا لَا بُدَّ مِنْ تَطْهِيرِهَا بِضَحَايَا أَفْضَلَ. لِأَنَّ الْمَسِيحَ دَخَلَ، لَا إِلَى مَقْدِسٍ صَنَعَهُ النَّاسُ هُوَ صُورَةٌ لِلْحَقِيقِيِّ، بَلْ إِلَى السَّمَاءِ نَفْسِهَا، حَيْثُ يَظْهَرُ الْآنَ فِي مَحْضَرِ اللهِ مِنْ أَجْلِنَا. وَالْحَبْرُ الْأَعْلَى يَدْخُلُ إِلَى الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ كُلَّ سَنَةٍ وَمَعَهُ دَمٌ لَيْسَ دَمَهُ هُوَ، أَمَّا الْمَسِيحُ فَدَخَلَ، لَا لِيُقَدِّمَ نَفْسَهُ عِدَّةَ مَرَّاتٍ، وَإِلَّا كَانَ ذَلِكَ يَعْنِي أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَتَأَلَّمَ عِدَّةَ مَرَّاتٍ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِينَ. وَلَكِنَّهُ الْآنَ، فِي آخِرِ الزَّمَنِ، جَاءَ مَرَّةً وَاحِدَةً لِكَيْ يَنْزِعَ الذَّنْبَ بِوَاسِطَةِ تَضْحِيَتِهِ بِنَفْسِهِ. وَكَمَا يَمُوتُ النَّاسُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَبَعْدَ ذَلِكَ يُوَاجِهُونَ يَوْمَ الدِّينِ، كَذَلِكَ قَدَّمَ الْمَسِيحُ نَفْسَهُ ضَحِيَّةً مَرَّةً وَاحِدَةً لِكَيْ يُزِيلَ ذُنُوبَ كَثِيرِينَ. وَسَيَأْتِي مَرَّةً ثَانِيَةً، لَا لِيُزِيلَ ذُنُوبًا، بَلْ لِيُنْقِذَ الَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُ. وَشَرِيعَةُ مُوسَى هِيَ مُجَرَّدُ ظِلٍّ لِلْبَرَكَاتِ الْجَدِيدَةِ، فَهِيَ لَيْسَتِ الْحَقِيقَةَ نَفْسَهَا. وَحَسَبَ الشَّرِيعَةِ، تُقَدَّمُ الضَّحَايَا بِاسْتِمْرَارٍ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ. وَلَكِنَّ الشَّرِيعَةَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تَجْعَلَ الَّذِينَ يَتَقَرَّبُونَ بِهَا إِلَى اللهِ كَامِلِينَ. لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا، لَكَانَ تَوَقَّفَ تَقْدِيمُهَا، لِأَنَّ الَّذِينَ يُقَدِّمُونَهَا يَكُونُونَ قَدْ صَارُوا طَاهِرِينَ تَمَامًا، وَبِذَلِكَ لَا يَشْعُرُونَ بِذَنْبٍ. لَكِنَّ الْحَقِيقَةَ هِيَ أَنَّ هَذِهِ الضَّحَايَا تُذَكِّرُ النَّاسَ بِذُنُوبِهِمْ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ. لِأَنَّ دَمَ الثِّيرَانِ وَالْجِدَاءِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُزِيلَ الذُّنُوبَ. لِهَذَا، لَمَّا جَاءَ الْمَسِيحُ إِلَى الْعَالَمِ، قَالَ للهِ: ”أَنْتَ لَا تُرِيدُ ضَحِيَّةً وَلَا قُرْبَانًا، لَكِنَّكَ أَعْدَدْتَ لِي جِسْمًا بَشَرِيًّا، أَنْتَ لَا تُسَرُّ بِقُرْبَانٍ يُحْرَقُ، وَلَا بِقُرْبَانِ التَّكْفِيرِ عَنِ الذَّنْبِ. فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي جِئْتُ لِأَعْمَلَ مَشِيئَتَكَ، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ عَنِّي فِي صُحُفِهِ.“ فَأَوَّلًا قَالَ إِنَّ اللهَ لَا يُرِيدُ ضَحَايَا وَلَا قَرَابِينَ، وَلَا قُرْبَانًا يُحْرَقُ، وَلَا قُرْبَانَ التَّكْفِيرِ عَنِ الذَّنْبِ، وَهُوَ لَا يُسَرُّ بِهَا، مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ تُقَدَّمُ حَسَبَ الشَّرِيعَةِ. ثُمَّ قَالَ: ”لَبَّيْكَ، إِنِّي جِئْتُ لِأَعْمَلَ مَشِيئَتَكَ.“ فَهُوَ بِذَلِكَ يُلْغِي الْقَدِيمَ، وَيُؤَسِّسُ الْجَدِيدَ. فَنَحْنُ أَصْبَحْنَا مُخَصَّصِينَ للهِ لِأَنَّ عِيسَى الْمَسِيحَ عَمِلَ مَشِيئَةَ اللهِ بِأَنْ قَدَّمَ جِسْمَهُ ضَحِيَّةً مَرَّةً وَاحِدَةً. وَكُلُّ حَبْرٍ، كَانَ يَقِفُ وَيَقُومُ بِخِدْمَتِهِ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَيُقَدِّمُ نَفْسَ الضَّحَايَا مَرَّةً بَعْدَ الْأُخْرَى، مَعَ أَنَّهَا لَا يُمْكِنُ أَنْ تُزِيلَ الذُّنُوبَ. أَمَّا هَذَا الْحَبْرُ، فَإِنَّهُ قَدَّمَ ضَحِيَّةً وَاحِدَةً إِلَى الْأَبَدِ عَنْ كُلِّ الذُّنُوبِ، ثُمَّ جَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللهِ، مُنْتَظِرًا حَتَّى يَضَعَ اللهُ أَعْدَاءَهُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ. وَبِهَذِهِ الضَّحِيَّةِ الْوَاحِدَةِ، يَجْعَلُ كُلَّ الَّذِينَ يُخَصِّصُهُمْ لَهُ كَامِلِينَ إِلَى الْأَبَدِ. وَالرُّوحُ الْقُدُّوسُ أَيْضًا يَشْهَدُ لِهَذَا. فَأَوَّلًا يَقُولُ: ”هَذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَعْمَلُهُ مَعَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ، هَذَا كَلَامُ اللهِ. أَضَعُ شَرِيعَتِي فِي قَلْبِهِمْ، وَأَكْتُبُهَا فِي فِكْرِهِمْ.“ ثُمَّ يَقُولُ: ”وَلَنْ أَذْكُرَ ذُنُوبَهُمْ وَآثَامَهُمْ فِيمَا بَعْدُ.“ وَحَيْثُ تُوجَدُ مَغْفِرَةٌ لِهَذِهِ، فَلَيْسَ هُنَاكَ حَاجَةٌ إِلَى ضَحِيَّةٍ أُخْرَى عَنِ الْخَطِيئَةِ. فَنَحْنُ الْآنَ يَا إِخْوَتِي، نَقْدِرُ أَنْ نَدْخُلَ بِثِقَةٍ إِلَى الْمَقْدِسِ الْحَقِيقِيِّ السَّمَائِيِّ بِدَمِ الْمَسِيحِ. وَذَلِكَ بِوَاسِطَةِ هَذَا الطَّرِيقِ الْجَدِيدِ الْحَيِّ الَّذِي فَتَحَهُ لَنَا خِلَالَ السِّتَارَةِ، أَيْ جِسْمِهِ الْبَشَرِيِّ. وَلَنَا أَيْضًا حَبْرٌ أَعْلَى عَلَى بَيْتِ اللهِ. فَيَجِبُ أَنْ نَتَقَرَّبَ إِلَى اللهِ بِقَلْبٍ مُخْلِصٍ وَإِيمَانٍ وَاثِقٍ، وَقَدْ تَطَهَّرَتْ قُلُوبُنَا بِالدَّمِ، وَتَحَرَّرَتْ ضَمَائِرُنَا مِنَ الذَّنْبِ، وَغُسِلَتْ أَجْسَامُنَا بِمَاءٍ نَقِيٍّ. يَجِبُ أَنْ نَسْتَمِرَّ فِي إِعْلَانِ رَجَائِنَا بِلَا تَرَدُّدٍ، لِأَنَّ اللهَ أَمِينٌ يُنَفِّذُ مَا وَعَدَ بِهِ. يَجِبُ أَنْ نَهْتَمَّ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ، وَنَحُثَّ بَعْضُنَا بَعْضًا عَلَى الْمَحَبَّةِ وَعَمَلِ الْخَيْرِ. وَلَا تَنْقَطِعُوا عَنِ اجْتِمَاعِكُمْ كَمَا تَعَوَّدَ الْبَعْضُ. بَلْ شَجِّعُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا عَلَى الْحُضُورِ، خَاصَّةً أَنَّكُمْ تَرَوْنَ أَنَّ يَوْمَ رَبِّنَا يَقْتَرِبُ. إِنْ كُنَّا بَعْدَمَا عَرَفْنَا الْحَقَّ، نَرْتَكِبُ الْخَطِيئَةَ عَنْ قَصْدٍ، فَلَا تُوجَدُ ضَحِيَّةٌ تُكَفِّرُ عَنْ ذُنُوبِنَا. بَلْ نَنْتَظِرُ بِفَزَعٍ يَوْمَ الدِّينِ وَالنَّارَ الرَّهِيبَةَ الَّتِي تَحْرِقُ أَعْدَاءَ اللهِ. مَنْ خَالَفَ شَرِيعَةَ مُوسَى، كَانَ يُقْتَلُ بِلَا رَحْمَةٍ إِذَا شَهِدَ ضِدَّهُ 2 أَوْ 3. إِذَنْ فِي رَأْيِكُمْ، كَمْ يَكُونُ الْعِقَابُ أَشَدَّ لِمَنْ دَاسَ ابْنَ اللهِ تَحْتَ رِجْلَيْهِ، وَاعْتَبَرَ دَمَ الْعَهْدِ الَّذِي طَهَّرَنَا كَأَنَّهُ بِلَا قِيمَةٍ، وَسَبَّ الرُّوحَ وَاهِبَ النِّعْمَةِ؟ فَنَحْنُ نَعْرِفُ مَنِ الَّذِي قَالَ: ”أَنَا أَنْتَقِمُ، أَنَا أُجَازِي.“ وَقَالَ أَيْضًا: ”رَبُّنَا سَيُحَاكِمُ شَعْبَهُ.“ فَالْوَيْلُ لِمَنْ يَقَعُ فِي يَدَيِ اللهِ الْحَيِّ. تَذَكَّرُوا مَا حَدَثَ مَعَكُمْ فِي الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ. فَبَعْدَمَا أَشْرَقَ عَلَيْكُمُ النُّورُ، قَابَلْتُمْ مَعَارِكَ صَعْبَةً وَتَأَلَّمْتُمْ، لَكِنَّكُمْ ثَبَتُّمْ. فَمِنْ جِهَةٍ تَعَرَّضْتُمْ لِلشَّتَائِمِ وَالِاضْطِهَادِ، وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى شَارَكْتُمُ الَّذِينَ لَاقَوْا هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ السَّيِّئَةَ. أَنْتُمْ تَأَلَّمْتُمْ مَعَ الْمَسْجُونِينَ، وَلَمَّا أَخَذُوا مِنْكُمْ كُلَّ مُمْتَلَكَاتِكُمْ، اِحْتَمَلْتُمْ بِفَرَحٍ، لِأَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ تَمْلِكُونَ مَا هُوَ أَفْضَلُ وَأَبْقَى. إِذَنْ لَا تَفْقِدُوا ثِقَتَكُمْ، فَإِنَّ لَهَا جَزَاءً عَظِيمًا. أَنْتُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى الصَّبْرِ لِكَيْ تَعْمَلُوا إِرَادَةَ اللهِ، وَتَنَالُوا مَا وَعَدَكُمْ بِهِ. بَعْدَ فَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ جِدًّا سَيَأْتِي الَّذِي نَنْتَظِرُهُ وَلَا يَتَأَخَّرُ. الصَّالِحُ بِوَاسِطَةِ الْإِيمَانِ يَحْيَا، أَمَّا إِنِ ارْتَدَّ فَلَنْ أَرْضَى عَنْهُ. وَنَحْنُ لَسْنَا مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ الْهَالِكِينَ، بَلْ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ النَّاجِينَ. الْإِيمَانُ هُوَ أَنْ نَثِقَ أَنَّ مَا نَرْجُوهُ سَيَتَحَقَّقُ، وَأَنْ نَتَيَقَّنَ أَنَّ مَا لَا نَرَاهُ مَوْجُودٌ فِعْلًا. وَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنْ أَسْلَافِنَا لِإِيمَانِهِمْ. بِالْإِيمَانِ نُدْرِكُ أَنَّ اللهَ خَلَقَ الْعَالَمِينَ بِكَلِمَتِهِ. حَتَّى إِنَّ مَا نَرَاهُ جَاءَ إِلَى الْوُجُودِ مِنْ أُمُورٍ لَا تُرَى! بِالْإِيمَانِ قَدَّمَ هَابِيلُ للهِ ضَحِيَّةً أَفْضَلَ مِنَ الَّتِي قَدَّمَهَا قَابِيلُ. وَبِسَبَبِ إِيمَانِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْ قَرَابِينِهِ وَشَهِدَ لَهُ أَنَّهُ صَالِحٌ. وَبِإِيمَانِهِ مَا زَالَ يَتَكَلَّمُ مَعَ أَنَّهُ مَاتَ. بِالْإِيمَانِ انْتَقَلَ إِدْرِيسُ إِلَى الْحَيَاةِ الْأُخْرَى دُونَ أَنْ يَمُوتَ، وَلَمْ يُوجَدْ عَلَى الْأَرْضِ لِأَنَّ اللهَ رَفَعَهُ إِلَيْهِ. وَقَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ شُهِدَ لَهُ أَنَّهُ أَرْضَى اللهَ. وَبِدُونِ إِيمَانٍ لَا يُمْكِنُ إِرْضَاءُ اللهِ، لِأَنَّ مَنْ يَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ، لَا بُدَّ أَنْ يُؤْمِنَ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَأَنَّهُ يُكَافِئُ الَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ. بِالْإِيمَانِ نُوحُ، لَمَّا أَنْذَرَهُ اللهُ بِالطُّوفَانِ، اِتَّعَظَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَأَى طُوفَانًا مِنْ قَبْلُ، وَبَنَى الْفُلْكَ لِيُنْقِذَ عَائِلَتَهُ. وَبِإِيمَانِهِ حَكَمَ عَلَى الْعَالَمِ، وَنَالَ نَصِيبًا مِنَ الصَّلَاحِ الَّذِي يَأْتِي بِالْإِيمَانِ. بِالْإِيمَانِ إِبْرَاهِيمُ، لَمَّا دَعَاهُ اللهُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي كَانَ سَيَنَالُهَا نَصِيبًا، أَطَاعَ وَخَرَجَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ هُوَ ذَاهِبٌ. بِالْإِيمَانِ عَاشَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي وَعَدَهُ اللهُ بِهَا كَأَنَّهُ غَرِيبٌ فِي بِلَادٍ أَجْنَبِيَّةٍ. وَكَانَ يَسْكُنُ فِي الْخِيَامِ، كَمَا فَعَلَ أَيْضًا بَعْدَ ذَلِكَ إِسْحَاقُ وَيَعْقُوبُ، شَرِيكَاهُ فِي نَفْسِ الْوَعْدِ. لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ يَنْتَظِرُ الْمَدِينَةَ الَّتِي لَهَا أَسَاسَاتٌ ثَابِتَةٌ، الَّتِي مُهَنْدِسُهَا وَبَانِيهَا هُوَ اللهُ. بِالْإِيمَانِ سَارَةُ نَفْسُهَا نَالَتِ الْقُدْرَةَ عَلَى أَنْ تَحْبَلَ. وَمَعَ أَنَّهَا كَانَتْ قَدْ تَعَدَّتِ السِّنَّ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تَحْبَلَ الْمَرْأَةُ فِيهَا، لَكِنَّهَا وَلَدَتِ ابْنًا، لِأَنَّهَا آمَنَتْ أَنَّ اللهَ الَّذِي وَعَدَ أَمِينٌ يَفِي بِوَعْدِهِ. وَبِذَلِكَ وُلِدَ شَعْبٌ كَنُجُومِ السَّمَاءِ فِي الْكَثْرَةِ، وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ فَلَا يُمْكِنُ عَدُّهُمْ، وَكُلُّ هَذَا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ قَارَبَ أَنْ يَمُوتَ. كُلُّ هَؤُلَاءِ مَاتُوا فِي الْإِيمَانِ، وَلَمْ يَحْصُلُوا عَلَى الْأَشْيَاءِ الَّتِي وَعَدَهُمُ اللهُ بِهَا، إِنَّمَا رَأَوْهَا مِنْ بَعِيدٍ وَفَرِحُوا بِهَا، وَاعْتَرَفُوا وَقَالُوا إِنَّهُمْ غُرَبَاءُ وَضُيُوفٌ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ. فَالَّذِينَ يَقُولُونَ هَذَا، يُظْهِرُونَ بِوُضُوحٍ أَنَّهُمْ يَبْتَغُونَ وَطَنًا. فَلَوْ كَانُوا يُفَكِّرُونَ فِي الْبِلَادِ الَّتِي تَرَكُوهَا، لَكَانُوا قَدْ رَجَعُوا إِلَيْهَا، لِأَنَّ الْفُرْصَةَ كَانَتْ مَوْجُودَةً! إِنَّمَا كَانُوا مُشْتَاقِينَ إِلَى وَطَنٍ أَفْضَلَ، وَطَنٍ سَمَائِيٍّ. لِذَلِكَ لَا يَخْجَلُ اللهُ أَنْ يُدْعَى إِلَهَهُمْ، فَأَعَدَّ لَهُمْ مَدِينَةً. بِالْإِيمَانِ إِبْرَاهِيمُ، لَمَّا اخْتَبَرَهُ اللهُ، قَدَّمَ إِسْحَاقَ كَضَحِيَّةٍ. فَالَّذِي نَالَ الْوَعْدَ كَادَ أَنْ يَذْبَحَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ. مَعَ أَنَّ اللهَ كَانَ قَدْ قَالَ لَهُ: ”عَنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ يَأْتِي نَسْلُكَ الَّذِي يَحْمِلُ اسْمَكَ.“ فَاتَّكَلَ عَلَى أَنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ الْمَيِّتَ. وَبِطَرِيقَةٍ رَمْزِيَّةٍ، فِعْلًا رَجَعَ إِلَيْهِ ابْنُهُ مِنَ الْمَوْتِ. بِالْإِيمَانِ إِسْحَاقُ بَارَكَ يَعْقُوبَ وَالْعِيصَ بِأُمُورٍ تَخُصُّ الْمُسْتَقْبَلَ. بِالْإِيمَانِ يَعْقُوبُ، قَبْلَ مَوْتِهِ بَارَكَ كُلًّا مِنِ ابْنَيْ يُوسِفَ، وَاسْتَنَدَ عَلَى عَصَاهُ وَتَعَبَّدَ للهِ. بِالْإِيمَانِ يُوسِفُ، لَمَّا أَوْشَكَ أَنْ يَمُوتَ، تَحَدَّثَ عَنْ خُرُوجِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ، وَأَوْصَى بِأَنْ يَأْخُذُوا عِظَامَهُ مَعَهُمْ. بِالْإِيمَانِ خَبَّأَ وَالِدَا مُوسَى ابْنَهُمَا 3 أَشْهُرٍ بَعْدَ وِلَادَتِهِ، لِأَنَّهُمَا رَأَيَا أَنَّ الطِّفْلَ جَمِيلٌ، وَلَمْ يَخَافَا مِنْ أَمْرِ الْمَلِكِ. بِالْإِيمَانِ مُوسَى لَمَّا كَبِرَ، رَفَضَ أَنْ يَعْتَبِرَهُ النَّاسُ ابْنَ بِنْتِ فِرْعَوْنَ. وَفَضَّلَ أَنْ يَتَحَمَّلَ الذُّلَّ مَعَ شَعْبِ اللهِ، عَلَى أَنْ يَتَمَتَّعَ بِلَذَّةِ الْخَطِيئَةِ الَّتِي لَا تَدُومُ. وَاعْتَبَرَ أَنَّ الْعَارَ الَّذِي يُقَاسِيهِ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ، هُوَ ثَرْوَةٌ أَعْظَمُ مِنْ كُنُوزِ مِصْرَ، لِأَنَّهُ كَانَ يَتَطَلَّعُ إِلَى الْمُكَافَأَةِ الْأَبَدِيَّةِ. بِالْإِيمَانِ تَرَكَ مِصْرَ وَهُوَ غَيْرُ خَائِفٍ مِنْ غَضَبِ الْمَلِكِ، بَلْ كَانَ ثَابِتَ الْعَزْمِ لِأَنَّهُ رَأَى اللهَ الَّذِي لَا يَرَاهُ أَحَدٌ. بِالْإِيمَانِ عَمِلَ الْفِصْحَ، وَرَشَّ الدَّمَ عَلَى الْأَبْوَابِ، فَلَمْ يَمَسَّ مَلَاكُ الْمَوْتِ أَيَّ وَاحِدٍ مِنْ أَبْكَارِ شَعْبِهِ. بِالْإِيمَانِ عَبَرَ الشَّعْبُ فِي الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ كَأَنَّهُ أَرْضٌ يَابِسَةٌ. لَكِنْ لَمَّا حَاوَل الْمِصْرِيُّونَ أَنْ يَعْبُرُوا غَرِقُوا. بِالْإِيمَانِ سَقَطَتْ أَسْوَارُ أَرِيحَا بَعْدَمَا طَافَ الشَّعْبُ حَوْلَهَا 7 أَيَّامٍ. بِالْإِيمَانِ رَاحَابُ الْعَاهِرَةُ لَمْ تَهْلِكْ مَعَ الْكَفَرَةِ، لِأَنَّهَا رَحَّبَتْ بِالْجَاسُوسَيْنِ. هَلْ أَحْتَاجُ لِمَزِيدٍ مِنَ الْأَمْثِلَةِ؟ إِنَّ الْوَقْتَ لَا يَتَّسِعُ لِأَتَحَدَّثَ عَنْ جِدْعُونَ وَبَارَاقَ وَشَمْشُونَ وَيَفْتَاحَ وَدَاوُدَ وَصَمُوئِيلَ وَالْأَنْبِيَاءِ، الَّذِينَ بِالْإِيمَانِ قَهَرُوا الْمَمَالِكَ، وَعَمِلُوا الصَّلَاحَ، وَنَالُوا مَا وَعَدَهُمُ اللهُ بِهِ. وَبِالْإِيمَانِ سَدُّوا أَفْوَاهَ الْأُسُودِ، وَأَطْفَأُوا لَهِيبَ النَّارِ الْمُشْتَعِلَةِ، وَنَجَوْا مِنَ الْقَتْلِ بِالسَّيْفِ. وَبِالْإِيمَانِ تَحَوَّلَ ضَعْفُهُمْ إِلَى قُوَّةٍ، فَصَارُوا أَبْطَالًا فِي الْحَرْبِ، وَهَزَمُوا جُيُوشَ الْغُرَبَاءِ. وَاسْتَرْجَعَتْ بَعْضُ نِسَائِهِمْ مَنْ كَانُوا قَدْ مَاتُوا وَلَكِنَّهُمْ قَامُوا إِلَى الْحَيَاةِ. وَآخَرُونَ احْتَمَلُوا التَّعْذِيبَ حَتَّى الْمَوْتِ، وَرَفَضُوا النَّجَاةَ لِكَيْ يَقُومُوا إِلَى حَيَاةٍ أَفْضَلَ. وَغَيْرُهُمْ قَاسَى الْهُزْءَ وَالْجَلْدَ، بَلْ وَالْقُيُودَ وَالسَّجْنَ. وَآخَرُونَ رُجِمُوا بِالْحِجَارَةِ، أَوْ نُشِرُوا بِالْمِنْشَارِ، أَوْ قُتِلُوا بِالسَّيْفِ. ثُمَّ هُنَاكَ مَنْ تَشَرَّدُوا لَابِسِينَ جُلُودَ غَنَمٍ وَجُلُودَ مَاعِزٍ، وَهُمْ مَحْرُومُونَ وَمُتَضَايِقُونَ وَمَظْلُومُونَ. وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْعَالَمُ يَسْتَحِقُّهُمْ، فَكَانُوا مَطْرُودِينَ فِي صَحَارَى وَجِبَالٍ وَفِي مَغَارَاتٍ وَكُهُوفِ الْأَرْضِ. كُلُّ هَؤُلَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لِإِيمَانِهِمْ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَحْصُلُوا عَلَى مَا وَعَدَهُمْ بِهِ. لِأَنَّ اللهَ دَبَّرَ لَنَا شَيْئًا أَفْضَلَ، وَهُوَ أَنْ يَبْلُغُوا الْكَمَالَ فِي صُحْبَتِنَا نَحْنُ. أَمَّا نَحْنُ، بِمَا أَنَّ كُلَّ هَؤُلَاءِ الشُّهُودِ يُحِيطُونَ بِنَا كَأَنَّهُمْ سَحَابَةٌ عَظِيمَةٌ، فَيَجِبُ أَنْ نَتَخَلَّصَ مِنْ كُلِّ مُعَطِّلٍ وَمِنْ كُلِّ خَطِيئَةٍ عَالِقَةٍ بِنَا، وَأَنْ نَجْرِيَ بِعَزْمٍ فِي السِّبَاقِ الَّذِي أَمَامَنَا. يَجِبُ أَنْ نُرَكِّزَ أَنْظَارَنَا عَلَى عِيسَى مَصْدَرِ وَهَدَفِ إِيمَانِنَا. فَإِنَّهُ مِنْ أَجْلِ الْفَرَحِ الَّذِي يَنْتَظِرُهُ، اِحْتَمَلَ الصَّلِيبَ وَلَمْ يَهُمَّهُ عَارُهُ، فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ عَرْشِ اللهِ. تَأَمَّلُوا فِيهِ، هُوَ الَّذِي احْتَمَلَ هَذِهِ الْعَدَاوَةَ مِنَ الْأَشْرَارِ، لِكَيْ لَا تَفْشَلُوا وَلَا تَيْأَسُوا. أَنْتُمْ تُجَاهِدُونَ ضِدَّ الْخَطِيئَةِ، لَكِنْ لِحَدِّ الْآنَ لَمْ تُقَاوِمُوا لِدَرَجَةِ أَنْ تَبْذِلُوا الدَّمَ. هَلْ نَسِيتُمُ الْكَلِمَاتِ الْمُشَجِّعَةَ الَّتِي يُخَاطِبُكُمُ اللهُ بِهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّكُمْ أَبْنَاؤُهُ؟ إِنَّهُ يَقُولُ: ”يَا ابْنِي، لَا تَسْتَخِفَّ بِتَأْدِيبِ اللهِ، وَلَا تَيْأَسْ إِذَا وَبَّخَكَ، لِأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ اللهُ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ لَهُ.“ اِحْتَمِلُوا التَّأْدِيبَ، إِنَّ اللهَ يُعَامِلُكُمْ كَبَنِينَ. وَهَلْ هُنَاكَ ابْنٌ لَا يُؤَدِّبُهُ أَبُوهُ؟ فَإِنْ كَانَ اللهُ لَا يُؤَدِّبُكُمْ، كَمَا يُؤَدِّبُ بَاقِيَ أَبْنَائِهِ، فَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّكُمْ لَسْتُمْ أَبْنَاءً، بَلْ أَوْلَادٌ غَيْرُ شَرْعِيِّينَ. كَانَ لَنَا آبَاءٌ بَشَرِيُّونَ يُؤَدِّبُونَا وَكُنَّا نَحْتَرِمُهُمْ. إِذَنْ يَجِبُ أَنْ نَخْضَعَ أَكْثَرَ إِلَى الْأَبِ الرُّوحِيِّ، لِكَيْ نَحْيَا. وَهَؤُلَاءِ الْآبَاءُ الْبَشَرِيُّونَ أَدَّبُونَا أَيَّامًا قَلِيلَةً وَذَلِكَ حَسَبَ اسْتِحْسَانِهِمْ، أَمَّا اللهُ فَيُؤَدِّبُنَا لِخَيْرِنَا، لِنَكُونَ كَامِلِينَ مِثْلَهُ. وَمِنَ الطَّبِيعِيِّ أَنَّ كُلَّ تَأْدِيبٍ يَبْدُو فِي وَقْتِهِ أَنَّهُ مُؤْلِمٌ وَغَيْرُ سَارٍّ، لَكِنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ يُنْتِجُ سَلَامًا وَصَلَاحًا فِي الَّذِينَ تَعَلَّمُوا مِنْهُ. إِذَنْ شَدِّدُوا عَزِيمَتَكُمُ الَّتِي ضَعُفَتْ، وَقُوَّتَكُمُ الَّتِي وَهَنَتْ. سِيرُوا فِي الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، لِكَيْ لَا يَسْقُطَ التَّعْبَانُ بَلْ يَتَقَوَّى. حَاوِلُوا أَنْ تَكُونُوا فِي سَلَامٍ مَعَ جَمِيعِ النَّاسِ، وَأَنْ تَعِيشُوا حَيَاةً صَالِحَةً، لِأَنَّهُ بِغَيْرِ الصَّلَاحِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَرَى الْمَسِيحَ. اِحْذَرُوا لِئَلَّا يَخْسَرَ أَحَدُكُمْ نِعْمَةَ اللهِ، وَلِئَلَّا تَنْمُوَ بَيْنَكُمُ الْمَرَارَةُ فَتُزْعِجَكُمْ وَتُفْسِدَ كَثِيرِينَ مِنْكُمْ. لَا يَكُنْ زَانٍ بَيْنَكُمْ، وَلَا مُسْتَهْتِرٌ مِثْلُ الْعِيصَ الَّذِي بَاعَ حَقَّهُ بِوَصْفِهِ الِابْنَ الْبِكْرَ فِي مُقَابِلِ أَكْلَةٍ وَاحِدَةٍ. أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَكُونَ لَهُ نَصِيبٌ فِي هَذِهِ الْبَرَكَةِ رُفِضَ، مَعَ أَنَّهُ طَلَبَهَا بِدُمُوعٍ، لِأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ طَرِيقَةٌ يُصْلِحُ بِهَا مَا عَمِلَهُ. أَنْتُمْ لَمْ تَأْتُوا إِلَى جَبَلٍ يُلْمَسُ، حَيْثُ نَارٌ مُشْتَعِلَةٌ وَظَلَامٌ وَقَتَامٌ وَزَوْبَعَةٌ، وَهُتَافُ بُوقٍ، وَصَوْتٌ يَتَكَلَّمُ، حَتَّى إِنَّ الَّذِينَ سَمِعُوهُ طَلَبُوا أَنْ يَتَوَقَّفَ عَنِ الْكَلَامِ. لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْتَمِلُوا الْأَمْرَ الَّذِي قَالَ لَهُمْ: ”حَتَّى وَلَوْ مَسَّ الْجَبَلَ حَيَوَانٌ، يَجِبُ أَنْ يُقْتَلَ رَجْمًا بِالْحِجَارَةِ.“ وَكَانَ الْمَنْظَرُ رَهِيبًا جِدًّا لِدَرَجَةِ أَنَّ مُوسَى قَالَ: ”أَنَا أَرْتَعِشُ مِنَ الْخَوْفِ.“ بَلْ أَتَيْتُمْ إِلَى جَبَلِ تِصْيُونَ، إِلَى مَدِينَةِ اللهِ الْحَيِّ، الْقُدْسِ السَّمَائِيَّةِ، وَإِلَى أُلُوفٍ مُؤَلَّفَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فِي احْتِفَالٍ بَهِيجٍ، وَإِلَى جَمَاعَةِ الْأَبْنَاءِ الْأَبْكَارِ الَّذِينَ أَسْمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةٌ فِي السَّمَاءِ. أَتَيْتُمْ إِلَى اللهِ دَيَّانِ كُلِّ الْبَشَرِ، وَإِلَى أَرْوَاحِ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ بَلَغُوا الْكَمَالَ، وَإِلَى عِيسَى وَسِيطِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، وَإِلَى الدَّمِ الْمَرْشُوشِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِرِسَالَةٍ أَفْضَلَ مِنْ رِسَالَةِ دَمِ هَابِيلَ. فَاحْذَرُوا، وَلَا تَرْفُضُوا الِاسْتِمَاعَ إِلَى اللهِ الَّذِي يُكَلِّمُكُمْ. إِنَّ الَّذِينَ رَفَضُوا الِاسْتِمَاعَ إِلَيْهِ لَمَّا أَنْذَرَهُمْ هُنَا عَلَى الْأَرْضِ، لَمْ يُفْلِتُوا مِنَ الْعِقَابِ، فَهَلْ نُفْلِتُ نَحْنُ إِنْ كُنَّا نَرْتَدُّ عَنْهُ وَهُوَ يُنْذِرُنَا مِنَ السَّمَاءِ؟ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، صَوْتُهُ زَلْزَلَ الْأَرْضَ، أَمَّا الْآنَ فَقَدْ وَعَدَ وَقَالَ: ”مَرَّةً أُخْرَى أُزَلْزِلُ، لَا الْأَرْضَ وَحْدَهَا، بَلِ السَّمَاءَ أَيْضًا.“ وَقَوْلُهُ ”مَرَّةً أُخْرَى“ يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ سَيُزِيلُ كُلَّ الْأَشْيَاءِ الْمَخْلُوقَةِ غَيْرِ الثَّابِتَةِ، فَيَبْقَى فَقَطْ مَا هُوَ ثَابِتٌ. وَبِمَا أَنَّنَا أَصْبَحْنَا نَنْتَمِي إِلَى مَمْلَكَةٍ ثَابِتَةٍ لَا تَتَزَلْزَلُ، فَيَجِبُ أَنْ نَشْكُرَ اللهَ وَنَعْبُدَهُ بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي يَرْضَاهَا وَبِاحْتِرَامٍ وَخُشُوعٍ. لِأَنَّ إِلَهَنَا هُوَ نَارٌ آكِلَةٌ. دَاوِمُوا عَلَى مَحَبَّةِ بَعْضِكُمُ الْبَعْضِ كَإِخْوَةٍ. لَا تَنْسُوا أَنْ تُضِيفُوا الْغُرَبَاءَ، فَبَعْضُ النَّاسِ عَمِلُوا هَذَا وَأَضَافُوا مَلَائِكَةً وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ. تَذَكَّرُوا الْمَسْجُونِينَ كَمَا لَوْ كُنْتُمْ مَسْجُونِينَ مَعَهُمْ، وَتَذَكَّرُوا الْمُتَأَلِّمِينَ كَمَا لَوْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ أَنْفُسُكُمْ تَتَأَلَّمُونَ. لِيَكُنِ الزَّوَاجُ مُكَرَّمًا عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَالْعَلَاقَةُ الزَّوْجِيَّةُ طَاهِرَةً، لِأَنَّ اللهَ يَصُبُّ عِقَابَهُ عَلَى الْفَاسِقِينَ وَالزُّنَاةِ. لِتَكُنْ سِيرَتُكُمْ خَالِيَةً مِنْ مَحَبَّةِ الْمَالِ، وَكُونُوا قَانِعِينَ بِمَا عِنْدَكُمْ. لِأَنَّ اللهَ قَالَ: ”لَنْ أَتْرُكَكَ، وَلَنْ أَتَخَلَّى عَنْكَ أَبَدًا.“ لِهَذَا نَقُولُ بِثِقَةٍ: ”اللهُ مُعِينِي، فَلَا أَخَافُ، مَاذَا يُمْكِنُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَصْنَعَ بِي؟“ تَذَكَّرُوا قَادَتَكُمُ الَّذِينَ حَدَّثُوكُمْ بِكَلَامِ اللهِ، وَتَأَمَّلُوا نَتِيجَةَ حَيَاتِهِمْ، وَاقْتَدُوا بِإِيمَانِهِمْ. عِيسَى الْمَسِيحُ هُوَ نَفْسُهُ الْأَمْسَ وَالْيَوْمَ وَإِلَى الْأَبَدِ. لَا تَنْقَادُوا إِلَى الضَّلَالِ بِمُخْتَلِفِ أَنْوَاعِ الْعَقَائِدِ الْغَرِيبَةِ. حَسَنٌ أَنْ تَتَقَوَّى قُلُوبُنَا بِالنِّعْمَةِ، لَا بِفَرَائِضِ الطَّعَامِ الَّتِي لَمْ تَنْفَعِ الَّذِينَ اتَّكَلُوا عَلَيْهَا. لَنَا مَكَانٌ لِتَقْدِيمِ الْقُرْبَانِ لَا يَحِقُّ لِلَّذِينَ يَخْدِمُونَ فِي خَيْمَةِ الْعِبَادَةِ الْأَرْضِيَّةِ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ قُرْبَانِهِ. أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْحَبْرَ الْأَعْلَى يَدْخُلُ إِلَى الْمَقْدِسِ الدَّاخِلِيِّ وَمَعَهُ دَمُ حَيَوَانَاتٍ يُقَدِّمُهُ قُرْبَانًا لِلتَّكْفِيرِ عَنِ الْخَطِيئَةِ، أَمَّا أَجْسَامُ تِلْكَ الْحَيَوَانَاتِ فَتُحْرَقُ خَارِجَ الْمُخَيَّمِ. لِهَذَا السَّبَبِ، تَأَلَّمَ عِيسَى خَارِجَ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ، لِكَيْ يُطَهِّرَ الشَّعْبَ بِدَمِهِ. لِنَخْرُجْ إِذَنْ إِلَيْهِ خَارِجَ الْمُخَيَّمِ، وَنَحْمِلِ الْعَارَ مَعَهُ. لِأَنَّهُ لَيْسَتْ لَنَا هُنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مَدِينَةٌ بَاقِيَةٌ، بَلْ نَسْعَى إِلَى مَدِينَةِ الْمُسْتَقْبَلِ. إِذَنْ، بِوَاسِطَةِ عِيسَى، يَجِبُ أَنْ نُقَدِّمَ للهِ قُرْبَانَ تَسْبِيحٍ مُسْتَمِرٍّ، يَصْدُرُ مِنْ شِفَاهٍ تَشْهَدُ لِاسْمِهِ. لَا تَنْسُوا عَمَلَ الْخَيْرِ وَتَقْدِيمَ الْإِحْسَانِ، لِأَنَّ هَذِهِ الضَّحَايَا تُرْضِي اللهَ. قَادَتُكُمْ يَسْهَرُونَ عَلَيْكُمْ لِأَنَّهُمْ مَسْئُولُونَ عَنْكُمْ، فَأَطِيعُوهُمْ وَاخْضَعُوا لَهُمْ، لِكَيْ يَقُومُوا بِخِدْمَتِهِمْ بِفَرَحٍ لَا بِحُزْنٍ، وَإِلَّا كُنْتُمْ أَنْتُمُ الْخَاسِرِينَ. صَلُّوا مِنْ أَجْلِنَا. نَحْنُ مُتَأَكِّدُونَ أَنَّ ضَمِيرَنَا نَقِيٌّ، وَنَرْغَبُ فِي أَنْ نَحْيَا حَيَاةً شَرِيفَةً بِكُلِّ وَسِيلَةٍ. كَمَا أَرْجُوكُمْ أَنْ تُصَلُّوا مِنْ أَجْلِي لِكَيْ أَرْجِعَ إِلَيْكُمْ بِسُرْعَةٍ. اللهُ هُوَ الَّذِي يُعْطِي السَّلَامَ، وَبِوَاسِطَةِ دَمِ الْعَهْدِ الْأَبَدِيِّ، أَقَامَ مِنَ الْمَوْتِ سَيِّدَنَا عِيسَى رَاعِيَ الْخِرَافِ الْعَظِيمَ. فَأَسْأَلُهُ أَنْ يُؤَهِّلَكُمْ بِكُلِّ مَا هُوَ صَالِحٌ لِتَعْمَلُوا مَشِيئَتَهُ، وَأَنْ يَعْمَلَ فِينَا مَا يُرْضِيهِ بِوَاسِطَةِ عِيسَى الْمَسِيحِ، الَّذِي لَهُ الْجَلَالُ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ. آمِـينَ. أَرْجُوكُمْ يَا إِخْوَتِي أَنْ تَحْتَمِلُوا كَلِمَاتِ التَّشْجِيعِ هَذِهِ بِصَبْرٍ. أَنَا كَتَبْتُ لَكُمْ رِسَالَةً مُخْتَصَرَةً. اِعْلَمُوا أَنَّ أَخَانَا تِيمُوتَاوُسَ أُطْلِقَ سَرَاحُهُ مِنَ السِّجْنِ. فَإِنْ جَاءَ بِسُرْعَةٍ، سَأَحْضُرُ مَعَهُ لِزِيَارَتِكُمْ. سَلِّمُوا عَلَى كُلِّ قَادَتِكُمْ وَعَلَى جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ. يُسَلِّمُ عَلَيْكُمُ الْإِخْوَةُ الَّذِينَ مِنْ إِيطَالِيَا. النِّعْمَةُ مَعَكُمْ جَمِيعًا. مِنْ يَعْقُوبَ، عَبْدِ اللهِ وَعِيسَى الْمَسِيحِ مَوْلَانَا. أُهْدِي سَلَامِي إِلَى كُلِّ شَعْبِ اللهِ الْمُشَتَّتِينَ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْعَالَمِ. يَا إِخْوَتِي، اِعْتَبِرُوا أَنْفُسَكُمْ سُعَدَاءَ عِنْدَمَا تَحِلُّ بِكُمْ مُخْتَلِفُ أَنْوَاعِ الْمِحَنِ. لِأَنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْتِجُ فِيكُمْ صَبْرًا. فَاجْعَلُوا الصَّبْرَ يَنْمُو فِيكُمْ إِلَى الْكَمَالِ، لِكَيْ تَكُونُوا كَامِلِينَ وَتَامِّينَ وَغَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ. وَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ مِنْكُمْ تَنْقُصُهُ الْحِكْمَةُ، فَيَجِبُ أَنْ يَسْأَلَ اللهَ، فَيُعْطِيَهَا لَهُ. لِأَنَّهُ كَرِيمٌ يُعْطِي كُلَّ النَّاسِ بِسَخَاءٍ وَلَا يَلُومُ سَائِلًا. إِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَسْأَلَ بِإِيمَانٍ، وَلَا يَشُكَّ أَبَدًا. لِأَنَّ الَّذِي يَشُكُّ هُوَ كَمَوْجِ الْبَحْرِ تَقْذِفُهُ الرِّيحُ وَتَدْفَعُهُ. لِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ لَا يَتَوَقَّعَ أَنْ يُعْطِيَهُ اللهُ أَيَّ شَيْءٍ، لِأَنَّهُ يَشُكُّ وَيَتَرَدَّدُ فِي كُلِّ تَصَرُّفَاتِهِ. يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ الْفَقِيرِ أَنْ يَفْخَرَ بِأَنَّ اللهَ رَفَعَ مِنْ قَدْرِهِ، وَعَلَى الْمُؤْمِنِ الْغَنِيِّ أَنْ يَحْمَدَ اللهَ أَنَّهُ صَارَ مُتَوَاضِعًا. لِأَنَّ الْإِنْسَانَ الْغَنِيَّ يَزُولُ كَزَهْرِ الْعُشْبِ. فَعِنْدَمَا تُشْرِقُ الشَّمْسُ بِحَرَارَتِهَا الْمُحْرِقَةِ، تَجْعَلُ الْعُشْبَ يَذْبُلُ، فَيَسْقُطُ زَهْرُهُ، وَيَزُولُ جَمَالُهُ. بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَيْضًا يَزُولُ الْغَنِيُّ وَهُوَ مُنْهَمِكٌ فِي أَشْغَالِهِ. هَنِيئًا لِمَنْ يَصْبِرُ عَلَى الْمِحْنَةِ، لِأَنَّهُ بَعْدَمَا يَنْجَحُ يَنَالُ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ الَّذِي وَعَدَ اللهُ بِهِ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُ. إِنْ تَعَرَّضْتُمْ لِلْإِغْرَاءِ فَلَا تَلُومُوا اللهَ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ الشَّرَّ لَا يُغْرِي اللهَ، كَمَا أَنَّ اللهَ لَا يُغْرِي أَحَدًا بِعَمَلِ الشَّرِّ. بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَقَعُ فِي الْإِغْرَاءِ بِسَبَبِ شَهَوَاتِهِ الَّتِي تَجْذِبُهُ وَتُكَبِّلُهُ. وَالشَّهْوَةُ يَزِيدُ شَأْنُهَا فَتُنْتِجُ الْخَطِيئَةَ، وَالْخَطِيئَةُ تَنْمُو فَتَجْلِبُ الْمَوْتَ. لَا تَنْخَدِعُوا يَا إِخْوَتِيَ الْأَحِبَّاءَ، كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ كَامِلَةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، تَأْتِي لَنَا مِنَ اللهِ صَانِعِ الْأَنْوَارِ الَّتِي فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ لَا يَتَغَيَّرُ أَبَدًا وَلَا يَدُورُ كَالظِّلِّ. شَاءَ فَجَعَلَنَا أَبْنَاءَهُ بِوَاسِطَةِ كَلِمَةِ الْحَقِّ، لِكَيْ نَكُونَ أَهَمَّ مَا خَلَقَ. لِذَلِكَ يَا إِخْوَتِيَ الْأَحِبَّاءَ، يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ أَنْ يُسْرِعَ إِلَى الِاسْتِمَاعِ، وَيَتَأَنَّى قَبْلَ الْكَلَامِ، وَلَا يَغْضَبَ بِسُرْعَةٍ. لِأَنَّ الشَّخْصَ الْغَضْبَانَ لَا يَعْمَلُ الصَّلَاحَ الَّذِي يُرِيدُهُ اللهُ. إِذَنْ، تَخَلَّصُوا مِنْ كُلِّ نَجَاسَةٍ وَمِنْ كُلِّ أَنْوَاعِ الشَّرِّ، وَاقْبَلُوا بِوَدَاعَةٍ كَلِمَةَ اللهِ الَّتِي زَرَعَهَا فِي قُلُوبِكُمْ، فَهِيَ قَادِرَةٌ أَنْ تُنْقِذَكُمْ. اِعْمَلُوا بِالْكَلِمَةِ، لَا تَكْتَفُوا بِسَمَاعِهَا فَقَطْ وَإِلَّا خَدَعْتُمْ أَنْفُسَكُمْ. لِأَنَّ مَنْ يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ وَلَا يَعْمَلُ بِهَا، يَكُونُ كَوَاحِدٍ يَنْظُرُ فِي مِرْآةٍ لِيَرَى مَلَامِحَ وَجْهِهِ، وَبَعْدَمَا يَنْظُرُ وَيَمْضِي يَنْسَى شَكْلَهُ حَالًا. أَمَّا مَنْ يَتَأَمَّلُ فِي الشَّرِيعَةِ الْكَامِلَةِ الَّتِي تُحَرِّرُ النَّاسَ، وَيُدَاوِمُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَنْسَى مَا يَسْمَعُهُ بَلْ يَعْمَلُ بِهِ، يَكُونُ مُبَارَكًا فِي مَا يَعْمَلُهُ. إِنْ كَانَ وَاحِدٌ يَظُنُّ أَنَّهُ مُتَدَيِّنٌ، وَهُوَ لَا يَضْبِطُ لِسَانَهُ، فَهُوَ يَخْدَعُ نَفْسَهُ، وَدِينُهُ هُوَ بِلَا قِيمَةٍ. الدِّينُ الْحَقُّ الطَّاهِرُ فِي نَظَرِ اللهِ الْأَبِ، يَظْهَرُ فِي أَنْ يَهْتَمَّ الْوَاحِدُ بِالْأَيْتَامِ وَالْأَرَامِلِ فِي ضِيقِهِمْ، وَأَنْ يَصُونَ نَفْسَهُ مِنْ نَجَاسَةِ الدُّنْيَا. يَا إِخْوَتِي، بِمَا أَنَّكُمْ تُؤْمِنُونَ بِمَوْلَانَا عِيسَى الْمَسِيحِ صَاحِبِ الْجَلَالَةِ، إِذَنْ فَلَا تُمَيِّزُوا بَعْضَ النَّاسِ عَلَى غَيْرِهِمْ. مَثَلًا، إِنْ دَخَلَ إِلَى اجْتِمَاعِكُمْ رَجُلٌ بِخَوَاتِمَ ذَهَبٍ وَمَلَابِسَ فَاخِرَةٍ، وَدَخَلَ أَيْضًا رَجُلٌ فَقِيرٌ بِمَلَابِسَ قَذِرَةٍ، فَتَحْتَرِمُونَ الرَّجُلَ اللَّابِسَ الثِّيَابَ الْفَاخِرَةَ وَتَقُولُونَ لَهُ: ”تَفَضَّلْ، اِجْلِسْ عَلَى هَذَا الْكُرْسِيِّ.“ أَمَّا الْفَقِيرُ فَتَقُولُونَ لَهُ: ”قِفْ أَنْتَ هُنَاكَ.“ أَوْ ”اُقْعُدْ عَلَى الْأَرْضِ عِنْدَ أَقْدَامِنَا.“ أَلَا يَعْنِي هَذَا أَنَّكُمْ تُمَيِّزُونَ بَعْضَ النَّاسِ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَأَنَّكُمْ قُضَاةٌ أَفْكَارُهُمْ شِرِّيرَةٌ؟ اِسْمَعُوا يَا إِخْوَتِيَ الْأَحِبَّاءَ: إِنَّ اللهَ اخْتَارَ الَّذِينَ هُمْ فُقَرَاءُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، لِيَكُونُوا أَغْنِيَاءَ فِي الْإِيمَانِ وَيُعْطِيَهُمْ نَصِيبًا فِي الْمَمْلَكَةِ الَّتِي وَعَدَ بِهَا مَنْ يُحِبُّونَهُ. أَمَّا أَنْتُمْ فَإِنَّكُمْ تَحْتَقِرُونَ الْفَقِيرَ! مَنْ هُمُ الَّذِينَ يَظْلِمُونَكُمْ وَيَجُرُّونَكُمْ إِلَى الْمَحَاكِمِ؟ الْأَغْنِيَاءُ هُمُ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ! وَهُمُ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِالِاسْمِ الْكَرِيمِ الَّذِي تَنْتَمُونَ إِلَيْهِ. فَأَنْتُمْ تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنْ كُنْتُمْ حَقًّا تُنَفِّذُونَ الْقَانُونَ الْمَلَكِيَّ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ وَالَّذِي يَقُولُ: ”أَحِبَّ الْآخَرِينَ كَمَا تُحِبُّ نَفْسَكَ.“ أَمَّا إِنْ كُنْتُمْ تُمَيِّزُونَ بَعْضَ النَّاسِ عَلَى غَيْرِهِمْ، فَأَنْتُمْ تَرْتَكِبُونَ الذَّنْبَ، وَتَحْكُمُ عَلَيْكُمُ الشَّرِيعَةُ بِأَنَّكُمْ تُخَالِفُونَهَا. لِأَنَّ مَنْ يَعْمَلُ بِالشَّرِيعَةِ كُلِّهَا، وَلَكِنَّهُ يُخَالِفُ وَصِيَّةً وَاحِدَةً مِنْهَا، يَصِيرُ مُذْنِبًا فِي حَقِّ الشَّرِيعَةِ كُلِّهَا. لِأَنَّ الَّذِي قَالَ: ”لَا تَزْنِ“ قَالَ أَيْضًا: ”لَا تَقْتُلْ.“ رُبَّمَا أَنْتَ لَا تَزْنِي، لَكِنَّكَ إِنْ قَتَلْتَ، فَقَدْ خَالَفْتَ الشَّرِيعَةَ كُلَّهَا. إِذَنْ تَذَكَّرُوا أَنَّ اللهَ سَيُحَاسِبُكُمْ عَلَى كُلِّ مَا تَقُولُونَهُ وَتَعْمَلُونَهُ، وَذَلِكَ حَسَبَ الشَّرِيعَةِ الَّتِي تُحَرِّرُ النَّاسَ. فَفِي يَوْمِ الْحِسَابِ، لَنْ يَرْحَمَ اللهُ مَنْ كَانَ غَيْرَ رَحِيمٍ. أَمَّا مَنْ هُوَ رَحِيمٌ فَلَنْ يَخَافَ يَوْمَ الْحِسَابِ. مَا الْفَائِدَةُ يَا إِخْوَتِي إِنْ كَانَ وَاحِدٌ يَقُولُ: ”أَنَا مُؤْمِنٌ.“ لَكِنَّ أَعْمَالَهُ لَا تَدُلُّ أَبَدًا عَلَى أَنَّهُ مُؤْمِنٌ؟ هَلْ يَقْدِرُ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الْإِيمَانِ أَنْ يُنْقِذَهُ؟ طَبْعًا لَا! فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْإِخْوَةِ أَوِ الْأَخَوَاتِ مَلَابِسُهُ مُهَلْهَلَةٌ وَهُوَ جَائِعٌ، فَيَقُولُ لَهُ وَاحِدٌ مِنْكُمْ: ”أَتَمَنَّى لَكَ كُلَّ خَيْرٍ. تَدَفَّأْ وَاشْبَعْ.“ فَمَا الْفَائِدَةُ مِنْ هَذَا إِنْ كُنْتَ لَا تُعْطِيهِ مَا يَحْتَاجُ؟ فَالْإِيمَانُ هُوَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، إِنْ كَانَ غَيْرَ مَصْحُوبٍ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَهُوَ إِيمَانٌ مَيِّتٌ. رُبَّمَا وَاحِدٌ يَقُولُ: ”الْبَعْضُ عِنْدَهُمْ إِيمَانٌ، وَالْبَعْضُ عِنْدَهُمْ أَعْمَالٌ.“ وَلَكِنِّي أَرُدُّ عَلَى هَذَا وَأَقُولُ: ”أَنَا لَا أَرَى إِيمَانَكَ إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ أَعْمَالٌ، وَلَكِنِّي أُرِيكَ إِيمَانِي بِأَعْمَالِي! أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللهَ وَاحِدٌ. حَسَنًا! حَتَّى الشَّيَاطِينُ تُؤْمِنُ بِهَذَا، وَتَرْتَعِشُ مِنَ الْخَوْفِ.“ يَا غَبِيُّ! هَلْ تُرِيدُ أَنْ أُثْبِتَ لَكَ أَنَّ الْإِيمَانَ مِنْ غَيْرِ أَعْمَالٍ هُوَ بِلَا قِيمَةٍ؟ أَبُونَا إِبْرَاهِيمُ مَثَلًا، اِعْتَبَرَهُ اللهُ صَالِحًا لِأَعْمَالِهِ، لِأَنَّهُ قَدَّمَ ابْنَهُ إِسْحَاقَ عَلَى الْمَنَصَّةِ. إِذَنْ، أَنْتَ تَرَى أَنَّ إِيمَانَهُ كَانَ مَصْحُوبًا بِأَعْمَالِهِ، فَصَارَ إِيمَانُهُ كَامِلًا بِالْأَعْمَالِ. وَهَذَا هُوَ مَا يَعْنِيهِ الْكِتَابُ بِقَوْلِهِ: ”آمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللهِ، فَاعْتَبَرَ اللهُ إِيمَانَهُ صَلَاحًا.“ وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ أَنَّهُ دُعِيَ 'خَلِيلَ اللهِ.' تَرَوْنَ إِذَنْ أَنَّ اللهَ يَعْتَبِرُ الْإِنْسَانَ صَالِحًا عَلَى أَسَاسِ أَعْمَالِهِ وَلَيْسَ بِالْإِيمَانِ وَحْدَهُ. وَمِثَالٌ آخَرُ هُوَ رَاحَابُ الْعَاهِرَةُ، فَقَدِ اعْتَبَرَهَا اللهُ صَالِحَةً لِأَعْمَالِهَا، فَإِنَّهَا رَحَّبَتْ بِالْجَاسُوسَيْنِ، وَسَاعَدَتْهُمَا عَلَى الْهَرَبِ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ. فَكَمَا أَنَّ الْجِسْمَ بِدُونِ رُوحٍ مَيِّتٌ، كَذَلِكَ الْإِيمَانُ بِدُونِ أَعْمَالٍ مَيِّتٌ. يَا إِخْوَتِي، كَثِيرُونَ مِنْكُمْ يَجِبُ أَنْ لَا يُصْبِحُوا مُعَلِّمِينَ، لِأَنَّكُمْ تَعْرِفُونَ أَنَّنَا نَحْنُ الْمُعَلِّمِينَ نُحَاسَـبُ حِسَـابًا أَقْسَـى مِنْ غَيْرِنَا. نَحْنُ كُلُّنَا نَعْمَلُ أَخْطَاءً كَثِيرَةً. إِنْ كَانَ وَاحِدٌ لَا يُخْطِئُ فِي كَلَامِهِ فَهُوَ كَامِلٌ وَقَادِرٌ أَنْ يُسَيْطِـرَ عَلَى جِسْـمِهِ كُلِّهِ. نَحْنُ نَضَعُ اللِّجَامَ فِي فَمِ الْحِصَانِ لِكَيْ يُطِيعَنَا فَنَقُودَهُ كَمَا نُرِيدُ. وَكَذَلِكَ السُّـفُنُ، فَمَهْمَا كَانَتِ السَّـفِينَةُ كَبِيرَةً، وَالرِّيَاحُ الَّتِي تَدْفَعُهَا شَدِيدَةً، فَإِنَّ دَفَّةً صَغِيرَةً جِدًّا تُدِيرُهَا فِي أَيِّ اتِّجَاهٍ يُرِيدُهُ الرُّبَّانُ. كَذَلِكَ اللِّسَـانُ هُوَ عُضْوٌ صَغِيرٌ، لَكِنَّهُ يَتَفَاخَرُ بِعَمَلِ أُمُورٍ عَظِيمَةٍ. لَاحِظُوا أَيْضًا أَنَّ شَرَارَةً صَغِيرَةً يُمْكِنُ أَنْ تُحْرِقَ غَابَةً كَبِيرَةً. فَاللِّسَـانُ هُوَ مِثْلُ نَارٍ، هُوَ قُوَّةٌ مِنَ الشَّرِّ بَيْنَ أَعْضَاءِ الْجِسْمِ. إِنَّهُ يُفْسِدُ الشَّخْصَ كُلَّهُ، وَيُشْعِلُ النَّارَ فِي كُلِّ حَيَاتِهِ، وَهُوَ نَفْسُهُ يَشْتَعِلُ بِنَارٍ مِنَ الْجَحِيمِ. فِي إِمْكَانِ الْإِنْسَانِ أَنْ يُسَيْطِرَ عَلَى كُلِّ أَنْوَاعِ الْوُحُوشِ وَالطُّيُورِ، وَكُلِّ الْكَائِنَاتِ الَّتِي تَزْحَفُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ تَعِيشُ فِي الْبَحْرِ، بَلْ سَيْطَرَ عَلَيْهَا فِعْلًا. أَمَّا اللِّسَانُ، فَلَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يُسَيْطِرَ عَلَيْهِ، هُوَ شَرٌّ لَا يُمْكِنُ التَّحَكُّمُ فِيهِ، وَهُوَ مَمْلُوءٌ بِالسِّمِّ الْقَاتِلِ. بِهِ نَحْمَدُ رَبَّنَا وَأَبَانَا، وَبِهِ نَلْعَنُ النَّاسَ الْمَخْلُوقِينَ لِيُعَبِّرُوا عَنِ اللهِ. فَمِنْ فَمٍ وَاحِدٍ يَخْرُجُ الْحَمْدُ وَاللَّعْنُ، هَذَا يَا إِخْوَتِي لَا يَصِحُّ أَبَدًا. هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَنْبُعَ الْمَاءُ الْعَذْبُ وَالْمَاءُ الْمَالِحُ مِنْ نَفْسِ الْعَيْنِ؟ أَوْ هَلْ يُمْكِنُ لِشَجَرَةِ تِينٍ أَنْ تُنْتِجَ زَيْتُونًا؟ أَوْ لِشَجَرَةِ عِنَبٍ أَنْ تُنْتِجَ تِينًا؟ غَيْرُ مَعْقُولٍ يَا إِخْوَتِي! وَلَا النَّبْعُ الْمَالِحُ يُخْرِجُ مَاءً عَذْبًا. هَلْ يُوجَدُ بَيْنَكُمْ مَنْ هُوَ حَكِيمٌ وَفَهِيمٌ؟ فَيَجِبُ أَنْ يُبَرْهِنَ عَلَى ذَلِكَ بِحَيَاتِهِ الصَّالِحَةِ، بِأَعْمَالٍ يَعْمَلُهَا بِتَوَاضُعٍ نَابِعٍ عَنِ الْحِكْمَةِ. أَمَّا إِنْ كَانَ فِي قُلُوبِكُمْ غِيرَةٌ مُرَّةٌ وَأَنَانِيَّةٌ، فَلَا تَفْتَخِرُوا بِهَا، وَلَا تُحَاوِلُوا أَنْ تُنْكِرُوا الْحَقِيقَةَ. هَذِهِ الْحِكْمَةُ لَا تَأْتِي مِنَ السَّمَاءِ، بَلْ هِيَ دُنْيَوِيَّةٌ، بَشَرِيَّةٌ، شَيْطَانِيَّةٌ. لِأَنَّهُ حَيْثُ تُوجَدُ الْغِيرَةُ وَالْأَنَانِيَّةُ، تُوجَدُ الْفَوْضَى وَكُلُّ أَنْوَاعِ الشَّرِّ. أَمَّا الْحِكْمَةُ الَّتِي مِنَ السَّمَاءِ، فَهِيَ طَاهِرَةٌ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، ثُمَّ مُسَالِمَةٌ، لَطِيفَةٌ، مُتَفَاهِمَةٌ، مَمْلُوءَةٌ بِالرَّحْمَةِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، لَا تَحَيُّزَ فِيهَا وَلَا نِفَاقَ. وَالْحَصَادُ الصَّالِحُ يَنْمُو مِنْ بُزُورِ السَّلَامِ الَّتِي يَزْرَعُهَا مَنْ يَصْنَعُونَ السَّلَامَ. مَا سَبَبُ كُلِّ هَذَا النِّزَاعِ وَالْخِصَامِ الْمَوْجُودِ بَيْنَكُمْ؟ سَـبَبُهُ هُوَ الشَّهَـوَاتُ الَّتِي تُحَارِبُ فِي دَاخِلِكُمْ. أَنْتُمْ تَرْغَبُونَ فِي شَـيْءٍ، لَكِنْ لَا يُمْكِنُكُمُ الْحُصُولُ عَلَيْهِ فَتَقْتُلُونَ. تَشْتَهُـونَ أَمْرًا، لَكِنَّ الْحُصُولَ عَلَيْهِ صَعْبٌ فَتُخَاصِمُونَ وَتُحَارِبُونَ. لَا تَنَالُونَ مَا تُرِيدُونَ لِأَنَّكُمْ لَا تَطْلُبُونَهُ مِنَ اللهِ. وَحَتَّى إِذَا طَلَبْتُمْ مِنْهُ لَا يُعْطِيكُمْ، لِأَنَّ قَصْدَكُمْ سَيِّئٌ، لِأَنَّكُمْ تُرِيدُونَ اسْتِخْدَامَهُ لِمَلَذَّاتِكُمْ. أَنْتُمْ خَوَنَةٌ كَزَوْجَةٍ زَانِيَةٍ! أَلَا تَعْرِفُونَ أَنَّ مَحَبَّةَ هَذِهِ الدُّنْيَا هِيَ عَدَاوَةٌ للهِ؟ نَعَمْ، مَنْ يُحِبُّ هَذِهِ الدُّنْيَا هُوَ عَدُوٌّ للهِ! هَلْ تَظُنُّونَ أَنَّ كَلَامَ الْكِتَابِ هُوَ بِلَا مَعْنًى عِنْدَمَا يَقُولُ إِنَّ الرُّوحَ الَّذِي وَضَعَهُ اللهُ فِينَا يَغَارُ عَلَيْنَا؟ لَكِنَّ اللهَ يُعْطِينَا نِعْمَةً أَكْثَرَ، لِذَلِكَ يَقُولُ الْكِتَابُ: ”يَقِفُ اللهُ ضِدَّ الْمُتَكَبِّرِينَ، لَكِنَّهُ يُنْعِمُ عَلَى الْمُتَوَاضِعِينَ.“ إِذَنْ، اِخْضَعُوا للهِ، قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ. اِقْتَرِبُوا إِلَى اللهِ فَيَقْتَرِبَ إِلَيْكُمْ. نَقُّوا أَيْدِيَكُمْ أَيُّهَا الْخُطَاةُ، وَطَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ يَا مَنْ تَتَرَدَّدُونَ بَيْنَ فِكْرَيْنِ. اِحْزَنُوا وَاصْرُخُوا وَابْكُوا. اِجْعَلُوا ضِحْكَكُمْ يَنْقَلِبُ إِلَى صُرَاخٍ، وَفَرَحَكُمْ إِلَى غَمٍّ، تَوَاضَعُوا فِي مَحْضَرِ اللهِ فَيَرْفَعَكُمْ. يَا إِخْوَتِي، لَا تَتَكَلَّمُوا بِالسُّـوءِ عَلَى بَعْضِكُمُ الْبَعْضِ. لِأَنَّ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِالسُّـوءِ عَلَى أَخِيهِ أَوْ يَحْكُمُ عَلَيْهِ، فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِالسُّـوءِ عَلَى الشَّـرِيعَةِ وَيَحْكُمُ عَلَيْهَا. وَإِنْ كُنْتَ تَحْكُمُ عَلَى الشَّـرِيعَةِ، فَأَنْتَ لَا تَعْمَلُ بِهَا بَلْ تُقَاضِيهَا. بَيْنَمَا لَا يُوجَدُ إِلَّا وَاحِدٌ وَضَعَ الشَّـرِيعَةَ، وَهُوَ الْقَاضِي الَّذِي لَهُ الْقُدْرَةُ أَنْ يُنْقِذَ أَوْ يُهْلِكَ. فَمَنْ تَظُنُّ نَفْسَـكَ حَتَّى تَحْكُمَ عَلَى الْآخَرِينَ؟ وَالْآنَ، اِنْتَبِهُوا أَنْتُمْ يَا مَنْ تَقُولُونَ: ”سَـنَذْهَبُ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا إِلَى الْبَلْدَةِ الْفُلَانِيَّةِ، وَنُقِيمُ هُنَاكَ عَامًا وَنَشْـتَغِلُ وَنَرْبَحُ.“ مَهْلًا! أَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَـيْئًا عَنِ الْغَدِ، وَلَا تَضْمَنُونَ حَيَاتَكُمْ! فَأَنْتُمْ بُخَارٌ يَظْهَرُ فَتْرَةً قَلِيلَةً ثُمَّ يَخْتَفِي. بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ تَقُولُوا: ”إِنْ شَاءَ اللهُ وَعِشْنَا، سَنَعْمَلُ هَذَا الْأَمْرَ أَوْ ذَاكَ.“ لَكِنَّكُمْ تَفْتَخِرُونَ وَتَتَكَبَّرُونَ. كُلُّ هَذَا الِافْتِخَارِ شَرٌّ. فَمَنْ يَعْرِفُ أَنْ يَعْمَلَ الْخَيْرَ وَلَا يَعْمَلُهُ، هُوَ مُذْنِبٌ. وَالْآنَ، اِنْتَبِهُوا أَنْتُمْ أَيُّهَا الْأَغْنِيَاءُ: اِبْكُوا وَنُوحُوا عَلَى الشَّـقَاءِ الَّذِي سَيَحِـلُّ بِكُمْ. تَلِفَتْ ثَرْوَتُكُمْ. أَكَلَ الْعُثُّ ثِيَابَكُمْ. صَـدِئَ ذَهَبُكُمْ وَفِضَّـتُكُمْ. وَهَذَا الصَّـدَأُ يَشْهَـدُ ضِـدَّكُمْ وَيَأْكُلُ لَحْمَكُمْ كَنَارٍ. أَنْتُمْ جَمَعْتُمُ الْكُنُوزَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْأَخِيرَةِ، وَأُجُورُ الْعُمَّالِ الَّذِينَ يَخْدِمُونَ فِي حُقُولِكُمْ لَمْ تَدْفَعُوهَا. فَهَذِهِ الْأُجُورُ تَصْـرُخُ بِالشَّـكْوَى ضِـدَّكُمْ. وَصُـرَاخُ الْحَصَّـادِينَ سَـمِعَهُ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ. أَنْتُمْ تَعِيشُـونَ فِي الدُّنْيَا فِي تَنَعُّمٍ وَرَفَاهِيَةٍ، وَسَـمَّنْتُمْ أَنْفُسَـكُمْ لِيَوْمِ الذَّبْحِ. حَكَمْتُمْ عَلَى الْبَرِيءِ وَقَتَلْتُمُوهُ، وَلَمْ يُقَاوِمْكُمْ. أَمَّا أَنْتُمْ يَا إِخْوَتِي، فَاصْـبِرُوا إِلَى أَنْ يَجِيءَ الْمَسِيحُ. لَاحِظُوا كَيْفَ يَنْتَظِرُ الْفَلَّاحُ لِتُعْطِيَهُ الْأَرْضُ غَلَّتَهَا الثَّمِينَةَ، وَيَصْـبِرُ حَتَّى يَنْزِلَ مَطَرُ الْخَرِيفِ وَمَطَرُ الرَّبِيعِ. فَاصْـبِرُوا أَنْتُمْ أَيْضًا، وَتَشَجَّـعُوا لِأَنَّ الْمَسِيحَ سَيَجِـيءُ عَنْ قَرِيبٍ. يَا إِخْوَتِي، لَا تَتَذَمَّرُوا بَعْضُـكُمْ عَلَى بَعْضٍ، لِئَلَّا يُحَاسِـبَكُمُ اللهُ عَلَى هَذَا. فَالدَّيَّانُ قَرِيبٌ، بَلْ وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ. أَيُّهَا الْإِخْوَةُ، اِقْتَدُوا بِالْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِاسْـمِ اللهِ. إِنَّهُمْ تَأَلَّمُوا وَصَبِرُوا. وَنَحْنُ نَقُولُ عَنِ الصَّابِرِينَ: ”هَنِيئًا لَهُمْ.“ أَنْتُمْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ، وَرَأَيْتُمْ كَيْفَ بَارَكَهُ اللهُ فِي النِّهَايَةِ. لِأَنَّ اللهَ رَحْمَانٌ رَحِيمٌ. وَأَهَمُّ كُلِّ شَـيْءٍ يَا إِخْوَتِي، لَا تَحْلِفُوا أَبَدًا، لَا بِالسَّـمَاءِ، وَلَا بِالْأَرْضِ، وَلَا بِأَيِّ شَـيْءٍ آخَرَ. بَلْ عِنْدَمَا يَكُونُ قَصْـدُكُمْ نَعَمْ تَقُولُونَ: ”نَعَمْ.“ وَعِنْدَمَا يَكُونُ قَصْـدُكُمْ لَا تَقُولُونَ: ”لَا.“ لِئَلَّا يَحِلَّ عَلَيْكُمُ الْعِقَابُ. هَلْ فِيكُمْ وَاحِدٌ فِي ضِـيقٍ؟ فَيَجِبُ أَنْ يَبْتَهِلَ للهِ. هَلْ فِيكُمْ وَاحِدٌ فَرْحَانٌ؟ فَيَجِبُ أَنْ يُسَـبِّحَ اللهَ. هَلْ فِيكُمْ وَاحِدٌ مَرِيضٌ؟ فَيَجِبُ أَنْ يَسْـتَدْعِيَ شُـيُوخَ الْجَمَاعَةِ، وَيَدْعُوا اللهَ مِنْ أَجْلِهِ وَيَدْهِنُوهُ بِزَيْتٍ بِاسْـمِ الْمَسِيحِ. وَالدُّعَاءُ بِإِيمَانٍ يَشْـفِي الْمَرِيضَ، وَالْمَسِيحُ يُقِيمُهُ. فَإِنْ كَانَ مَرَضُـهُ بِسَـبَبِ ذَنْبٍ ارْتَكَبَهُ، يُغْفَرُ لَهُ. اِعْتَرِفُوا بَعْضُـكُمْ لِبَعْضٍ بِالذُّنُوبِ، وَادْعُوا بَعْضُـكُمْ لِأَجْلِ بَعْضٍ لِكَيْ تُشْـفَوْا. دُعَاءُ الرَّجُلِ الصَّـالِحِ لَهُ مَفْعُولٌ قَوِيٌّ جِدًّا. كَانَ إِلْيَاسُ إِنْسَانًا عَادِيًّا مِثْلَنَا، وَتَضَرَّعَ للهِ بِحَرَارَةٍ لِكَيْ لَا يَنْزِلَ الْمَطَرُ عَلَى الْأَرْضِ، فَلَمْ يَنْزِلِ الْمَطَرُ ثَلَاثَ سِنِينَ وَنِصْفٍ. ثُمَّ عَادَ وَتَضَرَّعَ مَرَّةً أُخْرَى، فَأَمْطَرَتِ السَّمَاءُ، وَأَنْتَجَتِ الْأَرْضُ مَحَاصِيلَهَا. يَا إِخْوَتِي، إِنْ ضَلَّ وَاحِدٌ مِنْكُمْ عَنِ الْحَقِّ، فَأَرْجَعَهُ آخَرُ، فَاعْلَمُوا أَنَّ مَنْ يُرْجِعُ خَاطِئًا عَنْ طَرِيقِ الضَّلَالِ، يُنْقِذُهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَيَسْتُرُ ذُنُوبًا كَثِيرَةً. مِنْ: بُطْرُسَ رَسُولِ عِيسَى الْمَسِيحِ. إِلَى: الْمُخْتَارِينَ، الْغُرَبَاءِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، الْمُشَتَّتِينَ فِي بِلَادِ الْبُنْطِ وَغَلَاطِيَةَ وَكَبْدُوكْيَةَ وَآسْيَا وَبِتِنْيَةَ. الَّذِينَ اخْتَارَهُمُ اللهُ الْأَبُ حَسَبَ عِلْمِهِ السَّابِقِ، وَخَصَّصَهُمْ لَهُ بِرُوحِهِ لِكَيْ يُطِيعُوا عِيسَـى الْمَسِيحَ، وَيَطْهُرُوا بِرَشِّ دَمِهِ عَلَيْهِمْ. عَلَيْكُمْ وَافِرُ النِّعْمَةِ وَالسَّلَامِ. تَبَارَكَ اللهُ أَبُو سَيِّدِنَا عِيسَى الْمَسِيحِ، الَّذِي فِي رَحْمَتِهِ الْعَظِيمَةِ، وَبِوَاسِطَةِ قِيَامَةِ عِيسَى الْمَسِيحِ مِنَ الْمَوْتِ، جَعَلَنَا نُولَدُ مِنْ جَدِيدٍ إِلَى رَجَاءٍ حَيٍّ، وَإِلَى نَصِيبٍ مَحْفُوظٍ لَكُمْ فِي السَّمَاءِ، لَا يَتْلَفُ وَلَا يَفْسُدُ وَلَا يَزُولُ. وَأَنْتُمْ بِالْإِيمَانِ تَحْمِيكُمْ قُوَّةُ اللهِ إِلَى أَنْ تَأْتِيَ النَّجَاةُ الَّتِي سَتَظْهَرُ فِي آخِرِ الزَّمَنِ. فَافْرَحُوا لِهَذَا، مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ الْآنَ أَنْ تَحْزَنُوا فَتْرَةً قَصِيرَةً بِسَبَبِ كُلِّ الْمِحَنِ الَّتِي تُصِيبُكُمْ. لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ هَذِهِ الْمِحَنِ هُوَ أَنَّهَا تُبَيِّنُ أَنَّ إِيمَانَكُمْ حَقِيقِيٌّ. فَكَمَا أَنَّ النَّارَ تَخْتَبِرُ الذَّهَبَ، فَإِنَّ الْمِحَنَ تَخْتَبِرُ إِيمَانَكُمُ الَّذِي هُوَ أَثْمَنُ بِكَثِيرٍ مِنَ الذَّهَبِ الْفَانِي. فَتَنَالُونَ الْمَدِيحَ وَالْجَلَالَ وَالْكَرَامَةَ عِنْدَمَا يَأْتِي عِيسَـى الْمَسِيحُ مِنَ السَّمَاءِ. أَنْتُمْ لَمْ تَرَوْهُ، لَكِنَّكُمْ تُحِبُّونَهُ. وَمَعَ أَنَّكُمْ لَا تَرَوْنَهُ الْآنَ، لَكِنَّكُمْ تُؤْمِنُونَ بِهِ. فَتَفْرَحُونَ فَرَحًا مَجِيدًا يَفُوقُ الْوَصْفَ، لِأَنَّكُمْ تَبْلُغُونَ هَدَفَ إِيمَانِكُمْ وَهُوَ نَجَاةُ نُفُوسِكُمْ. حَتَّى الْأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ تَنَبَّأُوا عَنِ النِّعْمَةِ الَّتِي أَعَدَّهَا اللهُ لَكُمْ، دَرَسُوا وَبَحَثُوا بِعِنَايَةٍ مَوْضُوعَ هَذِهِ النَّجَاةِ. وَكَانَ رُوحُ الْمَسِيحِ الَّذِي فِيهِمْ يُنْبِئُهُمْ عَنْ آلَامِ الْمَسِيحِ وَالْأَمْجَادِ الَّتِي بَعْدَهَا. فَحَاوَلُوا أَنْ يَعْرِفُوا مَا كَانَ يُشِيرُ إِلَيْهِ الرُّوحُ بِشَأْنِ وَقْتِ حُدُوثِهَا وَحَالَةِ الْعَالَمِ عِنْدَ حُدُوثِهَا. وَأُعْلِنَ لَهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَنْ تَتِمَّ فِي أَيَّامِهِمْ بَلْ بَعْدَهُمْ بِسِنِينَ كَثِيرَةٍ أَيْ فِي أَيَّامِكُمْ أَنْتُمْ. وَالْآنَ، هَذِهِ الْأُمُورُ بَلَّغَهَا لَكُمُ الَّذِينَ نَادَوْا بِالْبُشْرَى بِوَاسِطَةِ الرُّوحِ الْقُدُّوسِ الْمُرْسَلِ مِنَ السَّمَاءِ. وَهِيَ الَّتِي تَشْتَاقُ الْمَلَائِكَةُ أَنْ تَطَّلِعَ عَلَيْهَا. إِذَنْ لِيَكُنْ ذِهْنُكُمْ مُتَنَبِّهًا، وَاضْبِطُوا أَنْفُسَكُمْ. ضَعُوا أَمَلَكُمْ كُلَّهُ فِي النِّعْمَةِ الَّتِي سَتَنَالُونَهَا عِنْدَمَا يَأْتِي عِيسَى الْمَسِيحُ. كَأَبْنَاءٍ مُطِيعِينَ للهِ، لَا تَسْتَسْلِمُوا لِشَهَوَاتِ الْمَاضِي كَمَا كَانَ يَحْدُثُ أَيَّامَ كُنْتُمْ جُهَلَاءَ. بَلْ كُونُوا صَالِحِينَ فِي كُلِّ تَصَرُّفَاتِكُمْ، لِأَنَّ الَّذِي دَعَاكُمْ هُوَ قُدُّوسٌ. وَهُوَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: ”كُونُوا صَالِحِينَ لِأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ.“ أَنْتُمْ تَدْعُونَهُ أَبَاكُمْ، هُوَ الَّذِي يَحْكُمُ حَسَبَ عَمَلِ كُلِّ وَاحِدٍ بِلَا تَحَيُّزٍ. إِذَنْ يَجِبُ أَنْ تَعِيشُوا أَيَّامَ غُرْبَتِكُمْ هُنَا فِي مَخَافَتِهِ. أَنْتُمْ فِي الْمَاضِي كُنْتُمْ تَعِيشُونَ حَيَاةً تَافِهَةً عَلَّمَهَا لَكُمْ آبَاؤُكُمْ، لَكِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ فَدَاكُمْ مِنْ هَذَا، لَا بِأَشْيَاءَ فَانِيَةٍ مِثْلَ الْفِضَّةِ أَوِ الذَّهَبِ، بَلْ بِالدَّمِ الْكَرِيمِ، دَمِ الْمَسِيحِ، حَمَلِ الْفِدَاءِ الَّذِي بِلَا لَوْمٍ وَلَا عَيْبٍ. فَقَدِ اخْتَارَهُ اللهُ لِهَذَا مِنْ قَبْلِ خَلْقِ الْعَالَمِينَ، وَجَاءَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ. أَنْتُمْ بِوَاسِطَتِهِ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الْمَوْتِ وَمَجَّدَهُ. وَبِذَلِكَ فَإِنَّ إِيمَانَكُمْ وَرَجَاءَكُمْ هُمَا فِي اللهِ. وَالْآنَ، بِمَا أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ الْحَقَّ، فَقَدْ طَهَّرْتُمْ نُفُوسَكُمْ، وَصِرْتُمْ قَادِرِينَ عَلَى الْمَحَبَّةِ الْأَخَوِيَّةِ الصَّادِقَةِ. إِذَنْ أَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا مَحَبَّةً شَدِيدَةً مِنْ كُلِّ الْقَلْبِ. لِأَنَّكُمْ وُلِدْتُمُ الْوِلَادَةَ الثَّانِيَةَ، لَا مِنْ أَبٍ بَشَرِيٍّ يَفْنَى، بَلْ بِكَلِمَةِ اللهِ الْحَيَّةِ الدَّائِمَةِ الَّتِي لَا تَفْنَى. فَالْكِتَابُ يَقُولُ: ”كُلُّ النَّاسِ كَالْعُشْبِ، وَكُلُّ جَلَالِهِمْ كَزَهْرِ الْعُشْبِ. يَمُوتُ الْعُشْبُ، وَيَسْقُطُ الزَّهْرُ. أَمَّا كَلِمَةُ اللهِ فَتَبْقَى إِلَى الْأَبَدِ.“ وَهِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي أُعْلِنَتْ لَكُمْ. إِذَنْ أَبْعِدُوا عَنْكُمْ كُلَّ شَرٍّ، وَكُلَّ خِدَاعٍ وَنِفَاقٍ وَحَسَدٍ، وَكُلَّ افْتِرَاءَ. وَكَمَا يَتَلَهَّفُ الطِّفْلُ الْمَوْلُودُ حَدِيثًا إِلَى اللَّبَنِ الْحَلِيبِ، تَلَهَّفُوا إِلَى كَلِمَةِ اللهِ النَّقِيَّةِ، لِكَيْ تَنْمُوا بِهَا وَتَنْجُوا، لِأَنَّكُمْ ذُقْتُمْ أَنَّ الْمَسِيحَ حُلْوٌ. فَتَعَالَوْا إِلَيْهِ، هُوَ الْحَجَرُ الْحَيُّ الَّذِي رَفَضَهُ النَّاسُ، لَكِنَّ اللهَ اخْتَارَهُ وَهُوَ كَرِيمٌ عِنْدَهُ. وَأَنْتُمْ أَيْضًا كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ، تُسْتَخْدَمُ لِبِنَاءِ بَيْتٍ رُوحِيٍّ، لِتَكُونُوا أَحْبَارًا مُخَصَّصِينَ للهِ تُقَدِّمُونَ لَهُ قَرَابِينَ رُوحِيَّةً يَقْبَلُهَا بِوَاسِطَةِ عِيسَـى الْمَسِيحِ. لِأَنَّ اللهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: ”سَأَضَعُ فِي الْقُدْسِ حَجَرًا كَرِيمًا مُخْتَارًا، هُوَ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ، وَمَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لَا يَخْجَلُ.“ هُوَ كَرِيمٌ بِالنِّسْبَةِ لَكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَهُوَ الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ، وَمَعَ ذَلِكَ صَارَ تَاجَ الْبِنَاءِ. وَهُوَ أَيْضًا حَجَرٌ يَجْعَلُ النَّاسَ يَعْثُرُونَ، وَصَخْرَةٌ تَجْعَلُهُمْ يَسْقُطُونَ. وَهُمْ يَعْثُرُونَ لِأَنَّهُمْ لَا يُطِيعُونَ كَلَامَ اللهِ. فَهَذَا هُوَ مَصِيرُهُمْ. أَمَّا أَنْتُمْ فَإِنَّكُمْ جَمَاعَةٌ مُخْتَارَةٌ، مَمْلَكَةُ أَحْبَارٍ، أُمَّةٌ صَالِحَةٌ، شَعْبٌ يَنْتَمِي للهِ، لِكَيْ تُخْبِرُوا النَّاسَ بِعَظَائِمِ اللهِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظَّلَامِ إِلَى نُورِهِ الْبَاهِرِ. لِأَنَّكُمْ فِي الْمَاضِي لَمْ تَكُونُوا شَعْبَ اللهِ، أَمَّا الْآنَ فَأَنْتُمْ شَعْبُهُ. فِي الْمَاضِي كُنْتُمْ غَيْرَ مَرْحُومِينَ، أَمَّا الْآنَ فَقَدْ رَحِمَكُمُ اللهُ. يَا أَحِبَّائِي، أَنْتُمْ غُرَبَاءُ وَضُيُوفٌ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، لِذَلِكَ أَرْجُوكُمْ أَنْ تَبْتَعِدُوا عَنْ شَهَوَاتِ الطَّبِيعَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ الَّتِي تُحَارِبُ النَّفْسَ. عِيشُوا حَيَاةً صَالِحَةً وَسْطَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ. وَمَعَ أَنَّهُمْ يَفْتَرُونَ عَلَيْكُمْ وَيَقُولُونَ إِنَّكُمْ أَشْرَارٌ، لَكِنَّهُمْ يُشَاهِدُونَ أَعْمَالَكُمُ الصَّالِحَةَ، فَيُسَبِّحُونَ اللهَ يَوْمَ يَجِيءُ. اِخْضَعُوا لِكُلِّ سُلْطَةٍ بَشَرِيَّةٍ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ: لِلْمَلِكِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ الْحَاكِمُ الْأَعْلَى، وَلِلْوُلَاةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ وُكَلَاءُ الْمَلِكِ الَّذِينَ يُعَاقِبُونَ الْمُذْنِبِينَ وَيَمْدَحُونَ الصَّالِحِينَ. لِأَنَّ اللهَ يُرِيدُكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا الْخَيْرَ فَتُسْكِتُوا جَهْلَ الْأَغْبِيَاءِ. عِيشُوا كَأَحْرَارٍ، لَكِنْ لَا تَسْتَخْدِمُوا هَذِهِ الْحُرِّيَّةَ كَسِتَارٍ لِارْتِكَابِ الشَّرِّ، بَلْ عِيشُوا كَعَبِيدٍ للهِ. اِحْتَرِمُوا جَمِيعَ النَّاسِ، أَحِبُّوا الْإِخْوَةَ، اِتَّقُوا اللهَ، أَكْرِمُوا الْمَلِكَ. أَيُّهَا الْعَبِيدُ، اِخْضَعُوا لِأَسْيَادِكُمْ بِكُلِّ احْتِرَامٍ، سَوَاءٌ كَانُوا صَالِحِينَ وَلُطَفَاءَ أَوْ قُسَاةً. وَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ يَحْتَمِلُ الْأَلَمَ وَقَسْوَةَ الظُّلْمِ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَهُوَ يَسْتَحِقُّ الْمَدِيحَ فِعْلًا. إِنْ كُنْتُمْ تَرْتَكِبُونَ الْخَطَأَ، فَيَضْرِبُونَكُمْ وَتَحْتَمِلُونَ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ عَلَى هَذَا؟ أَمَّا إِنْ كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ الْخَيْرَ، وَمَعَ ذَلِكَ تَتَأَلَّمُونَ وَتَحْتَمِلُونَ، فَأَنْتُمْ فِعْلًا تَسْتَحِقُّونَ الْمَدِيحَ قُدَّامَ اللهِ، لِأَنَّهُ دَعَاكُمْ لِهَذَا. فَإِنَّ الْمَسِيحَ تَأَلَّمَ مِنْ أَجْلِكُمْ وَتَرَكَ لَكُمْ مِثَالًا لِكَيْ تَقْتَدُوا بِهِ. لَمْ يَرْتَكِبْ أَيَّ ذَنْبٍ، وَلَمْ يَنْطِقْ بِالْكِذْبِ أَبَدًا. شَتَمُوهُ فَلَمْ يَرُدَّ بِالشَّتِيمَةِ، عَذَّبُوهُ فَلَمْ يُهَدِّدْهُمْ، بَلْ سَلَّمَ أَمْرَهُ للهِ الَّذِي يَحْكُمُ بِالْعَدْلِ. هُوَ حَمَلَ ذُنُوبَنَا فِي جِسْمِهِ عَلَى الصَّلِيبِ، لِكَيْ نَمُوتَ نَحْنُ بِالنِّسْبَةِ لِلذُّنُوبِ وَنَحْيَا لِلصَّلَاحِ. بِجُرُوحِهِ شُفِيتُمْ. لِأَنَّكُمْ كُنْتُمْ مِثْلَ غَنَمٍ ضَالَّةٍ، لَكِنَّكُمُ الْآنَ رَجَعْتُمْ إِلَى رَاعِي نُفُوسِكُمْ وَحَارِسِهَا. أَيَّتُهَا الزَّوْجَاتُ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ يَجِبُ أَنْ تَخْضَعَ لِزَوْجِهَا بِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ. فَحَتَّى إِنْ كَانَ الزَّوْجُ لَا يُؤْمِنُ بِكَلَامِ اللهِ، يُمْكِنُ أَنْ تَرْبَحَهُ زَوْجَتُهُ بِسُلُوكِهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى كَلَامٍ. وَذَلِكَ عِنْدَمَا يَرَى أَنَّهَا تَسْلُكُ بِطَهَارَةٍ وَوَقَارٍ. لِيَكُنْ جَمَالُكِ لَا فِي الزِّينَةِ الْخَارِجِيَّةِ، مِثْلَ شَكْلِ تَصْفِيفِ الشَّعْرِ، وَالتَّحَلِّي بِالْجَوَاهِرِ، وَالْمَلَابِسِ الْفَاخِرَةِ. بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي الدَّاخِلِ، فِي الْقَلْبِ، جَمَالَ الرُّوحِ اللَّطِيفِ الْهَادِئِ. هَذَا هُوَ الْجَمَالُ الَّذِي لَا يَزُولُ، وَلَهُ قِيمَةٌ عَظِيمَةٌ فِي نَظَرِ اللهِ. فَفِي قَدِيمِ الزَّمَانِ، الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ الَّتِي وَضَعَتْ رَجَاءَهَا فِي اللهِ، كَانَتْ تُجَمِّلُ نَفْسَهَا بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، بِأَنْ تَخْضَعَ لِزَوْجِهَا. مِثْلَ سَارَةَ الَّتِي كَانَتْ تُطِيعُ إِبْرَاهِيمَ وَتَدْعُوهُ سَيِّدَهَا. وَالْمُؤْمِنَةُ الْيَوْمَ هِيَ بِنْتٌ لَهَا بِحَقٍّ، إِنْ كَانَتْ تَعْمَلُ الصَّلَاحَ وَلَا تَخَافُ مِنْ شَيْءٍ. وَبِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ، أَيُّهَا الْأَزْوَاجُ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يَجِبُ أَنْ يَعِيشَ مَعَ زَوْجَتِهِ وَهُوَ يَعْمَلُ حِسَابَ أَنَّ الْمَرْأَةَ أَضْعَفُ مِنَ الرَّجُلِ. وَيَجِبُ أَنْ تَحْتَرِمَهَا لِأَنَّ لَهَا نَصِيبًا مِثْلَكَ فِي نِعْمَةِ الْحَيَاةِ. بِذَلِكَ لَا تَتَعَطَّلُ صَلَوَاتُكُمْ. وَأَخِيرًا، عِيشُوا كُلُّكُمْ مَعًا فِي وِفَاقٍ. شَارِكُوا الْآخَرِينَ فِي مَشَاعِرِهِمْ. أَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَإِخْوَةٍ. كُونُوا شَفُوقِينَ وَمُتَوَاضِعِينَ. لَا تَرُدُّوا عَلَى الْإِسَاءَةِ بِإِسَاءَةٍ، وَلَا عَلَى الشَّتِيمَةِ بِشَتِيمَةٍ. بَلْ بِالْعَكْسِ بَارِكُوا لِأَنَّ اللهَ دَعَاكُمْ لِهَذَا، فَيَكُونَ لَكُمْ نَصِيبٌ فِي الْبَرَكَةِ. لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَمَتَّعَ بِالْحَيَاةِ، وَيَرَى أَيَّامًا سَعِيدَةً، فَيَجِبُ أَنْ يَمْنَعَ لِسَانَهُ عَنِ الشَّرِّ، وَشَفَتَيْهِ عَنِ التَّكَلُّمِ بِالْغِشِّ، وَيَبْتَعِدَ عَنِ الشَّرِّ وَيَعْمَلَ الْخَيْرَ، وَيَبْغِيَ السَّلَامَ وَيَتْبَعَهُ. لِأَنَّ عَيْنَيِ اللهِ عَلَى الصَّالِحِينَ، وَأُذُنَيْهِ تُصْغِيَانِ إِلَى دُعَائِهِمْ. لَكِنَّهُ يَقِفُ ضِدَّ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الشَّرَّ. إِنْ كُنْتُمْ مُتَحَمِّسِينَ لِلْخَيْرِ، فَمَنْ يَقْدِرُ أَنْ يُؤْذِيَكُمْ؟ أَمَّا إِنْ كَانَ لَا بُدَّ أَنْ تَتَأَلَّمُوا لِأَنَّكُمْ تَعْمَلُونَ الصَّلَاحَ، فَهَنِيئًا لَكُمْ. لَا تَخَافُوا مِنْ تَهْدِيدِهِمْ وَلَا تَضْطَرِبُوا. بَلْ أَكْرِمُوا الْمَسِيحَ لِيَكُونَ هُوَ السَّيِّدَ عَلَى قُلُوبِكُمْ. كُونُوا دَائِمًا مُسْتَعِدِّينَ أَنْ تَرُدُّوا عَلَى كُلِّ مَنْ يَسْـأَلُكُمْ عَنْ سَـبَبِ الْأَمَلِ الَّذِي عِنْدَكُمْ. اِعْمَلُوا هَذَا بِلُطْفٍ وَاحْتِرَامٍ وَبِضَـمِيرٍ نَقِيٍّ، حَتَّى إِنَّ الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِالسُّـوءِ عَلَى سُـلُوكِكُمُ الصَّالِحِ كَمُؤْمِنِينَ بِالْمَسِيحِ، يَخْجَلُونَ مِنِ افْتِرَائِهِمْ. فَإِنْ كَانَ اللهُ يُرِيدُ لَكُمْ أَنْ تَتَأَلَّمُوا، فَمِنَ الْأَفْضَلِ أَنْ تَتَأَلَّمُوا بِسَبَبِ عَمَلِ الصَّلَاحِ، لَا بِسَبَبِ عَمَلِ الشَّـرِّ. لِأَنَّ الْمَسِـيحَ مَاتَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الذُّنُوبِ، الصَّـالِحُ مَاتَ مِنْ أَجْلِ الْأَشْـرَارِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى اللهِ. فَمَاتَ بِجِسْـمِهِ الْبَشَـرِيِّ لَكِنَّهُ قَامَ حَيًّا بِالرُّوحِ. وَبِالرُّوحِ أَيْضًا ذَهَبَ وَبَشَّـرَ الْأَرْوَاحَ الَّتِي فِي السِّجْـنِ. هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ رَفَضُوا أَنْ يُطِيعُوا اللهَ الَّذِي كَانَ يَنْتَظِرُهُمْ بِصَبْرٍ فِي أَثْنَاءِ بِنَاءِ الْفُلْكِ فِي أَيَّامِ نُوحَ. بِوَاسِطَـةِ ذَلِكَ الْفُلْكِ نَجَا بِالْمَاءِ عَدَدٌ قَلِيلٌ مِنَ النَّاسِ، 8 أَشْخَاصٍ فَقَطْ. وَالْمَاءُ هُنَا يَرْمُزُ إِلَى الْغِطَاسِ الَّذِي يُنَجِّيكُمُ الْآنَ. فَالْغِطَاسُ لَا يَعْنِي غَسْلَ الْجِسْمِ مِنَ الْقَذَارَةِ، بَلْ هُوَ تَعَهُّدٌ نُقَدِّمُهُ للهِ بِضَمِيرٍ نَقِيٍّ. وَهُوَ يُنَجِّيكُمْ بِوَاسِطَـةِ قِيَامَةِ عِيسَى الْمَسِيحِ الَّذِي دَخَلَ إِلَى السَّمَاءِ، وَالْآنَ عَنْ يَمِينِ اللهِ، وَقَدْ أُخْضِـعَتْ لَهُ الْمَلَائِكَةُ وَكُلُّ الْقَادَةِ وَالْحُكَّامِ الَّذِينَ فِي عَالَمِ الْأَرْوَاحِ. إِذَنْ بِمَا أَنَّ الْمَسِيحَ تَأَلَّمَ فِي جِسْمِهِ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مُسْتَعِدِّينَ أَنْ تَتَأَلَّمُوا مِثْلَهُ. لِأَنَّ مَنْ يَتَأَلَّمُ فِي جِسْمِهِ، يَكُونُ قَاطَعَ الْخَطِيئَةَ. فَيَعِيشُ بَقِيَّةَ عُمْرِهِ عَلَى الْأَرْضِ لَا بِحَسَبِ الشَّهَوَاتِ الَّتِي تَتَحَكَّمُ فِي النَّاسِ، بَلْ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ. كَفَاكُمُ الْوَقْتَ الَّذِي ضَاعَ، الَّذِي عَمِلْتُمْ فِيهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي يَعْمَلُهَا غَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ. فَكُنْتُمْ تَعِيشُونَ فِي الْخَلَاعَةِ وَالشَّهَوَاتِ وَالسُّكْرِ وَحَفَلَاتِ الْمُجُونِ وَالْعَرْبَدَةِ وَعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ الْقَبِيحَةِ. وَهُمُ الْآنَ يَتَعَجَّبُونَ أَنَّكُمْ لَا تَشْتَرِكُونَ مَعَهُمْ فِي التَّمَرُّغِ فِي نَفْسِ الْفُجُورِ، وَلِذَلِكَ يَشْتِمُونَكُمْ. لَكِنَّهُمْ سَيُؤَدُّونَ الْحِسَابَ لِلَّذِي هُوَ مُسْتَعِدٌّ أَنْ يُحَاسِبَ الْأَحْيَاءَ وَالْأَمْوَاتَ. وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ أَنَّ رِسَالَةَ الْإِنْجِيلِ بُلِّغَتْ حَتَّى لِلَّذِينَ هُمُ الْآنَ أَمْوَاتٌ، لِكَيْ يُمْكِنَهُمْ أَنْ يَحْيَوْا مِثْلَ اللهِ وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِأَرْوَاحِهِمْ، مَعَ أَنَّهُمْ بِالنِّسْبَةِ لِأَجْسَامِهِمْ وَقَعَ عَلَيْهِمُ الْحُكْمُ الَّذِي يَسْرِي عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ. اِقْتَرَبَتْ نِهَايَةُ كُلِّ شَيْءٍ. إِذَنِ انْتَبِهُوا وَاضْبِطُوا أَنْفُسَكُمْ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُصَلُّوا. وَأَهَمُّ كُلِّ شَيْءٍ، أَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِشِدَّةٍ، لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ تَسْتُرُ خَطَايَا كَثِيرَةً. أَضِيفُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِلَا تَذَمُّرٍ. كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يَجِبُ أَنْ يَسْتَخْدِمَ الْمَوْهِبَةَ الْخَاصَّةَ الَّتِي نَالَهَا لِيَخْدِمَ بِهَا الْآخَرِينَ. فَتَكُونُوا وُكَلَاءَ أُمَنَاءَ مَسْئُولِينَ عَنْ مَوَاهِبِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ. مَنْ يَعِظُ يَجِبُ أَنْ يُقَدِّمَ كَلَامًا مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَمَنْ يَخْدِمُ يَجِبُ أَنْ يَقُومَ بِخِدْمَتِهِ بِالْقُوَّةِ الَّتِي يَمْنَحُهَا اللهُ. وَبِذَلِكَ يَتَمَجَّدُ اللهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِوَاسِطَةِ عِيسَـى الْمَسِيحِ الَّذِي لَهُ الْجَلَالُ وَالْقُدْرَةُ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ. آمِينَ. يَا أَحِبَّائِي، لَا تَتَعَجَّبُوا مِنْ هَذِهِ الْمِحْنَةِ الْقَاسِيَةِ الَّتِي تَمُرُّونَ بِهَا كَأَنَّهَا أَمْرٌ غَرِيبٌ أَصَابَكُمْ. بَلِ افْرَحُوا لِأَنَّكُمْ تَتَأَلَّمُونَ كَمَا تَأَلَّمَ الْمَسِيحُ، لِكَيْ تَفْرَحُوا أَكْثَرَ جِدًّا عِنْدَمَا يَأْتِي فِي جَلَالِهِ. إِنْ كَانُوا يَشْتِمُونَكُمْ مِنْ أَجْلِ اسْمِ الْمَسِيحِ فَهَنِيئًا لَكُمْ، لِأَنَّ الرُّوحَ الْمَجِيدَ، أَيْ رُوحَ اللهِ، يَحِلُّ عَلَيْكُمْ. فَإِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ يَتَأَلَّمُ، يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ بِسَبَبِ قَتْلٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ جَرِيمَةٍ أُخْرَى أَوْ تَدَخُّلٍ فِي شُؤُونِ الْغَيْرِ. أَمَّا إِنْ كَانَ يَتَأَلَّمُ لِأَنَّهُ مَسِيحِيٌّ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَخْجَلَ أَبَدًا، بَلْ يُسَبِّحُ اللهَ لِأَجْلِ هَذَا الِاسْمِ. حَانَ وَقْتُ الْحِسَابِ، وَهُوَ يَبْدَأُ بِشَعْبِ اللهِ. فَإِنْ كَانَ يَبْدَأُ بِنَا نَحْنُ، فَكَيْفَ تَكُونُ نِهَايَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِبُشْرَى اللهِ؟ وَإِنْ كَانَ مِنَ الصَّعْبِ أَنْ يَنْجُوَ الصَّالِحُ، فَمَا هُوَ نَصِيبُ الْكَافِرِ وَالْمُذْنِبِ؟ إِذَنِ الَّذِينَ يَتَأَلَّمُونَ كَمَا يُرِيدُ لَهُمُ اللهُ، يَجِبُ أَنْ يُسَلِّمُوا أَنْفُسَهُمْ إِلَى الْخَالِقِ الْأَمِينِ وَيَسْتَمِرُّوا فِي عَمَلِ الْخَيْرِ. وَهَذِهِ وَصِيَّتِي إِلَى الشُّيُوخِ الَّذِينَ بَيْنَكُمْ، بِاعْتِبَارِ أَنِّي شَيْخٌ مِثْلُكُمْ، وَشَاهَدْتُ آلَامَ الْمَسِيحِ، وَلِي نَصِيبٌ فِي الْجَلَالِ الَّذِي سَيَظْهَرُ. اِرْعَوْا قَطِيعَ اللهِ الَّذِي بَيْنَكُمْ وَاحْرُسُوهُ كَمَا يُرِيدُ اللهُ، لَا مُجْبَرِينَ بَلْ عَنْ رِضًى، وَلَا لِطَمَعٍ فِي الرِّبْحِ، بَلْ رَغْبَةً فِي الْخِدْمَةِ. لَا تُسَيْطِرُوا عَلَى الَّذِينَ وَضَعَهُمُ اللهُ أَمَانَةً بَيْنَ أَيْدِيكُمْ، بَلْ كُونُوا قُدْوَةً لَهُمْ. وَعِنْدَمَا يَأْتِي رَئِيسُ الرُّعَاةِ، تَنَالُونَ إِكْلِيلَ الْجَلَالِ الَّذِي لَا يَذْبُلُ. وَأَنْتُمْ أَيُّهَا الشُّبَّانُ، اِخْضَعُوا لِلشُّيُوخِ. كُونُوا جَمِيعًا مُتَوَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ مَعَ بَعْضٍ. فَكَمَا يَقُولُ الْكِتَابُ: ”يَقِفُ اللهُ ضِدَّ الْمُتَكَبِّرِينَ، لَكِنَّهُ يُنْعِمُ عَلَى الْمُتَوَاضِعِينَ.“ إِذَنْ تَوَاضَعُوا تَحْتَ يَدِ اللهِ الْقَدِيرَةِ لِكَيْ يَرْفَعَكُمْ فِي الْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ. أَلْقُوا كُلَّ هَمِّكُمْ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ هُوَ يَعْتَنِي بِكُمْ. اِضْبِطُوا أَنْفُسَكُمْ وَاسْهَرُوا! إِبْلِيسُ عَدُوُّكُمْ يَجُولُ كَأَسَدٍ يَزْأَرُ وَيَبْحَثُ عَنْ وَاحِدٍ يَفْتَرِسُهُ. فَقَاوِمُوهُ ثَابِتِينَ فِي الْإِيمَانِ. وَاعْلَمُوا أَنَّ إِخْوَتَكُمُ الْمُؤْمِنِينَ فِي كُلِّ الْعَالَمِ يُقَاسُونَ نَفْسَ هَذِهِ الْآلَامِ. وَبَعْدَ أَنْ تَكُونُوا قَدْ تَأَلَّمْتُمْ فَتْرَةً قَصِيرَةً، فَإِنَّ اللهَ الَّذِي يُعْطِي كُلَّ نِعْمَةٍ، وَالَّذِي دَعَاكُمْ إِلَى جَلَالِهِ الْأَبَدِيِّ بِانْتِمَائِكُمْ لِلْمَسِيحِ، هُوَ نَفْسَهُ يُصْلِحُ أَحْوَالَكُمْ وَيُثَبِّتُكُمْ وَيُقَوِّيكُمْ وَيَسْنُدُكُمْ. لَهُ الْقُدْرَةُ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ. آمِـينَ. كَتَبْتُ لَكُمْ هَذِهِ الرِّسَالَةَ الْمُخْتَصَرَةَ بِيَدِ سِيلَا الَّذِي أَعْتَبِرُهُ أَخًا أَمِينًا، وَقَصْدِي هُوَ أَنْ أُشَجِّعَكُمْ وَأَشْهَدَ لَكُمْ أَنَّ هَذِهِ هِيَ نِعْمَةُ اللهِ الْحَقِيقِيَّةُ، فَاثْبُتُوا فِيهَا. تُسَلِّمُ عَلَيْكُمُ الَّتِي فِي بَابِلَ، الَّتِي اخْتَارَهَا اللهُ مِثْلَكُمْ. وَكَذَلِكَ يُسَلِّمُ عَلَيْكُمُ ابْنِي مَرْقُسُ. سَلِّمُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِقُبْلَةِ الْمَحَبَّةِ. السَّلَامُ مَعَكُمْ جَمِيعًا أَنْتُمُ الَّذِينَ تَنْتَمُونَ لِلْمَسِيحِ. مِنْ: سَمْعَانَ بُطْرُسَ عَبْدِ وَرَسُولِ عِيسَـى الْمَسِيحِ. إِلَى: الَّذِينَ نَالُوا إِيمَانًا ثَمِينًا كَإِيمَانِنَا، لِأَنَّ إِلَهَنَا وَمُنْقِذَنَا عِيسَـى الْمَسِيحَ يَعْمَلُ مَا هُوَ صَالِحٌ. عَلَيْكُمْ وَافِرُ النِّعْمَةِ وَالسَّلَامِ، لِأَنَّكُمْ تَعْرِفُونَ اللهَ وَعِيسَـى مَوْلَانَا. إِنَّ اللهَ بِقُدْرَتِهِ الْإِلَهِيَّةِ، أَعْطَانَا كُلَّ مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى لِأَنَّنَا نَعْرِفُهُ. فَهُوَ دَعَانَا بِجَلَالِهِ وَخَيْرِهِ. وَبِجَلَالِهِ وَخَيْرِهِ أَعْطَانَا أَعْظَمَ الْوُعُودِ وَأَثْمَنَهَا، لِكَيْ يُمْكِنَكُمْ بِوَاسِطَتِهَا أَنْ يَكُونَ لَكُمْ نَصِيبٌ فِي الطَّبِيعَةِ الْإِلَهِيَّةِ، وَتَهْرُبُوا مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي تَنْشُرُهُ الشَّهْوَةُ فِي الْعَالَمِ. لِهَذَا السَّبَبِ ابْذِلُوا كُلَّ جُهْدِكُمْ لِكَيْ تُضِيفُوا إِلَى إِيمَانِكُمْ خَيْرًا، وَإِلَى الْخَيْرِ مَعْرِفَةً، وَإِلَى الْمَعْرِفَةِ ضَبْطَ النَّفْسِ، وَإِلَى ضَبْطِ النَّفْسِ صَبْرًا، وَإِلَى الصَّبْرِ تَقْوَى، وَإِلَى التَّقْوَى رَأْفَةً بِالْإِخْوَةِ، وَإِلَى الرَّأْفَةِ بِالْإِخْوَةِ مَحَبَّةً. لِأَنَّ هَذِهِ الْفَضَائِلَ، إِذَا كَانَتْ فِيكُمْ بِوَفْرَةٍ تَجْعَلُكُمْ نَافِعِينَ وَمُثْمِرِينَ فِي مَعْرِفَةِ سَيِّدِنَا عِيسَـى الْمَسِيحِ. أَمَّا مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ هَذِهِ الْفَضَائِلُ، فَهُوَ قَصِيرُ النَّظَرِ بَلْ أَعْمَى، نَسِيَ أَنَّهُ طَهُرَ مِنْ ذُنُوبِهِ الْمَاضِيَةِ. إِذَنْ يَا إِخْوَتِي، اِجْتَهِدُوا أَكْثَرَ لِكَيْ يَظْهَرَ مِنْ سُلُوكِكُمْ أَنَّ اللهَ حَقًّا دَعَاكُمْ وَاخْتَارَكُمْ. فَإِنْ فَعَلْتُمْ هَذَا لَنْ تَسْقُطُوا أَبَدًا، بَلْ تَلْقَوْنَ تَرْحِيبًا عَظِيمًا عِنْدَمَا تَدْخُلُونَ إِلَى الْمَمْلَكَةِ الْأَبَدِيَّةِ، مَمْلَكَةِ مَوْلَانَا وَمُنْقِذِنَا عِيسَى الْمَسِيحِ. لِذَلِكَ سَأُذَكِّرُكُمْ دَائِمًا بِهَذِهِ الْأُمُورِ، مَعَ أَنَّكُمْ تَعْرِفُونَهَا وَثَبَتُّمْ فِي الْحَقِّ الَّذِي وَصَلَ إِلَيْكُمْ. فَإِنِّي أَعْتَبِرُ أَنَّهُ مِنْ وَاجِبِي أَنْ أُذَكِّرَكُمْ بِهَا مَا دُمْتُ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ. لِأَنِّي عَارِفٌ أَنِّي سَأَرْحَلُ مِنْ هَذِهِ الْحَيَاةِ قَرِيبًا، كَمَا أَعْلَنَ لِي مَوْلَانَا عِيسَـى الْمَسِيحُ. لِهَذَا أَبْذِلُ كُلَّ جُهْدِي، حَتَّى أَتَأَكَّدَ أَنَّهُ بَعْدَ رَحِيلِي يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَتَذَكَّرُوا هَذِهِ الْأُمُورَ دَائِمًا. فَنَحْنُ لَمَّا أَخْبَرْنَاكُمْ عَنْ قُوَّةِ سَيِّدِنَا عِيسَى الْمَسِيحِ وَمَجِيئِهِ، لَمْ نَتْبَعْ خُرَافَاتٍ كَاذِبَةً، بَلْ رَأَيْنَا جَلَالَهُ بِعُيُونِنَا. فَإِنَّهُ نَالَ مِنَ اللهِ الْأَبِ الْكَرَامَةَ وَالْجَلَالَ لَمَّا كَلَّمَهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ بِصَوْتِهِ وَقَالَ: ”هَذَا هُوَ ابْنِيَ الْحَبِيبُ الَّذِي يُفَرِّحُنِي.“ وَنَحْنُ أَنْفُسُنَا كُنَّا مَعَهُ عَلَى الْجَبَلِ الْمُقَدَّسِ وَسَمِعْنَا ذَلِكَ الصَّوْتَ يَتَكَلَّمُ مِنَ السَّمَاءِ. وَهَذَا يُؤَكِّدُ لَنَا أَكْثَرَ أَنَّ كَلَامَ الْأَنْبِيَاءِ صَحِيحٌ. إِذَنْ مِنْ فَضْلِكُمِ انْتَبِهُوا إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ كَمِصْبَاحٍ مُنِيرٍ فِي مَكَانٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَطْلَعَ النَّهَارُ وَيُشْرِقَ نَجْمُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ. وَأَهَمُّ كُلِّ شَيْءٍ، يَجِبُ أَنْ تَعْرِفُوا أَنَّهُ لَا تُوجَدُ نُبُوَّةٌ فِي الْكِتَابِ صَدَرَتْ عَنْ تَفْسِيرٍ شَخْصِيٍّ. لِأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ أَبَدًا بِإِرَادَةِ إِنْسَانٍ، إِنَّمَا الرُّوحُ الْقُدُّوسُ هُوَ الَّذِي دَفَعَ النَّاسَ لِيَتَكَلَّمُوا بِكَلَامِ اللهِ. وَكَمَا كَانَ فِي شَعْبِ اللهِ مَنِ ادَّعَوْا النُّبُوَّةَ، سَيَكُونُ فِيكُمْ أَيْضًا مُعَلِّمُونَ كَذَبَةٌ يَأْتُونَ بِبِدَعٍ هَدَّامَةٍ، لِدَرَجَةِ أَنَّهُمْ يَتَنَكَّرُونَ لِلسَّيِّدِ الَّذِي فَدَاهُمْ، فَيَجْلِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمُ الْهَلَاكَ السَّرِيعَ. وَكَثِيرُونَ سَيَتْبَعُونَ فِسْقَهُمْ، وَبِسَبَبِهِمْ يَكْفُرُ النَّاسُ بِالدِّينِ الْحَقِّ. وَهُمْ طَمَّاعُونَ يَسْتَغِلُّونَكُمْ بِحِكَايَاتٍ يَخْتَرِعُونَهَا. لِذَلِكَ مُنْذُ وَقْتٍ طَوِيلٍ صَدَرَ عِقَابُهُمْ وَسَيَحِلُّ بِهِمْ، وَهَلَاكُهُمْ لَا بُدَّ مِنْهُ. إِنَّ اللهَ لَمْ يَشْفِقْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ أَخْطَأُوا، بَلْ طَرَحَهُمْ فِي الْهَاوِيَةِ فِي أَعْمَاقِ الظَّلَامِ مَحْبُوسِينَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. وَهُوَ كَذَلِكَ لَمْ يَشْفِقْ عَلَى الْعَالَمِ الْقَدِيمِ بَلْ جَلَبَ الطُّوفَانَ عَلَى عَالَمِ الْأَشْرَارِ. لَكِنَّهُ حَفِظَ 8 أَشْخَاصٍ عَلَى رَأْسِهِمْ نُوحُ الَّذِي كَانَ يَدْعُو إِلَى الصَّلَاحِ. وَعَاقَبَ اللهُ مَدِينَتَيْ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، فَأَحْرَقَهُمَا وَحَوَّلَهُمَا إِلَى رَمَادٍ، وَجَعَلَهُمَا إِنْذَارًا أَنَّ نَفْسَ الشَّيْءِ سَيَحْدُثُ لِلْأَشْرَارِ. أَمَّا لُوطُ فَأَنْقَذَهُ، لِأَنَّهُ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا، وَقَدْ تَضَايَقَ جِدًّا بِسَبَبِ الْقَذَارَةِ الَّتِي كَانَ يَعِيشُ فِيهَا الْأَشْرَارُ. فَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ سَاكِنًا بَيْنَهُمْ، وَكَانَ كُلَّ يَوْمٍ يَرَى وَيَسْمَعُ مَا يَحْدُثُ، فَتَتَعَذَّبُ نَفْسُهُ الصَّالِحَةُ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الشِّرِّيرَةِ. كُلُّ هَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُنْقِذَ الْأَتْقِيَاءَ مِنَ الْمِحْنَةِ، وَيُبْقِيَ الْأَشْرَارَ إِلَى عِقَابِ يَوْمِ الدِّينِ. خَاصَّةً الَّذِينَ يَتْبَعُونَ شَهْوَةَ الطَّبِيعَةِ الدَّنِيئَةِ، أَيْ شَهْوَةَ النَّجَاسَةِ، وَيَحْتَقِرُونَ السُّلْطَةَ. هَؤُلَاءِ الْمُعَلِّمُونَ الْكَذَبَةُ يَتَصَرَّفُونَ بِوَقَاحَةٍ وَكِبْرِيَاءَ، وَلَا يَخَافُونَ مِنَ الِافْتِرَاءِ عَلَى الْكَائِنَاتِ السَّمَائِيَّةِ. مَعَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ، وَهُمْ أَعْظَمُ قُوَّةً وَمَقْدِرَةً، لَا يُقَدِّمُونَ فِي مَحْضَرِ اللهِ شَكْوَى فِيهَا افْتِرَاءٌ ضِدَّ هَذِهِ الْكَائِنَاتِ. أَمَّا هَؤُلَاءِ النَّاسُ فَيَفْتَرُونَ فِي أُمُورٍ لَا يَفْهَمُونَهَا. هُمْ كَالْبَهَائِمِ غَيْرِ الْعَاقِلَةِ، الَّتِي تُسَيِّرُهَا الْغَرِيزَةُ، وَهِيَ مَوْلُودَةٌ لِكَيْ تُصَادَ وَتُقْتَلَ. لِذَلِكَ سَيَهْلِكُونَ كَالْبَهَائِمِ. وَيَنَالُونَ الشَّرَّ جَزَاءَ شَرِّهِمْ. إِنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ أَنَّ الِانْغِمَاسَ فِي الْمَلَذَّاتِ حَتَّى فِي وَسَطِ النَّهَارِ بَهْجَةٌ. هُمْ أَوْسَاخٌ فَاسِدُونَ. حَتَّى وَهُمْ يَأْكُلُونَ مَعَكُمْ فِي الْوَلَائِمِ، يَخْدَعُونَكُمْ وَيَفْرَحُونَ بِذَلِكَ. عُيُونُهُمْ تَنْظُرُ إِلَى النِّسَاءِ نَظَرَاتِ الشَّهْوَةِ، وَلَا تَشْبَعُ مِنَ الْخَطِيئَةِ. يَخْدَعُونَ الضُّعَفَاءَ. قُلُوبُهُمْ تَعَوَّدَتْ عَلَى الطَّمَعِ. هُمْ مَلْعُونُونَ! تَرَكُوا الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ وَضَلُّوا وَسَارُوا فِي طَرِيقِ بَلْعَامَ بْنِ بَعُورَ الَّذِي أَحَبَّ أَنْ يَحْصُلَ عَلَى أُجْرَةٍ، فَارْتَكَبَ الشَّرَّ. وَلَكِنَّهُ تَوَبَّخَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، لِأَنَّ الْحِمَارَ الَّذِي لَا يَتَكَلَّمُ نَطَقَ بِصَوْتِ إِنْسَانٍ، وَوَضَعَ حَدًّا لِجُنُونِ النَّبِيِّ. هَؤُلَاءِ النَّاسُ هُمْ يَنَابِيعُ بِلَا مَاءٍ، وَضَبَابٌ تَسُوقُهُ رِيحٌ شَدِيدَةٌ. لِذَلِكَ فَإِنَّ أَعْمَاقَ الظُّلُمَاتِ جَاهِزَةٌ لَهُمْ. كَلَامُهُمْ سَخِيفٌ وَيَدُلُّ عَلَى الْكِبْرِيَاءِ. يَسْتَعْمِلُونَ الشَّهَوَاتِ الدَّنِيئَةَ وَالْفِسْقَ، لِيَخْدَعُوا بِهَا مَنْ بَدَأَ يَهْرُبُ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ. يَعِدُونَ النَّاسَ بِالْحُرِّيَّةِ، بَيْنَمَا هُمْ أَنْفُسُهُمْ عَبِيدُ الْفَسَادِ. لِأَنَّ الْإِنْسَانَ عَبْدٌ لِكُلِّ مَا يَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ. فَمَنْ نَجَا مِنَ الْفَسَادِ الْمَوْجُودِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، عَنْ طَرِيقِ مَعْرِفَةِ مَوْلَانَا وَمُنْقِذِنَا عِيسَـى الْمَسِيحِ، ثُمَّ سَمَحَ لِنَفْسِهِ أَنْ يَرْتَبِكَ وَيَنْغَلِبَ مَرَّةً أُخْرَى بِهَذَا الْفَسَادِ، تَكُونُ نِهَايَتُهُ أَتْعَسَ مِنْ بِدَايَتِهِ. بَلْ كَانَ مِنَ الْأَفْضَلِ لَهُ أَنْ لَا يَعْرِفَ طَرِيقَ الصَّلَاحِ، مِنْ أَنَّهُ بَعْدَمَا عَرَفَهُ، يَرْتَدُّ عَنِ الْوَصِيَّةِ الصَّالِحَةِ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَهُ. فَيَنْطَبِقُ عَلَيْهِ الْمَثَلُ الصَّادِقُ الَّذِي يَقُولُ: ”كَلْبٌ رَجَعَ لِيَأْكُلَ مَا تَقَيَّأَهُ“ وَالْآخَرُ الَّذِي يَقُولُ: ”حَتَّى إِذَا غَسَلْتَ الْخِنْزِيرَةَ، تَعُودُ تَتَمَرَّغُ فِي الْوَحْلِ.“ يَا أَحِبَّائِي، هَذِهِ الْآنَ هِيَ الرِّسَالَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي أَكْتُبُهَا لَكُمْ. وَحَاوَلْتُ فِيهِمَا أَنْ أُنَبِّهَ ذَاكِرَتَكُمْ وَأُنْعِشَ تَفْكِيرَكُمْ. لِكَيْ تَتَذَكَّرُوا الْكَلَامَ الَّذِي قَالَهُ الْأَنْبِيَاءُ الصَّالِحُونَ سَابِقًا، وَوَصَايَا مَوْلَانَا وَمُنْقِذِنَا الَّتِي بَلَّغَهَا لَكُمْ رُسُلُكُمْ. فَأَوَّلًا، يَجِبُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّهُ فِي الْأَيَّامِ الْأَخِيرَةِ يَظْهَرُ مُسْتَهْزِئُونَ سَاخِرُونَ يَتْبَعُونَ شَهَوَاتِهِمْ وَيَقُولُونَ: ”الْمَسِيحُ وَعَدَ بِأَنْ يَرْجِعَ، فَأَيْنَ هُوَ؟ آبَاؤُنَا مَاتُوا، وَمَا زَالَ كُلُّ شَيْءٍ عَلَى حَالِهِ كَمَا كَانَ مُنْذُ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ.“ وَهُمْ بِذَلِكَ يَتَجَاهَلُونَ عَنْ قَصْدٍ، أَنَّ اللهَ بِكَلِمَتِهِ أَوْجَدَ السَّمَاوَاتِ مُنْذُ الْقَدِيمِ، وَكَوَّنَ الْأَرْضَ مِنَ الْمَاءِ وَبِوَاسِطَةِ الْمَاءِ. كَمَا أَنَّ ذَلِكَ الْعَالَمَ الْقَدِيمَ غَرِقَ أَيْضًا وَهَلَكَ بِالْمَاءِ. ثُمَّ إِنَّهُ بِكَلِمَةِ اللهِ نَفْسِهَا، السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ الْحَالِيَّةُ مَحْفُوظَةٌ لِتُحْرَقَ بِالنَّارِ. فَهِيَ بَاقِيَةٌ لِيَوْمِ الدِّينِ، يَوْمِ هَلَاكِ الْأَشْرَارِ. يَا أَحِبَّائِي، لَا تَجْهَلُوا هَذَا الْأَمْرَ، يَوْمٌ وَاحِدٌ بِالنِّسْبَةِ للهِ قَدْ يَعْنِي 1000 سَنَةٍ، وَ1000 سَنَةٍ عِنْدَهُ هِيَ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ. رَبُّنَا لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ إِتْمَامِ وَعْدِهِ، كَمَا يَظُنُّ بَعْضُ النَّاسِ. لَكِنَّهُ يَصْبِرُ عَلَيْكُمْ، لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ لِأَحَدٍ أَنْ يَهْلِكَ، بَلْ أَنْ يَتُوبَ الْجَمِيعُ. سَيَأْتِي يَوْمُ رَبِّنَا كَمَا يَأْتِي لِصٌّ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَزُولُ السَّمَاوَاتُ بِصَوْتٍ صَاعِقٍ، وَتَتَحَلَّلُ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ الْأَرْضُ وَكُلُّ مَا عَلَيْهَا. فَإِنْ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ سَيَنْتَهِي بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، فَمَا هُوَ وَاجِبُكُمْ إِذَنْ؟ وَاجِبُكُمْ هُوَ أَنْ تَعِيشُوا حَيَاةً صَالِحَةً وَتَقِيَّةً، بَيْنَمَا تَنْتَظِرُونَ يَوْمَ اللهِ، وَتَبْذِلُونَ كُلَّ جُهْدِكُمْ لِكَيْ يَأْتِيَ بِسُرْعَةٍ. ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي فِيهِ تَحْتَرِقُ السَّمَاوَاتُ وَتَزُولُ، وَتَنْصَهِرُ الْعَنَاصِرُ بِالنَّارِ. لَكِنَّ اللهَ وَعَدَنَا بِسَمَاوَاتٍ جَدِيدَةٍ وَأَرْضٍ جَدِيدَةٍ يَسْكُنُ فِيهَا الصَّلَاحُ، فَنَحْنُ نَنْتَظِرُهَا. إِذَنْ يَا أَحِبَّائِي، بَيْنَمَا تَنْتَظِرُونَ هَذَا الْوَعْدَ، اِبْذِلُوا كُلَّ جُهْدِكُمْ لِتَكُونُوا أَنْقِيَاءَ وَبِلَا عَيْبٍ وَفِي سَلَامٍ مَعَ اللهِ. تَذَكَّرُوا أَنَّنَا نَجَوْنَا بِفَضْلِ صَبْرِ الْمَسِيحِ. هَذَا هُوَ مَا كَتَبَ عَنْهُ أَخُونَا الْحَبِيبُ بُولُسُ حَسَبَ الْحِكْمَةِ الَّتِي أَعْطَاهَا اللهُ لَهُ. وَهَذَا هُوَ مَا يَكْتُبُهُ فِي كُلِّ رَسَائِلِهِ، عِنْدَمَا يَتَحَدَّثُ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ. وَتُوجَدُ بَعْضُ الْأَشْيَاءِ فِي رَسَائِلِهِ صَعْبَةٌ عَلَى الْفَهْمِ، يُفَسِّرُهَا الْجُهَلَاءُ وَالضُّعَفَاءُ تَفْسِيرًا خَاطِئًا، كَمَا يَفْعَلُونَ بِبَاقِي الْكِتَابِ. وَبِذَلِكَ يَجْلِبُونَ الْهَلَاكَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. أَمَّا أَنْتُمْ يَا أَحِبَّائِي، بِمَا أَنَّكُمْ تَعْرِفُونَ هَذَا مُسَبَّقًا، فَاحْذَرُوا إِذَنْ، لِكَيْ لَا تَنْخَدِعُوا بِضَلَالِ الْأَشْرَارِ، فَتَسْقُطُوا مِنْ ثَبَاتِكُمْ فِي الْإِيمَانِ. بَلِ انْمُوا فِـي النِّعْمَةِ وَفِي مَعْرِفَةِ مَوْلَانَا وَمُنْقِذِنَا عِيسَـى الْمَسِيحِ، لَهُ الْجَلَالُ الْآنَ وَإِلَى الْأَبَدِ. آمِينَ. نَكْتُبُ لَكُمْ فِي مَوْضُوعِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ، الَّذِي هُوَ مَوْجُودٌ مِنَ الْبِدَايَةِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسْنَاهُ بِأَيْدِينَا. فَإِنَّ الْحَيَاةَ ظَهَرَتْ، وَنَحْنُ رَأَيْنَاهَا، وَنَشْهَدُ لَهَا، وَنُبَشِّرُكُمْ بِهَا، أَيْ حَيَاةَ الْخُلُودِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الْأَبِ وَظَهَرَتْ لَنَا. فَنَحْنُ إِذَنْ، نُبَشِّرُكُمْ بِمَا رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ، لِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا رَابِطَةٌ مَعَنَا. وَإِنَّ رَابِطَتَنَا هِيَ مَعَ الْأَبِ، وَمَعَ ابْنِهِ عِيسَـى الْمَسِيحِ. وَنَحْنُ نَكْتُبُ لَكُمْ هَذَا لِيَكُونَ فَرَحُنَا كَامِلًا. وَهَذِهِ هِيَ الرِّسَالَةُ الَّتِي سَمِعْنَاهَا مِنْهُ وَنُخْبِرُكُمْ بِهَا: اللهُ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظَلَامٌ أَبَدًا. فَإِنْ كُنَّا نَقُولُ إِنَّ لَنَا رَابِطَةً مَعَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ نَعِيشُ فِي الظَّلَامِ، فَنَحْنُ نَكْذِبُ وَلَا نَعْمَلُ الْحَقَّ. وَلَكِنْ إِنْ كُنَّا نَعِيشُ فِي النُّورِ كَمَا أَنَّهُ هُوَ مَوْجُودٌ فِي النُّورِ، تَكُونُ لَنَا رَابِطَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ عِيسَـى ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ. إِنْ قُلْنَا إِنَّنَا بِلَا ذَنْبٍ، فَنَحْنُ نَخْدَعُ أَنْفُسَنَا وَالْحَقُّ لَيْسَ فِينَا. إِنِ اعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا، فَهُوَ أَمِينٌ وَيُمْكِنُنَا أَنْ نَتَّكِلَ عَلَيْهِ لِيَغْفِرَ لَنَا ذُنُوبَنَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ. إِنْ قُلْنَا إِنَّنَا لَمْ نَرْتَكِبْ أَيَّ ذَنْبٍ، فَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّنَا نَتَّهِمُهُ بِأَنَّهُ يَكْذِبُ، وَأَنَّ كَلَامَهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي قُلُوبِنَا. يَا أَوْلَادِيَ الْأَعِزَّاءَ، أَكْتُبُ لَكُمْ هَذَا لِكَيْ لَا تُخْطِئُوا. لَكِنْ إِنْ أَخْطَأَ وَاحِدٌ، فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الْأَبِ هُوَ عِيسَـى الْمَسِيحُ الصَّالِحُ. فَهُوَ ضَحِيَّةُ التَّكْفِيرِ عَنْ ذُنُوبِنَا. وَلَيْسَ عَنْ ذُنُوبِنَا نَحْنُ فَقَطْ، بَلْ عَنْ ذُنُوبِ كُلِّ النَّاسِ أَيْضًا. إِنْ كُنَّا نَعْمَلُ بِوَصَايَاهُ، فَهَذَا يُؤَكِّدُ لَنَا أَنَّنَا نَعْرِفُهُ. مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ يَعْرِفُهُ، لَكِنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِوَصَايَاهُ، هُوَ كَذَّابٌ وَالْحَقُّ لَيْسَ فِيهِ. أَمَّا مَنْ يَعْمَلُ بِكَلَامِ اللهِ، فَإِنَّ مَحَبَّةَ اللهِ تَصِلُ فِيهِ إِلَى الْكَمَالِ حَقًّا. وَبِهَذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا نَنْتَمِي للهِ. مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ يَنْتَمِي لَهُ، يَجِبُ أَنْ يَعِيشَ كَمَا عَاشَ الْمَسِيحُ. يَا أَحِبَّائِي، إِنَّ الْوَصِيَّةَ الَّتِي أَكْتُبُهَا لَكُمْ هُنَا لَيْسَتْ جَدِيدَةً عَلَيْكُمْ، بَلْ قَدِيمَةً وَتَعْرِفُونَهَا مِنَ الْأَوَّلِ. هَذِهِ الْوَصِيَّةُ الْقَدِيمَةُ، هِيَ الرِّسَالَةُ الَّتِي سَمِعْتُمُوهَا. وَمِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، فَإِنِّي أَكْتُبُ لَكُمْ وَصِيَّةً جَدِيدَةً تَظْهَرُ حَقِيقَتُهَا فِي الْمَسِيحِ وَفِيكُمْ أَنْتُمْ. لِأَنَّ الظَّلَامَ بَدَأَ يَزُولُ، وَالنُّورَ الْحَقَّ أَشْرَقَ فِعْلًا. مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ فِي النُّورِ، وَلَكِنَّهُ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ يَكْرَهُ أَخَاهُ، فَهُوَ مَا زَالَ فِي الظَّلَامِ. مَنْ يُحِبُّ أَخَاهُ يَحْيَا فِي النُّورِ، وَلَا شَيْءَ يَجْعَلُهُ يَعْثُرُ. أَمَّا مَنْ يَكْرَهُ أَخَاهُ، فَهُوَ فِي الظَّلَامِ، وَفِي الظَّلَامِ يَتَخَبَّطُ، وَلَا يَعْرِفُ إِلَى أَيْنَ هُوَ ذَاهِبٌ لِأَنَّ الظَّلَامَ أَعْمَى عَيْنَيْهِ. يَا أَوْلَادِيَ الْأَعِزَّاءَ، أَكْتُبُ لَكُمْ لِأَنَّ اللهَ غَفَرَ ذُنُوبَكُمْ مِنْ أَجْلِ اسْمِ الْمَسِيحِ. أَيُّهَا الْآبَاءُ، أَكْتُبُ لَكُمْ لِأَنَّكُمْ تَعْرِفُونَ الَّذِي هُوَ مَوْجُودٌ مِنَ الْبِدَايَةِ. أَيُّهَا الشَّبَابُ، أَكْتُبُ لَكُمْ لِأَنَّكُمْ غَلَبْتُمْ إِبْلِيسَ الشِّرِّيرَ. يَا أَوْلَادِيَ الْأَعِزَّاءَ، أَكْتُبُ لَكُمْ لِأَنَّكُمْ تَعْرِفُونَ الْأَبَ. أَيُّهَا الْآبَاءُ، أَكْتُبُ لَكُمْ لِأَنَّكُمْ تَعْرِفُونَ الَّذِي هُوَ مَوْجُودٌ مِنَ الْبِدَايَةِ. أَيُّهَا الشَّبَابُ، أَكْتُبُ لَكُمْ لِأَنَّكُمْ أَقْوِيَاءُ، وَكَلِمَةَ اللهِ فِي قُلُوبِكُمْ، وَقَدْ غَلَبْتُمْ إِبْلِيسَ الشِّرِّيرَ. لَا تُحِبُّوا الدُّنْيَا، وَلَا الْأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الدُّنْيَا. مَنْ يُحِبُّ الدُّنْيَا، لَا يُحِبُّ الْأَبَ. لِأَنَّ كُلَّ مَا تُقَدِّمُهُ الدُّنْيَا هُوَ شَهْوَةُ الطَّبِيعَةِ الدَّنِيئَةِ، وَشَهْوَةُ الْعُيُونِ، وَالتَّبَاهِي بِأُمُورِ الْحَيَاةِ، وَهَذِهِ لَا تَأْتِي مِنَ الْأَبِ بَلْ مِنَ الدُّنْيَا. لَكِنَّ الدُّنْيَا زَائِلَةٌ، هِيَ وَكُلَّ مَا يَرْغَبُهُ النَّاسُ فِيهَا. أَمَّا مَنْ يَعْمَلُ مَشِيئَةَ اللهِ، فَيَحْيَا إِلَى الْأَبَدِ. يَا أَوْلَادِيَ الْأَعِزَّاءَ، جَاءَتِ النِّهَايَةُ. سَمِعْتُمْ أَنَّ عَدُوَّ الْمَسِيحِ سَيَأْتِي. وَالْحَقِيقَةُ هِيَ أَنَّ كَثِيرِينَ مِنْ أَعْدَاءِ الْمَسِيحِ ظَهَرُوا بِالْفِعْلِ. مِنْ هَذَا نَعْلَمُ أَنَّ النِّهَايَةَ جَاءَتْ. هَؤُلَاءِ لَمْ يَكُونُوا مِنَّا، لِذَلِكَ خَرَجُوا عَنَّا. لَوْ كَانُوا مِنَّا حَقًّا، لَكَانُوا بَقَوْا مَعَنَا. لَكِنَّ خُرُوجَهُمْ عَنَّا يُبَيِّنُ أَنَّ وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ يَنْتَمِي إِلَيْنَا. أَمَّا أَنْتُمْ فَالْقُدُّوسُ مَسَحَكُمْ، وَكُلُّكُمْ تَعْرِفُونَ الْحَقَّ. أَكْتُبُ لَكُمْ، لَيْسَ لِأَنَّكُمْ تَجْهَلُونَ الْحَقَّ، بَلْ لِأَنَّكُمْ تَعْرِفُونَهُ، وَتَعْرِفُونَ أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ كِذْبٌ لَا يَأْتِي مِنَ الْحَقِّ. مَنْ هُوَ الْكَذَّابُ؟ الْكَذَّابُ هُوَ الشَّخْصُ الَّذِي يَقُولُ إِنَّ عِيسَى لَيْسَ هُوَ الْمَسِيحَ. هَذَا هُوَ عَدُوُّ الْمَسِيحِ الَّذِي يَرْفُضُ الْأَبَ وَالِابْنَ مَعًا. مَنْ يَرْفُضُ الِابْنَ، يَرْفُضُ الْأَبَ أَيْضًا. وَمَنْ يَقْبَلُ الِابْنَ، يَقْبَلُ الْأَبَ أَيْضًا. أَمَّا أَنْتُمْ، فَالْكَلَامُ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْأَوَّلِ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ فِيكُمْ. إِنْ كَانَ مَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْأَوَّلِ يَثْبُتُ فِيكُمْ، فَأَنْتُمْ أَيْضًا تَثْبُتُونَ فِي الِابْنِ وَالْأَبِ. وَهَذَا هُوَ مَا وَعَدَنَا بِهِ: حَيَاةُ الْخُلُودِ. أَكْتُبُ لَكُمْ هَذَا وَقَصْدِي أُولَئِكَ الَّذِينَ يُحَاوِلُونَ أَنْ يُضِلُّوكُمْ. أَمَّا أَنْتُمْ، فَالْمَسْحَةُ الَّتِي نِلْتُمُوهَا مِنْهُ تَبْقَى فِيكُمْ. لِذَلِكَ لَا تَحْتَاجُونَ إِلَى آخَرَ يُعَلِّمُكُمْ. لِأَنَّ الْمَسْحَةَ تُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ. وَهِيَ حَقٌّ لَا غِشَّ فِيهَا. فَاثْبُتُوا فِي الْمَسِيحِ كَمَا عَلَّمَتْكُمْ. وَالْآنَ يَا أَوْلَادِيَ الْأَعِزَّاءَ، اُثْبُتُوا فِي الْمَسِيحِ لِكَيْ تَكُونَ عِنْدَنَا ثِقَةٌ حِينَ يَأْتِي، وَلَا نَخْجَلَ مِنْهُ حِينَ يَرْجِعُ. أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ بَارٌ، إِذَنِ اعْلَمُوا أَيْضًا أَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُونَ الْبِرَّ هُمْ أَبْنَاؤُهُ. اُنْظُرُوا مَا أَعْظَمَ الْمَحَبَّةَ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا الْأَبُ حَتَّى نُدْعَى أَبْنَاءَ اللهِ. وَنَحْنُ فِعْلًا أَبْنَاؤُهُ. وَالسَّبَبُ فِي أَنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا لَا يَعْرِفُونَا، هُوَ أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ اللهَ. يَا أَحِبَّائِي، نَحْنُ فِعْلًا أَبْنَاءُ اللهِ، لَكِنَّ حَالَتَنَا الْقَادِمَةَ لَمْ تُكْشَفْ لَنَا بَعْدُ. إِنَّمَا نَعْلَمُ أَنَّهُ عِنْدَمَا يَأْتِي الْمَسِيحُ سَنَكُونُ مِثْلَهُ، لِأَنَّنَا سَنَرَاهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ. وَكُلُّ مَنْ عِنْدَهُ هَذَا الْأَمَلُ فِي الْمَسِيحِ، يُطَهِّرُ نَفْسَهُ كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ طَاهِرٌ. مَنْ يُذْنِبُ، يَكْسِرُ شَرِيعَةَ اللهِ. لِأَنَّ الذَّنْبَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ كَسْرُ الشَّرِيعَةِ. وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَسِيحَ جَاءَ لِكَيْ يَرْفَعَ ذُنُوبَنَا. وَهُوَ نَفْسُهُ بِلَا ذَنْبٍ. كُلُّ مَنْ يَنْتَمِي لَهُ لَا يُذْنِبُ. كُلُّ مَنْ يُذْنِبُ، لَمْ يُشَاهِدْهُ وَلَمْ يَعْرِفْهُ أَبَدًا. يَا أَوْلَادِيَ الْأَعِزَّاءَ، لَا تَسْمَحُوا لِأَحَدٍ أَنْ يَخْدَعَكُمْ. مَنْ يَعْمَلُ الصَّلَاحَ هُوَ صَالِحٌ، كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ صَالِحٌ. مَنْ يَرْتَكِبُ الذَّنْبَ، يَنْتَمِي إِلَى إِبْلِيسَ، لِأَنَّ إِبْلِيسَ يُذْنِبُ مِنَ الْبِدَايَةِ. وَالسَّبَبُ فِي أَنَّ ابْنَ اللهِ جَاءَ، هُوَ لِكَيْ يَهْدِمَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ. أَبْنَاءُ اللهِ لَا يُمَارِسُونَ الْخَطِيئَةَ، لِأَنَّ فِيهِمْ طَبِيعَةَ اللهِ. بَلْ هُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُذْنِبُوا، لِأَنَّ اللهَ هُوَ أَبُوهُمْ. بِهَذَا نُمَيِّزُ بَيْنَ أَبْنَاءِ اللهِ وَأَبْنَاءِ إِبْلِيسَ: مَنْ لَا يَعْمَلُ الصَّلَاحَ، فَهُوَ لَيْسَ مِنَ اللهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَا يُحِبُّ أَخَاهُ. وَهَذِهِ هِيَ الرِّسَالَةُ الَّتِي سَمِعْتُمُوهَا مِنَ الْأَوَّلِ: أَنْ نُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا. وَلَا نَكُونَ مِثْلَ قَابِيلَ الَّذِي كَانَ يَنْتَمِي لِإِبْلِيسَ الشِّرِّيرِ فَقَتَلَ أَخَاهُ. وَلِمَاذَا قَتَلَهُ؟ لِأَنَّ أَعْمَالَهُ هُوَ كَانَتْ شِرِّيرَةً وَأَعْمَالَ أَخِيهِ صَالِحَةً. يَا إِخْوَتِي، لَا تَسْتَغْرِبُوا إِنْ كَانَ أَهْلُ الدُّنْيَا يَكْرَهُونَكُمْ. نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا انْتَقَلْنَا مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ، لِأَنَّنَا نُحِبُّ الْإِخْوَةَ. مَنْ لَا يُحِبُّ فَهُوَ مَا زَالَ مَيِّتًا. مَنْ يَكْرَهُ أَخَاهُ فَهُوَ قَاتِلٌ. وَالْقَاتِلُ كَمَا تَعْلَمُونَ، لَيْسَ لَهُ حَيَاةُ الْخُلُودِ. بِهَذَا نَعْرِفُ مَا هِيَ الْمَحَبَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ: إِنَّ عِيسَـى الْمَسِيحَ ضَحَّى بِنَفْسِهِ مِنْ أَجْلِنَا. فَنَحْنُ أَيْضًا يَجِبُ أَنْ نُضَحِّيَ بِأَنْفُسِنَا مِنْ أَجْلِ الْإِخْوَةِ. إِنْ كَانَ وَاحِدٌ عِنْدَهُ مِنْ خَيْرَاتِ هَذِهِ الدُّنْيَا، وَيَرَى أَنَّ أَخَاهُ فِي احْتِيَاجٍ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَشْفِقُ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مَحَبَّةُ اللهِ فِي قَلْبِهِ؟ يَا أَوْلَادِيَ الْأَعِزَّاءَ، يَجِبُ أَنْ نُحِبَّ مَحَبَّةً حَقِيقِيَّةً بِالْأَعْمَالِ، لَا بِالْكَلَامِ وَاللِّسَانِ. وَبِهَذَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَعْرِفَ أَنَّنَا نَسِيرُ فِي طَرِيقِ الْحَقِّ، وَتَرْتَاحُ قُلُوبُنَا فِي مَحْضَرِهِ، حَتَّى إِنْ كَانَتْ قُلُوبُنَا تَلُومُنَا عَلَى شَيْءٍ. لِأَنَّ اللهَ أَعْظَمُ مِنْ قُلُوبِنَا وَيَعْرِفُ كُلَّ شَيْءٍ. يَا أَحِبَّائِي، إِنْ كَانَتْ قُلُوبُنَا لَا تَلُومُنَا، فَإِنَّنَا نَقْدِرُ أَنْ نَتَقَرَّبَ إِلَى اللهِ بِثِقَةٍ، وَنَنَالَ كُلَّ مَا نَطْلُبُهُ مِنْهُ، لِأَنَّنَا نُطِيعُ وَصَايَاهُ وَنَعْمَلُ مَا يُرْضِيهِ. وَوَصِيَّتُهُ هِيَ أَنْ نُؤْمِنَ بِاسْمِ ابْنِهِ عِيسَـى الْمَسِيحِ، وَأَنْ نُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا كَمَا أَوْصَانَا. فَعِنْدَمَا نَعْمَلُ بِوَصَايَاهُ، نَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِينَا. وَنَحْنُ نَعْرِفُ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِينَا بِالرُّوحِ الَّذِي أَعْطَاهُ لَنَا. يَا أَحِبَّائِي، كَثُرَ وَانْتَشَرَ مَنْ يَدَّعُونَ النُّبُوَّةَ. فَلَا تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الْأَرْوَاحَ لِتَعْرِفُوا إِنْ كَانَتْ مِنَ اللهِ. وَيُمْكِنُكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا رُوحَ اللهِ بِهَذَا: كُلُّ رُوحٍ يَشْهَدُ أَنَّ عِيسَـى الْمَسِيحَ جَاءَ كَإِنْسَانٍ، فَهُوَ مِنَ اللهِ. وَكُلُّ رُوحٍ يُنْكِرُ عِيسَى، فَهُوَ لَيْسَ مِنَ اللهِ. بَلْ هَذَا هُوَ رُوحُ عَدُوِّ الْمَسِيحِ الَّذِي سَمِعْتُمْ أَنَّهُ سَيَأْتِي. وَهُوَ الْآنَ مَوْجُودٌ فِي الْعَالَمِ فِعْلًا. يَا أَوْلَادِيَ الْأَعِزَّاءَ، أَنْتُمْ غَلَبْتُمْ هَؤُلَاءِ لِأَنَّكُمْ مِنَ اللهِ، وَلِأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُّوسَ الَّذِي فِيكُمْ أَقْوَى مِنْ إِبْلِيسَ الَّذِي فِي الدُّنْيَا. هُمْ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا، وَيَتَكَلَّمُونَ مِنْ وِجْهَةِ نَظَرِ هَذِهِ الدُّنْيَا، لِذَلِكَ فَإِنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا يَسْمَعُونَ لَهُمْ. أَمَّا نَحْنُ، فَإِنَّنَا مِنَ اللهِ. فَمَنْ يَعْرِفُ اللهَ يَسْمَعُ لَنَا، وَمَنْ هُوَ لَيْسَ مِنَ اللهِ، لَا يَسْمَعُ لَنَا. بِهَذَا نَعْرِفُ رُوحَ الْحَقِّ مِنْ رُوحِ الضَّلَالِ. يَا أَحِبَّائِي، يَجِبُ أَنْ نُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ تَأْتِي مِنَ اللهِ وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ هُوَ ابْنٌ للهِ وَيَعْرِفُ اللهَ. وَمَنْ لَا يُحِبُّ، لَا يَعْرِفُ اللهَ. لِأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ. وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ بِوُضُوحٍ أَنَّهُ يُحِبُّنَا، بِأَنَّهُ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِوَاسِطَتِهِ. فَهَذِهِ هِيَ الْمَحَبَّةُ الَّتِي أَقْصِدُهَا: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ لِيَكُونَ ضَحِيَّةَ التَّكْفِيرِ عَنْ ذُنُوبِنَا. إِذَنْ يَا أَحِبَّائِي، بِمَا أَنَّ اللهَ أَحَبَّنَا هَذِهِ الْمَحَبَّةَ الْعَظِيمَةَ، فَنَحْنُ أَيْضًا يَجِبُ أَنْ نُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا. وَلَا وَاحِدٌ رَأَى اللهَ أَبَدًا، لَكِنْ إِنْ كُنَّا نُحِبُّ بَعْضُنَا بَعْضًا، يَثْبُتُ اللهُ فِينَا، وَمَحَبَّتُهُ تَصِلُ فِينَا إِلَى الْكَمَالِ. نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا نَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِينَا، لِأَنَّهُ أَعْطَانَا نَصِيبًا مِنْ رُوحِهِ. وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ، أَنَّ الْأَبَ أَرْسَلَ ابْنَهُ لِيُنْقِذَ الْعَالَمَ. مَنْ يَشْهَدُ أَنَّ عِيسَـى هُوَ ابْنُ اللهِ، يَثْبُتُ اللهُ فِيهِ، وَهُوَ فِي اللهِ. نَحْنُ نَعْرِفُ أَنَّ اللهَ يُحِبُّنَا وَنُؤْمِنُ بِذَلِكَ. اللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَحْيَا فِي مَحَبَّةِ اللهِ، يَحْيَا فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ. بِهَذَا تَصِلُ الْمَحَبَّةُ إِلَى الْكَمَالِ بَيْنَنَا، فَنَنْتَظِرُ يَوْمَ الْحِسَابِ بِثِقَةٍ، لِأَنَّنَا مِثْلُهُ فِي الْمَحَبَّةِ وَنَحْنُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا. لَا خَوْفَ فِي الْمَحَبَّةِ، بَلِ الْمَحَبَّةُ الْكَامِلَةُ تُبْعِدُ كُلَّ خَوْفٍ. لِأَنَّ الْخَوْفَ هُوَ جُزْءٌ مِنَ الْعِقَابِ، وَمَنْ يَخَافُ تَكُونُ مَحَبَّتُهُ غَيْرَ كَامِلَةٍ. نَحْنُ نُحِبُّ لِأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلًا. مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللهَ، بَيْنَمَا هُوَ يَكْرَهُ أَخَاهُ، فَهُوَ كَذَّابٌ. لِأَنَّ مَنْ لَا يُحِبُّ أَخَاهُ الَّذِي يَرَاهُ، لَا يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ الَّذِي لَا يَرَاهُ. وَهَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الَّتِي أَعْطَاهَا لَنَا: مَنْ يُحِبُّ اللهَ، يُحِبُّ أَخَاهُ أَيْضًا. كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ أَنَّ عِيسَـى هُوَ الْمَسِيحُ، فَهُوَ ابْنٌ للهِ. وَمَنْ يُحِبُّ الْأَبَ يُحِبُّ أَبْنَاءَهُ أَيْضًا. وَنَحْنُ نَعْرِفُ أَنَّنَا نُحِبُّ أَبْنَاءَ اللهِ، إِنْ كُنَّا نُحِبُّ اللهَ وَنَعْمَلُ بِوَصَايَاهُ. فَإِنَّ مَحَبَّتَنَا للهِ تَظْهَرُ فِي أَنَّنَا نَعْمَلُ بِوَصَايَاهُ. وَوَصَايَاهُ لَيْسَتْ صَعْبَةً، لِأَنَّ كُلَّ ابْنٍ للهِ يَغْلِبُ هَذِهِ الدُّنْيَا. وَإِيمَانُنَا هُوَ الْقُوَّةُ الَّتِي نَغْلِبُ بِهَا. مَنِ الَّذِي يَغْلِبُ هَذِهِ الدُّنْيَا؟ الَّذِي يُؤْمِنُ أَنَّ عِيسَـى هُوَ ابْنُ اللهِ، هُوَ وَحْدَهُ الَّذِي يَغْلِبُ هَذِهِ الدُّنْيَا. عِيسَـى الْمَسِيحُ هُوَ الَّذِي جَاءَ بِالْمَاءِ وَالدَّمِ. لَيْسَ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ، بَلْ بِالْمَاءِ وَالدَّمِ. وَالرُّوحُ يَشْهَدُ أَنَّ هَذَا حَقٌّ، لِأَنَّ الرُّوحَ هُوَ الْحَقُّ. إِذَنْ يُوجَدُ 3 شُهُودٍ لِلْمَسِيحِ: الرُّوحُ وَالْمَاءُ وَالدَّمُ، وَالـ3 مُتَّفِقُونَ. نَحْنُ نَقْبَلُ شَهَادَةَ النَّاسِ، لَكِنَّ شَهَادَةَ اللهِ أَعْظَمُ، لِأَنَّهَا شَهَادَةُ اللهِ عَنِ ابْنِهِ. إِذَنْ مَنْ يُؤْمِنُ بِابْنِ اللهِ تَكُونُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ مَوْجُودَةً فِي قَلْبِهِ. أَمَّا مَنْ لَا يُصَدِّقُ اللهَ، فَهُوَ يَتَّهِمُ اللهَ بِأَنَّهُ يَكْذِبُ، لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ شَهَادَةَ اللهِ عَنِ ابْنِهِ. وَشَهَادَةُ اللهِ هِيَ أَنَّهُ أَعْطَانَا حَيَاةَ الْخُلُودِ، وَأَنَّ هَذِهِ الْحَيَاةَ هِيَ بِوَاسِطَةِ ابْنِهِ. مَنْ لَهُ الِابْنُ، لَهُ الْحَيَاةُ. وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ابْنُ اللهِ، لَيْسَتْ لَهُ حَيَاةُ الْخُلُودِ. أَكْتُبُ كُلَّ هَذَا لَكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ تُؤْمِنُونَ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ، لِكَيْ تَعْرِفُوا أَنَّ حَيَاةَ الْخُلُودِ هِيَ لَكُمْ. نَحْنُ نَثِقُ فِيهِ أَنَّنَا إِنْ كُنَّا نَطْلُبُ مِنْهُ أَيَّ شَيْءٍ حَسَبَ مَشِيئَتِهِ، فَهُوَ يَسْمَعُ لَنَا. وَبِمَا أَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ يَسْمَعُ لَنَا دَائِمًا، فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَيْضًا أَنَّنَا نَحْصُلُ عَلَى مَا نَطْلُبُ. إِنْ كَانَ وَاحِدٌ يَرَى أَخَاهُ يَرْتَكِبُ خَطِيئَةً لَا تُؤَدِّي إِلَى الْمَوْتِ، فَيَجِبُ أَنْ يَدْعُوَ اللهَ فَيَمْنَحَ أَخَاهُ الْحَيَاةَ. هَذَا فَقَطْ مِنْ أَجْلِ الَّذِينَ يَرْتَكِبُونَ خَطِيئَةً لَا تُؤَدِّي إِلَى الْمَوْتِ. تُوجَدُ خَطِيئَةٌ تُؤَدِّي إِلَى الْمَوْتِ، أَنَا لَا أَطْلُبُ أَنْ يُصَلِّيَ مِنْ أَجْلِ هَذِهِ. كُلُّ مَعْصِيَةٍ هِيَ خَطِيئَةٌ. لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ خَطِيئَةٍ تُؤَدِّي إِلَى الْمَوْتِ. نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ لَا يُمَارِسُونَ الْخَطِيئَةَ، بَلِ ابْنُ اللهِ يَحْفَظُهُمْ، وَإِبْلِيسُ الشِّرِّيرُ لَا يُؤْذِيهِمْ. نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا نَنْتَمِي للهِ، وَأَنَّ كُلَّ الدُّنْيَا تَحْتَ سَيْطَرَةِ إِبْلِيسَ الشِّرِّيرِ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَيْضًا أَنَّ ابْنَ اللهِ جَاءَ وَأَعْطَانَا فَهْمًا لِكَيْ نَعْرِفَ الْإِلَهَ الْحَقَّ، وَنَحْنُ نَنْتَمِي لَهُ هُوَ الْحَقُّ، لِأَنَّنَا نَنْتَمِي لِابْنِهِ عِيسَـى الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ الْإِلَهُ الْحَقُّ وَحَيَاةُ الْخُلُودِ. يَا أَوْلَادِيَ الْأَعِزَّاءَ، اِحْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الْآلِهَةِ الْكَاذِبَةِ. مِنَ: الشَّيْخِ. إِلَى: السَّيِّدَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا اللهُ وَإِلَى أَوْلَادِهَا، الَّذِينَ أُحِبُّهُمْ حَقًّا، وَلَسْتُ أَنَا وَحْدِي بَلْ أَيْضًا كُلُّ مَنْ عَرَفَ الْحَقَّ. لِأَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ فِينَا، وَسَيَكُونُ مَعَنَا إِلَى الْأَبَدِ. النِّعْمَةُ وَالرَّحْمَةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْنَا مِنَ اللهِ الْأَبِ وَمِنْ عِيسَـى الْمَسِيحِ ابْنِ الْأَبِ فِي الْحَقِّ وَالْمَحَبَّةِ. فَرِحْتُ جِدًّا لِأَنِّي وَجَدْتُ أَنَّ بَعْضَ أَوْلَادِكِ يَعِيشُونَ حَسَبَ الْحَقِّ كَمَا أَوْصَانَا الْأَبُ. وَلِهَذَا، فَإِنِّي أَطْلُبُ مِنْكِ أَيَّتُهَا السَّيِّدَةُ الْعَزِيزَةُ أَنْ نُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا. هَذِهِ لَيْسَتْ وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَكْتُبُهَا لَكُمْ، بَلْ هِيَ وَصِيَّةٌ عِنْدَنَا مِنَ الْأَوَّلِ. وَالْمَحَبَّةُ الَّتِي أَقْصِدُهَا، تَعْنِي أَنَّنَا نَعِيشُ حَسَبَ وَصَايَاهُ. هَذِهِ هِيَ نَفْسُ الْوَصِيَّةِ الَّتِي سَمِعْتُمُوهَا مِنَ الْأَوَّلِ، أَنْ تَعِيشُوا فِي الْمَحَبَّةِ. فَقَدِ انْتَشَرَ فِي الْعَالَمِ مُضِلُّونَ كَثِيرُونَ لَا يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ عِيسَـى الْمَسِيحَ صَارَ بَشَرًا. هَذَا هُوَ الْمُضِلُّ وَعَدُوُّ الْمَسِيحِ. فَانْتَبِهُوا لِكَيْ لَا يَضِيعَ مَا تَعِبْتُمْ فِيهِ بَلْ تَنَالُوا أَجْرَكُمْ بِالْكَامِلِ. كُلُّ مَنْ يَتَعَدَّى عَقِيدَةَ الْمَسِيحِ وَلَا يَثْبُتُ فِيهَا، لَا يَكُونُ اللهُ مِنْ نَصِيبِهِ. أَمَّا مَنْ يَثْبُتُ فِي الْعَقِيدَةِ، فَيَكُونُ لَهُ الْأَبُ وَالِابْنُ مَعًا. وَإِنْ جَاءَكُمْ وَاحِدٌ بِغَيْرِ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ، لَا تَقْبَلُوهُ فِي دَارِكُمْ، وَلَا تُسَلِّمُوا عَلَيْهِ. لِأَنَّ مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، يَشْتَرِكُ مَعَهُ فِي أَعْمَالِهِ الشِّرِّيرَةِ. عِنْدِي أُمُورٌ كَثِيرَةٌ أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ فِيهَا، لَكِنِّي لَا أُرِيدُ أَنْ أَكْتُبَهَا هُنَا بِالْحِبْرِ وَالْوَرَقِ. بَلْ أَرْجُو أَنْ أَزُورَكُمْ وَأَتَحَدَّثَ مَعَكُمْ شَخْصِيًّا، لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُنَا كَامِلًا. يُسَلِّمُ عَلَيْكِ أَوْلَادُ أُخْتِكِ الَّتِي اخْتَارَهَا اللهُ. مِنَ: الشَّيْخِ. إِلَى: الْحَبِيبِ غَايِسَ الَّذِي أُحِبُّهُ حَقًّا. أَيُّهَا الْحَبِيبُ، أَرْجُو أَنْ تَكُونَ بِخَيْرٍ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَأَنْ تَكُونَ مُتَمَتِّعًا بِصِحَّةٍ جَيِّدَةٍ جِسْمِيًّا كَمَا أَنَّكَ بِحَالَةٍ جَيِّدَةٍ رُوحِيًّا. فَرِحْتُ جِدًّا لَمَّا جَاءَ بَعْضُ الْإِخْوَةِ، وَأَخْبَرُونِي عَنْ إِخْلَاصِكَ لِلْحَقِّ، وَأَنَّكَ فِعْلًا تَعِيشُ حَسَبَ الْحَقِّ. هَذَا أَعْظَمُ فَرَحٍ بِالنِّسْبَةِ لِي، أَنْ أَسْمَعَ أَنَّ أَوْلَادِي يَعِيشُونَ حَسَبَ الْحَقِّ. أَيُّهَا الْحَبِيبُ، أَنْتَ أَمِينٌ فِي خِدْمَتِكَ لِلْإِخْوَةِ، خَاصَّةً الْغُرَبَاءَ مِنْهُمْ. وَقَدْ أَخْبَرُوا جَمَاعَةَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مَحَبَّتِكَ. فَأَرْجُو أَنْ تُسَاعِدَهُمْ فِي سَفَرِهِمْ بِمَا يَلِيقُ بِاللهِ. لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ أَجْلِ الِاسْمِ الْكَرِيمِ، وَلَمْ يَقْبَلُوا أَيَّ مُسَاعَدَةٍ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ. فَمِنْ وَاجِبِنَا نَحْنُ، أَنْ نُضِيفَ أَمْثَالَ هَؤُلَاءِ لِنَكُونَ شُرَكَاءَهُمْ فِي خِدْمَةِ الْحَقِّ. كَتَبْتُ مُذَكِّرَةً إِلَى جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ، لَكِنَّ دِتْرِيفِي الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يَتَرَأَّسَ عَلَيْهِمْ، لَا يُرِيدُ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامِي. فَإِنْ جِئْتُ عِنْدَكُمْ، سَأَتَحَدَّثُ عَنْ أَعْمَالِهِ، وَكَيْفَ أَنَّهُ يَكْذِبُ وَيُسِيءُ إِلَى سُمْعَتِي. وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ يَرْفُضُ أَنْ يَقْبَلَ الْإِخْوَةَ، وَيَمْنَعُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَقْبَلُوهُمْ، بَلْ وَيَطْرُدُهُمْ مِنَ الِاجْتِمَاعِ. أَيُّهَا الْحَبِيبُ، لَا تُقَلِّدِ الشَّرَّ بَلِ الْخَيْرَ. مَنْ يَعْمَلُ الْخَيْرَ هُوَ مِنَ اللهِ، وَمَنْ يَعْمَلُ الشَّرَّ لَا يَعْرِفُ اللهَ. دِمِتْرِي يَشْهَدُ لَهُ الْجَمِيعُ شَهَادَةً طَيِّبَةً، بَلْ يَشْهَدُ لَهُ الْحَقُّ نَفْسُهُ. وَأَنَا أَيْضًا أَشْهَدُ لَهُ. وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتِي صَادِقَةٌ. عِنْدِي أُمُورٌ كَثِيرَةٌ أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكَ فِيهَا، لَكِنِّي لَا أُرِيدُ أَنْ أَكْتُبَهَا هُنَا بِالْقَلَمِ وَالْحِبْرِ. بَلْ أَرْجُو أَنْ أَرَاكَ قَرِيبًا، فَنَتَحَدَّثَ مَعًا شَخْصِيًّا. السَّلَامُ مَعَكَ. الْأَحِبَّاءُ هُنَا يُسَلِّمُونَ عَلَيْكَ. سَلِّمْ عَلَى أَحِبَّائِنَا كُلِّ وَاحِدٍ بِاسْمِهِ. مِنْ: يَهُوذَا عَبْدِ عِيسَى الْمَسِيحِ وَأَخِي يَعْقُوبَ. إِلَى: الَّذِينَ أَحَبَّهُمُ اللهُ الْأَبُ وَدَعَاهُمْ، وَهُمْ فِي رِعَايَةِ عِيسَى الْمَسِيحِ. عَلَيْكُمْ وَافِرُ الرَّحْمَةِ وَالسَّلَامِ وَالْمَحَبَّةِ. يَا أَحِبَّائِي، كُنْتُ أَرْغَبُ جِدًّا فِي أَنْ أَكْتُبَ لَكُمْ فِي مَوْضُوعِ النَّجَاةِ الَّتِي لَنَا كُلِّنَا نَصِيبٌ فِيهَا، لَكِنِّي وَجَدْتُ أَنَّهُ مِنَ الضَّرُورِيِّ أَنْ أَكْتُبَ لَكُمْ لِكَيْ أَرْجُوَكُمْ أَنْ تُدَافِعُوا عَنِ الْإِيمَانِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ لِعَبِيدِهِ الصَّالِحِينَ بِصِفَةٍ نِهَائِيَّةٍ. لِأَنَّ بَعْضَ الْأَشْخَاصِ انْدَسُّوا بَيْنَكُمْ، هُمْ أَشْرَارٌ يُحَوِّلُونَ نِعْمَةَ اللهِ إِلَى مُبَرِّرٍ لِارْتِكَابِ الْفِسْقِ، وَيَتَنَكَّرُونَ لِسَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا الْوَحِيدِ عِيسَى الْمَسِيحِ. هَؤُلَاءِ أَعْلَنَ الْكِتَابُ مَصِيرَهُمْ مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ. فَمَعَ أَنَّكُمْ تَعْرِفُونَ كُلَّ هَذَا، لَكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُذَكِّرَكُمْ بِأَنَّ الْمَوْلَى أَنْقَذَ شَعْبَهُ وَأَخْرَجَهُمْ مِنْ مِصْرَ، وَلَكِنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَهْلَكَ الْكَافِرِينَ مِنْهُمْ. ثُمَّ أُذَكِّرُكُمْ أَيْضًا بِالْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ كَانَتْ لَهُمْ سُلْطَةٌ كَبِيرَةٌ لَكِنَّهُمْ لَمْ يُحَافِظُوا عَلَيْهَا، بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمُ الْمُحَدَّدَ، لِذَلِكَ حَفِظَهُمُ اللهُ مُقَيَّدِينَ بِسَلَاسِلَ أَبَدِيَّةٍ فِي أَعْمَاقِ الظَّلَامِ، إِلَى أَنْ يُحَاسِبَهُمْ فِي الْيَوْمِ الْعَظِيمِ. وَتَذَكَّرُوا أَيْضًا سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَالْمُدُنَ الْمُجَاوِرَةَ لَهُمَا. فَقَدِ انْغَمَسَ أَهْلُهَا بِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ فِي الْفِسْقِ وَالشُّذُوذِ الْجِنْسِيِّ، وَمَا جَرَى لَهُمْ هُوَ إِنْذَارٌ لِلْآخَرِينَ عَنْ عِقَابِ النَّارِ الْأَبَدِيَّةِ. وَبِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ أَيْضًا، هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بِأَحْلَامِهِمْ يُنَجِّسُونَ أَجْسَامَهُمْ، وَيَرْفُضُونَ سُلْطَانَ اللهِ، وَيَفْتَرُونَ عَلَى الْكَائِنَاتِ السَّمَائِيَّةِ. أَمَّا مِيخَائِيلُ رَئِيسُ الْمَلَائِكَةِ، فَهُوَ لَمَّا تَعَارَكَ مَعَ إِبْلِيسَ وَجَادَلَهُ بِشَأْنِ جُثَّةِ مُوسَى، لَمْ يَجْرُؤْ أَنْ يُقَدِّمَ ضِدَّهُ شَكْوَى فِيهَا افْتِرَاءٌ. بَلْ كُلُّ مَا قَالَهُ هُوَ: ”يُوَبِّخُكَ اللهُ يَا إِبْلِيسُ.“ لَكِنَّ هَؤُلَاءِ النَّاسَ يَفْتَرُونَ فِي أُمُورٍ لَا يَفْهَمُونَهَا. بَيْنَمَا الْأُمُورُ الَّتِي يَفْهَمُونَهَا بِالْغَرِيزَةِ كَالْحَيَوَانَاتِ غَيْرِ الْعَاقِلَةِ، هِيَ نَفْسُهَا الَّتِي تُسَبِّبُ هَلَاكَهُمْ. الْوَيْلُ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ سَلَكُوا فِي طَرِيقِ قَابِيلَ، وَانْدَفَعُوا إِلَى ضَـلَالِ بَلْعَامَ مِنْ أَجْلِ الْمَالِ، وَتَمَرَّدُوا مِثْلَ قُورَحَ فَهَلَكُوا. إِنَّهُمْ خَطَرٌ عَلَيْكُمْ فِي وَلَائِمِ الْمَحَبَّةِ الْأَخَوِيَّةِ الَّتِي تَعْمَلُونَهَا. أَفْعَالُهُمْ مُخْجِلَةٌ. يَهْتَمُّونَ بِأَنْفُسِهِمْ فَقَطْ. هُمْ كَسَحَـابٍ بِلَا مَطَرٍ تَدْفَعُهُ الرِّيحُ. كَأَشْجَـارٍ فِي الْخَرِيفِ بِلَا ثَمَرٍ، قُلِعَتْ مِنْ جُذُورِهَا، فَهِيَ مَاتَتْ مَرَّتَيْنِ. كَأَمْوَاجٍ هَائِجَةٍ فِي الْبَحْرِ، يَقْذِفُونَ أَعْمَالَهُمُ الْمُخْجِلَةَ. كَنُجُومٍ تَائِهَةٍ، مَصِيرُهَـا أَعْمَاقُ الظَّلَامِ إِلَى الْأَبَدِ. وَتَنَبَّأَ عَنْهُمْ إِدْرِيسُ، وَهُوَ مِنَ الْجِيلِ السَّابِعِ مُنْذُ آدَمَ، فَقَالَ: ”اُنْظُرُوا! سَيَأْتِي رَبُّنَا مَعَ أُلُوفٍ مُؤَلَّفَةٍ مِنْ أَوْلِيَائِهِ الصَّالِحِينَ، لِكَيْ يُحَاسِبَ جَمِيعَ النَّاسِ، وَيَحْكُمَ عَلَى كُلِّ الْأَشْرَارِ، عَلَى كُلِّ الْأَعْمَالِ الشِّـرِّيرَةِ الَّتِي ارْتَكَبُوهَا، وَعَلَى كُلِّ كَلِمَةٍ قَبِيحَةٍ قَالَهَا ضِدَّهُ الْأَشْرَارُ الْفُجَّارُ.“ هَؤُلَاءِ النَّاسُ دَائِمًا يَتَذَمَّرُونَ وَيَشْتَكُونَ وَيَتْبَعُونَ شَهَوَاتِهِمْ وَيَتَكَلَّمُونَ بِكِبْرِيَاءَ، وَيَمْدَحُونَ النَّاسَ إِنْ كَانَ ذَلِكَ يَعُودُ عَلَيْهِمْ بِالْمَنْفَعَةِ. أَمَّا أَنْتُمْ يَا أَحِبَّائِي، فَتَذَكَّرُوا مَا تَنَبَّأَ بِهِ رُسُلُ سَيِّدِنَا عِيسَى الْمَسِيحِ. فَقَدْ قَالُوا لَكُمْ إِنَّهُ فِي الْأَيَّامِ الْأَخِيرَةِ يَظْهَرُ مُسْتَهْزِئُونَ يَتْبَعُونَ شَهَوَاتِهِمِ الشِّرِّيرَةَ، يُسَبِّبُونَ الِانْقِسَامَاتِ، وَيَتْبَعُونَ غَرَائِزَهُمُ الْحَيَوَانِيَّةَ، وَلَيْسَ فِيهِمْ رُوحُ اللهِ. أَمَّا أَنْتُمْ يَا أَحِبَّائِي، فَابْنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى إِيمَانِكُمُ النَّقِيِّ. صَـلُّوا بِالرُّوحِ الْقُدُّوسِ. اِحْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ فِي مَحَبَّةِ اللهِ. وَانْتَظِرُوا رَحْمَةَ سَيِّدِنَا عِيسَى الْمَسِيحِ لِيُعْطِيَكُمْ حَيَاةَ الْخُلُودِ. بَعْضُ النَّاسِ عِنْدَهُمْ شُكُوكٌ، فَأَشْفِقُوا عَلَيْهِمْ. وَالْبَعْضُ الْآخَرُ يَحْتَاجُونَ أَنْ تُنْقِذُوهُمْ مِنَ النَّارِ بِأَنْ تَخْطِفُوهُمْ مِنْهَا. ثُمَّ الْبَعْضُ الْآخَرُ، أَشْفِقُوا عَلَيْهِمْ بِمُنْتَهَى الْحَذَرِ وَاكْرَهُوا حَتَّى ثِيَابَهُمُ الَّتِي تَنَجَّسَتْ مِنْ فِسْقِهِمْ. اللهُ هُوَ الْقَادِرُ أَنْ يَحْفَظَكُمْ مِنَ السُّقُوطِ، وَيَأْتِيَ بِكُمْ إِلَى مَحْضَرِهِ الْمَجِيدِ بِلَا عَيْبٍ وَفَرْحَانِينَ. هُوَ اللهُ الْأَحَدُ، مُنْقِذُنَا بِوَاسِطَةِ عِيسَى الْمَسِيحِ مَوْلَانَا، لَهُ الْجَلَالُ وَالْعَظَمَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالسُّلْطَانُ، مِنْ قَبْلِ كُلِّ زَمَانٍ، وَالْآنَ، وَإِلَى الْأَبَدِ، آمِينَ. هَذِهِ هِيَ الرُّؤْيَا الَّتِي أَعْطَاهَا اللهُ لِعِيسَى الْمَسِيحِ، لِيَكْشِفَ لِعَبِيدِهِ عَنْ أُمُورٍ لَا بُدَّ أَنْ تَحْدُثَ عَنْ قَرِيبٍ. وَعِيسَى أَعْلَنَهَا بِأَنْ أَرْسَلَ مَلَاكَهُ إِلَى عَبْدِهِ يُوحَنَّا، وَيُوحَنَّا أَخْبَرَ بِكُلِّ مَا رَآهُ. فَهَذِهِ هِيَ كَلِمَةُ اللهِ، وَرِسَالَةُ عِيسَـى الْمَسِيحِ. هَنِيئًا لِمَنْ يَقْرَأُ كَلَامَ هَذِهِ النُّبُوَّةِ، وَهَنِيئًا لِمَنْ يَسْمَعُونَ وَيَعْمَلُونَ بِمَا جَاءَ فِيهَا، لِأَنَّ سَاعَةَ إِتْمَامِهَا اقْتَرَبَتْ. مِنْ: يُوحَنَّا. إِلَى: 7 جَمَاعَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فِي مُقَاطَعَةِ آسْيَا. عَلَيْكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلَامُ مِنَ الَّذِي هُوَ كَائِنٌ وَكَانَ وَسَيَأْتِي، وَمِنَ الْأَرْوَاحِ الـ7 الَّتِي قُدَّامَ عَرْشِهِ، وَمِنْ عِيسَـى الْمَسِيحِ الشَّاهِدِ الْأَمِينِ، أَوَّلِ مَنْ قَامَ مِنَ الْمَوْتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ الْأَرْضِ. هُوَ الَّذِي يُحِبُّنَا وَقَدْ حَرَّرَنَا مِنْ ذُنُوبِنَا بِدَمِهِ، وَجَعَلَنَا مَمْلَكَةً مِنَ الْأَحْبَارِ لِنَخْدِمَ اللهَ أَبَاهُ. فَلَهُ الْجَلَالُ وَالْقُدْرَةُ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ. آمِـينَ. اِنْتَبِهُوا! إِنَّ عِيسَى قَادِمٌ مَعَ السَّحَابِ، وَيَرَاهُ الْكُلُّ، وَيَرَاهُ حَتَّى الَّذِينَ طَعَنُوهُ. وَتَنُوحُ بِسَبَبِهِ كُلُّ شُعُوبِ الْأَرْضِ. نَعَمْ آمِينَ. قَالَ الْمَوْلَى الْإِلَهُ: ”أَنَا الْأَلِفُ وَالْيَاءُ.“ فَهُوَ الْكَائِنُ وَكَانَ وَسَيَأْتِي، وَهُوَ الْقَدِيرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. أَنَا يُوحَنَّا أَخُوكُمْ، وَشَرِيكُكُمْ فِي الْأَلَمِ وَفِي الْمَمْلَكَةِ وَفِي الِاحْتِمَالِ بِصَبْرٍ مِنْ أَجْلِ عِيسَـى، كُنْتُ فِي جَزِيرَةِ بَطْمُسَ لِأَنِّي أُنَادِي بِكَلِمَةِ اللهِ، وَأَشْهَدُ بِعِيسَى جَهَارًا. وَفِي يَوْمِ السَّيِّدِ حَلَّ عَلَيَّ رُوحُ اللهِ، فَسَمِعْتُ وَرَائِي صَوْتًا قَوِيًّا كَصَوْتِ بُوقٍ يَقُولُ: ”اُكْتُبْ مَا تَرَاهُ فِي كِتَابٍ، وَأَرْسِلْهُ إِلَى الْجَمَاعَاتِ الـ7 الَّتِي فِي أَفَاسُسَ وَإِزْمِيرَ وَبَرْغَامُسَ وَثِيَاتْرَا وَسَارْدِسَ وَفِيلَادِلْفِيَا وَلَاوُدِكِيَّةَ.“ فَالْتَفَتُّ لِأَرَى صَوْتَ مَنِ الَّذِي كَانَ يُكَلِّمُنِي. فَلَمَّا الْتَفَتُّ رَأَيْتُ 7 مَصَابِيحَ مِنْ ذَهَبٍ، وَفِي وَسَطِهَا وَاحِدٌ يُشْبِهُ الَّذِي صَارَ بَشَرًا يَرْتَدِي ثَوْبًا طَوِيلًا، وَحَوْلَ صَدْرِهِ حِزَامٌ مِنْ ذَهَبٍ. وَشَعْرُ رَأْسِهِ أَبْيَضُ كَالصُّوفِ وَنَاصِعٌ كَالثَّلْجِ، وَعَيْنَاهُ كَشُعْلَةٍ مُلْتَهِبَةٍ. وَرِجْلَاهُ تَلْمَعَانِ كَنُحَاسٍ نَقِيٍّ مَصْقُولٍ بِالنَّارِ، وَصَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ غَزِيرَةٍ. وَفِي يَدِهِ الْيُمْنَى 7 نُجُومٍ، وَيَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ سَيْفٌ قَاطِعٌ بِحَدَّيْنِ، وَوَجْهُهُ كَالشَّمْسِ فِي أَبْهَى نُورِهَا. فَلَمَّا رَأَيْتُهُ، وَقَعْتُ عِنْدَ قَدَمَيْهِ كَالْمَيِّتِ. فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَيَّ وَقَالَ: ”لَا تَخَفْ أَنَا الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ. أَنَا الْحَيُّ. كُنْتُ مَيِّتًا، لَكِنِّي الْآنَ حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ، وَبِيَدِي مَفَاتِيحُ الْمَوْتِ وَعَالَمِ الْأَمْوَاتِ. فَاكْتُبْ مَا رَأَيْتَهُ، وَمَا يَحْدُثُ الْآنَ، وَمَا سَيَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ. هَذَا هُوَ سِرُّ النُّجُومِ الـ7 الَّتِي رَأَيْتَهَا فِي يَدِيَ الْيُمْنَى، وَمَصَابِيحِ الذَّهَبِ الـ7: النُّجُومُ الـ7 هِيَ مَلَائِكَةُ الْجَمَاعَاتِ الـ7، وَالْمَصَابِيحُ الـ7 هِيَ الْجَمَاعَاتُ الـ7. ”اُكْتُبْ إِلَى مَلَاكِ جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَفَاسُسَ، هَذِهِ رِسَالَةُ الَّذِي يُمْسِكُ النُّجُومَ الـ7 فِي يَمِينِهِ، وَيَمْشِي بَيْنَ مَصَابِيحِ الذَّهَبِ الـ7: أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ وَجِهَادَكَ وَصَبْرَكَ. وَأَنَا عَارِفٌ أَنَّكَ لَا تُطِيقُ الْأَشْرَارَ، وَأَنَّكَ اخْتَبَرْتَ الَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّهُمْ رُسُلٌ، وَلَكِنَّكَ وَجَدْتَ أَنَّهُمْ كَذَبَةٌ وَلَيْسُوا رُسُلًا. أَنْتَ صَبُورٌ وَاحْتَمَلْتَ الْكَثِيرَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي وَلَمْ تَتْعَبْ. ”لَكِنِّي أَعْتِبُ عَلَيْكَ لِأَنَّكَ تَرَكْتَ مَحَبَّتَكَ الْأُولَى. فَاذْكُرْ أَيْنَ كُنْتَ قَبْلَ مَا سَقَطْتَ، وَتُبْ وَاعْمَلِ الْأَعْمَالَ الَّتِي كُنْتَ تَعْمَلُهَا مِنْ قَبْلُ. وَإِلَّا فَإِنْ كُنْتَ لَا تَتُوبُ، آتِي إِلَيْكَ وَأُزِيلُ مِصْبَاحَكَ مِنْ مَكَانِهِ. إِنَّمَا يَسُرُّنِي فِيكَ أَنَّكَ تَكْرَهُ أَعْمَالَ النِّقُولَاوِيِّينَ الَّتِي أَكْرَهُهَا أَنَا أَيْضًا. يَا مَنْ لَكُمْ آذَانٌ، اِسْمَعُوا مَا يَقُولُهُ رُوحُ اللهِ لِجَمَاعَاتِ الْمُؤْمِنِينَ! مَنْ يَغْلِبُ أُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ الَّتِي فِي جَنَّةِ اللهِ. ”وَاكْتُبْ إِلَى مَلَاكِ جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي إِزْمِيرَ، هَذِهِ رِسَالَةُ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ، الَّذِي مَاتَ ثُمَّ عَادَ إِلَى الْحَيَاةِ: أَنَا عَارِفٌ أَنَّكَ تُقَاسِي مِنَ الضِّيقِ وَالْفَقْرِ، مَعَ أَنَّكَ فِي الْحَقِيقَةِ غَنِيٌّ. وَأَنَا عَارِفٌ مَا يَفْتَرِي بِهِ عَلَيْكَ الَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّهُمْ يَهُودٌ وَهُمْ غَيْرُ يَهُودٍ، بَلْ هُمْ حِزْبُ الشَّيْطَانِ. لَا تَخَفْ مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي يَنْتَظِرُكَ، فَإِنَّ إِبْلِيسَ سَيُلْقِي بَعْضًا مِنْكُمْ فِي السِّجْنِ لِيَمْتَحِنَكُمْ، وَتُقَاسُونَ الِاضْطِهَادَ 10 أَيَّامٍ. فَكُنْ أَمِينًا حَتَّى الْمَوْتِ، وَأَنَا أُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ. يَا مَنْ لَكُمْ آذَانٌ، اِسْمَعُوا مَا يَقُولُهُ رُوحُ اللهِ لِجَمَاعَاتِ الْمُؤْمِنِينَ! مَنْ يَغْلِبُ، لَا يُؤْذِيهِ الْمَوْتُ الثَّانِي. ”وَاكْتُبْ إِلَى مَلَاكِ جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي بَرْغَامُسَ، هَذِهِ رِسَالَةُ صَاحِبِ السَّيْفِ الْقَاطِعِ ذِي الْحَدَّيْنِ: أَنَا عَارِفٌ الْمَكَانَ الَّذِي تَسْكُنُ فِيهِ، هُنَاكَ يُوجَدُ عَرْشُ الشَّيْطَانِ. وَلَكِنَّكَ مُتَمَسِّكٌ بِاسْمِي، وَلَمْ تُنْكِرْ إِيمَانَكَ بِي، حَتَّى فِي أَيَّامِ أَنْتِيبَاسَ الَّذِي شَهِدَ لِي بِأَمَانَةٍ وَقُتِلَ عِنْدَكُمْ حَيْثُ يَسْكُنُ الشَّيْطَانُ. ”لَكِنِّي أَعْتِبُ عَلَيْكَ قَلِيلًا لِأَنَّ عِنْدَكَ بَعْضَ النَّاسِ يَتْبَعُونَ مَذْهَبَ بَلْعَامَ الَّذِي عَلَّمَ بَالَاقَ أَنْ يَنْصُبَ فَخًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَكَلُوا مِنَ الطَّعَامِ الْمُقَدَّمِ لِلْأَصْنَامِ وَارْتَكَبُوا الْفِسْقَ. وَعِنْدَكَ أَنْتَ أَيْضًا بَعْضُ النَّاسِ يَتْبَعُونَ مَذْهَبَ النِّقُولَاوِيِّينَ. فَتُبْ وَإِلَّا آتِي إِلَيْكَ سَرِيعًا، لِأُحَارِبَ هَؤُلَاءِ النَّاسَ بِالسَّيْفِ الَّذِي فِي فَمِي. يَا مَنْ لَكُمْ آذَانٌ، اِسْمَعُوا مَا يَقُولُهُ رُوحُ اللهِ لِجَمَاعَاتِ الْمُؤْمِنِينَ! مَنْ يَغْلِبُ أُعْطِيهِ مِنَ الْمَنِّ الْمَخْفِيِّ، وَأَيْضًا حَصَاةً بَيْضَاءَ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا اسْمٌ جَدِيدٌ لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ إِلَّا الَّذِي يَنَالُهُ. ”وَاكْتُبْ إِلَى مَلَاكِ جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي ثِيَاتْرَا، هَذِهِ رِسَالَةُ ابْنِ اللهِ، الَّذِي عَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ، وَرِجْلَاهُ كَالنُّحَاسِ النَّقِيِّ: أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ وَمَحَبَّتَكَ، وَإِيمَانَكَ وَتَضْحِيَتَكَ وَصَبْرَكَ، وَأَنَّ أَعْمَالَكَ الْأَخِيرَةَ أَحْسَنُ مِنَ الْأُولَى. ”لَكِنِّي أَعْتِبُ عَلَيْكَ لِأَنَّكَ تَتَسَاهَلُ مَعَ الْمَرْأَةِ إِيزَابِلَ الَّتِي تَقُولُ إِنَّهَا نَبِيَّةٌ، وَهِيَ تُضَلِّلُ عَبِيدِي، فَتُعَلِّمُهُمْ أَنْ يَرْتَكِبُوا الْفِسْقَ وَيَأْكُلُوا مِنَ الطَّعَامِ الْمُقَدَّمِ لِلْأَصْنَامِ. وَقَدْ أَعْطَيْتُهَا مُهْلَةً لِتَتُوبَ، وَلَكِنَّهَا تَرْفُضُ أَنْ تَتُوبَ عَنْ فِسْقِهَا. لِذَلِكَ سَأَطْرَحُهَا فِي فِرَاشِ الْمَرَضِ، وَأَطْرَحُ الَّذِينَ يَفْسِقُونَ مَعَهَا فِي ضِيقٍ شَدِيدٍ، إِنْ لَمْ يَتُوبُوا عَنِ الِاشْتِرَاكِ فِي أَعْمَالِهَا، وَأُهْلِكُ أَوْلَادَهَا بِالْمَوْتِ. فَتَعْرِفُ كُلُّ جَمَاعَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَنِّي أَنَا الَّذِي أَخْتَبِرُ الْقُلُوبَ وَالْأَفْكَارَ، وَأُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعْمَالِهِ. ”أَمَّا بَاقِي الَّذِينَ فِي ثِيَاتْرَا، أَنْتُمُ الَّذِينَ لَا تَقْبَلُونَ هَذَا الْمَذْهَبَ، وَلَا تَعَلَّمْتُمْ مَا يُسَمِّيهِ الْبَعْضُ أَسْرَارَ الشَّيْطَانِ الْعَمِيقَةَ، فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي لَا أَضَعُ عَلَيْكُمْ حِمْلًا آخَرَ، فَقَطْ تَمَسَّكُوا بِمَا عِنْدَكُمْ إِلَى أَنْ آتِيَ. مَنْ يَغْلِبُ وَيَسْتَمِرُّ فِي خِدْمَتِي إِلَى النِّهَايَةِ، أُعْطِيهِ سُلْطَانًا عَلَى الشُّعُوبِ، كَمَا تَسَلَّمْتُ أَنَا سُلْطَانًا مِنْ أَبِي. فَيَحْكُمُهَا بِعَصًا مِنْ حَدِيدٍ وَيُحَطِّمُهَا مِثْلَ آنِيَةٍ مِنْ فَخَّارٍ. وَأُعْطِيهِ أَيْضًا نَجْمَ الصُّبْحِ. يَا مَنْ لَكُمْ آذَانٌ، اِسْمَعُوا مَا يَقُولُهُ رُوحُ اللهِ لِجَمَاعَاتِ الْمُؤْمِنِينَ! ”وَاكْتُبْ إِلَى مَلَاكِ جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي سَارْدِسَ، هَذِهِ رِسَالَةُ مَنْ لَهُ أَرْوَاحُ اللهِ الـ7 وَالنُّجُومُ الـ7: أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ. بِالِاسْمِ أَنْتَ حَيٌّ، لَكِنَّكَ فِي الْحَقِيقَةِ مَيِّتٌ. تَيَقَّظْ وَأَنْعِشْ مَا بَقِيَ لَكَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، لِأَنِّي وَجَدْتُ أَعْمَالَكَ غَيْرَ كَامِلَةٍ فِي نَظَرِ إِلَهِي. اُذْكُرْ كَيْفَ قَبِلْتَ الرِّسَالَةَ لَمَّا سَمِعْتَهَا وَأَطِعْهَا وَتُبْ. فَإِنْ كُنْتَ لَا تَصْحُو، آتِي عَلَيْكَ كَمَا يَأْتِي لِصٌّ، فِي سَاعَةٍ لَا تَعْرِفُهَا. ”لَكِنَّ عِنْدَكَ فِي سَارْدِسَ قَلِيلِينَ لَمْ يُنَجِّسُوا ثِيَابَهُمْ، فَهُمْ سَيَمْشُونَ مَعِي فِي ثِيَابٍ بَيْضَاءَ لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ ذَلِكَ. مَنْ يَغْلِبُ يَلْبَسُ ثَوْبًا أَبْيَضَ مِثْلَهُمْ، وَلَا أَمْسَحُ اسْمَهُ مِنْ كِتَابِ الْحَيَاةِ، بَلْ أَشْهَدُ لَهُ قُدَّامَ أَبِي وَمَلَائِكَتِهِ. يَا مَنْ لَكُمْ آذَانٌ، اِسْمَعُوا مَا يَقُولُهُ رُوحُ اللهِ لِجَمَاعَاتِ الْمُؤْمِنِينَ! ”وَاكْتُبْ إِلَى مَلَاكِ جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي فِيلَادِلْفِيَا، هَذِهِ رِسَالَةُ الْقُدُّوسِ الْحَقِّ الَّذِي مَعَهُ مِفْتَاحُ دَاوُدَ، يَفْتَحُ فَلَا يُغْلِقُ أَحَدٌ، وَيُغْلِقُ فَلَا يَفْتَحُ أَحَدٌ: أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، وَمَعَ أَنَّ قُوَّتَكَ بَسِيطَةٌ، لَكِنَّكَ أَطَعْتَ كَلِمَتِي وَلَمْ تُنْكِرِ اسْمِي، لِذَلِكَ فَتَحْتُ لَكَ بَابًا لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُغْلِقَهُ. أَمَّا الَّذِينَ يَنْتَمُونَ إِلَى حِزْبِ الشَّيْطَانِ، الَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّهُمْ يَهُودٌ وَهُمْ غَيْرُ يَهُودٍ بَلْ يَكْذِبُونَ، فَسَأَجْعَلُهُمْ يَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ عِنْدَ قَدَمَيْكَ وَيَعْرِفُونَ أَنِّي أَحْبَبْتُكَ. وَلِأَنَّكَ عَمِلْتَ بِكَلَامِي وَصَبَرْتَ، فَأَنَا أَيْضًا سَأَحْفَظُكَ فِي سَاعَةِ الْمِحْنَةِ الَّتِي سَتَأْتِي عَلَى الْعَالَمِ كُلِّهِ لِتَمْتَحِنَ سُكَّانَ الْأَرْضِ. ”أَنَا قَادِمٌ سَرِيعًا، تَمَسَّكْ بِمَا عِنْدَكَ لِئَلَّا يَسْلُبَ أَحَدٌ إِكْلِيلَكَ. مَنْ يَغْلِبُ سَأَجْعَلُهُ عَمُودًا فِي بَيْتِ إِلَهِي فَيَبْقَى هُنَاكَ إِلَى الْأَبَدِ، وَسَأَكْتُبُ عَلَيْهِ اسْمَ إِلَهِي وَاسْمَ مَدِينَةِ إِلَهِي، الْقُدْسِ الْجَدِيدَةِ الَّتِي تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ إِلَهِي، وَسَأَكْتُبُ عَلَيْهِ أَيْضًا اسْمِيَ الْجَدِيدَ. يَا مَنْ لَكُمْ آذَانٌ، اِسْمَعُوا مَا يَقُولُهُ رُوحُ اللهِ لِجَمَاعَاتِ الْمُؤْمِنِينَ! ”وَاكْتُبْ إِلَى مَلَاكِ جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي لَاوُدِكِيَّةَ، هَذِهِ رِسَالَةُ الْأَمِينِ، الشَّاهِدِ الْأَمِينِ الصَّادِقِ، أَصْلِ خَلِيقَةِ اللهِ: أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، وَأَنَّكَ لَا بَارِدٌ وَلَا حَارٌّ. لَيْتَكَ كُنْتَ بَارِدًا أَوْ حَارًّا. لَكِنْ لِأَنَّكَ فَاتِرٌ، لَا حَارٌّ وَلَا بَارِدٌ، فَأَنَا سَأَتَقَيَّأُكَ مِنْ فَمِي. أَنْتَ تَقُولُ: ’أَنَا غَنِيٌّ وَاغْتَنَيْتُ وَلَا يَنْقُصُنِي شَيْءٌ.‘ فَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ أَنَّكَ بَائِسٌ وَشَقِيٌّ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ. أَنْصَحُكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ذَهَبًا مُنَقًّى بِالنَّارِ، لِكَيْ تَغْتَنِيَ بِحَقٍّ، وَثِيَابًا بَيْضَاءَ تَلْبَسُهَا فَتَسْتُرُ عُرْيَكَ الْمُخْجِلَ، وَكُحْلًا تُكَحِّلُ بِهِ عَيْنَيْكَ لِكَيْ تَرَى. ”أَنَا أُوَبِّخُ وَأُؤَدِّبُ كُلَّ مَنْ أُحِبُّهُ. فَتَحَمَّسْ وَتُبْ. أَنَا هُنَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَطْرُقُ، إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي. مَنْ يَغْلِبُ أُجْلِسُهُ مَعِي عَلَى عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي عَلَى عَرْشِهِ. يَا مَنْ لَكُمْ آذَانٌ، اِسْمَعُوا مَا يَقُولُهُ رُوحُ اللهِ لِجَمَاعَاتِ الْمُؤْمِنِينَ!“ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الرُّؤْيَا بَابًا مَفْتُوحًا فِي السَّمَاءِ. وَالصَّوْتُ الَّذِي كَلَّمَنِي مِنْ قَبْلُ وَهُوَ مِثْلُ بُوقٍ، سَـمِعْتُهُ يَقُولُ: ”اِصْعَدْ إِلَى هُنَا فَأُرِيَكَ مَا لَا بُدَّ أَنْ يَحْدُثَ بَعْدَ هَذَا.“ وَفِي الْحَالِ، حَلَّ عَلَيَّ الرُّوحُ، وَرَأَيْتُ عَرْشًا فِي السَّـمَاءِ، يَجْلِسُ عَلَيْهِ وَاحِدٌ يَتَأَلَّقُ كَالْمَاسِ وَالْعَقِيقِ الْأَحْمَرِ. وَحَوْلَ الْعَرْشِ قَوْسُ قُزَحَ وَمَنْظَرُهُ كَالزُّمُرُّدِ الْأَخْضَرِ. وَيُحِيطُ بِالْعَرْشِ 24 عَرْشًا عَلَيْهَا 24 شَيْخًا لَابِسِينَ ثِيَابًا بَيْضَاءَ وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ تِيجَانٌ مِنْ ذَهَبٍ. وَخَرَجَتْ مِنَ الْعَرْشِ بُرُوقٌ وَأَصْوَاتٌ وَرُعُودٌ، وَقُدَّامَ الْعَرْشِ 7 مَشَاعِلِ نَارٍ مُتَّقِدَةٍ هِيَ أَرْوَاحُ اللهِ الـ7. ثُمَّ قُدَّامَ الْعَرْشِ أَيْضًا مَا يُشْبِهُ بَحْرًا مِنْ زُجَاجٍ كَالْبِلَّوْرِ. وَفِي الْوَسَطِ حَوْلَ الْعَرْشِ 4 كَائِنَاتٍ حَيَّةٍ مَمْلُوءَةٍ بِالْعُيُونِ مِنْ قُدَّامٍ وَمِنْ خَلْفٍ. الْكَائِنُ الْأَوَّلُ يُشْبِهُ الْأَسَـدَ، وَالثَّانِي يُشْبِهُ الثَّوْرَ، وَالثَّالِثُ لَهُ وَجْهُ إِنْسَـانٍ، وَالرَّابِعُ يُشْبِهُ النِّسْرَ الطَّائِرَ. وَهَذِهِ الْكَائِنَاتُ الْـ4، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَهُ 6 أَجْنِحَةٍ وَهُوَ مَمْلُوءٌ بِالْعُيُونِ مِنَ الْخَارِجِ وَمِنَ الدَّاخِلِ. وَهِيَ تُغَنِّي نَهَارًا وَلَيْلًا بِلَا تَوَقُّفٍ: ”قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، الْمَوْلَى الْإِلَهُ الْقَدِيرُ الَّذِي كَانَ وَهُوَ كَائِنٌ وَسَيَأْتِي.“ وَعِنْدَمَا تُعْطِي هَذِهِ الْكَائِنَاتُ الْجَلَالَ وَالْكَرَامَةَ وَالْحَمْدَ لِلْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ، الْحَيِّ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ، يَرْكَعُ الشُّيُوخُ الْـ24 وَيَتَعَبَّدُونَ لِلْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ، الْحَيِّ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ، وَيَطْرَحُونَ تِيجَانَهُمْ قُدَّامَ عَرْشِهِ وَهُمْ يَقُولُونَ: ”يَا رَبَّنَا وَإِلَهَنَا أَنْتَ تَسْتَحِقُّ الْجَلَالَ وَالْكَرَامَةَ وَالْقُدْرَةَ، لِأَنَّكَ خَلَقْتَ كُلَّ الْأَشْيَاءِ وَهِيَ كَائِنَةٌ وَمَوْجُودَةٌ بِإِرَادَتِكَ.“ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْيَدِ الْيُمْنَى لِلْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ، كِتَابًا مَكْتُوبًا فِيهِ مِنَ الْخَارِجِ وَمِنَ الدَّاخِلِ وَمَخْتُومًا بِـ7 خُتُومٍ. وَرَأَيْتُ مَلَاكًا قَوِيًّا يُنَادِي بِصَوْتٍ عَالٍ: ”مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَفُكَّ خُتُومَ الْكِتَابِ وَيَفْتَحَهُ؟“ فَلَمْ يَقْدِرْ أَيُّ وَاحِدٍ لَا فِي السَّمَاءِ وَلَا عَلَى الْأَرْضِ وَلَا تَحْتَ الْأَرْضِ أَنْ يَفْتَحَ الْكِتَابَ وَيَنْظُرَ مَا فِيهِ. فَأَخَذْتُ أَبْكِي بُكَاءً شَدِيدًا، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَفْتَحَ الْكِتَابَ وَيَنْظُرَ مَا فِيهِ. فَقَالَ لِي وَاحِدٌ مِنَ الشُّيُوخِ: ”لَا تَبْكِ. لِأَنَّ الْأَسَدَ الَّذِي مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا، سَلِيلَ دَاوُدَ، قَدْ غَلَبَ وَهُوَ قَادِرٌ أَنْ يَفْتَحَ الْكِتَابَ وَخُتُومَهُ الـ7.“ ثُمَّ رَأَيْتُ حَمَلَ الْفِدَاءِ وَاقِفًا فِي وَسَطِ الْعَرْشِ، وَهُوَ مَحْفُوفٌ بِالْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ الْـ4 وَبِالشُّيُوخِ، وَشَكْلُهُ كَأَنَّهُ ذُبِحَ، وَلَهُ 7 قُرُونٍ، وَلَهُ أَيْضًا 7 أَعْيُنٍ هِيَ أَرْوَاحُ اللهِ الـ7 الَّتِي أَرْسَلَهَا إِلَى الدُّنْيَا كُلِّهَا. فَتَقَدَّمَ وَأَخَذَ الْكِتَابَ مِنَ الْيَدِ الْيُمْنَى لِلْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ. فَلَمَّا أَخَذَهُ، رَكَعَتِ الْكَائِنَاتُ الْـ4، وَرَكَعَ الشُّيُوخُ الْـ24 قُدَّامَ حَمَلِ الْفِدَاءِ. وَكَانَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قِيثَارَةٌ وَكُؤُوسٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٌ بِالْبَخُورِ، أَيْ دُعَاءِ الصَّالِحِينَ. وَغَنَّوْا أُغْنِيَةً جَدِيدَةً: ”أَنْتَ مُسْتَحِقٌّ أَنْ تَأْخُذَ الْكِتَابَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لِأَنَّكَ ذُبِحْتَ، وَبِدَمِكَ الَّذِي سُفِكَ، اِشْتَرَيْتَ للهِ أُنَاسًا مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلُغَةٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ، وَجَعَلْتَهُمْ مَمْلَكَةً مِنَ الْأَحْبَارِ لِيَخْدِمُوا إِلَهَنَا، وَسَيَمْلِكُونَ عَلَى الْأَرْضِ.“ وَفِي الرُّؤْيَا سَمِعْتُ تَرْتِيلَ الْمَلَايِينِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَهِيَ تُحِيطُ بِالْعَرْشِ وَبِالْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ وَالشُّيُوخِ. وَتَقُولُ بِصَوْتٍ عَالٍ: ”حَمَلُ الْفِدَاءِ الَّذِي ذُبِحَ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَنَالَ الْقُوَّةَ وَالثَّرْوَةَ وَالْحِكْمَةَ وَالْقُدْرَةَ وَالْكَرَامَةَ وَالْجَلَالَ وَالْحَمْدَ.“ ثُمَّ سَمِعْتُ كُلَّ الْمَخْلُوقَاتِ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الْأَرْضِ وَتَحْتَ الْأَرْضِ وَفِي الْبَحْرِ، كُلَّ الْمَخْلُوقَاتِ فِي الْكَوْنِ كُلِّهِ تَهْتِفُ: ”الْحَمْدُ وَالْكَرَامَةُ وَالْجَلَالُ وَالْقُدْرَةُ لِلْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ، وَلِحَمَلِ الْفِدَاءِ، إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ.“ وَهُنَا رَدَّتِ الْكَائِنَاتُ الْحَيَّةُ الْـ4: ”آمِينَ.“ وَرَكَعَ الشُّيُوخُ وَتَعَبَّدُوا. ثُمَّ رَأَيْتُ حَمَلَ الْفِدَاءِ يَفْتَحُ أَوَّلَ الْخُتُومِ الـ7، وَسَمِعْتُ وَاحِدًا مِنَ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ الْـ4 يَقُولُ بِصَوْتٍ كَالرَّعْدِ: ”تَعَالَ.“ فَرَأَيْتُ قُدَّامِي فَرَسًا أَبْيَضَ، وَرَاكِبُهُ يَحْمِلُ قَوْسًا، فَأُعْطِيَ تَاجًا وَخَرَجَ يُحْرِزُ نَصْرًا بَعْدَ نَصْرٍ. وَلَمَّا فَتَحَ حَمَلُ الْفِدَاءِ الْخَتْمَ الثَّانِيَ، سَمِعْتُ الْكَائِنَ الثَّانِيَ يَقُولُ: ”تَعَالَ.“ فَخَرَجَ فَرَسٌ آخَرُ، لَوْنُهُ أَحْمَرُ، وَرَاكِبُهُ نَالَ الْقُدْرَةَ أَنْ يَنْزِعَ السَّلَامَ مِنَ الْأَرْضِ وَيَجْعَلَ النَّاسَ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. فَأُعْطِيَ سَيْفًا كَبِيرًا. وَلَمَّا فَتَحَ حَمَلُ الْفِدَاءِ الْخَتْمَ الثَّالِثَ، سَمِعْتُ الْكَائِنَ الثَّالِثَ يَقُولُ: ”تَعَالَ.“ فَرَأَيْتُ قُدَّامِي فَرَسًا أَسْوَدَ، وَرَاكِبُهُ يَحْمِلُ مِيزَانًا فِي يَدِهِ. وَسَمِعْتُ مَا يُشْبِهُ صَوْتًا مِنْ بَيْنِ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ الْـ4 يَقُولُ: ”حَفْنَةُ الْقَمْحِ بِدِينَارٍ، وَ3 حَفَنَاتِ الشَّعِيرِ بِدِينَارٍ، أَمَّا الزَّيْتُ وَالْخَمْرُ فَلَا تَضُرُّهُمَا.“ وَلَمَّا فَتَحَ حَمَلُ الْفِدَاءِ الْخَتْمَ الرَّابِعَ، سَمِعْتُ صَوْتَ الْكَائِنِ الرَّابِعِ يَقُولُ: ”تَعَالَ.“ فَرَأَيْتُ قُدَّامِي فَرَسًا شَاحِبَ اللَّوْنِ، وَرَاكِبُهُ اسْمُهُ الْمَوْتُ وَيَتْبَعُهُ عَالَمُ الْأَمْوَاتِ. وَأُعْطِيَتْ لَهُمَا السُّلْطَةُ لِإِبَادَةِ رُبْعِ سُكَّانِ الْأَرْضِ، بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَأِ وَبِوُحُوشِ الْأَرْضِ الضَّارِيَةِ. وَلَمَّا فَتَحَ حَمَلُ الْفِدَاءِ الْخَتْمَ الْخَامِسَ، رَأَيْتُ تَحْتَ مَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ نُفُوسَ الَّذِينَ قُتِلُوا بِسَبَبِ كَلِمَةِ اللهِ وَالشَّهَادَةِ الَّتِي شَهِدُوهَا. فَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَالٍ: ”أَيُّهَا السَّيِّدُ الْقُدُّوسُ الْحَقُّ، إِلَى مَتَى لَا تُعَاقِبُ أَهْلَ الدُّنْيَا، وَلَا تَنْتَقِمُ مِنْهُمْ لِدِمَائِنَا؟“ فَأُعْطِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَوْبًا أَبْيَضَ، وَقِيلَ لَهُمْ أَنْ يَصْبِرُوا قَلِيلًا، حَتَّى يَتِمَّ اسْتِشْهَادُ كُلِّ مَنْ سَيُقْتَلُ مِثْلُهُمْ مِنْ زُمَلَائِهِمْ وَإِخْوَتِهِمْ عَبِيدِ الْمَسِيحِ. وَفِي الرُّؤْيَا، لَمَّا فَتَحَ حَمَلُ الْفِدَاءِ الْخَتْمَ السَّادِسَ، تَزَلْزَلَتِ الْأَرْضُ بِعُنْفٍ، وَاسْوَدَّتِ الشَّمْسُ كَالْخَيْشِ، وَاحْمَرَّ الْقَمَرُ كُلُّهُ كَالدَّمِ. وَسَقَطَتْ نُجُومُ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، كَمَا يَسْقُطُ التِّينُ عِنْدَمَا تَهُزُّ الرِّيحُ الْعَاصِفَةُ شَجَرَةَ التِّينِ. وَطُوِيَتِ السَّمَاءُ كَلُفَافَةٍ، وَانْقَلَعَتْ كُلُّ الْجِبَالِ وَالْجُزُرِ مِنْ أَمَاكِنِهَا. وَمُلُوكُ الْأَرْضِ وَالْعُظَمَاءُ، وَالْقَادَةُ وَالْأَغْنِيَاءُ وَالزُّعَمَاءُ، وَكُلُّ عَبْدٍ وَكُلُّ حُرٍّ، اِخْتَبَأُوا فِي الْمَغَارَاتِ وَبَيْنَ صُخُورِ الْجِبَالِ، وَهُمْ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ وَالصُّخُورِ: ”اُسْقُطِي عَلَيْنَا وَأَخْفِينَا عَنْ وَجْهِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَعَنْ غَضَبِ حَمَلِ الْفِدَاءِ.“ لِأَنَّ يَوْمَ غَضَبِهِ الْعَظِيمَ جَاءَ، وَمَنْ يَبْقَى أَمَامَهُ؟ بَعْدَ هَذَا رَأَيْتُ 4 مَلَائِكَةٍ وَاقِفِينَ عِنْدَ زَوَايَا الْأَرْضِ الْـ4، يَمْنَعُونَ رِيَاحَ الْأَرْضِ الْـ4 فَلَا تَهُبُّ رِيحٌ عَلَى بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ أَوْ شَجَرٍ. ثُمَّ رَأَيْتُ مَلَاكًا آخَرَ قَادِمًا مِنَ الشَّرْقِ وَمَعَهُ خَتْمُ اللهِ الْحَيِّ، وَنَادَى بِصَوْتٍ عَالٍ إِلَى الْمَلَائِكَةِ الْـ4 الَّذِينَ نَالُوا الْقُدْرَةَ أَنْ يَضُرُّوا الْبَرَّ وَالْبَحْرَ، وَقَالَ: ”لَا تَضُرُّوا الْبَرَّ وَلَا الْبَحْرَ وَلَا الشَّجَرَ حَتَّى نَخْتُمَ عَبِيدَ إِلَهِنَا عَلَى جِبَاهِهِمْ.“ وَسَمِعْتُ عَدَدَ الْمَخْتُومِينَ، 144000 مِنْ كُلِّ قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. مِنْ قَبِيلَةِ يَهُوذَا 12000 مَخْتُومِينَ، وَمِنْ قَبِيلَةِ رَأُوبِينَ 12000، وَمِنْ قَبِيلَةِ جَادَ 12000، وَمِنْ قَبِيلَةِ أَشِيرَ 12000، وَمِنْ قَبِيلَةِ نَفْتَالِي 12000، وَمِنْ قَبِيلَةِ مَنَسَّى 12000، وَمِنْ قَبِيلَةِ شَمْعُونَ 12000، وَمِنْ قَبِيلَةِ لَاوِي 12000، وَمِنْ قَبِيلَةِ يَسَّاكَرَ 12000، وَمِنْ قَبِيلَةِ زَبُولُونَ 12000، وَمِنْ قَبِيلَةِ يُوسِفَ 12000، وَمِنْ قَبِيلَةِ بِنْيَمِينَ 12000. بَعْدَ هَذَا نَظَرْتُ، فَرَأَيْتُ جُمْهُورًا غَفِيرًا لَا يُحْصَى، مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ وَقَبِيلَةٍ وَشَعْبٍ وَلُغَةٍ، وَاقِفِينَ قُدَّامَ الْعَرْشِ وَقُدَّامَ حَمَلِ الْفِدَاءِ، لَابِسِينَ ثِيَابًا بَيْضَاءَ وَمَعَهُمْ فِي أَيْدِيهِمْ سَعَفُ النَّخْلِ. وَهُمْ يَهْتِفُونَ بِصَوْتٍ عَالٍ: ”النَّجَاةُ هِيَ مِنْ عِنْدِ إِلَهِنَا الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ، وَمِنْ عِنْدِ حَمَلِ الْفِدَاءِ.“ وَكَانَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ وَاقِفِينَ حَوْلَ الْعَرْشِ وَحَوْلَ الشُّيُوخِ وَالْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ الْـ4، فَرَكَعُوا قُدَّامَ الْعَرْشِ وَتَعَبَّدُوا للهِ. وَقَالُوا: ”آمِينَ! لِإِلَهِنَا الْحَمْدُ وَالْجَلَالُ وَالْحِكْمَةُ وَالشُّكْرُ وَالْكَرَامَةُ وَالْقُوَّةُ وَالْقُدْرَةُ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ. آمِينَ.“ فَسَأَلَنِي وَاحِدٌ مِنَ الشُّيُوخِ: ”هَؤُلَاءِ اللَّابِسُونَ الثِّيَابَ الْبَيْضَاءَ، مَنْ هُمْ؟ وَمِنْ أَيْنَ جَاءُوا؟“ فَأَجَبْتُهُ: ”أَنْتَ أَعْلَمُ يَا سَيِّدِي!“ فَقَالَ لِي: ”هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ جَاءُوا مِنَ الضِّيقِ الْعَظِيمِ. وَقَدْ غَسَلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوهَا فِي دَمِ حَمَلِ الْفِدَاءِ. لِهَذَا هُمْ قُدَّامَ عَرْشِ اللهِ، وَيَعْبُدُونَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا فِي بَيْتِهِ، وَالْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِ يُظَلِّلُهُمْ بِخَيْمَتِهِ. فَلَنْ يَجُوعُوا أَبَدًا وَلَنْ يَعْطَشُوا أَبَدًا، وَلَنْ تَضْرِبَهُمُ الشَّمْسُ وَلَا أَيُّ حَرٍّ. لِأَنَّ حَمَلَ الْفِدَاءِ الَّذِي فِي وَسَطِ الْعَرْشِ يَرْعَاهُمْ، وَيَهْدِيهِمْ إِلَى يَنَابِيعِ الْمَاءِ الْحَيِّ، وَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ.“ وَلَمَّا فَتَحَ حَمَلُ الْفِدَاءِ الْخَتْمَ السَّابِعَ، سَادَ سُكُوتٌ فِي السَّمَاءِ، حَوَالَيْ نِصْفِ سَاعَةٍ. وَرَأَيْتُ الْمَلَائِكَةَ الـ7 الْوَاقِفِينَ فِي مَحْضَرِ اللهِ، وَقَدْ أُعْطِيَتْ لَهُمْ 7 أَبْوَاقٍ. وَجَاءَ مَلَاكٌ آخَرُ مَعَهُ مَبْخَرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَوَقَفَ عِنْدَ مَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ. وَأُعْطِيَ بَخُورًا كَثِيرًا لِيُقَدِّمَهُ مَعَ دُعَاءِ الصَّالِحِينَ عَلَى الْمَنَصَّةِ الذَّهَبِيَّةِ قُدَّامَ الْعَرْشِ. فَتَصَاعَدَ مِنْ يَدِ الْمَلَاكِ دُخَانُ الْبَخُورِ وَمَعَهُ دُعَاءُ الصَّالِحِينَ إِلَى مَحْضَرِ اللهِ. ثُمَّ أَخَذَ الْمَلَاكُ الْمَبْخَرَةَ، وَمَلَأَهَا مِنَ النَّارِ الَّتِي عَلَى الْمَنَصَّةِ، وَرَمَاهَا إِلَى الْأَرْضِ، فَحَدَثَتْ رُعُودٌ وَأَصْوَاتٌ وَبُرُوقٌ وَزِلْزَالٌ. وَاسْتَعَدَّ الْمَلَائِكَةُ الـ7 الَّذِينَ مَعَهُمُ الْأَبْوَاقُ، لِأَنْ يَنْفُخُوا فِيهَا. فَنَفَخَ الْمَلَاكُ الْأَوَّلُ فِي بُوقِهِ، فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ بَرَدٌ وَنَارٌ مَخْلُوطَانِ بِدَمٍ. فَاحْتَرَقَ ثُلُثُ الْأَرْضِ وَثُلُثُ الشَّجَرِ وَكُلُّ عُشْبٍ أَخْضَرَ. وَنَفَخَ الْمَلَاكُ الثَّانِي فِي بُوقِهِ، فَوَقَعَ فِي الْبَحْرِ شَيْءٌ كَأَنَّهُ جَبَلٌ كَبِيرٌ مُشْتَعِلٌ بِالنَّارِ، وَتَحَوَّلَ ثُلُثُ الْبَحْرِ إِلَى دَمٍ، وَمَاتَ ثُلُثُ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ الَّتِي فِي الْبَحْرِ، وَهَلَكَ ثُلُثُ السُّفُنِ. وَنَفَخَ الْمَلَاكُ الثَّالِثُ فِي بُوقِهِ، فَسَقَطَ مِنَ السَّمَاءِ نَجْمٌ عَظِيمٌ، يَتَّقِدُ كَأَنَّهُ شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ، سَقَطَ عَلَى ثُلُثِ الْأَنْهَارِ وَيَنَابِيعِ الْمَاءِ. وَاسْمُ هَذَا النَّجْمِ هُوَ 'الْعَلْقَمُ' فَصَارَ ثُلُثُ الْمَاءِ مُرًّا كَالْعَلْقَمِ، وَمَاتَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِنَ الْمَاءِ لِأَنَّهُ أَصْبَحَ مُرًّا. وَنَفَخَ الْمَلَاكُ الرَّابِعُ فِي بُوقِهِ، فَضَرَبَ ثُلُثَ الشَّمْسِ وَثُلُثَ الْقَمَرِ وَثُلُثَ النُّجُومِ، فَأَظْلَمَ ثُلُثُهَا، وَأَصْبَحَ ثُلُثُ النَّهَارِ بِلَا نُورٍ، وَكَذَلِكَ ثُلُثُ اللَّيْلِ. وَرَأَيْتُ فِي الرُّؤْيَا نِسْرًا طَائِرًا فِي السَّمَاءِ يَصِيحُ بِصَوْتٍ عَالٍ: ”الْوَيْلُ، الْوَيْلُ، الْوَيْلُ لِأَهْلِ الْأَرْضِ عِنْدَمَا يُدَوِّي صَوْتُ الْأَبْوَاقِ الَّتِي سَيَنْفُخُ فِيهَا الْمَلَائِكَةُ الـ3.“ ثُمَّ نَفَخَ الْمَلَاكُ الْخَامِسُ فِي بُوقِهِ، فَرَأَيْتُ نَجْمًا سَقَطَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَأُعْطِيَ مِفْتَاحَ بِئْرِ الْهَاوِيَةِ. فَلَمَّا فَتَحَ الْبِئْرَ، تَصَاعَدَ مِنْهَا دُخَانٌ كَأَنَّهُ دُخَانُ أَتُونٍ عَظِيمٍ، فَأَظْلَمَتِ الشَّمْسُ وَالْجَوُّ مِنْ دُخَانِ الْبِئْرِ. وَخَرَجَ مِنَ الدُّخَانِ جَرَادٌ وَجَاءَ عَلَى الْأَرْضِ، وَأُعْطِيَ قُوَّةً مِثْلَ قُوَّةِ عَقَارِبِ الْأَرْضِ. وَقِيلَ لَهُ أَنْ لَا يُؤْذِيَ عُشْبَ الْأَرْضِ وَلَا الزَّرْعَ وَلَا الشَّجَرَ، بَلْ يَقْتَصِرَ عَلَى النَّاسِ الَّذِينَ لَيْسَ عَلَى جَبْهَتِهِمْ خَتْمُ اللهِ. فَيُعَذِّبَهُمْ 5 أَشْهُرٍ إِنَّمَا لَا يَقْتُلُهُمْ. وَالْعَذَابُ الَّذِي يُسَبِّبُهُ هُوَ مِثْلُ عَذَابِ لَسْعَةِ الْعَقْرَبِ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَطْلُبُ النَّاسُ الْمَوْتَ فَلَا يَجِدُونَهُ، يَتَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ، فَيَهْرُبُ الْمَوْتُ مِنْهُمْ. وَكَانَ مَنْظَرُ الْجَرَادِ كَأَنَّهُ خَيْلٌ مُجَهَّزَةٌ لِلْقِتَالِ، عَلَى رُؤُوسِهِ مَا يُشْبِهُ تِيجَانًا مِنْ ذَهَبٍ، وَوُجُوهُهُ كَوُجُوهِ الْبَشَرِ. وَلَهُ شَعْرٌ كَشَعْرِ النِّسَاءِ، وَأَسْنَانُهُ كَأَنْيَابِ الْأُسُودِ. وَلَهُ دُرُوعٌ كَأَنَّهَا دُرُوعٌ مِنْ حَدِيدٍ، وَصَوْتُ أَجْنِحَتِهِ مِثْلُ ضَجِيجِ مَرْكَبَاتٍ حَرْبِيَّةٍ وَخَيْلٍ كَثِيرَةٍ تَجْرِي إِلَى الْقِتَالِ. وَلَهُ ذُيُولٌ بِهَا أَذْنَابٌ مِثْلُ إِبَرِ الْعَقَارِبِ، وَعِنْدَهُ فِي ذُيُولِهِ الْمَقْدِرَةُ عَلَى تَعْذِيبِ الْبَشَرِ 5 أَشْهُرٍ. وَعَلَيْهِ مَلِكٌ هُوَ مَلَاكُ الْهَاوِيَةِ، وَاسْمُهُ بِالْعِبْرِيَّةِ 'أَبَدُّونُ' وَبِالْيُونَانِيَّةِ 'أَبُولِيُّونُ' أَيِ الْمُهْلِكُ. اِنْتَهَتِ الْكَارِثَةُ الْأُولَى، وَتَأْتِي بَعْدَهَا كَارِثَتَانِ. وَنَفَخَ الْمَلَاكُ السَّادِسُ فِي بُوقِهِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا جَاءَ مِنَ الْقُرُونِ الْـ4 لِمَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ الذَّهَبِيَّةِ الْمَوْجُودَةِ قُدَّامَ اللهِ. هَذَا الصَّوْتُ قَالَ لِلْمَلَاكِ السَّادِسِ الَّذِي مَعَهُ الْبُوقُ: ”فُكَّ الْمَلَائِكَةَ الْـ4 الْمُقَيَّدِينَ عِنْدَ نَهْرِ الْفُرَاتِ الْكَبِيرِ.“ فَانْفَكَّتْ قُيُودُ الْمَلَائِكَةِ الْـ4، الَّذِينَ كَانُوا مُسْتَعِدِّينَ لِهَذِهِ اللَّحْظَةِ بِالذَّاتِ بِالسَّاعَةِ وَالْيَوْمِ وَالشَّهْرِ وَالسَّنَةِ، لِكَيْ يَقْتُلُوا ثُلُثَ الْبَشَرِ. وَأُخْبِرْتُ عَنْ عَدَدِ جَيْشِ الْفُرْسَانِ، فَكَانَ مِئَتَيْ مِلْيُونِ فَارِسٍ. وَرَأَيْتُ فِي الرُّؤْيَا الْخَيْلَ وَالرَّاكِبِينَ عَلَيْهَا، فَكَانُوا لَابِسِينَ دُرُوعًا حَمْرَاءَ كَالنَّارِ وَزَرْقَاءَ وَصَفْرَاءَ كَالْكِبْرِيتِ. وَرُؤُوسُ الْخَيْلِ تُشْبِهُ رُؤُوسَ الْأُسُودِ، وَتَقْذِفُ مِنْ أَفْوَاهِهَا نَارًا وَدُخَانًا وَكِبْرِيتًا. فَهَلَكَ ثُلُثُ الْبَشَرِ بِهَذِهِ الْمَصَائِبِ الـ3 أَيِ النَّارِ وَالدُّخَانِ وَالْكِبْرِيتِ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ أَفْوَاهِهَا. وَكَانَتْ قُوَّةُ الْخَيْلِ فِي أَفْوَاهِهَا وَذُيُولِهَا، لِأَنَّ ذُيُولَهَا تُشْبِهُ الْحَيَّاتِ فَلَهَا رُؤُوسٌ تُؤْذِي بِهَـا. وَبَاقِي الْبَشَرِ الَّذِينَ لَمْ يَمُوتُوا بِهَذِهِ الْمَصَائِبِ، لَمْ يَتْرُكُوا مَا صَنَعَتْهُ أَيْدِيهِمْ، فَلَمْ يَتَوَقَّفُوا عَنْ عِبَادَةِ الشَّيَاطِينِ وَالْأَصْنَامِ الَّتِي مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَنُحَاسٍ وَحَجَرٍ وَخَشَبٍ، الَّتِي لَا تَرَى وَلَا تَسْمَعُ وَلَا تَتَحَرَّكُ. وَلَمْ يَتُوبُوا عَنِ الْقَتْلِ وَالسِّحْرِ وَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ. ثُمَّ رَأَيْتُ مَلَاكًا آخَرَ قَوِيًّا، نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ، لَابِسًا سَحَابَةً، وَعَلَى رَأْسِهِ قَوْسُ قُزَحَ. وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ وَرِجْلَاهُ كَعَمُودَيْنِ مِنْ نَارٍ، وَفِي يَدِهِ كِتَابٌ صَغِيرٌ مَفْتُوحٌ. فَوَضَعَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْبَحْرِ وَالشِّمَالَ عَلَى الْبَرِّ، وَصَرَخَ صَرْخَةً عَظِيمَةً كَزَئِيرِ الْأَسَدِ. فَلَمَّا صَرَخَ رَدَّتِ الرُّعُودُ الـ7 بِأَصْوَاتِهَا. فَلَمَّا رَدَّتِ الرُّعُودُ الـ7، تَهَيَّأْتُ لِلْكِتَابَةِ. لَكِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ يَقُولُ لِي: ”لَا تَكْتُبْ مَا قَالَتْهُ الرُّعُودُ الـ7، بَلِ احْتَفِظْ بِهِ سِرًّا.“ وَالْمَلَاكُ الَّذِي رَأَيْتُهُ وَاقِفًا عَلَى الْبَحْرِ وَالْبَرِّ رَفَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى نَحْوَ السَّمَاءِ. وَأَقْسَمَ بِالْحَيِّ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ خَالِقِ السَّمَاءِ وَمَا فِيهَا وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهَا وَالْبَحْرِ وَمَا فِيهِ، وَقَالَ: ”لَا مُهْلَةَ بَعْدَ الْآنَ، بَلْ عِنْدَمَا يَحِينُ الْوَقْتُ لِيَنْفُخَ الْمَلَاكُ السَّابِعُ فِي بُوقِهِ، يَتِمُّ سِرُّ اللهِ. هَذَا السِّرُّ هُوَ الْإِنْجِيلُ الَّذِي أَعْلَنَهُ لِعَبِيدِهِ الْأَنْبِيَاءِ.“ وَالصَّوْتُ الَّذِي سَمِعْتُهُ مِنَ السَّمَاءِ كَلَّمَنِي مَرَّةً أُخْرَى وَقَالَ: ”اِذْهَبْ خُذِ الْكِتَابَ الْمَفْتُوحَ الَّذِي فِي يَدِ الْمَلَاكِ الْوَاقِفِ عَلَى الْبَحْرِ وَالْبَرِّ.“ فَذَهَبْتُ إِلَى الْمَلَاكِ وَطَلَبْتُ مِنْهُ أَنْ يُعْطِيَنِي الْكِتَابَ الصَّغِيرَ. فَقَالَ لِي: ”خُذْهُ وَكُلْهُ، سَيَكُونُ مُرًّا فِي مَعِدَتِكَ، لَكِنَّهُ فِي فَمِكَ يَكُونُ حُلْوًا كَالْعَسَلِ.“ فَأَخَذْتُ الْكِتَابَ الصَّغِيرَ مِنْ يَدِ الْمَلَاكِ وَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ حُلْوًا كَالْعَسَلِ فِي فَمِي، لَكِنْ بَعْدَمَا أَكَلْتُهُ كَانَ مُرًّا فِي مَعِدَتِي. ثُمَّ قِيلَ لِي: ”يَجِبُ أَنْ تَتَنَبَّأَ مَرَّةً أُخْرَى عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الشُّعُوبِ وَالْأُمَمِ وَاللُّغَاتِ وَالْمُلُوكِ.“ ثُمَّ أُعْطِيتُ عَصًا طَوِيلَةً لِلْقِيَاسِ، وَقِيلَ لِي أَنْ أَذْهَبَ وَأَقِيسَ بَيْتَ اللهِ وَمَنَصَّةَ الْقُرْبَانِ، وَأُحْصِيَ عَدَدَ الْعَابِدِينَ هُنَاكَ. إِنَّمَا أَتْرُكُ السَّاحَةَ الَّتِي خَارِجَ الْبَيْتِ، لَا أَقِيسُهَا لِأَنَّهَا أُعْطِيَتْ لِلشُّعُوبِ، وَسَيَدُوسُونَ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ تَحْتَ أَقْدَامِهِمِ 42 شَهْرًا. وَقَالَ لِي: ”سَأُرْسِلُ شَاهِدَيْنِ مِنْ عِنْدِي يَلْبَسَانِ الْخَيْشَ وَيَتَنَبَّآنِ مُدَّةَ 1260 يَوْمًا.“ هَذَانِ الشَّاهِدَانِ هُمَا شَجَرَتَا الزَّيْتُونِ وَالْمِصْبَاحَانِ الْقَائِمَانِ فِي مَحْضَرِ رَبِّ الْأَرْضِ. فَإِنْ حَاوَلَ أَحَدٌ أَنْ يُؤْذِيَهُمَا، تَخْرُجُ نَارٌ مِنْ فَمِهِمَا وَتَأْكُلُ أَعْدَاءَهُمَا. كُلُّ مَنْ يُحَاوِلُ أَنْ يُؤْذِيَهُمَا، يُقْتَلُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ. وَعِنْدَهُمَا السُّلْطَةُ أَنْ يُغْلِقَا السَّمَاءَ، فَلَا تُمْطِرَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي فِيهِ يَتَنَبَّآنِ. وَأَيْضًا عِنْدَهُمَا السُّلْطَةُ أَنْ يَجْعَلَا الْمِيَاهَ تَتَحَوَّلُ إِلَى دَمٍ، وَأَنْ يَضْرِبَا الْأَرْضَ بِكُلِّ أَنْوَاعِ الْمَصَائِبِ كُلَّمَا أَرَادَا. وَعِنْدَمَا يُكْمِلَانِ شَهَادَتَهُمَا، فَالْوَحْشُ الَّذِي يَطْلَعُ مِنَ الْهَاوِيَةِ يُحَارِبُهُمَا وَيَغْلِبُهُمَا وَيَقْتُلُهُمَا. وَتَبْقَى جُثَّتَاهُمَا مَطْرُوحَتَيْنِ فِي شَارِعِ الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ، الَّتِي يُرْمَزُ إِلَيْهَا بِاسْمِ سَدُومَ أَوْ مِصْرَ، حَيْثُ صُلِبَ سَيِّدُهُمَا. وَيَنْظُرُ النَّاسُ مِنْ كُلِّ شَعْبٍ وَقَبِيلَةٍ وَلُغَةٍ وَأُمَّةٍ إِلَى جُثَّتَيْهِمَا مُدَّةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَنِصْفٍ، وَلَا يُسْمَحُ بِدَفْنِهِمَا. وَيَشْمَتُ بِهِمَا أَهْلُ الْأَرْضِ وَيَفْرَحُونَ كَأَنَّهُمْ فِي عِيدٍ، وَيَتَبَادَلُونَ الْهَدَايَا، لِأَنَّ هَذَيْنِ النَّبِيَّيْنِ أَنْزَلَا بِأَهْلِ الْأَرْضِ عَذَابًا شَدِيدًا. ثُمَّ بَعْدَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَالنِّصْفِ، بَعَثَ اللهُ فِيهِمَا رُوحَ الْحَيَاةِ، فَوَقَفَا عَلَى أَرْجُلِهِمَا، وَالَّذِينَ كَانُوا يَنْظُرُونَ خَافُوا جِدًّا. ثُمَّ سَمِعَ النَّبِيَّانِ صَوْتًا عَالِيًا مِنَ السَّمَاءِ يَقُولُ لَهُمَا: ”اِصْعَدَا إِلَى هُنَا.“ فَصَعِدَا إِلَى السَّمَاءِ فِي سَحَابَةٍ بِمَشْهَدٍ مِنْ أَعْدَائِهِمَا. وَفِي نَفْسِ تِلْكَ اللَّحْظَةِ، وَقَعَ زِلْزَالٌ عَنِيفٌ، فَانْهَارَ عُشْرُ الْمَدِينَةِ، وَقُتِلَ فِي الزِّلْزَالِ 7000 شَخْصٍ. فَالَّذِينَ نَجَوْا أَخَذُوا يُسَبِّحُونَ اللهَ مِنْ خَوْفِهِمْ. اِنْتَهَتِ الْكَارِثَةُ الثَّانِيَةُ، وَسَتَأْتِي الْكَارِثَةُ الثَّالِثَةُ حَالًا. ثُمَّ نَفَخَ الْمَلَاكُ السَّابِعُ فِي بُوقِهِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتٌ فِي السَّمَاءِ تَقُولُ: ”صَارَتْ مَمَالِكُ الْعَالَمِ تَحْتَ سُلْطَانِ رَبِّنَا وَمَسِيحِهِ، وَسَيَمْلِكُ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ.“ فَرَكَعَ الشُّيُوخُ الْـ24 الْجَالِسُونَ عَلَى عُرُوشِهِمْ فِي مَحْضَرِ اللهِ وَتَعَبَّدُوا لَهُ. وَقَالُوا: ”أَيُّهَا الْمَوْلَى الْإِلَهُ الْقَدِيرُ الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ، نَحْمَدُكَ لِأَنَّكَ أَظْهَرْتَ قُدْرَتَكَ الْعَظِيمَةَ وَبَدَأْتَ تَمْلِكُ. فَغَضِبَتِ الشُّعُوبُ، لَكِنْ جَاءَ يَوْمُ غَضَبِكَ أَنْتَ، وَحَانَ الْوَقْتُ لِتُحَاكِمَ الْمَوْتَى وَتُكَافِئَ عَبِيدَكَ الْأَنْبِيَاءَ وَالصَّالِحِينَ، كُلَّ الَّذِينَ يَخَافُونَ اسْمَكَ صِغَارًا وَكِبَارًا، وَتُهْلِكَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ الْأَرْضَ.“ ثُمَّ انْفَتَحَ بَيْتُ اللهِ فِي السَّمَاءِ، وَظَهَرَ دَاخِلَهُ صُنْدُوقُ الْعَهْدِ، وَحَدَثَتْ بُرُوقٌ وَأَصْوَاتٌ وَرُعُودٌ وَزِلْزَالٌ وَبَرَدٌ ثَقِيلٌ. وَظَهَرَتْ فِي السَّمَاءِ آيَةٌ عَظِيمَةٌ: اِمْرَأَةٌ مُلْتَحِفَةٌ بِالشَّمْسِ، وَالْقَمَرُ تَحْتَ قَدَمَيْهَا، وَعَلَى رَأْسِهَا تَاجٌ مِنِ 12 نَجْمًا. وَهِيَ حُبْلَى وَعَلَى وَشْكِ أَنْ تَلِدَ، فَصَرَخَتْ مِنَ الْوَجَعِ. وَظَهَرَتْ فِي السَّمَاءِ آيَةٌ أُخْرَى: تِنِّينٌ أَحْمَرُ ضَخْمٌ جِدًّا، لَهُ 7 رُؤُوسٍ وَ10 قُرُونٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِ 7 تِيجَانٍ. وَسَحَبَ بِذَيْلِهِ ثُلُثَ نُجُومِ السَّمَاءِ، وَرَمَاهَا إِلَى الْأَرْضِ. ثُمَّ وَقَفَ التِّنِّينُ قُدَّامَ الْمَرْأَةِ الَّتِي عَلَى وَشْكِ أَنْ تَلِدَ، لِكَيْ يَبْتَلِعَ وَلِيدَهَا بِمُجَرَّدِ أَنْ يُولَدَ. فَوَلَدَتِ الْمَرْأَةُ وَلَدًا ذَكَرًا، هُوَ الَّذِي يَحْكُمُ الْأُمَمَ بِعَصًا مِنْ حَدِيدٍ. وَخُطِفَ ابْنُهَا هَذَا إِلَى اللهِ وَإِلَى عَرْشِهِ. أَمَّا الْمَرْأَةُ فَهَرَبَتْ إِلَى الصَّحْرَاءِ، حَيْثُ أَعَدَّ اللهُ لَهَا مَكَانًا تُعَالُ فِيهِ مُدَّةَ 1260 يَوْمًا. ثُمَّ قَامَتْ حَرْبٌ فِي السَّمَاءِ: مِيخَائِيلُ وَمَلَائِكَتُهُ حَارَبُوا التِّنِّينَ. فَحَارَبَهُمُ التِّنِّينُ بِمَلَائِكَتِهِ، لَكِنَّهُ انْهَزَمَ، فَخَسِرَ مَكَانَهُ فِي السَّمَاءِ هُوَ وَمَلَائِكَتُهُ. فَطُرِحَ التِّنِّينُ الْعَظِيمُ إِلَى الْأَرْضِ. هُوَ الْحَيَّةُ الْقَدِيمَةُ وَاسْمُهُ إِبْلِيسُ أَوِ الشَّيْطَانُ، الَّذِي يَقُودُ الْعَالَمَ كُلَّهُ إِلَى الضَّلَالِ. طُرِحَ إِلَى الْأَرْضِ، وَطُرِحَتْ مَعَهُ مَلَائِكَتُهُ. وَسَمِعْتُ صَوْتًا عَالِيًا فِي السَّمَاءِ يَقُولُ: ”الْيَوْمَ تَمَّتِ النَّجَاةُ، فَالْقُدْرَةُ وَالْمُلْكُ لِإِلَهِنَا، وَالسُّلْطَانُ لِمَسِيحِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ طُرِحَ الْمُشْتَكِي ضِدَّ إِخْوَتِنَا الَّذِي يَشْتَكِي ضِدَّهُمْ قُدَّامَ إِلَهِنَا لَيْلًا وَنَهَارًا. وَهُمْ غَلَبُوهُ بِدَمِ حَمَلِ الْفِدَاءِ، وَبِالشَّهَادَةِ الَّتِي شَهِدُوا بِهَا، وَلَمْ تَكُنْ حَيَاتُهُمْ عَزِيزَةً عَلَيْهِمْ بَلْ رَحَّبُوا بِالْمَوْتِ. فَافْرَحِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ وَافْرَحُوا يَا أَهْلَهَا، وَيْلٌ لِلْأَرْضِ وَالْبَحْرِ لِأَنَّ إِبْلِيسَ نَزَلَ عَلَيْكُمَا بِغَضَبٍ عَظِيمٍ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ أَيَّامَهُ مَعْدُودَةٌ.“ فَلَمَّا رَأَى التِّنِّينُ أَنَّهُ طُرِحَ إِلَى الْأَرْضِ، أَخَذَ يَتْبَعُ الْمَرْأَةَ الَّتِي وَلَدَتِ الِابْنَ الذَّكَرَ. فَأُعْطِيَتِ الْمَرْأَةُ جَنَاحَيْ نِسْرٍ ضَخْمٍ لِكَيْ تَطِيرَ بِهِمَا إِلَى الْمَكَانِ الْمُعَدِّ لَهَا فِي الصَّحْرَاءِ لِإِعَالَتِهَا مُدَّةَ ثَلَاثِ سِنِينَ وَنِصْفٍ بَعِيدًا عَنِ الْحَيَّةِ. فَقَذَفَتِ الْحَيَّةُ مِنْ فَمِهَا مَاءً كَالنَّهْرِ وَرَاءَ الْمَرْأَةِ لِتُغْرِقَهَا فِيهِ. لَكِنَّ الْأَرْضَ سَاعَدَتِ الْمَرْأَةَ، بِأَنْ فَتَحَتِ الْأَرْضُ فَمَهَا وَبَلَعَتِ النَّهْرَ الَّذِي قَذَفَهُ التِّنِّينُ مِنْ فَمِهِ. فَغَضِبَ التِّنِّينُ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَرَاحَ يُحَارِبُ بَاقِيَ أَوْلَادِهَا، أَيِ الَّذِينَ يُطِيعُونَ وَصَايَا اللهِ وَيَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ أَتْبَاعُ عِيسَـى. وَوَقَفَ التِّنِّينُ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ. وَرَأَيْتُ وَحْشًا طَالِعًا مِنَ الْبَحْرِ، لَهُ 10 قُرُونٍ وَ7 رُؤُوسٍ، وَعَلَى قُرُونِهِ 10 تِيجَانٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِ أَسْمَاءُ كُفْرٍ. وَهَذَا الْوَحْشُ الَّذِي رَأَيْتُهُ يُشْبِهُ النِّمْرَ، لَكِنْ لَهُ أَرْجُلٌ كَأَرْجُلِ الدُّبِّ، وَفَمٌ كَفَمِ الْأَسَدِ. وَأَعْطَاهُ التِّنِّينُ قُدْرَتَهُ وَعَرْشَهُ وَسُلْطَةً عَظِيمَةً. وَظَهَرَ أَحَدُ رُؤُوسِ الْوَحْشِ كَأَنَّ بِهَا جُرْحًا قَاتِلًا، لَكِنَّ الْجُرْحَ الْقَاتِلَ شُفِيَ. فَتَعَجَّبَ الْعَالَمُ كُلُّهُ وَتَبِعَ الْوَحْشَ. وَتَعَبَّدَ النَّاسُ لِلتِّنِّينِ لِأَنَّهُ أَعْطَى الْوَحْشَ سُلْطَةً، وَتَعَبَّدُوا أَيْضًا لِلْوَحْشِ وَقَالُوا: ”مَنْ مِثْلُ الْوَحْشِ؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يُحَارِبَهُ؟“ وَأُعْطِيَ الْوَحْشُ فَمًا يَنْطِقُ بِكَلَامِ الْكِبْرِيَاءِ وَالْكُفْرِ، وَأَنْ يُمَارِسَ سُلْطَتَهُ مُدَّةَ 42 شَهْرًا. فَأَخَذَ يَكْفُرُ بِاللهِ، وَيَسُبُّ اسْمَهُ، وَبَيْتَهُ، وَأَهْلَ السَّمَاءِ. وَأُعْطِيَ الْقُوَّةَ أَنْ يُحَارِبَ الصَّالِحِينَ وَيَغْلِبَهُمْ، كَمَا أُعْطِيَ السُّلْطَةَ عَلَى كُلِّ قَبِيلَةٍ وَشَعْبٍ وَلُغَةٍ وَأُمَّةٍ. فَيَتَعَبَّدُ لَهُ كُلُّ أَهْلِ الدُّنْيَا، الَّذِينَ لَمْ تُكْتَبْ أَسْمَاؤُهُمْ فِي كِتَابِ الْحَيَاةِ، كِتَابِ حَمَلِ الْفِدَاءِ الْمَذْبُوحِ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِينَ. اِسْمَعُونِي يَا مَنْ لَكُمْ آذَانٌ! مَنْ مَصِيرُهُ السِّجْنُ فَإِلَى السِّجْنِ يَذْهَبُ، وَمَنْ مَصِيرُهُ الْمُوْتُ بِالسَّيْفِ فَبِالسَّيْفِ يُقْتَلُ. وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَحْتَاجُ الصَّالِحُونَ إِلَى الصَّبْرِ وَالْإِيمَانِ. ثُمَّ رَأَيْتُ وَحْشًا آخَرَ طَالِعًا مِنَ الْأَرْضِ، لَهُ قَرْنَانِ مِثْلُ قَرْنَيْ حَمَلٍ، لَكِنَّهُ تَكَلَّمَ مِثْلَ تِنِّينٍ. وَمَارَسَ كُلَّ سُلْطَةِ الْوَحْشِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ فِي وُجُودِهِ. وَجَعَلَ الْأَرْضَ وَسُكَّانَهَا يَتَعَبَّدُونَ لِلْوَحْشِ الْأَوَّلِ الَّذِي شُفِيَ جُرْحُهُ الْمُمِيتُ. وَعَمِلَ آيَاتٍ خَارِقَةً، حَتَّى إِنَّهُ جَعَلَ نَارًا تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ قُدَّامَ عُيُونِ النَّاسِ. وَخَدَعَ أَهْلَ الْأَرْضِ بِهَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي أَمْكَنَهُ أَنْ يَعْمَلَهَا فِي وُجُودِ الْوَحْشِ الْأَوَّلِ. فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُقِيمُوا تِمْثَالًا لِتَكْرِيمِ الْوَحْشِ الَّذِي جُرِحَ بِالسَّيْفِ وَمَعَ ذَلِكَ بَقِيَ حَيًّا. وَأُعْطِيَ الْقُوَّةَ أَنْ يَجْعَلَ الْحَيَاةَ تَدُبُّ فِي تِمْثَالِ الْوَحْشِ الْأَوَّلِ فَيَتَكَلَّمُ التِّمْثَالُ، وَأَنْ يَقْتُلَ كُلَّ مَنْ رَفَضَ أَنْ يَتَعَبَّدَ لِلتِّمْثَالِ. وَأَجْبَرَ الْكُلَّ، صِغَارًا وَكِبَارًا، أَغْنِيَاءَ وَفُقَرَاءَ، أَحْرَارًا وَعَبِيدًا، أَنْ يَعْمَلُوا عَلَامَةً عَلَى يَدِهِمِ الْيُمْنَى أَوْ عَلَى جَبْهَتِهِمْ. فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَشْتَرِيَ أَوْ يَبِيعَ إِلَّا إِذَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْعَلَامَةُ، الَّتِي هِيَ اسْمُ الْوَحْشِ أَوْ رَقْمُ اسْمِهِ. وَهُنَا لَا بُدَّ مِنَ الْحِكْمَةِ: فَمَنْ كَانَ فَهِيمًا، يَحْسُبُ رَقْمَ الْوَحْشِ لِأَنَّهُ رَقْمُ إِنْسَانٍ، وَهُوَ 666. ثُمَّ رَأَيْتُ حَمَلَ الْفِدَاءِ وَاقِفًا عَلَى جَبَلِ تِصْيُونَ، وَمَعَهُ 144000 مَكْتُوبٌ عَلَى جِبَاهِهِمُ اسْمُهُ وَاسْمُ أَبِيهِ. وَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ كَهَدِيرِ مِيَاهٍ غَزِيرَةٍ وَكَدَوِيِّ رَعْدٍ شَدِيدٍ. وَكَانَ الصَّوْتُ الَّذِي سَمِعْتُهُ، كَأَنَّهُ صَوْتُ عَازِفِينَ يَلْعَبُونَ عَلَى قِيثَارَاتِهِمْ. وَكَانُوا يُغَنُّونَ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً قُدَّامَ الْعَرْشِ وَقُدَّامَ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ الْـ4 وَالشُّيُوخِ. وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَتَعَلَّمَ هَذِهِ الْأُغْنِيَةَ إِلَّا الْـ144000 الْمَفْدِيُّونَ مِنَ الْعَالَمِ. هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ لَمْ يَتَنَجَّسُوا بِالنِّسَاءِ، بَلْ حَفِظُوا أَنْفُسَهُمْ طَاهِرِينَ. وَهُمْ يَتْبَعُونَ حَمَلَ الْفِدَاءِ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَذْهَبُ إِلَيْهِ. هُمُ الْمَفْدِيُّونَ، وَأَوَّلُ قُرْبَانٍ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ للهِ وَلِحَمَلِ الْفِدَاءِ. لَمْ يَنْطِقْ فَمُهُمْ بِالْكِذْبِ، وَهُمْ بِلَا عَيْبٍ. ثُمَّ رَأَيْتُ مَلَاكًا آخَرَ يَطِيرُ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ وَمَعَهُ بِشَـارَةٌ أَبَدِيَّةٌ يُبَشِّـرُ بِهَـا أَهْـلَ الْأَرْضِ مِنْ كُلِّ أُمَّـةٍ وَقَبِيلَةٍ وَلُغَـةٍ وَشَـعْبٍ. وَقَالَ بِصَـوْتٍ عَالٍ: ”اِتَّقُـوا اللهَ وَسَبِّحُـوهُ، لِأَنَّهُ حَـانَ يَوْمُ الْحِسَـابِ. فَاعْبُـدُوا مَنْ خَـلَقَ السَّـمَاءَ وَالْأَرْضَ وَالْبَحْـرَ وَالْيَنَابِـيعَ.“ وَتَبِعَهُ مَلَاكٌ ثَانٍ يَقُولُ: ”سَقَطَتْ! سَقَطَتْ بَابِلُ الْعَظِيمَةُ! الَّتِي سَقَتْ كُلَّ الْأُمَمِ مِنْ خَمْرِ فِسْقِهَـا الَّتِي تَجْلِبُ الْغَضَبَ.“ وَتَبِعَهُمَا مَلَاكٌ ثَالِثٌ يَقُولُ بِصَـوْتٍ عَالٍ: ”مَنْ يَعْبُدُ الْوَحْـشَ وَتِمْثَالَهُ وَيَقْبَلُ عَلَامَتَهُ عَلَى جَبْهَـتِهِ أَوْ يَدِهِ، فَهُوَ أَيْضًا سَيَشْـرَبُ مِنْ خَمْـرِ غَضَـبِ اللهِ مَمْزُوجَـةً مُرَكَّزَةً فِي كَأْسِ غَيْظِهِ، وَيُقَاسِـي عَذَابَ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ فِي مَحْضَرِ الْمَلَائِكَةِ الْأَطْهَارِ وَفِي مَحْضَرِ حَمَلِ الْفِدَاءِ. وَيَتَصَـاعَدُ دُخَـانُ عَذَابِهِمْ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ. لَا رَاحَـةَ فِي اللَّيْلِ وَلَا فِي النَّهَارِ، لِمَنْ يَعْبُدُونَ الْوَحْـشَ وَتِمْثَالَهُ وَيَقْبَلُونَ عَلَامَةَ اسْـمِهِ. هُنَا يَظْهَـرُ ثَبَاتُ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِوَصَـايَا اللهِ وَيَظَـلُّونَ أُمَنَاءَ لِعِيسَـى.“ ثُمَّ سَـمِعْتُ صَـوْتًا مِنَ السَّـمَاءِ يَقُولُ: ”اُكْتُبْ: هَـنِيئًا لِلْمَوْتَى الَّذِينَ يَمُوتُونَ مُنْذُ الْآنَ وَهُمْ يَنْتَمُونَ لِلْمَسِيحِ.“ فَيَقُولُ الرُّوحُ: ”إِنَّهُمْ يَسْتَرِيحُـونَ مِنْ مَتَاعِبِهِـمْ، لِأَنَّ أَعْمَالَهُـمْ تُرَافِقُهُـمْ.“ وَرَأَيْتُ سَحَابَةً بَيْضَاءَ جَلَسَ عَلَيْهَا وَاحِدٌ يُشْبِهُ الَّذِي صَارَ بَشَرًا، عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنَ الذَّهَبِ وَفِي يَدِهِ مِنْجَلٌ حَادٌّ. ثُمَّ خَرَجَ مَلَاكٌ آخَرُ مِنْ بَيْتِ اللهِ، وَنَادَى بِصَوْتٍ عَالٍ إِلَى الْجَالِسِ عَلَى السَّحَابَةِ: ”اِدْفَعْ مِنْجَلَكَ وَاحْصُدْ. جَاءَ وَقْتُ الْحَصَادِ، لِأَنَّ مَحْصُولَ الْأَرْضِ نَضِجَ.“ فَأَرْسَلَ الْجَالِسُ عَلَى السَّحَابَةِ مِنْجَلَهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَحُصِدَتِ الْأَرْضُ. وَخَرَجَ مَلَاكٌ آخَرُ مِنْ بَيْتِ اللهِ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ أَيْضًا كَانَ مَعَهُ مِنْجَلٌ حَادٌّ. ثُمَّ خَرَجَ مِنْ مَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ مَلَاكٌ آخَرُ لَهُ السُّلْطَةُ عَلَى النَّارِ، وَنَادَى بِصَوْتٍ عَالٍ إِلَى الَّذِي مَعَهُ الْمِنْجَلُ الْحَادُّ وَقَالَ: ”اِدْفَعْ مِنْجَلَكَ الْحَادَّ وَاقْطِفْ عَنَاقِيدَ كُرُومِ الْأَرْضِ لِأَنَّ عِنَبَهَا نَضِجَ.“ فَأَرْسَلَ الْمَلَاكُ مِنْجَلَهُ إِلَى الْأَرْضِ، وَقَطَفَ الْعَنَاقِيدَ وَرَمَاهَا فِي مَعْصَرَةٍ ضَخْمَةٍ هِيَ مَعْصَرَةُ غَضَبِ اللهِ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، حَيْثُ دَاسَتْهَا الْأَرْجُلُ، حَتَّى جَرَى الدَّمُ مِنَ الْمَعْصَرَةِ بِارْتِفَاعِ حَوَالَيْ مِتْرٍ وَنِصْفٍ وَإِلَى مَسَافَةِ 350 كِيلُومِتْرًا تَقْرِيبًا. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي السَّمَاءِ آيَةً أُخْرَى عَظِيمَةً وَعَجِيبَةً: 7 مَلَائِكَةٍ مَعَهُمُ الْمَصَائِبُ الـ7 الْأَخِيرَةُ الَّتِي بِهَا يَكْمُلُ غَضَبُ اللهِ. وَرَأَيْتُ مَا يُشْبِهُ بَحْرًا مِنَ الزُّجَاجِ الْمَخْلُوطِ بِالنَّارِ، وَقَدْ وَقَفَ بِجَانِبِهِ الَّذِينَ غَلَبُوا الْوَحْشَ وَتِمْثَالَهُ وَرَقْمَ اسْمِهِ، وَهُمْ مَاسِكُونَ قِيثَارَاتٍ أَعْطَاهَا لَهُمُ اللهُ، وَيُغَنُّونَ أُغْنِيَةَ مُوسَى عَبْدِ اللهِ، وَأُغْنِيَةَ حَمَلِ الْفِدَاءِ. فَيَقُولُونَ: ”عَظِيمَةٌ وَعَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ أَيُّهَا الْمَوْلَى الْإِلَهُ الْقَدِيرُ، عَادِلَةٌ وَحَقٌّ هِيَ طُرُقُكَ يَا مَلِكَ الدُّهُورِ. مَنْ لَا يَخَافُكَ يَا رَبُّ؟ مَنْ لَا يُسَبِّحُ اسْمَكَ؟ لِأَنَّكَ أَنْتَ وَحْدَكَ قُدُّوسٌ. كُلُّ الْأُمَمِ تَأْتِي وَتَسْجُدُ قُدَّامَكَ، لِأَنَّ أَعْمَالَكَ الصَّالِحَةَ ظَهَرَتْ.“ بَعْدَ هَذَا رَأَيْتُ الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ فِي خَيْمَةِ الْعَهْدِ قَدِ انْفَتَحَ فِي السَّمَاءِ. فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ الـ7 الَّذِينَ مَعَهُمُ الْمَصَائِبُ الـ7، وَكَانُوا لَابِسِينَ ثِيَابًا مِنْ كَتَّانٍ خَالِصٍ بَرَّاقٍ، وَحَوْلَ صُدُورِهِمْ أَحْزِمَةٌ مِنْ ذَهَبٍ. فَوَاحِدٌ مِنَ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ الْـ4 أَعْطَى هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةَ الـ7، 7 كُؤُوسٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ مِنْ غَضَبِ اللهِ الْحَيِّ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ. فَامْتَلَأَ الْبَيْتُ دُخَانًا مِنْ جَلَالِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ، وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ حَتَّى تَتِمَّ الْمَصَائِبُ الـ7 الَّتِي يُنْزِلُهَا الْمَلَائِكَةُ الـ7. ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتًا عَالِيًا مِنْ بَيْتِ اللهِ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ الـ7: ”اِذْهَبُوا وَاسْكُبُوا عَلَى الْأَرْضِ 7 كُؤُوسِ غَضَبِ اللهِ.“ فَرَاحَ الْمَلَاكُ الْأَوَّلُ، وَسَكَبَ كَأْسَهُ عَلَى الْأَرْضِ فَحَدَثَتْ قُرُوحٌ خَبِيثَةٌ مُوجِعَةٌ أَصَابَتِ النَّاسَ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ عَلَامَةُ الْوَحْشِ وَالَّذِينَ يَعْبُدُونَ تِمْثَالَهُ. وَسَكَبَ الْمَلَاكُ الثَّانِي كَأْسَهُ فِي الْبَحْرِ، فَتَحَوَّلَ إِلَى دَمٍ مِثْلَ دَمِ الْمَيِّتِ، فَمَاتَتْ كُلُّ الْمَخْلُوقَاتِ الْحَيَّةِ الَّتِي فِي الْبَحْرِ. وَسَكَبَ الْمَلَاكُ الثَّالِثُ كَأْسَهُ فِي الْأَنْهَارِ وَيَنَابِيعِ الْمَاءِ، فَتَحَوَّلَتْ إِلَى دَمٍ. فَسَمِعْتُ مَلَاكَ الْمَاءِ يَقُولُ: ”أَيُّهَا الْإِلَهُ الْقُدُّوسُ، الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ، أَنْتَ عَادِلٌ فِي حُكْمِكَ الَّذِي حَكَمْتَ بِهِ. فَالَّذِينَ سَفَكُوا دَمَ الصَّالِحِينَ وَالْأَنْبِيَاءِ، أَنْتَ أَعْطَيْتَهُمْ دَمًا لِيَشْرَبُوا لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ.“ وَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ مَنَصَّةِ الْقُرْبَانِ يَقُولُ: ”نَعَمْ، أَيُّهَا الْمَوْلَى الْإِلَهُ الْقَدِيرُ، أَحْكَامُكَ حَقٌّ وَعَادِلَةٌ.“ وَسَكَبَ الْمَلَاكُ الرَّابِعُ كَأْسَهُ عَلَى الشَّمْسِ، فَأُعْطِيَتْ أَنْ تَحْرِقَ النَّاسَ بِلَهِيبِهَا، فَاحْتَرَقُوا مِنْ حَرَارَتِهَا الشَّدِيدَةِ. وَمَعَ ذَلِكَ لَعَنُوا اسْمَ اللهِ الَّذِي لَهُ السُّلْطَانُ أَنْ يُنْزِلَ هَذِهِ الْمَصَائِبَ، وَلَمْ يَتُوبُوا وَلَمْ يُقَدِّمُوا لَهُ الْجَلَالَ. وَسَكَبَ الْمَلَاكُ الْخَامِسُ كَأْسَهُ عَلَى عَرْشِ الْوَحْشِ، فَأَظْلَمَتْ مَمْلَكَتُهُ، وَأَخَذَ النَّاسُ يَعُضُّونَ أَلْسِنَتَهُمْ مِنَ الْوَجَعِ. فَلَعَنُوا رَبَّ السَّمَاءِ بِسَبَبِ أَوْجَاعِهِمْ وَقُرُوحِهِمْ، وَلَمْ يَتُوبُوا عَنْ أَعْمَالِهِمْ. وَسَكَبَ الْمَلَاكُ السَّادِسُ كَأْسَهُ فِي نَهْرِ الْفُرَاتِ الْكَبِيرِ، فَجَفَّ مَاؤُهُ وَأَصْبَحَ طَرِيقًا مُعَدًّا لِلْمُلُوكِ الْقَادِمِينَ مِنَ الشَّرْقِ. ثُمَّ رَأَيْتُ 3 أَرْوَاحٍ شِرِّيرَةٍ شَكْلُهَا مِثْلُ الضَّفَادِعِ، خَارِجَةً مِنْ فَمِ التِّنِّينِ، وَمِنْ فَمِ الْوَحْشِ، وَمِنْ فَمِ النَّبِيِّ الدَّجَّالِ. وَهِيَ أَرْوَاحٌ شَيْطَانِيَّةٌ، تَعْمَلُ الْمُعْجِزَاتِ وَتَذْهَبُ إِلَى مُلُوكِ الْعَالَمِ كُلِّهِ، لِتَجْمَعَهُمْ لِلْحَرْبِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ، يَوْمِ اللهِ الْقَدِيرِ. ”اِنْتَبِهُوا! أَنَا آتٍ كَمَا يَأْتِي لِصٌّ! فَهَنِيئًا لِمَنْ يَسْهَرُ وَيَحْرُسُ ثِيَابَهُ، لِئَلَّا يَمْشِيَ عُرْيَانًا وَيُفْضَحَ أَمَامَ النَّاسِ.“ وَهَذِهِ الْأَرْوَاحُ الشَّيْطَانِيَّةُ جَمَعَتِ الْمُلُوكَ مَعًا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يُسَمَّى بِالْعِبْرِيَّةِ 'هَرْمَجْدُونَ.' وَسَكَبَ الْمَلَاكُ السَّابِعُ كَأْسَهُ فِي الْهَوَاءِ، فَجَاءَ صَوْتٌ عَالٍ مِنْ بَيْتِ اللهِ، مِنَ الْعَرْشِ، وَقَالَ: ”قُضِيَ الْأَمْرُ.“ ثُمَّ حَدَثَتْ بُرُوقٌ وَأَصْوَاتٌ وَرُعُودٌ وَزِلْزَالٌ عَنِيفٌ جِدًّا لَمْ يَحْدُثْ مِثْلُهُ مُنْذُ وُجِدَ الْإِنْسَانُ عَلَى الْأَرْضِ. فَانْقَسَمَتِ الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ إِلَى 3 أَقْسَامٍ، وَانْهَارَتْ مُدُنُ الْأُمَمِ، وَلَمْ يَنْسَ اللهُ بَابِلَ الْعَظِيمَةَ، بَلْ سَقَاهَا الْكَأْسَ الْمَمْلُوءَةَ مِنْ خَمْرِ غَضَبِهِ وَغَيْظِهِ. وَاخْتَفَتْ كُلُّ الْجُزُرِ، وَزَالَتِ الْجِبَالُ. وَسَقَطَ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى النَّاسِ بَرَدٌ عَظِيمٌ، وَزْنُ الْوَاحِدَةِ مِنْهُ مَا يَقْرُبُ مِنْ 50 كِيلُوجْرَامًا، فَلَعَنَ النَّاسُ اللهَ بِسَبَبِ هَذَا الْبَرَدِ، لِأَنَّ الْمُصِيبَةَ كَانَتْ فَظِيعَةً. وَجَاءَنِي وَاحِدٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الـ7 الَّذِينَ مَعَهُمُ الكُؤُوسُ الـ7، وَقَالَ لِي: ”تَعَالَ فَأُرِيَكَ عِقَابَ الْعَاهِرَةِ الْكُبْرَى، الْمَدِينَةِ الْقَائِمَةِ عَلَى مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ، وَالَّتِي زَنَى مَعَهَا مُلُوكُ الْعَالَمِ، وَسَكِرَ أَهْلُ الْأَرْضِ مِنْ خَمْرِ فِسْقِهَا.“ ثُمَّ حَمَلَنِي الْمَلَاكُ بِالرُّوحِ إِلَى الصَّحْرَاءِ، فَرَأَيْتُ امْرَأَةً رَاكِبَةً عَلَى وَحْشٍ لَوْنُهُ قِرْمِزِيٌّ مُغَطًّى بِأَسْمَاءِ كُفْرٍ، وَلَهُ 7 رُؤُوسٍ وَ10 قُرُونٍ. وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ لَابِسَةً مَلَابِسَ مِنْ أُرْجُوَانٍ وَقِرْمِزٍ وَمُزَيَّنَةً بِالذَّهَبِ وَالْحِجَارَةِ الْكَرِيمَةِ وَاللُّؤْلُؤِ، وَبِيَدِهَا كَأْسٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٌ بِأَشْيَاءَ قَبِيحَةٍ وَقَذِرَةٍ مِنْ زِنَاهَا. وَمَكْتُوبٌ عَلَى جَبْهَتِهَا اسْمٌ لَهُ مَعْنًى سِرِّيٌّ: 'بَابِلُ الْعَظِيمَةُ: أُمُّ الْعَاهِرَاتِ وَقَبَاحَاتِ الدُّنْيَا.' وَرَأَيْتُ الْمَرْأَةَ سَكْرَانَةً مِنْ دَمِ الصَّالِحِينَ وَمِنْ دَمِ الَّذِينَ مَاتُوا شُهَدَاءَ فِي سَبِيلِ عِيسَى. فَانْدَهَشْتُ لَمَّا رَأَيْتُهَا. فَقَالَ لِيَ الْمَلَاكُ: ”لِمَاذَا انْدَهَشْتَ؟ سَأُخْبِرُكَ عَنْ سِرِّ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، وَسِرِّ الْوَحْشِ الَّذِي يَحْمِلُهَا الَّذِي لَهُ الرُّؤُوسُ الـ7 وَالْقُرُونُ الْـ10. هَذَا الْوَحْشُ الَّذِي رَأَيْتَهُ، كَانَ مَوْجُودًا، وَهُوَ الْآنَ غَيْرُ مَوْجُودٍ، وَسَيَطْلَعُ مِنَ الْهَاوِيَةِ وَيَذْهَبُ إِلَى الْهَلَاكِ. وَسَيَتَعَجَّبُ أَهْلُ الدُّنْيَا الَّذِينَ لَمْ تُكْتَبْ أَسْمَاؤُهُمْ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ فِي كِتَابِ الْحَيَاةِ، عِنْدَمَا يَرَوْنَ الْوَحْشَ. لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا، وَهُوَ الْآنَ غَيْرُ مَوْجُودٍ، وَلَكِنَّهُ سَيَظْهَرُ مَرَّةً أُخْرَى. وَهُنَا لَا بُدَّ مِنَ الْفَهْمِ وَالْحِكْمَةِ. الرُّؤُوسُ الـ7 هِيَ 7 تِلَالٍ تَجْلِسُ عَلَيْهَا الْمَرْأَةُ، وَهِيَ أَيْضًا 7 مُلُوكٍ. 5 مِنْهُمْ سَقَطُوا، وَالسَّادِسُ مَوْجُودٌ، وَالسَّابِعُ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ. وَهُوَ عِنْدَمَا يَأْتِي، يَبْقَى فَتْرَةً قَصِيرَةً. وَالْوَحْشُ الَّذِي كَانَ مَوْجُودًا وَالْآنَ غَيْرُ مَوْجُودٍ، هُوَ مَلِكٌ ثَامِنٌ مَعَ أَنَّهُ وَاحِدٌ مِنَ الـ7، وَهُوَ فِي طَرِيقِهِ إِلَى الْهَلَاكِ. وَالْقُرُونُ الْـ10 الَّتِي رَأَيْتَهَا، هِيَ 10 مُلُوكٍ لَمْ يَمْلِكُوا بَعْدُ، لَكِنَّهُمْ سَيَمْلِكُونَ مَعَ الْوَحْشِ سَاعَةً وَاحِدَةً. وَلَهُمْ هَدَفٌ وَاحِدٌ، أَنْ يُعْطُوا الْوَحْشَ قُوَّتَهُمْ وَسُلْطَتَهُمْ. ثُمَّ يُحَارِبُونَ حَمَلَ الْفِدَاءِ، وَلَكِنَّهُ يَغْلِبُهُمْ، لِأَنَّهُ رَبُّ الْأَرْبَابِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ. وَأَتْبَاعُهُ الْأُمَنَاءُ الَّذِينَ دَعَاهُمْ وَاخْتَارَهُمْ يَغْلِبُونَ مَعَهُ.“ ثُمَّ قَالَ لِيَ الْمَلَاكُ: ”أَمَّا الْمِيَاهُ الَّتِي رَأَيْتَهَا حَيْثُ جَلَسَتِ الْعَاهِرَةُ، فَهِيَ شُعُوبٌ وَجَمَاهِيرُ وَأُمَمٌ وَلُغَاتٌ. وَالْقُرُونُ الْـ10 الَّتِي رَأَيْتَهَا وَالْوَحْشُ سَيَكْرَهُونَ الْعَاهِرَةَ وَيَخْلَعُونَ عَنْهَا ثِيَابَهَا وَيَتْرُكُونَهَا خَرَابًا، ثُمَّ يَأْكُلُونَ لَحْمَهَا وَيَحْرِقُونَهَا بِالنَّارِ. لِأَنَّ اللهَ وَضَعَ فِي قُلُوبِهِمْ أَنْ يُنَفِّذُوا قَصْدَهُ، فَيَتَّفِقُوا عَلَى أَنْ يُعْطُوا الْوَحْشَ سُلْطَانَهُمُ الْمَلَكِيَّ إِلَى أَنْ يَتَحَقَّقَ كَلَامُ اللهِ. وَالْمَرْأَةُ الَّتِي رَأَيْتَهَا، هِيَ الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي تَتَسَلَّطُ عَلَى مُلُوكِ الْأَرْضِ“ بَعْدَ هَذَا رَأَيْتُ مَلَاكًا آخَرَ نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ، لَهُ سُلْطَةٌ عَظِيمَةٌ، وَأَضَاءَ بَهَاؤُهُ الْأَرْضَ. وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَالٍ: ”سَقَطَتْ! سَقَطَتْ بَابِلُ الْعَظِيمَةُ! وَأَصْبَحَتْ وَكْرًا لِلشَّيَاطِينِ، وَمَأْوًى لِكُلِّ رُوحٍ شِرِّيرٍ، وَلِكُلِّ طَائِرٍ نَجِسٍ مَكْرُوهٍ. لِأَنَّ الْأُمَمَ كُلَّهَا شَرِبَتْ مِنْ خَمْرِ فِسْقِهَا وَشَرِّهَا، مُلُوكُ الْأَرْضِ زَنَوْا مَعَهَا وَتُجَّارُ الْأَرْضِ اغْتَنَوْا مِنْ كَثْرَةِ نَعِيمِهَا.“ ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتًا آخَرَ مِنَ السَّمَاءِ يَقُولُ: ”اُخْرُجُوا مِنْهَا يَا شَعْبِي لِئَلَّا تَشْتَرِكُوا فِي ذُنُوبِهَا، وَتَأْتِيَ عَلَيْكُمْ مَصَائِبُهَا. فَقَدْ تَرَاكَمَتْ ذُنُوبُهَا حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى السَّمَاءِ، وَلَمْ يَنْسَ اللهُ جَرَائِمَهَا. اِفْعَلُوا بِهَا كَمَا فَعَلَتْ بِكُمْ، بَلْ ضَاعِفُوا لَهَا جَزَاءَ مَا فَعَلَتْ، وَالْكَأْسُ الَّتِي مَزَجَتْهَا اسْقُوهَا مِنْهَا نَصِيبَ اثْنَيْنِ. عَذِّبُوهَا وَأَحْزِنُوهَا بِقَدْرِ مَا عَظَّمَتْ نَفْسَهَا وَتَنَعَّمَتْ لِأَنَّهَا تَقُولُ فِي نَفْسِهَا: ’أَنَا جَالِسَةٌ مَلِكَةٌ وَلَسْتُ أَرْمَلَةً وَلَنْ أَذُوقَ الْحُزْنَ أَبَدًا.‘ لِذَلِكَ تَأْتِي عَلَيْهَا الْمَصَائِبُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، الْمَوْتُ وَالْحُزْنُ وَالْجُوعُ وَتَحْتَرِقُ بِالنَّارِ، لِأَنَّ اللهَ الَّذِي حَكَمَ عَلَيْهَا هُوَ الْمَوْلَى الْقَدِيرُ. ”سَيَبْكِي عَلَيْهَا وَيَنْدُبُهَا مُلُوكُ الْأَرْضِ الَّذِينَ زَنَوْا مَعَهَا وَتَنَعَّمُوا مَعَهَا، حِينَ يُشَاهِدُونَ دُخَانَ حَرِيقِهَا. وَيَقِفُونَ بَعِيدًا خَوْفًا مِنْ عَذَابِهَا وَيَقُولُونَ: ’الْوَيْلُ! الْوَيْلُ لَكِ أَيَّتُهَا الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ! يَا بَابِلُ الْقَوِيَّةُ، فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ حَلَّ بِكِ الْعِقَابُ!‘ ”وَسَيَبْكِي عَلَيْهَا وَيَنْدُبُهَا تُجَّارُ الْأَرْضِ، لِأَنَّ بِضَاعَتَهُمْ لَنْ يَشْتَرِيَهَا أَحَدٌ. بِضَاعَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَجَرٍ كَرِيمٍ وَلُؤْلُؤٍ، وَكَتَّانٍ وَأُرْجُوَانٍ وَحَرِيرٍ وَقِرْمِزٍ، وَعُطُورٍ مُتَنَوِّعَةٍ، وَمَصْنُوعَاتٍ مِنَ الْعَاجِ وَالْخَشَبِ الثَّمِينِ، وَنُحَاسٍ وَحَدِيدٍ وَرُخَامٍ، وَقِرْفَةٍ وَتَوَابِلَ، وَبَخُورٍ وَمُرٍّ وَلُبَانٍ، وَخَمْرٍ وَزَيْتٍ، وَدَقِيقٍ وَقَمْحٍ، وَبَهَائِمَ وَغَنَمٍ وَخَيْلٍ وَعَرَبَاتٍ، وَنَاسٍ بِأَجْسَامِهِمْ وَنُفُوسِهِمْ. وَيَقُولُونَ: ’ضَاعَ مِنْكِ الثَّمَرُ الَّذِي اشْتَهَتْهُ نَفْسُكِ، كُلُّ الْغِنَى وَالنَّعِيمِ رَاحَ عَنْكِ وَلَنْ تَجِدِيهِ.‘ وَالتُّجَّارُ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَاغْتَنَوْا مِنْ هَذِهِ الْمَدِينَةِ سَيَقِفُونَ بَعِيدًا خَوْفًا مِنْ عَذَابِهَا، وَيَبْكُونَ وَيَنْدُبُونَ وَيَقُولُونَ: ’الْوَيْلُ! الْوَيْلُ لَكِ أَيَّتُهَا الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ! هِيَ الَّتِي كَانَتْ تَلْبَسُ الْكَتَّانَ وَالْأُرْجُوَانَ وَالْقِرْمِزَ وَتَتَحَلَّى بِالذَّهَبِ وَالْحَجَرِ الْكَرِيمِ وَاللُّؤْلُؤِ. فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ ضَاعَ كُلُّ هَذَا الْغِنَى.‘ ”وَكُلُّ قَادَةِ السُّفُنِ وَالرُّكَّابِ وَالْبَحَّارَةِ، وَجَمِيعُ الَّذِينَ يَرْتَزِقُونَ مِنَ الْبَحْرِ، سَيَقِفُونَ بَعِيدًا، يُشَاهِدُونَ دُخَانَ حَرِيقِهَا وَيَصِيحُونَ: ’أَيُّ مَدِينَةٍ كَهَذِهِ الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ!‘ وَيَرْمُونَ التُّرَابَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ وَيَبْكُونَ وَيَنُوحُونَ وَيَصْرُخُونَ: ’الْوَيْلُ! الْوَيْلُ لَكِ أَيَّتُهَا الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ! هِيَ الَّتِي مِنْ ثَرْوَتِهَا اغْتَنَى أَصْحَابُ سُفُنِ الْبَحْرِ جَمِيعًا. فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ خَرِبَتْ. اِشْمَتِي بِهَا أَيَّتُهَا السَّمَاءُ، وَافْرَحُوا أَيُّهَا الصَّالِحُونَ وَالرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ لِأَنَّ اللهَ عَاقَبَهَا عَلَى مَا فَعَلَتْ بِكُمْ.‘“ وَتَنَاوَلَ مَلَاكٌ قَوِيٌّ حَجَرًا كَحَجَرِ طَاحُونَةٍ ضَخْمَةٍ، وَرَمَاهُ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ: ”بِهَذَا الْعُنْفِ تُرْمَى مَدِينَةُ بَابِلَ الْعَظِيمَةُ وَلَنْ تُوجَدَ فِيمَا بَعْدُ. لَنْ يُسْمَعَ فِيكِ غِنَاءٌ وَلَا مُوسِيقَى، لَا قِيثَارَةٌ وَلَا مِزْمَارٌ وَلَا بُوقٌ. وَلَنْ يُوجَدَ فِيكِ صَانِعٌ أَيًّا كَانَتْ حِرْفَتُهُ. وَلَنْ يُسْمَعَ فِيكِ صَوْتُ الطَّاحُونَةِ. وَلَنْ يُضِيءَ فِيكِ نُورُ مِصْبَاحٍ، وَلَنْ يُسْمَعَ فِيكِ صَوْتُ عَرِيسٍ أَوْ عَرُوسَةٍ. كَانَ تُجَّارُكِ هُمْ عُظَمَاءَ الدُّنْيَا، وَسِحْرُكِ قَادَ كُلَّ الْأُمَمِ إِلَى الضَّلَالِ.“ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ يُوجَدُ دَمُ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَكُلِّ مَنْ قُتِلَ عَلَى الْأَرْضِ. بَعْدَ هَذَا سَمِعْتُ صَوْتًا عَالِيًا كَأَنَّهُ صَوْتُ جُمْهُورٍ غَفِيرٍ فِي السَّمَاءِ يَقُولُ: ”للهِ الْحَمْدُ! النَّصْرُ وَالْجَلَالُ وَالْقُدْرَةُ لِإِلَهِنَا، لِأَنَّ أَحْكَامَهُ حَقٌّ وَعَادِلَةٌ. فَقَدْ حَكَمَ عَلَى الْعَاهِرَةِ الْكُبْرَى الَّتِي أَفْسَدَتِ الْأَرْضَ بِفِسْقِهَا وَانْتَقَمَ مِنْهَا لِدَمِ عَبِيدِهِ.“ وَقَالُوا مَرَّةً أُخْرَى: ”للهِ الْحَمْدُ! دُخَانُهَا يَتَصَاعَدُ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ.“ فَرَكَعَ الشُّيُوخُ الْـ24، وَالْكَائِنَاتُ الْحَيَّةُ الْـ4، وَتَعَبَّدُوا للهِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَقَالُوا: ”آمِينَ، للهِ الْحَمْدُ!“ وَجَاءَ مِنَ الْعَرْشِ صَوْتٌ يَقُولُ: ”سَبِّحُوا إِلَهَنَا، يَا جَمِيعَ عَبِيدِهِ الَّذِينَ يَتَّقُونَهُ، صِغَارًا وَكِبَارًا.“ ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتًا كَأَنَّهُ صَوْتُ جُمْهُورٍ غَفِيرٍ، كَهَدِيرِ مِيَاهٍ غَزِيرَةٍ وَكَدَوِيِّ رَعْدٍ شَدِيدٍ يَقُولُ: ”للهِ الْحَمْدُ! مَلَكَ الْمَوْلَى إِلَهُنَا الْقَدِيرُ. فَلْنَفْرَحْ وَنَبْتَهِجْ وَنُعَظِّمْهُ، لِأَنَّ عُرْسَ حَمَلِ الْفِدَاءِ حَانَ، وَعَرُوسَتَهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَا، وَأُعْطِيَتْ ثَوْبًا مِنَ الْكَتَّانِ الْأَبْيَضِ النَّقِيِّ لِكَيْ تَلْبَسَ.“ وَالْكَتَّانُ يَرْمُزُ إِلَى أَعْمَالِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحَةِ. ثُمَّ قَالَ الْمَلَاكُ لِي: ”اُكْتُبْ هَذَا: هَنِيئًا لِلْمَدْعُوِّينَ إِلَى وَلِيمَةِ عُرْسِ حَمَلِ الْفِدَاءِ.“ وَأَضَافَ وَقَالَ: ”هَذَا كَلَامُ اللهِ، كَلَامُ الْحَقِّ.“ فَرَكَعْتُ عِنْدَ قَدَمَيْهِ لِأَتَعَبَّدَ لَهُ، فَقَالَ لِي: ”لَا تَفْعَلْ! أَنَا عَبْدٌ مِثْلُكَ وَمِثْلُ إِخْوَتِكَ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ أَتْبَاعُ عِيسَـى. اُسْجُدْ للهِ، لِأَنَّ مَنْ يَشْهَدُ لِعِيسَى يَكُونُ فِيهِ الرُّوحُ الَّذِي يُلْهِمُ الْأَنْبِيَاءَ.“ ثُمَّ رَأَيْتُ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ، وَالرَّاكِبُ عَلَيْهِ اسْمُهُ 'الْأَمِينُ وَالصَّادِقُ' لِأَنَّهُ يَقْضِي وَيُحَارِبُ بِالْعَدْلِ. عَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ، وَعَلَى رَأْسِهِ تِيجَانٌ كَثِيرَةٌ وَلَهُ اسْمٌ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ. وَهُوَ لَابِسٌ ثَوْبًا مَغْمُوسًا فِي الدَّمِ، وَاسْمُهُ 'كَلِمَةُ اللهِ.' وَكَانَتْ تَتْبَعُهُ عَلَى خَيْلٍ بِيضٍ جُيُوشُ السَّمَاءِ لَابِسَةً ثِيَابًا مِنَ الْكَتَّانِ الْأَبْيَضِ النَّقِيِّ. وَيَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ سَيْفٌ حَادٌّ، لِيَضْرِبَ بِهِ الْأُمَمَ. وَهُوَ سَيَحْكُمُهَا بِعَصًا مِنْ حَدِيدٍ، وَيَدُوسُ الْعِنَبَ فِي الْمَعْصَرَةِ رَمْزًا لِثَوْرَةِ غَضَبِ اللهِ الْقَدِيرِ. وَمَكْتُوبٌ عَلَى ثَوْبِهِ وَعَلَى فَخْذِهِ هَذَا الِاسْمُ: 'مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الْأَرْبَابِ.' ثُمَّ رَأَيْتُ مَلَاكًا وَاقِفًا فِي الشَّمْسِ. فَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَالٍ إِلَى كُلِّ الطُّيُورِ الَّتِي تَطِيرُ فِي السَّمَاءِ وَقَالَ: ”تَعَالَيْ مَعًا إِلَى وَلِيمَةِ اللهِ الْكُبْرَى، لِتَأْكُلِي لَحْمَ مُلُوكٍ وَقَادَةٍ وَأَبْطَالٍ وَخَيْلٍ وَالرَّاكِبِينَ عَلَيْهَا، وَلَحْمَ كُلِّ النَّاسِ، أَحْرَارًا وَعَبِيدًا صِغَارًا وَكِبَارًا.“ ثُمَّ رَأَيْتُ الْوَحْشَ وَمُلُوكَ الْأَرْضِ وَجُيُوشَهُمْ، وَقَدِ اجْتَمَعُوا مَعًا لِيُحَارِبُوا هَذَا الرَّاكِبَ عَلَى الْفَرَسِ وَجَيْشَهُ. فَقُبِضَ عَلَى الْوَحْشِ، وَعَلَى النَّبِيِّ الدَّجَّالِ الَّذِي عَمِلَ الْآيَاتِ فِي حُضُورِ الْوَحْشِ. تِلْكَ الْآيَاتِ الَّتِي أَضَلَّ بِهَا الَّذِينَ قَبِلُوا عَلَامَةَ الْوَحْشِ، وَالَّذِينَ عَبَدُوا تِمْثَالَهُ. وَأُلْقِيَ الْوَحْشُ وَالنَّبِيُّ الدَّجَّالُ وَهُمَا عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ إِلَى بُحَيْرَةِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ بِالْكِبْرِيتِ. وَالْبَاقُونَ قُتِلُوا بِالسَّيْفِ الْخَارِجِ مِنْ فَمِ الرَّاكِبِ عَلَى الْفَرَسِ، فَشَبِعَتْ كُلُّ الطُّيُورِ مِنْ لَحْمِهِمْ. ثُمَّ رَأَيْتُ مَلَاكًا نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ، وَبِيَدِهِ مِفْتَاحُ الْهَاوِيَةِ وَسِلْسِلَةٌ عَظِيمَةٌ. فَأَمْسَكَ التِّنِّينَ الَّذِي هُوَ الْحَيَّةُ الْقَدِيمَةُ، أَيْ إِبْلِيسُ أَوِ الشَّيْطَانُ، وَقَيَّدَهُ مُدَّةَ 1000 سَنَةٍ. وَرَمَاهُ فِي الْهَاوِيَةِ، وَأَقْفَلَهَا عَلَيْهِ وَخَتَمَهَا، لِكَيْ لَا يُضِلَّ الْأُمَمَ فِيمَا بَعْدُ حَتَّى تَنْتَهِيَ الْـ1000 سَنَةٍ. وَبَعْدَ ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُطْلَقَ فَتْرَةً قَصِيرَةً. ثُمَّ رَأَيْتُ عُرُوشًا، وَالَّذِينَ جَلَسُوا عَلَيْهَا أُعْطِيَتْ لَهُمْ سُلْطَةَ الْقَضَاءِ. وَرَأَيْتُ نُفُوسَ الَّذِينَ قُطِعَتْ رُؤُوسُهُمْ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا لِعِيسَى وَبَشَّرُوا بِكَلِمَةِ اللهِ. فَهُمْ لَمْ يَعْبُدُوا الْوَحْشَ وَلَا تِمْثَالَهُ، وَلَمْ يَقْبَلُوا الْعَلَامَةَ عَلَى جِبَاهِهِمْ وَلَا عَلَى أَيْدِيهِمْ. هَؤُلَاءِ عَادُوا إِلَى الْحَيَاةِ وَمَلَكُوا مَعَ الْمَسِيحِ 1000 سَنَةٍ. هَذِهِ هِيَ الْقِيَامَةُ الْأُولَى. أَمَّا بَاقِي الْمَوْتَى فَلَمْ يَعُودُوا إِلَى الْحَيَاةِ حَتَّى تَنْتَهِيَ الْـ1000 سَنَةٍ. كُلُّ مَنْ لَهُمْ نَصِيبٌ فِي الْقِيَامَةِ الْأُولَى هُمْ مُبَارَكُونَ وَصَالِحُونَ. لَنْ يَكُونَ لِلْمَوْتِ الثَّانِي سُلْطَانٌ عَلَيْهِمْ، بَلْ يَكُونُونَ أَحْبَارًا للهِ وَالْمَسِيحِ، وَيَمْلِكُونَ مَعَهُ 1000 سَنَةٍ. وَمَتَى انْتَهَتِ الْـ1000 سَنَةٍ، يُطْلَقُ الشَّيْطَانُ مِنْ سِجْنِهِ، فَيَخْرُجُ لِيُضِلَّ الْأُمَمَ الَّتِي فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْأَرْضِ، جُوجَ وَمَاجُوجَ، وَيَجْمَعَهُمْ إِلَى الْحَرْبِ، وَعَدَدُهُمْ كَثِيرٌ جِدًّا كَرَمْلِ الْبَحْرِ. فَزَحَفُوا بِعَرْضِ الْأَرْضِ كُلِّهَا، وَحَاصَرُوا مُعَسْكَرَ الْمُؤْمِنِينَ، الْمَدِينَةَ الْمَحْبُوبَةَ. فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ وَأَكَلَتْهُمْ. وَإِبْلِيسُ الَّذِي أَضَلَّهُمْ، طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ الَّتِي فِيهَا الْوَحْشُ وَالنَّبِيُّ الدَّجَّالُ. هُنَاكَ يَتَعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيْلًا إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ. ثُمَّ رَأَيْتُ عَرْشًا عَظِيمًا أَبْيَضَ، وَرَأَيْتُ الْجَالِسَ عَلَيْهِ، هُوَ الَّذِي هَرَبَتِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ مِنْ مَحْضَرِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُمَا أَثَرٌ. وَرَأَيْتُ الْمَوْتَى، كِبَارًا وَصِغَارًا، وَاقِفِينَ قُدَّامَ الْعَرْشِ. وَانْفَتَحَتِ الْكُتُبُ، ثُمَّ انْفَتَحَ كِتَابٌ آخَرُ هُوَ كِتَابُ الْحَيَاةِ. وَحُكِمَ عَلَى الْمَوْتَى بِمَا هُوَ مُسَجَّلٌ فِي تِلْكَ الْكُتُبِ، كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعْمَالِهِ. وَسَلَّمَ الْبَحْرُ الْمَوْتَى الَّذِينَ فِيهِ، وَسَلَّمَ الْمَوْتُ وَعَالَمُ الْأَمْوَاتِ الْمَوْتَى الَّذِينَ فِيهِمَا. وَحُكِمَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعْمَالِهِ. ثُمَّ طُرِحَ الْمَوْتُ وَعَالَمُ الْأَمْوَاتِ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ. هَذِهِ الْبُحَيْرَةُ هِيَ الْمَوْتُ الثَّانِي. وَكُلُّ مَنْ كَانَ اسْمُهُ غَيْرَ مَكْتُوبٍ فِي كِتَابِ الْحَيَاةِ، طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ. ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، لِأَنَّ السَّمَاءَ الْأُولَى وَالْأَرْضَ الْأُولَى زَالَتَا، وَلَمْ يَبْقَ لِلْبَحْرِ وُجُودٌ. وَرَأَيْتُ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ، الْقُدْسَ الْجَدِيدِةَ، نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ كَعَرُوسَةٍ تَزَيَّنَتْ وَاسْتَعَدَّتْ لِلِقَاءِ عَرِيسِهَا. وَسَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا مِنَ الْعَرْشِ يَقُولُ: ”الْآنَ مَسْكَنُ اللهِ هُوَ وَسْطَ الْبَشَرِ، فَهُوَ يَسْكُنُ مَعَهُمْ. هُمْ يَكُونُونَ شَعْبَهُ، وَاللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ وَيَكُونُ إِلَهَهُمْ. وَسَيَمْسَحُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ. وَيَزُولُ الْمَوْتُ وَالْحُزْنُ وَالْبُكَاءُ وَالْأَلَمُ، لِأَنَّ الْأُمُورَ الْقَدِيمَةَ كُلَّهَا انْتَهَتْ.“ وَقَالَ الْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِ: ”سَأَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيدًا.“ ثُمَّ قَالَ لِي: ”اُكْتُبْ هَذَا، لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ صِدْقٌ وَحَقٌّ.“ وَقَالَ: ”قُضِيَ الْأَمْرُ. أَنَا هُوَ الْأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ. أَنَا أَسْقِي الْعَطْشَانَ مَجَّانًا مِنْ يَنْبُوعِ مَاءِ الْحَيَاةِ. مَنْ يَغْلِبُ يَكُونُ كُلُّ هَذَا مِنْ نَصِيبِهِ، وَأَنَا أَكُونُ إِلَهَهُ، وَهُوَ يَكُونُ ابْنِي. أَمَّا نَصِيبُ الْجُبَنَاءِ وَالْكُفَّارِ وَالنَّجِسِينَ وَالْقَتَلَةِ وَالْفُجَّارِ وَالسَّحَرَةِ وَعَبَدَةِ الْأَصْنَامِ وَالْكَذَّابِينَ جَمِيعًا، فَهُوَ فِي الْبُحَيْرَةِ الْمُتَّقِدَةِ بِالنَّارِ وَالْكِبْرِيتِ. هَذَا هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي.“ وَجَاءَنِي وَاحِدٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الـ7 الَّذِينَ كَانَ مَعَهُمُ الْكُؤُوسُ الـ7 الْمَمْلُوءَةُ بِالْمَصَائِبِ الـ7 الْأَخِيرَةِ وَقَالَ لِي: ”تَعَالَ، فَأُرِيَكَ عَرُوسَةَ حَمَلِ الْفِدَاءِ.“ فَحَمَلَنِي بِالرُّوحِ إِلَى جَبَلٍ ضَخْمٍ عَالٍ، وَأَرَانِي الْقُدْسَ، الْمَدِينَةَ الشَّرِيفَةَ، نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، تَتَأَلَّقُ بِجَلَالِ اللهِ عَلَيْهَا، وَتَتَلَأْلَأُ كَحَجَرٍ كَرِيمٍ جِدًّا، كَالْمَاسِ وَكَالْبِلَّوْرِ النَّقِيِّ، وَلَهَا سُورٌ ضَخْمٌ عَالٍ، وَ12 بَوَّابَةً عَلَيْهَا 12 مَلَاكًا. وَعَلَى الْبَوَّابَاتِ أَسْمَاءٌ مَكْتُوبَةٌ هِيَ أَسْمَاءُ قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الِـ12. 3 بَوَّابَاتٍ مِنَ الشَّرْقِ، وَ3 مِنَ الشَّمَالِ، وَ3 مِنَ الْجَنُوبِ، وَ3 مِنَ الْغَرْبِ. وَسُورُ الْمَدِينَةِ لَهُ 12 أَسَاسًا، عَلَيْهَا أَسْمَاءُ رُسُلِ حَمَلِ الْفِدَاءِ الِـ12. وَالْمَلَاكُ الَّذِي كَلَّمَنِي، كَانَ مَعَهُ عَصَا قِيَاسٍ مِنَ الذَّهَبِ، لِكَيْ يَقِيسَ الْمَدِينَةَ وَبَوَّابَاتِهَا وَسُورَهَا. وَكَانَتِ الْمَدِينَةُ مُرَبَّعَةً، طُولُهَا مِثْلُ عَرْضِهَا. فَقَاسَهَا بِالْعَصَا، فَكَانَتِ 12000 غَلْوَةٍ (أَيْ 2200 كِيلُومِتْرًا) يَتَسَاوَى فِيهَا الطُّولُ وَالْعَرْضُ وَالْعُلُوُّ. ثُمَّ قَاسَ عَرْضَ السُّورِ، فَكَانَ 144 ذِرَاعًا (أَيْ 65 مِتْرًا) بِحَسَبِ وَحْدَةِ الْقِيَاسِ الَّتِي كَانَ يَسْتَعْمِلُهَا. وَكَانَ السُّورُ مِنَ الْمَاسِ، وَالْمَدِينَةُ مِنَ الذَّهَبِ النَّقِيِّ كَأَنَّهُ الزُّجَاجُ الشَّفَّافُ. وَأَسَاسَاتُ السُّورِ مُزَيَّنَةٌ بِكُلِّ أَنْوَاعِ الْأَحْجَارِ الْكَرِيمَةِ، فَالْأَسَاسُ الْأَوَّلُ الْمَاسٌ، وَالثَّانِي يَاقُوتٌ أَزْرَقُ، وَالثَّالِثُ عَقِيقٌ أَبْيَضُ، وَالرَّابِعُ زُمُرُّدٌ، وَالْخَامِسُ عَقِيقٌ قَاتِمٌ، وَالسَّادِسُ عَقِيقٌ أَحْمَرُ، وَالسَّابِعُ زَبَرْجَدٌ، وَالثَّامِنُ جَزْعٌ، وَالتَّاسِعُ يَاقُوتٌ أَصْفَرُ، وَالْعَاشِرُ عَقِيقٌ أَخْضَرُ، وَالْحَادِي عَشَرَ فَيْرُوزٌ، وَالثَّانِي عَشَرَ جَمَشْتٌ. وَالْبَوَّابَاتُ الِـ12 عِبَارَةٌ عَنِ 12 لُؤْلُؤَةٍ. كُلُّ بَوَّابَةٍ مِنْهَا مَصْنُوعَةٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ. وَسَاحَةُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ كَالزُّجَاجِ الشَّفَّافِ. وَلَمْ أَرَ فِي الْمَدِينَةِ بَيْتًا لِلْعِبَادَةِ، لِأَنَّ الْمَوْلَى الْإِلَهَ الْقَدِيرَ وَحَمَلَ الْفِدَاءِ هُوَ بَيْتُ الْعِبَادَةِ. وَهِيَ لَا تَحْتَاجُ إِلَى نُورِ الشَّمْسِ أَوِ الْقَمَرِ، لِأَنَّ جَلَالَ اللهِ يُنِيرُهَا وَحَمَلَ الْفِدَاءِ هُوَ مِصْبَاحُهَا. وَسَتَمْشِي الْأُمَمُ فِي نُورِهَا، وَيَجِيءُ مُلُوكُ الْأَرْضِ بِكُنُوزِهِمْ إِلَيْهَا. وَلَا تُقْفَلُ بَوَّابَاتُهَا طُولَ الْيَوْمِ، لِأَنَّ اللَّيْلَ لَا يَأْتِي عَلَيْهَا. وَيَجِيئُونَ إِلَيْهَا بِكُنُوزِ الْأُمَمِ وَجَلَالِهَا. وَلَنْ يَدْخُلَهَا شَيْءٌ نَجِسٌ، وَلَا مَنْ يَرْتَكِبُ الْقَبَائِحَ، وَلَا مَنْ يَكْذِبُ، بَلْ فَقَطِ الَّذِينَ أَسْمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ الْحَيَاةِ، كِتَابِ حَمَلِ الْفِدَاءِ. ثُمَّ أَرَانِي الْمَلَاكُ نَهْرَ مَاءِ الْحَيَاةِ صَافِيًا كَالْبِلَّوْرِ. يَنْبُعُ مِنْ عَرْشِ اللهِ وَحَمَلِ الْفِدَاءِ، وَيَجْرِي فِي وَسَطِ سَاحَةِ الْمَدِينَةِ. وَعَلَى جَانِبَيْهِ شَجَرَةُ الْحَيَاةِ وَهِيَ تُثْمِرُ 12 مَرَّةً، كُلَّ شَهْرٍ مَرَّةً، وَوَرَقُهَا يَشْفِي الْأُمَمَ. وَلَا يَكُونُ فِي الْمَدِينَةِ لَعْنَةٌ أَبَدًا. بَلْ عَرْشُ اللهِ وَحَمَلِ الْفِدَاءِ فِيهَا حَيْثُ يَسْجُدُ لَهُ عَبِيدُهُ، وَيُشَاهِدُونَ وَجْهَهُ، وَيَكُونُ اسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ. لَنْ يَكُونَ هُنَاكَ لَيْلٌ، وَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى نُورِ مِصْبَاحٍ أَوْ شَمْسٍ لِأَنَّ الْمَوْلَى الْإِلَهَ يُنِيرُ لَهُمْ. وَهُمْ سَيَمْلِكُونَ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ. ثُمَّ قَالَ الْمَلَاكُ لِي: ”هَذَا الْكَلَامُ صِدْقٌ وَحَقٌّ.“ الْمَوْلَى الْإِلَهُ الَّذِي يُوحِي إِلَى الْأَنْبِيَاءِ أَرْسَلَ مَلَاكَهُ لِيَكْشِفَ لِعَبِيدِهِ مَا لَا بُدَّ أَنْ يَحْدُثَ عَنْ قَرِيبٍ. ”أَنَا قَادِمٌ سَرِيعًا. هَنِيئًا لِمَنْ يَعْمَلُ بِكَلَامِ النُّبُوَّةِ الَّذِي فِي هَذَا الْكِتَابِ.“ وَأَنَا يُوحَنَّا، سَمِعْتُ وَرَأَيْتُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ. فَلَمَّا سَمِعْتُهَا وَرَأَيْتُهَا، رَكَعْتُ لِأَسْجُدَ عِنْدَ قَدَمَيِ الْمَلَاكِ الَّذِي أَرَاهَا لِي. فَقَالَ لِي: ”لَا تَفْعَلْ! أَنَا عَبْدٌ مِثْلُكَ وَمِثْلُ إِخْوَتِكَ الْأَنْبِيَاءِ، وَكُلِّ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِكَلَامِ هَذَا الْكِتَابِ. اُسْجُدْ للهِ.“ ثُمَّ قَالَ لِي: ”لَا تَخْتِمْ كَلَامَ النُّبُوَّةِ الَّذِي فِي هَذَا الْكِتَابِ، لِأَنَّ الْوَقْتَ قَرِيبٌ. لِيَسْتَمِرَّ الشِّرِّيرُ فِي شَرِّهِ، وَالنَّجِسُ فِي نَجَاسَتِهِ، وَالطَّاهِرُ فِي طَهَارَتِهِ، وَالصَّالِحُ فِي صَلَاحِهِ.“ ”أَنَا قَادِمٌ سَرِيعًا، وَمَعِيَ الْجَزَاءُ الَّذِي أُجَازِي بِهِ كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِهِ. أَنَا الْأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ. هَنِيئًا لِمَنْ يَغْسِلُونَ ثِيَابَهُمْ، لِأَنَّ لَهُمُ الْحَقَّ فِي شَجَرَةِ الْحَيَاةِ، وَالْحَقَّ فِي دُخُولِ الْمَدِينَةِ مِنْ بَوَّابَاتِهَا. أَمَّا خَارِجَ الْمَدِينَةِ فَهُنَاكَ الْكِلَابُ وَالسَّحَرَةُ وَالْفُجَّارُ وَالْقَتَلَةُ وَعَبَدَةُ الْأَصْنَامِ وَكُلُّ مَنْ يَكْذِبُ أَوْ يُحِبُّ الْكِذْبَ. ”أَنَا عِيسَى، أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ مَلَاكِي لِيُعْلِنَ هَذِهِ الْأُمُورَ لَكُمْ لِمَنْفَعَةِ جَمَاعَاتِ الْمُؤْمِنِينَ. أَنَا سَلِيلُ دَاوُدَ وَنَسْلُهُ. أَنَا نَجْمُ الصُّبْحِ الْمُنِيرُ.“ الرُّوحُ الْقُدُّوسُ وَالْعَرُوسَةُ يَقُولَانِ: ”تَعَالَ.“ وَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ فَيَجِبُ أَنْ يَقُولَ: ”تَعَالَ.“ لِيَأْتِ الْعَطْشَانُ، وَكُلُّ مَنْ أَرَادَ، لِيَشْرَبْ مَاءَ الْحَيَاةِ مَجَّانًا. وَإِنِّي أُنْذِرُ كُلَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلَامَ النُّبُوَّةِ الَّذِي جَاءَ فِي هَذَا الْكِتَابِ: إِنْ كَانَ وَاحِدٌ يَزِيدُ عَلَيْهِ شَيْئًا، يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الْمَصَائِبَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذَا الْكِتَابِ. وَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ يَحْذِفُ شَيْئًا مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الَّذِي فِي هَذَا الْكِتَابِ، يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ اللَّتَيْنِ جَاءَ وَصْفُهُمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ. وَالَّذِي يَشْهَدُ لِهَذِهِ الْأُمُورِ يَقُولُ: ”نَعَمْ. أَنَا قَادِمٌ سَرِيعًا.“ آمِينَ، تَعَالَ يَا مَوْلَانَا عِيسَى. نِعْمَةُ مَوْلَانَا عِيسَى مَعَكُمْ جَمِيعًا.