#####ARABICA#SUBJECT# ######## BEGofRECORD ################################################### #000000# 000.SortField :: Shamela_0023790 #NewRec# 000.BookURI :: #0276.IbnQutaybaDinawari.CuyunAkhbar #NewRec# 010.AuthorAKA :: NODATA #NewRec# 010.AuthorNAME :: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى: 276هـ) #NewRec# 011.AuthorBORN :: NOTGIVEN #NewRec# 011.AuthorDIED :: 276 #NewRec# 019.AuthorDIED :: NODATA #NewRec# 020.BookTITLE :: عيون الأخبار #NewRec# 020.BookTITLESUB :: NODATA #NewRec# 021.BookSUBJ :: الأدب والبلاغة #NewRec# 022.BookVOLS :: 4 #NewRec# 025.BookLANG :: NODATA #NewRec# 029.BookTITLEalt :: NODATA #NewRec# 030.LibURI :: Shamela_0023790 #NewRec# 030.LibURIextra :: NODATA #NewRec# 031.LibREADONLINE :: http://shamela.ws/browse.php/book-23790 #NewRec# 031.LibURL :: http://shamela.ws/index.php/book/23790 #NewRec# 031.LibURLFILE :: NODATA #NewRec# 031.LibURLextra :: NODATA #NewRec# 040.EdALL :: NODATA #NewRec# 040.EdEDITOR :: NODATA #NewRec# 041.EdNUMBER :: NODATA #NewRec# 041.EdNumber :: NODATA #NewRec# 043.EdPUBLISHER :: دار الكتب العلمية -بيروت #NewRec# 044.EdPLACE :: NODATA #NewRec# 045.EdYEAR :: 1418 هـ #NewRec# 049.EdISBN :: NODATA #NewRec# 049.EdPAGES :: NODATA #NewRec# 049.EdPHYSICAL :: NODATA #NewRec# 049.EdVOLUME :: NODATA #NewRec# 090.RecMISC :: NODATA #NewRec# 999.MiscINFO :: NODATA #####ARABICA#SUBJECT#XXX# # PageV00P000 ### | الجزء الاول # بسم الله الرحمن الرحيم ### | المقدمة # هذا كتاب «عيون الأخبار» أقدمه للقارىء الكريم بحلة جديدة بعد أن تجشمت ~~عناء مراجعته غير مرة. ألفه ابن قتيبه ليكون تذكرة لأهل العلم وتبصرة لمغفل ~~التأدب ومستراحا للملوك من كد الجد والتعب وذلك حين تبين شمول النقص وشغل ~~الخليفة العباسي عن إقامة سوق الأدب. يقول في مقدمة هذا الكتاب: «وإني ~~تكلفت لمغفل التأدب من الكتاب كتابا في المعرفة وفي تقويم اللسان واليد حين ~~تبينت شمول النقص ودروس العلم وشغل السلطان عن إقامة سوق الأدب حتى عفا ~~ودرس ... » وفي مقدمة كتابه «أدب الكاتب» أوضح أيضا حال الأدب المتردية في ~~عصره فقال: «فإني رأيت أكثر أهل زماننا هذا عن سبيل الأدب ناكبين «1» ، ومن ~~اسمه متطيرين «2» ، ولأهله كارهين: أما الناشىء «3» منهم فراغب عن التعليم، ~~والشادي «4» تارك للازدياد، والمتأدب في عنفوان الشباب ناس أو متناس ... ~~وصار العلم عارا على صاحبه، والفضل نقصا، وأموال الملوك وقفا على شهوات ~~النفوس ... » ونحن نقول: كيف يجرؤ # PageV01P003 # ابن قتيبه على هذا القول وبغداد آنذاك مقر الثقافة الإسلامية المزدهرة ~~ومركز مرموق للحياة الأدبية والعقلية معا؟ # وإذا لم تنحصر موضوعات «عيون الأخبار» «1» في القرآن والسنة وشرائع الدين ~~وعلم الحلال والحرام فإنها- كما يقول ابن قتيبة- مرشدة لكريم الأخلاق، ~~زاجرة عن الدناءة، ناهية عن القبيح، باعثة على صواب التدبير؛ لأن علم الدين ~~والحلال والحرام تقليد لا يجوز أن نأخذه إلا عمن نراه حجة. # كذلك لم يكن كتابه هذا وقفا على طالب الدنيا دون طالب الآخرة، ولا على ~~خواص الناس دون عوامهم، ولا على ملوكهم دون سوقتهم، بل وفى كل فريق منهم ~~قسمه. ولكي يروح عن القارىء من كد الجد، ضمن هذا الكتاب نوادر طريفة وكلمات ~~مضحكة تدخل في باب المزاح والفكاهة. يقول: «مثل هذا الكتاب مثل المائدة ~~تختلف فيها مذاقات الطعوم لاختلاف شهوات الآكلين» . # وكان ابن قتيبة يتلقط أخباره عن جلسائه وإخوانه وعمن فوقه في السن ~~والمعرفة، كما وقف على كتاب التاج، وكتاب الآيين، وكتاب إبرويز، وآداب ابن ~~المقفع، وكتب الهند ولكن دون أن يذكر اسما لكتاب هندي اعتمد عليه. # يقول مثلا: «قرأت في كتاب للهند إن فلانا ... » كما اعتمد على أقوال علي ~~ابن أبي طالب، رضي الله عنه، وعلى أقوال بزرجمهر، وإسحاق بن راهويه، وأبي ~~حاتم السجستاني، وأحمد بن الخليل، وعبد الرحمن بن عبد المنعم، وأبي سهل، ~~وعبد الملك بن مروان، وميمون بن ميمون، والمدائني، وأبي عباد الكاتب، وابن ~~الأعرابي، ومحمد بن عبيد، ومحمد بن داود، وعلي بن محمد، وابن سيرين وغيرهم. ~~وقد لجأ إلى الإتيان بأخبار وأشعار اتضعت عن # PageV01P004 # قدر كتابه لسببين؛ أحدهما الحاجة إلى ذلك، والآخر أن الحسن إذا وصل بمثله ~~نقص نوراهما. # صنف كتابه أبوابا مقرنا الباب بشكله، والخبر بمثله، والكلمة بأختها ليسهل ~~على المتعلم علمها وعلى الدارس حفظها. وهذا الكتاب حلية الأدب، ونتاج أفكار ~~الحكماء، ولقاح عقول العلماء، وسير الملوك وآثار السلف. قسم المؤلف فيه ~~الأخبار والأشعار وجمعها في عشرة كتب؛ كل كتاب بمثابة باب. # فالكتاب الأول هو كتاب السلطان، وفيه أخبار السلطان وسيرته وسياسته، إلى ~~جانب اختياره القضاة والحجاب والكتاب، وفيه يكثر من النقل عن الفرس والهند ~~مما يشير إلى تأثر الأدب العربي بأدب هؤلاء، ولكنه في موضوع القضاء لم ينقل ~~إلا عن أحكام العرب والمسلمين. والكتاب الثاني هو كتاب الحرب، وفيه الأخبار ~~عن آداب الحرب ومكايدها، ووصايا الجيوش وعددها وسلاحها. # وفي الكتاب الثالث يسهب المؤلف في الحديث عن مخايل السؤود وأسبابه ويتحدث ~~عن الذل والمروءة والغنى والفقر والبيع والشراء. والكتاب الرابع هو كتاب ~~الطبائع والأخلاق المذمومة، وفيه الأخبار عن تشابه الناس في الطبائع، إلى ~~جانب طبائع الجن والسباع والطير والحشرات. والكتاب الخامس هو كتاب الهلم ~~والبيان، وفيه الأخبار عن العلماء، والبيان والبلاغة والخطب والمقامات ووصف ~~الشعر، إلا أن المؤلف لم يعرض للشعر بالتفصيل؛ لأنه أفرد للشعراء كتابا هو ~~«الشعر والشعراء» ، وهو إذا ذكر نتفة في هذا الكتاب، فإنما كراهية منه أن ~~يخليه من فن من الفنون. والكتاب السادس كتاب الزهد، وفيه أخبار الزهاد، ~~ومناجاتهم ومواعظهم وذكر الدنيا والموت، ينقل فيه الكثير عن اليهود ~~والنصارى. ثم يليه كتاب الإخوان، ويحث فيه على حسن اختيار الإخوان. وبعده ~~كتاب الحوائج، ويتضمن الأخبار عن استنجاح الحوائج بالكتمان والصبر والهدية ~~والرشوة ولطيف الكلام. ثم الكتاب التاسع، وهو كتاب الطعام، وفيه الأخبار عن ~~الأطعمة الطيبة، والحلواء، وما يأكله فقراء # PageV01P005 # الأعراب، وما يصلح الأبدان من الغذاء والحمية وشرب الدواء، ومضار الأطعمة ~~ومنافعها، إلى جانب نتف من طب العرب والعجم. وهو هنا ينقل عن كتاب الحيوان ~~للجاحظ وكتب أرسطو، ولكنه يعرض المعلومات عرض مدرك لأمور الطب عارف بها. ~~وأخيرا كتاب النساء، وفيه الأخبار عن اختلاف النساء في أخلاقهن وخلقهن وما ~~يختار منهن للنكاح وما يكره، خلا أخبار عشاق العرب. وهكذا اختار ابن قتيبة ~~خير ما روي فرتبه وبوبه وجمع ما تشابه منه تحت عنوان واحد لكل كتاب من كتبه ~~العشرة، فظهر أديبا حسن الذوق في الإختيار يمتاز عن غيره من الأدباء في هذا ~~الميدان، بحيث أوصل عملية الاختيار إلى مرحلة الكمال والترتيب. # ولقد ضمن ابن قتيبة كتابه أبياتا من الشعر مشاكلة لأخباره. ويتضح من ~~منهجه الذي رسمه في مقدمة كتابه أنه صاحب منهاج حديث يعتمده الكثير من ~~أدبائنا في الوقت الحاضر، ولا يؤخذ عليه سوى استطراده أو تكراره لأخبار نحن ~~بغنى عنها. # وهذا الكتاب صدى لشخصية صاحبه، فهو أديب رفيع الذوق في انتخاب الأخبار، ~~مثقف ثقافة واسعة، كثير الميل إلى الأدب والتاريخ. كما يعد كتابه مرجعا ذا ~~فائدة كبيرة في عالم الأخبار والأدب، والمؤلف فيه صاحب ملكة مرهفة للتعبير ~~النثري الدقيق، مما جعله فريدا بين كتب القديم وأحد مصادر النقل الرئيسية، ~~تأثر به ابن عبد ربه في كتابه «العقد الفريد» كثيرا سواء في الترتيب ~~والتبويب أو فيما جاء به من موضوعات. # ورغم أنه طبع غير مرة في غير بلد فإني رأيت أن أعنى به لما فيه من تصحيف ~~وتحريف ونقص وزيادة، فراجعته وقابلت كثيرا من نصوصه بما يوافقها في مصادر ~~أخرى ككتاب البيان والتبيين للجاحظ، والعقد الفريد لابن عبد ربه، والأغاني ~~لأبي الفرج الأصفهاني، والكامل في اللغة والأدب للمبرد، والكامل في التاريخ ~~لابن الأثير وغيرها من المصادر والمراجع. ونظرت فيه # PageV01P006 # بدقة متناهية، وقمت بضبط ألفاظه، وأوضحت ما غمض فيه من مشكلات مكملا ما ~~نقص من عباراته ومتحريا أصح ما قيل في نسبة الشعر والنثر إلى أصحابه، فجشمت ~~الأمر معتمدا في ذلك النصب على الراحة، فكان أن ترجمت لأكثر من ثلاثماية ~~شخصية أدبية وعلمية وفسرت أكثر من تسعين آية قرآنية وردت جميعها في الجزئين ~~الأول والثاني مع تحديد العديد من المواضع والأماكن؛ لأن الجزئين الثالث ~~والرابع قام بشرحهما وضبطهما زميلي الدكتور مفيد قمحية. وبذلك خرج هذا ~~الكتاب في ثوب قشيب لم يعتد القراء على مثله من الطبعات السابقة التي تكاد ~~تخلو من الحواشي والتوضيحات، راجيا أن يشبع رغبات أهل العلم وملتمسا العذر ~~منهم إن هم عثروا فيه على خطأ؛ ذلك العصمة ليست إلا لرب العالمين. # وارتأيت أن أتمم عملي هذا بتقديم نبذة عن سيرة المؤلف موجزة، فأقول: هو ~~الكاتب أبو «1» محمد عبد الله بن المسلم بن قتيبه الدينوري (بكسر الدال ~~وسكون الياء وفتح النون والواو معا وكسر الراء وتشديد الياء) سمي بذلك لأنه ~~ولي قضاء الدينور مدة فنسب إليها «2» . والدينور بلدة من بلاد الجبل عند ~~قرميسين خرج منها خلق كبير «3» . وقال عنه السمعاني: إنه من أهل الدينور، ~~أقام بها مدة فنسب إليها «4» . وقيل: المروزي (بفتح الميم والواو وسكون ~~الراء ثم الزاي المكسورة والياء المشدودة) نسبة إلى مرو الشاهجان (بسكون ~~الهاء) ومرو الشاهجان مدينة عظمى تبعد أربعين فرسخا عن مدينة مروروذ، وهي ~~إحدى كراسي خراسان، وكراسي خراسان أربع مدن؛ مرو # PageV01P007 # الشاهجان، ونيسابور، وهراة، وبلخ. قيل لها: مرو الشاهجان لتتميز عن مرو ~~الروذ. والشاهجان لفظ عجمي معناه «العظيم» و «روح الملك» ؛ فالشاه: # الملك، والجان: الروح. ومرو هذه بناها الإسكندر ذو القرنين، وكانت سرير ~~الملك بخراسان، وزادوا في النسبة إليها حرف الزاي فيقال: مروزي كما قالوا ~~في النسبة إلى الري: رازي، وإلى إصطخر: إصطخرزي. ومرو روذ (بفتح الميم ~~وسكون الراء وفتح الواو وتشديد الراء المضمومة وتسكين الواو) أشهر مدن ~~خراسان، وهي مدينة مبنية على نهر، والنهر يقال له بالعجمية «الروذ» بضم ~~الراء وسكون الواو، والنسبة إليها مرو روذي ومروزي «1» . # وأبو محمد من أصل فارسي، إذ ولد أبوه مسلم بمرو، لذا يقال له المروزي «2» ~~. وذكر الخطيب البغدادي والسمعاني أن ولادة أبي محمد كانت ببغداد سنة 213 ~~«3» ه. وقال ابن خلكان: ولد ابن قتيبة ببغداد، وقيل: # بالكوفة «4» . وقال النديم وابن الأنباري: ولد في الكوفة في مستهل رجب ~~سنة 213 «5» ه، ولذلك يقال له الكوفي. ولم يشر ابن الأثير إلى مكان ولادته ~~بل اكتفى بالقول: «وهو كوفي» «6» . وقال ابن خلكان والسمعاني والسيوطي إنه ~~نزل بغداد فتربى فيها وسكنها وعلى أهل العلم فيها تثقف حتى قام فيها بمهمة ~~التعليم مدة «7» . وقال القفطي: ولد ببغداد ونشأ بها وتأدب «8» . وقال ~~بروكلمان: # ولي ابن قتيبة قضاء الدينور ثم انتقل إلى بغداد فظل يزاول التدريس ~~والتعليم # PageV01P008 # بها إلى أن توفي سنة 276 «1» ه. وقتيبه (بضم القاف وفتح التاء وسكون ~~الياء وفتح الباء وبعدها هاء ساكنة) هي تصغير قتبة، بكسر القاف، وهي واحدة ~~الأقتاب أي الأمعاء، وبها سمي جده، والنسبة إليه قتبي (بضم القاف وفتح ~~التاء وكسر الباء وتشديد الياء) ولذلك لقبه الذهبي بالقتيبي «2» . وقال ~~السمعاني: # القتيبي والقتبي نسبة إلى جده قتيبة المشهور بهذه النسبة، أو إلى بطن من ~~باهلة وهم رهط قتيبة بن معن بن باهلة ابن هلال «3» . وليس صحيحا ما ذكره ~~الزركلي من أن ابن الأنباري سماه عبد الله بن مسلمة وأن اسمه وقع في دائرة ~~المعارف الإسلامية محمد بن مسلم «4» . # وكان ابن قتيبة في نظر الخطيب البغدادي وابن خلكان والقفطي والسيوطي وابن ~~العماد الحنبلي ثقة دينا فاضلا «5» . وقول الدارقطني إنه كان يميل إلى ~~التشبيه قول مردود في نظر السيوطي؛ لأن له مؤلفا في الرد على المشبهة «6» . ~~وأضاف السيوطي قائلا: قال البيهقي: كان ابن قتيبة كراميا «7» ، # PageV01P009 # وقال الحاكم: إجتمعت الأمة على أنه كذاب، وقال الحافظ الذهبي: ما علمت ~~أحدا اتهم القتيبي في نقله مع أن الخطيب قد وثقه، وما أعلم الأمة أجمعت إلا ~~على كذب الدجال ومسيلمة «1» . وقال ابن العماد: قال الذهبي في المغني: عبد ~~الله بن قتيبة رجل صدوق، وقال الحاكم: أجمعت الأمة على أن القتيبي كذاب، ~~قلت هذا بغي وتخرص، بل قال الخطيب هو ثقة «2» . # ولقد عاصر ابن قتيبة الجاحظ، إلا أنه كان على خلاف معه؛ فالجاحظ معتزلي ~~من المتكلمين، وهو من أهل السنة كما يقول ابن تيمية «3» . سكن بغداد ودرس ~~فيها علم الحديث دراسة واسعة على يد أساتيذ كبار، كان أولهم أبو يعقوب ~~إسحاق بن أبي الحسن إبراهيم بن مخلد بن تميم بن مرة الحنظلي المروزي ~~المعروف بابن راهويه. جمع هذا بين الحديث والفقه والورع وكان أحد أئمة ~~الإسلام. عده البيهقي في أصحاب الشافعي، وقال أحمد بن حنبل: # إسحاق عندنا إمام من أئمة المسلمين. وقال إسحاق عن نفسه: أحفظ سبعين ألف ~~حديث وأذاكر بمئة ألف حديث، وما سمعت شيئا قط إلا حفظته. له مسند مشهور. ~~وكانت ولادته سنة 161 ه، وقيل: سنة 163 ه، وقيل: سنة 166 ه. رحل إلى الحجاز ~~والعراق واليمن والشام، وسمع من سفيان بن عيينة ومن في طبقته، وسمع منه ~~البخاري ومسلم والترمذي. سكن في آخر # PageV01P010 # عمره نيسابور وتوفي بها سنة 238 ه، وقيل: سنة 237 ه، وقيل سنة 230 ه. ~~وراهويه (بفتح الراء وبعد الألف هاء ساكنة ثم واو مفتوحة وبعدها ياء وهاء ~~ساكنتان) لقب أبيه أبي الحسن إبراهيم، لقب به لأنه ولد في طريق مكة، ~~والطريق بالفارسية «راه» و «ويه» بمعنى «وجد» فكأنه وجد في الطريق «1» . # وشيخ ابن قتيبة الثاني هو أبو حاتم السجستاني الذي ذكره أبو الطيب اللغوي ~~الحلبي والخطيب البغدادي وابن الأنباري فقالوا: أخذ ابن قتيبة عن أبي حاتم ~~السجستاني وغيره «2» . ولكن ابن خلكان والسيوطي أفردا له ترجمة كاملة ~~فقالا: أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان بن يزيد الجشمي السجستاني نحوي لغوي ~~مقرىء، نزيل البصرة وعالمها، إذ لم يكن جو بغداد يحلو له ليقيم به طويلا. ~~كان إماما في علوم القرآن والآداب، عالما باللغة والشعر وعلم العروض، وعنه ~~أخذ المبرد فكان يحضر حلقته ويلازم القراءة عليه وهو غلام. له شعر جيد، ~~ولكنه لم يكن حاذقا بالنحو فكان إذا اجتمع بالمازني في دار عيسى بن جعفر ~~الهاشمي تشاغل وبادر بالخروج خوف أن يسأله بمسألة في النحو. ونشير هنا إلى ~~أنه قرأ كتاب سيبويه على الأخفش مرتين، وروى عن أبي عبيدة والأصمعي ~~وغيرهما. وكان يختم القرآن في كل أسبوع. # من مصنفاته: «إعراب القرآن» و «ما يلحن فيه العامة» و «الطير» و «المذكر ~~والمؤنث» و «النبات» و «المقصور والممدود» و «القراءات» و «الإدغام» و ~~«الحشرات» و «الوحوش» و «السيوف والرماح» . وكانت وفاته في سنة 248 ه، وقيل ~~سنة 250 ه، وقيل سنة 254 ه، وقيل سنة 255 ه، بالبصرة. # والجشمي (بضم الجيم وفتح الشين وبعدها ميم مكسورة وياء مشددة) نسبة إلى ~~عدة قبائل، لكل منها جشم. والسجستاني (بكسر السين والجيم وسكون # PageV01P011 # السين الثانية وفتح التاء) نسبة إلى سجستان الإقليم المشهور. وقيل: نسبة ~~إلى سجستان أو سجستانة إحدى قرى البصرة «1» . # والثالث الذي حدث عنه ابن قتيبة ببغداد هو أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان بن ~~سليمان بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن زياد بن أبيه الزيادي. وقد ترجم له ~~السيوطي- نقلا عن ياقوت- فقال: كان الزيادي نحويا لغويا راوية، قرأ على ~~سيبويه كتابه ولم يتمه، وروى عن أبي عبيدة والأصمعي، وكان شاعرا ذا دعابة. ~~توفي سنة 249 ه. ومن مصنفاته «الأمثال» و «تنميق الأخبار» «2» . # وترجم له ابن خلكان وذكر أحد تلاميذه ببغداد وهو أبو بكر يموت بن المزرع ~~العبدي البصري، وقال: قدم ابن المزرع بغداد في سنة 301 ه وهو شيخ كبير، ~~فحدث بها عن الزيادي، وأبي حاتم السجستاني، وأبي الفضل الرياشي، وعبد ~~الرحمن ابن أخي الأصمعي «3» . وقد ذكر القفطي هؤلاء الأساتيذ الثلاثة دون ~~أن يترجم لهم فقال: «روى (ابن قتيبة) عن العلماء أمثال إسحاق بن راهويه، ~~ومحمد بن زياد الزيادي، وأبي حاتم السجستاني» «4» . كما ذكرهم الخطيب ~~البغدادي والسمعاني وقالا: محمد ابن زياد الزيادي بدلا من إبراهيم بن سفيان ~~الزيادي. وأضافا إليهم أبا الخطاب زياد بن يحيى الحساني «5» . # والرجل الرابع الذي حدث عنه ابن قتيبة هو أبو الفضل العباس بن الفرج ~~الرياشي اللغوي النحوي الذي ذكره أبو الطيب اللغوي وقال: أخذ ابن قتيبة عن ~~الرياشي وغيره «6» . وقد ترجم له السيوطي فقال: قرأ الرياشي النحو على # PageV01P012 # المازني، وقرأ عليه المازني اللغة. وأضاف: قال السيرافي: كان الرياشي ~~عالما باللغة والشعر كثير الرواية عن الأصمعي، وأخذ عن المبرد، وله مصنفات ~~كثيرة منها كتاب الخيل وكتاب الإبل. قتله الزنج بالبصرة بالأسياف وهو يصلي ~~وذلك سنة 257 «1» ه. كذلك حدث ابن قتيبة عن رجال آخرين نذكر منهم عبد ~~الرحمن ابن أخي الأصمعي «2» ، وحرملة بن يحيى التجيبي المتوفى سنة 243 ه، ~~وأبا الخطاب زياد بن يحيى الحساني البصري المتوفى سنة 254 ه. ولم يذكر ابن ~~العماد من مشايخه سوى ابن راهويه فقال: # «سكن (ابن قتيبة) بغداد وحدث بها عن ابن راهويه وطبقته» «3» . # ولما اشتغل ابن قتيبة بالتدريس في بغداد تخرج عليه تلاميذ كثر نذكر منهم ~~ابنه أبا جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة. ولد أبو جعفر هذا ببغداد ~~وكان فقيها قاضيا روى عن أبيه كتبه المصنفة كلها. تولى القضاء بمصر، وكان ~~قدمها في 18 من جمادى الآخرة سنة 321 ه، وتوفي بها في شهر ربيع الأول سنة ~~322 ه وهو على القضاء «4» . وترجم له ياقوت في معجم الأدباء فقال: كان أحمد ~~كاتبا، حدث بكتب أبيه كلها بمصر حفظا ولم يكن معه كتاب، وحدث عنه أبو الفتح ~~المراغي النحوي، وعبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي وغيرهما. وقال السيوطي: حدث ~~عن عبد الله بن قتيبة ابنه القاضي أحمد «5» . وقال السمعاني: إن ابنه أبا ~~أحمد عبد الواحد بن أحمد بن عبد الله ابن مسلم بن قتيبة، المولود ببغداد ~~سنة 270 ه، روى بمصر عن أبيه عن جده كتبه المصنفة. وأضاف: كان حفيد ابن ~~قتيبة ثقة «6» . # PageV01P013 # كذلك روى عن ابن قتيبة أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه بن المرزبان ~~الفارسي الفسوي. وقد ترجم له ابن خلكان فقال: إبن درستويه نحوي وعالم فاضل ~~أخذ فن الأدب عن ابن قتيبة والمبرد وغيرهما ببغداد، وأخذ عنه جماعة من ~~الأفاضل كالدارقطني وغيره، وأضاف قائلا: ولد ابن درستويه سنة 258 ه وتوفي ~~سنة 347 ه ببغداد، وكان أبوه من كبار المحدثين وأعيانهم. ودرستويه (بضم ~~الدال والراء وسكون السين وضم التاء وفتح الواو وسكون الياء) هكذا قاله ~~السمعاني، وقال ابن ماكولا في كتاب «الإكمال» : هو بفتح الدال والراء ~~والواو. وتصانيفه في غاية الجودة والإتقان، منها» تفسير كتاب الجرمي» و ~~«الإرشاد» في النحو، و «الهجاء» و «شرح الفصيح» و «المقصور والممدود» و ~~«غريب الحديث» و «معاني الشعر» و «الحي والميت» و «الأعداد» و «أخبار ~~النحويين» «1» . كذلك ترجم له السيوطي فقال: كان ابن درستويه أحد من اشتهر ~~وعلا قدره وكثر علمه، صحب المبرد ولقي ابن قتيبه، وكان جيد التصنيف، وأخذ ~~عن الدارقطني وغيره «2» . وهنا يناقض قول آبن خلكان السابق الذكر: «وأخذ ~~عنه جماعة من الأفاضل كالدارقطني وغيره» «3» . # وأضاف السيوطي قائلا: كان ابن درستويه شديد الإنتصار للبصريين في النحو ~~واللغة «4» . كذلك ذكره الخطيب البغدادي وابن الأنباري فقالا: «وأخذ عنه ~~(عن ابن قتيبة) أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه وغيره» «5» . وقال ~~القفطي: # روى عن ابن قتيبة العلماء كولده أحمد، وأبي محمد عبد الله بن جعفر بن ~~درستويه الفارسي «6» . # PageV01P014 # وممن رووا عن ابن قتيبة نذكر أيضا أبا سعيد الهيثم بن كليب بن شريج ابن ~~معقل الشاشي البنكثي، وقد ترجم له ياقوت فقال: أصله من ترمذ (وقيل بكسر ~~التاء والميم جميعا، وقيل بضمهما) سكن بنكث (بكسر الباء وسكون النون وفتح ~~الكاف) فنسب إليها. وبنكث قصبة إقليم الشاش. وكان إماما أديبا حافظا رحالا ~~قرأ الأدب على أبي محمد عبد الله بن مسلم ببغداد، وروى عن عيسى بن أحمد ~~العسقلاني، وأبي عيسى الترمذي وغيرهما من أهل خراسان والعراق. روى عنه أبو ~~القاسم علي بن أحمد بن محمد الخزاعي. مات أبو سعيد بالشاش سنة 335 ه. وأضاف ~~ياقوت قائلا: وله مسند في مجلدين ضخمين سمعناه بمرو على أبي المظفر عبد ~~الرحيم بن أبي سعد الحافظ «1» . والشاش- كما يذكر ابن خلكان- مدينة وراء ~~نهر سيحون «2» . # ومن تلاميذ صاحب «عيون الأخبار» نذكر كذلك أبا محمد قاسم بن أصبغ بن محمد ~~بن يوسف بن ناصح بن عطاء البياني، مولى الوليد بن عبد الملك بن مروان. وقد ~~ترجم له الحميدي فقال: إنه إمام من أئمة الحديث وحافظ مكثر مصنف، كان من ~~الثقة والجلالة بحيث اشتهر أمره. أصله من بيانة، وسكن قرطبة عاصمة بني أمية ~~بالأندلس، وبها مات سنة 340 ه عن سن عالية. سمع محمد بن وضاح، ومحمد بن عبد ~~السلام الخشني وجماعة، ثم رحل إلى بغداد فسمع أبا إسماعيل محمد بن إسماعيل ~~الترمذي، وأبا محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة. من مصنفاته «أحكام القرآن» ~~و «فضائل قريش» و «في الناسخ والمنسوخ» «3» . كذلك ترجم له السيوطي- نقلا ~~عن ابن الفرضي- فقال: كان ابن أصبغ بصيرا بالحديث والرجال، نبيلا في النحو ~~والشعر، سمع ببغداد من ثعلب والمبرد وابن قتيبة «4» . # PageV01P015 # كذلك روى عن ابن قتيبة عبيد الله بن عبد الرحمن السكري، وإبراهيم بن محمد ~~بن أيوب الصائغ، وعبيد الله بن أحمد بن بكير التميمي «1» . ولم يذكر ابن ~~العماد سوى اثنين من تلاميذ ابن قتيبة هما أحمد بن عبد الله بن مسلم بن ~~قتيبة وابن درستويه «2» . # ولقد اتسعت معارف ابن قتيبة بحيث بدا لنا حاملا صولجان المعرفة والعلم، ~~مرتديا ثوب الجدل والحوار، مصنفا من الفئة الأولى بين كبار العلماء ~~والأدباء والكتاب. تصانيفه متعددة النواحي تتناول معارف عصره وتعد من أمهات ~~المكتبة العربية والإسلامية. وكان هدفه من أكثر مصنفاته- كما يقول ~~بروكلمان- أن يقدم إلى طبقة الكتاب وأصحاب الدواوين ما يسد حاجتها من الأدب ~~والتاريخ، ولكنه تناول في اثنين من كتبه مسائل الخلاف التي كانت سائدة في ~~عصره، فراح يدافع بقوة عن القرآن والحديث تجاه مطاعن الفلاسفة وأهل الشك من ~~علماء الكلام «3» . ولقد أقرأ جميع مؤلفاته ببغداد إلى حين وفاته، وإليكها: ### | 1- # معاني الشعر الكبير: يدور هذا الكتاب، كما هو واضح من عنوانه، حول ~~موضوعات الشعر، وهو مطبوع في حيدر آباد، دائرة المعارف العثمانية، سنة 1949 ~~(3 أجزاء في مجلدين) تحت اسم «كتاب المعاني الكبير في أبيات المعاني» . ~~ولقد ذكره النديم وقال: يحتوي على اثنتي عشر كتابا، منها كتاب الفرس ويضم ~~46 بابا، وقد عده القفطي «4» كتابا مستقلا بذاته. كتاب الإبل ويضم 16 بابا. ~~كتاب الحرب، عشرة أبواب. كتاب القدور، عشرون بابا. كتاب الديار، عشرة ~~أبواب. كتاب الرياح، أحد وثلاثون # PageV01P016 # بابا. كتاب السباع والوحوش، سبعة عشر بابا. كتاب الهوام، أربعة وعشرون ~~بابا. كتاب الأيمان والدواهي، سبعة أبواب. كتاب النساء والغزل، باب واحد. ~~كتاب الشيب والكبر، ثمانية أبواب. كتاب تصحيف العلماء، باب واحد «1» . هذا ~~وذكر القفطي وبروكلمان هذا الكتاب باسم «معاني الشعر» وذكره الزركلي باسم ~~«المعاني» وقال: إنه مطبوع ويقع في ثلاثة مجلدات «2» . ولقد ذكر حاجي خليفة ~~كتبا لثعلب والأخفش وابن عبدوس الكوفي وابن درستويه تحمل اسم «معاني الشعر» ~~دون أن يذكر اسم ابن قتيبة أو كتابه «3» . ### | 2- # عيون الشعر: ذكره ابن النديم وقال: يحتوي على عشرة كتب هي؛ كتاب المراتب، ~~كتاب القلائد، كتاب المحاسن، كتاب المشاهد، كتاب الشواهد، كتاب الجواهر، ~~كتاب المراكب، كتاب المناقب، كتاب المعاني، وكتاب المدائح «4» . ### | 3- # الشعر والشعراء: ألفه ابن قتيبة- كما يذكر في مقدمته- في الشعراء، وأخبر ~~فيه عن الشعراء وأزمانهم وأحوالهم وقبائلهم وأسماء آبائهم، وعن أقسام الشعر ~~وطبقاته، وكان أكثر قصده للمشهورين من الشعراء الذين يعرفهم جل أهل الأدب. ~~وله طبعات عديدة، منها طبعة دار الثقافة ببيروت، سنة 1969، ويقع في جزئين. ~~وورد في الفهرست ودائرة المعارف الإسلامية بهذا الإسم «5» . وذكره أبو ~~الطيب اللغوي باسم «الشعراء» «6» كما ذكره ابن # PageV01P017 # خلكان والقفطي والسيوطي وابن العماد الحنبلي باسم «طبقات الشعراء» «1» . # ثم عاد ابن خلكان وذكره باسم «أخبار الشعراء» «2» . ### | 4- # المراتب والمناقب عن عيون الشعر: ذكره النديم والسيوطي دون تعليق «3» . ~~وقد يكون جزء من كتاب «عيون الشعر» الذي يحتوي على عشرة كتب، من بينها ~~كتابا «المراتب» و «المناقب» . ### | 5- # أدب الكاتب: ذكره ابن خلكان وقال: كان العلماء يقولون: كتاب أدب الكاتب ~~خطبة بلا كتاب لأنه طول الخطبة وأودعها فوائد. وأضاف قائلا: # يحوي أدب الكاتب من كل شيء وهو مفنن، وإن كانت الخطبة فيه طويلة لا يعني- ~~كما يقول أكثر أهل العلم- أنه خطبة بلا كتاب «4» . ثم علق عليه في مكان آخر ~~فقال: صنفه ابن قتيبه للوزير أبي الحسن عبيد الله بن يحيى بن خاقان، وزير ~~المعتمد بن المتوكل الخليفة العباسي «5» . ولقد صرح ابن قتيبه بذلك في ~~مقدمة كتابه فقال: «فالحمد لله الذي أعاذ الوزير أبا الحسن- أيده الله- من ~~هذه الرذيلة، وأبانه بالفضيلة ... » «6» وذكره ابن خلدون فقال: «وسمعنا من ~~شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول هذا الفن (الأدب) وأركانه أربعة دواوين ~~وهي: أدب الكاتب لابن قتيبة، وكتاب الكامل للمبرد، وكتاب البيان والتبيين ~~للجاحظ، وكتاب النوادر لأبي علي القالي البغدادي. وما سوى هذه الأربعة فتبع ~~لها وفروع عنها» «7» . وذكر ابن خلكان أن أبا محمد عبد الله بن # PageV01P018 # محمد المعروف بابن السيد البطليوسي الأندلسي المتوفى سنة 521 ه شرح هذا ~~الكتاب شرحا مستوفى، ونبه على مواضع الغلط منه، وفيه دلالة على كثرة اطلاع ~~الرجل، وسماه «الإقتضاب في شرح أدب الكتاب» «1» . وكتاب «الإقتضاب» هذا ~~حققه مصطفى السقا وحامد عبد المجيد، القاهرة، سنة 1980. وذكره حاجي خليفة ~~وقال: قيل إن كتاب «أدب الكاتب» خطبة بلا كتاب لطول خطبته مع أنه قد حوى من ~~كل شيء. وله شروح أفضلها شرح أبي محمد عبد الله بن محمد المعروف بابن السيد ~~البطليوسي، وهو شرح مفيد جدا ذكر منه أن غرضه تفسير الخطبة والتنبيه على ~~غلطه، وشرح أبياته، وقد قسم على ثلاثة أجزاء؛ الأول في شرح الخطبة، والثاني ~~في التنبيه على الغلط، والثالث في شرح أبياته، وسماه «الإقتضاب في شرح أدب ~~الكتاب» . # ومنها شرح أبي منصور موهوب بن أحمد الجواليقي المتوفى سنة 539 ه، وسليمان ~~بن محمد الزهراوي، وأبي علي حسن بن محمد البطليوسي المتوفي سنة 576 ه، ~~وأحمد بن داود الجذامي المتوفى سنة 598 ه، وإسحاق بن إبراهيم الفارابي ~~المتوفي سنة 350 ه. وشرح بعضهم خطبته خاصة كأبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق ~~الزجاجي المتوفى سنة 339 ه، ومبارك بن مفاخر النحوي المتوفي سنة 500 ه، ~~وبعضهم شرح أبياته كأحمد بن محمد الخارزنجي المتوفى سنة 348 ه «2» . وذكره ~~بروكلمان وقال: صنفه ابن قتيبه قبل كتاب «عيون الإخبار» ، وقام بشرحه أبو ~~القاسم عبد الرحمن الزجاجي المتوفى سنة 337 ه، والجواليقي، وابن السيد ~~البطليوسي «3» . كما ذكره القفطي، وابن الأثير، والنديم، وابن الأنباري، ~~والسمعاني، وابن العماد الحنبلي دون تعليق «4» . وورد آسمه في دائرة ~~المعارف الإسلامية مع إشارة إلى # PageV01P019 # أنه محقق سنة 1900 «1» . وذكره الخطيب البغدادي باسم «أدب الكتاب» «2» ~~وهذا الكتاب مطبوع في ليدن بريل سنة 1900، وهناك تحقيق آخر لمحمد محي الدين ~~عبد الحميد، القاهرة، سنة 1963، وطبعة أخرى حققها محمد الدالي، بيروت، ~~مؤسسة الرسالة 1982. ### | 6- # ديوان الكتاب: ذكره النديم والسيوطي وحاجي خليفة دون تعليق «3» . ### | 7- # إعراب القرآن: ذكره النديم والقفطي والسيوطي وابن العماد دون تعليق «4» . ~~وورد في دائرة المعارف الإسلامية هذه العبارة: هذا الكتاب بالنسبة إلينا من ~~الكتب الميتة «5» . وذكره ابن خلكان باسم «إعراب القراءات» «6» . وقد يكون ~~ذلك تحريفا من الناسخ، وكيفما اختلفت التسمية فإنهما كتاب واحد، وإن كتاب ~~«القراءات» الذي سيرد اسمه بعد قليل هو غير «إعراب القراءات» . # وفي فصل «علم إعراب القرآن» ذكر حاجي خليفة عددا كبيرا من العلماء الذين ~~صنفوا في إعراب القرآن، دون أن يذكر اسم ابن قتيبة. من هؤلاء أبو حاتم سهل ~~بن محمد السجستاني المتوفى سنة 248 ه، وأبو العباس محمد ابن يزيد المعروف ~~بالمبرد النحوي المتوفى سنة 286 ه، وأبو زكريا يحيى ابن علي الخطيب ~~التبريزي المتوفى سنة 502 ه، وأبو عبد الله حسين بن أحمد المعروف بابن ~~خالويه وغيرهم. وأضاف قائلا: علم إعراب القرآن من فروع علم التفسير، ولكنه ~~في الحقيقة هو من علم النحو «7» . # PageV01P020 ### | 8- # معانى القرآن: ذكره السيوطي دون أي تعليق يذكر «1» . ### | 9- # مشكل القرآن: يبحث في قوة بيان العرب، وإعجاز القرآن ووجوهه واللحن ~~والمتشابه منه، وقد ذكره الخطيب البغدادي، والقفطي، وابن الأنباري، ~~والسمعاني، وابن خلكان، وابن العماد نقلا عن ابن خلكان، والسيوطي، ~~وبروكلمان «2» . وذكره النديم باسم «المشكل» «3» وقد يعني بذلك «مشكل ~~القرآن» أو «مشكل الحديث» . وورد في دائرة المعارف الإسلامية باسم «تأويل ~~مشكل القرآن» «4» . وبهذا الإسم الأخير شرحه ونشره السيد أحمد صقر، ~~القاهرة، دار إحياء الكتب العربية 1954. وطبع مرة ثانية في القاهرة، دار ~~التراث، سنة 1973. وقد جمع بينه وبين «غريب القرآن» العلامة ابن مطرف ~~الكناني في كتاب أسماه «كتاب القرطين» ، وطبع هذا الكتاب بالقاهرة. ### | 10- # غريب القرآن: هو تتمة لكتاب «مشكل القرآن» وقد ذكره الخطيب البغدادي، ~~والقفطي، وابن الأنباري، وابن خلكان، والسيوطي، وابن العماد، والبغدادي دون ~~تعليق «5» . وورد في الأعلام ودائرة المعارف الإسلامية باسم «تفسير غريب ~~القرآن» «6» ، وهو مطبوع بهذا الاسم الأخير بتحقيق السيد أحمد صقر، ~~القاهرة، دار إحياء الكتب العربية 1958. ### | 11- # الرد على القائل بخلق القرآن: ذكره السيوطي دون تعليق «7» . # PageV01P021 ### | 12- # القراءات: ذكره النديم دون تعليق «1» . وورد في دائرة المعارف الإسلامية ~~هذه العبارة: هذا الكتاب، بالنسبة إلينا، من الكتب الميتة «2» . ### | 13- # آداب القراءة: ذكره حاجي خليفة «3» . ### | 14- # غريب الحديث: يعالج هذا الكتاب مسائل الحديث منذ الرسول صلى الله عليه ~~وسلم حتى معاوية، وقد ذكره النديم وقال: أحسن فيه المؤلف «4» . وذكره ~~الخطيب البغدادي، والقفطي، وابن الأنباري، والسمعاني، وابن خلكان، ~~والسيوطي، وابن العماد نقلا عن ابن خلكان، دون تعليق يذكر «5» . وذكره حاجي ~~خليفة في فصل عنوانه «علم غريب الحديث والقرآن» فقال: جمع أبو عبيد القاسم ~~بن سلام المتوفى سنة 224 ه كتابا في غريب الحديث أفنى فيه عمره حتى لقد قيل ~~فيما يروى عنه أنه جمعه في أربعين سنة، وبقي كتابه في أيدي الناس يرجعون ~~إليه في غريب الحديث إلى عصر ابن قتيبة، فصنف هذا كتاب «غريب الحديث» ~~المشهور، «حذا فيه حذو أبي عبيد فجاء كتابه مثل كتابه أو أكبر منه، وقال في ~~مقدمته: أرجو أن لا يكون بقي بعد هذين الكتابين من غريب الحديث ما يكون ~~لأحد فيه مقال ولا غريب القرآن أيضا» «6» . وذكره الزركلي وقال: طبع منه ~~جزآن فقط في الهند، ومنه أجزاء مخطوطة في الخزانة الظاهرية بدمشق «7» . # PageV01P022 ### | 15- # مختلف الحديث: يذكر فيه المؤلف المشبهة وينسبهم إلى الافتراء على الله ~~تعالى في أحاديث التشبيه، كما يتهم فيه الجاحظ بأنه يذكر حجج النصارى على ~~المسلمين بأقوى مما يذكر الرد عليهم. ولقد ذكر هذا الكتاب كل من النديم، ~~والسمعاني، والسيوطي، ولكن دون تعليق «1» . وذكره ابن خلكان وحاجي خليفة ~~باسم «إختلاف الحديث» «2» . وذكره الزركلي وبروكلمان باسم «تأويل مختلف ~~الحديث» وقال هذا الأخير: يحاول فيه ابن قتيبة إبطال جميع اعتراضات ~~الفلاسفة على الحديث من وجهة نظر أهل السنة «3» . كذلك ورد في دائرة ~~المعارف الإسلامية بهذا الإسم الأخير وجاء فيها أنه من أشهر كتب ابن قتيبة ~~في الفقه «4» . كما طبع هذا الكتاب بهذا الإسم في مطبعة كردستان العلمية ~~سنة 1326 ه بتحقيق فرج الله زكي الكردي، ومحمود شكري الألوسي، ومحمود ~~شبندار زاد. وهناك طبعة القاهرة بتصحيح محمد زهري النجار، سنة 1966. ### | 16- # إختلاف تأويل الحديث: ذكره النديم والسيوطي دون تعليق «5» . # ويرجح أن يكون هذا الكتاب نفس كتاب «مختلف الحديث» السابق الذكر. ### | 17- # مشكل الحديث: ذكره الخطيب البغدادي، والقفطي، وابن الأنباري، والسمعاني، ~~وابن خلكان، وابن العماد «6» . وذكره النديم باسم «المشكل» «7» وقد يعني به ~~«مشكل الحديث» أو «مشكل القرآن» . # PageV01P023 ### | 18- # المشتبه من الحديث والقرآن: ذكره الزركلي وقال: إنه ما يزال مخطوطا «1» . ~~وذكره بروكلمان باسم «المتشابه من الحديث والقرآن» «2» . ### | 19- # إصلاح غلط أبي عبيد في غريب الحديث: يكشف هذا الكتاب، كما يتضح من ~~عنوانه، أخطاء أبي عبيد القاسم بن سلام، التي وردت في كتابه «غريب الحديث» ~~. ولقد ذكره النديم «3» . وسماه حاجي خليفة «إصلاح غلط أبي عبيدة» وقال: ~~شرحه أبو المظفر محمد بن آدم الهروي المتوفى سنة 414 «4» ه. وذكره القفطي، ~~وابن خلكان، وابن العماد نقلا عن ابن خلكان، باسم «إصلاح الغلط» «5» . ~~وذكره السيوطي باسم «إصلاح غلط أبي عبيد» «6» . # وورد في دائرة المعارف الإسلامية باسم «إصلاح الغلط في غريب الحديث لأبي ~~عبيد القاسم بن سلام» (آيا صوفيا، 457، ظاهرية، 7899) «7» . ### | 20- # المسائل والجوابات: ذكره النديم، وابن خلكان، والقفطي دون تعليق «8» . ~~وذكره بروكلمان بهذا الإسم أيضا وقال: أكثره مستمد من الحديث «9» . وذكره ~~السيوطي والزركلي ودائرة المعارف الإسلامية باسم «المسائل والأجوبة» «10» . ~~ولقد طبع هذا الكتاب باسم «المسائل والأجوبة في # PageV01P024 # الحديث واللغة» ، القاهرة، مكتبة القدسي، سنة 1349 ه، ويقع في ثمان ~~وعشرين صفحة تدور كلها حول أجوبة ابن قتيبة عن أسئلة كانت وجهت إليه، وتختص ~~الأسئلة والأجوبة بالحديث أكثر مما تختص باللغة. ### | 21- # جامع الفقه: ذكره النديم دون تعليق «1» . وذكره القفطي باسم كتاب «الفقه» ~~«2» . كذلك ورد بهذا الإسم في دائرة المعارف الإسلامية مع العبارة التالية: # هذا الكتاب، بالنسبة إلينا، من الكتب الميتة «3» . ### | 22- # التفقيه: ذكره النديم وقال: «هذا الكتاب رأيت منه ثلاثة أجزاء بنحو ~~ستمائة ورقة بخط نزك «4» وكانت تنقص على التقريب جزئين، وسألت عن هذا ~~الكتاب جماعة من أهل الجبل فزعموا أنه موجود وهو أكبر من كتاب البندنيجي ~~وأحسن» «5» . كذلك بهذا الإسم كل من القفطي وحاجي خليفة «6» . # وذكره ابن خلكان باسم «التقفية» «7» ، وأعتقد أنه خطأ من المحقق وليس من ~~الناسخ. ### | 23- # دلائل النبوة: ذكره النديم، والسيوطي، وحاجي خليفة دون تعليق «8» . كما ~~ورد في دائرة المعارف الإسلامية بنفس الإسم مع التعليق التالي: هذا كتاب لا ~~أهمية له تذكر، فهو بالنسبة إلينا، من الكتب الميتة «9» . # PageV01P025 # وذكره ابن الأنباري باسم «دلائل النبوة من الكتب المنزلة على الأنبياء ~~عليهم السلام» «1» . ### | 24- # معجزات النبي صلى الله عليه وسلم: ذكره أبو الطيب اللغوي الحلبي «2» . ### | 25- # إدريس النبي: لم يرد اسم هذا الكتاب في أي من المصادر التي تترجم لابن ~~قتيبة، وهو مخطوط في مكتبة الجامعة الأميركية تحت رقم. L Sa A LL 21 I 170. ~~L MS LL. ### | 26- # خلق الإنسان: يبحث في أسماء أعضاء الإنسان وصفاته، وقد ذكره النديم، ~~والسيوطي، وحاجي خليفة دون تعليق «3» . ### | 27- # الرد على المشبهة: في هذا الكتاب يدفع ابن قتيبة عن نفسه تهمة الزندقة ~~التي رمي بها، وهو لم يرم بها إلا لأنه تخطى معاصريه إلى مرتبة الأفذاذ ~~النابهين ووصل إلى درجة من العلم لم يستطيعوا التوصل إليها. ولقد ذكره بهذا ~~الإسم كل من النديم، والقفطي، والسيوطي «4» . وتجدر الإشارة هنا أن حاجي ~~خليفة ذكر كتاب «الرد على المشبهة» للقاضي بدر الدين ابن جماعة محمد بن ~~إبراهيم الشافعي المتوفى سنة 733 ه دون أن يذكر اسم ابن قتيبة «5» . وورد ~~في تاريخ الأدب العربي ودائرة المعارف الإسلامية «6» باسم «الإختلاف في ~~اللفظ والرد على الجهمية «7» والمشبهة» . طبع هذا الكتاب # PageV01P026 # بالإسم الأخير بتصحيح الشيخ محمد زاهر الكوثري، القاهرة، مكتبة القدس، ~~سنة 1349 ه. ويقع في ست وثمانين صفحة. ### | 28- # جامع النحو: ذكره النديم والسيوطي «1» . وقال حاجي خليفة: وهو كبير وصغير ~~«2» . وذكره أبو الطيب اللغوي والقفطي باسم «النحو» «3» كما ورد في دائرة ~~المعارف الإسلامية بهذا الإسم الأخير وعد فيها من الكتب الميتة «4» . ### | 29- # جامع النحو الصغير: ذكره النديم والسيوطي «5» . وذكره القفطي باسم «النحو ~~الصغير» «6» . ### | 30- # التسوية بين العرب والعجم: ذكره النديم والقفطي وبروكلمان «7» . ### | 31- # فضل العرب على العجم: ذكره الزركلي وقال: إنه ما يزال مخطوطا ويقع في ~~أربعين ورقة «8» . والمعلوم أن الأستاذ جمال الدين القاسمي نشر بعضا من هذا ~~الكتاب في مجلة المقتبس، المجلد الرابع ص 657- 668 ومن ص 721 حتى 735. كذلك ~~نشر الأستاذ محمد كرد علي قطعة منه في رسائل البلغاء، طبعة 1331 ه/ 1913 م ~~من ص 269 حتى 295. وورد # PageV01P027 # هذا الكتاب في دائرة المعارف الإسلامية باسم كتاب «العرب» وجاء فيها: # حققه كرد علي في رسائل البلغاء سنة 1946 «1» . ونحن نعتقد أن ابن عبد ربه ~~نقل عنه في العقد الفريد، الجزء الثالث في فصل عنوانه: «كتاب اليتيمة في ~~النسب وفضائل العرب» . ### | 32- # الرد على الشعوبية: ذكره الزركلي وقال: إنه مطبوع. وذكره بروكلمان وقال: ~~إنه مطبوع في رسائل البلغاء لمحمد كرد علي، القاهرة سنة 3131 ه/ 1913 «2» ~~م. ### | 33- # العرب وعلومها: ذكره الزركلي وقال: إنه مخطوط. وذكره بروكلمان وقال: يوجد ~~قسم منه في القاهرة «3» . ### | 34- # الألفاظ المغربة بالألقاب المعربة: ذكره الزركلي وقال: إنه مخطوط في ~~القرويين. وجاء في دائرة المعارف الإسلامية ما نصه: هذا الكتاب من الكتب ~~المشكوك بنسبتها إلى ابن قتيبة «4» . ### | 35- # البلغة في شذور اللغة: هذا الكتاب عبارة عن عشر مقالات لغوية لأئمة كتبة ~~العرب، وقد ظهر معظمها في مجلة المشرق، وألحقت بالفهارس على طريقة حروف ~~المعجم. نشرها أوغست هفنر والأب لويس شيخو، بيروت، المطبعة الكاثوليكية، ~~سنة 1908، وتقع في 176 صفحة. ### | 36- # تقويم اللسان: ذكره حاجي خليفة دون تعليق «5» . ### | 37- # الإشتقاق: ذكره الزركلي وقال: إنه مخطوط «6» . # PageV01P028 ### | 38- # تعبير الرؤيا: ذكره أبو الطيب اللغوي، وذكره النديم ضمن الكتب المؤلفة في ~~موضوع تعبير الرؤيا ككتب الكرماني وابن سيرين وغيرهما. # كما ذكر في دائرة المعارف الإسلامية وجاء فيها: هذا الكتاب، بالنسبة ~~الينا، من الكتب الميتة «1» . وتحت عنوان «علم تعبير الرؤيا» قال حاجي ~~خليفة: هو علم يتعرف منه المناسبة بين التخيلات النفسانية والأمور الغيبية ~~لينتقل من الأولى إلى الثانية. وذكر كتبا مصنفة في التعبير دون أن يذكر اسم ~~كتاب ابن قتيبة «2» . ### | 39- # المعرفة: لم يرد اسم هذا الكتاب في أي من المصادر التي تترجم لابن قتيبة. ~~وهو مخطوط في مكتبة الجامعة الأميركية، مكتوب بخط فارسي واضح، سنة 1020 تحت ~~رقم 135 7. 492. ### | 40- # المعارف: هو كتاب في التاريخ يتناول فيه المؤلف مسألة مبدأ الخلق، وقصة ~~الطوفان، وتاريخ الأنبياء والرسل، وسيرة الرسول الكريم ومغازيه، والعرب ~~الجاهليين، وأنساب العرب، وأخبار الصحابة والتابعين والخلفاء والولاة إلى ~~عصر ابن قتيبة، ورواة الشعر، والفقهاء والمحدثين والقراء وأصحاب الأخبار، ~~والنحو. وفي الختام يذكر نوادر الحوادث ويتحدث عن أسر الملوك في جنوبي ~~الجزيرة وشمالها، وملوك الفرس قبل الإسلام. والمؤلف في هذا الكتاب ينقل عن ~~الكتب السماوية والعهد القديم مما يشير إلى أنه كان على دراية بالكتاب ~~المقدس. ولقد ذكره ابن خلكان وقال: إن هذا الكتاب يترجم للرواة وأشهر ~~الخطباء العرب المشهورين بالفصاحة والبلاغة «3» . ولا بد أن نشير هنا إلى ~~أن ابن خلكان ينقل من هذا الكتاب معلومات لا يستهان بها أوردها في صفحات # PageV01P029 # عديدة من كتابه «وفيات الأعيان» ، كما ينقل من كتب ابن قتيبة الأخرى ولا ~~سيما «الشعر والشعراء» منها. ولقد ذكره أبو الطيب اللغوي، والنديم، والخطيب ~~البغدادي، والقفطي، وابن الأنباري، وابن الأثير، والسمعاني، وابن العماد، ~~والزركلي، ودائرة المعارف الإسلامية «1» . وذكره بروكلمان وقال: # يستقى من مقدمة «عيون الأخبار» أن كتابي «المعارف» و «الأشربة» هما ~~بمثابة تكملة لكتاب «عيون الأخبار» «2» . وهذا الكتاب مطبوع في غوتنجن، سنة ~~1850، وطبع في مصر بتحقيق ثروت عكاشة، القاهرة، سنة 1960. ويوجد طبعة دار ~~المعارف، سنة 1969 (ويقع في 817 صفحة) وطبعة القاهرة سنة 1300 ه (ويقع في ~~227 صفحة) . ### | 41- # الأشربة: يتضمن هذا الكتاب الحديث عن المشروبات الخمرية بأسلوب أدبي ~~جميل. ولقد ذكره النديم، والقفطي، وابن خلكان، وحاجي خليفة، وابن العماد ~~نقلا عن ابن خلكان، والزركلي، ودائرة المعارف الإسلامية «3» . وهو كتاب ~~مطبوع في مطبعة الترقي بدمشق سنة 1366 ه/ 1947 بتحقيق الأستاذ محمد كرد ~~علي، ويقع في 147 صفحة. # ولقد نقل ابن عبد ربه عنه ما يتعلق بباب الطعام والشراب وضمنه كتابه ~~«العقد الفريد» في فصل «في فرش الفريدة الثانية» الجزء السادس ص 290- 378. ### | 42- # العلم: ذكره النديم وقال: يقع في خمسين ورقة. وذكره القفطي دون تعليق «4» ~~. # PageV01P030 ### | 43- # القلم: ذكره السيوطي دون تعليق «1» . وقد يكون هو نفس كتاب «العلم» بحيث ~~حصل تحريف من المحقق أو الناسخ. ### | 44- # الأنوار: يبحث هذا الكتاب في مواسم العرب ويتحدث عن علم النجوم، ومنازل ~~القمر، والفصول، والبروج، والرياح، والبرق، والسحاب. # ولقد ذكره النديم، والقفطي، وابن خلكان، والسيوطي، وحاجي خليفة، ~~وبروكلمان، ودائرة المعارف الإسلامية «2» . وذكره السمعاني باسم «الأنوار» ~~«3» ولعله تحريف من المحقق أو الناسخ. وهو كتاب مطبوع في حيدر آباد، 1375 ~~ه/ 1956، ويقع في 235 صفحة. ### | 45- # فرائد الدر: ذكره النديم دون تعليق «4» . ### | 46- # حكم الأمثال: ذكره النديم «5» . ### | 47- # الحكاية والمحكي: ذكره النديم «6» أيضا. ### | 48- # الخيل: ذكره النديم، والقفطي، وابن خلكان، والسيوطي «7» . # وذكره حاجي خليفة باسم «الحيل» «8» بالحاء، ولعله تحريف من الناسخ أو ~~المحقق. ### | 49- # الرحل والمنزل: ذكره الزركلي وقال: إنه مطبوع، وهو عبارة عن # PageV01P031 # رسالة. وذكره بروكلمان وقال: نشره لويس شيخو في مجموعة L Dix ancicns LL ~~L traites LL رقم 5 «1» . ### | 50- # النبات: ذكره الزركلي دون تعليق «2» . ### | 51- # الجراثيم: ذكره بروكلمان وقال: يستوعب أصول العالم والبهائم وأسماء أنواع ~~الأرض والشجر والنبات وغير ذلك «3» . ### | 52- # الميسر والقداح: ذكره النديم، وابن خلكان، والقفطي، وحاجي خليفة، وابن ~~العماد، والزركلي، ودائرة المعارف الإسلامية «4» . وهو كتاب مطبوع في 173 ~~صفحة، نسخه وصححه محب الدين الخطيب، القاهرة المطبعة السلفية، سنة 1343 ه. ### | 53- # آداب العشرة: ذكره النديم دون تعليق «5» . ### | 54- # الجوابات الحاضرة: ذكره السيوطي وحاجي خليفة «6» . ### | 55- # الكلام: ورد في دائرة المعارف الإسلامية ما نصه: كتاب «الكلام» من كتب ~~ابن قتيبة التي نعتبرها ميتة «7» . ### | 56- # تاريخ الخلفاء أو الإمامة والسياسة: يبحث في تاريخ الخلفاء المسلمين منذ ~~الخلفاء الراشدين وحتى استخلاف المأمون من قبل الرشيد، ويتضمن الحديث عن ~~فتح الأندلس وولاتها. ولقد شك العلماء في نسبة هذا الكتاب لابن قتيبة، ~~مستندين في ذلك على أن أحدا من العلماء الذين ترجموا # PageV01P032 # له لم يذكره، فقال الزركلي: «وللعلماء نظر في نسبته إليه» «1» ، وقال ~~بروكلمان: # ينسب هذا الكتاب لابن قتيبة، إذ يذكر دي خويه أنه صنف بمصر أو في بلاد ~~المغرب في أثناء حياة ابن قتيبة، وأن بعض أقسامه مأخوذة عن كتاب في التاريخ ~~ينسب إلى ابن حبيب المتوفى سنة 239 «2» ه. وورد في دائرة المعارف الإسلامية ~~ما نصه: هذا الكتاب من الكتب المشكوك بنسبتها إلى ابن قتيبة «3» . وقال ~~دوزي في صدر كتابه «تاريخ الأندلس وآدابه» : أشك في صحة نسبة هذا الكتاب ~~إلى ابن قتيبة لأسباب كثيرة. وقال محقق كتاب «أدب الكاتب» في مقدمته: ينسب ~~إلى ابن قتيبة كتاب «الإمامة والسياسة» ، «ولكن الأثبات من ذوي الدراية ~~والبحث يشكون كثيرا- وحق لهم- في أن يكون ابن قتيبة ناسج بردته» . طبع هذا ~~الكتاب بمصر بتحقيق طه محمد الزيتي، مؤسسة الحلبي، القاهرة 1967. وأعادت ~~طبعة مؤسسة الوفاء بلبنان سنة 1981، وهي طبعة رديئة. والكتاب جزآن في مجلد. ~~ونشر ريبيرا مختارات منه في كتاب «تاريخ افتتاح الأندلس» لابن القوطية، ~~صفحة 105- 106، مدريد، سنة 1926. ### | 57- # وصية لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة إلى ولده: تقع في خمس عشرة ~~صفحة، نشرها إسحق موسى الحسيني ببيروت سنة 1954. ### | 58- # أرجوزة الظاء والضاد: ذكرها بروكلمان وقال: نشرها داود چلبي في مجلة لغة ~~العرب، الجزء السابع ص 461- 463 «4» . # ولقد اختلف الاقدمون في تحديد وفاة ابن قتيبة فقال النديم: توفي سنة 270 ~~«5» ه. وقال الخطيب البغدادي: قرأت على الحسن بن أبي بكر عن # PageV01P033 # أحمد بن كامل القاضي، قال: مات عبد الله بن مسلم بن قتيبة في ذي القعدة ~~سنة سبعين ومائتين. وأضاف قائلا: أخبرنا محمد بن عبد الواحد، حدثنا محمد بن ~~العباس قال: قرىء على ابن المنادى- وأنا أسمع- قال: # مات ابن قتيبة فجأة؛ صاح صيحة سمعت من بعد ثم أغمي عليه ومات. قال ابن ~~المنادى: أخبرني أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن أيوب بن بشير الصائغ أن ابن ~~قتيبة أكل هريسة فأصاب حرارة ثم صاح صيحة شديدة وأغمي عليه إلى وقت صلاة ~~الظهر فاضطرب ساعة ثم هدأ فما زال يتشهد إلى وقت السحر ومات وذلك أول ليلة ~~من رجب سنة ست وسبعين ومائتين «1» . وقال السمعاني: # مات ابن قتيبة فجاءة، صاح صيحة سمعت من بعد ثم أغمي عليه ثم هدأ فما زال ~~يتشهد إلى وقت السحر ومات وذلك أول ليلة من رجب سنة 276 ه، وقيل: مات في ذي ~~القعدة سنة 270 «2» ه. وهكذا ينقل السمعاني عن الخطيب البغدادي إلا أنه لم ~~يذكر عن الهريسة شيئا. وذكر السيوطي أن الهريسة كانت سببا في موت ابن ~~قتيبة، معتمدا في ذلك على ما جاء به الخطيب البغدادي، ومخالفا إياه في ~~تحديد الوفاة فقال: مات ابن قتيبة سنة 267 «3» ه. وذهب ابن الأنباري ~~والقفطي مذهب الخطيب فرويا كيفية موت ابن قتيبة ولم يرجحا سنة وفاته ~~فتراوحت عندهما بين 270 ه و 276 «4» ه. # وكذلك ذهب ابن الأثير فقال؛ توفي ابن قتيبة سنة 276 ه، وقيل: سنة 270 «5» ~~ه. أما ابن خلكان فقد تميز بموقفه حين حدد سنة الوفاة فقال: قيل: # توفي ابن قتيبة في ذي القعدة سنة 270 ه، وقيل: سنة 271 ه، وقيل: أول ليلة ~~في رجب وقيل منتصف رجب سنة 276 ه، والقول الأخير أصح # PageV01P034 # الأقوال. ثم عاد وروى نفس ما رواه الخطيب حول كيفية موته «1» . كذلك ذكر ~~ابن العماد رواية من تقدمه، وقال: توفي ابن قتيبة سنة 276 «2» ه. أما حاجي ~~خليفة فإنه تعثر في تحديد الوفاة فذهب إلى أنها كانت في سنة 276 ه، ثم قال: ~~توفي ابن قتيبة سنة 270 ه. وفي مكان آخر يقول: توفي سنة 267 ه، ثم ذكر سنة ~~266 ه، وأخيرا حدد سنة 263 «3» ه. # ولقد أشاد والمؤرخون بذكر ابن قتيبة وأطنب النقاد والكتاب في الثناء عليه ~~فعدوه إمام مدرسة بغداد النحوية، التي خلطت بين مذهبي البصريين والكوفيين. ~~ففي مقالته الثانية من كتابه «الفهرست» تحت عنوان «أسماء وأخبار جماعة من ~~علماء النحويين واللغويين ممن خلطوا المذهبين» قال النديم: كان ابن قتيبة ~~عالما نحويا لغويا، صادقا فيما يرويه، ورغم أنه كان يغلو في البصريين، فقد ~~خلط المذهبين وحكى في كتبه عن الكوفيين. وأضاف قائلا: # كان عالما في غريب القرآن ومعانيه وفي الشعر والفقه كثير التصنيف ~~والتأليف «4» . وتجدر الإشارة هنا أن المدرستين المتنافستين في البصرة ~~والكوفة أخذتا منذ القرن الثالث الهجري، تتقاربان وتندمجان إحداهما في ~~الأخرى «5» . # وقال الخطيب البغدادي: إبن قتيبة «هو صاحب التصانيف المشهورة» «6» . # وذهب ابن الأنباري إلى أنه فاضل في اللغة والنحو والشعر متفنن في العلوم ~~«7» ، وقال القفطي: ابن قتيبة نحوي لغوي عالم وصاحب التصانيف # PageV01P035 # الحسان في فنون العلم «1» . وقال ابن خلكان وابن العماد: ابن قتيبة لغوي ~~نحوي، وتصانيفه كلها مفيدة «2» . وهو في نظر السيوطي لغوي نحوي كاتب وراس ~~في العربية واللغة والأخبار وأيام الناس «3» . وقال بروكلمان: تجاوزت شهرته ~~دائرة النحو واللغة العربية «4» . وقال الزركلي: كان ابن قتيبة من أئمة ~~الأدب ومن المصنفين المكثرين «5» . أما أبو الطيب اللغوي فقد وقف موقفا ~~مناقضا لمواقف هؤلاء فقال نقلا عن الأشنانداني خلط ابن قتيبة عليه بحكايات ~~عن الكوفيين لم يكن أخذها عن ثقات، وكان يتسرع في أشياء لا يقوم بها نحو ~~تعرضه لتأليف كتابه في النحو، وكتابه في «تعبير الرؤيا» وكتابه في «معجزات ~~النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله» و «عيون الأخبار» و «المعارف» و ~~«الشعراء» ونحو ذلك مما أزرى به عند العلماء، وإن كان نفق بها عند العامة ~~ومن لا بصيرة له «6» . # وكان لا بد أن نشير إلى الدراسة القيمة التي قام بها عبد الحميد الجندي ~~بعنوان: «ابن قتيبة: العالم الناقد الأديب» طبعة القاهرة، المؤسسة المصرية ~~العامة للطباعة والنشر، سنة 1963، وتقع في 436 صفحة. # وأخير أقدم جزيل شكري ووافر تقديري للأستاذ محمد علي بيضون مدير دار ~~الكتب العلمية للفتة الكريمة التي بدرت منه وكانت حافزا لي على تحمل # PageV01P036 # مشاق هذا العمل. كما أعترف بفضل زميلي الدكتور مفيد قمحية في إخراج هذا ~~الكتاب على هذا النمط. # والله نسأل الهداية إلى سبيل الرشاد بيروت في 12 آب 1985 الدكتور يوسف ~~علي طويل أستاذ الأدب الأندلسي في الجامعة اللبنانية # PageV01P037 ### | مقدمة المؤلف # بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. # قال الإمام أبو محمد بن مسلم بن قتيبة الدينوري رضي الله عنه: الحمد لله ~~الذي يعجز بلاؤه صفة الواصفين وتفوت آلاؤه عدد العادين وتسع رحمته ذنوب ~~المسرفين، والحمد الله الذي لا تحجب عنه دعوة ولا تخيب لديه طلبة ولا يضل ~~عنده سعي، الذي رضي عن عظيم النعم بقليل الشكر وغفر بعقد الندم كبير الذنوب ~~ومحا بتوبة الساعة خطايا السنين، والحمد لله الذي ابتعث فينا البشير النذير ~~السراج المنير هاديا إلى رضاه وداعيا إلى محابته ودالا على سبيل جنته ففتح ~~لنا باب رحمته وأغلق عنا باب سخطه. صلى الله وملائكته المقربون عليه وعلى ~~آله وصحبه أبدا ما طما بحر وذر شارق وعلى جميع النبيين والمرسلين. # أما بعد، فإن لله في كل نعمة أنعم بها حقا وعلى كل بلاء أبلاه زكاة: # فزكاة المال الصدقة، وزكاة الشرف التواضع، وزكاة الجاه بذله، وزكاة العلم ~~نشره، وخير العلوم أنفعها، وأنفعها أحمدها مغبة، وأحمدها مغبة ما تعلم وعلم ~~لله وأريد به وجه الله تعالى. # ونحن نسأل الله تعالى، جل وعلا، أن يجعلنا بما علمنا عاملين وبأحسنه ~~آخذين ولوجهه الكريم بما نستفيد ونفيد مريدين ولحسن بلائه عندنا # PageV01P041 # عارفين وبشكره آناء الليل والنهار هارفين إنه أقرب المدعوين وأجود ~~المسؤولين. # وإني كنت تكلفت لمغفل التأدب من الكتاب كتابا من المعرفة وفي تقويم ~~اللسان واليد حين تبينت شمول النقص ودروس العلم وشغل السلطان عن إقامة سوق ~~الأدب حتى عفا ودرس، بلغت به فيه همة النفس وثلج الفؤاد وقيدت عليه به ما ~~أطرفني الاله ليوم الإدالة، وشرطت عليه مع تعلم ذلك تحفظ عيون الحديث ~~ليدخلها في تضاعيف سطوره متمثلا إذا كاتب، ويستعين بما فيها من معنى لطيف ~~ولفظ خفيف حسن إذا حاور. ولما تقلدت له القيام ببعض آلته دعتني الهمة إلى ~~كفايته وخشيت إن وكلته فيما بقي إلى نفسه وعولت له على اختياره أن تستمر ~~مريرته على التهاون ويستوطىء مركبه من العجز فيضرب صفحا عن الآخر كما ضرب ~~صفحا عن الأول، أو يزاول ذلك بضعف من النية وكلال من الحد فيلحقه خور ~~الطباع وسآمة الكلفة. فأكملت له ما ابتدأت وشيدت ما أسست وعملت له في ذلك ~~من طب لمن حب بل عمل الوالد الشفيق للولد البر ورضيت منه بعاجل الشكر وعولت ~~على الله في الجزاء والأجر. # فإن هذا الكتاب، وإن لم يكن في القرآن والسنة وشرائع الدين وعلم الحلال ~~والحرام، دال على معالي الأمور مرشد لكريم الأخلاق زاجر عن الدناءة ناه عن ~~القبيح باعث على صواب التدبير وحسن التقدير ورفق السياسة وعمارة الأرض وليس ~~الطريق إلى الله واحدا ولا كل الخير مجتمعا في تهجد الليل وسرد الصيام وعلم ~~الحلال والحرام، بل الطرق إليه كثيرة وأبواب الخير واسعة وصلاح الدين بصلاح ~~الزمان، وصلاح الزمان بصلاح السلطان، وصلاح السلطان بعد توفيق الله ~~بالإرشاد وحسن التبصير. # PageV01P042 # وهذه عيون الأخبار نظمتها لمغفل التأدب تبصرة ولأهل العلم تذكرة ولسائس ~~الناس ومسوسهم مؤدبا وللمولك مستراحا من كد الجد والتعب وصنفتها أبوابا ~~وقرنت الباب بشكله والخبر بمثله والكلمة بأختها ليسهل على المتعلم علمها ~~وعلى الدارس حفظها وعلى الناشد طلبها، وهي لقاح عقول العلماء ونتاج أفكار ~~الحكماء وزبدة المخض وحلية الأدب وأثمار طول النظر والمتخير من كلام ~~البلغاء وفطن الشعراء وسير الملوك وآثار السلف. جمعت لك منها ما جمعت في ~~هذا الكتاب لتأخذ نفسك بأحسنها وتقومها بثقافها وتخلصها من مساوىء الأخلاق ~~كما تخلص الفضة البيضاء من خبثها، وتروضها على الأخذ بما فيها من سنة حسنة ~~وسيرة قويمة وأدب كريم وخلق عظيم، وتصل بها كلامك إذا حاورت وبلاغتك إذا ~~كتبت، وتستنجح بها حاجتك إذا سألت، وتتلطف في القول إن شفعت، وتخرج من ~~اللوم بأحسن العذر إذا اعتذرت فإن الكلام مصايد القلوب والسحر الحلال، ~~وتستعمل آدابها في صحبة سلطانك وتسديد ولايته ورفق سياسته وتدبير حروبه، ~~وتعمر بها مجلسك إذا جددت وأهزلت وتوضح بأمثالها حججك وتبذ باعتبارها خصمك ~~حتى يظهر الحق في أحسن صورة وتبلغ الإرادة بأخف مؤونة، وتستولي على الأمد ~~وأنت وادع وتلحق الطريدة ثانيا من عنانك وتمشي رويدا وتكون أولا هذا إذا ~~كانت الغريزة مواتية والطبيعة قابلة والحس منقادا، فإن لم يكن كذلك ففي هذا ~~الكتاب، لمن أراه عقله نقص نفسه فأحسن سياستها وستر بالأناة والروية عيبها ~~ووضع من دواء هذا الكتاب على داء غريزته وسقاها بمائه وقدح فيها بضيائه، ما ~~نعش منها العليل وشحذ الكليل وبعث الوسنان وأيقظ الهاجع حتى يقارب بعون ~~الله رتب المطبوعين. # ولم أر صوابا أن يكون كتابى هذا وقفا على طالب الدنيا دون طالب # PageV01P043 # الآخرة ولا على خواص الناس دون عوامهم «1» ولا على ملوكهم دون سوقتهم، ~~فوفيت كل فريق منهم قسمه ووفرت عليه سهمه وأودعته طرفا من محاسن كلام ~~الزهاد في الدنيا وذكر فجائعها والزوال والانتقال وما يتلاقون به إذا ~~اجتمعوا ويتكاتبون به إذا افتر قول في المواعظ والزهد والصبر والتقوى ~~واليقين وأشباه ذلك لعل الله يعطف به صادفا، ويأطر على التوبة متجانفا، ~~ويردع ظالما ويلين برقائقه قسوة القلوب. ولم أخله مع ذلك من نادرة طريفة ~~وفطنة لطيفة وكلمة معجبة وأخرى مضحكة لئلا يخرج عن الكتاب مذهب سلكه ~~السالكون وعروض أخذ فيها القائلون، ولأروح بذلك عن القارىء من كد الجد ~~وإتعاب الحق فإن الأذن مجاجة والنفس حمضة، والمزح إذا كان حقا أو مقاربا ~~ولأحايينه وأوقاته وأسباب أوجبته مشاكلا ليس من القبيح ولا من المنكر ولا ~~من الكبائر ولا من الصغائر إن شاء الله. # وسينتهي بك كتابنا هذا إلى باب المزاح والفكاهة وما روى عن الأشراف ~~والأئمة فيهما، فإذا مر بك، أيها المتزمت، حديث تستخفه أو تستحسنه أو تعجب ~~منه أو تضحك له فاعرف المذهب فيه وما أردنا به. # واعلم أنك إن كنت مستغنيا عنه بتنسكك فإن غيرك ممن يترخص فيما تشددت فيه ~~محتاج إليه، وإن الكتاب لم يعمل لك دون غيرك فيهيأ على ظاهر محبتك، ولو وقع ~~فيه توقي المتزمتين لذهب شطر بهائه وشطر مائه ولأعرض عنه من أحببنا أن يقبل ~~إليه معك. # وإنما مثل هذا الكتاب مثل المائدة تختلف فيها مذاقات الطعوم لاختلاف ~~شهوات الآكلين، وإذا مر بك حديث فيه إفصاح بذكر عورة أو فرج # PageV01P044 # أو وصف فاحشة فلا يحملنك الخشوع أو التخاشع على أن تصعر خدك وتعرض بوجهك ~~فإن أسماء الأعضاء لا تؤثم وإنما المأثم في شتم الأعراض وقول الزور والكذب ~~وأكل لحوم الناس بالغيب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تعزى بعزاء ~~الجاهلية فأعضوه بهن «1» أبيه ولا تكنوا» . وقال أبو بكر الصديق، رضي الله ~~عنه، لبديل بن ورقاء «2» ،- حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن هؤلاء لو ~~قد مسهم حز السلاح لأسلموك-: «إعضض ببظر اللات «3» ، أنحن نسلمه!» . وقال ~~علي بن أبي طالب صلوات الله عليه: «من يطل أير أبيه ينتطق به» . وقال ~~الشاعر في هذا المعنى بعينه: [طويل] # فلو شاء ربي كان أير أبيكم ... طويلا كأير الحارث بن سدوس # قال الأصمعي: كان للحارث بن سدوس أحد وعشرون ذكرا، وقيل للشعبي: إن هذا ~~لا يجيء في القياس، فقال: أير في القياس، الولد ذكر. # وليس هذا من شكل ما تراه في شعر جرير والفرزدق لأن ذلك تعيير وابتهار في ~~الأخوات والأمهات وقذف للمحصنات الغافلات، فتفهم الأمرين وافرق بين ~~الجنسين، ولم أترخص لك في إرسال اللسان بالرفث «4» على أن تجعله هجيراك «5» ~~على كل حال «6» وديدنك في كل مقال، بل الترخص مني فيه عند حكاية تحكيها # PageV01P045 # أو رواية ترويها، تنقصها الكناية ويذهب بحلاوتها التعريض، وأحببت أن تجري ~~في القليل من هذا على عادة السلف الصالح في إرسال النفس على السجية والرغبة ~~بها عن لبسة الرياء والتصنع. ولا تستشعر أن القوم قارفوا وتنزهت وثلموا ~~أديانهم وتورعت. وكذلك اللحن إن مر بك في حديث من النوادر فلا يذهبن عليك ~~أنا تعمدناه وأردنا منك أن تتعمده لأن الإعراب ربما سلب بعض الحديث حسنه ~~وشاطر النادرة حلاوتها، وسأمثل لك مثالا: قيل لمزيد المديني- وقد أكل طعاما ~~كظه «1» : قي؛ فقال: ما أقي، أقي نقا ولحم جدي! مرتي طالق لو وجدت هذا قيا ~~لأكلته. ألا ترى أن هذه الألفاظ لو وفيت بالإعراب والهمز حقوقها لذهبت ~~طلاوتها ولاستبشعها سامعها وكان أحسن أحوالها أن يكافىء لطف معناها ثقل ~~ألفاظها فيكون مثل المخبر عنها ما قال الأول: [بسيط] # إضرب ندى طلحة «2» الخيرات إن فخروا ... ببخل أشعث واستثبت وكن حكما # تخرج خزاعة من لؤم ومن كرم ... فلا تعد لها لؤما ولا كرما # ولمثل هذا قال مالك بن أسماء «3» في جارية له: [خفيف] # أمغطى مني على بصري لل ... حب أم أنت أكمل الناس حسنا؟ # PageV01P046 # وحديث ألذه هو مما ... يشتهي الناعتون يوزن وزنا # منطق بارع وتلحن أحيا ... نا وأحلى الحديث ما كان لحنا «1» # وإن مر بك خبر أو شعر يتضع عن قدر الكتاب وما بني عليه فاعلم أن لذلك ~~سببين: أحدهما قلة ما جاء في ذلك المعنى مع الحاجة إليه، والسبب الآخر أن ~~الحسن إذا وصل بمثله نقص نوراهما ولم يتبين فاضل بمفضول. # وإذا وصل بما هو دونه أراك نقصان أحدهما من الآخر الرجحان، ومدار الأمر ~~وقوامه على واحدة تحتاج إلى أن تأخذ نفسك بها وهي أن تحضر الكلمة موضعها ~~وتصلها بسببها ولا ترى غبنا أن يتكلم الناس وأنت ممسك، فإذا رأيت حالا ~~تشاكل ما حضرك من القول أحضرته وفرصة تخاف فوتها انتهزتها، وكان يقال: ~~انتهزوا فرص القول فإن للقول ساعات يضر فيها الخطأ ولا ينفع فيها الصواب، ~~وقالوا: رب كلمة تقول: دعني. # وإن وقفت على باب من أبواب هذا الكتاب لم تره مشبعا فلا تقض علينا ~~بالإغفال حتى تتصفح الكتب كلها، فإنه رب معنى يكون له موضعان وثلاثة مواضع ~~فنقسم ما جاء فيه على مواضعه، كالتلطف في القول يقع في كتاب السلطان ويقع ~~في كتاب الحوائج ويقع في باب البيان، وكالإعتذار يقع في كتاب السلطان وفي ~~كتاب الإخوان، وكالبخل يقع في كتاب الطبائع وفي كتاب الطعام، وكالكبر ~~والمشيب يقع في كتاب الزهد، ويقع في كتاب النساء. # واعلم أنا لم نزل نتلقط هذه الأحاديث في الحداثة والإكتهال عمن هو # PageV01P047 # فوقنا في السن والمعرفة وعن جلسائنا وإخواننا ومن كتب الأعاجم وسيرهم ~~وبلاغات الكتاب في فصول من كتبهم وعمن هو دوننا غير مستنكفين أن نأخذ عن ~~الحديث سنا لحداثته ولا عن الصغير قدرا لخساسته ولا عن الأمة الوكعاء ~~لجهلها فضلا عن غيرها، فإن العلم ضالة المؤمن من حيث أخذه نفعه، ولن يزري ~~بالحق أن تسمعه من المشركين ولا بالنصيحة أن تستنبط من الكاشحين، ولا تضير ~~الحسناء أطمارها ولا بنات الأصداف أصدافها ولا الذهب الإبريز مخرجه من كبا ~~«1» ، ومن ترك أخذ الحسن من موضعه أضاع الفرصة، والفرص تمرمر السحاب. # حدثني أبو الخطاب قال: حدثنا أبو داود عن سليمان بن معاذ عن سماك عن ~~عكرمة عن ابن عباس قال: «خذوا الحكمة ممن سمعتموها منه، فإنه قد يقول ~~الحكمة غير الحكيم وتكون الرمية من غير الرامي» . وهذا يكون في مثل كتابنا ~~لأنه في آداب ومحاسن أقوام ومقابح أقوام والحسن لا يلتبس بالقبيح ولا يخفى ~~على من سمعه من حيث كان. فأما علم الدين والحلال والحرام فإنما هو استعباد ~~وتقليد ولا يجوز أن تأخذه إلا عمن تراه لك حجة ولا تقدح في صدرك منه ~~الشكوك، وكذلك مذهبنا فيما نختاره من كلام المتأخرين وأشعار المحدثين إذا ~~كان متخير اللفظ لطيف المعنى لم يزر به عندنا تأخر قائله كما أنه إذا كان ~~بخلاف ذلك لم يرفعه تقدمه فكل قديم حديث في عصره وكل شرف فأوله خارجيه، ومن ~~شأن عوام الناس رفع المعدوم ووضع الموجود ورفض المبذول وحب الممنوع وتعظيم ~~المتقدم وغفران زلته وبخس المتأخر والتجني عليه، والعاقل منهم ينظر بعين ~~العدل لا بعين الرضا ويزن الأمور بالقسطاس المستقيم. # PageV01P048 # وإني حين قسمت هذه الأخبار والأشعار وصنفتها وجدتها على اختلاف فنونها ~~وكثرة عدد أبوابها تجتمع في عشرة كتب بعد الذي رأيت إفراده عنها وهو أربعة ~~كتب متميزة، كل كتاب منها مفرد على حدته، كتاب الشراب، وكتاب المعارف، ~~وكتاب الشعر، وكتاب تأويل الرؤيا. # فالكتاب الأول من الكتب العشرة المجموعة «كتاب السلطان» وفيه الأخبار من ~~محل السلطان واختلاف أحواله وعن سيرته وعما يحتاج صاحبه إلى استعماله من ~~الآداب في صحبته وفي مخاطبته ومعاملته ومشاورته له وما يجب على السلطان أن ~~يأخذ به في اختيار عماله وقضاته وحجابه وكتابه وعلى الحكام أن يمتثلوه في ~~أحكامهم وما جاء في ذلك من النوادر وأبيات الشعر المشاكلة لتلك الأخبار. # والكتاب الثاني «كتاب الحرب» وهذا الكتاب مشاكل لكتاب السلطان فضممته ~~إليه وجعلتهما جزءا واحدا وفيه الأخبار عن آداب الحرب ومكايدها ووصايا ~~الجيوش وعن العدد والسلاح والكراع «1» وما جاء في السفر والمسير والطيرة ~~والفأل وما يؤمر به الغزاة والمسافرون، وأخبار الجبناء والشجعاء وحيل الحرب ~~وغيرها وشيء من أخبار الدولة والطالبيين وأخبار الأمصار وما جاء في ذلك من ~~النوادر وأبيات الشعر المشاكلة لتلك الأخبار. # والكتاب الثالث «كتاب السؤدد» وفيه الأخبار عن مخايل السؤدد في الحدث «2» ~~وأسبابه في الكبير وعن الهمة السامية والخطار بالنفس لطلب المعالي واختلاف ~~الإرادات والأماني والتواضع والكبر والعجب والحياء والعقل والحلم والغضب ~~والعز والهيبة والذل والمروءة واللباس والطيب والمجالسة # PageV01P049 # والبناء والمزاح وترك التصنع والتوسط في الأشياء وما يكره من الغلو ~~والتقصير واليسار والفقر والتجارة والبيع والشراء والمداينة والشريف من ~~أفعال الأشراف والسادة وما جاء في ذلك من النوادر وأبيات الشعر المشاكلة ~~لتلك الأخبار. # والكتاب الرابع كتاب الطبائع والأخلاق وهذا الكتاب مقارب لكتاب السؤدد ~~فضممته إليه وجعلتهما جزءا واحدا وفيه الأخبار عن تشابه الناس في الطبائع ~~وذمهم وعن مساوىء الأخلاق من الحسد والغيبة والسعاية والكذب والقحة وسوء ~~الخلق وسوء الجوار والسباب والبخل والحمق ونوادر الحمقى وطبائع الحيوان من ~~الناس والجن والأنعام والسباع والطير والحشرات وصغار الحيوان والنبات وما ~~جاء في ذلك من النوادر وأبيات الشعر المشاكلة لتلك الأخبار. # والكتاب الخامس «كتاب العلم» وفيه الأخبار عن العلم والعلماء والمتعلمين ~~وعن الكتب والحفظ والقرآن والأثر والكلام في الدين ووصايا المؤدبين والبيان ~~والبلاغة والتلطف في الجواب والكلام وحسن التعريض والخطب والمقامات وما جاء ~~في ذلك من النوادر وأبيات الشعر المشاكلة لتلك الأخبار. # والكتاب السادس «كتاب الزهد» وهذا الكتاب مقارب لكتاب العلم فضممته إليه ~~وجعلتهما جزءا واحدا وفيه الأخبار عن صفات الزهاد وكلامهم في الزهد والدعاء ~~والبكاء والمناجاة وذكر الدنيا والتهجد والموت والكبر والشيب والصبر ~~واليقين والشكر والاجتهاد والقناعة والرضا ومقامات الزهاد عند الخلفاء ~~والملوك ومواعظهم وغير ذلك وما جاء في ذلك من النوادر وأبيات الشعر ~~المشاكلة لتلك الأخبار. # والكتاب السابع «كتاب الإخوان» وفيه الحث على اتخاذ الإخوان # PageV01P050 # واختيارهم والأخبار عن المودة والمحبة وما يجب للصديق ومخالفته الناس ~~وحسن محاورتهم والتلاقي والزيارة والمعانقة والوداع والتهادي والعيادة ~~والتعازي والتهاني وذكر شرار الإخوان وذكر القرابات والولد والاعتذار وعتب ~~الإخوان وتعاديهم وتباغضهم وما جاء في ذلك من النوادر وأبيات الشعر ~~المشاكلة لتلك الأخبار. # والكتاب الثامن «كتاب الحوائج» وهذا الكتاب مقارب لكتاب الإخوان فضممته ~~إليه وجعلتهما جزءا واحدا فيه الأخبار عن استنجاح الحوائج بالكتمان والصبر ~~والجد والهدية والرشوة ولطيف الكلام ومن يعتمد في الحاجة ومن يستسعى لها ~~والإجابة إلى الحاجة والرد عنها والمواعيد وتنجزها وأحوال المسؤولين عند ~~السؤال في الطلاقة والعبوس والعادة من المعروف تقطع والشكر والثناء والتلطف ~~فيهما والترغيب في قضاء الحوائج واصطناع المعروف والحرص والإلحاح والقناعة ~~والاستعفاف وما جاء في ذلك من النوادر وأبيات الشعر المشاكلة لتلك الآخبار. # والكتاب التاسع «كتاب الطعام» ، وفيه الأخبار عن الأطعمة الطيبة والحلواء ~~والسويق «1» واللبن والتمر والخبائث منها التي يأكلها فقراء الأعراب، ~~ونازلة الفقر وأدب الأكل وذكر الجوع والصوم وأخبار الأكلة والمنهومين ~~والدعاء إلى المآدب والضيافة وأخبار البخلاء بالطعام وسياسة الأبدان بما ~~يصلحها من الغذاء والحمية وشرب الدواء ومضار الأطعمة منافعها ومصالحها ونتف ~~من طب العرب والعجم وما جاء في ذلك من النوادر وأبيات الشعر المشاكلة لتلك ~~الأخبار. # PageV01P051 # والكتاب العاشر «كتاب النساء» وهذا الكتاب مقارب لكتاب الطعام، والعرب ~~تدعو الأكل والنكاح الأطيبين فتقول: قد ذهب منه الأطيبان. # تريدهما، فضممته إليه وجعلتهما جزءا واحدا وفيه الأخبار عن اختلاف النساء ~~في أخلاقهن وخلقهن وما يختار منهن للنكاح وما يكره واختلاف الرجال في ذلك ~~والحسن والجمال والقبح والدمامة والسواد والعاهات والعجز والمشايخ والمهور ~~وخطب النكاح ووصايا الأولياء عند الهداء وسياسة النساء ومعاشرتهن والدخول ~~بهن والجماع والولادات ومساويهن خلا أخبار عشاق العرب فإني رأيت كتاب ~~الشعراء أولى بها فلم أودع هذا الكتاب منها إلا شيئا يسيرا، وما جاء في ذلك ~~من النوادر وأبيات الشعر المشاكلة لتلك الأخبار. # فهذه أبواب الكتب جمعتها لك في صدر أولها لأعفيك من كد الطلب وتعب التصفح ~~وطول النظر عند حدوث الحاجة إلى بعض ما أودعتها ولتقصد فيما تريد حين تريد ~~إلى موضعه فتستخرجه بعينه أو ما ينوب عنه ويكفيك منه، فإن هذه الأخبار ~~والأشعار وإن كانت عيونا مختارة أكثر من أن يحاط بها أو يوقف من ورائها أو ~~تنتهي حتى ينتهى عنها. # وقد خففت وإن كنت أكثرت، واختصرت وإن كنت أطلت، وتوقيت في هذه النوادر ~~والمضاحك ما يتوقاه من رضي من الغنيمة فيها بالسلامة ومن بعد الشقة ~~بالإياب، ولم أجد بدا من مقدار ما أودعته الكتاب منها لتتمم به الأبواب، ~~ونحن نسأل الله أن يمحو ببعض بعضا ويغفر بخير شرا وبجد هزلا ثم يعود علينا ~~بعد ذلك بفضله ويتغمدنا بعفوه ويعيذنا بعد طول الأمل فيه وحسن الظن به ~~والرجاء له من الخيبة والحرمان. # PageV01P052 ### | كتاب السلطان ### | محل السلطان وسيرته وسياسته # حدثنا محمد بن خالد بن خداش قال: حدثنا سلم بن قتيبة عن ابن أبي ذئب عن ~~المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستحرصون على ~~الإمارة ثم تكون حسرة وندامة يوم القيامة فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة «1» ~~. # حدثني محمد بن زياد الزيادي قال: حدثنا عبد العزيز الداروردي قال: # حدثنا شريك عن عطاء بن يسار أن رجلا قال عند النبي صلى الله عليه وسلم: ~~بئس الشيء الأمارة «2» . فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم الشيء ~~الإمارة لمن أخذها بحقها وحلها» . # حدثني زيد بن أخزم الطائي قال: حدثنا ابن قتيبة قال: حدثنا أبو المنهال ~~عن عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه قال: لما مات كسرى قيل ذلك للنبي صلى ~~الله عليه وسلم فقال: «من استخلفوا؟» فقالوا: ابنته بوران، قال: «لن يفلح ~~قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة» . # حدثني زيد بن أخزم قال: حدثنا وهب بن جرير قال: حدثنا أبي قال: # سمعت أيوب يحدث عن عكرمة عن ابن عباس أنه قدم المدينة زمن الحرة «3» # PageV01P053 # فقال: من استعمل القوم؟ قالوا: على قريش عبد الله بن مطيع، وعلى الأنصار ~~عبد الله بن حنظلة بن الراهب فقال: أميران! هلك والله القوم. # حدثنا محمد بن عبيد قال: حدثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحق عن هشام بن ~~حسان قال: كان الحسن يقول: «أربعة من الإسلام إلى السلطان الحكم والفيء ~~والجمعة والجهاد» . وحدثني محمد قال: حدثنا أبو سلمة عن حماد بن سلمة عن ~~أيوب عن أبي قلابة قال: قال كعب: «مثل الإسلام والسلطان والناس مثل الفسطاط ~~والعمود والأطناب والأوتاد، فالفسطاط الإسلام، والعمود السلطان، والأطناب ~~والأوتاد الناس، لا يصلح بعضه إلا ببعض» . # حدثني سهل بن محمد قال: حدثني الأصمعي قال: قال أبو حازم لسليمان بن عبد ~~الملك: «السلطان سوق فما نفق عنده أتي به» . وقرأت في كتاب لابن المقفع: ~~«الناس على دين السلطان إلا القليل فليكن للبر والمروءة عنده نفاق فسيكسد ~~بذلك الفجور والدناءة في آفاق الأرض» . وقرأت فيه أيضا: «الملك ثلاثة: ملك ~~دين وملك حزم وملك هوى، فأما ملك الدين فإنه إذا أقام لأهله دينهم فكان ~~دينهم هو الذي يعطيهم مالهم ويلحق بهم ما عليهم، أرضاهم ذلك وأنزل الساخط ~~منهم منزلة الراضي في الإقرار والتسليم. وأما ملك الحزم فإنه تقوم به ~~الأمور ولا يسلم من الطعن والتسخط ولن يضره طعن الضعيف مع حزم القوي. وأما ~~ملك الهوى فلعب ساعة ودمار دهر» . # حدثني يزيد بن عمرو عن عصمة بن صقير الباهلي قال: حدثنا اسحق ابن نجيح عن ~~ثور بن يزيد عن خالد بن معدان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن ~~لله حراسا فحراسه في السماء الملائكة وحراسه في الأرض الذين يأخذون ~~الديوان» . # PageV01P054 # حدثني أحمد بن الخليل قال: حدثني سعيد بن سلم الباهلي قال: # أخبرني شعبة عن شرقي عن عكرمة في قول الله عز وجل: له معقبات من بين يديه ~~ومن خلفه يحفظونه من أمر الله # قال: «الجلاوزة «2» يحفظون الأمراء» . # وقال الشاعر: [طويل] # ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... خليا من اسم الله والبركات # يعني باسم الله، وفيه قول الله يحفظونه من أمر الله # أي بأمر الله. # وقرأت في كتاب من كتب الهند: «شر المال ما لا ينفق منه وشر الإخوان ~~الخاذل وشر السلطان من خافه البريء وشر البلاد ما ليس فيه خصب ولا أمن» . # وقرأت فيه: «خير السلطان من أشبه النسر حوله الجيف لا من أشبه الجيفة ~~حولها النسور» وهذا معنى لطيف وأشبه الأشياء به قول بعضهم: # «سلطان تخافه الرعية خير للرعية من سلطان يخافها» . # حدثني شيخ لنا عن أبي الأحوص عن ابن عم لأبي وائل عن أبي وائل قال: قال ~~عبد الله بن مسعود: «إذا كان الإمام عادلا فله الأجر وعليك الشكر، وإذا كان ~~جائرا فعليه الوزر وعليك الصبر» . # وأخبرني أيضا عن أبي قدامة عن علي بن زيد قال: قال عمر بن # PageV01P055 # الخطاب رضي الله عنه: «ثلاث من الفواقر «1» .: جار مقامة «2» إن رأى حسنة ~~سترها وإن رأى سيئة أذاعها، وامرأة إن دخلت عليها لسنتك «3» وإن غبت عنها ~~لم تأمنها، وسلطان إن أحسنت لم يحمدك وإن أسأت قتلك» . # وقرأت في اليتيمة: «مثل قليل مضار السلطان في جنب منافعه مثل الغيث الذي ~~هو سقيا الله وبركات السماء وحياة الأرض ومن عليها، وقد يتأذى به السفر «4» ~~ويتداعى له البنيان وتكون فيه الصواعق وتدر سيوله فيهلك الناس والدواب ~~وتموج له البحار فتشتد البلية منه على أهله فلا يمنع الناس، إذا نظروا إلى ~~آثار رحمة الله في الأرض التي أحيا والنبات الذي أخرج والرزق الذي بسط ~~والرحمة التي نشر، أن يعظموا نعمة ربهم ويشكروها ويلغوا ذكر خواص البلايا ~~التي دخلت على خواص الخلق. ومثل الرياح التي يرسلها الله نشرا بين يدي ~~رحمته فيسوق بها السحاب ويجعلها لقاحا للثمرات وأرواحا للعباد يتنسمون منها ~~ويتقلبون فيها وتجري بها مياههم وتقد بها نيرانهم وتسير بها أفلاكهم وقد ~~تضر بكثير من الناس في برهم وبحرهم ويخلص ذلك إلى أنفسهم وأموالهم فيشكوها ~~منهم الشاكون ويتأذى بها المتأذون ولا يزيلها ذلك عن منزلتها التي جعلها ~~الله بها وأمرها الذي سخرها له من قوام عباده وتمام نعمته. ومثل الشتاء ~~والصيف اللذين جعل الله حرهما وبردهما صلاحا للحرث والنسل ونتاجا للحب ~~والثمر، يجمعها البرد بإذن الله ويحملها ويخرجها الحر بإذن الله وينضجها مع ~~سائر ما يعرف من منافعها وقد يكون الأذى والضر في حرهما وبردهما وسمائمهما ~~وزمهريرهما وهما مع ذلك لا ينسبان إلا إلى الخير # PageV01P056 # والصلاح. ومن ذلك الليل الذي جعله الله سكنا ولباسا وقد يستوحش له أخو ~~القفر وينازع فيه ذو البلية والريبة وتعدو فيه السباع وتنساب فيه الهوام ~~«1» ويغتنمه أهل السرق والسلة «2» ولا يزري صغير ضرره بكثير نفعه ولا يلحق ~~به ذما ولا يضع عن الناس الحق في الشكر لله على ما من به عليهم منه. ومثل ~~النهار الذي جعله الله ضياء ونشورا وقد يكون على الناس أذى الحر في قيظهم ~~وتصبحهم فيه الحروب والغارات ويكون فيه النصب والشخوص وكثير مما يشكوه ~~الناس ويستريحون فيه إلى الليل وسكونه. ولو أن الدنيا كان شيء من سرائها ~~يعم عامة أهلها بغير ضرر على بعضهم وكانت نعماؤها بغير كدر وميسورها من غير ~~معسور كانت الدنيا إذا هي الجنة التي لا يشوب مسرتها مكروه ولا فرحها ترح ~~والتي ليس فيها نصب ولا لغوب «3» ، فكل جسيم من أمر الدنيا يكون ضره خاصة ~~فهو نعمة عامة وكل شيء منه يكون نفعه خاصا فهو بلاء عام. # وكان يقال: «السلطان والدين أخوان لا يقوم أحدهما إلا بالآخر» . # وقرأت في التاج لبعض الملوك: «هموم الناس صغار وهموم الملوك كبار وألباب ~~الملوك مشغولة بكل شيء يجل وألباب السوق «4» مشغولة بأيسر الشيء، فالجاهل ~~منهم يعذر نفسه بدعة ما هو عليه من الرسلة «5» ولا يعذر سلطانه مع شدة ما ~~هو فيه من المؤنة «6» ، ومن هناك يعزر الله سلطانه ويرشده وينصره.» . # سمع زياد رجلا يسب الزمان فقال: «لو كان يدري ما الزمان لعاقبته، # PageV01P057 # إنما الزمان هو السلطان» . # وكانت الحكماء تقول: «عدل السلطان أنفع للرعية من خصب الزمان» . # وروى الهيثم عن ابن عياش عن الشعبي قال: «أقبل معاوية ذات يوم على بني ~~هاشم فقال: يا بني هاشم، ألا تحدثوني عن ادعائكم الخلافة دون قريش بم تكون ~~لكم أبالرضا بكم أم بالاجتماع عليكم دون القرابة أم بالقرابة دون الجماعة ~~أم بهما جميعا؟ فإن كان هذا الأمر بالرضا والجماعة دون القرابة فلا أرى ~~القرابة أثبتت حقا ولا أسست ملكا، وإن كان بالقرابة دون الجماعة والرضا فما ~~منع العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم ووارثه وساقي الحجيج وضامن الأيتام ~~أن يطلبها وقد ضمن له أبو سفيان بني عبد مناف، وإن كانت الخلافة بالرضا ~~والجماعة والقرابة جميعا فإن القرابة خصلة من خصال الإمامة لا تكون الإمامة ~~بها وحدها وأنتم تدعونها بها وحدها، ولكنا نقول: أحق قريش بها من بسط الناس ~~أيديهم إليه بالبيعة عليها ونقلوا أقدامهم إليه للرغبة وطارت إليه أهواؤهم ~~للثقة وقاتل عنها بحقها فأدركها من وجهها. إن أمركم لأمر تضيق بها الصدور، ~~إذا سئلتم عمن اجتمع عليه من غيركم قلتم حق. فإن كانوا اجتمعوا على حق فقد ~~أخرجكم الحق من دعواكم. أنظروا: فإن كان القوم أخذوا حقكم فاطلبوهم، وإن ~~كانوا أخذوا حقهم فسلموا إليهم فإنه لا ينفعكم أن تروا لأنفسكم ما لا يراه ~~الناس لكم. فقال ابن عباس: ندعي هذا الأمر بحق من لولا حقه لم تقعد مقعدك ~~هذا، ونقول كان ترك الناس أن يرضوا بنا ويجتمعوا علينا حقا ضيعوه وحظ ~~حرموه، وقد اجتمعوا على ذي فضل لم يخطىء الورد والصدر، ولا ينقص فضل ذي فضل ~~فضل غيره عليه. قال الله عز وجل ويؤت كل ذي فضل فضله # «1» فأما الذي منعنا من طلب هذا الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~فعهد منه إلينا # PageV01P058 # قبلنا فيه قوله ودنا بتأويله ولو أمرنا أن نأخذه على الوجه الذي نهانا ~~عنه لأخذناه أو أعذرنا فيه، ولا يعاب أحد على ترك حقه إنما المعيب من يطلب ~~ما ليس له، وكل صواب نافع وليس كل خطأ ضارا، انتهت القضية إلى داود وسليمان ~~فلم يفهمها داود وفهمها سليمان ولم يضر داود. فأما القرابة فقد نفعت المشرك ~~وهي للمؤمن أنفع؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنت عمي وصنو أبي ومن ~~أبغض العباس فقد أبغضني وهجرتك آخر الهجرة كما أن نبوتي أخر النبوة» . وقال ~~لأبي طالب عند موته: «يا عم، قل لا إله إلا الله أشفع لك بها غدا وليس ذاك ~~لأحد من الناس. قال الله تعالى: وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا ~~حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا ~~لهم عذابا أليما # «1» . # حدثنا الرياشي عن أحمد بن سلام مولى ذفيف عن مولى يزيد بن حاتم عن شيخ له ~~قال: قال كسرى: «لا تنزل ببلد ليس فيه خمسة أشياء: سلطان قاهر، وقاض عادل، ~~وسوق قائمة، وطبيب عالم، ونهر جار» . # وحدثنا الرياشي قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا القاسم بن الفضل ~~قال: حدثنا ابن اخت العجاج عن العجاج قال: «قال لي أبو هريرة: # ممن أنت؟ قال: قلت من أهل العراق. قال: يوشك أن يأتيك بقعان «2» الشام # PageV01P059 # فيأخذوا صدقتك فإذا أتوك فتلقهم بها فإذا دخلوها فكن في أقاصيها وخل عنهم ~~وعنها، وإياك وأن تسبهم فإنك إن سببتهم ذهب أجرك وأخذوا صدقتك وإن صبرت ~~جاءتك في ميزانك يوم القيامة» . وفي رواية أخرى أنه قال: «إذا أتاك المصدق ~~فقل: خذ الحق ودع الباطل، فإن أبى فلا تمنعه إذا أقبل ولا تلعنه إذا أدبر ~~فتكون عاصيا خفف عن ظالم» . # وكان يقال: «طاعة السلطان على أربعة أوجه: على الرغبة، والرهبة، والمحبة، ~~والديانة» . # وقرأت في بعض كتب العجم كتابا لأردشير بن بابك إلى الرعية، نسخته: «من ~~أردشير الموبذ «1» ذي البهاء ملك الملوك ووارث العظماء، إلى الفقهاء الذين ~~هم حملة الدين، والأساورة الذين هم حفظة البيضة «2» ، والكتاب الذين هم ~~زينة المملكة، وذوي الحرث الذين هم عمرة البلاد. # السلام عليكم، فإنا بحمد الله صالحون وقد وضعنا عن رعيتنا بفضل رأفتنا ~~إتاوتها الموظفة عليها. ونحن مع ذلك كاتبون اليكم بوصية: لا تستشعروا الحقد ~~فيدهمكم العدو، ولا تحتكروا فيشملكم القحط، وتزوجوا في القرابين فإنه أمس ~~للرحم وأثبت للنسب، ولا تعدو هذه الدنيا شيئا فإنها لا تبقي على أحد ولا ~~ترفضوها مع ذلك فإن الآخرة لا تنال إلا بها. # PageV01P060 # وقرأت كتابا من أرسطاطاليس «1» إلى الاسكندر وفيه: «املك الرعية بالإحسان ~~إليها تظفر بالمحبة منها فإن طلبك ذلك منها بإحسانك هو أدوم بقاء منه ~~باعتسافك، واعلم أنك إنما تملك الأبدان فتخطها إلى القلوب بالمعروف، واعلم ~~أن الرعية إذا قدرت على أن تقول، قدرت على أن تفعل، فاجهد ألا تقول تسلم من ~~أن تفعل» . # وقرأت في كتاب الآيين «2» أن بعض ملوك العجم قال في خطبة له: «إني إنما ~~أملك الأجساد لا النيات وأحكم بالعدل لا بالرضا وأفحص عن الأعمال لا عن ~~السرائر» . # ونحوه قول العجم: «أسوس الملوك من قاد أبدان الرعية إلى طاعته بقلوبها» . # وقالوا: «لا ينبغي للوالي أن يرغب في الكرامة التي ينالها من العامة كرها ~~ولكن في التي يستحقها بحسن الأثر وصواب الرأي والتدبير» . # حدثنا الرياشي عن أحمد بن سلام عن شيخ له قال: «كان أنو شروان إذا ولى ~~رجلا أمر الكاتب أن يدع في العهد موضع أربعة أسطر ليوقع فيه بخطه فإذا أوتي ~~بالعهد وقع فيه: سس خيار الناس بالمحبة وامزج للعامة الرغبة بالرهبة وسس ~~سفلة الناس بالإخافة» . # PageV01P061 # قال المدائني: «قدم قادم على معاووية بن أبي سفيان فقال له معاوية: # هل من مغربة خبر؟ قال: نعم، نزلت بماء من مياه الأعراب فبينا أنا عليه ~~أورد أعرابي إبله فلما شربت ضرب على جنوبها وقال: عليك زيادا. فقلت له: ما ~~أردت بهذا؟ قال: هي سدى، ما قام لي بها راع مذ ولي زياد. فسر ذلك معاوية ~~وكتب به إلى زياد» . # قال عبد الملك بن مروان: «أنصفونا يا معشر الرعية، تريدون منا سيرة أبي ~~بكر وعمر! ولا تسيرون فينا ولا في أنفسكم بسيرة رعية أبي بكر وعمر! نسأل ~~الله أن يعين كلا على كل» . # قال عمر بن الخطاب: «إن هذا الأمر لا يصلح له إلا اللين في غير ضعف ~~والقوي في غير عنف» . # وقال عمر بن عبد العزيز: «إني لأجمع أن أخرج للمسلمين أمرا من العدل ~~فأخاف أن لا تحتمله قلوبهم فأخرج معه طمعا من طمع الدنيا، فإن نفرت القلوب ~~من هذا سكنت إلى هذا» . # قال معاوية: «لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني ~~لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، قيل: وكيف ذاك؟ قال: كنت ~~إذا مدوها خليتها وإذا خلوها مددتها» . # ونحو هذا قول الشعبي فيه: «كان معاوية كالجمل الطب «1» ، إذا سكت عنه ~~تقدم وإذا رد تأخر» . وقول عمر فيه: «احذروا آدم قريش وابن كريمها، من لا ~~ينام إلا على الرضا ويضحك في الغضب ويأخذ ما فوقه من تحته» . # PageV01P062 # وأغلظ له رجل فحلم عنه فقيل له: أتحلم عن هذا؟ فقال: «إني لا أحول بين ~~الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين سلطاننا» . # كان يقال: «لا سلطان إلا برجال ولا رجال إلا بمال ولا مال إلا بعمارة ولا ~~عمارة إلا بعدل وحسن سياسة» . # قال زياد: «أحسنوا إلى المزارعين فإنكم لا تزالون سمانا ما سمنوا» . # وكتب الوليد إلى الحجاج يأمره أن يكتب إليه بسيرته فكتب إليه: «إني أيقظت ~~رأيي وأنمت هواي، فأدنيت السيد المطاع في قومه، ووليت الحرب الحازم في ~~أمره، وقلدت الخراج الموفر لأمانته، وقسمت لكل خصم من نفسي قسما يعطيه حظا ~~من نظري ولطيف عنايتي، وصرفت السيف إلى النطف «1» المسيء، والثواب إلى ~~المحسن البريء فخاف المريب صولة العقاب، وتمسك المحسن بحظه من الثواب» . # وكان يقول لأهل الشام: «إنما أنا لكم كالظليم «2» الرائح عن فراخه ينفي ~~عنها القذر «3» ويباعد عنها الحجر ويكنها «4» من المطر ويحميها من الضباب ~~«5» ويحرسها من الذئاب. يا أهل الشام أنتم الجنة «6» والرداء وأنتم العدة ~~والحذاء» . # فخر سليم مولى زياد بزياد عند معاوية فقال معاوية: «أسكت، ما أدرك صاحبك ~~شيئا قط بسيفه إلا وقد أدركت أكثر منه بلساني» . # PageV01P063 # وقال الوليد لعبد الملك: يا ابت، ما السياسة؟ قال: «هيبة الخاصة مع صدق ~~مودتها واقتياد قلوب العامة بالإنصاف لها واحتمال هفوات الصنائع» . # وفي كتب العجم: «قلوب الرعية خزائن ملوكها فما أودعتها من شيء فلتعلم أنه ~~فيها» . # ووصف بعض الملوك سياسته فقال: «لم أهزل في وعد ولا وعيد ولا أمر ولا نهي ~~ولا عاقبت للغضب واستكفيت على الجزاء وأثبت على العناء لا للهوى، وأودعت ~~القلوب هيبة لم يشبها مقت وودا لم تشبه جرأة وعممت بالقوت ومنعت الفضول» . # وقرأت في كتاب التاج: «قال أبرويز «1» لابنه شيرويه وهو في حبسه: «لا ~~توسعن على جندك فيستغنوا عنك ولا تضيقن عليهم فيضجوا منك، أعطهم عطاء قصدا ~~وامنعهم منعا جميلا ووسع عليهم في الرجاء ولا توسع عليهم في العطاء» . ~~ونحوه قول المنصور في مجلسه لقواده: صدق الأعرابي حيث يقول: # أجع كلبك يتبعك. فقام أبو العباس الطوسي فقال: يا أمير المؤمنين أخشى أن ~~يلوح له غيرك برغيف فيتبعه ويدعك. # وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: «أما بعد، فإن للناس نفرة عن سلطانهم ~~فأعوذ بالله أن تدركني وإياك عمياء «2» مجهولة وضغائن محمولة، أقم الحدود ~~ولو ساعة من نهار، وإذا عرض لك أمران: أحدهما لله، والآخر للدنيا فآثر ~~نصيبك من الله فإن الدنيا تنفد والآخرة تبقى، وأخيفوا الفساق واجعلوهم يدا ~~يدا ورجلا رجلا، وعد «3» مرضى المسلمين واشهد جنائزهم وانتح لهم # PageV01P064 # بابك وباشر أمورهم بنفسك فإنما أنت رجل منهم غير أن الله جعلك أثقلهم ~~حملا، وقد بلغني أنه قد فشا لك ولأهل بيتك هيئة في لباسك ومطعمك ومركبك ليس ~~للمسلمين مثلها، فإياك يا عبد الله أن تكون بمنزلة البهيمة مرت بواد خصيب ~~فلم يكن لها هم إلا السمن وإنما حتفها في السمن، واعلم أن العامل إذا زاغ ~~زاغت رعيته، وأشقى من شقي الناس به والسلام» . # هشام بن عروة قال: «صلى يوما عبد الله بن الزبير فوجم بعد الصلاة ساعة ~~فقال الناس: «لقد حدث نفسه. ثم التفت إلينا فقال: لا يبعدن ابن هند! إن ~~كانت فيه لمخارج لانجدها في أحد بعده أبدا، والله إن كنا لنفرقه، وما الليث ~~الحرب «1» على براثنه بأجرأ منه فيتفارق لنا. وإن كنا لنخدعه، وما ابن ليلة ~~من أهل الأرض بأدهى منه فيتخادع لنا، والله لوددت أنا متعنا به ما دام في ~~هذا حجر (وأشار إلى أبي قبيس) لا يتخون له عقل ولا تنتقص له قوة، قلنا: # أوحش والله الرجل. قال: وكان يصل بهذا الحديث: كان والله كما قال العذري ~~«2» : # [متقارب] # ركوب المنابر وثابها ... معن بخطبته مجهر # تريع إليه هوادي الكلام ... إذا خطل النثر المهمر «3» # حدثني أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي قال: حدثنا جد سران وسران عم الأصمعي ~~قال: «كلم الناس عبد الرحمن بن عوف أن يكلم عمر بن الخطاب في أن يلين لهم ~~فإنه قد أخافهم حتى إنه قد أخاف الأبكار في # PageV01P065 # خدورهن. فقال عمر: إني لا أجد لهم إلا ذلك، إنهم لو يعلمون مالهم عندي ~~لأخذوا ثوبي عن عاتقي» . # قال: وتقدمت إليه امرأة فقالت: «يا أبا حفص، الله لك، فقال: ما لك ~~أعقرت؟» # فقالت: صلعت فرقتك «2» . # قال أشجع السلمي «3» في إبراهيم بن عثمان: [كامل] # لا يصلح السلطان إلا شدة ... تغشى البريء بفضل ذنب المجرم # ومن الولاة مقحم لا يتقى ... والسيف تقطر شفرتاه من الدم # منعت مهابتك النفوس حديثها ... بالأمر تكرهه وإن لم تعلم # كان يقال: «شر الأمراء أبعدهم من القراء وشر القراء أقربهم من الأمراء» . # كتب عامل لعمر بن عبد العزيز على حمص إلى عمر: «إن مدينة حمص قد تهدم ~~حصنها، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في إصلاحه» فكتب إليه عمر «أما ~~بعد، فحصنها بالعدل، والسلام» . # ذكر أعرابي أميرا فقال: «كان إذا ولي لم يطابق بين جفونه وأرسل العيون ~~على عيونه، فهو غائب عنهم شاهد معهم، فالمحسن راج والمسيء خائف» . # كان جعفر بن يحيى يقول: «الخراج عمود الملك وما استغزر بمثل العدل ولا ~~استنزر بمثل الظلم» . # PageV01P066 # وفي كتاب من كتب العجم أن أردشير قال لابنه: «يا بني، إن الملك والدين ~~أخوان لا غنى بأحدهما عن الآخر، فالدين أس والملك حارس، وما لم يكن له أس ~~فمهدوم وما لم يكن له حارس فضائع، يا بني، إجعل حديثك مع أهل المراتب ~~وعطيتك لأهل الجهاد وبشرك لأهل الدين وسرك لمن عناه ما عناك من أرباب ~~العقول» . # وكان يقال: «مهما كان في الملك فلا ينبغي أن تكون فيه خصال خمس: لا ينبغي ~~أن يكون كذابا فإنه إذا كان كذابا فوعد خيرا لم يرج أو أوعد بشر لم يخف، ~~ولا ينبغي أن يكون بخيلا فإنه إذا كان بخيلا لم يناصحه أحد ولا تصلح ~~الولاية إلا بالمناصحة ولا ينبغي أن يكون حديدا فإنه إذا كان حديدا مع ~~القدرة هلكت الرعية ولا ينبغي أن يكون حسودا فإنه إذا كان حسودا لم يشرف ~~أحدا ولا يصلح الناس إلا على أشرافهم، ولا ينبغي أن يكون جبانا فإنه إذا ~~كان جبانا ضاعت ثغوره واجترأ عليه عدوه» . # وقدم معاوية المدينة فدخل دار عثمان فقالت عائشة بنت عثمان: # واأبتاه، وبكت، فقال معاوية: «يا ابنة أخي إن الناس أعطونا طاعة ~~وأعطيناهم أمانا وأظهرنا لهم حلما تحته وأظهروا لنا طاعة تحتها حقد ومع كل ~~إنسان سيفه وهو يرى مكان أنصاره فإن نكثنا بهم نكثوا بنا ولا ندري أعلينا ~~تكون أم لنا، ولأن تكوني بنت عم أمير المؤمنين خير من أن تكوني امرأة من ~~عرض المسلمين» . # كتب عبد الله بن عباس إلى الحسن بن علي: «إن المسلمين ولوك أمرهم بعد علي ~~فشمر للحرب وجاهد عدوك ودار أصحابك واشتر من الظنين «1» # PageV01P067 # دينه بما لا يثلم دينك وول أهل البيوتات والشرف تستصلح بهم عشائرهم حتى ~~تكون الجماعة فإن بعض ما يكره الناس، ما لم يتعد الحق وكانت عواقبه تؤدي ~~إلى ظهور العدل وعز الدين، خير من كثير مما يحبون إذا كانت عواقبه تدعو إلى ~~ظهور الجور ووهن الدين» . # حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن الأعمش عن إبراهيم ~~قال: «كان عمر إذا قدم عليه الوفد سألهم عن حالهم وأسعارهم وعمن يعرف من ~~أهل البلاد وعن أميرهم هل يدخل عليه الضعيف؟ # وهل يعود المريض؟ فإن قالوا نعم، حمد الله تعالى، وإن قالوا لا، كتب ~~إليه: # أقبل» . ### | اختيار العمال # روي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما حضرته الوفاة كتب عهدا فيه: «بسم ~~الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول الله عند آخر عهده ~~بالدنيا وأول عهده بالآخرة، في الحال التي يؤمن فيها الكافر ويتقي فيها ~~الفاجر: إني استعملت عمر بن الخطاب فإن بر وعدل فذلك علمي به وإن جار وبدل ~~فلا علم لي بالغيب، والخير أردت، ولكل امرىء ما اكتسب وسيعلم الذين ظلموا ~~أي منقلب ينقلبون # «1» » . # وفي التاج أن أبرويز كتب إلى ابنه شيرويه من الحبس: «ليكن من تختاره ~~لولايتك امرأ كان في ضعة فرفعته، أو ذا شرف وجدته مهتضما فاصطنعته، ولا ~~تجعله امرأ أصبته بعقوبة فاتضع عنها ولا امرأ أطاعك بعد ما أذللته ولا أحدا ~~ممن يقع في خلدك أن إزالة سلطانك أحب له من ثبوته، وإياك # PageV01P068 # أن تستعمله ضرعا غمرا كثر إعجابه بنفسه وقلت تجاربه في غيره، ولا كبيرا ~~مدبرا قد أخذ الدهر من عقله كما أخذت السن من جسمه» . # وقال لقيط «1» في هذا المعنى: [بسيط] # فقلدوا أمركم لله دركم ... رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا # لا مترفا إن رخاء العيش ساعده ... ولا إذا عض مكروه به خشعا # ما زال يحلب در الدهر أشطره ... يكون متبعا يوما ومتبعا # حتى استمرت على شزر مريرته ... مستحكم السن لا قحما ولا ضرعا «2» # ويقال في مثل: «رأي الشيخ خير من مشهد الغلام» ومن أمثال العرب أيضا في ~~المجرب «العوان لا تعلم الخمرة» «3» . # قال بعض الخلفاء: دلوني على رجل أستعمله على أمر قد أهمني. # قالوا: كيف تريده؟ قال: «إذا كان في القوم وليس أميرهم كان كأنه أميرهم ~~وإذا كان أميرهم كان كأنه رجل منهم» قالوا: لا نعلمه إلا الربيع بن زياد ~~الحارثي. قال صدقتم، هو لها. # وروى الهيثم عن مجالد عن الشعبي قال: قال الحجاج: دلوني على # PageV01P069 # رجل للشرط «1» فقيل: أي الرجال تريد؟ فقال: «أريده دائم العبوس طويل ~~الجلوس سمين الأمانة أعجف الخيانة لا يحنق في الحق على جرة «2» يهون عليه ~~سبال الأشراف في الشفاعة» فقيل له: عليك بعبد الرحمن بن عبيد التميمي. # فأرسل إليه يستعمله، فقال له: لست أقبلها إلا أن تكفيني عيالك، وولدك ~~وحاشيتك. قال: يا غلام، ناد في الناس: من طلب إليه منهم حاجة فقد برئت منه ~~الذمة. قال الشعبي: فوالله ما رأيت صاحب شرطة قط مثله، كان لا يحبس إلا في ~~دين، وكان إذا أتي برجل قد نقب على قوم وضع منقبته «3» في بطنه حتى تخرج من ~~ظهره، وإذا أتي بنباش حفر له قبرا فدفنه فيه، وإذا أتي برجل قاتل بحديدة أو ~~شهر سلاحا قطع يده، وإذا أتي برجل قد أحرق على قوم منزلهم أحرقه، وإذا أتي ~~برجل يشك فيه وقد قيل إنه لص ولم يكن منه شيء ضربه ثلاثمائة سوط. قال: فكان ~~ربما أقام أربعين ليلة لا يؤتى بأحد فضم إليه الحجاج شرطة البصرة مع شرطة ~~الكوفة. # وقرأت في كتاب أبرويز إلى ابنه شيرويه: «إنتخب لخراجك أحد ثلاثة: إما ~~رجلا يظهر زهدا في المال ويدعي ورعا في الدين فإن من كان كذلك عدل على ~~الضعيف وأنصف من الشريف ووفر الخراج واجتهد في العمارة، فإن هو لم يرع ولم ~~يعف إبقاء على دينه ونظرا لأمانته كان حريا أن يخون قليلا ويوفر كثيرا ~~استسرارا بالرياء واكتتاما بالخيانة، فإن ظهرت «4» على ذلك منه عاقبته # PageV01P070 # على ما خان ولم تحمده على ما وفر، وإن هو جلح «1» في الخيانة وبارز ~~بالرياء نكلت به في العذاب واستنظفت ماله مع الحبس. أو رجلا عالما بالخراج ~~غنيا في المال مأمونا في العقل فيدعوه علمه بالخراج إلى الاقتصاد في الحلب ~~والعمارة للأرضين «2» والرفق بالرعية، ويدعوه غناه إلى العفة ويدعوه عقله ~~إلى الرغبة فيما ينفعه والرهبة مما يضره. أو رجلا عالما بالخراج مأمونا ~~بالأمانة مقترا من المال فتوسع عليه في الرزق فيغتنم لحاجته الرزق ويستكثر ~~لفاقته اليسير، ويزجي «3» بعلمه الخراج، ويعف بأمانته عن الخيانة» . # استشار عمر بن عبد العزيز في قوم يستعملهم، فقال له بعض أصحابه: # عليك بأهل العذر. قال: ومن هم؟ قال: الذين إن عدلوا فهو ما رجوت منهم وإن ~~قصروا قال الناس: قد اجتهد عمر. # قال عدي بن أرطاة «4» لإياس بن معاوية: دلني على قوم من القراء أولهم. # فقال له: القراء ضربان: ضرب يعملون للآخرة ولا يعملون لك، وضرب يعملون ~~للدنيا، فما ظنك بهم إذا أنت وليتهم فمكنتهم منها؟ قال: فما أصنع؟ # قال: عليك بأهل البيوتات الذين يستحيون لأحسابهم فولهم. # أحضر الرشيد رجلا ليوليه القضاء فقال له: إني لا أحسن القضاء ولا أنا ~~فقيه. قال الرشيد: فيك ثلاث خلال: لك شرف والشرف يمنع صاحبه من الدناءة. ~~ولك حلم يمنعك من العجلة، ومن لم يعجل قل خطؤه. وأنت رجل # PageV01P071 # تشاور في أمرك ومن شاور كثر صوابه، وأما الفقه فسينضم إليك من تتفقه به. # فولي فما وجدوا فيه مطعنا. # حدثني سهل بن محمد قال: حدثنا الأصمعي قال: حدثني صالح بن رستم أبو عامر ~~الخزاز قال: قال لي إياس بن معاوية المزني: أرسل إلي عمر ابن هبيرة فأتيته ~~فساكتني فسكت، فلما أطلت قال: إيه. قلت: سل عما بدا لك. قال: أتقرأ القرآن؟ ~~قلت نعم. قال: هل تفرض الفرائض؟ قلت نعم. # قال: فهل تعرف من أيام العرب شيئا؟ قلت نعم. قال: فهل تعرف من أيام العجم ~~شيئا؟ قلت: أنا بها أعلم. قال: إني أريد أن أستعين بك. قلت: إن في ثلاثا لا ~~أصلح معهن للعمل. قال: ما هن؟ قلت: أنا ذميم كما ترى، وأنا حديد، وأنا عي ~~«1» . قال: أما الدمامة فإني لا أريد أن أحاسن بك الناس، وأما العي فإني ~~أراك تعبر عن نفسك، وأما سوء الخلق فيقومك السوط. قم، قد وليتك. قال: # فولاني وأعطاني ألفي درهم فهما أول مال تمولته. # قرأت في كتاب للهند: «السلطان الحازم ربما أحب الرجل فأقصاه واطرحه مخافة ~~ضره، فعل الذي تلسع الحية إصبعه فيقطعها لئلا ينتشر سمها في جسده، وربما ~~أبغض الرجل فأكره نفسه على توليته وتقريبه لغناء يجده عنده كتكاره المرء ~~على الدواء البشع لنفعه» . # حدثني المعلى بن أيوب قال سمعت المأمون يقول: «من مدح لنا رجلا فقد تضمن ~~عيبه» . # PageV01P072 ### | باب صحبة السلطان وآدابها وتغير السلطان وتلونه # حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا أبو أسامة عن مجالد عن الشعبي عن عبد الله ~~بن عباس قال: قال لي أبي: «يا بني إني أرى أمير المؤمنين يستخليك «1» ~~ويستشيرك ويقدمك على الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني ~~أوصيك بخلال أربع: لا تفشين له سرا، ولا يجربن عليك كذبا، ولا تغتابن عنده ~~أحدا، ولا تطو عنه نصيحة» قال الشعبي: قلت لابن عباس: كل واحدة خير من ألف. ~~قال: إي والله ومن عشرة آلاف. # كان يقال: «إذا جعلك السلطان أخا فاجعله أبا، وإن زادك فزده» . # قال زياد لابنه: «إذا دخلت على أمير المؤمنين فادع له ثم اصفح صفحا ~~جميلا، ولا يرين منك تهالكا عليه ولا انقباضا عنه» . # قال مسلم بن عمرو: «ينبغي لمن خدم السلاطين ألا يغتر بهم إذا رضوا عنه ~~ولا يتغير لهم إذا سخطوا عليه ولا يستثقل ما حملوه ولا يلحف في مسألتهم «2» ~~» . # وقرأت في كتاب للهند: «صحبة السلطان على ما فيها من العز والثروة # PageV01P073 # عظيمة الخطار، وإنما تشبه بالجبل الوعر فيه الثمار الطيبة والسباع ~~العادية، فالإرتقاء إليه شديد والمقام فيه أشد، وليس يتكافأ خير السلطان ~~وشره لأن خير السلطان لا يعدو مزيد الحال، وشر السلطان قد يزيل الحال ويتلف ~~النفوس التي لها طلب المزيد، ولا خير في الشيء الذي في سلامته مال وجاه وفي ~~نكبته الجائحة «1» والتلف» . # وقرأت فيه: «من لزم باب السلطان بصبر جميل وكظم للغيظ واطراح للأنفة، وصل ~~إلى حاجته» . # وقرأت فيه: «السلطان لا يتوخى بكرامته الأفضل فالأفضل ولكن الأدنى ~~فالأدنى كالكرم لا يتعلق بأكرم الشجر ولكن بأدناها منه» . # وكانت العرب تقول: «إذا لم تكن من قربان الأمير فكن من بعدانه» . # وقرأت في آداب ابن المقفع: «لا تكونن صحبتك للسلطان إلا بعد رياضة منك ~~لنفسك على طاعتهم في المكروه عندك وموافقتهم فيما خالفك وتقدير الأمور على ~~أهوائهم دون هواك، فإن كنت حافظا إذا ولوك، حذرا إذا قربوك، أمينا إذا ~~ائتمنوك، تعلمهم وكأنك تتعلم منهم، وتؤدبهم وكأنك تتأدب بهم، وتشكر لهم ولا ~~تكلفهم الشكر، ذليلا إن صرموك، راضيا إن أسخطوك، وإلا فالبعد منهم كل البعد ~~والحذر منهم كل الحذر. وإن وجدت عن السلطان وصحبته غنى فاستغن به فإنه من ~~يخدم السلطان بحقه يحل بينه وبين لذة الدنيا وعمل الآخرة، ومن يخدمه بغير ~~حقه يحتمل الفضيحة في الدنيا والوزر في الآخرة» . # وقال: «إذا صحبت السلطان فعليك بطول الملازمة في غير طول # PageV01P074 # المعاتبة، وإذا نزلت منه منزلة الثقة فاعزل عنه كلام الملق ولا تكثرن له ~~في الدعاء إلا أن تكلمه على رؤوس الناس ولا يكونن طلبك ما عنده بالمسألة ~~ولا تستبطئنه إن أبطأ. أطلبه بالاستحقاق ولا تخبرنه أن لك عليه حقا وأنك ~~تعتد عليه ببلاء. وإن استطعت ألا ينسى حقك وبلاءك بتجديد النصح والاجتهاد ~~فافعل. ولا تعطينه المجهود كله في أول صحبتك له فلا تجد موضعا للمزيد ولكن ~~دع للمزيد موضعا. وإذا سأل غيرك فلا تكن المجيب. واعلم أن استلابك للكلام ~~خفة بك واستخفاف منك بالسائل والمسؤول. فما أنت قائل إن قال لك السائل: ما ~~إياك سألت، وقال لك المسؤول: أجب أيها المعجب بنفسه المستخف بسلطانه؟» . # وقال: «مثل صاحب السلطان مثل راكب الأسد يهابه الناس وهو لمركبه أهيب» . # وقال عبد الملك بن صالح لمؤدب ولده بعد أن اختصه لمجالسته ومحادثته: «كن ~~على التماس الحظ بالسكوت أحرص منك على التماسه بالكلام فإنهم قالوا: إذا ~~أعجبك الكلام فاصمت وإذا أعجبك الصمت فتكلم. # يا عبد الرحمن، لا تساعدني على ما يقبح ولا تردن علي الخطأ في مجلسي ولا ~~تكلفني جواب التشميت والتهنئة ولا جواب السؤال والتعزية ودع عنك كيف أصبح ~~الأمير وأمسى. وكلمني بقدر ما استنطقتك واجعل بدل التقريظ لي حسن الاستماع ~~مني. واعلم أن صواب الاستماع أقل من صواب القول. # وإذا سمعتني أتحدث فأرني فهمك في طرفك وتوقفك ولا تجهد نفسك في تطرية ~~صوابي ولا تستدع الزيادة من كلامي بما تظهر من استحسان ما يكون مني، فمن ~~أسوأ حالا ممن يستكد الملوك بالباطل فيدل على تهاونه، وما ظنك بالملك وقد ~~أحلك محل المعجب بما تسمع منه وقد أحللته محل من لا يسمع # PageV01P075 # منه؟ وأقل من هذا يحبط إحسانك ويسقط حق حرمة إن كانت لك. إني جعلتك مؤدبا ~~بعد أن كنت معلما وجعلتك جليسا مقربا بعد أن كنت مع الصبيان مباعدا. ومتى ~~لم يعرف نقصان ما خرجت منه لم تعرف رجحان ما دخلت فيه، ومن لم يعرف سوء ما ~~يولى لم يرعف حسن ما يبلى» . # دخل أبو مسلم على أبي العباس وعنده أبو جعفر فسلم على أبي العباس فقال ~~له: يا أبا مسلم، وهذا أبو جعفر! فقال: يا أمير المؤمنين، هذا موضع لا يقضى ~~فيه إلا حقك. # قال الفضل بن الربيع: «مسأله الملوك عن أحوالهم من تحيات النوكى «1» ، ~~فإذا أردت أن تقول: كيف أصبح الأمير، فقل: صبح الله الأمير بالكرامة. وإذا ~~أردت أن تقول: كيف يجد الأمير نفسه، فقل: أنزل الله على الأمير الشفاء ~~والرحمة، فإن المسألة توجب الجواب فإن لم يجبك اشتد عليك وإن أجابك اشتد ~~عليه» . # وقرأت في آداب ابن المقفع: «جانب المسخوط عليه والظنين عند السلطان ولا ~~يجمعنك وإياه مجلس ولا منزل ولا تظهرن له عذرا ولا تثن عليه عند أحد، فإذا ~~رأيته قد بلغ في الانتقام ما ترجو أن يلين بعده فاعمل في رضاه عنك برفق ~~وتلطف، ولا تسار «2» في مجلس السلطان أحدا ولا تومىء إليه بجفنك وعينك فإن ~~السرار يخيل إلى كل من رآه من ذي سلطان وغيره أنه المراد به، وإذا كلمك ~~فاصغ إلى كلامه ولا تشغل طرفك عنه بنظر ولا قلبك بحديث نفس» . # PageV01P076 # وقرأت في كتاب للهند أنه أهدي لملك الهند ثياب وحلي فدعا بامرأتين له ~~وخير أحظاهما عنده بين اللباس والحلية، وكان وزيره حاضرا، فنظرت المرأة ~~إليه كالمستشيرة له فغمزها باللباس تغضينا بعينه، ولحظه الملك، فاختارت ~~الحلية لئلا يفطن للغمزة، ومكث الوزير أربعين سنة كاسرا عينه لئلا تقر تلك ~~في نفس الملك وليظن أنها عادة أو خلقة وصار اللباس للأخرى فلما حضرت الملك ~~الوفاة قال لولده: توص بالوزير خيرا فإنه اعتذر من شيء يسير أربعين سنة. # قال شبيب بن شيبة: «ينبغي لمن ساير خليفة أن يكون بالموضع الذي إذا أراد ~~الخليفة أن يسأله عن شيء لم يحتج إلى أن يلتفت، ويكون من ناحية إن التفت لم ~~تستقبله الشمس، وإن سار بين يديه أن يحيد عن سنن الريح التي تؤدي الغبار ~~إلى وجهه. # قال رجل من النساك لآخر: «إن ابتليت بأن تدخل إلى السلطان مع الناس ~~فأخذوا في الثناء فعليك بالدعاء» . # قال ثمامة: كان يحيى بن أكثم يماشي المؤمون يوما في بستان موسى والشمس عن ~~يسار يحيى والمأمون في الظل وقد وضع يده على عاتق يحيى وهما يتحادثان حتى ~~بلغ حيث أراد ثم كر راجعا في الطريق التي بدأ فيها فقال ليحيى: كانت الشمس ~~عليك لأنك كنت عن يساري وقد نالت منك فكن الآن حيث كنت وأتحول أنا إلى حيث ~~كنت. فقال يحيى: والله يا أمير المؤمنين لو أمكنني أن أقيك هول المطلع ~~بنفسي لفعلت. فقال المأمون: لا والله ما بد من أن تأخذ الشمس مني مثل ما ~~أخذت منك. فتحول يحيى وأخذ من الظل مثل الذي أخذ منه المأمون. # وقال المأمون: «أول العدل أن يعدل الرجل على بطانته ثم على الذين # PageV01P077 # يلونهم حتى يبلغ العدل الطبقة السفلى. # المدائني قال: قال الأحنف: «لا تنقبضوا عن السلطان ولا تهالكوا عليه فإنه ~~من أشرف للسلطان أذراه ومن تضرع له أحظاه» . # حدثني يزيد بن عمرو قال: حدثني محمد بن عمرو الرومي قال: حدثنا زهير بن ~~معاوية عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع قال: قال حذيفة بن اليمان: # «ما مشى قوم قط إلى سلطان الله في الأرض ليذلوه إلا أذلهم الله قبل أن ~~يموتوا» . # وفي أخبار خالد بن صفوان أنه قال: دخلت على هشام بن عبد الملك فاستدناني ~~حتى كنت أقرب الناس منه فتنفس ثم قال: يا خالد، لرب خالد قعد مقعدك هذا ~~أشهى إلي حديثا منك فعلمت. أنه يعني خالد بن عبد الله. # فقلت: يا أمير المؤمنين، أفلا تعيده؟ فقال: إن خالدا أدل فأمل وأوجف ~~فأعجف ولم يدع لراجع مرجعا، على أنه ما سألني حاجة. فقلت: يا أمير ~~المؤمنين، ذاك أحرى، فقال: هيهات [طويل] # إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكن ... إليه بوجه آخر الدهر تقبل # حدثنا الفضل بن محمد بن منصور بمعنى هذا الحديث، وببعضه نهيك: اعتل يحيى ~~بن خالد «1» فبعث إلى منكة «2» الهندي فقال له: ما ترى في # PageV01P078 # هذه العلة؟ فقال منكة: داؤك كبير ودواؤه يسير وأيسر منه الشكر، وكان ~~متفننا، فقال له يحيى: ربما ثقل على السمع خطرة الحق به، فإذا كان ذلك كانت ~~الهجرة له ألزم من المفاوضة فيه. قال منكة: صدقت، ولكني أرى في الطوالع ~~أثرا والأمد فيه قريب وأنت قسيم في المعرفة وقد نبهت، وربما كانت صورة ~~الحركة للكوكب عقيمة ليست بذات نتاج ولكن الأخذ بالحزم أوفر حظ الطالبين. ~~قال يحيى: للأمور منصرف إلى العواقب وما حتم لا بد من أن يقع، والمنعة ~~بمسالمة الأيام نهزة فاقصد لما دعوتك له من هذا الأثر الموجود بالمزاج. قال ~~منكة: هي الصفراء مازجتها مائية من البلغم فحدث لها بذلك ما يحدث للهب عند ~~مماسته رطوبة المادة من الإشتعال فخذ ماء رمانتين فدقهما بإهليلجة «1» ~~سوداء تنهضك مجلسا أو مجلسين وتسكن ذلك التوقد الذي تجد «2» إن شاء الله. ~~فلما كان من حديثهم الذي كان، تلطف منكة حتى دخل على يحيى في الحبس فوجده ~~جالسا على لبد «3» ووجد الفضل بين يديه يمهن أي يخدم فاستعبر منكة وقال: قد ~~كنت ناديت لو أعرت الإجابة. قال له يحيى: أتراك علمت من ذلك شيئا جهلته؟ ~~كلا ولكنه كان الرجاء للسلامة بالبراءة من الذنب أغلب من الشفق وكان مزايلة ~~القدر الخطير عبئا قلما تنهض به الهمة. وبعد فقد كانت نعم أرجو أن يكون ~~أولها شكرا وآخرها أجرا. فما تقول في هذا الداء؟ قال له منكة: ما أرى له ~~دواء أنجع من الصبر، ولو كان يفدى بمال أو مفارقة عضو كان ذلك مما يجب لك. ~~قال يحيى: قد شكرت لك ما ذكرت فإن أمكنك تعهدنا فافعل. قال منكة: لو أمكنني ~~تخليف الروح عندك ما بخلت بذلك، فإنما كانت الأيام تحسن لي بسلامتك. قال ~~الفضل: # PageV01P079 # كان يحيى يقول: دخلنا في الدنيا دخولا أخرجنا منها. # وقرأت في كتاب للهند: «إنما مثل السلطان في قلة وفائه للأصحاب وسخاء نفسه ~~عمن فقد منهم مثل البغي والمكتب «1» ، كلما ذهب واحد جاء آخر» . # والعرب تقول: «السلطان ذو عدوان «2» وذو بدوان وذو تدرإ» يريدون أنه سريع ~~الإنصراف كثير البدوات هجوم على الأمور. # قال معاذ بن مسلم: رأيت أبا جعفر وأبا مسلم دخلا الكعبة فنزع أبو جعفر ~~نعله فلما أراد الخروج قال: يا عبد الرحمن، هات نعلي. فجاء بها، فقال: يا ~~معاذ ضعها في رجلي. فألبسته إياها فحقد ذلك أبو مسلم، ووجه أبو جعفر يقطين ~~«3» بن موسى إلى أبي مسلم لإحصاء الأموال فقال أبو مسلم: أفعلها ابن سلامة ~~الفاعلة؟ لا يكني. فقال يقطين. عجلت أيها الأمير، قال: وكيف؟ # قال: أمرني أن أحصي الأموال ثم أسلمها إليك لتعمل فيها برأيك. ثم قدم ~~يقطين على المنصور فأخبره. فلما قدم أبو مسلم المدائن في اليوم الذي قتل ~~فيه جعل يضرب بالسوط معرفة برذونه «4» ويقول بالفارسية كلاما معناه: ما ~~تغني المعرفة إذا لم يقدر على دفع المحتوم. ثم قال: جارة ذيلها، تدعو يا ~~ويلها، بدجلة أو حولها، كأنا بعد ساعة، قد صرنا في دجلة. # PageV01P080 # قال المنصور: «ثلاث كن في صدري شفى الله منها: كتاب أبي مسلم إلي وأنا ~~خليفة: عافانا الله وإياك من السوء، ودخول رسوله علينا وقوله: أيكم ابن ~~الحارثية؟. وضرب سليمان بن حبيب ظهري بالسياط» . # قال المنصور لسلم بن قتيبة: ما ترى في قتل أبي مسلم؟ فقال سلم: # لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا # فقال حسبك يا أبا أمية. # قال أبو دلامة «1» : [طويل] # أبا مسلم ما غير الله نعمة ... على عبده حتى يغيرها العبد # أفي دولة المهدي حاولت غدرة ... ألا إن أهل الغدر آباؤك الكرد # أبا مسلم خوفتني القتل فانتحى ... عليك بما خوفتني الأسد الورد» # قال مروان «3» بن محمد لعبد الحميد حين أيقن بزوال ملكه: «قد احتجت إلى ~~أن تصير مع عدوي وتظهر الغدر بي، فإن إعجابهم بأدبك وحاجتهم إلى كتابتك ~~تدعوهم إلى حسن الظن بك، فإن استطعت أن تنفعني في حياتي وإلا لم تعجز عن ~~حفظ حرمتي بعد وفاتي» فقال عبد الحميد: إن الذي أمرتني به أنفع الأمرين لك ~~وأقبحهما بي وما عندي إلا الصبر حتى يفتح الله لك أو أقتل معك. وقال: ~~[طويل] # PageV01P081 # أسر وفاء ثم أظهر غدرة ... فمن لي بعذر يوسع الناس ظاهره ### | المشاورة والرأي # حدثنا الزيادي قال: حدثنا حماد بن زيد عن هشام عن الحسن قال: # «كان النبي صلى الله عليه وسلم يستشير حتى المرأة فتشير عليه بالشيء ~~فيأخذ به» . # وقرأت في التاج أن بعض ملوك العجم استشار وزراءه، فقال أحدهم: # «لا ينبغي للملك أن يستشير منا أحدا إلا خاليا به، فإنه أموت للسر وأحزم ~~للرأي وأجدر بالسلامة وأعفى لبعضنا من غائلة بعض، فإن إفشاء السر إلى رجل ~~واحد أوثق من إفشائه إلى آثنين، وإفشاءه إلى ثلاث كإفشائه إلى العامة لأن ~~الواحد رهن بما أفشي إليه والثاني يطلق عنه ذلك الرهن والثالث علاوة فيه، ~~وإذا كان سر الرجل عند واحد كان أحرى ألا يظهره رهبة منه ورغبة إليه، وإذا ~~كان عند اثنين دخلت على الملك الشبهة واتسعت على الرجلين المعاريض، فإن ~~عاقبهما عاقب اثنين بذنب واحد، وإن اتهمهما اتهم بريئا بجناية مجرم، وإن ~~عفا عنهما كان العفو عن أحدهما ولا ذنب له عن الآخر ولا حجة معه» . # وقرأت في كتاب للهند أن ملكا استشار وزراء له، فقال أحدهم: # «الملك الحازم يزداد برأي الوزراء الحزمة كما يزداد البحر بمواده من ~~الأنهار، وينال بالحزم والرأي ما لا يناله بالقوة والجنود، وللأسرار منازل: ~~منها ما يدخل الرهط فيه، ومنها ما يستعان فيه بقوم، ومنها ما يستغنى فيه ~~بواحد. وفي تحصين السر الظفر بالحاجة والسلامة من الخلل. والمستشير وإن كان ~~أفضل رأيا من المشير، فإنه يزداد برأيه رأيا كما تزداد النار بالسليط ضوءا. ~~وإذا كان # PageV01P082 # الملك محصنا لسره بعيدا من أن يعرف ما في نفسه متخيرا للوزراء مهيبا في ~~أنفس العامة كافيا بحسن البلاء لا يخافه البريء ولا يأمنه المريب مقدرا لما ~~يفيد وينفق، كان خليقا لبقاء ملكه. ولا يصلح لسرنا هذا إلا لسانان وأربع ~~آذان. ثم خلا به» . # قال أبو محمد: كتبت إلى بعض السلاطين كتابا وفي فصل منه: «لم يزل حزمة ~~الرجال يستحلون مرارة قول النصحاء ويستهدون العيوب ويستثير صواب الرأي من ~~كل حتى الأمة الوكعاء، ومن احتاج إلى إقامة دليل على ما يدعيه من مودته ~~ونقاء طويته فقد أغناني الله عن ذلك بما أوجبه الاضطرار إذ كنت أرجو بدوام ~~نعمتك وارتفاع درجتك وانبساط جاهك ويدك زيادة الحال» . # وفي فصل آخر: «وقد تحملت في هذا الكتاب بعض العتب وخالفت ما أعلم إذ عرضت ~~بالرأي ولم أستشر وأحللت نفسي محل الخواص ولم أحل ونزعت بي النفس، حين جاشت ~~وضاقت بما تسمع، عن طريق الصواب لها إلى طريق الصواب لك، وحين رأيت لسان ~~عدوك منبسطا بما يدعيه عليك وسهامه نافذة فيك، ورأيت وليك معكوما عن ~~الاحتجاج إذ لا يجد العذر ورأيت عوام الناس يخوضون بضروب الأقاويل في أمرك، ~~ولا شيء أضر على السلطان في حال ولا أنفع في حال منهم. وبما يجريه الله على ~~ألسنتهم تسير الركبان وتبقى الأخبار ويخلد الذكر على الدهر وتشرف الأعقاب، ~~وظاهر الخبر عندهم أعدل من شهادة العدول الثقات» . # وفي فصل منه: «وسائس الناس ومدبر أمورهم يحتاج إلى سعة الصدر واستشعار ~~الصبر واحتمال سوء أدب العامة وإفهام الجاهل وإرضاء المحكوم عليه والممنوع ~~مما يسأل بتعريفه من أين منع، والناس لا يجمعون على الرضا إذا جمع بهم كل ~~أسباب الرضا فكيف إذا منعوا بعضها، ولا يعذرون بالعذر # PageV01P083 # الواضح فكيف بالعذر الملتبس، وأخوك من صدقك وارتمض لك لا من تابعك على ~~هواك ثم غاب عنك بغير ما أحضرك» . # قال زياد لرجل يشاوره: «لكل مستشير ثقة ولكل سر مستودع، وإن الناس قد ~~أبدعت بهم خصلتان: إضاعة السر، وإخراج النصيحة. وليس موضع السر إلا أحد ~~رجلين: رجل آخرة يرجو ثواب الله، أو رجل دنيا له شرف في نفسه وعقل يصون به ~~حسبه، وقد عجمتهما لك» . # وكتب بعض الكتاب: «إعلم أن الناصح لك المشفق عليك من طالع لك ما وراء ~~العواقب برؤيته ونظره، ومثل لك الأحوال المخوفة عليك، وخلط لك الوعر بالسهل ~~من كلامه ومشورته ليكون خوفك كفئا لرجائك وشكرك إزاء النعمة عليك. وأن ~~الغاش لك الحاطب عليك من مد لك في الاغترار ووطأ لك مهاد الظلم وجرى معك في ~~عنانك منقادا لهواك» . # وفي فصل: «إني وإن كنت ظنينا عندك في هذه الحال ففي تدبرك صفحات هذه ~~المشورة ما دلك على أن مخرجها عن صدق وإخلاص» . # إبراهيم بن المنذر قال: استشار زياد بن عبيد الله الحارثي عبيد الله بن ~~عمر في أخيه أبي بكر أن يوليه القضاء، فأشار عليه به، فبعث إلى أبي بكر ~~فامتنع عليه، فبعث زياد إلى عبيد الله يستعين به على أبي بكر، فقال أبو بكر ~~لعبيد الله: أنشدك بالله أترى لي أن ألي القضاء؟ قال: اللهم لا. قال زياد: # سبحان الله! استشرتك فأشرت علي به ثم أسمعك تنهاه! قال: أيها الأمير، ~~استشرتني فاجتهدت لك رأيي ونصحتك، واستشارني فاجتهدت له رأيي ونصحته. # كان نصر بن مالك على شرط أبي مسلم، فلما جاءه إذن أبي جعفر في القدوم ~~عليه استشاره فنهاه عن ذلك وقال: لا آمنه عليك. قال له أبو جعفر لما # PageV01P084 # صار اليه: إستشارك أبو مسلم في القدوم علي فنهيته؟ قال نعم: قال وكيف ~~ذاك؟ قال: سمعت أخاك إبراهيم الإمام يحدث عن أبيه محمد بن علي قال: # «لا يزال الرجل يزاد في رأيه ما نصح لمن استشاره» وكنت له كذلك وأنا ~~اليوم لك كما كنت له. # قال معاوية: «لقد كنت ألقى الرجل من العرب أعلم أن في قلبه علي ضغنا ~~فأستشيره، فيثير إلي منه بقدر ما يجده في نفسه فلا يزال يوسعني شتما وأوسعه ~~حلما حتى يرجع صديقا أستعين به فيعينني وأستنجده فينجدني» . # وقرأت في كتاب إبرويز إلى ابنه شيرويه وهو في حبسه: «عليك بالمشاورة فإنك ~~واجد في الرجال من ينضج لك الكي ويحسم عنك الداء ويخرج لك المستكن ولا يدع ~~لك في عدوك فرصة إلا انتهزها ولا لعدوك فيك فرصة إلا حصنها، ولا يمنعك شدة ~~رأيك في ظنك ولا علو مكانك في نفسك من أن تجمع إلى رأيك رأي غيرك فإن أحمدت ~~اجتنيت وإن أذممت نفيت، فإن في ذلك خصالا: منها أنه إن وافق رأيك ازداد ~~رأيك شدة عندك، وإن خالف رأيك عرضته على نظرك، فإن رأيته معتليا لما رأيت ~~قبلت، وإن رأيته متضعا عنه استغنيت، ومنها أنه يجدد لك النصيحة ممن شاورت ~~وإن أخطأ لك مودته وإن قصر» . # وفي كتاب للهند: «من التمس من الإخوان الرخصة عند المشورة ومن الأطباء ~~عند المرض ومن الفقهاء عند الشبهة، أخطأ الرأي وازداد مرضا وحمل الوزر» . # وفي آداب ابن المقفع: «لا يقذفن في روعك «1» أنك إن استشرت # PageV01P085 # الرجال ظهر للناس منك الحاجة إلى رأي غيرك، فيقطعك ذاك عن المشاورة، فإنك ~~لا تريد الرأي للفخر به ولكن للانتفاع به. ولو أنك أردت الذكر كان أحسن ~~الذكر عند الألباء أن يقال: لا ينفرد برأيه دون ذوي الرأي من إخوانه» . # قال عمر بن الخطاب: «الرأي الفرد كالخيط السحيل، والرأيان كالخيطين ~~المبرمين، والثلاثة مرار «1» لا يكاد ينتقض» . وقال أشجع «2» : [بسيط] # رأي سرى وعيون الناس هاجعة ... ما أخر الحزم رأي قدم الحذرا # كتب الحجاج إلى المهلب يستعجله في حرب الأزارقة، فكتب إليه المهلب: «إن ~~من البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه دون من يبصره» . وقيل لعبد الله بن وهب ~~الراسي يوم عقدت له الخوارج: تكلم. فقال: ما أنا والرأي الفطير والكلام ~~القضيب. وقال أيضا: خمير الرأي خير من فطيره، ورب شيء غابه خير من طريه، ~~وتأخيره خير من تقديمه. وقيل لآخر: تكلم. # فقال: ما أشتهي الخبز إلا بائتا. # كان ابن هبيرة يقول: «اللهم إني أعوذ بك من صحبة من غايته خاصة نفسه ~~والانحطاط في هوى مستشيره، وممن لا يلتمس خالص مودتك إلا بالتأتي لموافقة ~~شهوتك، ومن يساعدك على سرور ساعتك ولا يفكر في حوادث غدك» . وكان يقال: «من ~~أعطي أربعا لم يمنع أربعا: من أعطي الشكر لم يمنع المزيد، ومن أعطي التوبة ~~لم يمنع القبول، ومن أعطي المشورة لم يمنع الصواب، ومن أعطي الاستخارة لم ~~يمنع الخيرة» . وكان يقال: لا تستشر معلما ولا راعي الغنم ولا كثير القعود ~~مع النساء. وكان يقال: # PageV01P086 # لا تشاور صاحب حاجة يريد قضاءها ولا جائعا ولا حاقن بول وقالوا «لا رأي ~~لحاقن ولا لحازق» «1» وهو الذي ضغطه الخف «ولا لحاقب» وهو الذي يجد رزا في ~~بطنه. وقالوا أيضا: لا تشاور من لا دقيق عنده. # وكان بعض ملوك العجم إذا شاور مرازبته «2» فقصروا في الرأي دعا الموكلين ~~بأرزاقهم فعاقبهم، فيقولون: تخطىء مرازبتك وتعاقبنا! فيقول نعم، إنهم لم ~~يخطئوا إلا لتعلق قلوبهم بأرزاقهم وإذا اهتموا أخطأوا. وكان يقال: # إن النفس إذا أحرزت قوتها ورزقها اطمأنت. # وقال كعب: لا تستشيروا الحاكة فإن الله سلبهم عقولهم ونزع البركة من ~~كسبهم. قال الشاعر: [طويل] # وأنفع من شاورت من كان ناصحا ... شفيقا فأبصر بعدها من تشاور # وليس بشافيك الشفيق ورأيه ... عزيب «3» ولا ذوا الرأي والصدر واغر # ويقال: علامة الرشد أن تكون النفس مشتاقة. وقال آخر [طويل] # إذا بلغ الرأي النصيحة فاستعن ... برأي نصيح أو نصيحة حازم # ولا تحسب الشورى عليك غضاضة ... فإن الخوافي «4» رافدات القوادم # PageV01P087 # وخل الهوينا للضعيف ولا تكن ... نؤوما فإن الحزم ليس بنائم # وأدن من القربى المقرب نفسه ... ولا تشهد الشورى امرا غير كاتم # وما خير كف أمسك الغل أختها ... وما خير سيف لم يؤيد بقائم # فإنك لن تستطرد الهم بالمنى ... ولن تبلغ العليا بغير المكارم # قال أعرابي: ما غبنت قط حتى يغبن قومي. قيل: وكيف ذلك؟ قال: لا أفعل شيئا ~~حتى أشاورهم. وقيل لرجل من بني عبس: ما أكثر صوابكم! فقال: نحن ألف رجل ~~وفينا حازم واحد ونحن نطيعه، فكأنا ألف حازم. # ويقال: «ليس بين الملك وبين أن يملك رعيته أو تملكه إلا حزم أو توان» . # وقال القطامي «1» في معصية الناصح: [وافر] # ومعصية الشفيق عليك مما ... يزيدك مرة منه استماعا # وخير الأمر ما استقبلت منه ... وليس بأن تتبعه اتباعا # كذاك وما رأيت الناس إلا ... إلى ما جر غاويهم سراعا # تراهم يغمزون من استركوا ... ويجتنبون من صدق المصاعا # وقال آخر، أنشدنيه الرياشي: [طويل] # ومولى عصاني واستبد برأيه ... كما لم يطع بالبقتين قصير «2» # PageV01P088 # فلما رأى أن غب أمري وأمره ... وولت بأعجاز الأمور صدور # تمنى نئيشا «1» أن يكون أطاعني ... وقد حدثت بعد الأمور أمور # وقال سبيع لأهل اليمامة «يا بني حنيفة، بعدا كما بعدت عاد وثمود «2» ، ~~أما والله لقد أنبأتكم بالأمر قبل وقوعه كأني أسمع جرسه وأبصر غيبه ولكنكم ~~أبيتم النصيحة فاجتنيتم الندم، وأصبحتم وفي أيديكم من تكذيبي التصديق ومن ~~تهمتي الندامة، وأصبح في يدي من هلاككم البكاء ومن ذلكم الجزع، وأصبح ما ~~فات غير مردود وما بقي غير مأمون. وإني لما رأيتكم تتهمون النصيح وتسفهون ~~الحليم استشعرت منكم اليأس وخفت عليكم البلاء. والله ما منعكم الله التوبة ~~ولا أخذكم على غرة ولقد أمهلكم حتى مل الواعظ وهن الموعوظ وكنتم كأنما يعنى ~~بما أنتم فيه غيركم» . # وأشار رجل على صديق له برأي، فقال له: «قد قلت ما يقول الناصح الشفيق ~~الذي يخلط حلو كلامه بمره وحزنه «3» بسهله ويحرك الإشفاق منه ما هو # PageV01P089 # ساكن من غيره؛ وقد وعيت النصح فيه وقبلته إذ كان مصدره من عند من لا يشك ~~في مودته وصافي غيبه، وما زلت بحمد الله إلى كل خير طريقا منهجا ومهيعا «1» ~~واضحا» . # وكتب عثمان إلى علي حين أحيط به: «أما بعد، فإنه قد جاوز الماء الزبى ~~وبلغ الحزام الطبيين «2» وقد تجاوز الأمر بي قدره: [طويل] # فإن كنت مأكولا فكن خير آكل ... وإلا فأدركني ولما أمزق» # وقال أوس «3» بن حجر: [طويل] # وقد أعتب ابن العم إن كنت ظالما ... وأغفر عنه الجهل إن كان أجهلا # وإن قال لي ماذا ترى؟ يستشيرني ... يجدني ابن عم مخلط الأمر مزيلا «4» # أقيم بدار الحزم ما دام حزمها ... وأحري إذا حالت بأن أتحولا # وأستبدل الأمر القوي بغيره ... إذا عقد مأفون «5» الرجال تحللا # وكان يقال: «أناة في عواقبها درك، خير من معاجلة في عواقبها فوت» . # وأنشدني الرياشي: [بسيط] # PageV01P090 # وعاجز الرأي مضياع لفرصته ... حتى إذا فات أمر عاتب القدرا «1» # وكان يقال: «رو بحزم فإذا استوضحت فاعزم» . ### | الإصابة بالظن والرأي # كان ابن الزبير يقول: «لا عاش بخير من لم ير برأيه ما لم ير بعينه» . # وسئل بعض الحكماء: ما العقل؟ فقال: «الإصابة بالظن ومعرفة ما لم يكن بما ~~كان» . وكان يقال: «كفى مخبرا عما مضى ما بقي، وكفى عبرا لأولي الألباب ما ~~جربوا» . وكان يقال: «كل شيء محتاج إلى العقل، والعقل محتاج إلى التجارب» . ~~ويقال: «من لم ينفعك ظنه لم ينفعك يقينه» . وقال أوس بن حجر: [منسرح] # الألمعي الذي يظن بك الظ ... ن كأن قد رأى وقد سمعا # وقال آخر: [طويل] # وأبغي صواب الظن أعلم أنه ... إذا طاش ظن المرء طاشت مقادره # وقال علي بن أبي طالب صلوات الله عليه في عبد الله بن عباس: «إنه لينظر ~~إلى الغيب من ستر رقيق» . ويقال: «ظن الرجل قطعة من عقله» . # ويقال: «الظنون مفاتيح اليقين» . وقال بعض الكتاب: [وافر] # أصونك أن أظن عليك ظنا ... لأن الظن مفتاح اليقين # PageV01P091 # وقال الكميت «1» : [بسيط] # مثل التدبر في الأمر ائتنافكه ... والمرء يعجز في الإقدام لا الحيل «2» # وقال آخر: [طويل] # وكنت متى تهزز لخطب تغشه ... ضرائب أمضى من رقاق المضارب «3» # تجللته بالرأي حتى أريته ... به ملء عينيه مكان العواقب # وقال آخر يصف عاقلا: [طويل] # بصير بأعقاب الأمور كأنما ... يرى بصواب الرأي ما هو واقع # وقال آخر في مثله: [طويل] # عليم بأعقاب الأمور برأيه ... كأن له في اليوم عينا على الغد # وقال آخر يصف عاقلا: [طويل] # بصير بأعقاب الأمور كأنما ... يخاطبه من كل أمر عواقبه # وقال جثامة بن قيس «4» يهجو قوما: [بسيط] # أنتم أناس عظام لا قلوب لكم ... لا تعلمون أجاء الرشد أم غابا؟ # PageV01P092 # وتبصرون رؤوس الأمر مقبلة ... ولا ترون وقد ولين أذنابا # وقلما يفجأ المكروه صاحبه ... إذا رأى لوجوه الشر أسبابا # وقال آخر: [طويل] # فلا يحذرون الشر حتى يصيبهم ... ولا يعرفون الأمر إلا تدبرا «1» # ويقال: «ظن العاقل كهانة» . وفي كتاب للهند: «الناس حازمان وعاجز، فأحد ~~الحازمين الذي إذا نزل به البلاء لم يبطر وتلقاه بحيلته ورأيه حتى يخرج ~~منه، وأحزم منه العارف بالأمر إذا أقبل فيدفعه قبل وقوعه، والعاجز في تردد ~~وتثن حائر بائر لا يأتمر رشدا ولا يطيع مرشدا» . # وقال الشاعر: [طويل] # وإني لأرجو الله حتى كأنني ... أرى بجميل الظن ما الله صانع # وقال آخر: [وافر] # وغرة مرة من فعل غر «2» ... وغرة مرتين فعال موق # فلا تفرح بأمر قد تدنى ... ولا تأيس من الأمر السحيق # فإن القرب يبعد بعد قرب ... ويدنو البعد بالقدر المسوق # ومن لم يتق الضحضاح «3» زلت ... به قدماه في البحر العميق # PageV01P093 # وما اكتسب المحامد طالبوها ... بمثل البشر والوجه الطليق # وقال مروان بن الحكم لحبيش بن دلجة: أظنك أحمق. قال: «أحمق ما يكون الشيخ ~~إذا عمل بظنه» . ونقش رجل على خاتمه: «الخاتم خير من الظن» . ومثله: «طينة ~~خير من ظنة» . ### | اتباع الهوى # كان يقال: الهوى شريك العمى. وقال عامر بن الظرب: الرأي نائم والهوى ~~يقظان، ولذلك يغلب الرأي الهوى. وقال ابن عباس: «الهوى إله معبود» وقرأ: ~~أفرأيت من اتخذ إلهه هواه # «1» . وقال هشام بن عبد الملك، ولم يقل غيره: [طويل] # إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى ... إلى بعض ما فيه عليك مقال # وقال بزرجمهر «2» : «إذا اشتبه عليك أمران فلم تدر في أيهما الصواب، ~~فانظر أقربهما إلى هواك فاجتنبه» . # كان عمرو بن العاص صاحب عمارة بن الوليد إلى بلاد الحبشة ومع عمرو امرأته ~~فوقعت في نفس عمارة فدفع عمرا في البحر فتعلق بالسفينة وخرج، فلما ورد بلاد ~~الحبشة سعى عمرو بعمارة إلى النجاشي وأخبره أنه يخالف إلى بعض نسائه فدعا ~~النجاشي بالسواحر فنفخن في إحليله فهام مع الوحش، وقال عمرو في ذلك: [طويل] # تعلم عمارا أن من شر شيمة ... لمثلك أن يدعى ابن عم له ابنما # PageV01P094 # وإن كنت ذابردين أحوى مرجلا ... فلست براء لابن عمك محرما # إذا المرء لم يترك طعاما يحبه ... ولم يعص قلبا غاويا حيث يمما # قضى وطرا «1» منه يسيرا وأصبحت ... إذا ذكرت أمثاله تملأ الفما # وقال حاتم طي «2» في مثله: [طويل] # وإنك إن أعطيت بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا # وقال آخر: [طويل] # جار الجنيد علي محتكما ... جهلا ولست بموضع الظلم «3» # أكل الهوى حججي ورب هوى ... مما سيأكل حجة الخصم # وقال أعرابي: «الهوى هوان «4» ، ولكن غلط باسمه» . # وقال الزبير بن عبد المطلب «5» : [وافر] # وأجتنب المقاذع حيث كانت ... وأترك ما هويت لما خشيت # وقال البريق «6» الهذلي: [وافر] # أبن لي ما ترى والمرء تأبى ... عزيمته ويغلبه هواه # فيعمى ما يرى فيه عليه ... ويحسب ما يراه لا يراه # PageV01P095 # وكان يقال: «أخوك من صدقك وأتاك من جهة عقلك لا من جهة هواك» . ### | السر وكتمانه وإعلانه # حدثنى أحمد بن الخليل قال: حدثنا محمد بن الحصيب قال: حدثني أوس بن عبد ~~الله بن بريدة عن أخيه سهل عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: # «استعينوا على الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود» . وكانت الحكماء ~~تقول: # «سرك من دمك» . والعرب تقول: «من ارتاد لسره موضعا فقد أذاعه» . # حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن قريب عن عمه الأصمعي قال: # أخبرني بعض أصحابنا قال: دخل ابن أبي محجن «1» الثقفي على معاوية، فقال ~~له معاوية: أبوك الذي يقول: [طويل] # إذا مت فادفني إلى أصل كرمة ... تروي عظامي بعد موتي عروقها # ولا تدفنني في الفلاة فإنني ... أخاف وراء الموت أن لا أذوقها # فقال ابن أبي محجن: لو شئت ذكرت أحسن من هذا من شعره. فقال معاوية: وما ~~ذاك؟ قال قوله: [بسيط] # لا تسألي القوم مالي وما حسبي ... وسائلي القوم ما حزمي وما خلقي # القوم أعلم أني من سراتهم ... إذا تطيش يد الرعديدة الفرق «2» # أعطي السنان غداة الروع حصته ... وعامل الرمح أرويه من العلق «3» # قد أركب الهول مسدولا عساكره ... وأكتم السر فيه ضربة العنق # PageV01P096 # وأنشدني للصلتان العبدي «1» : [متقارب] # وسرك ما كان عند امرىء ... وسر الثلاثة غير الخفي # وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يتمثل بهذين البيتين: # [متقارب] # ولا تفش سرك إلا إليك ... فإن لكل نصيح نصيحا # فإني رأيت غواة الرجا ... ل لا يتركون أديما صحيحا # وقال الشاعر: [كامل] # ومراقبين تكاتما بهواهما ... جعلا القلوب لما تجن قبورا # يتلاحظان تلاحظا فكأنما ... يتناسخان من الجفون سطورا «2» # وقال مسكين الدارمي «3» : [طويل] # أواخي رجالا لست اطلع بعضهم ... على سر بعض غير أني جماعها # يظلون شتى في البلاد وسرهم ... إلى صخرة أعيا الرجال انصداعها # وقال آخر: [بسيط] # ولو قدرت على نسيان ما اشتملت ... مني الضلوع من الأسرار والخبر # PageV01P097 # لكنت أول من ينسى سرائره ... إذ كنت من نشرها يوما على خطر # أسر رجل إلى صديق له حديثا فلما استقصاه قال له: أفهمت؟ قال: # لا، بل نسيت. # قيل لأعرابي: كيف كتمانك للسر؟ قال: «ما قلبي له إلا قبر» . وقيل لمزيد: ~~أي شيء تحت حضنك؟ فقال: يا أحمق، لم خبأته. وقال الشاعر: # [وافر] # إذا ما ضاق صدرك عن حديث ... فأفشته الرجال فمن تلوم؟ # إذا عاتبت من أفشى حديثي ... وسري عنده فأنا الظلوم # وإني حين أسأم حمل سري ... وقد ضمنته صدري، سؤوم # قيل لرجل: كيف كتمانك للسر؟ قال: «أجحد المخبر وأحلف للمستخبر» . وكان ~~يقال: «من وهي الأمر إعلانه قبل إحكامه» . وقال الشاعر: [طويل] # إذا أنت حملت الخؤون أمانة ... فإنك قد أسندتها شر مسند # وقال عمرو بن العاص: «ما استودعت رجلا سرا فأفشاه فلمته، لأني كنت أضيق ~~صدرا حين استودعته» . وقال: [طويل] # إذا أنت لم تحفظ لنفسك سرها ... فسرك عند الناس أفشى وأضيع # وكان يقال: «من ضاق قلبه اتسع لسانه» . # وقال الوليد بن عتبة لأبيه: إن أمير المؤمنين أسر إلي حديثا ولا أراه ~~يطوى عنك ما يبسطه لغيرك، أفلا أحدثك به؟ قال: لا يا بني «إنه من كتم سره ~~كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه، فلا تكونن مملوكا بعد أن كنت ~~مالكا» قال: قبلت: وإن هذا ليجري بين الرجل وأبيه؟ قال: لا، ولكني # PageV01P098 # أكره أن تذلل لسانك بأحاديث السر. فحدثت به معاوية فقال: يا وليد، أعتقك ~~أخي من رق الخطأ. # وفي كتب العجم أن بعض ملوك فارس قال: «صونوا أسراركم فإنه لا سر لكم إلا ~~في ثلاثة مواضع: مكيدة تحاول أو منزلة تزاول أو سريرة مدخولة تكتم، ولا ~~حاجة بأحد منكم في ظهور شيء منها عنه» . وكان يقال: «ما كنت كاتمه من عدوك ~~فلا تظهر عليه صديقك» . # وقال جميل بن معمر: [طويل] # أموت وألقى الله يا بثن «1» لم أبح ... بسرك والمستخبرون كثير # وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي: [طويل] # ولما تلاقينا عرفت الذي بها ... كمثل الذي بي جذوك النعل بالنعل # فقالت وأرخت جانب الستر إنما ... معي فتكلم غير ذي رقبة أهلي «2» # فقلت لها ما بي لهم من ترقب ... ولكن سري ليس يحمله مثلي # يريد أنه ليس يحمله أحد مثلي في صيانته وستره، أي فلا أبديه لأحد. # وقال زهير «3» : [كامل] # الستر دون الفاحشات ولا ... يلقاك دون الخير من ستر # وقال آخر: [طويل] # فسري كإعلاني وتلك خليقتي ... وظلمة ليلي مثل ضوء نهاريا # وقال آخر لأخ له وحدثه بحديث: إجعل هذا في وعاء غير سرب. # PageV01P099 # والسرب السائل. وكان يقال: «للقائل على السامع جمع البال والكتمان وبسط ~~العذر» . وكان يقال: «الرعاية خير من الاسترعاء» . # أتى رجل عبيد الله بن زياد فأخبره أن عبد الله بن همام السلولي «1» سبه، ~~فأرسل اليه فأتاه فقال: يا ابن همام، إن هذا يزعم أنك قلت: كذا وكذا. # فقال ابن همام: [طويل] # فأنت امرؤ إما ائتمنتك خاليا ... فخنت، وإما قلت قولا بلا علم # وإنك في الأمر الذي قد أتيته ... لفي منزل بين الخيانة والإثم # وقال آخر: [خفيف] # إخفض الصوت إن نطقت بليل ... والتفت بالنهار قبل الكلام # وقال بعض الأعراب: [طويل] # ولا أكتم الأسرار لكن أنمها ... ولا أدع الأسرار تغلي على قلبي # وإن قليل العقل من بات ليله ... تقلبه الأسرار جنبا إلى جنب # وقال أبو الشيص «2» : [بسيط] # ولا تأمنن على سري وسركم ... غيري وغيرك أو طي القراطيس # أو طائر «3» سأحليه وأنعته ... مازال صاحب تنقير وتأسيس # PageV01P100 # سود براثنه ميل ذوائبه ... صفر حمالقه في الحسن مغموس # قد كان هم سليمان ليذبحه ... لولا سعايته يوما ببلقيس «1» # وقال أيضا: [كامل] # أفضى أليك بسره قلم ... لو كان يعرفه بكى قلمه # وقال مسلم بن الوليد «2» في الكتاب يأتيك فيه السر: [بسيط] # الحزم تخريقه إن كنت ذا حذر ... وإنما الحزم سوء الظن بالناس # إذا أتاك وقد أدى أمانته ... فاجعل صيانته في بطن أرماس «3» # وقال آخر: [طويل] # سأكتمه سري وأحفظ سره ... ولا غرني أني عليه كريم # حليم فينسى أو جهول يشيعه ... وما الناس إلا جاهل وحليم ### | الكتاب والكتابة # حدثنا إسحاق بن راهويه عن وهب بن جرير عن أبيه عن يونس بن عبيد # PageV01P101 # عن الحسن عن عمرو بن ثعلب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أشراط ~~الساعة أن يفيض المال ويظهر القلم وتفشو التجار» قال عمرو: إن كنا لنلتمس ~~في الحواء «1» العظيم الكاتب، ويبيع الرجل البيع فيقول: حتى أستأمن تاجر ~~بني فلان. # حدثنا أحمد بن الخليل عن إسماعيل بن أبان عن عنبسة بن عبد الرحمن القرشي ~~عن محمد بن زاذان عن أم سعد عن زيد بن ثابت قال: # دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يملي في بعض حوائجه فقال: «ضع ~~القلم على أذنك فإنه أذكر للمملي به» . # وحدثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب قال: «كان إدريس النبي ~~عليه السلام أول من خط بالقلم وأول من خاط الثياب ولبسها، وكانوا من قبله ~~يلبسون الجلود» . # حدثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا جرير عن يزيد بن أبي زياد عن عياض بن ~~أبي موسى أن عمر بن الخطاب قال لأبي موسى: ادع لي كاتبك ليقرأ لنا صحفا ~~جاءت من الشام. فقال أبو موسى: إنه لا يدخل المسجد: قال عمر: أبه جنابة؟ ~~قال: لا، ولكنه نصراني. قال: فرفع يده، فضرب فخذه حتى كاد يكسرها ثم قال: ~~ما لك! قاتلك الله! أما سمعت قول الله عز وجل: # يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء # «2» ! ألا اتخذت رجلا حنيفيا؟ فقال أبو موسى: له دينه ولي كتابته. فقال ~~عمر: «لا أكرمهم إذ أهانهم الله ولا أعزهم إذ أذلهم ولا أدنيهم إذ أقصاهم ~~الله» . # PageV01P102 # حدثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا عيس بن يونس قال: حدثنا أبو حيان ~~التيمي عن أبي زنباع عن أبي الدهقانة قال: ذكر لعمر بن الخطاب غلام كاتب ~~حافظ من أهل الحيرة وكان نصرانيا، فقيل له: لو اتخذته كاتبا. # فقال: «لقد اتخذت إذا بطانة من دون المؤمنين» . # حدثني أبو حاتم قال: مرامر بن مروة «1» من أهل الأنبار وهو الذي وضع ~~كتابة العربية، ومن الأنبار انتشرت فى الناس. # حدثني أبو سهل عن الطنافسي عن المنكدر بن محمد عن أبيه محمد ابن المنكدر ~~قال: جاء الزبير بن العوام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف أصبحت؟ # جعلني الله فداك! قال: «ما تركت أعرابيتك بعد» . # قال عبد الملك بن مروان لأخيه عبد العزيز حين وجهه إلى مصر: «تفقد كاتبك ~~وحاجبك وجليسك، فإن الغائب يخبره عنك كاتبك، والمتوسم يعرفك بحاجبك، ~~والداخل عليك يعرفك بجليسك» . # ابن أبي الزناد عن أبيه قال: كنت كاتبا لعمر بن عبد العزيز فكان يكتب إلى ~~عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب في المظالم فيراجعه، فكتب إليه: ~~«إنه ليخيل إلي أني لو كتبت إليك أن تعطي رجلا شاة لكتبت إلي: أضأن أم ~~ماعز؟ ولو كتبت إليك بأحدهما لكتبت: أذكر أم أنثى؟ ولو كتبت إليك بأحدهما ~~لكتبت: أصغير أم كبير؟ فإذا أتاك كتابي هذا فلا تراجعني في مظلمة» . # وكتب أبو جعفر إلى سلم بن قتيبة يأمره بهدم دور من خرج مع إبراهيم # PageV01P103 # وعقر نخلهم. فكتب إليه: بأي ذلك نبدأ أبالنخل أم بالدور؟ فكتب إليه أبو ~~جعفر: «أما بعد، فإني لو أمرتك بإفساد ثمرهم لكتبت إلي تستأذن في أيه تبدأ ~~أبالبرني أم بالشهريز «1» ؟» وعزله، وولى محمد بن سليمان. وكان يقول: # «للكاتب على الملك ثلاثة، رفع الحجاب عنه، واتهام الوشاة عليه، وإفشاء ~~السر إليه» . # كانت العجم تقول: «من لم يكن عالما بإجراء المياه وبحفر فرض الماء ~~والمسارب وردم المهاوي ومجاري الأيام في الزيادة والنقصان واستهلال القمر ~~وأفعاله ووزن الموازين وذرع المثلث والمربع والمختلف الزوايا ونصب القناطر ~~والجسور والدوالي والنواعير على المياه وحال أدوات الصناع ودقائق الحساب ~~كان ناقصا في حال كتابته» . # قال ميمون بن ميمون: «إذا كانت لك إلى كاتب حاجة فليكن رسولك إليه الطمع» ~~. وقال: «إذا آخيت الوزير فلا تخش الأمير» . # وفي كتاب للهند: «إذا كان الوزير يساوي الملك في المال والهيبة والطاعة ~~من الناس فليصرعه الملك، وإن لم يفعل فليعلم أنه هو المصروع» . # المدائني قال: خلا زياد يوما في أمر ينظر فيه وعنده كاتب له يكتب وابنه ~~عبيد الله، فنعس زياد فقال لعبيد الله: تعهد هذا لا يكتب شيئا. ونام، فوجد ~~عبيد الله مسا «2» من البول فكره أن يوقظ أباه وكره أن يخلي الكاتب فشد ~~إبهاميه بخيط وختمه وقام لحاجته. # PageV01P104 # وقال أبو عباد الكاتب: ما جلس أحد قط بين يدي إلا تخيل إلي أني جالس بين ~~يديه. # وقرأت في التاج أن أبرويز قال لكاتبه: «أكتم السر واصدق الحديث واجتهد في ~~النصيحة واحترس بالحذر، فإن لك علي أن لا أعجل بك حتى أستأني لك ولا أقبل ~~عليك قولا حتى أستيقن ولا أطمع فيك أحدا فيغتالك. # واعلم أنك بمنجاة رفعة فلا تحطنها وفي ظل مملكة فلا تستزيلنه، وقارب ~~الناس مجاملة عن نفسك وباعد الناس مشايحة «1» من عدوك واقصد إلى الجميل ~~ادراعا لغدك وتحصن بالعفاف صونا لمروءتك وتحسن عندي بما قدرت عليه من حسن ~~ولا تشرعن الألسنة فيك ولا تقبحن الأحدوثة عنك وصن نفسك صون الدرة الصافية ~~وأخلصها إخلاص الفضة البيضاء وعاتبها معاتبة الحذر المشفق وحصنها تحصين ~~المدينة المنيعة. لا تدعن أن ترفع إلي الصغير، فإنه يدل على الكبير ولا ~~تكتمن الكبير فإنه ليس شاغلي عن الصغير. # هذب أمورك ثم القني بها واحكم لسانك ثم راجعني به ولا تجترئن علي فأمتعض ~~ولا تنقبض مني فأتهم ولا تمرضن ما تلقاني به ولا تخدجنه. وإذا فكرت فلا ~~تعجل وإذا كتبت فلا تعذر، ولا تستعينن بالفضول فإنها علاوة على الكفاية ولا ~~تقصرن عن التحقيق فإنها هجنة بالمقالة ولا تلبسن كلاما بكلام ولا تباعدن ~~معنى عن معنى. أكرم كتابك عن ثلاث: خضوع يستخفه، وانتشار يثبجه، ومعان تقعد ~~به، واجمع الكثير مما تريد في القليل مما تقول، وليكن بسطة كتابك على ~~السوقة كبسطة ملك الملوك على الملوك، ولا يكن ما تملك عظيما وما تقول صغيرا ~~فإنما كلام الكاتب على مقدار الملك فاجعله عاليا كعلوه وفائقا كفوقه. واعلم ~~أن جماع الكلام كله خصال أربع: سؤالك # PageV01P105 # الشيء، وسؤالك عن الشيء، وأمرك بالشيء، وخبرك عن الشيء فهذه الخلال دعائم ~~المقالات إن التمس لها خامس لم يوجد وإن نقص منها رابع لم تتم، فإذا أمرت ~~فاحكم وإذا سألت فاوضح وإذا طلبت فاسجح وإذا أخبرت فحقق فإنك إذا فعلت ذلك ~~أخذت بحزامير «1» القول كله فلم يشتبه عليك وارده ولم يعجزك منه صادره. ~~أثبت في دواوينك ما أدخلت واحص فيها ما أخرجت وتيقظ لما تأخذ وتجرد لما ~~تعطي ولا يغلبنك النسيان عن الإحصاء ولا الأناة عن التقدم ولا تخرجن وزن ~~قيراط في غير حق ولا تعظمن إخراج الكثير في الحق، وليكن ذلك كله عن ~~مؤامرتي» . # قال رجل لبنيه: «يا بني، تزيوا بزي الكتاب فإن فيهم أدب الملوك وتواضع ~~السوقة» . # قال الكسائي: «لقيت أعرابيا فجعلت أسأله عن الحرف بعد الحرف وعن الشيء ~~بعد الشيء أقرنه بغيره فقال: يا لله! ما رأيت رجلا أقدر، على كلمة إلى جنب ~~كلمة أشبه شيء بها وأبعد شيء منها، منك!» . # وقال ابن الأعرابي: «رآني أعرابي وأنا أكتب الكلمة بعد الكلمة من ألفاظه ~~فقال: إنك لحتف الكلمة الشرود» . # وقال رجل من أهل المدينة: «جلست إلى قوم ببغداد فما رأيت أوزن من أحلامهم ~~ولا أطيش من أقلامهم» . # وكتب بعض الكتاب إلى صديق له: «وصل إلي كتابك فما رأيت كتابا أسهل فنونا ~~ولا أملس متونا ولا أكثر عيونا ولا أحسن مقاطع ومطالع ولا أشد # PageV01P106 # على كل مفصل حزا منه. أنجزت فيه عدة الرأي وبشرى الفراسة وعاد الظن بك ~~يقينا والأمل فيك مبلوغا» . # ويقال: «عقول الرجال في أطراف أقلامها» . # ويقال: «القلم أحد اللسانين وخفة العيال أحد اليسارين وتعجيل اليأس أحد ~~الظفرين وإملاك العجين أحد الريعين وحسن التقدير أحد الكاسبين واللبن أحد ~~اللحمين» . وقد يقال: المرق أحد اللحمين. # قيل لبعضهم: إن فلانا لا يكتب، فقال: تلك الزمانة «1» الخفية. وقرأت في ~~بعض كتب العجم أن موبذان موبذ وصف الكتاب فقال: «كتاب الملوك عيبتهم ~~المصونة عندهم وآذانهم الواعية وألسنتهم الشاهدة، لأنه ليس أحد أعظم سعادة ~~من وزراء الملوك إذا سعدت الملوك، ولا أقرب هلكة من وزراء الملوك إذا هلكت ~~الملوك، فترفع التهمة عن الوزراء إذا صارت نصائحهم للملوك نصائحهم لأنفسهم، ~~وتعظم الثقة بهم حين صار اجتهادهم للملوك اجتهادهم لأنفسهم فلا يتهم روح ~~على جسده ولا يتهم جسد على روحه لأن زوال ألفتهما زوال نعمتهما، وأن التئام ~~ألفتهما صلاح خاصتهما» . # وقال: [بسيط] # لئن ذهبت إلى الحجاج يقتلني ... إني لأحمق من تخدي به العير «2» # مستحقبا «3» صحفا تدمي طوابعها ... وفي الصحائف حيات مناكير # PageV01P107 # وقال بعض الشعراء في القلم: [طويل] # عجبت لذي سنين في الماء نبته ... له أثر في كل مصر ومعمر # وقال بعض المحدثين في القلم: [متقارب] # ضئيل الرواء كبير الغناء ... من البحر في المنصب الأخضر «1» # كمثل أخي العشق في شخصه ... وفي لونه من بني الأصفر «2» # يمر كهيئة مر الشجا ... ع في دعص محنية أعفر «3» # إذا رأسه صح لم ينبعث ... وجاز السبيل ولم يبصر # وإن مدية صدعت رأسه ... جرى جري لا هائب مقصر «4» # يقضي مآربه مقبلا ... ويحسمها هيئة المدبر # تجود بكف فتى كفه ... تسوق الثراء إلى المعسر # وقال حبيب «5» الطائي يصف القلم: [طويل] # لك القلم الأعلى الذي بشباته ... يصاب من الأمر الكلى المفاصل «6» # PageV01P108 # لعاب الأفاعي القاتلات لعابه ... وأري الجنى اشتارته أيد عواسل «1» # له ريقة طل ولكن وقعها ... بآثاره في الشرق والغرب وابل # فصيح إذا استنطقته وهو راكب ... وأعجم إن خاطبته وهو راجل # إذا ما امتطى الخمس اللطاف وأفرغت ... عليه شعاب الفكر وهي حوافل «2» # تراه جليلا شأنه وهو مرهف ... ضنى وسمينا خطبه وهو ناحل # وقال محمد «3» بن عبد الملك بن صالح الهاشمي يصف القلم: # [طويل] # وأسمر طاوي الكشح أخرس ناطق ... له ذملان في بطون المهارق «4» # إذا استعجلته الكف أمطر خاله ... بلا صوت إرعاد ولا ضوء بارق «5» # كأن اللآلي والزبرجد نطفه ... ونور الخزامي في بطون الحدائق «6» # وقال بعض المحدثين يمدح كاتبا: [كامل] # وإذا تألق في الندي كلامه ال ... منظوم خلت لسانه من عضبه «7» # وإذا دجت أقلامه ثم انتجت ... برقت مصابيح الدجى في كتبه # PageV01P109 # باللفظ يقرب فهمه في بعده ... منا ويبعد نيله في قربه # حكم فسائحها خلال بنانه ... متدفق وقليبها في قلبه «1» # كالروض مؤتلف بحمرة نوره ... وبياض زهرته وخضرة عشبه # وقال سعيد «2» بن حميد يصف العود: [بسيط] # وناطق بلسان لا ضمير له ... كأنه فخذ نيطت إلى قدم # يبدي ضمير سواه في الكلام كما ... يبدي ضمير سواه منطق القلم # بعث الطائي إلى الحسن بن وهب بدواة أبنوس «3» وكتب إليه [خفيف] # قد بعثنا إليك أم المنايا ... والعطايا زنجية الأحساب # في حشاها من غير حرب حراب ... هي أمضى من مرهفات الحراب # وقال ابن أبي كريمة «4» يصف الدواة والقلم: [طويل] # ومسودة الأرجاء قد خضت ماءها ... ورويت من قعر لها غير منبط «5» # خميص «6» الحشا يروى على كل مشرب ... أمينا على سر الأمير المسلط # وقال بعض أهل الأدب: إنما قيل: ديوان لموضع الكتبة والحساب لأنه # PageV01P110 # يقال: للكتاب بالفارسية «ديوان» أي شياطين، لحذقهم بالأمور ولطفهم فسمي ~~موضعهم باسمهم. # وقال آخر: إنما قيل لمدير الأمور عن الملك «وزير» من الوزر وهو الحمل ~~يراد أنه يحمل عنه من الأمور مثل الأوزار وهي الأحمال، قال الله عز وجل: # ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم # «1» أي أحمالا من حليهم، ولهذا قيل للإثم: وزر، شبه بالحمل على الظهر، ~~قال الله تبارك وتعالى: ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك # «2» . # وكان الناس يستحسنون لأبي نواس قوله: [طويل] # يا كاتبا، كتب الغداة يسبني ... من ذا يطيق براعة الكتاب؟ # لم ترض بالإعجام حين سببتني ... حتى شكلت عليه بالإعراب # وأردت إفهامي فقد أفهمتني ... وصدقت فيما قلت غير محابي «3» # وقال آخر: [سريع] # يا كاتبا تنثر أقلامه ... من كفه درا على الأسطر # وقال عدي «4» بن الرقاع: [كامل] # صلى الاله على امرىء ودعته ... وأتم نعمته عليه وزادها # PageV01P111 # ومنه أخذ الكتاب: وأتم نعمته عليك وزاد فيها عندك. # وقال حاتم طيء في معنى قولهم: مت قبلك: [طويل] # إذا ما أتى يوم يفرق بيننا ... يموت فكن أنت الذي تتأخر # وقال جرير في معناه: [بسيط] # ردي فؤادي وكوني لي بمنزلتي ... يا قبل نفسك لاقى نفسي التلف # كتب بعض الملوك إلى بعض الكتاب كتابا دعا له فيه «بأمتع الله بك» ، فكتب ~~إليه ذلك الكاتب «1» : [منسرح] # أحلت عما عهدت من أدبك ... أم نلت ملكا فتهت في كتبك؟ # أم هل ترى أن في التواضع ل ... لإخوان نقصا عليك في حسبك؟ # أم كان ما كان منك عن غضب ... فأي شيء أدناك من غضبك؟ # إن جفاء كتاب ذي مقة «2» ... يكتب في صدره: وأمتع بك # PageV01P112 # وقال الأصمعي «1» في البرامكة: [متقارب] # إذا ذكر الشرك في مجلس ... أنارت وجوه بني برمك # وإن تليت عندهم آية ... أتوا بالأحاديث عن مزدك «2» # وقال آخر: [مجتث مجزوء] # إن الفراغ دعاني ... إلى ابتناء المساجد # وإن رأيي فيها ... كرأي يحيى بن خالد # مر عبد الله بن المقفع ببيت النار، فقال: [كامل] # PageV01P113 # يا بيت عاتكة الذي أتعزل ... حذر العدا وبه الفؤاد موكل «1» # وقال دعبل «2» في أبي عباد: [كامل] # أولى الأمور بضيعة وفساد ... أمر يدبره أبو عباد # حنق على جلسائه بدواته ... فمرمل ومضمخ بمداد «3» # وكأنه من دير هرقل مفلت ... حرد يجر سلاسل الأقياد ### | خيانات العمال # حدثنا إسحاق بن راهويه قال: ذكر لنا أن امرأة من قريش كان بينها وبين رجل ~~خصومة فأراد أن يخاصمها إلى عمر فأهدت المرأة إلى عمر فخذ جزور ثم خاصمته ~~إليه فوجه ### | القضاء # عليها، فقال: يا أمير المؤمنين، إفصل القضاء بيننا كما يفصل فخذ الجزور ~~«4» . فقضى عليها عمر وقال: إياكم والهدايا. وذكر القصة. # قال إسحاق: كان الحجاج استعمل المغيرة بن عبد الله الثقفي على الكوفة ~~فكان يقضي بين الناس، فأهدى إليه رجل سراجا من شبه «5» وبلغ ذلك خصمه فبعث ~~إليه ببغلة. فلما اجتمعا عند المغيرة جعل يحمل على صاحب # PageV01P114 # السراج وجعل صاحب السراج يقول: إن أمري أضوأ من السراج. فلما أكثر عليه ~~قال: ويحك إن البغلة رمحت «1» السراج فكسرته. # حدثنا إسحاق قال: حدثنا روح بن عبادة قال: حدثنا حماد بن سلمة عن الجريري ~~عن أبي بصرة عن الربيع بن زياد الحارثي أنه وفد إلى عمر فأعجبته هيئته ~~ونحوه، فشكا عمر طعاما غليظا يأكله. فقال الربيع: يا أمير المؤمنين، إن أحق ~~الناس بمطعم طيب وملبس لين ومركب وطيء لأنت. # فضرب رأسه بجريدة وقال: والله ما أردت بهذا إلا مقاربتي، وإن كنت لأحسب ~~أن فيك خيرا. ألا أخبرك بمثلي ومثل هؤلاء؟ إنما مثلنا كمثل قوم سافروا ~~فدفعوا نفقاتهم إلى رجل منهم وقالوا أنفقها علينا. فهل له أن يستأثر عليهم ~~بشيء؟ قال الربيع: لا. # حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح قال: لما ~~أتي عمر بتاج كسرى وسواريه جعل يقلبه بعود في يده ويقول: والله إن الذي أدى ~~إلينا هذا لأمين، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أنت أمين الله يؤدون إليك ما ~~أديت إلى الله فإذا رتعت رتعوا. قال: صدقت. # حدثني أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي قال: لما أتي علي عليه السلام بالمال ~~أقعد بين يديه الوزان والنقاد فكوم كومة من ذهب وكومة من فضة وقال: # يا حمراء ويا بيضاء إحمري وابيضي وغري غيري. وأنشد: [سريع] # هذا جناي وخياره فيه ... إذ كل جان يده إلى فيه # حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن # PageV01P115 # إسماعيل بن أبي خالد عن عاصم قال: كان عمر بن الخطاب إذا بعث عاملا يشترط ~~عليه أربعا: ألا يركب البراذين «1» ، ولا يلبس الرقيق، ولا يأكل «2» ~~النقيء، ولا يتخذ بوابا. ومر ببناء يبني بحجارة وجص فقال: لمن هذا؟ # فذكروا عاملا له على البحرين فقال: «أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقها» ~~وشاطره ماله. وكان يقول: «لي على كل خائن أمينان: الماء والطين» . # حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال: حدثنا قريش بن انس عن ~~سعيد عن قتادة قال: جاء كتاب عمر بن عبد العزيز إلى واليه: أن دع لأهل ~~الخراج من أهل الفرات ما يتختمون به الذهب ويلبسون الطيالسة ويركبون ~~البراذين وخذ الفضل. # حدثنا محمد بن عبيد عن هوذة عن عوف عن ابن سيرين وإسحاق عن النضر بن شميل ~~عن ابن عون عن ابن سيرين بمعناه قال: لما قدم أبو هريرة «3» من البحرين قال ~~له عمر: يا عدو الله وعدو كتابه، أسرقت مال الله؟ قال أبو هريرة: لست بعدو ~~الله ولا عدو كتابه ولكني عدو من عاداهما ولم أسرق مال الله. # قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف درهم؟ قال: خيلي تناسلت وعطائي تلاحق ~~وسهامي تتابعت فقبضتها منه. قال أبو هريرة: فلما صليت الصبح استغفرت لأمير ~~المؤمنين ثم قال لي عمر بعد ذلك: ألا تعمل؟ فقلت: لا. # قال: قد عمل من هو خير منك، يوسف. فقلت: يوسف نبي ابن نبي وأنا # PageV01P116 # ابن أميمة «1» أخشى ثلاثا واثنتين. قال: فهلا قلت خمسا؟ قلت: أخشى أن ~~أقول بغير علم، وأحكم بغير حلم، وأخشى أن يضرب ظهري، ويشتم عرضي، وينزع ~~مالي. # حدثنا محمد بن داود عن نصر بن قديد عن إبراهيم بن المبارك عن مالك بن ~~دينار أنه دخل على بلال بن أبي بردة وهو أمير البصرة فقال: أيها الأمير، ~~إني قرأت في بعض الكتب: «من أحمق من السلطان ومن أجهل ممن عصاني ومن أعز ~~ممن أعزني. أيا راعي السوء، دفعت إليك غنما سمانا سحاحا «2» فأكلت اللحم ~~وشربت اللبن وائتدمت «3» بالسمن ولبست الصوف وتركتها عظاما تتقعقع «4» » . # حدثني محمد بن شبابة عن القاسم بن الحكم العرني القاضي قال: # حدثني اسماعيل بن عياش عن أبي محمد القرشي عن رجاء بن حيوة عن ابن مخرمة ~~قال: إني لتحت منبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالجابية حين قام في الناس ~~فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أيها الناس، اقرئوا القرآن تعرفوا به ~~واعملوا به تكونوا من أهله. إنه لن يبلغ ذو حق في حقه أن يطاع في معصية ~~الله. ألا إنه لن يبعد من رزق الله ولن يقرب من أجل أن يقول المرء حقا وأن ~~يذكر بعظيم. ألا وإني ما وجدت صلاح ما ولاني الله إلا بثلاث: أداء الأمانة، ~~والأخذ بالقوة، والحكم بما أنزل الله. ألا وإني ما وجدت صلاح هذا المال # PageV01P117 # إلا بثلاث: أن يؤخذ من حق، ويعطى في حق، ويمنع من باطل. ألا وإنما أنا في ~~مالكم هذا كوالي اليتيم إن استغنيت استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف، تقرم ~~البهمة» «1» . # بلغني عن محمد بن صالح عن بكر بن خنيس عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ~~أبيه قال: «كان زياد إذا ولى رجلا قال له: خذ عهدك وسر إلى عملك واعلم أنك ~~مصروف رأس سنتك وأنك تصير إلى أربع خلال فاختر لنفسك: إنا إن وجدناك أمينا ~~ضعيفا استبدلنا بك لضعفك وسلمتك من معرتنا «2» أمانتك، وإن وجدناك خائنا ~~قويا استهنا بقوتك وأحسنا على خيانتك أدبك فأوجعنا ظهرك وأثقلنا غرمك، وإن ~~جمعت علينا الجرمين جمعنا عليك المضرتين «3» ، وإن وجدناك أمينا قويا زدناك ~~في عملك ورفعنا لك ذكرك وكثرنا مالك وأوطأنا عقبك» . # قال العتبي: بعث إلى عمر بحلل فقسمها فأصاب كل رجل ثوب فصعد المنبر وعليه ~~حلة، والحلة ثوبان، فقال: أيها الناس ألا تسمعون؟ فقال سليمان: لا نسمع. ~~قال: ولم يا أبا عبد الله؟ قال: لأنك قسمت علينا ثوبا ثوبا وعليك حلة. قال: ~~لا تعجل يا أبا عبد الله. ثم نادى: يا عبد الله، فلم يجبه أحد، فقال: يا ~~عبد الله بن عمر. قال: لبيك يا أمير المؤمنين. قال: # نشدتك بالله. الثوب الذي ائتزرت به هو ثوبك؟ قال: اللهم نعم. فقال سليمان ~~رضي الله عنه: أما الآن فقل نسمع. # PageV01P118 # بلغني عن حفص بن عمران الرازي عن الحسن بن عمارة عن المنهال ابن عمرو ~~قال: قال معاوية لشداد بن عمرو بن أوس: قم فاذكر عليا فتنقصه فقام شداد ~~فقال: «الحمد لله الذي افترض طاعته على عباده وجعل رضاه عند أهل التقوى آثر ~~من رضا غيره. على ذلك مضى أولهم وعليه يمضي آخرهم. # أيها الناس، إن الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر، وإن الدنيا عرض حاضر ~~يأكل منها البر والفاجر، وإن السامع المطيع لا حجة عليه وإن السامع العاصي ~~لا حجة له. وإن الله، جل وعز، إذا أراد بالناس صلاحا عمل عليهم صلحاءهم «1» ~~وقضى بينهم فقهاءهم وجعل المال في سمحائهم، وإذا أراد بالعباد شرا عمل ~~عليهم سفهاءهم وقضى بينهم جهلاءهم وجعل المال عند بخلائهم. وإن من صلاح ~~الولاة أن يصلح قرناؤها «2» . نصحك، يا معاوية، من أسخطك بالحق وغشك من ~~أرضاك بالباطل» فقال له معاوية: إجلس. وأمز له بمال، وقال: ألست من ~~السمحاء؟ فقال: إن كان مالك دون مال المسلمين تعمدت جمعه مخافة تبعته ~~فأصبته حلالا وأنفقته إفضالا، فنعم. وإن كان مما شاركك فيه المسلمون ~~فاحتجنته «3» دونهم، أصبته اقترافا وأنفقته إسرافا، فإن الله، عز وجل، ~~يقول: إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا # «4» . # مر عمرو بن عبيد بجماعة عكوف «5» ، فقال: ما هذا؟ قالوا: سارق # PageV01P119 # يقطع. فقال: لا إله إلا الله، سارق السر يقطعه سارق العلانية!. # ومر طارق صاحب شرطة خالد القسري بابن شبرمة، وطارق في موكبه فقال ابن ~~شبرمة «1» : # [طويل] # أراها وإن كانت تحب كأنها ... سحابة صيف عن قريب تقشع «2» # اللهم «3» ، لي ديني ولهم دنياهم. فاستعمل ابن شبرمة بعد ذلك على القضاء، ~~فقال له ابنه: أتذكر يوم مر بك طارق في موكبه وقلت ما قلت؟ # فقال: يا بني، إنهم يجدون مثل أبيك ولا يجد مثلهم أبوك. إن أباك أكل من ~~حلوائهم وحط في أهوائهم. # ولي عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس المدينة سنتين فأحسن السيرة وعف عن ~~أموال الناس ثم عزل فاجتمعوا إليه فأنشد لدراج الضبابي «4» : # [طويل] # فلا السجن أبكاني ولا القيد شفني ... ولا أنني من خشية الموت أجزع # PageV01P120 # ولكن أقواما أخاف عليهم ... إذا مت أن يعطوا الذي كنت أمنع «1» # ثم قال: والله ما أسفت على هذه الولاية ولكني أخشى أن يلي هذه الوجوه من ~~لا يرعى لها حقها. # ووجدت في كتاب لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه إلى ابن عباس حين أخذ من ~~مال البصرة ما أخذ: «إني أشركتك في أمانتي ولم يكن رجل من أهلي أوثق منك في ~~نفسي، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب، والعدو قد حرب «2» قلبت لابن ~~عمك ظهر المجن «3» بقراقه مع المفارقين وخذلانه مع الخاذلين واختطفت ما ~~قدرت عليه من أموال الأمة اختطاف الذئب الأزل «4» دامية المعزى» وفي ~~الكتاب: «ضح «5» رويدا فكأن قد بلغت المدى وعرضت عليك أعمالك بالمحل الذي ~~به ينادي المغتر بالحسرة ويتمنى المضيع التوبة والظالم الرجعة» . # وفي كتاب لعمر بن عبد العزيز إلى عدي «6» بن أرطاة: «غرني منك # PageV01P121 # مجالستك القراء وعمامتك السوداء فلما بلوناك وجدناك على خلاف ما أملناك، ~~قاتلكم الله! أما تمشون بين القبور؟» . # قال ابن أحمر «1» يذكر عمال الصدقة: [بسيط] # إن العياب التي يخفون مشرجة ... فيها البيان ويلوى عندك الخبر # فابعث إليهم فحاسبهم محاسبة ... لا تخف عين على عين ولا أثر # هل في الثماني من السبعين مظلمة ... وربها بكتاب الله مصطبر # وقال عبد الله بن همام السلولي «2» : [طويل] # أقلي علي اللوم يا أم مالك ... وذمي زمانا ساد فيه الفلاقس «3» # وساع مع السلطان ليس بناصح ... ومحترس من مثله وهو حارس «4» # قدم بعض عمال السلطان من عمل فدعا قوما فأطعمهم وجعل يحدثهم بالكذب، فقال ~~بعضهم: نحن كما قال الله عز وجل: سماعون للكذب أكالون للسحت # «5» . قال بعض الشعراء: [بسيط] # ما ظنكم بأناس خير كسبهم ... مصرح السحت سموه الإصابات # وقال أبو نواس في إسماعيل «6» بن صبيح: [طويل] # PageV01P122 # بنيت بما خنت الإمام سقاية ... فلا شربوا إلا أمر من الصبر «1» # فما كنت إلا مثل بائعة استها ... تعود على المرضى به طلب الأجر» # يريد معنى الحديث أن امرأة كانت في بني إسرائيل تزني بحب الرمان وتتصدق ~~به على المرضى. # وقال فيه «3» أيضا لمحمد الأمين: [طويل] # ألست أمين الله سيفك نقمة ... إذا ماق يوما في خلافك مائق «4» ؟ # فكيف بإسماعيل يسلم مثله ... عليك ولم يسلم عليك منافق؟ # أعيذك بالرحمن من شر كاتب ... له قلم زان وآخر سارق # وقال فيه أيضا: [طويل] # ألا قل لإسماعيل إنك شارب ... بكأس بني ماهان ضربة لازم «5» # أتسمن أولاد الطريد «6» ورهطه ... بإهزال آل الله من نسل هاشم؟ # وتخبر من لاقيت أنك صائم ... وتغدو بفرج مفطر غير صائم؟ # فإن يسر إسماعيل في فجراته ... فليس أمير المؤمنين بنائم # PageV01P123 # ولي حارثة «1» بن بدر «سرق» فكتب إليه أنس الدؤلي «2» : [طويل] # أحار «3» بن بدر قد وليت ولاية ... فكن جرذا فيها تخون وتسرق # وبار تميما إن للغنى ... لسانا به المرء الهيوبة ينطق «4» # فإن جميع الناس إما مكذب ... يقول بما يهوى وإما مصدق # يقولون أقوالا ولا يعلمونها ... وإن قيل: هاتوا حققوا، لم يحققوا # ولا تحقرن، يا حار، شيئا أصبته ... فحظك من ملك العراقين سرق # فلما بلغت حارثة قال: لا يعمى عليك الرشد. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن جويرية بن أسماء قال: قال فلان: # «إن الرجل ليكون أمينا فإذا رأى الضياع خان» . # قرأت في كتاب أبرويز إلى ابنه شيرويه: «اجعل عقوبتك على اليسير من ~~الخيانة كعقوبتك على الكثير منها، فإذا لم يطمع منك في الصغير لم يجترأ ~~عليك في الكبير. وأبرد البريد في الدرهم ينقص من الخراج، ولا تعاقبن على ~~شيء كعقوبتك على كسرة ولا ترزقن على شيء كرزقك على إزجائه «5» ، واجعل أعظم ~~رزقك فيه وأحسن ثوابك عليه حقن دم المزجي # PageV01P124 # وتوفير ماله من غير أن يعلم أنك أحمدت أمره حين عف واعتصم من أن يهلك» . # وقرأت في التاج أن أبرويز قال لصاحب بيت المال: «إني لا أحتملك على خيانة ~~درهم ولا أحمدك على حفظ ألف ألف درهم، لأنك إنما تحقن بذلك دمك وتعمر به ~~أمانتك فإنك إن خنت قليلا خنت كثيرا. واحترس من خصلتين: النقصان فيما تأخذ، ~~والزيادة فيما تعطي. واعلم أني لم أجعل أحدا على ذخائر الملك وعمارة ~~المملكة والعدة إلا وأنت آمن عندي من موضعه الذي هو فيه وخواتيمه التي هي ~~عليها، فحقق ظني في اختياري إياك أحقق ظنك في رجائك لي، ولا تتعوض بخير شرا ~~ولا برفعة ضعة ولا بسلامة ندامة ولا بأمانة خيانة» . وكان يقال: «كفى ~~بالمرء خيانة أن يكون أمينا للخونة» . # قدم معاذ من يمن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بكر رضي ~~الله عنه فقال له: إرفع حسابك. فقال: أحسابان، حساب من الله وحساب منكم؟ لا ~~والله لا ألي لكم عملا أبدا. # ذكر أعرابي رجلا خائنا فقال: إن الناس يأكلون أماناتهم لقما وإن فلانا ~~يحسوها حسوا. # قال بعض السلاطين لعامل له: «كل قليلا تعمل طويلا والزم العفاف يلزمك ~~العمل، وأياك والرشى «1» يشتد ظهرك عند الخصام» . # PageV01P125 ### | القضاء # حدثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا بشر بن المفضل بن لاحق قال: # حدثنا المغيرة بن محمد عن عمر بن عبد العزيز قال: «لا ينبغي للرجل أن ~~يكون قاضيا حتى تكون فيه خمس خصال: يكون عالما قبل أن يستعمل «1» ، مستشيرا ~~لأهل العلم، ملقيا للرثع «2» ، منصفا للخصم، محتملا للأئمة» . # حدثني علي بن محمد قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق الأنصاري عن عبد الله بن ~~لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن علي عليه السلام أنه قال: «ذمتي رهينة وأنا ~~به زعيم لمن صرحت له العبر ألا يهلك على التقوى زرع قوم ولا يظمأ على ~~التقوى سنخ «3» أصل ألا وإن أبغض خلق الله إلى الله رجل قمش «4» جهلا غارا ~~بأغباش «5» الفتنة عميا بما في عقد الهدنة سماه أشباهه من الناس عالما ولم ~~يغن في العلم يوما سالما. بكر فاستكثر، ما قل منه فهو خير مما كثر حتى إذا ~~ما ارتوى من اجن «6» واكتنز من غير طائل قعد بين الناس قاضيا لتخليص ما ~~التبس على غيره، إن نزلت به إحدى المبهمات هيا حشوا «7» رثا من رأيه، فهو ~~من قطع الشبهات في مثل غزل العنكبوت. لا يعلم إذا أخطأ، لأنه لا يعلم أأخطأ ~~أم أصاب، خباط عشوات ركاب جهالات «8» ، لا يعتذر مما # PageV01P126 # لا يعلم فيسلم ولا يعض في العلم بضرس قاطع، يذرو الرواية ذرو الريح ~~الهشيم، تبكي منه الدماء وتصرخ منه المواريث ويستحل بقضائه الفرج الحرام. ~~لا مليء والله بإصدار ما ورد عليه ولا أهل لما قرظ به» . # قال ابن شبرمة «1» : [كامل] # ما في القضاء شفاعة لمخاصم ... عند اللبيب ولا الفقيه الحاكم # أهون علي إذا قضيت بسنة ... أو بالكتاب برغم أنف الراغم # وقضيت فيما لم أجد أثرا به ... بنظائر معروفة ومعالم # الهيثم عن ابن عياش عن الشعبي قال: كان أول قاض قضى لعمر بن الخطاب ~~بالعراق سلمان بن ربيعة الباهلي، ثم شهد القادسية وكان قاضيا بها، ثم قضى ~~بالمدائن، ثم عزله عمر واستقضى شرحبيل على المدائن، ثم عزله واستقضى أبا ~~قرة الكندي فاختط الناس الكوفة وقاضيهم أبو قرة. ثم استقضى شريح بن الحارث ~~الكندي «2» فقضى خمسا وسبعين سنة إلا أن زيادا أخرجه مرة إلى البصرة ~~واستقضى مكانه مسروق بن الأجدع سنة حتى قدم شريح فأعاده ولم يزل قاضيا حتى ~~أدرك الفتنة في زمن ابن الزبير فقعد ولم يقض في الفتنة. فاستقضى عبد الله ~~بن الزبير رجلا مكانه ثلاث سنين فلما قتل ابن الزبير أعيد شريح على القضاء ~~فلقي رجل شريحا في الطريق فقال: يا أبا أمية، قضيت والله بجور، قال: وكيف ~~ذاك؟ ويحك! قال: كبرت سنك واختلط عقلك وارتشى ابنك، فقال شريح: لا جرم، لا ~~يقولها أحد بعدك. # PageV01P127 # فأتى الحجاج فقال: والله لا أقضي بين اثنين. قال: والله لا أعفيك أو ~~تبغيني رجلا. فقال شريح: عليك بالعفيف الشريف أبي بردة بن أبي موسى. # فاستقضاه الحجاج وألزمه سعيد بن جبير كاتبا ووزيرا. # وروى الثوري عن علقمة بن مرثد أنه لقي محارب بن دثار «1» وكان على القضاء ~~فقال له: يا محارب، إلى كم تردد الخصوم؟ فقال له: إني والخصوم كما قال ~~الأعشى: [طويل] # أرقت وما هذا السهاد المؤرق ... وما بي من سقم وما بي معشق # ولكن أراني لا أزال بحادث ... أغادى بما لم يمس عندي وأطرق # حدثني إسحق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد عن قريش بن أنس عن حبيب بن ~~الشهيد قال: كنت جالسا عند إياس بن معاوية فأتاه رجل فسأله عن مسألة فطول ~~فيها، فقال إياس: إن كنت تريد الفتيا فعليك بالحسن معلمي ومعلم أبي، وإن ~~كنت تريد القضاء فعليك بعبد الملك بن يعلى- وكان على قضاء البصرة يومئذ- ~~وإن كنت تريد الصلح فعليك بحميد «2» الطويل، وتدري ما يقول لك؟ يقول لك: حط ~~شيئا، ويقول لصاحبك: زده شيئا حتى نصلح بينكما، وإن كنت تريد الشغب فعليك ~~بصالح السدوسي، وتدري ما يقول لك؟ يقول لك: إجحد ما عليك. ويقول لصاحبك: ~~إدع ما ليس لك وادع بينة غيبا. # قرأت في الآيين: «ينبغي للحاكم أن يعرف القضاء الحق العدل # PageV01P128 # والقضاء العدل غير الحق والقضاء الحق غير العدل ويقايس بتثبت وروية ~~ويتحفظ من الشبهة» . والقضاء الحق العدل عندهم قتل النفس بالنفس، والقضاء ~~العدل غير الحق قتل الحر بالعبد، والقضاء الحق غير العدل الدية على ~~العاقلة. # حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن أخي الأصمعي قال: حدثني عمي الأصمعي ~~قال: قال أعرابي لقوم يتنازعون: هل لكم في الحق أو فيما هو خير من الحق؟ ~~فقيل: وما يكون خيرا من الحق؟ قال: التحاط «1» والهضم، فإن أخذ الحق كله ~~مر. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: اختلف رجلان في شيء فحكما رجلا له في ~~المخطىء هوى، فقال للمخطىء: من يقول بقولك أكثر. # الهيثم بن عدي قال: تقدمت كلثم بنت سريع مولى عمرو بن حريث وأخوها الوليد ~~إلى عبد الملك بن عمير وهو قاضي الكوفة، وكان ابنه عمرو بن عبد الملك يرمى ~~بها فقضى لها، فقال هذيل الأشجعي «2» : [طويل] # أتاه رفيق بالشهود يسوقهم ... على ما ادعت من صامت المال والخول «3» # فأدلى وليد عند ذاك بحقه ... وكان وليد ذا مراء وذا جدل # ففتنت القبطي حتى قضى لها ... بغير قضاء الله في السور الطول # فلو كان من في القصر يعلم علمه ... لما استعمل القبطي فينا على عمل # PageV01P129 # له حين يقضي للنساء تخاوص «1» ... وكان وما منه التخاوص والحول # إذا ذات دل كلمته لحاجة ... فهم بأن يقضي تنحنح أو سعل # وبرق «2» عينيه ولاك «3» لسانه ... يرى كل شيء ما خلا شخصها جلل # فكان عبد الملك بن عمير يقول: والله لربما جاءتني السعلة أو التنحنح وأنا ~~في المتوضأ فأكف عن ذلك. # وقال ابن مناذر «4» في خالد بن طليق وكان قد ولي قضاء البصرة: # [سريع] # قل لأمير المؤمنين الذي ... من هاشم في سرها واللباب # إن كنت للسخطة عاقبتنا ... بخالد فهو أشد العقاب # كان قضاة الناس فيما مضى ... من رحمة الله وهذا عذاب # يا عجبا من خالد كيف لا ... يخطىء فتيا مرة بالصواب # وقال فيه: [مجزوء الرمل] # جعل «5» الحاكم يا للن ... ناس من آل طليق # ضحكة يحكم في النا ... س برأي الجاثليق «6» # PageV01P130 # أي قاض أنت في النق ... ص وتعطيل الحقوق # يا أبا الهيثم ما أن ... ت لهذا بخليق # لا ولا أنت لما حم ... ملت منه بمطيق # أراد عدي بن أرطاة بكر بن عبد الله المزني على القضاء فقال له بكر: # والله ما أحسن القضاء، فإن كنت كاذبا أو صادقا فما يحل لك أن توليني. # وروى عبد الرزاق عن معمر قال: لما عزل ابن شبرمة عن القضاء قال له والي ~~اليمن: اختر لنا رجلا نوليه القضاء. فقال له ابن شبرمة: ما أعرفه. # فذكر له رجل من أهل صنعاء فأرسل إليه فجاء، فقال له ابن شبرمة: هل تدري ~~لم دعيت؟ قال: لا. قال: إنك قد دعيت لأمر عظيم، للقضاء. قال: # ما أيسر القضاء! فقال له ابن شبرمة: نسألك عن شيء يسير منه؟ قال: سل. # قال له ابن شبرمة: ما تقول في رجل ضرب بطن شاة حامل «1» فألقت ما في ~~بطنها؟ فسكت الرجل، فقال له ابن شبرمة: إنا بلوناك فما وجدنا عندك شيئا. # فقيل له: ما القضاء فيها؟ قال ابن شبرمة: تقوم حاملا وتقوم حائلا ويغرم ~~قدر ما بينهما. # حدثني عبد الله بن محمد الخلنجي قال: كان يحيى «2» بن أكثم يمتحن من ~~يريدهم للقضاء، فقال لرجل: ما تقول في رجلين زوج كل واحد منهما الآخر أمه ~~فولد لكل واحد من امرأته ولد، ما قرابة ما بين الوالدين؟ فلم يعرفها، فقال ~~له يحيى: كل واحد من الولدين عم الآخر لأمه. # PageV01P131 # ودخل رجل من أهل الشام على عبد الملك بن مروان فقال: إني تزوجت امرأة ~~وزوجت ابني أمها ولا غنى بنا عن رفدك. فقال له عبد الملك: # إن أخبرتني ما قرابة ما بين أولادكما إذا أولدتما، فعلت. قال: يا أمير ~~المؤمنين، هذا حميد بن بحدل قد قلدته سيفك ووليته ماوراء بابك فسله عنها، ~~فإن أصاب لزمني الحرمان، وإن أخطأ اتسع لي العذر. فدعا بالبحدلي فسأله، ~~فقال: يا أمير المؤمنين، إنك ما قدمتني على العلم بالأنساب ولكن على الطعن ~~بالرماح، أحدهما عم الآخر والآخر خاله. # قال ابن سيرين: كنا عند أبي عبيدة بن أبي حذيفة في قبة له وبين يديه ~~كانون له فيه نار فجاءه رجل فجلس معه على فراشه فساره بشيء لا ندري ما هو، ~~فقال له أبو عبيدة: ضع لي إصبعك في هذه النار. فقال له الرجل: # سبحان الله! تأمرني أن أضع لك أصبعي في هذه النار! فقال له أبو عبيدة: # أتبخل علي بأصبع من أصابعك في نار الدنيا وتسألني أن أضع لك جسدي كله في ~~نار جهنم؟ قال: فظننا أنه دعاه إلى القضاء. # كان يقال: «ثلاث إذا كن في القاضي فليس بكامل: إذا كره اللوائم، وأحب ~~المحامد، وكره العزل. وثلاث إذا لم تكن فيه فليس بكامل: يشاور وإن كان ~~عالما، ولا يسمع شكية من أحد حتى يكون معه خصمه، ويقضي إذا علم» . # قالوا: «ويحتاج القاضي إلى العدل في لحظه ولفظه وقعود الخصوم بين يديه ~~وألا يقضي وهو غضبان ولا يرفع صوته على أحد الخصمين ما لا يرفعه على الآخر» ~~. # قال الشعبي: حضرت شريحا ذات يوم وجاءته امرأة تخاصم زوجها # PageV01P132 # فأرسلت عينيها «1» فبكت فقلت: يا أبا أمية، ما أظنها إلا مظلومة. فقال: ~~يا شعبي، إن إخوة يوسف جاءوا أباهم عشاء يبكون «2» . # بلغني عن كثير بن هشام عن جعفر بن برقان قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله ~~عنه إلى أبي موسى الأشعري كتابا فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله ~~عمر أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس. سلام عليك، أما بعد فإن القضاء ~~فريضة محكمة وسنة متبعة، فافهم إذا أدلي إليك فإنه لا ينفع تكلم بحق لا ~~نفاذ له. آس بين الناس في مجلسك ووجهك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ~~ضعيف من عدلك. البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين ~~الناس إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا، ولا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس ~~فراجعت فيه نفسك وهديت لرشدك أن ترجع إلى الحق فإن الحق لا يبطله شيء. ~~واعلم أن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل. الفهم الفهم فيما يتلجلج ~~في صدرك مما ليس فيه قرآن ولا سنة، واعرف الأشباه والأمثال ثم قس الأمور ~~عند ذلك ثم اعمد لأحبها إلى الله وأشبهها بالحق فيما ترى. إجعل لمن ادعى ~~حقا غائبا أمدا ينتهي إليه فإن أحضر بينة أخذ بحقه وإلا استحللت عليه ~~القضاء. والمسلمون عدول في الشهادة إلا مجلودا «3» # في حد أو مجربا عليه شهادة زور أو ظنينا في ولاء أو قرابة. إن الله تولى ~~منكم السرائر ودرأ عنكم بالبينات. وإياك والقلق والضجر والتأذي بالخصوم في ~~مواطن الحق التي يوجب الله بها الأجر ويحسن الذخر، فإنه من صلحت سريرته ~~فيما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن # PageV01P133 # تزين للدنيا بغير ما يعلم الله منه شانه الله، والسلام» . # وقال سلمة «1» بن الخرشب لسبيع التغلبي في شأن الرهن التي وضعت على يديه ~~في قتلى عبس وذبيان: [منسرح] # أبلغ سبيعا وأنت سيدنا ... قدما وأوفى رجالنا ذمما # أن بغيضا «2» وأن إخوتها ... ذبيان قد ضرموا الذي اضطرما # نبئت أن حكموك بينهم ... فلا تقولن بئس ما حكما # إن كنت ذا عرفة بشأنهم ... تعرف ذا حقهم ومن ظلما # وتنزل الأمر في منازله ... حكما وعلما وتحضر الفهما # فاحكم فأنت الحكيم بينهم ... لن يعدموا الحق باردا صتما «3» # واصدع أديم السواء بينهم ... على رضا من رضي ومن رغما # إن كان مالا فمثل عدته ... مال بمال وإن دما فدما # هذا وإن لم تطق حكومتهم ... فانبذ إليهم أمورهم سلما «4» # وأنشد عمر بن الخطاب شعر زهير بن أبي سلمى، فلما بلغ قوله: # [وافر] # فإن الحق مقطعه ثلاث ... يمين أو نفار أو جلاء # جعل عمر يتعجب من علمه بالحقوق وتفصيله بينها ويقول: لا يخرج الحق من ~~إحدى ثلاث إما يمين أو محاكمة أو حجة. # PageV01P134 # وقال ابن أبي ليلى «1» الفقيه في عبد الله بن شبرمة «2» : [متقارب] # وكيف ترجى لفصل القضاء ... ولم تصب الحكم في نفسكا # وتزعم أنك لابن الجلاح «3» ... وهيهات دعواك من أصلكا # عبد الله بن صالح العجلي قال: خرج شريك «4» وهو على القضاء يتلقى ~~الخيزران «5» وقد أقبلت تريد الحج، فأتى، شاهي «6» فأقام بها ثلاثا ولم ~~تواف فخف زاده وما كان معه من الخبز فجعل يبله بالماء ويأكله بالملح، فقال ~~العلاء بن المنهال «7» الغنوي: [الوافر] # فإن كان الذي قد قلت حقا ... بأن قد أكرهوك على القضاء # فما لك موضعا في كل يوم ... تلقى من يحج من النساء # مقيما في قرى شاهي ثلاثا ... بلا زاد سوى كسر وماء # يزيد الناس خيرا كل يوم ... فترجع يا شريك إلى وراء # وقال فيه أيضا: [وافر] # فليت أبا شريك كان حيا ... فيقصر حين يبصره شريك # PageV01P135 # ويترك من تدريه علينا ... إذا قلنا له: هذا أبوك «1» # وأنشد لبعض الشعراء في بعض الحكام: [كامل] # أبكي وأندب بهجة الإسلام ... إذ صرت تقعد مقعد الحكام # إن الحوادث ما علمت كثيرة ... وأراك بعض حوادث الأيام # حدثني يزيد بن عمرو قال: حدثني القاسم بن الفضل قال: حدثني رجل من بني ~~جرير أن رجلا منهم خاصم رجلا إلى سوار بن عبد الله فقضى على الجريري، فمر ~~سوار ببني جرير فقام إليه الجريري فصرعه وخنقه وجعل يقول: [سريع] # رأيت أحلاما فعبرتها ... وكنت للأحلام عبارا # رأيتني أخنق ضبا «2» على ... جحر وكان الضب سوارا ### | في الشهادات # حدثني أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي قال لي أيوب: إن من أصحابي من أرجو ~~دعوته ولا أجيز شهادته. قال: وقال سوار: ما أعلم أحدا أفضل من عطاء السلمي، ~~ولو شهد عندي على فلسين لم أجز شهادته. يذهب إلى أنه ضعيف الرأي ليس ~~بالحازم إلا أنه لا يطعن عليه في دينه وأمانته. قال: # وشهد أبو عمرو بن العلاء عند سوار على نسب فقال سوار: وما يدريك أنه ~~ابنه؟ قال: كما أعلم أنك سوار بن عبد الله بن عنزة بن نقب. قال: وشهد # PageV01P136 # رجل عند سوار في دار قد ادعاها رجل قال: أشهد أنها له من الماء إلى ~~السماء. وشهد آخر فقال للكاتب: أكتب شهادتهما. فقال: أي شيء أكتب؟ # فقال: كل شيء يخرج الدار من يد هذا ويجعلها في ملك هذا فاكتبه. قال أبو ~~حاتم: بلغني أنه إنما قيل شهادة عربية وما أشبهه. قال: وشهد رجل عند سوار، ~~فقال له: ما صناعتك؟ قال: أنا مؤدب. قال: فإنا لا نجيز شهادتك. # قال ولم؟ قال؟ لأنك تأخذ على تعليم القرآن أجرا. قال: وأنت تأخذ على ~~القضاء بين المسلمين أجرا. قال: إني أكرهت على القضاء. قال: يا هذا، القضاء ~~أكرهت عليه فهل أكرهت على أخذ الرزق؟ قال: هلم شهادتك. # فأجازها. قال: وشهد الفرزدق عند بعض القضاة فقال: قد أجزنا شهادة أبي ~~فراس، وزيدونا. فقيل له حين انصرف: إنه، والله، ما أجاز شهادتك. قال: # وما يمنعه من ذلك وقد قذفت ألف محصنة. وجاء أبو دلامة «1» ليشهد عند ابن ~~أبي ليلى فقال في مجلسه ذلك: [طويل] # إن القوم غطوني تغطيت دونهم ... وإن يحثوا عني ففيهم مباحث # وإن حفروا بئري حفرت بئارهم ... ليعلم ما تخفيه تلك النبائث «2» # فأجاز شهادته وحبس المشهود عليه عنده وأعطاه قيمة الشيء. # أتى رجل ابن شبرمة بقوم يشهدون له على قراح فيه نخل، فشهدوا وكانوا عدولا ~~فسألهم: كم في القراح من نخلة؟ قالوا: لا نعلم. فرد شهادتهم. فقال له رجل ~~منهم: أنت تقضي في هذا المسجد منذ ثلاثين سنة، فأعلمنا: كم فيه من أسطوانة؟ ~~فأجازهم. # PageV01P137 # وقال بعض الشعراء: [منسرح] # والخصم لا يرتجى النجاة له ... يوما إذا كان خصمه القاضي # قدم رجل خصما له إلى زياد في حق له عليه، فقال: إن هذا الرجل يدل بخاصة ~~ذكر أنها له منك. قال: نعم. وسأخبرك بما ينفعه عندي من خاصته: إن يكن الحق ~~له عليك آخذك أخذا عنيفا، وأن يكن الحق لك عليه أقض عليه ثم أقض عنه. # وقال أبو اليقظان: كان عبيد الله بن أبي بكرة «1» قاضيا وكان يميل في ~~الحكم إلى إخوانه. فقيل له في ذلك. فقال: وما خير رجل لا يقطع من دينه ~~لإخوانه؟ # قال المدائني: كان بين طلحة بن عبيد الله والزبير مدارأة «2» في واد ~~بالمدينة. قال: فقالا: نجعل بيننا عمرو بن العاص، فأتياه فقال لهما: أنتما ~~في فضلكما وقديم سوابقكما ونعمة الله عليكما تختلفان! وقد سمعتما من رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم مثل ما سمعت وحضرتما من قوله مثل الذي حضرت فيمن ~~اقتطع شبرا من أرض أخيه بغير حق أنه يطوقه «3» من سبع أرضين! والحكم أحوج ~~إلى العدل من المحكوم عليه وذلك لأن الحكم إذا جار رزىء دينه والمحكوم عليه ~~إذا جير عليه رزىء عرض الدنيا، إن شئتما فأدليا بحجتكما وإن شئتما فأصلحا ~~ذات بينكما. فاصطلحا وأعطى كل واحد منهما صاحبه الرضا. # PageV01P138 # وكان السندي بن شاهك لا يستحلف المكاري ولا الحائك ولا الملاح ويجعل ~~القول قول المدعي مع يمينه، ويقول: اللهم، إني أستخيرك في الجمال ومعلم ~~الصبيان. # وقال أبو البيداء: سمعت شيخا من الأعراب يقول: نحن بالبادية لا نقبل ~~شهادة العبد ولا شهادة العذيوط «1» ولا المغذى ببوله. قال أبو البيداء: # فضحكت والله حتى كدت أبول في ثوبي. # وقيل لعبيد الله بن الحسن العنبري: أتجيز شهادة رجل عفيف تقي أحمق؟ قال: ~~لا، وسأريكم. أدعوا لي أبا مودود حاجبي، فلما جاء قال له: # أخرح حتى تنظر ما الريح؟ فخرج ثم رجع فقال: شمال يشوبها شيء من الجنوب. ~~فقال: أتروني كنت مجيزا شهادة مثل هذا؟. # قال الأعمش: قال لي محارب بن دثار «2» : وليت القضاء فبكى أهلي وعزلت عنه ~~فبكوا، فما أدري مم ذاك؟ فقلت له: وليت القضاء فكرهته وجزعت منه فبكى أهلك، ~~وعزلت عنه فكرهت العزل وجزعت منه فبكى أهلك. فقال: إنه لكما قلت. # قدم إياس بن معاوية الشام وهو غلام فقدم خصما له إلى قاض لعبد الملك بن ~~مروان وكان خصمه شيخا كبيرا. فقال له القاضي: أتقدم شيخا كبيرا؟ فقاله ~~إياس: الحق أكبر منه. قال: اسكت. قال: فمن ينطق بحجتي؟ # قال: ما أظنك تقول حقا حتى تقوم. قال: أشهد أن لا إله إلا الله. فقام ~~القاضي فدخل على عبد الملك فأخبره بالخبر فقال: اقض حاجته وأخرجه من الشام ~~لا يفسد علي الناس. # PageV01P139 # قال أعرابي لخصم له: «ولله لئن هملجت «1» إلى الباطل إنك عن الحق لقطوف» ~~. ### | باب الأحكام # حدثني عبدة بن عبد الله قال: حدثنا وهب بن جرير قال: حدثنا أبي قال: سمعت ~~الزبير بن الحارث يحدث عن عكرمة عن أبي هريرة قال: «قضى رسول صلى الله عليه ~~وسلم إذا اختلف الناس في الطرق أنها سبع أذرع» . # حدثني يزيد بن عمرو عن محمد بن موسى عن إبراهيم بن حنتم عن غزال بن مالك ~~الغفاري عن أبيه عن جده قال: «كفل النبي عليه السلام رجلا في تهمة» . # قال وحدثني أيضا عن إبراهيم بن حنتم عن غزال بن مالك عن أبيه عن جده قال: ~~قال أبو هريرة: «حبس النبي صلى الله عليه وسلم في التهمة حبسا يسيرا حتى ~~استبرأ» . # حدثني يزيد قال: حدثني الوليد عن جرير بن حازم عن الحسن: «أن رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم صلب رجلا على جبل يقال له: رباب» وقال لي رجل بالمدينة: # هو ذو رباب. # حدثني أحمد بن الخليل عن سليمان بن حرب عن جرير عن يعلى بن حكيم عن أبيه ~~عن ابن عباس قال: «أتى ماعز بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إني ~~زنيت يا رسول صلى الله عليه وسلم. فقال: لعلك مسست أو لمست أو غمزت. فقال: ~~لا، بل زنيت. فأعادها عليه ثلاثا، فلما كان في الرابعة رجمه» . # PageV01P140 # حدثني شبابة عن القاسم بن الحكم عن الثوري عن علي بن الأقمر عن يزيد بن ~~أبي كبشة أن أبا الدرداء أتي بامرأة سرقت، فقال: أسرقت؟ قولي: # لا. # حدثني سهل بن محمد قال: حدثني الأصمعي قال: جاءوا زيادا بلص وعنده جماعة ~~فيهم الأحنف، فانتهروه وقالوا: اصدق الأمير. فقال الأحنف: # إن الصدق أحيانا معجزة. فأعجب ذلك زيادا وقال: جزاك الله خيرا. # حدثني شبابة عن القاسم بن الحكم عن إسماعيل بن عياش عمن حدثه عن ابن عباس ~~قال: «جز الرأس واللحية لا يصلح في العقوبة لأن الله، عز وجل، جعل حلق ~~الرأس نسكا لمرضاته» . # حدثني شبابة عن القاسم عن الأوزاعي أن عمر بن عبد العزيز قال: # «إياكم والمثلة «1» في العقوبة جز الرأس واللحية» . # حدثني محمد بن خالد بن خداش قال: حدثنا سلم بن قتيبة قال: # حدثنا يونس عن أبي بكر بن حفص بن عمر قال: كان مروان بن الحكم أمير ~~المدينة فقضى في رجل فزع رجلا فضرط بأربعين درهما. # حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن جويبر عن الضحاك ~~عن ابن مسعود قال: «لا يحل في هذه الأمة غل ولا صفد ولا تجريد ولا مد» . # حدثني عبد الرحمن عن الأصمعي قال: كان عامر بن الظرب العدواني حكم العرب، ~~فنزل به قوم يستفتونه في خنثى «2» له جارية يقال لها خصيلة. # PageV01P141 # وربما لامها في الإبطاء في الرعي وفي الشيء يجده عليها. فقال: يا خصيلة، ~~لقد حبست هؤلاء القوم وريثتهم حتى أسرعت في غنمي. قالت وما يكن عليك من ~~ذلك؟ أتبعه مباله. فقال لها: «مسي خصيل بعدها أو روحي» . # قال: وأتي ابن زياد بإنسان له قبل وذكر ولا يدرى كيف يورث «1» فقال: # من لهذا؟ فقالوا: أرسل إلى جابر بن زيد. فأرسل إليه، فجاء يرسف في قيوده ~~فقال: ما تقول في هذا؟ فقال: ألزقه بالجدار فإن بال عليه فهو ذكر، وإن بال ~~في رجليه فهو أنثى. # حدثني محمد بن خالد بن خداش قال: حدثنا سلم بن قتيبة قال: # حدثنا قيس بن الربيع عن أبي حصين أن رجلا كسر طنبورا لرجل فخاصمه إلى ~~شريح «2» ، فقال شريح: لا أقضي في الطنبور بشيء. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن أبيه قال: قال لي أبو العجاج: يا ابن أصمع، ~~والله لئن أقررت لألزمنك. أي لا تقر. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن أبيه عن معمر قال: رد رجل على رجل جارية ~~اشتراها منه، فخاصمه إلى إياس «3» بن معاوية، فقال له: بم تردها؟ قال له: ~~بالحمق. فقال لها إياس: أي رجليك أطول؟ فقالت: هذه. # فقال: أتذكرين ليلة ولدت؟ قالت: نعم. فقال إياس: رد رد. # حدثني أبو الخطاب قال: حدثنا أبو داود عن قيس عن أبي حصين قال: # PageV01P142 # رأيت الشعبي يقضي على جلد أسد. ### | الظلم # حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن قريب قال: حدثني الأصمعي قال: # أخبرنا بعض أشياخ البصرة أن رجلا وامرأته اختصما إلى أمير من أمراء ~~العراق وكانت المرأة حسنة المتنقب قبيحة المسفر «1» ، وكان لها لسان فكأن ~~العامل مال معها فقال: يعمد أحدكم إلى المرأة الكريمة فيتزوجها ثم يسيء ~~إليها! فأهوى زوجها إلى النقاب فألقاه عن وجهها فقال العامل: عليك اللعنة! ~~كلام مظلوم ووجه ظالم «2» . # وأنشد الرياشي «3» في نحو هذا: [طويل] # رأيت أبا الحجناء في الناس جائرا ... ولون أبي الحجناء لون البهائم # تراه على ما لاحه من سواده ... وإن كان مظلوما له وجه ظالم # أبو حاتم عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال: كان رجل من العرب في ~~الجاهلية إذا رأى رجلا يظلم ويعتدي يقول: فلان لا يموت «4» سويا. فيرون ذلك ~~حتى مات رجل ممن قال ذلك فيه فقيل له: مات فلان سويا. فلم يقبل حتى تتابعت ~~الأخبار. فقال: إن كنتم صادقين: فإن لكم دارا سوى هذه تجازون فيها. # PageV01P143 # كتب رجل من الكتاب إلى سلطان: «أعيذك بالله من أن تكون لاهيا عن الشكر ~~محجوبا بالنعم صارفا فضل ما أوتيت من السلطان إلى ما تقل عائدته وتعظم ~~تبعته من الظلم والعدوان، وأن يستزلك الشيطان بخدعه وغروره وتسويله فيزيل ~~عاجل الغبطة وينسيك مذموم العاقبة، فإن الحازم من يذكر في يومه المخوف من ~~عواقب غده ولم يغره طول الأمل وتراخي الغاية ولم يضرب في غمرة من الباطل ~~ولا يدري ما تتجلى به مغبتها. هذا إلى ما يتبع الظالم من سوء المنقلب وقبيح ~~الذكر الذي لا يفنيه كر الجديدين «1» واختلاف العصرين» . # حدثني يزيد بن عمرو قال: حدثنا معاوية بن عمرو قال: حدثنا أبو إبراهيم ~~السقاء عن ليث عن مجاهد قال: «يؤتى بمعلم الصبيان يوم القيامة فإن كان عدل ~~بين الغلمان وإلا أقيم مع الظلمة» . وكان معاوية يقول: إني لأستحيي أن أظلم ~~من لا يجد علي ناصرا إلا الله. وقال بلال: «إني لأستحيي أن أظلم وأحرج أن ~~أظلم» . وكان يقال: إذا أراد الله أن يتحف عبدا قيض له من يظلمه. # كتب رجل إلى سلطان: «أحق الناس بالإحسان من أحسن الله إليه وأولاهم ~~بالإنصاف من بسطت بالقدرة يداه» . # ذكر الظلم في مجلس ابن عباس فقال كعب: إني لا أجد في كتاب الله المنزل أن ~~الظلم يخرب الديار. فقال ابن عباس: أنا أوجدكه في القرآن، قال الله، عز ~~وجل: فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا # «2» . # حدثني سهل بن محمد عن الأصمعي قال: كان فرعان وهو من بني # PageV01P144 # تميم لا يزال يغير على إبل الناس فيأخذ منها ثم يقاتلهم عليها إلى أن ~~أغار على رجل فأصاب له جملا، فجاء الرجل فأخذ بشعره فجذبه فبرك، فقال ~~الناس: كبرت والله يا فرعان. فقال: لا والله ولكن جذبني جذبة محق. وكان ~~سديف بن ميمون مولى اللهبيين يقول: اللهم قد صار فيئنا دولة «1» بعد القسمة ~~وإمارتنا غلبة بعد المشورة وعهدنا ميراثا بعد الاختيار للأمة. واشتريت ~~الملاهي والمعازف بسهم اليتيم والأرملة وحكم في أبشار المسلمين أهل الذمة ~~وتولى القيام بأمورهم فاسق كل محلة. اللهم وقد استحصد زرع الباطل وبلغ ~~نهايته واجتمع طريده. اللهم فأتح له يدا من الحق حاصدة تبدد شمله وتفرق ~~أمره ليظهر الحق في أحسن صوره وأتم نوره. # ولي أعرابي بعض النواحي فجمع اليهود في عمله وسألهم عن المسيح فقالوا: ~~قتلناه وصلبناه. فقال: فهل أديتم ديته؟ قالوا: لا. قال: فوالله لا تخرجون ~~أو تؤدوها. فلم يبرحوا حتى أدوها. # كان أبو العاج على جوالى البصرة فأتي برجل من النصارى: فقال ما اسمك؟ ~~فقال: بنداذ شهر بنداذ. فقال: اسم ثلاثة وجزية واحد! لا والله العظيم. قال: ~~فأخذ منه ثلاث جزى. # ولي أعرابي تبالة «2» فصعد المنبر فما حمد الله ولا أثنى عليه حتى قال: # إن الأمير، أعزنا الله وإياه، ولاني بلادكم هذه، وإني والله ما أعرف من ~~الحق # PageV01P145 # موضع سوطي، ولن أوتى بظالم ولا مظلوم إلا أوجعتهما ضربا، فكانوا ~~يتعاملون، بالحق بينهم ولا يرتفعون إليه. قال بعض الشعراء «1» : [طويل] # بني عمنا، لا تذكروا الشعر بعد ما ... دفنتم بصحراء الغمير «2» القوافيا # فلسنا كمن كنتم تصيبون سلة ... فنقبل ضيما أو نحكم قاضيا «3» # ولكن حكم السيف فيكم مسلط ... فنرضى إذا ما أصبح السيف راضيا # فإن قلتم وإنا ظلمنا فلم نكن ... ظلمنا ولكنا أسأنا التقاضيا # وقال آخر: [سريع] # تفرح أن تغلبني ظالما ... والغالب المظلوم لو تعلم # وكانوا يتوقون ظلم السلطان إذا دخلوا عليه بأن يقولوا: «بسم الله إني ~~أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا # «4» اخسؤا فيها ولا تكلمون # «5» أخذت سمعك وبصرك بسمع الله وبصره. أخذت قوتك بقوة الله. بيني وبينك ~~ستر النبوة الذي كانت الأنبياء تستتر به من سطوات الفراعنة. جبريل عن يمينه ~~وميكائيل عن يسارك ومحمد أمامك والله مطلع عليك ويحجرك عني ويمنعني منك» . # وقال بعض الشعراء: [وافر] # ونستعدي الأمير إذا ظلمنا ... فمن يعدي إذا ظلم الأمير؟ # PageV01P146 # وقال آخر: [وافر] # إذا كان الأمير عليك خصما ... فلا تكثر فقد غلب الأمير # وكتب رجل إلى صديق له: قد كنت أستعديك ظالما على غيرك فتحكم لي وقد ~~استعديتك عليك مظلوما فضاق عني عدلك، وذكرني قول القائل: # [خفيف] # كنت من كربتي أفر إليهم ... فهم وكربتي فأين الفرار؟ # ونحوه: [منسرح] # والخصم لا يرتجى النجاح له ... يوما إذا كان خصمه القاضي «1» # حدثني سهل بن محمد عن الأصمعي قال: كان يقال: ما أعطي أحد قط النصف «2» ~~فأباه إلا أخذ شرا منه. قال: وقال الأحنف: ما عرضت النصفة قط على أحد ~~فقبلها إلا دخلتني له هيبة ولا ردها إلا اختبأتها في عقله. # وقال البعيث «3» : [طويل] # وإني لأعطي النصف من لو ظلمته ... أقر وطابت نفسه لي بالظلم # وقال الطائي «4» : [طويل] # يرى العلقم المأدوم بالعز أرية «5» ... يمانية والأري بالضيم علقما # إذا فرشوه النصف نامت شذاته ... وإن رتعوا في ظلمه كان أظلما # PageV01P147 # وقال العباس بن عبد المطلب «1» : [طويل] # أبى قومنا أن ينصفونا فأنصفت ... قواطع في أيماننا تقطر الدما # تركناهم ولا يستخلون بعدها ... لذي رحم يوما من الدهر محرما # بلغنا عن ضمرة عن ثور بن يزيد قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله: ~~أما بعد، فإذا دعتك قدرتك على الناس إلى ظلمهم فاذكر قدرة الله عليك وفناء ~~ما تؤتي إليهم وبقاء ما يؤتون إليك، والسلام. # وسمع ابن سيرين رجلا يدعو على من ظلمه، فقال: أقصر يا هذا، لا يربح عليك ~~ظالمك. ### | قولهم في الحبس # في الحديث المرفوع: «شكا يوسف عليه السلام إلى الله، عز وجل طول الحبس ~~فأوحى الله إليه: من حبسك يا يوسف، أنت حبست نفسك حيث قلت: رب السجن أحب ~~إلي مما يدعونني إليه # «2» ولو قلت: العافية أحب إلي لعوفيت» . # حدثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب قال: «إن يوسف عليه ~~السلام دعا لأهل السجن دعوة لم تزل تعرف لهم إلى اليوم، قال: # اللهم، أعطف عليهم قلوب الأخيار ولا تعم عليهم الأخبار» . فيقال: إنهم ~~أعلم الناس بكل خبر في كل بلد. # PageV01P148 # وكتب على باب السجن: «هذه منازل البلوى وقبور الأحياء وتجربة الصديق ~~وشماتة الأعداء» . # أنشدني الرياشي «1» : [بسيط] # ما يدخل السجن إنسان فتسأله ... ما بال سجنك إلا قال مظلوم # وقال أعرابي: [طويل] # ولما دخلت السجن كبر أهله ... وقالوا: أبو ليلى الغداة حزين # وفي الباب مكتوب على صفحاته ... بأنك تنزو «2» ثم سوف تلين # ويقال: إن قولهم «تنزو وتلين» رؤي مكتوبا على باب حبس فضربه الناس مثلا. # وقال بعض المسجونين: [متقارب] # وبت بأحصنها منزلا ... ثقيلا على عنق السالك «3» # وليس بضيف ولا في كرا «4» ... ولا مستعير ولا مالك # ولست بغضب ولا كالرهون «5» ... ولا يشبه الوقف عن هالك # ولي مسمعان فأدناهما ... يغني ويسمع في الحالك # وأقصاهما ناظر في السما ... عمدا وأوسخ من عارك «6» # PageV01P149 # المسمع الأول قيده والثاني صاحب الحرس، ونحو قول الآخر: # [متقارب] # ولي مسمعان وزمارة ... وظل مديد وحصن أمق «1» # الزمارة الغل، وأصل الزمارة الساجور. # قال أبو عبيدة: اختصم خالد بن صفوان «2» مع رجل إلى بلال بن أبي بردة «3» ~~، فقضى للرجل على خالد، فقام خالد وهو يقول: [طويل] # سحابة صيف عن قليل تقشع «4» # فقال بلال: أما إنها لا تقشع حتى يصيبك منها شؤبوب برد. وأمر به إلى ~~الحبس، فقال خالد: علام تحبسني؟ فوالله ما جنيت جناية ولا خنت خيانة. # فقال بلال: يخبرك عن ذلك باب مصمت وأقياد ثقال وقيم يقال له حفص. # قال الحجاج للغضبان بن القبعثري ورآه سمينا: ما أسمنك؟ قال: القيد ~~والرتعة «5» ، ومن كان في ضيافة الأمير سمن. # PageV01P150 # كان خالد «1» بن عبد الله حبس الكميت «2» الشاعر فزارته امرأته في السجن ~~فلبس ثيابها وخرج ولم يعرف فقال: [طويل] # ولما أحلوني بصلعاء صيلم ... بإحدى زبى ذي اللبدتين أبي الشبل «3» # خرجت خروج القدح «4» قدح ابن مقبل «5» ... على رغم اناف النوابح والمشلي ~~«6» # علي ثياب الغانيات وتحتها ... عزيمة مرء أشبهت سلة «7» النصل # وكان خالد بن عبد الله حبس الفرزدق فقال: [طويل] # وإني لأرجو خالدا أن يفكني ... ويطلق عني مقفلات الحدائد # فإن يك قيدي رد همي فربما ... تناولت أطراف الهموم الأباعد # وما من بلاء غير كل عشية ... وكل صباح زائر غير عائد # يقول لي الحداد هل أنت قائم؟ ... وما أنا إلا مثل آخر قاعد # وقال بعض الشعراء في خالد بن عبد الله القسري «8» حين حبس: # PageV01P151 # [طويل] # لعمري لقد أعمرتم السجن خالدا ... وأوطأتموه وطأة المتثاقل # فإن تحبسوا القسري لا تحبسوا اسمه ... ولا تسجنوا معروفه في القبائل # وقال بعض المسجونين: [طويل] # أسجن وقيد واغتراب وعسرة ... وفقد حبيب! إن ذا لعظيم # وإن امرأ تبقى مواثيق عهده ... على كل هذا، إنه لكريم # وقال آخر مثله: [طويل] # إلى الله أشكو إنه موضع الشكوى ... وفي يده كشف المصيبة والبلوى # خرجنا من الدنيا ونحن من اهلها ... فلسنا من الأحياء فيها ولا الموتى # إذا جاءنا السجان يوما لحاجة ... عجبنا وقلنا: جاء هذا من الدنيا # وتعجبنا الرؤيا فجل حديثنا ... إذا نحن أصبحنا، الحديث عن الرؤية # فإن حسنت لم تأت عجلى وأبطأت ... وإن قبحت لم تحتبس وأتت عجلى # وقال يزيد «1» بن المهلب وهو في الحبس: يا لهفي على طلبة «2» بمائة ألف ~~وفرج في جبهة أسد. ودخل الفرزدق على المهلب وهو محبوس فقال: # PageV01P152 # [منسرح] # أصبح في قيدك السماحة وال ... جود وحمل الديات والحسب «1» # فقال له: أتمدحني على هذه الحال؟ فقال: أصبتك رخيصا فاشتريتك «2» . # وحبس الرشيد أبا العتاهية فكتب إليه من الحبس بأبيات منها: # [منسرح] # تفديك نفسي من كل ما كرهت ... نفسك إن كنت مذنبا فاغفر # يا ليت قلبي مصور لك ما ... فيه لتستيقن الذي أضمر # فوقع الرشيد في رقعته: لا بأس عليك. فأعاد عليه رقعة أخرى. فيها: # [وافر] # كأن الخلق ركب فيه روح ... له جسد وأنت عليه رأس # أمين الله، إن الحبس بأس ... وقد وقعت «ليس عليك بأس» # فأمر بإطلاقه. ### | الحجاب # أبو حاتم عن العتبي عن أبيه أن عبد «3» العزيز بن زرارة الكلابي وقف # PageV01P153 # على باب معاوية فقال: من يستأذن لي اليوم فأدخله غدا؟ وهو في شملتين، ~~فلما دخل على معاوية قال: هززت ذوائب الرحال إليك إذ لم أجد معولا إلا ~~عليك. أمتطي الليل بعد النهار وأسم المجاهل بالآثار. يقودني نحوك رجاء ~~وتسوقني إليك بلوى، والنفس مستطئة والاجتهاد عاذر. فأكرمه وقربه. فقال في ~~ذلك. [وافر] # دخلت على معاوية بن حرب ... وذلك إذ يئست من الدخول # وما نلت الدخول عليه حتى ... حللت محلة الرجل الذليل # وأغضيت الجفون على قذاها ... ولم أسمع إلى قال وقيل # فأدركت الذي أملت فيه ... بمكث والخطا زاد العجول # وقال غير العتبي: لما دخل عبد العزيز بن زرارة على معاوية قال له: # «إني رحلت إليك بالأمل واحتملت جفوتك بالصبر، ورأيت ببابك أقواما قدمهم ~~الحظ، وآخرين باعدهم الحرمان. وليس ينبغي للمتقدم أن يأمن ولا للمتأخر أن ~~ييأس. وأول المعرفة الاختبار فابل واختبر» وفي حجاب معاوية إياه يقول شاعر ~~مضر «1» : [سريع] # من يأذن اليوم لعبد العزيز ... يأذن له عبد عزيز غدا # قال أبو اليقظان: كان عبد العزيز بن زرارة فتى العرب. # استأذن أبو سفيان على عثمان فحجبه. فقيل له: حجبك أمير المؤمنين؟ # فقال لا عدمت من قومي من إذا شاء حجبني. وحجب معاوية أبا الدرداء فقال # PageV01P154 # أبو الدرداء: من يغش سدد السلطان يقم ويقعد ومن صادف بابا عنه مغلقا وجد ~~إلى جانبه بابا فتحا، إن دعا أجيب وإذا سأل أعطي. # قال رجل لحاجبه: إنك عين أنظر بها وجنة «1» أستنيم إليها، وقد وليتك ~~بابي، فما تراك صانعا برعيتي؟ قال: أنظر إليهم بعينك وأحملهم على قدر ~~منازلهم عندك وأضعهم في إبطائهم عن زيارتك ولزومهم خدمتك مواضع استحقاقهم ~~وأرتبهم حيث وضعهم ترتيبك وأحسن إبلاغك عنهم وإبلاغهم عنك. قال: قد وفيت ما ~~لك وما عليك إن صدقته بفعل. وكان يقال: حاجب الرجل حارس عرضه. # وقرأت في التاج أن أبرويز قال لحاجبه: «لا تقدمن مستغيثا ولا تضعن ذا شرف ~~بصعوبة حجاب ولا ترفعن ذا ضعة بسهولته. وضع الرجال مواضع أخطارهم، فمن كان ~~مقدما له الشرف ممن ازدرعه «2» ولم يهدمه من بعد بنائه فقدمه على شرفه ~~الأول وحسن رأيه الآخر، ومن كان له شرف مقدم فلم يصن ذلك إبلاغا به ولم ~~يزدرعه تثميرا له فألحق بآبائه مهلة سبقهم في خواصهم، وألحق به في خاصته ما ~~ألحق بنفسه. لا تأذن له إلا دبرا ولا تأذن له إلا سرارا «3» . وإذا ورد ~~عليك كتاب عامل من عمالي فلا تحبسه عني طرفة عين إلا أن أكون على حال لا ~~تستطيع الوصول إلي فيها، وإن أتاك مدع لنصيحة فاستكتبها سرا ثم أدخله بعد ~~أن تستأذن له. حتى إذا كان مني بحيث أراه فادفع إلي كتابه، فإن أحمدت قبلت ~~وإن كرهت رفضت، ولا ترفعن إلي طلبة # PageV01P155 # طالب إن منعته بخلني وإن أعطيته ازدراني، إلا بمؤامرة مني من غير أن ~~تعلمه أنك قد أعلمتني وإن أتاك عالم يستأذن علي لعلم يزعم أنه عنده فاسأله: ~~ما علمه ذلك؟ ثم استأذن له فإن العلم كاسمه، ولا تحجبن سخطة ولا تأذنن رضا، ~~أخصص بذلك الملك ولا تخص به نفسك» . # الهيثم قال: قال خالد بن عبد الله لحاجبه: «لا تحجبن عني أحدا إذا أخذت ~~مجلسي، فإن الوالي لا يحجب إلا عن ثلاث: عي يكره أن يطلع عليه منه، أو ~~ريبة، أو بخل فيكره أن يدخل عليه من يسأله» . ومنه أخذ ذلك محمود الوراق ~~«1» فقال: [طويل] # إذا اعتصم الوالي بإغلاق بابه ... ورد ذوي الحاجات دون حجابه # ظننت به إحدى ثلاث وربما ... نزعت بظن واقع بصوابه # فقلت به مس من العي «2» ظاهر ... ففي إذنه للناس إظهار ما به # فإن لم يكن عي اللسان فغالب ... من البخل يحمي ما له عن طلابه «3» # فإن لم يكن هذا ولا ذا فريبة ... يصر عليها عند إغلاق بابه # وقال بعض الشعراء: [مجزوء المديد] # إعلمن إن كنت تعلمه ... أن عرض الملك حاجبه # فبه تبدو محاسنه ... وبه تبدو معايبه # وقال آخر: [سريع] # كم من فتى تحمد أخلاقه ... وتسكن الأحرار في ذمته # قد كثر الحاجب أعداءه ... وسلط الذم على نعمته # PageV01P156 # حضر باب عمر بن الخطاب رضي الله عنه جماعة منهم سهيل بن عمرو وعيينة بن ~~حصن والأقرع بن حابس فخرج الآذن فقال: أين صهيب؟ أين عمار؟ أين سلمان؟ ~~فتمعرت «1» وجوه القوم. فقال واحد منهم: لم تتمعر وجوهكم؟ دعوا ودعينا ~~فأسرعوا وأبطأنا، ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعد الله لهم في الجنة ~~أكثر. # وقال بعض الشعراء: [طويل] # سأترك هذا الباب ما دام إذنه ... على ما أرى حتى يخف قليلا # إذا لم نجد للإذن عندك موضعا ... وجدنا إلى ترك المجيء سبيلا # وقال آخر لحاجب: [طويل] # سأترك بابا أنت تملك إذنه ... وإن كنت أعمى عن جميع المسالك # فلو كنت بواب الجنان تركتها ... وحولت رحلي مسرعا نحو مالك # وكتب أبو العتاهية إلى أحمد بن يوسف: [طويل] # لئن عدت بعد اليوم إني لظالم ... سأصرف وجهي حيث تبغى المكارم # متى ينجح الغادي إليك بحاجة ... ونصفك محجوب ونصفك نائم؟ # وقال آخر: [متقارب] # ولست بمتخذ صاحبا ... يقيم على بابه حاجبا # إذا جئت قال له: حاجة ... وإن عدت ألفيته غائبا # ويلزم إخوانه حقه ... وليس يرى حقهم واجبا # فلست بلاقيه حتى الممات ... إذا أنا لم ألقه راكبا # PageV01P157 # وقال عبد الله «1» بن سعيد في حاجب الحجاج «2» وكان يحجبه دائما: # [طويل] # ألا رب نصح يغلق الباب دونه ... وغش إلى جنب السرير يقرب # وقال آخر: [سريع] # ما ضاقت الأرض على راغب ... يطلب الرزق ولا هارب # بل ضاقت الأرض على طالب ... أصبح يشكو جفوة الحاجب # وحجب رجل عن باب سلطان فكتب إليه: «نحن نعوذ بالله من المطامع الدنية ~~والهمم القصيرة وابتذال الحرية، فإن نفسي، والحمد لله، أبية ما سقطت وراء ~~همة ولا خذلها صبر عند نازلة ولا استرقها طمع ولا طبعت على طبع وقد رأيتك ~~وليت عرضك من لا يصونه ووصلت ببابك من يشينه وجعلت ترجمان عقلك من يكثر من ~~أعدائك وينقص من أوليائك ويسيء العبارة عنك ويوجه وفد الذم إليك ويضغن قلوب ~~إخوانك عليك إذ كان لا يعرف لشريف قدرا ولا لصديق منزلة، ويزيل المراتب عن ~~جهل بها وبدرجاتها فيحط العلي إلى مرتبة الوضيع ويرفع الدني إلى مرتبة ~~الرفيع ويحتقر الضعيف لضعفه وتنبو عينه عن ذي البذاذة «3» ويميل إلى ذي ~~اللباس والزينة ويقدم على الهوى ويقبل الرشا» . # PageV01P158 # وقال بشار، وقيل هو لغيره: [كامل] # تأبي خلائق خالد «1» وفعاله ... إلا تجنب كل أمر عائب # فإذا أتيت الباب وقت غدائه ... أذن الغداء برغم أنف الحاجب # وهذا ضد قول الآخر: [سريع] # إذا تغدى فر بوابه ... وارتد من غير يد بابه # ومات من شهوة ما يحتسي ... عياله طرا وأصحابه # وقال آخر: [خفيف] # يا أميرا على جريب «2» من الأر ... ض له تسعة من الحجاب # قاعدا في الخراب يحجب عنه ... ما سمعنا بحاجب في خراب! # وقال آخر «3» : [طويل] # على أي باب أطلب الإذن بعد ما ... حجبت عن الباب الذي أنا حاجبه «4» # وقال الطائي: [بسيط] # يا أيها الملك النائي برؤيته ... وجوده لمراعي جوده كثب # ليس الحجاب بمقص عنك لي أملا ... إن السماء ترجى حين تحتجب # PageV01P159 # وقال أيضا: [كامل] # ومحجب حاولته فوجدته ... نجما عن الركب العفاة شسوعا # أعدمته لما عدمت نواله ... شكري فرحنا معدمين جميعا # وقال آخر: [خفيف] # قد أطلنا بالباب أمس القعودا ... وجفينا به جفاء شديدا # وذممنا العبيد حتى إذا نح ... ن بلونا المولى عذرنا العبيدا # وحجب رجل فكتب: [طويل] # أبا جعفر، إن الولاية إن تكن ... منبلة قوما فأنت لها نبل # فلا ترتفع عنا لشيء وليته ... كما لم يصغر عندنا شأنك العزل # وكتب رجل من الكتاب في هذا المعنى إلى صديق له: «إن كان ذهولك «1» عنا ~~لدنيا أخضلت «2» عليك سماؤها وأرتبت بك «3» ديمها فإن أكثر ما يجري في الظن ~~بك بل في اليقين منك أنك أملك ما تكون لعنانك أن يجمح بك ولنفسك، أن تستعلي ~~عليك إذا لانت لك أكنافها وانقاد في كفك زمامها؛ لأنك لم تنل ما نلت خلسا ~~ولا خطفا، ولا عن مقدار جرف إليك غير حقك وأمال نحوك سوى نصيبك. فإن ذهبت ~~إلى أن حقك قد يحتمل في قوته وسعته أن تضم إليه الجفوة والنبوة فيتضاءل في ~~جنبه ويصغر عن كبيره فغير مدفوع عن ذلك. وايم «4» الله لولا ما بليت به ~~النفس من الظن بك وأن مكانك منها لا # PageV01P160 # يسده غيرك لسخت عنك وذهلت عن إقبالك وإدبارك ولكان في جفائك ما يرد من ~~غرتها ويبرد من غلتها، ولكنه لما تكاملت النعمة لك تكاملت الرغبة فيك» . # أبو حاتم عن العتبي قال: قال معاوية لحصين بن المنذر وكان يدخل عليه في ~~أخريات الناس: يا أبا ساسان، كأنه لا يحسن إذنك. فأنشأ «1» يقول: # [طويل] # كل خفيف الشأن يسعى مشمرا ... إذا فتح البواب بابك إصبعا # ونحن الجلوس الماكثون رزانة ... وحلما إلى أن يفتح الباب أجمعا # وقال بعض الشعراء في بشر بن مروان: [طويل] # بعيد مرد العين ما رد طرفه ... حذار الغواشي «2» باب دار ولا ستر # ولو شاء بشر كان من دون بابه ... طماطم «3» سود أو صقالبة حمر # ولكن بشرا يسر الباب للتي ... يكون له في غبها الحمد والأجر # وقال بشر: [طويل] # فلا تبخلا بخل ابن قرعة إنه ... مخافة أن يرجى نداه حزين # إذا جئته في العرف أغلق بابه ... فلم تلقه إلا وأنت كمين # فقل لأبي يحيى متى تدرك العلا ... وفي كل معروف عليك يمين؟ # PageV01P161 # وقال ابن هرمة «1» يمدح: [كامل] # هش إذا نزل الوفود ببابه ... سهل الحجاب مؤدب الخدام # وإذا رأيت شقيقه وصديقه ... لم تدر أيهما أخو الأرحام # وكتب رجل إلى بعض الملوك: [وافر] # إذا كان الجواد له حجاب ... فما فضل الجواد على البخيل # فكتب إليه الآخر: [وافر] # إذا كان الجواد قليل مال ... ولم يعذر تعلل بالحجاب # وقال عبيد الله «2» بن عكراش: [طويل] # وإني لأرثي للكريم إذا غدا ... على طمع عند اللئيم يطالبه # وأرثي له من مجلس عند بابه ... كمرثيتي للطرف «3» والعلج راكبه # وكتب عبد الله بن أبي عيينة «4» إلى صديق له: [وافر] # أتيتك زائرا لقضاء حق ... فحال الستر دونك والحجاب # ولست بساقط في قدر قوم ... وإن كرهوا كما يقع الذباب # PageV01P162 # أبو حاتم عن عبد الله بن مصعب الزبيري قال: كنا بباب الفضل «1» بن الربيع ~~وهم يأذنون لذوي الهيئات والشارات وأعرابي يدنو فكلما دنا طرح. # فقام ناحية وأنشأ يقول: [بسيط] # رأيت آذننا يعتام «2» بزتنا ... وليس للحسب الزاكي بمعتام # ولو دعينا على الأحساب قدمني ... مجد تليد وجد «3» راجح نامي # متى رأيت الصقور الجدل يقدمها ... خلطان من رخم قرع ومن هام؟ # دخل شريك الحارثي على معاوية فقال له معاوية: من أنت؟ فقال له: # يا أمير المؤمنين، ما رأيت لك هفوة قبل هذه، مثلك ينكر مثلي من رعيته! ~~فقال له معاوية: إن معرفتك متفرقة، أعرف وجهك إذا حضرت في الوجوه، وأعرف ~~اسمك في الأسماء إذا ذكرت، ولا أعلم أن ذلك الاسم هو هذا الوجه، فاذكر لي ~~اسمك تجتمع معرفتك. # إستأذن رجلان على معاوية فأذن لأحدهما وكان أشرف منزلة من الآخر، ثم أذن ~~للآخر فدخل عليه فجلس فوق صاحبه. فقال معاوية: إن الله قد ألزمنا تأديبكم ~~كما ألزمنا رعايتكم، وأنا لم نأذن له قبلك ونحن نريد أن يكون مجلسه دونك. ~~فقم لا أقام الله لك وزنا. # دخل أبو مجلز «4» على عمر بن عبد العزيز حين أقدمه من خراسان، فلم # PageV01P163 # يقبل عليه. فلما خرج قال له بعض من حضر المجلس. هذا أبو مجلز. فرده ~~واعتذر إليه وقال: إني لم أعرفك. قال: يا أمير المؤمنين، فهلا أنكرتني؟. # قال أشجع «1» السلمي يذكر باب محمد بن منصور بن زياد «2» : # [مجزوء الهزج] # على باب ابن منصور ... علامات من البذل # جماعات وحسب البا ... ب فضلا كثرة الأهل # وكانت العرب تتعوذ بالله من قرع الفناء ومن قرع المراح. وقال بعض ~~الشعراء: [كامل] # مالي أرى أبوابهم مهجورة ... وكأن بابك مجمع الأسواق # أرجوك أم خافوك أم شاموا الحيا «3» ... بحراك «4» فانتجعوا من الآفاق # وقال آخر: [سريع] # يزدحم الناس على بابه ... والمشرب العذب كثير الزحام # وقال آخر: [رجز] # إن الندى حيث ترى الضغاطا # يعني الزحام. # وقال بشار: [خفيف] # ليس يعطيك للرجاء ولا الخو ... ف ولكن يلذ طعم العطاء # PageV01P164 # يسقط الطير حيث ينتثر الح ... ب وتغشى منازل الكرماء # دق رجل على عمر بن عبد العزيز الباب فقال عمر: من هذا؟ قال: أنا قال عمر: ~~ما نعرف أحدا من إخواننا يسمى أنا. # خرج شبيب بن شيبة من دار الخلافة يوما فقال له قائل: كيف رأيت الناس؟ ~~فقال: رأيت الداخل راجيا ورأيت الخارج راضيا. # قال أبو العتاهية: [متقارب] # إذا اشتد دوني حجاب امرىء ... كفيت المؤونة حجابه # حجب أعرابي على باب السلطان فقال: [طويل] # أهين لهم نفسي لأكرمها بهم ... ولا يكرم النفس الذي لا يهينها «1» # وقال جرير: [كامل] # قوم إذا حضر الملوك وفودهم ... نتفت شواربهم على الأبواب «2» # وقال آخر: [طويل] # لما وردت الباب أيقنت أننا ... على الله والسلطان غير كرام «3» # وقال أبو القمقام «4» الأسدي: # PageV01P165 # [بسيط] # أبلغ أبا مالك عني مغلغلة ... وفي العتاب حياة بين أقوام # أدخلت قبلي قوما لم يكن لهم ... من قبل أن يلجوا الأبواب قدامي # لو عد بيت وبيت كنت أكرمهم ... بيتا وأبعدهم من منزل الذام # فقد جعلت إذا ما حاجتي نزلت ... بباب دارك أذلوها بأقوام ### | التلطف في مخاطبة السلطان وإلقاء النصيحة إليه # العتبي قال: قال عمرو بن عتبة للوليد حين تنكر له الناس: يا أمير ~~المؤمنين، إنك تنطقني بالأنس بك وأنا أكفت ذلك بالهيبة لك. وأراك تأمن ~~أشياء أخافها عليك، أفأسكت مطيعا أم اقول مشفقا؟ فقال: كل مقبول منك، ولله ~~فينا علم غيب نحن صائرون إليه. ونعود فنقول؛ فقتل بعد أيام. # وفي إلقاء النصيحة إليه: قرأت في كتاب للهند أن رجلا دخل على بعض ملوكهم ~~فقال له: أيها الملك، نصيحتك واجبة في الحقير الصغير بله «1» الجليل الخطير ~~ولولا الثقة بفضيلة رأيك واحتمالك ما يسوء موقعه من الأسماع والقلوب في جنب ~~صلاح العاقبة وتلافي الحادث قبل تفاقمه لكان خرقا مني أن أقول، وإن كنا إذا ~~رجعنا إلى أن بقاءنا موصول ببقائك وأنفسنا معلقة بنفسك لم أجد بدا من أداء ~~الحق إليك وإن أنت لم تسألني أو خفت ألا تقبل مني، فإنه يقال: من كتم ~~السلطان نصحه والأطباء مرضه والإخوان بثه فقد خان نفسه. # PageV01P166 ### | الخفوت في طاعته # قال بعض الخلفاء لجرير بن يزيد: إني قد أعددتك لأمر. قال: يا أمير ~~المؤمنين، إن الله قد أعد لك مني قلبا معقودا بنصيحتك ويدا مبسوطة بطاعتك ~~وسيفا مشحوذا على عدوك فإذا شئت فقل. # وفي مثله: قال إسحاق بن إبراهيم قال لي جعفر بن يحيى اغد علي لكذا. فقلت: ~~أنا والصبح كفرسي رهان. وفي مثله: أمر بعض الأمراء رجلا بأمر فقال له: أنا ~~أطوع لك من اليد وأذل لك من النعل. وقال آخر: أن أطوع لك من الرداء وأذل لك ~~من الحذاء. ### | التلطف في مدحه # قال خالد بن عبد الله القسري «1» لعمر بن عبد العزيز: من كانت الخلافة ~~زانته، فإنك قد زنتها، ومن كانت شرفته فإنك قد شرفتها، فأنت كما قال ~~القائل: # [خفيف] # وإذا الدر زان حسن وجوه ... كان للدر حسن وجهك زينا # فقال عمر: أعطي صاحبكم مقولا ولم يعط معقولا. # وكتب بعض الأدباء إلى بعض الوزراء: «إن أمير المؤمنين منذ استخلصك لنفسه ~~فنظر بعينك وسمع بأذنك ونطق بلسانك وأخذ وأعطى بيدك وأورد وأصدر عن رأيك، ~~وكان تفويضه إليك بعد امتحانك وتسليطه الرأي على الهوى فيك بعد أن ميل بينك ~~وبين الذين سموا لرتبتك وجروا إلى غايتك فأسقطهم مضمارك وخفوا في ميزانك ~~ولم يزدك رفعة إلا ازددت لله تواضعا، ولا بسطا وإيناسا إلا ازددت له هيبة ~~وإجلالا، ولا تسليطا ونمكينا إلا ازددت # PageV01P167 # عن الدنيا عزوفا، ولا تقريبا إلا ازددت من العامة قربا. ولا يخرجك فرط ~~النصح للسلطان عن النظر لرعيته، ولا إيثار حقه عن الأخذ لها بحقها عنده، ~~ولا القيام بما هو له عن تضمن ما عليه، ولا تشغلك جلائل الأمور عن التفقد ~~لصغارها، ولا الجذل بصلاحها واستقامتها عن استشعار الحذر وإمعان النظر في ~~عواقبها» . # وفي مدحه: دخل العماني الراجز على الرشيد لينشده وعليه قلنسوة طويلة وخف ~~«1» ساذج، فقال له الرشيد: يا عماني، إياك أن تنشدني إلا وعليك عمامة عظيمة ~~الكور «2» وخفان دمالقان «3» فبكر إليه من الغد وقد تزيا بزي الأعراب ثم ~~أنشده وقبل يده وقال: يا أمير المؤمنين، قد، والله، أنشدت مروان ورأيت وجهه ~~وقبلت يده وأخذت جائزته ثم يزيد بن الوليد وإبراهيم بن الوليد ثم السفاح ثم ~~المنصور ثم المهدي. كل هؤلاء رأيت وجوههم وقبلت أيديهم وأخذت جوائزهم، إلى ~~كثير من أشباه الخلفاء وكبار الأمراء والسادة والرؤساء، والله ما رأيت فيهم ~~أبهى منظرا ولا أحسن وجها ولا أنعم كفا ولا أندى راحة منك يا أمير ~~المؤمنين. فأعظم له الجائزة على شعره وأضعف له على كلامه وأقبل عليه فبسطه ~~حتى تمنى جميع من حضر أنه قام ذلك المقام. # وفي المديح: كتب الفضل بن سهل إلى أخيه الحسن بن سهل فقال: # «إن الله قد جعل جدك عاليا وجعلك في كل خير مقدما وإلى غاية كل فضل سابقا ~~وصيرك، وإن نأت بك الدار، من أمير المؤمنين وكرامته قريبا، وقد جدد # PageV01P168 # لك من البر كيت وكيت. وكذا يحوز الله لك من الدين والدنيا والعز والشرف ~~أكثره وأشرفه إن شاء الله» . # وفي مدحه: قال الرشيد يوما لبعض الشعراء: هل أحدثت فينا شيئا؟ # فقال: يا أمير المؤمنين، المديح فيك دون قدرك والشعر فيك فوق قدري، ولكني ~~أستحسن قول العتابي «1» : [بسيط] # ماذا يرى قائل يثني عليك وقد ... ناداك في الوحي تقديس وتطهير # فت المدائح إلا أن ألسننا ... مستنطقات لما تخفي الضمائير # في عترة لم تقم إلا بطاعتهم ... من الكتاب ولم تقض المشاعير # هذي يمينك في قرباك صائلة ... وصارم من سيوف الهند مأثور # وفي مدحه: كتب بعض الكتاب إلى بعض الأمراء: «إن من النعمة على المثني ~~عليك أنه لا يخاف الإفراط ولا يأمن التقصير ولا يحذر أن تلحقه نقيصة الكذب ~~ولا ينتهي به المدح إلى غاية إلا وجد في فضلك عونا على تجاوزها. # ومن سعادة جدك أن الداعي لك لا يعدم كثرة المشايعين ومساعدة النية على ~~ظاهر القول» . # وفي مثله كتب بعض الأدباء إلى الوزير: «مما يعين على شكرك كثرة المنصتين ~~له، ومما يبسط لسان مادحك أمنه من تحمل الإثم فيه وتكذيب السامعين له» . # وفي مثل ذلك: لما عقد معاوية البيعة ليزيد قام الناس يخطبون فقال لعمرو ~~بن سعيد: قم يا أبا أمية. فقام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أما # PageV01P169 # بعد فإن يزيد بن معاوية أمل تأملونه وأجل تأمنونه، إن استضفتم إلى حلمه ~~وسعكم، وإن احتجتم إلى رأيه أرشدكم، وإن افتقرتم إلى ذات يده أغناكم، جذع ~~قارح سوبق فسبق وموجد فمجد وقورع فخرج فهو خلف أمير المؤمنين ولا خلف منه» ~~فقال معاوية: أوسعت يا أبا أمية فاجلس. # وفي مثل ذلك: قال رجل للحسن بن سهل: «أيها الأمير، أسكتني عن وصفك تساوي ~~أفعالك في السؤدد وحيرني فيها كثرة عددها فليس إلى ذكر جميعها سبيل، وإن ~~أردت ذكر واحدة اعترضت أختها إذ لم تكن الأولى أحق بالذكر منها، فلست أصفها ~~إلا بإظهار العجز عن صفتها» . # وفي مثل ذلك: كتب آخر إلى محمد بن عبد الملك «إن مما يطمعني في بقاء ~~النعمة عليك، ويزيدني بصيرة في العلم بدوامها لديك أنك أخذتها بحقها ~~واستوجبتها بما فيك من أسبابها، ومن شأن الأجناس أن تتواصل وشأن الأشكال أن ~~تتقاوم، والشيء يتغلغل في معدنه ويحن إلى عنصره، فإذا صادف منبته ولز في ~~مغرسه ضرب بعرقه وسمق بفرغه وتمكن الإقامة وثبت ثبات الطبيعة» . # وفي مثل ذلك: كتب آخر إلى بعض الوزراء: «رأيتني فيما أتعاطى من مدحك ~~كالمخبر عن ضوء النهار الباهر والقمر الزاهر الذي لا يخفى على ناظر، وأيقنت ~~أني حيث انتهى بي القول منسوب إلى العجز مقصر عن الغاية فانصرفت عن الثناء ~~عليك إلى الدعاء لك، ووكلت الإخبار عنك إلى علم الناس بك» . # وفي مثله كتب العتابي إلى خالد بن يزيد: «أنت، أيها الأمير، وارث سلفك ~~وبقية أعلام أهل بيتك، المسدود بك ثلمهم والمجدد بك قديم شرفهم # PageV01P170 # والمنبه بك أيام صيتهم والمنبسط بك آمالنا والصائر بك أكالنا «1» ~~والمأخوذ بك حظوظنا، فإنه لم يحمل من كنت وارثه، ولا درست آثار من كنت سالك ~~سبيله ولا امحت معاهد من خلفته في مرتبته» . # وفي شكره: قرأت في التاج قال بعض الكتاب للملك: «الحمد لله الذي أعلقني ~~سببا من أسباب الملك ورفع خسيستي بمخاطبته وعزز ركني من الذلة به وأظهر ~~بسطتي في العامة وزين مقاومتي في المشاهدة وفقأ عني عيون الحسدة وذلل لي ~~رقاب الجبابرة وأعظم لي رغبات الرعية وجعل لي به عقبا يوطأ وخطرا يعظم ~~ومزية تحسن، والذي حقق في رجاء من كان يأملني وظاهر به قوة من كان ينصرني ~~وبسط به رغبة من كان يسترفدني، والذي أدخلني من ظلال الملك في جناح سترني، ~~وجعلني من أكنافه في كنف اتسع علي» . # وفي شكره وتعداد نعمه: قرأت في سير العجم أن أردشير لما استوثق له أمره ~~جمع الناس وخطبهم خطبة بليغة حضهم فيها على الألفة والطاعة وحذرهم المعصية ~~وصنف الناس أربعة أصناف، فخر القوم سجدا وتكلم متكلمهم مجيبا فقال: «لا زلت ~~أيها الملك محبوا من الله بعزة النصر ودرك الأمل ودوام العافية وحسن ~~المزيد، ولا زلت تتابع لديك النعم وتسبغ عندك الكرامات والفضل حتى تبلغ ~~الغاية التي يؤمن زوالها ولا تنقطع زهرتها في دار القرار التي أعدها الله ~~لنظرائك من أهل الزلفى عنده والحظوة لديه، ولا زال ملكك وسلطانك باقيين ~~بقاء الشمس والقمر زائدين زيادة البحور والأنهار حتى تستوي أقطار الأرض ~~كلها في علوك عليها ونفاذ أمرك فيها، فقد أشرق علينا من ضياء نورك ما عمنا ~~عموم ضياء الشمس ووصل إلينا من عظيم رأفتك ما # PageV01P171 # اتصل بأنفسنا اتصال النسم، فجمعت الأيدي بعد افتراقها والكلمة بعد ~~اختلافها وألفت بين القلوب بعد تباغضها وأذهبت الإحن والحسائك بعد استعار ~~نيرانها، وأصبح فضلك لا يدرك بوصف ولا يحد بتعداد، ثم لم ترض بما عممتنا به ~~من هذه النعم وظاهرت من هذه الأيادي حتى أحببت توطيدها والإستيثاق منها ~~وعملت لنا في دوامها كعملك في إقامتها وكفلت من ذلك ما نرجو نفعه في الخلوف ~~والأعقاب، وبلغت همتك لنا فيه حيث لا تبلغ همم الآباء للأولاد، فجزاك الله ~~الذي رضاه تحريت وفي موافقته سعيت أفضل ما التمست ونويت» . # وفي مثله: قال خالد بن صفوان لوال دخل عليه: «قدمت فأعطيت كلا بقسطه من ~~نظرك ومجلسك وصلاتك وعدلك حتى كأنك من كل أحد أو كأنك لست من أحد» . # وفي شكره: كتب بعض الكتاب إلى الوزير يشكر له: «من شكر لك عن درجة رفعته ~~إليها أو ثروة أفدته إياها فإن شكري إياك على مهجة أحييتها وحشاشة تبقيتها ~~ورمق أمسكت به وقمت بين التلف وبينه» . # وفي شكره: قرأت في كتاب: «ولكل نعمة من نعم الدنيا حد تنتهي إليه ومدى ~~توقف عنده وغاية في الشكر يسمو إليها الطرف خلا هذه النعمة التي فاتت الوصف ~~وطالت الشكر وتجاوزت كل قدر وأتت من وراء كل غاية وجمعت من أمير المؤمنين ~~مننا جمة أبقت للماضين مننا وللباقين فخر الأبد وردت عنا كيد العدو وأرغمت ~~عنا أنف الحسود وبسطت لنا عزا نتداوله ثم نخلفه للأعقاب فنحن نلجأ من أمير ~~المؤمنين إلى ظل ظليل وكنف كريم وقلب عطوف ونظر رؤوف، فكيف يشكر الشاكر منا ~~وأين يبلغ اجتهاد مجتهدنا ومتى نؤدي ما يلزمنا ونقضي المفترض علينا؟ وهذا ~~كتاب أمير المؤمنين الذي لو لم # PageV01P172 # تكن له ولآبائه الراشدين عند من مضى لنا ومن غيرنا إلا ما ورد من صنوف ~~كرامته وأياديه ولطيف ألفاظه ومخاطبته، لكان في ذلك ما يحسن الشكر ويستفرغ ~~المجهود» . ### | التلطف في مسألة العفو # قال كسر ليوشت «1» المغني وقد قتل فهلوذ «2» حين فاقه وكان تلميذه: # «كنت أستريح منه إليك ومنك إليه فأذهب شطر تمتعي حسدك ونغل صدرك» ثم أمر ~~أن يلقى تحت أرجل الفيلة فقال: أيها الملك، إذا قتلت أنا شطر طربك وأبطلته ~~وقتلت أنت شطره الآخر وأبطلته، أليس تكون جنايتك على طربك كجنايتي عليه؟ ~~قال كسرى: دعوه، ما دله على هذا الكلام إلا ما جعل له من طول المدة. # وفي العفو أيضا: قال رجل للمنصور: «الانتقام عدل والتجاوز فضل ونحن نعيذ ~~أمير المؤمنين بالله من أن يرضى لنفسه بأوكس النصيبين دون أن يبلغ أرفع ~~الدرجتين» . # وفي العفو: جلس الحجاج يقتل أصحاب عبد الرحمن، فقام إليه رجل منهم فقال: ~~أيها الأمير، إن لي عليك حقا. قال: وما حقك علي؟ قال: سبك عبد الرحمن يوما ~~فرددت عنك. قال: ومن يعلم ذاك؟ فقال الرجل: أنشد الله رجلا سمع ذاك إلا شهد ~~به. فقام رجل من الأسرى فقال: قد كان ذاك أيها الأمير. فقال: خلوا عنه. ثم ~~قال للشاهد: فما منعك أن تنكر كما أنكر؟ قال: # لقديم بغضي إياك. قال: ويخلى هذا لصدقه. # PageV01P173 # وفي العفو: أسر معاوية يوم صفين رجلا من أصحاب علي صلوات الله عليه، فلما ~~أقيم بين يديه قال: الحمد لله الذي أمكن منك. قال: لا تقل ذاك فإنها مصيبة. ~~قال: وأية نعمة أعظم من أن يكون الله أظفرني برجل قتل في ساعة واحدة جماعة ~~من أصحابي. إضربا عنقه. فقال: اللهم أشهد أن معاوية لم يقتلني فيك ولا لأنك ~~ترضى قتلي، ولكن قتلني في الغلبة على حطام هذه الدنيا، فإن فعل فافعل به ما ~~هو أهله، وإن لم يفعل فافعل به ما أنت أهله. # فقال: قاتلك الله! لقد سببت فأوجعت في السب ودعوت فأبلغت في الدعاء. # خليا سبيله. # وفي مثله. أخذ عبد الملك بن مروان سارقا فأمر بقطع يده فقال: # [طويل] # يدي، يا أمير المؤمنين، أعيذها ... بعفوك أن تلقى نكالا يشينها # فلا خير في الدنيا وكانت حبيبة ... إذا ما شمالي فارقتها يمينها # فأبى إلا قطعها، فدخلت عليه أمه فقال: يا أمير المؤمنين، واحدي وكاسبي. ~~فقال: بئس الكاسب! هذا حد من حدود الله. فقال: اجعله من الذنوب التي تستغفر ~~الله منها. فعفا عنه. # وفي مثله: أخذ عبد الله بن علي أسيرا من أصحاب مروان فأمر بضرب عنقه فلما ~~رفع السيف ليضرب به ضرط الشامي فوقع العمود بين يدي الغلام ونفرت دابة عبد ~~الله فضحك وقال: إذهب فأنت عتيق استك. فالتفت إليه وقال: أصلح الله الأمير! ~~رأيت ضرطة قط أنجت من الموت غير هذه؟ قال: # PageV01P174 # لا، قال هذا والله الإدبار. قال: وكيف ذاك؟ قال: ما ظنك بنا وكنا ندفع ~~الموت بأسنتنا فصرنا ندفعه اليوم بأستاهنا. # وفي مثله: خرج النعمان «1» بن المنذر في غب سماء فمر برجل من بني يشكر ~~جالسا على غدير ماء، فقال له: أتعرف النعمان؟ قال اليشكري: أليس ابن سلمى؟ ~~قال: نعم. قال: والله لربما أمررت يدي على فرجها. قال له: # ويحك، النعمان بن المنذر! قال: قد خبرتك. فما انقضى كلامه حتى لحقته ~~الخيل وحيوه بتحية الملك. فقال له: كيف قلت؟ قال: أبيت اللعن، إنك، والله، ~~ما رأيت شيخا أكذب ولا ألأم ولا أوضع ولا أعض ببظر أمه من شيخ بين يديك. ~~فقال النعمان: دعوه، فأنشأ يقول: [مجزوء كامل] # تعفو الملوك عن العظي ... م من الذنوب لفضلها # ولقد تعاقب في اليسي ... ر وليس ذاك لجهلها # إلا ليعرف فضلها ... ويخاف شدة نكلها # وفي مثله: لما أخذ المأمون إبراهيم بن المهدي استشار أبا إسحاق والعباس ~~في قتله فأشارا به، فقال له المأمون: قد أشارا بقتلك. فقال إبراهيم: أما أن ~~يكونا قد نصحا لك في عظم الخلافة وما جرت به عادة السياسة فقد فعلا، ولكنك ~~تأبى أن تستجلب النصر إلا من حيث عودك الله. # وكان في اعتذاره إليه أن قال: إنه وإن بلغ جرمي استحلال دمي فحلم أمير ~~المؤمنين وفضله يبلغانني عفوه ولي بعدهما شفعة الإقرار بالذنب وحق الأبوة # PageV01P175 # بعد الأب. فقال المأمون: لو لم يكن في حق سببك حق الصفح عن جرمك لبلغك ما ~~أملت حسن تنصلك ولطف توصلك. وكان إبراهيم يقول بعد ذلك: # والله ما عفا عني المأمون صلة لرحمي ولا محبة لاستحيائي ولا قضاء لحق ~~عمومتي، ولكن قامت له سوق في العفو فكره أن يفسدها بي. ومن أحسن ما قيل في ~~مثله قول العتابي «1» : [كامل] # رحل الرجاء إليك مغتربا ... حشدت عليه نوائب الدهر # ردت إليك ندامتي أملي ... وثنى إليك عنانه شكري # وجعلت عتبك عتب موعظة ... ورجاء عفوك منتهى عذري # وقول علي «2» بن الجهم للمتوكل: [متقارب] # عفا الله عنك ألا حرمة ... تعوذ بعفوك أن أبعدا # لئن جل ذنب ولم أعتمده ... لأنت أجل وأعلى يدا # ألم تر عبدا عدا طوره ... ومولى عفا ورشيدا هدى # ومفسد أمر تلافيته ... فعاد فأصلح ما أفسدا؟ # أقلني أقالك من لم يزل ... يقيك ويصرف عنك الردى # وفي مثله. وجد بعض الأمراء على رجل فجفاه واطرحه حينا ثم دعا به ليسأله ~~عن شيء فرآه ناحلا شاحبا. فقال له: متى اعتللت؟ فقال: [سريع] # ما مسني سقم ولكنني ... جفوت نفسي إذ جفاني الأمير # فعاد له. # PageV01P176 # وقال آخر: [طويل] # ألا إن خير العفو عفو معجل ... وشر العقاب ما يجاز به القدر # وكان يقال: بحسب العقوبة أن تكون على مقدار الذنب. # وفي العفو: قال بعضهم: إن عاقبت جازيت وإن عفوت أحسنت والعفو أقرب ~~للتقوى. # ونحوه: قال رجل لبعض الأمراء: أسألك بالذي أنت بين يديه أذل مني بين ~~يديك، وهو على عقابك أقدر منك على عقابي إلا نظرت في أمري نظر من برئي أحب ~~إليه من سقمي وبراءتي أحب إليه من جرمي. # ونحوه قول آخر: قديم الحرمة وحديث التوبة يمحقان ما بينهما من الإساءة. # وفي مثله: أتى الأحنف بن قيس «1» مصعب بن «2» الزبير فكلمه في قوم حبسهم، ~~فقال، أصلح الله الأمير: إن كانوا حبسوا في باطل فالحق يخرجهم، وإن كانوا ~~حبسوا في حق فالعفو يسعهم، فخلاهم. # وفي مثله: أمر معاوية بعقوبة روح «3» بن زنباع فقال له روح: أنشدك الله، ~~يا أمير المؤمنين، أن تضع مني خسيسة أنت رفعتها أو تنقض مني مرة «4» # PageV01P177 # أنت أبرمتها أو تشمت بي عدوا أنت وقمته «1» وإلا أتى حلمك وعفوك على جهلي ~~وإساءتي. فقال معاوية: خليا عنه. ثم أنشد: [طويل] # إذا الله سنى عقد أمر تيسرا # وفي مثله. أمر عمر بن عبد العزيز بعقوبة رجل قد كان نذر إن أمكنه الله ~~منه ليفعلن به وليفعلن. فقال له رجاء «2» بن حيوة: قد فعل الله ما تحب من ~~الظفر فافعل ما يحب الله من العفو. # وفي مثله: قال ابن القرية «3» للحجاج في كلام له: أقلني عثرتي وأسغني ~~ريقي فإنه لا بد للجواد من كبوة ولا بد للسيف من نبوة ولا بد للحليم من ~~هفوة. فقال الحجاج: كلا، والله حتى أوردك جهنم. ألست القائل برستقباذ «4» : ~~تغدوا الجدي قبل أن يتعشاكم. # وفي مثله: أمر عبد الملك بن مروان بقتل رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إنك ~~أعز ما تكون أحوج ما تكون إلى الله، فاعف له فإنك به تعان وإليه تعود. # فخلى سبيله. # وفي مثله. قال خالد بن عبد الله لسليمان بعد أن عذبه بما عذبه به: إن ~~القدرة تذهب الحفيظة وقد جل قدرك عن العتاب ونحن مقرون بالذنب، فإن # PageV01P178 # تعف فأهل العفو وإن تعاقب فبما كان منا. فقال: أما حتى تأتي الشام راجلا ~~فلا عفو. # وفي مثله: ضرب الحجاج أعناق أسارى أتي بهم، فقال رجل منهم: # والله لئن كنا أسأنا في الذنب فما أحسنت في المكافأة. فقال الحجاج: أف ~~لهذه الجيف! أما كان فيهم أحد يحسن مثل هذا! وكف عن القتل. # وفي مثله: أخذ مصعب بن الزبير رجلا من أصحاب المختار فأمر بضرب عنقه. ~~فقال: أيها الأمير، ما أقبح بك أن أقوم يوم القيامة إلى صورتك هذه الحسنة ~~ووجهك هذا الذي يستضاء به فأتعلق بأطرافك وأقول: أي رب سل مصعبا فيم قتلني. ~~قال: أطلقوه. قال: إجعل ما وهبت لي من حياتي في خفض. قال: أعطوه مائة ألف. ~~قال: بأبي أنت وأمي، أشهد الله أن لابن قيس «1» الرقيات منها خمسين ألفا. ~~قال: ولم؟ قال: لقوله فيك: [خفيف] # إنما مصعب شهاب من الل ... ه تجلت عن وجهه الظلماء # ملكه ملك رحمة ليس فيه ... جبروت يخشى ولا كبرياء # تتقي الله في الأمور وقد أفل ... لح من كان همه الإتقاء # فضحك مصعب، وقال: أرى فيك موضعا للصنيعة، وأمره بلزومه وأحسن إليه فلم ~~يزل معه حتى قتل. # وفي مثله: قال عبد الله «2» بن الحجاج الثعلبي لعبد الملك بن مروان: # PageV01P179 # هربت إليك من العراق. قال: كذبت، ليس إلينا هربت، ولكنك هربت من دم ~~الحسين وخفت على دمك فلجأت إلينا. ثم جاء يوما آخر فقال: [كامل] # أدنوا لترحمني وترتق «1» خلتي ... وأراك تدفعني فأين المدفع؟ # ونحوه قول الآخر: [خفيف] # كنت من كربتي أفر إليهم ... فهمو كربتي فأين الفرار «2» ؟ # وفي مثله: قنع الحجاج رجلا في مجلسه ثلاثين سوطا وهو في ذلك يقول: [طويل] # وليس بتعزير الأمير خزاية ... علي إذا ما كنت غير مريب «3» # ونحوه: [طويل] # وإن أمير المؤمنين وفعله ... لكالدهر، لا عار بما فعل الدهر # وفي مثله: مر الحسن البصري برجل يقاد منه. فقال للولي: يا عبد الله، إنك ~~لا تدري لعل هذا قتل وليك وهو لا يريد قتله، وأنت تقتله متعمدا، فانظر ~~لنفسك. قال: قد تركته لله. # وفي مثله: حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن عيسى بن عمر قال: # رمي الحجاج فقال: أنظروا من هذا؟ فأومأ رجل بيده ليرمي. فأخذ فأدخل عليه ~~وقد ذهبت روحه. قال عيسى بصوت ضعيف يحكي الحجاج: أنت الرامينا منذ الليلة؟ ~~قال: نعم أيها الأمير. قال، ما حملك على ذلك؟ قال: # PageV01P180 # الغي، والله، واللؤم. قال: خلوا عنه. وكان إذا صدق انكسر. # وفي مثله: حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن عثمان الشحام قال: أتي الحجاج ~~بالشعبي فقال له: أخرجت علينا يا شعبي؟ قال: أجدب بنا الجناب وأحزن بنا ~~المنزل واستحلسنا الخوف واكتحلنا السهر وأصابتنا خزية لم نكن فيها بررة ~~أتقياء ولا فجرة أقوياء. فقال الحجاج: لله أبوك. ثم أرسله. # وفي مثله: أتي موسى بن المهدي برجل كان قد حبسه فجعل يقرعه بذنوبه، فقال ~~الرجل: يا أمير المؤمنين، إعتذاري مما تقرعني به رد عليك وإقراري بما تعتده ~~علي يلزمني ذنبا لم أجنه، ولكني أقول: [طويل] # فإن كنت ترجو بالعقوبة راحة ... فلا تزهدن عند المعافاة في الأجر # وفي مثله: قال الحسن بن سهل لنعيم بن حازم وقد اعتذر إليه من ذنب عظمه: ~~على رسلك أيها الرجل، تقدمت لك طاعة وتأخرت لك توبة، وليس لذنب بينهما ~~مكان، وما ذنبك في الذنوب بأعظم من عفو أمير المؤمنين في العفو. # وفي الدعاء له: قال رجل لبعض الأمراء: «إني لو كنت أعرف كلاما يجوز ألقى ~~به الأمير غير ما جرى على ألسن الناس، لأحببت أن أبلغ ذلك فيما أدعو به له ~~وأعظم من أمره، غير أن أسأل الله الذي لا يخفى عليه ما تحتجب به الغيوب من ~~نيات القلوب أن يجعل ما يطلع عليه مما تبلغه نيتي في إرادته للأمير أدنى ما ~~يؤتيه إياه من عطاياه ومواهبه» . # وفي الدعاء له: قرأت في كتاب رجل من الكتاب «لا زالت أيامك ممدودة بين ~~أمل لك تبلغه وأمل فيك تحققه حتى تتملى من الأعمار أطولها وترقى من الدرجات ~~أفضلها» . # PageV01P181 # وفي الدعاء: دخل محمد بن عبد الملك «1» بن صالح على المأمون حين قبضت ~~ضياعه فقال: السلام عليك أمير المؤمنين. محمد بن عبد الملك سليل نعمتك وابن ~~دولتك وغصن من أغصان دوحتك، أتأذن له في الكلام؟ قال: # نعم. فتكلم بعد حمد الله والثناء عليه. فقال: «نستمتع الله لحياطة ديننا ~~ودنيانا ورعاية أدنانا وأقصانا ببقائك يا أمير المؤمنين ونسأله أن يزيد في ~~عمرك من أعمارنا وفي أثرك من آثارنا ويقيك الأذى بأسماعنا وأبصارنا. هذا ~~مقام العائذ بظلك الهارب إلى كنفك وفضلك الفقير إلى رحمتك وعدلك» ثم تكلم ~~في حاجته. # وفي شكر السلطان وفي حمده: قدم رجل على سليمان بن عبد الملك في خلافته ~~فقال له: ما أقدمك علي؟ فقال: يا أمير المؤمنين، ما أقدمني عليك رغبة ولا ~~رهبة. قال: وكيف ذاك؟ قال: أما الرغبة فقد وصلت إلينا وفاضت في رحالنا ~~وتناولها الأقصى والأدنى منا، وأما الرهبة فقد أمنا بعدلك، يا أمير ~~المؤمنين، علينا وحسن سيرتك فينا من الظلم، فنحن وفد الشكر. # وفي حمده: كتب بعض الكتاب إلى وزير: «كل مدى يبلغه القائل بفضلك والواصف ~~لأيامك والشاكر للنعمة الشاملة بك قصد أمم «2» عند الفضائل الموفورة لك ~~والمواهب المقسومة للرعية بك، فواجب على من عرف قدر النعمة بك أن يشكرها ~~وعلى من أظله عز أيامك أن يستديمه وعلى من حاطته دولتك أن يدعو الله ~~ببقائها ونمائها، فقد جمع الله بك الشتات وأصلح بها الفساد وقبض الأيدي ~~الجائرة وعطف القلوب النافرة، فأمنت سرب البريء وخفضت جأشه وأخفت سبل ~~الجاني وأخذت عليه مذاهبه ومطالعه ووقفت # PageV01P182 # بالخاصة والعامة على قصد من السيرة أمنوا بها من العثار والكبوة» . # وفي حضه على شكر الله، عز وجل، قال شبيب بن شيبة «1» للمهدي: # إن الله، عز وجل، لم يرض أن يجعلك دون أحد من خلقه، فلا ترض بأن يكون أحد ~~أشكر له منك والسلام. # تم كتاب السلطان، ويتلوه كتاب الحرب # PageV01P183 ### | كتاب الحرب ### | اداب الحرب ومكايدها # قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة: حدثني محمد بن عبيد قال: # حدثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن هشام والأوزاعي عن يحيى بن أبي ~~كثير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تمنوا لقاء العدو فعسى أن ~~تبتلوا بهم ولكن قولوا: اللهم اكفنا وكف عنا بأسهم، وإذا جاءوكم يعزفون ~~ويزحفون ويصيحون فعليكم الأرض جلوسا، ثم قولوا: اللهم أنت ربنا وربهم، ~~ونواصينا ونواصيهم بيدك، فإذا غشوكم فثوروا في وجوههم» . # حدثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن سعيد بن عبد العزيز عمن ~~حدثه أن أبا الدرداء قال: أيها الناس: عمل صالح قبل الغزو فإنما تقاتلون ~~بأعمالكم. # حدثنا القاسم بن الحسن عن الحسن بن الربيع عن ابن المبارك عن حيوة بن ~~شريح قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا بعث أمراء الجيوش أوصاهم ~~بتقوى الله العظيم، ثم قال عند عقد الألوية: بسم الله وعلى عون الله وامضوا ~~بتأييد الله بالنصر وبلزوم الحق والصبر، فقاتلوا في سبيل الله من كفر بالله ~~ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. لا تجبنوا عند اللقاء ولا تمثلوا عند ~~القدرة ولا تسرفوا عند الظهور ولا تقتلوا هرما ولا امرأة ولا وليدا. # PageV01P185 # وتوقوا قتلهم إذا التقى الزحفان وعند حمة النهضات «1» وفي شن الغارات. ~~ولا تغلوا عند الغنائم ونزهوا الجهاد عن عرض الدنيا وابشروا بالرباح في ~~البيع الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم. # استشار قوم أكثم «2» بن صيفي في حرب قوم أرادوهم وسألوه أن يوصيهم فقال: ~~أقلوا الخلاف على أمرائكم، واعلموا أن كثرة الصياح من الفشل والمرء يعجز لا ~~محالة. تثبتوا فإن أحزم الفريقين الركين «3» ، وربت عجلة تعقب ريثا «4» ، ~~واتزروا للحرب وادرعوا الليل فإنه أخفى للويل، ولا جماعة لمن اختلف عليه. # وقال بعض الحكماء: قد جمع الله لنا أدب الحرب في قوله تعالى: يا أيها ~~الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ~~وأطيعوا # PageV01P186 # الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع ~~الصابرين # «1» . # حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن الأوزاعي ~~قال: قال عتبة بن ربيعة يوم بدر لأصحابه: ألا ترونهم- يعني أصحاب النبي صلى ~~الله عليه وسلم- جثيا على الركب كأنهم خرس يتلمظون تلمظ الحيات. قال: # وسمعتهم عائشة يكبرون يوم الجمل فقالت: لا تكثروا الصياح فإن كثرة ~~التكبير عند اللقاء من الفشل. # وذكر أبو حاتم عن العتبي عن أبي إبراهيم قال: أوصى أبو بكر رضي الله عنه ~~يزيد بن أبي سفيان حين وجهه إلى الشام فقال: يا يزيد، سر على بركة الله. ~~فإذا دخلت بلاد العدو فكن بعيدا من الحملة فإني لا آمن عليك الجولة، ~~واستظهر بالزاد وسر بالأدلاء ولا تقاتل بمجروح فإن بعضه ليس منه، واحترس من ~~البيات «2» فإن في العرب غرة، وأقلل من الكلام فإنما لك ما وعي عنك. وإذا ~~أتاك كتابي فأنفذه فإنما أعمل على حسب إنفاذه. وإذا قدمت عليك وفود العجم ~~فأنزلهم معظم عسكرك وأسبغ عليهم النفقة وامنع الناس عن محادثتهم ليخرجوا ~~جاهلين كما دخلوا جاهلين. ولا تلحن في عقوبة فإن أدناها وجع ولا تسرعن ~~إليها وأنت تكتفي بغيرها. واقبل من الناس علانيتهم وكلهم إلى الله في ~~سرائرهم. ولا تجسس عسكرك فتفضحه ولا تهمله فتفسده. وأستودعك الله الذي لا ~~تضيع ودائعه. # PageV01P187 # قال أبو بكر لعكرمة حين وجهه إلى عمان: يا عكرمة، سر على بركة الله ولا ~~تنزل على مستأمن ولا تؤمنن على حق مسلم وأهدر الكفر بعضه ببعض وقدم النذر ~~«1» بين يديك. ومهما قلت إني فاعل فافعله ولا تجعل قولك لغوا في عقوبة ولا ~~عفو، ولا ترج إذا أمنت ولا تخافن إذا خوفت ولكن انظر متى تقول وما تقول. ~~ولا تعدن معصية بأكثر من عقوبتنا فإن فعلت أثمت وإن تركت كذبت. ولا تؤمنن ~~شريفا دون أن يكفل بأهله ولا تكفلن ضعيفا أكثر من نفسه. # واتق الله فإذا لقيت فاصبر. # وأوصى عبد الملك بن صالح أمير سرية إلى بلاد الروم فقال: أنت تاجر الله ~~لعباده فكن كالمضارب الكيس «2» الذي إن وجد ربحا تجر، وإلا احتفظ برأس ~~المال. ولا تطلب الغنيمة حتى تحوز السلامة. وكن من احتيالك على عدوك أشد ~~حذرا من احتيال عدوك عليك. # وحدثني محمد بن عبيد عن ابن عيينة قال: أخبرني رجل من أهل المدينة أن ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لزيد بن حارثة أو لعمرو بن العاص: «إذا ~~بعثتك في سرية فلا تتنقهم واقتطعهم فإن الله ينصر القوم بأضعفهم» . # حدثني محمد بن عبيد عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال: ~~غزا نبي من الأنبياء أو غير نبي فقال: «لا يغزون معي رجل بنى بناء لم ~~يكمله، ولا رجل تزوج امرأة لم يبن بها، ولا رجل زرع زرعا ثم لم يحصده» . # وذكر ابن عباس عليا فقال: ما رأيت رئيسا يوزن به، لرأيته يوم صفين # PageV01P188 # وكأن عينيه سراجا سليط وهو يحمس أصحابه إلى أن انتهى إلي وأنا في كثف «1» ~~فقال: معشر المسلمين، إستشعروا الخشية وعنوا «2» الأصوات وتجلببوا السكينة ~~وأكملوا اللؤم وأخفوا الخوذ «3» وقلقلوا السيوف في أغمادها قبل السلة ~~والحظوا الشزر واطعنوا «4» النبر ونافحوا بالظبا وصلوا السيوف بالخطا ~~والرماح بالنبل وامشوا إلى الموت مشيا سجحا. وعليكم بهذا السواد الأعظم ~~والرواق المطنب فاضربوا ثبجه «5» فإن الشيطان راكد في كسره نافج خصييه ~~مفترش ذراعيه قد قدم للوثبة يدا وأخر للنكوص رجلا. # ولما ولى يزيد بن معاوية سلم بن زياد خراسان قال له: إن أباك كفى أخاه ~~عظيما، وقد استكفيتك صغيرا فلا تتكلن على عذر مني فقد اتكلت على كفاية منك. ~~وإياك مني قبل أن أقول إياي منك، فإن الظن إذا أخلف فيك أخلف منك. وأنت في ~~أدنى حظك فاطلب أقصاه، وقد أتعبك أبوك فلا تريحن نفسك، وكن لنفسك تكن لك، ~~واذكر في يومك أحاديث غدك ترشد إن شاء الله. # قال الأصمعي قالت أم جبغويه ملك طخارستان لنصر بن سيار الليثي: # ينبغي للأمير أن تكون له ستة أشياء: وزير يثق به ويفشي إليه سره، وحصن ~~يلجأ إليه إذا فزع فينجيه- يعني فرسا- وسيف إذا نازل به الأقران لم يخف ~~خونه، وذخيرة خفيفة المحمل إذا نابته نائبة أخذها، وامرأة إذا دخل عليها # PageV01P189 # أذهبت همه، وطباخ إذا لم يشته الطعام صنع له ما يشتهيه. # وبلغني عن عباد بن كثير عن عقيل بن خالد عن الزهري عن عبيد الله ابن عبد ~~الله عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الأصحاب ~~أربعة وخير السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف وما غلب قوم قط يبلغون ~~اثني عشر ألفا إذا اجتمعت كلمتهم» . وقال رجل يوم حنين: لن نغلب اليوم عن ~~قلة. وكانوا اثني عشر ألفا فهزم المسلمون يومئذ وأنزل الله عز وجل: ويوم ~~حنين إذ أعجبتكم كثرتكم # «1» الآية. # وقالوا كان يقال: ثلاث من كن فيه كن عليه: البغي، قال الله تعالى؛ يا ~~أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم # «2» والمكر، قال الله تعالى: # ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله # «3» والنكث، قال عز وجل: فمن نكث فإنما ينكث على نفسه # «4» . # وقرأت في كتاب للهند: لا ظفر مع بغي، ولا صحة مع نهم، ولا ثناء مع كبر، ~~ولا صداقة مع خب «5» ، ولا شرف مع سوء أدب، ولا بر مع شح، ولا اجتناب محرم ~~مع حرص، ولا محبة مع زهو، ولا ولاية حكم مع عدم فقه، # PageV01P190 # ولا عذر مع إصرار، ولا سلامة مع ريبة، ولا راحة قلب مع حسد، ولا سؤدد مع ~~انتقام، ولا رياسة مع غرارة وعجب، ولا صواب مع ترك المشاورة، ولا ثبات ملك ~~مع تهاون وجهالة وزراء. # خرجت خارجة بخراسان على قتيبة بن مسلم فأهمه ذلك فقيل له: ما يهمك منهم؟ ~~وجه إليهم وكيع بن أبي سود فإنه يكفيكهم. فقال: لا، إن وكيعا رجل به كبر ~~يحتقر أعداءه، ومن كان هكذا قلت مبالاته بعدوه فلم يحترس منه فيجد عدوه منه ~~غرة. # وقرأت في بعض كتب العجم أن ملكا من ملوكهم سئل: أي مكايد الحرب أحزم؟ ~~فقال: إذكاء العيون واستطلاع الأخبار وإفشاء الغلبة وإظهار السرور وأمانة ~~الفرق والاحتراس من البطانة من غير إقصاء لمن يستنصح ولا استنصاح لمن يستغش ~~ولا تحويل شيء عن شيء إلا بسد ناحية من المراتب وحسن مجاملة الظنون وإشغال ~~الناس عما هم فيه من الحرب بغيره. وسئل عن وثائق الحزم في القتال فقال: ~~مخاتلة العدو عن الريف وإعداد العيون على الرصد وإعطاء المبلغين على الصدق ~~ومعاقبة المتوصلين بالكذب وألا تحرج هاربا إلى قتال ولا تضيق أمانا على ~~مستأمن ولا تشب عن أصحابك للبغية ولا تشدهنك الغنيمة عن المحاذرة. # وقرأت في كتاب للهند: الحازم يحذر عدوه على كل حال. يحذر المواثبة إن ~~قرب، والغارة إن بعد، والكمين إن انكشف، والاستطراد إن ولى، والمكر إن رآه ~~وحيدا. ويكره القتال ما وجد بدا لأن النفقة فيه من الأنفس والنفقة في غيره ~~من المال. # وقرأت في الآيين: قد جرت السنة في المحاربة أن يوضع من كان من الجند أعسر ~~في الميسرة ليكون لقاؤه يسرا ورميه شزرا وأن يكون اللقاء من # PageV01P191 # الفرسان قدما وترك ذلك على حال ممايلة أو مجانبة وأن يرتاد للقلب مكانا ~~مشرفا ويلتمس وضعه فيه فإن أصحاب الميمنة والميسرة لا يقهرون ولا يغلبون ~~وإن زالتا بعض الزوال ما ثبت الماذيان «1» فإن زالت الماذيان لم ينتفع ~~بثبات الميمنة والميسرة. وإذا عي الجند فليناوش أهل الميمنة والماذيان فأما ~~الميسرة فلا يشذن منهم أحد إلا أن يبادر إليهم من العدو من يخاف بائقته ~~فيردون عاديتهم مع أن أصحاب الميمنة والماذيان لا يقدرون على لقاء من ~~يناوشهم والرجوع إلى أصحابهم عاطفين، وأصحاب الميسرة لا يقدرون على مناوشة ~~إلا مائلين ويعجزهم الرجوع عاطفين. ولا يألون صاحب الجيش على حال من الحال ~~أن يستدبر جنده عين الشمس والريح، ولا يحاربن جندا إلا على أشد الضرورة ~~وعلى حال لا يوجد معها من المحاربة بد، فإذا كان كذلك فليجهد صاحب الجيش أن ~~يدافع بالحرب إلى آخر النهار. وينبغي على كل حال أن يخلى بين المنهزمين ~~وبين الذهاب ولا يحبسوا. وإن كان الجند قد نزلوا على ماء وأراد العدو أن ~~ينالوا من الماء فليس من الرأي أن يحال بينهم وبينه لئلا يحرجوا إلى الجد ~~في محاربتهم. وإن كان العدو قد نزلوا بماء وأراد الجند غلبتهم عليه فإن وقت ~~طلب ذلك عند ري العدو من الماء وسقيهم دوابهم منه وعند حاجة الجند إليه، ~~فإن أسلس ما يكون الإنسان عن الشيء عند استغنائه عنه وأشد ما يكون طلبا ~~للشيء عند حاجته إليه. ولتسر الطلائع في قرار من الأرض ويقفوا على التلاع ~~ولا يجوزوا أرضا لم يستقصوا خبرها. # وليكمن الكمين في الخمر «2» والأماكن الخفية. وليطرح الحسك في المواضع # PageV01P192 # التي يتخوف فيها البيات. وليحترس صاحب الجيش من انتشار الخبر عنه فإن في ~~انتشاره فساد العسكر وانتقاضه. وإذا كان أكثر من في الجند من المقاتلة ~~مجربين ذوي حنكة وبأس فبدار العدو الجند إلى الوقعة خير للجند. وإذا كان ~~أكثرهم أغمارا ولم يكن من القتال بد فبدار الجند إلى مقاتلة العدو أفضل ~~للجند. وليس ينبغي للجند أن يقاتلوا عدوا إلا أن تكون عدتهم أربعة أضعاف ~~عدة العدو أو ثلاثة أضعافهم، فإن غزاهم عدوهم لزمهم أن يقاتلوهم بعد أن ~~يزيدوا على عدة العدو مثل نصف عدتهم. وإن توسط العدو بلادهم لزمهم أن ~~يقاتلوهم وإن كانوا أقل منهم، وينبغي أن ينتخب للكمين من الجند أهل جرأة ~~وشجاعة وتيقظ وصرامة وليس بهم أنين ولا سعال ولا عطاس ويختار لهم من الدواب ~~ما لا يصهل ولا ينهت «1» ، ويختار لكمونهم مواضع لا تغشى ولا تؤتى، قريبة ~~من الماء حتى ينالوا منه إن طال مكثهم، وأن يكون إقدامهم بعد الروية ~~والتشاور والثقة بإصابة الفرصة، ولا يخيفوا سباعا ولا طيرا ولا وحشا. وأن ~~يكون إيقاعهم كضريم الحريق، وليجتنبوا الغنائم ولينهضوا من المكمن متفرقين ~~إذا ترك العدو الحراسة وإقامة الرمايا، وإذا أونس من طلائعهم توان وتفريط ~~وإذا أمرجوا دوابهم في الرعي، وأشد ما يكون البرد في الشتاء وأشد ما يكون ~~الحر في الصيف. وأن يرفضوا ويفترقوا إذا ثاروا من مكمنهم بعد أن يستخير ~~بعضهم بعضا وأن يسرعوا الإيقاع بعدوهم ويتركوا التلبث والتلفت. # وينبغي للمبيتين أن يفترصوا البيات إذا هبت ريح أو أونس من نهر قريب منهم ~~خرير فإنه أجدر ألا يسمع لهم حس. وأن يتوخى بالوقعة نصف الليل أو أشد ما ~~يكون إظلاما. وأن يصير جماعة من الجند وسط عسكر العدو وبقيتهم حوله، ويبدأ ~~بالوقعة من يصير منهم في الوسط ليسمع بالضجة والضوضاء من # PageV01P193 # ذلك الموضع لا من حوله، وأن يشرد قبل الوقعة الأفره فالأفره من دوابهم ~~ويقطع أرسانها وتهمز بالرماح في أعجازها حتى تتحير وتعير ويسمع لها ضوضاء، ~~وأن يهتف هاتف ويقول: يا معشر أهل العسكر، النجاء النجاء فقد قتل قائدكم ~~فلان وقتل خلق وهرب خلق. ويقول قائل: أيها الرجل، استحيني لله. ويقول آخر: ~~العفو العفو. وآخر: أوه أوه، ونحو هذا من الكلام. وليعلم أنه إنما يحتاج في ~~البيات «1» إلى تحيير العدو وإخافته وليجتنبوا التقاط الأمتعة واستياق ~~الدواب وأخذ الغنائم. قال: وينبغي في محاصرة الحصون أن يستمال من يقدر على ~~استمالته من أهل الحصن والمدينة ليظفر منهم بخصلتين: # إحداهما استنباط أسرارهم، والأخرى إخافتهم وإفزاعهم بهم، وأن يدس منهم من ~~يصغر شأنهم ويؤيسهم من المدد ويخبرهم أن سرهم منتشر في مكيدتهم، وأن يفاض ~~حول الحصن ويشار إليه بالأيدي كأن فيه مواضع حصينة وأخر ذليلة ومواضع ينصب ~~المجانيق «2» عليها ومواضع تهيأ العرادات «3» لها ومواضع تنقب نقبا ومواضع ~~توضع السلالم عليها ومواضع يتسور منها ومواضع يضرم النار فيها ليملأهم ذلك ~~رعبا، ويكتب على نشابة «4» : إياكم أهل الحصن والاغترار وإغفال الحراسة، ~~عليكم بحفظ الأبواب فإن الزمان خبيث وأهله أهل غدر فقد خدع أكثر أهل الحصن ~~واستميلوا، ويرمى بتلك النشابة في الحصن ثم يدس لمخاطبتهم المنطيق «5» ~~المصيب الدهي الموارب المخاتل غير المهذار ولا المغفل. وتؤخر الحرب ما أمكن ~~ذلك فإن في المحاربة جرأد منهم على من # PageV01P194 # حاربهم ودليلا على الحيلة والمكيدة، فإن كان لا بد من المحاربة فليحاربوا ~~بأخف العدة وأيسر الآلة. وينبغي أن يغلب العدو على الأرض ذات الخمر «1» ~~والشجر والأنهار للمعسكر ومصاف الجنود ويخلى بين العدو وبين بساط الأرض ~~ودكادكها «2» . # وفي بعض كتب العجم أن بعض الحكماء سئل عن أشد الأمور تدريبا للجنود وشحذا ~~لها، فقال: إستعادة القتال وكثرة الظفر، وأن تكون لها مواد من ورائها ~~وغنيمة فيما أمامها؛ ثم الإكرام للجيش بعد الظفر والإبلاغ بالمجتهدين بعد ~~المناصبة، والتشريف للشجاع على رؤوس الناس. # قال المدائني: قال نصر بن سيار: كان عظماء الترك يقولون: القائد العظيم ~~ينبغي أن تكون فيه خصال من أخلاق الحيوان: شجاعة الديك، وتحنن الدجاجة، ~~وقلب الأسد، وحملة الخنزير، وروغان الثعلب، وختل الذئب. وكان يقال في صفة ~~الرجل الجامع: له وثبة الأسد، وروغان الثعلب، وختل الذئب وجمع الذرة، وبكور ~~الغراب. # وكان يقال: أصلح الرجال للحرب المجرب الشجاع الناصح. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن أبي الأصم قال: قيل لعمرو بن معاوية ~~العقيلي وكان صاحب صوائف: بم ضبطت الصوائف؟ أي الثغور قال: # بسمانة الظهر وكثرة الكعك والقديد «3» . وفي كتاب الآيين: ليكن أول ما ~~تحمله معك خبزا ثم خبزا. وإياك والمفارش والثياب. أبو اليقظان قال: قال ~~شبيب الخارجي: الليل يكفيك الجبان ونصف الشجاع. وكان إذا أمسى قال # PageV01P195 # لأصحابه: أتاكم المدد، يعني الليل. وقيل لبعض الملوك: بيت عدوك. قال: # أكره أن أجعل غلبتي سرقة. # المدائني قال: لما اشتغل عبد الملك بمحاربة مصعب بن الزبير اجتمع وجوه ~~الروم إلى ملكهم فقالوا: قد أمكنتك الفرصة من العرب بتشاغل بعضهم ببعض، ~~فالرأي أن تغزوهم في بلادهم. فنهاهم عن ذلك وخطأ رأيهم، ودعا بكلبين فأرش ~~«1» بينهما فاقتتلا قتالا شديدا، ثم دعا بثعلب فخلاه بينهما، فلما رأى ~~الكلبان الثعلب تركا ما كانا فيه وأقبلا على الثعلب حتى قتلاه، فقال لهم ~~ملك الروم: هذا مثلنا ومثلهم. فعرفوا صدقه وحسن رأيه ورجعوا عن رأيهم. # وأوصى بعض الحكماء ملكا فقال: لا يكن العدو الذي قد كشف لك عن عداوته ~~بأخوف عندك من الظنين الذي يستتر لك بمخاتلته، فإنه ربما تخوف الرجل السم ~~الذي هو أقتل الأشياء وقتله الماء الذي يحيي الأشياء، وربما تخوف أن يقتله ~~الملوك التي تملكه ثم قتلته العبيد التي يملكها. فلا تكن للعدو الذي تناصب ~~بأحذر منك للطعام الذي تأكل. وأنا لكل أمر أخذت منه نذيرك وإن عظم آمن مني ~~من كل أمر عريته من نذيرك وإن صغر. واعلم أن مدينتك حرز من عدوك، ولا مدينة ~~تحرز فيها من طعامك وشرابك ولباسك وطيبك، وليست من هذه الأربع واحدة إلا ~~وقد تقتل بها الملوك. # وذكر عبد الملك بن صالح الهاشمي أن خالد بن برمك، حين فصل مع قحطبة من ~~خراسان، بينا هو على سطح بيت في قرية قد نزلاها وهم يتغدون نظر إلى الصحراء ~~فرأى أقاطيع ظباء قد أقبلت من جهة الصحارى حتى كادت تخالط العسكر، فقال ~~لقحطبة: أيها الأمير ناد في الناس: يا خيل الله اركبي، # PageV01P196 # فإن العدو قد نهد إليك وحث، وغاية أصحابك أن يسرجوا ويلجموا قبل أن يروا ~~سرعان الخيل، فقام قحطبة مذعورا فلم ير شيئا يروعه ولم يعاين غبارا، فقال ~~لخالد: ما هذا الرأي؟ فقال خالد: أيها الأمير، لا تتشاغل بي وناد في الناس. ~~أما ترى أقاطيع الوحش قد أقبلت وفارقت مواضعها حتى خالطت الناس؟ إن وراءها ~~لجمعا كثيفا. قال: فوالله ما أسرجوا ولا ألجموا حتى رأوا ساطع الغبار ~~فسلموا، ولولا ذلك لكان الجيش قد اصطلم. # وقال بعض الحكماء لبعض الملوك: آمرك بالتقدم والأمر ممكن، وبالإعداد لغد ~~من قبل دخولك في غد كما تعد السلاح لمن تخاف أن يقاتلك وعسى ألا يقاتلك، ~~وكما تأخذ عتاد البناء من قبل أن تصيبه السماء وأنت تدري لعلها لا تصيبه، ~~بل كما تعد الطعام لعدد الأيام وأنت لا تدري لعلك لا تأكله. وكان يقال: كل ~~شيء طلبته في وقته فقد مضى وقته. # وقرأت في كتاب سير العجم أن فيروز بن يزدجرد بن بهرام لما ملك سار بجنوده ~~نحو خراسان ليغزو اخشنوار ملك الهياطلة ببلخ، فلما انتهى إلى بلاده اشتد ~~رعب اخشنوار منه وحذره له، فناظر أصحابه ووزراءه في أمره، فقال له رجل ~~منهم: أعطني موثقا وعهدا تطمئن إليه نفسي أن تكفيني أهلي وولدي وتحسن إليهم ~~وتخلفني فيهم، ثم اقطع يدي ورجلي وألقني على طريق فيروز حتى يمر بي هو ~~وأصحابه فأكفيك مؤونتهم وشوكتهم وأورطهم مورطا تكون فيه هلكتهم. فقال له ~~اخشنوار: وما الذي تنتفع به من سلامتنا وصلاح حالنا إذا أنت قد هلكت ولم ~~تشركنا في ذلك؟ قال: إني قد بلغت ما كنت أحب أن أبلغه من الدنيا وأنا موقن ~~بأن الموت لا بد منه وإن تأخر أياما قلائل، فأحب أن أختم عمري بأفضل ما ~~تختم به الأعمار من النصيحة لإخواني والنكاية في عدوي فيشرف بذلك عقبى ~~وأصيب سعادة ووحظوة فيما # PageV01P197 # أمامي، ففعل به ذلك وأمر به فألقي حيث وصف له. فلما مر به فيروز سأله عن ~~أمره فأخبره أن اخشنوار فعل ذلك به وأنه احتال حتى حمل إلى ذلك الموضع ~~ليدله على عورته وغرته وقال: إني أدلك على طريق هو أقرب من هذا الذي تريدون ~~سلوكه وأخفى، فلا يشعر اخشنوار حتى تهجموا عليه فينتقم الله لي منه بكم، ~~وليس في هذا الطريق من المكروه إلا تفويز يومين ثم تفضون إلى كل ما تحبون. ~~فقبل فيروز قوله بعد أن أشار عليه وزراؤه بالاتهام له والحذر منه وبغير ~~ذلك، فخالفهم وسلك الطريق حتى انتهى بهم إلى موضع من المفازة لا صدر عنه ثم ~~بين لهم أمره فتفرقوا في المفازة يمينا وشمالا يلتسمون الماء فقتل العطش ~~أكثرهم ولم يخلص مع فيروز منهم إلا عدة يسيرة فإنهم انطلقوا معه حتى أشرفوا ~~على أعدائهم وهم مستعدون لهم فواقعهم على تلك الحالة وعلى ما بهم من الضر ~~والجهد فاستمكنوا منهم وأعظموا النكاية فيهم، ثم رغب فيروز إلى اخشنوار ~~وسأله أن يمن عليه وعلى من بقي من أصحابه على أن يجعل لهم عهد الله وميثاقه ~~ألا يغزوه أبدا فيما يستقبل من عمره وعلى أنه يحد فيما بينه وبين مملكته ~~حدا لا تجاوزه جنوده، فرضي اخشنوار بذلك وخلى سبيله وانصرف إلى مملكته، ~~فمكث فيروز برهة من دهره كئيبا ثم حمله الأنف على أن يعود لغزوه ودعا ~~أصحابه إلى ذلك فردوه عنه وقالوا: إنك قد عاهدته ونحن نتخوف عليك عاقبة ~~البغي والغدر مع ما في ذلك من العار وسوء المقالة. فقال لهم: إني إنما شرطت ~~له ألا أجوز الحجر الذي جعلته بيني وبينه فأنا آمر بالحجر ليحمل على عجلة ~~أمامنا. # فقالوا له: أيها الملك، إن العهود والمواثيق التي يتعاطاها الناس بينهم ~~لا تحمل على ما يسر المعطي لها ولكن على ما يعلن المعطى، وإنك إنما جعلت له ~~عهد الله وميثاقه على الأمر الذي عرفه لا على أمر لم يخطر بباله. فأبى # PageV01P198 # فيروز ومضى في غزاته حتى انتهى إلى الهياطلة وتصاف الفريقان للقتال فأرسل ~~اخشنوار إلى فيروز يسأله أن يبرز فيما بين صفيهم ليكلمه، فخرج إليه فقال له ~~اخشنوار قد ظننت أنه لم يدعك إلى غزونا إلا الأنف مما أصابك. # ولعمري لئن كنا احتلنا لك بما رأيت، لقد كنت التمست منا أعظم منه، وما ~~ابتدأناك ببغي ولا ظلم ولا أردنا إلا دفعك عن أنفسنا وعن حريمنا، ولقد كنت ~~جديرا أن تكون، من سوء مكافأتنا بمننا عليك وعلى من معك من نقض العهد ~~والميثاق الذي وكدت على نفسك، أعظم أنفا وأشد امتعاضا مما نالك منا، فإنا ~~أطلقناكم وأنتم أسرى ومننا عليكم وأنتم مشرفون على الهلكه وحقنا دماءكم ~~وبنا قدرة على سفكها، وإنا لم نجبرك على ما شرطت لنا بل كنت أنت الراغب ~~إلينا فيه والمريد لنا عليه ففكر في ذلك وميل بين هذين الأمرين فانظر أيهما ~~أشد عارا وأقبح سماعا، إن طلب رجل أمرا فلم يتح له وسلك سبيلا فلم يظفر ~~فيها ببغيته واستمكن منه عدوه على حال جهد وضيعة منه وممن معه، فمن عليهم ~~وأطلقهم على شرط شرطوه وأمر اصطلحوا عليه فاضطر لمكروه القضاء واستحيا من ~~النكث والغدر أن يقال امرؤ نكث العهد وختر «1» الميثاق. مع أني قد ظننت أنه ~~يزيدك نجاحا ما تثق به من كثرة جنودك وما ترى من حسن عدتهم وطاعتهم لك، وما ~~أجدني أشك أنهم أو أكثرهم كارهون لما كان من شخوصك بهم عارفون بأنك قد ~~حملتهم على غير الحق ودعوتهم إلى ما يسخط الله، فهم في حربنا غير مستبصرين ~~ونياتهم في مناصحتك اليوم مدخولة، فانظر ما قدر غناء من يقاتل على مثل هذه ~~الحال، وما عسى أن تبلغ نكايته في عدوه إذا كان عارفا بأنه. إن ظفر فمع عار ~~وإن قتل # PageV01P199 # فإلى النار، فأنا أذكرك الله الذي جعلته على نفسك كفيلا ونعمتي عليك وعلى ~~من معك بعد يأسكم من الحياة وإشفائكم على الممات، وأدعوك إلى ما فيه حظك ~~ورشدك من الوفاء بالعهد والاقتداء بآبائك الذين مضوا على ذلك في كل ما ~~أحبوه أو كرهوه، فأحمدوا عواقبه وحسن عليهم أثره، ومع ذلك إنك لست على ثقة ~~من الظفر بنا والبلوغ لنهمتك فينا وإنما تلتمس منا أمرا نلتمس منك مثله ~~وتناويء عدوا لعله يمنح النصر عليك فقد بالغت في الاحتجاج عليك وتقدمت في ~~الإعذار إليك ونحن نستظهر بالله الذي اعتززنا به ووثقنا بما جعلته لنا من ~~عهده إذا استظهرت بكثرة جنودك وازدهتك عدة أصحابك، فدونك هذه النصيحة ~~فوالله. ما كان أحد من نصحائك ببالغ لك أكثر منها ولا زائد لك عليها، ولا ~~يحرمنك منفعتها مخرجها مني فإنه لا يزري بالمنافع عند ذوي الرأي أن كانت من ~~قبل الأعداء كما لا يحبب المضار إليهم أن تكون على أيدي الأولياء. واعلم ~~أنه ليس يدعوني إلى ما تسمع من مقالتي ضعف أحسه من نفسي ولا قلة من جنودي، ~~ولكني أحببت أن أزداد حجة واستظهارا، وأزداد به من الله للنصر والمعونة ~~استيجابا ولا أؤثر على العافية والسلامة شيئا ما وجدت إليهما سبيلا، فأبى ~~فيروز إلا تعلقا بحجته في الحجر الذي جعله حدا بينه وبينه وقال: لست ممن ~~يردعه عن الأمر يهم به وعيد ولا يقتاده التهدد والترهيب، ولو كنت أرى ما ~~أطلبك غدرا مني ما كان أحد أنظر ولا أشد اتقاء مني على نفسي فلا يغرنك منا ~~الحال التي صادفتنا عليها في المرة الأولى من القلة والجهد والضعف. قال ~~اخشنوار: لا يغرنك ما تخدع به نفسك من حملك الحجر أمامك، فإن الناس لو ~~كانوا يعطون العهود على ما تصف من إسرار أمر وإعلان آخر، إذا ما كان ينبغي ~~لأحد أن يغتر بأمان ولا يثق بعهد، وإذا لما قبل الناس شيئا مما يعطونه من ~~ذلك، ولكنه وضع على العلانية وعلى نية من تعقد العهود والشروط له. فانصرفا ~~يومهما ذلك فقال فيروز لأصحابه: # PageV01P200 # لقد كان اخشنوار حسن المحاورة. وما رأيت للفرس الذي كان تحته نظيرا في ~~الدواب فإنه لم يزل قوائمه ولم يرفع حوافره عن موضعها ولا صهل ولا أحدث ~~شيئا يقطع به المحاورة في طول ما تواقفنا. وقال اخشنوار لأصحابه: لقد واقفت ~~فيروز كما علمتم وعليه السلاح كله فلم يحرك رأسه ولم ينزع رجله من ركابه ~~ولا حنا ظهره ولا التفت يمينا ولا شمالا، ولقد توركت أنا مرارا وتمطيت على ~~فرسي وتلفت إلى من خلفي ومددت بصري أمامي وهو منتصب ساكن على حاله، ولولا ~~محاورته إياي لظننت أنه لا يبصرني. وإنما أرادا بما وصفا من ذلك أن ينتشر ~~هذان الحديثان في أهل عسكريهما فيشغلوا بالإفاضة فيهما عن النظر فيما ~~تذاكراه. فلما كان في اليوم الثاني أخرج اخشنوار الصحيفة التي كتبها لهم ~~فيروز، فرفعها على رمح لينظر إليها أهل عسكر فيروز فيعرفون غدره وبغيه ~~ويخرجون من متابعته، فانتقض عسكر فيروز واختلفوا وما لبثوا إلا يسيرا حتى ~~انهزموا وقتل منهم خلق كثير وهلك فيروز، فقال اخشنوار: لقد صدق الذي قال: ~~لا راد لما قدر، ولا أشد إحالة لمنافع الرأي من الهوى واللجاج، ولا أضيع من ~~نصيحة يمنحها من لا يوطن نفسه على قبولها والصبر على مكروهها، ولا أسرع ~~عقوبة ولا أسوأ عاقبة من البغي والغدر، ولا أجلب لعظيم العار والفضوح من ~~إفراط الفخر والأنفة. # وقال أبو اليقظان: لما خرج شبيب «1» بن يزيد بن نعيم الخارجي بالموصل بعث ~~إليه الحجاج قائدا فقتله ثم قائدا فقتله كذلك حتى أتى على # PageV01P201 # خمسة قواد قتلهم وهزم جيوشهم وكان أحد القواد موسى بن طلحة بن عبيد الله، ~~ثم خرج شبيب من الموصل يريد الكوفة وخرج الحجاج من البصرة يريد الكوفة فطمع ~~شبيب أن يلقى الحجاج قبل أن يصل إلى الكوفة فأقحم الحجاج خيله فدخل الكوفة ~~قبله، ومر شبيب بعتاب بن ورقاء فقتله ومر بعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ~~فهرب منه، وقدم شبيب الكوفة وآلى ألا يبرح عنها أو يلقى الحجاج فيقتله أو ~~يقتل دونه؛ فخرج الحجاج إليه في خيله، فلما قرب منه عمد إلى سلاحه فألبسه ~~أبا الورد مولاه وحمله على الدابة التي كان عليها، فلما تواقفا قال شبيب: ~~أروني الحجاج، فأومأ له إلى أبي الورد فحمل عليه فقتله، ثم خرج من الكوفة ~~يريد الأهواز فغرق في دجيل وهو يقول: ذلك تقدير العزيز العليم # «1» . ### | الأوقات التي تختار للسفر والحرب # حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق عن عبد ~~الله بن أبي بكر عن الزهري قال: كان أحب الأيام إلى رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم أن يعقد فيه رايته يوم الخميس، وكان أحب الأيام إلى رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم أن يسافر فيه يوم الخميس. # وقالت العجم: أخر الحرب ما استطعت فإن لم تجد بدا فاجعل ذلك آخر النهار. # وحدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن ابن عون عن محمد ~~بن سيرين أن النعمان بن مقرن قال لأصحابه: إني لقيت مع # PageV01P202 # رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان من أحب ما يلقى فيه إذا لم يلق في أول ~~النهار إذا زالت الشمس وحلت الصلاة وهبت الرياح ودعا المسلمون. ويروي قوم ~~عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان يكره الحجامة «1» والابتداء بعمل ~~في محاق القمر وفي حلوله في برج العقرب. وقال بعضهم: كنت مع عمر بن عبد ~~العزيز فوق سطح وهو يريد الركوب، فنظرت فإذا القمر بالدبران «2» فقلت: # أنظر إلى القمر ما أحسن استواءه! فرفع رأسه ثم نظر فرأى منزلته فضحك، ~~وقال إنما أردت أن ننظر إلى منزلته، وإنا لا نقيم لشمس ولا لقمر ولكنا نسير ~~بالله الواحد القهار. وكان يقال: يوم السبت يوم مكر وخديعة، ويوم الأحد يوم ~~غرس وبناء، ويوم الإثنين يوم سفر وابتغاء رزق، ويوم الثلاثاء يوم حرب ودم، ~~ويوم الأربعاء يوم الأخذ والإعطاء، ويوم الخميس يوم دخول على الأمراء وطلب ~~الحوائج، ويوم الجمعة يوم خطب ونكاح. ### | الدعاء عند اللقاء # حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا معاوية بن أبي إسحاق عن أبي رجاء قال: كان ~~النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا اشتدت حلقة البلاء وكانت الضيقة: «تضيقي ~~تفرجي» ثم يرفع يديه فيقول: «بسم الله الرحمن الرحيم لا حول ولا قوة إلا ~~بالله العلي العظيم اللهم إياك نعبد وإياك نستعين اللهم كف عنا بأس الذين ~~كفروا إنك أشد بأسا وأشد تنكيلا» فما يخفض يديه المباركتين حتى ينزل الله ~~النصر. # وحدثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن موسى بن عقبة # PageV01P203 # عن سالم أبي النضر مولى عمرو بن عبيد الله وكان كاتبا له، قال: كتب عبد ~~الله بن أبي أوفى حين خرج إلى الحرورية «1» أن النبي صلى الله عليه وسلم في ~~بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى مالت الشمس ثم قام في الناس فقال: ~~«لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاثبتوا ~~واصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف» ثم قال: «اللهم منزل الكتاب ~~ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم» وقال أبو النصر: وبلغنا ~~أنه دعا في مثل ذلك فقال: «اللهم أنت ربنا وربهم وهم عبيدك ونحن عبيدك ~~ونواصينا ونواصيهم بيدك فاهزمهم وانصرنا عليهم» . # حدثني محمد بن عبيد قال: لما صاف قتيبة بن مسلم الترك وهاله أمرهم سأل عن ~~محمد بن واسع ما يصنع؟ قالوا: هو في أقصى الميمنة جانح على سية «2» قوسه ~~ينضنض «3» بإصبعه نحو السماء. فقال قتيبة: تلك الإصبع الفاردة أحب إلي من ~~مائة ألف سيف شهير وسنان طرير. فلما فتح الله عليهم قال لمحمد: ما كنت ~~تصنع؟ قال: كنت آخذ لك بمجامع الطرق. ### | الصبر وحض الناس يوم اللقاء عليه # حدثني سهل بن محمد قال: حدثنا الأصمعي قال: كان عاصم بن الحدثان رجلا من ~~العرب عالما قديما وكان رأس الخوارج بالبصرة وربما جاءه # PageV01P204 # الرسول منهم من الجزيرة يسأله عن بعض الأمر يختصمون فيه فمر به الفرزدق ~~فقال لابنه: أنشد أبا فراس، فأنشده: [كامل] # وهموا إذا كسروا الجفون أكارم ... صبر وحين تحلل الأزرار # يغشون حومان المنون وإنها ... في الله عند نفوسهم لصغار # يمشون في الخطي «1» لا يثنيهم ... والقوم إذ ركبوا الرماح تجار # فقال له الفرزدق: ويحك! أكتم هذا لا يسمعه النساجون فيخرجوا علينا ~~بحفوفهم «2» . فقال عاصم: يا فرزدق، هذا شاعر المؤمنين وأنت شاعر الكافرين. # حدثنا سهل قال: حدثنا الأصمعي قال: قال سليط بن سعد: قال بسطام ابن قيس ~~لقومه: تردون على قوم آثارهم آثار نساء وأصواتهم أصوات صردان «3» ولكنهم ~~صبر على الشر. يعني بني يربوع. وفي هؤلاء يقول معاوية: لو أن النجوم تناثرت ~~لسقط قمرها في حجور بني يربوع. قال الأصمعي قلت لسليط: أكان عتيبة بن ~~الحارث ضخما؟ قال: لا، ولا من قوم ضحام. يعني بني يربوع. # وقال عمر بن الخطاب لبني عبس: كم كنتم يوم الهباءة «4» ؟ فقال: كنا مائة # PageV01P205 # كالذهب، لم نكثر فنتواكل ولم نقل فنذل. قال: فكيف كنتم تقهرون من ناوأكم ~~ولستم بأكثر منهم عددا ولا مالا؟ قال: كنا نصبر بعد اللقاء هنيهة. # قال: فلذلك إذا. قيل لعنترة العبسي: كم كنتم يوم الفروق؟ «1» قال: كنا ~~مائة لم نكثر فنفشل ولم نقل فنذل. وكان يقال: النصر مع الصبر. ومن أحسن ما ~~قيل في الصبر، قول نهشل «2» بن حري بن ضمرة: [طويل] # ويوم كأن المصطلين بحره ... وإن لم تكن نار قيام على الجمر # صبرنا له حتى يبوخ وإنما ... تفرج أيام الكريهة بالصبر # ومثله قول الآخر: [طويل] # بكى صاحبي لما رأى الموت فوقنا ... مطلا كإطلال السحاب إذا اكفهر # فقلت له لا تبك عينك إنما ... يكون غدا حسن الثناء لمن صبر # فما أخر الإحجام يوما معجلا ... ولا عجل الإقدام ما أخر القدر # فآسى على حال يقل بها الأسى ... وقاتل حتى استبهم الورد والصدر # وكر حفاظا خشية العار بعد ما ... رأى الموت معروضا على منهج المكر # وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لخالد بن الوليد حين وجهه: # احرص على الموت توهب لك الحياة. وتقول العرب: الشجاع موقى. وقالت ~~الخنساء: [متقارب] # نهين النفوس وهون النفو ... س يوم الكريهة أوقى لها # PageV01P206 # وقال يزيد «1» بن المهلب: [طويل] # تأخرت أستبقى الحياة فلم أجد ... لنفسي حياة مثل أن أتقدما # وقال قطري «2» بن الفجاءة: [وافر] # وقولي كلما جشأت وجاشت ... من الأبطال ويحك لا تراعي # فإنك لو سألت حياة يوم ... سوى الأجل الذي لك لم تطاعي» # وقال معاوية بن أبي سفيان: شجعني على علي بن أبي طالب قول عمرو «4» بن ~~الإطنابة: [وافر] # أبت لي عفتي وأبى «5» بلائي ... وأخذي الحمد بالثمن الربيح # وإقدامي على المكروه نفسي ... وضربي هامة البطل المشيح # وقولي، كلما جشأت، لنفسي ... مكانك تحمدي أو تستريحي # لأدفع عن مآثر صالحات ... وأحمي بعد عن عرض صحيح # PageV01P207 # أبت لي أن أقضي في فعالي ... وأن أغضي على أمر قبيح # وقال ربيعة «1» بن مقروم: [كامل] # ودعوا نزال فكنت أول نازل ... وعلام أركبه إذا لم أنزل؟ # وكان خالد بن الوليد يسير في الصفوف يذمر «2» الناس ويقول: يا أهل ~~الإسلام، إن الصبر عز وإن الفشل عجز وإن النصر مع الصبر. وقال بعض أبطال ~~العرب: [رجز] # إن الشواء والنشيل «3» والرغف ... والقينة الحسناء والكأس الأنف # للضاربين الخيل والخيل قطف # وقال أعرابي: الله يخلف ما أتلف الناس، والدهر يتلف ما جمعوا، وكم من ~~ميتة علتها طلب الحياة، وحياة سببها التعرض للموت. ومثله قول أبي بكر ~~الصديق لخالد: إحرص على الموت توهب لك الحياة. # قدمت منهزمة الروم على هرقل وهو بأنطاكية، فدعا رجالا من عظمائهم فقال: ~~ويحكم! أخبروني ما هؤلاء الذين تقاتلونهم؟ أليسوا بشرا مثلكم؟ قالوا: # بلى. يعني العرب. قال: فأنتم أكثر أم هم؟ قالوا: بل نحن أكثر منهم أضعافا ~~في كل موطن. قال: ويلكم! فما بالكم تنهزمون كلما لقيتموهم؟ فسكتوا، فقال ~~شيخ منهم: أنا أخبرك، أيها الملك، من أين تؤتون. قال: أخبرني. # PageV01P208 # قال: إذا حملنا عليهم صبروا وإذا حملوا علينا صدقوا، ونحمل عليهم فنكذب ~~ويحملون علينا فلا نصبر. قال: ويلكم فما بالكم كما تصفون وهم كما تزعمون؟ ~~قال الشيخ: ما كنت أراك إلا وقد علمت من أين هذا؟ قال له: من أين هو؟ قال: ~~لأن القوم يصومون بالنهار ويقومون بالليل ويوفون بالعهد ويأمرون بالمعروف ~~وينهون عن المنكر ولا يظلمون أحدا ويتناصفون بينهم، ومن أجل أنا نشرب الخمر ~~ونزني ونركب الحرام وننقض العهد ونغصب ونظلم ونأمر بما يسخط الله وننهى عما ~~يرضي الله ونفسد في الأرض. قال: # صدقتني، والله لأخرجن من هذه القرية فما لي في صحبتكم خير وأنتم هكذا. # قالوا: نشهدك الله، أيها الملك. تدع سورية وهي جنة الدنيا وحولك من الروم ~~عدد الحصى والتراب ونجوم السماء ولم يؤت عليهم؟. ### | ذكر الحرب # قالت العرب: الحرب غشوم، لأنها تنال غير الجاني. وقال الكميت «1» : ~~[بسيط] # الناس في الحرب شتى وهي مقبلة ... ويستوون إذا ما أدبر القبل # كل بأمسيها طب مولية ... والعالمون بذي غدويها قلل # وقال عمر بن الخطاب رحمه الله لعمرو بن معد يكرب «2» : أخبرني عن الحرب. ~~قال: مرة المذاق إذا قلصت عن ساق، من صبر فيها عرف ومن # PageV01P209 # ضعف عنها تلف. وهي كما قال الشاعر: [كامل] # الحرب أول ما تكون فتية ... تسعى بزينتها لكل جهول «1» # حتى إذا استعرت وشب ضرامها ... عادت عجوزا غير ذات خليل # شمطاء جزت رأسها وتنكرت ... مكروهة للثم والتقبيل # كان يزيد بن عمر بن هبيرة يحب أن يضع «2» من نصر بن سيار «3» فكان لا ~~يمده بالرجال ولا يرفع ما يرد عليه من أخبار خراسان، فلما كثر ذلك على نصر ~~قال: [وافر] # أرى خلل الرماد وميض جمر ... ويوشك أن يكون له ضرام # فإن النار بالعودين تذكى ... وإن الحرب أولها الكلام # فإن لم يطفها عقلاء قوم ... يكون وقودها جثث وهام # فقلت من التعجب ليت شعري ... أأيقاظ أمية «4» أم نيام # ونحو قوله: «الحرب أولها الكلام» قول حذيفة: إن الفتنة تلقح بالنجوى ~~وتنتج بالشكوى. # العتبي عن أبيه قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لابنه الحسن: يا ~~بني لا تدعون أحدا إلى البراز، ولا يدعونك أحد إليه إلا أجبته فإنه بغي. # PageV01P210 ### | في العدة والسلاح # حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن يزيد بن خصيفة عن ~~السائب بن يزيد- فيما حفظت إن شاء الله- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ~~عليه درعان يوم أحد. قيل لعباد بن الحصين وكان أشد رجال أهل البصرة: في أي ~~عدة تحب أن تلقى عدوك؟ قال: في أجل مستأخر. # حدثني زياد بن يحيى قال: حدثنا بشر بن المفضل قال: حدثنا داود بن أبي هند ~~عن عكرمة قال: لما كانت ليلة الأحزاب قالت الجنوب للشمال: # انطلقي بنا نمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت الشمال: إن الحرة لا ~~تسري بالليل، فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا. # حدثني سهل بن محمد قال: حدثنا الأصمعي قال: حدثنا ابن أبي الزناد قال: ~~ضرب الزبير بن العوام يوم الخندق عثمان بن عبد الله بن المغيرة فقطه إلى ~~القربوس «1» فقالوا: ما أجود سيفك! فغضب، يريد أن العمل ليده لا لسيفه. # وقال الوليد بن عبيد البحتري يصف سيفا: [كامل] # ماض وإن لم تمضه يد فارس ... بطل ومصقول وإن لم يصقل # متوقد يفري بأول ضربة ... ما أدركت ولو انها في يذبل «2» # PageV01P211 # وقال آخر: [طويل] # وما السيف إلا بز «1» غاد لزينة ... إذا لم يكن أمضى من السيف حامله # رئي الجراح بن عبد الله في بعض الحروب وقد ظاهر بين درعين، فقيل له في ~~ذلك. فقال: إني لست أقي بدني وإنما أقي صبري. واشترى يزيد بن حاتم أدرعا ~~وقال: إني لم أشتر أدراعا إنما اشتريت أعمارا. # وقال حبيب بن المهلب: ما رأيت رجلا في الحرب مستلئما إلا كان عندي رجلين، ~~ولا رأيت حاسرين إلا كانا عندي واحدا. فسمع هذا الحديث بعض أهل المعرفة ~~فقال: صدق، إن للسلاح فضيلة. أما تراهم ينادون عند الصريخ: السلاح السلاح ~~ولا ينادون: الرجال الرجال؟ قال المهلب لبنيه: يا بني، لا يقعدن أحد منكم ~~في السوق، فإن كنتم لا بد فاعلين فإلى زراد أو سراج أو وراق. وقال عمر بن ~~الخطاب رضي الله عنه لعمرو بن معد يكرب: # أخبرني عن السلاح. قال: سل عما شئت منه. قال: الرمح؟ قال: أخوك وربما ~~خانك. قال النبل؟ قال: منايا تخطىء وتصيب. قال: الترس؟ قال: ذاك المجن ~~وعليه تدور الدوائر. قال: الدرع؟ قال: مثقلة للراجل متعبة للفارس، وإنها ~~لحصن حصين. قال: السيف؟ قال: ثم، قارعتك أمك عن الثكل. قال عمر: بل أمك. ~~قال: الحمى أضرعتني لك «2» . # وقال الطائي «3» يصف الرماح: [بسيط] # مثقفات سلبن الروم زرقتها ... العرب سمرتها والعاشق القضفا «4» # PageV01P212 # وقال دعبل «1» يصف الرمح: [سريع] # وأسمر في رأسه أزرق ... مثل لسان الحية الصادي «2» # وقال الشاعر: [بسيط] # تلمظ السيف من شوق إلى أنس ... فالموت يلحظ والأقدار تنتظر # أظله منك حتف قد تجلله ... حتى يؤامر فيه رأيك القدر # أمضى من السيف إلا عند قدرته ... وليس للسيف عفو حين يقتدر # وقال آخر: [طويل] # متى تلقني يعدو ببزي «3» مقلص ... كميت بهيم أو أغر محجل # تلاق امرأ إن تلقه فبسيفه ... تعلمك الأيام ما كنت تجهل # وقال علي رضي الله عنه: بقية السيف أبقى عددا وأكثر ولدا. وفي الحديث ~~«بقية السيف مباركة» يعني أن من نجا من ضربة السيف ينمو عدده ويكثر ولده. ~~وقال المهلب: ليس شيء أنمى من سيف. ويقال: لا مجد أسرع من مجد سيف. # وكانت درع علي رضي الله عنه صدرا لا ظهر لها فقيل لها في ذلك فقال: إذا ~~استمكن عدوي من ظهري فلا يبق. وقال أبو الشيص «4» : # PageV01P213 # [خفيف] # ختلته المنون «1» بعد اختيال ... بين صفين من قنا ونصال # في رداء من الصفيح صقيل ... وقميص من الحديد مذال «2» # بلغ أبا الأغر أن أصحابه بالبادية قد وقع بينهم شر فبعث ابنه الأغر وقال: ~~يا بني، كن يدا لأصحابك على من قاتلهم، وإياك والسيف فإنه ظل الموت، واتق ~~الرمح فإنه رشاء «3» المنية، ولا تقرب السهام فإنها رسل لا تؤامر مرسلها. ~~قال: فبماذا أقاتل؟ قال: بما قال الشاعر: [طويل] # جلاميد يملأن الأكف كأنها ... رؤوس رجال حلقت في المواسم # وقال الخريمي «4» في بغداد أيام الفتنة: [منسرح] # يا بؤس بغداد دار مملكة ... دارت على أهلها دوائرها # أمهلها الله ثم عاقبها ... لما أحاطت بها كبائرها «5» # رق بها الدين واستخف بذي ال ... فضل وعز الرجال فاجرها # PageV01P214 # وصار رب الجيران فاسقهم ... وابتز أمن الدروب شاطرها # يحرق هذا وذا يهدمها ... ويشتفي بالنهاب داعرها # والكرخ «1» أسواقها معطلة ... يستن شذابها وعائرها # أخرجت الحرب من أساقطهم ... آساد غيل غلبا تساورها # من البواري «2» تراسها ومن ال ... خوص إذا استلأمت مغافرها # لا الرزق تبغي ولا العطاء ولا ... يحشرها بالعناء حاشرها # ونحوه قول علي «3» بن أمية: [متقارب] # دهتنا أمور تشيب الوليد «4» ... ويخذل فيها الصديق الصديق # فناء مبيد وذعر عتيد ... وجوع شديد وخوف وضيق # وداعي الصباح بطول الصياح ال ... سلاح السلاح فما نستفيق # فبالله نبلغ ما نرتجي ... وبالله ندفع ما لا نطيق # جنى قوم من أهل اليمامة جناية فأرسل إليه السلطان جندا من بخارية «5» ~~زياد، فقال رجل من أهل البادية يذمر قومه: يا معشر العرب، ويا بني ~~المحصنات، قاتلوا عن أحسابكم ونسائكم، والله لئن ظهر هؤلاء عليكم لا يدعون ~~بها لبنة حمراء ولا نخلة خضراء إلا وضعهوها بالأرض ولاعتراكم من نشاب معهم ~~في جعاب كأنها أيور الفيلة ينزعون في قسي كأنها العتل «6» فتئط # PageV01P215 # إحداهن أطيط الزرنوق «1» يمغط أحدهم فيها حتى يتفرق شعر إبطيه ثم يرسل ~~نشابة كأنها رشاء «2» منقطع فما بين أحدكم وبين أن تنفضخ عينه أو ينصدع ~~قلبه منزلة، فخلع قلوب القوم فطاروا رعبا. ### | آداب الفروسية # حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن عاصم بن ~~سليمان عن أبي عثمان قال: كتب عمر رضي الله عنه: ائتزروا وارتدوا وانتعلوا ~~وألقوا الخفاف وارموا الأغراض وألقوا الركب وانزوا نزوا على الخيل وعليكم ~~بالمعدية، أو قال العربية. ودعوا التنعم وزي العجم ولا تلبسوا الحرير فإن ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه إلا هكذا، ورفع إصبعيه. وقال أيضا: ~~لن تخور قوى ما كان صاحبها ينزع وينزو. يعني ينزع في القوس وينزو على الخيل ~~من غير استعانة بالركب. وقال العمري: كان عمر بن الخطاب يأخذ بيده اليمنى ~~أذنه اليمنى وبيده اليسرى أذن فرسه اليسرى ثم يجمع جراميزه «3» ويثب فكأنما ~~خلق على ظهر فرسه. # وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم صفين: عضوا على النواجذ «4» من ~~الأضراس فإنه أنبى للسيوف عن الهام. وأقاموا رجلا بين العقابين فقال له ~~أبوه: طد رجلك وأصر إصرار الفرس واذكر أحاديث غد وإياك وذكر الله في هذا ~~الموضع فإنه من الفشل. وقال غيره: طد رجليك إذا اعتصيت بالسيف والعصا وأنت ~~مخير في رفعه ساعة المسالمة والموادعة. # PageV01P216 # وقرأت في الآيين أن من إجادة الرمي بالنشاب في حال التعلم إمساك المتعلم ~~القوس بيده اليسرى بقوة عضده الأيسر والنشابة بيده اليمنى وقوة عضده الأيمن ~~وكفه إلى صدره وإلقاؤه ببصره إلى معلم الرمي وإجادته نصب القوس بعد أن ~~يطأطىء من سيتها «1» بعض الطأطأة وضبطه إياها بثلاث أصابع وإحناؤه السبابة ~~على الوتر، وإمساكه بثلاثة وعشرين كأنها ثلاثة وستون وضمه الثلاثة ضما ~~وتحويله ذقنه إلى منكبه الأيسر وإشرافه رأسه وإرخاؤه عنقه وميله مع القوس ~~وإقامته ظهره وإدارته عضده ومغطه القوس مترافعا ونزعه الوتر إلى أذنه ورفعه ~~بياض عينيه من غير تصريف لأسنانه وتحويل لعينه وارتعاش من جسده واستبانته ~~موضع زججة «2» النشاب. # وقرأت في الآيين: من إجادة الضرب بالصولجان أن يضرب الكرة قدما ضرب خلسة ~~يدير فيه يده إلى أذنه ويميل صولجانه إلى أسفل من صدره ويكون ضربه متشازرا ~~مترفقا مترسلا ولا يغفل الضرب ويرسل السنان خاصة وهو الحامية لمجاز الكرة ~~إلى غاية الغرض ثم الجر للكرة من موقعها، والتوخي للضرب لها تحت محزم ~~الدابة ومن قبل لبتها «3» في رفق، وشدة المزاولة والمجاحشة على تلك الحال ~~والترك للاستعانة في ضرب الكرة بسوط والتأثير في الأرض بصولجان والكسر له ~~جهلا باستعماله أو عقر قوائم الدابة، والاحتراس من إيذاء من جرى معه في ~~ميدانه، وحسن الكف للدابة في شدة جريه، والتوقي من الصرعة والصدمة على تلك ~~الحال، والمجانبة للغضب والسب، والاحتمال والملاهاة، والتحفظ من إلقاء كرة ~~على ظهر بيت وإن كان # PageV01P217 # ست كرين «1» بدرهم، وترك طرد النظارة والجلوس على حيطان الميدان فإن عرض ~~الميدان إنما جعل ستين ذراعا لئلا يحال ولا يصار من جلس على حائطه. # وقال أبو مسلم صاحب الدعوة لرجاله: أشعروا قلوبكم الجرأة عليهم فإنها سبب ~~الظفر، واذكروا الضغائن فإنها تبعث على الإقدام، والزموا الطاعة فإنها حصن ~~المحارب. ### | المسير في الغزو والسفر # حدثنا شبابة عن القاسم بن الحكم عن إسماعيل بن عياش عن معدان ابن حدير ~~الحضرمي عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال: قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم: «مثل الذين يغزون من أمتي ويأخذون الجعل «2» يتقوون به على ~~عدوهم كمثل أم موسى ترضع ولدها وتأخذ أجرها» . حدثني محمد بن عبيد عن ابن ~~عيينة عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب قال: لما نزل النبي، صلى ~~الله عليه وسلم، المعرس أمر مناديا فنادى: لا تطرقوا النساء. فتعجل رجلان ~~فكلاهما وجد مع امرأته رجلا. وكانت العرب تقول: السفر ميزان القوم «3» . # وتأمر بالمحلات وهي الدلو والفأس والسفرة والقدر والقداحة، وإنما قيل لها ~~محلات لأن المسافر بها يحل حيث شاء ولا يبالي ألا يكون بقربه أحد. # حدثني عبد الرحمن بن الحسين عن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبه قال: ~~قال لقمان لابنه: «يا بني، إذا سافرت فلا تنم على دابتك فإن كثرة # PageV01P218 # النوم سريع في دبرها، فإذا نزلت أرضا مكلئة فأعطها حظها من الكلأ وابدأ ~~بعلفها وسقيها قبل نفسك وإذا بعدت عليك المنازل فعليك بالدلج «1» فإن الأرض ~~تطوى بالليل. وإذا أردت النزول فلا تنزل على قارعة الطريق فإنها مأوى ~~الحيات والسباع ولكن عليك من بقاع الأرض بأحسنها لونا وألينها تربة وأكثرها ~~كلأ فانزلها، وإذا نزلت فصل ركعتين قبل أن تجلس وقل: رب أنزلني منزلا ~~مباركا وأنت خير المنزلين # «2» . وإذا أردت قضاء حاجة فأبعد المذهب في الأرض وعليك بالسترة. وإذا ~~ارتحلت من منزل فصل ركعتين وودع الأرض التي ارتحلت عنها وسلم عليها وعلى ~~أهلها فإن لكل بقعة من الأرض أهلا من الملائكة. وإذا مررت ببقعة من الأرض ~~أو واد أو جبل فأكثر من ذكر الله فإن الجبال والبقاع ينادي بعضها بعضا: هل ~~مر بكن اليوم ذاكر لله؟ وإن استطعت ألا تطعم طعاما حتى تتصدق منه فافعل. ~~وعليك بذكر الله، جل وعز، ما دمت راكبا وبالتسبيح ما دمت صائما وبالدعاء ما ~~دمت خاليا. وإياك والسير في أول الليل وعليك بالتعريس والدلجة من نصف الليل ~~إلى آخره. وإياك ورفع الصوت في سيرك إلا بذكر الله، وسافر بسيفك وقوسك ~~وجميع سلاحك وخفك وعمامتك وإبرتك وخيوطك وتزود معك الأدوية تنتفع بها وتنفع ~~من صحبك من المرضى والزمنى «3» . وكن لأصحابك موافقا في كل شيء يقربك إلى ~~الله ويباعدك من معصيته. وأكثر التبسم في وجوههم وكن كريما على زادك بينهم ~~وإذا دعوك فأجبهم، وإذا استعانوك فأعنهم وإذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم ~~واجهد رأيك. وإذا رأيتهم يمشون فامش معهم أو يعملون فاعمل # PageV01P219 # معهم وإن تصدقوا أو أعطوا فأعط. واسمع لمن هو أكبر منك. وإن تحيرتم في ~~طريق فانزلوا، وإن شككتم في القصد فتثبتوا وتآمروا، وإن رأيتم خيالا واحدا ~~فلا تسألوه عن طريقكم فإن الشخص الواحد في الفلاة هو الذي حيركم واحذروا ~~الشخصين أيضا إلا أن تروا ما لا أرى فإن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب وإن ~~العاقل إذا أبصر شيئا بعينيه عرف الحق بقلبه. # علم أعرابي بنيه إتيان الغائط في السفر فقال لهم: اتبعوا الخلاء وجانبوا ~~الكلاء واعلوا الضراء «1» وأفحجوا إفحاج النعامة وامسحوا بأشملكم. # وقال عمرو بن العاص للحسن بن علي بن أبي طالب رحمهما الله: يا أبا محمد، ~~هل تنعت الخراءة «2» ؟ فقال: نعم، تبعد المشي في الأرض الضحضح حتى تتوارى ~~من القوم، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولا تستنج بالروثة ولا العظم ولا ~~تبل في الماء الراكد. # أراد الحسن البصري الحج، فقال له ثابت: بلغني أنك تريد الحج فأحببت أن ~~نصطحب. فقال: ويحك! دعنا نتعايش بستر الله، إني أخاف أن نصطحب فيرى بعضنا ~~من بعض ما نتماقت عليه. وفي الحديث المرفوع عن بقية عن الوضين بن عطاء عن ~~محفوظ بن علقمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه: ~~«أما إنك إن ترافق غير قومك يكن أحسن لخلقك وأحق أن يقتفى بك» . # أتى رجل هشاما أخا ذي الرمة الشاعر فقال له: إني أريد السفر # PageV01P220 # فأوصني. قال: صل الصلاة لوقتها فإنك مصليها لا محالة فصلها وهي تنفعك، ~~وإياك وأن تكون كلب رفقتك فإن لكل رفقة كلبا ينبح دونهم، فإن كان خيرا ~~شركوه فيه وإن كان عارا تقلده دونهم. # حدثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن عثمان بن عطاء عن أبيه ~~قال: إذا ضلت لأحدكم ضالة فليقل: اللهم رب الضالة تهدي الضالة وترد الضالة ~~اردد علي ضالتي، اللهم لا تبلنا بهلاكها ولا تتعبنا بطلبها، ما شاء الله لا ~~حول ولا قوة إلا بالله. يا عباد الله الصالحين، ردوا علينا ضالتنا. وإذا ~~أردت أن تحمل الحمل الثقيل فقل: يا عباد الله أعينونا. وقال أبو عمرو: إذا ~~ضلت لأحدكم ضالة فليتوضأ فيحسن الوضوء ثم يصلي ركعتين ثم يتشهد ويقول: بسم ~~الله، اللهم يا هادي الضال وراد الضال، أردد علي ضالتي بعزتك وسلطانك فإنها ~~من فضلك وعطائك. # حدثني محمد بن عبيد عن حمزة بن وعلة عن رجل من مراد يقال له أبو جعفر عن ~~محمد بن علي عن علي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا ~~علي، أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا الفلك أن يقولوا بسم الله الملك ~~الرحمن. وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات ~~مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون # «1» بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم # «2» . # PageV01P221 # حدثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن محمد بن عجلان عن عمرو بن ~~شعيب قال: أراد عمر أن يغزي البحر جيشا، فكتب إليه عمرو بن العاص: يا أمير ~~المؤمنين، البحر خلق عظيم يركبه خلق ضعيف دود على عود بين غرق وبرق «1» قال ~~عمر: لا يسألني الله عن أحد حملته فيه. # وحدثني أيضا عن معاوية عن أبي إسحاق عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد قال: ~~كان ابن عمر يقول في السفر إذا أسحر: سمع سامع بحمد الله ونعمته وحسن بلائه ~~علينا. ويقول: اللهم، صاحبنا فأفضل علينا ثلاثا، اللهم عائذ بك من النار ~~ثلاثا لا حول ولا قوة إلا بالله. # وعن الأوزاعي عن حسان بن عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ~~سفره حين هاجر: «الحمد لله الذي خلقني ولم أك شيئا مذكورا، اللهم أعني على ~~أهاويل الدنيا وبوائق الدهر ومصيبات الليالي والأيام واكفني شر ما يعمل ~~الظالمون في الأرض، اللهم، في سفري فاصحبني، وفي أهلي فاخلفني، وفيما ~~رزقتني فبارك ليد ولك في نفسي فذللني، وفي أعين الصالحين فعظمني، وفي خلقي ~~فقومني، وإليك رب فحببني، إلى من تكلني رب المستضعفين وأنت ربي» . # وحدثني أيضا عن معاوية عن أبي إسحاق عن عاصم عن عبد الله بن سرجس قال: ~~كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر يقول: اللهم، إني أعوذ بك من وعثاء ~~السفر وكآبة المنقلب والحور بعد الكور ودعوة المظلوم وسوء المنظر في الأهل» ~~. وزاد غيره: «اللهم اطو لنا الأرض وهون علينا السفر» . # وقال مطرف بن عبد الله لابنه: الحسنة بين السيئتين وخير الأمور # PageV01P222 # أوساطها وشر السير الحقحقة. وفي الحديث «لا تحقحق فتنقطع ولا تباطأ فتسبق ~~ولكن اقصد تبلغ» والحقحقة أشد السير. وفي حديث آخر «إن المنبت لا أرضا قطع ~~ولا ظهرا أبقى» وقال المرار «1» : [وافر] # تقطع بالنزول الأرض عنا ... وبعد الأرض يقطعه النزول # الأصمعي قال: قيل لرجل أسرع في سيره: كيف كان مسيرك؟ قال: # كنت آكل الوجبة وأعرس إذا أسحرت وأرتحل إذا أسفرت وأسير الوضع وأجتنب ~~الملع «2» فجئتكم لمسيء سبع. قال أبو اليقظان: من السير المذكور مسير ذكوان ~~مولى آل عمر بن الخطاب، سار من مكة إلى المدينة في يوم وليلة، فقدم على أبي ~~هريرة وهو خليفة مروان على المدينة فصلى العتمة، فقال له أبو هريرة: حاج ~~غير مقبول منه. قال له: ولم؟ قال: لأنك نفرت قبل الزوال. فأخرج كتاب مروان ~~بعد الزوال وقال: [طويل] # ألم ترني كلفتهم سير ليلة ... من آل منى نصا إلى آل يثرب # فأقسمت لا تنفك، ما عشت، سيرتي ... حديثا لمن وافى بجمع المحصب «3» # ومن السير المذكور مسير حذيفة بن بدر، وكان أغار على هجائن النعمان بن ~~المنذر بن ماء السماء وسار في ليلة مسيرة ثمان، فقال قيس «4» بن # PageV01P223 # الخطيم: [وافر] # هممنا بالإقامة ثم سرنا ... كسير حذيفة الخير ابن بدر # قال الشرقي بن القطامي: خرجت من الموصل أريد الرقة فصحبني فتى من أهل ~~الجزيرة وذكر أنه من ولد عمرو بن كلثوم ومعه مزود وركوة وعصا، ورأيته لا ~~يفارقها مشاة كنا أو ركبانا وهو يقول: إن الله جعل جماع أمر موسى وأعاجيبه ~~وبراهينه ومآربه في عصاه، ويكثر من هذا وأنا أضحك متهاونا بما يقول، فتخلف ~~المكاري فكان حمار الفتى إذا وقف أكرهه بالعصا ويقف حماري ولا شيء في يدي ~~فيسبقني إلى المنزل فيستريح ويريح ولا أقدر على البراح حتى يوافيني ~~المكاري، فقلت: هذه واحدة. ثم خرجنا من غد مشاة فكان إذا أعيا توكأ على ~~العصا وربما أحضر ووضع طرفا على الأرض فاعتمد عليها ومر كأنه سهم زالج حتى ~~انتهينا وقد تفسخت من الكلال وإذا فيه فضل كثير، فقلت: وهذه أخرى. فلما كان ~~في اليوم الثالث هجمنا على حية منكرة فسارت إلينا فأسلمته إليها وهربت عنها ~~فضربها بالعصا حتى قتلها، فقلت: # هذه ثالثة، وهي أعظمهن. وخرجنا في اليوم الرابع وبنا قرم «1» إلى اللحم ~~فاعترضنا أرنب فحذفها بالعصا وأدركنا ذكاتها فقلت: هذه رابعة. فأقبلت عليه ~~فقلت: لو أن عندنا نارا ما أخرت أكلها إلى المنزل. فأخرج عويدا من مزوده ثم ~~حكه بالعصا فأورت إيراء المرخ والعفار «2» ، ثم جمع ما قدر عليه من الغثاء ~~«3» والحشيش وأوقد نارا وألقى الأرنب في جوفها فأخرجناها وقد لزق بها من ~~الرماد والتراب ما بغضها إلي فعلقها بيده اليسرى ثم ضرب جنوبها بالعصا # PageV01P224 # وأعراضها ضربا رقيقا حتى انتثر كل شيء عليها فأكلناها وسكن القوم وطابت ~~النفس، فقلت: هذه خامسة. ثم نزلنا بعض الخانات وإذا البيوت ملآنة روثا «1» ~~وترابا فلم نجد موضعا نظل فيه فنظر إلى حديدة مطروحة في الدار فأخذها فجعل ~~العصا نصابا لها ثم قام فجرف جميع ذلك الروث والتراب وجرد الأرض حتى أظهر ~~بياضها وطابت ريحها فقلت: وهذه سادسة. ثم نزع العصا من الحديدة فأوتدها فيا ~~لحائط وعلق عليها ثيابه وثيابي فقلت: هذه سابعة. فلما صرنا إلى مفرق ~~الطريقين وأردت مفارقته قال لي: لو عدلت معي فبت عندي! فعدلت معه فأدخلني ~~منزلا يتصل ببيعة «2» فما زال يحدثني ويطرفني الليل كله فلما كان السحر أخذ ~~العصا بعينها وأخذ خشبة أخرى فقرع بها العصا فإذا ناقوس ليس في الدنيا مثله ~~وإذا هو أحذق الناس به فقلت له: ويحك! أما أنت بمسلم؟ قال: بلى. قلت: فلم ~~تضرب بالناقوس؟ قال: لأن أبي نصراني وهو شيخ كبير ضعيف فإذا شهدت بررته ~~بالكفاية. وإذا شيطان مارد وأظرف الناس وأكثرهم أدبا فخبرته بالذي أحصيت من ~~خصال العصا فقال: والله لو حدثتك عن مناقب العصا ليلة إلى الصباح ما ~~استنفدتها. # وروى يزيد عن هشام عن الحسن عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: # «إذا كنتم في الخصب فأمكنوا الركاب أسنتها ولا تغدوا المنازل وإذا كنتم ~~في الجدب فاستنجوا «3» وعليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل وإذا تغولت ~~لكم الغيلان فنادوا بالأذان ولا تصلوا على جواد الطرق «4» ولا تنزلوا عليها ~~فإنها # PageV01P225 # مأوى السباع والحيات ولا تقضوا عليها الحوائج فإنها الملاعن» . # وأراد أعرابي سفرا فقال لأمرأته: [كامل] # عدي السنين لغيبتي وتصبري ... وذري الشهور فإنهن قصار # فأجابته: [كامل] # أذكر صبابتنا إليك وشوقنا ... وارحم بناتك إنهن صغار # فأقام وترك السفر. وقال إسحاق «1» بن إبراهيم الموصلي: [وافر] # طربت إلى الأصيبية الصغار ... وهاجك منهم قرب المزار # وكل مسافر يزداد شوقا ... إذا دنت الديار من الديار # وفي الحديث المرفوع قال ابن مسعود: كنا يوم بدر ثلاثة على بعير فكان علي ~~وأبو لبابة «2» زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا دارت عقبتهما ~~قالا: يا رسول الله؛ اركب ونمشي عنك. فيقول: «ما أنتما بأقوى مني وما أنا ~~بأغنى عن الأجر منكما» . # خطب قتيبة بن مسلم على منبر خراسان فقال في خطبته: إذا غزوتم فأطيلوا ~~الأظفار وقصروا الأشعار. # وقالت عائشة رضي الله عنها: «لا سهر إلا لثلاثة: مصل أو عروس أو مسافر. # وقال بعض الشعراء: [وافر] # سررت بجعفر والقرب منه ... كما سر المسافر بالإياب # وكنت بقربه إذ حل أرضي ... أميرا بالسكينة والصواب # PageV01P226 # كممطور ببلدته فأضحى ... غنيا عن مطالبة السحاب # وقال آخر في معناه: [بسيط] # وكنت فيهم كممطور ببلدته ... فسر أن جمع الأوطان والمطرا # وقال آخر: [طويل] # إذا نحن أبنا سالمين بأنفس ... كرام رجت أمرا فخاب رجاؤها # فأنفسنا خير الغنيمة انها ... تؤوب وفيها ماءها وحياؤها # وقال آخر: [وافر] # رجعنا سالمين كما بدأنا ... وما خابت غنيمة سالمينا # وما تدرين أي الأمر خير ... أما تهوين أم ما تكرهينا # وقال بعض المحدثين: [خفيف] # قبح الله آل برمك إني ... صرت من أجلهم أخا أسفار # إن يكن ذو القرنين قد مسح الأر ... ض فإني موكل بالعيار ### | التفويز # «1» حدثني أبي، أحسبه عن الهيثم بن عدي قال: لما كتب أبو بكر رضي الله ~~عنه إلى خالد بن الوليد يأمره بالمسير إلى الشام واليا مكان أبي عبيدة بن ~~الجراح، أخذ على السماوة «2» حتى انتهى إلى قراقر «3» ، وبين قراقر # PageV01P227 # وسوى «1» خمس ليال في مفازة، فلم يعرف الطريق، فدل على رافع بن عميرة ~~الطائي وكان دليلا خريتا «2» فقال لخالد: خلف الأثقال واسلك هذه المفازة إن ~~كنت فاعلا؛ فكره خالد أن يخلف أحدا وقال: لا بد من أن نكون جميعا. فقال له ~~رافع: والله إن الراكب المنفرد ليخافها على نفسه وما يسلكها إلا مغرر مخاطر ~~بنفسه، فكيف أنت بمن معك؟ فقال: لا بد من ذلك. فقال الطائي لخالد: # إبغني عشرين جزورا مسان «3» عظاما ففعل فظمأهن ثم سقاهن حتى روين ثم قطع ~~مشافرهن وكعمهن «4» لئلا تجتر، ثم قال لخالد: سر بالخيول والأثقال فكلما ~~نزلت منزلا نحرت من تلك الجزر أربعا ثم أخذت ما في بطونها من الماء فسقيته ~~الخيل وشرب الناس مما تزودوا، ففعل. فلما صار إلى آخر المفازة انقطع ذلك ~~وجهد الناس وعطشت دوابهم، فقال له خالد: ويحك، ما عندك؟ # قال: أدركت الري إن شاء الله، أنظروا هل تجدوا شجرة عوسج على ظهر الطريق؟ ~~فنظروا فوجدوها فقال: إحفروا في أصلها، فحفروا فوجدوا عينا فشربوا منها ~~وتزودوا، فقال رافع: والله ما وردت هذا الماء قط إلا مرة واحدة مع أبي وأنا ~~غلام. فقال راجز المسلمين في ذلك: [رجز] # لله در رافع أنى اهتدى ... فوز من قراقر إلى سوى «5» # أرضا إذا سار بها الجيش بكى ... ما سارها قبلك من إنس أوى # PageV01P228 # قال ولما مر خالد بموضع يقال له البشر طلع على قوم يشربون وبين أيديهم ~~جفنة «1» وأحدهم يتغنى: [طويل] # ألا عللاني قبل جيش أبي بكر ... لعل منايانا قريب وما ندري # ألا عللاني بالزجاج وكررا ... علي كميت اللون صافية تجري # أظن خيول المسلمين وخالدا ... سيطرقكم قبل الصباح من البشر # فهل لكم في السير قبل قتالهم ... وقبل خروج المعصرات من الخدر # فما هو إلا أن فرغ من قوله شد عليه رجل من المسلمين بالسيف فضرب عنقه ~~فإذا رأسه في الجفنة، ثم أقبل على أهل البشر فقتل منهم وأصاب من أموالهم. # ابن الكلبي قال: أقبل قوم من أهل اليمن يريدون النبي، صلى الله عليه ~~وسلم، فأضلوا الطريق ووقعوا على غير ماء فمكثوا ثلاثا لا يقدرون على الماء ~~فجعل الرجل منهم يستذري بفيء السمر «2» والطلح يأسا من الحياة، فبينا هم ~~كذلك أقبل راكب على بعير فأنشد بعض القوم بيتين من شعر امرىء القيس: [طويل] # لما رأت أن الشريعة همها ... وأن البياض من فرائصها دامي # تيممت العين التي عند ضارج ... يفيء عليها الظل عرمضها «3» طامي # فقال الراكب: من يقول هذا؟ قالوا: امرؤ القيس. قال: والله ما كذب، هذا ~~ضارج عندكم، وأشار إليه، فجثوا على الركب فإذا ماء غدق وإذا عليه # PageV01P229 # العرمض والظل يفيء عليه فشربوا منه ريهم وسقوا وحملوا حتى بلغوا الماء، ~~فأتوا النبي، صلى الله عليه وسلم، فأخبروه وقالوا: يا رسول الله، أحيانا ~~بيتان من شعر امرىء القيس قال: «ذاك رجل مذكور في الدنيا شريف فيها منسي في ~~الآخرة خامل فيها، يجيء يوم القيامة معه لواء الشعراء يقودهم إلى النار» . # حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن قريب عن عمه الأصمعي عن رجل من بني سليم ~~أن رفقة ماتت من العطش بالشجي، فقال الحجاج: إني أظنهم قد دعوا الله حين ~~بلغهم الجهد فاحفروا في مكانهم الذي ماتوا فيه لعل الله يسقي الناس. فقال ~~رجل من جلسائه: أيها الأمير، قد قال الشاعر: [طويل] # تراءت له بين اللوى وعنيزة ... وبين الشجى مما أحال على الوادي «1» # والله ما تراءت له إلا وهي على ماء. فأمر الحجاج عبيدة السلمي أن يحفر ~~بالشجى بئرا فحفر فأنبط «2» ، ويقال: إنه لم يمت قوم قط عطشا إلا وهم على ~~ماء. # PageV01P230 # قالت العرب: «أن ترد الماء بماء أكيس» «1» . ويقال في مثل: «برد غداة غر ~~عبدا من ظمأ» «2» . ### | في الطيرة «3» والفأل # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: هرب بعض البصريين من الطاعون فركب حمارا ~~له ومضى بأهله نحو سفوان «4» فسمع حاديا يحدو خلفه وهو يقول: [رجز] # لن يسبق الله على حمار ... ولا على ذي ميعة «5» مطار # أو يأتي الحتف على مقدار ... قد يصبح الله أمام الساري # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثني سعيد بن سلم بن قتيبة عن أبيه أنه ~~كان يعجب ممن يصدق بالطيرة ويعيبها أشد العيب وقال: فرقت لنا ناقة وأنا # PageV01P231 # بالطف «1» فركبت في إثرها فلقيني هانىء بن عتبة «2» من بني وائل يركض وهو ~~يقول: [منسرح] # والشر يلقى مطالع الأكم # ثم لقيني رجل آخر من الحي فقال وهو للبيد «3» : [مجزوء الكامل] # ولئن بعثت لهم بغا ... ة ما البغاة بواجدينا # ثم دفعت إلى غلام قد وقع في صغره في نار فأحرقته فقبح وجهه وفسد، فقلت ~~له: هل ذكرت من ناقة فارق؟ قال: هنها أهل بيت من الأعراب فانظر. # فوجدناها قد نتجت ومعها ولدها. يقال: ناقة فارق: قد ضربها الطلق، وسحابة ~~فارق: قد دنا هراقة مائها. قال المرقش «4» : [مجزوء الكامل] # ولقد غدوت، وكنت لا ... أغدو، على واق وحاتم «5» # فإذا الأشائم كالأيا ... من، والأيامن كالأشائم «6» # PageV01P232 # وكذاك لا خير ولا ... شر على أحد بدائم # وقال آخر: [طويل] # وليس بهياب إذا شد رحله ... يقول عداني اليوم واق وحاتم # ولكنه يمضي على ذاك مقدما ... إذا صد عن تلك الهنات الخثارم «1» # وقال آخر: [وافر] # تعلم أنه لا طير إلا ... على متطير وهو الثبور «2» # بلى، شيء يوافق بعض شيء ... أحايينا وباطله كثير # حدثني الرياشي عن الأصمعي قال: سألت ابن عون «3» عن الفأل فقال: # هو أن تكون مريضا فتسمع: يا سالم، أو باغيا فتسمع: يا واجد. وفي الحديث ~~المرفوع «أصدق الطيرة الفأل» . وفيه «الطير تجري بقدر» . # أراد أبو العالية أن يخرج من البصرة لعلة كانت به فسمع مناديا ينادي: # يا متوكل، فحط رحله وأقام. # وقال عكرمة: كنا جلوسا عند ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما فمر طائر ~~يصيح، فقال رجل من القوم: خير خير. فقال ابن عباس: لا خير ولا شر. قال كعب ~~لابن عباس: ما تقول في الطيرة قال: وما عسيت أن أقول فيها؟ لا طير إلا طير ~~الله ولا خير إلا خير الله ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة # PageV01P233 # إلا بالله. قال كعب: إن هذه الكلمات في كتاب الله المنزل. يعني التوراة. # حدثني محمد بن يحيى القطعي «1» قال: حدثني عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة ~~عن أبي حسان الأعرج أن رجلين دخلا على عائشة رضي الله عنها فقالا: إن أبا ~~هريرة يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما الطيرة في المرأة ~~والدار والدابة فطارت شفقا ثم قالت: كذب، والذي أنزل الفرقان على أبي ~~القاسم، من حدث بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم: «كان أهل الجاهلية يقولون إن الطيرة في الدابة والدار ~~والمرأة» ثم قرأت: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من ~~قبل أن نبرأها # «2» . # كان عبد الله «3» بن زياد صور في دهليزه كلبا وأسدا وكبشا وقال: كلب نابح ~~وكبش ناطح وأسد كالح. وأنشدني أبو حاتم عن الأصمعي: [رجز] # يا أيها المضمر هما، لا تهم ... إنك إن تقدر لك الحمى تحم # ولو علوت شاهقا من العلم ... كيف توقيك وقد جف القلم # ولما أمر معاوية بقتل حجر بن عدي الكندي في ثلاثة عشر رجلا معه قال حجر: ~~دعوني أصل ركعتين، فتوضأ وأحسن الوضوء، ثم صلى وطول فقيل له: أجزعت؟ فقال: ~~ما توضأت قط إلا صليت، ولا صليت قط صلاة أخف منها. وإن أجزع فقد رأيت سيفا ~~مشهورا وكفنا منشورا وقبرا محفورا. # PageV01P234 # فقيل له: مد عنقك، فقال: إن ذلك لدم ما كنت لأعين عليه. فقدم فضربت عنقه. ~~وكان معاوية بعث رجلا يقال له هدبة لقتلهم، وكان أعور، فنظر إليه رجل من ~~خثعم فقال: إن صدقت الطيرة قتل نصفنا، فلما قتل سبعة بعث معاوية رسولا آخر ~~بعافيتهم فلم يقتل الباقون. # خرج كثير عزة «1» إلى مصر يريد عزة، فلقيه أعرابي من نهد فقال: يا أبا ~~صخر، أين تريد؟ فقال: أريد عزة بمصر. قال: فهل رأيت في وجهك شيئا؟ # قال: لا إلا أني رأيت غرابا ساقطا فوق بانة ينتف ريشه. فقال له: توافي ~~مصر وقد ماتت عزة. فانتهره كثير ثم مضى فوافى مصر والناس ينصرفون عن جنازة ~~عزة، فقال: [طويل] # فما أعيف النهدي لا در دره ... وأزجره للطير لا عز ناصره # رأيت غرابا ساقطا فوق بانة ... ينتف أعلى ريشه ويطايره # فأما غراب فاغتراب ووحشة ... وبان فبين من حبيب تعاشره # وهوي بعد عزة امرأة من قومه يقال لها: أم الحويرث. فخطبها فأبت وقالت: لا ~~مال لك، ولكن اخرج فاطلب فإني حابسة نفسي عليك. فخرج يريد بعض بني مخزوم، ~~فبينا هو يسير عن له ظبي فكره ذلك ومضى فإذا هو بغراب يحثوا التراب على ~~وجهه فكرهه وتطير منه، فانتهى إلى بطن من الأزد يقال لهم بنو لهب، فقال: ~~أفيكم زاجر؟ قالوا: نعم، فأرشدوه إلى شيخ منهم فأتاه فقص عليه القصة، فقال: ~~قد ماتت أو خلف عليها رجل من بني عمها. # فلما انصرف وجدها قد تزوجت فقال: # PageV01P235 # تيممت لهبا أطلب العلم عندهم ... وقد رد علم العائفين إلى لهب # فقال جرى الطير السنيح ببينها ... فدونك فاهمل جد منهمر سكب # فإلا تكن ماتت فقد حال دونها ... سواك خليل باطن من بني كعب # حدثني أبو سفيان الغنوي قال: حدثني خالد بن يزيد الصفار قال: # حدثنا همام بن يحيى بن قتادة عن حضرمي بن لاحق أو عن أبي سلمة أن النبي، ~~صلى الله عليه وسلم، كتب إلى امرأته: «إذا أبردتم إلي بريدا فاجعلوه حسن ~~الوجه حسن الاسم» . # خرج عمر إلى حرة واقم «1» فلقي رجلا من جهينة فقال له: ما اسمك؟ # قال: شهاب. قال: ابن من؟ قال: ابن جمرة. قال: وممن أنت؟ قال: من الحرقة. ~~ثم قال: ممن؟ قال: من بني ضرام «2» . فقال له عمر: أدرك أهلك وما أراك ~~تدركهم إلا وقد احترقوا، فأتاهم وقد أحاطت النار بهم. # خرج ابن عامر إلى المدينة فإذا هو في طريقه بنعامات خمس، فقال لأصحابه: ~~قولوا في هذه. فقال بشر بن حسان: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~قال: # «لا عدوى ولا طيرة» ومن علم شيئا فليقله ولكني أقول: فتنة خمس سنين. # قرأت في كتب العجم أن كسرى بعث وهرز إلى اليمن لقتال الحبشة # PageV01P236 # فلما اصطفوا قال وهرز لغلام له: أخرج إلي من الجعبة نشابة وكان الأسوار ~~«1» يكتب على كل نشابة في جعبته، فمنها ما يكتب عليه اسم الملك، ومنها ما ~~يكتب عليه اسم نفسه، ومنها ما يكتب عليه اسم ابنه، ومنها ما يكتب عليه اسم ~~امرأته. فأدخل العبد يده فأخرج له نشابة عليها اسم امرأته فتطير وقال: # أنت المرأة وعليك طائر السوء. ردها وهات غيرها. فردها وضرب بيده فأخرج ~~تلك النشابة بعينها ففكر وهرز في طائره ثم انتبه فقال: زنان. وزنان ~~بالفارسية: النساء. ثم قال: زن آن، فإذا ترجمتها: إضرب ذلك قال: نعم الطائر ~~هذا. ثم وضعها في كبد قوسه ثم قال: صفوا لي ملكهم، فوصفوه بياقوتة بين ~~عينيه. ثم إنه مغط في قوسه حتى إذا ملأها سرحها فأقبلت كأنها رشاء منقطع ~~حتى فضت الياقوتة فطار فضاضها ثم فلقت هامته وهزم القوم. # وقال المعلوط «2» : [وافر] # تنادى الطائران ببين سلمى ... على غصنين من غرب وبان # فكان البان أن بانت سليمى ... وفي الغرب اغتراب غير داني # أخذ معناها أبو الشيص «3» فقال: [متقارب] # أشاقك والليل ملقي الجران «4» ... غراب ينوح على غصن بان # أحص «5» الجناح شديد الصياح ... يبكي بعينين ما تذرفان # PageV01P237 # وفي نعبات «1» الغراب اغتراب ... وفي البان بين بعيد التداني # وقال الطائي: [كامل] # أتضعضعت عبرات عينك أن دعت ... ورقاء «2» حين تضعضع الإظلام؟ # لا تنشجن «3» لها فإن بكاءها ... ضحك وإن بكاءك استغرام # هن الحمام فإن كسرت عيافة «4» ... من حائهن فإنهن حمام # حدثني أحمد بن الخليل قال: حدثني موسى بن مسعود عن عكرمة بن عمار عن إسحق ~~بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: جاء رجل منا إلى النبي صلى ~~الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنا نزلنا دارا فكثر فيها عددنا وكثرت ~~فيها أموالنا ثم تحولنا منها إلى أخرى فقلت فيها أموالنا وقل فيها عددنا ~~فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذروها وهي ذميمة» . # بلغني عن ابن كناسة عن مبارك بن سعيد أخي سفيان الثوري قال: # بلغنا أن أعرابيا أضاع ذودا له فخرج في الطلب حتى أدركه العطش، فمر ~~بأعرابي يحتلب ناقة فنشده ضالته فقال له: متى خرجت في الطلب؟ ادن مني حتى ~~أسقيك لبنا وأرشدك. قال: قبل طلوع الفجر. قال: فما سمعت؟ قال: # عواطيس حولي: ثغاء الشاء ورغاء البعير ونباح الكلب وصياح الصبي. قال: # عواطيس تنهاك عن الغدو. قال: فلما طلع الفجر عرض لي ذئب. قال: # كسوب ذو ظفر. قال: فلما طلعت الشمس لقيت نعامة. قال: ذات ريش # PageV01P238 # واسمها حسن، هل تركت في أهلك مريضا؟ قال: نعم. قال: ارجع فإنك ستجد ضالتك ~~في منزلك. # حدثني عبد الرحمن عن حفص بن عمر الخبطي قال: حدثنا أبو زرعة يحيى بن أبي ~~عمرو السيباني عن يثيع عن كعب قال: كانت الشجرة تنبت في محراب سليمان النبي ~~صلى الله عليه وسلم وتكلمه بلسان ذلق «1» فتقول: أنا شجرة كذا وفي دواء ~~كذا. فيأمر بها سليمان فيكتب اسمها ومنفعتها وصورتها وتقطع وترفع في ~~الخزائن حتى كان آخر ما جاء منها الخروبة فقالت: أنا الخروبة. فقال سليمان: ~~الآن نعيت إلي نفسي وأذن في خراب بيت المقدس. قال الطائي يصف عمورية «2» : ~~[بسيط] # بكر فما افترعتها كف حادثة ... ولا ترقت إليها همة النوب # جرى لها الفأل برحا يوم أنقرة ... إذ غودرت وحشة الساحات والرحب # لما رأت أختها بالأمس قد خربت ... كان الخراب لها أعدى من الجرب ### | مذاهب العجم في العيافة والاستدلال بها # قرأت في الآيين: كانت العجم تقول: إذا تحولت السباع والطير الجبلية عن ~~أماكنها ومواضعها دلت بذلك على أن المشتى سيشتد ويتفاقم. وإذا نقلت # PageV01P239 # الجرذان برا وشعيرا أو طعاما إلى رب بيت رزق الزيادة في ماله وولده، وإن ~~هي قرضت ثيابه دلت بذلك على نقص ماله وولده، فينبغي أن يقطع ذلك القرض ~~ويصلح. وإذا شبت النار شبوبا كالصخب دلت على فرح شديد، وإذا شبت شبوبا ~~كالبكاء دلت على حزن، وأما النار التي تشتعل في أسفل القدور فإنها تدل على ~~أمطار تكثر أو ضيف يحضر. وإذا فشا الموت في البقر وقع الموتان «1» في ~~البشر، وإذا فشا الموت في الخنازير عم الناس السلامة والعافية، وإذا فشا ~~الموت في السباع والوحوش أصاب الناس ضيقة، وإذا فشا الموت في الجرذان أخصب ~~الناس. وإذا أكثرت الضفادع النقيق دلت على موتان يكون. وإذا أن ديك في دار ~~فشا فيها مرض الرجال، وإذا أنت دجاجة فشا فيها مرض النساء، وإذا صرخت ديوك ~~صراخا كالبكاء فشا الموت في النساء، وإذا صرخ الدجاج مثل ذلك الصراخ فشا ~~الموت في الرجال. وإذا نعب غراب أسود فجاوبته دجاجة دل ذلك على خراب يعمر. ~~وإذا قوقت دجاجة وجاوبها غراب دل على عمران يخرب. وإذا غط الرجل الحسيب في ~~نومه بلغ سنا ورفعة، ومن نفخ في نومه أفسد ماله، ومن صرت أسنانه في نومه دل ~~ذلك منه على نميمة، وينبغي أن يضرب على فيه بخف متخرق. ومن سقطت قدامه حية ~~من حجر أصابته معرة ومضرة. وإذا رئي في الهواء دخنة وظلمة من غير علة تخوف ~~على الناس الوباء والمرض. وإذا رئي في آفاق السماء في ليلة مصحية كاختلاف ~~النيران غشي البلاد التي رئي ذلك فيها عدو، فإن رئي ذلك وفي البلاد عدو ~~انكشف عنها. وإذا نبح كلب بعد هدأة نبحة بغتة دل على أن السراق قد اجتمعوا ~~بالغارة على بعض ما في تلك الدار أو ما جاورها. وإذا صفق ديك بجناحيه ولم ~~يصرخ دل على أن الخير محتبس عن صاحبه. وإذا # PageV01P240 # أكثر البوم الصراخ في دار برىء مريض إن كان فيها. وإذا سمع لبيت تنقض شخص ~~من فيه عنه، وإذا عوت ذئاب من جبال وجاوبتها كلاب من قرى تفاقم الأمر في ~~التحارب وسفك الدماء. وإذا عوت كلاب وجاوبتها ذئاب كان وباء وموتان جارف، ~~وإذا أكثرت الكلاب في البغتات الهرير دلت بذلك على إتيان العدو البلاد التي ~~هي فيها، وإذا صرخ ديك في دار قبل وقت صراخ الديوك كان ذلك محاولة لدفع ~~بلية قد شارفت تلك الدار؛ وإذا صرخت دجاجة في دار كصراخ ديك كان ذلك تحذيرا ~~لمن فيها من آفة قد أشرفوا عليها. وإذا أكثر ديك النزوان «1» على تكأة «2» ~~رب الدار نال شرفا ونباهة، وإن فعلت ذلك دجاجة ناله خمول وضعة. وإذا ذرق ~~«3» ديك على فراشه نال مالا رغيبا وخيرا كثيرا وذلك إذا كان من غير تضييع ~~من حشمه لفراشه، فإن ذرقت دجاجة على فراشه نالت زوجته منه خيرا كثيرا، ~~وكانوا يقولون: إن الموت من المريض الشبيه للصحيح قريب وإن الصحيح الشبيه ~~بالمريض مستشعر للشر وينبغي مباعدته. وينبغي أن يعرف كنه من كان منطيقا «4» ~~لعله لا يجيد العمل، وحال من كان سكينا متزمتا لعله بعيد الغور. وكانوا ~~يكرهون استقبال المولود ساعة يوضع إلا أن يكون ناقص الخلق فإن بليته وآفته ~~قد صارتا على نفسه، ويكرهون استقبال الزمن «5» والكريه الاسم والجارية ~~البكر والغلام الذاهب إلى المكتب، وكانوا يكرهون الثيران المقرونة بقران ~~والحيوان الموثق والدابة المقودة وحاملة الشراب والحطب والكلب، ويستحبون ~~الصحيح البدن الرضي # PageV01P241 # الاسم والمرأة الوسيمة الثيب «1» والغلام المنصرف من المكتب والدواب التي ~~عليها حمولة من طعام أو تبن أو زبل. وكانوا لا ينحون عن سمع الملك ألحان ~~المغنيات ونقيض الصواري وصهيل الخيل والبراذين ويتخذون في مبيته ديكا ~~ودجاجة. وإذا أهديت له خيل سنح بها عليه من يساره إلى يمينه وكذلك الغنم ~~والبقر، وأما الرقيق والسباع وما أشبهها فكان يبرح بها من يمينه إلى يساره. ### | باب في الخيل # حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن شبيب بن غرقدة عن عروة ~~البارقي «2» قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الخيل معقود في ~~نواصيها الخير إلى يوم القيامة» . # حدثني يزيد بن عمرو قال: حدثني أشهل بن حاتم قال: حدثني موسى ابن علي بن ~~رباح اللخمي عن أبيه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني ~~أريد أن أعد فرسا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فاشتره إذا أدهم أو ~~كميتا أقرح أرثم «3» أو محجلا مطلق اليمين» وفي حديث آخر «فإنها ميامين ~~الخيل ثم اغز تسلم وتغنم إن شاء الله» . # حدثني سهل بن محمد قال: أخبرني أبو عبيدة أن النبي صلى الله عليه وسلم ~~قال: # «عليكم بإناث الخيل فإن ظهورها حرز وبطونها كنز» قال: وكان النبي صلى ~~الله عليه وسلم يستحب من الدواب الشقر ويقول: «لو جمعت خيل العرب كلها في ~~صعيد # PageV01P242 # واحد ما سبقها إلا أشقر» . وسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي ~~المال خير؟ قال: # «سكة مأبورة» يعني النخل «ومهرة مأمورة» يريد كثيرة النتاج. قال: وكان ~~يكره الشكال «1» في الخيل. قال أبو ذر: ما من ليلة إلا والفرس يدعو فيها ~~ربه ويقول: اللهم سخرتني لابن آدم وجعلت رزقي بيده فاجعلني أحب إليه من ~~أهله وماله، اللهم ارزقه وارزقني على يديه. سأل المهدي مطر بن دراج: أي ~~الخيل أفضل؟ قال: الذي إذا استقبلته قلت نافر، وإذا استعرضته قلت زافر «2» ~~، وإذا استدبرته قلت زاخر «3» . قال: فأي البراذين «4» شر؟ قال: الغليظ ~~الرقبة الكثير الجلبة الذي إذا أرسلته قال: أمسكني وإذا أمسكته قال: # أرسلني. قال: فأي البراذين خير؟ قال: ما طرفه إمامه وسوطه عنانه. # وصف رجل برذونا فقال: إن تركته نعس وإن حركته طار. وقال ابن أقيصر: خير ~~الخيل الذي إذا استقبلته أقعى وإذا استدبرته جبى وإذا استعرضته استوى وإذا ~~مشى ردى وإذا عدا دحا «5» . # محمد بن سلام قال: أرسل مسلم بن عمرو بن عم له إلى الشام ومصر يشتري له ~~خيلا فقال: لا علم لي بالخيل قال: ألست صاحب قنص؟ # قال: بلى. قال: فانظر، كل شيء تستحسنه في الكلب فاطلبه في الفرس. # فقدم بخيل لم يك في العرب مثلها. وقالوا: سميت خيلا لاختيالها. # PageV01P243 # وذكر أعرابي فرسا وسرعته فقال: لما خرجت الخيل جارى بشيطان في أشطان فلما ~~أرسلت لمع لمعة سحاب فكان أقربها إليه الذي تقع عينه عليه. # وسئل رجل من بني أسد: أتعرف الفرس الكريم؟ قال: أعرف الجواد المبر من ~~المبطىء المقرف. أما الجواد المبر فالذي نهز نهز العير وأنف تأنيف السير، ~~الذي إذا عدا اسلهب وإذا قيد اجلعب وإذا انتصب اتلأب «1» . وأما المبطىء ~~المقرف فالمدلوك الحجبة الضخم الأرنبة «2» الغليظ الرقبة الكثير الجلبة ~~الذي إن أرسلته قال: أمسكني وإن أمسكته قال: أرسلني وأنشد الرياشي» # : [بسيط] # كمهر سوء إذا سكنت شرته ... رام الجماح فإن رفعته سكنا «4» # حدثني عبد الرحمن بن عبد الله قال: حدثني الأصمعي عن أبي عمرو ابن العلاء ~~أن عمر بن الخطاب شك في العتاق والهجن «5» ، فدعا سلمان بن ربيعة الباهلي ~~فأخبره، فأمر سلمان بطست فيه ماء فوضع في الأرض ثم قدمت الخيل إليه فرسا ~~فرسا فما ثنى منها سنبكه «6» فشرب هجنه، وما شرب ولم يثن # PageV01P244 # سنبكه عربه. وذلك لأن في أعناق الهجن قصرا فهي لا تنال الماء على تلك ~~الحال حتى تثني سنابكها وأعناق العتاق طوال. # وحدثني أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي قال: ذكروا أن كسرى كان إذا أتاه ~~سائسه فقال: الفرس يشتكي حافره، قال: المطبخ. وإذا قال: يشتكي ظهره، قال: ~~البيطار. # وأنشدني أبو حاتم لأبي ميمون العجلي وهو النضر «1» بن سلمة في شعر طويل ~~له يصف الفرس، وقال قرأته على أبي عبيدة وعلى الأصمعي: # [سريع] # الخيل مني أهل ما أن يدنين ... وأن يقربن وأن لا يقصين # وأن يبأبأن «2» وأن يفدين ... وأن يكون المحض مما يسقين # وأهل أن يعلين أو يغالين ... بالطرف والتلد وأن لا يجفين «3» # وأهل ما صحبننا أن يقفين ... وأهل ما أعقبننا أن يجزين «4» # أليس عز الناس فيما أبلين ... والحسب الزاكي إذا ما يقنين؟ # والأجر والزين إذا ريم الزين ... كم من كريم جده قد أعلين # وكم طريد خائف قد أنجين ... ومن فقير عائل قد أغنين # وكم برأس في لبان «5» أجرين ... وجسد للعافيات أعرين # وأهل حصن في امتناع أرذين ... وكم لها في الغنم من ذي سهمين «6» # PageV01P245 # يكون فيما اقتسموا كالرجلين ... وكم وكم أنكحن من ذي طمرين «1» # بغير مهر عاجل ولا دين ... والخيل والخيرات في قرينين # لا تشتكين عملا ما أنقين ... ما دام مخ في سلامى أو عين «2» # ما بلل الصوفة «3» ماء البحرين # وأنشدني أبو حاتم عن أبي عبيدة. قال: وقال: لي أبو عبيدة: لا أعرف قائل ~~هذا الشعر وعروضه لا يخرج. قال أبو حاتم: أحسبه لعبد الغفار «4» الخزاعي: ~~[منسرح] # ذاك وقد أذعر الوحوش بصل ... ت الخد رحب لبانه مجفر «5» # طويل خمس قصير أربعة ... عريض ست مقلص حشور «6» # حدت له تسعة «7» وقد عريت ... تسع ففيه لمن رأى منظر # ثم له تسعة كسين وقد ... أرحب منه اللبان والمنخر «8» # بعيد عشر وقد قربن له ... عشر وخمس طالت ولم تقصر «9» # PageV01P246 # نقفيه بالمحض دون ولدتنا ... وعضه في آريه ينثر «1» # نصبحه تارة ونغبقه ... ألبان كوم روائم أظؤر «2» # حتى شتا بادنا يقال ألا ... يطوون من بدنه وقد أضمر «3» # موثق الخلق جرشع عتد ... منضرج الحضر حين يستحضر «4» # خاظي الحماتين لحمه زيم ... نهد شديد الصفاق والأبهر «5» # رقيق خمس غليظ أربعة ... نائي المعدين لين الأشعر «6» # وقد فسرت هذا الشعر في كتابي المؤلف في أبيات المعاني في خلق الفرس. ~~أنشدنا أبو سعيد لبعض الضبيين في وصف فرس: [كامل] # متقاذف عبل الشوى شنج النسا ... سباق أندية الجياد عميثل «7» # وإذا تعلل بالسياط جيادها ... أعطاك نائله ولم يتعلل # قيل لما وضعت حرب صفين أوزارها قال عمرو بن العاص: [رمل] # شبت الحرب فأعددت لها ... مفرع الحارك مروي الثبج «8» # PageV01P247 # جرشعا أعظمه جفرته «1» ... فإذا ابتل من الماء حرج # يصل الشد بشد فإذا ... ونت الخيل من الشد معج «2» # ووجدت في كتاب من كتب الروم أن من علامة فراهة «3» المهر الحولي صغر رأسه ~~وشدة سواد عينيه وأن يكون محدد الأذنين أجرد باطنها كثيف العرف، في عرفه ~~ميل من قبل يمين راكبه عريض الصدر مرتفع الهادي معتدل العضدين مكتنز ~~الجنبين طويل الذنب عريض الكفل مستدير الحوافر صحيح باطنها، ومن علامة ~~فراهة المهر ألا يكون نفور ولا يقف عند دابة إلا مع أمه وإذا دفع إلى عين ~~أو نهر ماء لم يقف لتجاوزه دابة فيسير بسيرها ولكنه يقطع ذلك النهر والعين. # قالوا: ومما يسلم الله به الخيل من العين وأشباه ذلك أن يجعل في أعناقها ~~خرزة من قرون الأيايل «4» . # حدثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن سفيان عن حصين بن عبد ~~الرحمن عن هلال بن إساف وعن سحيم بن نوفل قالا: كنا جلوسا عند عبد الله بن ~~مسعود ونحن نعرض المصاحف، فجاءت جارية إلى سيدها فقالت: ما يجلسك؟ قم فابتغ ~~لنا راقيا فإن فلانا لقع «5» مهرك بعينه فتركته يدور كأنه فلك. فقال عبد ~~الله: لا تبتغ راقيا ولكن اذهب فانفث في منخره الأيمن أربعا وفي الأيسر ~~ثلاثا ثم قل: بسم الله لا باس لا باس أذهب الباس # PageV01P248 # رب الناس واشف أنت الشافي لا يكشف الضراء إلا أنت. قال: فما قمنا حتى جاء ~~الرجل فقال: قد فعلت الذي أمرتني به فبال وراث وأكل. # حدثني أبو حاتم عن أبي عبيدة أنه قال: إذا كان الفرس صلودا «1» لا يعرق ~~سقيته ماء قد دفت «2» فيه خميرة أو علفته ضغثا «3» من هندباء فإن ذلك يكثر ~~عرقه، فإن حمر «4» أدخلته الحمام وأشمه عذرة. فقلت لأبي عبيدة: ما يدريك أن ~~هذا كذا؟ فقال: أخبرني به جل الهندي وكان بصيرا. قال: فإن أصابته مغلة وهي ~~وجع البطن من أكل التراب أخذ له شيء من بورق فدق ونخل فجعل في ربع دورق من ~~خمر فحقن به وبل تراب طيب ببول «5» أتان حتى يصير طينا ثم لطخ به بطن ~~الدابة. قال: ومما يذهب العرن «6» دماغ الأرنب. # وقف الهيثم بن مطهر على باب الخيزران على ظهر دابته، فبعث إليه الكاتب في ~~دارها: انزل عن ظهر دابتك فقد جاء في الأثر: لا تجعلوا ظهور دوابكم مجالس. ~~فبعث إليه: إني رجل أعرج وإن خرج صاحبي خفت ألا أدركه. فبعث إليه: إن لم ~~تنزل أنزلناك. قال: هو حبيس إن أنزلتني عنه إن أقضمته شهرا فانظر أيما خير ~~له، راحة ساعة أو جوع شهر؟ فقال: هذا شيطان، اتركوه. # PageV01P249 ### | باب البغال والحمير # قال مسلمة: ما ركب الناس مثل بغلة قصيرة العذار طويلة العنان. # وكتب رجل إلى وكيله: ابغني بغلة حصاء الذنب «1» طويلة العنق سوطها عنانها ~~وهواها أمامها. # عاتب الفضل بن الربيع بعض بني هاشم في ركوبه بغلة، فقال له: هذا مركب ~~تطأطأ عن خيلاء الخيل وارتفع عن ذلة الحمار وخير الأمور أوساطها. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: أخبرنا أبو عمرو بن العلاء: قال دفع أبو ~~سيارة بأهل المزدلفة «2» أربعين سنة على حمار لا يعتل، فقالت العرب: # «أصح من عير أبي سيارة» . # قال رجل للفضل الرقاشي وهو جد معتمر لأمه: إنك لتؤثر الحمير على جميع ~~المركوب، فلم ذلك؟ قال: لأنها أكثرها مرفقا. قال: وما ذاك؟ قال: لا تستبدل ~~بالمكان على قدر اختلاف الزمان ثم هي أقلها داء وأيسرها دواء وأسلم صريعا ~~وأسهل تصريفا وأخفض مهوى وأقل جماحا وأشهر فارها «3» وأقل نظيرا ويزهى ~~راكبه وقد تواضع بركوبه، ويكون مقتصدا وقد أسرف في ثمنه. وقال خالد بن ~~صفوان في وصف حمار: قد أركبه عيرا من بنات الكداد أصحر # PageV01P250 # السربال محملج القوائم يحمل الرجلة «1» ويبلغ العقبة ويمنعني أن يكون ~~جبارا عنيدا. # وقال رجل لنخاس «2» : أطلب لي حمارا ليس بالكثير المشتهر ولا القصير ~~المحتقر ولا يقدم تقحما ولا يحجم تبلدا يتجنب بي الزحام والرجام والإكام ~~خفيف اللجام، إذا ركبته هام، وإذا ركبه غيري قام، إن علقته شكر، وإن أجعته ~~صبر. فقال له النخاس: إن مسخ الله القاضي زيادا حمارا رجوت أن أصيب لك ~~حاجتك إن شاء الله. وقال رجل لآخر يوصيه: خذ من الحمار شكره وصبره ومن ~~الكلب نصحه لأهله ومن الغراب كتمانه للسفاد. # جرير بن عبد الله عن أبيه قال: لا تركب حمارا فإنه إن كان فارها أتعب ~~يديك وإن كان بليدا أتعب رجليك. ### | باب في الإبل # الهيثم قال قال ابن عياش: لا تشتر خمسة من خمسة: لا تشتر فرسا من أسدي ~~ولا جملا من نهدي ولا عيرا من تميمي ولا عبدا من بجلي. ونسي الهيثم الخامس، ~~يريد أن أهل هذه القبائل عظام الجدود في هذه الأشياء. قيل لبني عبس: أي ~~الإبل أصبر عليكم في محاربتكم؟ قال الرمك «3» الجعاد. # قيل: فأي الخيل وجدتم أصبر؟ قالوا: الكمت «4» الحو. قيل: فأي النساء # PageV01P251 # وجدتم أصبر؟ قالوا: بنات العم. # المدائني قال: قال شبة بن عقال: أقبلت من اليمن أريد مكة وخفت أن يفوتني ~~الحج، ومعي ثلاثة أجمال فمررت برجل من أهل اليمن على ناقة له فطويته فلما ~~جزته قام بي بعير لي ثم آخر ثم قام الآخر فظننت أن الحج يفوتني فمر بي ~~اليماني فقال: مررت بنا ولم تسلم ولم تعرض. فقلت: أجل يرحمك الله. # قال: أتطيب نفسا عما أرى؟. قلت: نعم. فنزل فأرخى أنساع «1» رحله ثم قدمه ~~فكاد يضعه على عنقها ثم شده وقال لي: لولا أنك لا تضبط رأسها لقدمتك. # ثم قال لي: خذ حر متاعك إن لم تطب نفسا به ففعلت، ثم ارتدفت فجعلت تعوم ~~عوما ثم انسلت كأنها ثعبان يسيل سيلا كالماء فما شعرت حتى أراني الأعلام ~~وقال: أتسمع؟ فسمعت أصوات الناس فإذا نحن بجمع «2» ، فقضيت حجتي، وكان قال ~~لي: حاجتي إليك ألا تذكر هذا فإن هذه عندي أثر من ولاية العروض يعني مكة ~~والمدينة، أدرك عليها الثأر وهي ثمال العيال وأصيد عليها الوحش وأوافي ~~عليها الموسم في كل عام من صنعاء في أقل من غب الحمال فسألته: من أين هي؟ ~~قال: بجاوية من هوامي نتاج بدو بجيلة الأولى وهي من المهارى التي يذكر ~~الناس. # وكتب سليمان بن عبد الملك إلى عامله: أصب لي نجائب كراما. # فقدم رجل على جمل «3» سباعي عظيم الهامة له خلق لم يروا مثله قط فساموا، ~~فقال: لا أبيعه. قالوا: لا ندعك ولا نغصبك ولكنا نكتب إلى أمير المؤمنين # PageV01P252 # بسببه. قال: فهلا خيرا من هذا؟ قالوا: ما هو؟ قال: معكم نجائب كرام وخيل ~~سابقة، فدعوني أركب جملي وأبعثه واتبعوني فإن لحقتموني فهو لكم بغير ثمن. ~~قالوا: نعم. فدنا منه فصاح في أذنه ثم أثاره فوثب وثبة شديدة فكبا ثم انبعث ~~واتبعوه فلم يدروا كيف أخذ، ولم يروا له أثرا فجعل أهل اليمن علما على ~~وثبته يقال له: الكفلان. ### | أخبار الجبناء # حدثني عبد الرحمن بن عبد الله عن عمه الأصمعي قال: أرسل عبيد الله بن ~~زياد رجلا في ألفين إلى مرداس «1» بن أدية وهو في أربعين فهزمه مرداس فعنفه ~~ابن زياد وأغلظ له فقال: يشتمني الأمير وأنا حي أحب إلي من أن يدعو لي وأنا ~~ميت. فقال شاعر الخوارج «2» : [وافر] # أألفا مؤمن منكم زعمتم ... ويهزمهم باسك «3» أربعونا؟ # كذبتم ليس ذلكم كذاكم ... ولكن الخوارج مؤمنونا # هم الفئة القليلة قد علمتم ... على الفئة الكثيرة ينصرونا «4» # حدثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن عون عن الحسن قال: قال ~~النبي صلى الله عليه وسلم: «ما التقت فئتان قط إلا وكف الله بينهما فإذا ~~أراد أن # PageV01P253 # يهزم إحدى الطائفتين أمال كفه عليها» . ورفع معاوية ثندوته «1» بيده ~~وقال: لقد علم الناس أن الخيل لا تجري بمثلي، فكيف قال النجاشي «2» : ~~[طويل] # ونجى ابن حرب سابق ذو علالة ... أجش هزيم والرماح دواني «3» # ابن دأب قال: قال عمرو بن العاص لمعاوية: لقد أعياني أن أعلم أجبان أنت ~~أم شجاع؟ فقال: [طويل] # شجاع إذا ما أمكنتني فرصة ... وإلا تكن لي فرصة فجبان # شهد أبو دلامة حربا مع روح بن حاتم فقال له: تقدم فقاتل. # فقال: [بسيط] # إني أعوذ بروح أن يقدمني ... إلى القتال فتخزى بي بنو أسد # إن المهلب «4» حب الموت ورثكم ... ولم أورث حب الموت عن أحد # أبو المنذر قال: حدثنا زيد بن وهب قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله ~~عنه: عجبا لابن النابغة! يزعم أني تلعابه أعافس وأمارس! أما وشر # PageV01P254 # القول أكذبه، إنه يسأل فيلحف «1» ويسأل فيبخل، فإذا كان عند البأس فإنه ~~امرؤ زاجر ما لم تأخذ السيوف مأخذها من هام القوم، فإذا كان كذلك كان أكبر ~~همه أن يبرقط «2» ويمنح الناس استه. قبحه الله وترحه. وقال الفرار «3» ~~السلمي: [كامل] # وكتيبة لبستها بكتيبة ... حتى إذا التبست نفضت بها يدي «4» # وتركتهم تقص الرماح ظهورهم ... من بين منجدل وآخر مسند «5» # ما كان ينفعني مقال نسائهم ... وقتلت دون رجالهم: لا تبعد «6» # وقال آخر: [بسيط] # أصخت تشجعني هند وقد علمت ... أن الشجاعة مقرون بها العطب # لا والذي حجت الأنصار كعبته ... ما يشتهي الموت عندي من له أرب # للحرب قوم أضل الله سعيهم ... إذا دعتهم إلى حوبائها «7» وثبوا # ولست منهم ولا أبغي فعالهم ... لا القتل يعجبني منها ولا السلب # وقال أيمن «8» بن خريم: [رمل] # إن للفتنة ميطا «9» بينا ... فرويد الميط منها يعتدل # PageV01P255 # فإذا كان عطاء فأتهم ... وإذا كان قتال فاعتزل # إنما يسعرها جهالها ... حطب النار فدعها تشتعل «1» # وقال آخر: [متقارب] # كملقي الأعنة من كفه ... وقاد الجياد بأذنابها # وقال جران «2» العود في الدهش: [بسيط] # يوم ارتحلت برحلي قبل تودعتي ... والقلب مستوهل بالبين مشغول # ثم اغترزت «3» على نضوي لأدفعه ... إثر الحمول الغوادي وهو معقول # كان خالد بن عبد الله من الجبناء خرج عليه المغيرة بن سعيد صاحب المغيرية ~~من الرافضة وهو من بجيلة فقال من الدهش: أطعموني ماء. فذكره بعضهم فقال: ~~[بسيط] # عاد الظلوم ظليما حين جد به ... واستطعم الماء لما جد في الهرب # وقال عبيد الله بن زياد إما للكنة فيه أو لجبن أو دهشة: افتحوا سيوفكم. # وقال ابن مفزغ الحميري «4» : # PageV01P256 # [وافر] # ويوم فتحت سيفك من بعيد ... أضعت وكل أمرك للضياع «1» # وكان معاوية يتمثل بهذين البيتين كثيرا: [متقارب] # أكان الجبان يرى أنه ... سيقتل قبل انقضاء الأجل # فقد تدرك الحادثات الجبان ... ويسلم منها الشجاع البطل # وقال خالد بن الوليد: لقد لقيت كذا وكذا زحفا وما في جسدي موضع شبر إلا ~~وفيه طعنة أو ضربة أو رمية ثم ها أنا أموت على فراشي حتف أنفي «2» ، فلا ~~نامت أعين الجبناء. # قيل لأعرابي: ألا تغزو فإن الله قد أنذرك. قال: والله إني لأبغض الموت ~~على فراشي فكيف أمضي إليه ركضا؟ وقال قرواش «3» بن حوط وذكر رجلين: [كامل] # ضبعا مجاهرة وليثا هدنة ... وثعيلبا خمر «4» إذا ما أظلما # وقال عبد الملك بن مروان في أمية بن عبد الله «5» بن خالد: # PageV01P257 # إذا صوت العصفور طار فؤاده ... وليث حديد الناب عند الثرائد # ونحوه قول الآخر «1» : [طويل] # ولو أنها عصفورة لحسبتها ... مسومة تدعو عبيدا وأزنما «2» # وقال الله جل وعز: يحسبون كل صيحة عليهم # «3» . # ومن أشعار الشطار في الجبان: [هزج] # رأى في النوم إنسانا ... فوارى نفسه أشهر «4» # قال ابن المقفع: الجبن مقتلة والحرص محرمة فانظر فيما رأيت وسمعت: من قتل ~~في الحرب مقبلا أكثر أم من قتل مدبرا؟ وانظر من يطلب إليك بالإجمال والتكرم ~~أحق أن تسخو نفسك له بالعطية أم من يطلب إليك بالشره والحرص؟ وقال حنش «5» ~~بن عمرو: [طويل] # وأنتم سماء يعجب الناس رزها «6» ... لها زجل باق شديد وئيدها # تقطع أطناب البيوت بحاصب «7» ... وأكذب شيء برقها ورعودها # PageV01P258 # فويلمها «1» خيلا تهاوى شرارها ... إذا لاقت الأعداء لولا صدودها # وقال الفرزدق أو البيعث: [بسيط] # سائل سليطا «2» إذا ما الحرب أفزعها ... ما بال خيلكمو قعسا هواديها # لا يرفعون إلى داع أعنتها ... وفي جواشنها داء يجافيها # كان بالبصرة شيخ من بني نهشل يقال له عروة بن مرثد ويكنى أبا الأغر ينزل ~~ببني أخت له في سكة بني مازن، وبنو أخته من قريش، فخرج رجالهم إلى ضياعهم ~~في شهر رمضان وخرج النساء يصلين في مسجدهم فلم يبق في الدار إلا الإماء «3» ~~فدخل كلب يعتس «4» فرأى بيتا فدخله وانصفق الباب فسمع الحركة بعض الإماء ~~فظنوا أن لصا دخل الدار فذهبت إحداهن إلى أبي الأغر فأخبرته، فقال أبو ~~الأغر: ما يبتغي اللص؟ ثم أخذ عصاه وجاء، فوقف على باب البيت وقال: إيه، يا ~~ملأمان «5» ، أما والله إنك بي لعارف فهل أنت إلا من لصوص بني مازن شربت ~~حامضا خبيثا حتى إذا دارت القدوح في رأسك منتك نفسك الأماني وقلت: أطرق ~~ديار بني عمرو والرجال خلوف والنساء يصلين في مسجدهم فأسرقهم؟ سوءة لك، ~~والله ما يفعل هذا ولد الأحرار، وايم الله «6» لتخرجن أو لأهتفن هتفة ~~مشؤومة يلتقي فيها الحيان عمرو وحنظلة وتجيء سعد # PageV01P259 # بعدد الحصى وتسيل عليك الرجال من هاهنا ومن هاهنا ولئن فعلت لتكونن أشأم ~~مولود. فلما رأى أنه لا يجيبه أحد أخذ باللين فقال: أخرج بأبي وأمي، أنت ~~مستور، إني والله ما أراك تعرفني ولو عرفتني لقنعت بقولي واطمأننت إلي. ~~أنا- فديتك- أبو الأغر النهشلي، وأنا خال القوم وجلدة بين أعينهم لا ~~يعصونني، ولن تضار الليلة فاخرج فأنت في ذمتي وعندي قوصرتان «1» أهداهما ~~إلي ابن أختي البار الوصول فخذ إحداهما فانتبذها حلالا من الله ورسوله. # وكان الكلب إذا سمع الكلام أطرق وإذا سكت وثب يريغ المخرج، فتهاتف أبو ~~الأغر ثم تضاحك وقال: يا ألأم الناس وأوضعهم، لا أرى إلا أني لك الليلة في ~~واد وأنت لي في واد، أقلب السوداء والبيضاء فتصيخ وتطرق، وإذا سكت عنك وثبت ~~تريغ المخرج، والله لتخرجن أو لألجن عليك البيت. فلما طال وقوفه جاءت إحدى ~~الإماء فقالت: أعرابي مجنون، والله ما أرى في البيت شيئا، فدفعت الباب فخرج ~~الكلب شدا وحاد عنه أبو الأغر ساقطا على قفاه، ثم قال: يا لله ما رأيت ~~كالليلة! والله ما أراه إلا كلبا، أما والله لو علمت بحاله لولجت عليه. # وشبيه بهذا حديث لأبي حية النميري، وكان له سيف ليس بينه وبين الخشبة ~~فرق، وكان يسميه لعاب المنية. قال جار له: أشرفت عليه ليلة وقد انتضاه وشمر ~~وهو يقول: أيها المغتر بنا والمجترىء علينا، بئس والله ما أخترت لنفسك، خير ~~قليل وسيف صقيل، لعاب المنية الذي سمعت به، مشهور ضربته لا تخاف نبوته. ~~أخرج بالعفو عنك وإلا دخلت بالعقوبة عليك، إني والله إن أدع قيسا تملأ ~~الأرض خيلا ورجلا. يا سبحان الله، ما # PageV01P260 # أكثرها وأطيبها! ثم فتح الباب فإذا كلب قد خرج، فقال: الحمد لله الذي ~~مسخك كلبا وكفاني حربا. # وقرأت في كتاب كليلة ودمنة: يخاف غير المخوف طائر يرفع رجليه خشية السماء ~~أن تسقط، وطائر يقوم على إحدى رجليه حذار الخسف إن قام عليهما، ودودة تأكل ~~التراب فلا تشبع خوفا أن يفنى إن شبعت فتجوع، والخفافيش تستتر بالنهار خذار ~~أن تصطاد لحسنها. # بينا عبد الله بن خازم السلمي عند عبيد الله بن زياد إذ دخل عليه بجرذ ~~«1» أبيض فعجب منه وقال: يا أبا صالح، هل رأيت أعجب من هذا؟ وإذا عبد الله ~~قد تضاءل حتى صار كأنه فرخ واصفر حتى كأنه جرادة ذكر. فقال عبيد الله: # أبو صالح يعصى الرحمن ويتهاون بالشيطان ويقبض على الثعبان ويمشي إلى ~~الأسد الورد «2» ويلقى الرماح بوجهه قد اعتراه من هذا الجرذ ما ترون! إن ~~الله على كل شيء قدير!. # كان الحارث بن هشام أخو أبي جهل بن هشام شهد بدرا مع المشركين وانهزم، ~~فقال فيه حسان «3» : [كامل] # إن كنت كاذبة الذي حدثتني ... فنجوت منجى الحارث بن هشام # ترك الأحبة لم يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرة «4» ولجام # PageV01P261 # فاعتذر الحارث من فراره وقال: [كامل] # الله يعلم ما تركت قتالهم ... حتى علوا فرسي بأشقر مزبد # وعلمت أني إن أقاتل واحدا ... أقتل ولا يضرر عدوي مشهدي # فصددت عنهم والأحبة فيهم ... طمعا لهم بعقاب يوم مفسد # وأسلم يوم فتح مكة وحسن إسلامه، وخرج في زمن عمر من مكة إلى الشام بأهله ~~وماله، فاتبعه أهل مكة يبكون، فرق وبكى ثم قال: أما إنا لو كنا نستبدل دارا ~~بدارنا وجارا بجارنا ما أردنا بكم بدلا، ولكنها النقلة إلى الله، فلم يزل ~~هنالك مجاهدا حتى مات. # المدائني قال: رأى عمرو بن العاص معاوية يوما يضحك فقال له: مم تضحك يا ~~أمير المؤمنين أضحك الله سنك؟ قال: أضحك من حضور ذهنك عند إبدائك سوءتك يوم ~~ابن أبي طالب، أما والله لقد وافقته منانا كريما، ولو شاء أن يقتلك لقتلك. ~~قال عمرو: يا أمير المؤمنين، أما والله إني لعن يمينك حين دعاك إلى البراز ~~فاحولت عيناك وربا سحرك وبدا منك ما أكره ذكره لك فمن نفسك فاضحك أو دع. # وقدم الحجاج على الوليد بن عبد الملك فدخل وعليه درع وعمامة سوداء وقوس ~~عربية وكنانة، فبعثت إليه أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان فقالت: من هذا ~~الأعرابي المستلئم «1» في السلاح عندك وأنت في غلالة؟ # فبعث إليها أنه الحجاج، فأعادت الرسول إليه، فقال: تقول لك والله لأن ~~يخلو بك ملك الموت أحيانا أحب إلي من أن يخلو بك الحجاج، فأخبره بذلك ~~الوليد وهو يمازحه، فقال: يا أمير المؤمنين، دع عنك مفاكهة النساء بزخرف # PageV01P262 # القول فإنما المرأة ريحانة وليست قهرمانة «1» فلا تطلعها على سرك ومكايدة ~~عدوك. فلما دخل الوليد أخبرها بمقالة الحجاج فقالت: يا أمير المؤمنين، ~~حاجتي أن تأمره غدا بأن يأتيني مستلئما، ففعل ذلك وأتاها الحجاج فحجبته فلم ~~يزل قائما، ثم قالت: إيه يا حجاج، أنت الممتن على أمير المؤمنين بقتال ابن ~~الزبير وابن الأشعث، أما والله لولا أن الله علم أنك شر خلقه ما ابتلاك ~~برمي الكعبة الحرام ولا بقتل ابن ذات النطاقين «2» أول مولود ولد في ~~الإسلام، وأما نهيك أمير المؤمنين عن مفاكهة النساء وبلوغ لذاته وأوطاره ~~فإن كن ينفرجن عن مثله فغير قابل لقولك، أنا والله لقد نفض نساء أمير ~~المؤمنين الطيب من غدائرهن فبعنه في أعطية أهل الشام حين كنت في أضيق من ~~القرن قد أظلتك رماحهم وأثخنك كفاحهم وحين كان أمير المؤمنين أحب إليهم من ~~آبائهم وأبنائهم فأنجاك الله من عدو أمير المؤمنين بحبهم إياه، قاتل الله ~~القائل حين نظر إليك وسنان غزالة «3» بين كتفيك: [كامل] # أسد علي وفي الحروب نعامة ... فتخاء «4» تنفر من صفير الصافر # هلا كررت على غزالة في الوغى ... بل كان قلبك في جوانح طائر # وغزالة امرأة شبيب الخارجي. ثم قالت: أخرج، فخرج. # PageV01P263 # وكان في بني ليث رجل جبان بخيل فخرج رهطه غازين وبلغ ذلك أناسا من بين ~~سليم وكانوا أعداء لهم فلم يشعر الرجل إلا بخيل قد أحاطت بهم فذهب يفر فلم ~~يجد مفرا، ووجدهم قد أخذوا عليه كل وجه فلما رأى ذلك جلس ثم نثل كنانته ~~وأخذ قوسه وقال «1» : [رجز] # ما علتي، وأنا جلد نابل «2» ... والقوس من نبع لها بلابل # يرز فيها وتر عنابل ... إن لم أقاتلكم فأمي هابل «3» # أكل يوم أنا عنكم ناكل ... لا أطعم القوم ولا أقاتل # الموت حق والحياة باطل # ثم جعل يرميهم حتى ردهم، وجاءهم الصريخ وقد منع الحي، فصار بعد ذلك شجاعا ~~سمحا معروفا. # ولما قتل عبد الملك مصعب بن الزبير وجه أخاه بشر بن مروان على الكوفة ~~ووجه معه روح بن زنباع الجذامي كالوزير، وكان روح رجلا عالما داهية غير أنه ~~كان من أجبن الناس وأبخلهم، فلما رأى أهل الكوفة من بخله ما رأوا تخوفوا أن ~~يفسد عليهم أمرهم وكانوا قد عرفوا جبه فاحتالوا في إخراجه عنهم فكتبوا ليلا ~~على بابه: [بسيط] # إن ابن مروان قد حانت منيته ... فاحتل لنفسك يا روح بن زنباع # فلما أصبح ورأى ذلك لم يشك أنه مقتول فدخل على بشر فاستأذنه في الشخوص ~~فأذن له وخرج حتى قدم على عبد الملك فقال له: ما أقدمك؟ # قال: يا أمير المؤمنين، تركت أخاك مقتولا أو مخلوعا. قال: كيف عرفت # PageV01P264 # ذلك؟ فأخبره الخبر فضحك عبد الملك حتى فحص برجليه، ثم قال: إحتال لك أهل ~~الكوفة حتى أخرجوك عنهم. # كان أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد وجه إلى أبي فديك فانهزم وأتي ~~الحجاج بدواب من دواب أمية قد وسم على أفخاذها «عدة» فأمر الحجاج فكتب تحت ~~ذلك: «للفرار» . # وقال عمر رضي الله عنه: إن الشجاعة والجبن غرائز في الرجال، تجد الرجل ~~يقاتل عمن لا يبالي ألا يؤوب إلى أهله، وتجد الرجل يفر عن أبيه وأمه، وتجد ~~الرجل يقاتل ابتغاء وجه الله فذلك هو الشهيد. # وقال الشاعر: [طويل] # يفر الجبان عن أبيه وأمه ... ويحمي شجاع القوم من لا يناسبه «1» ### | باب من أخبار الشجعاء «2» والفرسان وأشعارهم # حدثني أبو حاتم قال: حدثني الأصمعي قال: سمعت الحرسي يقول: # رأيت من الجبن والشجاعة عجبا. استثرنا من مزرعة في بلاد الشام رجلين ~~يذريان حنطة، أحدهما أصيفر أحيمش «3» ، والآخر مثل الجمل عظما، فقاتلنا ~~الأصيفر بالمذرى «4» لا تدنو منه دابة إلا نخس أنفها وضربها حتى شق علينا ~~فقتل، ولم نصل إلى الآخر حتى مات فرقا «5» فأمرت بهما فبقرت بطونهما فإذا # PageV01P265 # فؤاد الضخم يابس مثل الحشفة «1» ، وإذا فؤاد الأصيفر مثل فؤاد الجمل ~~يتخضخض في مثل كوز من ماء. # وحدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثنا أبو عمرو «2» الصفار قال: # حاصر مسلمة حصنا فندب الناس إلى نقب منه، فما دخله أحد. فجاء رجل من عرض ~~الجيش فدخله ففتحه الله عليهم، فنادى مسلمة: أين صاحب النقب؟ فما جاءه أحد، ~~فنادى: إني قد أمرت الأذن بإدخاله ساعة يأتي، فعزمت عليه إلا جاء. فجاء رجل ~~فقال: إستأذن لي على الأمير. فقال له: أنت صاحب النقب؟ # قال: أنا أخبركم عنه. فأتى مسلمة فأخبره عنه، فأذن له فقال له: إن صاحب ~~النقب يأخذ عليكم ثلاثا: ألا تسودوا اسمه في صحيفة إلى الخليفة ولا تأمروا ~~له بشيء، ولا تسألوه ممن هو. قال: فذاك له. قال: أنا هو. فكان مسلمة لا ~~يصلي بعدها صلاة إلا قال: اللهم اجعلني مع صاحب النقب. # حدثني محمد بن عمرو الجرجاني قال: كتب أنو شروان إلى مرازبته: # عليكم بأهل الشجاعة والسخاء فإنهم أهل حسن الظن بالله تعالى. وذكر أعرابي ~~قوما تحاربوا فقال: أقبلت الفحول تمشي مشي الوعول، فلما تصافحوا بالسيوف ~~فغرت المنايا أفواهها. وذكر آخر قوما اتبعوا قوما أغاروا عليهم فقال: # احتثوا كل جمالية عيرانة «3» فما زالوا يخصفون أخفاف المطي بحوافر الخيل ~~حتى أدركوهم بعد ثالثة فجعلوا المران أرشية «4» الموت واستقوا بها أرواحهم. # حدثني عبد الرحمن عن عمه عن رجل من العرب قال: انهزمنا من قطري وأصحابه ~~فأدركني رجل على فرس فسمعت حسا منكرا خلفي، # PageV01P266 # فالتفت فإذا أنا بقطري فيئست من الحياة فلما عرفني قال: أشدد عنانها ~~وأوجع خاصرتها قطع الله يديك. قال: ففعلت فنجوت منه. # وحدثني عبد الرحمن عن عمه قال: لما غرق شبيب قالت امرأة: الغرق يا أمير ~~المؤمنين، قال ذلك تقدير العزيز العليم قال: فأخرج فشق بطنه وأخرج فؤاده ~~فإذا مثل الكوز، فجعلوا يضربون به الأرض فينزو. # حدثنا الرياشي قال: حدثنا الأصمعي قال: أخبرنا صاحب لنا عن أبي عمرو بن ~~العلاء قال: لما كان يوم الكلاب «1» خرج رجل من بني تميم، أحسبه قال: سعدي، ~~فقال: لو طلبت رجلا له فداء! قال: فخرجت أطلبه، فإذا رجل عليه مقطعة يمانية ~~على فرس ذنوب، فقلت له: على يمينك. قال: على يساري أقصد لي. قلت: أيهات «2» ~~منك اليمن. قال: العراق مني أبعد. # قلت: وتالله لا ترى أهلك العام. قال لا والله أهلك لا أراهم. قال: فتركته ~~ولما كان بعد أيام ونعت نعته بعد ذلك، فقيل لي: هو وعلة الجرمي «3» . # حدثنا محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن هشام عن محمد بن ~~سيرين قال: بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الأحنف بن قيس على جيش قبل ~~خراسان فبيتهم العدو ليلا وفرقوا جيوشهم أربع فرق # PageV01P267 # واقبلوا معهم الطبل ففزع الناس وكان أول من ركب الأحنف فأخذ سيفه وتقلده ~~ثم مضى نحو الصوت وهو يقول: [رجز] # إن على كل رئيس حقا ... أن يخضب الصعدة «1» أو تندقا # ثم حمل على صاحب الطبل فقتله، فلما فقد أصحاب الطبل الصوت انهزموا. ثم ~~حمل على الكردوس «2» الآخر ففعل مثل ذلك وهو وحده، ثم جاء الناس وقد انهزم ~~العدو فاتبعوهم يقتلونهم، ثم مضوا حتى فتحوا مدينة يقال لها مرو الروذ «3» ~~. # سأل ابن هبيرة عن مقتل عبد الله بن خازم، فقال رجل ممن حضر: # سألنا وكيع بن الدورقية كيف قتلته؟ قال: غلبته بفضل فتاء «4» كان لي عليه ~~فصرعته وجلست على صدره وقلت له: يا لثارات دويلة. يعني أخاه من أبيه. # فقال من تحتي: قتلك الله! تقتل كبش مضر «5» بأخيك وهو لا يساوي كف نوى! ~~ثم تنخم فملأ وجهي نخامة «6» ، فقال ابن هبيرة: هذه والله البسالة! استدل ~~عليها بكثرة الريق في ذلك الوقت. # قال هشام لمسلمة: يا أبا سعيد، هل دخلك ذعر قط لحرب أو عدو قال: ما سلمت ~~في ذلك من ذعر ينبه على حيلة ولم يغشني فيها ذعر سلبني رأيي. قال هشام: هذه ~~البسالة. # PageV01P268 # خرج رهم «1» بن حزم الهلالي ومعه أهله وماله يريد النقلة من بلد إلى بلد ~~فلقيه ثلاثون رجلا من بني تغلب فعرفهم، فقال: يا بني تغلب، شأنكم بالمال ~~وخلوا الظعينة. فقالوا: رضينا إن ألقيت الرمح. قال: وإن رمحي لمعي. وحمل ~~عليهم فقتل منهم رجلا وصرع آخر وقال: [رجز] # ردا على آخرها الأتاليا ... إن لها بالمشرفي حاديا # ذكرتني الطعن وكنت ناسيا # قال الزبيري: ما استحيا شجاع أن يفر من عبد الله بن خازم السلمي وقطري بن ~~الفجاءة. # أبو اليقظان قال: كان حبيب بن عوف العبدي «2» فاتكا، فلقي رجلا من، أهل ~~الشام قد بعثه زياد ومعه ستون ألفا يتجر بها فسايره، فلما وجد غفلة قتله ~~وأخذ المال فقال يوما وهو يشرب على لذته: [بسيط] # يا صاحبي، أقلا اللوم والعذلا ... ولا تقولا لشيء فات ما فعلا # ردا علي كميت «3» اللون صافية ... إني لقيت بأرض خاليا رجلا # ضخم الفرائص لو أبصرت قمته ... وسط الرجال إذن شبهته جملا # ضاحكته ساعة طورا وقلت له ... أنفقت بيعك إن ريثا وإن عجلا # سايرته ساعة ما بي مخافته ... إلا التلفت حولي هل أرى دغلا «4» # غادرته بين آجام ومسبعة ... لم يدر غيري بعدي بعد ما فعلا # يدعو زيادا وقد حانت منيته ... ولا زياد لمن قد وافق الأجلا # PageV01P269 # المفضل الضبي: كان سليك بن سلكة التميمي من أشد فرسان العرب وأذكرهم وأدل ~~الناس بالأرض وأجودهم عدوا على رجليه لا تعلق به الخيل وكانت أمه سوداء ~~وكان يقول: اللهم إنك تهيء ما شئت لما شئت إذا شئت، اللهم إني لو كنت ضعيفا ~~كنت عبدا ولو كنت امرأة كنت أمة، اللهم إني أعوذ بك من الخيبة فأما الهيبة ~~فلا هيبة. وأملق حتى لم يبق له شيء، فخرج على رجليه رجاء أن يصيب غرة من ~~بعض من يمر عليه فيذهب بإبله، حتى إذا أمسى في ليلة مقمرة واشتمل الصماء ~~«1» ونام، إذا برجل قد جثم على صدره وقال: # إستأسر. فرفع سليك رأسه وقال: «إن الليل طويل وأنت مقمر» فجرى مثلا، وجعل ~~الرجل يلهزه «2» ويقول: استأسر، يا خبيث، فلما آذاه ضمه إليه ضمة ضرط منها ~~وهو فوقه، فقال له سليك: «أضرطا وأنت الأعلى» فجرى مثلا، ثم قال له: ما ~~أنت؟ قال: أنا رجل افتقرت، فقلت: لأخرجن ولا أرجع حتى أستغنى. قال: فانطلق ~~معي، فمضيا فوجدا رجلا قصته مثل قصتهما، فأتوا جوف مراد وهو واد باليمن ~~فإذا فيه نعم كثيرة، فقال لهما سليك: كونا قريبا حتى آتي الرعاء وأعلم لكما ~~علم الحي أقريب هو أم بعيد، فإن كانوا قريبا رجعت إليكما، وإن كانوا بعيدا ~~قلت لكما قولا أحي «3» به لكما فأغيرا. فانطلق حتى أتى الرعاء، فجعل ~~يستنطقهم حتى أخبروه بمكان الحي فإذا هم بعيد، فقال لهم سليك: ألا أغنيكم؟ ~~قالوا: بلى. فتغنى بأعلى صوته ليسمع صاحبيه: [بسيط] # يا صاحبي، ألا لا حي بالوادي ... إلا عبيد وآم «4» بين أذواد # PageV01P270 # أتنظران قليلا ريث غفلتهم ... أم تعدوان فإن الربح للعادي # فلما سمعا ذلك أتيا السليك فأطردوا الإبل وذهبوا بها. # حدثني سهل بن محمد عن الأصمعي قال: كان سليك يحضر «1» فتقع السهام من ~~كنانته فترتن في الأرض من شدة احضاره. وقال له بنو كنانة حين كبر: أرأيت أن ~~ترينا بعض ما بقي من إحضارك؟ قال: نعم، إجمعوا لي أربعين شابا وابغوني درعا ~~ثقيلة. فأخذها فلبسها وخرج بالشباب حتى إذا كان على رأس ميل أقبل يحضر فلاث ~~العدو لوثا واهتبصوا «2» في جنبتيه فلم يصحبوه إلا قليلا فجاء يحضر منبترا ~~من حيث لا يرونه وجاءت الدرع تخفق في عنقه كأنها خرقة. # قال سهل: حدثني العتبي قال: حدثني رجل من بني تميم عن بعض أشياخه من قومه ~~قال: كنت عند المهاجر بن عبد الله والي اليمامة فأتى بأعرابي قد كان معروفا ~~بالسرق فقال له: أخبرني عن بعض عجائبك، قال: # إنها لكثيرة، ومن أعجبها أنه كان لي بعير لا يسبق وكانت لي خيل لا تلحق، ~~فكنت لا أخرج فأرجع خائبا فخرجت يوما فاحترشت ضبا فعلقته على قتبي «3» ثم ~~مررت بخباء سري ليس فيه إلا عجوز، فقلت: أخلق بهذا الخباء أن يكون له رائحة ~~من غنم وإبل، فلما أمسيت إذا بإبل مائة فيها شيخ عظيم البطن مثدن «4» اللحم ~~ومعه عبد أسود وغد، فلما رآني رحب بي ثم قام إلى ناقة فاحتلبها وناولني ~~العلبة فشربت ما يشرب الرجل فتناول الباقي فضرب به جبهته # PageV01P271 # ثم احتلب تسع أينق «1» فشرب ألبانهن ثم نحر حوارا «2» فطبخه ثم ألقى ~~عظامه بيضا وحثا كومة من بطحاء وتوسدها وغط غطيط البكر، فقلت: هذه والله ~~الغنيمة. ثم قمت إلى فحل إبله «3» فخطمته ثم قرنته إلى بعيري وصحت به ~~فأتبعني الفحل وأتبعته الإبل إربابا به، فصارت خلفي كأنها حبل ممدود، فمضيت ~~أبادر ثنية بيني وبينها مسيرة ليلة للمسرع، فلم أزل أضرب بعيري بيدي مرة ~~وأقرعه برجلي أخرى حتى طلع الفجر، فأبصرت الثنية فإذا عليها سواد فلما دنوت ~~إذا أنا بالشيخ قاعدا وقوسه في حجره فقال: أضيفنا؟ قلت: # نعم. قال: أتسخوا نفسك عن هذه الإبل. قلت: لا. فأخرج سهما كأن نصله لسان ~~كلب ثم قال: أبصر بين أذني الضب، ثم رماه فصدع عظمه عن دماغه، ثم قال: ما ~~تقول؟ قلت: أنا على رأيي الأول. قال: أنظر هذا السهم الثاني في فقرة ظهره ~~الوسطى. ثم رمى به فكأنما قدره بيده ثم وضعه بإصبعه، ثم قال: أرأيت؟ قلت: ~~إني أحب أن أستثبت. قال: أنظر هذا السهم الثالث في عكوة «4» ذنبه والرابع ~~والله في بطنك. ثم رماه فلم يخطىء العكوة، فقلت: # أنزل آمنا؟ قال: نعم. فنزلت فدفعت إليه خطام فحله وقلت: هذه إبلك لم يذهب ~~منها وبرة وأنا أنتظر متى يرميني بسهم ينتظم به قلبي، فلما تنحيت قال لي: ~~أقبل. فأقبلت، والله، خوفا من شره لا طمعا في خيره، فقال: أي هذا، ما أحسبك ~~جشمت «5» الليلة ما جشمت إلا من حاجة. قلت: أجل. قال: # فاقرن من هذه الإبل بعيرين وامض لطيتك، قلت: أما والله حتى أخبرك عن # PageV01P272 # نفسك قبلا. ثم قلت: والله ما رأيت أعرابيا قط أشد ضرسا ولا أعدى رجلا ولا ~~أرمى يدا ولا أكرم عفوا ولا أسخى نفسا منك. # وقرأت في كتاب سير العجم أن بهرام جور خرج ذات يوم إلى الصيد ومعه جارية ~~له فعرضت له ظباء، فقال للجارية: في أي موضع تريدين أن أضع السهم من الوحش؟ ~~فقالت أريد أن تشبه ذكرانها بالإناث وإناثها بالذكران، فرمى تيسا من الظباء ~~بنشابة ذات شعبتين فاقتلع قرنيه ورمى عنزا منها بنشابتين فأثبتهما في موضع ~~القرنين. ثم سألته أن يجمع أذن الظبي وظلفه بنشابة واحدة فرمى أصل أذن ~~الظبي ببندقة فلما أهوى بيده إلى أذنه ليحتك رماه بنشابة فوصل ظلفه بأذنه ~~ثم أهوى إلى القينة فضرب بها الأرض وقال: شد ما اشتططت علي وأردت إظهار ~~عجزي!. # وقرأت في كتبهم أن كسرى استعمل قرابة له على اليمن يقال له المروزان، ~~فأقام بها حينا ثم خالفه أهل المصانع- والمصانع جبل باليمن ممتنع طويل ~~ووراءه جبل آخر بينهما فصل إلا أنه متقارب ما بينهما- فسار إليهم المروزان ~~فنظر إلى جبل لا يطمع أحد أن يدخله إلا من باب واحد يمنع ذلك الباب رجل ~~واحد. فلما رأى أن لا سبيل إليهم صعد الجبل الذي هو وراء المصانع من حيث ~~يحاذي حصنهم فنظر إلى أضيق مكان فيه تحته هواء لا يقدر قدره، فلم ير شيئا ~~أقرب إلى افتتاح ذلك الحصن من ذلك الجبل، فأمر أصحابه أن يقوموا به صفين ثم ~~يصيحوا به صيحة واحدة ثم ضرب فرسه حتى إذا استجمع حضرا رمى به أمام الحصن ~~وصاح به أصحابه فوثب الفرس الوادي فإذا هو على رأس الحصن، فلما نظرت إليه ~~حمير قالوا: هذا أيم. # والأيم بالحميرية شيطان، فانتهرهم بالفارسية وأمرهم أن يربط بعضهم بعضا ~~ففعلوا واستنزلهم من حصنهم فقتل طائفة وسبى طائفة وكتب بما كان منه إلى # PageV01P273 # كسرى، فتعجب كسرى وأمره بالاستخلاف على عمله والقدوم إليه وأراد أن يسامي ~~به أساورته «1» ، فاستخلف المروزان ابنه ثم توجه نحوه فلما صار ببعض بلاد ~~العرب هلك فوضعوه في تابوت ثم حملوه حتى قدموا به على كسرى فأمر كسرى بذلك ~~التابوت فوضع في خزانته فكان يخرج في كل عام إليه وإلى من عنده من أساورته ~~فيقول: هذا الذي فعل كذا وكذا. # وروى أبو سوقة التميمي عن أبيه عن جده عن أبي الأغر التميمي قال: # بينا أنا واقف بصفين مر بي العباس بن ربيعة مكفرا بالسلاح وعيناه تبصان ~~من تحت المغفر كأنهما عينا أرقم وبيده صفيحة له وهو على فرس له صعب يمنعه ~~ويلين من عريكته إذ هتف به هاتف من أهل الشام يقال له عرار بن أدهم: يا ~~عباس، هلم إلى البراز. قال العباس: فالنزول إذا فإنه إياس من القفول. فنزل ~~الشامي وهو يقول: [بسيط] # إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا ... أو تنزلون فإنا معشر نزل # وثنى العباس وركه فنزل وهو يقول: [كامل] # وتصد عنك مخيلة الرجل ال ... عريض موضحة عن العظم # بحسام سيفك أو لسانك وال ... كلم الأصيل كأرغب الكلم «2» # ثم غضن فضلات درعه في حجزته ودفع قوسه إلى غلام له أسود يقال له: أسلم، ~~كأني أنظر إلى فلائل شعره ثم دلف كل واحد منهما إلى صاحبه فذكرت بهما قول ~~أبي ذؤيب «3» : # PageV01P274 # [كامل] # فتنازلا وتواقفت خيلاهما ... وكلاهما بطل اللقاء مخدع # وكف الناس أعنة خيولهم ينتظرون ما يكون من الرجلين فتكافحا بينهما مليا ~~من نهارهما لا يصل واحد منهما إلى صاحبه لكمال لأمته إلى أن لحظ العباس ~~وهيا في درع الشامي فأهوى إليه بيده فهتكه إلى ثندؤته «1» ثم عاد لمجاولته ~~وقد أصحر له مفتق الدرع فضربه العباس ضربة انتظم بها جوانح صدره وخر الشامي ~~لوجهه وكبر الناس تكبيرة ارتجت لها الأرض من تحتهم وانشام العباس في الناس ~~وانساع أمره وإذا قائل يقول من ورائي قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم ~~وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من ~~يشاء والله عليم حكيم # «2» فالتفت وإذا أمير المؤمنين، رضي الله عنه، علي بن أبي طالب، فقال: يا ~~أبا الأغر، من المنازل لعدونا؟ فقلت: هذا ابن أحيكم، هذا العباس بن ربيعة. ~~فقال: إنه لهو، يا عباس، ألم أنهك وابن عباس أن تخلا بمركزكما أو تباشرا ~~حربا؟ # قال: إن ذلك. يعني نعم. قال: فما عدا مما بدا؟ قال: فأدعى إلى البراز فلا ~~أجيب؟ قال: نعم، طاعة إمامك أولى بك من إجابة عدوك. ثم تغيظ واستشاط حتى ~~قلت: الساعة الساعة، ثم تطأمن وسكن ورفع يديه مبتهلا فقال: اللهم اشكر ~~للعباس مقامه واغفر له ذنبه، اللهم إني قد غفرت له فاغفر # PageV01P275 # له. قال: وتأسف معاوية على عرار وقال: متى ينطف فحل بمثله! أيطل دمه! ~~لاها الله ذا. ألا لله رجل يشري نفسه يطلب بدم عرار؟ فانتدب له رجلان من ~~لخم. فقال: اذهبا فأيكما قتل العباس برازا فله كذا. فأتياه ودعواه إلى ~~البراز فقال: إن لي سيدا أريد أن أؤامره. فأتى عليا فأخبره الخبر، فقال ~~علي: والله لود معاوية أنه ما بقي من هاشم نافخ ضرمة إلا طعن في نيطه «1» ~~إطفاء لنور الله ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، أما والله ~~ليملكنهم منا رجال، ورجال يسومونهم الخسف حتى يحفروا الآبار ويتكففوا ~~الناس. ثم قال: يا عباس، ناقلني سلاحك بسلاحي، فناقله ووثب على فرس العباس ~~وقصد اللخميين. فلم يشكا أنه العباس فقالا له: أذن لك صاحبك؟ فخرج أن يقول ~~نعم، فقال: أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير # «2» فبرز له أحدهما فضربه ضربة فكأنما أخطأه، ثم برز له الآخر فألحقه ~~بالأول، ثم أقبل وهو يقول: الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن ~~اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم # «3» ثم قال: يا عباس، خذ سلاحك وهات سلاحي، فإن عاد لك أحد فعد إلي، ونمي ~~الخبر إلى معاوية فقال: قبح الله اللجاج إنه لقعود ما ركبته قط إلا خذلت. ~~فقال عمرو ابن العاص: الخذول والله اللخميان لا أنت. قال معاوية: أسكت، ~~أيها # PageV01P276 # الرجل، فليس هذه من ساعتك. قال: وإن لم تكن، رحم الله اللخميين وما أراه ~~يفعل. قال: ذاك والله أخسر لصفقتك وأضيق لحجرك. قال: قد علمت ذلك ولولا مصر ~~لركبت المنجاة منها. قال: هي أعمتك ولولا هي لألفيت بصيرا. وقال عمرو بن ~~العاص لمعاوية: [طويل] # معاوي، لا أعطيك ديني ولم أنل ... به منك دنيا، فانظرن كيف تصنع # فإن تعطني مصرا فأربح بصفقة ... أخذت بها شيخا يضر وينفع # خرج الأخينس الجهني فلقي الحصين العمري «1» ، وكانا جميعا فاتكين، فسارا ~~حتى لقيا رجلا من كندة في تجارة أصابها من مسك وثياب وغير ذلك، فنزل تحت ~~شجرة يأكل، فلما انتهيا إليه سلما. قال الكندي: ألا تضحيان؟ # فنزلا. فبينما هم يأكلون مر ظليم فنظر إليه الكندي وأبده «2» بصره فبدت ~~له لبته، فاغتره الحصين فضرب بطنه بالسيف فقتله، واقتسما ماله وركبا، فقال ~~الأخينس: يا حصين، ما صعلة «3» وصعل؟ قال: يوم شرب وأكل. قال: فانعت لي هذه ~~العقاب. فرفع رأسه لينظر إليها فوجأ بطنه بالسيف فقتله مثل قتله الأول. ثم ~~إن أختا للحصين يقال لها صخرة لما أبطأ عليها خرجت تسأل عنه في جيران لها ~~من مراح وجرم. فلما بلغ ذلك الأخينس قال: [وافر] # وكم من فارس لا تزدريه ... إذا شخصت لموقفه العيون # يذل له العزيز وكل ليث ... شديد الهصر مسكنه العرين # علوت بياض مفرقه بعضب ... ينوء لوقعه الهام السكون # فأمست عرسه ولها عليه ... هدوء بعد ليلته أنين # PageV01P277 # كصخرة «1» إذ تسائل في مراح ... وفي جرم، وعلمهما ظنون # تسائل عن حصين كل ركب ... وعند جهينة «2» الخبر اليقين # فذهبت مثلا. # خرج المهدي وعلي بن سليمان إلى الصيد ومعهما أبو دلامة «3» الشاعر، فسنحت ~~لهم ظباء فرمى المهدي ظبيا فأصابه، ورمى علي بن سليمان كلبا فعقره، فضحك ~~المهدي وقال لأبي دلامة: قال في هذا، فقال: # [مجزوء الرمل] # ورمى المهدي ظبيا ... شك بالسهم فؤاده # وعلي بن سليما ... ن رمى كلبا فصاده # فهنيئا لهما ك ... ل امرىء يأكل زاده «4» # قال أبو دلامة: كنت في عسكر مروان أيام زحف إلي شبيب الخارجي، فلما التقى ~~الزحفان خرج منهم فارس ينادي: من يبارز؟ فجعل لا يخرج إليه إنسان إلا أعجله ~~ولم ينهنهه، فغاظ ذلك مروان، فجعل يندب الناس على خمسمائة، فقتل أصحاب ~~الخمسمائة، وزاد مروان على ندبته فبلغ بها ألفا، فما زال ذلك فعله حتى بلغ ~~بالندبة خمسة آلاف درهم، وتحتي فرس لا أخاف خونه، فلما سمعت بالخمسة آلاف ~~نزقته «5» واقتحمت الصف. فلما نظر إلي # PageV01P278 # الخارجي علم أن خرجت للطمع، فأقبل يتهيأ لي وإذا عليه فرو له قد أصابه ~~المطر فارمعل «1» ثم أصابته الشمس فاقفعل «2» وعيناه تدران «3» كأنهما في ~~وقبين «4» ، فدنا مني وقال: [رجز] # وخارج أخرجه حب الطمع ... فر من الموت وفي الموت وقع # من كان ينوي أهله فلا رجع «5» # فلما وقرت في أذني انصرفت عنه هاربا، وجعل مروان يقول: من هذا الفاضح؟ ~~ائتوني به. ودخلت في غمار الناس فنجوت. # كان خالد بن جعفر نديما للنعمان، فبينا هو ذات يوم عنده وقد دعا النعمان ~~بتمر وزبد فهما يأكلان منه إذ دخل عليهما الحارث بن ظالم. فقال النعمان: ~~أدن، يا حارث، فكل، فدنا. فقال خالد: من ذا أبيت اللعن؟ قال: # هذا سيد قومه وفارسهم الحارث بن ظالم. قال خالد: أما إن لي عنده يدا. # قال الحارث: وما تلك اليد؟ قال: قتلت سيد قومك فتركتك سيدهم بعده. # يعني زهير بن جذيمة، قال الحارث أما إني سأجزيك بتلك اليد. ثم أخذه ~~الزمع» # وأرعدت يده، فأخذ يعبث بالتمر فقال له خالد: أيتهن تريد فأناولكها؟ قال ~~الحارث: أيتهن تهمك فأدعها؟ ثم نهض مغضبا، فقال النعمان لخالد: ما أردت ~~بهذا وقد عرفت فتكه وسفهه؟ فقال: أبيت اللعن، وما # PageV01P279 # تتخوف علي منه؟ فوالله لو كنت نائما ما أيقظني. فانصرف خالد فدخل قبة له ~~من أدم بعد هدأة من الليل وقام على بابها أخ له يحرسه. فلما نام الناس خرج ~~الحارث حتى أتى القبة من مؤخرها فشقها ثم دخل فقتله، فقال عمرو «1» ابن ~~الإطنابة: [خفيف] # عللاني وعللا صاحبيا ... واسقياني من المروق ريا «2» # إن فينا القيان يعزفن بالضر ... ب لفتياننا وعيشا رخيا # يتناهين في النعيم ويضرب ... ن خلال القرون مسكا ذكيا # أبلغا الحارث بن ظالم «3» الرع ... ديد والناذر النذور عليا # إنما تقتل النيام ولا تق ... تل يقظان ذا سلاح كميا # وكان عمرو قد آلى ألا يدعوه رجل بليل إلا أجابه ولم يسأله عن اسمه. # فأتاه الحارث ليلا فهتف به، فخرج إليه، فقال: ما تريد؟ قال أعني على أبل ~~لبني فلان وهي منك غير بعيدة فإنها غنيمة باردة. فدعا عمرو بفرسه وأراد أن ~~يركب حاسرا. فقال له: إلبس عليك سلاحك فإني لا امن امتناع القوم، فاستلأم ~~وخرج معه، حتى إذا برزا قال له الحارث: أنا أبو ليلى فخذ حذرك، يا عمرو، ~~فقال له: أمنن علي. فجز ناصيته. وقال الحارث: [خفيف] # عللاني بلذتي قينتيا ... قبل أن تبكي العيون عليا # قبل أن تذكر العواذل أني ... كنت قدما لأمرهن عصيا # PageV01P280 # ما أبالي إذا أصطبحت ثلاثا ... أرشيدا دعوتني أم غويا # غير ألا أسر إثما ... في حياتي ولا أخون صفيا # بلغتني مقالة المرء عمرو ... بلغتني وكان ذاك بديا # فخرجنا لموعد فالتقينا ... فوجدناه ذا سلاح كميا # غير ما نائم يروع باللي ... ل معدا بكفه مشرفيا «1» # فرجعنا بالمن منا عليه ... بعد ما كان منه منا بديا # ووفد تميم «2» بن مر وبكر بن وائل «3» على بعض الملوك، وكانا ينادمانه ~~فجرى بينهما تفاخر فقالا: أيها الملك، أعطنا سيفين، فأمر الملك بسيفين من ~~عودين فنحتا وموها بالفضة وأعطاهما إياهما، فجعلا يضطربان بهما مليا من ~~نهارهما، فقال بكر: [رجز] # لو كان سيفانا حديدا قطعا # وقال تميم: # أو نحتا من جندل تصدعا # ففرق الملك بينهما، فقال بكر لتميم: [وافر] # أساجلك العداوة ما بقينا # وقال تميم: # وإن متنا نورثها بنينا # PageV01P281 # فأورثاها بنيهما إلى اليوم. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن خلف الأحمر قال: كان أبو عروة «1» السباع ~~يصيح بالسبع وقد احتمل الشاة فيسقط فيموت فيشق بطنه فيوجد فؤاده قد انخلع. ~~وهو مثل في شدة الصوت. قال الشاعر «2» في ذلك: [منسرح] # زجر أبي عروة السباع إذا ... أشفق أن يلتبسن بالغنم «3» # قال: وأبو عطية عفيف النصري نادى في الحرب التي كانت بين ثقيف وبين بني ~~نصر لما رأى الخيل بعقوته «4» : يا سوء صباحاه، أتيتم يا بني يربوع! فألقت ~~الحبالى أولادها، فقيل في ذلك: [طويل] # وأسقط أحبال النساء بصوته ... عفيف لدن نادى بنصر فطربا # في أخبار وهب بن منبه أن يهوذا قال ليوسف: لتكفن أو لأصيحن صيحة لا تبقي ~~حامل بمصر إلا ألقت ما في بطنها. # محمد بن الضحاك عن أبيه قال: كان العباس بن عبد المطلب يقف على سلع ~~فينادي غلمانه وهم بالغابة فيسمعهم وذلك من آخر الليل. وبين الغابة وبين ~~سلع ثمانية أميال، وسلع جبل وسط المدينة. وكان شبيب بن ربعي يتنحنح في داره ~~فيسمع تنحنه بالكناسة «5» ، ويصيح براعيه فيسمع نداؤه # PageV01P282 # على فرسخ وكان هذا مؤذن سجاح «1» التي تنبأت ذكر هذا خالد بن صفوان، ~~وسمعه أبو المجيب النهدي فقال: ما سمع له بصوت أبعد من صوته بآذانه فإنه ~~كان مؤذنها يعني سجاح. # ذم رجل الأشتر فقال له قائد: أسكت فإن حياته هزمت أهل الشام وإن موته هزم ~~أهل العراق. # المدائني قال: أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجل يستحمله، فقال له: خذ ~~بعيرا من إبل الصدقة. فتناول ذنب بعير صعب فجذبه فاقتلعه، فعجب عمر وقال ~~له: هل رأيت أشد منك؟ قال: نعم، خرجت بامرأة من أهلي أريد بها زوجها فنزلنا ~~منزلا أهله خلوف فقربت من الحوض فبينا أنا كذلك إذ أقبل رجل ومعه ذود «2» ~~والمرأة ناحية فسرب ذوده إلى الحوض ومضى إلى المرأة فساورها ونادتني، فما ~~انتهيت إليها حتى خالطها، فجئت لأدفعه عنها فأخذ برأسي فوضعه بين عضده ~~وجنبه فما استطعت أن أتحرك حتى قضى ما أراد ثم استلقى. فقالت المرأة: أي ~~فحل هذا! لو كانت لنا منه سخلة «3» ! وأمهلته حتى امتلأ نوما فقمت إليه ~~بالسيف فضربت ساقه فأبنتها، فانتبه وتناول رجله فعلما فغلبه الدم فرماني ~~برجله وأخطأني وأصاب عنق بعيري # PageV01P283 # فقتله. فقال عمر: ما فعلت المرأة؟ قال: هذا حديث الرجل. فكرر عليه مرارا ~~لا يزيده على هذا، فظن أنه قد قتلها. # حدثني يزيد بن عمرو قال: حدثنا أشهل بن حاتم قال: حدثنا ابن عون عن عمير ~~بن إسحاق قال: كان سعد على ظهر بيت وهو شاك والمشركون يفعلون بالمؤمنين ~~ويفعلون. وأبو محجن في الوثاق عند أم ولد لسعد فأنشأ يقول: [طويل] # كفى حزنا أن تلتقي الخيل بالقنا ... وأترك مشدودا علي وثاقيا # إذا شئت غناني الحديد وغلقت ... مغاليق من دوني تصم المناديا # فقالت له أم ولد سعد: أتجعل لي إن أنا أطلقتك أن ترجع إلي حتى أعيدك في ~~الوثائق؟ قال نعم، فأطلقته فركب فرسا بلقاء «1» لسعد وحمل على المشركين ~~فجعل سعد يقول: لولا أن أبا محجن في الوثاق لظننت أنه أبو محجن وأنها فرسي. ~~فانكشف المشركون وجاء أبو محجن فأعادته في الوثاق وأتت سعدا فأخبرته، فأرسل ~~إلى أبي محجن فأطلقه وقال: والله لاحبستك فيها أبدا. يعني الخمر، فقال أبو ~~محجن: وأنا الله لا أشربها بعد اليوم أبدا. # وقال الشاعر «2» : [طويل] # سأغسل عني العار بالسيف جالبا ... علي قضاء الله ما كان جالبا # وأذهل عن داري وأجعل هدمها ... لعرضي من باقي المذمة حاجبا # ويصغر في عيني تلادي إذا انثنت ... يميني بإدراك الذي كنت طالبا # فيا لرزام رشحوا بي مقدما ... إلى الموت خواضا إليه الكرائبا # PageV01P284 # إذا هم لم يردع كريمة همه ... ولم يأت ما يأتي من الأمر هائبا # أخا غمرات لا يريد على الذي ... يهم به من مفظع الأمر صاحبا # إذا هم ألقى بين عينيه عزمه ... ونكب عن ذكر العواقب جانبا # ولم يستشر في رأيه غير نفسه ... ولم يرض إلا قائم السيف صاحبا # عليكم بداري فاهدموها فإنها ... تراث كريم لا يخاف العواقبا «1» # وقال رجل «2» من بني العنبر: [بسيط] # لو كنت من مازن لم تستبح إبلي ... بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا # إذن لقام بنصري معشر خشن ... عند الكريهة إن ذو لوثة لانا # قوم إذا الشر أبدى ناجذيه «3» لهم ... طاروا إليه زرافات ووحدانا # لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد ... ليسوا من الشر في شيء وإن هانا # يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ... ومن إساءة أهل السوء إحسانا # كأن ربك لم يخلق لخشيته ... سواهمو من جميع الناس إنسانا # فليت لي بهمو قوما إذا ركبوا ... شنوا الإغارة فرسانا وركبانا # لا يسألون أخاهم حين يندبهم ... في النائبات على ما قال برهانا # لكن يطيرون أشتاتا إذا فزعوا ... وينفرون إلى الغارات وحدانا # PageV01P285 # وقال آخر: [مجزوء الكامل] # ولئن عمرت لأشفين ... ن النفس من تلك المساعي # ولأعلمن البطن أن ... ن الزاد ليس بمستطاع # أما النهار فرأي أص ... حابي بمرقبة يفاع # أثر الشجاع بها كسر ... د الخرز في سير الصناع # ترد السباع معي فأل ... فى كالمدل من السباع # وقال آخر: [بسيط] # إنا محيون يا سلمى فحيينا ... وإن سقيت كرام الناس فاسقينا # إنا لنرخص يوم الروع أنفسنا ... ولو نسام بها في الأمن أغلينا # بيض مفارقنا تغلي مراجلنا ... نأسو بأموالنا آثار أيدينا # وقال المعلوط «1» : [وافر] # ألم ترني خلقت أخا حروب ... إذا لم أجن كنت مجن جاني؟ # وقال آخر «2» : [طويل] # لعمري لقد نادى بأرفع صوته ... نعي سويد أن فارسكم هوى # أجل صادقا والقائل الفاعل الذي ... إذا قال قولا أنبط «3» الماء في الثرى # فتى قبل لم تعنس السن وجهه ... سوى خلسة في الرأس كالبرق في الدجى «4» # أشارت له الحرب العوان فجاءها ... يقعقع بالأقراب أول من أتى # PageV01P286 # ولم يجنها لكن جناها وليه ... فآسى فآداه فكان كمن جنى # وقال بشامة «1» : [بسيط] # إنا بني نهشل لا ندعي لأب ... عنه ولا هو بالأبناء يشرينا # إن تبتدر غاية يوما لمكرمة ... تلق السوابق منا والمصلينا # إنا لمن معشر أفنى أوائلهم ... قيل الكماة ألا أين المحامونا # لو كان في الألف منا واحد فدعوا ... من فارس؟ خالهم إياه يعنونا # وقال زهير «2» : [بسيط] # يطعنهم ما ارتموا حتى إذا اطعنوا ... ضارب حتى إذا ما ضاربوا اعتنقا # وقالت امرأة من كندة: [طويل] # أبوا أن يفروا والقنا في نحورهم ... ولم يرتقوا من خشية الموت سلما # ولو أنهم فروا لكانوا أعزة ... ولكن رأوا صبرا على الموت أكرما # وقال آخر: [طويل] # بني عمنا، ردوا فضول دمائنا ... ينم ليلكم، أو لا تلمنا اللوائم # فإنا وإياكم وإن طال ترككم ... كذي الدين ينأى ما نأى وهو غارم # وقال أبو سعيد المخزومي «3» وكان شجاعا: [بسيط] # وما يريد بنو الأعيار من رجل ... بالجمر مكتحل بالنبل مشتمل # لا يشرب الماء إلا من قليب دم ... ولا يبيت له جار على وجل # PageV01P287 # وقال عبد القدوس بن عبد الواحد من ولد النعمان بن بشير: [طويل] # ندى تحكم الآمال فيه، ونجدة ... تحكم في الأعداء بالأسر والقتل # وقال آخر: [طويل] # ضربناكمو حتى إذا قام ميلكم ... ضربنا العدا عنكم بأبيض صارم # تمثل زيد بن علي يوم قتل بقول القائل: [متقارب] # أذل الحياة وعز الممات ... وكلا أراه طعاما وبيلا # فإن كان لا بد من واحد ... فسيروا إلى الموت سيرا جميلا # وقال قيس «1» بن الخطيم: [رجز] # أبلج لا يهم بالفرار ... قد طاب نفسا بدخول النار # وقال آخر «2» : [وافر] # ومن تكن الحضارة أعجبته ... فأي رجال بادية ترانا # ومن ربط الجحاش فإن فينا ... قنا سلبا وأفراسا حسانا # وكن إذا أغرن على قبيل ... فأعوزهن كون حيث كانا # أغرن من الضباب على جلال «3» ... وضبة إنه من حان حانا # وأحيانا نكر على أخينا ... إذا ما لم نجد إلا أخانا # وقال الخنساء «4» : [متقارب] # تعرقني الدهر نهسا وحزا ... وأوجعني الدهر قرعا وغمزا # وأفني رجالي فبادوا معا ... فأصبح قلبي بهم مستفزا # PageV01P288 # ومن ظن ممن يلاقي الحروب ... بأن لا يصاب فقد ظن عجزا # وفيها «1» تقول: [متقارب] # ونلبس للحرب أثوابها ... ونلبس في الأمن خزا وقزا # وهذا كقولهم: إلبس لكل حالة لبوسها. # وقال عبد الله بن سبرة الحرشي «2» حين قطعت يده: [بسيط] # ويلم «3» جار غداة الجسر فارقني ... أعزز علي به إذ بان فانصدعا # يمنى يدي غدت مني مفارقة ... لم أستطع يوم خلطاس لها تبعا # وما ضننت عليها أن أصاحبها ... لقد حرصت على أن نستريح معا # وقائل غاب عن شأني وقائلة ... ألا اجتنبت عدو الله إذ صرعا # وكيف أتركه يمشي بمنصله ... نحوي وأجبن عنه بعدما وقعا # ما كان ذلك يوم الروع من خلقي ... وإن تقارب مني الموت واكتنعا # ويلمه فارسا ولت كتيبته ... حامى وقد ضيعوا الأحساب فارتجعا # يمشي إلى مستميت مثله بطل ... حتى إذا مكنا سيفيهما امتصعا # كل ينوء بماضي الحد ذي شطب ... جلى الصياقل عن دريه «4» الطبعا # حاسيته الموت حتى اشتف آخره ... فما استكان لما لاقى وما جزعا # كأن لمته هداب مخملة ... أحم «5» أزرق لم يشمط وقد صلعا # فإن يكن أطربون الروم قطعها ... فقد تركت بها أوصاله قطعا # وإن يكن أطربون الروم قطعها ... فإن فيها بحمد الله منتفعا # PageV01P289 # بنانتان وجذمور «1» أقيم بها ... صدر القناة إذا ما آنسوا فزعا # وقال بعض الشعراء: [رجز] # إن لنا من قومنا ناصرة ... بيض الظبا سمر القنا شهب اللمم # يستنفرون الموت من مجثمه ... ويبعثون الحرب من عقد السلم # أولاك قيس قومنا أكرم بهم ... قيس الندى قيس العلا قيس الكرم # وقال جعفر «2» بن علبة الحارثي: [طويل] # ليهن عقيلا أنني قد تركتها «3» ... ينوء بقتلاها الذئاب الهوامل # لهم صدر سيفي يوم برقة سحبل ... ولي منه ما ضمت عليه الأنامل # إذا القوم سدوا مأزقا فرجت لنا ... بأيماننا بيض جلتها الصياقل # وقال عمرو «4» بن معد يكرب: [وافر] # أعاذل، شكتي بزي ورمحي ... وكل مقلص سلس القياد # أعاذل، إنما أفنى شبابي ... ركوب في الصريخ إلى المنادي # وقال أبو دلف «5» : [متقارب] # لقد علمت وائل أننا ... نخوض الحتوف غداة الحتوف # ولا نتقيها بزحف الفرار ... إذا ما الصفوف انبرت للصفوف # PageV01P290 # ويوم أفاءت لنا خيلنا ... لدى جبل الديلمي المنيف # طوال الفتى بطوال القنا ... وبيض الوجوه ببيض السيوف # وكل حصان بكل حصان ... أمين شظاه سليم الوظيف # ألا نعماني فما نعمتي ... برادعتي عن ركوب المخوف # لي الصبر عند حلول البلا ... إذا نزلت بي إحدى الصروف # وإن تسألي تخبري أنني ... أقي حسبي بألوف الألوف # وأحلم حتى يقولوا ضعيف ... وما أنا قد علموا بالضعيف # خفيف على فرسي ما ركبت ... ولست على ظالمي بالخفيف ### | باب الحيل في الحروب وغيرها # قال ابن إسحاق: لما خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى بدر، مر حتى ~~وقف على شيخ من العرب فسأله عن محمد وقريش وما بلغه من خبر الفريقين. # فقال الشيخ: لا أخبركم حتى تخبروني ممن أنتم. فقال رسول الله، صلى الله ~~عليه وسلم: «إذا أخبرتنا أخبرناك» . فقال الشيخ: خبرت أن قريشا خرجت من مكة ~~وقت كذا، فإن كان الذي خبرني صدق فهي اليوم بمكان كذا، للموضع الذي به ~~قريش. # وخبرت أن محمدا خرج من المدينة وقت كذا، فإن كان الذي خبرني صدق فهو ~~اليوم بمكان كذا، للموضع الذي به رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال: من ~~أنتم؟ # فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن من ماء، ثم انصرف. فجعل الشيخ ~~يقول: نحن من ماء! من ماء العراق أو ماء كذا أو ماء كذا!. # حدثني سهل بن محمد قال: حدثني الأصمعي قال: حدثني شيخ من بني العنبر قال: ~~أسرت بنو شيبان رجلا من بني العنبر فقال لهم: أرسل إلي أهلي ليفتدوني. ~~قالوا: ولا تكلم الرسول إلا بين أيدينا. فجاءوه برسول فقال # PageV01P291 # له: إئت قومي فقل لهم: إن الشجر قد أورق وإن النساء قد اشتكت. ثم قال له: ~~أتعقل ما أقول لك؟ قال: نعم أعقل. قال: فما هذا؟ وأشار بيده. قال: # هذا الليل. قال: أراك تعقل. إنطلق لأهلي فقل لهم: عروا جملي الأصهب ~~واركبوا ناقتي الحمراء وسلوا حارثا عن أمري. فأتاهم الرسول فأخبرهم، ~~فأرسلوا إلى حارث فقص عليه القصة، فلما خلا معهم قال لهم: أما قوله: # «إن الشجر قد أورق» فإنه يريد أن القوم قد تسلحوا. وقوله: «إن النساء قد ~~اشتكت» فإنه يريد أنها قد اتخذت الشكاء «1» للغزو، وهي أسقية، ويقال للسقاء ~~الصغير شكوة. وقوله: «هذا الليل» يريد أنهم يأتونكم مثل الليل أو في الليل. ~~وقوله: «عروا جملي الأصهب» يريد ارتحلوا عن الصمان. وقوله: # «اركبوا ناقتي الحمراء» يريد اركبوا الدهناء. قال: فلما قال لهم ذلك ~~تحولوا من مكانهم، فأتاهم القوم فلم يجدوا منهم أحدا. # أرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عبد الله بن عباس لما قدم البصرة ~~فقال: ائت الزبير ولا تأت طلحة فإن الزبير ألين وأنت تجد طلحة كالثور عاقصا ~~قرنه، يركب الصعوبة ويقول هي أسهل، فأقرئه السلام وقل له يقول لك ابن خالك: ~~عرفتني بالحجاز وأنكرتني بالعراق، فما عدا مما بدا؟ # قال ابن عباس: فأتيته فأبلغته. فقال قل له: بيننا وبينك عهد خليفة ودم ~~خليفة، واجتماع ثلاثة وانفراد واحد، وأم مبرورة، ومشاورة العشرة، ونشر ~~المصاحف، نحل ما أحللت ونحرم ما حرمت. # الهيثم بن عدي قال: مر شبيب الخارجي على غلام في الفرات يستنقع في الماء ~~فقال له شبيب: أخرج إلي أسائلك. قال: فأنا آمن حتى ألبس ثوبي؟ قال: نعم. ~~قال: فوالله لا ألبسه. # PageV01P292 # قال الهيثم: أراد عمر رحمه الله قتل الهرمزان. فاستسقى فأتي بماء فأمسكه ~~بيده واضطرب، فقال له عمر: لا بأس عليك، إني غير قاتلك حتى تشربه. فألقى ~~القدح، من يده وأمر عمر بقتله، فقال: أو لم تؤمني؟ قال: كيف امنتك؟ قال: ~~قلت: لا بأس عليك حتى تشربه، ولا بأس أمان، وأنا لم أشربه. فقال عمر: قاتله ~~الله! أخذ أمانا ولم نشعر به. قال أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ~~صدق. # العتبي: بعث يزيد بن معاوية عبيد الله بن عضاه الأشعري إلى ابن الزبير ~~فقال له: إن أول أمرك كان حسنا فلا تفسده بآخره. فقال ابن الزبير: إنه ليست ~~في عنقي بيعة ليزيد. فقال عبيد الله: يا معشر قريش، قد سمعتم ما قال، وقد ~~بايعتم، وهو يأمركم بالرجوع عن البيعة. # المدائني قال: أقبل واصل بن عطاء في رفقة فلقيهم ناس من الخوارج فقالوا ~~لهم: من أنتم؟ قال لهم واصل: مستجيرون حتى نسمع كلام الله، فأعرضوا علينا، ~~فعرضوا عليهم فقال واصل: قد قبلنا. قالوا: فامضوا راشدين. قال واصل: ما ذلك ~~لكم حتى تبلغونا مأمننا. قال الله تعالى: وإن أحد من المشركين استجارك ~~فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه # «1» فأبلغونا مأمننا. فجاءوا معهم حتى بلغوا مأمنهم. # وقال معاوية: لا ينبغي أن يكون الهاشمي غير جواد ولا الأموي غير حليم ولا ~~الزبيري، غير شجاع ولا المخزومي غير تياه. فبلغ ذلك الحسن بن علي فقال: ~~قاتله الله! أراد أن يجود بنو هاشم فينفد ما بأيديهم، ويحلم بنو # PageV01P293 # أمية فيتحببوا إلى الناس، ويتشجع آل الزبير فيفنوا، ويتيه بنو مخزوم ~~فيبغضهم الناس. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن عيسى بن عمر قال: استقبل الخوارج بن عرباض ~~اليهودي وهم بحرورى «1» فقال: هل خرج إليكم في اليهود شيء؟ قالوا: لا. قال: ~~فأمضوا راشدين. # المدائني قال: لما بلغ قتيبة بن مسلم أن سليمان يريد عزله عن خراسان ~~واستعمال يزيد بن المهلب كتب إليه ثلاثة صحائف، وقال للرسول: # إدفع إليه هذه، فإن دفعها إلى يزيد فادفع إليه هذه، فإن شتمني عند ~~قراءتها فادفع إليه الثالثة. فلما صار إليه الرسول دفع إليه الكتاب الأول ~~وفيه: يا أمير المؤمنين، إن من بلائي في طاعة أبيك وطاعتك وطاعة أخيك كيت ~~وكيت. # فدفع كتابه إلى يزيد فأعطاه الرسول الكتاب الثاني وفيه: يا أمير ~~المؤمنين، تأمن ابن دحمة على أسرارك ولم يكن أبوه يأمنه على أمهات أولاده! ~~فشتم قتيبة، فدفع إليه الرسول الكتاب الثالث وفيه: من قتيبة بن مسلم إلى ~~سليمان ابن عبد الملك، سلام على من اتبع الهدى أما بعد، فوالله لأوثقن لك ~~آخية «2» لا ينزعها المهر الأرن «3» . قال سليمان: عجلنا على قتيبة. يا ~~غلام، جدد له عهده على خراسان. # لما صرف أهل مزة الماء عن أهل دمشق ووجهوه إلى الصحارى كتب # PageV01P294 # إليهم أبو الهندام: إلى بني استها أهل مزة، ليمسيني الماء أو لتصبحنكم ~~الخيل. فوافاهم الماء قبل أن يعتموا فقال أبو الهندام: «الصدق ينبي عنك لا ~~الوعيد» . # ولما بايع الناس يزيد بن الوليد أتاه الخبر عن مروان ببعض التلكؤ ~~والتربص، فكتب إليه يزيد: أما بعد، فإني أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى فإذا ~~أتاك كتابي هذا فاعتمد على أيتهما شئت، والسلام. # ولما هزم أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد لم يدر الناس كيف يعزونه، ~~فدخل عليه عبد الله بن الأهتم فقال: مرحبا بالصابر المخذول، الحمد لله الذي ~~نظر لنا عليك ولم ينظر لك علينا، فقد تعرضت للشهادة بجهدك إلا أن الله علم ~~حاجة الإسلام إليك فأبقاك له بخذلان من كان معك لك. فصدر الناس عن كلامه. # وكتب الحارث بن خالد المخزومي- وكان عامل يزيد بن معاوية على مكة- إلى ~~مسلم بن عقبة المري، فأتاه الكتاب وهو بآخر رمق، وفي الكتاب: # أصلح الله الأمير، إن ابن الزبير أتاني بما لا قبل لي به فانحزت. فقال: ~~يا غلام أكتب إليه: أما بعد، فقد أتاني كتابك تذكر أن ابن الزبير أتاك بما ~~لا قبل لك به فانحزت. وايم الله ما أبالي على أي جنبيك سقطت إلا أن شرهما ~~لك أحبهما إلي، وبالله لئن بقيت لك لأنزلنك حيث أنزلت نفسك والسلام. # أبو حاتم قال: حدثنا العتبي قال: حدثنا إبراهيم قال: لما أسن معاوية ~~اعتراه أرق فكان إذا هوم أيقظته نواقيس الروم، فلما أصبح يوما ودخل عليه ~~الناس قال: يا معشر العرب، هل فيكم فتى يفعل ما آمره وأعطيه ثلاث ديات ~~أعجلها له وديتين إذا رجع؟ فقام فتى من غسان فقال: أنا يا أمير المؤمنين. # PageV01P295 # قال: تذهب بكتابي إلى ملك الروم، فإذا صرت على بساطه أذنت. قال: ثم ماذا؟ ~~قال: فقط. فقال: لقد كلفت صغيرا وآتيت كبيرا. فكتب له وخرج، فلما صار على ~~بساط قيصر أذن، فتناجزت البطارقة واخترطوا سيوفهم فسبق إليه ملك الروم فجثا ~~عليه وجعل يسألهم بحق عيسى وبحقهم عليه لما كفوا، ثم ذهب به حتى صعد على ~~سريره ثم جعله بين رجليه، ثم قال: يا معشر البطارقة، إن معاوية رجل قد أسن ~~وقد أرق وقد آذته النواقيس، فأراد أن نقتل هذا على الأذان فيقتل من قبله ~~منا ببلاده على النواقيس، والله ليرجعن إليه بخلاف ما ظن. فكساه وحمله فلما ~~رجع إلى معاوية قال: أوقد جئتني سالما؟ قال: نعم، أما من قبلك فلا. # وكان يقال: ما ولي المسلمين أحد إلا ملك الروم مثله إن حازما وإن عاجزا. ~~وكان الذي ملكهم على عهد عمر هو الذي دون لهم الدواوين ودوخ لهم العدو، ~~وكان ملكهم على عهد معاوية يشبه معاوية في حزمه وحلمه. # وبهذا الإسناد قال: كانت القراطيس تدخل بلاد الروم من أرض العرب وتأتي من ~~قبلهم الدنانير، وكان عبد الملك أول من كتب قل هو الله أحد # «1» وذكر النبي، صلى الله عليه وسلم، في الطوامير «2» ، فكتب إليه ملك ~~الروم: إنكم قد أحدثتم في طواميركم شيئا من ذكر نبيكم نكرهه فانه عنه وإلا ~~أتاكم في دنانيرنا من ذكره ما تكرهون. فكبر ذلك في صدر عبد الملك وكره أن ~~يدع شيئا من ذكر الله قد كان أمر به أو يأتيه في الدنانير من ذكر الرسول، ~~صلى الله عليه وسلم، ما يكره، فأرسل إلى خالد بن يزيد بن معاوية فقال: يا ~~أبا هاشم، إحدى بنات طبق «3» ، وأخبره # PageV01P296 # الخبر. فقال: ليفرخ روعك، حرم دنانيرهم واضرب للناس سككا ولا تعفهم مما ~~يكرهون. فقال عبد الملك: فرجتها عني فرج الله عنك. # حدثنا الرياشي قال: لما هدم الوليد بن عبد الملك كنيسة دمشق كتب إليه ملك ~~الروم: إنك قد هدمت الكنيسة التي رأى أبوك تركها فإن كان حقا فقد أخطأ ~~أبوك، وإن كان باطلا فقد خالفته. فكتب إليه الوليد: وداود وسليمان إذ ~~يحكمان في الحرث # «1» إلى آخر القصة. # حدثنا الزيادي محمد بن زياد قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال: # حدثنا علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال: كتب قيصر إلى ~~معاوية: سلام عليك، أما بعد، فأنبئني بأحب كلمة إلى الله وثانية وثالثة ~~ورابعة وخامسة، ومن أكرم عباده إليه وأكرم إمائه، وعن أربعة أشياء فيهن ~~الروح لم يرتكضن في رحم، وعن قبر يسير بصاحبه ومكان في الأرض لم تصبه الشمس ~~إلا مرة واحدة، والمجرة ما موضعها من السماء، وقوس قزح وما بدء أمره؟. # فلما قرأ كتابه قال: اللهم العنه! ما أدري ما هذا!. فأرسل إلي يسألني ~~فقلت: # أما أحب كلمة إلى الله فلا إله إلا الله لا يقبل عملا إلا بها وهي ~~المنجية، والثانية سبحان الله وهي صلاة الخلق، والثالثة الحمد لله كلمة ~~الشكر، والرابعة الله أكبر فواتح الصلوات والركوع والسجود، والخامسة لا حول ~~ولا قوة إلا بالله. وأما أكرم عباد الله إليه فآدم خلقه بيده وعلمه الأسماء ~~كلها، وأكرم إمائه عليه مريم التي أحصنت فرجها. والأربعة التي فيهن روح ولم ~~يرتكضن في رحم فادم وحواء وعصا موسى والكبش. والموضع الذي لم تصبه الشمس ~~إلا مرة واحدة فالبحر حين انفلق لموسى وبني إسرائيل. والقبر الذي سار ~~بساحبه فبطن الحوت الذي كان فيه يونس. # PageV01P297 # أبو حاتم عن العتبي عن أبيه قال: قدم معاوية من الشام وعمرو بن العاص من ~~مصر على عمر فأقعدهما بين يديه وجعل يسألهما عن أعمالهما إلى أن اعترض عمرو ~~في حديث معاوية، فقال له معاوية: أعلي تعيب وإلي تقصد؟ هلم حتى أخبر أمير ~~المؤمنين عن عملك وتخبره عن عملي. قال عمرو: فعلمت أنه بعملي أبصر مني ~~بعمله وأن عمر لا يدع أول هذا الحديث حتى يأتي على آخره، فأردت أن أفعل ~~شيئا أقطع به ذلك فرفعت يدي فلطمت معاوية، فقال عمر: تالله ما رأيت رجلا ~~أسفه منك، يا معاوية إلطمه. فقال معاوية: إن لي أميرا لا أقضي الأمور دونه. ~~فأرسل عمر إلى أبي سفيان فلما رآه ألقى له وساده ثم قال معتذرا: قال رسول ~~الله، صلى الله عليه وسلم: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ثم قص عليه ما جرى ~~بين عمرو ومعاوية فقال: ألهذا بعثت إلي؟ أخوه وابن عمه وقد أتى غير كبير، ~~قد وهبت له ذلك. # أبو حاتم عن الأصمعي عن نافع قال: ذكر بشر بن أرطاة عليا فنال منه فضرب ~~زيد بن عمر- وأمه ابنة علي بن أبي طالب- على رأسه بعصا فشجه فبلغ ذلك ~~معاوية فبعث إلى زيد بن عمر: أتدري ما صنعت؟ وثبت على بشر ابن أرطاة وهو ~~شيخ أهل الشام فضربت رأسه بعصا، لقد أتيت عظيما. ثم بعث إلى بشر فقال: ~~أتدري ما صنعت؟ وثبت على ابن الفاروق وابن علي بن أبي طالب تسبه وسط الناس ~~وتزدريه، لقد أتيت عظيما. ثم بعث إلى هذا بشيء وإلى هذا بشيء. # المدائني قال: كان ابن المقفع محبوسا في خراج كان عليه وكان يعذب، فما ~~طال ذلك وخشي على نفسه تعين «1» من صاحب العذاب مائة ألف درهم فكان بعد ذلك ~~يرفق به إبقاء على ماله. # PageV01P298 # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: قال المختار: أدعوا إلي المهدي محمد بن ~~الحنفية: فلما خشي أن يجيء قال: أما إن فيه علامة لا تخفى، يضربه رجل ~~بالسيف ضربة لا تعمل فيه. قال الأصمعي عرضه لأن مجرب به. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن عوانة بن الحكم الكلبي قال: ولى علي، رضي ~~الله عنه، الأشتر مصر فلما بلغ العريش أتى بطرا مصر فقال له مولى لعثمان: ~~(وكان يقول: أنا مولى لآل عمر) : هل لك في شربة من سويق أجدحها «1» لك؟ ~~قال: نعم. فجدح له بعسل وجعل فيها سما قاضيا فلما شربها يبس، فقال معاوية ~~لما بلغه الخبر: يا بردها على الكبد! «إن لله جنودا منها العسل» . وقال ~~علي: «لليدين وللفم» . # حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي عن ابن أبي الزناد قال: نظر علي إلى ولد عثمان ~~كأنهم مستوحشون فسألهم فقالوا: نرمى بالليل، فقال: من أين يأتيكم الرمي؟ ~~قالوا: من ههنا. فصعد علي ولف رأسه ثم جعل يرمي وقال: إذا عاد فافعلوا مثل ~~هذا فانقطع الرمي. قال محمد بن كعب القرظي: جاء رجل إلى سليمان النبي عليه ~~السلام فقال يا نبي الله: إن لي جيرانا سرقوا إوزتي فنادى: # الصلاة جامعة. ثم خطبهم فقال في خطبته: وأحدكم يسرق إوزة جاره ثم يدخل ~~المسجد والريش على رأسه! فمسح رجل على رأسه، فقال سليمان: # خذوه فهو صاحبكم. # أخذ الحكم بن أيوب الثقفي عامل الحجاج إياس بن معاوية في ظنة «2» ~~الخوارج، فقال له الحكم: إنك خارجي منافق وشتمه، ثم قال: ائتني بمن يكفل ~~بك. قال: ما أجد أحدا أعرف بي منك. قال: وما علمي بك وأنا من # PageV01P299 # أهل الشام وأنت من أهل العراق. قال إياس: ففيم هذه الشهادة منذ اليوم. # فضحك وخلى سبيله. # دخل رجل من بني مخزوم على عبد الملك بن مروان وكان زبيريا، فقال له عبد ~~الملك: أليس قد ردك الله على عقبيك؟ قال: ومن رد عليك فقد رد على عقبيه؟ ~~فسكت عبد الملك وعلم أنه قد أخطأ. # وكان رجل من النصارى يختلف إلى الضحاك بن مزاحم فقال له يوما: # لو أسلمت! قال: يمنعني من ذلك حبي للخمر. قال فأسلم واشربها. فأسلم، فقال ~~له الضحاك: إنك قد أسلمت فإن شربت الخمر حددناك وإن رجعت عن الإسلام ~~قتلناك. فحسن إسلامه. # دخلت أم أفعى العبدية على عائشة رضي الله عنها فقالت: يا أم المؤمنين، ما ~~تقولين في امرأة قتلت ابنا لها صغيرا؟ قالت: وجبت لها النار. # قالت: فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الأكابر عشرين ألفا؟ قالت: # خذوا بيد عدوة الله. # العتبي قال: كتب يزيد بن معاوية إلى المدينة: أما بعد، «فإن الله لا يغير ~~ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» «1» وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له ~~وما لهم من دونه من وال. إني والله قد لبستكم فأخلفتكم ورقعت بكم فاخترقتكم ~~ثم وضعتكم على رأسي ثم على عيني ثم على فمي ثم على بطني. وايم الله لئن ~~وضعتكم تحت قدمي لأطأنكم وطأة أقل بها عددكم وأذل غابركم «2» وأترككم # PageV01P300 # أحاديث تنسخ بها أخباركم مع أخبار عاد وثمود. ثم تمثل: [وافر] # لعل الحلم دل علي قومي ... وقد يستضعف الرجل الحليم # ومارست الرجال ومارسوني ... فمعوج علي ومستقيم # أبو حاتم قال: حدثنا أبو عبيدة قال: أخذ سراقة «1» بن مرداس البارقي ~~أسيرا يوم جبانة «2» السبيع، فقدم في الأسرى فقال: [رجز] # أمنن علي اليوم يا خير معد ... وخير من حل بصحراء الجند # وخير من لبى وصلى وسجد «3» # فعفا عنه المختار ثم خرج مع إسحاق بن الأشعث عليه فجيء بسراقة أسيرا فقال ~~له المختار: ألم أعف عنك؟ أما والله لاقتلنك. قال: إن أبي أخبرني أن الشام ~~ستفتح لك حتى تهدم مدينة دمشق حجرا حجرا وأنا معك فوالله لا تقتلني. ثم ~~أنشده: [وافر] # ألا أبلغ أبا إسحاق أنا ... نزونا نزوة كانت علينا # خرجنا لا نرى الضعفاء شيئا ... وكان خروجنا بطرا وحينا «4» # نراهم في مصفهمو قليلا ... وهم مثل الدبا لما التقينا # فأسجح إن ملكت فلو قدرنا ... لجرنا في الحكومة واعتدينا # تقبل توبة مني فإني ... سأشكر إن جعلت النقد دينا # فخلى سبيله ثم خرج إسحاق عليه ومعه سراقة فأخذ أسيرا فقال: الحمد لله ~~الذي أمكنني منك يا عدو الله، فقال سراقة: ما هؤلاء الذين أخذوني! فأين # PageV01P301 # هم؟ لا أراهم! إنا لما التقينا رأينا قوما عليهم ثياب بيض على خيل بلق ~~تطير بين السماء والأرض. فقال المختار: خلوا سبيله ليخبر الناس. ثم عاد ~~لقتاله وقال: [وافر] # ألا من مخبر المختار عني ... بأن البلق بض مصمتات «1» # أري عيني ما لم ترأياه ... كلانا عالم بالترهات # كفرت بدينكم وجعلت نذرا ... علي قتالكم حتى الممات «2» # خرج المغيرة بن شعبة مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته وكان له ~~عنزة «3» يتوكأ عليها فربما أثقلته فيرمي بها قارعة الطريق فيمر بها المار ~~فيأخذها، فإذا صار إلى المنزل عرفها فأخذها المغيرة ففطن له علي رضي الله ~~عنه فقال: # لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لئن أخبرته لا ترد بعدها ضالة ~~أبدا. فأمسك علي. ### | باب من أخبار الدولة والمنصور والطالبيين # حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا أبو أسامة عن زائدة عن سماك عن سعيد بن ~~جبير عن ابن عباس أنه كان إذا سمعهم يقولون: يكون في هذه الأمة اثنا عشر ~~خليفة، قال: ما أحمقكم! إن بعد الاثني عشر ثلاثة منا: السفاح والمنصور ~~والمهدي يسلمها إلى الدجال. قال أبو أسامة: تأويل هذا عندنا أن ولد المهدي ~~يكونون بعده إلى خروج الدجال. # PageV01P302 # وقال محمد بن علي بن عبد الله بن عباس لرجال الدعوة حين اختارهم للدعوة ~~وأراد توجيههم: أما الكوفة وسوادها فهناك شيعة علي بن أبي طالب. # وأما البصرة فعثمانية تدين بالكف وتقول: كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد ~~الله القاتل. وأما الجزيرة فحرورية مارقة وأعراب كأعلاج ومسلمون في أخلاق ~~النصارى. وأما أهل الشام فليس يعرفون إلا آل أبي سفيان وطاعة بني مروان، ~~عداوة لنا راسخة وجهلا متراكما. وأما أهل مكة والمدينة فقد غلب عليهما أبو ~~بكر وعمر، ولكن عليكم بخراسان فإن هناك العدد الكثير والجلد الظاهر وصدورا ~~سليمة وقلوبا فارغة لم تتقسمها الأهواء ولم تتوزعها النحل ولم تشغلها ديانة ~~ولم يتقدم فيها فساد وليست لهم اليوم همم العرب ولا فيهم كتحازب الأتباع ~~بالسادات وكتحالف القبائل وعصبية العشائر، ولم يزالوا يذالون ويمتهنون ~~ويظلمون ويكظمون ويتمنون الفرج ويؤملون الدول وهم جند لهم أجسام وأبدان ~~ومناكب وكواهل وهامات ولحى وشوارب وأصوات هائلة ولغات فخمة تخرج من أفواه ~~منكرة، وبعد فكأني أتفال إلى المشرق وإلى مطلع سراج الدنيا ومصباح الخلق. # وقال سعيد بن عمرو بن جعدة المخزومي: كنت مع مروان بن محمد بالزاب فقال ~~لي: يا سعيد، من هذا الذي يقابلني؟ قلت: عبد الله بن علي بن عبد الله بن ~~عباس. قال: أعرفه؟ قلت: نعم، أما تعرف رجلا دخل عليك حسن الوجه مصفرا رقيق ~~الذراعين حسن اللسان فوقع في عبد الله بن معاوية؟ # فقال: بلى قد عرفته والله، يابن جعدة، ليت علي بن أبي طالب في الخيل ~~يقابلني. إن عليا وأولاده لا حظ لهم في هذا الأمر، وهذا رجل من بني العباس ~~ومعه ريح خراسان ونصر الشام، يابن جعدة أتدري لم عقدت لعبد الله ولعبيد ~~الله وتركت عبد الملك وهو أكبر منهما؟ قلت: لا أدري. قال: لأني # PageV01P303 # وجدت الذي يلي هذا الأمر بعدي عبد الله أو عبيد الله، فكان عبيد الله ~~أقرب إلى عبد الله من عبد الملك. # وكتب مروان إلى عبد الله بن علي: إني لا أظن هذا الأمر إلا صائرا إليكم، ~~فإذا كان ذلك فاعلم أن حرمنا حرمكم. فكتب إليه عبد الله: إن الحق لنا في ~~دمك وإن الحق علينا في حرمك. # سمر المنصور ذات ليلة فذكر خلفاء بني أمية وسيرهم وأنهم لم يزالوا على ~~استقامة حتى أفضى أمرهم إلى أبنائهم المترفين فكانت هممهم من عظيم شأن ~~الملك وجلالة قدره قصد الشهوات وإيثار اللذات والدخول في معاصي الله ~~ومساخطه جهلا منهم باستدراج الله وأمنا لمكره، فسلبهم الله العز ونقل عنهم ~~النعمة. فقال له صالح بن علي: يا أمير المؤمنين إن عبد الله بن مروان لما ~~دخل أرض النوبة هاربا فيمن معه سأل ملك النوبة عنهم فأخبر فركب إلى عبد ~~الله فكلمه بكلام عجيب في هذا النحو لا أحفظه وأزعجه عن بلده، فإن رأى أمير ~~المؤمنين أن يدعو به من الحبس بحضرتنا في هذه الليلة ويسأله عن ذلك. فأمر ~~المنصور بإحضاره وسأله عن القصة فقال: يا أمير المؤمنين، قدمت أرض النوبة ~~بأثاث سلم لي فافترشته بها وأقمت ثلاثا، فأتاني ملك النوبة وقد خبر أمرنا، ~~فدخل علي رجل طوال أقنى حسن الوجه فقعد على الأرض ولم يقرب الثياب، فقلت: ~~ما يمنعك أن تقعد على ثيابنا؟ قال: # لأني ملك، وحق على كل ملك أن يتواضع لعظمة الله إذ رفعه. ثم قال لي: # لم تشربون الخمر وهي محرمة عليكم؟ قلت: اجترأ على ذلك عبيدنا وأتباعنا ~~لأن الملك زال عنا. قال: فلم تطأون الزروع بدوابكم والفساد محرم عليكم؟ # قلت: يفعل ذلك جهالنا. قال: فلم تلبسون الديباج والحرير وتستعملون الذهب ~~والفضة وذلك محرم عليكم؟ قلت: ذهب الملك منا وقل أنصارنا # PageV01P304 # فانتصرنا بقوم من العجم دخلوا في ديننا فلبسوا ذلك على الكره منا. قال: # فأطرق مليا وجعل يقلب يديه وينكت في الأرض ويقول: عبيدنا وأتباعنا دخلوا ~~في ديننا وزال الملك عنا! يردده مرارا ثم قال: ليس ذلك كما ذكرت بل أنتم ~~قوم استحللتم ما حرم عليكم وركبتم ما عنه نهيتم، وظلمتم فيما ملكتم فسلبكم ~~الله العز وألبسكم الذل بذنوبكم، ولله فيكم نقمة لم تبلغ غايتها وأخاف أن ~~يحل بكم العذاب وأنتم ببلدي فيصيبني معكم، وإنما الضيافة ثلاثة أيام ~~فتزودوا ما احتجتم إليه وارتحلوا عن بلدي، ففعلت ذلك. # ولما افتتح المنصور الشام وقتل مروان قال لأبي عون ومن معه من أهل ~~خراسان: إن لي في بقية آل مروان تدبيرا فتأهبوا يوم كذا وكذا في أكمل عدة، ~~ثم بعث إلى آل مروان في ذلك اليوم فجمعوا وأعلمهم أنه يفرض لهم في العطاء، ~~فحضر منهم ثمانون رجلا فصاروا إلى بابه ومعهم رجل من كلب قد ولدهم «1» ثم ~~أذن لهم فدخلوا، فقال الآذن للكلبي: ممن أنت؟ قال: من كلب وقد ولدتهم. قال: ~~فانصرف ودع القوم. فأبى أن يفعل وقال: إني خالهم ومنهم. فلما استقر بهم ~~المجلس خرج رسول المنصور وقال بأعلى صوته: أين حمزة بن عبد المطلب؟ ليدخل، ~~فأيقن القوم بالهلكة، ثم خرج الثانية فنادى: أين الحسن بن علي؟ ليدخل، ثم ~~خرج الثالثة فنادى: أين زيد ابن علي بن الحسين؟ ثم خرج الرابعة فقال: أين ~~يحيى «2» بن زيد؟ ثم قيل: # إئذنوا لهم. فدخلوا وفيهم الغمر «3» بن يزيد وكان له صديقا فأومأ إليه: ~~أن ارتفع. فأجلسه معه على طنفسته «4» وقال للباقين: اجلسوا. وأهل خراسان ~~قيام # PageV01P305 # بأيديهم العمد فقال: أين العبدي «1» الشاعر؟ فقام وأخذ في قصيدته التي ~~يقول فيها: [كامل] # أما الدعاة إلى الجنان فهاشم ... وبنو أمية من دعاة النار # فلما أنشد أبياتا منها قال الغمر: يا ابن الزانية. فانقطع العبدي وأطرق ~~عبد الله «2» ساعة ثم قال: إمض في نشيدك. فلما فرغ رمى إليه بصرة فيها ~~ثلاثمائة دينار، ثم تمثل بقول القائل «3» : [خفيف] # ولقد ساءني وساء سواي ... قربهم من منابر وكراسي # أنزلوها بحيث أنزلها الل ... ه بدار الهوان والإتعاس # لا تقيلن عبد شمس عثارا ... واقطعوا كل نخلة وغراس # واذكروا مصرع الحسين وزيد ... وقتيلا بجانب المهراس «4» # ثم قال لأهل خراسان: دهيد «5» . فشدخوا بالعمد حتى سالت أدمغتهم وقال ~~الكلبي فقال: أيها الأمير: أنا رجل من كلب لست منهم. فقال: # [بسيط] # ومدخل رأسه لم يدنه أحد ... بين القرينين حتى لزه القرن «6» # ثم قال: دهيد. فشدخ الكلبي معهم ثم التفت إلى الغمر فقال: لا خير # PageV01P306 # لك في الحياة بعدهم. قال: أجل، فقتل ثم دعا ببراذع «1» فألقاها عليهم ~~وبسط عليها الأنطاع «2» ودعا بغدائه فأكل فوقهم وإن أنين بعضهم لم يهدأ، ~~حتى فرغ ثم قال: ما تهنأت بطعام منذ عقلت مقتل الحسين إلا يومي هذا. وقام ~~فأمر بهم فجروا بأرجلهم وأغنم أهل خراسان أموالهم ثم صلبوا في بستانه. وكان ~~يأكل يوما فأمر بفتح باب من الرواق إلى البستان فإذا رائحة الجيف تملأ ~~الأنوف، فقيل له: لو أمرت، أيها الأمير، برد هذا الباب! فقال: والله ~~لرائحتها أحب إلي وأطيب من رائحة المسك. ثم قال «3» : [كامل] # حسبت أمية أن سترضى هاشم ... عنها ويذهب زيدها وحسينها # كلا ورب محمد وإلهه ... حتى تباح سهولها وحزونها «4» # وتذل ذل حليلة لحليلها ... بالمشرفي وتسترد ديونها # وأتي المهدي برجل من بني أمية كان يطلبه فتمثل بقول سديف شاعرهم: [خفيف] # جرد السيف وارفع السوط حتى ... لا ترى فوق ظهرها أمويا # لا يغرنك ما ترى اليوم منهم ... إن تحت الضلوع داء دويا «5» # فقال الأموي: لكن شاعرنا يقول: [بسيط] # شمس العداوة حتى يستقاد لهم ... وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا «6» # PageV01P307 # فقال المهدي: قال شاعركم ما يشبهكم وقا شاعرنا ما يشبهنا. ثم أمر به ~~فقتل. # وقال رجل: كنا جلوسا مع عمرو بن عبيد في المسجد، فأتاه رجل بكتاب المنصور ~~على لسان محمد بن عبد الله بن الحسن يدعوه إلى نفسه، فقرأه ثم وضعه فقال ~~الرسول: الجواب. فقال: ليس له جواب، قل لصاحبك: دعنا نجلس في هذا الظل ~~ونشرب من هذا الماء البارد حتى تأتينا آجالنا في عافية. # وكان عمرو بن عبيد إذا رأى المنصور يطوف حول الكعبة في قرطين يقول: إن ~~يرد الله بأمة محمد خيرا يول أمرها هذا الشاب من بني هاشم. # وكان له صديقا فلما دخل عليه بعد الخلافة وكلمه وأراد الأنصراف، قال: يا ~~أبا عثمان سل حاجتك. قال: حاجتي ألا تبعث إلي حتى آتيك ولا تعطيني حتى ~~أسألك. ثم نهض فقال المنصور: [مجزوء الرمل] # كلكم ماشي رويد ... كلكم خاتل صيد «1» # غير عمرو بن عبيد فلما مات عمرو رثاه المنصور فقال: [كامل] # صلى الاله عليك من متوسد ... قبرا مررت به على مران # قبرا تضمن مؤمنا متحنفا ... صدق الاله ودان بالقرآن # وإذا الرجال تنازعوا في سنة ... فصل الحديث بحكمة وبيان # فلو ان هذا الدهر أبقى صالحا ... أبقى لنا حيا أبا عثمان # PageV01P308 # قال الوضاح بن حبيب: كنا إذا خرجنا- يعني أصحابه- من عند المنصور صرنا ~~إلى المهدي وهو يومئذ ولي عهده ففعلنا ذلك يوما فأبرز إلي يده، ولم يكن ذلك ~~من عادته، فأكببت عليها فقبلتها وضرب بيدي إلى يده، ثم علمت أنه لم يفعل ~~ذلك إلا لشيء في يده، فوضع في يدي كتابا صغيرا تستره الكف، فلما خرجت فتحته ~~فإذا فيه: يا وضاح، إذا قرأت كتابي فاستأذن إلى ضياعك بالري، فرجعت فقلت ~~للربيع: استأذن لي. فدخل فاستأذن، فأذن لي، فدخلت فقلت: يا أمير المؤمنين، ~~ضياعي بالري قد اختلت وبي حاجة إلى مطالعتها فقال: لا، ولا كرامة، فخرجت. ~~ثم عدت إليه اليوم الثاني والقوم معي فدخلنا فاستأذنته، فرد إلي مثل الجواب ~~الأول. فقلت: يا أمير المؤمنين، ما أريد إصلاحها إلا لأقوى بها على خدمتك. ~~فسري عنه، ثم قال: إذا شئت فودع. فقلت: يا أمير المؤمنين، ولي حاجة أذكرها. ~~قال: قل. # قلت: أحتاج إلى خلوة. فنهض القوم وبقي الربيع قلت: أخلني. قال: ومن ~~الربيع وبينكما ما بينكما! قلت: نعم. فتنحى الربيع، فقال: قد خلوت فقل إن ~~جدت لي بمالك ودمك. فقلت: يا أمير المؤمنين، وهل أنا ومالي إلا من نعمتك، ~~حقنت دمي ودم أبي ورددت علي مالي وآثرتني بصحبتك. قال: إنه يهجس في نفسي أن ~~جهورا «1» على خلع وليس على غيرك لما أعرفه بينكما، فأظهر إذا صرت إليه ~~الوقيعة في والتنقص لي حتى تعرف ما عنده، وإن رأيته يهم بخلع فاكتب إلي، ~~ولا تكتبن على يد بريد ولا مع رسول ولا يفوتني خبرك في كل يوم فقد نصبت لك ~~فلانا القطان في دار القطن فهو يوصل كتبك في كل يوم إلي. قال: فمضيت حتى ~~أتيت الري فدخلت على جهور فقال: # أفلت؟ فقلت: نعم والحمد لله. ثم أقبلت أؤانسه بالوقيعة فيه حتى أظهر ما # PageV01P309 # ظن به المنصور فكتبت إليه بذلك. # دخل عبد الله بن الحسن الطالبي على المنصور وعنده إسحاق بن مسلم العقيلي ~~وعبد الملك بن حميد الشامي الكاتب، فتكلم عبد الله بكلام أعجب إسحاق فغم ~~ذلك المنصور، فلما خرج عبد الله قال: يا غلام، رده. فلما رجع قال: يا أبا ~~محمد، إن إسحاق بن مسلم حدثني أن رجلا هلك بدمشق وترك ناضا «1» كثيرا وأرضا ~~ورقيقا وزعم أنه مولاكم وأشهد على ذلك. قال: نعم يا أمير المؤمنين، ذلك ~~مولانا قد كنت أعرفه وأكاتبه. فقال المنصور: يا إسحاق، أعجبك كلامه فأحببت ~~أن تعرفه. # أبو الحسين المدائني قال: لما بنى أبو العباس المدينة بالأنبار قال لعبد ~~الله بن الحسن: يا أبا محمد، كيف ترى؟ فتمثل عبد الله فقال: [وافر] # ألم تر حوشبا أمسى يبني ... قصورا نفعها لبني بقيله # يؤمل أن يعمر عمر نوح ... وأمر الله يحدث كل ليله # ثم انتبه فقال: أقلني أقالك الله. قال: لا أقالني الله إن بت في عسكري، ~~فأخرجه إلى المدينة. حنش بن المغيرة قال: جئت وأبو ذر آخذ بحلقة باب الكعبة ~~وهو يقول: أنا أبو ذر الغفاري، من لم يعرفني فأنا جندب صاحب رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مثل أهل بيتي ~~مثل سفينة نوح من ركبها نجا» . # حدثنا خالد بن محمد الأزدي قال: حدثنا شبابة بن سوار عن يحيى بن إسماعيل ~~بن سالم عن الشعبي قال: قيل لابن عمر: إن الحسين قد توجه إلى # PageV01P310 # العراق، فلحقه على ثلاث ليال من المدينة وكان عند خروج الحسين غائبا في ~~مال له فقال: أين تريد؟ قال: العراق. وأخرج إليه كتبا وطوامير «1» قال: هذه ~~كتبهم وبيعتهم. فناشده الله أن يرجع فأبى فقال: أما إني سأحدثك حديثا: إن ~~جبريل، عليه السلام، أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا ~~والآخرة فاختار الآخرة، وإنكم بضعة من النبي صلى الله عليه وسلم، والله لا ~~تليها أنت ولا أحد من أهل بيتك وما صرفها الله عنكم إلا لما هو خير لكم ~~فارجع. فأبى فاعتنقه وبكى وقال: # أستودعك الله من قتيل. # حدثني القاسم بن الحسن عن علي بن محمد عن مسلمة بن محارب عن السكن قال: ~~كتب الحسين بن علي رضي الله عنهما إلى الأحنف يدعوه إلى نفسه فلم يرد ~~الجواب وقال: قد جربنا آل أبي الحسن فلم نجد عندهم إيالة ولا جمعا للمال ~~ولا مكيدة في الحرب. وقال الشعبي: ما لقينا من آل أبي طالب؟ إن أحببناهم ~~قتلونا، وإن أبغضناهم أدخلونا النار. # ولما قتل مصعب بن الزبير خرجت سكينة بنت الحسين تريد المدينة فأطاف بها ~~أهل الكوفة فقالوا: أحسن الله صحابتك يا بنت رسول الله. فقال: # والله لقد قتلتم جدي وأبي وعمي وزوجي مصعبا، أيتمتموني صغيرة وأرملتموني ~~كبيرة فلا عافاكم الله من أهل بلد ولا أحسن عليكم الخلافة. وقال بعض ~~الشعراء: [منسرح] # إبك حسينا ليوم مصرعه ... بالطف بين الكتائب الخرس # أضحت بنات النبي إذ قتلوا ... في مأتم والسباع في عرس # روى سنان بن حكيم عن أبيه قال: انتهب الناس ورسا في عسكر # PageV01P311 # الحسين بن علي يوم قتل فما تطيبت منه امرأة إلا برصت. ولما قتل حسين قالت ~~بنت لعقيل بن أبي طالب: [بسيط] # ماذا تقولون إن قال النبي لكم ... ماذا فعلتم وأنتم أفضل الأمم # بعترتي وبأهلي بعد منطلقي ... منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم # ما كان هذا جزائي أن نصحت لكم ... أن تخلفوني بقتل في ذوي رحمي # فما سمعها أحد إلا بكى. # دخل زيد بن علي على هشام فقال: ما فعل أخوك البقرة؟ قال زيد: # سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم باقرا وتسميه بقرة! لقد اختلفتما. # أخبرنا جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا جابر، إنك ~~ستعمر بعدي حتى يولد لي مولود اسمه كاسمي يبقر العلم بقرا فإذا لقيته ~~فأقرئه مني السلام» فكان جابر يتردد في سكك المدينة بعد ذهاب بصره وهو ~~ينادي: يا باقر، حتى قال الناس: قد جن جابر. فبينا هو ذات يوم بالبلاط إذ ~~بصر بجارية يتوركها صبي فقال لها: يا جارية، من هذا الصبي؟ قالت: هذا محمد ~~بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. فقال: أدنيه مني فأدنته منه فقبل بين ~~عينيه وقال: يا حبيبي، رسول الله يقرئك السلام. ثم قال: نعيت إلي نفسي ورب ~~الكعبة. ثم انصرف إلى منزله وأوصى فمات من ليلته. # قال هشام لزيد بن علي: بلغني أنك تربص نفسك للخلافة وتطمع فيها وأنت ابن ~~أمة. قال له زيد: مهلا يا هشام، فلو أن الله علم في أولاد السراري «1» ~~تقصيرا عن بلوغ غاية ما أعطى إسماعيل ما أعطاه. ثم خرج زيد وبعث إليه بهذه ~~الأبيات: [بسيط] # مهلا بني عمنا عن نحت أثلتنا «2» ... سيروا رويدا كما كنتم تسيرونا # PageV01P312 # لا تجمعوا أن تهينونا ونكرمكم ... وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا # فالله يعلم أنا لا نحبكم ... ولا نلومكمو ألا تحبونا # ثم إن زيدا أعطى الله عهدا ألا يلقى هشاما إلا في كتيبة بيضاء أو حمراء ~~فدخل الكوفة فطبع بها السيوف وكان من أمره ما كان حتى قتل رحمه الله. ### | ذكر الأمصار # قالت الحكماء: المدائن لا تبنى إلا على ثلاثة أشياء: على الماء والكلأ ~~والمحتطب. # قال ابن شهاب: من قدم أرضا فأخذ من ترابها فجعله في مائها ثم شربه عوفي ~~من وبائها. وقال معاوية لقوم قدموا عليه: كلوا من فحا «1» أرضنا فقلما أكل ~~قوم من فحا أرض فضرهم ماؤها. # حدثني الرياشي قال: حدثني الأصمعي قال: معاوية: أغبط الناس عندي سعد ~~مولاي، وكان يلي أمواله بالحجاز، يتربع جدة ويتقيظ الطائف ويتشتى مكة. # حدثنا الرياشي قال: حدثنا الأصمعي قال: أربعة أشياء قد ملأت الدنيا لا ~~تكون إلا باليمن: الخطر والكندر والعصب والورس. # حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: اليهود لا تأكل من بقل سورا «2» وتقول: ~~هي مغيض الطوفان. قال: وقال الأصمعي عن معمر «3» قال: سبع # PageV01P313 # محفوظات وسبع ملعونات، فمن المحفوظات نجران ومن الملعونات أثافت وبرذعة ~~«1» . وأثافت باليمن. وقفت باليمن على قرية فقلت لامرأة: ما تسمى هذه ~~القرية؟ فقالت ويحك! أما سمعت قول الشاعر: [متقارب] # أجب أثافت عند القطاف ... وعند عصارة أعنابها # قال الأصمعي: سواد البصرة الأهواز ودستميسان وفارس، وسواد الكوفة كسكر ~~إلى التراب «2» إلى عمل حلوان إلى القادسية، وعمل العراق هيت إلى الصين ~~والسند والهند ثم كذلك إلى الري وخراسان إلى الديلم والجبال كلها، وأصبهان ~~صرة العراق افتتحها أبو موسى الأشعري، والجزيرة ما بين دجلة والفرات، ~~والموصل من الجزيرة، ومكة من المدينة ومصر لا تدخل في عمل العراق. # حدثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبه قال: # أول قرية بنيت بعد الطوفان قرية بقردى تسمى سوق ثمانين، كان نوح لما خرج ~~من السفينة ابتناها وجعل فيها لكل رجل آمن معه بيتا وكانوا ثمانين فهي ~~اليوم تسمى سوق ثمانين. قال: وحران سميت بهاران بن آزر أخي إبراهيم النبي ~~صلى الله عليه وسلم وهو أبو لوط. # قال النبي، صلى الله عليه وسلم لبريدة: «يا بريدة، إنه سيبعث بعدي بعوث ~~فإذا بعثت فكن في أهل بعث المشرق ثم في بعث خراسان ثم في بعث أرض يقال لها: # مرو، فإذا أتيتها فانزل مدينتها فإنه بناها ذو القرنين وصلى فيها، غزيرة ~~أنهارها تجري بالبركة، في كل نقب منها ملك شاهر سيفه يدفع عنها السوء إلى ~~يوم القيامة» فقدمها بريدة فمات بها. # PageV01P314 # حدثني أحمد بن الخليل قال: حدثني الأصمعي قال: أخبرني النمر بن هلال ~~الحبطي عن قتادة عن أبي جلدة قال: الدنيا كلها أربعة وعشرون ألف فرسخ فملك ~~السودان اثنا عشر ألف فرسخ وملك الروم ثمانية آلاف فرسخ وملك فارس ثلاث ~~آلاف فرسخ وأرض العرب ألف فرسخ. # وقال أبو صالح: كنا عند ابن عباس فأقبل رجل فجلس، فقال له: ممن أنت؟ قال: ~~من أهل خراسان، قال: من أي خراسان؟ قال: من هراة. قال: # من أي هراة؟ قال: من بوشنج. ثم قال: ما فعل مسجدها؟ قال: عامر يصلى فيه. ~~قال ابن عباس: كان لإبراهيم مسجدان: المسجد الحرام ومسجد بوشنج. ثم قال: ما ~~فعلت الشجرة التي عند المسجد؟ قال: بحالها. قال: # أخبرني العباس أنه قال في ظلها. # حدثني محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن ميمون ~~الحراني عن عوف بن أبي جميلة عن الحسن البصري قال: لما قدم علي، رضي الله ~~عنه، البصرة آرتقى على منبرها فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أهل البصرة، ~~يا بقايا ثمود ويا جند المرأة «1» ويا أتباع البهيمة، رغا فاتبعتم وعقر ~~فانهزمتم. أما إني لا أقول رغبة فيكم ولا رهبة منكم، غير أني سمعت رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تفتح أرض يقال لها البصرة أقوم الأرضين ~~قبلة، قارئها أقرأ الناس، وعابدها أعبد الناس، وعالمها أعلم الناس، ~~ومتصدقها أعظم الناس صدقة. وتاجرها أعظم الناس تجارة. منها إلى قرية يقال ~~لها الأبلة «2» أربعة # PageV01P315 # فرسخ. يستشهد عند مسجد جامعها أربعون ألفا، الشهيد منهم يومئذ كالشهيد ~~معي يوم بدر» . # حدثنا القاسم بن الحسن قال: حدثنا أبو سلمة قال: أخبرني أبو المهزم عن ~~أبي هريرة قال: مثلت الدنيا على مثال طائر، فالبصرة ومصر الجناحان فإذا ~~خربتا وقع الأمر. # وحدثني أيضا عن هارون بن معروف عن ضمرة عن ابن شوذب عن خالد بن ميمون ~~قال: البصرة أشد الأرض عذابا وشرها ترابا وأسرعها خرابا. # قال: وقال ابن شوذب عن يزيد الرشك «1» قست البصرة في ولاية خالد بن عبد ~~الله القسري فوجدت طولها فرسخين غير دانق. # وقال محمد بن سلام عن شعيب بن صخر: تذاكروا عند زياد البصرة والكوفة فقال ~~زياد: لو ضلت البصرة لجعلت الكوفة لمن دلني عليها. قال محمد بن سيرين: كان ~~الرجل يقول: غضب الله عليك كما غضب أمير المؤمنين على المغيرة، عزله عن ~~البصرة واستعمله على الكوفة. وقال علي حين دخل البصرة: يا أتباع البهيمة ~~ويا جند المرأة، رغا فأجبتم وعقر فانهزمتهم، ودينكم نفاق وأخلاقكم رقاق ~~وماؤكم زعاق، يا أهل البصرة والبصيرة والسبيخة والخريبة، أرضكم أبعد الأرض ~~من السماء وأبعدها من الماء وأسرعها خرابا وغرقا. # مر عتبة بن غزوان بموضع المربد فوجد فيها الكذان «2» الغليظ فقال: # هذه البصرة فانزلوا بسم الله. وقال أبو وائل: اختط الناس البصرة سنة سبع ~~عشرة. # PageV01P316 # فخر ناس من بني الحارث بن كعب عند أبي العباس، فقال أبو العباس لخالد بن ~~صفوان: ألا تكلم يا خالد؟ قال: أخوال أمير المؤمنين وأهله. قال: # فأنتم أعمام أمير المؤمنين وعصبته. قال خالد: ما عسى أن أقول لقوم بين ~~ناسج برد ودابغ جلد وسائس قرد، دل عليهم هدهد وغرقتهم فأرة وملكتهم امرأة. # سئل خالد عن الكوفة فقال: نحن منابتنا قصب، وأنهارنا عجب، وثمارنا رطب، ~~وأرضنا ذهب. قال الأحنف: نحن أبعد منكم سرية وأعظم منكم بحرية وأعذى «1» ~~منكم برية. وقال أبو بكر الهذلي: نحن أكثر منكم ساجا وعاجا وديباجا وخراجا ~~ونهرا عجاجا. # وقال الخليل «2» في ظهر البصرة مما يلي قصر أوس من البصرة: # [بسيط] # زر وادي القصر نعم القصر والوادي ... لا بد من زورة عن غير ميعاد # ترفا به السفن والظلمان واقفة ... والضب والنون والملاح والحادي # وقال ابن أبي عيينة» # في مثل ذلك: [منسرح] # يا جنة فاتت الجنان فما ... تبلغها قيمة ولا ثمن # ألفتها فاتخذتها وطنا ... إن فؤادي لحبها وطن # زوج حيتانها الضباب بها ... فهذه كنة وذا ختن # فانظر وفكر فيما نطقت به ... إن الأريب المفكر الفطن # PageV01P317 # من سفن كالنعام مقبلة ... ومن نعام كأنها سفن «1» # أنشد محمد بن عمر عن ابن كناسة «2» في ظهر الكوفة: [طويل] # وإن بها، لو تعلمين، أصائلا ... وليلا رقيقا مثل حاشية البرد # بلغني عن إبراهيم بن مهدي عن إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم ~~التيمي قال: لما أمرت الأرض أن تغيض غاضت إلا أرض الكوفة فلعنت، فجميع ~~الأرض تكرب على ثورين وأرض الكوفة تكرب على أربعة ثيران. وكان يقال: إذا ~~كان علم الرجل حجازيا وسخاؤه كوفيا وطاعته شامية فقد كمل. # لما احتوى المسلمون المدائن بعد ما نزلوا وآذاهم الغبار والذباب، كتب عمر ~~إلى سعد في بعثة رواد يرتادون منزلا بريا فإن العرب لا يصلحها إلا ما يصلح ~~الإبل والشاء. فسأل من قبله عن هذه الصفة فيما يليهم، فأشار عليه من رأى ~~العراق من وجوه العرب باللسان. وظهر الكوفة يقال له اللسان، وهو فيما بين ~~النهرين إلى عين بني الحداء وكانت العرب تقول: أدلع البر لسانه «3» في ~~الريف، فما كان يلي الفرات منه فهو الملطاط وما كان يلي الظهر منه فهو ~~النجاف، فكتب إلى سعد يأمره به. # PageV01P318 # وقال النابغة «1» الجعدي يمدح الشام: [رمل] # جاعلين الشام حما «2» لهم ... ولئن هموا لنعم المتنقل # موته أجر ومحياه غنى ... وإليه عن أذاه معتزل # وقال أيضا: [طويل] # ولكن قومي أصبحوا مثل خيبر ... بها داؤها ولا تضر الأعاديا # قال الأصمعي: لم يولد بغدير خم مولود فعاش إلى أن يحتمل إلا أن يتحول ~~عنها. قال: وحرة ليلى «3» ربما مر بها الطائر فيسقط ريشه. قال عمرو ابن ~~بحر: يزعمون أن من دخل أرض تبت لم يزل ضاحكا مسرورا من غير عجب حتى يخرج ~~منها، ومن أقام بالموصل عاما ثم تفقد قوته وجد فيها فضلا، ومن أقام ~~بالأهواز حولا فتفقد عقله وجد النقصان فيه بينا. والناس يقولون: حمى خيبر ~~وطحال البحرين ودماميل الجزيرة وطواعين الشام. # قالوا: من أطال الصوم بالمصيصة «4» في الصيف خيف عليه الجنون. وأما قصبة ~~الأهواز فتقلب كل من ينزلها من الأشراف إلى طبائع أهلها، ووباؤها وحماها ~~يكون في وقت انكسار الوباء ونزوع الحمى عن جميع البلدان، وكل محموم فإن ~~حماه إذا أقلعت عنه فقد أخذ عند نفسه منها البراءة إلى أن تعود إلى التخليط ~~وإلى أن يجتمع في جوفه الفساد إلا محموم الأهواز فإنها تعاود من فارقته # PageV01P319 # لغير علة حدثت، ولذلك جمعت سوق الأهواز الأفاعي في جبلها المطل عليها ~~والجرارات «1» في بيوتها ومن ورائها سباخ ومناقع مياه غليظة وفيها أنهار ~~تشقها مسايل كنفهم ومياه أمطارهم فإذا طلعت الشمس وطال مقامها واستمرت ~~مقابلتها لذلك الجبل قبل الصخرية التي فيها الجرارات، فإذا امتلأت يبسا ~~وحرا وعادت جمرة واحدة قذفت ما قبلت من ذلك عليهم وقد بخرت تلك السباخ وتلك ~~الأنهار، فإذا التقى عليهم ما بخرت به السباخ وما قذفه ذلك الجبل فسد ~~الهواء وفسد بفساد الهواء كل ما يشتمل عليه الهواء. وقال إبراهيم بن العباس ~~الكاتب: حدثني مشايخ أهل الأهواز عن القوابل أنهن ربما قبلن الطفل فيجدنه ~~في تلك الساعة محموما يعرفن ذلك ويتحدثن به. قال: ومن قدم من شق العراق إلى ~~بلد الزنج لم يزل حزينا ما أقام بها فإن أكثر من شرب نبيذها وأكل النارجيل ~~«2» طمس الخمار «3» على عقله حتى لا يكون بينه وبين المعتوه إلا شيء يسير. ~~قال: وفي عهد سجستان على العرب حين افتتحوها: ألا يقتلوا قنفذا ولا يصيدوه؛ ~~لأنها بلاد أفاع والقنافذ تأكلها ولولا ذلك ما كان لهم بها قرار. # وقال ابن عياش لأبي بكر الهذلي يوم فاخره عند أبي العباس: إنما مثل ~~الكوفة مثل اللهاة من البدن يأتيها الماء ببرده وعذوبته، والبصرة بمنزلة ~~المثانة يأتيها الماء بعد تغيره وفساده. # وقال محمد بن عمير بن عطارد: إن الكوفة قد سفلت عن الشام ووبائها وارتفعت ~~عن البصرة وعمقها فهي مريئة مريعة عذبة ثرية، إذا أتتنا الشمال # PageV01P320 # ذهبت مسيرة شهر على مثل رضراض الكافور، وإذا هبت الجنوب جاءتنا بريح ~~السواد وورده وياسمينه وأترجه، وماؤنا عذب وعيشنا خصب. وقال الحجاج: # الكوفة بكر حسناء والبصرة عجوز بخراء «1» أوتيت من كل حلي وزينة. # اجتمع أهل العراق ليلة في سمر يزيد بن عمر بن هبيرة، فقال يزيد: أي ~~البلدين أطيب ثمرة: الكوفة أم البصرة؟ فقال خالد بن صفوان: بل ثمرتنا أيها ~~الأمير منها الأزاذ والمعقلي وكذا وكذا. فقال عبد الرحمن بن بشير العجلي: ~~لست أشك أيها الأمير أنكم قد اخترتم لأمير المؤمنين ما تبعثون به إليه. ~~قال: أجل، قال: قد رضينا باختيارك لنا وعلينا. قال: فأي الرطب تحملون إليه؟ ~~قال: # المشان. قال: ليس بالبصرة منه واحدة. ثم أية؟ قال: السابري. قال: ولا ~~بالبصرة منه واحدة. قال خالد بن صفوان: بلى عندنا بالبصرة منه شيء يسير. # قال: فأي التمر تحملون إليه؟ قال: النرسيان. قال: ولا بالبصرة منه واحدة. # قال: ثم أية؟ قال: الهيرون أزاذ. قال: ولا بالبصرة منه واحدة. قال: فأي ~~القسب «2» تحملون إليه؟ قال: قسب العنبر. قال: ولا بالبصرة منه واحدة. قال ~~ابن هبيرة لخالد: ادعى عليك خمسا فشاركته في واحدة وسلمت له أربعا، ما أراه ~~إلا قد غلبك. # دخل فتى من أهل المدينة البصرة ثم انصرف، فقال له أصحابه: كيف رأيت ~~البصرة؟ قال: خير بلاد الله للجائع والعزب والمفلس: أما الجائع فيأكل خبز ~~الأرز والصحناء «3» لا ينفق في الشهر درهمين، وأما العزب فيتزوج بشق درهم، ~~وأما المحتاج فلا عيلة عليه ما بقيت عليه استه يخرأ ويبيع. # PageV01P321 # أبو الحسن المدائني قال: قال عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بن المغيرة ~~لمعاوية: # أما والله لو كنا بمكة على السواء لعلمت. قال معاوية: إذا كنت أكون ابن ~~أبي سفيان، منزلي الأبطح ينشق عنه سيله، وكنت ابن خالد، منزلك أجياد أعلاه ~~مدرة وأسفله عذرة. # رأى رجل من قريش رجلا له هيئة رثة، فسأل عنه فقالوا: من بني تغلب. فوقف ~~له وهو يطوف بالبيت، فقال له: أرى رجلين قلما وطئتا البطحاء. قال له ~~التغلبي: البطحاوات ثلاث: بطحاء الجزيرة وهي لي دونك، وبطحاء ذي قار وأنا ~~أحق بها منك، وهذه البطحاء، وسواء العاكف فيه والبادي. # وقال بعض الأعراب: اللهم، لا تنزلني ماء سوء فأكون امرأ سوء. قال خالد بن ~~صفوان: ما رأينا أرضا مثل الأبلة أقرب مسافة ولا أعذب نطفة ولا أوطأ مطية ~~ولا أربح لتاجر ولا أخفى لعابد. وقال ابن أبي عيينة «1» يذكر قصر أنس «2» ~~بالبصرة: [طويل] # فيا حسن ذاك القصر قصرا ونزهة ... بأفيح سهل غير وعر ولا ضنك «3» # بغرس كأبكار الجواري وتربة ... كأن ثراها ماء ورد على مسك # كأن قصور الأرض ينظرن حوله ... إلى ملك موف على منبر الملك # يدل عليها مستطيلا بحسنه ... ويضحك منها وهي مطرقة تبكي «4» # PageV01P322 # قال جعفر بن سليمان: العراق عين الدنيا، والبصرة عين العراق، والمربد عين ~~البصرة، ودارين عين المربد. وقالوا: من خصال الحرم أن المطر إذا أصاب الباب ~~كان الخصب من شق العراق، وإذا أصاب المطر الناحية من شق الشام كان الخصب ~~بالشام، وإذا عم جوانب البيت كان المطر عاما. قال: وذرع الكعبة أربعمائة ~~وتسعون ذراعا. # المدائني قال: قال الحجاج: لما تبوأت الأمور منازلها قالت الطاعة: أنزل ~~الشام، قال الطاعون: وأنا معك. وقال النفاق: أنزل العراق، قالت النعمة: # وأنا معك. وقالت الصحة: أنزل البادية، قالت الشقوة: وأنا معك. # نجز كتاب الحرب ويتلوه كتاب السؤدد # PageV01P323 ### | كتاب السؤدد ### | مخايل السؤدد وأسبابه ومخايل السوء # قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة رحمه الله: حدثني عبد الرحمن بن ~~عبد الله بن قريب عن عمه الأصمعي قال: أخبرنا جميع بن أبي غاضرة وكان شيخا ~~مسنا من أهل البادية وكان من ولد الزبرقان بن بدر من قبل النساء، قال: # كان الزبرقان يقول: أبغض صبياننا إلي الأقيعس الذكر الذي كأنما يطلع في ~~حجره، وإن سأله القوم أين أبوك، هر في وجوههم وقال: ما تريدون من أبي. # وأحب صبياننا إلي الطويل الغرلة «1» ، السبط الغرة، العريض الورك، الأبله ~~العقول الذي يطيع عمع ويعصى أمه، وإن سأله القوم أين أبوك، قال: معكم. # قال: وقال الأصمعي: قال معاوية: ثلاث من السؤدد: الصلع، واندحاق البطن، ~~وترك الإفراط في الغيرة. # قال وقيل لأعرابي: بم تعرفون سؤدد الغلام فيكم؟ فقال: إذا كان سائل الغرة ~~طويل الغرلة ملتاث الإزرة وكانت فيه لوثة فلسنا نشك في سؤدده. وقيل لآخر: ~~أي الغلمان أسود؟ قال: إذا رأيته أعنق أشدق أحمق فأقرب به من السؤدد. وكان ~~يقال: إذا رأيت الغلام غائر العينين ضيق الجبهة حديد الأرنبة كأنما جبينه ~~صلاية «2» فلا ترجه، إلا أن يريد الله أمرا فيبلغه. # PageV01P325 # حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال: قريش تمدح بالصلع. # وأنشد: [رجز] # إن سعيدا وسعيد فرع ... أصلع تنميه رجال صلع # ونظر رجل إلى معاوية وهو غلام صغير فقال: إني أظن هذا الغلام سيسود قومه. ~~فقالت هند: ثكلته إن كان لا يسود إلا قومه. # قال شبيب بن شيبة لبعض فرسان بني منقر: ما مطلت مطل الفرسان ولا فتقت فتق ~~السادة. وقال آخر لسنان بن سلمة الهذلي: ما أنت بأرسح «1» فتكون فارسا ولا ~~بعظيم الرأس فتكون سيدا. وقال بعض الشعراء: [طويل] # فقبلت رأسا لم يكن رأس سيد ... وكفا ككف الضب «2» أو هي أحقر # وقال آخر: [طويل] # دعا ابن مطيع للبياع فجئته ... إلى بيعة قلبي لها غير آلف # فناولني خشناء لما لمستها ... بكفي ليست من أكف الخلائف # وقرأت في كتاب للهند أنه قد قيل في الفراسة والتوسم: إنه من صغرت عينه ~~ودام اختلاجها وتتابع طرفها ومال أنفه إلى أيمن شقيه وبعد ما بين حاجبيه ~~وكانت منابت شعره ثلاثا ثلاثا وطال إكبابه إذا مشى، وتلفت تارة بعد أخرى، ~~غلبت عليه أخلاق السوء. # كان يقال: أربع يسودن العبد: الأدب، والصدق، والعفة، والأمانة. # وقال بعض الشعراء في النبي صلى الله عليه وسلم: [بسيط] # لو لم تكن فيه آيات مبينة ... كانت بداهته تنبيك بالخبر # PageV01P326 # وقال معاوية: إني لأكره البكاءة «1» في السيد وأحب أن يكون عاقلا متغافلا ~~وقال الشاعر في هذا المعنى: [كامل] # ليس الغبي بسيد في قومه ... لكن سيد قومه المتغابي # ويقال في مثل: «ليس أمير القوم بالخب «2» الخدع» . وقال الفرزدق: [بسيط] # لا خير في خب «3» من ترجى فواضله ... فاستمطروا من قريش كل منخدع # كأن فيه إذا حاولته بلها ... عن ماله وهو وافي العقل والورع # وقال إياس بن معاويه: لست بخب والخب لا يخدعني. وقال مالك بن أنس عن ابن ~~شهاب: الكريم لما تحكمه التجارب. # قال بعض الشعراء: [خفيف] # غير أني أراك من أهل بيت ... ما على المرء أن يسودوه عار # وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: السيد الجواد حين يسأل، الحليم حين ~~يستجهل، البار بمن يعاشر. قال عدي بن حاتم: السيد الذليل في نفسه، الأحمق ~~في ماله، المطرح لحقده، المعني بأمر عامته. سئل خالد بن صفوان عن الأحنف بم ~~ساد، فقال: بفضل سلطانه على نفسه. وقيل لقيس بن عاصم: بم سدت قومك؟ فقال: ~~ببذل القرى وترك المرا «4» ونصرة المولى. وقال علي بن عبد الله بن عباس: ~~سادة الناس في الدنيا الأسخياء وفي الآخرة الأتقياء. وقال سلم # PageV01P327 # ابن قتيبة لولده: إنكم لن تسودوا حتى تصبروا على سرار الشيوخ البخر. ~~وقال: # الدنيا هي العافية، والصحة هي الشباب، والمروءة الصبر على الرجال. قال ~~عمرو بن هداب: كنا نعرف سؤدد سلم بن قتيبة بأنه كان يركب وحده ويرجع في ~~خمسين. وقال رجل للأحنف وأراد عيبه: بم سدت قومك؟ قال: بتركي من أمرك ما لا ~~يعنيني كما عناك من أمري ما لا يعنيك. وقال عبد الملك بن مروان لابن مطاع ~~«1» العنزي: أخبرني عن مالك بن مسمع. فقال له: لو غضب مالك لغضب معه مائة ~~ألف لا يسألونه في أي شيء غضب. فقال عبد الملك: هذا وأبيك السؤدد، ولم يل ~~شيئا قط. وكذلك أسماء بن خارجة لم يل شيئا قط. # قيل لعرابة الأوسي: بم سدت قومك؟ فقال بأربع: أنخدع لهم عن مالي، وأذل ~~لهم في عرضي، ولا أحقر صغيرهم، ولا أحسد رفيعهم. وقال المقنع الكندي وهو ~~محمد بن عميرة «2» : [طويل] # ولا أحمل الحقد القديم عليهم ... وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا # وليسوا إلى نصري سراعا وإن هم ... دعوني إلى نصر أتيتهم شدا # إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم ... وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا # يعيرني بالدين قومي وإنما ... ديوني في أشياء تكسبهم حمدا «3» # وقال آخر: [بسيط] # هينون «4» لينون أيسار ذوو يسر ... سواس مكرمة أبناء أيسار # PageV01P328 # لا ينطقون على الفحشاء إن نطقوا ... ولا يمارون إن ماروا بإكثار # من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم ... مثل النجوم التي يسري بها الساري # وقال آخر: [وافر] # وإن سيادة الأقوام فاعلم ... لها صعداء مطلعها طويل # وقال رجل من العرب: نحن لا نسود إلا من يوطئنا رحله ويفرشنا عرضه ويملكنا ~~ماله. وفي الحديث المرفوع: «من بذل معروفه وكف أذاه فذلك السيد» . # ويقال: لا سؤدد مع انتقام. والعرب تقول: «سيد معمم» يريدون أن كل جناية ~~يجنيها أحد من عشيرته معصوبة برأسه. ويقال: بل السيد منهم كان يعتم بعمامة ~~صفراء لا يعتم بها غيره. وإنما سمى الزبرقان بصفرة عمامته. يقال: # زبرقت الشيء إذا صفرته، وكان اسمه حصينا. قيل لابن هبيرة: من سيد الناس ~~اليوم؟ قال: الفرزدق، هجاني ملكا ومدحني سوقة. وقال عامر «1» بن الطفيل: ~~[طويل] # إني وإن كنت ابن سيد عامر ... وفارسها المشهور في كل موكب # فما سودتني عامر عن وراثة ... أبى الله أن أسمو بأم ولا أب # ولكنني أحمي حماها وأتقي ... أذاها وأرمي من رماها بمنكب «2» # هذا نحو قول الآخر: # PageV01P329 # [رجز] # نفس عصام سودت عصاما ... وعلمته الكر والإقداما # وصيرته ملكا هماما # وعصام عبد كان للنعمان بن المنذر. وله يقول النابغة [وافر] # فإني لا ألوم على دخول ... ولكن ما وراءك يا عصام؟ ### | الكمال والتناهي في السؤدد # حدثني أبو حمزة الأنصاري عن العتبي قال: قال قال الأحنف: الكامل من عدت ~~هفواته. وكتب معاوية إلى زياد: أنظر رجلا يصلح لثغر الهند فوله، فكتب إليه ~~إن قبلي رجلين يصلحان لذلك: الأحنف بن قيس، وسنان بن سلمة الهذلي. فكتب ~~إليه معاوية: بأي يومي الأحنف نكافيه: أبخذلانه أم المؤمنين، أم بسعيه ~~علينا يوم صفين؟ فوجه سنانا، فكتب إليه زياد: إن الأحنف قد بلغ من الشرف ~~والحلم والسؤدد ما لا تنفعه الولاية ولا يضره العزل. وقال أبو نواس يمدح ~~رجلا: [سريع] # أوحده الله فما مثله ... لطالب ذاك ولا ناشد # وليس لله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد # وقال أيضا في نحو هذا: [بسيط] # يا ناق، لا تسأمي أو تبلغي رجلا ... تقبيل راحته والركن سيان # متى تحطي إليه الرحل سالمة ... تستجمعي الخلق في تمثال إنسان # محمد «1» خير من يمشي على قدم ... ممن برا الله من إنس ومن جان # PageV01P330 # تنازع الأحمدان الشبه فاشتبها ... خلقا وخلقا كما قد الشراكان # سيان لا فرق في المعقول بينهما ... معناهما واحد والعدة اثنان # وقال الطائي: [بسيط] # لو أن إجماعنا في فضل سؤدده ... في الدين، لم يختلف في الملة اثنان # وقال أيضا: [وافر] # فلو صورت نفسك لم تزدها ... على ما فيك من كرم الطباع # وقال خالد بن صفوان: كان الأحنف يفر من الشرف والشرف يتبعه. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: وفد الأحنف والمنذر بن الجارود إلى ~~معاوية، فتهيأ المنذر وخرج الأحنف على قعود وعليه بت، فكلما مر المنذر قال ~~الناس: هذا الأحنف، فقال المنذر: أراني تزينت لهذا الشيخ. وقالت بنو تميم ~~للأحنف: ما أعظم منتنا عليك! فضلناك وسودناك، فقال: هذا شبل بن معبد، من ~~سوده وليس بالحضرة بجلي غيره؟ أو قال بالبصرة. # قال عبد الملك بن مروان لعبد الله بن عبد الأعلى الشاعر الشيباني: من ~~أكرم العرب أو من خير الناس؟ قال: من يحب الناس أن يكونوا منه، ولا يحب أن ~~يكون من أحد، يعني بني هاشم. قال: من ألأم الناس؟ قال: من يحب أن يكون من ~~غيره، ولا يحب غيره أن يكونوا منه. قال رجل من أشراف العجم لرجل من أشراف ~~العرب: إن الشرف نسب مفرد، فالشريف من كل قوم نسيب. وكان يقال: أكرم ~~الصفايا أشدها ولها إلى أولادها، وأكرم الإبل أحنها إلى أوطانها، وأكرم ~~الأفلاء «1» أشدها ملازمة لأمهاتها، وخير الناس آلف الناس للناس # PageV01P331 ### | السيادة والكمال في الحداثة # قال الأحنف: السؤدد مع السواد، يريد أنه يكون سيدا من أتته السيادة في ~~حداثته وسواد رأسه ولحيته، وقد يذهب بمعناه إلى سواد الناس وعامتهم يراد أن ~~السؤدد يكون بتسويد العامة. وقال أبو اليقظان: ولى الحجاج محمد ابن القاسم ~~بن محمد بن الحكم الثقفي قتال الأكراد بفارس فأباد منهم، ثم ولاه السند ~~فافتتح السند والهند وقاد الجيوش وهو ابن سبع عشرة سنة، فقال فيه الشاعر: ~~[كامل] # إن السماحة والمروءة والندى ... لمحمد بن القاسم بن محمد «1» # قاد الجيوش لسبع عشرة حجة ... يا قرب ذلك سؤددا من مولد! # ويروى: يا قرب ذلك سورة من مولد؛ السورة المنزلة الرفيعة. قال أبو ~~اليقظان: وهو جعل شيراز معسكرا ومنزلا لولاة فارس. وقال حمزة «2» بن بيض ~~لمخلد بن يزيد بن المهلب: [متقارب] # بلغت لعشر مضت من سني ... ك ما يبلغ السيد الأشيب # فهمك فيها جسام الأمور ... وهم لداتك أن يلعبوا # نظر الحطيئة إلى ابن عباس يتكلم في مجلس عمر، فقال: من هذا الذي نزل عن ~~الناس في سنه وعلاهم في قوله! وقال ابن مسعود: لو بلغ أسناننا ما عشره منا ~~رجل «3» . ونظر رجل إلى أبي دلف في مجلس المأمون # PageV01P332 # فقال: إن همته ترمي به وراء سنه. وولي عبيد الله بن زياد خراسان وهو ابن ~~ثلاث وعشرين سنة، وليها لمعاوية. قيل لزياد عند موته: استخلف عبيد الله، ~~فقال: إن يك فيه خير فسيوليه عمه، فلما مات زياد شخص عبيد الله إلى عمه ~~معاوية فقال له: ما منع أباك أن يوليك؟ أما إنه لو فعل فعلت، فقال عبيد ~~الله: # يا أمير المؤمنين، لا يقولنها أحد بعدك: ما منع أباه وعمه أن يكونا ~~استعملاه، فرغب فيه فاستعمله على خراسان. وولى معاذ اليمن وهو ابن أقل من ~~ثلاثين سنة. وحمل أبو مسلم أمر الدولة والدعوة وهو ابن إحدى وعشرين سنة، ~~وحمل الناس عن إبراهيم النخعي وهو ابن ثماني عشرة سنة. وولى رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم عتاب بن أسيد مكة وهو ابن خمس وعشرين سنة. وسودت قريش أبا ~~جهل ولم يطر شاربه فأدخلته مع الكهول دار الندوة. قال الكميت «1» : # [مجزوء الكامل] # رفعت إليك، وما ثغر «2» ... ت، عيون مستمع وناظر # ورأوا عليك ومنك في ال ... مهد النهى ذات البصائر # قال: قدم وفد على عمر بن عبد العزيز من العراق، فنظر إلى شاب منهم يتحوز ~~«3» يريد الكلام، فقال عمر: كبروا كبروا، فقال الفتى: يا أمير المؤمنين، إن ~~الأمر ليس بالسن، ولو كان كذلك كان في المسلمين من هو أسن منك، قال صدقت ~~فتكلم. قال الشاعر في خلاف هذا المعنى: # [خفيف] # إنما الهلك أن يساسوا بغر ... لم تعره الأيام رأيا وثيقا «4» # PageV01P333 # وقال آخر: [طويل] # ألا قالت الحسناء يوم لقيتها ... كبرت، ولم تجزع من الشيب مجزعا # رأت ذا عصا يمشي عليها وشيبة ... تقنع منها رأسه ما تقنعا # فقلت لها: لا تهزئي بى فقلما ... يسود الفتى حتى يشيب ويصلعا # وللقارح اليعبوب خير علالة ... من الجذع المجرى وأبعد منزعا # رأى بكير «1» بن الأخنس المهلب وهو غلام فقال: [طويل] # خذوني به إن لم يسد سرواتهم ... ويبرع حتى لا يكون له مثل ### | الهمة والخطار بالنفس # قال: أخبرنا خالد بن جويرية عن محمد بن ذؤيب الفقيمي «2» وهو العماني ~~الراجز عن دكين الراجز قال: أتيت عمر بن عبد العزيز بعد ما استخلف أستنجز ~~منه وعدا كان وعدنيه وهو والي المدينة، فقال لي: يا دكين، إن لي نفسا ~~تواقة، لم تزل تتوق إلى الإمارة، فلما نلتها تاقت إلى الخلافة، فلما نلتها ~~تاقت إلى الجنة. وما رزأت من أموال المسلمين شيئا، وما عندي إلا ألفا درهم، ~~فاختر أيهما شئت، وهو يضحك. فقلت: يا أمير المؤمنين، قليلك خير من كثير ~~غيرك، ويقال قليلك خير من كبير غيرك، فاختر لي أنت، فدفع إلي ألفا وقال: ~~خذها بارك الله لك فيها، فابتعت بها إبلا وسقتها إلى البادية، فرمى الله في ~~أذنابها بالبركة بدعوته حتى رزقني الله ما ترون. # PageV01P334 # قال معاوية لعمرو بن العاص حين نظر معسكر علي عليه السلام: من طلب عظيما ~~خاطر بعظيمته. وكان عمرو يقول: عليكم بكل أمر مزلقة مهلكة. # أي عليكم بجسام الأمور. وقال كعب «1» بن زهير: [طويل] # وليس لمن لم يركب الهول بغية ... وليس لرحل حطه الله حامل # إذا أنت لم تقصر عن الجهل والخنا ... أصبت حليما أو أصابك جاهل # وفي كتاب للهند: ثلاثة أشياء لا تنال إلا بارتفاع همة وعظيم خطر: # عمل السلطان، وتجارة البحر، ومناجزة العدو. وفيه أيضا: لا ينبغي أن يكون ~~الفاضل من الرجال إلا مع الملوك مكرما أو مع النساك متبتلا، كالفيل لا يحسن ~~أن يرى إلا في موضعين: في البرية وحشيا أو للملوك مركبا وفيه أيضا: # ذو الهمة إن حط فنفسه تأبى إلا علوا كالشعلة من النار يصوبها صاحبها ~~وتأبى إلا ارتفاعا. وقال العتابي «2» : [طويل] # تلوم على ترك الغنى باهلية ... طوى الدهر عنها كل طرف وتالد «3» # يسرك أني نلت ما نال جعفر ... من الملك أو ما نال يحيى بن خالد # وأن أمير المؤمنين أغصني ... مغصهما بالمشرقات البوارد # ذريني تجئني ميتتي مطمئنة ... ولم أتقحم هول تلك الموارد # فإن كريمات المعالي مشوبة ... بمستودعات في بطون الأساود # وقال الطائي: [طويل] # وأخرى لحتني يوم لم أمنع النوى ... قيادي ولم ينقض زماعي ناقض # PageV01P335 # أرادت بأن يحوي الغنى وهو وادع ... وهل يفرس الليث الطلا «1» وهو رابض؟ # وقال أيضا: [كامل] # فاطلب هدوءا في التقلقل واستتر ... بالعيس من تحت السهاد هجودا # ما إن ترى الأحساب بيضا وضحا ... إلا بحيث ترى المنايا سودا # وقال آخر: [رجز] # ما العز إلا تحت ثوب الكد «2» # وقال آخر: [كامل] # الذل في دعة النفوس ولا أرى ... عز المعيشة دون أن يشقى لها # وقال بعض المحدثين وأظنه البحتري: [خفيف] # فاطلبا ثالثا سواي فإني ... رابع العيس والدجى والبيد # لست بالواهن المقيم ولا القا ... ئل يوما إن الغنى بالجدود # وإذا استصعبت مقادة أمر ... سهلتها أيدي المهارى القود # وقال عبد الله بن أبي الشيص «3» [وافر] # أظن الدهر قد آلى فبرا ... بأن لا يكسب الأموال حرا # لقد قعد الزمان بكل حر ... ونقض من قواه المستمرا # كأن صفائح الأحرار أردت ... أباه فحارب الأحرار طرا # فأصبح كل ذي شرف ركوبا ... لأعناق الدجى برا وبحرا # فهتك جيب درع الليل عنه ... إذا ما جيب درع الليل زرا # PageV01P336 # يراقب للغنى وجها ضحوكا ... ووجها للمنية مكفهرا # ومن جعل الظلام له قعودا ... أصاب به الدجى خيرا وشرا # وكان يقال: من سره أن يعيش مسرورا فليقنع، ومن أراد الذكر فليجهد. # قيل للعتابي: فلان بعيد الهمة، قال: إذن لا يكون له غاية دون الجنة. وقيل ~~لبعض الحكماء: من أسوأ الناس حالا؟ قال: من اتسعت معرفته وضاقت مقدرته ~~وبعدت همته. # وقال عدي «1» بن الرقاع: [كامل] # والمرء يورث جوده أبناءه ... ويموت آخر وهو في الأحياء # أبو اليقظان قال: كان أول عمل وليه الحجاج تبالة، فسار إليها فلما قرب ~~منها قال للدليل: أين هي وعلى أي سمت هي؟ قال: تسترها عنك هذه الأكمة. قال ~~لا أراني أميرا إلا على موضع تستر منه أكمة! أهون بها ولاية! وكر راجعا. ~~فقيل في المثل: «أهون من تبالة على الحجاج» . وقال الطائي: [طويل] # وطول مقام المرء في الحي مخلق ... لديباجتيه فاغترب تتجدد # فإني رأيت الشمس زيدت محبة ... إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد # وقال رجل لآخر: أبوك الذي جهل قدره وتعدى طوره فشق العصا وفرق الجماعة، ~~لا جرم لقد هزم ثم أسر ثم قتل ثم صلب. قال الآخر: دعني من ذكر هزيمة أبي ~~ومن صلبه، أبوك ما حدث نفسه بشيء من هذا قط. قال حاتم طيء: [طويل] # لحى الله صعلوكا مناه وهمه ... من العيش أن يلقى لبوسا ومطعما # يرى الخمص «2» تعذيبا وإن يلق شعبة ... يبت قلبه من قلة الهم مبهما # PageV01P337 # ولله صعلوك يساور همه ... ويمضي على الأهوال والدهر مقدما # يرى قوسه أو رمحه ومجنه ... وذا شطب لدن المهزة مخذما «1» # وأحناء سرج قاتر «2» ولجامه ... معدا لدى الهيجا وطرفا مسوما # فذلك إن يهلك فحي ثناؤه ... وإن يحي لا يقعد لئيما مذمما # وقال آخر: [بسيط] # لا يمنعنك خفض العيش تطلبه ... نزاع شوق إلى أهل وأوطان # تلقى بكل بلاد إن حللت بها ... أهلا بأهل وجيرانا بجيران # ويقال: ليس بينك وبين البلدان نسب فخير البلاد ما حملك. وقال عروة ابن ~~الورد «3» : [طويل] # لحى الله صعلوكا إذا جن ليله ... مصافي المشاش «4» آلفا كل مجزر # يعد الغنى من دهره كل ليلة ... أصاب قراها من صديق ميسر # ينام عشاء ثم يصبح قاعدا ... يحت الحصا من جنبه المتعفر # يعين نساء الحي لا يستعنه ... ويمسي طليحا كالبعير المحسر # ولله صعلوك صفيحة وجهه ... كضوء شهاب القابس المتنور # مطل على أعدائه يزجرونه ... بساحتهم زجر المنيح المشهر # وقال آخر: [طويل] تقول سليمى: لو أقمت بأرضنا! * ولم تدر أني للمقام أطوف # PageV01P338 # وقال الطائي في نحوه: [وافر] # أآلفة النحيب كم افتراق ... ألم فكان داعية اجتماع # وما إن فرحة الأوبات إلا ... لموقوف على ترح الوداع # نظر رجل إلى روح بن حاتم واقفا في الشمس على باب المنصور فقال له: قد طال ~~وقوفك في الشمس. فقال روح: ليطول مقامي في الظل. وقال خداش «1» بن زهير: ~~[بسيط] # ولن أكون كمن ألقى رحالته ... على الحمار وخلى صهوة الفرس # وقال آخر: [بسيط] # لا أنت قصرت عن مجد ولا أنا، إذ ... أسمو إليك بنفسي، قصرت هممي # قال عمر بن الخطاب: أشنعوا بالكنى فإنها منبهة. دخل عبيد الله بن زياد بن ~~ظبيان التيمي على أبيه وهو يجود بنفسه فقال له: ألا أوصي بك الأمير؟ فقال ~~عبيد الله: إذا لم يكن للحي إلا وصية الميت فالحي هو الميت. # وقال الشاعر في نحوه: [وافر] # إذا ما الحي عاش بعظم ميت ... فذاك العظم حي وهو ميت # وقال معاوية لعمرو بن سعيد وهو صبي: إلى من أوصى بك أبوك؟ قال: # أوصى إلي ولم يوص بي. نظر أبو الحارث حمير إلى برذون «2» يستقى عليه، ~~فقال: المرء حيث يجعل نفسه، لو هملج «3» هذا لم يبل بما ترون. قال الطائي: # PageV01P339 # [طويل] # وقلقل نابي من خراسان جاشها ... فقلت اطمئني أنضر الروض عازبه # وركب كأطراف الأسنة عرسوا ... على مثلها، والليل تسطو غياهبه # لأمر عليهم أن تتم صدوره ... وليس عليهم أن تتم عواقبه # وقال آخر: [طويل] # وعش ملكا أو مت كريما، وإن تمت ... وسيفك مشهور بكفك تعذر # والمشهور في هذا قول امرىء القيس: [طويل] # فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة ... كفاني ولم أطلب قليل من المال # ولكنما أسعى لمجد مؤثل ... وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي # وقوله: [طويل] # بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه ... وأيقن أنا لاحقان بقيصرا # فقلت له: لا تبك عينك، إنما ... نحاول ملكا أو نموت فنعذرا # وقال أبو نواس: [طويل] # سأبغي الغنى إما جليس خليفة ... نقوم سواء، أو مخيف سبيل # وقيل ليزيد بن المهلب: ألا تبني دارا! فقال: منزلي دار الإمارة أو الحبس. ~~والمشهور في سقوط الهمة قول الحطيئة «1» : [بسيط] # دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي # PageV01P340 # وقال مالك «1» بن الريب: [طويل] # فإن تنصفونا، آل مروان، نقترب ... إليكم وإلا فأذنوا ببعاد # فإن لنا عنكم مراحا ومرحلا ... بعيس إلى ريح الفلاة صوادي # وفي الأرض عن دار المذلة مذهب ... وكل بلاد أوطنت كبلادي # فماذا عسى الحجاج يبلغ جهده ... إذا نحن جاوزنا حفير «2» زياد # فباست أبي الحجاج واست عجوزه ... عتيد «3» بهم يرتعي بوهاد # فلولا بنو مروان كان ابن يوسف «4» ... كما كان عبدا من عبيد إياد # زمان هو المقري المقر «5» بذلة ... يراوح غلمان القرى ويغادي # بعث ينحاب خليفتها إلى ابن عائشة المحدث وهو عبيد الله بن محمد ابن حفص ~~التيمي، فأتاه في حلقته في المسجد فقال له: أبو من؟ قال: هلا عرفت هذا قبل ~~مجئيك؟ قال: أريد أن تخليني. قال: في حاجة لك أم في حاجة لي؟ قال: في حاجة ~~لي. قال: فالقني في المنزل. قال: فإن الحاجة لك. قال: ما دون إخواني سر. # وقال بعض لصوص همدان وهو مالك «6» بن حريم: [طويل] # كذبتم وبيت الله لا تأخذونها ... مراغمة مادام للسيف قائم # PageV01P341 # متى تجمع القلب الذكي وصارما «1» ... وأنفا حميا تجتنبك المظالم # ومن يطلب المال الممنع بالقنا ... يعش مثريا أو تخترمه المخارم # وكنت إذا قوم غزوني غزوتهم ... فهل أنا في ذا يا لهمدان ظالم # وقال أبو النشناش «2» ، من اللصوص: [طويل] # إذا المرء لم يسرح سواما «3» ولم يرح ... سواما ولم تعطف عليه أقاربه # فللموت خير للفتى من حياته ... فقيرا ومن مولى تدب عقاربه # وسائله بالغيب عني وسائل ... ومن يسأل الصعلوك أين مذاهبه؟ # وطامسة الأعلام ماثلة الصوى «4» ... سرت بأبي النشناش فيها ركائبه # فلم أر مثل الفقر ضاجعه الفتى ... ولا كسواد الليل أخفق صاحبه # وقال آخر من اللصوص: [طويل] # وإني لأستحيي من الله أن أرى ... أطوف بحبل «5» ليس فيه بعير # وأن أسأل المرء اللئيم بعيره ... وبعران ربي في البلاد كثير # فلليل، إن واراني الليل، حكمة ... وللشمس إن غابت علي تدور # عوى الذئب فاستأنست للذئب إذ عوى ... وصوت إنسان فكدت أطير # رأى الله أنى للأنيس لشانىء ... وتبغضهم لي مقلة وضمير # PageV01P342 # وقال النمر «1» بن تولب: [كامل] # خاطر بنفسك كي تصيب غنيمة ... إن الجلوس مع العيال قبيح # فالمال فيه تجلة ومهابة ... والفقر فيه مذلة وقبوح # وقال آخر: [طويل] # تقول ابنتي: إن انطلاقك واحدا ... إلى الروع يوما تاركي لا أباليا # ذريني من الإشفاق أو قدمي لنا ... من الحدثان والمنية واقيا # ستتلف نفسي أو سأجمع هجمة ... ترى ساقيها يألمان التراقيا # وقال أوس «2» بن حجر: [طويل] # ومن يك مثلي ذا عيال ومقترا ... من المال يطرح نفسه كل مطرح # ليبلي عذرا أو ليبلغ حاجة ... ومبلغ نفس عذرها مثل منجح # وقال آخر: [طويل] # رمى الفقر بالأقوام حتى كأنهم ... بأطرار آفاق البلاد نجوم # قال كسرى: إحذروا صولة الكريم إذا جاع، واللئيم إذا شبع. وقال الشاعر: ~~[طويل] # خلقان لا أرضى اختلافهما ... تيه الغنى، ومذلة الفقر # فإذا غنيت فلا تكن بطرا ... وإذا افتقرت فته على الدهر # واصبر، فلست بواجد خلقا ... أدنى إلى فرج من الصبر # PageV01P343 # كان أعرابي يمنع ابنه من التصرف إشفاقا عليه، فقال شعرا فيه: # [طويل] # إذا ما الفتى لم يبغ إلا لباسه ... ومطعمه، فالخير منه بعيد # يذكرني خوف المنايا، ولم أكن ... لأهرب مما ليس منه محيد # فلو كنت ذا مال لقرب مجلسي ... وقيل إذا أخطأت: أنت رشيد # رأيت الغنى قد صار في الناس سؤددا ... وكان الفتى بالمكرمات يسوده # وإن قلت لم يسمع مقالي وإنني ... لمبدىء حق بينهم ومعيد # فذرني أجول في البلاد لعله ... يسر صديق أو يساء حسود # ألا ربما كان الشفيق مضرة ... عليك من الإشفاق وهو ودود # وقال أعرابي من باهلة: [طويل] # سأعمل نص العيس «1» حتى يكفني ... غنى المال يوما أو غنى الحدثان # فللموت خير من حياة يرى لها ... على الحر بالإقلال وسم هوان # متى يتكلم يلغ حسن كلامه ... وإن لم يقل قالوا: عديم بيان # كأن الغنى عن أهله- بورك الغنى-* بغير لسان ناطق بلسان ### | الشرف والسؤدد بالمال وذم الفقر والحض على الكسب # أنشد ابن الأعرابي «2» : [طويل] # ومن يفتقر في قومه يحمد الغنى ... وإن كان فيهم ماجد العم مخولا # PageV01P344 # يمنون إن أعطوا ويبخل بعضهم ... ويحسب عجزا سكته إن تجملا # ويزري بعقل المرء قلة ماله ... وإن كان أقوى من رجال وأحولا # وقرأت في كتاب للهند: ليس من خلة يمدح بها الغني إلا ذم بها الفقير، فإن ~~كان شجاعا قيل أهوج، وإن كان وقورا قيل بليد، وإن كان لسنا قيل مهذار، وإن ~~كان زميتا «1» قيل عيي. وقال آخر: [بسيط] # الفقر يزري بأقوام ذوي حسب ... وقد يسود غير السيد المال # وأنشد ابن الأعرابي: [بسيط] # رزقت لبا ولم أرزق مروءته ... وما المروءة إلا كثرة المال # إذا أردت مساماة يقعدني ... عما ينوه باسمي رقة الحال # وقال آخر: [طويل] # يغطي عيوب المرء كثرة ماله ... يصدق فيما قال وهو كذوب # ويزري بعقل المرء قلة ماله ... يحمقه الأقوام وهو لبيب «2» # وقال آخر: [منسرح] # كم من لئيم الجدود سوده ال ... مال، أبوه وأمه الورق # وكم كريم الجدود ليس له ... عيب سوى أن ثوبه خلق # أدبه سادة كرام فما ... ثوباه إلا العفاف والخلق # وأنشد الرياشي «3» : # PageV01P345 # [بسيط] # غضبان يعلم أن المال ساق له ... ما لم يسقه له دين ولا خلق # لولا ثلاثون ألفا سقتها بطرا ... إلى ثلاثين ألفا ضاقت الطرق # فمن يكن عن كرام الناس يسألني ... فأكرم الناس من كانت له ورق # وقال أحيحة «1» بن الجلاح: [بسيط] # إستغن أو مت ولا يغررك ذو نشب «2» ... من ابن عم ولا عم ولا خال # يلوون ما عندهم من حق أقربهم ... وعن صديقهمو والمال بالوالي # ولا أزال على الزوراء «3» أعمرها، ... إن الكريم على الإخوان ذو المال # كل النداء إذا ناديت يخذلني ... إلا ندائي إذا ناديت يا مالي # وقال حسان «4» : [خفيف] # رب حلم أضاعه عدم الما ... ل وجهل غطى عليه النعيم # وقال الهذلي «5» : [وافر] # رأيت معاشرا يثنى عليهم ... إذا شبعوا وأوجههم قباح # PageV01P346 # يظل المصرمون لهم سجودا ... ولو لم يسق عندهمو ضياح «1» # ويروى يلف. وقال بعضهم: وددت أن لي مثل أحد ذهبا لا أنتفع منه بشيء. قيل ~~له: فما تصنع به؟ قال: لكثرة من يخدمني عليه. قال الصلتان «2» : # [متقارب] # إذا قلت يوما لمن قد ترى: ... أروني السري، أروك الغني # وسرك ما كان عند امرىء ... وسر الثلاثة غير الخفي «3» # وقال آخر: [بسيط] # لا تسألي الناس: ما مجدي وما شرفي، ... الشأن في فضتي والشأن في ذهبي # لو لم يكن لي مال لم يطر أحد ... بأبي ولم يعرفوا مجدي ومجد أبي # وقال آخر: [طويل] # أجلك قوم حين صرت إلى الغنى ... وكل غني في العيون جليل # ولو كنت ذا عقل ولم تؤت ثروة ... ذللت لديهم والفقير ذليل # إذا مالت الدنيا على المرء رغبت ... إليه ومال الناس حيث يميل # وليس الغنى إلا غنى زين الفتى ... عشية يقري أو غداة ينيل # وقال آخر: [طويل] # وكل مقل حين يغدو لحاجة ... إلى كل من يعدو من الناس مذنب # وكان بنو عمي يقولون مرحبا ... فلما رأوني معدما مات مرحب «4» # PageV01P347 # وقال آخر: [طويل] # أبا مصلح أصلح، ولا تك مفسدا ... فإن صلاح المال خير من الفقر # ألم تر أن المرء يزداد عزة ... على قومه إن يعلموا أنه مثري # وقال عروة «1» بن الورد: [وافر] # ذريني للغنى أسعى فإني ... رأيت الناس شرهم الفقير # وأبعدهم وأهونهم عليهم ... وإن أمسى له حسب وخير # ويقصيه الندي وتزدريه ... حليلته وينهره الصغير # وتلفي ذا الغنى وله جلال ... يكاد فؤاد صاحبه يطير # قليل ذنبه والذنب جم ... ولكن للغنى رب غفور # وقال زيد بن عمرو «2» بن نفيل: [خفيف] # ويكأن من يكن له نشب «3» يح ... بب، ومن يفتقر يعش عيش ضر # ويجنب سر النجي ولكن ... ن أخا المال محضر كل سر # وقال آخر: [طويل] # ألم تر بيت الفقر يهجر أهله ... وبيت الغنى يهدى له ويزار # وقال آخر: [وافر] # إذا ما قل مالك كنت فردا ... وأي الناس زوار المقل؟ # PageV01P348 # وقال عبد العزيز «1» بن زرارة: [وافر] # وما لب اللبيب بغير حظ ... بأغنى في المعيشة من فتيل # رأيت الحظ يستر عيب قوم ... وهيهات الحظوظ من العقول # وقال الطائي: [بسيط] # الصبر كاس وبطن الكف عارية ... والعقل عار إذا لم يكس بالنشب # ما أضيع العقل إن لم يرع ضيعته ... وفر، وأي رحى دارت بلا قطب؟ # وقال آخر: [خفيف] # عش بجد ولا يضرك نوك ... إنما عيش من ترى بالجدود # عش بجد وكن هبنقة القي ... سي نوكا أو خالد بن يزيد «2» # وقال الطائي: [طويل] # ينال الفتى من عيشه وهو جاهل ... ويكدي الفتى في دهره وهو عالم # ولو كانت الأرزاق تجري على الحجا ... هلكن إذا من جهلهن البهائم # وقال المرار «3» : [طويل] # إذا لم ترافد في الرفاد ولم تسق ... عدوا ولم تستغن فالموت أروح # وقال ابن الدمينة «4» الثقفي: [وافر] # أطعت العرس «5» في الشهوات حتى ... أعادتني عسيفا عبد عبد # PageV01P349 # إذا ما جئتها قد بعت عذقا ... تعانق أو تقبل أو تفدي # وقال الأسعر «1» الجعفي: [كامل] # وخصاصة الجعفي ما داينته ... لا ينقضي أبدا وإن قيل انقضى # إخوان صدق ما رأوك بغبطة ... فان افتقرت فقد هوى بك ما هوى # وقال آخر: [طويل] # إذا المرء لم يكسب معاشا لنفسه ... شكا الفقر أو لاقى الصديق فأكثرا # وصار على الأدنين كلا وأوشكت ... صلات ذوي القربى له أن تنكرا # فسر في بلاد الله والتمس الغنى ... تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا # وما طالب الحاجات من حيث تبتغى ... من الناس إلا من أجد وشمرا # فلا ترض من عيش بدون ولا تنم ... وكيف ينام الليل من كان معسرا «2» ؟ # وقال آخر: [رجز] # من يجمع المال ولا يثب به ... ويترك العام لعام جذبه # يهن على الناس هوان كلبه # قال أبو اليقطان: ما ساد مملق قط إلا عتبة بن ربيعة. # حدثني أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي عن حماد بن سلمة عن عبيد الله # PageV01P350 # ابن العيزار عن عبد الله بن عمرو أنه قال: احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا ~~واحرث لآخرتك كأنك تموت غدا. # قال: حدثني أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي قال حدثني أصحاب أيوب عن أيوب ~~قال: كان أبو قلابة يحثني على الإحتراف ويقول: إن الغنى من العافية. # قال: وقال الأصمعي: سأل أعرابي عن رجل فقالوا: أحمق مرزوق، فقال: ذاك ~~والله الرجل الكامل. وكان يقال: من حفظ ماله فقد حفظ الأكرمين: الدين ~~والعرض. ويقال في بعض كتب الله: أطعني فيما آمرك ولا تعلمني بما ينفعك ~~وامدد يدك لباب من العمل أفتح لك بابا من الرزق. وكان يقال: من غلى دماغه ~~في الصيف غلت قدره في الشتاء. ويقال: حفظ المال أشد من جمعه. وقال الحسن: ~~إذا أردتم أن تعلموا من أين أصاب المال فانظروا فيم ينفقه فإن الخبيث ينفق ~~سرفا. ونحوه قولهم: من أصاب مالا من نهاوش أذهبه الله في نهابر «1» . ويقال ~~في مثل «الكد قبل المد» يراد الطلب قبل الحاجة والعجز. وقال لقيط «الغزو ~~أدر للقاح وأحد للسلاح» . وقال أبو المعافى «2» : [طويل] # وإن التواني أنكح العجز بنته ... وساق إليها حين زوجها مهرا # فراشا وطيئا ثم قال لها اتكي ... قصاراهما لا بد أن يلدا الفقرا # وقال زيد بن جبلة: لا فقير أفقر من غني أمن الفقر. وروي عن علي بن # PageV01P351 # أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال: ما دون أربعة آلاف درهم نفقة، وما فوقها ~~كنز. ويقال: القبر ولا الفقر. ويقال: ما سبق عيال مالا قط إلا كان صاحبه ~~فقيرا. وقيل لرجل من البصريين: مالك لا ينمي مالك؟ قال: لأني اتخذت العيال ~~قبل المال واتخذ الناس المال قبل العيال. ويقال: العيال سوس المال. # وقيل لمديني: كيف حالك؟ قال: كيف يكون حال من ذهب ماله وبقيت عادته. ~~ويقال: الغني في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة. # حدثني محمد بن يحيى بإسناد ذكره قال: شكا نبي من الأنبياء إلى الله شدة ~~الفقر فأوحى الله إليه: هكذا جرى أمرك عندي أفتريد من أجلك أن أعيد الدنيا. # قال أبو حاتم: حدثنا العتبي قال: سمعت يونس بن حبيب يقول: ما أجدب أهل ~~البادية قط حتى تسويهم السنة ثم جاءهم الخصب إلا عاد الغنى إلى أهل الغنى. # قال الأصمعي: رأيت أعرابية ذات جمال رائع تسأل بمنى فقلت: يا أمة الله، ~~تسألين ولك هذا الجمال! قالت: قدر الله فما أصنع؟ قلت: فمن أين معاشكم؟ ~~قالت: هذا الحاج نتقممهم ونغسل ثيابهم. فقلت: فإذا ذهب الحاج فمن أين؟ ~~فنظرت إلي وقالت: يا صلب الجبين! لو كنا إنما نعيش من حيث نعلم لما عشنا. ~~وقال الشاعر «1» : [خفيف] # أتراني أرى من الدهر يوما ... لي فيه مطية غير رجلي # وإذا كنت في جميع فقالوا ... قربوا للرحيل قدمت نعلي # حيثما كنت لا أخلف رحلا ... من رآني فقد رآني ورحلي # PageV01P352 # قيل لمديني: ما عندك من آلة الحج؟ قال: التلبية. وقيل لآخر: ما عندك من ~~آلة العصيدة «1» ؟ قال: الماء. وقيل لآخر: ما عندك من آلة القريس «2» ؟ ~~قال: الشتاء. ### | ذم الغنى ومدح الفقر # قال شريح: الجدة كنية البهل «3» . وقال أكثم بن صيفي: ما يسرني أني مكفي ~~كل أمر الدنيا. قيل: وإن أسمنت وألبنت؟ قال: نعم، أكره عادة العجز. وكان ~~يقال: عيب الغنى أنه يورث البله، وفضيلة الفقر أنه يورث الفكرة. وقال محمد ~~بن حازم «4» الباهلي: [منسرح] # ما الفقر عار ولا الغنى شرف ... ولا سخاء في طاعة سرف # ما لك إلا شيء تقدمه ... وكل شيء أخرته تلف # تركك مالا لوارث يته ... ناه وتصلى بحره أسف # وقال ابن مناذر «5» : [وافر] # رضينا قسمة الرحمن فينا ... لنا علم وللثقفي مال # وما الثقفي إن جادت كساه ... وراعك شخصه إلا خيال # وقال أنس بن مالك: لما خرج مروان من المدينة مر بماله بذي خشب «6» # PageV01P353 # فلما نظر إليه قال: ليس المال إلا ما أشرجت عليه المناطق. وروي عن المسيح ~~أنه قال: في المال ثلاث خصال، قالوا: وما هي يا روح الله: قال: # لا يكسبه من حله قالوا: فإن فعل قال: يمنعه من حقه، قالوا: فإن لم يفعل، ~~قال: يشغله إصلاحه عن عبادة ربه. قيل لابن عمر: توفي زيد بن حارثة وترك ~~مائة ألف درهم، قال: لكنها لا تتركه. وقال المعلوط «1» . [طويل] # ولا سود المال الدني ولا دنا ... لذاك ولكن الكريم يسود # متى ما ير الناس الغني وجاره ... فقيرا يقولوا عاجز وجليد # وليس الغنى والفقر من حيلة الفتى ... ولكن أحاظ قسمت وجدود # فكم قد رأينا من غني مذمم ... وصعلوك قوم مات وهو حميد # إذا المرء أعيته المروءة ناشئا ... فمطلبها كهلا عليه شديد # وقال آخر: [منسرح] # ولا تهين «2» الفقير علك أن ... تركع يوما والدهر قد رفعه # الأخفش قال: قال المبرد: أريد النون الخفيفة في ولا تهين فأسقط التنوين ~~لسكونه وسكون اللام. وقال آخر: [طويل] # ولست بنظار إلى جانب الغنى ... إذا كانت العلياء في جانب الفقر # وإني لصبار على ما ينوبني ... لأني رأيت الله أثنى على الصبر # وقال أعرابي يمدح قوما: [طويل] # إذا افتقروا عضوا على الصبر حسبة ... وإن أيسروا عادوا سراعا إلى الفقر # يقول: يعطون ما عندهم حتى يفتقروا. قال الحسن: عيرت اليهود # PageV01P354 # عيسى بن مريم بالفقر فقال: من الغنى أتيتم، وقال: حسبك من شرف الفقر أنك ~~لا ترى أحدا يعصي الله ليفتقر. أنشد ابن الأعرابي «1» : [بسيط] # المال يغشى رجالا لا طباخ بهم ... كالسيل يغشى أصول الدندن البالي «2» # وقال الطائي: [كامل] # لا تنكري عطل الكريم من الغنى ... فالسيل حرب للمكان العالي «3» # قال عمر بن الخطاب: من دخل على الأغنياء خرج وهو ساخط على الله. قال ~~أعرابي: الغني من كثرت حسناته والفقير من قل نصيبه منها. وقال ذو الأصبع ~~«4» : [بسيط] # لي ابن عم على ما كان من خلق ... مخالف لي أقليه ويقليني «5» # أزرى بنا أننا شالت نعامتنا ... فخالني دونه بل خلته دوني # PageV01P355 # وقال آخر: [كامل] # إن الحرام غزيرة حلباته ... ووجدت حالبة الحلال مصورا «1» # وقيل لأعرابي: إن فلانا أفاد مالا عظيما قال: فهل أفاد معه أياما ينفقه ~~فيها؟. وفي كتاب للهند: ذو المروءة يكرم معدما كالأسد يهاب وإن كان رابضا، ~~ومن لا مروءة له يهان وإن كان موسرا كالكلب وإن طوق وحلى. وقال خداش «2» بن ~~زهير: [طويل] # أعاذل، إن المال أعلم أنه ... وجامعه للغائلات الغوائل # متى تجعليني فوق نعشك تعلمي ... أيغني مكاني أبكري وأفائلي؟ # وقال آخر: [طويل] # إذا المرء أثرى ثم قال لقومه ... أنا السيد المقضي إليه المعظم # ولم يعطهم خيرا أبوا أن يسودهم ... وهان عليهم رغمه وهو أظلم # وقال زبان «3» بن سيار: [طويل] # ولسنا كقوم محدثين سيادة ... يرى مالها ولا يحس فعالها # مساعيهمو مقصورة في بيوتهم ... ومسعاتنا ذبيان طرا عيالها # وقال أبو عبيد الله الكاتب: الصبر على حقوق المروءة أشد من الصبر على ألم ~~الحاجة، وذلة الفقر مانعة من عز الصبر كما أن عز الغنى مانع من كرم ~~الإنصاف. وقال بعض المتكلمين في ذم الغنى: ألم تر ذا الغنى ما أدوم نصبه، ~~وأقل راحته، وأخس من ماله حظه، وأشد من الأيام حذره، وأغرى # PageV01P356 # الدهر بثلمه ونقضه، ثم هو بين سلطان يرعاه، وحقوق تسترثيه، وأكفاء ~~يتنافسونه، وولد يودون فراقه، قد بعث عليه الغنى من سلطانه العناء، ومن ~~أكفائه الحسد، ومن أعدائه البغي، ومن ذوي الحقوق الذم، ومن الولد الملامة، ~~لا كذي البلغة قنع فدام له السرور، ورفض الدنيا فسلم له الجسد، ورضي ~~بالكفاف فتنكبته الحقوق. ضجر أعرابي بكثرة العيال والولد مع الفقر وبلغه أن ~~الوباء بخيبر شديد فخرج إليها بعياله يعرضهم للموت، وأنشأ يقول: # [رجز] # قلت لحمى خيبر استعدي ... هاك عيالي واجهدي وجدي # وباكري بصالب وورد ... أعانك الله على ذا الجند # فأخذته الحمى فمات هو وبقي عياله. وكتب عمر بن الخطاب إلى ابنه عبد الله: ~~يا بني، إتق الله، فإنه من اتق الله وقاه، ومن توكل عليه كفاه، ومن شكره ~~زاده، فلتكن التقوى عماد عينيك وجلاء قلبك، واعلم أنه لا عمل لمن لا نية له ~~ولا أجر لمن لا حسبة له، ولا مال لمن لا رفق له، ولا جديد لمن لا خلق له. ~~وقال محمود الوراق «1» : [سريع] # يا عائب الفقر ألا تزدجر ... عيب الغنى أكثر لو تعتبر # من شرف الفقر ومن فضله ... على الغنى إن صح منك النظر # أنك تعصي الله تبغي الغنى ... ولست تعصي الله كي تفتقر # وقال آخر: [مجزوء المديد] # ليس لي مال سوى كرمي ... فيه لي أمن من العدم # لا أقول الله أعدمني ... كيف أشكو غير متهم # PageV01P357 # قنعت نفسي بما رزقت ... وتمطت بالعلى هممي # وجعلت الصبر سابغة ... فهي من قرني إلى قدمي # فإذا ما الدهر عاتبني ... لم يجدني كافرا نعمي ### | التجارة والبيع والشراء # قال: حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن ابن إسحق عمن حدثه يرفعه ~~قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت مرغمة ومرحمة ولم أبعث تاجرا ~~ولا زراعا وإن شر هذه الأمة التجار والزراعون إلا من شح عن دينه» . وفي ~~حديث آخر رواه أبو معاوية عن الأعمش عن وائل بن داود عن سعيد بن جبير: # سئل النبي، صلى الله عليه وسلم، أي الكسب أطيب قال: «عمل الرجل بيده وكل ~~بيع مبرور» . # حدثني يزيد بن عمرو قال: حدثنا عون بن عمارة عن هشام بن حسان عن الحسن أن ~~عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: من تجر في شيء ثلاث مرات فلم يصب فيه ~~فليتحول منه إلى غيره. وقال: فرقوا بين المنايا، واجعلوا الرأس رأسين ولا ~~تلثوا بدار معجزة «1» . وقال: إذا اشتريت بعيرا فاشتره عظيم الخلق فإن ~~أخطأك خير لم يخطئك سوق. وقال: بع الحيوان أحسن ما يكون في عينك. وقال ~~الحسن: الأسواق موائد الله في الأرض فمن أتاها أصاب منها. ابن المبارك عن ~~معمر عن الزبيري قال: مر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، برجل يبيع شيئا، ~~فقال: «عليك بالسوم أول السوق فإن الرباح مع السماح» . وكان يقال: # PageV01P358 # إسمح يسمح لك. وفي بعض الحديث المرفوع: «أمر رسول الله، صلى الله عليه ~~وسلم، الأغنياء باتخاذ الغنم والفقراء باتخاذ الدجاج» . وقيل للزبير: بم ~~بلغت ما بلغت من اليسار؟ قال: لم أرد ربحا ولم أستر عيبا. دخل ناس على ~~معاوية فسألهم عن صنائعهم، فقالوا: بيع الرقيق. قال: بئس التجار ضمان نفس ~~ومؤونة ضرس. # باع رجل ضيعة فقال للمشتري: أما والله لقد أخذتها ثقيلة المؤنة قليلة ~~المنفعة، فقال: وأنت والله لقد أخذتها بطيئة الاجتماع سريعة التفرق. # واشترى رجل من رجل دارا فقال له المشتري: لو صبرت لاشتريت منك الذراع ~~بعشرة، فقال: وأنت لو صبرت بعتك الذراع بدرهم. # حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي أن أبا سفيان بن العلاء باع غلاما له بثلاثين ~~ألفا فقال عمر بن أبي زائدة: هذا أحمق، قالوا: كيف؟ قال: لأنه لم يبلغ ~~ثلاثين ألفا حتى أعطي قبل ذلك عشرون ألفا فكيف انتظر ولم يغتنمها. # ورئي عبد الله بن جعفر يماكس «1» في درهم فقيل له: أتماكس في درهم وأنت ~~تجود من المال بما تجود به؟ قال: ذلك مالي جدت به وهذا عقلي بخلت به. # ابتاع ابن عمر شيئا فحثا له البائع على المكيال فقال له ابن عمر: أرسل ~~يدك ولا تمسك على رأسه فإنما لي ما يحمله المكيال. كان جرير بن عبد الله ~~إذا اشترى شيئا قال لصاحبه: إن الذي أخذنا منك خير مما أعطيناك إذ أظن أنه ~~كذلك فأنت بالخيار. اشترى عمرو بن عبيد إزارا للحسن بستة دراهم ونصف فأعطاه ~~سبعة دراهم فقال الرجل: إنما بعته بستة دراهم ونصف، فقال عمرو: # إني اشتريته لرجل لا يقاسم أخاه درهما. # PageV01P359 # قال: حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي عن أبي الزناد قال: إذا عزب «1» المال ~~قلت فواضله، لا بلحة ولا بسرة ولا رطبة ولا كرنافة «2» . ونحوه قول بعض ~~الحجازيين: [طويل] # سأبغيك مالا بالمدينة إنني ... أرى عازب الأموال قلت فواضله # قال عمر بن عبد الرحمن بن عوف: قسم سهل بن حنيف بيننا أموالنا وقال لي: ~~يا بن أختي، إني أو ترك بالقرابة، اعلم أنه لا مال لأخرق ولا عيلة على ~~مصلح، وخير المال ما أطعمك لا ما أطعمته، وإن الرقيق جمال وليس بمال. قال ~~زياد: ليس لذي ضعف مثل أرض عشر وليس لذي جاه مثل خراج وليس لتاجر مثل صامت. ~~قال رجل لآخر: بكم تبيع الشاة؟ قال: # أخذتها بستة وهي خير من سبعة وقد أعطيت بها ثمانية فإن كانت من حاجتك ~~بتسعة فزن عشرة. كان يقال: خير المال عين خرارة، في أرض خوارة، تفجرها ~~الفارة، تسهر إذا نمت، وتشهد إذا غبت، وتكون عقبا إذا مت. عبد الرزاق عن ~~معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: إن الله إذا أبغض عبدا جعل رزقه في ~~الصياح. وقال الفضيل مثل ذلك وقال: أما سمعت إلى أهل دار البطيخ والملاحين ~~ودويهم. # قال: حدثنا أحمد بن الخليل قال: حدثنا أحمد بن الحارث الهجيمي قال: حدثنا ~~المبارك بن سعيد عن برد بن سنان عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يرى ~~بالمكايسة والمماكسة في الشراء والبيع بأسا. # PageV01P360 # قال: حدثني محمد قال: حدثني الأصبهاني عن يحيى بن أبي زائدة عن مجالد عن ~~أبي بردة. قال: أتى عمر غلاما له يبيع الحلل، فقال له: إذا كان الثوب عاجزا ~~فانشره وأنت جالس وإذا كان واسعا فانشره وأنت قائم. قال: # فقلت له: الله الله يا عمر. قال: إنما هي السوق. قال عبد الله بن الحسين: # غلة الدور مسكة وغلة النخل كفاف وغلة الحب الغنى. قال أعرابي: [طويل] # زيادة شيء تلحق النفس بالمنى ... وبعض الغلاء في التجارة أربح # ولما بلغ عتبة بن غزوان أن أهل البصرة قد اتخذوا الضياع وعمروا الأرضين ~~كتب إليهم: لا تنهكوا وجه الأرض فإن شحمتها في وجهها. قال أعرابي: [طويل] # وفي السوق حاجات وفي النقد قلة ... وليس مقضي الحاج «1» غير الدراهم # قال ميمون بن ميمون: من اشترى الأشياء بنعت أهلها غبن حدثني سهل بن محمد ~~عن الأصمعي قال: حدثني شكر الحرشي قال: # جاء الحسن بشاة فقال لي: بعها وابرأ من أنها تقلب المعلف وتنزع الوتد من ~~قبل البيع لئلا يقولوا ندم. قال الشاعر: [وافر] # إذا ما تاجر لم يوف كيلا ... فصب على أنامله الجذام # ابن الزيات «2» في الطائي: [طويل] # رأيتك سهل البيع سمحا وإنما ... يغالي إذا ما ظن بالشيء بائعه # هو الماء إن أحميته طاب شربه ... ويكدر يوما أن تباح مشارعه # PageV01P361 # حدثت عن شيبان بن فروخ عن أبي الأشهب عن الحسن قال: كان رجل يتجر في ~~البحر ويحمل الخمر يأتي بها قوما، فعمد إليها فمزجها نصفين وأتاهم بها ~~فباعها بحساب الصرف واشترى قردا فحمله معه في السفينة، فلما لجج في البحر ~~لم يشعر إلا وقد أخذ القرد الكيس وعلا على الصاري وجعل يلقي دينارا في ~~البحر ودينارا في السفينة حتى قسمه قسمين. قال رجل من الحاج: أتانا رجل من ~~الأعراب بالرمل في طريق مكة بغرارة «1» فيها كمأة، فقلنا له: بكم الغرارة؟ ~~فقال: بدرهمين، فقلنا: لك ذلك، فأخذناها ودفعنا إليه الثمن، فلما نهض قال ~~له رجل منا: في است المغبون عود، فقال: بل عودان وضرب الأرض برجله فإذا نحن ~~على الكمأة قيام. قيل لأعرابي: ألا تشتري لابنك بطيخة. فقال: لا، أو يبلغ ~~من كساده أن يكون إذا تناول من بين يدي البقال وأخذه وعدا رماه بأخرى ولم ~~يعد خلفه. اشترى أعرابي غلاما فقال للبائع: هل فيه من عيب، فقال: لا، غير ~~أنه يبول في الفراش. فقال: ليس هذا بعيب، إن وجد فراشا فليبل فيه. ### | الدين # قال ثابت قطنة: الدين عقلة الشريف. وقال دليم «2» : [طويل] # الله لقى من عرابة بيعة ... على حين كاد النقد يعسر عاجله «3» # ولوى بنان الكف يحسب ربحه ... ولم يحسب المطل الذي أنا ماطله # سيرضى من الربح الذي كان يرتجي ... برأس الذي أعطى وهل هو قابله؟ «4» # PageV01P362 # عبد الرزاق عن ابن جريج قال: رآني عمر وأنا متقنع، فقال: يا أبا خالد، إن ~~لقمان كان يقول: القناع بالليل ريبة وبالنهار مذلة، فقلت: إن لقمان لم يكن ~~عليه دين. كتب يعقوب بن داود إلى بعض العباد يسأله القدوم عليه، فأتى محمد ~~بن النضر الحارثي فاستشاره وقال: لعل الله يقضي ديني، فقال محمد بن النضر: ~~لأن تلقى الله وعليك دين ولك دين خير من أن تلقاه وقد قضيت دينك وذهب ~~دينك،. قال عياض بن عبد الله: الدين راية الله في أرضه فإذا أراد أن يذل ~~عبدا جعلها طوقا في عنقه. دخل عتبة بن عمرو على خالد القسري. فقال خالد ~~يعرض به: إن ههنا رجالا يدانون في أموالهم فإذا فنيت ادانوا في أعراضهم. ~~فقال عتبة: إن رجالا تكون مروءاتهم أكثر من أموالهم فيدانون «1» على سعة ما ~~عند الله، فخجل خالد وقال: إنك منهم ما علمت. # وقال أعرابي يذكر غرماء «2» له: [بسيط] # جاءوا إلي غضابا يلغطون معا ... يشفي أذاتهمو أن غاب أنصاري # لما أبوا جهرة إلا ملازمتي ... أجمعت مكرا بهم في غير إنكار # وقلت: إني سيأتيني غدا جلبي «3» ... وإن موعدكم دار ابن هبار # وما أواعدهم إلا لأربثهم «4» ... عني فيحرجني نقضي وإمراري # وما جلبت إليهم غير راحلة ... تخدي برحلى وسيف جفنه عاري # إن القضاء سيأتي دونه زمن ... فاطو الصحيفة واحفظها من الفار # وقال آخر لغرمائه: # PageV01P363 # [وافر] # ولو علقتموني كل يوم ... برجلي أو يدي في المنجنيق «1» # لما أعطيتكم إلا ترابا ... يطير في الخياشم والحلوق # وقال آخر «2» : [وافر] # إذا جئت الأمير فقل سلام ... عليك ورحمة الله الرحيم # وأما بعد ذاك فلي غريم ... من الأعراب قبح من غريم # دراهم ما انتفعت بها ولكن ... وصلت بها شيوخ بني تميم # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي. قال: جاء رجل من بني مخزوم إلى الحارث بن عبد ~~الله بن نوفل وهو يقضي عن أخيه دينا فقال: إن لي على أخيك حقا، قال: ثبت ~~حقك تعطه. قال: أفمن ملاءة أخيك ووفائه ندعي عليه ما ليس لنا؟ فقال: أمن ~~صدقك وبرك نقبل قولك بغير بينة؟. لزم سهل ابن هارون دين كثير، فقال أعرابي ~~يوصيه بالتواري عن غرمائه: [طويل] # انزل أبا عمرو على حد قرية ... تربع إلى سهل كثير السلائق # وخذ نفق اليربوع فاسلك طريقه ... ودع عنك إني ناطق وابن ناطق # وكن كأبي قطب على كل رائع ... له باب دار ضيق العرض سامق # وأبو قطبة خناق كان بالكوفة مولى لكندة. # حدثني محمد بن عبيد. قال: حدثني سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد ~~بن عمير أن رجلا كان يبايع الناس ويداينهم، وكان له كاتب ومتجر، فيأتيه ~~المعسر والمستنظر فيقول لكاتبه: أكلىء واستنظر ليوم يتجاوز # PageV01P364 # الله عنا فيه، فمات لا يعمل عملا غيره فغفر الله له. قال شقران القضاعي ~~«1» : # [طويل] # لو كنت مولى قيس عيلان لم تجد ... علي لإنسان من الناس درهما # ولكنني مولى قضاعة كلها ... فلست أبالي أن أدين وتغرما # بلغني عن يحيى بن أيوب عن الأعمش عن إبراهيم. قال: أرسل عمر إلى عبد ~~الرحمن بن عوف يستسلفه أربعمائة درهم، فقال عبد الرحمن: # أتستسلفني وعندك بيت المال، ألا تأخذ منه ثم ترده؟ فقال عمر: إني أتخوف ~~أن يصيبني قدري، فتقول أنت وأصحابك: أتركوا هذا لأمير المؤمنين؟ حتى يؤخذ ~~من ميزاني يوم القيامة، ولكني أتسلفها منك لما أعلم من شحك فإذا مت جئت ~~فاستوفيتها من ميراثي. # كتب أبو عباد المهلبي «2» إلى صديق له مكثر يستسلفه مالا، فاعتل عليه ~~بالتعذر وضيق الحال، فكتب إليه ابن عباد: إن كنت كاذبا فجعلك الله صادقا ~~وإن كنت ملوما فجعلك الله معذورا. أبو اليقظان قال: كان الفضل «3» بن ~~العباس بن عتبة بن أبي لهب الشاعر يعين «4» الناس فإذا حلت دراهمه ركب ~~حمارا له يقال له شارب الريح فيقف على غرمائه ويقول: [طويل] # بني عمنا، ردوا الدراهم إنما ... يفرق بين الناس حب الدراهم # PageV01P365 # وكان رجل من بني الديل عسر القضاء فإذا تعلق به غرماؤه فر منهم وقال: ~~[وافر] # فلو كنت الحديد لكسروني ... ولكني أشد من الحديد # فعينه الفضل فلما كان قبل المحل جاء فبنى معلفا على باب داره، وكان يقال ~~للرجل عقرب فلقي كل واحد من صاحبه شدة، فهجاه الفضل فقال. # [سريع] # قد تجرت في دارنا عقرب ... لا مرحبا بالعقرب التاجره # إن عادت العقرب عدنا لها ... وكانت النعل لها حاضره # كل عدو يتقى مقبلا ... وعقرب تخشى من الدابره # إن عدوا كيده في استه ... لغير ذي كيد ولا نائره # قال بعضهم: ثلاثة من عازهم عادت عزته ذلة: السلطان. والوالد، والغريم. ~~وفي الحديث المرفوع: «لصاحب الحق اليد واللسان» . المدائني قال: ساير بعض ~~خلفاء بني أمية رجلا وهو يحادثه ثم قطع حديثه واصفر لونه، فقال له الرجل: ~~ما هذا الذي رأيت منك؟ قال: رأيت غريما لي، قال الشاعر: # [طويل] # إذا ما أخذت الدين بالدين لم يكن ... قضاء ولكن كان غرما على غرم # وقال آخر: [وافر] # أخذت الدين أدفع عن تلادي ... وأخذ الدين أهلك للتلاد # كان لرجل من يحصب على رجل من باهلة دين، فلما حل دينه هرب الباهلي وأنشأ ~~يقول: [طويل] # إذا حل دين اليحصبي فقل له: ... تزود بزاد واستعن بدليل # PageV01P366 # سيصبح فوقي أقتم الرأس واقعا ... بقالي قلا أو من وراء دبيل «1» # قال المحدث بهذا: فحدثني من رآه بقالي قلا أو بدبيل وهو مصلوب وقد وقعت ~~عليه عقاب. وقف أبو فرعون الأعرابي على باب قوم يسألهم، فحلفوا له: ما ~~عندهم شيء يعطونه، فقال: استقرضوا لنا شيئا، فقالوا: ما يقرضنا أحد شيئا، ~~فقال أبو فرعون: ذلك لأنكم تأخذون ولا تعطون، أو قال ولا تقضون. أتى قوم ~~عباديا فقالوا: نحب أن تسلف فلانا ألف درهم وتؤخره بها سنة، قال: هاتان ~~حاجتان وسأقضي لكم إحداهما، وإذا أنا فعلت فقد أنصفت، أنا أؤخره ما شاء. ~~كتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل له عليه دين. # قد آن للحق الذي عندك أن يرجع إلى أهله، وتستغفر الله تعالى من حبسه. ### | اختلاف الهمم والشهوات والأماني # اجتمع عبد الله بن عمر وعروة بن الزبير ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن ~~مروان بفناء الكعبة، فقال لهم مصعب: تمنوا فقالوا: إبدأ أنت. # فقال: ولاية العراق وتزوج سكينة ابنة الحسين وعائشة بنت طلحة بن عبيد ~~الله، فنال ذلك وأصدق كل واحدة خمسمائة ألف درهم وجهزها بمثلها. # وتمنى عروة بن الزبير الفقه وأن يحمل عنه الحديث فنال ذلك. وتمنى عبد ~~الملك الخلافة فنالها. وتمنى عبد الله بن عمر الجنة. # قال قتيبة بن مسلم لحصين بن المنذر: ما السرور؟ قال: امرأة حسناء، # PageV01P367 # ودار قوراء «1» ، وفرس مرتبط بالفناء. وقيل لضرار بن الحسين: ما السرور؟ # قال: لواء منشور، وجلوس على السرير، والسلام عليك أيها الأمير. وقيل لعبد ~~الملك «2» بن صالح: ما السرور؟ فقال: [مجزوء الكامل] # كل الكرامة نلتها ... إلا التحية بالسلام # يريد أنه لم يسلم عليه بالخلافة. وأخذه من قول الآخر: # [مجزوء الكامل] # من كل ما نال الفتى ... قد نلته إلا التحيه # يريد الملك. قيل لعبد الملك بن الأهتم: ما السرور؟ فقال: رفع الأولياء، ~~وحط الأعداء، وطول البقاء، مع القدرة والنماء. وقال آخر: # [خفيف] # أطيب الطيبات قتل الأعادي ... واختيال على متون الجياد # وأياد حبوتهن كريما ... إن عند الكريم تزكو الأيادي # قيل للفضل بن سهل: ما السرور؟ فقال: توقيع جائز وأمر نافذ. وقال يزيد بن ~~أسد يوما: أي شيء أسر للقلوب؟ فقالوا: رجل هوي زمانا ثم قدر، فقال: إن هذا ~~السرور. وقال آخر: رجل طلب الولد زمانا فلم يولد له ثم بشر بغلام، فقال ~~يزيد: أسر من هذا كله قفلة على غفلة. قيل لبعض الحكماء: # تمن، فقال: محادثة الإخوان، وكفاف من عيش يسد خلتي ويستر عورتي، ~~والانتقال من ظل إلى ظل. قيل لآخر: ما بقي من ملاذك؛ قال: مناقلة الإخوان ~~الحديث على التلاع العفر في الليالي القمر. قيل لامرىء القيس: ما # PageV01P368 # أطيب عيش الدنيا؟ فقال: بيضاء رعبوبة «1» ، بالطيب مشبوبة، بالشحم ~~مكروبة. وقيل لطرفة مثل ذلك فقال: مطعم شهي وملبس دفي، ومركب وطي. وقيل ~~للأعشى مثل ذلك، فقال: صهباء صافية، تمزجها ساقية، من صوب غادية «2» . وقال ~~طرفة «3» : [طويل] # ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى ... وجدك لم أحفل متى قام عودي # فمنهن سبقي العاذلات بشربة ... كميت «4» متى ما تعل بالماء تزبد # وتقصير يوم الدجن والدجن معجب ... ببهكنة تحت الطراف المعمد # وكري إذا نادى المضاف محنبا ... كسيد الغضا نبهته المتورد # وقال أبو نواس: [مجزوء الكامل] # قلت بالقفص ليحيى ... ونداماي نيام # يا رضيعي ثدي أم ... ليس لي عنه فطام # إنما العيش سماع ... ومدام وندام # فإذا فاتك هذا ... فعلى العيش السلام # وقال سحيم «5» : [منسرح] # تقول حدراء: ليس فيك سوى ال ... خمر معاب يعيبه أحد # فقلت: أخطأت، بل معاقرتي ال ... خمر وبذلي فيها الذي أجد # PageV01P369 # هو السناء الذي سمعت به ... لا سبد محتدي ولا لبد «1» # ويحك لولا الخمور لم أحفل ال ... عيش ولا أن يضمني لحد # هي الحيا والحياة واللهو لا ... أنت ولا ثروة ولا ولد # وقال أبو الهندي «2» : [متقارب] # تركت الخمور لأربابها ... وأصبحت أشرب ماء قراحا # وقد كنت حينا بها معجبا ... كحب الغلام الفتاة الرداحا # وما كان تركي لها أنني ... يخاف نديمي علي افتضاحا # ولكن قولي له مرحبا ... وأهلا مع السهل وانعم صباحا # وقال آخر: [خفيف] # اسقني بالكبير إني كبير ... إنما يشرب الصغير الصغير # لا يغرنك يا عبيد خشوعي ... تحت هذا الخشوع فسق كثير # كان ابن عائشة ينشد: [رجز] # لما رأيت الحظ حظ الجاهل ... ولم أر المغبون غير العاقل # رحلت عنسا من كروم بابل ... فبت من عقلي على مراحل # وقال آخر: [طويل] # شربنا من الداذي «3» حتى كأننا ... ملوك لهم بر العراقين والبحر # فلما انجلت شمس النهار رأيتنا ... تولى الغنى عنا وعاودنا الفقر # PageV01P370 # قال بعضهم: العيش كله في كثرة المال وصحة البدن وخمول الذكر. # وكان يقال: ليس السرور للنفس بالجدة، «1» إنما سرور النفس بالأمل. قال ~~يزيد بن معاوية: ثلاث تخلق العقل وفيها دليل على الضعف: سرعة الجواب؛ وطول ~~التمني، والاستغراب في الضحك. وكان يقال: المنى والحلم أخوان. وسئل ابن أبي ~~بكرة: أي شيء أدوم إمتاعا؟ فقال: المنى. # وقال الشاعر: [بسيط] # إذا تمنيت بت الليل مغتبطا ... إن المنى رأس أموال المفاليس # وقال آخر: [سريع] # ما فاتني منك فإن المنى ... تدنيه مني فكأنا معا # وقال آخر: [سريع] # وإن لوا ليس شيئا سوى ... تسلية اللوماء بالباطل # وقال بعض الأعراب: [طويل] # منى إن تكن حقا تكن أحسن المنى ... وإلا فقد عشنا بها زمنا رغدا # أماني من سعدى عذابا كأنما ... سقتك بها سعدى على ظمأ بردا # وقال بشار: [طويل] # كررنا أحاديث الزمان الذي مضى ... فلذ لنا محمودها وذميمها # وقال المجنون «2» : [طويل] # أيا حرجات الحي حيث تحملوا ... بذي سلم، لا جادكن ربيع «3» # PageV01P371 # وخيماتك اللاتي بمنعرج اللوى ... بلين بلى لم تبلهن ربوع # فقدتك من نفس شعاع فطالما ... نهيتك عن هذا وأنت جميع # فقربت لي غير القريب وأشرفت ... إليك ثنايا ما لهن طلوع # وقال ابن الدمينة «1» : [بسيط] # يا ليتنا فردا وحش ندور معا ... نرعى المتان ونخفى في نواحيها «2» # أو ليت كدر القطا حلقن بي وبها ... دون السماء فعشنا في خوافيها # أكثرت من ليتنا لو كان ينفعني ... ومن منى النفس لو تعطى أمانيها # وقال كثير «3» : [طويل] # فيا ليتنا، يا عز «4» ، من غير ريبة ... بعيران نرعى في الفلاة ونعزب # نكون لذي مال كثير يضيعنا ... فلا هو يرعانا ولا نحن نطلب # وقال جران «5» العود: [طويل] # ألا ليتنا طارت عقاب لنا معا ... لها سبب عند المجرة أو وكر # وقال مالك «6» بن أسماء: [طويل] # ولما نزلنا منزلا طله الندى ... أنيقا وبستانا من النور حاليا # أجد لنا طيب المكان وحسنه ... منى فتمنينا فكنت الأمانيا # PageV01P372 # وأنشدنا الرياشي: [طويل] # نهاري نهار الناس حتى إذا دجا ... لي الليل ملتني هناك المضاجع # أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني والهم بالليل جامع «1» # وأنشد أبو زيد: [طويل] # كأني، إذ أسعى لأظفر، طائر ... مع النجم في جو السماء يطير # فتى متلهى بالمنى في خلائه ... وهن وإن حسنتهن غرورا # أبو حاتم عن الأصمعي قال: زعم شيخ من بني القحيف قال: تمنيت دارا فمكثت ~~أربعة أشهر مغتما للدرجة أين أضعها. قال الوليد بن عبد الملك لبديح «2» ~~المغني: خذ بنا في التمني فوالله لأغلبنك. قال: والله لا تغلبني أبدا. # قال: بلى. قال بديح: فإني أتمنى كفلين من العذاب، وأن يلعنني الله لعنا ~~كثيرا فخذ ضعفي ذلك. قال: غلبتني، لعنك الله. قيل لمزبد: أيسرك أن هذه ~~الجنة لك؟ قال: وأضرب عشرين سوطا. قالوا: ولم تقول هذا؟ قال: لأنه لا يكون ~~شيء إلا بشيء. # الأصمعي عن مبشر بن بشير أن رجلا كان يطلبه الحجاج فمر بساباط «3» فيه ~~كلب بين حبين «4» يقطر عليه ماؤهما. فقال: يا ليتني مثل هذا الكلب، فما لبث ~~ساعة أن مر بالكلب في عنقه حبل، فسأل عنه، فقالوا: جاء كتاب # PageV01P373 # الحجاج يأمر فيه بقتل الكلاب. قال مديني لكوفي: ما بلغ من حبك لرسول الله ~~صلى الله عليه وسلم؟ فقال: وددت أنى وقيته ولم يكن وصل إليه يوم أحد ولا ~~غيره شيء من المكروه إلا كان بي دونه. قال المديني: وددت أن أبا طالب كان ~~أسلم فسر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأني كافر. # تمنى ابن أبي عتيق أن يهدى له مسلوخ يتخذ منه طعاما، فسمعته جارة له فظنت ~~أنه قد أمر أن يشترى له، فانتظرت إلى وقت الطعام ثم جاءت تدق الباب، وقالت: ~~شممت ريح قدوركم فجئت لتطعموني، فقال ابن أبي عتيق: # جيراني يشمون ريح الأماني. # وفي كتاب للهند أن ناسكا كان له عسل وسمن في جرة، ففكر يوما فقال: أبيع ~~الجرة بعشرة دراهم، وأشتري خمسة أعنز فأولدهن في كل سنة مرتين؛ ويبلغ ~~النتاج في سنين مائتين، وأبتاع بكل أربع بقرة، وأصيب بذرا فأزرع، وينمى ~~المال في يدي؛ فأتخذ المساكن والعبيد والإماء والأهل ويولد لي ابن فأسميه ~~كذا وآخذه بالأدب، فإن هو عصاني ضربت بعصاي رأسه وكانت في يده عصا فرفعها ~~حاكيا للضرب، فأصابت الجرة فانكسرت، وانصب العسل والسمن على رأسه. # ابن الكلبي قال: كان رجل من ولد عمر بن الخطاب إذا كان مسرورا قال: ~~[خفيف] # ليت أيامنا ببرقة «1» خاخ ... ولياليك، يا طويل، تعود # PageV01P374 # وإذا كان مغتما قال: [طويل] # ترى الشيء مما تتقي فتخافه ... وما لا ترى مما يقي الله أكثر # الأصمعي عن أبيه قال: قال زياد: أي الناس أنعم؟ قالوا: معاوية. # قال: فأين ما يلقى من الناس! قالوا: فأنت. قال: فأين ما ألقى من الثغور ~~والخراج! قالوا: فمن؟ قال: شاب له سداد من عيش، وامرأة قد رضيها ورضيته، لا ~~يعرفنا ولا نعرفه، فإن عرفناه أفسدنا عليه دينه ودنياه. ### | التواضع # قال: حدثني محمد بن خالد بن خداش قال: حدثنا مسلم بن قتيبة عن شيخ من أهل ~~المدينة قال: قال رجاء بن حيوة: قام عمر بن عبد العزيز ذات ليلة فأصلح من ~~السراج فقلت: يا أمير المؤمنين، لم لا أمرتني بذلك، أو دعوت له من يصلحه؟ ~~فقال: قمت وأنا عمر وعدت وأنا عمر. # قال: حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: كتب محمد بن كعب فانتسب وقال: ~~القرظي، فقيل له: أو الأنصاري. فقال: أكره أن أمن على الله بما لم أفعل. # قال: حدثني أحمد بن الخليل قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن يعقوب بن ~~حماد المدني عن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه قال: كان عمر بن الخطاب إذا ~~سافر لا يقوم في الظل، وكان يراحلنا رحالنا ويرحل رحله وحده. # وقال ذات يوم: [سريع] # لا يأخذ الليل عليك بالهم ... إذ البسن له القميص واعتم «1» # PageV01P375 # وكن شريك نافع وأسلم ... ثم اخدم الأقوام حتى تخدم # وروى وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: # جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأصابته رعدة فقال النبي صلى الله ~~عليه وسلم: «هون عليك فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد» «1» . # قال: حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: جلس الأحنف على باب دار، فمرت به ~~ساقية فوضعت قربتها وقالت: يا شيخ، احفظ قربتي حتى أعود ومضت، فأتاه الآذن ~~وقال: انهض. فقال: إن معي وديعة، وأقام حتى جاءت. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن جرير بن حازم عن الزبير بن الحارث عن أبي ~~لبيد، قال: مر بنا زياد وهو أمير البصرة ومعه رجل أو رجلان وهو على بغلة قد ~~طوق الحبل في عنقها تحت اللجام. # الأصمعي قال: قال يحيى بن خالد: الشريف إذا نقر «2» تواضع والوضيع إذا ~~نقر تكبر. الأصمعي قال: لا أراه أخذه إلا من كيس غيره. # حدثنا حسين بن حسن المروزي قال؛ حدثنا عبد الله بن المبارك عن يحيى بن ~~أيوب عن عمارة بن غزية عن عبد الله بن عروة بن الزبير قال: إلى الله أشكو ~~حمدي ما لا آتي، وذمي ما لا أترك. # قال: حدثني أحمد بن الخليل عن أبي نعيم عن مندل عن حميد عن أنس قال: مر ~~النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في غلمان فسلم علينا. # وحدثني أحمد بن الخليل عن عمر بن عامر عن شعبة عن جابر عن طارق التيمي عن ~~جرير بن عبد الله البجلي قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسوة فسلم ~~عليهن. # PageV01P376 # قال: حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: أخبرني معمر قال: قلت لجار لعطاء ~~السلمي: من كان يخدم عطاء؟ قال: مخنثون كانوا في الدار يستقون له وضوءه. ~~فقلت: أيوضئه مخنثون! فقال: هو كان يظنهم خيرا منه. الأصمعي عن رجل عن ~~البتي قال: آذى ابن لمحمد بن واسع رجلا، فقال له محمد: # أتؤذيه وأنا أبوك وإنما اشتريت أمك بمائة درهم. # قال عامر بن الظرب العدواني: يا معشر عدوان، إن الخير ألوف عروف عزوف، ~~وإنه لن يفارق صاحبه حتى يفارقه، وإني لم أكن حكيما حتى صحبت الحكماء، ولم ~~أكن سيدكم حتى تعبدت لكم. قال عروة بن الزبير: # التواضع أحد مصايد الشرف. كان يقال: اسمان متضادان بمعنى واحد: # التواضع والشرف. وقال بزرجمهر: ثمرة القناعة الراحة، وثمرة التواضع ~~المحبة. وقال الوليد: خدمة الرجل أخاه شرف. وقال عبد الله «1» بن طاهر: # [وافر] # أميل مع الذمام على ابن عمي ... وأحتمل الصديق على الشقيق # وإن ألفيتني ملكا مطاعا ... فإنك واجدي عبد الصديق # أفرق بين معروفي ومني ... وأجمع بين مالي والحقوق # وقال آخر: [طويل] # وإني لعبد الضيف من غير ذلة ... وما في إلا تلك من شيمة العبد «2» # PageV01P377 # ويقال: كل نعمة محسود عليها إلا التواضع. قال المسيح عليه السلام ~~لأصحابه: إذا اتخذكم الناس رؤوسا فكونوا أذنابا. اعتم هشام بن عبد الملك ~~فقام الأبرش ليسوي عمامته، فقال هشام: مه إنا لا نتخذ الإخوان خولا. كان ~~عمر بن الخطاب يلقط النوى ويأخذ النكث من الطريق، فإذا مر بدار رمى بها ~~فيها وقال: انتفعوا بهذا. # قال يوسف بن أسباط: يجزي قليل الورع من كثير العلم، ويجزي قليل التواضع ~~من كثير الاجتهاد. وقال بكر بن عبد الله: إذا رأيت أكبر منك فقل: # سبقني بالإسلام والعمل الصالح فهو خير مني، وإذا رأيت أصغر منك فقل: # سبقته بالذنوب والمعاصي فهو خير مني، وإذا رأيت إخوانك يكرمونك فقل: # نعمة أحدثوها، وإذا رأيت منهم تقصيرا فقل: بذنب أحدثته. قال عبد الملك ~~ابن مروان: أفضل الرجال من تواضع عن رفعة، وزهد عن قدرة، وأنصف عن قوة. قال ~~ابن السماك لعيسى بن موسى: تواضعك في شرفك خير لك من شرفك. وقال عبد الملك ~~بن مروان: ثلاثة من أحسن شيء: جود لغير ثواب، ونصب «1» لغير دنيا، وتواضع ~~لغير ذل. # قال إبراهيم النخعي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيب دعوة العبد ~~ويركب الحمار ردفا. الأعمش عن أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعى ~~إلى خبز الشعير والإهالة السنخة «2» فيجيب. قال غيره: وكان لا يأكل متكئا ~~ويأكل بالحضيض، ويقول: «إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد» قال أوس ابن ~~الحدثان: رأيت أبا هبيرة وهو أمير المدينة راكبا على حمار عري يقول: الطريق ~~الطريق، قد جاء الأمير. قال حفص بن غياث: رأيت الأعمش خارجا إلى العيد على ~~حمار # PageV01P378 # مقطوع الذنب قد سدل رجليه من جانب. المدائني قال: بينا عمر بن الخطاب رضي ~~الله عنه على المنبر إذ أحس من نفسه بريح خرجت منه، فقال: أيها الناس إني ~~قد ميلت بين أن أخافكم في الله وبين أن أخاف الله فيكم، فكان أن أخاف الله ~~فيكم أحب إلي، ألا وإني قد فسوت، وهأنذا أنزل لأعيد الوضوء. كان يقال: من ~~لم يستح من الحلال قلت كبرياؤه وخفت موازينه. # قال معاوية: ما منا أحد إلا فتش عن جائفة أو منقلة «1» خلا عمر بن ~~الخطاب. # المنقلة الشجة التي يخرج منها العظام، والجائفة التي تبلغ جوف الدماغ. # يحيى بن آدم عن محمد بن طلحة عن أبي حمزة قال: قال إبراهيم: لقد تكلمت ~~ولو وجدت بدا ما تكلمت، وإن زمانا تكلمت فيه لزمان سوء. كان رجل من خثعم ~~ردي فقال في نفسه: [كامل] # لو كنت أصعد في التكرم والعلا ... كتحدري أصبحت سيد خثعم # فباد أهل بيته حتى ساد فقال: [كامل] # خلت الديار فسدت غير مسود ... ومن الشقاء تفردي بالسؤدد # أنشدني أبو حاتم عن الأصمعي في مثله: [طويل] # إن بقوم سودوك لحاجة ... إلى سيد لو يظفرون بسيد # قال يحيى بن خالد: لست ترى أحدا تكبر في إمارته إلا وهو يعلم أن الذي نال ~~فوق قدره، ولست ترى أحدا يضع نفسه في إمارة إلا وهو في نفسه أكثر مما نال ~~في سلطانه. ومثله، قيل لعبيد الله بن بسام: فلان غيرته الإمارة، فقال: إذا ~~ولي الرجل ولاية فرآها أكثر منه تغير، وإذا ولي ولاية يرى أنه أكثر منها لم ~~يتغير. ويقال: التواضع مع السخافة والبخل أحمد من السخاء والأدب مع الكبر، ~~فأعظم بنعمة عفت من صاحبها بسيئتين، وأقبح بسيئة حرمت # PageV01P379 # صاحبها حسنتين. وفي بعض كتب العجم: علامة الأحرار، أن يلقوا بما يحبون ~~ويحرموا أحب إليهم من أن يلقوا بما يكرهون ويعطوا؛ فانظر إلى خلة أفسدت مثل ~~الجود فاجتنبها، وانظر إلى خلة عفت مثل البخل فالزمها. كان يقال: الشرف في ~~التواضع، والعز في التقوى، والغنى في القناعة. أبو الحسن قال: خطب سلمان ~~إلى عمر فأجمع على تزويجه، فشق ذلك على عبد الله ابن عمر وشكاه إلى عمرو بن ~~العاص فقال: أنا أرده عنك، فقال: إن رددته بما يكره أغضبت أمير المؤمنين، ~~قال: علي أن أرده عنك راضيا، فأتى سلمان فضرب بين كتفيه بيده، ثم قال: ~~هنيئا لك أبا عبد الله، هذا أمير المؤمنين يتواضع بتزويجك، فالتفت إليه ~~مغضبا وقال، أبي يتواضع! والله لا أتزوجها أبدا. وقال المرار بن منقذ ~~العدوي «1» : [بسيط] # يا حبذا، حين تمسي الريح باردة ... وادي أشي وفتيان به هضم «2» # مخدمون، كرام في مجالسهم، ... وفي الرحال، إذا لاقيتهم، خدم # وما أصاحب قوما ثم أذكرهم ... إلا يزيدهمو حبا إلي هم «3» # ابن المبارك عن ذر عن الشعبي قال: ركب زيد بن ثابت، فدنا عبد الله # PageV01P380 # ابن عباس ليأخذ بركابه، فقال: لا تفعل يا ابن عم رسول الله، فقال: هكذا ~~أمرنا أن نفعل بعلمائنا. فقال زيد: أرني يدك، فأخرج يده فقبلها زيد، ثم ~~قال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا عليه السلام. قال عبد الله بن ~~مسعود: رأس التواضع أن تبدأ من لقيت بالسلام، وأن ترضى بالدون من المجلس. ~~ابن أبي الزناد عن أبيه أن العباس بن عبد المطلب لم يمر قط بعمر ولا بعثمان ~~وهما راكبان إلا ترجلا حتى يجوزهما إجلالا له أن يمر وهما راكبان وهو يمشي. ~~كان سلمان يتعوذ بالله من الشيطان والسلطان والعلج «1» إذا استعرب. ~~المدائني قال؛ سلم رجل على حسان بن أبي سنان فدعا له، فقيل: أتدعو لمثل ~~هذا! فقال: إن مما يفضلني به أن يرى أنى خير منه. قال عبد الله بن شداد: ~~أربع من كن فيه فقد برىء من الكبر: من اعتقل العنز، وركب الحمار «2» ، ولبس ~~الصوف، وأجاب دعوة الرجل الدون. ### | باب الكبر والعجب # حدثني إبراهيم بن مسلم قال: حدثنا أبو السكين قال: حدثني عم أبي زحر بن ~~حصن قال: قال رجل للحجاج: أصلح الله الأمير، كيف وجدت منزلك بالعراق؟ قال: ~~خير منزل لو كان الله بلغني أربعة فتقربت بدمائهم إليه. # قال: ومن هم؟ قال: مقاتل بن مسمع، ولي سجستان فأتاه الناس فأعطاهم ~~الأموال، فلما عزل دخل مسجد البصرة فبسط الناس له أرديتهم فمشى عليها، وقال ~~لرجل يماشيه: لمثل هذا فليعمل العاملون. وعبيد الله بن زياد بن ظبيان # PageV01P381 # التميمي، حزب أهل البصرة أمر فخطب خطبة أوجز فيها، فنادى الناس من أعراض ~~المسجد: أكثر الله فينا أمثالك. فقال: لقد كلفتم الله شططا. ومعبد ابن ~~زرارة، وكان ذات يوم جالسا في طريق، فمرت به امرأة فقالت: يا عبد الله، كيف ~~الطريق إلى موضع كذا، فقال: لهد عبد الله! أنا لهد؛ أراد: كفى بك أنا، يريد ~~الفخر. وأبو سماك الأسدي، أضل راحلته فالتمسها الناس فلم يجدوها، فقال: ~~والله لئن لم يردد علي راحلتي لا صليت له أبدا، فالتمسها الناس حتى وجدوها، ~~فقالوا: قد رد الله عليك راحلتك فصل، فقال: إن يمينى كانت صرى «1» . # قال أبو حاتم عن الأصمعي عن كردين المسمعي. قيل لرجل متكبر: # هل مرت بك أحمرة؟ فقال للسائل: تلك دواب لا يراها عمك. قال: وقال كردين: ~~رآني ابن ميادة الشاعر فأعجبته لما رأى من جلدي وبياني. فقال: ممن أنت؟ ~~قلت: من بكر بن وائل، فقال: وفي أي الأرض يكون بكر بن وائل؟. # قال أبو اليقظان: جلس رافع بن جبير بن مطعم في حلقة العلاء بن عبد الرحمن ~~الخرقي وهو يقرىء الناس. فلما فرغ قال: أتدرون لم جلست إليكم؟ # قالوا: لتسمع، قال: لا، ولكن أردت التواضع لله بالجلوس إليكم. قال: ومر ~~محمد بن المنذر بن الزبير بن العوام في حاجة له، فانقطع قبال «2» نعله، ~~فنزع الأخرى بقدمه ومضى وتركهما ولم يعرج عليهما. قال بعض الشعراء: # [طويل] # وأعرض عن ذي المال حتى يقال لي ... قد احدث هذا نخوة وتعظما # وما بي كبر «3» عن صديق ولا أخ ... ولكنه فعلي إذا كنت معدما # PageV01P382 # قيل لبعضهم: ما الكبر. قال: حمق لم يدر صاحبه أين يضعه. قال معاوية بن ~~أبي سفيان: قدم علقمة بن وائل الحضرمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~فأمرني رسول الله أن أنطلق به إلى منزل رجل من الأنصار أنزله عليه، وكان ~~منزله في أقصى المدينة، فانطلقت معه وهو على ناقة له وأنا أمشي في ساعة ~~حارة وليس علي حذاء، فقلت: إحملني با عم من هذا الحر فإنه ليس علي حذاء، ~~فقال: لست من أرادف الملوك، قلت: إني ابن أبي سفيان، قال: قد سمعت رسول ~~الله عليه السلام يذكر ذلك، قال قلت: فألق إلي نعلك، قال: # لا تقبلها قدماك ولكن امش في ظل ناقتي فكفاك بذلك شرفا، وإن الظل لك ~~لكثير. قال معاوية: فما مر بي مثل ذلك اليوم قط ثم أدرك سلطاني فلم أؤاخذه ~~بل أجلسته معي على سريري هذا. قال ابن يسار «1» : [متقارب] # لو لحظ الأرض لي والد ... تطأطأت الأرض من لحظته # وقال آخر: [طويل] # أتيه على جن البلاد وإنسها ... ولو لم أجد خلقا لتهت على نفسي # أتيه فما أدري من التيه من أنا ... سوى ما يقول الناس في وفي جنسي # فإن زعموا أني من الأنس مثلهم ... فما لي عيب غير أني من الأنس # وكان عند الرستمي قوم من التجار فحضرت الصلاة فنهض ليصلي فنهضوا فقال: ما ~~لكم ولهذا وما أنتم منه! الصلاة ركوع وسجود وخضوع، وإنما فرض الله هذا يريد ~~به المتكبرين والمتجبرين والملوك والأعاظم مثلي ومثل فرعون ذي الأوتاد ~~ونمروذ وأنو شروان. وكان يقال: من رضي عن نفسه # PageV01P383 # كثر الساخطون عليه. قال الحسن: ليس بين العبد وبين ألا يكون فيه خير إلا ~~أن يرى أن فيه خيرا. رأى رجل رجلا يختال في مشيته ويتلفت في أعطافه، فقال: ~~جعلني الله مثلك في نفسك ولا جعلني مثلك في نفسي. قيل لعبد الله ابن ~~المبارك: رجل قتل رجلا فقلت إني خير منه، فقال: ذنبك أشد من ذنبه. # قال الأحنف: عجبت لمن جرى في مجرى البول مرتين كيف يتكبر. ابن علية عن ~~صالح بن رستم عن رجل عن مطرف، قال: لأن أبيت نائما وأصبح نادما أحب إلي من ~~أن أبيت قائما وأصبح معجبا. وقال هشام بن حسان. سيئة تسوءك خير من حسنة ~~تعجبك. قال أبو حازم: إن الرجل ليعمل السيئة ما عمل حسنة قط أنفع له منها ~~وإنه ليعمل الحسنة ما عمل سيئة قط أضر عليه منها. # قال الشاعر: [طويل] # أما ابن فروة يونس فكأنه ... من كبره أير الحمار القائم # ما الناس عندك غير نفسك وحدها ... والناس عندك ما خلاك بهائم # قال المسعودي: [طويل] # مسا تراب الأرض منها خلقتما ... وفيها المعاد والمصير إلى الحشر # ولا تعجبا أن ترجعا فتسلما ... فما خشي الأقوام شرا من الكبر # ولو شئت أدلى فيكما غير واحد ... علانية أو قال عندي في ستر # فإن أنا لم آمر ولم أنه عنكما ... ضحكت له حتى يلح ويستشري # الأصمعي قال: قال رجل: ما رأيت ذا كبر قط إلا تحول داؤه في، يريد أني ~~أتكبر عليه. وقال آخر: ماتاه أحد قط علي مرتين، يريد إذا تاه مرة لم ~~أعاوده. قال الشاعر: [بسيط] # يا مظهر الكبر إعجابا بصورته ... أنظر خلاءك إن النتن تثريب # PageV01P384 # لو فكر الناس فيما في بطونهم ... ما استشعر الكبر شبان ولا شيب # هل في ابن آدم غير الرأس مكرمة ... وهو بخمس من الأقذار مضروب؟ # أنف يسيل وأذن ريحها سهك ... والعين مرمصة والثغر ملعوب «1» # يا ابن التراب ومأكول التراب غدا ... أقصر فإنك مأكول ومشروب # دفع أردشير الملك إلى رجل كان يقوم على رأسه كتابا، وقال له: إذا رأتني ~~قد اشتد غضبي فادفعه إلي، وفي الكتاب: أمسك فلست بإله إنما أنت جسد يوشك أن ~~يأكل بعضه بعضا ويصير عن قريب للدود والتراب. كان للسندي والي الجسر غلام ~~صغير قد أمره بأن يقوم إليه إذا ضرب الناس بالسياط فيقول له: ويلك يا سندي، ~~أذكر القصاص. كتب إبراهيم «2» بن العباس إلى محمد بن عبد الملك «3» : ~~[طويل] # أبا جعفر، عرج على خلطائكا ... وأقصر قليلا عن مدى غلوائكا # فإن كنت قد أعطيت في اليوم رفعة ... فإن رجائي في غد كرجائكا «4» # قال لي بعض أصحابنا وأحسبه محمد بن عمر: سمعت رجلا ينشد: [متقارب] # ألا رب ذي أجل قد حضر ... طويل التمني قليل الفكر # إذا هز في المشي أعطافه ... تبينت في منكبيه البطر # PageV01P385 # قال: فغدوت عليه لأكتب تمام القصيدة فوجدته قد مات. المدائني قال: رأيت ~~فلانا مولى باهلة يطوف بين الصفا والمروة على بغلة ثم رأيته بعد ذلك راجلا ~~في سفر، فقلت له: أراجل في هذا الموضع؟ قال: نعم، إني ركبت حيث يمشي الناس ~~فكان حقا على الله أن يرجلني حيث يركب الناس. # وقال أبو نواس في جعفر بن يحيى البرمكي: [طويل] # وأعظم زهوا من ذباب على خرء ... وأبخل من كلب عقور على عرق # ولو جاء غير البخل من عند جعفر ... لما وضعوه الناس إلا على حمق # وقال آخر: [متقارب] # ألج لجاجا من الخنفساء ... وأزهى إذا ما مشى من غراب «1» # قيل لرجل من بني عبد الدار: ألا تأتي الخليفة، قال: أخشى ألا يحمل الجسر ~~شرفي. وقيل له: البس شيئا فإن البرد شديد، فقال: حسبي يدفئني. # قال أبو اليقظان: كان الحجاج استعمل بلالا الضبي على جيش وأغزاه قلاع ~~فارس، وكان يقال لذلك الجيش: بيبي «2» ، سمى بذلك لأنه فرض فرضا من أهل ~~البصرة فكان أهلوهم وأمهاتهم يأتونهم يقولون: بيبي. وفي جيشه قال الشاعر: ~~[طويل] # إلى الله أشكو أنني بت حارسا ... فقام بلالي فبال على رجلي # فقلت لأصحابي اقطعوها فإنني ... كريم وإني لن أبلغها رحلي # PageV01P386 # مد أعرابي يده في الموقف وقال: اللهم إن كنت ترى يدا أكرم منها فاقطعها. ~~قال نوح: سمعت الحجاج بن أرطاة يقول: قتلني حب الشرف. # وقيل له: ما لك لا تحضر الجماعة؟ قال: أكره أن يزحمني البقالون. كان ~~جذيمة الأبرش- وهو الوضاح سمي بذلك لبرص كان به- لا ينادم أحدا ذهابا ~~بنفسه، وقال: أنا أعظم من أن أنادم إلا الفرقدين «1» ، فكان يشرب كأسا ويصب ~~لكل واحد منهما في الأرض كأسا، فلما أتاه مالك «2» وعقيل بابن أخته الذي ~~استهوته الشياطين قال لهما: إحتكما، فقالا له: منادمتك، فنادماه أربعين سنة ~~يحادثانه فيها ما أعادا عليه حديثا. وفيهما يقول متمم «3» بن نويرة: [طويل] # وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن نتصدعا «4» # وقال الهذلي: [طويل] # ألم تعلمي أن قد تفرق قبلنا ... خليلا صفاء مالك وعقيل «5» # قيل لإياس بن معاوية: ما فيك عيب إلا أنك معجب، قال: أفأعجبكم؟ # قالوا: نعم قال: فأنا أحق أن أعجب بما يكون مني. ويقال: للعادة سلطان # PageV01P387 # على كل شيء، وما استنبط الصواب مثل المشاورة، ولا حصنت النعم بمثل ~~المواساة، ولا اكتسبت البغضة بمثل الكبر. ### | باب مدح الرجل نفسه وغيره # قال الله عز وجل حكاية عن يوسف: اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم # «1» . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» . ~~وقال للأنصار: «والله ما علمتكم إلا تقلون عند الطمع وتكثرون عند الفزع» . ~~وذكر أعرابي قوما فقال: والله ما نالوا بأطراف أناملهم شيئا إلا وقد وطئناه ~~بأخامص أقدامنا، وإن أقصى مناهم لأدنى فعالنا. ابن إدريس عن إسمعيل بن أبي ~~خالد، قال: كنت أمشي مع الشعبي وأبي سلمة، فسأل الشعبي أبا سلمة: من أعلم ~~أهل المدينة؟ فقال: الذي يمشي بينكما، يعني نفسه. وقال الشعبي: ما رأيت ~~مثلي، وما أشاء أن ألقى رجلا أعلم مني بشيء إلا لقيته. قال معاوية لرجل: من ~~سيد قومك؟ قال: أنا. قال: لو كنت كذلك لم تقل. الوليد بن مسلم عن خليد عن ~~الحسن قال: ذم الرجل نفسه في العلانية مدح لها في السر. كان يقال: من أظهر ~~عيب نفسه فقد زكاها. الأعمش عن إبراهيم عن عبد الله قال: إذا أثنيت على ~~الرجل بما فيه في وجهه لم تزكه. قال عمر بن الخطاب: # المدح ذبح. ويقال المدح وافد الكبر. وقال علي بن الحسين: لا يقول رجل في ~~رجل من الخير ما لا يعلم إلا أوشك أن يقول فيه من الشر ما لا يعلم، ولا ~~يصطحب اثنان على غير طاعة الله إلا أوشكا أن يفترقا على غير طاعة الله. # قال وهب بن منبه: إذا سمعت الرجل يقول فيك من الخير ما ليس فيك فلا. # PageV01P388 # تأمن أن يقول فيك من الشر ما ليس فيك. ويقال في بعض كتب الله عز وجل: ~~عجبا لمن قيل فيه الخير وليس فيه كيف يفرح! ولمن قيل فيه الشر وليس فيه كيف ~~يغضب! وأعجب من ذلك من أحب نفسه على اليقين وأبغض الناس على الظنون!. وكان ~~يقال: لا يغلبن جهل غيرك بك علمك بنفسك. # وقال أعرابي: كفى جهلا أن يمدح المادح بخلاف ما يعرف الممدوح من نفسه، ~~وإني والله ما رأيت أعشق للمعروف «1» منه. قال ابن المقفع: إياك إذا كنت ~~واليا أن يكون من شأنك حب المدح والتزكية وأن يعرف الناس ذلك منك فتكون ~~ثلمة من الثلم يقتحمون عليك منها، وبابا يفتتحونك منه، وغيبة يغتابونك بها ~~ويضحكون منك لها. واعلم أن قابل المدح كمادح نفسه، والمرء جدير أن يكون حبه ~~المدح هو الذي يحمله على رده، فإن الراد له ممدوح والقابل له معيب. وقال ~~البعيث «2» : [طويل] # ولست بمفراح إذا الدهر سرني ... ولا جازع من صرفه المتقلب # ولا أتمنى الشر والشر تاركي ... ولكن متى أحمل على الشر أركب «3» # ويعتده قوم كثير تجارة ... ويمنعني من ذاك ديني ومنصبي # فإن مسيري في البلاد ومنزلي ... لبالمنزل الأقصى إذا لم أقرب ### | قول الممدوح عند المدحة # حدثني سهل بن محمد عن الأصمعي قال: كان أبو بكر يقول عند المدحة: اللهم ~~أنت أعلم بي مني بنفسي وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيرا مما يحسبون ~~واغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني بما يقولون. # PageV01P389 # قال: حدثنا الرياشي عن الأصمعي عن حماد بن سلمة قال: أثنى رجل على علي بن ~~أبي طالب كرم الله وجهه في وجهه، وكان تهمة، فقال علي: أنا دون ما تقول ~~وفوق ما في نفسك. # قيل لأعرابي: ما أحسن الثناء عليك! فقال: بلاء الله عندي أحسن من وصف ~~المادحين وإن أحسنوا، وذنوبي إلى الله أكثر من عيب الذامين وإن أكثروا، فيا ~~أسفا على ما فرطت ويا سوءتا مما قدمت. كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ~~لا يقبل الثناء إلا من مكافىء. ومن أحسن ما قيل في مدح الرجل نفسه قول أعشى ~~«1» بني ربيعة: [طويل] # ما أنا في أهلي ولا في عشيرتي ... بمهتضم حقي ولا قارع سني # ولا مسلم مولاي عند جناية ... ولا خائف مولاي من سوء ما أجني # وإن فؤادا بين جنبي عالم ... بما أبصرت عيني وما سمعت أذني # وفضلني في الشعر واللب أنني ... أقول على علم وأعلم ما أعني # فأصبحت إن فضلت مروان وابنه ... على الناس قد فضلت خير أب وابن «2» # وقال آخر: [طويل] # إذا المرء لم يمدحه حسن فعاله ... فمادحه يهذي وإن كان مفصحا # وقال آخر: [طويل] # لعمر أبيك الخير إني لخادم ... لصحبي وإني إن ركبت لفارس # PageV01P390 # وقال آخر: [طويل] # ونحن ضياء الأرض ما لم نسر بها ... غضابا، وإن نغضب فنحن ظلامها # وأنشد الحسن البصري قول الشاعر: [رجز] # لولا جرير هلكت بجيله ... نعم الفتى وبئست القبيله # قال الحسن: ما مدح رجل هجي قومه. وقال أبو الهندام «1» : [وافر] # يقولون الحديد أشند شيء ... وقد ثني الحديد وما ثنيت # تخر الأرض إن نوديت باسمي ... وتنهد الجبال إذا كنيت # ومدح النفس في الشعر كثير، وهو فيه أسهل منه في الكلام المنثور. ### | باب الحياء # حدثني أبو مسعود الدارمي، قال: حدثني جدي خراش عن أنس أن رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم قال: «الحياء شعبة من الإيمان» . وروى ابن نمير عن الأحوص ~~ابن حكيم، قال: حدثني أبو عون المدني قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قلة الحياء كفر» . وروى جرير بن حازم عن ~~يعلى ابن حكيم عن رجل عن ابن عمر، قال: الحياء والإيمان مقرونان جميعا فإذا ~~رفع أحدهما ارتفع الآخر. وكان يقال: أحيوا الحياء بمجالسة من يستحيا منه. # ذكر أعرابي رجلا فقال: لا تراه الدهر إلا وكأنه لا غنى به عنك وإن كنت ~~إليه أحوج، فإن أذنبت غفر وكأنه المذنب، وإن أسأت إليه أحسن وكأنه المسيء. # وقالت ليلى «2» الأخيلية: # PageV01P391 # [كامل] # ومخرق عنه القميص تخاله ... وسط البيوت من الحياء سقيما «1» # حتى إذا رفع اللواء رأيته ... تحت اللواء على الخميس «2» زعيما # ونحوه قول الآخر إلا أنه في التواضع: [بسيط] # يبدو فيبدو ضعيفا من تواضعه ... ويكفهر فيلفى الأسود اللحما # وقال أبو دهبل الجمحي «3» : [كامل] # إن البيوت معادن فنجاره ... ذهب وكل جدوده ضخم «4» # متهلل بنعم للاء مجانب ... سيان منه الوفر والعدم # نزر الكلام من الحياء تخاله ... ضمنا وليس بجسمه سقم # عقم النساء فلا يلدن شبيهه ... إن النساء بمثله عقم # حدثنا أبو الخطاب قال: حدثنا المعتمر، قال: سمعت ليث بن أبي سليم يحدث عن ~~واصل بن حيان عن أبي وائل عن ابن مسعود، قال: كان آخر ما حفظ من كلام ~~النبوة «إذا لم تستحي فاصنع ما شئت» . قال الشاعر «5» : [طويل] # تخالهمو للحلم صما عن الخنا ... وخرسا عن الفحشاء عند التهاجر # PageV01P392 # ومرضى إذا لوقوا حياء وعفة ... وعند الحفاظ كالليوث الخوادر # وقال آخر: [طويل] # عليه من التقوى رداء سكينة ... وللحق نور بين عينيه ساطع # وقال الشعبي: تعايش الناس زمانا بالدين والتقوى، ثم رفع ذلك فتعايشوا ~~بالحياء والتذمم، ثم رفع ذلك فما يتعايش الناس إلا بالرغبة والرهبة، وأظنه ~~سيجيء ما هو أشد من هذا. ### | باب العقل # حدثني إسحاق بن إبراهيم الشهيدي، قال: حدثنا الحارث بن النعمان، قال: ~~حدثنا خليد بن دعلج عن معاوية بن قرة يرفعه، قال: «إن الناس يعملون الخير ~~وإنما يعطون أجورهم يوم القيامة على قدر عقولهم» . مهدي بن غيلان ابن جرير ~~قال: سمعت مطرفا يقول: عقول الناس على قدر زمانهم. # حدثني عبد الرحمن عن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبه قال: # وجدت في حكمة داود: ينبغي للعاقل أن لا يشغل نفسه عن أربع ساعات، ساعة ~~يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها هو وإخوانه والذين ~~ينصحون له في دينه ويصدقونه عن عيوبه، وساعة يخلي بين نفسه وبين لذاتها ~~فيما يحل ويحمد فإن هذه الساعة عون لهذه الساعات وفضل بلغة «1» واستجمام ~~للقلوب. وينبغي للعاقل أن لا يرى إلا في إحدى ثلاث خصال: تزود لمعاد، أو ~~مرمة لمعاش، أو لذة، في غير محرم. وينبغي للعاقل أن يكون عارفا بزمانه، ~~حافظا للسانه، مقبلا على شانه. قال: حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثنا ~~هلال بن حق قال: قال عمرو بن العاص: # PageV01P393 # ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشر ولكنه الذي يعرف خير الشرين، وليس ~~الواصل الذي يصل من يصله ولكنه الذي يصل من قطعه. وقال زياد: ليس العاقل ~~الذي يحتال للأمر إذا وقع ولكنه الذي يحتال للأمر ألا يقع فيه. قال معاوية ~~لعمرو: ما بلغ من دهائك يا عمرو؟ قال عمرو: لم أدخل في أمر قط فكرهته إلا ~~خرجت منه. قال معاوية: لكني لم أدخل في أمر قط فأردت الخروج منه. وقرأت في ~~كتاب للهند: الناس حازمان وعاجز، فأحد الحازمين الذي إذا نزل به البلاء لم ~~ينظر به وتلقاه بحيلته ورأيه حتى يخرج منه، وأحزم منه العارف بالأمر إذا ~~أقبل فيدفعه قبل وقوعه، والعاجز في تردد وتثن حائر بائر لا يأتمر رشدا ولا ~~يطيع مرشدا. وقال أعرابي: لو صور العقل لأظلمت معه الشمس، ولو صور الحمق ~~لأضاء معه الليل. قال بعض الحكماء: ما عبد الله بشيء أحب إليه من العقل وما ~~عصي الله بشيء أحب إليه من الستر. أبو روق عن الضحاك في قول الله عز وجل: ~~لينذر من كان حيا # «1» قال: من كان عاقلا. ذكر المغيرة بن شعبة عمر بن الخطاب فقال: كان ~~أفضل من أن يخدع وأعقل من أن يخدع. # حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد عن قريش بن أنس عن حبيب بن ~~الشهيد قال: قال إياس: لست بخب والخب لا يخدعني ولا يخدع ابن سيرين ويخدع ~~أبي ويخدع الحسن. قال غيره: وكان كثيرا ما ينشد: [متقارب] # أبى لي البلاء وأني امرؤ ... إذا ما تثبت لم أرتب # وفي كتاب كليلة ودمنة: الأدب يذهب عن العاقل السكر ويزيد الأحمق سكرا، ~~كما أن النهار يزيد كل ذي بصر بصرا ويزيد الخفافيش سوء بصر. # PageV01P394 # وفيه: ذو العقل لا تبطره المنزلة والعز كالجبل لا يتزعزع وإن اشتدت عليه ~~الريح، والسخيف يبطره أدنى منزلة كالحشيش يحركه أضعف ريح. وقال تأبط «1» ~~شرا في هذا المعنى: [طويل] # ولست بمفراح إذا الدهر سرني ... ولا جازع من صرفه المتقلب # ولا أتمنى الشر والشر تاركي ... ولكن متى أحمل على الشر أركب «2» # وفي كتاب كليلة: رأس العقل التمييز بين الكائن والممتنع، وحسن العزاء عما ~~لا يستطاع. وفيه: العاقل يقل الكلام ويبالغ في العمل ويعترف بزلة عقله ~~ويستقيلها كالرجل يعثر بالأرض وبها ينتعش. ويقال: كل شيء محتاج إلى العقل، ~~والعقل محتاج إلى التجارب. قال يحيى بن خالد: ثلاثة أشياء تدل على عقول ~~الرجال: الكتاب، والرسول، والهدية. وكان يقال: دل على عقل الرجل اختياره، ~~وما تم دين أحد حتى يتم عقله، وأفضل الجهاد جهاد الهوى. سئل أنو شروان: ما ~~الذي لا تعلم له، وما الذي لا تغير له، وما الذي لا مدفع له، وما الذي لا ~~حيلة له. فقال: تعلم العقل، وتغير العنصر، ودفع القدر، وحيلة الموت. وكان ~~يقال: كتابك عقلك تضع عليه خاتمك. وقالوا: # كتاب الرجل موضع عقله، ورسوله موضع رأيه. كان الحسن إذا أخبر عن رجل ~~بصلاح قال: كيف عقله. وفي الحديث أن جبريل عليه السلام أتى آدم عليه السلام ~~فقال له: إني أتيتك بثلاث فاختر واحدة، قال: وما هي يا جبريل؟ قال: العقل ~~والحياء والدين. قال: قد اخترت العقل فخرج جبريل إلى الحياء والدين فقال: ~~إرجعا فقد اختار العقل عليكما، فقالا: أمرنا أن # PageV01P395 # كون مع العقل حيث كان. كان يقال: العقل يظهر بالمعاملة وشيم الرجال تظهر ~~بالولاية. ويقال: العاقل يقي ما له بسلطانه، ونفسه بماله، ودينه بنفسه. قال ~~الحسن: لو كان للناس جميعا عقول لخربت الدنيا. خير رجل فأبى أن يختار وقال: ~~أنا بحظي أوثق مني بعقلي فأقرعوا بيننا. ### | باب الحلم والغضب # قال: حدثني الزيادي قال: حدثنا حماد بن زيد عن هشام عن الحسن قال: قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم كان إذا خرج ~~من منزله قال: اللهم، إني قد تصدقت بعرضي على عبادك» . # حدثنا زياد بن يحيى قال: حدثنا بشر بن المفضل عن يونس عن الحسن قال: قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الغضب جمرة توقد في جوف ابن آدم، ألم ~~تروا إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه» «1» . قال: حدثني أحمد بن الخليل قال: # حدثني عبد الله بن رجاء عن إسرائيل عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة ~~قال: قال رجل: يا رسول الله أوصني، فقال: لا تغضب، ثم أعاد عليه فقال: لا ~~تغضب، ثم أعاد عليه فقال: لا تغضب. قال: حدثني أحمد بن الخليل قال: حدثني ~~عبد الله بن نافع عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: ~~قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصرعة «2» إنما الشديد ~~الذي يملك نفسه عند الغضب» . قال: حدثنا حسين بن الحسن المروزي، قال: حدثنا ~~عبد الله بن المبارك قال: حدثنا حبيب بن حجر القيسي قال: كان يقال: ما أحسن ~~الإيمان يزينه العلم وما أحسن العلم يزينه # PageV01P396 # العمل وما أحسن العمل يزينه الرفق، وما أضيف شيء إلى شيء أزين من حلم إلى ~~علم ومن عفو إلى مقدرة. وكان يقال: من حلم ساد ومن تفهم ازداد. # والعرب تقول: أحلم تسد. وقال: سمي الله يحيى سيدا بالحلم. وقال عبد الملك ~~بن صالح: الحلم يحيا بحياة السؤدد. أغلظ رجل لمعاوية فحلم عنه، فقيل له: ~~تحلم عن هذا! فقال: إني لا أحول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا ~~وبين سلطاننا. شتم رجل الأحنف وألح عليه، فلما فرغ قال له: # يا ابن أخي، هل لك في الغداء؟ فإنك منذ اليوم تحدو بجمل ثفال «1» . # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن بكر ~~المزني قال: جاء رجل فشتم الأحنف فسكت عنه، وأعاد فسكت، فقال: # والهفاه! ما يمنعه من أن يرد علي إلا هواني عليه. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: أخبرنا عبد الله بن صالح من آل حارثة بن ~~لأم، قال: نزلت برجل من بني تغلب فأتاني بقرى فانفلت مني فقلت: [كامل] # والتغلبي إذا تنحنح للقرى ... حك استه وتمثل الأمثالا # فانقبضت فقال: كل أيها الرجل فإنما قلت كلمة مقولة. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي، قال: أسمع رجل الشعبي كلاما فقال له الشعبي: ~~إن كنت صادقا فغفر الله لي وإن كنت كاذبا فغفر الله لك. ومر بقوم ينتقصونه ~~فقال: [طويل] # هنيئا مريئا غير داء مخامر ... لعزة من أعراضنا ما استحلت # PageV01P397 # واستطال رجل على أبي معاوية الأسود فقال: أستغفر الله من الذنب الذي سلطت ~~به علي. قال معاوية: إني لأرفع نفسي أن يكون ذنب أوزن من حلمي. وقال معاوية ~~لأبي جهم «1» العدوي: أنا أكبر أم أنت يا أبا جهم؟ قال: # لقد أكلت في عرس أمك هند، قال: عند أي أزواجها؟ قال: عند حفص بن المغيرة، ~~قال: يا أبا جهم، إياك والسلطان فإنه يغضب غضب الصبي ويعاقب عقوبة الأسد، ~~وإن قليله يغلب كثير الناس. وأبو الجهم هذا هو القائل في معاوية: [وافر] # نميل على جوانبه كأنا ... إذا ملنا نميل على أبينا # نقلبه لنخبر حالتيه ... فنخبر منهما كرما ولينا # سمع الأحنف رجلا ينازع رجلا في أمر فقال له الأحنف: لا أحسبك إلا ضعيفا ~~فيما تحاول، فقال الرجل: ما على ظنك خرجت من عند أهلي، فقال الأحنف لأمر ما ~~قيل: إحذروا الجواب. جعل رجل جعلا لرجل على أن يقوم إلى عمرو بن العاص ~~يسأله عن أمه، فقام إليه وهو يخطب على منبر تنيس، فقال له: أيها الرجل ~~أخبرنا من أمك، فقال: كانت امرأة من عنزة أصيبت بأطراف الرماح فوقعت في سهم ~~الفاكه بن المغيرة فاشتراها أبي فوقع عليها، إنطلق وخذ ما جعل لك على هذا. ~~قال الشاعر: [بسيط] # قل ما بدا لك من زور ومن كذب ... حلمي أصم وأذني غير صماء # نظر معاوية إلى ابنه يزيد وهو يضرب غلاما له، فقال له: أتفسد أدبك بأدبه ~~فلم ير ضاربا غلاما له بعد ذلك. قيل ليحيى بن خالد: إنك لا تؤدب # PageV01P398 # غلمانك ولا تضربهم، قال: هم أمناؤنا على أنفسنا فإذا نحن أخفناهم فكيف ~~نأمنهم. وكان يقال: «الحليم مطية الجهول» . وذكر أعرابي رجلا فقال: كان ~~أحلم من فرخ طائر. وفي الإنجيل: كونوا حلماء كالحيات وبلهاء كالحمام. # قال بعض الشعراء: [بسيط] # إني لأعرض عن أشياء أسمعها ... حتى يقول رجال إن بي حمقا # أخشى جواب سفيه لا حياء له ... فسل «1» ، وظن أناس أنه صدقا # قال الأحنف: من لم يصبر على كلمة سمع كلمات ورب غيظ قد تجرعته مخافة ما ~~هو أشد منه. قال أكثم بن صيفي: العز والغلبة للحلم. وقال علي بن أبي طالب ~~عليه السلام: أول عوض الحليم من حلمه أن الناس أنصاره على الجهول. وقال ~~المنصور: عقوبة الحلماء التعريض، وعقوبة السفهاء التصريح. # قال: حدثني سهيل قال: حدثنا الأصمعي قال: بلغني أن رجلا قال لآخر: والله ~~لئن قلت واحدة لتسمعن عشرا، فقال له الآخر: لكنك إن قلت عشرا لم تسمع ~~واحدة. قال: وبلغني أن رجلا شتم عمر بن ذر فقال له: يا هذا، لا تغرق في ~~شتمنا ودع للصلح موضعا، فإني أمت مشاتمة الرجال صغيرا ولن أحييها كبيرا، ~~وإني لا أكافىء من عصى الله في بأكثر من أن أطيع الله فيه. وقال بعض ~~المحدثين: [وافر] # وإن الله ذو حلم ولكن ... بقدر الحلم ينتقم الزنيم «2» # لقد ولت بدولتك الليالي ... وأنت معلق فيها ذميم # PageV01P399 # وزالت لم يعش فيها كريم ... ولا استغنى بثروتها عديم # فبعدا لا انقضاء له وسحقا ... فغير مصابك الحدث العظيم # المدائني قال: كان شبيب بن شيبة يقول: من سمع كلمة يكرهها فسكت عنها ~~انقطع عنه ما يكره، فإن أجاب عنها سمع أكثر مما يكره، وكان يتمثل بهذا ~~البيت: [طويل] # وتجزع نفس المرء من وقع شتمة ... ويشتم ألفا بعدها ثم يصبر # قاتل الأحنف في بعض المواطن قتالا شديدا، فقال له رجل: يا أبا بحر، أين ~~الحلم قال: عند الحبى. وقال مسلم «1» بن الوليد: [طويل] # حبى لا يطير الجهل في جنباتها ... إذا هي حلت لم يفت حلها ذحل # أغضب زيد بن جبلة الأحنف، فوثب إليه فأخذ بعمامته وتناصبا، فقيل للأحنف: ~~أين الحلم اليوم! فقال: لو كان مثلي أو دوني لم أفعل هذا به. كان يقال: آفة ~~الحلم الضعف. وقال الجعدي «2» : [طويل] # ولا خير في حلم إذا لم تكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا # وقال إياس بن قتادة: [طويل] # تعاقب أيدينا ويحلم رأينا ... ونشتم بالأفعال لا بالتكلم # وأنشد الرياشي: [رجز] # إني امرؤ يذب عن حريمي ... حلمي وتركي اللوم للئيم # والعلم أحمى من يد الظلوم # PageV01P400 # وقال الأحنف: أصبت الحلم أنصر لي من الرجال. قال أبو اليقظان: # كان المتشمس بن معاوية عم الأحنف يفضل في حلمه على الأحنف قبل، فأمره أبو ~~موسى أن يقسم خيلا في بني تميم فقسمها، فقال رجل من بني سعد: ما منعك أن ~~تعطيني فرسا ووثب عليه فمرش «1» وجهه، فقام إليه قوم ليأخذوه، فقال: دعوني ~~وإياه، إني لا أعان على واحد، ثم انطلق به إلى أبي موسى، فلما رآه أبو موسى ~~سأله عما بوجهه فقال: دع هذا ولكن ابن عمي ساخط فاحمله على فرس، ففعل. # قيل للأحنف: ما أحلمك قال: تعلمت الحلم من قيس «2» بن عاصم المنقري، بينا ~~هو قاعد بفنائه محتب بكسائه، أتته جماعة فيهم مقتول ومكتوف وقيل له: هذا ~~ابنك قتله ابن أخيك، فوالله ما حل حبوته حتى فرغ من كلامه، ثم التفت إلى ~~ابن له في المجلس، فقال له: قم فأطلق عن ابن عملك ووار أخاك واحمل إلى أمه ~~مائة من الإبل فإنها غريبة، ثم أنشأ يقول: # [طويل] # إني امرؤ لا شائن حسبي ... دنس يغيره ولا أفن # من منقر في بيت مكرمة ... والغصن ينبت حوله الغصن # خطباء حين يقول قائلهم ... بيض الوجوه، أعفة لسن # لا يفطنون لعيب جارهم ... وهموا لحفظ جواره فطن «3» # ثم أقبل على القاتل فقال: قتلت قرابتك، وقطعت رحمك، وأقللت # PageV01P401 # عددك، لا يبعد الله غيرك. وفي قيس بن عاصم يقول عبدة بن الطبيب «1» ، ~~إسلامي: [طويل] # عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما # تحية من ألبسته منك نعمة ... إذا زار عن شحط بلادك سلما # وما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما # وقال الأحنف: لقد اختلفنا إلى قيس بن عاصم في الحلم كما نختلف إلى ~~الفقهاء في الفقه. شتم رجل الأحنف وجعل يتبعه حتى بلغ حيه، فقال الأحنف: يا ~~هذا، إن كان بقي في نفسك شيء فهاته وانصرف لا يسمعك بعض سفهائنا فتلقى ما ~~تكره. شتم رجل الحسن وأربى عليه، فقال له: أما أنت فما أبقيت شيئا، وما ~~يعلم الله أكثر. قال بعض الشعراء: [بسيط] # لن يدرك المجد أقوام وإن كرموا ... حتى يذلوا- وإن عزوا- لأقوام # ويشتموا فترى الألوان مشرقة ... لا صفح ذل ولكن صفح أحلام # قال: حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: لا يكاد يجتمع عشرة إلا وفيهم مقاتل ~~وأكثر، ويجتمع ألف ليس فيهم حليم. ابن عيينة قال: كان عروة ابن الزبير إذا ~~أسرع إليه رجل بشتم أو قول سيء لم يجبه وقال: إني أتركك رفعا لنفسي عنك، ~~فجرى بينه وبين علي بن عبد الله كلام، فأسرع إليه، فقال له علي: خفض عليك ~~أيها الرجل فإني أتركك اليوم لما كنت تترك له الناس. # قال: حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: قال رجل: لمثل هذا اليوم كنت أدع ~~الفحش على الرجال، فقال له خصمه: فإني أدع الفحش عليك # PageV01P402 # اليوم لما تركته أنت له قبل اليوم. وأغلظ عبد لسيده، فقال: إني أصبر لهذا ~~الغلام على ما ترون لأروض نفسي بذلك، فإذا صبرت للمملوك على المكروه كانت ~~لغير المملوك أصبر. # كلم عمر بن عبد العزيز رجلا من بني أمية وقد ولدته نساء بني مرة فعاب ~~عليه جفاء رآه منه، فقال: قبح الله شبها غلب عليك من بني مرة، وبلغ ذلك ~~عقيل بن علفة المري وهو بجنفاء من المدينة على أميال في بلد بني مرة، فركب ~~حتى قدم على عمر وهو بدير سمعان، فقال: هيه يا أمير المؤمنين! بلغني أنك ~~غضبت على فتى من بني أبيك، فقلت: قبح الله شبها غلب عليك من بني مرة، وإني ~~أقول: قبح الله ألأم طرفيه، فقال عمر: دع، ويحك، هذا وهات حاجتك. فقال: ~~والله ما لي حاجة غير حاجته، وولى راجعا من حيث جاء، فقال عمر: يا سبحان ~~الله! من رأى مثل هذا الشيخ؟ # جاء من جنفاء ليس إلا يشتمنا ثم انصرف! فقال له رجل من بني مرة: إنه ~~والله يا أمير المؤمنين ما شتمك وما شتم إلا نفسه، نحن والله ألأم طرفيه. # المدائني قال: لما عزل الحجاج أمية بن عبد الله عن خراسان أمر رجلا من ~~بني تميم فعابه بخراسان وشنع عليه، فلما قفل لقيه التميمي فقال: أصلح الله ~~الأمير لا تلمني فإني كنت مأمورا، فقال: يا أخا بني تميم أو حدثتك نفسك أني ~~وجدت عليك؟ قال: قد ظننت ذاك، قال: إن لنفسك عندك قدرا!. كان يقال: طيروا ~~دماء الشباب في وجوههم. ويقال: الغضب غول الحلم. ويقال: القدرة تذهب ~~الحفيظة. وكتب كسرى أبرويز إلى ابنه شيرويه من الحبس: إن كلمة منك تسفك ~~دما، وإن كلمة أخرى منك تحقن دما، وإن سخطك سيوف مسلولة على من سخطت عليه، ~~وإن رضاك بركة مستفيضة على من رضيت عنه، وإن نفاذ أمرك مع ظهور كلامك، ~~فاحترس في غضبك # PageV01P403 # من قولك أن يخطىء ومن لونك أن يتغير ومن جسدك أن يخف، وإن الملوك تعاقب ~~قدرة وحزما، وتعفو تفضلا وحلما، ولا ينبغي للقادر أن يستخف ولا للحليم أن ~~يزهو، وإذا رضيت فأبلغ بمن رضيت عنه يحرص من سواه على رضاك، وإذا سخطت فضع ~~من سخطت عليه يهرب من سواه من سخطك، وإذا عاقبت فانهك «1» لئلا يتعرض ~~لعقوبتك، واعلم أنك تجل عن الغضب وأن غضبك يصغر عن ملكك، فقدر لسخطك من ~~العقاب كما تقدر لرضاك من الثواب. قال محمد «2» بن وهيب: [طويل] # لئن كنت محتاجا إلى الحلم إنني ... إلى الجهل في بعض الأحايين أحوج # ولي فرس للحلم بالحلم ملجم ... ولي فرس للجهل بالجهل مسرج # فمن رام تقويمي فإني مقوم ... ومن رام تعويجي فإني معوج # وما كنت أرضى الجهل خدنا «3» وصاحبا ... ولكنني أرضى به حين أخرج # ألا ربما ضاق الفضاء بأهله ... وأمكن من بين الأسنة مخرج # وإن قال بعض الناس فيه سماجة ... فقد صدقوا، والذل بالحر أسمج # وقال ابن المقفع: لا ينبغي للملك أن يغضب لأن القدرة من وراء حاجته، ولا ~~يكذب لأنه لا يقدر أحد على استكراهه على غير ما يريد، ولا يبخل لأنه لا ~~يخاف الفقر، ولا يحقد لأن خطره قد جل عن المجازاة. قال سويد بن الصامت «4» ~~: # PageV01P404 # [كامل] # إني إذا ما الأمر بين شكه ... وبدت بصائره لمن يتأمل # أدع التي هي أرفق الحالات بي ... عند الحفيظة للتي هي أجمل # أتى عمر بن عبد العزيز رجل كان واجدا عليه، فقال: لولا أني غضبان ~~لعاقبتك، وكان إذا أراد أن يعاقب رجلا حبسه ثلاثة أيام، فإذا أراد بعد ذلك ~~أن يعاقبه عاقبه، كراهة أن يعجل عليه في أول غضبه. وأسمعه رجل كلاما فقال ~~له: أردت أن يستفزني الشيطان بعز السلطان فأنال منك اليوم ما تناله مني ~~غدا، انصرف رحمك الله. # قال لقمان الحكيم: ثلاث من كن فيه فقد استكمل الإيمان: من إذا رضي لم ~~يخرجه رضاه إلى الباطل، وإذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق، وإذا قدر لم ~~يتناول ما ليس له. وقال لابنه: إن أردت أن تؤاخي رجلا فأغضبه، فإن أنصفك في ~~غضبه وإلا فدعه. # خطب معاوية يوما فقال له رجل: كذبت، فنزل مغضبا فدخل منزله، ثم خرج عليهم ~~تقطر لحيته ماء، فصعد المنبر فقال: أيها الناس، إن الغضب من الشيطان، وإن ~~الشيطان من النار، فإذا غضب أحدكم فليطفئه بالماء، ثم أخذ في الموضع الذي ~~بلغه من خطبته. وفي الحديث المرفوع: «إذا غضب أحدكم فإن كان قائما فليقعد ~~وإن كان قاعدا فليضطجع» . وقال الشاعر: [بسيط] # احذر مغايظ أقوام ذوي أنف ... إن المغيظ جهول السيف مجنون # وقال عمر بن عبد العزيز: متى أشفي غيظي؟ أحين أقدر فيقال لي: لو عفوت، أو ~~حين أعجز فيقال لي: لو صبرت؟. والعرب تقول: «إن الرثيئة مما # PageV01P405 # يفثأ الغضب» «1» والرثيئة اللبن الحامض يصب عليه الحليب، وهو أطيب اللبن. # كان المنصور ولى سلم بن قتيبة البصرة وولى مولى له كور البصرة والأبلة ~~«2» ، فورد كتاب مولاه أن سلما ضربه بالسياط، فاستشاط المنصور وقال: # علي تجرأ سلم! لأجعلنه نكالا، فقال ابن عياش- وكان جريئا عليه-: يا أمير ~~المؤمنين، إن سلما لم يضرب مولاك بقوته ولا قوة أبيه، ولكنك قلدته سيفك ~~وأصعدته منبرك، فأراد مولاك أن يطأطىء منه ما رفعت ويفسد ما صنعت، فلم ~~يحتمل ذلك. يا أمير المؤمنين، إن غضب العربي في رأسه، فإذا غضب لم يهدأ حتى ~~يخرجه بلسان أو يد، وإن غضب النبطي في استه، فإذا غضب وخرىء «3» ذهب غضبه، ~~فضحك أبو جعفر وقال: فعل الله بك يا منتوف وفعل، فكف عن سلم. # كان يقال: إياك وعزة الغضب فإنها مصيرتك إلى ذل الاعتذار. قال بعض ~~الشعراء: [بسيط] # الناس بعدك قد خفت حلومهم ... كأنما نفخت فيها الأعاصير # أبو بكر بن عياش عن الأعمش قال: كنت مع رجل فوقع في إبراهيم. # فأتيت إبراهيم فأخبرته وقلت: والله لهممت به، فقال: لعل الذي غضبت له لو ~~سمعه لم يقل شيئا. # PageV01P406 ### | باب العز والذل والهيبة # أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثنا عمر بن السكن قال: قال سليمان ابن عبد ~~الملك ليزيد بن المهلب: فيمن العز بالبصرة؟ فقال: فينا وفي حلفائنا من ~~ربيعة، فقال عمر بن عبد العزيز: ينبغي أن يكون العز فيمن تحولف عليه يا ~~أمير المؤمنين. قالت قريبة: إذا كنت في غير قومك فلا تنس نصيبك من الذلة. ~~قال رجل من قريش لشيخ منهم: علمني الحلم، قال: هو، يا ابن أخي، الذل، ~~أفتصبر عليه؟. وقال الأحنف: ما يسرني بنصيبي من الذل حمر النعم، فقال له ~~رجل: أنت أعز العرب، فقال: إن الناس يرون الحلم ذلا، فقلت ما قلت على ما ~~يعلمون. # وقرأت في كتاب للهند أن الريح العاصف تحطم دوح الشجر ومشيد البنيان ويسلم ~~عليها ضعيف النبت للينه وتثنيه. ويقال في المثل: «تطأطأ لها تخطئك» ، وقال ~~زيد «1» بن علي بن الحسين حين خرج من عند هشام مغضبا: ما أحب أحد قط الحياة ~~إلا ذل؛ وتمثل: [سريع] # شرده الخوف وأزرى به ... كذاك من يكره حر الجلاد # منخرق الخفين يشكو الوجى ... تنكبه أطراف مرو «2» حداد # قد كان في الموت له راحة ... والموت حتم في رقاب العباد # وقال المتلمس «3» : # PageV01P407 # [بسيط] # إن الهوان، حمار البيت يعرفه ... والمرء ينكره والجسرة الأجد «1» # ولا يقيم بدار الذل يعرفها ... إلا الحمار حمار الأهل والوتد # وقال الزبير «2» بن عبد المطلب: [بسيط] # ولا أقيم بدار لا أشد بها ... صوتي إذا ما اعترتني سورة الغضب # وقال آخر: [طويل] # إذا كنت في قوم عدا لست منهم ... فكل ما علفت من خبيث وطيب # وقال العباس «3» بن مرداس: [طويل] # أبلغ، أبا سلم، رسولا نصيحة ... فإن معشر جادوا بعرضك فابخل # وإن بوؤوك منزلا غير طائل ... غليظا فلا تنزل به وتحول # ولا تطعمن ما يعلفونك إنهم ... أتوك على قربانهم بالمثمل # أراك إذن قد صرت للقوم ناضحا ... يقال له بالغرب أدبر وأقبل # وقال آخر: [متقارب] # فأبلغ لديك بني مالك ... على نأيها وسراة الرباب # بأن امرأ أنتمو حوله ... تحفون قبته بالقباب # يهين سراتكمو عامدا ... ويقتلكم مثل قتل الكلاب # فلو كنتمو إبلا أملحت «4» ... لقد نزعت للمياه العذاب # PageV01P408 # ولكنكم غنم تصطفى ... ويترك سائرها للذئاب # وقال آخر: [بسيط] # تالله لولا انكسار الرمح قد علموا ... ما وجدوني ذليلا كالذي أجد # قد يحطم الفحل قسرا بعد عزته ... وقد يرد على مكروهه الأسد # وقال بعض العبديين: [متقارب] # ألا أبلغا خلتي راشدا ... وصنوي قديما إذا ما اتصل # بأن الدقيق يهيج الجليل ... وأن العزيز إذا شاء ذل # وأن الحزامة أن تصرفوا ... لحي سوانا صدور الأسل # فإن كنت سيدنا سدتنا ... وإن كنت للخال فاذهب فخل # وقال البعيث «1» : [وافر] # ولو ترمى بلؤم بني كليب ... نجوم الليل ما وضحت لساري # ولو لبس النهار بنو كليب ... لدنس لؤمهم وضح النهار # وما يغدو عزيز بني كليب ... ليطلب حاجة إلا بجار # جاور ابن سيابة مولى بني أسد قوما فأزعجوه، فقال لهم: لم تزعجوني من ~~جواركم؟ فقالوا: أنت مريب، فقال: فمن أذل من مريب ولا أحسن جوارا. أبو ~~عبيدة عن عوانة قال: إذا كنت من مضر ففاخر بكنانة وكاثر بتميم وألق بقيس، ~~وإذا كنت من قحطان فكاثر بقضاعة وفاخر بمذحج وألق بكلب، وإذا كنت من ربيعة ~~ففاخر بشيبان وألق بشيبان وكاثر بشيبان. كان يقال: من أراد عزا بلا عشيرة ~~وهيبة بلا سلطان فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعة # PageV01P409 # الله. قيل لرجل من العرب: من السيد عندكم؟ قال: الذي إذا أقبل هبناه وإذا ~~أدبر اغتبناه. ونحوه قول مسلم «1» : [طويل] # وكم من معد في الضمير لي الأذى ... رآني فألقى الرعب ما كان أضمرا # وقال أيضا: [بسيط] # يا أيها الشاتمي عرضي مسارقة ... أعلن به، أنت إن أعلنته الرجل # ومن أحسن ما قيل في الهيبة: [بسيط] # في كفه خيزران ريحها عبق ... من كف أروع في عرنينه شمم # يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فما يكلم إلا حين يبتسم «2» # وقال ابن هرمة «3» في المنصور: [طويل] # له لحظات عن حفافي «4» سريره ... إذا كرها فيها عقاب ونائل # فأم الذي آمنت امنة الردى ... وأم الذي أوعدت بالثكل ثاكل # كريم له وجهان وجه لدى الرضا ... أسيل، ووجه في الكريهة باسل «5» # وليس بمعطي العفو عن غير قدرة ... ويعفو إذا ما أمكنته المقاتل # وقال آخر في العفو بعد القدرة: [مجزوء الكامل] # أسد على أعدائه ... ما إن يلين ولا يهون # فإذا تمكن منهم ... فهناك أحلم ما يكون # PageV01P410 # وقال آخر «1» في مالك بن أنس: [كامل] # يأبى الجواب فما يراجع هيبة ... والسائلون نواكس الأذقان # هدي التقي وعز سلطان التقى ... فهو المطاع وليس ذا سلطان # وقال آخر «2» : [كامل] # وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم ... خضع الرقاب نواكس «3» الأبصار # وقال أبو نواس: [سريع] # أضمر في القلب عتابا له ... فإن بدا أنسيت من هيبته # المدائني قال: قال ابن شبرمة القاضي لابنه: يا بني، لا تمكن الناس من ~~نفسك، فإن أجرأ الناس على السباع أكثرهم لها معاينة. قيل لأعرابي: # كيف تقول: استخذأت أو استخذيت؟ قال: لا أقوله، قيل: ولم؟ قال: لأن العرب ~~لا تستخذي. وكان يقال: إصفح أو اذبح. ### | باب المروءة # في الحديث المرفوع: قام رجل من مجاشع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ~~يا رسول الله، ألست أفضل قومي؟ فقال: «إن كان لك عقل فلك فضل، وإن كان لك ~~خلق فلك مروءة، وإن كان لك مال فلك حسب، وإن كان لك تقى فلك # PageV01P411 # دين» وفيه أيضا: «إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها» . روى كثير بن ~~هشام عن الحكم بن هشام الثقفي قال: سمعت عبد الملك بن عمير يقول: # إن من مروءة الرجل جلوسه ببابه. قال الحسن: لا دين إلا بمروءة. قيل لابن ~~هبيرة: ما المروءة؟ قال: إصلاح المال، والرزانة في المجلس، والغداء والعشاء ~~بالفناء. قال إبراهيم: ليس من المروءة كثرة الالتفات في الطريق ولا سرعة ~~المشي. ويقال: سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن. # قال معاوية: المروءة ترك اللذة. وقال لعمرو: ما ألذ الأشياء؟ فقال عمرو: ~~مر أحداث قريش أن يقوموا، فلما قاموا قال: إسقاط المروءة. قال جعفر بن محمد ~~عن أبيه: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وروا لذوي المروءات عن ~~عثراتهم، فوالذي نفسي بيده إن أحدهم ليعثر وإن يده لفي يد الله. كان عروة ~~ابن الزبير يقول لولده: يا بني، إلعبوا، فإن المروءة لا تكون إلا بعد ~~اللعب. # قيل للأحنف. ما المروءة؟ فقال: العفة والحرفة. قال محمد بن عمران التيمي: ~~ما شيء حملا علي من المروءة، قيل: وأي شيء المروءة؟ قال: لا تعمل شيئا في ~~السر تستحي منه في العلانية. وقال زهير في نحو هذا: [كامل] # الستر دون الفاحشات، ولا ... يلقاك دون الخير من ستر # وقال آخر: [طويل] # فسري كإعلاني، وتلك خليقتي ... وظلمة ليلي مثل ضوء نهاريا # قال عمر بن الخطاب: تعلموا العربية فإنها تزيد في المروءة، وتعلموا النسب ~~فرب رحم مجهولة قد وصلت بنسبها. قال الأصمعي: ثلاثة تحكم # PageV01P412 # لهم بالمروءة حتى يعرفوا: رجل رأيته راكبا، أو سمعته يعرب، أو شممت منه ~~رائحة طيبة. وثلاثة تحكم عليهم بالدناءة حتى يعرفوا: رجل شممت منه رائحة ~~نبيذ في محفل، أو سمعته يتكلم في مصر عربي بالفارسية، أو رأيته على ظهر ~~الطريق ينازع في القدر. قال ميمون ابن ميمون: أول المروءة طلاقة الوجه، ~~والثاني التودد، والثالث قضاء الحوائج. وقال: من فاته حسب نفسه لم ينفعه ~~حسب أبيه. قال مسلمة بن عبد الملك: مروءتان ظاهرتان: الرياسة والفصاحة. ~~وقال عمر بن الخطاب: المروءة الظاهرة الثياب الطاهرة. قالوا: # كان الرجل إذا أراد أن يشين جاره طلب الحاجة إلى غيره. وقال بعض الشعراء: ~~[بسيط] # نوم الغداة وشرب بالعشيات ... موكلان بتهديم المروءات ### | باب اللباس # حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ~~ابن عباس، قال: كل ما شئت والبس ما شئت إذا ما أخطأك شيئان: سرف أو مخيلة. # قال: حدثني يزيد بن عمرو قال: حدثنا المنهال بن حماد عن خارجة ابن مصعب ~~عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه، قال: كانت ملحفة رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم التي يلبس في أهله مورسة «1» حتى إنها لتردع «2» على جلده. # حدثني أبو الخطاب قال: حدثنا أبو عتاب قال: حدثنا المختار بن نافع عن ~~إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي قال: رأيت لعمر بن الخطاب، رضي الله # PageV01P413 # عنه، إزارا فيه إحدى وعشرون رقعة من أدم ورقعة من ثيابنا. # حدثنا الزيادي قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن الجريري عن ابن عباس، ~~قال: رأيت عمر بن الخطاب يطوف بالبيت وإزاره مرقوع بأدم. نظر معاوية إلى ~~النخار العذري الناسب في عباءة فازدراه في عباءة، فقال: يا أمير المؤمنين، ~~إن العباءة لا تكلمك وإنما يكلمك من فيها. قال سحيم «1» بن وثيل: [طويل] # ألا ليس زين الرحل قطعا يمزق ... ولكن زين الرحل يا مي راكبه # وقال آخر [منسرح] # إياك أن تزدري الرجال فما ... يدريك ماذا يكنه الصدف # نفس الجواد العتيق باقية ... يوما وإن مس جسمه العجف # والحر حر وإن ألم به الض ... ر وفيه العفاف والأنف # وقال آخر من المحدثين: [بسيط] # تعجبت در من شيبي فقلت لها ... لا تعجبي قد يلوح الفجر في السدف «2» # وزادها عجبا أن رحت في سمل «3» ... وما درت در أن الدر في الصدف # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي أن ابن عون اشترى برنسا من عمر بن أنس بن ~~سيرين فمر على معاذة العدوية، فقال: أمثلك يلبس هذا! قال: # فذكرت ذلك لابن سيرين فقال: ألا أخبرتها أن تميما الداري اشترى حلة بألف ~~يصلي فيها؟ # حدثني أحمد بن الخليل قال: حدثنا مصعب بن عبد الله من ولد عبد # PageV01P414 # الله بن الزبير عن أبيه قال: أخبرني إسماعيل بن عبد الله بن جعفر عن أبيه ~~قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه ثوبان مصبوغان بالزعفران: ~~رداء وعمامة. # حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا علي بن عاصم قال: أخبرنا أبو إسحاق ~~الشيباني قال: رأيت محمد بن الحنفية واقفا بعرفات على برذون «1» عليه مطرف ~~خز أصفر. # حدثني الرياشي عن الأصمعي عن حفص بن الفرافصة قال: أدركت وجوه أهل ~~البصرة، شقيق بن ثور فمن دونه وانيتهم في بيوتهم الجفان والعسسة فإذا قعدوا ~~بأفنيتهم لبسوا الأكسية وإذا أتوا السلطان ركبوا ولبسوا المطارف. # قدم حماد بن أبي سليمان البصرة فجاءه فرقد السبخي وعليه ثياب صوف فقال ~~حماد: ضع نصرانيتك هذه عنك، فلقد رأيتنا ننتظر إبراهيم فيخرج علينا وعليه ~~معصفرة ونحن نرى أن الميتة قد حلت له. # وروى زيد بن الحباب عن الثوري عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان أن ابن ~~عباس كان يرتدي رداء بألف. قال معمر: رأيت قميص أيوب يكاد يمس الأرض، ~~فكلمته في ذلك فقال: إن الشهرة فيما مضى كانت في تذييل القميص وإنها اليوم ~~في تشميره. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: أخبرني بعض أصحابنا قال: جاء سيار أبو ~~الحكم إلى مالك بن دينار في ثياب اشتهرها «2» مالك، فقال له مالك: # ما هذه الشهرة؟ فقال له سيار: أتضعني عندك أم ترفعني؟ قال: بل تضعك، قال: ~~أراك تنهاني عن التواضع، فنزل مالك فقعد بين يديه. # PageV01P415 # قال أبو يعقوب الخريمي: أراد جعفر بن يحيى يوما حاجة كان طريقه إليها على ~~باب الأصمعي فدفع إلى خادم كيسا فيه ألف دينار وقال: إني سأنزل في رجعتي ~~إلى الأصمعي وسيحدثني ويضحكني فإذا ضحكت فضع الكيس بين يديه، فلما رجع ودخل ~~عليه رأى حبا «1» مكسور الرأس وجرة مكسورة العنق وقصعة مشعبة وجفنة أعشارا ~~ورآه على مصلى بال وعليه بركان «2» أجرد فغمز غلامه ألا يضع الكيس بين يديه ~~ولم يدع الأصمعي شيئا مما يضحك الثكلان إلا أورده عليه فما تبسم وخرج، فقال ~~لرجل كان يسايره: «من استرعى الذئب ظلم» ، ومن زرع سبخة «3» حصد الفقر، ~~فإني والله لو علمت أن هذا يكتم المعروف بالفعل لما حفلت نشره له باللسان، ~~وأين يقع مدح اللسان من مدح آثار الغنى؛ لأن اللسان قد يكذب والحال لا ~~تكذب. ولله در نصيب «4» حيث يقول: [طويل] # فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب «5» # ثم قال له: أعلمت أن ناووس أبرويز أمدح لأبرويز من شعر زهير لآل سنان. # قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: رأيت مشيخة بالمدينة في زي الفتيان لهم ~~الغدائر وعليهم المورد والمعصفر «6» وفي أيديهم المخاصر وبها أثر الحناء، ~~ودين أحدهم أبعد من الثريا إذا أريد دينه. ذم ابن التوءم رجلا فقال: رأيته # PageV01P416 # مشحم النعل درن الجورب «1» مغضن الخف دقيق الخزامة. أنشد ابن الأعرابي ~~«2» : [طويل] # فإن كنت قد أعطيت خزا تجره ... تبدلته من فروة وإهاب # فلا تأيسن أن تملك الناس إنني ... أرى أمة قد أدبرت لذهاب # قال أيوب: يقول الثوب: أطوني أجملك. هشام بن عروة عن أبيه قال: # يقول المال: أرني صاحبي أعمر، ويقول الثوب: أكرمني داخلا أكرمك خارجا. ~~ويقال: لكل شيء راحة، فراحة البيت كنسه، وراحة الثوب طيه. قيل لأعرابي: إنك ~~تكثر لبس العمامة، فقال: إن عظما فيه السمع والبصر لجدير أن يكن من الحر ~~والقر. ويقال: حبى العرب حيطانها، وعمائمها تيجانها. # وذكروا العمامة عند أبي الأسود الدؤلي فقال: جنة في الحرب، ومكنة في الحر ~~والقر، وزيادة في القامة، وهي بعد عادة من عادات العرب. وقال طلحة ابن عبيد ~~الله: الدهن يذهب البؤس، والكسوة تظهر الغنى، والإحسان إلى الخادم مما يكبت ~~الله به العدو. # أبو حاتم قال: حدثنا العتبي قال: سمعت أعرابيا يقول: لقد رأيت بالبصرة ~~برودا كأنما نصحت «3» بأنوار الربيع وهي تروع، واللابسوها أروع. قال يحيى ~~بن خالد للعتابي في لباسه- وكان لا يبالي ما لبس-: يا أبا علي، أخزى الله ~~امرأ رضي أن يرفعه هيئتاه من جماله وماله، فإنما ذلك حظ الأدنياء من الرجال ~~والنساء، لا والله حتى يرفعه أكبراه: همته ونفسه، وأصغراه: قلبه # PageV01P417 # ولسانه. وفي الحديث المرفوع: «إن الله إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن يرى ~~أثرها عليه» . قال حبيب بن أبي ثابت: أن تعز في خصفة خير لك من أن تذل في ~~مطرف «1» ، وما اقترضت من أحد خير من أن أقترض من نفسي. قال عمرو «2» بن ~~معد يكرب: [مجزوء الكامل] # ليس الجمال بمئزر ... فاعلم وإن رديت «3» بردا # إن الجمال معادن ... وموارث أورثن مجدا # وقال ابن هرمة «4» [منسرح] # لو كان حولي بنو أمية لم ... ينطق رجال إذا هموا نطقوا # إن جلسوا لم تضق مجالسهم ... أو ركبوا ضاق عنهم الأفق # كم فيهمو من أخ وذي ثقة ... عن منكبيه القميص منخرق # تجهمن «5» عوذ النساء إذا ... ما احمر تحت القوانس «6» الحدق # فريحهم عند ذاك أندى من ال ... مسك وفيهم لخابط ورق # قال: حدثني أحمد بن إسماعيل قال: رأيت على أبي سعد المخزومي الشاعر ~~كردوانيا مصبوغا بسواد، فقلت له: يا أبا سعد، هذا خز؟ فقال: لا، ولكنه دعي ~~على دعي، وكان أبو سعد دعيا في بني مخزوم، وفيه يقول أبو البرق: # PageV01P418 # [مجزوء الهزج] # لما تاه على الناس ... شريف يا أبا سعد # فته ما شئت إذ كنت ... بلا أصل ولا جد # وإذا حظك في النسب ... ة بين الحر والعبد # وإذ قاذفك المفح ... ش في أمن من الحد # قال عمر بن عبد العزيز لمؤدبه: كيف كانت طاعتي إياك وأنت تؤدبني؟ # قال: أحسن طاعة، قال: فأطعني الآن كما كنت أطيعك، خذ من شاربك حتى تبدو ~~شفتاك، ومن ثوبك حتى يبدو عقباك. وكيع قال: راح الأعمش إلى الجمعة وقد قلب ~~فروة جلدها على جلده وصوفها إلى خارج، وعلى كتفيه منديل الخوان «1» مكان ~~الرداء. قال: حدثني أبو الخطاب عن أبي داود عن قيس عن أبي حصين قال: رأيت ~~الشعبي يقضي على جلد. قال الأحنف: # استجيدوا النعال فإنها خلاخيل الرجال. أبو الحسن المدائني قال: دخل محمد ~~بن واسع على قتيبة بن مسلم في مدرعة صوف فقال له قتيبة: ما يدعوك إلى لبس ~~هذه؟ فسكت، فقال له قتيبة: أكلمك فلا تجيبني! قال: أكره أن أقول زهدا فأزكي ~~نفسي، أو أقول فقرا فأشكو ربي. قال ابن السماك لأصحاب الصوف: والله إن كان ~~لباسكم هذا موافقا لسرائركم لقد أحببتم أن يطلع الناس عليها، وإن كان ~~مخالفا لها فقد هلكتم. وقال بعض المحدثين يعتذر من أطمار عليه: [طويل] # فما أنا إلا السيف يأكل جفنه «2» ... له حلية من نفسه وهو عاطل # PageV01P419 ### | التختم # قال: حدثني أبو الخطاب زياد بن يحيى الحساني قال: حدثنا عبد الله ابن ~~ميمون قال: حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله: إن النبي صلى ~~الله عليه وسلم تختم في يمينه. # قال: حدثنا أبو الخطاب قال: حدثنا سهل بن حماد قال: حدثنا أبو خلدة خالد ~~بن دينار قال: سألت أبا العالية ما كان نقش خاتم النبي صلى الله عليه وسلم؟ ~~قال: # «صدق الله» قال: فألحق الخلفاء بعد «صدق الله» «محمد رسول الله» . # قال أبو الخطاب: حدثنا أبو عتاب «1» قال: حدثنا سالم بن عبد الأعلى عن ~~نافع عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يذكر الشيء ~~أوثق في خاتمة خيطا. # حدثني أبو الخطاب: قال حدثنا عبد الله بن ميمون قال: حدثنا جعفر ابن محمد ~~عن أبيه أن خاتم علي كان من ورق نقشه «نعم القادر الله» كان على خاتم علي ~~بن الحسين بن علي «علمت فاعمل» . كان نقش خاتم صالح بن عبيد الله بن علي ~~«تبارك من فخري بأني له عبد» ونقش خاتم شريح «الخاتم خير من الظن» . ونقش ~~خاتم طاهر «وضع الخد للحق عز» . وكان لأبي نواس خاتمان: أحدهما عقيق مربع ~~وعليه: [طويل] # تعاظمني ذنبي فلما عدلته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما # والآخر حديث صيني مكتوب عليه: «الحسن يشهد أن لا إله إلا الله مخلصا» ~~فأوصى عند موته أن يقلع الفص ويغسل ويجعل في فمه. # PageV01P420 ### | باب الطيب # قال: حدثنا محمد بن عبيد قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عاصم الأحول عن ~~أبي عثمان النهدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير طيب الرجال ~~ما ظهر ريحه وخفي لونه، وخير طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه» . # حدثنا القطعي قال: حدثنا بشر عن ابن لهيعة قال: حدثني بكير عن نافع أن ~~ابن عمر كان يستجمر بعود غير مطرى ويجعل معه الكافور ويقول: # هكذا كان رسول الله يستجمر. # قال: حدثنا زياد بن يحيى قال: حدثنا زياد بن الربيع عن يونس قال: # قال أبو قلابة: كان ابن مسعود إذا خرج إلى المسجد عرف جيرانه ذاك بطيب ~~ريحه. # حدثني القومسي قال: حدثنا أبو نعيم عن شقيق عن الأعمش قال: قال أبو ~~الضحى: رأيت على رأس ابن الزبير من المسك ما لو كان لي كان رأس مال. # قال: حدثني أبو الخطاب قال: حدثنا أبو قتيبة وأبو داود عن الحسن بن زيد ~~الهاشمي عن أبيه قال: رأيت ابن عباس حين أحرم والغالية على صلعته كأنها «1» ~~الرب. # قال: حدثني أحمد بن الخليل عن عمرو بن عون عن خالد عن عمرو ابن يحيى عن ~~محمد بن يحيى بن حبان قال: كان عبد الله بن زيد يتخلق بالخلوق «2» ثم يجلس ~~في المجلس. # PageV01P421 # وحدثني أيضا عن سويد بن سعيد عن ضمام بن إسماعيل عن عمار بن غزية قال: ~~لما أولم عمر بن عبد العزيز بفاطمة بنت عبد الملك أسرج في مسارجه تلك ~~الليلة الغالية. # قال: وحدثني عن أبي عبد الرحمن المقرىء عن سعيد بن أبي أيوب عن عبيد الله ~~بن أبي جعفر عن الأعرج قال: قال أبو هريرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: # «لا تردوا الطيب فإنه طيب الريح خفيف المحمل» . # قال: حدثني زيد بن أخزم قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا أنس بن مالك قال: ~~حدثنا عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة قالت: كأني أنظر إلى وبيص «1» ~~الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم. إبراهيم بن الحكم ~~عن أبيه قال: قال عكرمة: كان ابن عباس يطلي جسده بالمسك فإذا مر بالطريق ~~قال الناس: أمر ابن عباس أم مر المسك؟. قال المسيب «2» بن علس يمدح بني ~~شيبان: [متقارب] # تبيت الملوك على عتبها ... وشيبان إن غضبت تعتب # وكالشهد بالراح أحلامهم ... وأحلامهم منهما أعذب # وكالمسك ترب «3» مقاماتهم ... وترب قبورهمو أطيب # أخذه العباس «4» بن الأحنف فقال: [متقارب] # وأنت إذا ما وطئت الترا ... ب صار ترابك للناس طيبا # PageV01P422 # وقال كعب «1» بن زهير يمدح قوما: [بسيط] # ألمطعمون إذا ما أزمة أزمت ... والطيبون ثيابا كلما عرقوا # وأنشد ابن الأعرابي «2» : [طويل] # خود «3» يكون بها القليل تمسه ... من طيبها عبقا يطيب ويكثر # شكر الكرامة جلدها فصفا لها ... إن القبيحة جلدها لا يشكر # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: ذكر لأيوب هؤلاء الذين يتقشفون فقال: ما ~~علمت أن القذر من الدين. ### | باب المجالس والجلساء والمحادثة # قال: حدثني أحمد بن الخليل عن حبان بن موسى قال: حدثنا ابن المبارك عن ~~معمر عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~«الرجل أحق بمجلسه إذا قام لحاجة ثم رجع» . # وحدثني أيضا عن سعيد بن سليمان عن إسحاق بن يحيى عن المسيب ابن رافع عن ~~عبد الله بن يزيد الخطمي عن عبد الله بن الغسيل قال: قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم: «المرء أحق بصدر بيته وصدر دابته وصدر فراشه، وأحق أن يؤم ~~في بيته» . # قال: حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي ~~جعفر محمد بن علي قال: ألقي لعلي وسادة فجلس عليها وقال: إنه لا يأبى ~~الكرامة إلا حمار. وفي الحديث المرفوع عن أبي موسى قال: قال # PageV01P423 # رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل الجليس الصالح مثل الداري «1» إن لم ~~يحذك «2» من طيبه علقك من ريحه، ومثل الجليس السوء مثل الكير «3» إن لم ~~يحرقك بشرار ناره علقك من نتنه» . قال أبو إدريس الخولاني: المساجد مجالس ~~الكرام. قال الأحنف: أطيب المجالس ما سافر فيه البصر واتدع «4» فيه البدن، ~~فأخذه علي ابن الجهم «5» فقال: [متقارب] # صحون «6» تسافر فيها العيون ... وتحسر عن بعد أقطارها # وقال المهلب: خير المجالس ما بعد فيه مدى الطرف وكثرت فيه فائدة الجليس. ~~قيل للأوسية: أي منظر أحسن؟ فقالت: قصور بيض في حدائق خضر. ونحوه قول عدي ~~«7» بن زيد: [خفيف] # كدمى العاج في المحاريب أو كال ... بيض في الروض زهره مستنير # حدثنا سهل بن محمد قال: حدثنا الأصمعي قال: كان الأحنف إذا أتاه إنسان ~~أوسع له، فإن لم يجد موضعا تحرك ليريه أنه يوسع له. وكان آخر لا يوسع لأحد ~~ويقول «ثهلان ذو الهضبات ما يتحلحل» «8» . # PageV01P424 # قال ابن عباس: لجليسي علي ثلاث: أن أرميه بطرفي إذا أقبل، وأن أوسع له ~~إذا جلس، وأصغي إليه إذا تحدث. وقال الأحنف: ما جلست مجلسا فخفت أن أقام ~~عنه لغيري. وكان يقول: لأن أدعي من بعيد فأجيب أحب إلي من أن أقصى من قريب. # كان القعقاع بن شور إذا جالسه رجل فعرفه بالقصد إليه جعل له نصيبا في ~~ماله، وأعانه على عدوه، وشفع له في حاجته، وغدا إليه بعد المجالسة شاكرا. ~~وقسم معاوية يوما آنية فضة ودفع إلى القعقاع حظه منها، فآثر به القعقاع ~~أقرب القوم إليه فقال: [وافر] # وكنت جليس قعقاع «1» بن شور ... ولا يشقى بقعقاع جليس # ضحوك السن إن نطقوا بخير ... وعند الشر مطراق عبوس # كان يقال: إياك وصدر المجلس فإنه مجلس قلعة. قيل لمحمد بن واسع: ألا تجلس ~~متكئا! فقال: تلك جلسة الآمنين. قال عمرو بن العاص: # ثلاثة لا أملهم: جليسي ما فهم عني، وثوبي ما سترني، ودابتي ما حملت رجلي. ~~وزاد آخر: وامرأتي ما أحسنت عشرتي. # ذكر رجل عبد الملك بن مروان فقال: إنه لآخذ بأربع، تارك لأربع: # آخذ بأحسن الحديث إذا حدث، وبأحسن الاستماع إذا حدث، وبأحسن البشر إذا ~~لقي، وبأيسر المؤونة إذا خولف. وكان تاركا لمحادثة اللئيم، ومنازعة اللجوج، ~~ومماراة السفيه، ومصاحبة المأبون. # كان رجل من الأشراف إذا أتاه رجل عند انقضاء مجلسه قال: إنك # PageV01P425 # جلست إلينا على حين قيام منا أفتأذن؟. قال الفضيل بن عياض للثوري: # دلني على من أجلس إليه، قال: تلك حالة لا توجد. قال مطرف: لا تطعم طعامك ~~من لا يشتهيه، يريد: لا تقبل بحديثك على من لا يقبل عليك بوجهه. وقال سعيد ~~بن سلم: إذا لم تكن المحدث أو المحدث فانهض. # ونحوه قول ابن مسعود: حدث القوم ما حدجوك «1» بأبصارهم. # قال زياد مولى عياش بن أبي ربيعة: دخلت على عمر بن عبد العزيز، فلما رآني ~~زحل عن مجلسه وقال: إذا دخل عليك رجل لا ترى لك عليه فضلا فلا تأخذ عليه ~~شرف المجلس. وقال ابن عباس: ما أحد أكرم علي من جليسي، إن الذباب يقع عليه ~~فيشق علي. ذكر الشعبي قوما فقال: ما رأيت مثلهم أشد تناوبا في مجلس ولا ~~أحسن فهما عن محدث. # قال سليمان بن عبد الملك: قد ركبنا الفاره «2» ووطئنا الحسناء ولبسنا ~~اللين وأكلنا الطيب حتى أجمنا «3» ، ما أنا اليوم إلى شيء أحوج مني إلى ~~جليس أضع عني مؤونة التحفظ فيما بيني وبينه. # روى ابن أبي ليلى عن حبيب بن أبي ثابت عن يحيى بن جعدة قال: قال عمر بن ~~الخطاب: لولا أن أسير في سبيل الله أو أضع جبهتي في التراب لله أو أجالس ~~قوما يلتقطون طيب الحديث كما يلتقط طيب الثمر لأحببت أن أكون قد لحقت ~~بالله. قال عامر بن عبد قيس: ما اسى على شيء من العراق إلا على ظمأ ~~الهواجر، وتجاوب المؤذنين، وإخوان لي منهم الأسود بن كلثوم. وقال آخر ما ~~آسى من البصرة إلا على ثلاث: قصب السكر، وليل الخرير، وحديث ابن # PageV01P426 # أبي بكرة. وقال المغيرة: كان يجالس إبراهيم صيرفي ورجل متهم برأي ~~الخوارج، فكان يقول لنا: لا تذكروا الربا إذا حضر هذا، ولا الأهواء إذا حضر ~~هذا. وكان إمام مسجد الحرام لا يقول: تبت يدا أبي لهب # إلا عند ختم القرآن في شهر رمضان من أجل اللهبيين. # كان يقال: محادثة الرجال تلقح ألبابها. وكان بعض الملوك في مسير له ليلا ~~فقال لمن حوله: إنه لا يقطع سرى الليل بمثل الحديث فيه فلينفض كل رجل منكم ~~بناجوشا «1» منه. قال معاوية لعمرو بن العاص: ما بقي من لذة الدنيا تلذه؟ ~~قال: محادثة أهل العلم، وخبر صالح يأتيني من ضيعتي. قال أبو مسهر: ما حدثت ~~رجلا قط إلا حدثني إصغاؤه: أفهم أم ضيع. ### | باب الثقلاء # قال إبراهيم: إذا علم الثقيل أنه ثقيل فليس بثقيل. كان يقال: من خاف أن ~~يثقل لم يثقل. قيل لأيوب: ما لك لا تكتب عن طاووس؟ فقال: أتيته فوجدته بين ~~ثقيلين: ليث بن أبي سليم، وعبد الكريم بن أبي أمية. # قال الحسن: قد ذكر الله الثقل في كتابه قال: فإذا طعمتم فانتشروا # «2» . كان أبو هريرة إذا استثقل رجلا قال: اللهم اغفر له وأرحنا منه. # وكتب رجل على خاتمه: أبرمت فقم، فكان إذا جلس إليه ثقيل ناوله إياه. قال ~~بختيشوع «3» للمأمون: لا تجالس الثقلاء فإنا نجد في الطب: مجالسة الثقيل ~~حمى الروح. قال بعض الشعراء: # PageV01P427 # [مجزوء الكامل] # إني أجالس معشرا ... نوكى «1» أخفهمو ثقيل # قوم إذا جالستهم ... صدئت بقربهم العقول # لا يفهموني قولهم ... ويدق عنهم ما أقول # فهمو كثير بي وأع ... لم أنني بهمو قليل # أخبرنا النوشجاني عن عمر بن سعيد بن القرشي قال: حدثني صدقة بن خالد قال: ~~أتيت الكوفة فجلست إلى أبي حنيفة، فقام رجل من جلسائه فقال: [متقارب] # فما الفيل تحمله ميتا ... بأثقل من بعض جلاسنا «2» # فما حملت عنه شيئا. # مر رجل بصديق له ومعه رجل ثقيل، فقال له: كيف حالك؟ # فقال: [منسرح] # وقائل كيف أنت؟ قلت له ... هذا لبسي فما ترى حالي؟ # وقال بشار «3» : [خفيف] # ربما يثقل الجليس وإن كا ... ن خفيفا في كفة الميزان # ولقد قلت حين وتد في الأر ... ض ثقيل أربى على ثهلان «4» # PageV01P428 # كيف لم تحمل الأمانة أرض ... حملت فوقها أبا سفيان! «1» ! # وقال آخر: [منسرح] # هل غربة الدار منك منجيتي ... إذا اغتدت بي قلائص ذمل «2» # وما أظن الفلاة منجيتي ... منك ولا الفلك أيها الرجل # ولو ركبت البراق «3» أدركني ... منك على نأي دارك الثقل # هل لك فيما ملكت نافلة ... تأخذه جملة وترتحل # وقال أعرابي: [وافر] # كأني عند حمزة في مقامي ... ألا حييت عنا يا مدينا # بلينا عنده حتى كأنا ... ألا هبي بصحنك فاصبحينا «4» # وقال آخر: [متقارب] «5» # ثقيل يطالعنا من أمم ... إذا سره رغم أنفي ألم # لطلعته وخرة في الحشا ... كوخز المشارط في المحتجم # أقول له إذ بدا طالعا ... ولا حملته إلينا قدم # فقدت خيالك لا من عمى ... وأذني كلامك لا من صمم # قال سهيل بن عبد العزيز: من ثقل عليك بنفسه وغمك في سؤاله فألزمه # PageV01P429 # أذنا صماء وعينا عمياء. # وكتب بعض الكتاب في فصل من كتابه: ما آمن نزغ مستميح حرمته، وطالب حاجة ~~وددته، ومثابر ثقيل حجبته، أو منبسط ناب قبضته، ومقبل بعنانه علي لويت عنه، ~~فقد فعلت هذا بمستحقين وبتعذر الحال، فتثبت رحمك الله، ولا تطع كل حلاف ~~مهين. # وقال بعض المحدثين للخليل: [متقارب] # خرجنا نريد غزاة لنا ... وفينا زياد أبو صعصعه # فستة رهط به خمسة ... وخمسة رهط به أربعه ### | باب البناء والمنازل # الهيثم بن عدي عن مجالد عن الشعبي قال: قال السائب بن الأقرع لرجل من ~~العجم: أخبرني عن مكان من القرية لا يخرب حتى أستقطع ذلك الموضع، فقال له: ~~ما بين الماء إلى دار الإمارة، فاختط لثقيف ذلك الموضع، قال الهيثم بن عدي: ~~فبت عندهم فإذا ليلهم بمنزلة النهار. # وقال قائل في الدار: ليكن أول ما تبتاع وآخر ما تبيع. # وقال يحيى بن خالد لابنه جعفر حين اختط داره ليبنيها: هي قميصك فإن شئت ~~فوسعه، وإن شئت فضيقه. وأتاه وهو يبني داره التي ببغداد بقرب الدور، وإذا ~~هم يبيضون حيطانها فقال: إعلم أنك تغطي الذهب بالفضة، فقال جعفر: ليس في كل ~~مكان يكون الذهب أنفع من الفضة، ولكن هل ترى عيبا؟ قال: نعم، مخالطتها دور ~~السوقة. # دخل ابن التوءم على بعض البصريين وهو يبني دارا كثيرة الذرع، # PageV01P430 # واسعة الصحن، رفيعة السمك، عظيمة الأبواب، فقال: إعلم أنك قد ألزمت نفسك ~~مؤنة لا تطاق، وعيالا لا يحتمل مثلهم، ولا بد لك من الخدم والستور والفرش ~~على حسب ما ابتليت به نفسك، وإن لم تفعل هجنت رأيك. # وقرأت في كتاب الآيين أنه كان يستقبل بفراش الملك ومجلسه المشرق، أو ~~يستقبل بهما مهب الصبا، وذلك أن ناحية المشرق وناحية الصبا يوصفان بالعلو ~~والارتفاع، وناحية الدبور وناحية المغرب يوصفان بالفضيلة والانخفاض، وكان ~~يستقبل بصدور إيوانات الملك المشرق أو مهب الدبور، ويستقبل بصدور الخلاء ~~وما فيه من المقاعد مهب الصبا، لأنه يقال: إن استقبال الصبا في موضع الخلاء ~~آمن من سحر السحرة ومن ريح الجنة. # وكان عمر يقول: على كل خائن أمينان: الماء والطين. ومر ببناء يبنى بآجر ~~وجص فقال: لمن هذا؟ قالوا: لفلان، فقال: تأبى الدراهم إلا أن تخرج أعناقها، ~~وشاطره ماله. # أبو الحسن قال: لما بلغ عمر أن سعدا وأصحابه قد بنوا بالمدر «1» قال: # قد كنت أكره لكم البنيان بالمدر، فأما إذ قد فعلتم فعرضوا الحيطان، ~~وأطيلوا السمك، وقاربوا بين الخشب. وقيل ليزيد بن المهلب: لم لا تبني ~~بالبصرة دارا؟ فقال: لأني لا أدخلها إلا أميرا أو أسيرا، فإن كنت أسيرا ~~فالسجن داري، وإن كنت أميرا فدار الإمارة داري. وقال: الصواب أن تتخذ الدور ~~بين الماء والسوق، وأن تكون الدور شرقية والبساتين غربية. # قال بعض الشعراء: [سريع] # بنو عمير مجدهم دارهم ... وكل قوم لهمو مجد # PageV01P431 # وقال آخر لأبي محمد اليزيدي: [سريع] # قومي خيار غير ما أنهم ... صولتهم منهم على جارهم # ليس لهم مجد سوى مسجد ... به تعدوا فوق أطوارهم # لو هدم المسجد لم يعرفوا ... يوما ولم يسمع بأخبارهم # وقال رجل من خزاعة: [مجزوء الكامل] # فخر المسيب بالمناره ... ومناره برحا «1» عماره # فإذا تفاخرت القبا ... ئل من تميم أو فزاره # حفلت عليك شيوخ ضب ... بة بالمسيب والمناره # مر رجل من الخوارج بدار تبنى فقال: من هذا الذي يقيم كفيلا؟. # وقالوا: كل مال لا يخرج بخروجك ولا يرجع برجوعك ولا ينتقل في الوجوه ~~بانتقالك فهو كفيل. # وقالت الحكماء من الروم: أصلح مواضع البنيان أن يكون على تل أو كبس «2» ~~وثيق ليكون مطلا، وأحق ما جعلت إليه أبواب المنازل وأفنيتها وكواؤها المشرق ~~واستقبال الصبا، فإن ذلك أصلح للأبدان لسرعة طلوع الشمس وضوئها عليهم. # ومن حسن التشبيه في البناء قول علي بن الجهم: [متقارب] # صحون تسافر فيها العيون ... وتحسر عن بعد أقطارها # وقبة ملك كأن النجو ... م تصغي إليها بأسرارها # PageV01P432 # وفوارة ثأرها في السماء ... فليست تقصر عن ثارها # إذا أوقدت نارها بالعراق ... أضاء الحجاز سنا نارها # ترد على المزن ما أنزلت ... على الأرض من صوب أقطارها # لها شرفات كأن الربيع ... كساها الرياض بأنوارها # فهن كمصطحبات خرجن ... لفصح النصارى وإفطارها # فمن بين عاقصة شعرها ... ومصلحة عقد زنارها # وقال الوليد بن كعب «1» : [طويل] # بكت دار بشر شجوها أن تبدلت ... هلال بن عياد ببشر بن غالب # وما هي إلا مثل عرس «2» تنقلت ... على رغمها من هاشم في محارب # وقال آخر: [وافر] # ألم تر حوشبا أمسى يبني ... قصورا نفعها لبني بقيله # يؤمل أن يعمر عمر نوح ... وأمر الله يحدث كل ليله «3» # كان ملك بن أسماء يهوى جارية من بني أسد وكانت تنزل خصا «4» وكانت دار ~~مالك مبنية بآجر فقال: [كامل] # يا ليت لي خصا يجاورها ... بدلا بداري في بني أسد # الخص فيه تقر أعيننا ... خير من الآجر والكمد # حدثنا محمد بن خالد بن خداش عن أبيه قال: حدثنا إسحاق بن # PageV01P433 # الفرات قاضي مصر عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال: قال سليمان بن ~~داود لابنه: يا بني، إن من ضيق العيش شراء الخبز من السوق، والنقلة من منزل ~~إلى منزل. # بلغني أن رجلا من الزهاد مر في زورق، فلما نظر إلى بناء المأمون وأبوابه ~~صاح: واعمراه! فسمعه المأمون فدعا به فقال: ما قلت؟ قال: رأيت بناء ~~الأكاسرة فقلت ما سمعت، قال المأمون: أرأيت لو تحولت من هذه المدينة إلى ~~إيوان كسرى بالمدائن هل كان لك أن تعيب نزولي هناك؟ قال: # لا، قال: فأراك إنما عبت إسرافي في النفقة، قال: نعم، قال: فلو وهبت قيمة ~~هذا البناء لرجل أكنت تعيب ذلك؟ قال: لا، قال: فلو بنى هذا الرجل بما كنت ~~أهب له بناء أكنت تصيح به كما صحت بي؟ قال: لا، قال: فأراك إنما قصدتني ~~لخاصتي في نفسي لا لعلة هي في غيري، ثم قال له: هذا البناء ضرب من مكايدنا ~~نبنيه ونتخذ الجيوش ونعد السلاح والكراع وما بنا إلى أكثره حاجة، فلا تعودن ~~إلي فتمسك عقوبتي، فإن الحفيظة ربما صرفت ذا الرأي إلى هواه، فاستعمله. ### | باب المزاح والرخص فيه # قال: حدثنا محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن هشام بن عروة عن أبي ~~سلمة قال: أخبرتني عائشة أنها سابقت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ~~فسبقته في سفر آخر فسبقها وقال: «هذه بتلك» . # حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع قال: كان أبو هريرة على المدينة خليفة ~~لمروان، فربما ركب حمارا قد شد عليه برذعة «1» وفي رأسه حلية فيلقى # PageV01P434 # الرجل فيقول: الطريق، قد جاء الأمير، وربما دعاني إلى عشائه بالليل ~~فيقول: # دع العراق «1» للأمير، فأنظر فإذا هو ثريد «2» لزيت؟؟؟. # قال: حدثني محمد بن مرزوق عن زاجر بن الصلت الطاحى عن سعيد ابن عثمان ~~قال: قال الشعبي لخياط مر به: عندنا حب مكسور تخيطه؟ فقال الخياط: إن كان ~~عندك خيوط من ريح. # حدثني بهذا الإسناد قال: دخل رجل على الشعبي ومعه في البيت امرأة فقال: ~~أيكم الشعبي؟ قال الشعبي: هذه. وسئل الشعبي عن لحم الشيطان فقال: نحن نرضى ~~منه بالكفاف، قال: فما تقول في الذبان؟ قال: إن اشتهيته فكله. # قال خالد بن صفوان للفرزدق وكان يمازحه: ما أنت يا أبا فراس بالذي لما ~~رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن، قال: ولا أنت يا أبا صفوان بالذي قالت فيه ~~الفتاة «3» لأبيها: يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين # «4» . # حماد بن زيد عن غالب أنه سأل ابن سيرين عن هشام بن حسان قال: # توفي البارحة، أما شعرت؟ فجزع واسترجع، فلما رأى ابن سيرين جزعه قرأ الله ~~يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها # «5» # PageV01P435 # مر بالشعبي حمال على ظهر دن خل، فلما رآه وضع الدن وقال: ما كان اسم ~~امرأة إبليس؟ فقال الشعبي: ذاك نكاح ما شهدناه. # حدثني محمد بن عبد العزيز عن الأصبهاني عن يحيى بن أبي زائدة عن الأعمش ~~قال: عادني إبراهيم فنظر إلى منزلي فقال: أما أنت فتعرف في منزلك أنك لست ~~من أهل القريتين عظيم. # وروى وكيع عن ربيعة عن الزهري عن وهب بن عبد بن زمعة قال: # قالت أم سلمة: خرج أبو بكر في تجارة ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة، وكانا ~~شهدا بدرا «1» ، وكان نعيمان على الزاد فقال له سويبط وكان مزاحا: أطعمني، ~~فقال: حتى يجيء أبو بكر، فقال: أما والله لأغيظنك، فمروا بقوم فقال لهم ~~سويبط: أتشترون مني عبدا لي؟ قالوا: نعم، قال: إنه عبد له كلام وهو قائل ~~لكم: إني حر، فإن كنتم إذا قال لكم هذه المقالة تركتموه فلا تفسدوا علي ~~عبدي، فقالوا: بل نشتريه منك بعشر قلائص» # ، ثم جاءوا فوضعوا في عنقه حبلا وعمامة واشتروه، فقال نعيمان: إن هذا ~~يستهزىء بكم وإني حر، قالوا: قد أخبرنا بخبرك، وانطلقوا به، وجاء أبو بكر ~~فأخبروه فأتبعهم فرد # PageV01P436 # عليهم القلائص وأخذه، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه ~~فضحك هو وأصحابه منهما حولا. # حدثني محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي عن ~~أبي عوانة عن قتادة أن عدي بن أرطاة تزوج بالكوفة وشرط لها دارها فأراد أن ~~ينقلها فخاصمته إلى شريح، فقال: أين أنت أصلحك الله؟ # قال: بينك وبين الحائط، قال: إني رجل من أهل الشام، قال: بعيد سحيق، قال: ~~إني تزوجت امرأة، قال: بالرفاء والبنين، قال: وولدت غلاما، قال: # فليهنئك الفارس، قال: وشرطت لها دراها، قال: الشرط أملك، قال: إقض بيننا، ~~قال: قد قضيت، قال: بمه؟ قال شريح: «حدث امرأة حديثين فإن أبت فاربع «1» » ~~قال لي المحدث: فأربعة، وإنما هو فأربع أي كف وأمسك. # وتقدم رجلان إلى شريح في خصومة فأقر أحدهما بما يدعي الآخر عليه وهو لا ~~يعلم، فقضى عليه شريح، فقال الرجل: أتقضي علي بغير بينة؟ فقال: # قد شهد عندي ثقة، قال: ومن هو؟ قال: ابن أخت خالتك. # كان ابن سيرين ينشد: [بسيط] # نبئت أن فتاة كنت أخطبها ... عرقوبها مثل شهر الصوم في الطول # وقال أيضا: [طويل] # لقد أصبحت عرس الفرزدق ناشزا ... ولو رضيت رمح استه لاستقرت # وكان ابن سيرين يضحك حتى يسيل لعابه. # PageV01P437 # المدائني قال: قال عمرو بن العاص لمعاوية: إني رأيت البارحة في المنام ~~كأن القيامة قد قامت ووضعت الموازين وأحضر الناس للحساب، فنظرت إليك وأنت ~~واقف قد ألجمك العرق، وبين يديك صحف كأمثال الجبال، فقال معاوية: فهل رأيت ~~شيئا من دنانير مصر؟. # كان معن بن زائدة ظنينا في دينه، فبعث إلى ابن عياش المنتوف بألف دينار، ~~وكتب إليه: قد بعثت إليك بألف دينار اشتريت بها دينك، فاقبض المال واكتب ~~إلي بالتسليم، فكتب إليه: قد قبضت الدنانير وبعتك بها ديني خلا التوحيد لما ~~عرفت من زهدك فيه. # قال الرشيد ليزيد بن مزيد: ما أكثر الخلفاء من ربيعة! فقال يزيد: # أجل، ولكن منابرهم الجذوع. # قال بلال بن أبي بردة لابن أبي علقمة: إنما دعوتك لأسخر منك، فقال له ابن ~~أبي علقمة: لئن قلت ذاك لقد حكم المسلمون رجلين سخر أحدهما من الآخر. # كان يقال: السباب مزاح النوكى «1» . وقال الشاعر: [طويل] # أخو الجد إن جاددت أرضاك جده ... وذو باطل إن شئت ألهاك باطله # وقال مسعر «2» بن كدام لابنه: [كامل] # ولقد حبوتك يا كدام نصيحتي ... فاسمع لقول أب عليك شفيق # PageV01P438 # أما المزاحة والمراء فدعهما ... خلقان لا أرضاهما لصديق # ولقد بلوتهما فلم أحمدهما ... لمحاور جار ولا لرفيق # وقال الكميت «1» : [طويل] # وفي الناس أقذاع ملاهيج بالخنا ... متى يبلغ الجد الحفيظة يلعبوا # ومما يقارب هذا قول بعض المحدثين: [طويل] # أراني سأبدي عند أول سكرة ... هواي لفضل في خفاء وفي ستر # فإن رضيت كان الرضا سبب الهوى ... وإن غضبت حملت ذنبي على السكر # وقال الراعي «2» - في نحو هذا يصف نساء-: [طويل] # يناجيننا بالطرف دون حديثنا ... ويقضين حاجات وهن موازح # عرض بعض الأمراء على رجل عملين ليختار أحدهما فيوليه، فقال: # «كلاهما وتمرا» ، فقال: أعندي تمزح! لا وليت لي عملا. # وقال عمر بن الخطاب: من كثر ضحكه قلت هيبته. وقال علي: إذا ضحك العالم ~~ضحكة مج من العلم مجة. وقال أكثم: «المزاحة تذهب المهابة» . # الهيثم عن عوانة الكلبي قال: دخل الأخطل على عبد الملك بن مروان وهو ~~مغموم وعنده رجل كان يحسده الأخطل ويقارضه، فقال الأخطل: يا أمير المؤمنين، ~~عهدي بأبي هذا الفتى وهو سيدنا معشر بني جشم، وشيخنا الذي نصدر عن رأيه، ~~فاهتز لها الفتى وقال: يا أمير المؤمنين، هو أعلم بنا قديما # PageV01P439 # وحديثا، قال الأخطل: إن أباه أمرنا ذات يوم وقد نورت الرياض أن نخرج إلى ~~روضة في ظهر بيوت الحي فنتحدث فيها، فخرجنا وانبسطنا لعبا، وخرج الرجل منا ~~بالبكرة الكوماء «1» وبالخروف والجدي، وقام الفتيان فاجتزروا واشتووا ودارت ~~السقاة علينا، فبينما نحن كذلك رعف أبوه فما تركنا في الحي روثة حمار إلا ~~نشقناه إياها فلم يرقأ «2» دمه، فقال لنا شيخ: شدوا خصي الشيخ عصبا، ففعلنا ~~ذلك فرقأ الدم، فوالله ما دارت الكأس إلا دورة حتى أتانا الصريخ عن أمه ~~أنها قد رعفت، فبادرنا إليها، فوالله ما درينا ما نعصب منها حتى خرجت ~~نفسها، وعبد الملك يفحص برجليه ضحكا، والفتى يقول: # كذب والله، فقال عبد الملك: ألم تزعم أنه أعلم الناس بقديمكم وحديثكم!. # حدثني أحمد بن عمرو وقال: كان رجل من الفقهاء في طريق مكة، فرأى، وهو ~~محرم، يربوعا «3» فرماه بعصا كانت في يده فقتله، فقال الجمال: # ألست محرما؟ قال: بلى وما كانت بي إلى رميه حاجة إلا أن تعلم أن إحرامي ~~لا يمنعني من ضربك. # قال: وكان الأعمش يقول: من تمام الحج ضرب الجمال. # المدائني قال: كان نعيمان رجلا من الأنصار وشهد بدرا وجلده النبي عليه ~~السلام في الخمر أربع مرات، فمر نعيمان بمخرمة بن نوفل وقد كف بصره فقال: ~~ألا رجل يقودني حتى أبول، فأخذ بيده نعيمان، فلما بلغ مؤخر المسجد قال: ~~هاهنا # PageV01P440 # فبل، فبال فصيح به، فقال: من قادني؟ قيل: نعيمان، قال: لله علي أن أضربه ~~بعصاي هذه، فبلغ نعيمان فأتاه فقال له: هل لك في نعيمان؟ فقال: نعم، فقال: # قم، فقام معه فأتى به عثمان بن عفان وهو يصلي، فقال: دونك الرجل، فجمع ~~يديه في العصا ثم ضربه، فقال الناس: أمير المؤمنين، فقال: من قادني؟ قالوا: ~~نعيمان، قال: لا أعود إلى نعيمان أبدا. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال: قلت لخارجة بن ~~زيد: هل كان الغناء يقام في العرسات؟ «1» قال: قد كان ذاك، ولا يحضر بما ~~يحضر اليوم من السفه، دعانا أخوالنا بنو نبيط في مدعاة لهم فشهد المدعاة ~~حسان بن ثابت وابنه عبد الرحمن وأنا، وجاريتان تغنيان: [منسرح] # أنظر خليلي بباب جلق «2» هل ... تؤنس دون البلقاء من أحد؟ # فبكى حسان وقد كف بصره، وجعل عبد الرحمن يومىء إليهما أن زيدا، فلا أدري ~~ماذا يعجبه من أن تبكيا أباه، ثم جيء بالطعام، فقال حسان: # أطعام يد أم طعام يدين؟ فقالوا: طعام يد، يريدون الثريد «3» فأكل، ثم أتي ~~بطعام آخر فقال: أطعام يد أم طعام يدين؟ قالوا: طعام يدين، يعنون الشواء ~~فكف. # حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: كان طويس يتغنى في عرس، # PageV01P441 # فدخل النعمان ابن بشير العرس وطويس «1» يقول: [متقارب] # أجد بعمرة «2» غنيانها ... فتهجر أم شأنها شانها # وعمرة أم النعمان، فقيل له: أسكت أسكت، فقال النعمان: إنه لم يقل بأسا ~~وإنما قال: [متقارب] # وعمرة من سروات النسا ... تنفح بالمسك أردانها «3» # حدثني يزيد بن عمرو قال: حدثنا الحجاج بن نصير قال: حدثنا شعبة عن قتادة ~~عن أبي العالية أنه كان مع ابن عباس وهو محرم، فقال ابن عباس: [رجز] # وهن يمشين بنا هميسا ... إن تصدق الطير ننل «4» لميسا # فقالوا: تقول الرفث «5» وأنت محرم يا ابن عباس! فقال: إنما الرفث عند ~~النساء. # قال جابر الجعفي: رأيت الشعبي خارجا من الكوفة فقلت له: أين؟ # قال: انظر إلى الفيل. # حدثني أبو الخطاب قال: حدثنا سلم بن قتيبة قال: حدثنا شريك عن جابر ~~الجعفي عن عكرمة فقال: ختن ابن عباس بنيه فأرسلني فدعوت اللعابين فلعبو ~~فأعطاهم أربعمائة درهم. # PageV01P442 # حدثني شيخ لنا من أهل المدينة قال: ولي الأوقص المخزومي قضاء مكة فما رئي ~~مثله في العفاف والنبل، فبينا هو نائم ذات ليلة في جناح له مر به سكران ~~يتغنى، فأشرف عليه فقال له: يا هذا، شربت حراما، وأيقظت نواما، وغنيت خطأ، ~~خذ عني فأصلحه له. وقال الأوقص قالت لي أمي: يا بني، إنك خلقت خلقة لا تصلح ~~معها لمجامعة الفتيان في بيوت القيان، إنك لا تكون مع أحد إلا تخطتك إليه ~~العيون، فعليك بالدين فإنه يرفع الخسيسة ويتم النقيصة، فنفعني الله بكلامها ~~فبلغت القضاء. # قال عبد الله بن جعفر لرجل: لو غنتك فلانة جاريتي صوت كذا ما أدركت زكاتك ~~«1» . # حدثني شيخ لنا عن سلم بن قتيبة عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن ~~زيد بن أسلم عن أبيه قال: مر بي عمر، وأنا وعاصم بن عمر نتغنى غناء النصب، ~~فقال: أعيدا، فأعدنا، فقال: مثلكما مثل حماري العبادي، قيل له: أي حماريك ~~أشر؟ قال: هذا ثم هذا. # وحدثني أيضا عن ابن عاصم عن ابن جريج قال: سألت عطاء عن القراءة على ~~ألحان الغناء والحداء فقال: وما بأس، لقد حدثني عبيد بن عمير الليثي قال: ~~كانت لداود نبي الله معزفة يضرب بها إذا قرأ الزبور، فكان إذا قرأ اجتمع ~~إليه الإنس والجن والطير فبكى وأبكى من حوله. وقال لي غيره: ولهذا قيل: ~~مزامير داود، كأنه أغاني داود. # خرج أبو معاوية الضرير يوما على أصحابه فقال: # PageV01P443 # [مجزوء الرمل] # وإذا المعدة جاشت ... فارمها بالمنجنيق # بثلاث من نبيذ ... ليس بالحلو الرقيق # النوشجاني قال: حدثني محمد بن سابق قال: حدثنا مالك بن مغول عن أبي حصين ~~قال: شرب الأسود فقال: لو سقيتموني آخر لغنيت. # حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا أبو أسامة عن مجالد عن الشعبي عن عمه قال: ~~صحبت ابن مسعود حولا من رمضان إلى رمضان لم يصم يوما واحدا، فأهمني ذلك ~~وسألت عنه، ولم أره صلى الضحى حتى خرج من بين أظهرنا. # قال: حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم عن مهدي ابن ميمون ~~قال: كان أبو صادق لا يتطوع من السنة بصوم يوم، ولا يصلي ركعة سوى الفريضة ~~قبلها ولا بعدها، وكان به من الورع شيء عجيب. # حدثني الزيادي قال: قال حماد بن زيد عن أيوب قال: دخلت على رجل من ~~الفقهاء وهو يلعب بالشطرنج. # وحدثني الزيادي قال: حدثنا حماد بن زيد عن هشام بن حسان قال: # سئل ابن سيرين عن اللعب بالشطرنج فقال: لا بأس به هو رفق. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن معتمر قال: قال أبي: ترون أن الشطرنج «1» ~~وضعت على أمر عظيم؟. # قال: وحدثنا الأصمعي عن ابن أبي زائدة عن إسماعيل بن أبي خالد قال: كان ~~قيس بن أبي حازم في مدعاة فقال لصاحب المنزل: طير. # PageV01P444 # حدثني شبابة قال: حدثني القاسم بن الحكم العرني قال: حدثني سليم مولى ~~الشعبي أن الشعبي كان إذا اختضب غرض «1» لاعب ابنته بالنرد حتى يعلق ~~الخضاب. # حدثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا النضر بن شميل قال؛ حدثنا شعبة عن عبد ~~ربه قال: سمعت سعيد بن المسيب وسئل عن اللعب بالنرد فقال: إذا لم يكن قمارا ~~فلا يأس. # حدثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا الفضل بن موسى عن رشدين بن كريب قال: ~~رأيت عكرمة أقيم قائما على اللعب بالنرد. قال إسحاق: إن كان لعبه على غير ~~معنى القمار يريد به التعليم والمكايدة فهو مكروه، ولا يبلغ ذلك إسقاط ~~شهادته. # وروى عبد الملك بن عمير عن إبراهيم بن محمد قال: أخبرني أبي قال: رأيت ~~أبا هريرة يلعب مع أبي بأربعة عشر على ظهر المسجد. # حدثني محمد بن عبيد قال: حدثني علي بن عاصم عن أبي إسحاق الشيباني عن ~~خوات التميمي عن الحارث بن سويد قال: أتى عبد الله بن مسعود رجل فقال: يا ~~أبا عبد الرحمن، إن لي جارا يربي وما يتورع من شيء أصابه، وإني أعسر ~~فأستسلفه، ويدعوني فأجيبه، فقال: كل فلك مهنؤه وعليه وزره. # كان أبو فضاله أسن وشقت عليه الصلاة، فكان يقول: مشقية منصبة، مقيمة ~~مقعدة، لا تزال بصاحبها حتى يضع أكرمه ويرفع أفحشه. # PageV01P445 # قال عبد الله بن القعقاع «1» الأسدي: [طويل] # أتانا بها صفراء يزعم أنها ... زبيب، فصدقناه وهو كذوب # فهل هي إلا ليلة غاب نحسها ... أصلي لربي بعدها وأتوب؟ # وقال آخر: [بسيط] # من ذا يحرم ماء المزن خالطه ... في جوف آنية ماء العناقيد # إني لأكره تشديد الرواة لنا ... فيها ويعجبني قول ابن مسعود # وعيون الأخبار ومتخير الشعر في الشراب يقع في كتابي المؤلف في الأشربة، ~~ولذلك تركت ذكرها. # وكتب بعض الكتاب إلى صديق له في فصل: ونحن نحمد الله إليك فإن عقدة ~~الإسلام في قلوبنا صحيحة، وأواخيه ثابتة، ولقد اجتهد قوم أن يدخلوا قلوبنا ~~من مرض قلوبهم، وأن يلبسوا يقيننا بشكهم، فمنعتنا عصمة الله منهم، وحال ~~توفيقه دونهم، ولنا بعد مذهب في الدعابة جميل، لا يشوبه أذى ولا قذى، يخرج ~~إلى الأنس من العبوس، وإلى الاسترسال من القطوب، ويلحقنا بأحرار الناس ~~وأشرافهم الذين ارتفعوا عن لبسة الرياء والتصنع. ### | التوسط في الأشياء وما يكره من التقصير فيها والغلو. باب التوسط في الدين # حدثني الزيادي قال: حدثنا عبد العزيز الدراوردي قال: حدثني محمد ابن ~~طحلاء عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة قالت: قال النبي صلى الله عليه ~~وسلم: # PageV01P446 # «اكلفوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أفضل العمل ~~أدومه وإن قل» . # حدثني محمد بن يحيى القطعي قال: حدثنا محمد بن علي بن مقدم عن معن ~~الغفاري عن المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~«إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا» . # حدثني القومسي عن أحمد بن يونس عن زهير عن قابوس عن أبيه عن ابن عباس ~~قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدين الحسن والسمت الصالح ~~والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة» . # حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن خالد الحذاء عن ~~أبي قلابة عن مسلم بن يسار أن رفقة من الأشعريين كانوا في سفر، فلما قدموا ~~قالوا: يا رسول الله، ليس أحد بعد رسول الله أفضل من فلان، يصوم النهار، ~~فإذا نزلنا قام يصلي حتى نرتحل، قال: «من كان يمهن له أو يكفيه أو يعمل ~~له؟» قالوا: نحن، قال: «كلكم أفضل منه» . # وروى أبو معاوية عن عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي عليه ~~السلام قال: خياركم كل مفتن تواب. وقال علي أيضا: خير هذه الأمة النمط ~~الأوسط، يرجع إليهم الغالي ويلحق بهم التالي. # وروى وكيع عن محمد بن قيس عن عمرو بن مرة قال: قال حذيفة: # خياركم الذين يأخذون من دنياهم لآخرتهم، ومن آخرتهم لدنياهم. وكان يقال: ~~دين الله بين المقصر والغالي. وقال المطرف لابنه: يا بني، الحسنة بين # PageV01P447 # السيئتين، يعني بين الإفراط والتقصير، وخير الأمور أوساطها، وشر السير ~~الحقحقة «1» . # وفي بعض الحديث المرفوع: ليس خيركم من ترك الدنيا للآخرة ولا الآخرة ~~للدنيا ولكن خيركم من أخذ من هذه وهذه» . وقال: «إن الله بعثني بالحنيفية ~~السهلة، ولم يبعثني بالرهبانية المبتدعة، سنتي الصلاة والنوم، والإفطار ~~والصوم، فمن رغب عن سنتي فليس مني» . وفي الحديث: إن هذا الدين متين فأوغل ~~فيه برفق، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» . # وكان يقال: طالب العلم وعامل البر كآكل الطعام إن أخذ منه قوتا عصمه، وإن ~~أسرف في الأخذ منه بشمه «2» ، وربما كانت فيه منيته، وكآخذ الأدوية التي ~~قصدها شفاء، ومجاوزة القدر فيها السم المميت. # حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن سالم بن أبي حفصة أن ~~ابن أبي نعم كان يهل من السنة إلى السنة ويقول في تلبيته: # لبيك «3» ، لو كان رياء لاضمحل. # حدثني أحمد بن الخليل قال: حدثنا موسى بن مسعود عن سفيان عن أبي إسحاق ~~قال: قال عمر بن ميمون: لو أدرك أصحابنا محمد بن أبي نعم لرجموه، كان يواصل ~~كذا وكذا يوما ويهل بالحج إذا رجع الناس من الحج. # وقال سلمان: القصد والدوام وأنت السابق الجواد. وفي بعض الحديث أن عيسى ~~بن مريم لقي رجلا فقال: ما تصنع؟ قال: أتعبد. قال: من يعود عليك؟ قال: أخي، ~~قال: أخوك أعبد منك. # PageV01P448 # روح بن عبادة عن الحجاج بن الأسود قال: من يدلني على رجل بكاء بالليل ~~بسام بالنهار؟. # وروى أبو أسامة عن حماد بن زيد عن إسحاق بن سويد قال: قال مطرف: أنظروا ~~قوما إذا ذكروا ذكروا بالقراءة فلا تكونوا منهم، وانظروا قوما إذا ذكروا ~~ذكروا بالفجور فلا تكونوا منهم. كونوا بين هؤلاء وهؤلاء. ### | باب التوسط في المداراة والحلم # قرأت في كتاب للهند: بعض المقاربة حزم، وكل المقاربة عجز، كالخشبة ~~المنصوبة في الشمس تمال فيزيد ظلها، ويفرط في الإمالة فينقص الظل. ومن ~~أمثال العرب في هذا: «لا تكن حلوا فتسترط «1» ولا مرا فتلفظ» وأبو زيد ~~يقول: ولا مرا فتعقى «2» ، يقال: أعقى الشيء إذا اشتدت مرارته. # وقال الشاعر: [طويل] # وإني لصعب الرأس غير جموح # وقال آخر في صفة قوس: [رجز] # في كفه معطية منوع # وقال آخر: [رجز] # شريانة تمنع بعد اللين # وقال أبرويز لابنه: إجعل لاقتصادك السلطان على إفراطك، فإنك إذا # PageV01P449 # قدرت الأمور على ذلك وزنتها بميزان الحكمة وقومتها تقويم الثقاف، ولم ~~تجعل للندامة سلطانا على الحلم. # وقال النابغة «1» الجعدي: [طويل] # ولا خير في حلم إذا لم تكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا # وقال آخر: [طويل] # ولا خير في عرض امرىء لا يصونه ... ولا خير في حلم امرىء ذل جانبه # وقال أكثم بن صيفي: الانقباض من الناس مكسبة للعداوة، وإفراط الأنس مكسبة ~~لقرناء السوء. ### | باب التوسط في العقل والرأي # روي في الحديث أن زياد بن أبي سفيان كان كاتبا لأبي موسى الأشعري فعزله ~~عمر عن ذلك، فقال له زياد: أعن عجز عزلتني يا أمير المؤمنين أم عن خيانة؟ ~~فقال: لا عن ذاك ولا عن هذا، ولكني كرهت أن أحمل على العامة فضل عقلك. ~~ويقال: إفراط العقل مضر بالجد «2» . ومن الأمثال المبتذلة: # إستأذن العقل على الجد فقال: إذهب لا حاجة بي إليك. وقال الشاعر: [وافر] # فعش في جد أنوك حالفته ... مقادير يساعدها الصواب # وقال آخر: [سريع] # إن المقادير إذا ساعدت ... ألحقت العاجز بالحازم «3» # PageV01P450 # وقال آخر: [طويل] # أرى زمنا نوكاه أسعد أهله ... ولكنه يشقى به كل عاقل # وقال الحسن: تشبه زياد بعمر وأفرط، وتشبه الحجاج بزياد فأهلك الناس. وقال ~~الحكماء: فضل الأدب في غير دين مهلكة. وفضل الرأي إذا لم يستعمل في رضوان ~~الله ومنفعة الناس قائد إلى الذنوب، والحفظ الزاكي الواعي لغير العلم ~~النافع مضر بالعمل الصالح، والعقل غير المورع عن الذنوب خازن الشيطان. # تنازع اثنان: أحدهما سلطاني والآخر سوقي، فضربه السلطاني فصاح: # واعمراه! ورفع خبره إلى المأمون فأمر بإدخاله عليه، قال: من أين أنت؟ ~~قال: # من أهل فامية «1» ، إن عمر بن الخطاب كان يقول: من كان جاره نبطيا واحتاج ~~إلى ثمنه فليبعه، فإن كنت تطلب سيرة عمر فهذا حكمه فيكم، وأمر له بألف ~~درهم. ### | باب ذم فضل الأدب والقول # قيل لبعض الحكماء: متى يكون الأدب شرا من عدمه؟ قال: إذا كبر الأدب ونقص ~~العقل. وكانوا يكرهون أن يزيد منطق الرجل على عقله. # ويقال: من لم يكن عقله أغلب خصال الخير عليه كان حتفه في أغلب خصال الخير ~~عليه. وقال الشاعر: [متقارب] # رأيت اللسان على أهله ... إذا ساسه الجهل ليثا مغيرا # PageV01P451 # وقال سليمان بن عبد الملك: زيادة منطق على عقل خدعة، وزيادة عقل على منطق ~~هجنة، وأحسن من ذاك ما زين بعضه بعضا. # قال ضرار بن عمرو لابنته حين زوجها: أمسكي عليك الفضلين: فضل الغلمة وفضل ~~الكلام. # وقال عمر بن الخطاب رحمه الله: رحم الله امرأ أمسك فضل القول وقدم فضل ~~العمل. # نزل المنذر بن المنذر في كتيبة موضعا، فقال له رجل: أبيت «1» اللعن إن ~~ذبح رجل هاهنا، إلى أي موضع يبلغ دمه من هذه الرابية؟ فقال المنذر: # المذبوح والله أنت، ولأنظرن أين يبلغ دمك، فقال رجل «2» ممن حضر: «رب ~~كلمة تقول لصاحبها دعني» . # قال زياد على المنبر: إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يقطع بها ذنب عنز مصور ~~ولو بلغت إمامه سفكت دمه. وقال أكثم بن صيفي: مقتل الرجل بين فكيه. وقال ~~الأحنف: حتف الرجل مخبوء تحت لسانه. ### | باب التوسط في الجدة # كان دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أعوذ بك من غنى مبطر ~~ومن فقر ملب أو مرب «3» ، وكذلك اللهم لا غنى يطغي ولا فقرا ينسي. # وقال أبو المعتمر السلمي: الناس ثلاثة أصناف: أغنياء وفقراء وأوساط، # PageV01P452 # فالفقراء موتى إلا من أغناه الله بعز القناعة، والأغنياء سكارى إلا من ~~عصمه الله بتوقع الغير، وأكثر الخير مع أكثر الأوساط وأكثر الشر مع الفقراء ~~والأغنياء لسخف الفقر وبطر الغنى. ومن أمثال العرب في هذا: «بين الممخة «1» ~~والعجفاء» . ### | باب الإقتصاد في الإنفاق والإعطاء # قال الله عز وجل: ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط # «2» ، وقال عز وجل: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك ~~قواما # «3» . # حدثني أحمد بن الخليل عن مسلم بن إبراهيم عن سكين بن عبد العزيز عن ~~إبراهيم بن مسلم عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم: ما عال «4» مقتصد. # وحدثني أيضا عن مسلم قال: حدثنا أبو قدامة الحارث بن عبيد قال: # حدثنا برد بن سنان عن الزهري قال: قال أبو الدرداء: حسن التقدير في ~~المعيشة أفضل من نصف الكسب، ولقط حبا منثورا وقال: إن فقه الرجل رفقه في ~~معيشته. # قال أبو الأسود لولده: لا تجاودوا الله فإنه أجود وأمجد، وإنه لو شاء أن # PageV01P453 # يوسع على الناس كلهم حتى لا يكون محتاج لفعل، فلا تجهدوا أنفسكم في ~~التوسعة فتهلكوا هزلا. # قيل لمحمد بن عمران قاضي المدينة- وهو من ولد طلحة بن عبيد الله-: إنك ~~تنسب إلى البخل، فقال: والله إني لا أحمد في الحق ولا أذوب في الباطل. وكان ~~يقال: لا تصن كثيرا عن حق ولا تنفق قليلا في باطل. ومن أمثال العرب في ذلك ~~«لا وكس ولا شطط» «1» و «إذا جد السؤال جد المنع» . # وقال الشاعر: [طويل] # إلا أكن كل الجواد فإنني ... على الزاد في الظلماء غير لئيم # وإلا أكن كل الشجاع فإنني ... أرد سنان الرمح غير سليم # وقد علمت عليا هوازن أنني ... فتاها وسفلى عامر وتميم # قال معاوية: ما رأيت سرفا «2» قط إلا وإلى جانبه حق مضيع. ### | أفعال من أفعال السادة والأشراف # حدثني الرياشي قال: حدثنا الأصمعي قال: حدثنا ابن عمران قاضي المدينة أن ~~طلحة كان يقال له: طلحة الخير، وطلحة الفياض، وطلحة الطلحات وأنه فدى عشرة ~~من أسارى بدر وجاء يمشي بينهم، وأنه سئل برحم فقال: ما سئلت بهذه الرحم قبل ~~اليوم، وقد بعت حائطا لي بتسعمائة ألف درهم وأنا فيه بالخيار، فإن شئت ~~ارتجعته وأعطيتكه، وإن شئت أعطيتك ثمنه. # PageV01P454 # حدثني سهل بن محمد عن الأصمعي قال: أخبرني شيخ من مشيختنا،- وربما قال: ~~هارون الأعور- أن قتيبة بن مسلم قال: أرسلني أبي إلى ضرار بن القعقاع بن ~~معبد بن زرارة فقال: قل له قد كان في قومك دماء وجراح، وقد أحبوا أن تحضر ~~المسجد فيمن يحضر، قال: فأتيته فأبلغته فقال يا جارية: غديني، فجاءت بأرغفة ~~خشن فثردتهن في مريس «1» ثم برقتهن «2» فأكل. قال قتيبة: فجعل شأنه يصغر في ~~عيني ونفسي، ثم مسح يده وقال: # الحمد لله، حنطة الأهواز وتمر الفرات وزيت الشام، ثم أخذ نعليه وارتدى، ~~ثم انطلق معي وأتى المسجد الجامع فصلى ركعتين ثم احتبى، فما رأته حلقة إلا ~~تقوضت إليه، فاجتمع الطالبون والمطلوبون فأكثروا الكلام، فقال: إلى ماذا ~~صار أمرهم؟ قالوا: إلى كذا وكذا من إبل، قال: هي علي، ثم قام. # الهيثم عن ابن عباس قال: كان معد يكرب بن أبرهة جالسا مع عبد العزيز بن ~~مرون على سريره فأتي بفتيان قد شربوا الخمر، فقال: يا أعداء الله، أتشربون ~~الخمر! فقال معد يكرب: أنشدك الله أن لا تفضح هؤلاء، فقال: # إن الحق في هؤلاء وفي غيرهم واحد، فقال معديكرب: يا غلام صب من شرابهم في ~~القدح، فصب له فشربه وقال: والله ما شرابنا في منازلنا إلا هذا. # فقال عبد العزيز: خلوا عنهم، فقيل له حين انصرفوا: شربت الخمر! فقال: # أما والله إن الله ليعلم أني لم أشربها قط في سر ولا علانية، ولكني كرهت ~~أن يفضح مثل هؤلاء بمحضري. # وحدثني شيخ لنا قال: مدح شاعر الحسن بن سهل فقال له: احتكم، وظن أن همته ~~قصيرة، فقال: ألف ناقة، فوجز الحسن ولم يمكنه، وكره أن # PageV01P455 # يفتضح وقال: يا هذا إن بلادنا ليست بلاد إبل، ولكن ما قال امرؤ القيس: # [وافر] # إذا ما لم يكن إبل فمعزى ... كأن قرون جلتها العصي # قد أمرت لك بألف شاة، فالق يحيى بن خاقان، فأعطاه بكل شاة دينارا. # قال: وقدم زائر على أبي دلف فأمر له بألف دينار وكسوة ثم قال: [كامل] # أعجلتنا فأتاك عاجل برنا ... قلا ولو أمهلتنا لم يقلل # فخذ القليل وكن كأنك لم تقل ... شيئا، ونحن كأننا لم نفعل # وقال بعض الشعراء: [خفيف] # ليس جود الفتيان من فضل مال ... إنما الجود للمقل المواسي # وقال دعبل «1» في نحوه: [طويل] # لئن كنت لا تولي يدا دون إمرة ... فلست بمول نائلا آخر الدهر # فأي إناء لم يفض عند ملئه! * وأي بخيل لم ينل ساعة الوفر! # وليس الفتى المعطي على اليسر وحده ... ولكنه المعطي على العسر واليسر # ابن الكلبي قال: أخبرني غير واحد من قريش قالوا: أراد عبد الله وعبيد ~~الله ابنا العباس أن يقتسما ميراثهما من أبيهما بمكة، فدعي القاسم ليقسم، ~~فلما مد الحبل قال له عبد الله: أقم المطمر «2» . فقال له عبيد الله: يا ~~أخي، الدار دراك لا يمد والله فيها اليوم مطمر. وكان يقال: من أراد العلم # PageV01P456 # والسخاء والجمال فليأت دار العباس، كان عبد الله أعلم الناس، وعبيد الله ~~أسخى الناس، والفضل أجمل الناس. # باع عبد الله بن عتبة أرضا بثمانين ألفا، فقيل له: لو اتخذت لولدك من هذا ~~المال ذخرا! فقال: أنا أجعل هذا المال ذخرا لي عند الله، وأجعل الله ذخرا ~~لولدي، وقسم المال. # ويقال: إن أول ما عرف به سؤدد خالد بن عبد الله القسري أنه مر في بعض طرق ~~دمشق وهو غلام فأوطأ فرسه صبيا فوقف عليه، فلما رآه لا يتحرك أمر غلامه ~~فحمله، ثم انتهى به أول مجلس مر به فقال: إن حدث بهذا الغلام حدث الموت ~~فأنا صاحبه، أو طأته فرسي ولم أعلم. # قال عدي بن حاتم لابن له حدث: قم بالباب فامنع من لا تعرف وأذن لمن تعرف، ~~فقال: لا والله، لا يكون أول شيء وليته من أمر الدنيا منع قوم من الطعام. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: ضاف بني زياد العبسيين ضيف، فلم يشعروا ~~إلا وقد احتضن أمهم من خلفها، فرفع ذلك إلى ربيع بن زياد الكامل فقال: لا ~~يضار الليلة عائذ أمي، أنه عاذ بحقويها «1» . # المدائني قال: أحدث رجل في الصلاة خلف عمر بن الخطاب، فلما سلم عمر قال: ~~أعزم على صاحب الضرطة إلا قام فتوضأ وصلى، فلم يقم أحد، فقال جرير بن عبد ~~الله: يا أمير المؤمنين، إعزم على نفسك وعلينا أن نتوضأ ثم نعيد الصلاة، ~~فأما نحن فتصير لنا نافلة، وأما صاحبنا فيقضي # PageV01P457 # صلاته، فقال عمر: رحمك الله، إن كنت لشريفا في الجاهلية فقيها في ~~الإسلام. # كان عبد الله بن جدعان التيمي حين كبر أخذ بنو تيم عليه ومنعوه أن يعطي ~~شيئا من ماله، فكان الرجل إذا أتاه يطلب منه قال: أدن مني، فإذا دنا منه ~~لطمه ثم قال: إذهب فاطلب بلطمتك أو ترضى، فترضيه بنو تيم من ماله. # وفيه يقول ابن قيس «1» الرقيات: [خفيف] # والذي إن أشار نحوك لطما ... تبع اللطم نائل وعطاء # وابن جدعان «2» هو القائل: [بسيط] # إني وإن لم ينل مالي مدى خلقي ... وهاب ما ملكت كفي من المال # لا أحبس المال إلا ريث أتلفه ... ولا تغيرني حال عن الحال # الهيثم عن حماد الراوية عن مشايخ طيء قالوا: كانت عتبه «3» بنت عفيف أم ~~حاتم لا تليق «4» شيئا سخاء وجودا، فمنعها إخوتها من ذلك فأبت، وكانت موسرة ~~فحبسوها في بيت سنة يطعمونها قوتها رجاء أن تكف، ثم أخرجوها بعد سنة وظنوا ~~أنها قد أقصرت ودفعوا إليها صرمة «5» ، فأتتها امرأة من هوازن فسألتها ~~فأعطتها الصرمة وقالت: والله لقد مسني من الجوع ما آليت معه ألا أمنع سائلا ~~شيئا. وقالت: # PageV01P458 # [طويل] # لعمري لقدما عضني الجوع عضة ... فآليت ألا أمنع الدهر جائعا # فقولا لهذا اللائمي الآن أعفني ... فإن أنت لم تفعل فعض الأصابعا # فماذا عساكم أن تقولوا لأختكم ... سوى عذلكم أو عذل من كان مانعا # ولا ما ترون الدهر إلا طبيعة ... فكيف بتركي يا ابن أم الطبائعا «1» # ابن الكلبي عن أبيه عن رجالات طيء قالوا: كان حاتم جوادا شاعرا، وكان ~~حيثما نزل عرف منزله، وكان ظفرا إذا قاتل غلب، وإذا غنم أنهب، وإذا سئل ~~وهب، وإذا ضرب بالقداح سبق، وإذا أسر أطلق، وكان أقسم بالله: لا يقتل واحد ~~أمه. # أبو اليقظان قال: أخذ عبيد الله بن زياد عروة «2» بن أدية أخا أبي بلال ~~فقطع يديه ورجليه وصلبه على باب داره، فقال لأهله: أنظروا هؤلاء الموكلين ~~بي فأحسنوا إليهم فإنهم أضيافكم. # سفيان بن عيينة قال: كان سعيد بن العاص إذا أتاه سائل فلم يك عنده ما سأل ~~قال: أكتب علي بمسألتك سجلا إلى أيام يسري. # باع أعرابي ناقة له من مالك بن أسماء، فلما صار الثمن في يده نظر إليها ~~فذرفت عيناه، ثم قال: [طويل] # وقد تنزع الحاجات يا أم معمر ... كرائم من رب بهن ضنين # فقال له مالك: خذ ناقتك وقد سوغتك الثمن. اشترى عبيد الله بن أبي # PageV01P459 # بكرة جارية نفيسة فطلبت دابة تحمل عليها فلم توجد، فجاء رجل بدابة ~~فحملها، فقال له عبيد الله: إذهب بالجارية إلى منزلك. باع ثابت بن عبيد ~~الله ابن أبي بكرة دار الصفاق «1» من مقاتل بن مسمع نسيئة ثم اقتضاه فلزمه ~~في دار أبيه، فرآه عبيد الله فقال: ما لك؟ قال: حبسني ابنك. قال: بم؟ قال: ~~بثمن دار الصفاق، قال: يا ثابت، أما وجدت لغرمائك محبسا إلا داري؟ إدفع ~~إليه صكه وأعوضك. قيل لرجل: ما لك تنزل في الأطراف؟ فقال: منازل الأشراف في ~~الأطراف يتناولون ما يريدون بالقدرة ويتناولهم من يريدهم بالحاجة. لما كبر ~~عدي بن حاتم آذاه برد الأرض وكان رجلا لحيما «2» فنهشت الأرض فخذيه فجمع ~~قومه فقال: يا بني ثعل «3» ، إني لست بخيركم إلا أن تروا ذلك فقد كان أبي ~~بمكان لم يكن به أحد من قومه، بنى لكم الشرف ونفى عنك العار فأصبح الطائي ~~إذا فعل خيرا قال العرب: من حي لا يحمدون على الجود ولا يعذرون على البخل، ~~وقد بلغت من السن ما ترون وآذاني برد الأرض فأذنوا لي في وطاء «4» فوالله ~~ما أريده فخرا عليكم ولا احتقارا لكم، وسأخبركم: ما على من وضع طنفسة «5» ~~وقعد حوله إلا أن الحق عليه أن يذل في عرضه وينخدع في ماله ولا يحسد شريفا ~~ولا يحقر وضيعا، فقال القوم: دعنا اليوم، ثم غدوا عليه فقالوا: يا أبا طريف ~~ضع الطنفسة والبس التاج، فبلغ ابن دارة «6» الشاعر فأتاه # PageV01P460 # وقال: قد مدحتك، فقال: أمسك عليك حتى أنبئك بمالي فتمدحني على حسبه، لي ~~ألف ضائنة «1» وألفا درهم وثلاثة أعبد، وفرسي هذا حبيس في سبيل الله، هات ~~الآن فقال: [طويل] # تحن قلوصي «2» في معد وإنما ... تلاقي الربيع في ديار بني ثعل # وأبقى الليالي من عدي بن حاتم ... حساما كلون الملح سل من الخلل # أبوك جواد ما يشق غباره ... وإن جواد لست تعذر بالعلل # فإن تفعلوا شرا فمثلكم أتقى ... وإخ تفعلوا خيرا فمثلكمو فعل # فقال: أمسك عليك، لا يبلغ مالي أكثر من هذا، وشاطره ما له. # جاء رجل إلى معن فاستحمله عيرا فقال معن: يا غلام، أعطه عيرا «3» وبغلا ~~وبرذونا وفرسا وبعيرا وجارية، ولو عرفت مركوبا غير هذا لأعطيتكه. # وكان يقال: حدث عن البحر ولا حرج وعن بني إسرائيل ولا حرج وعن معن ولا ~~حرج. قال رجل من كلب للحكم بن عوانة وهو على السند: إنما أنت عبد، فقال ~~الحكم: والله لأعطينك عطية لا يعطيها العبد فأعطاه مائة رأس من السبي. ~~وقرأت في بعض كتب العجم أن جامات «4» كسرى التي كان يأكل فيها كانت من ذهب، ~~فسرق رجل من أصحابه جاما وكسرى ينظر إليه، فلما رفعت الموائد افتقد الطباخ ~~الجام فرجع يطلبها، فقال له كسرى: لا تتعن فقد أخذها من لا يردها ورآه من ~~لا يفشي عليه، ثم دخل عليه الرجل بعد ذلك وقد حلى سيفه ومنطقته ذهبا، فقال ~~له كسرى بالفارسية: يا فلان، هذا، يعني السيف، من # PageV01P461 # ذاك قال: نعم وهذا، وأشار إلى منطقته. قالوا: لم يكن لخالد بن برمك أخ ~~إلا بنى له دارا على قدر كفايته ووقف على أولاد الإخوان ما يعيشهم أبدا ولم ~~يكن لإخوانه ولد إلا من جارية هو وهبها له. # بلغ ابن المقفع أن جارا له يبيع دارا له لدين ركبه وكان يجلس في ظل داره، ~~فقال: ما قمت إدا «1» بحرمة ظل داره إن باعها معدما وبت واجدا، فحمل إليه ~~ثمن الدار وقال: لا تبع. قال أبو اليقظان: باع نهيك بن مالك بن معاوية إبله ~~وانطلق بثمنها إلى منى فجعل ينهبه، والناس يقولون: مجنون، فقال: لست بمجنون ~~ولكني سمح أنهبكم مالي إذا عز الفتح. قال: وأتى عبد الله بن جعفر قهرمانه ~~بحسابه فكان في أوله حبل بخمسين درهما، فقال عبد الله: لقد غلت الحبال، ~~فقال القهرمان: إنه أبرق، فقال عبد الله: إن كان أبرق فأنا أجيزه، فهو الآن ~~مثل مضروب بالمدينة. كان أبو سفيان إذا نزل به جار قال له: يا هذا، إنك قد ~~اخترتني جارا فجناية يدك علي دونك، وإن جنت عليك يد فاحتكم علي حكم الصبي ~~على أهله. وقال بعض الشعراء: # [طويل] # همو خلطوني بالنفوس ودافعوا ... ورائي بركن ذي مناكب مدفع # وقالوا تعلم أن مالك إن يصب ... يعدك وإن تحبس يردك ويشفع # وروى عبد الله بن بكر السهمي عن حاتم بن أبي صغيرة عن حبيب بن أبي ثابت ~~أن الحارث بن هشام وعكرمة بن أبي جهل وعياش بن أبي ربيعة خرجوا يوم اليرموك ~~حتى انبتوا، فدعا الحارث بن هشام بماء ليشربه، فنظر إليه عكرمة فقال: ادفعه ~~إلى عكرمة فنظر إليه عياش فقال عكرمة: إدفعه إلى # PageV01P462 # عياش، فما وصل إلى عياش حتى مات ولا عاد إليه حتى ماتوا، فسمي هذا حديث ~~الكرام وهذا الحديث عندي موضوع لأن أهل السيرة يذكرون أن عكرمة قتل يوم ~~أجنادين وعياش مات بمكة، والحارث مات بالشام في طاعون عمواس. # أعطى رجل امرأة سألته مالا عظيما، فلاموه وقالوا: إنها لا تعرفك وإنما ~~كان يرضيها اليسير، فقال: إن كانت ترضى باليسير فإني لا أرضى إلا بالكثير ~~وإن كانت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي. # قال بعض الشعراء: [طويل] # وما خير مال لا يقي الذم ربه ... ونفس امرئ في حقها لا يهينا # وقال عبد الله بن معاوية بن عبد الله «1» بن جعفر: [وافر] # أرى نفسي تتوق إلى أمور ... ويقصر دون مبلغهن حالي # فنفسي لا تطاوعني ببخل ... ومالي لا يبلغني فعالي # وقال أيضا: [بسيط] # ولا أقول نعم يوما فأتبعها ... منعا ولو ذهبت بالمال والولد # ولا اؤتمنت في سر فبحت به ... ولا مددت إلى غير الجميل يدي # وقال كعب «2» بن سعد الغنوي: [طويل] # وذي ندب دامي الأظل «3» قسمته ... محافظة بيني وبين زميلي # PageV01P463 # وزاد رفعت الكف عنه تجملا ... لأوثر في زادي علي أكيلي # وما أنا للشيء الذي ليس نافعي ... ويغضب منه صاحبي بقؤول # وقال زهير «1» : [طويل] # وأبيض فياض يداه غمامة ... على معتفيه ما تغب «2» نوافله «3» # غدوت عليه غدوة فوجدته ... قعودا لديه بالصريم عواذله # فأعرضن منه عن كريم مرزا ... جموع على الأمر الذي هو فاعله # أخي «4» ثقة لا تذهب الخمر ماله ... ولكنه قد يذهب المال نائله # تراه إذا ما جئته متهللا ... كأنك تعطيه الذي أنت سائله # المدائني قال: أضل فيروز بن حصين سوطه يوما، فأعطاه رجل سوطا فأمر له ~~بألف درهم، ثم أتاه بعد حول فقال: من أنت؟ قال: صاحب السوط فأمر له بألف ~~درهم، ثم أتاه بعد حول فقال: من أنت؟ قال: صاحب السوط، قال: أعطوه ألف درهم ~~ومائة سوط فانقطع عنه. قال الشاعر: [بسيط] # إني حمدت بني شيبان إذ خمدت ... نيران قومي فشبت فيهم النار # ومن تكرمهم في المحل أنهم ... لا يحسب الجار فيهم أنه جار # وقال آخر: [طويل] # نزلت على آل المهلب شاتيا ... بعيدا قصي الدار في زمن محل # فما زال بي إلطافهم وافتقادهم ... وإكرامهم حتى حسبتهمو أهلي # PageV01P464 # وقال آخر: [طويل] # إذا كان لي شيئان يا أم مالك ... فإن لجاري منهما ما تخيرا # وقال عمرو «1» بن الأهتم: [طويل] # ذريني فإن الشح يا أم هيثم ... لصالح أخلاق الرجال سروق # ذريني وحطي «2» في هواي فإنني ... على الحسب العالي الرفيع شفيق # ومستمنح بعد الهدوء دعوته ... وقد كان من ساري الشتاء طروق # فقلت له أهلا وسهلا ومرحبا ... فهذا مبيت صالح وصديق # أضفت فلم أفحش عليه ولم أقل ... لأحرمه إن الفناء مضيق # لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ... ولكن أخلاق الرجال تضيق «3» # كان يقال: للعباس بن عبد المطلب ثوب لعاري بني هاشم، وجفنة لجاره ومقطرة ~~«4» لجاهلهم. قال بكر «5» بن النطاح: [طويل] # لو خذلت أمواله جود كفه ... لقاسم من يرجوه بعض حياته # ولو لم يجد في العمر قسما لزائر ... لجاد له بالشطر من حسناته # وقال الفرزدق «6» : [كامل] # إن المهالبة الكرام تحملوا ... دفع المكاره عن ذوي المكروه # زانوا قديمهمو بحسن حديثهم ... وكريم أخلاق بحسن وجوه # PageV01P465 # كان يقال: الشرف في السرف. قال عامر «1» بن الطفيل: [طويل] # إذا نزلت بالناس يوما ملمة ... تسوق من الأيام داهية إدا «2» # دلفنا لها حتى نقوم ميلها ... ولم نهد عنها بالأسنة أو تهدا # وكم مظهر بغضاءنا ود أنه ... إذا ما التقينا كان أخفى الذي أبدى # مطاعيم في اللأواء مطاعين في الوغى «3» ... شمائلنا تنكي وأيماننا تندى # وقال حاتم طيء: [طويل] # أكف يدي من أن تنال أكفهم ... إذا ما مددناها وحاجتنا معا # وإني لأستحيي رفيقي أن يرى ... مكان يدي من جانب الزاد أقرعا # وقال جابر «4» بن حيان: [طويل] # فإن يقتسم مالي بني ونسوتي ... فلن يقسموا خلقي الكريم ولا فعلي # وما وجد الأضياف فيما ينوبهم ... لهم عند علات النفوس أبا مثلي # أهين لهم مالي وأعلم أنني ... سأورثه الأحياء سيرة من قبلي # كان سعيد بن عمرو مؤاخيا ليزيد بن المهلب، فلما حبس عمر بن عبد العزيز ~~يزيد ومنع من الدخول عليه، أتاه سعيد فقال: يا أمير المؤمنين، لي # PageV01P466 # على يزيد خمسون ألف درهم وقد حلت بيني وبينه، فإن رأيت أن تأذن لي ~~فأقتضيه؟ فإذن له فدخل عليه فسر به يزيد، وقال: كيف وصلت إلي، فأخبره، فقال ~~يزيد: والله لا تخرج إلا وهي معك فامتنع سعيد فحلف يزيد ليقبضنها، فقال عدي ~~«1» بن الرقاع: [طويل] # لم أر محبوسا من الناس واحدا ... حبا «2» زائرا في السجن غير يزيد # سعيد بن عمرو إذ أتاه أجازه ... بخمسين ألفا عجلت لسعيد # وقال بعض الشعراء: [طويل] # وإني لحلال بي الحق، أتقي ... إذا نزل الأضياف أن أتجهما # إذا لم تذد ألبانها عن لحومها ... حلبنا لهم منها بأسيافنا دما # دخل شاعر على المهدي فامتدحه، فأمر له بمال فلما قبضه فرقه على من حضر ~~وقال: [طويل] # لمست بكفي كفه أبتغي الغنى ... وما خلت أن الجود من كفه يعدي # فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغنى ... أفدت وأعداني فبددت ما عندي # أخبرني أبو الحسن علي بن هارون الهاشمي قال: أخبرني وكيع قال: # حدثني أبو العيناء قال: كان بالبصرة لنا صديق يهودي وكان ذا مال وقد تأدب ~~وقال الشعر وعرف شيئا من العلوم وكان له ولد ذكور، فلما حضرته الوفاة جمع ~~ماله وفرقه على أهل العلم والأدب ولم يترك لولده ميراثا فعوتب على ذلك ~~فقال: # PageV01P467 # [منسرح] # رأيت مالي أبر من ولدي ... فاليوم لا نحلة ولا صدقه # من كان منهم لها فأبعده الل ... ه ومن كان صالحا رزقه # وحدثني الأخفش بهذا الخبر عن المبرد عن الرياشي والله أعلم. # أنجز الجزء الأول ويتلوه الجزء الثاني. # PageV01P468 ### | الجزء الثانى ### | كتاب الطبائع والأخلاق المذمومة ### | تشابه الناس في الطبائع وذمهم # حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا يحيى بن هشام الغساني عن إسماعيل بن أبي ~~خالد عن مصعب بن سعد قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الناس بأزمانهم ~~أشبه منهم بآبائهم. قال: وحدثني حسين بن الحسن المروزي قال: حدثنا عبد الله ~~بن المبارك عن سفيان قال: قال أبو الدرداء: # «وجدت الناس اخبر تقله» «1» . # قال: حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا شريح بن النعمان عن المعافى ابن عمر ~~أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بقوم يتبعون رجلا قد أخذ في ريبة فقال: ~~لا مرحبا بهذه الوجوه التي لا ترى إلا في الشر. # قال: وحدثني محمد بن داود قال: حدثنا الصلت بن مسعود قال: # حدثنا عثام بن علي عن الأعمش عن أبي إسحاق عن عبيدة أن الوليد السوائي ~~قال: لغط قوم عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقيل: يا رسول الله، لو ~~نهيتهم! فقال: لو نهيتهم أن يأتوا الحجون «2» لأتاه بعضهم ولو لم تكن له ~~حاجة. # PageV02P003 # قال: وحدثنا عن عفان عن مهدي بن ميمون عن غيلان بن جرير قال: # قال مطرف: هم الناس وهم النسناس «1» وناس غمسوا في ماء الناس. # قال يونس بن عبيد: لو أمرنا بالجزع لصبرنا. # وكان يقال: لو نهي الناس عن فت البعر لفتوه، وقالوا: ما نهينا عنه إلا ~~وفيه شيء. وقال الشاعر: [وافر] # ولما أن أتيت بني جوين ... جلوسا ليس بينهمو جليس # يئست من التي أقبلت أبغي ... لديهمو، إنني رجل يؤوس «2» # إذا ما قلت أيهمو لأي ... تشابهت المناكب والرؤوس # ويقال: لا يزال الناس بخير ما تباينوا فإذا تساووا هلكوا «3» . # وقال آخر: [رجز] # الناس أسواء وشتى في الشيم ... وكلهم يجمعهم بيت الأدم «4» # وقال آخر: [طويل] # سواء، كأسنان الحمار فلا ترى، ... لذي شيبة منهم على ناشيء، فضلا «5» # PageV02P004 # وقال آخر: # «سواسية كأسنان الحمار» «1» # وكان يقال: # «المرء تواق إلى ما لم ينل» «2» # والعجم تقول: كل عز دخل تحت القدرة فهو ذليل. # وقالوا: كل مقدور عليه مملول محقور. # وقال الشاعر: [بسيط] # وزاده كلفا بالحب أن منعت ... أحب شيء إلى الإنسان ما منعا «3» # وقال آخر [طويل] # ترى الناس أسواء إذا جلسوا معا ... وفي الناس زيف مثل زيف الدراهم # ويقال: الناس سيل وأسراب طير يتبع بعضها بعضا. # وقال طرفة: [سريع] # كل خليل كنت خاللته ... لا ترك الله له واضحه # كلهم أروغ من ثعلب ... ما أشبه الليلة بالبارحه # PageV02P005 # وقال آخر [وافر] # فإنك لا يضرك بعد حول ... أظبي كان أمك أم حمار # فقد لحق الأسافل بالأعالي ... وماج اللؤم واختلط النجار # وعاد العبد مثل أبي قبيس ... وسيق مع المعلهجة العشار «1» # يقول: سيقت الإبل الحوامل في مهر اللئيمة. # قال أبو محمد: بلغني عن إسماعيل بن محمد بن جحادة عن أبيه قال: # كنت عند الحسن فقال: أسمع حسيسا ولا أرى أنيسا، صبيان حيارى ما لهم ~~تفاقدوا عقولهم وفراش نار وذبان طمع. # وقال أبو حاتم عن الأصمعي: لو قسمت في الناس مائة ألف درهم كان أكثر ~~للائمتى من لو أخذتها منهم. # ونحوه قول محمد بن الجهم: منع الجميع أرضى للجميع. # وقال ابن بشير «2» (مجزوء المديد) # سوءة للناس كلهم ... أنا في هذا من أولهم # لست تدري حين تنسبهم ... أين أدناهم من أفضلهم # وقال نهار «3» بن توسعة (طويل) # عتبت على سلم فلما فقدته ... وجربت أقواما بكيت على سلم # PageV02P006 # وهذا مثل قولهم: ما بكيت من زمان إلا بكيت عليه. # وقال الأحنف «1» بن قيس (طويل) # وما مر يوم أرتجي فيه راحة ... فأخبره إلا بكيت على أمس # وقال آخر (طويل) # ونعتب أحيانا عليه ولو مضى ... لكنا على الباقي من الناس أعيبا # وقال آخر (وافر) # سبكناه ونحسبه لجينا ... فأبدى الكير عن خبث الحديد # قال: وحدثني أبو حاتم قال: حدثني الأصمعي عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال: ~~لا يزال في الناس بقية ما تعجب من العجب. ### | رجوع المتخلق إلى طبعه # بلغني أن أعرابيا ربى جرو ذئب حتى شب وظن أنه يكون أغنى عنه من الكلب ~~وأقوى على الذب عن الماشية فلما قوي وثب على شاة فقتلها وأكل منها فقال ~~الأعرابي (وافر) # أكلت شويهتي وربيت فينا ... فما أدراك أن أباك ذيب # ويروى «2» : # ولدت بقفرة ونشأت عندي ... إذا كان الطباع طباع سوء # فليس بنافع فيها الأديب # PageV02P007 # وقال الخريمي «1» [متقارب] # يلام أبو الفضل في وجوده ... وهل يملك البحر ألا يفيضا؟ # وقال أبو الأسد «2» [طويل] # ولائمة لامتك يا فيض في الندى ... فقلت لها هل يقدح اللوم في البحر؟ # أرادت لتثني الفيض عن عادة الندى ... ومن ذا الذي يثني السحاب عن القطر # مواقع جود الفيض في كل بلدة ... مواقع ماء المزن في البلد القفر # وقال كثير [طويل] # ومن يبتدع ما ليس من سوس نفسه ... يدعه ويغلبه على النفس خيمها «3» # وقال زهير [طويل] # ومهما تكن عند آمريء من خليقة ... وإن خالها تخفى على الناس تعلم # وأنشدني ابن الأعرابي لذي الإصبع «4» العدواني [بسيط] # كل امرىء راجع لشيمته ... وإن تخلق أخلاقا إلى حين # وقال آخر [بسيط] # ارجع إلى خلقك المعروف ديدنه «5» ... إن التخلق يأبى دونه الخلق # وقال كثير في خلاف هذا [طويل] # وفي الحلم والإسلام للمرء وازع ... وفي ترك أهواء الفؤاد المتيم # PageV02P008 # بصائر رشد للفتى مستبينة ... وأخلاق صدق علمها بالتعلم # ونحوه للمتلمس «1» [طويل] # تجاوز عن الأدنين «2» واستبق ودهم ... ولن تستطيع الحلم حتى تحلما # وقال الطائي [كامل] # لبس الشجاعة إنها كانت له ... قدما نشوعا في الصبا ولدودا «3» # بأسا قبيليا وبأس تكرم ... فينا وبأس قريحة مولودا # وقال أبو جعفر الشطرنجي مولى المهدي في سوداء «4» [سريع] # أشبهك المسك وأشبهته ... قائمة في لونه قاعده # لا شك إذ لونكما واحد ... أنكما من طينة واحده «5» # وقال أبو نواس [كامل] # تلقى الندى في غيره عرضا ... وتراه فيه طبيعة أصلا # وإذا قرنت بعاقل أملا ... كانت نتيجة قوله فعلا # وأنشدنا الرياشي [منسرح] # لا تصحبن امرءا على حسب ... إني رأيت الأحساب قد دخلت # مالك من أن يقال إن له ... أبا كريما في أمة سلفت # PageV02P009 # بل اصحبنه على طبائعه ... فكل نفس تجري كما طبعت # وقال العباس بن مرداس «1» [متقارب] # إنك لم تك كابن الشريد ... ولكن أبوك أبو سالم # حملت المئين وأثقالها ... على أذني قنفذ رازم «2» # وأشبهت جدك شر الجدو ... د والعرق يسري إلى النائم # وقال بعض العبديين [طويل] # وما يستوي المرءان هذا ابن حرة ... وهذا ابن أخرى ظهرها متشرك # وأدركه خالاته فخذلته ... ألا إن عرق السوء لا بد يدرك ### | باب الشيء يفرط فينتقل إلى غير طبعه # قرأت في كتاب للهند: لا ينبغي اللجاج في إسقاط الهمة والرأي وإذالته فإنه ~~إما شرس الطبع كالحية إن وطئت فلم تلسع لم يغتر بها فيعاد لوطئها، وإما سجح ~~«3» الطبع كالصندل «4» البارد إن أفرط في حكه عاد حارا مؤذيا. وقال أبو ~~نواس [منسرح] # قل لزهير إذا حدا وشدا ... أقلل وأكثر فأنت مهذار # سخنت من شدة البرودة حت ... ى صرت عندي كأنك النار # لا يعجب السامعون من صفتي ... كذلك الثلج بارد حار # PageV02P010 # ويقال: إنما ملح القرد عند الناس لإفراط قبحه. قال الطائي [بسيط] # أخرجتموه بكره من سجيته ... والنار قد تنتضى من ناضر السلم # أمن عمى نزل الناس الربى فنجوا ... وأنتمو نصب سيل الفتنة العرم «1» # أم ذاك من همم جاشت فكم ضعة ... حدا إليها غلو القوم في الهمم # وكان يقال: من التوقي ترك الإفراط في التوقي. ### | باب الحسد # قال: حدثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل ~~بن أمية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يسلم منهن أحد ~~الطيرة والظن والحسد قيل: فما المخرج منهن يا رسول الله؟ قال: إذا تطيرت ~~فلا ترجع وإذا ظننت فلا تحقق وإذا حسدت فلا تبغ» . وقال بكر بن عبد الله: # حصتك من الباغي حسن المكاشرة، وذنبك إلى الحاسد دوام النعم من الله عليك. ~~وقال روح بن زنباع الجذامي: كنت أرى قوما دوني في المنزلة عند السلطان ~~يدخلون مداخل لا أدخلها فلما أذهبت عني الحسد دخلت حيث دخلوا. وقال ابن ~~حمام [طويل] # تمنى لي الموت المعجل خالد ... ولا خير فيمن ليس يعرف حاسده «2» # وقال الطائي [كامل] # وإذا أراد الله نشر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود # PageV02P011 # لولا اشتعال النار فيما جاورت ... ما كان يعرف طيب عرف العود # لولا التخوف للعواقب لم تزل ... للحاسد النعمى على المحسود # وقال عبد الملك للحجاج: إنه ليس من أحد إلا وهو يعرف عيب نفسه فعب نفسك ~~قال: أعفني يا أمير المؤمنين. قال: لتفعلن. قال: أنا لجوج حقود حسود، قال ~~عبد الملك: ما في الشيطان شر مما ذكرت. قال بعض الحكماء: الحسد من تعادي ~~الطبائع واحتلاف التركيب وفساد مزاج البنية وضعف عقد العقل والحاسد طويل ~~الحسرات. # قال ابن المقفع: أقل ما لتارك الحسد في تركه أن يصرف عن نفسه عذابا ليس ~~بمدرك به حظا ولا غائظ به عدوا، فإنا لم نر ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد، ~~طول أسف ومحالفة كآبة وشدة تحرق، ولا يبرح زاريا على نعمة الله ولا يجد لها ~~مزالا ويكدر على نفسه ما به من النعمة فلا يجد لها طعما ولا يزال ساخطا على ~~من لا يترضاه ومتسخطا لما لن ينال فوقه، فهو منغص المعيشة دائم السخطة ~~محروم الطلبة، لا بما قسم له يقنع ولا على ما لم يقسم له يغلب، والمحسود ~~يتقلب في فضل الله مباشرا للسرور منتفعا به ممهلا فيه إلى مدة ولا يقدر ~~الناس لها على قطع وانتقاص. # قيل للحسن البصري: أيحسد المؤمن أخاه؟ قال: لا أبا لك «1» ، أنسيت إخوة ~~يوسف؟ وكان يقال: إذا أردت أن تسلم من الحاسد فعم عليه أمورك. # ويقال: إذا أراد الله أن يسلط على عبده عدوا لا يرحمه سلط عليه حاسدا. # وقال العتبي «2» - وذكر ولده الذين ماتوا-[متقارب] # PageV02P012 # وحتى بكى لي حسادهم ... وقد أقرحوا بالدموع العيونا # وحسبك من حادث بامرىء ... يرى حاسديه له راحمينا # قيل لسفيان بن معاوية: ما أسرع حسد الناس إلى قومك! فقال: # [بسيط] # إن العرانين تلقاها محسدة ... ولا ترى للئام الناس حسادا # وقال آخر: [كامل] # وترى اللبيب محسدا لم يجترم ... شتم الرجال وعرضه مشتوم # حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... فالقوم أعداء له وخصوم # كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسدا وظلما إنه لذميم # وقال يحيى بن خالد: الحاسد عدو مهين لا يدرك وتره إلا بالتمني. قيل ~~لبعضهم: أي الأعداء لا تحب أن يعود لك صديقا؟ قال: من سبب عداوته النعمة. ~~وقال الأحنف: لا صديق لملول «1» ولا وفاء لكذوب، ولا راحة لحسود ولا مروءة ~~لبخيل ولا سؤدد لسيء الخلق. وقال معاوية: كل الناس أستطيع أن أرضيه إلا ~~حاسد نعمة فإنه لا يرضيه إلا زوالها. وقال الشاعر: # [بسيط] # كل العداوة قد ترجى إماتتها ... إلا عداوة من عاداك من حسد «2» # وفي بعض الكتب يقول الله: «الحاسد عدو لنعمتي متسخط لقضائي غير راض بقسمي ~~بين عبادي» . وكان يقال: قد طلبك من لا يقصر دون الظفر # PageV02P013 # وحسدك من لا ينام دون الشفاء. وخطب الحجاج يوما برستقباذ بقول سويد «1» ~~ابن أبي كاهل [رمل] # كيف يرجون سقاطي بعدما ... جلل الرأس بياض وصلع # رب من أنضجت غيظا صدره ... قد تمنى لي موتا لم يطع # ويراني كالشجا في خلقه ... عسرا مخرجه ما ينتزع # مزبدا يخطر ما لم يرني ... فإذا أسمعته صوتي انقمع # لم يضرني غير أن يحسدني ... فهو يزقو مثل ما يزقو الضوع «2» # ويحييني إذا لا قيته ... وإذا يخلو له لحمي رتع # قد كفاني الله ما في نفسه ... وإذا ما يكف شيئا لم يضع # وقال آخر «3» [بسيط] # إن تحسدوني فإني لا ألومكم ... قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا # فدام لي ولكم ما بي وما بكم ... وما أكثرنا غيظا بما يجد # أنا الذي تجدوني في حلوقكم ... لا أرتقي صعدا فيها ولا أرد # وقال بعضهم: الحسد أول ذنب عصي الله به في السماء، يعني حسد إبليس آدم، ~~وأول ذنب عصي الله به في الأرض، يعني حسد ابن آدم أخاه حتى قتله. وأنشدني ~~شيخ لنا عن أبي زيد الأعرابي. [سريع] # PageV02P014 # لا تقبل الرشد ولا ترعوي ... ثاني رأس كابن عواء «1» # حسدتني حين أفدت الغنى ... ما كنت إلا كابن حواء # غادى «2» أخاه محرما مسلما ... بطعنة في الصلب نجلاء # وأنت تقليني «3» ولا ذنب لي ... لكنني حمال أعباء # من يأخذ النار بأطرافه ... ينضح على النار من الماء # مر قيس بن زهير ببلاد غطفان «4» فرأى ثروة وجماعات وعددا فكره ذلك، فقال ~~له الربيع بن زياد: إنه يسوءك ما يسر الناس! فقال له: يا أخي، إنك لا تدري، ~~إن مع الثروة والنعمة التحاسد والتخاذل، وإن مع القلة التحاشد والتناصر. # قال الأصمعي: رأيت أعرابيا قد أتت له مائة وعشرون سنة، فقلت له: # ما أطول عمرك! فقال: تركت الحسد فبقيت. وقال زيد «5» بن الحكم الثقفي. ~~[طويل] # تملأت من غيظ علي فلم يزل ... بك الغيظ حتى كدت بالغيظ تنشوي # وما برحت نفس حسود حشيتها ... تذيبك حتى قيل هل أنت مكتوي # وقال النطاسيون إنك مشعر ... سلالا ألا بل أنت من حسد جوي «6» # بدا منك غش طالما قد كتمته ... كما كتمت داء ابنها أم مدوي # جمعت وفحشا غيبة ونميمة ... حلالا ثلاثا لست عنها بمرعوي # PageV02P015 # وكان يقال: ستة لا يخلون من الكآبة: رجل آفتقر بعد غنى، وغني يخاف على ~~ماله التوى «1» ، وحقود، وحسود، وطالب مرتبة لا يبلغها قدره، ومخالط ~~الأدباء بغير أدب. ### | باب الغيبة والعيوب # قال: حدثني أحمد بن الخليل قال: حدثنا عبد الأعلى عن داود بن عطاء عن ابن ~~خثيم عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~قال: «ألا أخبركم بشراركم «2» قالوا: بلى، قال: من شراركم المشاؤون ~~بالنميمة المفسدون بين الأحبة الباغون البرآء العنت» . # قال: وحدثني حسين بن الحسن المروزي قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: ~~أخبرنا الأجلح عن الشعبي قال: سمعت النعمان بن بشير يقول على المنبر: يا ~~أيها الناس خذوا على أيدي سفهائكم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يقول: «إن قوما ركبوا البحر في سفينة، واقتسموها فأصاب كل واحد منهم مكان، ~~فأخذ رجل منهم الفأس فنقر مكانه، فقالوا: ما تصنع؟ فقال: مكاني أصنع به ما ~~شئت، فإن أخذوا على يديه نجا ونجوا، وإن تركوه غرقوا وغرق» . # بلغني عن حماد بن زيد عن ابن عون قال: قال أبو الدرداء؛ ليس من يوم أصبح ~~فيه لا يرميني الناس بداهية إلا كان نعمة من الله علي. وقال حسان: قلت شعرا ~~لم أقل مثله [طويل] # وإن امرءا أمسى وأصبح سالما ... من الناس إلا ما جنى لسعيد # PageV02P016 # وبلغني عن ابن عيينة قال: قال مسعر: ما نصحت أحدا قط إلا وجدته يفتش عن ~~عيوبي. وقال بعضهم: من عاب سفلة «1» فقد رفعه، ومن عاب شريفا فقد وضع نفسه. ~~وقال عمر بن الخطاب: أحب الناس إلي من أهدى إلي عيوبي. # أحمد بن يونس عن الفضيل أنه سمعه يقول: إن الفاحشة لتشيع في الذين آمنوا ~~حتى إذا صارت إلى الصالحين صاروا لها خزانا. قال وسمعته يقول أيضا: حسناتك ~~من عدوك أكثر منها من صديقك، لأن عدوك إذا ذكرت عنده يغتابك وإنما يدفع ~~إليك المسكين حسناته. # محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدثنا ابن عون قال: مر ابن سيرين بقوم ~~فقام إليه رجل فقال: يا أبا بكر، إنا قد نلنا منك فحللنا، فقال: إني لا أحل ~~لك ما حرم الله عليك، فأما ما كان إلي فهو لك. # محمد بن مسلم الطائفي قال: جاء رجل إلى ابن سيرين فقال: بلغني أنك نلت ~~مني، فقال: نفسي أعز علي من ذلك. # الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن بلال بن سعد قال: أخ لك كلما لقيك أخبرك ~~بعيب فيك خير لك من أخ لك كلما لقيك وضع في كفك دينارا. # شريك عن عقيل قال: قال الحسن: لا غيبة إلا لثلاثة: فاسق مجاهر بالفسق، ~~وذي بدعة، وإمام جائر. وكان يقال: من اغتاب خرق ومن استغفر الله رفأ «2» ~~وفي بعض الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا عاب أحدكم أخاه # PageV02P017 # فليستغفر الله» . كان يقال: إياك وما يصم الأذن. العتبي قال: قال الوليد ~~بن عتبة بن أبي سفيان: كنت أساير أبي ورجل يقع في رجل، فالتفت إلي أبي ~~فقال: يا بني نزه سمعك عن استماع الخنى «1» كما تنزه لسانك عن الكلام به، ~~فإن المستمع شريك القائل، ولقد نظر إلى أخبث ما في وعائه فأفرغه في وعائك، ~~ولو ردت كلمة جاهل في فيه لسعد رادها كما شقي قائلها. # فضيل بن عياض قال: حدثنا عبد الله بن رجاء عن موسى بن عبيدة عن محمد بن ~~كعب قال: إذا أراد الله بعبد خيرا زهده في الدنيا وفقهه في الدين وبصره ~~عيوبه. قال فضيل: وربما قال الرجل: لا إله إلا الله؛ أو سبحان الله فأخشى ~~عليه النار، قيل: وكيف ذلك؟ قال: يغتاب بين يديه ويعجبه ذلك فيقول: لا إله ~~إلا الله، وليس هذا موضعه، إنما موضع هذا أن ينصح له في نفسه ويقول له: اتق ~~الله. # في الحديث المرفوع أن امرأتين صامتا على عهد النبي عليه السلام وجعلتا ~~تغتابان الناس، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: «صامتا عما أحل ~~لهما وأفطرتا على ما حرم الله عليهما» ، وقال حماد بن سلمة: ما كنت تقوله ~~للرجل وهو حاضر فقلته من خلفه فليس بغيبة. # عاب رجل رجلا عند بعض الأشراف فقال له: قد استدللت على كثرة عيوبك بما ~~تكثر من عيب الناس، لأن الطالب للعيوب إنما يطلبها بقدر ما فيه منها. قال ~~بعض الشعراء. [وافر] # وأجرأ من رأيت بظهر غيب ... على عيب الرجال ذوو العيوب # وأنشد ابن الأعرابي [سريع] # PageV02P018 # اسكت ولا تنطق فأنت خياب «1» ... كلك ذو عيب وأنت عياب # وأنشدني أيضا [سريع] # رب غريب ناصح الجيب ... وابن أب متهم الغيب «2» # وكل عياب له منظر ... مشتمل الثوب على العيب # وكان عتبة بن عبد الرحمن يغتاب الناس ولا يصبر، ثم ترك ذلك، فقيل له: ~~أتركتها؟ قال: نعم، على أني والله أحب أن أسمعها. # أتى رجل عمرو بن مرثد فسأله أن يكلم له أمير المؤمنين، فوعده أن يفعل، ~~فلما قام قال بعض من حضر: إنه ليس مستحقا لما وعدته، فقال عمرو: إن كنت ~~صدقت في وصفك إياه فقد كذبت في ادعائك مودتنا؛ لأنه إن كان مستحقا كانت ~~اليد موضعها، وإن لم يكن مستحقا فما زدت على أن أعلمتنا أن لنا بمغيبنا عنك ~~مثل الذي حضرت به من غاب من إخواننا. # وفي الحديث: «إن الغيبة أشد من الزنا. قيل: كيف ذلك؟ قال: لأن الرجل يزني ~~فيتوب، فيتوب الله عليه، وصاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبها» . # قال رجل للحسن: يا أبا سعيد، إني اغتبت رجلا وأريد أن أستحله، فقال له: ~~لم يكفك أن اغتبته حتى أردت أن تبهته. إغتاب رجل رجلا عند قتيبة بن مسلم ~~فقال له قتيبة: أمسك أيها الرجل، فوالله لقد تلمظت بمضغة طالما لفظها ~~الكرام. # PageV02P019 # مر رجل بجارين له ومعه ريبة، فقال أحدهما لصاحبه: أفهمت ما معه من ~~الريبة؟ فقال الآخر: غلامي حر لوجه الله شكرا له إذا لم يعرفني من الشر ما ~~عرفك. # شعبة عن يحيى بن الحصين عن طارق قال: دار بين سعد بن أبي وقاص وبين خالد ~~بن الوليد كلام، فذهب رجل ليقع في خالد عند سعد، فقال سعد: # مه، إن ما بيننا لم يبلغ ديننا. أي عداوة وشر. وقال الشاعر «1» [متقارب] # ولست بذي نيرب في الكرام، ... ومناع خير، وسبابها «2» # ولا من إذا كان في جانب «3» ... أضاع العشيرة واغتابها # ولكن أطاوع ساداتها ... ولا أتعلم «4» ألقابها # وقال آخر [بسيط] # لا يأمل الجار خيرا من جوارهم ... ولا محالة من هزء وألقاب # وقال الفرزدق [طويل] # تصرم مني ود بكر بن وائل ... وما خلت عني ودهم يتصرم # قوارص تأتيني ويحتقرونها ... وقد يملأ القطر الإناء فيفعم «5» # PageV02P020 # أنشد أبو سعيد الضرير لبعض الضبيين [طويل] # ألا رب من يغتابني ود أنني ... أبوه الذي يدعى إليه وينسب # على رشدة من أمه أو لغية ... فيغلبها فحل على النسل منجب # فبالخير لا بالشر فاطلب مودتي ... وأي امرىء يغتال منه الترهب # وقال آخر في نحوه: [طويل] # ولما عصيت العاذلين ولم أبل ... ملامتهم ألقوا على غاربي حبلي # وهازئة مني تود لو ابنها ... على شيمتي أو أن قيمها مثلي # قيل لبزر جمهر: هل من أحد ليس فيه عيب؟ قال: لا، إن الذي لا عيب فيه لا ~~ينبغي أن يموت. وقال في مثل هذا موسى «1» شهوات [خفيف] # ليس فيما بدا لنا منك عيب ... عابه الناس غير أنك فاني # أنت خير المتاع لو كنت تبقى ... غير أن لا بقاء للإنسان # وقال أبو الأسود «2» الدؤلي: [كامل] # وترى الشقي إذا تكامل غيبه ... يرمى ويقرف «3» بالذي لم يفعل # PageV02P021 # لقي بكر بن عبد الله أخا له فقال: إذا أردت أن تلقى من النعمة عليك أعظم ~~منها عليه وهو أشكر للنعمة لقيته، وإذا شئت أن تلقى من أنت أعظم منه جرما ~~وهو أخوف لله منك لقيته. أرأيت لو صحبك رجلان: أحدهما مهتوك لك ستره ولا ~~يذنب ذنبا إلا رأيته ولا يقول هجرا إلا سمعته فأنت تحبه على ذلك وتوافقه ~~وتكره أن تفارقه، والآخر مستور عنك أمره غير أنك تظن به السوء فأنت تبغضه، ~~أعدلت بينهما؟ قال: لا؛ قال: فهل مثلي ومثلك ومثل من أنت راء من الناس إلا ~~كذلك؟ إنا نعرف الحق في الغيب من أنفسنا فنحبها على ذلك، ونتظنن الظنون على ~~غيرنا فنبغضهم على ذلك. ثم قال: أنزل الناس منك ثلاث منازل، فاجعل من هو ~~أكبر منك سنا بمنزلة أبيك، ومن هو تربك بمنزلة أخيك، ومن هو دونك بمنزلة ~~ولدك، ثم انظر أي هؤلاء تحب أن تهتك له سترا أو تبدي له عورة!. # سعيد بن واقد المزني قال: حدثنا صالح بن الصقر عن عبد الله بن زهير قال: ~~وفد العلاء «1» بن الحضرمي على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أتقرأ من ~~القرآن شيئا؟ فقرأ عبس وزاد فيها من عنده؛ وهو الذي أخرج من الحبلى، نسمة ~~تسعى، من بين شراسيف «2» وحشى؛ فصاح به النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: ~~كف فإن السورة كافية» . ثم قال: هل تروي من الشعر شيئا فأنشده: [طويل] # حي ذوي الأضغان تسب قلوبهم ... تحيتك القربى فقد ترقع النعل # وإن دحسوا «3» بالكره فاعف تكرما ... وإن خنسوا عنك الحديث فلا تسل # PageV02P022 # فإن الذي يؤذيك منه سماعه ... وإن الذي قالوا وراءك لم يقل «1» # فقال النبي عليه السلام: «إن من الشعر حكما وإن من البيان سحرا» . # وحدثني أبو حاتم عن الأصمعي: قال: قال رجل لبكر بن محمد بن علقمة: بلغني ~~أنك تقع في؛ قال: أنت إذا أكرم علي من نفسي!. وقال بعض الشعراء: [بسيط] # لا تلتمس من مساوي الناس ما ستروا ... فيكشف الله سترا عن مساويكا # واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ... ولا تعب أحدا منهم بما فيكا # وقال أبو الدرداء: لا يحرز الإنسان من شرار الناس إلا قبره. # قال عمر بن عبد العزيز لمزاحم مولاه: إن الولاة جعلوا العيون على العوام ~~وأنا أجعلك عيني على نفسي، فإن سمعت مني كلمة تربأ بي عنها أو فعالا لا ~~تحبه فعظني عنده وانهني عنه. # العتبي قال: تنقص ابن لعامر بن عبد الله بن الزبير علي بن أبي طالب عليه ~~السلام؛ فقال له أبوه: لا تتنقصه يا بني، فإن بني مروان ما زالوا يشتمونه ~~ستين سنة فلم يزده الله إلا رفعة، وإن الدين لم يبن شيئا فهدمته الدنيا، ~~وإن الدنيا لم تبن شيئا إلا عادت على ما بنت فهدمته. وقال بعض الشعراء «2» ~~: [كامل] # إبدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم # PageV02P023 # فهناك تعذر إن وعظت ويقتدى ... بالقول منك ويقبل التعليم # لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك، إذا فعلت، عظيم «1» # وقال آخر: [طويل] # ويأخذ عيب الناس من عيب نفسه ... مراد لعمري ما أراد قريب # وقال آخر: [طويل] # لك الخير، لم نفسا عليك ذونوبها ... ودع لوم نفس ما عليك تليم «2» # وكيف ترى في عين صاحبك القذى ... ويخفى قذى عينيك وهو عظيم # كان رجل من المتزمتين «3» لا يزال يعيب النبيذ وشرابه فإذا وجده سرا ~~شربه؛ فقال فيه بعض جيرانه: [طويل] # وعيابة للشرب لو أن أمه ... تبول نبيذا لم يزل يستبيلها # قال رجل لعمرو بن عبيد: إني لأرحمك مما تقول الناس فيك؛ قال: # أفتسمعني أقول فيهم شيئا؟ قال: لا؛ قال: إياهم فارحم. # قال أعرابي لامرأته: [متقارب] # وإما هلكت فلا تنكحي ... ظلوم العشيرة حسادها # يرى مجده ثلب أعراضها ... لديه ويبغض من سادها «4» # PageV02P024 ### | باب السعاية # روى وكيع عن أبيه عن عطاء بن السائب قال: قدمت من مكة فلقيني الشعبي ~~فقال: يا أبا زيد أطرفنا مما سمعت؛ قلت: سمعت عبد الرحمن بن عبد الله بن ~~سابط يقول: لا يسكن مكة سافك دم، ولا آكل ربا، ولا مشاء «1» بنميم؛ فعجبت ~~منه حين عدل النميمة بسفك الدماء وأكل الربا، فقال الشعبي: وما يعجبك من ~~هذا؟ وهل تسفك الدماء وتركب العظائم إلا بالنميمة؟ # عاتب مصعب بن الزبير الأحنف بن قيس على شيء بلغه عنه، فاعتذر إليه الأحنف ~~من ذلك ودفعه؛ فقال مصعب: أخبرني بذلك الثقة؛ فقال الأحنف: كلا أيها ~~الأمير، إن الثقة لا يبلغ. قال الأعشى: [طويل] # ومن يطع الواشين لا يتركوا له ... صديقا وإن كان الحبيب المقربا # وذكر السعاة عند المأمون فقال رجل ممن حضر؛ يا أمير المؤمنين، لو لم يكن ~~من عيبهم إلا أنهم أصدق ما يكونون، أبغض ما يكونون إلى الله لكفاهم. # سعى رجل إلى بلال بن أبي بردة برجل؛ فقال له: إنصرف حتى أسأل عما ذكرت، ~~وبعث في المسألة عن الساعي فإذا هو لغير أبيه الذي يدعى له، فقال بلال: ~~أخبرنا أبو عمرو قال: حدثني أبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: # «الساعي بالناس لغير رشدة» «2» . وقال الشاعر: [وافر] # إذا الواشي نعى يوما صديقا ... فلا تدع الصديق لقول واشي «3» # PageV02P025 # أتى رجل الوليد بن عبد الملك وهو على دمشق لأبيه، فقال: للأمير عندي ~~نصيحة؛ فقال: إن كانت لنا فأظهرها، وإن كانت لغيرنا فلا حاجة لنا فيها؛ ~~قال: جار لي عصى وفر من بعثه؛ قال: أما أنت فتخبر أنك جار سوء، فإن شئت ~~أرسلنا معك، فإن كنت صادقا أقصيناك، وإن كنت كاذبا عاقبناك، وإن شئت ~~تاركناك؛ قال: بل تاركني. # وقال عبدة بن الطبيب «1» : [كامل] # واعصوا الذي يسدي النميمة بينكم ... متنصحا وهو السمام «2» المنقع # يزجي عقاربه ليبعث بينكم ... حربا كما بعث العروق الأخدع «3» # حران لا يشفي غليل فؤاده ... عسل بماء في الإناء مشعشع «4» # لا تأمنوا قوما يشب صبيهم ... بين القبائل بالعداوة ينسع «5» # إن الذين ترونهم خلانكم ... يشفي صداع رؤوسهم أن تصرعوا # فضلت عداوتهم على أحلامهم ... وأبت ضباب «6» صدورهم لا تنزع # قوم إذا دمس الظلام «7» عليهم ... حدجوا قنافذ بالنميمة تمزع # PageV02P026 # وقال أبو دهبل «1» الجمحي: [طويل] # وقد قطع الواشون ما كان بيننا ... ونحن إلى أن يوصل الحبل أحوج # رأوا عورة فاستقبلوها بألبهم «2» ... فراحوا على ما لا نحب وأدلجوا # وكانوا أناسا كنت آمن غيبهم ... فلم ينههم حلم ولم يتحرجوا # وقال بشار: [خفيف] # تشتهي قربك الرباب وتخشى ... عين واش وتتقي أسماعه # أنت من قلبها محل شراب ... تشتهي شربه وتخشى صداعه # وقال أبو نواس: [منسرح] # كنت من الحب في ذرى نيق ... أرود منه مراد موموق «3» # حتى ثناني عنه تخلق وا ... ش كذبة لفها بتزويق # جبت قفا ما نمته معتذرا ... منه وقد فزت بعد تخريق # كقول كسرى فيما تمثله ... من فرص اللص ضجة السوق # وقرأت في كتاب للهند: قلما يمنع القلب من القول إذا تردد عليه، فإن الماء ~~ألين من القول والحجر أصلب من القلب، وإذا انحدر عليه وطال ذلك أثر فيه، ~~وقد تقطع الشجرة بالفؤوس فتنبت ويقطع اللحم بالسيوف فيندمل واللسان لا ~~يندمل جرحه، والنصول تغيب في الجوف فتنزع والقول إذا وصل إلى القلب لم ~~ينزع، ولكل حريق مطفىء: للنار الماء، وللسم الدواء، وللحزن الصبر، وللعشق ~~الفرقة، ونار الحقد لا تخبو. # PageV02P027 # وقال طرفة بن العبد: [كامل] # وتصد عنك مخيلة الرجل ال ... عريض «1» موضحة عن العظم # بحسام سيفك أو لسانك وال ... كلم الأصيل كأوسع الكلم «2» # ونحوه قوله: [بسيط] # والقول ينفذ ما لا ينفذ الإبر # وقال امرؤ القيس: [متقارب] # وجرح اللسان كجرح اليد # سأل رجل عبد الملك بن مروان الخلوة؛ فقال لأصحابه: إذا شئتم تنحوا؛ فلما ~~تهيأ الرجل للكلام قال له: إياك وأن تمدحني فإني أعرف بنفسي منك، أو تكذبني ~~فإنه لا رأي لكذوب، أو تسعى بأحد إلي، وإن شئت أن أقيلك أقلتك؛ قال: أقلني. # وقال ذو الرياستين: قبول السعاية شر من السعاية، لأن السعاية دلالة ~~والقبول إجازة، وليس من دل على شيء كمن قبل وأجاز، فامقت الساعي على سعايته ~~وإن كان صادقا للؤمه في هتك العورة وإضاعة الحرمة، وعاقبة إن كان كاذبا ~~لجمعه بين هتك العورة وإضاعة الحرمة مبارزة لله بقول البهتان والزور. # وقال بعض المحدثين لعبد الصمد «3» بن المعذل: [طويل] # لعمرك ما سب الأمير عدوه ... ولكنما سب الأمير المبلغ # PageV02P028 # وقال رجل للوليد بن عبد الملك: إن فلانا شتمك؛ فأكب ثم قال: أراه شتمك. ~~وأتى رجل ابن عمر فقال له: إن فلانا شتمك؛ فقال له: إني وأخي عاصما لا نساب ~~أحدا. # عوانة قال: كان بين حاتم طيء وبين أوس «1» بن حارثة ألطف ما يكون بين ~~اثنين؛ فقال النعمان بن المنذر لجلسائه: والله لأفسدن ما بينهما؛ قالوا: # لا تقدر على ذلك؛ قال: بلى، فقلما جرت الرجال في شيء إلا بلغته؛ فدخل ~~عليه أوس؛ فقال: يا أوس، ما الذي يقول حاتم؟ قال: وما يقول؟ # قال: يقول إنه أفضل منك وأشرف؛ قال: أبيت اللعن، صدق! والله لو كنت أنا ~~وأهلي وولدي لحاتم لأنهبنا في مجلس واحد، ثم خرج وهو يقول «2» : [طويل] # يقول لي النعمان لا من نصيحة ... أرى حاتما في قوله متطاولا # له فوقنا باع كما قال حاتم ... وما النصح فيما بيننا كان حاولا # ثم دخل عليه حاتم فقال له مثل مقالته لأوس؛ قال: صدق، أين عسى أن أقع من ~~أوس! له عشرة ذكور أخسهم أفضل مني، ثم خرج وهو يقول: [طويل] # يسائلني النعمان كي يستزلني ... وهيهات لي أن أستضام فأصرعا # كفاني نقصا أن أضيم عشيرتي ... بقول أرى في غيره متوسعا # فقال النعمان: ما سمعت بأكرم من هذين الرجلين. # ذكر يعقوب بن داود أيام كان مع المهدي أنه وافاه في يوم واحد ثمانون # PageV02P029 # رقعة كلها سعاية، منها ستون لأهل البصرة، وعشرون لسائر البلاد. # وشى واش برجل إلى الإسكندر؛ فقال له: أتحب أن أقبل منك ما قلت فيه على أن ~~نقبل منه ما قال فيك؟ قال: لا؛ قال: فكف عن الشر يكف عنك الشر. # كتب بعض إحواننا من الكتاب إلى عامل وكان سعي به إليه: لست أنفك فيما ~~بيني وبينك من إحدى أربع: إما كنت محسنا وإنك لكذلك فاربب، أو مسيئا ولست ~~به فأبق، أو أكون ذا ذنب ولم أتعمد فتغمد، أو مقروفا وقد تلحق به حيل ~~الأشرار فتثبت ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم # «1» . ### | باب الكذب والقحة # «2» # حدثني أحمد بن الخليل قال: حدثنا سليمان بن داود عن مسلمة بن علقمة عن ~~داود بن أبي هند عن شهر بن حوشب عن الزبرقان عن النواس بن سمعان قال: قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يصلح الكذب إلا في ثلاثة مواضع: # الحرب فإنها خدعة والرجل يصلح بين اثنين والرجل يرضي امرأته» . # حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا بربر بن هارون قال: أخبرنا سفيان ابن حسين ~~عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: «لم يكذب من قال خيرا وأصلح بين اثنين» . # PageV02P030 # قال: حدثني عبدة بن عبد الله قال: حدثنا أبو داود عن عمران عن قتادة قال: ~~قال أبو الأسود الدؤلي: إذا سرك أن تكذب صاحبك فلقنه. # حدثني محمد بن داود عن سويد بن سعيد عن مالك عن صفوان بن سليم قال: قيل ~~للنبي صلى الله عليه وسلم: «أيكون المؤمن جبانا؟ قال: نعم قال: أفيكون ~~بخيلا؟ قال: نعم قال: أفيكون كذابا؟ قال: لا» . قال: حدثني سهل بن محمد عن ~~الأصمعي قال: عاتب إنسان كذابا على الكذب؛ فقال: يا ابن أخي، لو تغرغرت «1» ~~به ما صبرت عنه. قال: وقيل لكذوب: أصدقت قط؟ قال: أكره أن أقول لا فأصدق. ~~وقال ابن عباس: الحدث حدثان: حدث من فيك وحدث من فرجك. وقال مديني: من ثقل ~~على صديقه خف على عدوه، ومن أسرع إلى الناس بما يكرهون قالوا فيه ما لا ~~يعلمون. ومثله قول الشاعر: [سريع] # ومن دعا الناس إلى ذمه ... ذموه بالحق وبالباطل # مقالة السوء إلى أهلها ... أسرع من منحدر سائل # بلغني عن وكيع عن أبيه عن منصور قال: قال مجاهد: كل ما أصاب الصائم شوى ~~«2» ما خلا الغيبة والكذب. وقال سليمان بن سعد: لو صحبني رجل فقال: اشترط ~~خصلة واحدة لا يزيد عليها، لقلت لا تكذبني. كان ابن عباس يقول: الكذب فجور، ~~والنميمة سحر، فمن كذب فقد فجر، ومن نم فقد سحر. وكان يقال: أسرع الاستماع ~~وأبطىء التحقيق. قال الأحنف: ما # PageV02P031 # خان شريف ولا كذب عاقل ولا اغتاب مؤمن. وكانوا يحلفون فيحنثون «1» ~~ويقولون فلا يكذبون. ذم رجل رجلا فقال: اجتمع فيه ثلاثة: طبيعة العقعق «2» ~~يعني السرق، وروغان الثعلب يعني الخب، ولمعان البرق يعني الكذب. # ويقال الأذلاء أربعة: النمام والكذاب والمدين والفقير. قال ابن المقفع: ~~لا تهاونن بإرسال الكذبة في الهزل فإنها تسرع في إبطال الحق. وقال الأحنف: # اثنان لا يجتمعان أبدا: الكذب والمروءة. وقالوا: من شرف الصدق أن صاحبه ~~يصدق على عدوه. وقال الأحنف لابنه: يا بني، اتخذ الكذب كنزا؛ أي لا تخرجه. ~~وقيل لأعرابي كان يسهب في حديثه: أما لحديثك هذا آخر؟ # فقال: إذا انقطع وصلته. وقال ابن عمر: زعموا زاملة «3» الكذب. كان يقال: # علة الكذوب أقبح علة، وزلة المتوقي أشد زلة. كان المهلب كذابا وكان يقال ~~له: راح يكذب. وفيه يقول الشاعر «4» [وافر] # تبدلت المنابر من قريش ... مزونيا بفقحته «5» الصليب # فأصبح قافلا كرم وجود «6» ... وأصبح قادما كذب وحوب # قال رجل لأبي حنيفة: ما كذبت كذبة قط؛ قال: أما هذه فواحدة يشهد # PageV02P032 # بها عليك. قال ميمون بن ميمون: من عرف بالصدق جاز كذبه، ومن عرف بالكذب ~~لم يجز صدقه. قال أبو حية النميري- وكان كذابا-: عن لي ظبي فرميته فراغ عن ~~سهمي فعارضه والله السهم، فراغ فراوغه السهم حتى صرعه ببعض الخبارات «1» . ~~وقال أيضا: رميت ظبية فلما نفذ السهم ذكرت بالظبية حبيبة لي فشددت وراء ~~السهم حتى قبضت على قذذه «2» . وصف أعرابي امرأة فقيل: ما بلغ من شدة حبك ~~لها؟ قال: إني لأذكرها وبيني وبينها عقبة الطائف فأجد من ذكرها ريح المسك. # أنشد الفرزدق سليمان بن عبد الملك: [وافر] # ثلاث واثنتان فهن خمس ... وسادسة تميل إلى شمام «3» # فبتن بجانبي مصرعات ... وبت أفض أغلاق الختام # كأن مفالق الرمان فيها «4» ... وجمر غضا قعدن عليه حامي «5» # فقال له سليمان: ويحك يا فرزدق، أحللت بنفسك العقوبة، أقررت عندي بالزنا ~~وأنا إمام ولا بد لي من أن أحدك؛ فقال الفرزدق: بأي شيء أوجبت علي ذلك؟ ~~قال: بكتاب الله؛ قال: فإن كتاب الله هو الذي يدرأ عني الحد؛ قال: وأين؟ ~~قال: في قوله: والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم ~~يقولون ما لا يفعلون # «6» فأنا قلت: يا أمير المؤمنين، # PageV02P033 # ما لم أفعل؛ وقول الشاعر: [رجز] # وإنما الشاعر مجنون كلب ... أكثر ما يأتي على فيه الكذب # وقال الشاعر: [مجزوء الكامل] # حسب الكذوب من البلي ... ية بعض ما يحكى عليه # مهما سمعت بكذبة ... من غيره نسبت إليه # وقال بشار: [كامل] # ورضيت من طول العناء بيأسه ... واليأس أيسر من عدات «1» الكاذب # والعرب تقول: «أكذب من سالئة «2» » وهي تكذب مخافة العين على سمنها. # و «أكذب من مجرب» لأنه يخاف أن يطلب من هنائه «3» . و «أكذب من يلمع» وهو ~~السراب. منصور ابن سلمة الخزاعي قال: حدثنا شبيب بن شيبة أبو معمر الخطيب ~~قال: سمعت ابن سيرين يقول: الكلام أوسع من أن يكذب ظريف. # وقال في قول الله عز وجل: لا تؤاخذني بما نسيت # «4» لم ينس ولكنها من # PageV02P034 # معاريض الكلام. وقال القيني: أصدق في صغار ما يضرني لأصدق في كبار ما ~~ينفعني. وكان يقول: أنا رجل لا أبالي ما استقبلت به الأحرار. نافر رجل من ~~جرم رجلا من الأنصار إلى رجل من قريش، فقال للجرمي: أبالجاهلية تفاخره أم ~~بالإسلام؟ فقال: بالإسلام؛ فقال: كيف تفاخره وهم آووا رسول الله ونصروه حتى ~~أظهر الله الإسلام؟ قال الجرمي: فكيف تكون قلة الحياء. وقال آخر: إنما قويت ~~على خصومي بأني لم أستتر قط بشيء من القبيح. وذكر أعرابي رجلا فقال: لو دق ~~وجهه بالحجارة لرضها، ولو خلا بأستار الكعبة لسرقها. قيل لرجل من بني أسد: ~~بأي شيء غلبت الناس؟ قال: أبهت الأحياء وأستشهد الموتى. وقال طريح «1» ~~الثقفي يذم قوما: [بسيط] # إن يعلموا الخير يخفوه وإن علموا ... شرا أذيع وإن لم يعلموا كذبوا # وكان يقال: اثنان لا يتفقان أبدا: القناعة والحسد، واثنان لا يفترقان ~~أبدا: الحرص والقحة، وقال الشاعر: [مجزوء الكامل] # إن يبخلو أو يغدروا ... أو يفخروا لا يحفلوا # يغدوا عليك مرجلي «2» ... ن كأنهم لم يفعلوا # كأبي براقش «3» كل لو ... ن لونه يتخيل # هجا أبو الهول الحميري الفضل بن يحيى ثم أتاه راغبا إليه؛ فقال له # PageV02P035 # الفضل: ويلك بأي وجه تلقاني! قال: بالوجه الذي ألقى به ربي وذنوبي إليه ~~أكثر؛ فضحك ووصله. # ومن أمثال العرب في الوقاح «رمتني بدائها وانسلت» . وقال الشاعر: # [طويل] # أكول لأرزاق العباد إذا شتا ... صبور على سوء الثناء «1» وقاح # قال رجل لقوم يغتابون ويكذبون: توضأوا فإن ما تقولون شر من الحدث. وبلغني ~~عن حماد بن زيد عن هشام عن محمد قال: قلت لعبيدة: ما يوجب الوضوء؟ قال: ~~الحدث وأذى المسلم. روى الصلت بن دينار عن عقبة عن أنس بن مالك قال: بعثني ~~أبو موسى الأشعري من البصرة إلى عمر؛ فسألني عن أحوال الناس ثم قال: كيف ~~يصلح أهل بلد جل أهله هذان الحيان: بكر بن وائل وبنو تميم، كذب بكر وبخل ~~تميم. ذكر بعض الحكماء أعاجيب البحر وتزيد البحريين فقال: البحر كثير ~~العجائب، وأهله أصحاب تزيد، فأفسدوا بقليل الكذب كثير الصدق، وأدخلوا ما ~~يكون فيما يكاد لا يكون، وجعلوا تصديق الناس لهم في غريب الأحاديث سلما إلى ~~ادعاء المحال. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: كان يقال: الصدق أحيانا محرم. # حدثني شيخ لنا عن أبي معاوية قال: حدثنا أبو حنيفة عن معن بن عبد الرحمن ~~عن أبيه قال: قال عبد الله بن مسعود: ما كذبت على عهد النبي صلى الله عليه ~~وسلم إلا كذبة واحدة، كنت أرحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من ~~الطائف فقلت: # هذا يغلبني على الرحال؛ أي الرحال أحب إلى رسول الله؟ فقلت: الطائفية # PageV02P036 # المكية، فرحل بها؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رحل لنا هذا» ~~فقالوا: الطائفي؛ فقال: «مروا عبد الله فليرحل لنا» فعدت إلى الرحال. ### | باب سوء الخلق وسوء الجوار والسباب والشر # حدثني زياد بن يحيى قال: حدثنا أبو داود عن صدقة بن موسى عن مالك بن ~~دينار عن عبد الله بن غالب عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم: «خصلتان لا تجتمعان في مؤمن سوء الخلق والبخل» . # قال: وحدثني أحمد بن الخليل عن أزهر بن جميل عن إسماعيل بن حكيم عن الفضل ~~بن عيسى عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قيل: يا رسول الله ما الشؤم؟ قال: ~~«سوء الخلق» . # قال: وحدثني أبو الخطاب قال: حدثنا بشر بن المفضل قال: حدثنا يونس عن ~~الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المستبان ما قالا فعلى ~~البادىء منهما ما لم يعتد المظلوم» . # قال: وحدثني سهل بن محمد عن الأصمعي قال: حدثني شيخ بمنى قال: صحب أيوب ~~رجل في طريق مكة فآذاه الرجل بسوء خلقه؛ فقال أيوب: # إني لأرحمه لسوء خلقه. # قال: وحدثني عبد الرحمن عن الأصمعي قال: قال أبو الأسود: لو أطعنا ~~المساكين في أموالنا كنا أسوأ حالا منهم. وأوصى بنيه فقال: لا تجاودوا الله ~~فإنه أمجد وأجود، ولو شاء أن يوسع على الناس كلهم حتى لا يكون محتاج لفعل، ~~فلا تجهدوا أنفسكم في التوسع فتهلكوا هزلا. قال: وسمع رجلا يقول: من يعشي ~~الجائع؟ فقال: علي به، فعشاه ثم ذهب ليخرج؛ فقال: أين تريد؟؛ قال: أريد ~~أهلي؛ قال: هيهات، علي ألا تؤذي المسلمين # PageV02P037 # الليلة، ووضع في رجله الأدهم حتى أصبح. قال: وأكل أعرابي معه تمرا فسقطت ~~من يد الأعرابي تمرة فأخذها وقال: لا أدعها للشيطان؛ فقال أبو الأسود: لا ~~والله ولا لجبريل. نظر ابن «1» الزبير يوما إلى رجل وقد دق في صدور أهل ~~الشام ثلاثة أرماح فقال: اعتزل حربنا فإن بيت المال لا يقوم لهذا، وذكر أبو ~~عبيدة «2» أنه كان يأكل في كل سبعة أيام أكلة ويقول في خطبته: إنما بطني ~~شبر في شبر وما عسى أن يكفيني. وقال أبو وجزة «3» مولى آل الزبير: [بسيط] # لو كان بطنك شبرا قد شبعت وقد ... أفضلت فضلا «4» كثيرا للمساكين # فإن تصبك من الأيام جائحة «5» ... لانبك «6» منك على دنيا ولا دين # وفيها يقول: [بسيط] # ما زلت في سورة الأعراف تدرسها ... حتى فؤادك مثل الحز في اللين # وفيها يقول: # إن امرأ كنت مولاه فضيعني ... يرجو الفلاح لعندي حق مغبون # وفيه يقول آخر: [طويل] # رأيت أبا بكر- وربك غالب ... على أمره- يبغي الخلافة بالتمر # PageV02P038 # هذا حين قال: أكلتم تمري وعصيتم أمري. وقال بعض الشعراء: [كامل] # من دون سيبك لون ليل مظلم ... وحفيف نافجة وكلب موسد «1» # وأخوك محتمل عليك ضغينة ... ومسيف «2» قومك لائم لا يحمد # والضيف عندك مثل أسود سالخ «3» ... لا بل أحبهما إليك الأسود # ومدح أعرابي سعيد «4» بن سلم فقال: [طويل] # أيا ساريا بالليل لا تخش ضلة ... سعيد بن سلم ضوء كل بلاد # لنا سيد أربى على كل سيد ... جواد حثا في وجه كل جواد «5» # فلم يعطه شيئا، فقال يهجوه: [طويل] # لكل أخي مدح ثواب يعده ... وليس لمدح الباهلي ثواب # مدحت ابن سلم والمديح مهزة ... فكان كصفوان عليه تراب «6» # وقال فيهم الممزق الحضرمي «7» : [وافر] # إذا ولدت حليلة باهلي ... غلاما زيد في عدد اللئام # PageV02P039 # وعرض الباهلي وإن توقى ... عليه مثل منديل الطعام # ولو كان الخليفة باهليا ... لقصر عن مساماة الكرام # ودخل قدامة بن جعدة على قتيبة بن مسلم فقال: أصلح الله الأمير، بالباب ~~ألأم العرب؛ قال: ومن ذاك؟ قال: سلولي رسول محاربي إلى باهلي؛ فضحك قتيبة. ~~وقال آخر [بسيط] # قوم إذا أكلوا أخفوا كلامهم ... واستوثقوا من رتاج «1» الباب والدار # لا يقبس الجار منهم فضل نارهم ... ولا تكف يد عن حرمة الجار # وقال عمر بن عبد العزيز الطائي من أهل حمص: [بسيط] # سمت المديح رجالا دون قدرهم ... صد قبيح ولفظ ليس بالحسن # فلم أفز منهمو إلا بما حملت ... رجل البعوضة من فخارة اللبن. # وقال آخر: [طويل] # ألام وأعطي والبخيل مجاوري ... إلى جنب بيتي لا يلام ولا يعطي # ونحو هذا قولهم: منع الجميع أرضى للجميع. وقال بشار: [كامل] # أعطى البخيل فما انتفعت به ... وكذاك من يعطيك من كدره «2» # قيل لخالد بن صفوان: مالك لا تنفق فإن مالك عريض؟ قال: الدهر أعرض منه: ~~قيل له: كأنك تأمل أن تعيش الدهر كله؟ قال: ولا أخاف «3» أن أموت في أوله. # PageV02P040 # قال الجاحظ: قلت مرة للحزامي: قد رضيت بقول الناس: عبد الله بخيل؛ قال: ~~لا أعدمني الله هذا الاسم؛ قلت: كيف؟ قال: لأنه لا يقال فلان بخيلا إلا وهو ~~ذو مال، فسلم لي المال وادعني بأي اسم شئت؛ قلت: ولا يقال سخي إلا وهو ذو ~~مال، فقد جمع هذا الاسم المال والحمد وجمع هذا الاسم المال والذم؛ قال: ~~بينهما فرق؛ قلت: هاته: قال: في قولهم بخيل تثبيت لإقامة المال في ملكه، ~~وفي قولهم: سخي إخبار عن خروج المال عن ملكه، واسم البخل اسم فيه حزم وذم، ~~واسم السخاء اسم فيه تضييع وحمد، والمال راهن «1» نافع ومكرم لأهله معز، ~~والحمد ريح وسخرية واستماعه ضعف وفسولة «2» ، وما أقل، والله، غناء الحمد ~~عنه إذا جاع بطنه وعري جلده وضاع عياله وشمت عدوه! وكان محمد بن الجهم ~~يقول: من شأن من استغنى عنك ألا يقيم عليك، ومن احتاج إليك ألا يذهب عنك، ~~فمن ضن بصديقه وأحب الاستكثار منه وأحب التمتع به احتال في دوام رغبته بأن ~~يقيم له ما يقوته ويمنعه ما يغنيه عنه، فإن من الزهد فيه أن تغنيه عنك ومن ~~الرغبة فيه أن تحوجه إليك؛ وإبقاؤك مع الضن به أكرم من إغنائك له مع الزهد ~~فيه؛ وقيل في مثل: «أجع كلبك يتبعك» . فمن أغنى صديقه فقد أعانه على الغدر ~~وقطع أسبابه من الشكر؛ والمعين على الغدر شريك الغادر، كما أن مزين الفجور ~~شريك الفاجر. قال: وأوصى عند موته وقال في وصيته: يزعمون أن رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم قال: «الثلث، والثلث كثير» ؛ وأنا أزعم أن ثلث الثلث كثير، ~~والمساكين حقوقهم في بيت المال، إن طلبوا طلب الرجال أخذوه، وإن جلسوا جلوس ~~النساء # PageV02P041 # منعوه، فلا يرغم الله إلا أنفهم ولا يرحم الله من يرحمهم. # تقدم رجلان من قريش إلى سوار أحدهما ينازع مولى له في حد أرض أقطعها أبوه ~~مولاه؛ فقال سوار: أتنازع مولاك في حد أرض أقطعها أبوك إياه!؛ فقال: الشحيح ~~أعذر من الظالم؛ فرفع سوار يده ثم قال: اللهم اردد على قريش أخطارها «1» . # وقال الخزرجي «2» : [خفيف] # إن جود المكي جود حجازي ... ي وجود الحجاز فيه اقتصاد # كيف ترجو النوال من كف معط ... قد غذته الأقراص والأمداد # نظر سليمان بن مزاحم إلى درهم فقال: في شق «لا إله إلا الله محمد رسول ~~الله» وفي وجه آخر «الله لا إله إلا هو الحي القيوم» ، ما ينبغي أن يكون ~~هذا إلا معاذة وقذفه في الصندوق. أنشدنا عبد الرحمن بن هانىء صاحب الأخفش ~~عن الأخفش للخليل «3» : [متقارب] # كفاه لم تخلقا للندى ... ولم يك بخلهما بدعه # فكف عن الخير مقبوضة ... كما نقصت مائة «4» تسعه # PageV02P042 # وكف ثلاثة آلافها ... وتسعمئيها لها شرعه «1» # قل أبو علي الضرير «2» : [وافر] # لعمر أبيك ما نسب المعلى ... إلى كرم وفي الدنيا كريم # ولكن البلاد إذا اقشعرت ... وصوح نبتها رعي الهشيم # وقال آخر: [متقارب] # أمن خوف فقر، تعجلته ... وأخرت إنفاق ما تجمع # فصرت الفقير وأنت الغني ... وهل كنت تعدو الذي تصنع؟ «3» # خوف رجل رجلا جوادا الفقر وأمره بالإبقاء على نفسه؛ فكتب إليه: إني أكره ~~أن أترك أمرا قد وقع، لأمر لعله لا يقع. وقال أبو الشمقمق «4» : [وافر] # رأيت الخبز عز لديك حتى ... حسبت الخبز في جو السحاب # PageV02P043 # وما روحتنا لتذب عنا ... ولكن خفت مزرئة الذباب «1» # وقال دعبل: [بسيط] # صدق أليته إذ قال مجتهدا ... لا والرغيف، فذاك البر من قسمه! # قد كان يعجبني لو أن غيرته ... على جراذقه «2» كانت على حرمه # فإن هممت به فافتك بخبزته ... فإن موقعها من لحمه ودمه «3» # وقال الشاعر: [مجزوء الكامل] # أرفق بحفص حين تأ ... كل يا معاوي من طعامه # الموت أيسر عنده ... من مضغ ضيف والتقامه # وتراه من خوف النزي ... ل به يروع في منامه # سيان كسر رغيفه ... أو كسر عظم من عظامه # لا تكسرن رغيفه ... إن كنت ترغب في كلامه # وإذا مررت ببابه ... فاحفظ رغيفك من غلامه # وقال أبو نواس «4» : [مجزوء الرمل] # خبز إسماعيل كالوش ... ي إذا ما انشق يرفا «5» # PageV02P044 # عجبا من أثر الصنع ... عة فيه! كيف يخفى؟ # إن رفاءك هذا ... أحذق الأمة كفا # فإذا قابل بالنص ... ف من الجردق «1» نصفا # أحكم الصنعة حتى ... لا ترى موضع «2» إشفى # مثل ما جاء من التن ... نور ما غادر حرفا # وله في الماء أيضا ... عمل أبدع ظرفا # مزجه العذب بماء ال ... بئر كي يزداد ضعفا # فهو لا يشرب «3» منه ... مثل ما يشرب صرفا ### | باب الحمق # قال الشعبي لرجل استجهله: ما أحوجك إلى محدرج شديد الفتل جيد الجلاز عظيم ~~الثمرة لدن المهزة يأخذ منك فيما بين عجب الذنب «4» ومغرز العنق فتكثر له ~~رقصاتك من غير جذل؛ فقال: وما هذا؟ فقال: بعض الأمر. # قال: حدثني القومسي عن محمد بن الصلت الأسدي عن أحمد بن بشير عن الأعمش ~~عن سلمة بن كهيل عن عطاء عن جابر قال: كان في بني إسرائيل رجل له حمار، ~~فقال يا رب، لو كان لك حمار لعلفته مع حماري هذا؛ فهم به نبي، فأوحى الله ~~إليه: إنما أثيب كل إنسان على قدر عقله. # PageV02P045 # حدثني محمد بن خالد بن خداش عن أبيه عن حماد بن زيد عن هشام ابن حسان عن ~~محمد بن سيرين أن رجلا رأى في المنام أن له غنما وكأنه يعطى بها ثمانية ~~ثمانية، ففتح عينه فلم ير شيئا، فغمض عينه ومد يده وقال: # هاتوا أربعة أربعة. # مر رجل من العباد وعلى عنقه عصا في طرفيها زبيلان «1» قد كادا يحطمانه، ~~في أحدهما بر وفي الآخر تراب، فقيل له: ما هذا؟ قال: عدلت البر بهذا ~~التراب، لأنه كان قد أمالني في أحد جانبي فأخذ رجل زبيل التراب فقلبه وجعل ~~البر نصفين في الزبيلين وقال له: احمل الآن؛ فحمله، فلما رآه خفيفا قال: ما ~~أعقلك من شيخ! حفر أعرابي لقوم قبرا في أيام الطاعون بدرهمين، فلما أعطوه ~~الدرهمين قال: بأبي دعوهما عندكم حتى يجتمع لي ثمن ثوب. كانت أم عمرو بنت ~~جندب بن عمرو بن جمعة السدوسي عند عثمان بن عفان، وكانت حمقاء تجعل ~~الخنفساء في فيها ثم تقول: حاجيتك ما في فمي؟ وهي أم عمرو وأبان ابني ~~عثمان. # إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا زيد بن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه ~~عن جده قال: رأيت طارقا وهو وال لبعض الخلفاء من بني أمية على المدينة يدعو ~~بالغداء فيتغدى على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون فيه العظم ~~الممخ فينكته على رمانة المنير فيأكله. # قال أم غزوان الرقاشي لابنها- ورأته يقرأ في المصحف-: يا غزوان، # PageV02P046 # أما تجد فيه بعيرا لنا ضل في الجاهلية؟ فما كهرها «1» وقال: يا أمه، أجد ~~والله فيه وعدا حسنا ووعيدا شديدا. # سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى قال: قال ابن أبي عتيق لرجل: ما اسمك؟ ~~قال: وثاب؛ قال: فما كان اسم كلبك؟ قال: عمرو؛ قال: # واخلافاه! قال أبو الدرداء: علامة الجاهل ثلاث: العجب، وكثرة المنطق فيما ~~لا يعنيه، وأن ينهى عن شيء ويأتيه. أغمي على رجل من الأزدفصاح النساء ~~واجتمع الجيران وبعث أخوه إلى غاسل الموتى فجاء فوجده حيا بعد: فقال أخوه: ~~اغسله فإنك لا تفرغ من غسله حتى يقضي. وقال أردشير: بحسبكم دلالة على عيب ~~الجهل أن كل إنسان ينتفي منه ويغضب إذا نسب إليه. وكان يقال: لا يغرنك من ~~الجاهل قرابة ولا أخوة ولا إلف فإن أحق الناس بتحريق النار أقربهم منها. # قال عمر بن عبد العزيز: خصلتان لا تعدمانك من الجاهل: كثرة الإلتفات ~~وسرعة الجواب. وقال عمر بن الخطاب: إياك ومؤاخاة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك ~~فيضرك. وقال بعضهم: لأن أزاول أحمق أحب إلي من أن أزاول نصف أحمق، يعني ~~الأحمق المتعاقل. وقال هشام بن عبد الملك: # يعرف حمق الرجل بأربعة: بطول لحيته، وبشناعة كنيته، ونقش خاتمه، وإفراط ~~شهوته؛ فدخل عليه ذات يوم شيخ طويل العثنون «2» ، فقال هشام: أما هذا فقد ~~جاء بواحدة، فانظروا أين هو من الثلاث؛ فقيل له: ما كنيتك؟ فقال: # PageV02P047 # أبو الياقوت؛ وقالوا: ما نقش خاتمك؟ قال: وجاؤ على قميصه بدم كذب «1» # . وفي حكاية أخرى وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد # «2» ؛ فقيل له: أي الطعام تشتهي؟ فقال: جلنجبين «3» ، وفي حكاية أخرى ~~مصاصة «4» . # سمع عمر بن عبد العزيز رجلا ينادي رجلا: يا أبا العمرين، فقال: لو كان له ~~عقل كفاه أحدهما. وقال أبو العاج يوما لجلسائه- وكان يلي واسط-: # إن الطويل لا يخلو من أن يكون فيه إحدى ثلاث: أن يفرق الكلاب، أو يكون في ~~رجله قرحة، أو يكون أحمق، وما زلت وأنا صغير في رجلي قرحة، وما فرق الكلاب ~~أحد فرقي، وأما الحمق فأنتم أعلم بواليكم. ويقال: الأحمق أعلم بشأنه من ~~العاقل بشأن غيره. وقال بشار: [طويل] # خليلي إن العسر سوف يفيق ... وإن يسارا في غد لخليق # وما كنت إلا كالزمان إذا صحا ... صحوت وإن ماق الزمان أموق «5» # ذريني أشب همي براح فإنني ... أرى الدهر فيه كربة ومضيق # وقال رجل: فلان إلى من يداوي عقله أحوج منه إلى من يداوي بدنه. # قيل لبعض الحكماء: متى يكون الأدب شرا من عدمه؟ قال: إذا كثر الأدب ونقص ~~العقل. # PageV02P048 # وقرأت في كتاب للهند: من الحمق التماس الرجل الإخوان بغير وفاء، والأجر ~~بالرياء، ومودة النساء بالغلظة، ونفع نفسه بضر غيره، والعلم والفضل بالدعة ~~والخفض. وفيه: ثلاثة يهزأ بهم: مدعي الحرب ولقاء الزحوف وشدة النكاية في ~~الأعداء وبدنه سليم لا أثر به، ومنتحل علم الدين والاجتهاد في العبادة وهو ~~غليظ الرقبة أسمن من الأثمة، والمرأة الخلية تعيب ذات الزوج. # وفيه: من يعمل بجهل خمسة: مستعمل الرماد في جنته بدلا من الزبل، ومظهر ~~مستور عورته، والرجل يتزيا بزي المرأة والمرأة تتزيا بزي الرجل، والمتملك ~~في بيت مضيفه، والمتكلم بما لا يعنيه ولا يسأل عنه. وفيه: الأدب يذهب عن ~~العاقل السكر ويزيد الأحمق سكرا، كما أن النهار يزيد كل ذي بصر بصرا ويزيد ~~الخفافيش سوء بصر. وكانوا يكرهون أن يزيد منطق الرجل على عقله. # قال الشاعر في جاهل: [منسرح] # ما لي أرى الناس يأخذون ويع ... طون ويستمتعون بالنشب «1» # وأنت مثل الحمار أبهم لا ... تشكو جراحات ألسن العرب # سمع الأحنف رجلا يقول: ما أبالي أمدحت أم هجيت، فقال الأحنف: # إسترحت من حيث تعب الكرام. # كان عامر بن كريز أبو عبد الله بن عامر من حمقى قريش، نظر إلى ابنه عبد ~~الله وهو يخطب فأقبل على رجل إلى جانبه وقال: إنه والله خرج من هذا وأشار ~~إلى ذكره «2» . # PageV02P049 # ومن حمقى قريش العاص بن هشام أخو أبي جهل وكان أبو لهب قامره فقمره ماله ~~ثم داره ثم قليله وكثيره وأهله ونفسه فاتخذه عبدا وأسلمه قينا، فلما كان ~~يوم بدر بعث به عن نفسه فقتل ببدر كافرا، قتله عمر بن الخطاب، وكان خال ~~عمر. ومن حمقى قريش الأحوص بن جعفر بن عمرو بن حريث، قال له يوما مجالسوه: ~~ما بال وجهك أصفر! أتشتكي شيئا؟ وأعادوا عليه ذلك، فرجع إلى أهله يلومهم ~~ويقول لهم: أنا شاك ولا تعلمونني! ألقوا علي الثياب وابعثوا إلى الطبيب. ~~وتمارض مرة فعاده أصحابه وجعل لا يتكلم، فدخل شراعة بن عبيد الله بن ~~الزندبوذ وكان أملح أهل الكوفة، فعرف أنه متمارض فقال: يا فلان، كنا أمس ~~بالحيرة فأخذنا الخمر ثلاثين قنينة بدرهم، والخمر يومئذ ثلاث قناني بدرهم، ~~فرفع الأحوص رأسه وقال: كذا مني في كذا من أم الكاذب، واستوى جالسا، فنثر ~~أهله على شراعة السكر؛ فقال له شراعة: اجلس لا جلست وهات شرابك، فشربا ~~يومهما. # ومن حمقى قريش بكار بن عبد الملك بن مروان، وكان أبو ه ينهاه أن يجالس ~~خالد بن يزيد بن معاوية لما يعرف من حمق ابنه، فجلس يوما إلى خالد، فقال ~~بكار: أنا والله كما قال الأول: [بسيط] # مردد في بني اللخناء ترديدا # وكان له باز فقال لصاحب الشرطة: أغلق أبواب المدينة لئلا يخرج البازي. # ومن حمقى قريش معاوية بن مروان أخو عبد الملك بن مروان. بينا هو واقف ~~بباب دمشق ينتظر عبد الملك على باب طحان نظر إلى حمار الطحان بدور الرحا ~~وفي عنقه جلجل، فقال للطحان: لم جعلت في عنق الحمار # PageV02P050 # جلجلا؟ فقال: ربما أدركتني سامة أو نعسة فإذا لم أسمع صوت الجلجل علمت ~~أنه قام فصحت به؛ فقال معاوية: أرأيت إن قام وحرك رأسه ما علمك أنه قائم؟ ~~قال الطحان: ومن لحماري بمثل عقل الأمير!. وقال معاوية هذا لأبي امرأته؛ ~~ملأتنا ابنتك البارحة بالدم؛ فقال: إنها من نسوة يخبأن ذلك لأزواجهن. وقال ~~له أيضا يوما آخر: لقد نكحت ابنتك بعصبة ما رأت مثلها قط؛ قال: لو كنت ~~عنينا ما زوجناك. # ومن حمقى قريش سليمان بن يزيد بن عبد الملك، قال يوما لعن الله الوليد ~~أخي فإنه كان فاجرا، والله لقد أرادني على أن يفعل بي؛ فقال له قائل: # أسكت فوالله لئن كان هم لقد فعل. # خطب سعيد بن العاص عائشة بنت عثمان على أخيه، فقالت: هو أحمق لا أتزوجه ~~أبدا، له برذونان «1» أشهبان فهو يحتمل مؤونة اثنين وهما عند الناس واحد. ~~وأخبرني رجل أنه كان له صديق له برذونان في شية «2» واحدة فكنا لا نظن إلا ~~أن له برذونا واحدا، وغلامان يسميان جميعا بفتح، وكان إذا دعا واحدا قال: ~~يا فتح الكبير، وإذا دعا الآخر قال: يا فتح الصغير. # قال أبو عبيدة: أرسل ابن لعجل «3» بن لجيم فرسا له في حلبة فجاء سابقا، ~~فقال لأبيه: يا أبت، بأي شيء أسميه؟ فقال: إفقأ إحدى عينيه وسمه الأعور. ~~وقال الشاعر: [طويل] # رمتني بنو عجل بداء أبيهم ... وأي عباد الله أنوك من عجل! # PageV02P051 # أليس أبوهم عار عين جواده ... فأضحت به الأمثال تضرب في الجهل «1» # ومن عجل دغة «2» التي يضرب بها المثل في الجهل، فيقال: هي دغة بنت مغنج؛ ~~ويقال: دغة لقب، واسمها مارية بنت زمعة. قال أبو اليقظان: # ومن عجل حيان بن غضبان ورث نصف دار أبيه فقال: أريد أن أبيع حصتي من ~~الدار وأشتري النصف الباقي فتصير كلها لي. # ومن القبائل المشهور فيها الحمق الأزد. قال رجل منهم في المهلب بن أبي ~~صفرة: [رجز] # نعم أمير الرفقة المهلب ... أبيض وضاح كتيس الحلب «3» # ينقض بالقوم انقضاض الكوكب # فلما أنشده المهلب قال: حسبك رحمك الله!. # ومن أشعارهم: [بسيط] # PageV02P052 # يا رب جارية في الحي حالية ... كأنها عومة «1» في جوف راقود # وقال آخر منهم: [طويل] # زياد بن عمرو عينه تحت حاجبه ... وأسنانه بيض وقد طر «2» شاربه # وقال عمر بن لجإ «3» يصف إبلا: # تصطك ألحيها على دلائها «4» ... تلاطم الأزد على عطائها # وقال أبو حية النميري: [كامل] # وكأن غلى دنانهم في دورهم ... لغط العتيك «5» على خوان زياد # كتب مسلمة بن عبد الملك إلى يزيد بن المهلب: والله ما أنت بصاحب هذا ~~الأمر، صاحب هذا الأمر مغمور موتور وأنت مشهور غير موتور؛ فقام إليه رجل من ~~الأزد فقال: قدم ابنك مخلدا حتى يقتل فتصير موتورا. # قام رجل من الأزد إلى عبيد الله بن زياد فقال: أصلح الله الأمير، إن ~~امرأتي هلكت وأردت أن أتزوج أمها وأزوج ابني ابنتها وهذا عريفي «6» ، فأعني ~~في الصداق؛ فقال: في كم أنت من العطاء؟ قال: في سبعمائة؛ قال: حطا عنه ~~أربعمائة، يكفيك ثلاثمائة. # ومن حمقى الأزد قبيصة بن المهلب، رأى جرادا يطير فقال: لا يهولنكم # PageV02P053 # ما ترون فإن عامتها موتى. وقال يوما: رأيت غرفة فوق بيت. وقال لغلامه: # اذهب إلى بياض الملاء. # ومن حمقى العرب كلاب بن صعصعة، خرج إخوته يشترون خيلا وخرج معهم كلاب ~~فجاء بعجل يقوده؛ فقال له إخوته: ما هذا؟ قال: فرس اشتريته؛ قالوا: يا ~~مائق، هذه بقرة أما ترى قرنيها! فرجع إلى بيته فقطع قرنيها، فأولاده يدعون ~~«بني فارس البقرة» . قال الكميت «1» : [طويل] # ولولا أمير المؤمنين وذبه ... بخيل عن العجل المبرقع» ما صهل # وكان شذرة بن الزبرقان من الحمقى، دخل يوم الجمعة المسجد فأخذ بعضادتي ~~«3» الباب ثم قال: السلام عليكم، أيلج شذرة؟ فقالوا له: هذا يوم لا يستأذن ~~فيه؛ قال: أفيلج مثلي على جماعة مثل هؤلاء ولا يعرف مكانه؟ # عوانة قال: استعمل معاوية رجلا من كلب؛ فذكر المجوس يوما فقال: لعن الله ~~المجوس ينكحون أمهاتهم، والله لو أعطيت عشرة آلاف ما نكحت أمي؛ فبلغ ذلك ~~معاوية، فقال: قبحه الله! أترونه لو زادوه فعل! وعزله. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: سأل القوم الحارث بن جران أن يعينهم في ~~تأسيس مسجد؛ فقال: قيروه وعلي الودع. # خطب والي اليمامة فقال: إن الله لا يقار على المعاصي عباده، وقد أهلك أمة ~~عظيمة في ناقة ما كانت تساوي مائتي درهم؛ فسمي مقوم الناقة. # شرد بعير لهبنقة، واسمه يزيد بن ثروان، فقال: من وجد بعيري فهو # PageV02P054 # له؛ فقيل له: وما ينفعك من هذا؟ قال: إنكم لا تدرون ما حلاوة الوجدان. # وقال المنصور للربيع: كيف تعرف الريح؟ قال: أنظر إلى خاتمي فإن كان سلسا ~~فهي شمال وإلا فهي جنوب؛ فسأل القاسم بن محمد الطلحي عن ذلك؛ فقال: أضرب ~~بيدي إلى خصيتي فإن كانتا قد قلصتا فهي شمال وإن كانتا متدليتين فهي جنوب. # قال أبو كعب القاص في قصصه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في كبد ~~حمزة: ما قد علمتم فادعوا الله أن يطعمنا من كبد حمزة. وكان يقول في قصصه: ~~ليس في خير ولا فيكم، فتبلغوا بي حتى تجدوا خيرا مني. وقال هو أو غيره في ~~قصصه: كان اسم الذئب الذي أكل يوسف كذا وكذا؛ قالوا: فإن يوسف لم يأكله ~~الذئب؛ قال: فهذا اسم الذئب الذي لم يأكل يوسف. # حدثني عبد الرحمن بن عبد الله عن عمه قال: كان قاص يقص في المسجد فيقول: ~~مثل الكافر مثل قصر الإسكاف خارجه حسن وداخله مخرأة، ومثل المؤمن مثل قصر ~~زربي «1» جداره كالح وداخله زهرة. ويقول: وما الدنيا! أخزى الله الدنيا! ~~إنما مثلها مثل أير حمار، بينا هو قد أنعظ «2» إذ طفىء. # وقال: المؤمن غذاؤه فلقة وسمكته شلقة ودواؤه علقة ومرقته سلقة «3» . # أصابت داود المصاب مصيبة فاغتم؛ فقال له صاحب له: لا تتهم الله # PageV02P055 # في قضائه؛ فقال داود: أقول لك شيئا وتكتمه؟ قال: نعم: قال: والله ما ~~صاحبي غيره. واستشاره رجل في حمل أمه إلى البصرة، وقال: إن حملتها في البر ~~خفت عليها اللصوص، وإن حملتها في الماء خفت عليها الغرق؛ فقال: خذ بها ~~سفتجة «1» . # دعا بعض السلاطين مجنونين ليضحك منهما، فأسمعاه فغضب فدعا بالسيف؛ فقال ~~أحدهما للآخر: كنا اثنين وقد صرنا ثلاثة. قال رجل لابن سيابة مولى بني أسد: ~~ما أراك تعرف الله؛ قال: أتراني لا أعرف من أجاعني وأعراني وأخزاني. # قيل لأعرابي: كيف برك بأمك؟ قال: ما قرعتها سوطا قط. وقيل لآخر وهو يضرب ~~أمه: ويحك! تضرب أمك! فقال: أحب أن تنشأ على أدبي. وقال بعض الشعراء: ~~[طويل] # جنونك مجنون ولست بواجد ... طبيبا يداوي من جنون جنون # وقال آخر: [طويل] # وكيف يفيق الدهر كعب بن ناشب ... وشيطانه بين الأهلة يصرع # وقال أعرابي وذكر الله عز وجل: [كامل] # خلق السماء وأهلها في جمعة ... وأبوك يمدر حوضه «2» في عام # كان أبو العاج والي واسط، وأتاه صاحب شرطته بقوادة فقال: أصلح الله ~~الأمير، هذه قوادة؛ قال: وأي شيء تصنع؟ قال: تجمع بين الرجال # PageV02P056 # والنساء؛ قال: لماذا؟ قال: للزنا؛ قال: وإنما أتيتني بها لتعرفها منزلي! ~~خل عنها لعنك الله. وأتاه يوما بمخنث؛ فقال له: ما هذا؟ قال: مخنث؛ قال: ~~وما يصنع؟ قال: ينكح كما تنكح المرأة؛ قال: يبذل هذا استه وأحظر أنا عليه! ~~اذهب يا ابن أخي فارتد لها. # خطب وكيع بن أبي سود بخراسان فقال: إن الله خلق السموات والأرض في ستة ~~أشهر؛ فقيل له: إنها ستة أيام؛ فقال: والله لقد قلتها وأنا أستقلها. # تغدى رجل عند سليمان بن عبد الملك وهو يومئذ ولي عهد وقدامة جدي، فقال له ~~سليمان: كل من كليته فإنها تزيد في الدماغ؛ فقال: لو كان هذا هكذا كان رأس ~~الأمير مثل رأس البغل. # أبو عبيدة: أجريت الخيل فطلع منها فرس سابق فجعل رجل من النظارة يكبر ~~ويثب من الفرح؛ فقال له رجل إلى جانبه: يا فتى، هذا الفرس فرسك؟ # قال: لا ولكن اللجام لي. دخل أبو عتاب على عمرو بن هداب وقد كف بصره ~~والناس يعزونه، فقال: يا أبا زيد، لا يسوءنك ذهابهما، فإنك لو رأيت ثوابهما ~~في ميزانك تمنيت أن الله قطع يديك ورجليك ودق ظهرك. كان رجل يقود أعمى ~~بكراء، فكان الأعمى ربما عثر فيقول: اللهم أبدلني به قائدا خيرا منه؛ ويقول ~~القائد: اللهم أبدلني أعمى خيرا منه. # ادعى أبو بكر الشيباني إلى العرب ذات ليلة فأصبح من الغد على الشمس فقعد ~~فيها فثارت به مرة، فجعل يحك جسده بأظفاره خمشا ويقول: # إنما نحن إبل؛ فقال له قائل: والله إنك تشبه العرب؛ فغضب وقال: أيقال لي # PageV02P057 # هذا! إنا والله حرباء تنضبة «1» ، يشهد لي سواد لوني وغؤور «2» عيني وحبي ~~للشمس. # قيل لأبي السفاح عند موته: أوصه؛ فقال: إنا لكرام قوم طخفة «3» ؛ قالوا: ~~قل خيرا يا أبا السفاح؛ فقال: إن أحبت امرأتي فأعطوها بعيرا؛ قالوا: # قل خيرا؛ قال: إذا مات غلامي فهو حر. وقيل لرجل عند موته: قل لا إله إلا ~~الله، فأعرض، فأعادوا عليه مرارا، فقال: أخبروني عن أبي طالب أقالها عند ~~موته؟ قالوا: وما أنت وأبو طالب! قال: لا أرغب بنفسي عنه. ولما احتضر ~~العجير السلولي قال لقوم عنده: أنا في آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من ~~أيام الآخرة، والله لئن وجدت لي عند الله موضعا لأكلمنه فيكم. وقيل لأوس ~~ابن حارثة عند موته: قل لا إله إلا الله، فقال: لم يأن لها بعد. وقيل لآخر ~~عند موته: ألا توصي؟ قال: أنا مغفور لي؛ قالوا: قل إن شاء الله، قال: قد ~~شاء الله ذلك، قالوا: لا تدع الوصية، فقال لبني أخيه: [رجز] # بني حريث ارفعا وسادي ... واحتفظا بالجلة الجلاد # فإنما حولكما الأعادي # قال سهل بن هارون: ثلاثة من المجانين وإن كانوا عقلاء: الغضبان # PageV02P058 # والغيران والسكران؛ قالوا: فما تقول في المنعظ «1» ؟ فضحك وقال: [وافر] # وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذي لا تصبحينا «2» # قال الوليد: ألا إن أمير المؤمنين عبد الملك كان يقول: إن الحجاج جلدة ما ~~بين عيني، ألا وإن الحجاج جلدة وجهي كله. # خطب عتاب «3» بن ورقاء فحث على الجهاد وقال: هذا كما قال الله تعالى: ~~[خفيف] # كتب القتل والقتال علينا ... وعلى الغانيات جر الذيول # وقال آخر في الربيع والي اليمامة: [طويل] # شهدت بأن الله حق لقاؤه ... وأن الربيع العامري رقيع # أقاد لنا كلبا بكلب ولم يدع ... دماء كلاب المسلمين تضيع # دخل شاب على المنصور فسأله عن وفاة أبيه، فقال: مات رحمه الله يوم كذا ~~وكذا، وكان مرضه رضي الله عنه كذا وكذا، وترك عفا الله عنه من المال كذا ~~وكذا؛ فانتهره الربيع وقال: أبين يدي أمير المؤمنين توالي الدعاء لأبيك؟ ~~فقال الشاب: لا ألومك، إنك لم تعرف حلاوة الآباء؛ فما علم أن المنصور ضحك ~~مثل ضحكه يومئذ. وكان الربيع لقيطا. # دخل رجل من بني هاشم على المنصور فاستجلسه ودعا بغدائه فقال للفتى: أدنه؛ ~~فقال: قد تغديت؛ فلما خرج استخف به الربيع ودفع في قفاه، # PageV02P059 # وقال: هذا كان يسلم من بعيد وينصرف، فلما استدناه أمير المؤمنين وأمره ~~بالجلوس ودعاه إلى طعامه تبذل بين يديه فبلغ من جهل بفضيلة المنزلة التي ~~صيره فيها أن قال: قد تغديت، وإذا ليس عنده لمن تغدى مع أمير المؤمنين إلا ~~سد خلة الجوع. # يونس الهجري قال: مات رجل من جند أهل الشام فحضر الحجاج جنازته، وكان ~~عظيم القدر، فصلى وجلس على قبره وقال: لينزل قبره بعض إخوانه؛ فنزل نفر ~~منهم، فقال أحدهم وهو يسوي عليه: رحمك الله أبا فلان! إن كنت ما علمتك ~~لتجيد الغناء وتسرع رب الكأس، ولقد وقعت في موقع سوء لا تخرج منه إلى الدكة ~~«1» ؛ فما تمالك الحجاج أن ضحك فأكثر، وكان لا يكثر الضحك في جد ولا هزل، ~~ثم قال له: لا أم لك! هذا موضع هذا! قال: أصلح الله الأمير، فرسي حبيس لو ~~سمعه يتغنى: [مديد] # يا لبيني أوقدي النارا «2» # لانتشر الأمير على سعنة «3» ، وكان الميت يلقب سعنة، وكان من أوحش خلق ~~الله صورة وأدمهم؛ فقال الحجاج: إنا لله! أخرجوه عن القبر، ثم قال: ما أبين ~~حجة أهل العراق في جهلكم يا أهل الشام. ولم يبق أحد حضر القبر إلا استفرغ ~~ضحكا تبع داود بن المعتمر امرأة ظن أنها من الفواسد، فقال لها: لولا ما ~~رأيت عليك من سيما الخير لم أتبعك؛ فضحكت المرأة وأسندت ظهرها إلى الحائط # PageV02P060 # ثم قالت: إنما يعتصم مثلي من مثلك بسيما الخير، فإذا صار سيما الخير هو ~~الدال لمثلك على مثلي فالله المستعان. كان بهلول المجنون يتغنى بقيراط ولا ~~يسكت إلا بدانق «1» . وكان رجل يهوى جارية تختلف في حوائج أهلها، وكانت إذا ~~خرجت إلى السوق ولم يعلم بخروجها ثم رجعت فرآها قال وهو يسمعها: # لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير # «2» ، وإن وعدته شيئا فأخلفت قال: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا ~~تفعلون # «3» ، فإن تغضبت لشيء بلغها عنه قال: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق ~~بنبإ فتبينوا # «4» . # مر بعض الحمقى بامرأة قاعدة على قبر وهي تبكي، فرق لها وقال: من هذا ~~الميت؟ قالت: زوجي؛ قال: فما كان عمله؟ قالت: يحفر القبور؛ قال: # أبعده الله أما علم أن من حفر حفرة وقع فيها! أحدث رجل من الحمقى ليلة ~~على باب رجل، فلما خرج الرجل زلق ووقع على ذراعه فانكسرت، واجتمع الجيران ~~وجعلوا يختصمون ويوقعون الظنون وهو ناحية يسمع كلامهم، فلما أكثروا قال: ~~[وافر] # رأيت الحرب يجنيها رجال ... ويصلى حرها قوم براء # فأخذوه وقالوا: أنت صاحبنا. قال داود المصاب: رأيت رؤيا نصفها حق ونصفها ~~باطل، رأيت كأن على عنقي بدرة «5» فمن ثقلها أحدثت فاستيقظت فرأيت الحدث ~~ولم أر البدرة. رئي أعرابي يبكي بكاء شديدا، فسئل عن سبب # PageV02P061 # بكائه فقال: بلغني أن جالوت قتل مظلوما. رأى رجل أحمق شيخا في الحمام ~~أعكن «1» البطن، فقال له: يا عم، إني أشتهي أن أضع هذا- يعني ذكره- في ~~سرتك؛ فقال له الشيخ: يا ابن أخي، فأين يكون استك حينئذ. نزل يهودي على ~~أعرابي فمات عنده، فقام الأعربي يصلي عليه فقال: اللهم إنه ضيف وحق الضيف ~~ما قد علمت، فأمهلنا إلى أن نقضي ذمامه ثم شأنك والكلب. # وحدثني عبد الرحمن عن الأصمعي قال: كان بين اثنين عبد فقام أحدهما فجعل ~~يضربه؛ فقال له الآخر شريكه: ما تصنع! قال: إنما أضرب حصتي. قال أعرابي ~~لرجل: ما اسمك؟ قال: عبد الله، قال: ابن من؟ قال: # ابن عبيد الله، قال: أبو من؟ قال: أبو عبد الرحمن، قال: أشهد إنك لتلوذ ~~بالله لواذ يتيم جبان. قال بعضهم: رأيت رجلين بالبصرة على باب مويس ~~يتنازعان في العنب النيروزي والرازقي: أيهما أطيب، فجرى بينهما كلام إلى أن ~~تواثبا، فقطع الكوفي إصبع البصري وفقأ البصري عين الكوفي، ثم لم ألبث إلا ~~يسيرا حتى رأيتهما متصافيين متنادمين. # قال: وقال ثمامة: مررت في غب سماء والأرض ندية والسماء متغيمة والريح ~~شمال وإذا شيخ أصفر كأنه جرادة، وقد قعد على قارعة الطريق وحجام يحجمه على ~~كاهله وأخدعيه بمحاجم كأنها قعاب وقد مص دمه حتى كاد يستفرغه؛ فوقفت وقلت: ~~يا شيخ لم تحتجم؟ قال: لمكان الصفار الذي بي. # أتى الطمحان قوما يعود عليلا لهم فعزاهم به؛ قالوا: إنه لم يمت؛ فرجع وهو ~~يقول: يموت إن شاء الله، يموت إن شاء الله. # أبو حاتم عن الأصمعي عن نافع قال: كان الغاضري من أحمق الناس؛ # PageV02P062 # فقيل له: ما حمقه؟ فجعل يتربث «1» ، فلما أكثر عليه قال: قال لي مرة: ~~البحر من حفره؟ وها حفر فأين نبيثته «2» ؟ أترى أمير المؤمنين يقدر على أن ~~يحفر مثله في ثلاثة أيام؟ # دخل رجل من الحمقى من الشعراء على رجل من الأشراف يقال في نسبه، فقال: ~~إني قد امتدحتك بشعر لم تمدح قط بأنفع لك منه؛ قال: ما أحوجني إلى المنفعة ~~فهاته؛ فقال: [سريع] # سألت عن أصلك فيما مضى ... أبناء سبعين وقد نيفوا # فكلهم يخبرني أنه ... مهذب جوهره يعرق # فقال له: قم في لعنة الله وفي سخطه! لعنك الله ولعن من سألت ومن أجابك. # وحدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: جاء رجل من الأعراب إلى عمه فقال: يا عم ~~إن ولد جارية آل فلان مني فافتده، ففعل؛ ثم جاءه مرة أخرى فقال له مثل ذلك؛ ~~فقال له عمه؛ لو عزلت! قال: بلغني أن العزل مكروه. # قال: وحدثنا الأصمعي قال: بلغني عن شيخ جزع على ميت جزعا شديدا؛ فقيل له ~~في ذلك؛ فقال: نحن قوم لم نتعود الموت. # أبو الحسن الجعفري قال: قيل لكردم السدوسي: كل؛ قال: ما أريد؛ قيل: ولم؟ ~~قال: أكلت قليل أرز «3» فأكثرت منه. ضل بعير لأعرابي فجعل ينشده إلى أن دخل ~~الإمارة فأخذ منها بعيرا؛ فقيل له: إن بعيرك كان أعرابيا؛ قال: إنه لما أكل ~~من مال الإمارة تبخت «4» . # PageV02P063 # الهيثم عن ابن عباس قال: لما ولي مروان وجه جيش حبيش بن دلجة القيني إلى ~~المدينة وكان يصعد المنبر ومعه الكتلة من التمر فيأكلها ثم يلقي النوى على ~~وجوه أهل المدينة يمينا وشمالا، ثم يقول: يا أهل المدينة، إني لأعلم أن هذا ~~المكان في حرمته وموضعه ليس موضع أكل ولا شرب، ولكني أحب أن أريكم هوانكم. ~~قيل لمعلم بن معلم: مالك أحمق؟ قال: لو لم أكن أحمق كنت ولد زنا. قال بعض ~~الشعراء [طويل] # فإن كنت قد بايعت مروان طائعا ... فصرت إذا بعد المشيب معلما # وقال آخر: [طويل] # وكيف ترجي العقل والرأي عند من ... يروح على أنثى ويغدو على طفل # ابن المدائني قال: تحول أبو عبد الله الكرخي إلى الخريبة «1» فادعى الفقه ~~وظن أن ذلك يجوز لمكان لحيته وسمته، فألقى على باب داره البواري «2» وجلس ~~فجلس إليه قوم فقال له رجل منهم: يا أبا عبد الله، رجل في الصلاة أدخل ~~إصبعه في أنفه فخرج عليها دم، أي شيء يصنع؟ قال: يحتجم رحمك الله؛ فقال له ~~السائل: ظننت أنك فقيه ولم أدر أنك طبيب. قال رجل للشعبي: إني أجد في قفاي ~~حكة فترى لي أن أحتجم؟ فقال الشعبي: الحمد الله الذي نقلنا من الفقه إلى ~~الحجامة. وقال له آخر: رجل استمنى في يوم من شهر رمضان هل يؤجر؟ قال: أوما ~~يرضى أن يفلت رأسا برأس. نازع التيمي رجل من بني عمه في حائط بينهما فبعث ~~إلى قوم يشهدهم، فأتاه جماعة من القبائل، فوقف بهم على ذلك الحائط وقال: ~~أشهدكم جميعا أن # PageV02P064 # نصف هذا الحائط لي. وقدم آخر رجلا إلى القاضي في شيء يدعيه عليه، فأنكر ~~الرجل، فقال: أيها القاضي، أكتب إنكاره؛ فقال القاضي: الإنكار في يدك متى ~~شئت. # قال مسعدة بن طارق الذراع: إنا لوقوف على حدود دار لنقسمها ونحن في ~~خصومة، إذ أقبل سيد بني تميم وموسرهم والمصلي على جنائزهم، فأمسكنا عن ~~الكلام؛ فقال: حدثوني عن هذه الدار هل ضم منها بعضنا إلى بعض أحدا؟ قال ~~مسعدة: فأنا منذ ستين سنة أفكر في كلامه فما أدري ما عنى. أتت جارية أبا ~~ضمضم فقال: إن هذا قبلني؛ فقال: يا فتى، أذعن لها بحقها، قبليه عافاك الله ~~كما قبلك، فإن الله يقول: والجروح قصاص # «1» . # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: ألقيت على رجل فريضة فاشتدت عليه فجعل ~~يحسب غيرها؛ فقالوا له في ذلك؛ فقال: عسى أن يكون ترك غير ما ذكروا، حدثني ~~محمد بن عمر عن ابن كناسة قال: قال بعض الطالبيين لأشعب: لو رويت الحديث ~~وتركت النوادر كان أنبل لك؛ قال: والله قد سمعت الحديث ورويته؛ قال: ~~فحدثنا؛ قال: حدثني نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ~~«خلتان من كانتا فيه كان من خالصة الله» ؛ قال: هذا حديث حسن فما هما؟ قال: ~~نسي نافع واحدة ونسيت أنا الأخرى. وكان بالبصرة ثلاثة إخوة من ولد عتاب بن ~~أسيد كان أحدهم يحج عن حمزة ويقول: أستشهد قبل أن يحج، وكان الآخر يضحي عن ~~أبي بكر وعمر ويقول أخص؟؟؟ لسنة في ترك الأضحية، وكان الآخر يفطر عن عائشة ~~أيام # PageV02P065 # التشريق ويقول: غلطت في صومها أيام العيد، فمن صام عن أبيه وأمه فأنا ~~أفطر عن أمي عائشة. # قال ثمامة: كنا في منزل رجل من الدهاقين «1» وفينا شيخ منهم، فأتى رب ~~البيت بدهن طيب فدهن بعضنا رأسه وبعضنا لحيته ومسح بعضنا شاربه وبعضنا ~~يديه، فقال أحدهم: ادهنوا أستاهكم «2» تأمنوا الحزاز «3» ، وأمروها على ~~وجوهكم؛ فأخذ شيخ منهم بطرف إصبعه فأدخله في أنفه ومسح حاجبيه، فعمد الشيخ ~~إلى بقية الدهن فصبه في أذنه؛ فقلنا له: ويحك! هل رأيت أحدا أتي بدهن طيب ~~فصبه في أذنه؟ قال: إنه مع هذا يضرني. # قال عبد الله بن المبارك: كان عندنا رجل يكنى أبا خارجة، فقلت له: # لم كنوك أبا خارجة؟ قال: لأني ولدت يوم دخل سليمان بن علي البصرة. قال ~~عمرو بن بحر: ذكر لي ذاكر عن شيخ من الإباضية أنه جرى ذكر الشيعة عنده ~~فأنكر ذلك واشتد غضبه؛ فقلت له: ما أنكرت؟ قال: أنكر مكان الشين في أول ~~الكلمة لأني لم أجدها قط إلا في مسخوط عليه مثل شؤم وشر وشيطان وشح وشغب ~~وشيب وشك وشرك وشتم وشيعة وشطرنج وشاكي وشانىء وشجج وشوصة «4» وشابشتى ~~وشكوى؛ فقلت: ما تقوم بهؤلاء قائمة أبدا. قال: # وسمعت رجلا يقول: عجبت لمن يأخذه النوم وهو لا يزعم أن الاستطاعة مع ~~الفعل؛ فقلت له: ما الدليل على ذلك؟ فقال: سبحان الله! الأشعار الصحاح؛ ~~قلت: مثل ماذا؟ قال: مثل قول رؤبة «5» : [رجز] ما إن يقعن الأرض إلا وفقا # PageV02P066 # وقوله «1» : [رجز] # يهوين شتى ويقعن وفقا «2» # وقوله: [طويل] # مكر مقر مقبل مدبر معا «3» # وقولهم في المثل: «وقعا كعكمي «4» عير» ثم قال: هل في هذا مقنع؟ قلت: بلى ~~وفي دون هذا. # وعد رجل رجلا من الحمقى أن يهدي له من مكة نعلا، فطال عليه الإنتظار، ~~فأخذ قارورة فبال فيها ثم أتى بها الطبيب ثم قال: أنظر في هذا الماء هل ~~يهدي لي بعض إخواني نعلا حضرمية؟. وقال الزيادي: مر أشعب برجل يعمل طبقا ~~وقال له: زد فيه طوقا؛ قال: ولم؟ قال: لعله يهدي لي فيه شيء. # أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثنا إبراهيم بن القعقاع قال: رأيت أشعب بسوق ~~المدينة معه قطيفة قد ذهب خملها وهو يقول: من يشتري مني # PageV02P067 # الرمدة «1» ؟ فأتاه رجل فساومه؛ قال: أبرأ إليك من عيب فيها؛ قال: وما ~~هو؟ # قال: تحترق إن أنت لبستها. # سقط أعرابي من بعير له، فانكسرت ضلع من أضلاعه فأتى الجابر يستوصفه؛ ~~فقال: خذ تمرا جيدا فانزع أقماعه ونواه واعجنه بسمن ثم اضمده عليه؛ قال: أي ~~بأبي أنت من داخل أم من خارج؟ قال: من خارج؛ قال: لا أبا لشانئك هو من داخل ~~أنفع لي؛ قال: ضعه حيث تعلم أنه أنفع. # مات ابن صغير لأعرابي، فقيل له: نرجو أن يكون لك شفيعا؛ فقال: # لا وكلنا الله إلى شفاعته، حسبه المسكين أن يقوم بأمر نفسه. # جاء أعرابي إلى المسجد والإمام يخطب، فقال لبعض القوم: ما هذا؟ # قال: يدعون الناس إلى الطعام؛ قال: فما يقول صاحب المنبر؟ قال: يقول ما ~~يرضى الأعراب أن يأكلوا حتى يحملوا معهم؛ فتخطى الأعرابي الناس حتى دنا من ~~الوالي فقال: يا هذا، إن الذين يفعلون ما تقول سفهاؤنا. # أخذ الحجاج لصا أعرابيا فضربه سبعمائة سوط فكلما قرعه بسوط قال: # اللهم شكرا؛ فأتاه ابن عم له فقال: والله ما دعا الحجاج إلى التمادي في ~~ضربك إلا كثرة شكرك، لأن الله يقول: لئن شكرتم لأزيدنكم # «2» ؛ فقال: إن هذا في كتاب الله؟ فقال: اللهم نعم؛ فأنشأ الأعرابي يقول: ~~[رجز] # يا رب، لا شكر فلا تزدني ... أسرفت في شكرك فاعف عني # باعد ثواب الشاكرين مني # فبلغ الحجاج فخلي سبيله. جاء أعرابي إلى صيرفي بدرهم؛ قال: هذا # PageV02P068 # ستوق «1» ؛ فقال الأعرابي: وما هو الستوق بأبي أنت؟ قال: داخله نحاس ~~وخارجه فضة؛ قال: ليس كذلك؛ قال: أكسره فإن كان كذلك فأنا منه بريء؟ # قال: نعم؛ فكسره فلما رأى النحاس قال: بأبي أنت، متى أموت؟ فأنا أشهد أنك ~~تعلم الغيب. # لما حضرت الحطيئة الوفاة قال: احملوني على حمار فإنه لم يمت عليه كريم قط ~~فلعلي أن أبقى، ثم تمثل: [طويل] # لكل جديد لذة غير أنني ... رأيت جديد الموت غير لذيذ # المدائني قال: دعا رجل بمكة لأمه؛ فقال له قائل: فما بال أبيك؟ قال: # هو رجل يحتال لنفسه. قيل لأشعب: أرأيت أحدا قط أطمع منك؟ قال: نعم خرجت ~~إلى الشام فنزلت أنا ورفيق لي بدير فيه راهب، فتلاحينا في أمر فقلت: الكاذب ~~منا كذا من الراهب في كذا من أمه، فأتى الراهب وقد أنعظ «2» وهو يقول: بأبي ~~من الكاذب منكما؟. مر إسحاق بن سليمان بن علي الهاشمي بقاص وهو يقرأ: ~~يتجرعه ولا يكاد يسيغه # «3» فتنفس ثم قال: اللهم اجعلنا ممن يتجرعه ويسيغه. # الأصمعي عن أبيه: قلت لأعرابي: أفيكم زنا؟ قال: بالحرائر؟ ذاك عند الله ~~عظيم، ولكن مساعاة بهذه الإماء. موسى بن طلحة قال: جاءنا علي بن أبي طالب ~~رحمه الله ونحن في المسجد شباب من شباب قريش، فنحينا له عن الأسطوانة ~~وقلنا: هاهنا يا عم؛ فقال: يا بني أخي، أنتم لشيوخكم خير # PageV02P069 # من مهرة «1» فإنه إذا كبر الشيخ فيهم شدوه عقالا ثم يقال له: ثب فيه، فإن ~~وثب خلوا سبيله وقالوا: فيه بقية من علالة، وإن لم يثب قدموه فضربوا علاوته ~~«2» وقالوا: لا يصيبك عندنا بلاء. # قيل لبحر بن الأحنف: ما يمنعك أن تكون مثل أبيك؟ قال: الكسل. # وقال يوما لزبراء جارية أبيه: يا زانية؛ فقالت: لو كنت كذلك جئت أباك ~~بمثلك. أبو الحسن قال: جاء قوم إلى رجل من الوجوه فقالوا له: مات جارك فلان ~~فمر لنا بكفن؛ فقال: ما عندنا اليوم شيء ولكن تعودون؛ قالوا: أفنملي إلى أن ~~يتيسر عندك شيء!. وأتى رجل رجلا فقال له: أصلحك الله، تعيرنا ثوبا نكفن فيه ~~ميتا؟. قال قاسم التمار في كلام له: بينهما كما بين السماء إلى قريب من ~~الأرض. وقال أيضا: رأيت إيوان كسرى فإذا هو كأنما رفعت اليد عنه أول من ~~أمس. # كان عبد الملك بن هلال الهينابي له زبيل «3» مملوء حصا للتسبيح، فكان ~~يسبح بواحدة واحدة، فإذا مل طرح ثنتين ثنتين ثم ثلاثا ثلاثا، فإذا زاد ~~ملاله طرحه قبضة قبضة وقال: سبحان الله عددك، فإذا ضجر أخذ بعرى الزبيل ~~وقال: الحمد لله بعدد هذا كله. دخل قوم منزل الرستمي لأمر وقع، فحضر وقت ~~صلاة الظهر فقالوا: كيف القبلة في دارك هذه؟ فقال: إنما نزلناها منذ شهر. # المدائني عن علي بن مجاهد عن حميد بن أبي البختري أن الشعبي # PageV02P070 # قال: مرضت فلقيت ابن الحر فأمرني أن أمشي كل يوم إلى الثوية، فكنت أغدو ~~كل يوم إليها، فانصرفت ذات يوم فلما كنت في جهينة الظاهرة إذا شيخ منهم ~~قاعد على طنفسة «1» متكيء على وسادة، فسلمت ثم ألقيت نفسي على الرمل؛ فقال: ~~لقد جلست جلسة عاجز أو ضعيف؛ قلت: قد جمعتهما؛ قال: # أدام الله لك ذلك. ثم قال: إن أهلي كانوا يتخوفون علي ثلاثا؛ نقصان البصر ~~وترك النساء والقطاف في المشي، فوالله إنهم ليرون الشخص واحدا وأراه اثنين، ~~ولقد تركت النساء فما لي فيهن من حاجة، وإني لأمشي فأهملج «2» ؛ قلت: أدام ~~الله لك ذلك. # قال المدائني: ركب يزيد بن نهشل النهشلي بعيرا وقال: اللهم إنك قلت: وما ~~كنا له مقرنين # «3» وإني لبعيري هذا لمقرن؛ فنفر به فطرحه وبقيت رجله في الغرز، فجعل ~~يضرب برأسه كل حجر ومدر «4» حتى مات. # حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: اختصمت الطفاوة وبنو راسب «5» في رجل ~~يدعيه الفريقان إلى ابن عرباض، فقال: الحكم بينكم أبين من ذلك، يلقى في ~~النهر فإن طفا فهو لطفاوة، وإن رسب فهو لبني راسب. # المدائني قال: لما حضرت الحطيئة الوفاة قيل له: أوص؛ قال: بم أوصي! مالي ~~للذكور دون الإناث؛ فقالوا: إن الله لم يأمر بهذا؛ فقال: لكني # PageV02P071 # آمر به، ثم قال: ويل للشعر من راوية الشعر؛ فقيل له: أوص يا أبا مليكة ~~للمساكين بشيء؛ قال: أوصيهم بالمسألة ما عاشوا فإنها تجارة لن تبور. قيل: # أعتق عبد يسارا؛ قال: اشهدوا أنه عبد ما بقي. قيل: فلان اليتيم ما توصي ~~فيه؟ قال: أوصي أن تأكلوا ماله وتنيكوا أمه؛ قالوا: ليس إلا هذا! قال: # احملوني على حمار فإنه لم يمت عليه كريم لعلي أنجو؛ ومات مكانه. # لما حضرت سعد بن زيد الوفاة جمع ولده وقال: يا بني، أوصيكم بالناس شرا ~~كلموهم نزرا، وانظروا إليهم شزرا، ولا تقبلوا لهم عذرا؛ قصروا الأعنة، ~~واشحذوا الأسنة، تأكلوا القريب، ويرهبكم البعيد. ولما حضرت وكيعا الوفاة ~~دعا بنيه فقال: يا بني، إني لأعلم أن قوما سيأتونكم قد أقرحوا جباههم ~~وعرضوا لحاهم يدعون أن لهم على أبيكم دينا فلا تقضوهم، فإن أباكم قد حمل من ~~الذنوب ما إن غفر الله له لم تضرره، وإلا فهي مع ما تقدم. # تقدم رجل من بني العنبر إلى سوار فقال: إن أبي مات وتركني وأخا لي، وخط ~~خطين ناحية، ثم قال: وهجينا لنا، ثم خط خطا آخر ناحية، ثم قال: كيف ينقسم ~~المال بيننا؟ فقال: المال بينكم أثلاثا إن لم يكن وارث غيركم؛ فقال له: لا ~~أحسبك فهمت، إنه تركني وأخي وهجينا لنا؛ فقال سوار: المال بينكم سواء؛ فقال ~~الأعرابي أيأخذ الهجين كما آخذ ويأخذ أخي؟ قال أجل! فغضب الأعرابي وقال: ~~تعلم والله أنك قليل الخالات بالدهناء «1» ؛ فقال سوار: إذا لا يضرني ذلك ~~عند الله شيئا. # PageV02P072 # قال بعض العمال الأعرابي: ما أحسبك تدري كم تصلي في كل يوم وليلة؛ فقال: ~~أرأيت إن أنبأتك بذلك تجعل لي عليك مسألة؟ قال: نعم: قال الأعرابي: [رجز] # إن الصلاة أربع وأربع ... ثم ثلاث بعدهن أربع # ثم صلاة الفجر لا تضيع # قال: قد صدقت، فسل؛ قال: كم فقار ظهرك؟ قال: لا أدري؛ قال: # أفتحكم بين الناس وأنت تجهل هذا من نفسك؟. # أخبرني رجل حضر مجلس محمد بن الجهم البرمكي أنه دخل عليه رجل يكتب في ~~حوائج له؛ فقرأها ووعده قضاءها؛ فنهض وهو يدعو له وقال: # أبقاك الله وحفظك وأتم نعمته عليك؛ فقال له محمد بن الجهم: كتابي إليك ~~وأنا في عافية. ### | طبائع الإنسان # حدثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبه أنه وجد في ~~التوراة: إني حين خلقت آدم ركبت جسده من أربعة أشياء ثم جعلتها وراثة في ~~ولده تنمي في أجسادهم وينمون عليها إلى يوم القيامة: رطب ويابس وسخن وبارد، ~~وذلك لأني خلقته من تراب وماء ثم جعلت فيه نفسا وروحا، فيبوسة كل جسد من ~~قبل التراب، ورطوبته من قبل الماء، وحرارته من قبل النفس، وبرودته من قبل ~~الروح، ثم خلقت الجسد بعد هذا الخلق الأول أربعة أنواع من الخلق الآخر وهي ~~معلاك الجسد بإذني وقوامه، لا يقوم # PageV02P073 # الجسد إلا بهن ولا تقوم واحدة إلا بهن، المرة الصفراء والمرة السوداء ~~والدم والبلغم، ثم أسكنت بعض هذه الخلق في بعض فجعلت مسكن اليبوسة في المرة ~~السوداء ومسكن الرطوبة في الدم ومسكن البرودة في البلغم ومسكن الحرارة في ~~المرة الصفراء، فأيما جسد اعتدلت فيه هذه الفطر الأربع فكانت كل واحدة منهن ~~ربعا لا يزيد ولا ينقص كملت صحته واعتدل بنيانه، وإن زادت واحدة منهن ~~غلبتهن وقهرتهن ومالت بهن ودخل على أخواتها السقم من ناحيتها بقدر ما زادت ~~وإذا كانت ناقصة تقل عنهن ملن بها وعلونها وأدخلن عليها السقم من نواحيهن ~~لقلتها عنهن حتى تضعف عن طاقتهن وتعجز عن مقاومتهن. قال وهب: وجعل عقله في ~~دماغه وشرهه في كليته، وغضبه في كبده، وصرامته في قلبه، ورعبه في رئته، ~~وضحكه في طحاله وحزنه وفرحه في وجهه، وجعل فيه ثلاثمائة وستين مفصلا. # قال: حدثني زيد بن أخزم قال: حدثنا بشر بن عمر عن أبي الزناد عن أبيه عن ~~الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل ابن آدم تأكل ~~الأرض إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب» . وقالت الحكماء: الخنث يعتري ~~الأعراب والأكراد والزنج والمجانين وكل صنف إلا الخصيان فإنه لا يكون خصي ~~مخنث. وقالوا: كل ذي ريح منتنة وذفر كالتيس وما أشبهه، إذا خصي نقص نتنه ~~وذهب صنانه «1» غير الإنسان فإن نتنه يشتد وصنانه يحد وعرقه يخبث وريحه. ~~وكل شيء من الحيوان يخصى فإن عظمه يدق، فإذا دق عظمه استرخى لحمه وتبرأ من ~~عظمه خلا الإنسان فإنه إذا خصي طال عظمه وعرض. # وقالوا: الخصي والمرأة لا يصلعان، والخصي تطول قدمه وتعظم. وبلغني أنه ~~كان لمحمد بن الجهم برذون رقيق الحافر فخصاه فجاد حافره، اعتبر ذلك # PageV02P074 # بالإنسان إذا خصي عظمت رجله. قالوا: والخصي يشتد وقع رجله لأن معاقد عصبه ~~تسترخي، ويعتريه الاعوجاج والفدع «1» في أصابعه، وتسرع دمعته، ويتخدد «2» ~~جلده، ويسرع غضبه ورضاه، ويضيق صدره عن كتمان السر. # ويزعم قوم أن أعمارهم تطول لترك الجماع، قالوا: وتلك علة طول عمر البغل. ~~وقالوا: علة قصر عمر العصفور كثرة سفاده «3» . قالوا: وشأن الغريق إذا كان ~~رجلا ثم ظهر على الماء أن يظهر على قفاه، وإن كان امرأة أن تظهر على وجهها. ~~والرجل إذا ضربت عنقه سقط على وجهه ثم يقلبه ذكره إذا انتفخ. # قالوا: وفي الغلمان من لا يحتلم أبدا، وفي النساء من لا تحيض أبدا، وذلك ~~عيب. وفي الناس من لا يسقط ثغره ولا يستبدل منه، منهم عبد الصمد بن علي ~~ذكروا أنه دخل قبره برواضعه «4» . والضب لا تسقط له سن. وكذلك الخنزير لا ~~يلقي شيئا من أسنانه. ولذلك تقول العرب في مثل لها: لا آتيك سن الحسل «5» ~~يريدون لا آتيك أبدا. وتقول الأطباء: إنه ليس شيء من الحيوان يستطيع أن ~~ينظر إلى أديم السماء الا الإنسان، وذلك لكرامته على الله. ويقول بعضهم؛ إن ~~الجنين يغتذي دم الحيض يسيل إليه من السرة بغذائه؛ وقالوا: لذلك لا تحيض ~~الحوامل. وقد رأينا من الحوامل من تحيض. # PageV02P075 # والعرب تقول: حملت فلانة سهوا، إذا حاضت على الحمل. قال الهذلي «1» يمدح ~~رجلا: [كامل] # ومبرإ من كل غبر حيضة ... ورضاع مغيلة وداء معضل «2» # فأعلمك أنها لم تر عليه دم حيض في حملها، ودل على أنه قد يكون. # قالوا: فإذا خرج الجنين من الرحمن دفعت الطبيعة ذلك الدم الذي كان يغتذيه ~~إلى الثديين، وهما عضوان ناهدان عصبيان فغيراه وجعلاه لبنا. يقول الله عز ~~وجل: وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا ~~خالصا سائغا للشاربين # «3» . قالوا: والإنسان يعيش حيث تحيا النار ويتلف حيث لا تبقى النار. ~~وأصحاب المعادن والحفائر إذا هجموا على نفق في بطن الأرض أو مغارة قدموا ~~شمعة في طرف قناة فإن ثبتت النار وعاشت دخلوا في طلب ما يريدون وإلا ~~أمسكوا. والعرب تتشاءم ببكر ولد الرجل إذا كان ذكرا. # وكان قيس بن زهير أزرق بكرا بين بكرين. # حدثني محمد بن عائشة عن حماد عن قتادة عن عبد الله بن الحارث بن # PageV02P076 # نوفل قال: بكر البكرين شيطان مخلد لا يموت إلى يوم القيامة؛ يعني من ~~الشياطين. قالوا: وابن المذكرة من النساء والمؤنث من الرجال أخبث ما يكون، ~~لأنه يأخذ بأخبث خصال أبيه وخصال أمه. والعرب تذكر أن الغيرى لا تنجب. قال ~~عمرو «1» بن معد يكرب: [متقارب] # ألست تصير إذا ما نسب ... ت بين المغارة «2» والأحمق # وقال بعض الحكماء: كل امرأة أو دابة تبطىء عن الحبل، إذا واقعها الفحل في ~~الأيام التي يجري الماء في العود فإنها تحمل بإذن الله. قال عبيد الله بن ~~الحسن: إذا أردت أن تذكر المرأة فأغضبها ثم قع عليها. وقال الحارث ابن ~~كلدة: إذا أردت أن تحبل المرأة، فمشها في عرضة الدار عشرة أشواط فإن رحمها ~~ينزل فلا تكاد تخلف. والعرب تقول: إن المرأة إذا لقحت في قبل الطهر «3» في ~~أول الشهر عند تبلج الفجر ثم أذكرت «4» جاءت به لا يطاق. قال الشاعر وجمع ~~هذه المعاني: [خفيف] # لقحت في الهلال عن قبل الطه ... ر وقد لاح للصباح بشير # ويقولون: إذا أكره الرجل المرأة وهي مذعورة ثم أذكرت أنجبت. قال أبو كبير ~~الهذلي: [كامل] # حملت به في ليلة مزؤودة «5» ... كرها وعقد نطاقها لم يحلل # PageV02P077 # فأتت به حوش الفؤاد مبطنا ... سهدا، إذا ما نام ليل الهوجل «1» # ومبرإ من كل غبر حيضة ... ورضاع مغيلة وداء معضل «2» # يقول: لم تر عليه في حملها دما باقيا من حيضة ولا حملته وهي ترضع ولا ~~أرضعته وهي حامل؛ فكانت العرب تكره ذلك وتسب به. وقال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم» : لقد هممت أن أنهى عن الغيلة «3» ثم ذكرت أن فارس والروم ~~يفعلونه فلا يضرهم» وفي حديث آخر: «إنه ليدرك الفارس فيدعثره» أي يطرحه. # حدثني إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا يحيى بن آدم عن الحسن قال: # رأيت جدة ابنة إحدى وعشرين سنة. قال: وأول أوقات حمل المرأة تسع سنين، ~~وهو أول وقت الوطء. ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة وهي بنت تسع. # وقال عبد الله بن صالح: حدثني الليث عن ابن عجلان أن امرأته حملت له مرة ~~وأقامت خمس سنين حاملا ثم ولدت له، وحملت له مرة أخرى ثلاث سنين ثم ولدت. ~~قال الليث: وحملت مولاة لعمر بن عبد العزيز ثلاث سنين حتى خافت أن يكون في ~~جوفها داء ثم ولدت غلاما، قال الليث: ورأيت أنا ذلك الغلام وكانت أمه تأتي ~~أهلنا. وفي بعض الحديث أن عيسى بن مريم عليه السلام ولدته أمه لثمانية ~~أشهر، ولذلك لا يولد مولود لثمانية أشهر فيعيش. وروى زيد بن الحباب عن ابن ~~سنان قال: حدثني ثابت بن جابان العجلي أن الضحاك بن مزاحم ولد وهو ابن ستة ~~عشر شهرا. فأما يزيد بن هارون فإنه روى عن جويبر أن الضحاك ولد لسنتين. ~~وولد شعبة لسنتين. # PageV02P078 # حدثنا الرياشي أو رجل عنه قال: حدثنا أبو عاصم عن عبد الله بن مؤمل عن ~~ابن أبي مليكة أن عمر رحمه الله قال: يا بني السائب، إنكم قد أضويتم ~~فانكحوا في النزائع «1» . قال: وقال الأصمعي: قال رجل: بنات العم أصبر، ~~والغرائب أنجب، وما ضرب رؤوس الأبطال كابن عجمية. والعرب تقول: # اعتربوا لا تضووا، أي انكحوا في الغرائب فإن القرائب يضوين الأولاد. قال ~~الشاعر: [رجز] # إن بلالا لم تشنه أمه ... لم يتناسب خاله وعمه # وقال آخر: [طويل] # تنجبتها للنسل وهي غريبة ... فجاءت به كالبدر خرقا «2» معمما # فلو شاتم الفتيان في الحي ظالما ... لما وجدوا غير التكذب مشتما «3» # وكان يقال: أنجب النساء الفروك «4» ، لأن الرجل يغلبها على الشبه لزهدها ~~في الرجال. # وحدثني أبو حاتم عن الأصمعي أن المنجبة التي تنزع بولدها إلى أكرم ~~الجدين. أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثنا حرب بن قطن قال: يقال: إن الرجل ~~يستفرغ ولد امرأتين، يولد له وهو ابن تسعين سنة. وقالت عائشة: لا تلد امرأة ~~بعد خمسين سنة. قالت الحكماء: الزنج شرار الخلق وأردؤهم تركيبا؛ لأن بلادهم ~~سخنت فأحرقتهم الأرحام، وكذلك من بردت بلاده فلم # PageV02P079 # تطبخه الأرحام، وإنما فضل أهل بابل لعلة الاعتدال؛ قالوا: والشمس شيطت ~~«1» شعورهم فقبضتها، والشعر إذا أدنيته إلى النار تجعد، فإن زدته تفلفل، ~~فإن زدته احترق وقالوا: أطيب الأمم أفواها الزنج وإن لم تستن «2» ؛ وكل ~~إنسان رطب الفم كثير الريق فهو طيب الفم؛ وخلوف فم الصائم يكون لخثورة «3» ~~الريق؛ وكذلك الخلوف في آخر الليل. وقالت الحكاء. كل الحيوان إذا ألقي في ~~الماء سبح إلا الإنسان والقرد والفرس الأعسر «4» ، فإن هذه تغرق ولا تسبح ~~إلا أن يتعلم الإنسان السباحة. قالوا: والرجل إذا ضربت عنقه فألقي في الماء ~~قام في وسط الماء وانتصب ولم يلزم القعر جاريا كان الماء أو ساكنا، حتى إذا ~~جيف انقلب وظهر بدنه كله مستلقيا إلا المرأة فإنها تظهر منكبة على وجهها. ~~وقالوا: كل من قطعت يداه لم يجد العدو، وكذلك الطائر إذا قطعت رجلاه لم يجد ~~الطيران. قالوا: وليس في الأرض هارب من حرب أو غيرها يستعمل الحضر «5» إلا ~~أخذ عن يساره إلا أن يترك عزمه أو سوم طبيعته. ولذلك قالوا: فجاءك على ~~وحشية «6» ، وأنحى «7» على شؤمى يديه. # وقالوا: كل ذي عين من ذوات الأربع من السباع والبهائم الوحشية والإنسية ~~فإنما الأشفار لجفنه الأعلى إلا الإنسان فإن الأشفار- نعني الهدب- لجفنيه: # الأعلى والأسفل. قالوا: ليس في الأرض إنسان إلا وهو يطرب من صوت نفسه ~~ويعتريه الغلط في شعره وولده. قال الطائي: [كامل] # PageV02P080 # ويسيء بالإحسان ظنا لا كمن ... هو بابنه وبشعره مفتون # وقالوا: كل ذي جلد فإن جلده ينسلخ إلا جلد الإنسان؛ فإنه لا ينسلخ كما ~~تنسلخ جلود الأنعام ولكن اللحم يتبعه. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن ابن أبي طرفة الهذلي عن جندب بن شعيب قال: ~~إذا رأيت المولود قبل أن يغتذي من لبن أمه فعلى وجهه مصباح من البيان «1» ؛ ~~يريد أن ألبان النساء تغيره؛ ولذلك قولهم: اللبن يشتبه عليه؛ يراد أنه ينزع ~~بالمولود في شبه الظئر «2» . قال الشاعر: [بسيط] # لم أرضع الدهر إلا ثدي واحدة ... لواضح الوجه يحمي ساحة الدار. # وحدثني الزيادي قال: حدثنا عبد الوارث عن يونس عن الحسن أن عمر أتي ~~بامرأة ولدت لستة أشهر فهم بها؛ فقال له علي: قد يكون هذا، قال الله عز ~~وجل: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا # «3» وقال: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين # «4» . # أبو حاتم عن الأصمعي قال: اختصم رجلان في غلام كلاهما يدعيه؛ فسأل عمر ~~أمه؛ فقالت: غشيني أحدهما ثم هرقت دما، ثم غشيني الآخر، # PageV02P081 # فدعا عمر قائفين «1» فسألهما؛ فقال أحدهما: أعلن أم أسر؛ قال: إشتركا ~~فيه؛ فضربه عمر حتى اضطجع ثم سأل الآخر، فقال مثل قوله؛ فقال: ما كنت أرى ~~أن مثل هذا يكون. وقد علمت أن الكلبة يسفدها «2» الكلاب فتؤدي إلى كل فحل ~~نجله. وركب الناس في أرجلهم وركب ذوات الأربع في أيديها، وكل طائر كفه في ~~رجليه. ### | ما نقص خلقه من الحيوان # حدثني أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: الفرس لا طحال له، والبعير لا مرارة ~~له، والظليم «3» لا مخ لعظمه. قال زهير: [وافر] # كأن الرحل منها فوق صعل «4» ... من الظلمان جؤجؤه «5» هواء # وكذلك طير الماء وحيتان البحر لا ألسنة لها ولا أدمغة. وصفن «6» البعير ~~لا بيضة فيه. والسمكة لارئة لها ولذلك لا تتنفس، وكل ذي رئة يتنفس. ### | المشتركات من الحيوان # الراعي «7» بين الورشان «8» والحمامة. والبخاتي «9» من الإبل بين العراب ~~«10» # PageV02P082 # والفوالج «1» . والحمير الأخدرية من الأخدر وهو فرس كان لأردشير توحش ~~فحمى عانات «2» من الحمير فضرب فيها، وأعمارها كأعمار الخيل. والزرافة بين ~~الناقة من نوق الوحوش وبين البقرة الوحشية وبين الضبعان «3» ؛ واسمها ~~اشتركا و پلنك «4» أي بين الجمل والكركند «5» ؛ وذلك أن الضبعان ببلاد ~~الحبشة يسفد الناقة فتجيء لولد خلقه بين الناقة والضبع، فإن كان ولد الناقة ~~ذكرا عرض للمهاة «6» فألقحها زرافة. وسميت زرافة لأنها جماعة وهي واحدة ~~كأنها جمل وبقرة وضبع؛ والزرافة في كلام العرب الجماعة. وقال صاحب المنطق: # الكلاب تسفدها الذئاب في أرض سلوقية «7» فيكون منها الكلام السلوقية. ### | المتعاديات # بين البوم والغراب عداوة. وبين الفأرة والعقرب عداوة. وبين الغراب وابن ~~عرس «8» عداوة. وبين الحدأة والغداف «9» عداوة. وبين العنكبوت وبين العظاءة ~~«10» عداوة. وبين الحية وبين ابن عرس عداوة. وبين ابن آوى «11» # PageV02P083 # والدجاج عداوة. وبين السنور والحمام عداوة. وبين البوم وبين جميع الطير ~~عداوة، لأن البومة ردية البصر ذليلة بالنهار فإذا كان الليل لم يقو عليها ~~شيء، والطير تعرف ذلك من حالها فهي بالنهار تضربها وتنتف ريشها، ولحرصها ~~على ذلك صار الصائد ينصبها للطير. وبين الحمار وبين عصفور الشوك عداوة، ~~ومتى نهق الحمار سقط بيض عصفور الشوك. وبين الحمار وبين الغراب عداوة. وبين ~~الحية والخنزير عداوة. والغراب مصادق للثعلب. والثعلب مصادق للحية. والجمل ~~يكره قرب الفرس أبدا ويقاتله. وبين الأسد وبين الفيل عداوة. ويقال: إن ~~الأسد والنمر مختلفان، والأسد والببر «1» متفقان. ### | الأمثال المضروبة بالطبائع # يقال: فلان «أسمع من قراد «2» » ؛ والقردان تكون عند الماء فإن قربت ~~الإبل منها تحركت وانتعشت، فيستدلون بذلك على إقبال الإبل. و «أسمع من فرس» ~~. و «أحزم من فرخ العقاب» ، وذلك أنه يكون في عرض الجبل فلا يتحرك فيسقط. و ~~«أحلم من حية» . و «أهدى من قطاة وحمامة» . و «أخف رأسا من الذئب» . و ~~«أنوم من فهد» . و «أظلم من حية» ، وذلك لأنها تدخل حجرة الحشرات وتخرجها. ~~و «أحذر من غراب» . و «أصنع من تنوط» ، وهو طائر يصنع عشا مدلى من الشجر. و ~~«أصنع من سرفة» ، وهي دويبة تعمل بيتا من قطع العيدان. و «أسرق من زبابة» ، ~~وهي فأرة برية. و «أسرق من كندش» # PageV02P084 # وهو العقعق؛ ويقال أيضا: «أحمق من عقعق» لأنه من الطير الذي يضيع فراخه. ~~و «أخرق من حمامة» ، وذلك لأنها لا تجيد عمل العش فربما وقع البيض فانكسر. ~~قال عبيد بن الأبرص «1» : [مجزوء الكامل] # عيوا بأمر همو كما ... عيت ببيضتها الحمامه # جعلت لها عودين من ... نشم وآخر من ثمامه «2» # يقول: قرنت النشم بالثمام وهو ضعيف فتكسر ووقع البيض فانكسر. # وفي الإنجيل أن المسيح عليه السلام قال للحواريين: كونوا حلماء كالحيات ~~وبلها كالحمام. و «أعق من ضب» ، لأنه يأكل ولده من الجوع. و «أبر من هرة» ، ~~وهي تأكل ولدها من شدة محبته. و «أروغ من ثعلب» . و «أموق من رخمة «3» » . ~~و «أزهى من ذباب» لأنه يقع على أنف الملك وتاجه. و «أصنع من الدبر» ، وهي ~~النحل. و «أسمح من لافظة» ، ويقال: هي العنز تسمح بالحلب، ويقال: الرحا، ~~لأنها تلفظ ما تطحنه لا تحبس منه شيئا. و «أصرد من عين حرباء «4» » . و ~~«ألح من الخنفساء» . و «أخيل من مذالة» ، وهي الأمة تهان وهي تتبختر. و ~~«أحلم من فرخ الطائر» . و «أكيس من قشة» ، وهي القردة. و «أجبن من صافر «5» ~~» ، وهو ما صفر من الطير، ويقال: هو الصافر # PageV02P085 # بالمرأة للريبة. و «أنم من صبح» . و «أبعد من بيض الأنوق» ، والأنوق: # الرخمة تبيض في أعالي الجبال والشواهق حيث لا يبلغه سبع ولا طائر. # و «أشجع من ليث عفرين» «1» ، قال بعضهم: هو الأسد، كأنه قال: أشجع من ليث ~~ليوث تعفر من نازعها وتصرعه، وقال الأصمعي: هو دابة مثل الحرباء يتحدى ~~الراكب ويضربه بذنبه. و «أحن من شارف» ، وهي الناقة المسنة. # و «أسرع من عدوى الثؤباء» «2» . و «أروى من النقاقة» ، وهي الضفادع. و ~~«أزنى من قرد» ، ويقول بعضهم: إنه رجل من هذيل كان كثير الزنا. و «أخدع من ~~ضب» . و «أشأم من الزرقاء» «3» وهي ناقة. ### | الأنعام # حدثني يزيد بن عمرو عن عبد العزيز الباهلي عن الأسود بن عبد الرحمن عن ~~أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما خلق الله دابة ~~أكرم عليه من النعجة وذلك أنه ستر عورتها ولم يستر عورة غيرها» . # وقال: حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن إهاب بن عمير قال: كان لنا جمل يعرف ~~كشح الحامل من غير أن يشمها. قيل لابنة الخس «4» : ما تقولين في مائة من ~~المعز؟ قالت: قنى؛ قيل: فمائة من الضأن؟ قالت: غنى؛ قيل: # PageV02P086 # فمائة من الإبل؟ قالت: منى. والعرب تضرب المثل في الصرد بالمعزى فتقول: ~~«أصرد من عنز جرباء» «1» . وسئل دغفل عن بني مخزوم، فقال: معزى مطيرة، ~~عليها قشعريرة، إلا بني المغيرة؛ فإن فيهم تشادق الكلام، ومصاهرة الكرام. # وقالت العرب فيما تقول على ألسنة البهائم: قالت المعزى: الاست جهوى «2» ، ~~والذنب ألوى؛ والجلد رقاق، والشعر دقاق. قالوا: والضأن تضع مرة في السنة ~~وتفرد ولا تتئم «3» ، والماعز قد تلد مرتين في السنة، تضع الثلاثة وأكثر ~~وأقل، والنماء والبركة والعدد في الضأن؛ وكذلك الخنازير تضع الأنثى منها ~~عشرين خنوصا ولا نماء فيها. ويقال: الجواميس ضأن البقر، والبخت ضأن الإبل، ~~والبراذين ضأن الخيل، والجرذان ضأن الفأر، والدلدل ضأن القنافذ، والنمل ضأن ~~الذر. ويقول الأطباء في لحم الماعز: إنه يورث الهم ويحرك السوداء ويورث ~~النسيان ويخبل الأولاد ويفسد الدم، ولحم الضأن يضر بمن يصرع من المرة «4» ~~إضرارا شديدا حتى يصرعهم في غير أوان الصرع. وأوان الصرع الأهلة وأنصاف ~~الشهور؛ وهذان الوقتان هما وقت مد البحر وزيادة الماء والدم. ولزيادة القمر ~~إلى أن يصير بدرا أثر في زيادة الدم والدماغ وجميع الرطوبات؛ قال الشاعر ~~«5» : [وافر] # PageV02P087 # كأن القوم عشوا لحم ضأن ... فهم نعجون قد مالت طلاهم «1» # وفي الماعزة: إنها ترتضع من خلفها «2» وهي محفلة حتى تأتي على كل ما فيه؛ ~~قال ابن أحمر: [بسيط] # إني وجدت بني أعيا وجاملهم ... كالعنز تعطف روقيها فترتضع «3» # وإذا رعت الضائنة والماعزة في قصير نبت لم ينبت ما تأكله الماعزة لأن ~~الضائنة تقرضه بأسنانها والماعزة تقتلعه وتجذبه فتنثره من أصله. وإذا حمل ~~على الماعزة فحملت أنزلت اللبن في أول الحمل إلى الضرع، والضائنة لا تنزل ~~اللبن إلا عند الولاد، ولذلك تقول العرب: «رمدت المعزى فرنق رنق» «4» و ~~«رمدت الضأن فربق ربق» «5» . # وذكور كل شيء أحسن من إناثه إلا التيوس فإنها أقبح من الصفايا. # PageV02P088 # وأصوات الذكور من كل شيء أجهر وأغلظ إلا إناث البقر فإنها أجهر أصواتا من ~~ذكورها. # قيل لأعرابي: بأي شيء تعرف حمل شاتك؟ قال: إذا ورم حياؤها ورجت شعرتها ~~واستفاضت خاصرتها. # قال الأصمعي: لبني عقيل ماعزة لا ترد، تجترىء بالرطب. وقرأت في كتاب من ~~كتب الروم: إن أردت أن تعرف ما لون جنين النعجة فانظر إلى لسانها فإن ~~الجنين يكون على لونه. وقرأت فيه أن الإبل تتحامى أمهاتها وأخواتها فلا ~~تسفدها. # قالوا: وكل ثور أفطس «1» ، وكل بعير أعلم «2» ، وكل ذباب أقرح «3» . # وقالوا: البعير إذا صعب وخافه الناس استعانوا عليه حتى يبرك ويعقل ثم ~~يركبه فحل آخر فيذل. والعرب تعرف البعير المغد «4» بسقوط الذباب عليه. # ويقولون: بعير مذبوب إذا عرض له داء يدعو الذباب إلى السقوط عليه. وقال ~~بعض القصاص: مما فضل الله به الكبش أن جعله مستور العورة من قبل ومن دبر، ~~ومما أهان به التيس أن جعله مهتوك الستر مكشوف القبل والدبر. # حدثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أمية عن وهب بن منبه أنه قال: # كان في مناجاة عزير: اللهم إنك اخترت من الأنعام الضائنة، ومن الطير ~~الحمامة، ومن النبات الحبلة «5» ، ومن البيوت بكة «6» وإيلياء، ومن إيلياء ~~بيت # PageV02P089 # المقدس. وفي الحديث أن امرأة أتت النبي عليه السلام فقالت: يا رسول الله، ~~صلى الله عليك، إني اتخذت غنما أبتغي نسلها ورسلها «1» وإنها لا تنمو فقال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم. «ما ألوانها» ؛ قالت: سود، فقال: «غفري» ، ~~«وبعث إلى الرعيان «من كانت له غنم سود فليخلطها بعفر فإن دم عفراء «2» ~~أزكى من دم سوداوين» . وقال: «الغنم إذا أقبلت أقبلت وإذا أدبرت أقبلت. ~~والإبل إذا أدبرت أدبرت وإذا أقبلت أدبرت ولا يأتي نفعها إلا من جانبها ~~الأشأم» «3» . والأقط «4» قد يكون من المعزى؛ قال امرؤ القيس: [وافر] # لنا غنم نسوقها غزار ... كأن قرون جلتها «5» عصي # فتملأ بيتنا أقطا وسمنا ... وحسبك من غنى شبع وري «6» # وقالوا: شقشقة البعير: لهاته يخرجها. ومن أحسن ما قيل في الغنم قول مخارق ~~«7» بن شهاب في تيس غنمه. [طويل] # PageV02P090 # وراحت أصيلانا كأن ضروعها ... دلاء وفيها واتد القرن لبلب «1» # له رعثات كالشنوف وغرة ... شديخ ولون كالوذيلة مذهب «2» # وعينا أحم المقلتين وعصمة ... يواصلها دان من الظلف مكنب «3» # إذا دوحة من مخرف الضال أذبلت ... عطاها كما يعطو ذرى الضال قرهب «4» # أبو الحور والغر اللواتي كأنها ... من الحسن في الأعناق جزع مثقب «5» # ترى ضيفها فيها يبيت بغبطة ... وضيف ابن قيس جائع يتحوب «6» # فوفد ابن قيس هذا على النعمان فقال: كيف المخارق فيكم؟ قال: # سيد كريم من رجل يمدح تيسه ويهجو ابن عمه. قال العجاج في وصف شاة: # حمراء المقدم شعراء المؤخر إذا أقبلت حسبتها نافرا، وإذا أدبرت حسبتها ~~ناثرا، أي كأنها تعطس، يريد من أي أقطارها رأيتها وجدتها مشرقة. # PageV02P091 # قال الأصمعي: قال أعرابي يهزأ بصاحبه: اشتر لي شاة فقماء «1» كأنها تضحك، ~~مندلقة «2» خاصرتاها، لها ضرع أرقط «3» كأنه جيب؛ قال: فكيف العطل؟ قال: ~~إني لهذا عطل! العطل: العنق. يقول: من سمنها يحسب أنه لا عنق لها. # ومما تقوله العرب على ألسنة البهائم. قالت الضائنة: أولد رخالا «4» وأجز ~~جفالا وأحلب كثبا ثقالا ولم تر مثلي مالا حفالا «5» . تقول: أجز مرة وذلك ~~أن الضائنة إذا جزت لم يسقط من صوفها شيء إلى الأرض حتى يؤتي عليه؛ والكثب ~~جمع كثبة وهي الدفعة من اللبن، تقول: أحلب دفعا ثقالا من اللبن، وذلك لأن ~~لبنها أدسم وأخثر من لبن المعز فهو أثقل. ### | السباع وما شاكلها # يقال: إنه ليس شيء من السباع أطيب أفواها من الكلام، ولا في الوحوش أطيب ~~أفواها من الظباء. ويقال: ليس شيء أشد بخرا من أسد وصقر، ولا في السباع ~~أسبح من كلب. وليس في الأرض فحل من جميع أجناس الحيوان لذكره حجم ظاهر إلا ~~الإنسان والكلب. والأسد لا يأكل الحاز ولا يدنو من النار ولا يأكل الحامض ~~وكذلك أكثر السباع. وتقول الروم: إن الأسد يذعر بصوت الديك ولا يدنو من ~~المرأة الطامث «6» . والأسد إذا بال شغر # PageV02P092 # كما يشغر الكلب «1» ؛ وهو قليل الشرب للماء، ونجوه «2» يشبه نجو الكلب، ~~ودواء عضته دواء عضة الكلب الكلب. وقالوا: العيون التي تضيء بالليل عيون ~~الأسد والنمور والسنانير والأفاعي. والعرب تقول هو «أحمق من جهيزة» وهي ~~الذئبة لأنها تدع ولدها وترضع ولد الضبع. ويقولون: الضبع إذا صيدت أو قتلت ~~عال الذئب أولادها وأتاها باللحم؛ قال الكميت: [طويل] # كما خامرت في بيتها أم عامر ... لذي الحبل حتى عال أوس عيالها «3» # أوس: الذئب. # وقالوا: ثلاثة من الحيوان ترجع في قيئها: الأسد والكلب والسنور، ويقال ~~الضب أيضا. وأمراض الكلاب ثلاثة: الكلب وهو جنون، والذبحة والنقرس. والعرب ~~تقول: دماء الملوك شفاء من عضة الكلب والجنون والخبل؛ قال الفرزدق: [طويل] # من الدارميين الذين دماؤهم ... شفاء من الداء المجنة والخبل # وبلغني عن الخليل بن أحمد أنه قال: دواء عضة الكلب الكلب الذراريح «4» ~~والعدس والشارب العتيق يصنع؛ وقد ذكر كيف صنعته وكم يشرب منه وكيف يتعالج ~~به، والكلب الكلب إذا عض إنسانا فربما أحاله نباحا مثله ثم أحبله وألقحه ~~بأجر «5» صغار تراها علقا في صور الكلاب. # قال أبو اليقظان: كان الأسود بن أوس بن الحمرة أتى النجاشي فعلمه # PageV02P093 # دواء الكلب، فهو في ولده إلى اليوم. فمن ولده المحل، وقد داوى المحل ~~عتيبة بن مرداس فأخرج منه مثل جراء الكلاب علقا، قال ابن فسوة «1» حين برأ: ~~[طويل] # ولولا دواء ابن المحل وعلمه ... هررت إذا ما الناس هر كليبها # وأخرج بعد الله أولاد زارع ... مولعة أكتافها وجنوبها «2» # الكليب: جمع كلب على غير قياس مثل عبد وعبيد. # وعض رجلا من بني العنبر كلب كلب فبال علقا في صور الكلاب، فقالت امرأته: ~~[طويل] # أبالك أدراصا «3» وأولاد زارع ... وتلك لعمري نهية المتعجب # ويزعمون أنه يطلب الماء أشد طلب، فإذا أتوه به صاح عند معاينته: لا أريد ~~لا أريد، أو شيئا في معنى ذلك. قالوا: وتمام حمل الكلبة ستون يوما، فإن ~~وضعت في أقل من ذلك لم تكد أولادها تعيش. وإناث الكلاب تحيض في كل سبعة ~~أيام؛ وعلامة ذلك أن يرم ثفر «4» الكلبة ولا تريد السفاد في ذلك الوقت. ~~وذكور السلوقية تعيش عشرين سنة، والإناث تعيش اثنتي عشرة سنة. # وليس يلقى الكلب شيئا من أسنانه سوى النابين. # قالوا: وعلامة سرعة الكلب أن يطول ما بين يديه ورجليه ويكون قصير الظهر. ~~ويوصف الكلب بصغر الرأس وطول العنق وغلظها وإفراط الغضف «5» # PageV02P094 # وزرق العينين وعظم المقلتين وطول الخطم «1» مع اللطافة وسعة الشدقين ~~ونتوء الحدقة ونتوء الجبهة وعرضها، وأن يكون الشعر الذي تحت حنكه طاقة طاقة ~~ويكون غليظا، وكذلك شعر خديه، ويكون قصير اليدين طويل الرجلين عريض الظهر ~~طويل الصدر، في ركبته انحناء. ويكره للذكور طول الأذناب. # ومن علامة الفراهة التي لا تكاد تخلف أن يكون على ساقيه أو على أحدهما أو ~~على رأس الذنب مخلب، وينبغي أن يقطع من الساقين. وسود الكلاب أعقرها. ولذلك ~~أمر بقتلها. # قالوا: وإذا هرم الكلب أطعم السمن مرارا فإنه يعود كالشاب، وإذا حفي «2» ~~دهنت استه وأجم «3» ومسح على يديه ورجليه القطران. وإذا بلغ أن يشغر فقد ~~بلغ الإلقاح. والكلب من الحيوان الذي يحتلم. قالوا في الكلبة: إنه يسفدها ~~كلب أسود وكلب أبيض وكلب أصفر فتؤدي إلى كل سافد شكله وشبهه. # قعد جماعة من أصحابنا يعدون ما جاء في الكلب من الأمثال فحفظت منه: «ألأم ~~من كلب على عرق» «4» و «أجع كلبك يتبعك» و «نعيم كلب في بؤس أهله» «5» و ~~«أسمن كلبك يأكلك» و «أحرص من كلب على عقي «6» صبي» # PageV02P095 # و «أجوع من كلبة حومل» «1» و «أبول من كلب» و «جلس فلان مزجر الكلب» و ~~«الكلاب على البقر» «2» و «الكلب أحب أهله إليه الظاعن» و «هو كالكلب في ~~الأذى لا يعتلف ولا يدع الدابة تعتلف» . ### | الذئب # الذئب إذا سفد الذئبة فالتحم الفرجان وهجم عليهما هاجم قتلهما كيف شاء، ~~إلا أنهما لا يكادان يوجدان كذلك، لأن الذئب إذا أراد السفاد توخى موضعا لا ~~يطؤه أنيس خوفا على نفسه. وتقول الروم: إن الذئب إذا نهش شاة ثم أفلتت منه ~~طاب لحمها وخف وسلمت من القردان. قالوا: والذئب إذا رأى إنسانا قبل أن يراه ~~الإنسان أبح الذئب صوت ذلك الإنسان. وقالوا: في طبع الذئب محبة الدم، ويبلغ ~~به طبعه أنه يرى الذئب مثله قد دمي فيثب عليه فيمزقه؛ قال الشاعر «3» : ~~[طويل] # وكنت كذئب السوء لما رأى دما ... بصاحبه يوما أحال «4» على الدم # قالوا: والفرس إذا وطىء أثر الذئب ثقلت قائمته التي وطىء بها. وفي كتاب ~~علي رضي الله عنه إلى ابن عباس: لما رأيت العدو على ابن عمك قد # PageV02P096 # حرب، والزمان قد كلب، قلبت لابن عمك ظهر المجن بفراقه مع المفارقين، ~~وخذلانه مع الخاذلين، واختطفت ما قدرت عليه من الأموال اختطاف الذئب الأزل ~~«1» دامية المعزى. ويقولون؛ إن الذئب ربما نام بإحدى عينيه وفتح الأخرى؛ ~~وقال حميد بن ثور «2» : [طويل] # ينام بإحدى مقلتيه ويتقي ... بأخرى المنايا، فهو يقظان هاجع # والذئب أشد السباع مطالبة، وإذا عجز عوى عواء استغاثة فتسامعت الذئاب ~~فأقبلت حتى تجتمع على الإنسان فتأكله؛ وليس شيء من السباع يفعل ذلك. ### | الفيل # قالوا: لسان الفيل مقلوب طرفه إلى داخل. والهند تقول: لولا أن لسانه ~~مقلوب لتكلم. والفيل إذا ساء خلقه وصعب عصبوا رجليه فسكن. وليس في جميع ~~الحيوان شيء لذكوره ثدي في صدره إلا الإنسان والفيل. والفيل المغتلم إن سمع ~~صوت خنوص «3» من الخنازير ارتاع ونفر. والفيل يفزع من السنور. وتزعم الهند ~~أن نابي الفيل هما قرناه يخرجان مستبطنين حتى يخرقا الحنك ويخرجا أعقفين. ~~وقال صاحب المنطق: ظهر فيل عاش أربعمائة سنة. # وقال: حدثني شيخ لنا قال: رأيت فيلا أيام أبي جعفر قيل: إنه سجد لسابور # PageV02P097 # ذي الاكتاف ولأبي جعفر، والفيلة تضع في سبع سنين. ### | الفهد # قالوا: السباع تشتهي رائحة الفهد، فإذا سمن الفهد عرف أنه مطلوب وأن ~~حركته قد ثقلت فأخفى نفسه حتى ينقضي الزمان الذي تسمن فيه الفهود. # ويعتري الفهد داء يقال له خانقة الفهود، فإذا اعتراه أكل العذرة «1» ~~فبرأ. # والوحشي المسن منها في الصيد أنفع من الجرو المربب «2» . ### | الأرنب # قالوا: الأرنب تحيض ولا تسمن إلا بزيادة اللحم. وقضيب الذكر من الأرانب ~~ربما كان من عظم، وكذلك قضيب الثعلب. والأرنب تنام مفتوحة العين. وإنفحة ~~«3» الأرنب إذا شربتها المرأة من بعد أن تطهر من المحيض منعت من الحبل. ~~والكلف «4» إن طلي بدم الأرنب أذهبه. ### | القرد والدب # قال: حدثني محمد بن خالد بن خداش قال: حدثني سلم بن قتيبة عن هشام عن ~~حصين وأبي بلج عن عمرو بن ميمون قال: زنت قردة في الجاهلية فرجمها القرود ~~ورجمتها معهم. قالوا: وليس شيء يجتمع فيه الزواج والغيرة # PageV02P098 # إلا الإنسان والقرد؟ قالوا: والديسم جرو الدب تضعه أمه وهو كفدرة «1» لحم ~~فتهرب به في المواضع العالية من الذر والنمل حتى تشتد أعضاؤه. ### | مصايد السباع العادية # السباع العادية: تصطاد بالزبى والمغويات «2» وهي آبار تحفر في أنشاز «3» ~~الأرض، فلذلك يقال: قد «بلغ السيل الزبى» «4» ، قال صاحب الفلاحة: ومما ~~تصاد به السباع العادية أن يؤخذ سمك من سمك البحر الكبار السمان فتقطع قطعا ~~ثم تشرح ثم تكتل كتلا ثم تؤجج نار في غائط «5» من الأرض يقرب فيه السباع ثم ~~تقذف تلك الكتل في النار واحدة بعد واحدة حتى ينتشر دخان تلك النار وقتار ~~«6» تلك الكتل في تلك الأرض ثم تطرح حول تلك النار قطع من لحم قد جعل فيها ~~الحربق «7» الأسود والأفيون وتكون تلك النار في موضع لا ترى فيه حتى تقبل ~~السباع لريح القتار وهي آمنة فتأكل من قطع اللحم ويغشى عليها فيصيدها ~~الكامنون لها كيف شاءوا. ### | النعام # قالوا في الظليم: إن الصيف إذا أقبل وابتدأ البسر «8» في الحمرة ابتداء # PageV02P099 # لون وظيفيه» # بالحمرة ولا يزالان يتلونان ويزدادان حمرة إلى أن تنتهي حمرة البسر، ~~ولذلك قيل له: خاضب. وفي الظليم: إن كل ذي رجلين إذا انكسرت إحدى رجليه قام ~~على الأخرى وتحامل على ظلع غيره فإنه إذا انكسرت إحدى رجليه جثم، ولذلك قال ~~الشاعر في نفسه وأخيه: [طويل] # فإني وإياه كرجلي نعامة ... على ما بنا من ذي غنى وفقير # يقول: لا غنى بواحد منا عن الآخر. وقال آخر: [طويل] # إذا انكسرت رجل النعامة لم تجد ... على أختها نهضا ولا باستها حبوا «2» # قالوا: وعلة ذلك أنه لا مخ له في ساقيه، وكل عظم فهو ينجبر إلا عظما لا ~~مخ فيه؛ وزماخر «3» الشاء لا تنجبر؛ قال الشاعر: [طويل] # أجدك لم تظلع برجل نعامة ... ولست بنهاض وعظمك زمخر # أي أجوف لا مخ فيه. والظليم يغتذي المرو «4» والصحر فتذيبه قانصته «5» ~~بطبعها حتى يصير كالماء؛ قال ذو الرمة يذكره: [بسيط] # PageV02P100 # ألهاه آء وتنوم وعقبته ... من لائح المرو والمرعى له عقب «1» # قال أبو النجم «2» : [رجز] # والمرو يلقيه إلى أمعائه ... في سرطم «3» هاد على التوائه # والظليم يبتلع الجمرة وربما ألقي الحجر في النار حتى إذا صار كأنه جمرة ~~قذف به بين يديه فيبتلعه وربما ابتلع أوزان الحديد. وفي النعامة إنها أخذت ~~من البعير المنسم والوظيف والعنق والخزامة؛ ومن الطائر الريش والجناحين ~~والمنقاعر فهو لا بعير ولا طائر؛ وقال أوس «4» بن حجر: [طويل] # وتنهى ذوي الأحلام عني حلومهم ... وأرفع صوتي للنعام المخزم # جعله مخزما للخرقين اللذين في عرض أنفه في موضع الخزامة من البعير. قال ~~يحيى بن نوفل «5» : [وافر] # ومثل نعامة تدعى بعيرا ... تعاصينا إذا ما قيل طيري # فإن قيل احملي قالت فإني ... من الطير المربة «6» في الوكور # وتقول العرب في المثل: هذا «أموق من نعامة» وذلك أنها ربما خرجت # PageV02P101 # لطلب الطعم فمرت ببيض نعامة أخرى فحضنته وتركت بيضها؛ ولذلك قال الشاعر ~~وهو ابن هرمة «1» : [متقارب] # وإني وتركي ندى الأكرمين ... وقدحي بكفي زندا شحاحا # كتاركة بيضها بالعراء ... وملبسة بيض أخرى جناحا «2» # وقال سهم بن حنظلة «3» : [متقارب] # إذا ما لقيت بني عامر ... رأيت جفاء ونوكا «4» كبيرا # نعام تمد بأعناقها ... ويمنعها نوكها أن تطيرا # ويضرب بها المثل في الشراد والنفار؛ قال بشر بن أبي خازم «5» : [متقارب] # وأما بنو عامر بالنسار «6» ... فكانوا غداة لقونا نعاما # يريد: مروا منهزمين. وربما حضنت النعامة أربعين بيضة أو نحوها وأخرجت ~~ثلاثين رألا؛ قال ذو الرمة: [بسيط] # PageV02P102 # كأنه خاضب بالسي «1» مرتعه ... أبو ثلاثين أمسى وهو منقلب # والبواقي من بيضها الذي لا تنقفه «2» يقال لها: الترائك. وأشد ما يكون ~~الظليم عدوا إذا استقبل الريح لأنه يضع عنقه على ظهره ثم يخرق الريح وإذا ~~استدبرها كبته من خلفه. والنعامة تضع بيضها طولا ثم تغطيها كل بيضة بما ~~يصيبها من الحضن؛ قال ابن أحمر «3» : [وافر] # وضعن وكلهن على غرار # وقال آخر: [رجز] # على غرار كاستواء المطمر # والمطمر خيط البناء، إلا أن ثعلبة بن صعير «4» خالف ذلك فقال يذكر الظليم ~~والنعامة: [كامل] # فتذكرا ثقلا رثيدا بعد ما ... ألقت ذكاء يمينها في كافر «5» # والرثيد: المنضود بعضه على بعض. قالوا: الوحش في الفلوات ما لم تعرف ~~الإنسان ولم تره ولا تنفر منه إذا رأته خلا النعام فإنه شارد أبدا؛ قال ذو ~~الرمة: [طويل] # وكل أحم المقلتين كأنه ... أخو الإنس من طول الخلاء المغفل «6» # PageV02P103 # يريد: أنه لا ينفر من الناس لأنه في خلاء ولم ير أحدا قبل ذلك. وقال ~~الأحيمر السعدي: كنت حين خلعني قومي وأطل السلطان دمي وهربت وترددت في ~~البوادي ظننت أني قد جزت نخل وبار أو قريب منها، وذلك أني كنت أرى النوى في ~~رجع الذئاب وكنت أغشى الظباء وغيرها من بهائم الوحش فلا تنفر مني؛ لأنها لم ~~تر أحدا قبلي وكنت أمشي إلى الظبي السمين فآخذه، وعلى ذلك رأيت جميع تلك ~~الوحوش إلا النعام فإنه لم أره قط إلا نافرا فزعا. ### | الطير # قال: حدثني زياد بن يحيى قال: حدثنا أبو عتاب قال: حدثنا طلحة بن يزيد ~~الشامي عن بقية بن الوليد عن عبد الله بن أبي كبشة عن أبيه قال: كان النبي ~~عليه السلام يعجبه أن ينظر إلى الأترج وإلى الحمام الأحمر. # حدثني الرياشي قال: ليس شيء يغيب أذناه إلا وهو يبيض؛ وليس شيء يظهر ~~أذناه إلا وهو يلد، وروى ذلك عن علي بن أبي طالب عليه السلام. # حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن ابن جريح قال ابن ~~شهاب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربع لا يقتلن: النملة والنحلة ~~والهدهد والصرد» «1» . بلغني عن مكحول قال: كان من دعاء داود النبي عليه ~~السلام: يا رازق النعاب في عشه. وذلك أن الغراب إذا فقص عن فراخه خرجت بيضا ~~فإذا رآها كذلك نفر عنها فتفتح أفواهها ويرسل الله لها ذبابا # PageV02P104 # فيدخل في أجوافها فيكون غذاءها حتى تسود، وإذا اسودت عاد الغراب فغذاها ~~ويرفع الله عنها الذباب. # قال: حدثني أحمد بن الخليل عن محمد بن عباد عن الوليد بن كثير عن عبد ~~الملك بن يحيى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تطرقوا الطير في ~~أوكارها فإن الليل أمان الله» . # حدثني أبو سفيان الغنوي عن معاوية بن عمرو عن طلحة بن زيد عن الأحوص بن ~~حكيم عن خالد بن معدان عن رجل من الأنصار قال: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم:» الديك الأبيض صديقي وصديق صديقي وعدو عدو الله يحرس دار صاحبه وسبع ~~أدور، وكان النبي عليه السلام يبيته معه في البيت» . # قالوا: الطير ثلاثة أضرب، بهائم الطير وهو ما لقط الحبوب والبزور؛ وسباع ~~الطير وهي التي تغتذي اللحم؛ والمشترك وهو مثل العصفور يشارك بهائم الطير ~~في أنه ليس بذي مخلب ولا منسر «1» وإذا سقط على عود قدم أصابعه الثلاث وأخر ~~الدابرة. وسباع الطير تقدم إصبعين وتؤخر إصبعين ويشارك سباع الطير بأنه ~~يلقم فراخه ولا يزق وأنه يأكل اللحم ويصطاد الجراد والنمل. # قالوا: والعصفور شديد الوطء، والفيل خفيف الوطء، والورشان يصرع في كل شهر ~~مرة. قالوا: وأسوأ الطير هداية الأسود، والأبيض لا يجيء من الغاية «2» لضعف ~~قوته وأجودها هداية الغبر والنمر. # قال صاحب الفلاحة: الحمام يعجب بالكمون ويألف الموضع الذي يكون فيه ~~الكمون، وكذلك العدس ولا سيما إذا أنقعا في عصير حلو. ومما # PageV02P105 # يصلحن عليه ويكثرن أن تدخن بيوتهن بالعلك؛ وأسلم مواضعها وأصلحها أن يبنى ~~لها بيت على أساطين خشب ويجعل فيه ثلاث كوى: كوة في سمك البيت وكوة من قبل ~~المشرق وكوة من قبل المغرب، وبابان من قبل مهب الجنوب. قال: والسذاب «1» ، ~~إذا ألقي في البرج تحامته السنانير البرية. # حدثني ابن أبي سعد عن علي بن الصباح عن أبي المنذر هشام بن محمد قال: ~~حدثني الكلبي أن أسماء كنائن «2» نوح إذا كتبن في زوايا بيت حمام نمت ~~الفروخ وسلمت من الآفات. قال هشام: قد جربته أنا وغيري فوجدته كما قال أبي. ~~قال: واسم امرأة سام بن نوح «محلث محو» ، واسم امرأة حام «أذنف نشا» ، واسم ~~امرأة يافث «زدقت نبث» «3» . # قالوا: وأمراض الحمام أربعة: الكباد «4» والخنان والسل والقمل، فدواء ~~الكباد الزعفران والسكر «5» الطبرزذ وماء الهندباء يجعل في سكرجة «6» ثم ~~يمج في حلقه قبل أن يلتقط شيئا ودواء الخنان أن يلين لسانه يوما أو اثنين ~~بدهن البنفسج ثم بالرماد والملح ويدلك بهما حتى تنسلخ الجلدة العليا التي ~~غشيت # PageV02P106 # لسانه ثم يطلى بعسل ودهن ورد حتى يبرأ. ودواء السل أن يطعم الماش «1» ~~المقشور ويمج في حلقه لبن حليب ويقطع من وظيفيه عرقان ظاهران في أسفل ذلك ~~مما يلي المفصل. ودواء القمل أن تطلى أصول ريشه بالزنبق «2» المخلوط بدهن ~~البنفسج، يفعل به ذلك مرارا حتى يسقط قمله، ويكنس مكانه الذي يكون فيه كنسا ~~نظيفا. # قالوا: والطير الذي يخرج من وكره بالليل البومة والصدى والهامة والضوع ~~«3» والوطواط والخفاش وغراب الليل. قالوا: إذا خرج فرخ الحمامة نفخ أبواه ~~في حلقه الريح لتتسع الحوصلة من بعد التحامها وتنبثق، فإذا اتسعت زقاه عند ~~ذلك اللعاب ثم زقاه سورج «4» أصول الحيطان ليدبغا به الحوصلة، ثم زقاه بعد ~~الحب. # قال المثنى بن زهير: لم أر شيئا قط في رجل وامرأة إلا وقد رأيته في ~~الحمام، رأيت حمامة لا تريد إلا ذكرها، ورأيت حمامة لا تمنع شيئا من ~~الذكور، ورأيت حمامة لا تزيف «5» إلا بعد شدة طلب، ورأيت حمامة تزيف للذكر ~~ساعة يطلبها، ورأيت حمامة وهي تمكن آخر ما تعدوه، ورأيت حمامة تقمط حمامة، ~~ورأيت حمامة تقمط الذكر، ورأيت ذكرا يقمط الذكر، ورأيت الذكر يقمط ما لقي ~~ولا يزاوج، ورأيت ذكرا له أنثيان يحضن مع هذه وهذه ويزق مع هذه وهذه. # PageV02P107 ### | البيض # قالوا: والبيض يكون من أربعة أشياء: منه ما يكون من السفاد؛ ومنه ما يكون ~~من التراب؛ ومنه ما يكون من نسيم الريح يصل إلى أرحامها؛ ومنه شيء يعتري ~~الحجل «1» وما شاكله في الطبيعة، فإن الأنثى منه ربما كانت على سفالة الريح ~~التي تهب من شق الذكر في بعض الزمان فتحتشي من ذلك بيضا، وكذلك النخلة تكون ~~بجنب الفحال «2» وتحت ريحه فتلقح بتلك الريحة وتكتفي بذلك، والدجاجة إذا ~~هرمت لم يكن لبيضها مح، وإذا لم يكن للبيضة مح لم يخلق فيها فرخ، لأنه لا ~~يكون له طعم يغذوه؛ والفرخ والفروج يخلقان من البياض وغذاؤهما الصفرة، وإذا ~~باضت الدجاجة بيضتين في اليوم كان ذلك من علامات موتها؛ والطائر إذا نتف ~~ريشه احتبس بيضه وإذا سمع صوت الرعد الشديد. ### | الخفاش # «3» # قالوا: عجائب الخفاش أنه لا يبصر في الضوء الشديد ولا في الظلمة الشديدة ~~وتحبل وتلد وتحيض وترضع وتطير بلا ريش، وتحمل الأنثى ولدها تحت جناحها ~~وربما قبضت عليه بفيها خوفا عليه، وربما ولدت وهي تطير. # ولها أذنان وأسنان وجناحان متصلان برجليها، وأبصارها تصح على طول العمر، ~~وإنما يظهر في القمر منها المسنات؛ وقال بعض الحكماء: الخفاش فأر يطير. # PageV02P108 ### | الخطاف والزرزور # «1» # قالوا: الخطاف والزرزور يتبع الربيع حيث كان. قالوا: وتقلع إحدى عينيه ~~فترجع. والزرزور لا يمشي ومتى وقع بالأرض لم يستقل «2» وأخذ، وإنما يعشش في ~~الأماكن المرتفعة فإذا أراد الطيران رمى بنفسه في الهواء فطار، وإذا أراد ~~أن يشرب الماء انقض عليه فشرب منه اختلاسا من غير أن يسقط بالأرض. ### | العقاب والحدأة # قالوا: العقاب تبيض ثلاث بيضات في أكثر حالاتها فإذا فرخت غذت، اثنين ~~وباعدت عنها واحدا فيتعهد فرخها طائر يقال له: كاسر العظام «3» ، ويغذوه ~~حتى يكبر ويقوى. وقال صاحب الفلاحة: العقاب والحدأة «4» يتبدلان فتصير ~~العقاب حدأة والحدأة عقابا، قال: وكذلك الأرانب تتبدل فيصير الذكر منها ~~أنثى وتصير الأنثى ذكرا. قال صاحب المنطق: العقاب إذا اشتكت كبدها من رفعها ~~الثعلب والأرنب في الهواء وحطها لذلك وأشباهه تعالجت بأكل الأكباد حتى ~~تبرأ. # PageV02P109 ### | الغراب # الغربان لا تقرب النخل المواقير «1» وإنما تسقط على النخل المصرومة «2» ~~فتلقط ما يسقط من التمر في القلبة «3» وأصول الكرب «4» . وعلى إناث الغربان ~~الحضن وعلى الذكور أن تأتي الإناث بالطعم والإوزة دون الذكر «5» والعربان ~~أكتم شيء للسفاد. ### | القطا # قالوا: والقطا لا تضع بيضها أبدا إلا أفرادا؛ قال أبو وجزة «6» : [بسيط] # وهن ينسبن وهنا كل صادقة ... باتت تباشر عرما «7» غير أزواج # الحيوان الذي لا يصلح شأنه إلا برئيس أو رقيب: الناس، والغرانيق «8» ، ~~والكراكي والنحل؛ فأما الإبل والبقر والحمير فتتخذ رئيسا من غير رقيب. ### | باب مصايد الطير # قال صاحب الفلاحة: من أراد أن يحتال للطير والدجاج حتى يتحيرن ويغشى ~~عليهن حتى يصيدهن عمد إلى الحلتيت «9» فدافه بالماء ثم جعل في # PageV02P110 # ذلك الماء شيئا من عسل ثم أنقع فيه برا يوما وليلة ثم ألقى ذلك البر ~~للطير فإنها إذا التقطته تحيرت وغشي عليها فلم تقدر على الطيران إلا أن ~~تسقى لبنا خالطه سمن. قال: وإن عمد إلى طحين بر غير منخول فعجن بخمر ثم طرح ~~للطير والحجل فأكلن منه تحيرن. وإن جعل خمر في إناء وجعل فيه بنج فشربن منه ~~غشي عليهن. قال: ومما يصاد به الكراكي وغيرها من الطير أن يوضع لهن في ~~مواقعهن إناء فيه خمر وقد جعل فيه خربق «1» أسود وأنقع فيه شعير فإذا أكلن ~~منه أخذهن الصائد كيف شاء. # قال غيره: ومما تصاد به العصافير بأسهل حيلة أن تؤخذ شبكة في صورة ~~المحبرة اليهودية المنكوسة وتجعل في جوفها عصفور فتنقض عليه العصافير ~~ويدخلن عليه وما دخل منها لم يقدر على الخروج فيصيد الرجل في اليوم الواحد ~~مائتين وهو وادع. قال: ويصاد طير الماء بالقرعة وذلك أن تؤخذ قرعة يابسة ~~صحيحة فيرمى بها في الماء فإنها تتحرك فإذا أبصرها الطير تتحرك فزع فإذا ~~كثر ذلك عليه أنس حتى لربما سقط عليها، ثم تؤخذ قرعة فيقطع رأسها ويخرق ~~فيها موضع عينين ثم يدخل الصائد رأسه فيها ويدخل الماء فيمشي إليها مشيا ~~رويدا فكلما دنا من طائر أدخل يده في الماء فقبض على رجليه ثم غمسه في ~~الماء ثم دق جناحه وخلاه فبقي طافيا فوق الماء يسبح برجله ولا يطيق ~~الطيران، وسائر الطير لا يمكن انغماسه فإذا فرغ من صيد ما يريد رمى بالقرعة ~~ثم يلتقطها ويحملها. ### | الحشرات # حدثني يزيد بن عمرو قال: حدثنا عبد الله بن الربيع قال: أخبرنا هشام # PageV02P111 # ابن عبد الله عن قتادة عن عبد الله بن عمرو أنه قال: الفأرة يهودية ولو ~~سقيتها ألبان الإبل وما شربتها، والفأر أصناف: منهن الزباب «1» وهو أصم؛ ~~قال الحارث «2» بن حلزة: [مجزوء الكامل] # وهم زباب حائر ... لا تسمع الآذان رعدا «3» # والخلد وهو أعمى؛ وتقول العرب: هو «أسرق من زبابة» ، وفأرة البيش، والبيش ~~سم قاتل؛ ويقال: هو قرون السنبل، وله فأرة تغتذيه لا تأكل غيره، ومن غير ~~هذا فأرة المسك وفأرة الإبل فاحت «4» أرواحها إذا عرقت. # قالوا: ومن الحيات ما يقتل ولا يخطىء: الثعبان والأفعى والهندية؛ فأما ~~سوى هذه فإنما يقتل بما يمده من الفزع، لأنه إذا فزع تفتحت منافسه فوغل ~~السم إلى مواضع الصميم وعمق البدن، فإن نهشت النائم والمغمى عليه والطفل ~~الصغير والمجنون الذي لا يعقل لم تقتل. # وأذناب الأفاعي تقطع فتنبت ونابها يقطع بالعكاز «5» فينبت حتى يعود في ~~ثلاث ليال؛ والحية إن نفث في فيها حماض الأترج وأطبق لحيها على الأعلى على ~~الأسفل لم تقتل بعضتها أياما صالحة. ومن الناس من يبصق في فم الحية فيقتلها ~~بريقه، والحيات تكره ريح السذاب والشيح، وتعجب باللفاح والبطيخ والحرف ~~والخردل الموخف «6» واللبن والخمر وليس في الأرض # PageV02P112 # حيوان أصبر على جوع من حية؛ ثم الضب بعدها، فإذا هرمت صغرت في بدنها ~~وأقنعها النسيم ولم تشته الطعام، ولذلك قال الراجز: [رجز] # حارية «1» قد صغرت من الكبر # وقال صاحب الفلاحة: إن الحية إن ضربتها بقصبة مرة أو هنتها القصبة في تلك ~~الضربة وحيرتها، فإن ألححت عليها بالضرب انسابت ولم تكترث. # قال: ومن جيد ما يعالج به الملسوع أن يشق بطن الضفدع ثم يرفد به موضع ~~لسعة العقرب. والضفدع لا يصيح حتى يدخل حنكه الأسفل في الماء، فإذا صار في ~~فيه بعض الماء صاح، ولذلك لا تسمع للضفادع نقيقا إذا خرجن من الماء، قال ~~الراجز: [رجز] # يدخل في الأشداق ماء ينصفه «2» ... حتى ينق والنقيق يتلفه # يريد أن النقيق يدل عليه حية البحر، كما قال الآخر: [طويل] # ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت ... فدل عليها صوتها حية البحر # وقال في السبخ «3» : إنه إن انخرق فيه خرق بمقدار منخر الثور حتى تدخله ~~الريح استحال ذلك السبخ ضفادع. والضفادع لا عظام لها، ويضرب بها المثل في ~~الرسح «4» ؛ فيقال: «أرسح من ضفدع» و «أجحظ عينا من ضفدع» . # PageV02P113 # قالوا: وكل شيء يأكل فهو يحرك فكه الأسفل إلا التمساح فإنه يحرك فكه ~~الأعلى. وبمصر سمك يقال له الرعاد، من صاد منه سمكة لم تزل يده ترعد وتنتفض ~~مادام في شبكته أو شصه «1» . والجعل «2» إذا دفنته في الورد سكنت حركته حتى ~~يتوهم من رآه أنه قد مات، فإذا أعدته إلى الروث تحرك ورجع في حسه. والبعير ~~إذا ابتلع في علفه خنفساء قتله إن وصلت إلى جوفه حية. وأطول شيء ذماء «3» ~~الخنفساء فإنها يسرج على ظهرها فتصبر وتمشي. # والضب «4» يذبح فيمكث ليلة ثم يقرب من النار فيتحرك. والأفعى إذا ذبحت ~~تبقى أياما تتحرك وإن وطئها واطىء نهشته، ويقطع ثلثها الأسفل فتعيش وينبت ~~ذلك المقطوع. والكلب والخنزير يجرحان الجرح القاتل فيعيشان. # قالوا: وللضب «5» ذكران وللضبة حران، خبرني بذلك سهل عن الأصمعي أو غيره. ~~قال: ويقال لذكره نزك وأنشد: [طويل] # سبحل له نزكان كانا فضيلة ... على كل حاف في البلاد وناعل «6» # PageV02P114 # وكذلك الحرذون. «1» والذبان «2» لا تقرب قدرا فيها كمأة «3» . وسام أبرص ~~لا يدخل بيتا فيه زعفران. ومن عضه الكلب الكلب احتاج إلى أن يستر وجهه من ~~الذباب لئلا يسقط عليه. وخرطوم الذباب يده، ومنه يغني، وفيه يجري الصوت كما ~~يجري الزامر الصوت في القصبة بالنفخ. # قالوا: ليس شيء يذخر إلا الإنسان والنملة والفأرة. والذرة «4» تدخر في ~~الصيف للشتاء فإذا خافت العفن على الحبوب أخرجتها إلى ظاهر الأرض فشررتها ~~«5» ، وأكثر ما تفعل ذلك ليلا في القمر. فإن خافت أن ينبت الحب نقرت وسط ~~الحبة لئلا تنبت. والسلحفاة إذا أكلت أفعى أكلت سعترا جبليا «6» . # وابن عرس «7» إذا قاتل الحية أكل السذاب. والكلاب إذا كان في أجوافها دود ~~أكلت سنبل القمح. والأيل إذا نهشته الحية أكل السراطين «8» . قال ابن ~~ماسويه: فلذلك يظن أن السراطين صالحة لمن نهش من الناس. والوزغ «9» يزاق ~~الحيات ويقاربها، ويكرع في اللبن والمرق ثم يمج في الإناء. وأهل # PageV02P115 # السجن يعملون من الوزغ سما أنفذ من سم البيش «1» ومن ريق الأفاعي، وذلك ~~أنهم يدخلون الوزغة قارورة ثم يصبون فيها من الزيت ما يغمرها ويضعونها في ~~الشمس أربعين يوما حتى تتهرأ «2» في الزيت، فإن مسحت على اللقمة منه مسحة ~~وأكله آكل مات من يومه. # والجراد إذا طلع فعمد إلى الترمس والحنظل فطبخا بماء ثم نضح ذلك الماء ~~على زرع تنكبه الجراد. وإذا زرع خردل في نواحر زرع نجا من الدبى «3» . وإذا ~~أخذ المرداسنج «4» فعجن بعجين ثم طرح للفأر فأكلته موتن عنه، وكذلك براية ~~الحديد. وإذا أخذ الأفيون والشونيز «5» والبارزذ «6» وقرن الأيل وبابونج ~~وظلف من أظلاف المعز فخلط ذلك جميعا ثم دق وعجن بخل عتيق ثم قطع قطعا فدخن ~~بقطعة منه نفرت لذلك الحيات والهوام والنمل والعقارب، وإن أحرق منه شيء ~~ودخن به هرب ما وجد منها تلك الريح. والنمل تهرب من دخان أصول الحنظل. وإن ~~عمد إلى كبريت وسذاب وخربق فدق ذلك جميعا وطرح في قرية النمل قتلها ومنعها ~~ظهورهن من ذلك الموضع. # والبعوض تهرب من دخان القلقديس «7» إذا دخن به ومعه حب السوس «8» ، وتهرب ~~من دخان الكبريت والعلك. # PageV02P116 # وقالت الأطباء: لحم ابن عرس نافع من الصرع. ولحم القنفذ نافع من الجذام ~~والسل والتشنج ووجع الكلى، يجفف ويشرب ويطعمه العليل مطبوخا ومشويا ويضمد ~~به المتشنج. والعقرب إذا شق بطنها ثم شد على موضع اللسعة نفعت. وقد تجعل في ~~جوف فخار مشدود الرأس مطين الجوانب ثم يوضع الفخار في تنور، فإذا صارت ~~العقرب رمادا سقي من ذلك الرماد من به الحصاة مقدار نصف دانق وأكثر فيفتت ~~الحصاة من غير أن يضر بشيء من سائر الأعضاء والأخلاط «1» ، وقد تلسع العقرب ~~من به حمى عتيقة فتقلع؛ وتلسع المفلوج فيذهب عنه الفالج، وتلقى في الدهن ~~وتترك فيه حتى يأخذ الدهن منها ويجتذب قواها فيكون ذلك الدهن مفرقا للأورام ~~الغليظة. ومن طبع العقرب أنك إن ألقيتها في ماء غمر بقيت في وسط الماء لا ~~تطفو ولا ترسب؛ وهي من الحيوان الذي لا يسبح. وعين الجرادة وعين الأفعى لا ~~تدوران. وإنما تنسج من العناكب الأنثى، والذكر هو الخدرنق. وولد العنكبوت ~~ينسج ساعة يولد. والقمل يخلق في الرؤوس على لون الشعر إن كان أسود أو أبيض ~~أو مخضوبا بالحناء. الحلكاء «2» دويبة تغوص في الرمل كما يغوص طائر الماء ~~في الماء. وبنات النقا كذلك، وهي التي يقال لها: # شحمة الأرض. وأم حبين «3» لا تقيم بمكان تكون فيه السرفة، والسرفة «4» ~~دويبة يضرب بها المثل في الصنعة فيقال: «أصنع من سرفة» . # PageV02P117 # ومن أحسن ما قيل في الأفعى قول امرأة من الأعراب: [كامل] # خلقت لهازمه عزين، ورأسه ... كالقرص فرطح من دقيق شعير «1» # وكأن ملقاه بكل تنوفة ... ملقاك كفة منجل مأطور «2» # ويدير عينا للوقاع، كأنها ... سمراء طاحت من نفيض برير «3» # قيل لما سرجويه: نجد ملسوع العقرب يعالج بالاسفيوش» # فينفعه، وآخر يعالج بالبندق فينفعه، وآخر يشرب الأنقاس «5» فتنفعه، وآخر ~~يأكل التفاح الحامض فينفعه، وآخر يطليه بالقلي «6» والخل فيحمده، وآخر يعصب ~~عليه الثوم الحار المطبوخ، وآخر يدخل يده في مرجل حار لا ماء فيه فيحمده، ~~وآخر يعالجه بالنخالة الحارة فيحمدها، وآخر يحجم ذلك الموضع فيحمده، ثم ~~رأيناه يتعالج بعد بذلك الشيء للسعة أخرى فلا يحمده! فقال: لما اختلفت ~~السموم في أنفسها بالجنس والقدر والزمان، وباختلاف ما لاقاه اختلف الذي ~~يوافقه على حسب اختلافه. قالوا: وأشد ما تكون لسعتها إذا خرج الإنسان من ~~الحمام، لتفتح المنافس وسعة المجاري وسخونة البدن. # PageV02P118 # وحدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: قال أبو بكر البحري: ما من شيء يضر إلا ~~وفيه منفعة. وقيل لبعض الأطباء: إن قائلا قال: أنا مثل العقرب أضر ولا ~~أنفع. فقال؛ ما أقل علمه بها. إنها لتنفع إذا شق بطنها ثم شدت على موضع ~~اللسعة؛ وقد تجعل في جوف فخار مشدود الرأس مطين الجوانب ثم يوضع الفخار في ~~تنور فإذا صارت العقرب رمادا سقي من ذلك الرماد مقدار نصف دانق أو أكثر ~~قليلا من به الحصاة ففتها من غير أن يضر بشيء من سائر الأعضاء والأخلاط. ~~وقد تلسع العقرب من به الحمى العتيقة فتقلع عنه. # ولسعت العقرب رجلا مفلوجا فذهب عنه الفالج. وقد تلقى العقرب في الدهن ~~وتترك فيه حتى يأخذ الدهن منها ويجتذب قواها فيكون ذلك الدهن مفرقا للأورام ~~الغليظة. # قال أبو عبيدة: ولسعت أعرابيا عقرب بالبصرة، وخيف عليه فاشتد جزعه، فقال ~~بعض الناس له: ليس شيء خيرا من أن تغسل له خصية زنجي عرق ففعلوا، وكان ذاك ~~في ليلة ومدة «1» ، فلما سقوه قطب؛ فقيل له: طعم ماذا تجد؟ قال: أجد طعم ~~قربة جديدة. # قال المأمون: قال لي بختيشوع وسلمويه وابن ماسويه: إن الذباب إذا دلك على ~~موضع لسعة الزنبور هدأ وسكن الألم، فلسعني زنبور فحككت على موضعه أكثر من ~~عشرين ذبابة فما سكن الألم إلا في قدر الزمان الذي كان يسكن فيه من غير ~~علاج، فلم يبق في يدي منهم إلا أن يقولوا: كان هذا الزنبور حنقا غاضبا، ~~ولولا ذلك العلاج قتلك. قالوا: ومما ينفع من اللسعة أن يصيروا على موضعها ~~قطعة رصاص رقيقة وتشد عليه أياما. وقد يموه بهذا قوم فيجعلونه خاتما ~~فيدفعونه إلى الملسوع إذا نهش في إصبعه. # PageV02P119 # قال محمد بن الجهم: لا تتهاونوا بكثير مما ترون من علاج العجائز، فإن ~~كثيرا منه وقع إليهن من قدماء الأطباء، كالذبان يلقي في الإثمد «1» فيسحق ~~معه، فيزيد ذلك في نور البصر ونفاذ النظر وتشديد مراكز الشعر في حافات ~~الجفون. قال: وفي أمة من الأمم قوم يأكلون الذبان فلا يرمدون، وليس لذلك ~~يأكلونه، ولكن كما يأكل غيرهم فراخ الزنابير. # وقال ابن ماسويه: المجرب للسع العقرب أن يسقى من الزراوند «2» المدحرج ~~ويشرب عليه ماء بارد، ويمضغ ويوضع على اللسعة. قال: وللسع الأفاعي والحيات ~~ورق الآس «3» الرطب يعصر ويسقى من مائه قدر نصف رطل، وكذلك ماء المرزنجوش ~~«4» وماء ورق التفاح المدقوق والمعصور مع المطبوخ، ويضمد الموضع بورق ~~التفاح المدقوق. وللأدوية والسموم القاتلة البندق والتين والسذاب يطعم ذلك ~~العليل. قال: والثوم والملح وبعر الغنم نافع جدا إذا وضع على موضع لسعة ~~الحية إلا أن تكون أصلة «5» ، فإن الأصلة توضع على لسعها الكليتان جميعا ~~بالزيت والعسل. والخطمي «6» إذا أخذ ورقه فدق ثم وضع على لسع قملة «7» ~~النسر كان دواء له. وإن طلى أحد به يديه أو # PageV02P120 # جسده لم يلدغ ذلك الموضع منه زنبور. وإن لدغ أحدا زنبور فآذاه فشرب من ~~مائه نفعه. والبشكول وهو الطرشقوق إن دق فضمد به لسعة العقرب نفع إذا أغلي ~~أو شرب من عصيره. قالوا: وإن أخذ من حذر على نفسه السموم القاتلة التين مع ~~الشونيز على الريق وقاه. ### | النبات # حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال: حدثنا قريش بن أنس عن ~~كليب أبي وائل رجل من المطوعة قال: رأيت ببلاد الهند شجرا له ورد أحمر ~~مكتوب فيه ببياض «محمد رسول الله» . والعرب تقول في مثل هذا هو: «أشكر من ~~البروقة» «1» ، وهو نبت ضعيف ينبت بالغيم. ويزعم قوم أن النارجيل هو نخل ~~المقل قلبه طباع البلد. وقال صاحب الفلاحة: بين الكرنب وبين الكرم عداوة، ~~فإذا زرع الكرنب بحضرة الكرم ذبل أحدهما وتشنج، ولذلك يبطىء السكر عمن أكل ~~منه ورقات على ريق النفس ثم شرب. # وقضبان الرمان إذا ضرب بها ظهر رجل اشتد عليه الألم. قالوا: وكل زهر ونور ~~فإنه ينحرف مع الشمس ويحول إليها وجهه؛ ولذلك يقال: هو يضاحك الشمس. قال ~~الأعشى: [بسيط] # ما روضة من رياض الحزن معشبة ... خضراء جاد عليها مسبل هطل «2» # يضاحك الشمس منها كوكب شرق ... مؤزة بعميم النبت مكتهل «3» # PageV02P121 # وقال آخر: [طويل] # فنواره ميل إلى الشمس زاهره «1» # والخبازى «2» ينضم ورقه بالليل وينفتح بالنهار. والنيلوفر «3» ينبت في ~~الماء فيغيب الليل كله ويظهر إذا طلعت الشمس. وقالوا في الطحلب «4» : إن ~~أخذ فجفف في الظل ثم سقط في النار لم يحترق. وذكروا أن قسا راهن على صليب ~~في عنقه من خشب أنه لا يحترق، وقال: هو من العود الذي صلب عليه المسيح، ~~فكاد يفتن بذلك خلقا حتى فطن له بعض أهل النظر فأتاهم بقطعة عود تكون ~~بكرمان فكان أبقى على النار من صليبه. والطلق «5» كذلك لا يصير جمرا. وطلاء ~~النفاطين «6» طلق وخطمي ومغرة. وقالوا: إذا أخذ بزر السذاب البري وزرع وطال ~~به ذلك تحول حرملا «7» ، والنمام «8» إذا أعتق تحول # PageV02P122 # حبقا «1» . قالوا: والقسط «2» إنما هو جزر بحري. قالوا: بالسند نبت من ~~الحشيش يسمى ترية، إذا أخذ فطبخ ثم صفي ماؤه فجعل في وعاء لم يلبث إلا ~~يسيرا حتى يشتد ويسكر شاربه إسكار الخمر. # قال صاحب الفلاحة: من أراد أن يضر بمبقلة عمد إلى شيء من خرء البط فخلط ~~به مثله من ملح ثم طرحا في ماء فديفا فيه فينضح ذلك الماء على البقل فإنه ~~يفسد. قال: ومن أراد إفساد الرمان الكثير ألقى في أضعافه نوى التمر والملح ~~والجريش. ومن أراد قتل السمك في الماء القائم عمد إلى نبت يسمى «ما هى «3» ~~زهرة» فدق وطرح في الماء فإنه يموت سمك ذلك الماء؛ والمازريون «4» يفعل ~~ذلك. قال: ومما يجف له الشجر أن يعمد إلى مسمار من حديد فيحمى بالنار حتى ~~تشتد حمرته ثم يدق في أصل الشجرة، وأن يعمد إلى وتد من طرفاء فيثقب أصل ~~الشجرة بمثقب حديد ثم يجعل ذلك العود على قدر الثقب في المثقب فتجف الشجرة ~~إن كان غلظ العود على قدر الثقب. # قيل لما سرجويه: ما بال الأكرة «5» وسكان البساتين مع أكلهم الكراث ~~والتمر وشربهم الماء الحار على السمك المالح أقل عميانا وعورانا وعمشانا؟ # قال: فكرت في ذلك فلم أجد علة إلا طول وقوع أبصارهم على الخضرة. # PageV02P123 ### | الحجارة # قال أرسطا طاليس: حجر «1» سنقيلا إذا ربط على بطن صاحب الاستسقاء نشف منه ~~الماء، والدليل على ذلك أنه يوزن بعد أن كان على بطنه فيوجد قد زاد في ~~وزنه؛ وذاكرت بهذا رجلا من علماء الأطباء فعرفه، وقال: هذا الحجر مذكور في ~~التوراة. وحجر المغناطيس يجذب الحديد من بعد وإذا وضع عليه علقه، فإن دلك ~~بالثوم بطل عمله. قالوا: والرماد والقلي «2» يدبران فيستحيلان حجارة سودا ~~تصلح للأرجاء. ومن الحجارة حصاة في صورة النواة تسبح في الخل كأنها سمكة. ~~ومنها خرزة العقر «3» إن كانت في حقو «4» المرأة فلا تحبل. # وحجر يوضع على حرف التنور فيتساقط خبز التنور كله. وبمصر حجر من قبض عليه ~~بجميع كفيه فأكل شيئا في جوفه فإن هو لم ينبذه من كفه خيف عليه. ومن ~~الحجارة النشف «5» ، ليس شيء من الحجارة يطفو على الماء غيره وفيه حفر ~~صغار. # قالوا: الرصاص قد يدبر فيستحيل مردا سنجا. وإقليمياء «6» النحاس يدبر ~~فيصير توتياء. وحجر البازهر «7» يفرق الأورام. وباليمن جبل يقطر منه ماء. ~~فإذا صار إلى الأرض ويبس استحال وصار شبا، وهو هذا الشب اليماني. # PageV02P124 # حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال: أربعة أشياء قد ملأت الدنيا لا تكون إلا ~~باليمن: الورس والكندر والخطر والعصب «1» . وبمصر حجر تحركه فتسمع في جوفه ~~شيئا يتقلقل كالنواة. # حدثني شيخ لنا عن علي بن عاصم عن خالد الخذاء عن محمد بن سيرين قال: ~~إختصم رجلان إلى شريح، فقال أحدهما: إني استودعت هذا وديعة فأبى أن يردها ~~علي؛ فقال له شريح: رد على هذا الرجل وديعته؛ قال: # يا أبا أمية، إنه حجر إذا رأته الحبلى ألقت ولدها، وإذا وقع في الخل غلى، ~~وإذا وضع في التنور برد، فسكت شريح، ولم يقل شيئا حتى قاما. ### | الجن # قالوا: الشياطين مردة الجن، والجان ضعفة الجن، وبلغني عن يحيى بن آدم عن ~~شريك عن ليث عن مجاهد قال قال- يعني إبليس عليه لعنة الله-: # أعطينا أنا نرى ولا نرى، وأنا ندخل تحت الثرى، وأن شيخنا يردفتى. # حدثنا عبد الرحمن عن عمه قال: حدثني يعلى بن عقبة- شيخ من أهل المدينة ~~مولى لآل الزبير-: أن عبد الله بن الزبير بات بالقفر، فقام ليرحل فوجد رجلا ~~طوله شبران عظيم اللحية على الولية «2» ، فنفضها فوقع ثم وضعها على ~~الراحلة، وجاء وهو بين الشرخين «3» ، فنفض الرحل ثم شده، وأخذ # PageV02P125 # السوط ثم أتاه، فقال: من أنت؟ قال: أنا أزب قال: وما أزب؟ قال: رجل من ~~الجن؛ قال: افتح فاك أنظر؛ ففتح فاه؛ قال: أهكذا حلوقكم! لقد شوه حلوقكم! ~~ثم قلب السوط فوضعه في رأس أرب حتى شقه. # حدثني خالد بن محمد الأزدي قال: حدثنا عمر بن يونس قال: حدثنا عكرمة ابن ~~عمار قال: حدثنا إسحاق بن أبي طلحة الأنصاري قال: حدثني أنس بن مالك قال: ~~كانت بنت عوف بن عفراء مضطجعة في بيتها قائلة إذ استيقظت وزنجي على صدرها ~~آخذا بحلقها، قالت: فأمسكني ما شاء الله وأنا حينئذ قد حرمت علي الصلاة، ~~فبينا أنا كذلك نظرت إلى سقف البيت ينفرج، حتى نظرت إلى السماء فإذا صحيفة ~~صفراء تهوي بين السماء والأرض حتى وقعت على صدري، فنشرها وأرسل حلقي ~~فقرأها، فإذا فيها: # من رب لكيز إلى لكيز، إجتنب ابنة العبد الصالح إنه لا سبيل لك عليها، ثم ~~ضرب بيده على ركبتي وقال: لولا هذه الصحيفة لكان دم، أي لذبحتك؛ فاسودت ~~ركبتي حتى صارت مثل رأس الشاة، فأتيت عائشة، فذكرت لها ذلك؛ فقالت لي: يا ~~بنة أخي، إذا حضت فألزمي عليك ثيابك فإنه لا سبيل له عليك إن شاء الله. ~~فحفظها الله بأبيها وكان استشهد يوم بدر. # أبو يعقوب الثقفي عن عبد الملك بن عمير عن الشعبي عن زياد بن النضر أن ~~عجوزا سألت جنيا فقالت: إن بنتي عروس وقد تمرط شعرها «1» من حمى ربع بها، ~~فهل عندك دواء؟ فقال: اعمدي إلى ذباب الماء الطويل القوائم الذي يكون ~~بأفواه الأنهار فاجعليه في سبعة ألوان من العهن «2» : أصفر وأحمر وأخضر ~~وأزرق وأبيض وأسود وأغبر، ثم اجعليه في وسطه وافتليه # PageV02P126 # بأصبعك هكذا ثم اعقديه على عضدها اليسرى؛ ففعلت فكأنها أنشطت من عقال. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: أخبرني محمد بن مسلم الطائفي في حديث ~~ذكره أن الشياطين لا تستطيع أن تغير خلقها ولكنها تسخر. # وقال الأصمعي: حدثنا أبو عمرو بن العلاء قال: حدثنا النهاس بن قهم قال: # دخلت مربدا لنا فإذا فيه شيء كالعجول «1» له قرنان وله ريش ينظر إلي كأنه ~~شيطان. # حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله عن عمه قال: سمع رجل بأرض ليس بها أحد ~~قائلا من تحته يقول: من يحرك شعيراتي؟ ذاك مقيلي، وظل مظلي، حاشا الغزيل ~~وعبد الملك وجمعه الأدم؛ وكانوا يرون أن الأصمعي سمع هذا، وذاك أنه كان في ~~آخر عمره وقد أصابه مس ثم ذهب عنه. # حدثني سهل بن محمد عن الأصمعي قال: أخبرنا عمر بن الهيثم عن عمير بن ~~ضبيعة قال: بينا أنا أسير في فلاة أنا وابن ظبيان- أو رفيق له آخر ذكره- ~~عرضت لنا عجوز- كذا سمعته يقول، إن شاء الله- أو شيخ- ورأيت في كتاب محمد ~~ابنه- وصبي يبكي؛ فقال: إني منقطع بي في هذه الفلاة فلو تحملتماني! فقال ~~صاحب عمير: لو أردفته! فحمله خلفه؛ فمكثنا ساعة فنظر في وجه عمير وتنفس ~~فخرج من فيه نار مثل نار الأتون «2» فأخد له عمير السيف؛ فبكى وقال: ما ~~تريد مني؛ فكف عنه ولم يعلم صاحبه بما رأى؛ فمكث هنيهة ثم عاد، فأخذ له ~~السيف؛ فبكى وقال ما تريد مني؟ وبكى؛ فتركه ولم يعلم صاحبه؛ ثم عاد الثالثة ~~ففغر «3» في وجهه؛ فحمل عليه # PageV02P127 # بالسيف؛ فلما رأى الجد وثب وقال: قاتلك الله ما أشد قلبك! ما فعلته قط في ~~وجه رجل إلا ذهب عقله. # بلغني عن محمد بن عبد الله الأسدي عن سفيان عن ابن أبي ليلى عن أخيه عن ~~عبد الرحمن عن أبي أيوب الأنصاري أنه كان في سفرة له وكانت الغول تجيء، ~~فشكاها إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: «إذا رأيتها فقل باسم الله ~~أجيبي رسول الله» ؛ فجاءت فقال لها ذلك؛ فأخذها فقالت: لا أعود؛ فأرسلها؛ ~~فقال له النبي عليه السلام: «ما فعل أسيرك» ؟ فأخبره؛ فقال: «إنها عائدة» ، ~~ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثا، وقالت في آخرها: أرسلني وأعلمك شيئا تقوله فلا ~~يضرك شيء: آية الكرسي؛ فأتى النبي عليه السلام فأخبره؛ فقال: # «صدقت وهي كذوب» . # حدثني زيد بن أخزم قال: حدثنا عبد الصمد عن همام عن يحيى بن أبي كثيرة أن ~~عامل عمان كتب إلى عمر بن عبد العزيز: إنا أتينا بساحرة فألقيناها في الماء ~~فطفت؛ فكتب إليه عمر: لسنا من الماء في شيء، إن قامت البينة وإلا فخل عنها. # حدثني يزيد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا ابن جريج عن ابن أبي ~~الحسين المكي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعمت الدخنة اللبان ~~واللبان دخنة الأنبياء ولن يدخل بيتا دخن فيه بلبان ساحر ولا كاهن. # حدثني عبد الله بن أبي سعيد قال: حدثني عبد الله بن مروان بن معاوية من ~~ولد أسماء بن خارجة قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: سمعت أعرابية تقول: من ~~يشتري مني الحزأ؟ فقلت: وما الحزأ «1» ؟ قالت: يشتريه أكايس # PageV02P128 # النساء للطشة والخافية والإقلات؛ قال عبد الله سألت ابن مناذر فقال: ~~الطشة: # شيء يصيب الصبيان كالزكام. والخافية: الجن. والإقلات قلة الولد. يريد أن ~~المرأة إذا ولدت يموت أولادها فلا يبقى لها ولد؛ يقال: امرأة مقلات. # بلغني عن شيخ من بني نمير أنه قال: أضللت أباعر لي بالشريف «1» فخرجت في ~~بغائها فدأبت أياما فأمسيت عشية بواد موحش وقد كددت راحلتي فاختليت «2» لها ~~من الشجر وأصبت لها من الماء ثم قيدتها واضطجعت مغموما، فلما جرى وسن النوم ~~في عيني إذ همس قدم قريبا مني، فانتبهت فزعا وإذا شيخ يتنحنح وهو يقول: لا ~~ريعة «3» عليك! ثم سلم وجلس؛ ثم جاء آخر وآخر حتى تألفوا أربعة فقالوا: ما ~~بك أيها المسلم؟ فقلت: أضللت أباعر «4» لي وأنا في طلبها منذ أيام؛ فقال لي ~~الأول منهم: كن لك ما كن، وقد ودعن فبن، وصرن حيث صرن، فلا تتعنين؛ فاجترأت ~~على المسألة فقلت: أمن الخافية أنتم نشدتكم بإلهكم؟ قالوا: نعم وإلهنا ~~وإلهكم واحد؛ فقلت: علموني مما علمكم الله شيئا أنتفع به؛ قالوا: إذا أردت ~~حفظ مالك فاقرأ عليه: إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ~~ثم استوى على العرش # «5» إلى آخر ثلاث الآيات، وآية الكرسي، وإذا أمسيت في خلاء وحدك فاقرأ ~~المعوذتين، وإن أحببت ألا يعبث بك ولا بأهلك وولدك عابث منا فعليك بالديك ~~الأبيض؛ واجعل في حجور صبيانك بريما، يعني خيطا من صوف # PageV02P129 # أبيض وأسود، واحتشوا بالإذخر «1» ينشر في الصوف، فحدثوني كحديثنا تلك ~~الليلة، فلما أصبحت رجعت. # قال المدائني: كانت وفاة زياد بالعرفة «2» ظهرت في إصبعه، واشتد عليه ~~الوجع فجمع الأطباء فشاورهم في قطع إصبعه، فأشار عليه بعضهم بذلك، وقال له ~~رجل منهم: أتجد الوجع في الإصبع أم تجده في قلبك والإصبع؟ # قال: في قلبي وفي إصبعي؛ قال: عش سليمان ومت سليما، وأمره أن يغمسها في ~~الخل، فكان ذلك يخفف عنه بعض الوجع، فمكث بذلك سبعة عشر يوما ثم مات؛ وسمع ~~أهل الحبس ليلة مات قائلا يقول: أنا النقاد الرقية قد كفيتكم الرجل. والعرب ~~تدعو الطاعون رماح الجن. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه وخز من الجن ~~يعني الطاعون» . والله أعلم. # تم كتاب الطبائع وهو الكتاب الرابع من عيون الأخبار لابن قتيبة ويتلوه في ~~الكتاب الخامس كتاب العلم. والحمد لله رب العالمين وصلاته على خير خلقه ~~محمد النبي وآله وصحابته وأهل بيته أجمعين. # وكتبه الفقير إلى رحمة الله تعالى إبراهيم بن عمر بن محمد بن علي الواعظ ~~الجزري؛ وذلك في شهور سنة أربع وتسعين وخمسمائة هجرية.. ### | جاء بعد خاتمة الكتاب الرابع بعد النسخة الخطية التي تقل عنها الأصل الفتوغرافي ما يأتي: # كان سديف مولى بني هاشم يقول: اللهم إنه قد صار فيئنا دولة بعد # PageV02P130 # القسمة، وإمارتنا غلبة بعد المشورة؛ وعهدنا ميراثا بعد الاختيار للأمة، ~~واشتريت الملاهي والمعازف بسهم اليتيم والأرملة؛ وحكم في أبشار «1» ~~المسلمين أهل الذمة وتولى القيام بأمورهم فاسق كل محلة. اللهم وقد استحصد ~~زرع الباطل، وبلغ نهيته، واستجمع طريده، اللهم فافتح له من الحق يدا حاصدة ~~تبدد شمله، وتفرق نامته «2» ليظهر الحق في أحسن صوره، وأتم نوره. والسلام. # وقيل «3» : كانوا يتوقون ظلم السلطان إذا دخلوا عليه بأن يقولوا هذا ~~الدعاء: «باسم الله، إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا # اخسؤا فيها ولا تكلمون # أخذت سمعك وبصرك بسمع الله وبصره، وأخذت قوتك بقوة الله، بيني وبينك ستر ~~النبوة الذي كانت الأنبياء تستتر به من سطوات الفراعنة؛ جبريل عن يمينك، ~~وميكائيل عن شمالك، ومحمد أمامك، والله مطل عليك يحجزك مني ويمنعني منك. ~~والسلام» . # وكتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله: «أما بعد، فإذا دعتك قدرتك على ~~الناس إلى ظلمهم، فاذكر قدرة الله عليك ونفاد ما تأتي إليهم، وبقاء ما ~~يأتون إليك. والسلام» . # وقدم رجل من بعض النواحي فقيل له: كيف تركت الناس؟ قال: # مظلوما لا ينتصر، وظالما لا ينتهر. والسلام. # PageV02P131 # في الحبس: [بسيط] # ما يدخل السجن إنسان فتسأله ... ما بال سجنك إلا قال مظلوم «1» # وقال بعض المحدثين: [منسرح] # إن الليالي التي شغفت بها ... غيبها الدهر في تقلبه # لله أمري ما ملت قط إلى ... شيء بقلبي إلا فجعت به # عرفت حظي من الزمان فلا ... ألوم خلقا على تجنبه # وكل سهم أعددته وقفت ... به الليالي حتى زميت به # وحكي أن عبد الملك بن مروان أتوه برجل من الخوارج فأراد قتله، فأدخل على ~~عبد الملك ابن له صغير وهو يبكي؛ فقال الخارجي: دعه يا عبد الملك، فإن ذلك ~~أرحب لشدقه، وأصح لدماغه، وأذهب لصوته، وأجرى ألا تأبى عليه عينه إذا حفزته ~~طاعة الله فاستدعى عبرتها؛ فأعجب عبد الملك بقوله وقال له متعجبا: أما ~~يشغلك ما أنت فيه عن هذا؟ فقال: ما ينبغي أن يشغل المؤمن عن قول الحق شيء؛ ~~فأمر عبد الملك بحبسه، وصفح عن قتله. # PageV02P132 # بسم الله الرحمن الرحيم ### | كتاب ### | العلم # والبيان</span> # العلم # حدثني الزيادي قال: حدثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن عبد الله ابن سعد ~~عن الصنابحي عن معاوية بن أبي سفيان قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~عن الأغلوطات، قال الأوزاعي: يعني صعاب المسائل «1» . # حدثني سهيل بن محمد عن الأصمعي قال: سمعت عمران بن حدير يحدث عن رجل من ~~أهل الشام قد سماه، قال: قال كعب الأحبار لقوم من أهل الشام: كيف رأيكم في ~~أبي مسلم الخولاني «2» ؟ فقالوا: ما أحسن رأينا فيه وأخذنا عنه! فقال: إن ~~أزهد الناس في العالم أهله «3» ، وإن مثل ذلك مثل الحمة «4» تكون في القوم ~~فيرغب فيها الغرباء، ويزهد فيها القرباء، فبينا ذلك # PageV02P133 # غار ماؤها، وأصاب هؤلاء منفعتها، وبقي هؤلاء يتفكنون، أي يتندمون. # وفي الإنجيل أن عيسى صلى الله عليه لما أراهم العجائب، وضرب لهم الأمثال ~~والحكمة، وأظهر لهم هذه الآيات، قالوا: أليس هذا ابن النجار! أو ليست أمه ~~مريم وأخوه يعقوب ويوسف وشمعون ويهوذا وأخواته كلهن عندنا! فقال لهم عيسى: ~~إنه لا يسب النبي ولا يحقر إلا في مدينته وبيئته. # حدثنا الرياشي قال: حدثنا الأصمعي قال: قيل لدغفل النسابة: بم أدركت ما ~~أدركت من العلم؟ فقال: بلسان سؤول وقلب عقول، وكنت إذا لقيت عالما أخذت منه ~~وأعطيته. # حدثني أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي قال: حدثنا العلاء بن أسلم عن رؤبة بن ~~العجاج قال: أتيت النسابة البكري فقال لي: من أنت؟ فقلت: أنا ابن العجاج، ~~قال: قصرت وعرفت، لعلك من قوم إن سكت عنهم لم يسألوني، وإن تكلمت لم يعوا ~~عني، قلت: أرجو ألا أكون كذلك، قال: ما أعداء المروءة؟ # قلت: تخبرني، قال: بنو عم السوء إن رأوا حسنا ستروه، وإن رأوا سيئا ~~أذاعوه، ثم قال: إن للعلم آفة وهجنة ونكدا، فآفته نسيانه، ونكده الكذب فيه، ~~وهجنته نشره عند غير أهله. # كان يقال: لا يزال المرء عالما ما طلب العلم فإذا ظن أن قد علم فقد جهل. # حدثني شيخ لنا عن محمد بن عبيد عن الصلت بن مهران عن رجل عن الشعبي عن ~~عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تعلم العلم لأربعة ~~دخل النار ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو يميل به وجوه الناس أو ~~يأخذ به من الأمراء» . # PageV02P134 # وحدثني عن أبي معاوية عن حجاج عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: «ما من عبد يخلص العبادة لله أربعين يوما إلا ظهرت ينابيع الحكمة من ~~قلبه على لسانه» . وقرأت في حكم لقمان أنه قال لابنه: يا بني، أغد عالما أو ~~متعلما أو مستمعا أو محبا، ولا تكن الخامس فتهلك. # حدثني محمد بن داود عن سويد بن سعيد عن إسماعيل عن ابن عياش عن معاذ ابن ~~رفاعة عن إبراهيم بن عبد الرحمن قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يحمل ~~هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين ~~وتأويل الجاهلين» . # وروى أبو خالد بن الأحمر عن عمرو بن قيس عن أبي إسحاق قال: # قال علي عليه السلام: كلمات لو رحلتم المطي فيهن لا تصيبوهن قبل أن ~~تدركوا مثلهن: لا يرجون عبد إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه، ولا يستحيي من لا ~~يعلم أن يتعلم، ولا يستحيي إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: الله أعلم. # واعلموا أن منزلة الصبر من الإيمان كمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب ~~الرأس ذهب الجسد، وإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان. وكان يقول: من حق العالم ~~عليك إذا أتيته أن تسلم على القوم عامة وتخصه بالتحية، وأن تجلس قدامه ولا ~~تشير بيدك، ولا تغمز بعينك، ولا تقول قال فلان خلافا لقوله، ولا تغتاب عنده ~~أحدا، ولا تسار في مجلسه، ولا تأخذ بثوبه، ولا تلح عليه إذا كسل، ولا تغرض ~~«1» من صحبته لك: فإنما هو بمنزلة النخلة لا يزال يسقط عليك منها شيء. ~~وفيما قال علي عليه السلام: يا كميل «2» ، العلم خير من # PageV02P135 # المال، لأن العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم ~~يزكو على الإنفاق. وقال: قيمة كل امرىء ما يحسن. ويقال إذا أرذل «1» الله ~~عبدا حظر عليه العلم. وقال الشاعر: [طويل] # يعد رفيع القوم من كان عالما «2» ... وإن لم يكن في قومه بحسيب # وإن حل أرضا عاش فيها بعلمه ... وما «3» عالم في بلدة بغريب # قال بزرجمهر: ما ورثت الآباء الأبناء شيئا أفضل من الأدب، لأنها تكتسب ~~المال بالأدب وبالجهل تتلفه فتقعد عدما منهما. قال رجل لخالد بن صفوان: ~~مالي إذا رأيتكم تتذاكرون الأخبار، وتتدارسون الآثار، وتتناشدون الأشعار، ~~وقع علي النوم؟ قال: لأنك حمار في مسلاخ» # إنسان. # خرج الوليد بن يزيد حاجا ومعه عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ~~فكانا ببعض الطريق يلعبان بالشطرنج فاستأذن عليه رجل من ثقيف فأذن له وستر ~~الشطرنج بمنديل، فلما دخل سلم فسأله حاجته؛ فقال له الوليد: أقرأت القرآن؟ ~~قال: لا، يا أمير المؤمنين! شغلتني عنه أمور وهنات، قال: أفتعرف الفقه؟ ~~قال: لا، قال: أفرويت من الشعر شيئا؟ قال: لا، قال: أفعلمت من أيام العرب ~~شيئا؟ قال: لا، قال: فكشف المنديل عن الشطرنج وقال: # شاهك، فقال له عبد الله بن معاوية: يا أمير المؤمنين! قال: اسكت فما معنا ~~أحد. # وفي كتاب للهند: العالم إذا اغترب فمعه من علمه كاف، كالأسد معه # PageV02P136 # قوته التي يعيش بها حيث توجه. وكان يقال: العلم أشرف الأحساب، والمودة ~~أشد الأسباب، قال الشاعر: [منسرح] # الحلم والعلم خلتا كرم ... للمرء زين إذا هما اجتمعا # صنوان لا يستتم حسنهما ... إلا بجمع لذا وذاك معا # كم من وضيع سما به العلم وال ... حلم فنال العلاء وارتفعا # ومن رفيع البنا أضاعهما ... أخمله ما أضاع فاتضعا # قال الأحنف: كاد العلماء أن يكونوا أربابا، وكل عز لم يؤكد بعلم فإلى ذل ~~ما يصير. وقال ابن المقفع: إذا أكرمك الناس لمال أو سلطان فلا يعجبنك ذلك، ~~فإن زوال الكرامة بزوالهما، ولكن ليعجبك إن أكرموك لدين أو أدب. وفي بعض ~~الحديث المرفوع: «مثل العلماء في الأرض مثل النجوم في السماء» . وكان يقال: ~~إستدل على فضل العلم أنه ليس أحد يحب أن له بحظه منه خطرا. قال يونس بن ~~حبيب: علمك من روحك، ومالك من بدنك. قال أبو الأسود: الملوك حكام على ~~الناس، والعلماء حكام على الملوك. # قيل لبزرجمهر: العلماء أفضل أم الأغنياء؟ فقال: العلماء، فقيل له: # فما بال العلماء بأبواب الأغنياء أكثر من الأغنياء بأبواب العلماء؟ فقال: ~~لمعرفة العلماء بفضل الغنى وجهل الأغنياء بفضل العلم. وفي الحديث: «ليس ~~الملق من أخلاق المؤمن إلا في طلب العلم» . قال ابن عباس: دللت طالبا، ~~فعزرت مطلوبا؛ وكان يقول: وجدت عامة علم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ~~هذا الحي من الأنصار، إن كنت لأقيل بباب أحدهم ولو شئت أذن لي، ولكن أبتغي ~~بذلك طيب نفسه. وكان يقال: أول العلم الصمت والثاني الاستماع، والثالث ~~الحفظ، والرابع العقل، والخامس نشره. ويقال: إذا جالست العلماء فكن على أن ~~تسمع أحرص منك على أن تقول. قال الحسن: من أحسن عبادة الله # PageV02P137 # في شبيبته لقاه الله الحكمة في سنه، وذلك قوله: ولما بلغ أشده واستوى ~~آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين # «1» قال بعض الحكماء من الصحابة: تقول الحكمة: من التمسني فلم يجدني ~~فليفعل بأحسن ما يعلم، وليترك أقبح ما يعلم، فإذا فعل ذلك فأنا معه وإن لم ~~يعرفني. وكان يقال: لا يكون الرجل عالما حتى يكون فيه ثلاث: لا يحقر من ~~دونه في العلم، ولا يحسد من فوقه، ولا يأخذ على علمه ثمنا. وقال ابن عيينة: ~~يستحب للعالم إذا علم ألا يعنف، وإذا علم ألا يأنف. وفي كلام لغيلان، لا ~~تكن كعلماء زمن الهرج «2» إن علموا أنفوا وإن علموا عنفوا. وفي حكمة لقمان: ~~إن العالم الحكيم يدعو الناس إلى علمه بالصمت والوقار، وإن العالم الأخرق ~~يطرد الناس عن علمه بالهذر والإكثار. قال إبراهيم بن المنصور: سل مسألة ~~الحمقى واحفظ حفظ الأكياس. وأنشد ابن الأعرابي: [كامل] # ما أقرب الأشياء حين يسوقها ... قدر وأبعدها إذا لم تقدر # فسل الفقيه تكن فقيها مثله ... من يسع في عمل بفقه يمهر # وتدبر الأمر الذي تعنى به ... لا خير في عمل بغير تدبر # فلقد يجد المرء وهو مقصر ... ويخيب جد المرء غير مقصر # ذهب الرجال المقتدى بفعالهم ... والمنكرون لكل أمر منكر # وبقيت في خلف يزين بعضهم ... بعضا ليدفع معور «3» عن معور # PageV02P138 # وقال الشاعر «1» : [طويل] # شفاء العمى طول السؤال وإنما ... تمام العمى طول السكوت على الجهل # وقال بعضهم: خير خصال المرء السؤال. ويقال: إذا جلست إلى عالم فسل تفقها ~~ولا تسل تعنتا. قال الحسن. من استتر عن الطلب بالحياء لبس للجهل سرباله، ~~فقطعوا سرابيل الحياء، فإنه من رق وجهه رق علمه؛ وقال: # إني وجدت العلم بين الحياء والستر. وقال الخليل؛ منزلة الجهل بين الحياء ~~والأنفة. وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: قرنت الهيبة بالخيبة، والحياء ~~بالحرمان، والحكمة ضالة المؤمن فليطلبها ولو في يدي أهل الشرك. وقال عروة ~~بن الزبير لبنيه: تعلموا العلم فإن تكونوا صغار قوم فعسى أن تكونوا كبار ~~قوم آخرين، فيا سوءتا ماذا أقبح من جهل بشيخ! وكان يقال: علم علمك من يجهل، ~~وتعلم ممن يعلم، فإنك إذا فعلت ذلك علمت ما جهلت وحفظت ما علمت. # قيل لبزرجمهر: بم أدركت ما أدركت من العلم؟ فقال: ببكور كبكور الغراب، ~~وحرص كحرص الخنزير، وصبر كصبر الحمار. وقال الحسن: # طلب العلم في الصغر كالنقش في الحجر، وطلب العلم في الكبر كالنقش على ~~الماء. ويقال: التفقه على غير علم كحمار الطاحونة يدور ولا يبرح. وفي ~~الحديث المرفوع «ارحموا عزيزا ذل ارحموا غنيا افتقر ارحموا عالما ضاع بين ~~جهال» ويقال: أحق الناس بالرحمة عالم يجوز عليه حكم جاهل. # قال المسيح عليه السلام: يا بني إسرائيل، لا تلقوا اللؤلؤ إلى الخنازير، # PageV02P139 # فإنها لا تصنع به شيئا، ولا تعطوا الحكمة من لا يريدها، فإن الحكمة أفضل ~~من اللؤلؤ، ومن لا يريدها شر من الخنازير. قال ديمقراط: عالم معاند خير من ~~منصف جاهل. وقال آخر: الجاهل لا يكون منصفا؛ وقد يكون العالم معاندا. قال ~~سفيان: تعوذوا بالله من فتنة العابد الجاهل، وفتنة العالم الفاجر. قيل ~~للحسن: الحرفة في أهل العلم: ولغيرهم الثروة، فقال: إنك طلبت قليلا في قليل ~~فأعجزك، طلبت المال وهو قليل في الناس، في أهل العلم وهم قليل من الناس. ~~وقال الخريمي «1» : [بسيط] # لا تنظرن إلى عقل ولا أدب ... إن الجدود قرينات الحماقات # وقال آخر: [بسيط] # ما ازددت من أدبي حرفا أسر به ... إلا تزيدت حرفا تحته شوم # إن المقدم في جذق بصنعته ... أنى توجه منها فهو محروم # وقال الطائي لمحمد بن عبد الملك: [طويل] # أبا جعفر، إن الجهالة أمها ... ولود وأم العلم جذاء حائل «2» # قال الثوري: من طلب الرياسة بالعلم سريعا فاته علم كثير؛ وقال: # يهتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل. قال بعض أهل العلم: يغفر للجاهل ~~سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد. قال بلال بن أبي بردة: لا يمنعنكم ~~سوء ما تعلمون منا أن تقبلوا أحسن ما تسمعون. وقال الخليل بن أحمد «3» : ~~[بسيط] # PageV02P140 # اعمل بعلمي ولا تنظر إلى عملي ... ينفعك قولي ولا يضررك تقصيري # كتب رجل إلى أخ له: إنك قد أوتيت علما فلا تطفئن نور علمك بظلمة الذنوب ~~فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم. # وقال بعض الحكماء: لولا العلم لم يطلب العمل، ولولا العمل لم يطلب العلم، ~~ولأن أدع الحق جهلا به أحب إلي من أن أدعه زهدا فيه. وقال مالك بن دينار: ~~إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا. ~~«1» ونحوه قول زياد: إذا خرج الكلام من القلب وقع في القلب، وإذا خرج من ~~اللسان لم يجاوز الآذان. # ويقال: العلماء إذا علموا كملوا، فإذا عملوا شغلوا، فإذا شغلوا فقدوا، ~~فإذا فقدوا طلبوا فإذا طلبوا هربوا. قال الحسن: ما أحسن الرجل ناطقا عالما ~~ومستمعا واعيا وواعيا عاملا. وقال ابن مسعود: إني لأحسب الرجل ينسى العلم ~~بالخطيئة يعملها. وقال ابن عباس: إذا ترك العالم قول لا أدري أصيبت مقاتله. ~~وقال يزيد بن الوليد بن عبد الملك: [متقارب] # إذا ما تحدثت في مجلس ... تناهى حديثي إلى ما علمت # ولم أعد علمي إلى غيره ... وكان إذا ما تناهى قصرت # وقال آخر «2» : [طويل] # إذا ما انتهى علمي تناهيت عنده ... أطال فأملى أم تناهى فأقصرا # ويخبرني عن غائب المرء فعله ... كفى الفعل عما غيب المرء مخبرا # قال عمر بن الخطاب: لا أدركت لا أنا ولا أنت زمانا يتغاير الناس فيه # PageV02P141 # على العلم كما يتغايرون على الأزواج. قال سلمان: علم لا يقال به ككنز لا ~~ينفق منه. وفي الحديث المرفوع: «العلم علمان علم في القلب فذلك العلم ~~النافع وعلم على اللسان فذلك حجة الله على ابن آدم» قال عمر بن عبد العزيز: ~~ما قرن شيء إلى شيء أحسن من حلم إلى علم ومن عفو إلى قدرة. # قال أبو الدرداء: من يزدد علما يزدد وجعا. # قال أفلاطون: لولا أن في قول لا أعلم سببا لأني أعلم لقلت إني لا أعلم. ~~وقال آخر: ليس معي من فضيلة العلم إلا علمي بأني لست أعلم. # قال الخليل بن أحمد: الرجال أربعة: رجل يدري ويدري أنه يدري فسلوه، ورجل ~~يدري ولا يدري أنه يدري فذاك ناس فذكروه، ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري ~~فذلك مسترشد فعلموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذلك جاهل فارفضوه. # كتب كسرى إلى بزرجمهر وهو في الحبس: كانت ثمرة علمك أن صرت بها أهلا ~~للحبس والقتل، فكتب إليه بزرجمهر: أما ما كان معي الجد فقد كنت أنتفع بثمرة ~~العلم فالآن إذ لا جد فقد صرت أنتفع بثمرة الصبر مع أني إن كنت فقدت كثير ~~الخير فقد استرحت من كثير الشر. # قال بزرجمهر: من صلح له العمر صلح له التعلم. وقيل لبعض الحكماء: أيحسن ~~بالرجل أن يتعلم؟ فقال: إن كانت الجهالة تقبح به فإن العلم يحسن به. ويقال: ~~التودد زين العلم. # قال عمر بن الخطاب: ما من غاشية «1» أدوم أرقا، وأبطأ شبعا من عالم. # قال مالك بن دينار: من طلب العلم لنفسه فالقليل منه يكفي، ومن طلبه # PageV02P142 # للناس فحوائج الناس كثيرة. # قال إبقراط: العلم كثير، والعمر قصير، والصنعة طويلة، والزمان جديد، ~~والتجربة خطأ. # قال المسيح عليه السلام: إلى متى تصفون الطرنف للمدلجين، وأنتم مقيمون مع ~~المتحيرين؟ إنما ينبغي من العلم القليل، ومن العمل الكثير. قال سلمان: لو ~~حدثت الناس بكل ما أعلم لقالوا رحم الله قاتل سلمان. كان يقال: لا تقل فيما ~~لا تعلم فتتهم فيما تعلم. وكان يقال: العلم قائد، والعمل سائق، والنفس ~~حرون، فإذا كان قائد بلا سائق بلدت وإذا كان سائق بلا قائد عدلت يمينا ~~وشمالا، فإذا اجتمعا أنابت طوعا وكرها. قال أيوب: لا يعرف الرجل خطأ معلمه ~~حتى يعرف الاختلاف. ويقال: غريزة العقل أنثى وما يستفاد من العلم ذكر ولن ~~يصلحا إلا معا. # قال المسيح عليه السلام: إن أبغض العلماء إلى الله رجل يحب الذكر ~~بالمغيب، ويوسع له في المجالس، ويدعى إلى الطعام، وتفرغ له المزاود «1» ، ~~بحق أقول لكم: إن أولئك قد أخذوا أجورهم في الدنيا، وإن الله يضاعف لهم ~~العذاب يوم القيامة. # لما دلي زيد بن ثابت في قبره قال ابن عباس: من سره أن يرى كيف ذهب العلم ~~فهكذا ذهاب العلم. # ويقال: إذا أردت المحبة من الله فكن عالما كجاهل. وقال بعض الشعراء في ~~تلاقي العلماء: [منسرح] # PageV02P143 # إذا تلاقى الفيول «1» وازدحمت ... فكيف حال البعوض في الوسط؟ # وقال ابن الرقاع: [كامل] # ولقد أصبت من المعيشة لذة ... ولقيت من شظف الخطوب شدادها # وعلمت حتى لست أسأل عالما ... عن حرف واحدة لكي أزدادها # ويقال: أربع لا يأنف منهن الشريف: قيامه عن مجلسه لأبيه، وخدمته لضيفه، ~~وقيامه على فرسه وإن كان له مائة عبد، وخدمته العالم ليأخذ من علمه. # قيل لعطاء بن مصعب: كيف غلبت على البرمكة وعندهم من هو آدب منك؟ قال: ليس ~~للقرباء ظرافة الغرباء، كنت بعيد الدار، غريب الاسم، عظيم الكبر، صغير ~~الجرم، كثير الالتواء، شحيحا بالإملاء؛ فقربني إليهم تباعدي منهم، ورغبهم ~~في رغبتي عنهم. # قال أبو يعقوب الخريمي «2» : تلقاني سعيد بن وهب مع طلوع الشمس فقلت: أين ~~تريد؟ قال: أدور لعلي أسمع حديثا حسنا، ثم تلقاني أنس بن أبي شيخ فقلت: أين ~~تريد؟ قال: عندي حديث حسن فأنا أطلب له إنسانا حسن الفهم حسن الاستماع، ~~قلت: حدثني به، قال: أنت حسن الفهم سيء الإستماع، وما أرى لهذا الحديث إلا ~~إسماعيل بن غزوان. وقال الطائي في نحو هذا: [وافر] # وكنت أعز عزا من قنوع ... تعوضه صفوح من ملول # PageV02P144 # فصرت أذل من معنى دقيق ... به فقر إلى فهم جليل # كان يقال: إذا أردت أن تكون عالما فاقصد لفن من العلم، وإذا أردت أن تكون ~~أديبا فخذ من كل شيء أحسنه. قال إبراهيم «1» بن المهدي: [بسيط] # قد يرزق المرء لم تتعب رواحله ... ويحرم الرزق من لم يؤت من تعب # مع أنني واجد في الناس واحدة ... الرزق أروغ شيء عن ذوي الأدب # وخلة ليس فيها من يخالفني ... الرزق والنوك مقرونان في سبب «2» # يا ثابت العقل كم عاينت ذا حمق ... الرزق أغرى به من لازم الجرب # قال أنو شروان للموبذ «3» : ما رأس الأشياء؟ قال: الطبيعة النقية تكتفي ~~من الأدب برائحته ومن العلم بالإشارة إليه، وكما يذهب البذر في السباخ «4» ~~ضائعا، كذلك الحكمة تموت بموت الطبيعة، وكما تغلب السباخ طيب البذر إلى ~~العفن، كذلك الحكمة تفسد عند غير أهلها؛ قال كسرى؛ قد صدقت وبحق قلدناك ما ~~قلدناك. # قال بعض السلف: يكون في آخر الزمان علماء يزهدون في الدنيا ولا يزهدون، ~~ويرغبون في الآخرة ولا يرغبون، ينهون عن غشيان الولاة ولا ينتهون، يقربون ~~الأغنياء ويباعدون الفقراء، وينقبضون عند الحقراء، وينبسطون عند الكبراء: ~~أولئك الجبارون أعداء الرحمن. # PageV02P145 # نافع عن ابن عمر قال: العلم ثلاثة: كتاب ناطق؛ وسنة ماضية؛ ولا أدري. ### | الكتب والحفظ # حدثني إسحاق بن إبراهيم قال: حدثني قريش بن أنس قال: سمعت الخليل بن أحمد ~~يقول: اسلم من الوحدة، فقيل له: قد جاء في الوحدة ما جاء، فقال: ما أفسدها ~~للجاهل!. قال بعض الشعراء في قوم يجمعون الكتب ولا يعلمون: [طويل] # زوامل «1» للأسفار لا علم عندهم ... بجيدها إلا كعلم الأباعر # لعمرك ما يدري المطي إذا غدا ... بأحمالها أرواح ما في الغرائر «2» # قال يحيى بن خالد: الناس يكتبون أحسن ما يسمعون، ويحفظون أحسن ما يكتبون، ~~ويتحدثون بأحسن ما يحفظون. قال الشعبي: لو أن رجلا حفظ ما نسيت كان عالما، ~~ووصف رجل رجلا فقال: كان يغلط في علمه من وجوه أربعة: يسمع غير ما يقال له، ~~ويحفظ غير ما يسمع، ويكتب غير ما يحفظ، ويحدث بغير ما يكتب. # قيل لأبي نواس: قد بعثوا إلى أبي عبيدة والأصمعي ليجمع بينهما، فقال: أما ~~أبو عبيدة فإن أمكنوه من شقره «3» قرأ عليهم أساطير الأولين؛ وأما الأصمعي ~~فبلبل في قفص يطربهم بنغماته. # PageV02P146 ### | القرآن # حدثني الزيادي قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن الجريري عن عبد الله بن ~~شقيق قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون بيع المصاحف ~~ويرونه عظيما، وكانوا يكرهون أن يأخذ المعلم على تعليم الغلمان شيئا. # حدثني محمد بن عبد العزيز عن خالد الكاهلي عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي ~~عليه السلام قال: مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب ~~وطعمها طيب؛ ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل النمرة طعمها طيب ولا ريح ~~لها؛ ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر؛ ومثل ~~الفاجر الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها. # وحدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن إسماعيل بن أمية ~~وليث بن أبي سليم عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو فإني أخاف أن يناله العدو. # حدثني أبو سفيان الغنوي قال: حدثنا عمير بن عمران العلاف قال: # حدثنا خريمة ابن أسد المري قال: كان سعيد بن المسيب يستفتح القراءة ب بسم ~~الله الرحمن الرحيم # ويقول: إنها أول شيء كتب في المصحف، وأول الكتب، وأول ما كتب به سليمان ~~بن داود إلى المرأة «1» . # وحدثني أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي قال: حدثنا رجل عن عمران بن حدير ~~قال: قرأت على أعرابي آخر سورة «براءة» فقال: كان هذا من آخر # PageV02P147 # ما نزل. قالوا: كيف؟ قال: أرى أشياء تقضى وعهودا تنبذ. قال: وقرأت عليه ~~سورة الأحزاب فقال: كأنها ليس بتامة. # حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ~~قال: قال ابن مسعود: (حم) ديباج القرآن، قال: وزاد فيه مسعر «1» ، قال عبد ~~الله: إذا وقعت في آل (حم) وقعت في روضات دمثات «2» أتأنق فيهن. # حدثني شيخ لنا عن المحاربي قال: حدثنا بكر بن حنيس عن ضرار بن عمرو عن ~~الحسن قال: قراء القرآن ثلاثة: رجل اتخذه بضاعة ينقله من مصر إلى مصر، يطلب ~~به ما عند الناس؛ وقوم حفظوا حروفه، وضيعوا حدوده، واستدروا به الولاة، ~~واستطالوا به على أهل بلادهم- وقد كثر الله هذا الضرب في حملة القرآن لا ~~كثرهم الله- ورجل قرأ القرآن فبدأ بما يعلم من دواء القرآن فوضعه على داء ~~قلبه، فسهر ليله وهملت عيناه، تسربلوا «3» الخشوع، وارتدوا بالحزن، وركدوا ~~في محاريبهم، وجثوا في برانسهم «4» ، فبهم يسقي الله الغيث، وينزل النصر، ~~ويرفع البلاء، والله لهذا الضرب في حملة القرآن أقل من الكبريت الأحمر. روى ~~الحارث الأعور عن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ~~كتاب الله فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس ~~بالهزل، هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تشبع منه العلماء ولا # PageV02P148 # يخلق عن كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله ~~ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين والذكر الحكيم ~~والصراط المستقيم خذها إليك يا أعور. # المحاربي قال: حدثنا مالك بن مغول عمن أخبره عن المسيب بن رافع عن عبد ~~الله ابن مسعود قال: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون، ~~وبحزنه إذ الناس يفرحون، وببكائه إذ الناس يضحكون؛ وينبغي لحامل القرآن أن ~~يكون عليما حكيما لينا مستكينا. # وكيع عن أبي معشر المديني عن طلحة بن عبيد الله بن كريز قال: قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: إن من تعظيم جلال الله إكرام ذي الشيبة في ~~الإسلام وإكرام الإمام العادل وإكرام حامل القرآن. قال بعض المفسرين في قول ~~الله عز وجل: سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق # «1» أحرمهم فهم القرآن. # سمع أعرابي ابن عباس وهو يقرأ: وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها # «2» فقال: والله ما أنقذهم منها وهو يريد أن يدخلهم فيها؛ فقال ابن عباس: ~~خذها من غير فقيه. ### | الحديث # حدثني إسحاق بن «3» إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال: حدثنا محمد بن # PageV02P149 # فضيل عن الأعمش قال: كان إسماعيل بن رجاء يجمع صبيان الكتاب فيحدثهم كيلا ~~ينسى حديثه. وحدثني إسحاق الشهيدي قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش ~~قال: قال لي حبيب بن أبي ثابت: لو أن رجلا حدثني عنك بحديث ما باليت أن ~~أرويه عنك. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن نافع عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: ألف ~~عن ألف خير من واحد عن واحد إن فلانا عن فلان ينتزع السنة من أيديكم. # حدثني الرياشي قال: روي عن محمد بن إسماعيل عن معتمر قال: # حدثني منقذ عن أيوب عن الحسن قال: ويح: رحمة. # حدثنا الرياشي قال: روى ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن ~~أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد؛ ~~قال ربيعة: ثم ذاكرت سهيلا بهذا الحديث فلم يحفظه، فكان بعد ذلك يرويه عني ~~عن نفسه عن أبيه عن أبي هريرة. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن شعبة قال: كان قتادة إذا حدث بالحديث الجيد ~~ثم ذهب يجيء بالثاني غدوة. # بلغني عن ابن مهدي قال: سئل شعبة؛ من الذي يترك حديثه؟ فقال: # الذي يتهم بالكذب، ومن تكثر بالغلط، ومن يخطىء في حديث مجمع عليه فلا ~~يتهم نفسه ويقيم على غلطه، ورجل روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون. # وعن مالك أنه قال: لا يؤخذ العلم من أربعة: سفيه معلن بالسفه، وصاحب هوى، ~~ورجل يكذب في أحاديث الناس وإن كنت لا تتهمه في # PageV02P150 # الحديث، ورجل له فضل وتعفف وصلاح لا يعرف ما يحدث. # حدثني عبد الرحمن عن الأصمعي أنه رثى سفيان «1» بن عيينة فقال: [بسيط] # فليبك سفيان باغي سنة درست ... ومستبيت أثارات وآثار «2» # ومبتغي قرب إسناد وموعظة ... وأفقيون «3» من طار ومن طار # أمست مجالسه وحشا معطلة ... من قاطنين وحجاج وعمار # من للحديث عن الزهري حين ثوى ... أو للأحاديث عن عمرو بن دينار «4» # لن يسمعوا بعده من قال حدثنا ال ... زهري من أهل بدو أو بإحضار # لا يهنأ الشامت المسرور مصرعه ... من مارقين ومن جحاد أقدار # ومن زنادقة، جهم «5» يقودهم ... قودا إلى غضب الرحمن والنار # وملحدين ومرتابين قد خلطوا ... بسنة الله أهتارا بأهتار «6» # PageV02P151 # وقال آخر في مالك بن أنس الفقيه: [كامل] # يأبى الجواب فما يراجع هيبة ... والسائلون نواكس الأذقان # هدي التقي وعز سلطان التقى ... فهو المطاع وليس ذا سلطان «1» # حدثنا أبو الخطاب قال: حدثنا محمد بن سوار قال: حدثنا هشام بن حسان قال: ~~كان الحسن يحدثنا اليوم بالحديث ويرده الغد ويزيد فيه وينقص إلا أن المعنى ~~واحد. # حدثني أبو الخطاب قال: حدثنا ميمون قال: حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه قال: ~~قال حذيفة بن اليمان: إنا قوم عرب فنقدم ونؤخر ونزيد وننقص، ولا نريد بذلك ~~كذبا. # أبو معاوية قال: قال أبو إسحاق الشامي: لو كان هذا الحديث من الخبز نقص. # أبو أسامة قال: قال مسعر: من أبغضني فجعله الله محدثا. أبو معاوية قال: ~~سمعت الأعمش يقول: والله لأن أتصدق بكسرة أحب إلي من أن أتحدث بستين حديثا. # أبو أسامة قال: سمعت سفيان يقول لوددت أنها قطعت من هامتي، وأومأ إلى ~~المنكب، وأني لم أسمع منه شيئا. # قال ابن عيينة: ما أحب لمن أحب أن يكون أحفظ الناس للحديث. # قال بعضهم: إني لأسمع الحديث عطلا فأشنفه وأقرطه وأقلده فيحسن، وما زدت ~~فيه معنى، ولا نقصت منه معنى. # أبو أسامة قال: سأل حفص بن غياث الأعمش عن إسناد حديث فأخذ بحلقه وأسنده ~~إلى الحائط وقال: هذا إسناده. # وحدث ابن السماك بحديث فقال له رجل: ما إسناده؟ فقال: هو من # PageV02P152 # المرسلات عرفا. وحدث الحسن بحديث فقال له رجل: يا أبا سعيد، عمن قال وما ~~يصنع بعمن؟ أما أنت فقد نالتك موعظته، وقامت عليك حجته. # يعلى قال: قال الأعمش: إذا رأيت الشيخ لم يطلب الفقه أحببت أن أصفعه. # ابن عيينة قال: قال الأعمش: لولا تعلم هذه الأحاديث كنت كبعض بقالي ~~الكوفة. # إزدحم الناس يوما على باب ابن عيينة أيام الموسم وبالقرب منه رجل من حاج ~~خراسان قد حط بمجمله فديس وكسر ما كان معه وانتهب كعكه وسويقه، فقام يسير ~~إلى سفيان يدعو ويقول: إني لا أحل لك ما صنعت؛ فقال سفيان: ما يقول؟ فقال: ~~بعضهم: يقول لك: زدنا في السماع رحمك الله. # أنشدني أبو حاتم عن الأصمعي للعلاء بن المنهال الغنوي في شريك «1» : ~~[وافر] # فليت أبا شريك كان حيا ... فيقصر حين يبصره شريك # ويترك من تدريه علينا ... إذا قلنا له هذا أبوك «2» # وقال آخر: [طويل] # تحرز سفيان وفر بدينه ... وأمسى شريك مرصدا للدراهم # وقال آخر «3» في شهر بن حوشب: [طويل] # PageV02P153 # لقد باع شهر دينه بخريطة ... فمن يأمن القراء بعدك يا شهر؟ # وذلك أنه كان دخل بيت المال فسرق خريطة، ورافق رجلا من أهل الشام فسرق ~~عيبته. وقال ابن مناذر «1» : [وافر] # ومن يبغ الوصاة «2» فإن عندي ... وصاة للكهول وللشباب # خذوا عن مالك وعن ابن عون ... ولا ترووا أحاديث ابن دأب «3» # عبد العزيز بن أبان عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت قال: طلبنا هذا الأمر ~~وما لنا فيه نية، ثم إن النية جاءت بعد؛ فقال سفيان: قال زيد بن أسلم: # رأيتم رجلا مد رجله فقال: اقطعوها سوف أجبرها. قيل لرقبة: ما أكثر شكك! ~~فقال: محاماة عن اليقين؛ وقال بعضهم: سأل شعبة أيوب السختياني عن حديث ~~فقال: أنا أشك، فيه فقال: شكك أحب إلي من يقين سبعة. # حدثني زيد بن أخزم قال: سمعت عبد الله بن داود يقول: رأيت الأعمش يضم ~~كفيه ثم يضرب بهما صدره ويقول: أسكن. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثني بعض الرواة قال: قلت للشرقي بن ~~قطامي: ما كانت العرب تقول في صلاتها على موتاها؟ فقال: لا أدري، فأكذب له؟ ~~فقلت: كانوا يقولون: [طويل] # PageV02P154 # ما كنت وكواكا ولا بزونك ... رويدك حتى يبعث الحق باعثه «1» # وكواك: غليظ، وزونك: قصير؛ قال: فإذت أنا به يحدث به في المقصورة يوم ~~الجمعة؛ قال أبو نواس: [منسرح] # حدثني الأزرق المحدث عن ... عمرو بن شمر عن ابن مسعود # لا يخلف الوعد غير كافرة «2» ... وكافر في الجحيم مصفود # حدثني مهيار قال: حدثني هدبة بن عبد الوهاب عن شقيق البلخي أنه أطرى يوما ~~أبا حنيفة رحمه الله بمرو فقال له علي بن إسحاق: لا تطره بمرو فإنهم لا ~~يحتملون ذلك؛ فقال شقيق: قد مدحه مساور «3» الشاعر فقال: [وافر] # إذا ما الناس يوما قايسونا ... بآبدة من الفتيا ظريفه «4» # أتيناهم بمقياس صحيح ... تلاد «5» من طراز أبي حنيفه # إذا سمع الفقيه بها وعاها ... وأثبتها بحبر في صحيفه # فقال له: قد أجابه بعض أصحابنا: [وافر] # إذا ذو الرأي خاصم في قياس ... وجاء ببدعة هنة سخيفه # أتيناهم بقول الله فيها ... وآثار مبرزة شريفه # فكم من فرج محصنة عفيف ... أحل حرامه بأبي حنيفه # PageV02P155 # أقال أبو حنيفة بنت صلب ... تكون من الزنا عرسا صحيحه # سمع رجل مناديا ينادي: من يدلنا على شيخ ضل؟ فقال: ما سمعت كاليوم شيخ ~~ينادى عليه؛ ثم جاء به إلى بشر المريسي فقال: هذا شيخ ضال فخذ بيده؛ وكان ~~بشر يقول بخلق القرآن. ### | الأهواء والكلام في الدين # قال المأمون يوما لعلي بن موسى الرضى عليهما السلام: بم تدعون هذا الأمر؟ ~~قال: بقرابة علي من النبي صلى الله عليه وسلم، وبقرابة فاطمة رضي الله ~~عنها؛ فقال المأمون: إن لم يكن هاهنا شيء إلا القرابة ففي خلف رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم من أهل بيته من هو أقرب إليه من علي، ومن هو في القرابة ~~مثله؛ وإن كان بقرابة فاطمة من رسول الله، فإن الحق بعد فاطمة للحسن ~~والحسين وليس لعلي في هذا الأمر حق وهما حيان؛ وإذا كان الأمر على ذلك، فإن ~~عليا قد ابتزهما جميعا وهما حيان صحيحان، واستولى علي على ما لا يجب له؛ ~~فما أحار «1» علي بن موسى نطقا. # حدثنا الرياشي قال: سمعت الأصمعي ينشد: [طويل] # وإني لأغنى الناس عن متكلم ... يرى الناس ضلالا وليس بمهتدي # وأنشدني أيضا الرياشي: [بسيط] # وعاجز الرأي مضياع لفرصته ... حتى إذا فات أمر عاتب القدرا «2» # PageV02P156 # وقال آخر: [طويل] # إذا عيروا قالوا مقادير قدرت ... وما العار إلا ما تجر المقادر # وأنشدني سهل عن الأصمعي: [رجز] # يا أيها المضمر هما لا تهم ... إنك إن نقدر لك الحمى تحتم # ولو غدوت شاهقا من العلم ... كيف توقيك وقد جف القلم «1» # وأنشدني غيره: [رجز] # هي المقادير فلمني أو فذر ... إن كنت أخطأت فما أخطأ القدر # قال أبو يوسف: من طلب الدين بالكلام تزندق، ومن طلب المال بالكيمياء ~~أفلس، ومن طلب غرائب الحديث كذب. كان مسلم بن أبي مريم- وهو مولى لبعض أهل ~~المدينة وقد حمل عنه الحديث- شديدا على القدرية «2» ، عائبا لهم ولكلامهم، ~~فانكسرت رجله فتركها ولم يجبرها، فكلم في ذلك فقال: يكسرها هو وأجبرها أنا! ~~لقد عاندته إذا. قال رجل لهشام بن الحكم: # أترى الله عز وجل في فضله وكرمه وعدله كلفنا ما لا نطيق ثم يعذبنا؟ فقال ~~هشام: قد، والله، فعل، ولكننا لا نستطيع أن نتكلم. # حدثني رجل من أصحابنا قال: صاحب رجل من القدرية مجوسيا في # PageV02P157 # سفر فقال له القدري: يا مجوسي، مالك لا تسلم؟ قال: حتى يشاء الله! قال: # قد شاء الله ذلك، ولكن الشيطان لا يدعك، قال المجوسي: فأنا مع أقواهما. # اجتمع أبو عمرو بن العلاء وعمرو بن عبيد فقال عمرو: إن الله وعد وعدا ~~وأوعد إيعادا وإنه منجز وعده ووعيده. فقال له أبو عمرو: أنت أعجم! لا أقول ~~إنك أعجم اللسان، ولكنك أعجم القلب! أما تعلم، ويحك! أن العرب تعد إنجاز ~~الوعد مكرمة، وترك إيقاع الوعيد مكرمة؟ ثم أنشده: [طويل] # وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي # حبيب بن الشهيد قال: قال إياس «1» بن معاوية: ما كلمت أحدا بعقلي كله إلا ~~صاحب القدر؛ قلت: ما الظلم في كلام العرب؟ قال: هو أن يأخذ الرجل ما ليس ~~له؛ قلت: فإن الله له كل شيء. # وفي كتاب للهند: اليقين بالقدر لا يمنع الحازم توقي المهالك، وليس على ~~أحد النظر في القدر المغيب، ولكن عليه العمل بالحزم، ونحن نجمع تصديقا ~~بالقدر وأخدا بالحزم. # حدثني خالد بن محمد الأزدي قال: حدثنا شبابة بن سوار قال: سمعت رجلا من ~~الرافضة «2» يقول: رحم الله أبا لؤلؤة! فقلت: تترحم على رجل # PageV02P158 # مجوسي قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه! فقال: كانت طعنته لعمر إسلامه. # حدثني أحمد بن الخليل قال: حدثنا الأصمعي قال: أخبرني عاصم بن محمد ~~العمري قال: كنت جالسا عند أمير من أمراء المدينة فأتي برجل شتم أبا بكر ~~وعمر فأسلمه حجاما حتى حذق. # وقال بعض شعراء «1» الرافضة في محمد بن الحنفية «2» : [وفر] # ألا قل للوصي «3» فدتك نفسي ... أطلت بذلك الجبل «4» المقاما # أضر بمعشر والوك منا ... وسموك الخليفة والإماما # وعادوا فيك أهل الأرض طرا ... مقامك عنهم ستين عاما # وما ذاق ابن خولة «5» طعم موت ... ولا وارت له أرض عظاما # PageV02P159 # لقد أمسى بمورق شعب رضوى ... تراجعه الملائكة الكلاما # وقال كثير «1» عزة فيه وكان رافضيا يقول بالرجعة: [وافر] # ألا إن الأئمة من قريش ... ولاة «2» الحق أربعة سواء # علي والثلاثة من بنيه ... هم الأسباط ليس بهم خفاء # فسبط سبط إيمان وبر ... وسبط غيبته كربلاء # وسبط «3» لا يذوق الموت حتى ... يقود الخيل يقدمها اللواء # تغيب، لا يرى، عنهم زمانا ... برضوى عنده غسل وماء # وهم يذكرون أنه دخل شعبا باليمن في أربعين من أصحابه فلم ير لهم أثر. # قال طلحة بن مصرف لرجل: لولا أني على وضوء لأخبرتك بما تقول الشيعة. # قال هارون «4» بن سعد العجلي وكان رأس الزيدية) [طويل] # ألم تر أن الرافضين تفرقوا ... فكلهمو في جعفر «5» قال منكرا # PageV02P160 # فطائفة قالوا إله ومنهم ... طوائف سمته النبي المطهرا # فإن كان يرضى ما يقولون جعفر ... فإني إلى ربي أفارق جعفرا # ومن عجب لم أقضه جلد جفرهم «1» ... برئت إلى الرحمن ممن تجفرا # برئت إلى الرحمن من كل رافض ... بصير بباب الكفر، في الدين أعورا # إذا كف أهل الحق عن بدعة مضى ... عليها وإن يمضوا على الحق قصرا # ولو قال إن الفيل ضب لصدقوا ... ولو قال زنجي تحول أحمرا # وأخلف من بول البعير فإنه ... إذا هو للإقبال وجه أدبرا # فقبح أقوام رموه بفرية «2» ... كما قال في عيسى الفرى من تنصرا # سمعت بعض أهل «3» الأدب يقول: ما أشبه تأويل الرافضة للقرآن بتأويل رجل ~~للشعر، فإنه قال يوما: ما سمعت بأكذب من بني تميم! زعموا أن قول القائل: ~~[كامل] # بيت زرارة محتب بفنائه ... ومجاشع وأبو الفوارس نهشل «4» # إنما هو في رجال منهم؛ قيل له: ما تقول أنت؟ قال: البيت بيت الله، وزرارة ~~الحجر؛ قيل له: فمجاشع؟ قال: زمزم جشعت بالماء؛ قيل له: فأبو # PageV02P161 # الفوارس؟ قال: أبو قبيس؛ قيل: فنهشل؟ قال: نهشل أشد، وفكر ساعة ثم قال: ~~نعم، نهشل! مصباح الكعبة طويل أسود فذاك نهشل!. # قال أعشى همدان «1» يذكر قتل الرافضة الناس: [طويل] # إذا سرت في عجل فسر في صحابة ... وكندة فاحذرها حذارك للخسف # وفي شيعة الأعمى زياد وغيلة «2» ... ولسب وإعمال لجندلة القذف # الأعمى هو المغيرة. وزياد يعني الخنق. واللسب: السم؛ وإعمال لجندلة ~~القذف: يريد رضخهم رؤوس الناس بالحجارة. ثم قال: # وكلهمو شر على أن رأسهم ... حميدة «3» والميلاء «4» حاضنة الكسف # والكسف هذا هو أبو منصور «5» ، سمى بذلك لأنه قال لأصحابه: في # PageV02P162 # نزل: وإن يروا كسفا من السماء ساقطا «1» # وكان يدين بخنق الناس وقتلهم. # ثم قال: # متى كنت في حيى بجيلة فاستمع ... فإن لهم قصفا يدل على حتف # كان المغيرة بجليا مولى لهم. ثم قال: # إذا اعتزموا يوما على قتل زائر ... تداعوا عليه بالنباح وبالعزف «2» # وكان ابن «3» عيينة ينشد: [هزج] # إذا ما سرك العيش ... فلا تأخذ «4» على كنده # يريد أن الخناقين من المنصورية أكثرهم بالكوفة من كندة، منهم أبو قطنة ~~«5» الخناق. # PageV02P163 # حدثني أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي عن ابن أبي زائدة قال: قال هشام بن ~~القاسم: أخذ خالد «1» بن عبد الله المغيرة «2» فقتله وصلبه بواسط «3» عند ~~منظرة «4» العاشر، فقال الشاعر: [كامل] # طال التجاور من بيان «5» واقفا ... ومن المغيرة عند جذع العاشر # يا ليته قد شال جذعا نخلة ... بأبي حنيفة وابن قيس الناصر # PageV02P164 # وبيان هذا هو بيان التبان «1» وكان يقول: إلي أشار الله إذ يقول: هذا ~~بيان للناس # «2» وهو أول من قال بخلق القرآن. # وأما المغيرة فكان مولى لبجيلة وكان سبائيا «3» وصاحب نيرنجات «4» . قال ~~الأعمش: قلت للمغيرة: هل كان علي يحيي الموتى؟ فقال: لو شاء لأحيا عادا ~~وثمود وقرونا بين ذلك كثيرا. # بلغني عن أبي عاصم عن إسماعيل بن مسلم المكي قال: كنت بالكوفة فإذا قوم ~~من جيراني يكثرون الدخول على رجل، فقلت من هذا الذي تدخلون عليه؟ فقالوا: ~~هذا علي بن أبي طالب، فقلت: أدخلوني معكم فمضيت معهم وخبأت معي سوطا تحت ~~ثيابي فدخلت فإذا شيخ أصلع بطين، فقلت له: أنت علي بن أبي طالب؟ فأومأ ~~برأسه: أي نعم، فأخرجت السوط فما زلت أقنعه «5» ! وهو يقول: لتاوى لتاوى، ~~فقلت لهم: يا فسقة! علي بن أبي # PageV02P165 # طالب نبطي «1» ! ثم قلت له: ويلك! ما قصتك؟ قال: جعلت فداك، أنا رجل من ~~أهل السواد «2» أخذني هؤلاء فقالوا: أنت علي بن أبي طالب. # حدثني رجل من أصحاب الكلام قال: دخل هشام بن الحكم على بعض الولاة ~~العباسيين فقال رجل للعباسي: أنا أقرر هشاما بأن عليا كان ظالما، فقال له: ~~إن فعلت ذلك فلك كذا؛ فقال له: يا أبا محمد، أما علمت أن عليا نازع العباس ~~إلى أبي بكر؟ قال: نعم، قال: فأيهما كان الظالم لصاحبه؟ # فتوقف هشام وقال: إن قلت العباس خفت العباسي، وإن قلت عليا ناقضت قولي، ~~ثم قال: لم يكن فيهما ظالم، قال: فيختصم اثنان في أمر وهما محقان جميعا؟ ~~قال: نعم، اختصم الملكان «3» إلى داود وليس فيهما ظالم إنما أرادا أن ~~ينبهاه على ظلمه، كذلك اختصم هذان إلى أبي بكر ليعرفاه ظلمه فأسكت الرجل ~~وأمر الخليفة لهشام بصلة «4» . # قال حسان بن ثابت في النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله ~~عنهما: # [منسرح] # ثلاثة برزوا بسبقهم ... نضرهم «5» ربهم إذا نشروا # عاشوا بلا فرقة حياتهم ... واجتمعوا في الممات إذ قبروا # PageV02P166 # فليس من مسلم له بصر ... ينكر من فضلهم إذا ذكروا «1» # وقال أعرابي لعبد الله بن عمر: [طويل] # إليك ابن خير الناس إلا محمدا ... وإلا أبا بكر نروح ونغتدي # وقال أبو طالب في سهل بن بيضاء، وكان أسر فأطلقه رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم بغير فداء، لأنه كان مسلما مكرها على الخروج: [طويل] # وهم رجعوا سهل بن بيضاء راضيا ... وسر أبو بكر بها ومحمد # وقال عبيد الله بن عمر: [رجز] # أنا عبيد الله ينميني عمر ... خير قريش من مضى ومن غبر # بعد رسول الله والشيخ الأغر ... مهلا عبيد الله في ذلك نظر # وقال حسان بن ثابت يرثي أبا بكر رضي الله عنه: [بسيط] # إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة ... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا # خير البرية أتقاها وأعدلها ... بعد النبي وأوفاها بما حملا # والثاني الصادق المحمود مشهده ... وأول الناس منهم صدق الرسلا # وكان حب رسول الله قد علموا ... من البرية لم يعدل به رجلا «2» # حدثني مهيار الرازي قال: قال جرير بن ثعلبة: حصرت شيطانا مرة فقال: أرفق ~~بي فإني من الشيعة، فقلت: فمن تعرف من الشيعة؟ قال: # الأعمش، فخليت سبيله. قال أبو هريرة «3» العجلي لمحمد بن علي بن # PageV02P167 # الحسين عليهم السلام: [طويل] # أبا جعفر أنت الولي أحبه ... وأرضى بما ترضى به وأتابع # أتتنا رجال يحملون عليكم ... أحاديث قد ضاقت بهن الأضالع # أحاديث أفشاها المغيرة فيهم ... وشر الأمور المحدثات البدائع # حدثني هارون بن موسى عن الحسن بن موسى الأشيب عن حماد بن زيد عن يحيى بن ~~سعيد قال: قال عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل. ~~قال: [بسيط] # ما ضر من أصبح المأمون سائسه ... إن لم يسسه أبو بكر ولا عمر ### | الرد على الملحدين # قال بعض الملحدين لبعض أصحاب الكلام: هل من دليل على حدوث العالم؟ قال: ~~الحركة والسكون، فقال: الحركة والسكون من العالم، فكأنك إذا قلت: الدليل ~~على حدوث العالم العالم؛ فقال له: وسؤالك إياي من العالم، فإذا جئت بمسألة ~~من غير العالم جئتك بدليل من غير العالم. # قال المأمون لثنوي «1» يناظر عنده: أسألك عن حرفين قط، خبرني: هل ندم ~~مسيء قط على إساءته؟ قال: بلى؛ قال: فالندم على الإساءة إساءة أو إحسان؟ ~~قال: بل إحسان؛ قال: فالذي ندم هو الذي أساء أو غيره؟ قال: بل # PageV02P168 # هو الذي أساء؛ قال: فأرى صاحب الخير هو صاحب الشر، وقد بطل قولكم، إن ~~الذي ينظر نظر الوعيد هو الذي ينظر نظر الرحمة؛ قال: فإني أزعم أن الذي ~~أساء غير الذي ندم؛ قال: فندم على شيء كان من غيره أو على شيء كان منه؟ ~~فأسكته. # دخل الموبذ «1» على هشام بن الحكم «2» فقال له: يا هشام، حول الدنياشيء؟ ~~قال: لا، قال: فإن أخرجت يدي فثم شيء يردها؟ قال هشام: # ليس ثم شيء يردك، ولا شيء يخرج يدك فيه؛ قال: فكيف أعرف هذا؛ قال له: يا ~~موبذ؛ أنا وأنت على طرف الدنيا فقلت لك يا موبذ: إني لا أرى شيئا، فقلت لي: ~~ولم لا ترى؟ فقلت لك: ليس ها هنا ظلام يمنعني، قلت لي أنت: يا هشام، إني لا ~~أرى شيئا، فقلت لك: ولم لا ترى؟ قلت: ليس ضياء أنظر به؛ فهل تكافأت الملتان ~~في التناقض؟ قال: نعم، قال: فإذا تكافأتا في التناقض لم تتكافآ في الإبطال ~~أن ليس شيء؟ فأشار الموبذ بيده أن أصبت «3» . # ودخل عليه يوما آخر فقال: هما في القوة سواء؟ قال: نعم؛ قال: فجوهرهما ~~واحد؟ قال الموبذ لنفسه- ومن حضر يسمع- إن قلت: إن جوهرهما واحد عادا في ~~نعت واحد، وإن قلت: مختلف اختلفا أيضا في الهمم والإرادات # PageV02P169 # ولم يتفقا في الخلق، فإن أراد هذا قصيرا أراد هذا طويلا؛ قال هشام: فكيف ~~لا تسلم! قال: هيهات!. # وجاءه رجل ملحد فقال له: أنا أقول بالاثنين وقد عرفت إنصافك فلست أخاف ~~مشاغبتك؛ فقال هشام وهو مشغول بثوب ينشره ولم يقبل عليه: حفظك الله، هل ~~يقدر أحدهما أن يخلق شيئا لا يستعين بصاحبه عليه؟ قال: نعم؛ قال: # هشام: فما ترجو من اثنين! واحد خلق كل شيء أصح لك! فقال: لم يكلمني بهذا ~~أحد قبلك. # قال المأمون لمرتد إلى النصرانية: خبرنا عن الشيء الذي أوحشك عن ديننا ~~بعد أنسك به واستيحاشك مما كنت عليه؛ فإن وجدت عندنا دواء دائك تعالجت به، ~~وإن أخطأ بك الشفاء ونبا عن دائك الدواء كنت قد أعذرت ولم ترجع على نفسك ~~بلائمة، وإن قتلناك قتلناك بحكم الشريعة، وترجع أنت في نفسك إلى الاستبصار ~~والثقة وتعلم أنك لم تقصر في اجتهاد ولم تفرط في الدخول من باب الحزم؛ قال ~~المرتد: أوحشني ما رأيت من كثرة الاختلاف فيكم؛ قال المأمون: لنا اختلافان: ~~أحدهما كالاختلاف في الأذان، والتكبير في الجنائز، والتشهد، وصلاة الأعياد، ~~وتكبير التشريق، ووجوه القراءات، ووجوه الفتيا، وهذا ليس باختلاف، إنما هو ~~تخير وسعة وتخفيف من المحنة، فمن أذن مثنى وأقام مثى لم يخطىء من أذن مثنى ~~وأقام فرادى، ولا يتعايرون بذلك ولا يتعايبون، والاختلاف الآخر كنحو ~~اختلافنا في تأويل الآية من كتابنا، وتأويل الحديث مع اجتماعنا على أصل ~~التنزيل واتفاقنا على عين الخبر، فإن كان الذي أوحشك هذا حتى أنكرت هذا ~~الكتاب، فقد ينبغي أن يكون اللفظ بجميع التوراة والإنجيل متفقا على تأويله ~~كما يكون متفقا على تنزيله، ولا يكون بين جميع اليهود والنصارى اختلاف في ~~شيء من # PageV02P170 # التأويلات؛ وينبغي لك ألا ترجع إلا إلى لغة لا اختلاف في تأويل ألفاظها؛ ~~ولو شاء الله أن ينزل كتبه ويجعل كلام أنبيائه وورثة رسله لا يحتاج إلى ~~تفسير لفعل، ولكنا لم نر شيئا من الدين والدنيا دفع إلينا على الكفاية، ولو ~~كان الأمر كذلك لسقطت البلوى والمحنة، وذهبت المسابقة والمنافسة ولم يكن ~~تفاضل، وليس على هذا بنى الله الدنيا. قال المرتد: أشهد أن لا إله إلا ~~الله، وأن المسيح عبد، وأن محمدا صادق، وانك أمير المؤمنين حقا. ### | الإعراب واللحن # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: سمعت مولى لآل عمر بن الخطاب يقول: أخذ ~~عبد الملك بن مروان رجلا كان يرى رأي الخوارج رأي شبيب «1» ، فقال له: ألست ~~القائل: [طويل] # ومنا سويد والبطين وقعنب «2» ... ومنا أمير المؤمنين شبيب # فقال: إنما قلت: «ومنا أمير المؤمنين شبيب» بالنصب، أي يا أمير المؤمنين ~~فأمر بتخلية سبيله. # حدثني عبد الله بن حيان قال: كتب رفيع «3» بن سلمة المعروف بدماذ إلى أبي ~~عثمان النحوي: [متقارب] # تفكرت في النحو حتى مللت ... وأتعبت نفسي به والبدن # وأتعبت بكرا «4» وأصحابه ... بطول المسائل في كل فن # PageV02P171 # فمن علمه ظاهر بين ... ومن علمه غامض قد بطن # فكنت بظاهره عالما ... وكنت بباطنه ذا فطن # خلا أن بابا عليه العفا ... ء للفاء يا ليته لم يكن # وللواو باب إلى جنبه ... من المقت أحسبه قد لعن # إذا قلت هاتوا لماذا يق ... ال لست بآتيك أو تأتين # أجيبوا لما قيل هذا كذا ... على النصب قالوا لإضمار أن # وما إن رأيت لها موضعا ... فأعرف ما قيل إلا بظن «1» # فقد خفت يا بكر من طول ما ... أفكر في أمر «أن» أن أجن «2» # قال ابن سيرين: ما رأيت على رجل أحسن من فصاحة، ولا على امرأة أحسن من ~~شحم. # وقال ابن شبرمة: إذا سرك أن تعظم في عين من كنت في عينه صغيرا، ويصغر في ~~عينك من كان في عينك عظيما فتعلم العربية، فإنها تجريك على المنطق وتدنيك ~~من السلطان. ويقال: النحو في العلم بمنزلة الملح في القدر والرامك «3» في ~~الطيب. ويقال: الإعراب حلية الكلام ووشيه. وقال بعض الشعراء «4» : [كامل] # النحو يبسط من لسان الألكن ... والمرء تكرمه «5» إذا لم يلحن # PageV02P172 # وإذا طلبت من العلوم أجلها ... فأجلها «1» منها مقيم الألسن # قال رجل لأعرابي: كيف أهلك بكسر اللام؟ - يريد كيف أهلك- فقال الأعرابي: ~~صلبا «2» ؛ ظن أنه سأله عن هلكته كيف تكون. # وقيل لأعرابي: أتهمز إسراييل؟ قال: إني إذا لرجل سوء؛ قيل له: أتجر ~~فلسطين؟ قال: إني إذا لقوي. وقيل لآخر: أتهمز الفارة؟ فقال: الهرة تهمزها. # وقيل: كان بشر المريسي يقول لأصحابه: قضى الله لكم الحوائج على أحسن ~~الوجوه وأهنؤها «3» فقال قاسم التمار «4» : هذا كما قال الشاعر: [منسرح] # إن سليمى والله يكلؤها ... ضنت بشيء ما كان يرزؤها «5» # سمع أعرابي مؤذنا يقول: أشهد أن محمدا رسول الله بنصب رسول، فقال: ويحك! ~~يفعل ماذا؟. # قال مسلمة بن عبد الملك: اللحن في الكلام أقبح من الجدري في الوجه. وقال ~~عبد الملك: اللحن في الكلام أقبح من التفتيق في الثوب النفيس. قال أبو ~~الأسود: إني لأجد للحن غمزا كغمز اللحم. # قال الخليل بن أحمد «6» : أنشدني أعرابي: [طويل] # PageV02P173 # وإن كلابا هذه عشر أبطن ... وأنت بريء من قبائلها العشر # فجعلت أعجب من قوله: عشر أبطن حين أنث لأنه عنى القبيلة، فلما رأى عجبي ~~من ذلك، قال: أليس هكذا قول الآخر: [طويل] # فكان مجني دون من كنت أتقي ... ثلاث شخوص كاعبان ومعصر «1» # قال رجل من الصالحين: لئن أعربنا في كلامنا حتى ما نلحن لقد لحنا في ~~أعمالنا حتى ما نعرب. # دخل أعرابي السوق فسمعهم يلحنون، فقال: سبحان الله! يلحنون ويربحون ونحن ~~لا نلحن ولا نربح!. # دخل رجل على زياد فقال له: إن أبينا هلك، وإن أخينا غصبنا على ميراثنا من ~~أبانا «2» ؛ فقال زياد: ما ضيعت من نفسك أكثر مما ضاع من مالك. # قال الرياشي عن محمد بن سلام عن يونس قال: قال بلال لشبيب بن شيبة وهو ~~يستعدي على عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر قال: أحضرنيه، # PageV02P174 # قال: قد دعوته لكل ذلك يأبى؛ برفع كل؛ قال بلال؛ فالذنب لكل. قال بعض ~~الشعراء: [بسيط] # إما تريني وأثوابي مقاربة «1» ... ليست بخز ولا من نسج كتان # فإن في المجد هماتي وفي لغتي ... علوية ولساني غير لحان # وقال: فيل مولى «2» زياد لزياد: أهدوا لنا همار وهش «3» ، فقال: ما تقول؟ # ويلك! فقال: أهدوا لنا أيرا «4» ؛ فقال زياد: الأول خير. # سمع أعرابي واليا يخطب فلحن مرة أو اثنتين، فقال: أشهد أنك ملكت بقدر. ~~وسمع أعرابي إماما يقرأ: ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا # «5» [بفتح تاء تنكحوا] فقال: سبحان الله! هذا قبل الإسلام قبيح فكيف ~~بعده! فقيل له: # إنه لحن، والقراءة ولا تنكحوا # فقال: قبحه الله، لا تجعلوه بعدها إماما فإنه يحل ما حرم الله. قال ~~الشاعر في جارية له: [رجز] # أول ما أسمع منها في السحر ... تذكيرها الأنثى وتأنيث الذكر # والسوءة السوءاء في ذكر القمر «6» # قال الحجاج لرجل من العجم نخاس «7» : أتبيع الدواب المعيبة من جند # PageV02P175 # السلطان؟ فقال: «شريكاتنا في هوازها «1» وشريكاتنا في مداينها «2» وكما ~~تجيء تكون» فقال الحجاج: ما تقول؟ ففسروا له ذلك؛ فضحك وكان لا يضحك. # أم الحجاج قوما فقرأ والعاديات ضبحا # «3» وقرأ في آخرها «4» إن ربهم بهم يومئذ # «5» بنصب «6» أن، ثم تنبه على اللام في لخبير وأن «إن» قبلها لا تكون إلا ~~مكسورة فحذف اللام من «لخبير» ، فقرأ إن ربهم بهم يومئذ لخبير. # قال أبو زيد: قلت للخليل بن أحمد: لم قالوا في تصغير واصل أويصل ولم ~~يقولوا وويصل؟ فقال: كرهوا أن يشبه كلامهم بنبح الكلاب. ### | التشادق والغريب # حدثني سهل عن الأصمعي قال: كان عيسى بن عمر لا يدع الإعراب لشيء. وخاصم ~~إلى بلال بن أبي بردة في جارية اشتراها مصابة، فقال: لأن يذهب بعض حق هذا ~~أحب إليه من أن يلحن؛ فقال له: ومن يعلم ما تقول؟ # فقال: ابن طرنوبة. وضربه عمر بن هبيرة ضربا كثيرا في وديعة أودعها إياه ~~إنسان فطلبها، فما كان يزيد على أن يقول: والله إن كانت إلا أثيابا في # PageV02P176 # أسيفاط قبضها عشاروك «1» . # تبع أبو خالد النميري صاحب الغريب جارية متنقبة فكلمها فلم تكلمه، فقال: ~~يا خريدة «2» ، لقد كنت عندي عروبا أنمقك وتشنئينا «3» ! وقال سهل بن هارون ~~لجارية له رومية أعجمية: إن أقل ما ينطوي عليه ضميري من رسيس «4» حبك لأجل ~~من كل جليل، وأكثر من كل كثير. # وقال مالك «5» بن أسماء في جارية له: [خفيف] # أمغطى مني على بصري لل ... حب أم أنت أكمل الناس حسنا؟ # وحديث ألذه هو مما ... يشتهي الناعتون يوزن وزنا # منطق صائب وتلحن أحيا ... نا وأحلى الحديث ما كان لحنا «6» # قال ابن دريد: استثقل منها الإعراب. # دخل أبو علقمة على أعين الطبيب فقال له: أمتع الله بك، إني أكلت من لحوم ~~هذه الجوازل «7» فطسئت طسأة «8» ، فأصابني وجع ما بين الوابلة «9» إلى # PageV02P177 # دأية «1» العنق فلم يزل يربو وينمى حتى خالط الخلب «2» والشراسيف «3» ، ~~فهل عندك دواء؟ فقال أعين: نعم، خذ خربقا «4» وشلفقا وشبرقا فزهزقه وزقزقه ~~«5» واغسله بماء روث «6» واشربه؛ فقال أبو علقمة: لم أفهم عنك؛ فقال أعين: # أفهمتك كما أفهمتني. وقال له يوما آخر: إني أجد معمعة في بطني وقرقرة؛ ~~فقال له: أما المعمعة فلا أعرفها، وأما القرقرة فهي ضراط لم ينضج «7» . # أتى رجل الهيثم بن العريان بغريم له قد مطله حقه فقال: أصلح الله الأمير، ~~إن لي على هذا حقا قد غلبني عليه؛ فقال له الآخر: أصلحك الله، إن هذا باعني ~~عنجدا «8» واستنسأته «9» حولا وشرطت عليه أن أعطيه مشاهرة «10» فهو لا ~~يلقاني في لقم «11» إلا اقتضاني؛ فقال له الهيثم: أمن بني أمية أنت؟ # PageV02P178 # قال: لا؛ قال: فمن بني هاشم؟ قال: لا؛ قال: فمن أكفائهم من العرب؟ # قال: لا؛ قال: ويلي عليك! انزع ثيابه يا جلواز «1» ، فلما أرادوا نزع ~~ثيابه قال: # أصلحك الله، إن إزاري مرعبل «2» ؛ قال: دعوه، فلو ترك الغريب في وقت ~~لتركه في هذا الوقت. # ومر أبو علقمة ببعض الطرق بالبصرة فهاجت به مرة «3» فسقط ووثب عليه قوم ~~فأقبلوا يعصرون إبهامه ويؤذنون في أذنه، فأفلت من أيديهم وقال: ما لكم ~~تتكأكؤون «4» علي كما تتكأكؤون على ذي جنة! إفرنقعوا «5» عني؛ فقال رجل ~~منهم: دعوه فإن شيطانه هندي، أما تسمعونه يتكلم بالهندية؟ وقال لحجام «6» ~~يحجمه: أنظر ما آمرك به فاصنعه، ولا تكن كمن أمر بأمر فضيعه، أنق غسل ~~المحاجم واشدد قضب الملازم «7» وأرهف ظبات المشارط «8» وأسرع الوضع وعجل ~~النزع، وليكن شرطك وخزا، ومصك نهزا، ولا تكرهن آبيا، ولا تردن آتيا؛ فوضع ~~الحجام محاجمه في جونته «9» ومضى. # PageV02P179 # سمع أعربي أبا المكنون النحوي في حلقته وهو يقول في دعاء الإستسقاء: ~~اللهم ربنا وإلهنا ومولانا، صل على محمد نبينا؛ اللهم ومن أراد بنا سوءا ~~فأحط ذلك السوء به كإحاطة القلائد على ترائب الولائد «1» ، ثم أرسخه على ~~هامته كرسوخ السجيل «2» ، على هام أصحاب الفيل؛ اللهم اسقنا غيثا مغيثا ~~مريئا مريعا مجلجلا «3» مسحنفرا هزجا سحا سفوحا طبقا غدقا مثعنجرا؛ فقال ~~الأعرابي: يا خليفة نوح، هذا الطوفان ورب الكعبة، دعني آوي إلى جبل يعصمني ~~من الماء «4» . # أبو الحسن «5» قال: كان غلام يقعر «6» في كلامه، فأتى أبا الأسود الدؤلي ~~يلتمس ما عنده؛ فقال له أبو الأسود: ما فعل أبوك؟ قال: أخذته الحمى فطبخته ~~طبخا وفضخته «7» فضخا وفنخته «8» فنخا فتركته فرخا «9» ؛ قال أبو الأسود: # فما فعلت امرأته التي كانت تجاره «10» وتشاره وتزاره وتهاره؛ قال: طلقها ~~فتزوجت غيره فرضيت وخظيت وبظيت، قال أبو الأسود: قد عرفنا حظيت، # PageV02P180 # فما بظيت «1» ؟ قال: حرف من الغريب لم يبلغك؛ قال أبو الأسود: يا ابن ~~أخي، كل حرف من الغريب لم يبلغ عمك فاستره كما تستر السنور خرأها. # قال زيد بن كثيرة: أتيت باب كبير دار وهناك حداد «2» ، فأردت أن ألج ~~الدار فدلظني «3» دلظة وازدحم «4» الناس ببابه، فوالله إن زلنا نظار نظار ~~حتى عقل الظل «5» . وقال أيضا: أتيت باب كبير وإذا الرجال صتيتان «6» وإذا ~~أرمداء «7» كثيرة وطهاة لا أحصيهم ولحام كأنها آكام. وقال الطائي: [وافر] # أيوسف «8» جئت بالعجب العجيب ... تركت الناس في شك مريب # سمعت بكل داهية نآد «9» ... ولم أسمع بسراج أديب # أما لو أن جهلك كان علما ... إذا لنفذت «10» في علم الغيوب # فمالك بالغريب يد ولكن ... تعاطيك الغريب من الغريب # قال رؤبة بن العجاج: خرجت مع أبي، نريد سليمان بن عبد الملك، # PageV02P181 # فلما صرنا في الطريق أهدي لنا جنب من لحم عليه كرافىء «1» الشحم وخريطة ~~من كمأة ووطب من لبن فطبخنا هذا بهذا، فما زال ذفرياي تنتحان «2» منه إلى ~~أن رجعت. ### | وصايا المعلمين # قال عتبة بن أبي سفيان لعبد الصمد مؤدب ولده: ليكن إصلاحك بني إصلاحك ~~نفسك، فإن عيوبهم معقودة بعيبك، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح ما ~~استقبحت؛ وعلمهم سير الحكماء، وأخلاق الأدباء، وتهددهم بي وأدبهم دوني؛ وكن ~~لهم كالطبيب الذي لا يعجل بالدواء حتى يعرف الداء؛ ولا تتكلن على عذر مني، ~~فإني قد اتكلت على كفاية منك. # قال الحجاج لمؤدب بنيه: علمهم السباحة قبل الكتابة، فإنهم يجدون من يكتب ~~عنهم، ولا يجدون من يسبح عنهم. # وقال عبد الملك لمؤدب ولده: علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن، وجنبهم ~~السفلة فإنهم أسوأ الناس رعة «3» وأقلهم أدبا، وجنبهم الحشم فإنهم لهم ~~مفسدة؛ وأحف «4» شعورهم تغلظ رقابهم، وأطعمهم اللحم يقووا؛ علمهم الشعر ~~يمجدوا وينجدوا، ومرهم أن يستاكوا عرضا ويمصوا الماء مصا ولا يعبوه عبا؛ ~~وإذا احتجت إلى أن تتناولهم بأدب فليكن ذلك في ستر لا يعلم به أحد # PageV02P182 # من الغاشية «1» فيهونوا عليه. # وقال آخر لمؤدب ولده: لا تخرجهم من علم إلى علم حتى يحكموه، فإن اصطكاك ~~العلم في السمع وازدحامه في الوهم مضلة للفهم. # وكان الشريح «2» ابن يلعب بالكلاب، فكتب شريح إلى معلمه «3» : # [كامل] # ترك الصلاة لأكلب «4» يسعى بها ... طلب الهراش مع الغواة الرجس «5» # فإذا خلوت فعضه بملامة ... وعظنه وعظك للأريب الكيس «6» # وإذا هممت بضربه فبدرة «7» ... وإذا بلغت بها ثلاثا فاحبس # واعلم بأنك ما فعلت فنفسه ... مع ما يجرعني أعز الأنفس # وقال آخر لرجل يلعب بالكلاب: [خفيف] # أيها المبتلي بحب الكلاب ... لا يحب الكلاب إلا الكلاب # لو تعريت وسطها كنت منها ... إنما فقتها بلبس الثياب «8» # PageV02P183 # وقال آخر: [متقارب] # لتبك أبا أحمد قردة ... وكلب هراش وديك صدوح # وطير زجال وقمرية «1» ... هتوق العشي وكبش نطوح # بلغني عن أبي الحسن العكلي عن عبد الله بن بكر بن عبد الله المزني قال: ~~سمعت أبي يقول: قال لقمان: ضرب الوالد ولده كالسماد للزرع. # حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن ابن المبارك عن ~~أسامة بن زيد عن مكحول قال: كتب عمر إلى أهل الشام: علموا أولادكم السباحة ~~والرمي والفروسية. # وكانت العرب تسمي الرجل، إذا كان يكتب ويحسن الرمي ويحسن العوم وهي ~~السباحة ويقول الشعر، الكامل. ### | البيان # حدثني عبدة بن عبد الله قال: حدثنا يحيى بن آدم عن قيس عن الأعمش عن ~~عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم إن من البيان سحرا فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطب. وقال ~~العباس: يا رسول الله، فيم الجمال؟ قال: في اللسان. # وكان يقال: عقل الرجل مدفون تحت لسانه. # وقال يزيد بن المهلب: أكره أن يكون عقل الرجل على طرف لسانه. # يريد أنه لا يكون عقله إلا في الكلام. وقال الشاعر: [وافر] # PageV02P184 # كفى بالمرء عيبا أن تراه ... له وجه وليس له لسان # وما حسن الرجال لهم بزين ... إذا لم يسعد الحسن البيان # وقال خالد بن صفوان لرجل: رحم الله أباك، فإنه كان يقري العين جمالا، ~~والأذن بيانا. وقال النمر «1» بن تولب: [وافر] # أعذني رب من حصر وعي «2» ... ومن نفس أعالجها علاجا # ومن حاجات نفسي فاعصمني ... فإن لمضمرات النفس حاجا «3» # وصف أعرابي رجلا يتكلم فيحسن فقال: [كامل] # يضع الهناء مواضع النقب «4» # ومثله قولهم: فلان يجيد الحز، ويصيب المفصل؛ وربما قالوا: يقل «5» الحز. # وقال معاوية في عبد الله بن عباس: [طويل] # إذا قال لم يترك مقالا ولم يقف ... لعي ولم يثن اللسان على هجر # يصرف بالقول اللسان إذا انتحى ... وينظر في أعطافه نظر الصقر # PageV02P185 # وقال حسان فيه: [طويل] # إذا قال لم يترك مقالا لقائل ... بملتقطات لا ترى بينها فصلا # شفى وكفى ما في النفوس فلم يدع ... لذي إربة «1» في القول جدا ولا هزلا # سموت إلى العليا بغير مشقة ... فنلت ذراها لا دنيا ولا وغلا «2» # ويقال: الصمت منام والكلام يقظة. ويقال: خير الكلام ما لم يحتج بعده إلى ~~الكلام. # ذكر العباس بن الحسن الطالبي رجلا فقال: ألفاظه قوالب معانيه. # ومدح أعرابي رجلا فقال: كلامه الوبل على المحل «3» ، والعذب البارد على ~~الظمأ. # وقال الحطيئة: [كامل] # وأخذت أقطار الكلام فلم أدع ... ذما يضر ولا مديحا ينفع # وكان الحطيئة يقول: إنما شعري حسب موضوع؛ فسمع ذلك عمرو بن عبيد فقال: ~~كذب، ترحه «4» الله، إنما ذلك التقوى. # قيل لعمرو بن عبيد: ما البلاغة؟ فقال: ما بلغك الجنة، وعدل بك عن النار؛ ~~قال السائل: ليس هذا أريد؛ قال: فما بصرك مواقع رشدك، وعواقب غيك؛ قال ~~السائل: ليس هذا أريد؛ قال: من لم يحسن الاستماع لم يحسن القول؛ قال: ليس ~~هذا أريد، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنا معشر الأنبياء بكاء» ~~«5» # PageV02P186 # وكانوا يكرهون أن يزيد منطق الرجل على عقله، قال: ليس هذا أريد قال: ~~كانوا يخافون من فتنة القول ومن سقطات الكلام ما لا يخافون فتنة السكون ومن ~~سقطات الصمت؛ قال: ليس هذا أريد؛ قال: فكأنك إنما تريد تخير اللفظ في حسن ~~إفهام قال: نعم؛ قال: إنك إن أردت تقرير حجة الله في عقول المكلفين، وتخفيف ~~المؤونة على المستمعين، وتزيين تلك المعاني في قلوب المريدين، بالألفاظ ~~المستحسنة في الآذان، المقبولة عند الأذهان، رغبة في سرعة استجابتهم، ونفي ~~الشواغل عن قلوبهم، بالموعظة الحسنة من الكتاب والسنة، كنت قد أوتيت فصل ~~الخطاب، واستوجبت على الله جزيل الثواب. # قال بعضهم: ما رأيت زيادا كاسرا إحدى عينيه واضعا إحدى رجليه على الأخرى ~~يخاطب رجلا إلا رحمت المخاطب. وقال آخر: ما رأيت أحدا يتكلم فيحسن إلا ~~أحببت أن يصمت خوفا من أن يسيء إلا زيادا فإنه كلما زاد زاد حسنا، وقال «1» ~~: [طويل] # وقبلك ما أعييت «2» كاسر عينه ... زيادا فلم تقدر علي حبائله # قال محمد بن سلام: كان عمر بن الخطاب إذا رأى رجلا يلجلج في كلامه قال: ~~خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد!. # وتكلم عمرو بن سعيد الأشدق، فقال عبد الملك: لقد رجوت عثرته لما تكلم، ~~فأحسن حتى خشيت عثرته إن سكت. # أبو الحسن قال: قال معاوية لصحار العبدي: ما هذه البلاغة التي فيكم؟ ~~فقال: شيء تجيش به صدورنا ثم تقذقه على ألسنتنا؛ فقال رجل من # PageV02P187 # القوم: هؤلاء بالبسر «1» أبصر، فقال صحار: أجل، والله إنا لنعلم أن الريح ~~تلقحه وأن البرد يعقده «2» وأن القمر يصبغه وأن الحر ينضجه؛ فقال معاوية: ~~ما تعدون البلاغة فيكم؟ قال: الإيجاز؛ قال: وما الإيجاز؟ قال: أن تجيب فلا ~~تبطىء، وتقول فلا تخطىء، ثم قال: يا أمير المؤمنين، حسن الإيجاز ألا تبطىء ~~ولا تخطىء. # أبو الحسن قال: وفد الحسن بن علي على معاوية الشام، فقال عمرو ابن العاص: ~~إن الحسن رجل أفه «3» فلو حملته على المنبر فتكلم فسمع الناس من كلامه ~~عابوه؛ فأمره فصعد المنبر فتكلم فأحسن؛ وكان في كلامه أن قال: # أيها الناس، لو طلبتم ابنا لنبيكم ما بين جابرس إلى جابلق «4» لم تجدوه ~~غيري وغير أخي وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين. فساء ذلك عمرا وأراد ~~أن يقطع كلامه، فقال: يا أبا محمد، هل تنعت الرطب؟ «5» فقال: أجل، تلقحه ~~الشمال وتخرجه الجنوب وينضجه برد الليل بحر النهار؛ قال يا أبا محمد، هل ~~تنعت الخراءة «6» ؟ قال: نعم، تبعد الممشى في الأرض الصحصح «7» حتى تتوارى ~~من القوم، ولا تستقبل القبلة ولا تستد برها، ولا تستنجي بالروثة ولا العظم، ~~ولا تبول في الماء الراكد؛ وأخذ في كلامه. # PageV02P188 # وكان يقال: كل شيء ثنيته يقصر ما خلا الكلام، فإنك كلما ثنيته طال. # قال الحسن: الرجال ثلاثة: رجل بنفسه، ورجل بلسانه، ورجل بماله. # تكلم صعصعة بن صوحان عند معاوية فعرق؛ فقال معاوية: بهرك القول! فقال ~~صعصعة: إن الجياد نضاحة للماء. # ويقال: أبلغ الكلام ما سابق معناه لفظه. # وفي كتاب للهند: أول البلاغة اجتماع آلة البلاغة، وذلك أن يكون الخطيب ~~رابط الجأش «1» ، ساكن الجوارح قليل اللحظ متخيرا للفظ، لا يكلم سيد الأمة ~~بكلام الأمة، ولا الملوك بكلام السوقة، ويكون في قواه فضل للتصرف في كل ~~طبقة، ولا يدقق المعاني كل التدقيق، ولا ينقح الألفاظ كل التنقيح ولا ~~يصفيها كل التصفية ولا يهذبها غاية التهذيب، ولا يفعل ذلك حتى يصادف حكيما ~~أو فيلسوفا عليما ويكون قد تعود حذف فضول الكلام وإسقاط مشتركات الألفاظ، ~~قد نظر في صناعة المنطق على جهة الصناعة والمبالغة لا على جهة الإعتراض ~~والتصفح. # ونحو هذا قول جعفر بن يحيى البرمكي وقيل له: ما البيان؟ فقال: أن يكون ~~الاسم يحيط بمعناك ويحكي عن مغزاك، وتخرجه من الشركة ولا تستعين عليه ~~بالفكرة والذي لا بد له منه أن يكون سليما من التكلف، بعيدا من الصنعة، ~~بريئا من التعقد، غنيا عن التأويل. # قال الأصمعي: البليغ من طبق المفصل وأغناك عن المفسر. # PageV02P189 # قال المدائني: كتب قتيبة بن مسلم إلى الحجاج يشكو قلة مرزئته «1» من ~~الطعام وقلة غشيانه النساء وحصره على المنبر؛ فكتب إليه: استكثر من الألوان ~~لتصيب من كل صحفة «2» شيئا، واستكثر من الطروقة «3» تجد بذلك قوة على ما ~~تريد، وأنزل الناس بمنزلة رجل واحد من أهل بيتك وخاصتك، وارم ببصرك أمامك ~~تبلغ حاجتك. # قال بعض الشعراء: [بسيط] # إن كان في العي آفات مقدرة ... ففي البلاغة آفات تساويها # تكلم رجل عند معاوية فهذر «4» ، فلما أطال قال: أأسكت يا أمير المؤمنين؟ ~~قال: وهل تكلمت!. # ويقال: أعيا العي بلاغة بعي، وأقبح اللحن لحن بإعراب. # وقال أعرابي: الحظ للمرء في أذنه، والحظ لغيره في لسانه «5» . # ويقال: رب كلمة تقول: دعني. # ويقال: الصمت أبلغ من عي ببلاغة. ونحوه قول الشاعر: [متقارب] # أرى الصمت أدنى لبعض الصواب ... وبعض التكلم أدنى لعي # وقال جعفر البرمكي: إذا كان الإكثار أبلغ كان الإيجاز تقصيرا، وإذا كان ~~الايجاز كافيا كان الإكثار عيا. # قال ابن السماك: العرب تقول: العي الناطق أعيا من العي الصامت. # PageV02P190 # قال أنو شروان لبزرجمهر: متى يكون العي بليغا؟ فقال: إذا وصف حبيبا. # قال يونس بن حبيب: ليس لعي مروءة، ولا لمنقوص البيان بهاء، ولو بلغ ~~يأفوخه أعنان «1» السماء. قال بعض الشعراء: [طويل] # عجبت لإدلال العي بنفسه ... وصمت الذي قد كان بالحق أعلما # وفي الصمت ستر للعي وإنما ... صحيفة لب المرء أن يتكلما # قال سعيد بن العاص: موطنان لا أستحي من العي فيهما: إذا أنا خاطبت جاهلا، ~~وإذا أنا سألت حاجة لنفسي. # ذكر أعرابي رجلا يعيا فقال: رأيت عورات الناس بين أرجلهم، وعورة فلان بين ~~فكيه. # وعاب آخر رجلا فقال: ذاك من يتامى المجلس، أبلغ ما يكون في نفسه أعيا ما ~~يكون عند جلسائه. # قال ربيعة الرأي: الساكت بين النائم والأخرس. # تذاكر قوم فضل الكلام على الصمت وفضل الصمت على الكلام، فقال أبو مسهر: ~~كلا! إن النجم ليس كالقمر، إنك تصف الصمت بالكلام، ولا تصف الكلام بالصمت. # وذم قوم في مجلس سليمان بن عبد الملك الكلام، فقال سليمان: # اللهم غفرا، إن من تكلم فأحسن قدر أن يصمت فيحسن؛ وليس من صمت فأحسن ~~قادرا على أن يتكلم فيحسن. # PageV02P191 # قال بكر بن عبد الله طول الصمت حبسة» # . ونحوه قول عمر بن الخطاب: ترك الحركة عقلة. # وكان نوفل بن مساحق إذا دخل على امرأته صمت، وإذا خرج من عندها تكلم؛ ~~فقالت له: أما عندي فتطرق، وأما عند الناس فتنطق! فقال: # أدق عن جليلك وتجلين عن دقيقي. # وفي حكمة لقمان: يا بني، قد ندمت على الكلام ولم أندم على السكوت. # قال ابن إسحاق: النسناس خلق باليمن لأحدهم عين ويد ورجل يقفز بها، وأهل ~~اليمن يصطادونهم؛ فخرج قوم في صيدهم فرأوا ثلاثة نفر منهم فأدركوا واحدا ~~فعقروه وذبحوه وتوارى اثنان في الشجر، فقال الذي ذبحه؛ إنه لسمين، فقال أحد ~~الاثنين: إنه أكل ضروا «2» ، فأخذوه فذبحوه، فقال الذي ذبحه: ما أنفع ~~الصمت! قال الثالث: فهأنا الصميت فأخذوه وذبحوه. # كان يقال: إذا فاتك الأدب فالزم الصمت. # وقال بعضهم: لا يجترىء على الكلام إلا فائق أو مائق «3» . # وقال الشاعر يمدح رجلا: [طويل] # صموت إذا ما الصمت زين أهله ... وفتاق أبكار الكلام المختم «4» # PageV02P192 # قال أبو الدرداء: أنصف أذنيك من فيك، فإنما جعل لك أذنان اثنتان وفم ~~واحد، تسمع أكثر مما تقول. # حضر قشيري مجلسا من مجالس العرب فأطال الصمت، فقال له بعضهم: بحق سميتم ~~خرس العرب؛ فقال القشيري: يا أخي، إن حظ الرجل في أذنه لنفسه، وحظه في ~~لسانه لغيره. # وقال بعض الحكماء: أكثر الصمت ما لم تكن مسؤولا فإن فوت الصواب أيسر من ~~خطل القول: وإذا نازعتك نفسك إلى مراتب القائلين المصيبين، فاذكر ما دون ~~الصواب من وجل الخطأ وفضائح المقصرين. # تكلم رجل في مجلس الهيثم بن صالح بخطأ، فقال له الهيثم: يا هذا، بكلام ~~مثلك رزق أهل الصمت المحبة. وقال أبو نواس: [مجزوء الرمل] # خل جنبيك لرام ... وامض عنه بسلام # مت بداء الصمت خير ... لك من داء الكلام # إنما السالم من أل ... جم فاه بلجام # وقال آخر: [متقارب] # رأيت اللسان على أهله ... إذا ساسه الجهل ليثا مغيرا «1» # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثنا صاحب لنا عن مالك بن دينار أنه ~~قال: لو كانت الصحف من عندنا لأقللنا الكلام. # PageV02P193 # وقال الأصمعي: إذا تظرف العربي كثر كلامه، وإذا تظرف الفارسي كثر سكوته. # قال حاتم طيء: إذا كان الشيء يكفيكه الترك فاتركه. # قال عبد الله بن الحسن لابنه: استعن على الكلام بطول الفكر في المواطن ~~التي تدعوك فيها نفسك إلى القول، فإن للقول ساعات يضر فيها الخطأ ولا ينفع ~~فيها الصواب. # وقال إياس بن قتادة: [طويل] # تعاقب أيدينا ويحلم رأينا ... ونشتم بالأفعال لا بالتكلم «1» # تكلم ابن السماك يوما وجارية له تسمع كلامه، فلما دخل إليها قال: # كيف رأيت كلامي؟ قالت: ما أحسنه لولا أنك تكثر ترداده! قال: أردده حتى ~~يفهمه من لم يفهمه؛ قالت: إلى أن يفهمه من لم يفهمه قد مله من فهمه!. # قال عيسى بن مريم: من كان منطقه في غير ذكر فقد لغا، ومن كان نظره في غير ~~اعتبار فقدسها، ومن كان صمته في غير فكر فقد لها. # كان العباس بن زفر لا يكلم أحدا حتى تنبسط الشمس، فإذا انفتل «2» عن ~~صلاته ضرب الأعناق وقطع الأيدي والأرجل. وكان جرير لا يتكلم حتى تبزغ ~~الشمس، فإذا بزغت قذف المحصنات. # قال قتادة: مكتوب في التوراة: لا يعاد الحديث مرتين. # قال الزهري: إعادة الحديث أشد من وقع الصخر. # PageV02P194 # وفي كتب العجم: أن أربعة من الملوك اجتمعوا فقالوا كلهم كلمة واحدة كأنها ~~رمية بسهم: ملك فارس، وملك الهند، وملك الروم، وملك الصين. قال أحدهم: إذا ~~تكلمت بالكلمة ملكتني ولم أملكها. وقال آخر: قد ندمت على ما قلت ولم أندم ~~على ما لم أقل. وقال آخر: أنا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت. ~~وقال آخر: ما حاجتي إلى أن أتكلم بكلمة، إن وقعت علي ضرتني، وإن لم تقع علي ~~لم تنفعني. # قال زبيد اليامي «1» : أسكتتني كلمة ابن مسعود عشرين سنة: من كان كلامه ~~لا يوافق فعله فإنما يوبخ نفسه. # وفي كتاب كليلة ودمنة: ثلاثة يؤمرون بالسكوت: الراقي في جبل طويل، وآكل ~~السمك، والمروي «2» في الأمر الجسيم. قال بعض «3» الشعراء: # [مخلع البسيط] # قد أفلح السالم الصموت ... كلام واعى الكلام قوت # ما كل نطق له جواب ... جواب ما يكره السكوت # يا عجبا لامرىء ظلوم ... مستيقن أنه يموت # بلغني عن أبي أسامة عن ابن عون عن الحسن قال: جلسوا عند معاوية فتكلموا ~~وصمت الأحنف؛ فقال معاوية: يا أبا بحر، مالك لا تتكلم؟ قال: # أخافكم إن صدقتكم، وأخاف الله إن كذبت. # حدثني محمد بن داود قال: حدثنا الحميدي قال: حدثنا أبو الحكم # PageV02P195 # مروان بن عبد الواحد عن موسى بن أبي درهم عن وهب بن منبه قال: قال ابن ~~عباس: كفى بك ظالما ألا تزال مخاصما، وكفى بك آثما ألا تزال مماريا، وكفى ~~بك كاذبا ألا تزال محدثا بغير ذكر الله تعالى: # وقال بعضهم: [طويل] # يموت الفتى من عثرة بلسانه ... وليس يموت المرء من عثرة الرجل # فعثرته من فيه ترمي برأسه ... وعثرته بالرجل تبرا على مهل «1» # سئل بعض الحكماء عن البلاغة، فقال: من أخذ معاني كثيرة فأداها بألفاظ ~~قليلة، أو أخذ معاني قليلة فولد فيها ألفاظا كثيرة. # بلغني عن أبي إسحاق الفزاري قال: كان إبراهيم يطيل السكوت، فإذا تكلم ~~انبسط، فقلت له ذات يوم: لو تكلمت! فقال: الكلام على أربعة وجوه، فمنه كلام ~~ترجو منفعته وتخشى عاقبته، فالفضل منه السلامة؛ ومنه كلام لا ترجو منفعته ~~ولا تخشى عاقبته، فأقل مالك في تركه خفة المؤونة على بدنك ولسانك؛ ومنه ~~كلام لا ترجو منفعته وتخشى عاقبته، وهذا هو الداء العضال؛ ومن الكلام كلام ~~ترجو منفعته وتأمن عاقبته، فهذا الذي يجب عليك نشره؛ قال: فإذا هو قد أسقط ~~ثلاثة أرباع الكلام. ### | الاستدلال بالعين والإشارة والنصبة # «2» # يقال: رب طرف أفصح من لسان. قال أعرابي: [بسيط] # إن كاتمونا القلى «3» نمت عيونهم ... والعين تظهر ما في القلب أو تصف # PageV02P196 # وقال آخر: [سريع] # إذا قلوب أظهرت غير ما ... تضمره أنبتك عنها العيون «1» # وقال آخر: [هزج] # أما تبصر في عيني ... ي عنوان الذي أبدي «2» ؟ # وقال ذو الرمة: [طويل] # نعم هاجت الأطلال شوقا كفى به ... من الشوق إلا أنه غير ظاهر # فما زلت أطوي النفس حتى كأنها ... بذي الرمث لم تخطر على بال ذاكر «3» # حياء واشفاقا من الركب أن يروا ... دليلا على مستودعات الضمائر # وقال الحارثي يذكر ميتا: [طويل] # أتيناه زوارا فأمجدنا قرى ... من البث والداء والدخيل المخامر «4» # وأوسعنا علما برد جوابنا ... فأعجب به من ناطق لم يحاور # ومثل هذا قول القائل «5» : سل الأرض فقل لها: من شق أنهارك، وغرس أشجارك، ~~وجنى ثمارك، فإن تجبك حوارا «6» ، أجابتك اعتبارا، قال أبو العتاهية: [هزج] # وللقلب على القلب ... دليل حين يلقاه # PageV02P197 # وللناس من الناس ... مقاييس وأشباه «1» # يقاس المرء بالمرء ... إذا ما هو ما شاه # وفي العين غنى للعي ... ن أن تنطق أفواه ### | الشعر # يقال: خير الشعر ما رواك نفسه. ويقال: خير الشعر الحولي المنقح المحكك. # سمع أعرابي رجلا ينشد شعرا لنفسه، فقال: كيف ترى؟ قال: سكر لا حلاوة له. ~~قيل لبعض علماء اللغة؛ أرأيت الشاعرين يجتمعان على المعنى الواحد في لفظ ~~واحد؟ فقال: عقول رجال توافت على ألسنتها. # قال بشار يصف نفسه: [منسرح] # زور «2» ملوك عليه أبهة ... يعرف من شعره ومن خطبه # لله ما راح في جوانحه ... من لؤلؤ لا ينام عن طلبه # يخرجن من فيه في الندي كما ... يخرج ضوء السراج من لهبه # ترنو إليه الحدان غادية ... ولا تمل الحديث من عجبه # تلعابة «3» تعكف الملوك به ... تأخذ من جده ومن لعبه # يزدحم الناس كل شارقة ... ببابه مسرعين في أدبه # PageV02P198 # وقال الطائي يذكر الشعر: [كامل] # إن القوافي والمساعي لم تزل ... مثل النظام إذا أصاب فريدا «1» # هي جوهر نثر فإن ألفته ... بالشعر صار قلائدا وعقودا # من أجل ذلك كانت العرب الألى ... يدعون هذا سؤددا مجدودا # وتند عندهم العلا إلا علا ... جعلت لها مرر القريض قيودا «2» # وقال أيضا: [طويل] # ولم أر كالمعروف تدعى حقوقه ... مغارم في الأقوام وهي مغانم # وإن العلا ما لم تر الشعر بينها ... لكالأرض غفلا «3» ليس فيها معالم # وما هو إلا القول يسري فيغتدي ... له غرر في أوجه ومواسم # يرى حكمة ما فيه وهو فكاهة ... ويقضى بما يقضي به وهو ظالم # ولولا خلال سنها الشعر ما درى ... بغاة العلا من أين تؤتى المكارم # وقال عمر بن لجإ لبعض الشعراء: أنا أشعر منك؛ قال: ولم ذاك؟ # قال: لأني أقول البيت وأخاه، ولأنك تقول البيت وابن عمه. # قيل لعقيل بن علفة: ألا تطيل الهجاء؟ فقال: يكفيك من القلادة ما أحاط ~~بالعنق. # وقال بعضهم: خير الشعر المطمع. # قيل لكثير: يا أبا صخر، كيف تصنع إذا عسر عليك قول الشعر؟ قال: # PageV02P199 # أطوف بالرباع المخلية «1» والرياض المعشبة، فيسهل علي أرصنه ويسرع إلي ~~أحسنه. # ويقال: إنه لم يستدع شارد الشعر بمثل الماء الجاري، والشرف العالى، ~~والمكان الخضر الخالي «2» أو الحالي. # وقال عبد الملك بن مروان لأرطاة بن سهية: هل تقول الآن شعرا؟ # قال: ما أشرب، ولا أطرب، ولا أغضب؛ وإنما يكون الشعر بواحدة من هذه. # وقيل لكثير: ما بقي من شعرك؟ فقال: ماتت عزة فما أطرب، وذهب الشباب فما ~~أعجب، ومات ابن ليلى فما أرغب- يعني عبد العزيز بن مروان- وإنما الشعر بهذه ~~الخلال. # وقيل لبعضهم: من أشعر الناس؟ فقال: امرؤ القيس إذا ركب، والنابغة إذا ~~رهب، وزهير إذا رغب، والأعشى إذا طرب. # وقيل للعجاج: إنك لا تحسن الهجاء، فقال: إن لنا أحلاما تمنعنا من أن ~~نظلم، وأحسابا تمنعنا من أن نظلم، وهل رأيت بانيا لا يحسن أن يهدم!. # وقلت في وصف الشعر: الشعر معدن علم العرب، وسفر حكمتها، وديوان أخبارها، ~~ومستودع أيامها، والسور المضروب على مآثرها، والخندق المحجوز على مفاخرها، ~~والشاهد العدل يوم النفار، والحجة القاطعة عند الخصام، ومن لم يقم عندهم ~~على شرفه وما يدعيه لسلفه من المناقب # PageV02P200 # الكريمة والفعال الحميد بيت منه. شذت مساعيه وإن كانت مشهورة، ودرست على ~~مرور الأيام وإن كانت جساما؛ ومن قيدها بقوافي الشعر، وأوثقها بأوزانه، ~~وأشهرها بالبيت النادر، والمثل السائر، والمعنى اللطيف، أخلدها على الدهر، ~~وأخلصها من الجحد، ورفع عنها كيد العدو وغض عين الحسود. # وما جاء في الشعر كثير. وقد أفردت للشعراء كتابا، وللشعر بابا طويلا في ~~كتاب العرب. وذكرت هذه النتفة في هذا الكتاب كراهية أن أخليه من فن من ~~الفنون. ### | حسن التشبيه في الشعر # من ذلك قول ابن الزبير الأسدي في الثريا: [طويل] # وقد لاح في الغور الثريا كأنما ... به راية بيضاء تخفق للطعن «1» # شبه الثريا حين تدلت للمغيب براية بيضاء خفقت للطعن. # ومن ذلك قول عنترة في الذباب: [كامل] # وخلا الذباب بها فليس بنازح ... هزجا كفعل الشارب المترنم «2» # غردا يحك ذراعه بذراعه ... فعل المكب على الزناد الأجذم «3» # شبه حكه يده بيده برجل مقطوع الكفين يقدح النار بعودين. # PageV02P201 # ومن ذلك قول أعرابي في العنب: [كامل] # يحملن أوعية السلاف كأنما ... يحملنها بأكارع «1» النغران # أوعية السلاف: العنب، جعله ظرفا للخمر، وشبه شعب العناقيد التي تحمل الحب ~~بأرجل النغران. # وقال الآخر، وكان غشي عينيه بياض أو نزل فيهما ماء [طويل] # يقولون ماء طيب خان عينه ... وما ماء سوء خان عيني بطيب «2» # ولكنه أزمان أنظر طيب ... بعيني غدافي علا فوق مرقب «3» # كأن ابن جحل مد فضل جناحه ... على ماء إنسانيهما المتغيب «4» # شبه ما علا الحدقة بجناح فرخ من فراخ الزنابير «5» قد مد على ناظره. # ومن ذلك قول امرىء القيس وذكر العقاب: [طويل] # PageV02P202 # كأن قلوب الطير رطبا ويابسا ... لدى وكرها العناب والحشف البالي «1» # شبه الرطب بالعناب، واليابس بالحشف. وشبه شيئين بشيئين في بيت واحد. # ومن ذلك قول أوس بن حجر وذكر السيف: [طويل] # كأن مدب النمل يلتمس الربى ... ومدرج ذر «2» خاف بردا فأسهلا # شبه فرند السيف «3» بمدرج الذر ومدب النمل. # ومن ذلك قول أبي نواس في البازي: [سريع] # ومنسر أكلف فيه شغا ... كأنه عقد ثمانينا «4» # ومن ذلك قول أعرابي في امرأة: [بسيط] # قامت تصدى له عمدا لتقتله ... فلم ير الناس وجدا مثل ما وجدا # بجيد آدم «5» لم تعقد قلائده ... وناهد مثل قلب الظبي ما نهدا # فظل كالحائم «6» الهيمان ليس له ... صبر ولا يأمن الأعداء إن وردا # شبه ثديها في نهوده بقلب الظبي في صلابته، ولا نعلم أحدا شبه الثدي بقلب ~~الظبي غيره. # PageV02P203 # ومن ذلك قول جحدر «1» العكلي في امرأة: [طويل] # على قدم مكنونة اللون رخصة ... وكعب كذفرى جؤذر الرمل أدرما «2» # شبه كعبها بأصل أذن الجؤذر، وهو الصغير من أولاد البقر. # ومن ذلك قول حميد بن ثور «3» يصف فرخ القطاة: [طويل] # كأن على أشداقه نور حنوة «4» ... إذا هو مد الجيد منه ليطعما # ومن ذلك قول دعبل «5» يهجو امرأة: [متقارب] # كأن الثآليل في وجهها ... إذا سفرت بدد الكشمش «6» # لها شعر قرد إذا ازينت ... ووجه كبيض القطا الأبرش «7» # ومن ذلك قول أبي نواس في وصف البط: [رجز] # PageV02P204 # كأنما يصفرن من ملاعق «1» # ومن ذلك قول بعض الرجاز في جارية سوداء: [رجز] # كأنها والكحل في مرودها ... تكحل عينيها ببعض جلدها «2» # ومن ذلك قول الجعدي في فرس: [منسرح] # خيط على زفرة فتم ولم ... يرجع إلى دقة ولا هضم «3» # يقول هو منتفخ الجنبين، فكأنه زفر فانتفخ جنباه ثم خيط على ذلك. # ومن ذلك قول الطرماح يصف الثور: [كامل] # يبدو وتضمره البلاد كأنه ... سيف على شرف يسل ويغمد # ومن ذلك قول النابغة للنعمان: [طويل] # فإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأى عنك واسع # ومن ذلك قوله في المرأة «4» # : [كامل] # نظرت إليك بحاجة لم تقضها ... نظر المريض إلى وجوه العود # يقول: نظرت إليك ولم تقدر أن تتكلم، كما ينظر المريض إلى وجوه عواده ولا ~~يقدر أن يكلمهم. # PageV02P205 # ومن ذلك قول طرفة: [طويل] # لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى ... لكا لطول «1» المرخى وثنياه باليد # ومن ذلك قول بعض الضبيين يصف أباريق الشراب: [طويل] # كأن أباريق الشمول عشية ... إوز بأعلى الطف عوج الحناجر «2» # ونحوه قول أبي الهندي «3» # : [طويل] # سيغني أبا الهندي عن وطب سالم ... أباريق لم يعلق بها وضر الزبد «4» # مفدمة قزا كأن رقابها ... رقاب بنات الماء تفزع للرعد «5» # ومن ذلك قول نصيب «6» # في عبد العزيز بن مروان: [متقارب] # وكلبك آنس بالمعتفين «7» ... من الأم بابنتها الزائره # ومن ذلك قول عدي «8» # بن الرقاع في الظبية: [كامل] # تزجي أغن كأن إبرة روقه ... قلم أصاب من الدواة مدادها «9» # PageV02P206 # ومن ذلك قول بشار: [طويل] # كأن مثار «1» النقع فوق رؤوسهم ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه # ومن ذلك قوله: [وافر] # جفت عيني عن التغميض حتى ... كأن جفونها عنها قصار # ومن ذلك قول الآخر: [طويل] # ومولى كأن الشمس بيني وبينه ... إذا ما التقينا ليس ممن أعاتبه» # يقول: لا أقدر على النظر إليه من بغضه، فكأن الشمس بيني وبينه. # ومن ذلك قول الآخر: [بسيط] # كأن نيرانهم في كل منزلة ... مصبغات على أرسان قصار «3» # الناس يستحسنون هذا، وأنا أرى أن أقول: الأولى أن يشبه المصبغات ~~بالنيران، لا النيران بالمصبغات. ### | الأبيات التي لا مثل لها # حدثني أبو الخطاب قال: حدثنا معتمر عن ليث عن طاوس عن ابن عباس قال: إنها ~~كلمة نبي: [طويل] # ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود «4» # PageV02P207 # حدثني الرياشي عن الأصمعي قال: أبرع بيت قالته العرب قول أبي «1» # ذؤيب [كامل] # والنفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد إلى قليل تقنع # وأحسن ما قيل في الكبر قول حميد بن ثور «2» # الهلالي: [طويل] # أرى بصري قد رابني بعد صحة ... وحسبك داء أن تصح وتسلما «3» # وأحسن من ابتدأ مرثية أوس بن حجر «4» # في قوله: [منسرح] # أيتها النفس أجملي جزعا ... إن الذي تكرهين قد وقعا. # وأغرب من ابتدأ قصيدة النابغة في قوله: [طويل] # كليني لهم، يا أميمة، ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب # حدثني الخثعمي الشاعر قال: أحسن بيت قيل في الجبن قول نهشل ابن حري «5» # : [طويل] # فلو كان لي نفسان كنت مقاتلا ... بإحداهما حتى تموت وأسلما # قال: وبيت المخبل في قساوة القلب: [بسيط] # PageV02P208 # يبكى علينا ولا نبكي على أحد ... لنحن أغلظ أكبادا من الإبل # قال: وبيت عبيد «1» # في الإستعفاف: [مخلع البسيط] # من يسأل الناس يحرموه ... وسائل الله لا يخيب # قال: وبيت منجوف بن مرة السلمي في الإحتفاظ بالمال: [طويل] # وأدفع عن مالي الحقوق وإنه ... لجم فإن الدهر جم مصائبه # قال: وبيت الحطيئة في إكرام النفس: [طويل] # وأكرم نفسي اليوم عن سوء طعمة ... ويقنى الحياء المرء والرمح شاجره «2» # قال: وقول كعب «3» # في الإقدام: [كامل] # نصل السيوف إذا قصرن بخطونا ... قدما ونلحقها إذا لم تلحق # قال: وبيت عمرو «4» # بن الإطنابة في الصبر: [وافر] # وقولي كلما جشأت «5» وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي # وأحسن من هذا عندي قول قطري «6» # : [وافر] # PageV02P209 # وقولي، كلما جشأت، لنفسي ... من الأبطال ويحك لا تراعي # فإنك لو سألت بقاء يوم ... على الأجل الذي لك لم تطاعي # قال: وبيت مسكين «1» # الدارمي في الجود: [طويل] # طعامي طعام الضيف والرحل رحله ... ولم يلهني عنه الغزال المقنع # قال: وفي حسن الجوار قوله «2» # : [كامل] # ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي تنزل القدر # ما ضر جارا لي أجاوره ... ألا يكون لبابه ستر # قال: وممن رضي بالقليل جميل، قال: [طويل] # أقلب طرفي في السماء لعله ... يوافق طرفي طرفها حين تنظر # وقول الآخر «3» # : [وافر] # أليس الليل يلبس أم عمرو ... وإيانا، فذاك بنا تداني؟ # ترى وضح النهار كما أراه ... ويعلوها النهار كما علاني # قال: وبيت عمرو بن كلثوم في الجهل: [وافر] # ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا # قال: وبيت النابغة في ترك الإلحاح: [كامل] # PageV02P210 # فاستبق ودك للصديق ولا تكن ... قتبا يعض بغارب ملحاحا «1» # قال: وفي إدراك الثأر قول مهلهل: [بسيط] # لقد قتلت بني بكر بربهم ... حتى بكيت وما يبكي لهم أحد «2» # قال: وبيت عروة بن الورد في تبليغ العذر في الطلب: [طويل] # لتبلغ عذرا أو تفيد غنيمة ... ومبلغ نفس عذرها مثل منجح # قال: وبيت جميل في إنفاق المال والتوكل على الله تعالى: [طويل] # كلوا اليوم من رزق الإله وأبشروا ... فإن على الرحمن رزقكمو غدا # قال: وفي الشجاعة قول العباس «3» بن مرداس: [وافر] # أشد على الكتيبة لا أبالي ... أحتفي كان فيها أم سواها # قال: وبيت المتلمس في المال وتثميره: [وافر] # قليل المال تصلحه فيبقى ... ولا يبقى الكثير على الفساد # وأخبرنا دعبل بن علي الشاعر قال: أهجي بيت قيل قول الطرماح «4» في تميم: ~~[طويل] # تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا ... ولو سلكت طرق المكارم ضلت # PageV02P211 # قال؛ وكذلك قول الأخطل: [بسيط] # قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم ... قالوا لأمهمو بولي على النار «1» # قال: وكذلك قول الحطيئة للزبرقان «2» في قصر الهمة: [بسيط] # دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي «3» # قال غيره: وقول الطرماح في القلة والخمول: [بسيط] # لو كان يخفى على الرحمن خافية ... من خلقه حفيت عنه بنو أسد # ونحوه قول الآخر «4» : [متقارب] # وأنت مليخ كلحم الحوا ... ر لا أنت حلو ولا أنت مر «5» # PageV02P212 # وكذلك قول جرير في التيم «1» : [وافر] # وإنك لو رأيت عبيد تيم ... وتيما قلت أيهما العبيد # ويقضى الأمر حين تغيب تيم ... ولا يستأذنون وهم شهود «2» # وأحسن ما قيل في الهيبة: [بسيط] # يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فما يكلم إلا حين يبتسم # وأغرب ما قيل في مضلوب قول محمد بن أبي حمزة مولى الأنصار: [طويل] # لعمري لئن أصبحت فوق مشذب «3» ... طويل تعفيك الرياح مع القطر # لقد عشت مبسوط اليدين مرزأ» # وعوفيت عند الموت من ضغطة القبر # وأفلت من ضيق التراب وغمه ... ولم تفقد الدنيا فهل لك من شكر؟ # وأغرب ما قيل في مجوسي قول أعرابي: [متقارب] # شهدت عليك بطيب المشاش «5» ... وأنك بحر جواد خضم # PageV02P213 # وأنك سيد أهل الجحيم ... إذا ما ترديت فيمن ظلم # ومن أغرب ما قيل في دعي قول إبراهيم بن إسماعيل البنوي: [بسيط] # لو أن موتي تميم كلها نشروا ... وأثبتوك لقيل الأمر مصنوع # مثل الجديد إذا ما زيد في خلق ... تبين الناس أن الثوب مرقوع # ونحوه قول الآخر: [طويل] # أجارتنا بان الخليط «1» فأبشري ... فما العيش إلا أن يبين خليط # أعاتبه في عرضه ليصونه ... ولا علم لي أن الأمير لقيط «2» # ونحوه قول دعبل «3» في مالك بن طوق: [بسيط] # الناس كلهمو يسعى لحاجته ... ما بين ذي فرح منهم ومهموم # ومالك ظل مشغولا بنسبته ... يرم «4» منها خرابا غير مرموم # يبني بيوتا خرابا لا أنيس بها ... ما بين طوق إلى عمرو بن كلثوم ### | التلطف في الكلام والجواب وحسن التعريض # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: ترك عقيل عليا وذهب إلى معاوية؛ فقال ~~معاوية: يا أهل الشام، ما ظنكم برجل لم يصلح لأخيه؟ فقال عقيل: يا # PageV02P214 # أهل الشام، إن أخي خير لنفسه وشر لي، وإن معاوية شر لنفسه وخير لي. # قال: وقال معاوية يوما: يا أهل الشام، إن عم هذا أبو لهب؛ فقال عقيل: يا ~~أهل الشام، إن عمة هذا حمالة الحطب؛ وكانت أم جميل امرأة أبي لهب وهي بنت ~~حرب. # وحدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثنا أبو هلال عن قتادة قال: # قال عبيد الله بن زياد لقيس بن عباد: ما تقول في وفي الحسين؟ فقال: # أعفني أعفاك الله! فقال: لتقولن؛ قال: يجيء أبوه يوم القيامة فيشفع له، ~~ويجيء أبوك فيشفع لك؛ قال: قد علمت غشك وخبثك، لئن فارقتني يوما لأضعن ~~بالأرض أكثرك شعرا. # قيل لميمون بن مهران: كيف رضاك عن عبد الأعلى «1» ؟ قال: نعم المرء عمرو ~~بن ميمون. # مر عمر بن الخطاب بالصبيان وفيهم عبد الله بن الزبير، ففروا ووقف؛ فقال ~~له عمر: ما لك لم تفر مع أصحابك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، لم أجرم فأخافك، ~~ولم يكن بالطريق ضيق فأوسع لك. # حدثني الفضل بن محمد بن منصور بن زياد كاتب البرامكة قال: قال عبد الله ~~بن طاهر ذات يوم لرجل أمره بعمل: إحذر أن تخطىء فأعاقبك بكذا. (لأمر عظيم) ~~قلت له: أيها الأمير، من كانت هذه عقوبته على الخطأ فما ثوابه على ~~الإصابة!. # رأى رجل من قريش رجلا له هيئة رثة، فسأل عنه، فقالوا: من تغلب، فوقف له ~~وهو يطوف بالبيت، فقال له: أرى رجلين قلما وطئتا البطحاء؛ فقال # PageV02P215 # له: البطحاوات ثلاث: بطحاء الجزيرة «1» ، وهي لي دونك؛ وبطحاء ذي قار «2» ~~، وأنا أحق بها منك؛ وهذه البطحاء «3» وسواء العاكف فيه والبادي. # حدثني سهل عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء أو غيره: أن معاوية عرض فرسا ~~على عبد الرحمن بن حسان فقال: كيف تراه؟ قال: أراه أجش هزيما «4» ، يريد ~~قول النجاشي «5» : [طويل] # ونجى ابن حرب سابح ذو علالة ... أجش هزيم والرماح دواني # حدثني محمد بن عبد العزيز قال:؛ حدثنا أبو سلمة عن حماد بن سلمة قال: ~~أخبرنا داود بن أبي هند عن محمد بن عباد المخزومي أن قريشا قالت: # قيضوا «6» لأبي بكر رجلا يأخذه، فقيضوا له طلحة بن عبيد الله؛ فأتاه وهو ~~في القوم فقال: يا أبا بكر، قم إلي؛ قال: إلام تدعوني؟ قال: أدعوك إلى ~~عبادة اللات والعزى «7» ؛ قال أبو بكر: من اللات؟ قال بنات الله، قال: فمن ~~أمهم؟ # فسكت طلحة وقال لأصحابه: أجيبوا صاحبكم، فسكتوا؛ فقال طلحة: قم يا # PageV02P216 # أبا بكر، فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله؛ فأخذ ~~أبو بكر بيده فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم. # حدثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن عبيد الله بن عمر أن عمر ~~قال: من يخبرنا عن قندابيل «1» ؟ فقال رجل: يا أمير المؤمنين، ماؤها وشل ~~«2» ، وتمرها دقل «3» ، ولصها بطل؛ إن كان بها الكثير جاعوا، وإن كان بها ~~القليل ضاعوا؛ قال عمر: لا يسألني الله عن أحد بعثته إليها أبدا. # حدثني أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي قال: مرض زياد فدخل عليه شريح، فلما ~~خرج بعث إليه مسروق بن الأجدع يسأله: كيف تركت الأمير؟ # قال: تركته يأمر وينهي، فقال مسروق: إن شريحا صاحب تعريض فسلوه فسألوه؛ ~~قال: تركته يأمر بالوصية وينهي عن البكاء. ومات ابن لشريح ولم يشعر به أحد، ~~فغدا عليه قوم يسألون به، وقالوا: كيف أصبح من تصل يا أبا أمية؟ فقال: الآن ~~سكن علزه «4» ورجاه أهله. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثني بعض الأعراب قال: هوي رجل امرأة ثم ~~تزوجها، فأهدى إليها ثلاثين شاة وزقا من خمر، فشرب الرسول في الطريق بعض ~~الخمر وذبح شاة؛ فقالت للرسول لما أراد الانصراف: اقرأ على مولاك السلام، ~~وقل له إن شهرنا نقص يوما، وإن سحيما راعي شائنا أتانا # PageV02P217 # مرثوما «1» . فلما أتى مولاه فأخبره ضربه حتى أقر. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: خطب أعرابي إلى قوم، فقالوا: ما تبذل من ~~الصداق؟ وارتفع السجف «2» فرأى شيئا كرهه، فقال والله ما عندي نقد، وإني ~~لأكره أن يكون علي دين. # حدثني عبد الرحمن عن الأصمعي قال: قال سلم بن قتيبة للشعبي: ما تشتهي؟ ~~قال: أعز مفقود، وأهون موجود؛ قال: يا غلام، إسقه ماء. # المدائني قال: كان لابن عون ابن عم يؤذيه، ولاحاه «3» يوما فقال له ابن ~~عون لما بلغ منه: لتسكتن أو لأشتمن مسيلمة. فشهد بعد ذلك عند عبيد الله ابن ~~الحسن، فرد شهادته. # المدائني: قال المغيرة بن شعبة: ما خدعني أحد قط غير غلام من بلحارث بن ~~كعب، فإني ذكرت امرأة منهم، فقال: أيها الأمير، لا خير لك فيها، إني رأيت ~~رجلا قد خلا لها يقبلها، ثم بلغني بعد أنه تزوجها، فأرسلت إليه فقلت: ألم ~~تعلمني أنك رأيت رجلا يقبلها؟ فقال: بلى! رأيت أباها يقبلها. # قال المدائني: أتى شريحا القاضي قوم برجل، فقالوا: إن هذا خطب إلينا: ~~فسألناه عن حرفته فقال: أبيع الدواب؛ فلما زوجناه، فإذا هو يبيع السنانير؛ ~~قال: أفلا قلتم أي الدواب تبيع! وأجاز ذلك. # المدائني قال: دخل رجل على عيسى بن موسى وعنده ابن شبرمة، # PageV02P218 # فقال له: أتعرفه؟ وكان رمي عنده بريبة قال: نعم، إن له بيتا وشرفا وقدما، ~~فخلى سبيله فلما خرج قال له أصحابه: أعرفته؟ قال: لا، ولكني أعلم أن له ~~بيتا يأوي إليه، وشرفه أذناه ومنكباه، وقدمه هي قدمه التي يمشي عليها. # المدائني قال: سئل الشعبي عن رجل، فقال: إنه لنافذ الطعنة، ركين القعدة، ~~يعني أنه خياط فأتوه فقالوا: غررتنا؛ فقال: ما فعلت! وإنه لكما وصفت. # المدائني قال: أتي العريان بن الهيثم بشاب سكران، فقال له: من أنت؟ فقال ~~«1» : [طويل] # أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره ... وإن نزلت يوما فسوف تعود # ترى الناس أفواجا إلى ضوء ناره ... فمنهم قيام حولها وقعود # فظن أنه من بعض أشراف الكوفة فخلاه، ثم ندم على ألا يكون سأله من هو، ~~فقال لبعض الشرط: سل عن هذا، فسأل، فقالوا: هو ابن بياع الباقلي. # دخل حارثة بن بدر الغداني على زياد، وكان حارثة صاحب شراب وبوجهه أثر، ~~فقال له زياد: ما هذا الأثر بوجهك؟ فقال حارثة: أصلح الله الأمير، ركبت ~~فرسا لي أشقر فحملني حتى صدم بين الحائط، فقال زياد: أما إنك لو ركبت ~~الأشهب لم يصبك مكروه؛ عنى زياد اللبن، وعنى حارثة النبيذ. # PageV02P219 # قعد قوم على نبيذ فسقط ذباب في قدح أحدهم، فقال رجل منهم: غط التميمي، ~~فقال آخر: غطه فإن كان تميميا رسب، وإن كان أزديا طفا؛ قال رب المنزل: ما ~~يسرني أنه كان قال بعضكم حرفا. وإنما عنى أن أزد عمان ملاحون. # المدائني قال: رأى رجل في يد امرأة كانت تأتيه خاتم ذهب، فقال لها: إدفعي ~~إلي خاتمك أذكرك به، فقالت: إنه ذهب، وأخاف أن تذهب، ولكن خذ هذا العود ~~لعلك تعود. # حدثني الزيادي قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن عبد العزيز بن صهيب عن ~~أنس قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مردفا أبا بكر شيخا ~~يعرف، ورسول الله شاب لا يعرف، فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر، من ~~هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل؛ فيحسب السامع ~~أنه يهديه الطريق، وإنما يعني سبيل الخير. # كان سنان «1» بن مكمل النميري يشاير ابن هبيرة يوما وهو على بغلة، فقال ~~له عمر بن هبيرة: غض من بغلتك؛ قال: كلا! إنها مكتوبة. أراد ابن هبيرة قول ~~الشاعر «2» : [وافر] # PageV02P220 # فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا «1» # وأراد سنان قول الآخر «2» : [بسيط] # لا تأمنن فزاريا خلوت به ... على قلوصك واكتبها بأسيار «3» # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: قال معاوية للأحنف: يا أحنف، ما الشيء ~~الملفف في البجاد «4» ؟ فقال: هو السخينة «5» يا أمير المؤمنين. أراد ~~معاوية قول الشاعر: [وافر] # إذا ما مات ميت من تميم ... فسرك أن يعيش فجيء بزاد # بخبز أو بتمر أو بسمن ... أو الشيء الملفف في البجاد «6» # PageV02P221 # وأراد الأحنف «1» أن قريشا تعير بأكل السخينة. # المدائني قال: سأل الحرسي أبا يوسف القاضي عن السواد؛ فقال: النور في ~~السواد. يعني نور العينين في سواد الناظر. # المدائني قال: لقي شيطان الطاق «2» خارجي فقال: ما أفارقك أو تبرأ من ~~علي، فقال: أنا من علي ومن عثمان بريء. يريد أنه من علي، وبريء من عثمان. # سمع عمر بن الخطاب امرأة في الطواف تقول: [طويل] # فمنهن من تسقى بعذب مبرد ... نقاخ «3» فتلكم عند ذلك قرت # ومنهن من تسقى بأخضر آجن ... أجاج ولولا خشية الله فرت «4» # فعلم ما تشكو، فبعث إلى زوجها فوجده متغير الفم، فخيره بين خمسمائة درهم ~~أو جارية من الفيء على أن يطلقها فاختار خمسمائة، فأعطاه وطلقها «5» . # حدثني أحمد بن محمد أبو نصر الكاتب قال: كنت واقفا بهذا المكان، وأقبلت ~~امرأة من هذه الناحية، وغلام من الناحية الأخرى أبيض الوجه # PageV02P222 # رائعه، ونظرت إليه المرأة، فلما التقيا قالت له: ما اسمك يا فتى؟ قال: # محمد؛ قالت: ابن من؟ قال: ابن زانة، وتبسم عن ثغر أفلج «1» مختلف قبيح؛ ~~فقالت: واحرباه على ما قال! فقلت لها: قد وقعت لك عليها؛ قالت: من أين؟ ~~قلت: من كنية أبي الخير النصراني كاتب سعيد الحاجب، أراد أن الياء إذا نقلت ~~عن أبي الخير إلى زانة، صار هذا أبا الخر، وصار هذا ابن زانية. # مر ابن أبي علقمة بمجلس بني ناجية «2» فكبا حماره لوجهه فضحكوا؛ فقال: ما ~~يضحككم! إنه رأى وجوه قريش فسجد. # قال عمرو «3» بن بحر: قال أبو الهذيل لمحمد بن الجهم وأنا عنده: يا أبا ~~جعفر، إني رجل منخرق الكف لا أليق «4» درهما، ويدي هذه صناع في الكسب ~~ولكنها في الإنفاق خرقاء، كم من مائة ألف درهم قسمتها على الإخوان في مجلس ~~وأبو عثمان يعلم ذلك! أسألك بالله يا أبا عثمان، هل تعلم ذلك؟ قال: يا أبا ~~الهذيل، ما أشك فيما تقول؛ قال: فلم يرض أن حضرت حتى استشهدني، ولم يرض إذ ~~استشهدني حتى استحلفني. # قال المدائني: بعث يزيد بن قيس الأرحبي، وكان واليا لعلي، إلى الحسن ~~والحسين رضي الله عنهم بهدايا بعد انصرافه من الولاية وترك ابن الحنفية، ~~فضرب علي- عليه السلام- على جنب ابن الحنفية وقال: [وافر] # PageV02P223 # وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذي لا تصبحينا «1» # فرجع يزيد إلى منزله وبعث إلى ابن الحنفية بهدية سنية. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثني موسى بن محمد قاضي المدينة، قال: ~~مر رجل بأعرابي يوقد في أصل ميل، فقال: كم على الميل؟ # فقال: لست أقرأ، ولكن كتابه فيه؛ قال: وما كتابه؟ قال: محجن وخلقه سمط ~~وثلاثة أطباء وحلقة مذنبة «2» (يغني صورة خمسة) . # قال أبو اليقظان: إن عمرو بن مالك بن ضبيعة هو الذي قيل فيه: # [طويل] # لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ... وما علم الإنسان إلا ليعلما # وذلك أن سعد بن مالك كان عند بعض الملوك «3» ، فأراد الملك أن يبعث رائدا ~~يرتاد له منزلا ينزله، فبعث بعمرو فأبطأ عليه، فآلى الملك لئن جاء ذاما أو ~~حامدا ليقتلنه؛ فلما جاء عمرو وسعد عنده، قال سعد للملك؛ أتأذن لي فأكلمه؟ ~~قال: إذا أقطع لسانك؛ قال: فأشير إليه؛ قال: إذا أقطع يدك؛ قال: فأومىء ~~إليه؛ قال: أقطع حنو «4» عينك؛ قال: فأقرع له العصا؛ قال: # إقرع فأخذ العصا فضرب بها عن يمينه ثم ضرب بها عن شماله ثم هزها بين # PageV02P224 # يديه، فلقن «1» عمرو، فقال: أبيت اللعن! أتيتك من أرض زائرها واقف، ~~وساكنها خائف، والشبعى بها نائمة، والمهزولة ساهرة جائعة، ولم أر خصبا ~~محلا، ولا جدبا هزلا. # لما حكم أبو موسى وقدم ليحكم، دس معاوية إلى عمرو رجلا ليعلم علمه وينظر ~~كيف رأيه؛ فأتاه الرجل فكلمه بما أمره به، فعض عمرو على إبهامه ولم يجبه؛ ~~فنهض الرجل فأتى معاوية فأخبره؛ فقال: قاتله الله! أراد أن يعلمني أني فررت ~~قارحا «2» . # حدثني أبو حاتم قال: حدثني الأصمعي قال: حدثنا عيسى بن عمر قال: سأل ~~الحجاج جبر بن حبيب عن رجل، وكره أن يعاقبه إن دل عليه، فقال: تركته والله ~~جسدا يحرك رأسه يصب في حلقه الماء، والله لئن حمل على سرير ليكونن عليه ~~عورة؛ قال: فتركه. # حدثني القاسم بن الحسن عن خالد بن خداش عن حماد عن مجالد عن عمير بن روذى ~~قال: خطبنا علي عليه السلام فقال: لئن لم يدخل الجنة إلا من قتل عثمان لا ~~أدخلها ولئن لم يدخل النار إلا من قتل عثمان لا أدخلها؛ فقيل له: ما صنعت! ~~فرقت الناس فخطبهم فقال: إنكم قد أكثرتم في قتل عثمان، ألا وإن الله قتله ~~وأنا معه؛ قال: فحدثنا خالد عن حماد عن حبيب بن الشهيد عن محمد بن سيرين ~~قال: كلمة عربية لها وجهان. أي وسيقتلني معه. # سأل زياد رجلا بالبصرة: أين منزلك؟ فقال: واسط، قال: مالك من الولد؟ قال: ~~تسعة. فلما قام، قيل لزياد: كذبك في كل ما سألته، ما له إلا # PageV02P225 # ابن واحد، وإن منزله بالبصرة، فلما عاد إليه، قال: ذكرت أن لك تسعة من ~~الولد، وأن منزلك بواسط؟ قال: نعم؛ قال: خبرت بغير ذلك؛ قال: صدقت وصدقوك، ~~دفنت تسعة بنين فهم لي، ولي اليوم ابن واحد ولست أدري أيكون لي أم لا: وأما ~~منزلي فإلى جانب الجبان «1» بين أهل الدنيا وأهل الآخرة، فأي منزل أوسط ~~منه! قال: صدقت. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن عيسى بن عمر قال: قال المختار لجنده: يا ~~شرطة الله، ليخرجن إلى قريب على الكعبة الحرام دابة «2» له ست قوائم وله ~~رأس بلا عنق، ثم التفت إلى رجل إلى جانبه فقال: أعني اليعسوب. # كان إبراهيم إذا لم يعجبه الرجل قال: ما هو بأعجب الناس إلي. # بلغني عن معاوية بن حيان عن المبارك بن فضالة عن عبد الله بن مسلم ابن ~~يسار، قال: كان أبي إذا غضب على البهيمة، قال: أكلت سما قاضيا حدثني زيد بن ~~أخزم قال: حدثنا أبو قتيبة قال: حدثنا أبو المنهال البكراوي قال: كان الحسن ~~إذا أخذ من لحيته شيء، قال: لا يكن بك السوء. # وقيل للحسن؛ أتى رجل صاحبا له في منزله وكان يصلي، فقال: # PageV02P226 # أدخل؟ فقال في صلاته: ادخلوها بسلام آمنين # «1» ؛ فقال: لا بأس. # كان محمد بن علي إذا رأى مبتلى أخفى الاستعاذة. وكان لا يسمع من داره يا ~~سائل بورك فيك، ولا يا سائل خذ هذا؛ ويقول: سموهم بالحسن الجميل عباد الله، ~~فتقولون: يا عبد الله، بورك فيك. # قيل لعلي بن أبي طالب عليه السلام: كم بين السماء والأرض؟ قال: # دعوة مستجابة. قيل: فكم بين المشرق والمغرب؟ قال: مسيرة يوم (يعني للشمس) ~~. # كان رشم «2» عمر بن مهران الذي يرشم به على طعامه: اللهم احفظه ممن ~~يخطفه. # خرج رجل من بني أسد بإبل له يسقيها، ومعه ابنة له جميلة عاقلة، حتى دفع ~~إلى ماء لبني فزارة، فسألهم أن يأذنوا له في سقي إبله؛ فقالوا: على ألا ~~تجأجىء «3» بها، قال: فإذا لا تشرب شرب خير؛ قالوا: إن رضيت وإلا فانصرف؛ ~~فقالت له الجارية: أشرط لهم ما طلبوا وأنا أكفيك؛ فأخذ الدلو، وجعلت ~~الجارية ترتجز وتقول: [رجز] # جارية شبت شباب العسلج ... ذات وشاحين وذات دملج «4» # وذات ثغر أشنب مفلج ... وذات خلق مستتب مدمج «5» # PageV02P227 # في أبيات كثيرة، فشربت الإبل حتى رويت من غير أن جأجأ بها. # وتبايع أعرابيان على أن يشرب أحدهما لبنا حازرا «1» ولا يتنحنح، فلما ~~شربه وتقطع في حلقه؛ قال: كبش أملح؛ فقال صاحبه؛ فعلها ورب الكعبة! فقال: ~~من فعلها فلا أفلح. وكان ما تبايعا عليه كبشا. # قال الأصمعي: قلت لأعرابي معه شاء: لمن هذه الشاء؟ فقال: هي لله عندي. # حدثني أبو الخطاب قال: حدثنا أبو داود عن عمارة بن زاذان قال: # حدثنا أبو الصهباء قال: قال الحجاج لسعيد بن جبير: اختر أي قتلة شئت؛ ~~فقال له: بل اختر أنت لنفسك، فإن القصاص أمامك. # ولي هرثمة الحرس مكان جعفر بن يحيى، فقال له جعفر: ما انتقلت عني نعمة ~~صارت إليك. # أمر الحجاج ابن القرية أن يأتي هند بنت أسماء فيطلقها بكلمتين، ويمتعها ~~بعشرة آلاف درهم؛ فأتاها فقال لها: إن الحجاج يقول لك: كنت فبنت، وهذا عشرة ~~آلاف متعة لك: فقالت: قل له: كنا فما حمدنا، وبنا فما ندمنا؛ وهذه العشرة ~~الآلاف لك ببشارتك إياي بطلاقي. # سئل سفيان بن عيينة عن قول طاوس في ذكاة السمك أو الجراد؛ فقال ابنه عنه: ~~ذكاته صيده. # اجتمع الناس عند معاوية وقام الخطباء لبيعة يزيد وأظهر قوم الكراهة، # PageV02P228 # فقام رجل من عذرة يقال له يزيد بن المقنع، واخترط «1» من سيفه شبرا، ثم ~~قال: أمير المؤمنين هذا، وأشار إلى معاوية، فإن يهلك فهذا، وأشار إلى يزيد، ~~فمن أبي فهذا، وأشار إلى سيفه. فقال معاوية: أنت سيد الخطباء. # قال رجل من أهل الحجاز لابن شبرمة: من عندنا خرج العلم؛ قال ابن شبرمة: ~~ثم لم يعد إليكم. # قال المدائني: قال معاوية لابن عباس؛ أنتم، يا بني هاشم، تصابون في ~~أبصاركم؛ فقال ابن عباس؛ وأنتم، يا بني أمية، تصابون في بصائركم. # وقال له معاوية: ما أبين الشبق «2» في رجالكم! فقال: هو في نسائكم أبين. # أبو اليقظان قال: قال ابن ظبيان التيمي لزرعة بن ضمرة: لقد طلبتك يوم ~~الأهواز ولو ظفرت بك لقطعت منك طابقا سخنا؛ قال: أفلا أدلك على طابق هو ~~أسخن وأحوج إلى القطع؟ قال: بلى! قال: بظر بين إسكتي «3» أمك. # أبو اليقظان قال: بعث الحجاج إلى الفضيل بن بزوان العدواني، وكان خيرا من ~~أهل الكوفة، فقال: إني أريد أن أوليك، قال: أو يعفيني الأمير؟ # فأبى وكتب عهده، فأخذه وخرج من عنده فرمى بالعهد وهرب، فأخذ به الحجاج، ~~فقال: يا عدو الله؛ فقال: لست لله ولا للأمير بعدو؛ قال: ألم أكرمك؟ قال: ~~بل أردت أن تهينني؛ قال: ألم أستعملك؟ قال: بل أردت أن # PageV02P229 # تستعبدني؛ قال: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله # «1» الآية؛ قال: ما استوجبت واحدة منهن؛ قال: كل ذلك قد استوجبت بخلافك. ~~وأمر رجلا من أهل الشام أن يضرب عنقه. # سليمان بن أبي شيخ قال: حدثني حجر بن عبد الجبار عن عبد الملك ابن عمير ~~قال: كان في مجلس زياد، الذي يجلس فيه للناس بالكوفة، في أربع زواياه كتاب ~~بقلم جليل: الوالي شديد في غير عنف، لين في غير ضعف؛ الأعطية لإبانها «2» ، ~~والأرزاق لأوقاتها؛ البعوث لا تجمر «3» ؛ المحسن يجزى بإحسانه والمسيء يؤخذ ~~على يديه كلما رفع رأسه إلى زاوية قرأ ما فيها. # قال سليمان: وحدثنا أبو سفيان الحميري قال: أبلى أبو جهم بن كنانة يوم ~~الراوية، فقال له الحجاج: من أنت؟ قال: أنا أبو جهم بن كنانة، قال له ~~الحجاج: قد زدناك في اسمك ألفا ولاما فأنت أبو الجهم، وزدنا في عطائك ألفا. # العباس بن بكار عن عبيد الله بن عمر الغساني عن الشعبي قال: قال معاوية ~~لشداد بن أوس: يا شداد، أنا أفضل أم علي؟ وأينا أحب إليك؟ فقال: # علي أقدم هجرة، وأكثر مع رسول الله إلى الخير سابقة، وأشجع منك قلبا، ~~وأسلم منك نفسا، وأما الحب فقد مضى علي، فأنت اليوم عند الناس أرجى منه. # PageV02P230 # قال الأحنف لمعاوية في كلام: أنت أعلمنا بيزيد في ليله ونهاره، وسره ~~وعلانيته، فلا تلقمه الدنيا وأنت تذهب إلى الآخرة. # خطب «1» الحجاج فشكا سوء طاعة أهل العراق؛ فقال جامع المحاربي «2» : أما ~~إنهم لو أحبوك لأطاعوك، على أنهم ما شنئوك لنسبك ولا لبلدك ولا لذات نفسك، ~~فدع ما يباعدهم منك إلى ما يقربهم إليك، والتمس العافية فيمن دونك تعطها ~~ممن فوقك، وليكن إيقاعك بعد وعيدك، ووعيدك بعد وعدك؛ فقال الحجاج: والله ما ~~أراني أرد بني اللكيعة إلى طاعتي إلا بالسيف؛ فقال: أيها الأمير، إن السيف ~~إذا لاقى السيف ذهب الخيار؛ قال الحجاج: الخيار يومئذ لله؛ قال: أجل! ولكنك ~~لا تدري لمن يجعله الله؛ فقال: يا هناه «3» ، إنك من محارب! فقال جامع: ~~[طويل] # وللحرب سمينا وكنا محاربا ... إذا ما القنا أمسى من الطعن أحمرا» # فقال الحجاج «5» : والله لقد هممت أن أخلع لسانك فأضرب به وجهك؛ فقال له: ~~يا حجاج، إن صدقناك أغضبناك، وإن كذبناك أغضبنا الله، فغضب الأمير أهون ~~علينا من غضب الله. # PageV02P231 # قال الأصمعي: أخبرنا شيخ من قضاعة قال: ضللنا مرة الطريق فاسترشدنا ~~عجوزا؛ فقالت: استبطن الوادي وكن سيلا حتى تبلغ. # ابن الكلبي قال: كتب معاوية إلى قيس بن سعد «1» : أما بعد، فإنما أنت ~~يهودي ابن يهودي، إن ظفر أحب الفريقين إليك عزلك واستبدل بك، وإن ظفر ~~أبغضهما إليك قتلك ونكل بك، وقد كان أبوك وترقوسه ورمى غرضه، فأكثر الحز ~~وأخطأ المفصل، فخذله قومه، وأدركه يومه؛ ثم مات طريدا بحوران؛ والسلام. ~~فكتب إليه قيس بن سعد: أما بعد، فإنما أنت وثن ابن وثن «2» ، دخلت في ~~الإسلام كرها وخرجت منه طوعا، ولم يقدم إيمانك ولم يحدث نفاقك، وقد كان أبي ~~وتر قوسه ورمى غرضه، وشغب «3» عليه من لم يبلغ كعبه ولم يشق غباره، ونحن ~~أنصار الدين الذي خرجت منه، وأعداء الدين الذي خرجت إليه؛ والسلام. # قال يحيى بن سعيد الأموي: سمعت الأعمش يقول لخالد بن صفوان: # شعرت أن منزلك لا يعرف إلا بي حتى يقال عند منزل الأعمش؛ فقال خالد: # صدقت، مثل حمام عنترة، ويقال وردان وبيطار (حيان) . # قال الربيع لشريك بين يدي المهدي: بلغني أنك خنت أمير المؤمنين؛ فقال ~~شريك: لو فعلنا ذلك لأتاك نصيبك. # قال رجل من العرب: أريت البارحة في منامي كأني دخلت الجنة فرأيت # PageV02P232 # جميع ما فيها من القصور، فقلت: لمن هذه؟ فقيل: للعرب؛ فقال رجل عنده من ~~الموالي: أصعدت الغرف؟ قال: لا؛ قال: فتلك لنا. # وكتب قتيبة بن مسلم إلى عبيد الله بن زياد بن ظبيان: أما بعد، فإن عشمشم ~~أعشى الشجر. فكتب إليه ابن ظبيان: من ذلك الشجر كان بربط «1» أبيك. يعني ~~مسلم بن عمرو، وكان مغنيا ليزيد بن معاوية. # قال بحر بن الأحنف لجارية أبيه زبراء: يا فاعلة: فقالت: لو كنت كما تقول ~~أتيت أباك بمثلك. # وقال رجل لابنه: يابن الفاعلة؛ فقال: والله لئن كنت صدقت ما فعلت حتى ~~وجدتك فحل سوء. # أتت ابنة الخس عكاظ، فأتاها رجل يمتحن عقلها ويمتحن جوابها، فقال لها: ~~إني أريد أن أسألك؛ قالت: هات. قال: كاد؛ فقالت: المنتعل يكون راكبا. قال: ~~كاد: قالت: الفقر يكون كفرا. قال: كاد؛ قالت: العروس تكون ملكا. قال: كاد؛ ~~قالت: النعامة تكون طائرا. قال: كاد؛ قالت: # السرار «2» يكون سحرا. ثم قالت للرجل: أسألك؟ قال: هاتي، قالت: # عجبت؛ قال: للسباخ لا ينبت كلؤها ولا يجف ثراها. قالت: عجبت؛ قال: # للحجارة لا يكبر صغيرها ولا يهرم كبيرها. قالت: عجبت؛ قال: لشفرك «3» لا ~~يدرك قعره ولا يملأ حفره. # PageV02P233 # المدائني قال: كان عرام بن شتير عند عمر بن هبيرة، فألقى إليه ابن هبيرة ~~خاتمة وفصه أخضر، فعقد عرام في الخاتم سيرا. أراد عمر قول الشاعر: [طويل] # لقد زرقت عيناك يا ابن مكعبر ... كما كل ضبي من اللؤم أزرق «1» # وأراد عرام: [بسيط] # لا تأمنن فزاريا خلوت به ... على قلوصك واكتبها بأسيار «2» # قال جرير للأخطل: أرقت نومك، واستهضمت قومك؛ قال الأخطل: # قد أرقت نومي، ولو نمت كان خيرا لك. # أراد معاوية أن يخطب بصفين فقال له عمرو بن العاص: دعني أتكلم فإن أتيت ~~على ما تريد وإلا كنت من وراء ذلك، فأذن له؛ فتكلم بكلمات، قال: قدموا ~~المستلئمة «3» وأخروا الحسر، كونوا مقص الشارب، أعيرونا أيديكم ساعة، قد ~~بلغ الحق مفصله، إنما هو ظالم أو مظلوم. # حدثني «4» ابن أبي سعد عن محمد بن الحسن التميمي عن عبد الله بن أحمد بن ~~الوضاح، قال: دخل أعرابي على عبد الملك بن مروان؛ فقال له: # يا أعرابي، صف الخمر فقال: [طويل] # PageV02P234 # شمول إذا شجت وفي الكأس مزة ... لها في عظام الشاربين دبيب «1» # تريك القذى من دونها وهي دونه ... لوجه أخيها في الإناء قطوب # فقال: ويحك يا أعرابي! لقد اتهمك عندي حسن صفتك لها: قال: يا أمير ~~المؤمنين، واتهمك عندي معرفتك بحسن صفتي لها. ### | مقطعات ألفاظ تقع في الكتاب والكلام # لو أخطأت سبيل إرشادك، لما أخطأت سبيل حسن النية فيما بيني وبينك. # لو خطر ذلك ببالي من فعلك، ما عرضت ستر الإخاء للهتك بيني وبينك. # قد أحسنت في كذا قديما. وفعلك كذا إحدى الحسنيين بل ألطفهما موقعا. # أنت رجل لسانك فوق عقلك وذكاؤك فوق حزمك. فقدم على نفسك من قدمك على ~~نفسه. الله يعلم أنك ما خطرت ببالي في وقت من الأوقات إلا مثل الذكر منك لي ~~محاسن تزيدني صبابة إليك وضنا بك واغتباطا بإخائك. # لعل الأيام أن تسهل لأخيك السبيل إلى ما تقتضيه نفسك من برك ومعاوضتك ~~ببعض ما سلف لك. # ما هذا الغبا العجيب الذي إلى جانبه فطنة لطيفة. حكم الفلتات خلاف حكم ~~الإصرار. # من أخطأ في ظاهر دنياه وفيما يؤخذ بالعين، كان حريا أن يخطىء في # PageV02P235 # باطن دينه وفيما يؤخذ بالعقل. # ومن أول ما أحب أن أوثرك به وأقضي فيه واجب حقك، تنبيهك على عظيم ما لله ~~عندك، وحثك على الإزدياد مما يزيدك. # من كان بمثل موضعك فجمع له حمد إخوانه ورضا معامليه والإستقصاء مع ذلك ~~لمن استكفاه، فقد عظمت النعمة عليه، ولا أعلم بما أسمع فيك إلا أنك كذلك ~~والحمد لله. # ما أغنى الفقير عن الحمد، وأحوجه إلى ما يجد به طعم الحمد!. # قد حسدك من لا ينام دون الشفاء، وطلبك من لا يقصر دون الظفر، فاشدد ~~حيازيمك «1» وكن على حذر. # أنت تتجنى على مالك لتتلفه بأسباب العلل، كما يدفع عن ماله البخيل بوجوه ~~الاعتلال. أنت طالب مغنم، وأنا دافع مغرم، فإن كنت شاكرا لما مضى، فاعذر ~~فيما بقي. مكرك حاضر، ووفاؤك متأخر. أنا راض بعفوك، باذل لمجهودي. # نوائب الأيام رمت به ناحيتك، وإذا رأيته أنبأك ظاهره عن باطنه ودعاك إلى ~~محبته قبوله، وهو في الأدب بحيث المستغني عن النسب. # قد آن أن تدع ما تسمع لما تعلم وإلا يكون غيرك فيما يبلغك أوثق من نفسك ~~فيما تعرفه. # هذا فلان قد أتاك على رقة من حاله وبعد من شقته، فنشدتك الله أن # PageV02P236 # تقدم شيئا على تصديق ظنه وسد خلته وبل ما يبست هذه النكبة من أديمه، فإنه ~~غذي نعمة وخدين «1» مروءة. # أنا أسأل الله أن ينجز لي ما لم تزل الفراسة تعدنيه فيك. الحرية نسب. # فهمت ما اعتذرت به في تأخرك، وغضضت به مني طرفا طامحا إليك ونفسا تواقة ~~إلى قربك. # وصل كتابك فكان موقعه موقع الروح من البدن. فإن أمير المؤمنين يحب ألا ~~يدع سبيلا من سبل البر وإن عفا ودثر إلا أناره وأوضح محجته، ولا خلة من ~~خلال الخير لا أول لها إلا اهتبل «2» الفرصة في إنشائها، واختيار مكرمة ~~ابتدائها، لتجب له مساهمة الفارط «3» في أجره، ويكون أسوة الغابر في ثوابه. # لولا وجوب تقديم العذر لصاحب السلطان، في الذهول عن مواصلة من يجب عليه ~~مواصلته، بما يستولي عليه من الشغل بعمله، إذا لكثر العتب. # إنك لكل حسن أبليته، ومعروف أسديته، وجميل أتيته، وبلاء كان لك ربيته، ~~أهل في الدين والحسب القديم. # لك- أعزك الله- عندي أياد تشفع لي إلى محبتك، ومعروف يوجب عليك الرب «4» ~~والإتمام. # PageV02P237 # أفعال الأمير مختارة كالأماني، متصلة عندنا كالأيام؛ ونحن نختار الشكر ~~لكريم فعله، ونواصل الدعاء والذكر مواصلة بره. # أبدأ بذكر يدك التي أجارتني على صرف الزمان، ووقتني نوائب الأيام، وثمرت ~~لي بقية النعمة، وصانت وجهي عن استعباد منن الرجال، وبسطت لي الأمل في بلوغ ~~ما ناله بك محن رفعت خسيسته ونوهت بذكره، وأعانتني على اتباع مذهب الماضين ~~من سلفي في الوفاء لكم، وحماية النعمة عليهم بكم عن أيدي غيركم، حتى خلصت ~~لهم منكم فعزوا، ولم يشغلوا شكرهم بغيركم حين شكروا، ولم يحتملوا صنيعة ~~لسواكم لما اعتدوا، ولم تتشعبهم الدنيا عنكم إذا اضطروا. # إن الله أحلك منا أهل البيت محلا نراك به عوضا من الغائب، وخلفا من ~~الهالك، ونجدك مخصوصا بضرائنا إذ كنت ولي سرائنا، وكنا لك كالجوارح نألم ~~لكل ما ألم منها. # نحن نعوذ بالله من سخطك، ونستجير به من غضبك، ونسألك النظر فيما كتبنا به ~~صادقين، كما سمعت قصص الكاذبين، فإنا على سلامة مما رقوه «1» . # كتبي- أعزك الله- تأتيك، في الوقت بعد الوقت، على حسب الدواعي، وإن كان ~~حقك يلزمني ألا تغبك، لولا ما أتذكر من زيادتها في شغلك. # أنت الحامل لكل إخوانه، الناهض بأعباء أهل مودته، الصابر على ما ناب من ~~حقوقهم. # PageV02P238 # كنت أمس- أكرمك الله- عليلا، وركبت اليوم على ظلع «1» ظاهر ورقة شديدة، ~~فلما انصرفت أمرت بإغلاق الباب للمتودع، ووافق ذلك من سوء نيتك وإرصادك ~~صديقك بما يستدعي عتبك عليه وعتبه عليك ما وافق. # لا أزال- أبقاك الله- أسأل الكتاب إليك في الحاجة، فأتوقف أحيانا توقف ~~المبقي عليك من المؤونة، وأكتب أحيانا كتاب الراجع منك إلى الثقة والمعتمد ~~منك على المقة؛ لا أعدمنا الله دوام عزك، ولا سلب الدنيا بهجتها بك، ولا ~~أخلانا من الصنع لله على يدك وفي كنفك، فإنا لا نعرف إلا نعمتك، ولا نجد ~~للحياة طعما وندى إلا في ظلك. # إن كان هذا مما ترضاه لي، فلست ألتمس أكثر منه، وقوفا بنفسي عند الحظ ~~الذي رضيته لي. # أنا، والله، أراك في رتبة المنعم إجلالا، وبمحل الشقيق من القلب محبة ~~وإخلاصا. # أما شكري فمقصور على سالف أياديك، وبه قصور عنه فكيف يتسع لما جددته!. # لله عندك نعم جسام تتقاضاك الشكر. وقاك الله شر نفسك، فإنها أقرب أعدائك ~~إليك. # ولم أزل وجلا من حادثة كذا عليك، إذ كان ما ينالك- لا أنالك الله سوءا- ~~متصلا بي ومدخلا الضرر علي في ركن منك أعتمد عليه، وكنف لك أستذري به. # PageV02P239 # وصل إلي كتاب منك، فما رأيت كتابا أسهل فنونا، ولا أملس متونا، ولا أكثر ~~عيونا، ولا أحسن مقاطع ومطالع، ولا أشد على كل مفصل حزا منه؛ أنجزت فيه عدة ~~الرأي وبشرى الفراسة، وعاد الظن بك يقينا، والأمل فيك مبلوغا. # لا غيبك الله عن مواطن العز والصنع، وأشهدك إياها بعلو يدك، وهبوب ريحك، ~~واستقادة جميع أهلها بزمام طاعتك. # قد رميت غرض الباطل بسهم الحق وحللت عقال الشر بيد الخير. كنت سالما إن ~~سلمت من عتبك. # أنا أتوسل إليك بحسن ظني بك، وأسألك بحق صبري على ظلمك لما سعفت بما ~~سألتك. # ليس ينبغي لك أن تستبطىء فهمي وقد أسأت إفهامي. # من أبعد من البرء من مريض لا يؤتى من دائه إلا من جهة دوائه، ولا في علته ~~إلا من قبل حميته!. # لست في حال يقيم عليها حر أو يرضى بها كريم، وليس يرضى بهذا الأمر إلا من ~~لا ينبغي لك أن ترضى به. # قد شخت في ذراك وهرمت في ظلك، فإما رددت علي شبابي وأعدت إلي قوتي، وإما ~~دفعت إلي ما ينوب عن الشباب ويجبر الضعف، ولا بد من أحدهما، فاختر لنفسك ~~واخرج إلينا من هذا الدين؛ فقد أمسكنا عن التقاضي ما أمكن، وصبرنا على ~~المواعيد ما صلح؛ ودعنا من الحوالة فإن الصنيعة لا تتم بالحوالة؛ وإن جاز ~~أن تقيم لنا زعيما بالنعمة، جاز أن نقيم لك زعيما بالشكر؛ وإن جاز أن نؤملك ~~ويحقق آمالنا غيرك، جاز أن نشكر غير المنعم ونأمل غير المصطنع. # PageV02P240 # ما أستعظم أن تسبق إلى حسن بل أستعظم أن تسبق إليه وتغلب عليه. # لئن كنت جاوزت بي قدري عندك لما بلغت بك أملي فيك. # لا يقبضك عن الأنس بي تقصيرك في البر. # بلغتني علتك فنالني من ألمها، وغالني مما مسك فيها حسب حقك وما يخصني من ~~كل حال تصرفت بك. # أعتذر إليك من تأخر كتبي عنك بترامي النقلة وتقاذف الغربة وعدم ~~الطمأنينة، فإني منذ فارقتك كما قال القائل: [طويل] # وكنت قذاة الأرض والأرض عينها ... تلجلج شخصي جانبا بعد جانب «1» # إني- أعزك الله- على تشوقك متزيد، فما أحاشي بك أحدا، ولا أقف لك على ~~حسنة يوما إلا أنستنيها لك فضلة غده. # الحمد لله الذي جعل الأمير معقود النية بطاعته، مطوي القلب على مناصحته، ~~مشحوذ السيف على عدوه؛ ثم وهب له الظفر، ودوخ له البلاد، وشرد به العدو، ~~وخصه بشرف الفتوح العظام شرقا وغربا، وبرا وبحرا. # إلى الله أشكو شدة الوحشة لغيبتك، وفرط الجزع من فراقك، وظلمة الأيام ~~بعدك؛ وأقول كما قال حبيب بن أوس «2» : [خفيف] # بين البين فقدها، قلما تع ... رف فقدا للشمس حتى تغيبا # ورد كتابك، فيا له واردا بالري على ذي ظمأ! ما أنقعه للغليل، وأعدل # PageV02P241 # شهادته لك بكرم العقد، وصدق الود، وحسن المغيب، ورعاية حق التحرم، وبعد ~~الشيمة من شيم أهل الزمان إلا من عصم الله، وقليل ما هم، ولله أبواك لقد ~~أوجداك. # قد أجل الله خطرك عن الاعتذار، وأغناك في القول عن الاعتلال، وأوجب علينا ~~أن نقنع بما فعلت، ونرضى بما أتيت وصلت أو قطعت، إذ وثقنا بحسن نيتك ونقاء ~~طويتك، وألزمنا أن نأخذ أنفسنا لك بما لا نحملك مثله، ولا نلتمس منك مقابلة ~~به. # ما أخر كتبي عنك إلا ما أنا عليه من إيثار التخفيف بقطع الكتب، إلا عند ~~حق يقع فأقضيه، أو نعمة تحدث فأهنىء بها، والقصد للزيادة في البر بالزيارة ~~في الغب، واستدعاء دوام الوداد بانتهاز فرص الوصل. # وكتبت إلى محمد بن عبد الله بن طاهر: # أما شكري للأمير على سالف معروفه فقد غار وأنجد. وأما ابتهالي إلى الله ~~في جزائه عني بالحسنى فإخلاص النية عند مظان القبول. وأما أملي فأحياه على ~~بعد العهد بلاؤه عندي، إذ كان ما تقدم منه شافعا في المزيد، وفسحة وعده ~~إياي عند مفارقتي له، إذ كان مؤذنا بالإنجاز. وأما زللي في التأخر عما أوجب ~~الله علي له، فمقرون بالعقوبة فيما حرمته من عز رياسته، ونباهة صحبته، وعلو ~~الدرجة به، وإن كنت سائر أيام انقطاعي عنه معتلقا بسبب لا خيار معه. ~~مكاتبتك- أعزك الله- وأنا مجاورك ببلد دون السعي إليك مجلا لقدرك مما أكبر. ~~لاقيك بكتابي هذا فلان، وله علي حقان؛ حق عم المسلمين فلزمني بلزومه لهم، ~~وحق خصني بالحرمة والعشرة. فرأيك في كذا إن سهل السبيل إلى ذلك ورحب، وإن ~~يعق عائق فلست على جميل رأي عندي بمتهم. # PageV02P242 # للمتفضل أن يخص بفضله من يشاء؛ ولله الحمد ثم له فيما أعطي، ولا حجة عليه ~~فيما منع. # مستعفى السلطان أحد ثلاثة: رجل آثر الله وما عنده، وأسأل الله توفيقه؛ ~~ورجل عجز عن عمله فخاف بعجزه عواقب تقصيره، وأستعين الله؛ ورجل سمت به نفسه ~~عن قليل هو فيه إلى كثير أمله. وأعوذ بالله من أن أدنس نعمة الله بك علي ~~وعلى سلفي قبلي بالتصدي لمن لا يشبه دهره يومك، ولا أكثر جهده في المعروف ~~أقل عفوك. # كن كيف شئت، فإني واحد أمري خالصة سريرتي، أرى ببقائل بقاء سروري، وبتمام ~~النعمة عليك تمامها عندي، فإنه ليس من نعمة يجددها الله لأمير المؤمنين في ~~نفسه خاصة إلا اتصلت برعيته عامة، وشملت المسلمين كافة، وعظم بلاء الله ~~عندهم فيها، ووجب عليهم شكره عليها؛ لأن الله جعل بنعمته تمام نعمتهم، ~~وبسلامته هدوءهم واستقامتهم، وبتدبيره صلاح أمورهم وأمنهم، وبذبه عن دينهم ~~حفظ حريمهم، وبحياطته حقن دمائهم وأمن سبلهم، وبرعيته اتساقهم وانتظامهم؛ ~~فأطال الله بقاء أمير المؤمنين مؤيدا بالنصر، معزا بالتمكين، موصول الطلب ~~بالظفر، ومدة البقاء بالنعيم المقيم. # فهمت كتابك ولم تعد في وعدك ووعيدك سبيل الراغب في رب عارفته، المحامي ~~على سالف بلائه، المؤثر لاستتمام صنيعته، وإني لأرجو أن أكون على غاية ما ~~عليه ذو نية حسنة في شكر مصطنعه، وعناية بأداء ما يلزمه لولي نعمته، ~~ومراقبة لرئيسه في سر أمره وعلانيته، وإيثار للقليل من جميل رأيه على كثير ~~المنافع مع سخطه. وليس مذهبي فيما أشرحه من العذر وأطيل بذكره الكتب، مذهب ~~من يموه بالاحتجاج ويحتال في الاعتذار، ومن تطمعه نفسه في سلامة النعمة مع ~~فساد النية، وفي محمود العاقبة مع شره النفس، # PageV02P243 # وفي زيادة الحال مع التفريط في العمل. ولو كنت ممن سولت له نفسه ذلك سائر ~~دهره، لقد وجب إلى أن يضطرني إلى النزوع عنه تأديبك وتقويمك. # وإني لمجتهد أن يكون أثر فعلي هو المخبر عني دون قولي، وأن يكون ما أمت ~~به إليك ظاهر كفايتي دون ذمامي. # لولا ما أنا بسبيله من العمل، وما في الإخلال به من تعريضه للانتشار ~~ودخول الخلل، وعلمي بأن طاعة السلطان مقرونة بطاعة الأمير، وأنه لا فرق ~~عنده بين الجاني على السلطان وعليه، لكنت الجواب راجلا معظما لأمره، مكبرا ~~لسخطه؛ وإن كان الله قد جعل عند الأمير من إيثار الحق والعمل به، وتقديم ~~الروية قبل الإيقاع، والاستثناء «1» بمن وضح ذنبه وظهر جرمه دون من وقعت ~~الشبهة في أمره، ما أمنني بادرة غضبه ونازل سطوته. # لم أكن أحسبني أحل عندك محل من جهل حظه، وعدم تمييزه، وغبي عما عليه وعما ~~له؛ إذ توهمت علي أني أبيع خطيرا من رضاك، ونفيسا من رأيك، وشرفا باقيا على ~~الأيام بطاعتك، وعدة للنوائب أستظهر بها من نصرتك، بالثمن البخس الحقير من ~~كذا، أو أن أستبدل بما أنا ذو فاقة إليه من عز كنفك ومنيع ذراك، ما قد وهب ~~الله الغنى عنه بحمده. # كان ورودك وشخوصك في وقتين انظويا عني، وكان مقامك في حال شغل منك ومني، ~~ولذلك فقدتني في القاضين لحقك والمثابرين على لقائك. # ورد كتابك مضمنا من برك وتطولك ما حسن شكري، وأثقل ظهري، وأرتج عن ~~مضاهاتك بمثله قولي؛ فذكرت به- إذ تحيرت دون تأمله، وضعفت # PageV02P244 # عن تحمله، وعجزت عن الشكر عليه عند تمحله- قول القائل: [كامل] # أنت آمرؤ أوليتني نعما ... أوهت قوى شكري، فقد ضعفا # لا تحدثن إلي عارفة ... حتى أقوم بشكر ما سلفا «1» ### | ألفاظ تقع في كتب الأمان # هذا كتاب من فلان لفلان: إن أمنتك على دمك ومالك ومواليك وأتباعك، لك ~~ولهم ذمة الله الموفى بها، وعهده المسكون إليه، ثم ذمة الأنبياء الذين ~~أرسلهم برسالته وأكرمهم بوحيه، ثم ذمم النجباء من خلائفه: بحقن دمك ومن دخل ~~اسمه معك في هذا الكتاب، وسلامة مالك وأموالهم وكذا وكذا؛ فاقبلوا معروضه، ~~واسكنوا إلى أمانه، وتعلقوا بحبل ذمته، فإنه ليس بعدما وكد من ذلك متوثق ~~لداخل في أمان إلا وقد اعتلقتم بأوثق عراه، ولجأتم إلى أحرز كهوفه، ~~والسلام. ### | وفي كتاب آخر # هذا كتاب من فلان: إن أمير المؤمنين، لما جعل الله عليه نيته في إقالة ~~العاثر واستصلاح الفاسد، رأى أن يتلافاك بعفوه، ويتغمد زلاتك برحمه، ويبسط ~~لك الأمان على ما خرجت إليه من الخلاف والمعصية: على دمك وشعرك وبشرك وأهلك ~~وولدك ومالك وعقارك؛ فإن أنت أتيت وسمعت وأطعت، فأنت آمن بأمان الله على ما ~~أمنك عليه أمير المؤمنين، ولك بذلك # PageV02P245 # ذمة الله وذمة رسوله، إلا ما كان من حق قائم بعينه لمسلم أو معاهد، والله ~~بذلك راع وكفيل، وكفى بالله وكيلا. ### | وفي كتاب آخر # : إن فلانا استوهب أمير المؤمنين ذنبك، وسأله أن يقبل توبتك وإنابتك، ~~ويؤمنك على دمك وشعرك وبشرك وأهلك وولدك ومالك وعقاراتك، على أن تسمع وتطيع ~~وتشايع، وتوالي أولياءه، وتعادي أعداءه؛ فأجابه أمير المؤمنين إلى ذلك، ~~لرأيه في العفو والصفح وما يحتسب في ذلك من الثواب والأجر، فأنت آمن بأمان ~~الله على كذا لا تؤخذ بشيء مما سلف من أحداثك، ولا تتبع فيه بمكروه ما أقمت ~~على الوفاء ولم تحدث حدثا تفسخ به أمانك وتجعل به سبيلا على نفسك، والله لك ~~بذلك راع كفيل؛ وكفى به شهيدا. ### | ألفاظ تقع في كتب العهود # أمره بتقوى الله فيما أسند إليه وجعله بسبيله، وأن يؤثر الله وطاعته آخذا ~~ومعطيا، وأعلمه أن الله سائله عما عمل به وجاز عليه، وأنه خارج من دنياه ~~خروجه من بطن أمه إما مغبوطا محمودا، وإما مذموما مسلوبا، فليعتبر بمن كان ~~قبله من الولاة الذين ولوا مثل ما ولي، أين صار بهم مر الليل والنهار، وما ~~انقلبوا به من أعمالهم إلى قبورهم! ويتزود لنفسه الزاد النافع الباقي: يوم ~~تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه ~~أمدا بعيدا # «1» . # PageV02P246 ### | وفي فصل آخر # : وقد ولاك أمير المؤمنين ما ولاك من أمور رعيته، وأشركك فيما أشركك فيه ~~من أمانته، ثقة بك، ورجاء لمتابعتك وإيثارك الحق وأهله، ورفضك الباطل ~~وأهله؛ وعهد إليك في ذلك بما إن أخذت به أعانك الله وسددك، وإن خالفته خذلك ~~وعاقبك. ### | وفي الحج # : فإن أمير المؤمنين قد اختارك من إقامة الحج لوفد الله وزور بيته، للأمر ~~العظيم قدره، الشريف منزلته؛ فعليك بتقوى الله؛ وإيثار مراقبته، ولزوم ~~الهدى المحمود والطريقة المثلى والسيرة الجميلة التي تشبه حالك. # فصل- فإن الله نزه الإسلام عن كل قبيحة، وأكرمه عن كل رذيلة، ورفعه عن كل ~~دنية، وشرفه بكل فضيلة، وجعل سيماء أهله الوقار والسكينة. # فصل- وإن أحق الناس بالازدياد في طاعته ومناصحته وأداء الأمانة في عمله ~~من عظم حق الأمير عليه في الخاصة بفضل الصنيعة من الأمير عنده، مع حق الله ~~عليه في العامة بحق الولاية. # فصل- وكنت سيفا من سيوف الله، ونكلا «1» من أنكاله لأهل الشقاق، وشجى لمن ~~ابتغى غير سبيل المؤمنين، قد أحكمتك التجارب وضرستك الأمور، وفررت عن ~~الذكاء وحلبت «2» الدهر أشطره. # فصل- أنت ابن الحرية والمروة، ومن لا يلحقه عار أبوة ولا بنوة. # PageV02P247 # فصل- قد التمست مواجهتك بشكرك ووصف ما أجن «1» لك وأخلص من ودك وأجل من ~~قدرك وأعتد من إحسانك، فلفتني عن ذلك تعذر الخلوة مع انقباض وحشمة. # فصل- قد أغنى الله بكرمك عن ذريعة إليك؛ وما تنازعني نفسي إلى استعانة ~~عليك إلا أبى ذلك حسن الظن بالله فيك، وتأميل نجح الرغبة إليك دون الشفعاء ~~عندك. # فصل- مثلك تقرب إلى الله بالتواضع لنعمته، والإغاثة لمستغيثه، والعائدة ~~«2» على راجيه بفضله. # فصل- تبا لمن يأتي رأيك! وقبحا لعزوب «3» عقلك، وأفن «4» تدبيرك! ما أبعد ~~مذهبك في الخطأ، وأسوأ أثرك على السلطاه، وأقصر باعك عن النهوض! جزالة ~~تعقدك، ومهانة تضرعك، وزهو يعلوك، ونخوة يشمخ لها عرنينك. لقد انصرف رأي ~~أمير المؤمنين عنك، ودعوت له عتبك، وكشفت له عن قناع سترك، واجتررت إليك ~~سخطته وعطفت نحوك موجدته، وكنت على نصيبك منه والضن بمنزلتك عنده أولى ~~تقدما وأقرب رشدا. والله الغني الحميد. # أصحاب السلطان ثلاثة: رجل يجعل الدنيا نصب عينه، ينصب فيها للخاصة ~~مكايده، ويرفع عن مصلحة العامة همته، يذهله عن التقوى الهوى، وتنسيه أيام ~~القدرة العثرة، حتى تنصرم مدته وتنقضي دولته، لم يرتهن بدنياه # PageV02P248 # شكرا ولا قدم بها إلى معاده ذخرا. ورجل لا يحفل «1» مع صلاح الخاصة ما ~~دخل من الخلل في أمور العامة، ولا مع وفور حظه ما أدخل النقص في حظ رعيته. # ورجل حاول في ولايته إرضاء من ولي له وعليه، وأعانته النية وخذلته ~~الكفاية. # وقد جمع الله لك الثقة والرضا ممن فوقك، والانقياد والمحبة ممن دونك، ~~وأعاد إلى الناس بك عهد السلف الماضي وعمر بك آثارهم، حتى كأنهم بك أحياء ~~لم تخترمهم منية، وجميع لم تنصدع بينهم فرقة، فليهنئك أن من تقدمك من أهل ~~الفضل في السيرة غير متقدم لك، ومن معك مقصر عنك، ومن دونك مقتف لأثرك. فلا ~~زالت الأيام لك، ولا زالت النعم عنك، ولا انتقلت عرى الأمور وأزمتها عن ~~يدك. # فصل- أبى طبع الزمان أن يسمح لنا بك، كما أبى ذلك في مثلك، فلم يزل حتى ~~اعترض بمكروهه دونك، وكم من نعمة ذهلت عنها النفس حين أدبرت بخيرك، فإن ~~تعلق القلب بك على قدرك في مواهب الله وقدرها عندك. # فصل- ولم تأت في جميع ما عددت من أياديك شيئا، وإن كان متناهيا إلى ~~الغاية، مختارا كالأمنية، متجاوزا للاستحقاق، إلا وأنت فوقه والمأمول ~~للزيادة فيه. ### | وفي كتاب # - إن كان ما خبرني به فلان عن هزل فقد أحوجنا هزلك إلى الجد، ووقفنا موقف ~~المعتذرين من غير ذنب، وإن كان عن حقيقة فقد ظهر لنا من ظلمك وتحريفك ما دل ~~على زهدك منا في مثل الذي رغبنا منك فيه. ### | فصل في كتاب العيد # - كتابي إلى الأمير يوم كذا بعد خروجي فيه ومن قبلي من المسلمين إلى ~~المصلى وقضائنا ما أوجب الله علينا من صلاة العيد، # PageV02P249 # ونحن بخير حال اجتمع عليها فريق من المسلمين في عيد من أعيادهم ومجمع من ~~مجامعهم؛ وكان مخرجنا إلى المصلى أفضل مخرج، ومنصرفنا عنه أفضل منصرف، بما ~~وهب الله من سكون العامة وهدوئها وألفتها، واحتشاد الجند والشاكرية «1» ~~بأحسن الزي والهيئة، وأظهر السلاح والعدة. فالحمد لله على كذا، وهنأ الله ~~الأمير كذا. # فصل- القلب قرين وله حليف حيرة، أنظر بعين كليلة وأحضر بقلب غائب: إلى ~~ورود كتابك بما تعتزمه. فأما النوم فلو مثل لعيني لنفرت إلفا للسهاد. ### | فصل في كتاب بيعة # - فبايعوا لأمير المؤمنين ولفلان بعده على اسم الله وبركته وصنع الله ~~وحسن قضائه لدينه وعباده، بيعة منبسطة لها أكفكم، منشرحة بها صدوركم، سليمة ~~فيها أهواؤكم، شاكرين لله على ما وفق له أمير المؤمنين. # عدد معاوية على الأحنف ذنوبا؛ فقال الأحنف: يا أمير المؤمنين، لم ترد ~~الأمور على أعقابها؟ أما والله إن القلوب التي أبغضناك بها لبين جوانحنا، ~~وإن السيوف التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا؛ ولئن مددت لنا بشبر من غدر، ~~لنمدن إليك باعا من ختر «2» ، ولئن شئت لتستصفين كدر قلوبنا بصفو حلمك؛ قال ~~معاوية: إني أفعل. # تقدم رجل إلى سوار، وكان سوار له مبغضا، فقال سوار في بعض ما يكلمه به: ~~يا ابن اللخناء «3» ! فقال: ذاك خصمي؛ فقال له الخصم: أعدني # PageV02P250 # عليه «1» ، فقال له الرجل: خذ له بحقه وخذ لي بحقي؛ ففهم، وسأله أن يغفر ~~له ما فرط منه إليه، ففعل. # الأوزاعي قال: دخل خريم بن فاتك على معاوية، فنظر إلى ساقيه فقال: # أي ساقين، لو كانتا على جارية عاتق «2» ! فقال له خريم: في مثل عجيزتك يا ~~أمير المؤمنين. ### | الخطب # تتبعت خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدت أوائل أكثرها: «الحمد لله ~~نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من ~~شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي ~~له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له» . ووجدت في بعضها: «أوصيكم، ~~عباد الله، بتقوى الله وأحثكم على طاعته» . ووجدت في خطبة له بعد حمد الله ~~والثناء عليه: أيها الناس، إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم ~~نهاية فانتهوا إلى نهايتكم؛ إن المؤمن بين مخافتين: بين أجل قد مضى لا يدري ~~ما الله صانع به، وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه؛ فليأخذ العبد ~~لنفسه من نفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الكبر، ومن الحياة قبل ~~الموت؛ والذي نفس محمد بيده ما بعد الموت مستعتب ولا بعد الدنيا دار إلا ~~الجنة أو النار، ووجدت كل خطبة مفتاحها الحمد إلا خطبة العيد فإن مفتاحها ~~التكبير. # وتكبير الإمام قبل أن ينزل عن المنبر أربع عشرة تكبيرة. # PageV02P251 ### | خطبة «1» لأبي بكر الصديق رضي الله عنه # حدثني أبو سهل قال: حدثني الطنافسي عن محمد بن فضيل قال: حدثنا عبد ~~الرحمن ابن إسحاق عن عبد الله القرشي عن عبد الله بن عكيم قال: خطبنا أبو ~~بكر رضي الله عنه فقال: # أما بعد، فإني أوصيكم بتقوى الله وحده وأن تثنوا عليه بما هو أهله، ~~وتخلطوا الرغبة بالرهبة، والإلحاف بالمسألة؛ فإن الله أثنى على زكريا وأهل ~~بيته فقال: إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا # «2» . ثم اعلموا أن الله قد ارتهن بحقه أنفسكم، وأخذ على ذلك مواثيقكم، ~~واشترى منكم القليل الفاني بالكثير الباقي. هذا كتاب الله فيكم لا تفنى ~~عجائبه ولا يطفأ نوره، فصدقوه وانتصحوه واستضيئوا منه ليوم الظلمة. ثم ~~اعلموا أنكم تغدون وتروحون في أجل قد غيب علمه عنكم، فإن استطعتم ألا ينقضي ~~إلا وأنتم في عمل لله فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله. فسابقوا في ~~مهل؛ فإن قوما جعلوا آجالهم لغيرهم ونسوا أنفسهم، فأنهاكم أن تكونوا ~~أمثالهم، والوحى الوحى «3» والنجاء النجاء! فإن من ورائكم طالبا حثيثا مره، ~~سريعا سيره. # وفي غير هذه الرواية: أين من تعرفون من أبنائكم وإخوانكم! قد انتهت بهم ~~آجالهم فوردوا على ما قدموا فحلوا عليه وأقاموا للشقوة والسعادة فيما بعد ~~الموت. أين الجبارون الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحوائط! قد صاروا تحت # PageV02P252 # الصخر والآكام. ### | خطبة «1» لأبي بكر أيضا رضي الله عنه # رواها إبراهيم بن محمد من ولد أبي زيد القارىء. # حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: # إن أشقى الناس في الدنيا والآخرة الملوك. فرفع الناس رؤوسهم؛ فقال: ما ~~لكم يا معشر الناس! إنكم لطعانون عجلون، إن الملك إذا ملك زهده الله فيما ~~في يده، ورغبه فيما في يدي غيره، وانتقصه شطر أجله، وأشرب قلبه الإشفاق، ~~فهو يحسد على القليل، ويتسخط الكثير، ويسأم الرخاء، وتنقطع عنه لذة البهاء ~~«2» ، لا يستعمل العبرة ولا يسكن إلى الثقة، فهو كالدرهم القسي «3» والسراب ~~الخادع، جذل الظاهر، حزين الباطن، فإذا وجبت نفسه ونضب عمره وضحا ظله «4» ، ~~حاسبه الله فأشد حسابه وأقل عفوه. ألا إن الفقراء هم المرحومون، وخير ~~الملوك من آمن بالله، وحكم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. # وإنكم اليوم على خلافة نبوة، ومفرق محجة، وسترون بعدي ملكا عضوضا، وأمة ~~شعاعا، ودما مفاحا «5» . فإن كانت للباطل نزوة، ولأهل الحق جولة؛ يعفو لها ~~الأثر، وتموت السنن، فالزموا المساجد، واستشيروا القرآن، والزموا الجماعة. # وليكن الإبرام بعد التشاور، والصفقة بعد طول التناظر، أي بلادكم «6» خرسة ~~فإن # PageV02P253 # الله سيفتح عليكم أقصاها كما فتح أدناها. ### | خطبة «1» أبي بكر رضي الله عنه يوم سقيفة بني ساعدة # أراد عمر الكلام، فقال له أبو بكر: على رسلك. نحن المهاجرون أول الناس ~~إسلاما، وأوسطهم دارا، وأكرمهم أحسابا، وأحسنهم وجوها، وأكثر الناس ولادة ~~في العرب، وأمسهم رحما برسول الله صلى الله عليه وسلم، أسلمنا قبلكم، ~~وقدمنا في القرآن عليكم «2» ، فأنتم إخواننا في الدين، وشر كاؤنا في الفيء، ~~وأنصارنا على العدو؛ آويتم وواسيتم، فجزاكم الله خيرا؛ نحن الأمراء، وأنتم ~~الوزراء؛ لا تدين العرب إلا لهذا الحي من قريش، وأنتم محقوقون ألا تنفسوا ~~على إخوانكم من المهاجرين ما ساق الله إليهم. ### | خطبة «3» لأبي بكر رضي الله عنه # الهيثم عن مجالد عن الشعبي قال: لما بويع أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ~~صعد المنبر فنزل مرقاة «4» من مقعد النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله ~~وأثنى عليه، ثم قال: # إني وليت أمركم ولست بخيركم، ولكنه نزل القرآن وسن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم. # اعلموا أيها الناس أن أكيس الكيس التقى، وأن أحمق الحمق الفجور، وأن ~~أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وأضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق، ~~إنما أنا متبع ولست بمبتدع، فإن أحسنت فأعينوني، وإن زغت # PageV02P254 # فقوموني. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم. ### | خطبة «1» لعمر بن الخطاب رضي الله عنه # قال: ولما ولي عمر صعد المنبر وقال: # ما كان الله ليراني أرى نفسي أهلا لمجلس أبي بكر، ثم نزل عن مجلسه مرقاة، ~~فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إقرءوا القرآن تعرفوا به، واعملوا به تكونوا ~~من أهله. إنه لم يبلغ حق ذي حق أن يطاع في معصية الله. ألا وإني أنزلت نفسي ~~من مال الله بمنزلة والي اليتيم: إن استغنيت عففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف ~~تقرم البهمة الأعرابية. القضم لا الخصم «2» . ### | خطبة «3» لعثمان بن عفان رضي الله عنه # قال: ولما ولي عثمان صعد المنبر فقال: # رحمهما الله، لو جلسا هذا المجلس ما كان بذلك من بأس، فجلس على ذروة ~~المنبر فرماه الناس بأبصارهم، فقال: إن أول مركب صعب، وإن مع اليوم أياما، ~~وما كنا خطباء، وإن نعش لكم تأتكم الخطبة على وجهها إن شاء الله تعالى. # PageV02P255 ### | خطبة «1» لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه # خطب فقال: # أما بعد، فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت «2» بوداع، وإن الآخرة قد أقبلت ~~فأشرفت باطلاع، وإن المضمار «3» اليوم وغدا السباق. ألا وإنكم في أيام أمل ~~«4» من ورائه أجل، فمن قصر في أيام أمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله. ألا ~~فاعملوا لله في الرغبة كما تعملون له في الرهبة «5» . ألا وإني لم أر ~~كالجنة نام طالبها، ولا كالنار نام هاربها. ألا وإنه من لم ينفعه الحق ضره ~~الباطل «6» ، ومن لم يستقم به الهدى جار به الضلال، ألا وإنكم قد أمرتم ~~بالظعن «7» ، ودللتم على الزاد «8» ؛ وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى ~~وطول الأمل. ### | خطبة «9» علي عليه السلام بعد مقتل عثمان رضي الله عنه # أيها الناس، كتاب الله وسنة نبيكم. لا يدعي مدع إلا على نفسه. شغل # PageV02P256 # من الجنة والنار أمامه «1» ساع «2» نجا، وطالب يرجو، ومقصر في النار: ~~ثلاثة؛ واثنان: ملك طار بجناحيه، وبني أخذ الله بيديه، لا سادس. هلك من ~~اقتحم، وردي من هوى. اليمين والشمال مضلة، والوسطى الجادة «3» : منهج عليه ~~باقي الكتاب وآثار النبوة. إن الله أدب هذه الأمة بأدبين: السوط والسيف؛ ~~فلا هوادة فيهما عند الإمام. فاستتروا ببيوتكم، وأصلحوا ذات بينكم؛ والتوبة ~~من ورائكم. # من أبدى صفحته للحق هلك «4» . قد كانت أمور ملتم علي فيها ميلة لم تكونوا ~~عندي محمودين ولا مصيبين. والله أن لو أشاء أن أقول لقلت. عفا الله عما ~~سلف. أنظروا، فإن أنكرتم فأنكروا، وإن عرفتم فارووا. حق وباطل، ولكل أهل. ~~والله لئن أمر الباطل لقديما فعل؛ ولئن أمر «5» الحق لرب ولعل. ما أدبر شيء ~~فأقبل. ### | خطبة «6» أيضا لعلي رضي الله عنه # خطب علي حين قتل عامله بالأنبار فقال في خطبته: # PageV02P257 # يا عجبا من جد هؤلاء في باطلهم وفشلكم عن حقكم! فقبحا لكم وترحا «1» حين ~~صرتم غرضا يرمى، يغار عليكم ولا تغيرون، وتغزون ولا تغزون، ويعصى الله ~~وترضون. إن أمرتكم بالمسير إليهم في الحر قلتم: حمارة «2» القيظ، أمهلنا ~~حتى ينسلخ الحر، وإن أمرتكم بالمسير إليهم في الشتاء قلتم: # أمهلنا حتى ينسلخ الشتاء هذا أوان قر «3» ؛ كل هذا فرارا من الحر والقر، ~~فأنتم والله من السيف أفر، يا أشباه الرجال ولا رجال! أحلام الأطفال وعقول ~~ربات الحجال «4» ؛ أفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان، حتى قالت قريش: ابن ~~أبي طالب شجاع ولكن لا علم له بالحرب. لله أبوهم! هل منهم أحد أشد لها ~~مراسا «5» وأطول تجربة مني؟ لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين فهأنا الآن قد ~~نيفت على الستين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع. # PageV02P258 ### | خطبة «1» لمعاوية رحمه الله # بلغني عن شعيب بن صفوان قال: خطب معاوية فقال: # أيها الناس، إنا قد أصبحنا في دهر عنود، وزمن شديد، يعد فيه المحسن ~~مسيئا، ويزداد الظالم فيه عتوا، لا ننتفع بما علمنا، ولا نسأل عما جهلنا، ~~ولا نتخوف قارعة حتى تحل بنا. فالناس أربعة أصناف: منهم من لا يمنعه من ~~الفساد في الأرض إلا مهانة نفسه وكلال حده ونضيض وفره «2» ؛ ومنهم المصلت ~~لسيفه والمجلب بخيله ورجله والمعلن بشره، قد أشرط «3» نفسه وأوبق دينه ~~لحطام ينتهزه أو مقنب «4» يقوده أو منبر يفرعه «5» ، ولبئس المتجران تراهما ~~لنفسك ثمنا ومما عند الله عوضا. ومنهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة ولا يطلب ~~الآخرة بعمل الدنيا قد طامن «6» من شخصه وقارب من خطوه، وشمر من ثوبه، ~~وزخرف نفسه للأمانة، واتخذ ستر الله ذريعة إلى المعصية. ومنهم من أقعده عن ~~طلب الملك ضؤولة «7» في نفسه وانقطاع من سببه، فقصر به الحال عن أمله، ~~فتحلى باسم القناعة وتزين بلباس الزهاد، وليس من ذلك في مراح ولا مغدى. ~~وبقي رجال غض أبصارهم ذكر المرجع، وأراق دموعهم خوف المحشر فهم بين شريد # PageV02P259 # ناد «1» ، وخائف منقمع «2» ، وساكت مكعوم «3» ، وداع مخلص، وموجع ثكلان، ~~قد أخملتهم التقية، وشملتهم الذلة، فهم في بحر أجاج «4» ، أفواههم ضامرة، ~~وقلوبهم قرحة، قد وعظوا حتى ملوا، وقهروا حتى ذلوا، وقتلوا حتى قلوا. # فلتكن الدنيا في أعينكم أصغر من حثالة القرظ وقراضة «5» الجلم، واتعظوا ~~بمن كان قبلكم قبل أن يتعظ بكم من بعدكم، وارفضوها ذميمة، فإنها قد رفضت من ~~كان أشغف بها منكم. ### | خطبة «6» ليزيد بن معاوية بعد موت معاوية # خطب فقال: إن معاوية كان حبلا من حبال الله، مده ما شاء أن يمده، ثم قطعه ~~حين شاء أن يقطعه؛ وكان دون من قبله وهو خير ممن بعده، ولا أزكيه عند ربه، ~~وقد صار إليه فإن يعف عنه فبرحمته، وإن يعاقبه فبذنبه، وقد وليت الأمر ~~بعده، ولست أعتذر من جهل ولا أشتغل بطلب علم. وعلى رسلكم «7» ! إذا كره ~~الله أمرا غيره. # PageV02P260 ### | خطبة لعتبة بن أبي سفيان # أبو حاتم عن العتبي قال: إحتبست كتب معاوية حتى أرجف «1» أهل مصر بموته ~~ثم ورد كتابه بسلامته، فصعد عتبة المنبر والكتاب في يده فقال: # يا أهل مصر، قال طالت معاتبتنا إياكم بأطراف الرماح وظبات السيوف حتى ~~صرنا شجي في لهواتكم «2» ما تسيغنا حلوقكم، وأقذاء في أعينكم ما تطرف عليها ~~جفونكم. فحين اشتدت عرى الحق عليكم عقدا، واسترخت عقد الباطل منكم حلا، ~~أرجفتم بالخليفة وأردتم توهين السلطان، وخضتم الحق إلى الباطل، وأقدم عهدكم ~~به حديث! فاربحوا أنفسكم إذا خسرتم دينكم، فهذا كتاب أمير المؤمنين بالخبر ~~السار عنه والعهد القريب منه. واعلموا أن سلطاننا على أبدانكم دون قلوبكم؛ ~~فأصلحوا لنا ما ظهر، نكلكم إلى الله فيما بطن؛ وأظهروا خيرا وإن أسررتم ~~شرا؛ فإنكم حاصدون ما أنتم زارعون. وعلى الله نتوكل وبه نستعين. ### | خطبة «3» لعتبة أيضا # وبهذا الإسناد أن عتبة خطب أهل مصر حين هاجوا فقال. # يا أهل مصر، خف على ألسنتكم مدح الحق ولا تفعلونه، وذم الباطل وأنتم ~~تأتونه، كالحمار يحمل أسفارا أثقله حملها ولم ينفعه علمها. وإني والله لا # PageV02P261 # أداوي أدواءكم بالسيف ما اكتفيت بالسوط، ولا أبلغ السوط ما كفتني الدرة ~~«1» ، ولا أبطىء عن الأولى إن لم تصلحوا عن الأخرى، ناجزا يناجز، ومن حذر ~~كمن بشر فدعوا قال ويقول من قبل أن يقال فعل ويفعل؛ فإن هذا اليوم ليس فيه ~~عقاب، ولا بعده عتاب. ### | خطبة «2» لعبد الله بن الزبير # خطب عبد الله بن الزبير حين قتل أخوه مصعب «3» فقال: # الحمد لله الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء. إنه لن يذل من كان الحق معه ~~وإن كان فردا، ولن يعز من كان أولياء الشيطان حزبه وإن كان معه الأنام. # أتانا خبر من قبل العراق أجزعنا وأفرحنا: قتل مصعب رحمه الله. فأما الذي ~~أحزننا من ذلك فإن لفراق الحميم لذعة يجدها حميمه عند المصيبة به ثم يرعوي ~~بعدها ذوو الرأي إلى جميل الصبر وكريم العزاء. وأما الذي أفرحنا من ذلك ~~فعلمنا أن قتله شهادة، وأن ذلك لنا وله الخيرة. ألا إن أهل العراق أهل ~~الشقاق والنفاق باعوه بأقل ثمن كانوا يأخذونه به. إنا والله ما نموت حبجا ~~«4» ولا نموت إلا قتلا، قعصا «5» بالرماح تحت ظلال السيوف، ليس كما تموت ~~بنو مروان؛ # PageV02P262 # والله إن قتل رجل منهم في جاهلية ولا إسلام. ألا إنما الدنيا عارية من ~~الملك الأعلى الذي لا يبيد ذكره ولا يذل سلطانه فإن تقبل علي لا آخذها أخذ ~~البطر الأشر، وإن تدبر عني لا أبك عليها بكاء الخرف المهتر «1» . ثم نزل. ### | خطبة زياد البتراء # «2» # حدثني عبد الرحمن عن الأصمعي عن أبي بكر بن أبي عاصم ببعضها، وحدثني أبي ~~عن الهيثم بن عدي، قال: لما قدم زياد أميرا على البصرة فنظر إلى أبياتها، ~~قال: رب فرح بإمارتي لن تنفعه، وكاره لها لن تضره؛ فدخل وعليه قباء أبيض ~~ورداء صغير، فصعد المنبر، فخطب الناس خطبة بتراء: لم يصل فيها على النبي ~~صلى الله عليه وسلم، وكان أول من خطبها، ثم قال: # أما بعد، فقد قال معاوية ما قد علمتم، وشهدت الشهود بما قد سمعتم، وإنما ~~كنت امرأ حفظ الله منه ما ضيع الناس، ووصل ما قطعوا. ألا وإنا قد ولينا ~~وولينا الوالون، وسسنا وساسنا السائسون، وإنا وجدنا هذا الأمر لا يصلحه إلا ~~شدة في غير عنف، ولين في غير ضعف. وايم «3» الله ما من كذبة أكبر شاهدا من ~~كذبة إمام على منبر؛ فإذا سمعتموها مني فاغتمزوها في، واعلموا أن عندي ~~أمثالها، وإذا رأيتموني آمر فيكم بالأمر فأنفذوه على أذلاله «4» . وايم ~~الله إن لي # PageV02P263 # فيكم لصرعى كثيرة، فليحذر كل امرىء منكم أن يكون من صرعاي. وايم الله ~~لآخذن البريء بالسقيم، والمطيع بالعاصي، والمقبل بالمدبر، حتى تستقيم لي ~~قناتكم، وحتى يقول القائل: انج سعد، فقد قتل سعيد «1» . فقام إليه عبد الله ~~بن الأهتم التميمي، فقال: أيها الأمير، أشهد أنك أوتيت الحكمة وفصل الخطاب؛ ~~فقال له: كذبت، ذاك نبي الله داود. ثم قام إليه الأحنف، فقال: إنما المرء ~~بجده، والسيف بحده، والجواد بشده؛ وقد بلغك جدك أيها الأمير ما ترى؛ وإنما ~~الحمد بعد البلاء، والثناء بعد العطاء، وإنا لا نثني حتى نبتلي. ثم قام ~~إليه مرداس بن أدية، فقال: قد سمعنا مقالتك أيها الأمير، وإن خليل الله ~~إبراهيم عليه السلام أدى عن الله غير الذي أديته، قال الله تعالى: ألا تزر ~~وازرة وزر أخرى # «2» ؛ وأنت تزعم أنك تأخذ البريء بالسقيم، والمطيع بالعاصي، والمقبل ~~بالمدبر؛ فقال له: أسكت، فوالله ما أجد إلى ما أريد سبيلا، إلا أن أخوض ~~إليه الباطل خوضا. ثم نزل. ### | وقال في خطبة له أخرى # «3» # : حرام علي الطعام والشراب حتى أسويها بالأرض هدما وإحراقا. إياي # PageV02P264 # ودلج الليل، فإني لا أوتى بمدلج إلا سفكت دمه، وإياي ودعوى الجاهلية، ~~فإني لا أجد أحدا دعا بها إلا قطعت لسانه. وقد أحدثتم أحداثا، وأحدثنا لكل ~~ذنب عقوبة؛ فمن غرق قوما غرقته، ومن أحرق قوما أحرقته، ومن نقب بيتا نقبت ~~عن قلبه، ومن نبش قبرا دفنته فيه حيا؛ فكفوا أيديكم وألسنتكم أكف عنكم. # وقد كانت بيني وبين أقوام منكم أشياء قد جعلتها دبر أذني وتحت قدمي، فمن ~~كان محسنا فليزدد، ومن كان مسيئا فلينزع. إني لو علمت أن أحدكم قد قتله ~~السل من بغضي لم أكشف له قناعا ولم أهتك له سترا، حتى يبدي لي صفحته، فإذا ~~فعل ذلك لم أناظره؛ فأعينوا على أنفسكم واتنفوا أمركم. ### | خطبة «1» للحجاج حين دخل البصرة # دخل وهو متقلد سيفا متنكب قوسا عربية، فعلا المنبر فقال: [وافر] # أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني «2» # إن أمير المؤمنين نكب «3» عيدانه بين يديه، فوجدني أمرها عودا وأصلبها # PageV02P265 # مكسرا، فوجهني إليكم. ألا فوالله لأعصبنكم «1» عصب السلمة، ولألحونكم «2» ~~لحو العود ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل «3» ، حتى تستقيم لي قناتكم، وحتى ~~يقول القائل: انج، سعد، فقد قتل سعيد «4» . ألا وإياي وهذه الشفعاء «5» ~~والزرافات، فإني أوتى بأحد من الجالسين في زرافة إلا ضربت عنقه. هكذا ~~حدثنيه أحمد بن سعيد عن أبي عبيد في كتاب غريب الحديث. وقال لي غيره: # هو إياي وهذه الشفعاء والزرافات. وقد فسرت الحديث في كتابي المؤلف في ~~غريب الحديث. ### | خطبة «6» للحجاج أيضا # أرجف الناس بموت الحجاج، فخطب فقال: # إن طائفة من أهل العراق، أهل الشقاق والنفاق، نزغ الشيطان بينهم، فقالوا: ~~مات الحجاج ومات الحجاج! فمه! وهل يرجو الحجاج الخير إلا بعد الموت! والله ~~ما يسرني ألا أموت وأن لي الدنيا وما فيها! وما رأيت الله رضي بالتخليد إلا ~~لأهون خلقه عليه إبليس. ولقد دعا الله العبد الصالح فقال: رب اغفر لي وهب ~~لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي # «7» ، فأعطاه ذلك إلا البقاء. # PageV02P266 # فما عسى أن يكون أيها الرجل! وكلكم ذلك الرجل!. كأني والله بكل حي منكم ~~ميتا، وبكل رطب يابسا، ونقل في ثياب أكفانه إلى ثلاث أذرع طولا في ذراع ~~عرضا، وأكلت الأرض لحمه ومصت صديده، وانصرف الحبيب من ولده يقسم الخبيث من ~~ماله؛ إن الذين يعقلون يعلمون ما أقول، ثم نزل. ### | خطبة «1» أخرى للحجاج حين أراد الحج # خطب فقال: أيها الناس إني أريد الحج، وقد استخلفت عليكم ابني هذا «2» ، ~~وأوصيته بخلاف ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأنصار؛ إن ~~رسول الله أوصى أن يقبل من محسنهم، وأن يتجاوز عن مسيئهم؛ وإني أمرته ألا ~~يقبل من محسنكم ولا يتجاوز عن مسيئكم. ألا وإنكم ستقولون بعدي مقالة لا ~~يمنعكم من إظهارها إلا مخافتي، ستقولون بعدي: لا أحسن الله له الصحابة! ألا ~~وإني معجل لكم الجواب: لا أحسن الله لكم الخلافة، ثم نزل. ### | خطبة «3» للحجاج أيضا # خطب فقال في خطبته: سوطي سيفي، فنجاده «4» في عنقي، وقائمه في يدي، ~~وذبابه قلادة لمن اغتر بي! فقال الحسن: بؤسا لهذا! ما أغره بالله!. # وحلف رجل بالطلاق أن الحجاج في النار، ثم أتى امرأته فمنعته نفسها؛ فأتى ~~ابن سيرين «5» يستفتيه؛ فقال: يا ابن أخي، امض فكن مع أهلك، فإن # PageV02P267 # الحجاج إن لم يكن في النار لم يضرك أن تزني. ### | خطبة «1» لعمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه: # حدثني أبو سهل عن إسحاق بن سليمان عن شعيب بن صفوان عن رجل من آل سعيد بن ~~العاص، قال: # كان آخر «2» خطبة خطب بها عمر بن عبد العزيز رحمه الله أن حمد الله وأثنى ~~عليه، ثم قال: أما بعد، فإنكم لم تخلقوا عبثا، ولن تتركوا سدى، وإن لكم ~~معادا ينزل الله فيه للحكم فيكم والفصل بينكم، فخاب وخسر من خرج من رحمة ~~الله وحرم جنة عرضها السموات والأرض. ألم تعلموا أنه لا يأمن غدا إلا من ~~حذر اليوم وخاف، وباع نافدا بباق، وقليلا بكثير، وخوفا بأمان؟ ألا ترون ~~أنكم في أسلاب الهالكين، وستكون من بعدكم للباقين كذلك، حتى ترد إلى خير ~~الوارثين؟ ثم إنكم في كل يوم تشيعون غاديا ورائحا إلى الله قد قضى نحبه، ~~حتى تغيبوه في صدع من الأرض في بطن صدع غير موسد ولا ممهد، قد فارق الأحباب ~~وباشر التراب وواجه الحساب، فهو مرتهن بعمله، غني عما ترك فقير إلى ما قدم. ~~فاتقوا الله قبل انقضاء مواقيته ونزول الموت بكم! أما إني أقول هذا وما ~~أعلم أن عند أحد من الذنوب أكثر مما عندي، فأستغفر الله وأتوب إليه. # ثم رفع طرف ردائه على وجهه فبكى وأبكى من حوله. ### | خطبة لخالد بن عبد الله يوم عيد # خطب فذكر الله وجلاله ثم قال: كنت كذلك ما شئت أن تكون، لا يعلم # PageV02P268 # كيف أنت إلا أنت، ثم ارتأيت أن تخلق الخلق، فماذا جئت به من عجائب صنعك، ~~والكبير والصغير من خلقك، والظاهر والباطن من ذرك: من صنوف أفواجه وأفراده ~~وأزواجه؟ كيف أدمجت قوائم الذرة والبعوضة إلى ما هو أعظم من ذلك من الأشباح ~~التي امتزجت بالأرواح؟. # وخطب «1» يوما فسقطت جرادة على ثوبه فقال: سبحان من الجرادة من خلقه، ~~أدمج قوائمها، وطوقها «2» جناحها، ووشى جلدها، وسلطها على ما هو أعظم منها. ### | خطبة للحجاج # خطب فقال: أيها الناس، احفظوا فروجكم، وخذوا الأنفس بضميرها، فإنها أسوك ~~«3» شيء إذا أعطيت، وأعصى شيء إذا سئلت. وإني رأيت الصبر عن محارم الله ~~أيسر من الصبر على عذاب الله. ### | خطبة «4» سليمان بن عبد الملك # خطب فقال: إن الدار دار غرور ومنزل باطل، تضحك باكيا وتبكي ضاحكا، وتخيف ~~آمنا وتؤمن خائفا، وتفقر مثريا وتثري مقترا، ميالة غرارة لعابة بأهلها. ~~عباد الله، اتخذوا كتاب الله إماما، وارتضوا به حكما، واجعلوه لكم قائدا، ~~فإنه ناسخ لما كان قبله ولم ينسخه كتاب بعده. اعلموا، عباد الله، أن هذا ~~القرآن يجلو كيد الشيطان كما يجلو ضوء الصبح إذا تنفس ظلام الليل إذا عسعس ~~«5» . # PageV02P269 ### | خطبة «1» يزيد بن الوليد بعد قتله الوليد # حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، والله ما خرجت أشرا ولا بطرا ~~«2» ولا حرصا على الدنيا ولا رغبة في الملك، وما بي إطراء نفسي، وإني لظلوم ~~لها إن لم يرحمني الله، ولكن خرجت غضبا لله ودينه، داعيا إلى الله وإلى سنة ~~نبيه، لما هدمت معالم الهدى، وأطفىء نور أهل التقوى، وظهر الجبار «3» ~~العنيد، المستحل لكل حرمة، والراكب لكل بدعة، الكافر بيوم الحساب، وإنه ~~لابن عمي في النسب وكفيئي «4» في الحسب؛ فلما رأيت ذلك استخرت الله في أمره ~~وسألته ألا يكلني إلى نفسي، ودعوت إلى ذلك من أجابني من أهل ولايتي، حتى ~~أراح الله منه العباد، وطهر منه البلاد، بحوله وقوته لا بحولي وقوتي. # أيها الناس، إن لكم علي ألا أضع حجرا على حجر، ولا لبنة على لبنة، ولا ~~أكري «5» نهرا، ولا أكنز مالا، ولا أعطيه زوجا ولا ولدا، ولا أنقله من بلد ~~إلى بلد حتى أسد فقر ذلك البلد وخصاصة «6» أهله، فإن فضل فضل نقلته إلى ~~البلد الذي يليه. ولا أجمركم «7» في بعوثكم فأفتنكم وأفتن أهليكم، ولا أغلق ~~بابي دونكم فيأكل قويكم ضعيفكم، ولا أحمل على أهل جزيتكم ما أجليهم به عن # PageV02P270 # بلادهم وأقطع به نسلهم. ولكم علي إدرار العطاء في كل سنة والرزق في كل ~~شهر، حتى يستوي بكم الحال فيكون أفضلكم كأدناكم. فإن أنا وفيت لكم فعليكم ~~السمع والطاعة وحسن المؤازرة والمكانفة «1» ، وإن لم أف لكم فلكم أن ~~تخلعوني إلا أن تستتيبوني، فإن أنا تبت قبلتم مني، وإن عرفتم أحدا يقوم ~~مقامي ممن يعرف بالصلاح يعطيكم من نفسه مثل الذي أعطيتكم فأردتم أن ~~تبايعوه، فأنا أول من بايعه ودخل في طاعته. # أيها الناس، إنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وأقول قولي هذا وأستغفر ~~الله العظيم لي ولكم. # فلما بويع مروان نبشه وصلبه. وكانوا يقرؤون في الكتب: يا مبذر الكنوز ويا ~~سجادا بالأسحار، كانت ولايتك لهم رحمة وعليهم حجة، أخذوك فصلبوك. ### | خطبة «2» أبي حمزة الخارجي # خطب أبو حمزة الخارجي بمكة فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أبا ~~بكر وعمر رضي الله عنهما بما هم أهله، ثم قال: وولي عثمان فسار ست سنين ~~بسيرة صاحبيه وكان دونهما، ثم سار في الست الأواخر بما أحبط به الأوائل، ثم ~~مضى لسبيله. وولي علي فلم يبلغ من الحق قصدا ولم يرفع له منارا، ثم مضى ~~لسبيله، ثم ولي معاوية لعين رسول الله وابن لعينه، اتخذ عباد الله خولا «3» ~~، ومال الله دولا، ودينه دغلا، ثم مضى لسبيله، فالعنوه لعنه الله. ثم ولي ~~يزيد بن معاوية، يزيد الخمور، ويزيد القرود، ويزيد الفهود، الفاسق في بطنه ~~والمأبون # PageV02P271 # في فرجه. ثم اقتصهم خليفة خليفة. فلما انتهى إلى عمر بن عبد العزيز أعرض ~~عن ذكره. ثم ذكر يزيد بن عبد الملك فقال: يأكل الحرام، ويلبس الحلة بألف ~~دينار، قد ضربت فيها الأبشار، وهتكت الأستار، حبابة عن يمينه وسلامة «1» عن ~~يساره تغنيانه، حتى إذا أخذ الشراب فيه كل مأخذ قد ثوبه ثم التفت إلى ~~إحداهما فقال: ألا أطير؟ نعم! طر إلى النار. ثم ذكر أصحابه فقال: شباب ~~والله مكتهلون في شبابهم، غضيضة عن الشر أعينهم، ثقيلة عن الباطل أرجلهم، ~~أنضاء عبادة، وأطلاح سهر «2» ، ينظر الله إليهم في جوف الليل منحنية ~~أصلابهم على أجزاء القرآن، قد أكلت الأرض ركبهم وأيديهم وجباههم، واستقلوا ~~ذلك في جنب الله، حتى إذا رأوا السهام قد فوقت «3» ، والرماح قد أشرعت، ~~والسيوف قد انتضيت، وأرعدت الكتيبة بصواعق الموت، مضى الشاب منهم قدما، حتى ~~اختلفت رجلاه على عنق فرسه، وتخضبت محاسن وجهه بالدماء، فأسرعت إليه سباع ~~الأرض وانحطت إليه طير السماء، فكم من عين في منقار طائر طالما بكى صاحبها ~~في جوف الليل من خوف الله! وكم من كف زايلت معصمها طالما اعتمد عليها ~~صاحبها في جوف الليل بالسجود لله! ثم قال: أوه أوه «4» وبكى ثم نزل. ### | خطبة «5» لقطري الخارجي # ذكر فيها الذين قالوا: من أشد منا قوة، فقال: حملوا إلى قبورهم فلا # PageV02P272 # يدعون ركبانا، وأنزلوا «1» فلا يدعون ضيفانا، وجعلوا لهم من الضريح ~~أجنانا «2» ، ومن التراب أكفانا، ومن الرفات جيرانا؛ فهم جيرة لا يجيبون ~~داعيا ولا يمنعون ضيما، إن أخصبوا لم يفرحوا، أو أقحطوا لم يقنطوا؛ جميع ~~أوحاد، وجيرة أبعاد، لا يزورون ولا يزارون «3» . فاحذروا ما حذركم الله، ~~وانتفعوا بمواعظه واعتصموا بحبله. ### | وفي خطبة «4» ليوسف بن عمر # : اتقوا الله عباد الله! فكم من مؤمل أملا لا يبلغه، وجامع مالا لا ~~يأكله، ومانع ما سوف يتركه، ولعله من باطل جمعه، ومن حق منعه، أصابه حراما ~~ورثه عدوا، إحتمل إصره «5» وباء بوزره، وورد على ربه آسفا لاهفا، قد خسر ~~الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين. ### | وفي خطبة «6» للحجاج # : قال مالك بن دينار: سمعته على المنبر يقول: امرأ «7» زور عمله، امرأ ~~حاسب نفسه، امرأ فكر فيما يقرؤه في صحيفته ويراه في ميزانه، وامرأ كان عند # PageV02P273 # هواه زاجرا، وعند همه آمرا، أخذ بعنان قلبه كما يأخذ بخطام «1» جمله، فإن ~~قاده إلى طاعة الله تبعه، وإن قاده إلى معصية الله كفه. ### | خطبة للمنصور # «2» # خطب المنصور بمكة فقال: أيها الناس، إنما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم ~~بتوفيقه وتسديده وتأييده وتبصيره، وخازنه على فيئه أعمل فيه بمشيئته، ~~وأقسمه بإرادته، وأعطيه بإذنه، قد جعلني عليه قفلا إذا شاء أن يفتحني ~~لإعطائكم وقسم أرزاقكم فتحني، وإذا شاء أن يقفلني عليها أقفلني. فارغبوا ~~إلى الله واسألوه في هذا اليوم الشريف الذي وهب لكم فيه من فضله ما أعلمكم ~~في كتابه، إذ يقول: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم ~~الإسلام دينا # «3» أن يوفقني للصواب والرشاد، ويلهمني الرأفة بكم والإحسان إليكم، ~~ويفتحني لإعطائكم وقسم أرزاقكم بالعدل عليكم. ### | خطبة لداود بن علي # خطب فقال: أحرز لسان رأسه، اتعظ امرؤ بغيره، اعتبر عاقل قبل أن يعتبر به، ~~فأمسك الفضل من قوله وقدم الفضل من عمله: ثم أخذ بقائم سيفه فقال: إن بكم ~~داء هذا دواؤه، وأنا زعيم لكم بشفائه، وما بعد الوعيد إلا الإيقاع. # PageV02P274 ### | خطبة لداود بن علي أيضا # لما قام أبو العباس في أول خلافته على المنبر قام بوجه كورقة المصحف ~~فاستحيا فلم يتكلم؛ فنهض داود بن علي حتى صعد المنبر، فقال المنصور: فقلت ~~في شيخنا وكبيرنا ويدعو إلى نفسه فلا يختلف عليه اثنان، فانتضيت سيفي وغطيت ~~ثوبي وقلت: إن فعل ناجزته؛ فلما رقي عتبا استقبل الناس بوجهه دون أبي ~~العباس، ثم قال: أيها الناس، إن أمير المؤمنين يكره أن يتقدم قوله فعله، ~~ولأثر الفعال عليكم أجدى من تشقيق «1» المقال، وحسبكم بكتاب الله ممتثلا ~~فيكم، وابن عم رسول الله خليفة عليكم. والله قسما برا لا أريد إلا الله به ~~ما قام هذا المقام أحد بعد رسول الله أحق به من علي بن أبي طالب وأمير ~~المؤمنين هذا، فليظن ظانكم وليهمس هامسكم. قال أبو جعفر: # ثم نزل وشمت «2» سيفي. ### | خطبة «3» لأعرابي # أما بعد، فإن الدنيا دار بلاء والآخرة دار بقاء، فخذوا أيها الناس لمقركم ~~من ممركم، ولا تهتكوا أستاركم عند من لا يخفى عليه أسراركم، ففي الدنيا ~~أحييتم ولغيرها خلقتم. أقول قولي هذا. والمستغفر الله، والمدعو له الخليفة ~~ثم الأمير جعفر بن سليمان. # PageV02P275 ### | خطبة «1» المأمون يوم الجمعة # الحمد لله مستخلص الحمد لنفسه، ومستوجبه على خلقه، أحمده وأستعينه وأومن ~~به وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا ~~عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره ~~المشركون. أوصيكم عباد الله بتقوى الله وحده، والعمل لما عنده، والتنجز ~~لوعده، والخوف لوعيده؛ فإنه لا يسلم إلا من اتقاه ورجاه، وعمل له وأرضاه. ~~فاتقوا الله عباد الله وبادروا آجالكم بأعمالكم، وابتاعوا ما يبقى بما يزول ~~عنكم، وترحلوا «2» فقد جد بكم «3» ، واستعدوا للموت فقد أظلكم، وكونوا قوما ~~صيح بهم فانتبهوا، وعلموا أن الدنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا؛ فإن الله لم ~~يخلقكم عبثا ولم يترككم سدى؛ ما بين أحدكم وبين الجنة والنار إلا الموت أن ~~ينزل به. وإن غاية تنقصها اللحظة وتهدمها الساعة الواحدة لجديرة بقصر ~~المدة، وإن غائبا يحدوه الجديدان الليل والنهار لحري «4» بسرعة الأوبة، وإن ~~قادما يحل بالفوز أو بالشقوة لمستحق لأفضل العدة، فاتقى عبد ربه، ونصح ~~نفسه، وقدم توبته، وغلب شهوته، فإن أجله مستور عنه، وأمله خادع له، ~~والشيطان موكل به: يزين له المعصية ليركبها، ويمنيه التوبة ليسوفها، حتى ~~تهجم عليه منيته أغفل ما يكون عنها. فيا لها حسرة على ذي غفلة: أن يكون ~~عمره عليه حجة، أو تؤديه أيامه «5» إلى شقوة! نسأل الله أن # PageV02P276 # يجعلنا وإياكم ممن لا تبطره نعمة، ولا تقصر به عن طاعته غفله، ولا تحل به ~~بعد الموت فزعة؛ إنه سميع الدعاء، وبيده الخير، وإنه فعال لما يريد. ### | وفي خطبة «1» المأمون يوم الأضحى بعد التكبير الأول: # إن يومكم هذا يوم أبان الله فضله، وأوجب تشريفه، وعظم حرمته، ووفق له من ~~خلقه صفوته، وابتلى فيه خليله، وفدى فيه من الذبح نبيه، وجعله خاتم الأيام ~~المعلومات من العشر، ومتقدم الأيام المعدودات من النفر «2» ؛ يوم حرام من ~~أيام عظام، في شهر حرام، يوم الحج الأكبر، يوم دعا الله إلى مشهده، ونزل ~~القرآن بتعظيمه، قال الله جل وعز: وأذن في الناس بالحج # «3» الآيات؛ فتقربوا إلى الله في هذا اليوم بذبائحكم، وعظموا شعائر الله ~~واجعلوها من طيب أموالكم وبصحة التقوى من قلوبكم، فإنه يقول: لن ينال الله ~~لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم # «4» ، ثم التكبير والتحميد والصلاة على النبي والوصية بالتقوى، ثم قال ~~بعد ذكر الجنة والنار: عظم قدر الدارين وارتفع جزاء العملين «5» وطالت مدة ~~الفريقين. الله الله! فوالله إنه الجد لا اللعب، وإنه الحق لا الكذب، وما ~~هو إلا الموت والبعث والميزان والحساب والقصاص والصراط ثم العقاب والثواب، ~~فمن نجا يومئذ فقد فاز، # PageV02P277 # ومن هوى يومئذ فقد خاب. الخير كله في الجنة، والشر كله في النار. ### | وفي خطبة «1» المأمون يوم الفطر بعد التكبير الأول: # إن يومكم هذا يوم عيد وسنة وابتهال ورغبة، يوم ختم الله به صيام شهر ~~رمضان وافتتح به حج بيته الحرام، فجعله خاتمة الشهر وأول أيام شهور الحج، ~~وجعله معقبا لمفروض صيامكم ومتنفل قيامكم، أحل فيه الطعام لكم وحرم فيه ~~الصيام عليكم؛ فاطلبوا إلى الله حوائجكم واستغفروه لتفريطكم، فإنه يقال، لا ~~كبير مع استغفار، ولا صغير مع إصرار. ثم التكبير والتحميد وذكر النبي عليه ~~السلام والوصية بالتقوى. ثم قال: فاتقوا الله عباد الله وبادروا الأمر الذي ~~اعتدل فيه يقينكم، لم يحتضر «2» الشك فيه أحدا منكم، وهو الموت المكتوب ~~عليكم، فإنه لا تستقل بعده عثرة، ولا تحظر قبله توبة. # واعملوا أنه لا شيء قبله إلا دونه ولا شيء بعده إلا فوقه. ولا يعين على ~~جزعه وعلزه «3» وكربه، ولا يعين على القبر وظلمته وضيقه ووحشته وهول مطلعه ~~ومسألة ملائكته، إلا العمل الصالح الذي أمر الله به. فمن زلت عند الموت ~~قدمه، فقد ظهرت ندامته، وفاتته استقالته، ودعا من الرجعة إلى ما لا يجاب ~~إليه، وبذل من الفدية ما لا يقبل منه. فالله الله عباد الله! وكونوا قوما ~~سألوا الرجعة فأعطوها إذ منعها الذين حذركم الله، واتقوا اليوم الذي يجمعكم ~~الله فيه لوضع موازينكم، ونشر صحفكم الحافظة لأعمالكم. فلينظر عبد ما يضع ~~في ميزانه مما يثقل به، وما يمل «4» في صحيفته الحافظة لما عليه وله؛ # PageV02P278 # فقد حكى الله لكم ما قال المفرطون عندها إذ طال إعراضهم عنها، قال: # ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه # «1» الآية. وقال: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة # «2» . ولست أنهاكم عن الدنيا بأعظم مما نهتكم الدنيا عن نفسها، فإنه كل ~~ما لها ينهى عنها، وكل ما فيها يدعو إلى غيرها. # وأعظم مما رأته أعينكم من عجائبها ذم كتاب الله لها ونهي الله عنها، فإنه ~~يقول: فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور # «3» وقال: إنما الحياة الدنيا لعب ولهو # «4» الآية. فانتفعوا بمعرفتكم بها وبإخبار الله عنها، واعلموا أن قوما من ~~عباد الله أدركتهم عصمة الله فحذروا مصارعها، وجانبوا خدائعها، وآثروا طاعة ~~الله فيها، فأدركوا الجنة بما تركوا منها. ### | كلام من أرتج عليه # حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثنا عيسى بن عمر قال: خطب أمير مرة ~~فانقطع فخجل، فبعث إلى قوم من القبائل عابوا ذلك ولفهم «5» وفيهم يربوعي ~~جلد، فقال: اخطبوا؛ فقام واحد فمر في الخطبة، حتى إذا بلغ أما بعد قال: أما ~~بعد أما بعد، ولم يدر ما يقول، ثم قال: فإن امرأتي طالق ثلاثا، لم أرد أن ~~أجمع اليوم فمنعتني. وخطب آخر، فلما بلغ أما بعد بقي ونظر فإذا # PageV02P279 # إنسان ينظر إليه، فقال: لعنك الله! ترى ما أنا فيه وتلمحني ببصرك أيضا!. # قال: وقال أحدهم: رأيت القراقير «1» من السفن تجري بيني وبين الناس. قال: # وصعد اليربوعي فخطب فقال: أما بعد، فوالله ما أدري ما أقول ولا فيم ~~أقمتموني، أقول ماذا؟ فقال بعضهم: قل في الزيت؛ فقال: الزيت مبارك، فكلوا ~~منه وادهنوا. قال: فهو قول الشطار «2» اليوم إذا قيل: لم فعلت ذا، فقل في ~~شأن الزيت وفي حال الزيت. # ولما أتى يزيد بن أبي سفيان الشام واليا لأبي بكر رضي الله عنه، خطب ~~فأرتج «3» عليه، فعاد إلى الحمد لله فأرتج عليه، فعاد إلى الحمد لله ثم ~~أرتج عليه، فقال: يا أهل الشام، عسى الله أن يجعل من بعد عسر يسرا، ومن بعد ~~عي بيانا، وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام قائل. ثم نزل. فبلغ ذلك ~~عمرو بن العاص فاستحسنه. # صعد ثابت قطنة «4» منبرا بسجستان فحمد الله ثم أرتج عليه، فنزل وهو يقول: ~~[طويل] # فإلا أكن فيكم خطيبا فإنني ... بسيفي إذا جد الوغى لخطيب # فقيل له: لو قلتها على المنبر كنت أخطب الناس. # وارتج على عبد الله بن عامر بالبصرة يوم أضحى، فمكث ساعة ثم # PageV02P280 # قال: والله ولا أجمع عليكم عيا ولؤما، من أخذ شاة من السوق فهي له وثمنها ~~علي. # وارتج على خالد بن عبد الله القسري فقال: إن هذا الكلام يجيء أحيانا ~~ويعزب «1» أحيانا، وربما طلب فأبى وكوبر فعسا «2» ، فالتأني لمجيه، أيسر من ~~التعاطي لأبيه؛ وقد يختلط من الجريء جنانه «3» ، وينقطع من الذرب «4» ~~لسانه، فلا يبطره ذلك ولا يكسره؛ وسأعود إن شاء الله. # وارتج على معن بن زائدة فضرب المنبر برجله ثم قال: فتى حروب لا فتى ~~منابر. # وكان عبد ربه اليشكري عاملا لعيس بن موسى على المدائن، فصعد المنبر فحمد ~~الله وارتج عليه فسكت، ثم قال: والله إني لأكون في بيتي فتجيء على لساني ~~ألف كلمة، فإذا قمت على أعوادكم هذه جاء الشيطان فمحاها من صدري، ولقد كنت ~~وما في الأيام يوم أحب إلي من يوم الجمعة، فصرت وما في الأيام يوم أبغض إلي ~~من يوم الجمعة، وما ذلك إلا لخطبتكم هذه. # صعد روح بن حاتم المنبر، فلما رأى جمع الناس حصر «5» ، فقال: نكسوا # PageV02P281 # رؤوسكم وغضوا أبصاركم، فإن أول مركب صعب، وإذا يسر الله فتح قفل تيسر. # ودعي رجل ليخطب في نكاح فحصر، فقال: لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا ~~الله؛ فقالت امرأة حضرت: ألهذا دعوناك! أماتك الله!. # قال عبيد الله بن زياد: نعم الشيء الإمارة لولا قعقعة البريد والتشرف ~~للخطب. # قيل لعبد الملك: عجل عليك الشيب؛ فقال: كيف لا يعجل علي وأنا أعرض عقلي ~~على الناس في كل جمعة مرة أو مرتين. # وولي رجل من بني هاشم يعرف بالدندان بحر اليمامة، فلما صعد المنبر أرتج ~~عليه، فقال: حيا الله هذه الوجوه وجعلني فداءها، إني قد أمرت طائفي بالليل ~~ألا يرى أحدا إلا أتاني به ولو كنت أنا إياه ثم نزل. ### | المنابر # قال بعض المفسرين في قول الله جل وعز: وكنوز ومقام كريم # «1» إنه المنبر، وقال: الشاعر: [بسيط] # لنا المساجد نبنيها ونعمرها ... وفي المنابر قعدان لنا ذلل # فلا نقيل عليها حين نركبها ... ولا لهن لنا من معشر بدل # وقال الكميت يذكر بني أمية: [طويل] # مصيب على الأعواد يوم ركوبه ... لما قال فيها، مخطىء حين ينزل # يشبهها «2» الأشباه وهي نصيبه ... له مشرب منها حرام ومأكل # PageV02P282 # وقال بعض المحدثين [طويل] # فما منبر دنسته باست أفكل «1» ... بزاك ولو طهرته بابن طاهر # ومر الأقيشر «2» بمطر بن ناجية اليربوعي حين غلب على الكوفة في أيام ~~الضحاك بن قيس الشاري ومطر يخطب، فقال: [كامل] # إبني تميم ما لمنبر ملككم ... لا يستمر قعوده يتمرمر «3» # إن المنابر أنكرت أشباهكم ... فادعوا خزيمد يستقر المنبر # خلعوا أمير المؤمنين وبايعوا ... مطرا لعمرك بيعة لا تظهر # واستخلفوا مطرا فكان كقائل ... بدل بعمرك من أمية أعور # خطب «4» قتيبة بن مسلم على منبر خراسان فسقط القضيب من يده، فتفاءل له ~~عدوه بالشر واغتم صديقه، فعرف ذلك قتيبة فقال: ليس الأمر على ما ظن العدو ~~وخاف الصديق، ولكنه كما قال الشاعر: [طويل] # فألقت عصاها واستقر «5» بها النوى ... كما قر عينا بالإياب المسافر # وقال واثلة بن خليفة السدوسي يهجو عبد الملك بن المهلب «6» : [طويل] # PageV02P283 # لقد صبرت للذل أعواد منبر ... تقوم عليها في يديك قضيب # بكى المنبر الغربي إذ قمت فوقه ... وكادت مسامير الحديد تذوب # تم كتاب العلم وهو الكتاب الخامس من عيون الأخبار لابن قتيبة رحمه الله، ~~ويتلوه في الكتاب السادس ### | كتاب الزهد # والحمد لله رب العالمين، وصلاته على سيدنا محمد النبي وآله أجمعين. ### | صورة ما كتبه الناسخ بخطه في آخر النسخة الفتوغرافية # كتبه الفقير إلى رحمة الله تعالى إبراهيم بن عمر بن محمد بن علي الواعظ ~~الجزري، وذلك في شهور سنة أربع وتسعين وخمسمائة. # وقال بعضهم: بني الإسلام على خمسة؛ التواضع عند الدولة، والعفو عند ~~القدرة، والسخاء مع القلة، والعطية من غير منة، والنصيحة للعامة. # وقال بعض الشعراء في الصبر: [كامل] # وإذا ابتليت بمحنة فالبس لها ... ثوب السكوت فإن ذلك أسلم # لا تشكون إلى العباد فإنما ... تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم # ويروى للشافعي رضي الله عنه: [وافر] # نعيب زماننا والعيب فينا ... وما لزماننا عيب سوانا # PageV02P284 # وقد نهجو الزمان بغير جرم ... ولو نطق الزمان بنا هجانا # فدنيانا التصنع والترائي ... ونحن به نخادع من يرانا # وليس الذئب يأكل لحم ذئب ... ويأكل بعضنا بعضا عيانا # PageV02P285 # بسم الله الرحمن الرحيم ### | كتاب الزهد ### | ما أوحى الله جل وعز الى انبيائه عليهم السلام # حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا خلف بن تميم عن أبي عصمة الشامي عن ابن ~~أخت وهب بن منبه عن وهب قال: أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال ~~له أرمياء حين ظهرت فيهم المعاصي: أن قم بين ظهراني قومك فأخبرهم أن لهم ~~قلوبا ولا يفقهون، وأعينا ولا يبصرون، وآذانا ولا يسمعون، وأني تذكرت صلاح ~~آبائهم، فعطفني ذلك على أبنائهم، سلهم كيف وجدوا غب طاعتي، وهل سعد أحد ممن ~~عصاني بمعصيتي، وهل شقي أحد ممن أطاعني بطاعتي! إن الدواب تذكر أوطانها ~~فتنزع إليها، وإن هؤلاء القوم تركوا الأمر الذي أكرمت عليه آباءهم، ~~والتمسوا الكرامة من غير وجهها. # أما أحبارهم فأنكروا حقي؛ وأما قراؤهم فعبدوا غيري؛ وأما نساكهم فلم ~~ينتفعوا بما علموا من حكمتي؛ وأما ولاتهم فكذبوا علي وكذبوا رسلي، خزنوا ~~المكر في قلوبهم، وعودوا الكذب ألسنتهم؛ وإني أقسم بجلالي وعزتي لأهيجن ~~عليهم جنودا لا يفقهون ألسنتهم، ولا يعرفون وجوههم، ولا يرحمون بكاءهم؛ ~~ولأبتعثن فيهم ملكا جبارا قاسيا، له عساكر كقطع السحاب، ومواكب كأمثال ~~العجاج، كأن خفقان راياته طيران النسور، وكأن حمل فرسانه كر # PageV02P286 # العقبان، يعيدون العمران خرابا، ويتركون القرى وحشة. فياويل إيلياء «1» ~~وسكانها! كيف أذللهم للقتل، وأسلط عليهم السباء، وأعيد بعد لجب الأعراس ~~صراخ الهام، وبعد صهيل الخيل عواء الذئاب، وبعد شرفات القصور مساكن السباع، ~~وبعد ضوء الشرج رهج العجاج. ولأبدلن رجالهم بتلاوة الكتاب انتهار الأرباب، ~~وبالعز الذل، وبالنعمة العبودية. ولأبدلن نساءهم بالطيب التراب، وبالمشي ~~على الزرابي الخبب «2» ؛ ولأجعلن أجسادهم زبلا للأرض، وعظامهم ضاحية للشمس. ~~وفي رواية أخرى: ولأدوسنهم بألوان العذاب، حتى لو كان الكائن خاتما في ~~يميني لوصلت الحرب إليه؛ ثم لآمرن السماء فلتكونن طبقا من حديد، والأرض ~~فلتكونن سبيكة من نحاس، فإن أمطرت السماء وأنبتت الأرض شيئا في خلال ذلك ~~فبرحمتي للبهائم، ثم أحبسه في زمن الزرع وأرسله في زمن الحصاد، فإن زرعوا ~~خلال ذلك شيئا سلطت عليه الآفة، فإن خلص منه شيء نزعت منه البركة، فإن ~~دعوني لم أجبهم، وإن سألوا لم أعطهم، وإن بكوا لم أرحمهم، وإن تضرعوا صرفت ~~وجهي عنهم. # حدثني عبد الرحمن عن عبد المنعم عن أبيه عن وهب: أن الله، عز وجل، أوحى ~~إلى موسى بن منسى بن يوسف أن قل لقومك: إني بريء ممن سحر أو سحر له، أو ~~تكهن أو تكهن له، أو تطير أو تطير له؛ من آمن بي صادقا فليتوكل علي صادقا، ~~فكفى بي مثيبا؛ ومن عدل عني ووثق بغيري فإني # PageV02P287 # خير شريك أرد عليه ما توسل به إلي، وأكله إلى من توكل عليه؛ ومن وكلته ~~إلى غيري فليستعد للفتنة والبلاء. # وحدثني بهذا الإسناد قال: أوحى الله إلى داود عليه السلام في الزبور: # يا عبدي الشكور، إني قد وهبت لك الزبور، وأتبعته بنصح مني من أعين ~~السطور، ومن الوحي المحفوظ المحجوب من وراء الستور، فاعبدني به في الأيام ~~والليالي والشهور؛ وأحببني من كل قلبك، وحببني إلى خلقي، وأبغض من عبادي كل ~~منافق جهول، قال: يا رب كيف أحببك إلى خلقك؟ قال: # تذكرهم آلائي. # وبهذا الإسناد قال: أنزل الله على إبراهيم عليه السلام عشرين صحيفة، ~~وكانت صحفه أمثالا وعبرا وتسبيحا وتمجيدا وتهليلا، فكان فيها؛ أيها الملك ~~المسلط المغرور المبتلى، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض ولتبني ~~المدائن والحصون، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني لا أردها ولو ~~كانت من كافر. # وبهذا الإسناد أن الله تعالى قال لشعيا: قم في قومك أوح على لسانك؛ فلما ~~قام شعيا أنطق الله لسانه بالوحي، فقال: يا سماء استمعي، يا أرض أنصتي، ~~فأنصتت الأرض واستمعت السماء؛ فقال: إن الله يقول لكم: # إني استقبلت بني إسرائيل بالكرامة وهم كالغنم الضائعة لا راعي لها، فآويت ~~شاذتها، وجمعت ضالتها، وجبرت كسيرها، وداويت مريضها، وأسمنت مهزولها؛ فبطرت ~~فتناطحت، فقتل بعضها بعضا حتى لم يبق منها عظم صحيح يجبر إليه آخر كسير. إن ~~الحمار مما يتذكر آريه «1» الذي شبع عليه # PageV02P288 # فيراجعه، وإن الثور مما يتذكر مرجه الذي يمن فيه فينتابه، وإن البعير مما ~~يتذكر وطنه الذي نتج فيه فينزع إليه، وإن هؤلاء القوم لا يذكرون أني جاءهم ~~الخير وهم أهل الألباب وأهل العقول، ليسوا بإبل ولا بقر ولا حمير، وإني ~~ضارب لهم مثلا فاسمعوه: قل لهم: كيف ترون في أرض كانت زمانا من زمانها خربة ~~مواتا لا حرث فيها، وكان لها رب قوي حليم، فأحاط عليها سياجا وشيد فيها ~~قصرا وأنبط فيها نهرا وصنف فيها غراسا من الزيتون والرمان والنخيل والأعناب ~~وألوان الثمار، وولى ذلك ذا رأي وهمة حفيظا قويا أمينا؛ فلما جاء إبان ~~إثمارها أثمرت خروبا، ما كنتم قائلين له ومشيرين عليه؟ قالوا: # كنا نقول: بئست الأرض أرضك، ونشير عليه أن يقلع سياجها، ويهدم قصرها، ~~ويدفن نهرها، ويحرق غرسها حتى تعود خربة مواتا لا عمران فيها؛ قال الله ~~تعالى: قل لهم، إن السياج ذمتي، وإن القصر شريعتي، وإن النهر كتابي، وإن ~~القيم نبي، وإن الغرس مثل لهم، والخروب أعمالهم الخبيثة؛ وإني قد قضيت ~~عليهم قضاءهم على أنفسهم، يتفزبون إلي بذبح الغنم والبقر وليس ينالني اللحم ~~ولا آكله. ويدعون أن يتقربوا إلي بالتقوى والكف عن ذبح الأنفس التي حرمتها ~~ويشيدون لي البيوت ويزوقون لي المساجد؛ وأي حاجة بي إلى تشييد البيوت ولست ~~أسكنها، وإلى تزويق المساجد ولست أدخلها؛ إنما أمرت برفعها لأذكر فيها ~~وأسبح، وينجسون أنفسهم وعقولهم وقلوبهم ويخربونها، يقولون: لو كان يقدر على ~~أن يجمع ألفتنا لجمعها، ولو كان يقدر على أن يفقه قلوبنا لفقهها. فاعمد إلى ~~عودين يابسين فاكتب فيهما كتابا ثم ائت ناديهم أجمع ما يكونون، فقل ~~للعودين: إن الله يأمركما أن تعودا عودا واحدا؛ فقال لهما ذلك، فاختلطا ~~فصارا عودا واحدا، وصار الكتاب في طرفي العود كتابا واحدا: يا معشر ~~القبائل، إن الله يقول لكم: إني قدرت على أن أفقه العيدان اليابسة وعلى أن ~~أؤلف بينها؛ فكيف لا أقدر على أن أجمع # PageV02P289 # ألفتكم إن شئت؟ أم كيف لا أقدر على أن أؤلف قلوبكم؟ يقولون: صمنا فلم ~~يرفع صيامنا وصلينا فلم تنور صلاتنا وزكينا فلم تزك زكاتنا، ودعونا بمثل ~~حنين الحمام، وبكينا بمثل عواء الذئاب، في كل ذلك كلا يسمع منا ولا يستجاب ~~لنا؛ قال الله تبارك وتعالى: سلهم لم ذلك؟ وما الذي منعني أن أجيبهم؟ # ألست أسمع السامعين وأبصر الناظرين وأقرب المجيبين وأرحم الراحمين؟ # ألأن خزائني فنيت؟ كيف ويداي مبسوطتان بالخير أنفق كيف أشاء؟ أم لأن ذات ~~يدي قلت؟ كيف ومفاتيح الخير بيدي لا يفتحها ولا يغلقها غيري؟ أم لأن رحمتي ~~ضاقت؟ كيف ورحمتي وسعت كل شيء؟ وإنما يتراحم بفضلها المتراحمون! أم لأن ~~البخل يعتريني؟ كيف وأنا النفاح بالخيرات أجود من أعطى وأكرم من سئل؟ ولكن ~~كيف أرفع صيامهم وهم يلبسونه بقول الزور ويتقوون عليه بطعمة الحرام؟ كيف ~~أنور صلاتهم وقلوبهم صاغية إلي من يحادني وينتهك محارمي؟ أم كيف أستجيب ~~دعاءهم وإنما هو قول بألسنتهم والعمل من ذلك بعيد؟ أم كيف تزكو صدقاتهم وهي ~~من أموال غيرهم؟ إنما أجزي عليها المغصوبين. وإن من علامة رضاي رضا ~~المساكين. # قال وهب: وفيما ناجى الله به موسى عليه السلام: لا تعجبكما زينة ولا ما ~~متع به، ولا تمدا إلى ذلك أعينكما فإنها زهرة الحياة الدنيا وزينة ~~المترفين. # ولو شئت أن أزينكما بزينة يعلم فرعون حين ينظر إليها أن مقدرته تعجز عما ~~أوتيتما فعلت، ولكني أرغب بكما عن ذلك وأزويه «1» عنكما؛ وكذلك أفعل ~~بأوليائي، إني لأذودهم عن نعيمها ورخائها كما يذود الراعي الشفيق غنمه عن ~~مراتع الهلكة وإني لأحميهم عيشها وسلوتها «2» كما يجنب الراعي الشفيق إبله ~~مبارك العر «3» ، وما ذاك لهوانهم علي، ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي # PageV02P290 # سالما موفرا لم يكلمه الطمع ولم يطبعه «1» الهوى. واعلم أنه لن يتزين ~~العباد بزينة أبلغ فيما عندي من الزهد في الدنيا، إنما هي زينة الأبرار ~~عندي، وأنقى ما تزين به العباد في عيني عليهم منها، لباس يعرفون به من ~~السكينة والخشوع، سيماهم النحول والسجود، أولئك أوليائي حقا. فإذا لقيتهم ~~فاخفض لهم جناحك، وذلل لهم قلبك ولسانك. # واعلم أنه من أهان لي وليا أو أخافه، فقد بارزني بالمحاربة وبادأني ~~وعرضني لنفسه ودعاني إليها، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي، أفيظن الذي ~~يحاربني فيهم أنهم يقوم لي؟ أم يظن الذي يعاديني فيهم أنه يعجزني؟ أم يظن ~~الذي يبادرني إليهم أنه يسبقني أو يفوتني؟ كيف وأنا الثائر لهم في الدنيا ~~والآخرة، لا أكل نصرهم إلى غيري؟ # وفي التوراة: أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام بطور سيناء: يا موسى ~~بن عمران صاحب جبل لبنان، أنت عبدي وأنا إلهك الديان؛ لا تستذل الفقير، ولا ~~تغبط الغني بشيء يسير؛ وكن عند ذكري خاشعا، وعند تلاوة وحيي طائعا؛ أسمعني ~~لذاذة التوراة بصوت حزين. # وفيما أوحى الله إلى عيسى عليه السلام: أنزلني من نفسك كهمك، واجعلني ~~ذخرك في معادك، وتقرب إلي بالنوافل أدنك، وتوكل علي أكفك، ولا تول غيري ~~فأخذلك؛ اصبر على البلاء، وارض بالقضاء، وكن كمسرتي فيك، فإن مسرتي أن ~~أطاع، وأحي ذكري بلسانك، وليكن ودي في قلبك؛ تيقظ لي في ساعات الغفلة، وكن ~~راهبا لي وراغبا إلي. أمت قلبك بالخشية؛ راع الليل لتحري مسرتي، واظمأ لي ~~نهارك لليوم الذي عندي؛ نافس في # PageV02P291 # الخيرات جهدك. قم في الخليقة بعدلي، واحكم فيهم بنصيحتي، فقد أنزلت عليك ~~شفاء وساوس ما في الصدور من مرض الشيطان، وجلاء الأبصار من غشاء الكلال؛ ~~ولا تكن حلسا «1» كأنك مقبور وأنت حي تتنفس. إكحل عينيك بملمول «2» الحزن ~~إذا ضحك البطالون. إبك على نفسك أيام الحياة بكاء من قد ودع الأهل وقلى ~~الدنيا، وترك اللذات لأهلها، وارتفعت رغبته فيما عند إلهه. طوبى لك إن نالك ~~ما وعدت الصابرين! ترج من الدنيا يوما فيوما، وارض بالبلغة، وليكفك منها ~~الخشن. تذوق مذاقة ما قد خلا أين طعمه! وما لم يأت أين لذته! لو رأت عيناك ~~ما أعددت لأوليائي لذاب قلبك وزهقت نفسك شوقا إليه. # وفيما قال للحواريين: بحق أقول لكم: إن شجر الأرض بمطر السماء تعيش ~~وتزكو، وكذلك القلوب بنور الحكمة تبصر وتهتدي؛ بحق أقول لكم: # إنه من ليس عليه دين أروح وأقل هما ممن عليه دين وإن حسن قضاؤه، وكذلك من ~~لم يعمل الخطيئة أروح وأقل هما ممن عمل بها وإن حسنت توبته. إن الدابة ~~تزداد على كثرة الرياضة خيرا، وقلوبكم لا تزداد على كثرة الموعظة إلا قسوة. ~~إن الجسد إذا صلح كفاه القليل من الطعام، وإن القلب إذا صح كفاه القليل من ~~الحكمة. كم من سراج قد أطفأته الريح، وكم من عابد قد أفسده العجب. يا بني ~~إسرائيل، استمعوا قولي، فإن مثل من يستمع قولي ثم يعمل به مثل رجل حكيم أسس ~~بنيانه على الصفا «3» ، فمطرت السماء وسالت الأودية وضربته الرياح فثبت ~~بنيانه ولم يخر، ومثل الذي يستمع قولي # PageV02P292 # ثم لا يعمل به مثل رجل سفيه أسس بنيانه على الرمل، فمطرت السماء وسالت ~~الأودية وهاجت الريح فضربته فسقط بنيانه. يا بني إسرائيل، ما يغني عن ~~الأعمى سعة نور الشمس وهو لا يبصرها! وما يغني عن العالم كثرة العلم وهو لا ~~يعمل به!. بحق أقول لكم: إن قائل الحكمة وسامعها شريكان، وأولاهما بها من ~~حققها بعمله. بحق أقول لكم: لو وجدتم سراجا يتوقد بالقطران في ليلة مظلمة ~~لاستضأتم بنوره ولم يمنعكم منه نتن قطرانه، فكذلك ينبغي لكم أن تأخذوا ~~الحكمة ممن وجدتموها عنده. # بلغني عن محمد بن فضيل عن عمران بن سليم قال: بلغني أن عيسى ابن مريم قال ~~لأصحابه: إن كنتم إخواني وأصحابي فوطنوا أنفسكم على العداوة والبغضاء من ~~الناس؛ إنكم لا تدركون ما تطلبون إلا بترك ما تشتهون، ولا تنالون ما تحبون ~~إلا بالصبر على ما تكرهون. إياكم والنظرة، فإنها تزرع في القلب الشهوة. ~~طوبى لمن كان بصره في قلبه ولم يكن قلبه في بصره! قال: وبلغني أن عيسى خرج ~~على أصحابه وعليه جبة من صوف وكساء وتبان «1» حافيا مجزوز الرأس والشاربين ~~باكيا شعثا مصفر اللون من الجوع يابس الشفتين من العطش، طويل شعر الصدر ~~والذراعين والساقين؛ فقال: السلام عليكم يا بني إسرائيل، أنا الذي أنزلت ~~الدنيا منزلها، ولا عجب ولا فخر، أتدرون أين بيتي؟ قالوا: أين بيتك يا روح ~~الله؟ قال: بيتي المساجد، وطيبي الماء، وإدامي الجوع، ودابتي رجلي، وسراجي ~~بالليل القمر، وصلائي «2» في الشتاء مشارق الشمس، وطعامي ما تيسر، وفاكهتي ~~وريحاني بقول الأرض، ولباسي الصوف، وشعاري الخوف، وجلسائي الزمني «3» ~~والمساكين، أصبح # PageV02P293 # وليس لي شيء، وأمسي وليس لي شيء، وأنا طيب النفس غني مكثر، فمن أغنى ~~وأربح مني!. # وقرأت في بعض الكتب: عبدي! ما يزال ملك كريم قد صعد إلي منك بعمل قبيح؛ ~~أتقرب إليك بالنعم، وتتمقت إلي بالمعاصي؛ خيري إليك نازل، وشرك إلي صاعد. # وفي التوراة: لعلك يا إسرائيل إذا أنت خرجت من البرية فدخلت الأرض ~~المقدسة، أرض بني آبائك إبراهيم وإسحاق، فإنها تفيض برا وشعيرا ولبنا ~~وعسلا، فورثت بيوتا بناها غيرك وعصرت كروما غرسها غيرك، فأكلت وشربت وتنعمت ~~بشحم لباب القمح، ضربت بيدك إلى صدرك ورمحت كما ترمح الدابة برجليها، وقلت: ~~بشدتي وبقوتي وبأسي ورثت هذه الأرض وغلبت أهلها، ونسيت نعمتي عليك! فأقذف ~~الرعب في صدرك إذا أنت لقيت عدوك، وإذا هبت الريح فتقعقع لها ورق الشجر ~~انهزمت، فأقل رجالك، وأرمل نساءك، وأيتم أبناءك، وأجعل السماء عليك نحاسا ~~والأرض حديدا، فلا السماء تمطر ولا الأرض تنبت، وأقل لك البركة حتى تجتمع ~~نسوة عشر يختبزن في تنور واحد. # بلغني عن عبد الرحمن المحاربي عن جعفر بن برقان قال: بلغني عن وهب بن ~~منبه قال: أجد في الكتاب أن قوما يتدينون لغير العبادة، ويختلون «1» الدنيا ~~بعمل الآخرة، يلبسون مسوك «2» الضأن على قلوب الذئاب، ألسنتهم # PageV02P294 # أحلى من العسل وأنفسهم أمر من الصبر، أبى يغترون! أم إياي يخادعون! أقسمت ~~لأبعثن عليهم فتنة يعود الحليم فيها حيران. # وقرأت في الإنجيل: «لا تجعلوا كنوزكم في الأرض حيث يفسدها السوس والدود ~~وحيث ينقب السراق، ولكن اجعلوا كنوزكم في السماء فإنه حيث تكون كنوزكم تكون ~~قلوبكم. إن العين هي سراج الجسد فإذا كانت عينك صحيحة فإن جسدك كله مضيء. ~~وإنه لا يستطيع أحد أن يعمل لربين اثنين إلا أن يحب أحدهما ويبغض الآخر، ~~ويوقر أحدهما ويهين الآخر، فكذلك لا تستطيعون أن تعملوا لله وللمال. ولا ~~يهمنكم ما تأكلون وما تشربون وما تلبسون، أليست النفس أفضل من الطعام، ~~والجسد أفضل من اللباس؟ # أنظروا إلى طير السماء فإنهن لا يزرعن ولا يحصدن ولا يجمعن في الأهراء ~~«1» ، وأبوكم الذي في السماء هو الذي يرزقهن، أفلستم أفضل منهن؟ # وأيكم الذي إذا جهد قدر أن يزيد في طوله ذراعا واحدا! فلم تهتمون ~~باللباس؟ اعتبروا بسوس «2» البرية فإنه لا يعمل ولا يغزل، أنا أقول: إن ~~سليمان بوقاره «3» لم يستطع أن يلبس كواحدة منه؛ فإذا كان الله يلبس عشب ~~الأرض الذي ينبت اليوم ويلقى في النار غدا أفلستم يا قليلي الإيمان أفضل ~~منه؟ ولا نهتموا فتقولوا: ماذا نأكل وماذا نشرب وماذا نلبس، فإنه إنما يهتم ~~لذلك ابن الدنيا؛ وإن أباكم الذي في السماء يعلم أن ذلك ينبغي لكم؛ فابدأوا ~~فالتمسوا ملكوت الله وصديقيته «4» ، فإنكم سوف تكفون. ولا يهمنكم ما في غد، ~~فإن غدا مكتف بهمه، وحسب اليوم شره. وكما تدينون تدانون، وبالمكيال الذي # PageV02P295 # تكيلون يكال لكم. وكيف تبصر القذاة في عين أخيك ولا تبصر السارية في ~~عينك؟ لا تعطوا الكلاب القدس، ولا تلقوا لؤلؤكم للخنازير. سلوا تعطوا، ~~وابتغوا تجدوا، واستفتحوا يفتح لكم، وانظروا الذي تحبون أن يأتي الناس ~~إليكم فاتوا إليهم مثله. أدخلوا الباب الضيق، فإن الباب والطريق إلى الهلكة ~~عريضان، والذين يسلكونهما كثير. وما أضيق الباب والطريق اللذين يبلغان إلى ~~الحياة! والذين يسلكونهما قليل» . # وقال له رجل: أتبعك حيث ذهبت؛ فقال له عيسى: للثعالب جحرة، ولطير السماء ~~كنان، وليس لابن الإنسان مكان يسند فيه رأسه. # وقال له رجل من الحواريين: أتأذن لي أن أدفن أبي؟ فقال له: دع الموتى ~~يدفنون موتاهم واتبعني. وقال للحواريين: لا تتزودوا شيئا، فإن العائل محقوق ~~أن يطعم قوته، وإني أرسلكم كالخرفان بين الذئاب، فكونوا حلماء كالحيات ~~وبلها كالحمام. وإذا دخلتم البيت فسلموا على البيت، فإن كان ذلك البيت أهلا ~~لسلامكم فليصبهم، وإن لم يكن أهلا لسلامكم فإنه يرجع إليكم. # ومن لم يؤوكم ويسمع لقولكم، فإذا خرجتم من قريته فانفضوا الغبار عن ~~أرجلكم. # حدثني عبد الرحمن عن عبد المنعم عن أبيه عن وهب قال: كان فيما ناجى به ~~عزير «1» ربه: اللهم فإن لك من كل خلق خلقته خيرة اخترتها، وإنك اخترت من ~~النبات الحبلة «2» ، ومن المواشي الضائنة، ومن الطير الحمامة، ومن # PageV02P296 # البيوت بيت إيلياء، ومن إيلياء بيت المقدس، ومن جميع الخلائق آدم، ومن ~~ولد آدم نوحا، ومن ولد نوح إبراهيم، ومن ولد إبراهيم إسماعيل وإسحاق، ومن ~~ولد إسحاق إسرائيل؛ اللهم فاصبحت خيرتك قد تمت ونفذت في كل ما اخترت إلا ما ~~كان من ولد خليلك إبراهيم، فإنهم أصبحوا أعبدا لأهل معصيتك وخولا لأعدائك، ~~فما الذي سلط علينا ذلك؟ أمن أجل خطايانا؟ # فالخاطئون ولدونا، أو من أجل ضعفنا؟ فمن ضعف خلقنا؛ قال: فجاءني الملك ~~فكلمني، فبينما أنا كذلك سمعت صوتا هالني فنظرت، فإذا امرأة حاسرة عن ~~رأسها، ناشرة شعرها، شاقة جيبها، تلطم وجهها. وتصرخ بأعلى صوتها، وتحثو ~~التراب على رأسها، فأقبلت عليها وتركت ما كنت فيه، فقلت لها: ما بالك أيتها ~~المرأة وما الذي دهاك؟ أخبريني خبرك، فقد أصابت المصائب غيرك؛ قالت: إليك ~~عني أيها الرجل، فإن ربي هو الذي أبكاني، ومصيبتي أعظم مما ترى؛ فقلت: فإن ~~في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، وعوضا من كل فائت، فإياه ~~فاستعيني، وإلى نظره لك فانظري؛ قالت: إني كنت امرأة كثيرا مالي، عظيما ~~شرفي، وكنت عاقرا لا ولد لي، وكنت عند بعل له نسوة معي وكلهن ولد له غيري، ~~فملن به لحب الولد فصرف وجهه عني، فحزنت وحزن أهلي وصديقي، فلما رأيت هواني ~~عليه وسقوط منزلتي عنده، رغبت إلى ربي ودعوته فأجابني، واستوهبته غلاما ~~فوهبه لي، فقرت به عيني، وفرح أهلي، وعطف الله به زوجي، وقطع عني ألسنة ~~ضرائري، فربيت غلاما لم تحمل أنثى مثله حسنا وجمالا ونضرة وتماما، فلما بلغ ~~أشده وكمل به سروري خطبت عليه عظيمة قومي، وبذلت دونه مالي، وخرجت من خلعتي ~~«1» ، وجمعت رجال قومي، فخرج يمشي بينهم حتى دخل # PageV02P297 # بيته، فلما قعد على سريره، خر منه فاندقت عنقه فمات ابني وضل عملي وبطل ~~نصيبي وتلف مالي، فخرجت إلى هذه البرية أبكيه فيها لا أريد أن أرى أثرا من ~~آثاره ولا أحدا من أصحابه، ولن أبرح أبكيه حتى ألحق به. قال عزير: اذكري ~~ربك وراجعيه، فقد أصابت المصائب غيرك أما رأيت هلاك إيلياء وهي سيدة ~~المدائن وأم القرى؟ أو ما رأيت مصيبة أهلها وهم الرجال؟ # قالت: إي، رحمك الله! إن هذا ليس لي بعزاء وليست لي بشيء منه أسوة، إنما ~~تبكي مدينة خربت، ولو تعمر عادت كما كانت، وإنما تبغي قوما وعدهم الله ~~الكرة على عدوهم، وأنا أبكي على أمر قد فات، وعلى مصيبة لا أستقيلها «1» ؛ ~~قال عزير: فإنه خلق لما صار إليه، وكل شيء خلق للدنيا فلابد أن سيفنى، أما ~~رأيت مدينتنا أصبحت خاوية على عروشها بعد عمارتها، وأوحشت بعد أنسها ~~وأثاثها؟ أو ما رأيت مسجدنا كيف غير حسنه، وهدم حصنه، وأطفىء نوره؟ أو ما ~~رأيت عز أهلها كيف ذل، وشرفهم كيف خمل، ومجدهم كيف سقط، وفخرهم كيف بطل؟ أو ~~ما رأيت كتاب الله كيف أحرق، وولي الله كيف رفع، وتابوت السكينة «2» كيف ~~سبي؟ أو ما رأيت نساء الملوك وبناتهم في بطون الأسواق حاسرات عن السوق ~~والوجوه والأشعار؟ أو ما رأيت الأشياخ الذين على وجوههم النور والسكينة ~~مقرنين في الحبال والقطار «3» ! أو ما رأيت # PageV02P298 # الأحبار والرهبان مصفدين في الإسار؟ أو ما رأيت أبناء موسى وهارون تضرب ~~عليهم السهام ويقتسمهم الأشرار، وولدان الملوك خدما للكفار؟ أو ما رأيت ~~قتلانا لم يوار أحدا منهم قبر، ولم يعهد أحد منهم إلى ولد؟ فالحكماء ~~مبهوتون، والعلماء يموجون، والحلماء متحيرون، وأهل الرأي ملقون بأيديهم ~~مستسلمون. قال: فبينا أنا أكلمها غشى وجهها نور مثل شعاع الشمس حال بيني ~~وبين النظر إليها، فخمرت من شدته وجهي ورددت يدي على بصري، ثم كشفت وجهي ~~فإذا أنا لا أحسها ولا أرى مكانها، وإذا مدينة قد رفعت لي حصينة بسورها ~~وأبوابها، فلما نظرت إلى ذلك خررت صعقا، فجاءني الملك فأخذ بضبعي ونعشني ~~«1» وقال لي: ما أضعفك يا عزير! وقد زعمت أن بك من القوة ما تخاطب به ربك ~~وتدلي بالعذر عن الخاطئين من بني إسرائيل؛ قال له عزير: مثل الذي رأيت ~~وعاينت أضعفني وأذهب روحي؛ قال الملك: فإن المرأة التي كلمتك هي المدينة ~~التي تبكي عليها، صورها الله لك في صورة أنثى فكلمتك، فافقه عنها: أما ~~قولها: أنها عمرت زمانا من دهرها عاقرا لا ولد لها، فكذلك كانت إيلياء ~~صعيدا من الأرض خرابا لا عمران فيها أكثر من ثلاثة آلاف سنة. وأما قولها: ~~إن الله وهب لها غلاما عند اليأس، فذلك حين أقبل الله عليها بالعمران ~~فابتعث الله منها أنبياءه وأنزل كتابه. وأما قولها: إنه هلك ولدها حين كمل ~~في سرورها، فذلك حين غير أهلها نعم الله وبدلوها ولم يزدادوا بالنعم عليهم ~~إلا جرأة على الله وفسادا، فغير الله ما بهم وسلط عليهم عدوهم حتى أفناهم، ~~وقد شفعك الله في قومك وكتابك ومدينتك، وسيعيدها الله عامرة كما رأيت: ~~عليها حيطانها وأبوابها، وفيها مساجدها وأنهارها # PageV02P299 # وأشجارها. # وحدثني بهذا الإسناد قال: لما أمر الله إبراهيم أن يذبح إسحاق عليهما ~~السلام ويجعله قربانا، أسر ذلك إلى خليل له يقال له: العازر؛ فقال له ~~الصديق: إن الله لا يبتلي بمثل هذا مثلك، ولكنه يريد أن يجربك ويختبرك، وقد ~~علمت أنه لم يبتلك بهذا ليفتنك ولا ليضلك ولا ليعنتك ولا لينقص به بصيرتك ~~وإيمانك ويقينك، ولا يروعنك هذا ولا تسوءن بالله ظنك، وإنما رفع الله اسمك ~~في البلاء على جميع أهل البلاء، حتى كنت أعظمهم في نفسك وولدك، ليرفعك بقدر ~~ذلك عليهم في المنازل والدرجات والفضائل؛ فليس لأهل الصبر في فضيلة الصبر ~~إلا فضل صبرك، وليس لأهل الثواب في فضيلة الثواب إلا فضل ثوابك، وليس لأهل ~~البلاء في جسيم شرف البلاء إلا فضل شرفك. وليس هذا من وجوه البلاء الذي ~~يبتلي الله به أولياءه، لأن الله أكرم في نفسه وأعدل في حكمه وأعدل في ~~عباده من أن يجعل ذبح الولد الطيب بيد الوالد النبي المصطفى؛ وأنا أعوذ ~~بالله من أن يكون هذا مني حتما على الله أو ردا لأمره أو سخطا لحكمه على ~~عباده، ولكن هذا الرجاء فيه والظن به. # فإن عزم ربك على ذلك فكن عبدا أحسن علمه بك؛ فإني أعلم أنه لم يعرضك لهذا ~~البلاء العظيم إلا لحسن علمه بك وبصدقك وبصبرك، ليجعلك للناس إماما؛ ولا ~~حول ولا قوة إلا بالله. # وحدثني بهذا الإسناد أن يوسف عليه السلام لما لبث في السجن سبع سنين أرسل ~~الله عز وجل إليه جبريل عليه السلام بالبشارة بخروجه، فقال له: # أتعرفني أيها الصديق؟ قال له يوسف: أرى صورة ظاهرة وروحا طيبا لا يشبه ~~أرواح الخاطئين؛ قال جبريل: أنا الروح الأمين، رسول رب العالمين؛ قال يوسف: ~~فما أدخلك مداخل المذنبين وأنت سيد المرسلين ورأس المقربين؟ # PageV02P300 # قال جبريل: أو لم تعلم أيها الصديق أن الله يطهر البيوت بطهر النبيين، ~~وأن البقعة التي يحلون بها هي أطهر الأرضين، وأنه قد طهر بك السجن وما حوله ~~يا ابن الطاهرين؛ قال يوسف: كيف تشبهني بالصالحين، وتسميني بأسماء ~~الصديقين، وتعدني مع آبائي المخلصين، وأنا أسير بين هؤلاء المجرمين! قال ~~جبريل: لم يكلم قلبك الجزع، ولم يغير خلقك البلاء، ولم يتعاظمك السجن، ولم ~~تطأ فراش سيدك، ولم ينسك بلاء الدنيا بلاء الآخرة، ولم تنسك نفسك أباك ولا ~~أبوك ربك؛ وهذا الزمان الذي يفك الله به عنوك «1» . # ويعتق به رقك، ويبين للناس فيه حكمتك، ويصدق رؤياك وينصفك ممن ظلمك، ~~ويجمع إليك أحبتك، ويهب لك ملك مصر: يملكك ملوكها، ويعبد لك جبابرتها، ويذل ~~لك أعزتها، ويصغر لك عظماءها، ويخدمك سوقتها، ويخولك خولها، ويرحم بك ~~مساكينها، ويلقي لك المودة والهيبة في قلوبهم، ويجعل لك اليد العليا عليهم ~~والأثر الصالح فيهم، ويرى فرعون حلما يفزع منه ويأخذه له كرب شديد حتى ~~يسهره ويذهب نومه، ويعمي عليه تفسيره وعلى السحرة والكهنة ويعلمك تأويله. # وفي بعض الكتب: أوحى الله تعالى إلى بعض الأنبياء: إذا أردت أن تسكن معي ~~غدا في حظيرة القدس فكن في الدنيا وحيدا فريدا مهموما حزينا، كالطائر ~~الوحداني يظل بأرض الفلاة ويرد ماء العيون ويأكل من أطراف الشجر، فإذا جن ~~عليه الليل أوى وحده استيحاشا من الطير واستئناسا بربه جل وعز. # لما قتل عبد الله بن الزبير وجد الحجاج فيما ترك صندوقا عليه فقال # PageV02P301 # حديد، فتعجب منه وقال: إن في هذا شيئا، ففتحه، فإذا صندوق آخر عليه قفل ~~ففتحه فإذا سفط «1» فيه درج، ففتحه فإذا صحيفة فيها: إذا كان الحديث خلفا ~~«2» ، والميعاد خلفا، والمقنب «3» ألفا، وكان الولد غيظا، والشتاء قيظا؛ ~~وغاض الكرام غيضا، وفاض اللئام فيضا، فأعنز عفرة «4» ، في جبل وعر، خير من ~~ملك بني النضر. حدثني بذلك كعب الحبر. ### | الدعاء # «5» # حدثني أبو مسعود الدارمي قال: حدثنا جرير عن أنس بن مالك قال: # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال ربكم، عز وجل، ثلاثة: واحدة لي، ~~وواحدة لك يا ابن آدم، وواحدة بيني وبينك، فأما التي لي فتخلص لي لا تشرك ~~بي شيئا، وأما التي لك فأحوج ما تكون إلى عملك أوفيكه، وأما التي بيني ~~وبينك فمنك الدعاء وعلي الإجابة» . # حدثني عبدة بن عبد الله قال: أخبرنا زيد بن الحباب قال: حدثنا معاوية ~~قال: حدثني أزهر بن سعيد عن عاصم بن حميد قال: سألت عائشة رضي الله عنها، ~~ما كان يفتتح به رسول الله صلى الله عليه وسلم به صلاته في قيام الليل؟ ~~قالت: كان يكبر عشرا ويحمد عشرا ويسبح عشرا ويهلل عشرا ويستغفر الله عشرا، ~~ثم # PageV02P302 # يقول: «اللهم اغفر لي واهدني وارزقني وعافني» ، ويتعوذ من ضيق المقام يوم ~~القيامة. # حدثنا حسين بن حسن المروزي قال: حدثنا الحفاف عن أبي الورقاء عن عبد الله ~~بن أبي أوفى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال: «أصبحنا ~~وأصبح الملك والكبرياء والعظمة والخلق والأمر والليل والنهار وما يسكن ~~فيهما لله رب العالمين وحده لا شريك له. اللهم اجعل أول هذا النهار صلاحا ~~وأوسطه فلاحا وآخره نجاحا. اللهم إني أسألك خير الدنيا وخير الآخرة يا أرحم ~~الراحمين» . # حدثنا إسحاق بن راهويه «1» قال: أخبرنا حسين بن علي الجعفي عن إسرائيل عن ~~الحسين أنه كان إذا استسقى قال: «اللهم اسقنا سقيا واسعة وادعة عامة نافعة ~~غير ضارة تعم بها حاضرنا وبادينا وتزيد بها في رزقنا وشكرنا. اللهم اجعله ~~رزق إيمان وعطاء إيمان إن عطاءك لم يكن محظورا. # اللهم أنزل علينا في أرضنا سكنها «2» ، وأنبت فيها زينتها ومرعاها» . # روى الكلبي عن أبي صالح أن العباس قال يوم استسقى عمر رضي الله عنه: ~~«اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولا يكشف إلا بتوبة، وقد توجه بي القوم ~~إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا بالتوبة، فاسقنا ~~الغيث» . فأرخت السماء شآبيب مثل الجبال بديمة «3» مطبقة. # PageV02P303 # وروى سفيان بن عيينة عن أبي عبد الملك قال: سمعت عمر بن عبد العزيز عشية ~~عرفة بعرفة وهو يقول: اللهم زد في إحسان محسنهم، وراجع بمسيئهم إلى التوبة، ~~وحط من ورائهم بالرحمة» . # حدثنا حسين بن حسين قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا يحيى بن ~~أيوب عن عبيد الله بن زحر عن خالد بن أبي عمران عن عبد الله بن عمر قال: ~~كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يقوم من مجلس إلا دعا بهؤلاء ~~الدعوات: «اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ~~ما تبلغنا به إلى رحمتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا، ~~ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا، واجعل ذلك الوارث منا، وانصرنا على من ظلمنا، ~~ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا ~~تسلط علينا من لا يرحمنا» . # بلغني عن يونس عن الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: كان شداد بن أوس في سفر، ~~فنزلنا منزلا فقال لغلامه: إئتنا بالسفرة نعبث بها؛ فأنكرت منه، فقال ما ~~تكلمت بكلمة مذ أسلمت إلا وأنا أخطمها وأزمها غير كلمتي هذه فلا تحفظوها ~~عني، واحفظوا عني ما أقول لكم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ~~«إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسألك ~~الثبات في الأمر والعزيمة في الرشد وأسألك شكر نعمتك وأسألك حسن عبادتك، ~~وأسألك قلبا سليما ولسانا صادقا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما ~~تعلم، وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب» . # بلغني عن الوليد بن مسلم قال: حدثنا أبو سلمة الدوسي عن سالم بن عبد الله ~~قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم ارزقني عينين ~~هطالتين # PageV02P304 # تبكيان بذروف الدموع وتشفيانني من خشيتك قبل أن تكون الدموع دما والأضراس ~~جمرا» . # حدثني أبو سفيان الغنوي قال: حدثنا عمر بن عمران قال: حدثني الحارث بن ~~عنبة عن العلاء بن كثير عن أبي الأسقع: أنه كان يحفظ من دعاء النبي صلى ~~الله عليه وسلم: «يا موضع كل شكوى ويا شاهد كل نجوى بكل سبيل أنت مقيم ترى ~~ولا ترى وأنت بالمنظر الأعلى» . # حدثنا عبد الرحمن «1» عن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبه قال: كان ~~دعاء عيسى الذي يدعو به للمرضى والزمنى والعميان والمجانين وغيرهم: # «اللهم أنت إله من في السماء وإله من في الأرض لا إله فيهما غيرك، وأنت ~~جبار من في السماء وجبار من في الأرض لا جبار فيهما غيرك، وأنت حكم من في ~~السماء وحكم من في الأرض لا حكم فيهما غيرك، وأنت ملك من في السماء وملك من ~~في الأرض لا ملك فيهما غيرك؛ قدرتك في الأرض كقدرتك في السماء، وسلطانك في ~~الأرض كسلطانك في السماء؛ أسألك باسمك الكريم ووجهك المنير وملكك القديم، ~~إنك على كل شيء قدير» . قال وهب: هذا يقرأ للفزع على المجنون ويكتب له ~~ويغسل ويسقى، فيبرأ بإذن الله أي ذلك شاء فعل. # وحدثني أيضا بهذا الإسناد قال: كان من دعاء المسيح حين أخذه اليهود ~~ليصلبوه بزعمهم فرفعه الله إليه: «اللهم أنت القريب في علوك، المتعالي في ~~دنوك الرفيع على كل شيء من خلقك؛ أنت الذي نفذ بصرك في خلقك، وحسرت الأبصار ~~دون النظر إليك وعشيت دونك، وشمخ بك العلو في النور؛ # PageV02P305 # أنت الذي جليت الظلم بنورك فتباركت اللهم خالق الخلق بقدرتك، مقدر الأمور ~~بحكمتك، مبتدع الخلق بعظمتك، القاضي في كل شيء بعلمك؛ أنت الذي خلقت سبعا ~~في الهواء بكلماتك، مستويات الطباق مذعنات لطاعتك، سما بهن العلو بسلطانك، ~~فأجبن وهن دخان من خوفك، فأتين طائعات بأمرك، فيهن ملائكتك يسبحون قدسك ~~بتقديسك، وجعلت فيهن نورا يجلو الظلام، وضياء أضوأ من شمس النهار، وجعلت ~~فيهن مصابيح يهتدى بها في ظلمات البحر والبر ورجوما للشياطين، فتباركت ~~اللهم في مفطور سمواتك، وفيما دحوت «1» من أرضك، دحوتها على الماء، فأذللت ~~لها الماء المتظاهر «2» فذل لطاعتك وأذعن لأمرك، وخضع لقوتك أمواج البحار، ~~ففجرت فيها بعد البحار الأنهار، وبعد الأنهار العيون الغزار والينابيع؛ ثم ~~أخرجت منها الأشجار بالثمار، ثم جعلت على ظهرها الجبال أوتادا فأطاعتك ~~أطوادها، فتباركت اللهم في صنعك، فمن يبلغ صفة قدرتك ومن ينعت نعتك. تنزل ~~الغيث وتشىء السحاب، وتفك الرقاب وتقضي الحق وأنت خير الفاصلين. لا إله إلا ~~أنت سبحانك أمرت أن يستغفرك كل خاطىء. لا إله إلا أنت إنما يخشاك من عبادك ~~العلماء الأكياس. أشهد أنك لست بإله استحدثناه، ولا رب يبيد ذكره، ولا كان ~~لك شركاء يقضون معك فندعوهم وندعك، ولا أعانك أحد على خلقك فنشك فيك. أشهد ~~أنك أحد صمد لم تلد ولم يكن لك كفوا أحد، ولم تتخذ صاحبة ولا ولدا. إجعل لي ~~من أمري فرجا ومخرجا» ؛ قال وهب: وهذا الدعاء عوذة للشقيقة وغيرها من قولك: ~~أشهد أنك لست بإله استحدثناه، إلى آخره. # PageV02P306 # حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن عباس قال: # «الإخلاص هكذا، وبسط يده اليمنى وأشار فإصبعه من يده اليسرى، والدعاء ~~هكذا، وأشار براحتيه إلى السماء، والإبتهال هكذا، ورفع يديه فوق رأسه ~~ظهورهما إلى وجهه» . # حدثني عبد الرحمن عن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبه قال: # كان داود إذا دعا في جوف الليل قال: «اللهم نامت العيون وغارت النجوم ~~وأنت حي قيوم اغفر لي ذنبي العظيم إنك عظيم وإنما يغفر العظيم العظيم، إليك ~~رفعت رأسي عامر السماء نظر العبيد إلى أربابها. اللهم تساقطت القرى وأبطل ~~ذكرها وأنت ذائب الدهر معد كرسي القضاء» . # قال: وكان من تحميده: الحمد لله عدد قطر المطر، وورق الشجر، وتسبيح ~~الملائكة، وعدد ما في البر والبحر. والحمد لله عدد أنفاس الخلق ولفظهم ~~وطرفهم وظلالهم، وعدد ما عن أيمانهم وشمائلهم، وعدد ما قهره ملكه، ووسعه ~~حفظه، وأحاطت به قدرته، وأحصاه علمه. والحمد لله عدد ما تجري به الرياح، ~~وتحمله السحاب، وعدد ما يختلف به الليل والنهار، وتسير به الشمس والقمر ~~والنجوم. والحمد لله عدد كل شيء أدركه بصره، ونفذ فيه علمه، وبلغ فيه لطفه. ~~والحمد لله الذي أدعوه فيجيبني وإن كنت بطيئا حين يدعوني. والحمد لله الذي ~~أسأله فيعطيني، وإن كنت بخيلا حين يستقرضني. # والحمد لله الذي أستعفيه فيعافيني، وإن كنت متعرضا لما يهلكني. والحمد ~~لله الذي حلم في الذنوب عن عقوبتي حتى كأني لا ذنب لي، ولو يؤاخذني لم ~~يظلمني سيدي. والحمد لله الذي أرجوه أيام حياتي، وهو ذخري في آخرتي، ولو ~~رجوت غيره لا نقطع رجائي. والحمد لله الذي تمسي أبواب الملوك مغلقة دوني، ~~وبابه مفتوح لكل ما شئت من حاجاتي بغير شفيع # PageV02P307 # فيقضيها لي. والحمد لله الذي أخلو به في كل حاجاتي، وأضع عنده سري في أي ~~ساعة شئت من ساعاتي. والحمد لله الذي يتحبب إلي وهو عني غني فربي أحمد شيء ~~عندي وأحقه بحمدي» . # وكان من دعاء يوسف: «يا عدتي عند كربتي، ويا صاحبي في وحدتي، ويا غياثي ~~عند شدتي، ومفزعي عند فاقتي، ورجائي إذا انقطعت حيلتي، يا إلهي وإله آبائي ~~إبراهيم وإسحاق ويعقوب، اجعل لي فرجا ومخرجا واقض حاجتي» . # وكان بكاء بني إسرائيل يقول: «اللهم لا تؤدبني بعقوبتك، ولا تمكر بي في ~~حيلتك، ولا تؤاخذني بتقصيري عن رضاك، عظيم خطيئتي فاغفر، ويسير عملي فتقبل، ~~كما شئت تكون مشيئتك، وإذا عزمت يمضي عزمك؛ فلا الذي أحسن استغنى عنك وعن ~~عونك، ولا الذي أساء استبد بشيء يخرج به من قدرتك، فكيف لي بالنجاة ولا ~~توجد إلا من قبلك! إله الأنبياء، وولي الأنبياء، وبديع مرتبة الكرامة، جديد ~~لا يبلى، حفيظ لا ينسى؛ دائم لا يبيد، حي لا يموت، يقظان لا ينام؛ بل ~~عرفتك، وبك اهتديت إليك، ولولا أنت لم أدر ما أنت؛ فتباركت وتعاليت» . # قال الأزدي حدثت عن محمد بن النضر الحارثي أن النبي صلى الله عليه وسلم ~~قال: «لا تقطعوا الشهادة على أهل القبلة فإنه من يقطع الشهادة عليهم فأنا ~~منه بريء إن الله كتمنا ما يصنع بأهل القبلة» . وقال: «من علم آية من كتاب ~~الله أو كلمة من سنة في دين الله حثا «1» الله له من الثواب حثوا» . # قال: وقال الأوزاعي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم إني ~~أسألك # PageV02P308 # التوفيق لمحابك من الأعمال وحسن الظن بك وصدق التوكل عليك» . # محمد بن بشر العبدي قال: حدثنا بعض أشياخنا قال: اعتمر علي عليه السلام ~~فرأى رجلا متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول: يا من لا يشغله سمع عن سمع، ولا ~~تغلطه «1» المسائل، ولا يبرمه «2» إلحاح الملحين؛ أذقني برد عفوك وحلاوة ~~مغفرتك؛ فقال علي: والذي نفسي بيده، لو قلتها وعليك ملء السموات والأرضين ~~ذنوبا لغفر لك. # دعا أعرابي عند الملتزم «3» فقال: اللهم إن لك علي حقوقا فتصدق بها علي، ~~وللناس قبلي تبعات فتحملها عني، وقد أوجبت لكل ضيف قرى، وأنا ضيفك فاجعل ~~قراي الليلة الجنة. # وقال آخر: اللهم إليك خرجت، وما عندك طلبت، فلا تحرمني خير ما عندك لشر ~~ما عندي. اللهم وإن كنت لم ترحم نصبي وتعبي فلا تحرمني أجر المصاب على ~~مصيبته. # وقرأت في كتاب لشيخ لنا: اللهم إنه من تهيأ أو تعبأ، وأعد واستعد لوفادة ~~مخلوق رجاء رفده وطلب نيله، فإن تهيىء وتعبىء وإعدادي واستعدادي لك رجاء ~~رفدك وطلب نائلك الذي لا خطر «4» له ولا مثل. اللهم إني لم آتك بعمل صالح ~~قدمته، ولا شفاعة مخلوق رجوته، أتيتك مقرا بالظلم والإساءة على نفسي، أتيتك ~~بأني لا حجة لي، أرجو عظيم عفوك الذي عدت به على # PageV02P309 # الخطائين، ثم لم يمنعك عكوفهم على عظيم الجرم أن جدت لهم بالمغفرة. # فيا من رحمته واسعة، وفضله عظيم اغفر الذنب العظيم. # ابن عائشة قال: قال الفضل بن عيسى الرقاشي: اللهم لا تدخلنا النار بعد ~~إذا أسكنت قلوبنا توحيدك؛ وإني لأرجو ألا تفعل، ولئن فعلت لتجمعن بيننا ~~وبين قوم عاديناهم فيك. # بلغني عن ابن عيينة عن أبي حازم قال: لأنامن أن أمنع الدعاء أخوف مني من ~~أن أمنع الإجابة. # أنشدنا محمد بن عمر لبعض الشعراء في وصف دعوة «1» : [طويل] # وسارية لم تسر في الأرض تبتغي ... محلا ولم يقطع بها البيد قاطع # سرت حيث لم تسر الركاب ولم تنخ ... لورد ولم يقصر لها القيد مانع # تحل «2» وراء الليل والليل ساقط ... بأرواقه «3» فيه سمير وهاجع # تفتح أبواب السماء ودونها «4» ... إذا قرع الأبواب منهن قارع # إذا أوفدت لم يردد الله وفدها «5» ... على أهلها والله راء وسامع # وإني لأرجو الله حتى كأنني «6» ... أرى بجميل الظن ما الله صانع # وقال آخر: [طويل] # وإني لأدعو الله والأمر ضيق ... علي فما ينفك أن يتفرجا # PageV02P310 # ورب فتى سدت عليه وجوهه ... أصاب له في دعوة الله مخرجا # ونحوه: [بسيط] # إذا تضايق أمر فانتظر فرجا ... فأضيق الأمر أدناه من الفرج # أخذ لرجل من العرب مال فكتب إلى آخذه: يا هذا، إن الرجل ينام على الثكل، ~~ولا ينام على الحرب «1» ؛ فإما رددته، وإما عرضت اسمك على الله تعالى كل ~~يوم وليلة خمس مرات. # قال عبد الرحمن بن زياد: اشتكى أبي فكتب إلى بكر بن عبد الله يسأله أن ~~يدعو له، فكتب إليه بكر: يحق لمن عمل ذنبا لا عذر له فيه، وتوقع موتا لا بد ~~له منه، أن يكون وجلا مشفقا، سأدعو لك، ولست أرجو أن يستجاب لي بقوة في ~~عمل، ولا براءة من ذنب، والسلام. # خلف بن تميم عن عبد الجبار بن كليب قال: قال لنا إبراهيم بن أدهم حين عرض ~~لنا السبع: قولوا: اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واجعلنا في كنفك الذي ~~لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، لا نهلك وأنت رجاؤنا؛ قال خلف: فما زلت ~~أقولها مذ سمعتها، فما عرض لي قط لص ولا غيره. # قال أعرابي: من أقام بأرضنا فليكثر من الإستغفار، فإن مع الإستغفار ~~القطار «2» . # بلغني عن موسى بن مسعود النهدي عن سفيان الثوري عن قدامة بن حماطة الضبي ~~عن خالد بن منجاب عن زياد بن حدير الأسدي أن العلاء بن # PageV02P311 # الحضرمي عبر إلى أهل دارين «1» البحر بهذه الكلمات: يا حليم يا حكيم يا ~~علي يا عظيم. # حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا يزيد بن هارون عن هشام الدستوائي «2» عن ~~حماد عن إبراهيم عن عبد الله في الرجل إذا أراد الحاجة صلى ركعتين ثم قال: ~~اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم فإنك ~~تقدر ولا أقدر، وتملك ولا أملك، وتعلم ولا أعلم، إن كان هذا الأمر الذي ~~أريده- وتسميه- خيرا لي في ديني وخيرا لي في معيشتي وخيرا لي فيما أبتغي ~~فيه الخيرة فيسره لي وبارك لي فيه، وإن كان شرا لي في ديني وشرا في معيشتي ~~وشرا لي فيما أبتغي فيه الخير فاصرفه عني ويسر لي الخير حيث كان ثم رضني ~~به. # ومن دعاء بعض الصالحين: اللهم إني أستغفرك من كل ذنب قوي عليه بدني ~~بعافيتك، ونالته يدي بفضل نعمتك، وانبسطت إليه بسعة رزقك، واحتجبت فيه عن ~~الناس بسترك، واتكلت فيه على أناتك وحلمك، وعولت فيه على كريم عفوك. # الأوزاعي قال: من قال: «اللهم إني أستغفرك لما تبت إليك منه ثم عدت فيه، ~~وأستغفرك لما وعدتك من نفسي وأخلفتك، وأستغفرك لما أردت به وجهك فخالطه ما ~~ليس لك، وأستغفرك للنعم التي أنعمت بها علي فتقويت # PageV02P312 # بها على معصيتك، واستغفرك لكل ذنب أذنبته أو معصية ارتكبتها» غفر الله له ~~ولو كانت ذنوبه عدد ورق الشجر، ورمل عالج «1» ، وقطر السماء. # وكان مطرف يقول: اللهم إني أعوذ بك من شر السلطان، ومن شر ما تجري به ~~أقلامهم، وأعوذ بك أن أقول قولا حقا فيه رضاك ألتمس به أحدا سواك، وأعوذ بك ~~أن أتزين للناس بشيء يشينني، وأعوذ بك أن أكون عبرة لأحد من خلقك، وأعوذ بك ~~أن يكون أحد من خلقك أسعد بما علمتني مني، وأعوذ بك أن أستغيث بمعصية لك من ~~ضر يصيبني. # الأزدي عن عبد الواحد بن زيد قال: شهدت مالك بن دينار يوما وقيل له: يا ~~أبا يحيى، أدع الله أن يسقينا، قال: تستبطئون المطر! قالوا: نعم؛ قال: إنني ~~والله أستبطىء الحجارة. # قال أبو كعب: سمعت عطاء السلمي يقول: اللهم ارحم غربتي في الدنيا، ومصرعي ~~عند الموت، ووحدتي في القبور، ومقامي بين يديك. # حدثني محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: ~~حدثنا زهير عن زبيد اليامي «2» عن مرة عن عبد الله قال: إن الله تعالى قسم ~~بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، إن الله يؤتي المال من يحب ومن لا ~~يحب، ولا يؤتي الإيمان إلا من يحب. فمن ضن بالمال أن ينفقه، وهاب العدو أن ~~يجاهده، والليل أن يكابده فليكثر من سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا ~~الله والله أكبر» . # PageV02P313 # ومن جامع الدعاء: اللهم أغنني بالعلم، وزيني بالحلم، وجملني بالعافية، ~~وأكرمني بالتقوى. # وكان من دعاء أبي المجيب: اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا فنعجز، ولا إلى ~~الناس فنضيع، اللهم اجعل خير عملي ما قارب أجلي. # ومن دعاء عمرو بن عبيد: اللهم أغنني بالإفتقار إليك، ولا تغنني ~~بالإستغناء عنك. # ابن عائشة عن سلام بن أبي مطيع قال: سمعت ابن عون يقول: كانوا يستحبون من ~~الدعاء: اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك لعبيدك وإمائك، أنا الذليل ولا ~~أنتصر، وأنا الظالم، ولا أعتذر، عملت سوءا وظلمت نفسي وإلا تغفر لي وترحمني ~~أكن من الخاسرين، فما أتمها ابن عون حتى أجهش «1» بالبكاء. # ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اجعلني لك سكارا، لك ذكارا، لك ~~رهابا، لك مطيعا، إليك مخبتا، لك أواها منيبا، رب تقبل توبتي واغسل حوبتي ~~وأجب دعوتي وثبت حجتي واهد قلبي وسدد لساني» . ### | المناجاة # حدثني عبد الله بن هارون عن سليم بن منصور عن أبيه قال: كنت بالكوفة ~~فخرجت في بعض الليل لحاجة وأنا أظن أني قد أصبحت فإذا علي ليل فملت إلى بعض ~~أبوابها أنتظر الصبح فسمعت من وراء الباب كلام رجل وهو يقول: فوعزتك وجلالك ~~ما أردت بمعصيتي مخالفتك، وما عصيتك إذ # PageV02P314 # عصيتك وأنا بنكالك جاهل، ولا بعقوبتك ولا بنظرك مستخف، ولكن سولت لي ~~نفسي، وأعانني على ذلك شقوتي، وغرني سترك المرخى علي، فعصيتك بجهل وخالفتك ~~بجهل، فالآن من عذابك من يستنقذني وبحبل من أعتصم إن قطعت حبلك عني، ~~فواسوأتاه من الوقوف بين يديك غدا! إذا قيل للمخفين: جوزوا وللمثقلين: ~~حطوا؛ أفمع المثقلين أحط أم مع المخفين أجوز؟ ويلي! كلما كبرت سني كثرت ~~ذنوبي؛ ويلي! كلما طال عمري كثرت معاصي فمن كم أتوب! وفي كم أعود! أما آن ~~لي أن أستحي من ربي؟ # بلغني عن الوليد بن مسلم عن عثمان بن أبي العاتكة قال: كان داود النبي ~~عليه السلام يقول في مناجاته: سبحانك إلهي! إذا ذكرت خطيئتي ضاقت علي الأرض ~~برحبها، وإذا ذكرت رحمتك ارتد إلي روحي، سبحانك إلهي! أتيت أطباء عبادك ~~ليداووا لي خطيئتي فكلهم عليك يدلني. # حدثني بعض أشياخنا قال: كان داود الطائي يقول: همك عطل علي الهموم، وحالف ~~بيني وبين السهاد، وشدة الشفق من لقائك أوبق «1» علي الشهوات، ومنعني ~~اللذات، فأنا في طلبك أيها الكريم مطلوب. وقال: تعبد ضيعم قائما حتى أقعد، ~~وقاعدا حتى استلقى، ومستلقيا حتى أفحم؛ فلما جهد رفع بصره إلى السماء وقال: ~~سبحانك، عجبا للخليقة كيف أرادت بك بدلا؟ وسبحانك، عجبا للخليقة كيف ~~استنارت قلوبها بذكر غيرك؟ وعجبا للخليقة كيف أنست بسواك؟ # عتبة أبو الوليد قال: كانت امرأة من التابعين تقول: # سبحانك، ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله! سبحانك ما أوحش # PageV02P315 # الطريق على من لم تكن أنيسه!. # أبو الحسن قال: كان عروة بن الزبير يقول في مناجاته بعد أن قطعت رجله ~~ومات ابنه: كانوا أربعة، يعني بنيه، فأخذت واحدا وأبقيت ثلاثة، وكن أربعا ~~يعني يديه ورجليه، فأخذت واحدة وأبقيت ثلاثا، ليمنك «1» لئن كنت أخذت لقد ~~أبقيت، ولئن كنت ابتليت لقد عافيت. # وفي حديث بني إسرائيل أن يونس عليه السلام قال لجبريل عليه السلام: دلني ~~على أعبد أهل الأرض فدله على رجل قد قطع الجذام يديه ورجليه، وذهب ببصره، ~~فسمعه يقول: متعتني ما شئت، وسلبتني حين شئت، وأبقيت لي فيك الأمل يا بار ~~يا وصول. # ومن دعاء بعض الصالحين: اللهم اقطع حوائجي من الدنيا بالشوق إلى لقائك، ~~واجعل قرة عيني في عبادتك، وارزقني غم خوف الوعيد، وشوق رجاء الموعود، ~~أللهم إنك تعلم ما يصلحني في دنياي وآخرتي فكن بي خفيا «2» . ### | باب البكاء # حدثني أبو مسعود الدارمي قال: حدثني جدي عن أنس بن مالك قال: # جاء فتى من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن أمي تكثر ~~البكاء وأخاف على بصرها أن يذهب؛ فلو أتيتها فوعظتها! فذهب معه فدخل فقال ~~لها في ذلك؛ فقالت: يا رسول الله، أرأيت إن ذهب بصري في الدنيا ثم صرت إلى ~~الجنة، أيبدلني الله خيرا منه؟ قال: «نعم» قالت: فإن ذهب بصري في الدنيا # PageV02P316 # ثم صرت إلى النار؛ أفيعيد الله بصري؟ فقال النبي عليه السلام للفتى: «إن ~~أمك صديقة» . # حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن الأوزاعي عن ثابت ~~بن سعيد قال: ثلاث أعين لا تمسها النار؛ عين حرست في سبيل الله؛ وعين سهرت ~~في كتاب الله؛ وعين بكت في سواد الليل من خشية الله. # أبو حاتم عن العتبي قال: حدثنا أبو إبراهيم قال: لا يكون البكاء إلا من ~~فضل فإذا اشتد الحزن ذهب البكاء، وأنشد: [كامل] # فلئن بكيناه يحق لنا ... ولئن تركنا ذاك للكبر # فلمثله جرت العيون دما ... ولمثله جمدت فلم تجر # بلغني عن أبي الحارث الليث بن سعد عن أبيه عن ابن لهيعة عن أبي قبيل عن ~~عبد الله بن عمرو بن العاص قال: دخل يحيى بن زكريا بيت المقدس وهو ابن ~~ثماني حجج، فنظر إلى عباد بيت المقدس قد لبسوا مدارع الشعر، وبرانس الصوف، ~~ونظر إلى متهجديهم أو قال مجتهديهم قد خرقوا التراقي، وسلكوا فيها السلاسل، ~~وشدوها إلى حنايا بيت المقدس، فهاله ذلك؛ فرجع إلى أبويه فمر بصبيان يلعبون ~~فقالوا: يا يحيى، هلم فلنلعب قال: إني لم أخلق للعب، فذلك قول الله تعالى: ~~وآتيناه الحكم صبيا # «1» فأتى أبويه فسألهما أن يدرعاه الشعر ففعلا، ثم رجع إلى بيت المقدس ~~فكان يخدمه نهارا ويصيح فيه ليلا، حتى أتت له خمس عشرة سنة، وأتاه الخوف ~~فساح ولزم أطراف الأرض وغيران «2» الشعاب، وخرج أبواه في طلبه فوجداه # PageV02P317 # حين نزلا من جبال التيه على بحيرة الأردن وقد قعد على شفير البحيرة وأنقع ~~قدميه في الماء، وقد كاد العطش يذبحه وهو يقول: وعزتك لا أذوق بارد الشراب ~~حتى أعلم أين مكاني منك! فسأله أبواه أن يأكل قرصا كان معهما من شعير، ~~ويشرب من الماء ففعل وكفر عن يمينه فمدح بالبر؛ قال الله عز وجل: # وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا # «1» ورده أبواه إلى بيت المقدس، فكان إذا قام في صلاته بكى، ويبكي زكريا ~~لبكائه حتى يغمى عليه، فلم يزل كذلك حتى خرقت دموعه لحم خديه، وبدت أضراسه، ~~فقالت له أمه: يا يحيى، لو أذنت لي اتخذت لك لبدا «2» ليواري إضراسك عن ~~الناظرين؛ قال: أنت وذاك، فعمدت إلى قطعتي لبود فألصقتهما على خديه، فكان ~~إذا بكى استنقعت دموعه في القطعتين فتقوم إليه أمه فتعصرهما بيديها، فكان ~~إذا نظر إلى دموعه تجري على ذراعي أمه قال: اللهم، هذه دموعي وهذه أمي وأنا ~~عبدك وأنت أرحم الراحمين. # بلغني عن أبي معاوية عن أبي إسحاق الخميسي قال: كان يزيد الرقاشي يقول: ~~ويحك يا يزيد! من يصوم عنك! من يصلي عنك! ومن ذا يترضى لك ربك من بعدك! ثم ~~يقول: يا معشر من الموت موعده، والقبر بيته ألا تبكون؟ قال: فكان يبكي حتى ~~تسقط أشفار «3» عينيه. # بلغني عن محمد بن فضيل عن العلاء بن المسيب عن الحسن قال: قال النبي صلى ~~الله عليه وسلم: «ما من قطرة أحب إلى الله من قطرة دم في سبيله وقطرة دمع ~~في # PageV02P318 # جوف الليل من خشيته، وما من جرعة أحب إلى الله من جرعة مصيبة موجعة ردها ~~بصبر وحسن عزاؤه، وجرعة غيظ كظم عليها» . # معتمر بن سليمان عن رجل قال: كان في وجنتي ابن عباس خطان من أثر الدموع. # حدثني محمد بن داود عن سعيد بن نصير قال: حدثنا سيار عن جعفر قال: كنت ~~إذا أحسست من قلبي بقسوة أتيت محمد بن واسع فنظرت إليه نظرة: قال: وكنت إذا ~~رأيت وجهه حسبته وجه ثكلى. # وكان يقال: أخوك من وعظك برؤيته قبل أن يعظك بكلامه. # تكلم الحسن يوما حتى أبكى من حوله فقال: عجيج «1» كعجيج النساء ولا عزم، ~~وخدعة كخدعة إخوة يوسف جاءوا أباهم عشاء يبكون. # أبو عاصم قال: فقد مالك بن دينار مصحفه في مجلسه؛ فنظر إليهم كلهم يبكون؛ ~~فقال: كلكم يبكي! فمن سرق المصحف؟. # قال عبد العزيز بن مرزوق: الكمد أبقى للحزن؛ وكانت له شعيرات في مقدم ~~صدغه فإذا رق نتفها أو مدها إلى فوق فتقلص دمعه. # قيل لغالب بن عبيد الله: إنا نخاف على عينك العمى من طول البكاء؛ فقال: ~~هو لها شهادة؛ قال بعض الشعراء: [طويل] # سأبكيك حتى تنفد العين ماءها ... ويشفي مني الدمع ما أتوجع # وقال بعض الكتاب في مثله: [سريع] # إبك فمن أنفع ما في البكا ... أنه للأحزان تسهيل # PageV02P319 # وهو إذا أنت تأملته ... حزن على الخدين محلول # قيل لعفيرة العابدة: ألا تسأمين من طول البكاء؟ فبكت ثم قالت: كيف يسأم ~~ذو داء من شيء يرجو أن يكون له فيه من دائه شفاء؟ # قال ابن أبي الحواري: رأيت أبا سليمان الداراني يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟ ~~فقال: إنما أبكي لذلك الغم الذي ليس فيه فرح، وذلك الأمد الذي ليس له ~~انقطاع. # قال بعضهم: أتيت الشام، فمررت بدير حرملة، وبه راهب كأن عينيه عدلا مزاد ~~«1» ؛ فقلت؛ ما يبكيك؟ فقال: يا مسلم، أبكي على ما فرطت فيه من عمري، وعلى ~~يوم مضى من أجلي لم يتبين فيه عملي. قال: ثم مررت بعد ذلك فسألت عنه؛ ~~فقالوا: أسلم وغزا فقتل في بلاد الروم. # أشعث قال: دخلت على يزيد الرقاشي فقال لي: يا أشعث، تعالى حتى نبكي على ~~الماء البارد في يوم الظمأ، ثم قال: والهفاه! سبقني العابدون وقطع بي؛ وكان ~~قد صام ثلاثين أو أربعين سنة. # زيد الحميري قال: قلت لثوبان الراهب: أخبرني عن لبس النصارى هذا السواد، ~~ما المعنى فيه؟ قال: هو أشبه بلباس أهل المصائب؛ قال: # فقلت: وكلكم معشر الرهبان قد أصيب بمصيبة؟ فقال: يرحمك الله! وأي مصيبة ~~أعظم من مصائب الذنوب على أهلها؟ قال زيد: فلا أذكر قوله ذلك إلا أبكاني. # ابن أبي الحواري قال: دخلت على أبي سليمان وهو يبكي؛ فقلت: ما # PageV02P320 # يبكيك؟ قال: يا أحمد، إنه إذا جن الليل وهدأت العيون وأنس كل خليل ~~بخليله، فرش أهل المحبة أقدامهم، وجرت دموعهم على خدودهم يسمع لها وقع على ~~أقدامهم، وقد أشرف الجليل عليهم فقال: بعيني من تلذذ بكلامي واستراح إلي، ~~فما هذا البكاء الذي أراه منكم؟ هل أخبركم أحد أن حبيبا يعذب أحباءه؟ أم ~~كيف أبيت قوما، وعند البيات أجدهم وقوفا يتملقونني! فبي حلفت أن أكشف لهم ~~يوم القيامة عن وجهي ينظرون إلي. # قالت خنساء: كنت أبكي لصخر من القتل، فأنا أبكي له اليوم من النار. # قال عمر بن ذر لأبيه: يا أبت، مالك إذا تكلمت أبكيت الناس، وإذا تكلم ~~غيرك لم يبكهم؟ فقال: يا بني، ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المستأجرة. # وفي بعض ما أوحى الله إلى نبي من أنبيائه: هب لي من قلبك الخشوع، ومن ~~بدنك الخضوع، ومن عينك الدموع، وادعني، فإني قريب. # وكان عمر يقول: استغزروا العيون بالتذكر. ### | التهجد # حدثنا حسين بن حسن المروزي قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرني ~~معمر والأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير (1) عن أبي سلمة عن أبي زمعة بن كعب ~~الأسلمي قال: كنت أبيت عند حجرة النبي صلى الله عليه وسلم فكنت أسمع، إذا ~~قام من الليل، «سبحان الله رب العالمين» الهوي «1» من الليل، ثم يقول: # PageV02P321 # «سبحان الله وبحمده» الهوي. # حدثنا حسين قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن علاقة قال: # سمعت المغيرة بن شعبة يقول: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورمت ~~قدماه؛ فقيل: # يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؛ قال: «أفلا أكون ~~عبدا شكورا؟» . # حدثنا حسين قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن ~~ثابت البناني عن مطرف بن عبد الله عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزير كأزيز المرجل. # بلغني عن رباح عن معتمر عن رجل قد سماه قال: قال يزيد الرقاشي: # إذا أنا نمت ثم استيقظت ثم نمت فلا نامت عيناي، وعلى الماء البارد ~~السلام. يعني بالنهار. # وروى جرير عن عطاء بن السائب قال: قال عبيدة بن هلال الثقفي: لا يشهد علي ~~ليل بنوم ولا شمس بإفطار؛ فبلغ ذلك عمر فأقسم عليه ليفطرن العيدين. # وروى حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي عن جده عمير بن حبيب قال: كان يقول ~~لأهله: يآهلاه، الدلجة الدلجة، إنه من يسبق إلى الماء يظمأ؛ يآهلا، الدلجة ~~الدلجة، إنه من يسبق إلى الظل يضحى. # قال أبو سليمان الداراني: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم، ~~ولولا الليل ما أحببت البقاء. # خرج عيسى عليه السلام على الحواريين، وعليهم العباء «1» وعلى # PageV02P322 # وجوههم النور، فقال: يا أبناء الآخرة، ما تنعم المتنعمون إلا بفضل ~~نعيمكم. # وقيل للحسن: ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوها؟ فقال: إنهم خلوا ~~بالرحمن فألبسهم نورا من نوره. # حصين بن عبد الرحمن عن إبراهيم قال: كان رجل يقال له همام يقول: اللهم ~~اشفني من النوم باليسير، وارزقني سهرا في طاعتك. وكان يصبح وجمته «1» ~~مرجلة؛ فيقول بعضهم لبعض: إن جمة همام تخبركم أنه لم يتوسدها الليلة. # قال عبد الله بن داود: كان أحدهم إذا بلغ أربعين سنة طوى فراشه. # وكان بعضهم يحيي الليل، فإذا نظر إلى الفجر قال: «عند الصباح يحمد القوم ~~السرى» «2» . # حدثنا حسين بن حسن قال: أخذ الفضيل بن عياض بيدي ثم قال: يا حسين، يقول ~~الله: كذب من ادعى محبتي وإذا أجنه الليل نام عني، أليس كل حبيب يحب خلوة ~~حبيبه؟ هأنذا مطلع على أحبائي، إذا أجنهم الليل جعلت أبصارهم في قلوبهم، ~~ومثلت نفسي بين أعينهم، فخاطبوني على المشاهدة وكلموني على الحضور. # الوليد بن مسلم قال: حدثني عبد الرحمن بن يزيد قال: كنا نقاريء «3» عطاء ~~الخراساني فكان يحيى الليل صلاة، فإذا مضى من الليل ثلثه أو أكثر نادانا ~~ونحن في فسطاطنا: يا عبد الرحمن بن يزيد، ويا يزيد بن يزيد، ويا # PageV02P323 # هشام بن الغازي، قوموا فتوضأوا وصلوا. فإن قيام هذا الليل وصيام هذا ~~النهار أيسر من شرب الصديد ومن مقطعات الحديد؛ فالوحا الوحا ثم النجاء ~~النجاء؛ ويقبل على صلاته. # مالك بن مغول عن رجل من جعفي «1» عن السدي عن أبي أراكة قال: # صلى علي الغداة ثم جلس حتى ارتفعت الشمس كأن عليه كآبة، ثم قال: # والله، لقد رأيت أثرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أرى ~~أحدا يشبههم، والله إن كانوا ليصبحون شعثا غبرا صفرا، بين أعينهم مثل ركب ~~المعزى، قد باتوا يتلون كتاب الله، يراوحون بين أقدامهم وجباههم؛ إذا ذكروا ~~الله مادوا كما يميد الشجر في يوم ريح، وانهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم، ~~وكأنهم، والله، باتوا غافلين. يريد أنهم يستقلون ذلك. # المحاربي عن الإفريقي قال: حدثنا أبو علقمة عن أبي هريرة قال: إن أهل ~~السماء ليرون بيوت أهل الذكر تضيء لهم كما تضيء الكواكب لأهل الأرض. # يعلى بن عبيد عن محمد بن عون عن إبراهيم بن عيسى عن عبد الله بن عيسى ~~قال: كونوا ينا بيع العلم، مفاتيح الهدى، أحلاس «2» البيوت، جدد القلوب، ~~خلقان الثياب، سرج الليل، تعرفوا في أهل السماء، وتخفوا في أهل الأرض. # PageV02P324 # حدثني محمد بن داود قال: حدثنا أبو الربيع الزهراني قال: حدثنا أبو عوانة ~~عن المغيرة عن إبراهيم: في الرجل يرى الضوء بالليل؛ قال: هو من الشيطان، لو ~~كان هذا فضلا لأوثر به أهل بدر. ### | الموت # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثني عيسى بن ميمون عن محمد بن كعب قال: ~~نظرت إلى عمر بن عبد العزيز فأدمت النظر إليه؛ قال: # ما تنظر يا محمد؟ قلت: أنظر إلى ما ابيض من شعرك، ونحل من جسمك، وتغير من ~~لونك؛ فقال: أما والله لو رأيتني في القبر بعد ثالثة؛ وقد سالت حدقتاي على ~~وجنتي، وسال منخراي صديدا ودودا، لكنت أشد نكرة «1» . # وقال الأصمعي: دخلت بعض الجبابين «2» ، فإذا أنا بجارية ما أحسبها أتت ~~عليها عشر سنين، وهي تقول: [متقارب] # عدمت الحياة ولا نلتها ... إذا كنت في القبر قد ألحدوكا # وكيف أدوق لذيذ الكرى ... وأنت بيمناك قد وسدوكا # قال الأزدي: بلغني أن داود الطائي مر بامرأة تبكي عند قبر وهي تقول: # يا أخاه! ليت شعري: [سريع] # بأي خديك تبدى البلى ... وأي عينيك إذا سالا # فصعق مكانه ثم تعبد. # حدثني محمد بن مرزوق قال: حدثنا محمد بن نصر المعلم قال: # PageV02P325 # حدثنا جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار أنه قال: [متقارب] # أتيت القبور فناديتهن ... ن أين المعظم والمحتقر؟ # وأين المدل بسلطانه؟ ... وأين المزكي إذا ما افتخر؟ # قال: فنوديت من بينها ولا أرى أحدا: [متقارب] # تفانوا جميعا فما مخبر ... وماتوا جميعا ومات الخبر # تروح وتغدو بنات الثرى «1» ... فتمحو محاسن تلك الصور # فيا سائلي عن أناس مضوا ... أما لك فيما ترى معتبر؟ # قال: فرجعت وأنا أبكي. # بلغني أنه قرىء على قبر بالشام: [بسيط] # باتوا على قلل «2» الأجبال تحرسهم ... غلب الرجال فلم تنفعهم القلل # واستنزلوا بعد عز من معاقلهم ... فأسكنوا حفرة يا بئس ما نزلوا # ناداهم وصارخ من بعد ما دفنوا ... أين الأسرة والتيجان والحلل؟ # أين الوجوه التي كانت محجبة ... من دونها تضرب الأستار والكلل «3» ؟ # فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم ... تلك الوجوه عليها الدود تقتتل # قد طال ما أكلوا دهرا وما نعموا ... فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا # وقال آخر: [رمل] # رب قوم عبروا من عيشهم ... في نعيم وسرور وغدق # سكت الدهر زمانا عنهم ... ثم أبكاهم دما حين نطق # PageV02P326 # نزل النعمان ومعه عدي بن زيد في ظل شجرة عظيمة ليلهوا؛ فقال له عدي بن ~~زيد: أتدري ما تقول هذه الشجرة؟ قال: لا؛ قال تقول: [رمل] # رب شرب «1» قد أناخوا عندنا ... يشربون الخمر بالماء الزلال # ثم أضحوا لعب الدهر بهم ... وكذاك الدهر حالا بعد حال # وقال إبراهيم بن المهدي «2» : [بسيط] # بالله ربك كم بيت مررت به ... قد كان يعمر باللذات والطرب # طارت عقاب المنايا في سقائفه ... فصار من بعدها للويل والحرب «3» # أنشدنا أبو عبد الرحمن صاحب الأخفش عن الأخفش للخليل بن أحمد العروضي: ~~[كامل] # كن كيف شئت فقصرك الموت ... لا مزحل عنه ولا فوت «4» # بينا غنى بيت وبهجته ... زال الغنى وتقوض البيت # حدثني يزداد بن أسد عن الطنافسي قال: حدثنا أبو محمد قال: كان مالك بن ~~دينار يخرج إلى القبور كل خميس على حمار قوطراني ويقول: # [وافر] # ألا حي القبور ومن بهنه ... وجوه في القبور أحبهنه # PageV02P327 # فلو أن القبور سمعن صوتي ... إذا لأجبنني من وجدهنه # ولكن القبور صمتن عني ... فأبت بحسرة من عندهنه # ثم يبكي ونبكي. # قال معاوية بن أبي سفيان لعبيد بن شرية الجرهمي: أخبرني بأعجب شيء رأيته ~~في الجاهلية؛ فقال: إني نزلت بحي من قضاعة فخرجوا بجنازة رجل من عذرة يقال ~~له حريث وخرجت معهم، حتى إذا واروه في حفرته انتبذت جانبا عن القوم وعيناي ~~تذرفان ثم تمثلت بأبيات شعر كنت أرويها قبل ذلك بزمان طويل: [بسيط] # تجري أمور ولا تدري أوائلها ... خير لنفسك أم ما فيه تأخير # فاستقدر الله خيرا وارضين به ... فبينما العسر إذ دارت مياسير # وبينما المرء في الأحياء مغتبطا ... إذ صار في الرمس «1» تعفوه الأعاصير # يبكي الغريب عليه ليس يعرفه ... وذو قرابته في الحي مسرور # قال: وإلى جانبي رجل يسمع ما أقول، فقال لي: يا عبد الله، هل لك علم ~~بقائل هذه الأبيات؟ قلت: لا والله؛ إلا أني أرويها منذ زمان؛ فقال: # والذي تحلف به إن قائلها لصاحبنا الذي دفناه آنفا، وهذا الذي ترى ذو ~~قرابته أسر الناس بموته، وإنك لغريب وتبكي عليه كما وصفت؛ فعجبت لما ذكره ~~في شعره وما صار إليه من أمره وقوله، كأنه ينظر إلى مكاني من جنازته، فقلت: ~~«إن البلاء موكل بالقول» ؛ فذهبت مثلا. # قال أعرابي: خير من الحياة ما أذا فقدته أبغضت لفقده الحياة، وشر من ~~الموت ما إذا نزل بك أحببت لنزوله الموت. # PageV02P328 # وقال أبو زبيد «1» : [خفيف] # يملك المرء بالرجاء ويضحي ... غرضا للمنون نصب العود # كل يوم ترميه منها برشق ... فمصيب أوصاف غير بعيد «2» # وقال أبو العتاهية: [مجزوء الكامل] # وعظتك إجداث صمت ... ونعتك أزمنة خفت # وتكلمت عن أوجه ... تبلى وعن صور شتت # وأرتك قبرك في القبو ... ر وأنت حي لم تمت # وقال أعرابي: أبعد سفر أول منقلة «3» منه الموت. وقيل لأعرابي: مات فلان ~~أصح ما كان؛ فقال: أو صحيح من الموت في عنقه؟ وقال بعض المحدثين: [سريع] # اسمع فقد أسمعك الصوت ... إن لم تبادر فهو الفوت # بل كل إذا شئت وعش ناعما ... آخر هذا كله الموت # وكان صالح المري يقول في قصصه: [متقارب] # مؤمل دنيا لتبقى له ... فمات المؤمل قبل الأمل # وبات يروي أصول الفسيل «4» ... فعاش الفسيل ومات الرجل # وقال مسلم بن الوليد: [رمل] # PageV02P329 # كم رأينا من أناس هلكوا ... وبكى أحبابهم ثم بكوا # تركوا الدنيا لمن بعدهم ... ودهم لو قدموا ما تركوا # كم رأينا من ملوك سوقة ... ورأينا سوقة قد ملكوا # قلب الدهر عليهم وركا ... فاستداروا حيث دار الفلك # حدثني أبي عن أبي العتاهية أنه قرىء له بيتان على جدار من جدر كنيسة ~~القسطنطينية: [منسرح] # ما اختلف الليل والنهار ولا ... دارت نجوم السماء في الفلك # إلا بنقل السلطان عن ملك ... كان يحب الدنيا إلى ملك # وقال آخر: [منسرح] # ما أنزل الموت حق منزله ... من عد يوما لم يأت من أجله # والصدق والصبر يبلغان بمن ... كانا قرينيه منتهى أمله # عليك صدق اللسان مجتهدا ... فإن جل الهلاك في زلله # وقال الطرماح «1» : [طويل] # فيا رب لا تجعل وفاتي إن أتت ... على شرجع «2» يعلى بركن «3» المطارف # ولكن أجز يومي شهيدا وعصبة ... يصابون في فج من الأرض خائف «4» # PageV02P330 # عصائب من شتى يؤلف بينهم ... هدى الله نزالون عند المواقف # إذا فارقوا دنياهمو فارقوا الأذى ... وصاروا إلى «1» موعودها في المصاحف # فأقتل قعصا ثم يرمى بأعظمي ... كضغث الخلا بين الرياح العواصف «2» # ويصبح لحمي بطن طير «3» مقيله ... دوين السماء في نسور عوائف «4» # وهيب بن الورد قال: اتخذ نوح بيتا من خص «5» ، فقيل له: لو بنيت بيتا؟ ~~فقال: هذا لمن يموت كثير. # بلغني عن إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم أن أبا الدرداء كان إذا رأى ~~جنازة قال: إغدي فإنا رائحون، أو قال: روحي فإنا غادون. وهذا مثل قول لبيد ~~«6» : [طويل] # وإنا وإخوانا لنا قد تتابعوا ... لكالمغتدي والرائح المتهجر # بلغني عن وكيع عن شريك عن منصور عن هلال بن إساف قال: ما من # PageV02P331 # مولود يولد إلا وفي سرته من تربة الأرض التي يموت فيها. قال الأصمعي: # أول شعر قيل في ذم الدنيا قول ابن خذاق «1» : [بسيط] # هل للفتى من بنات الدهر «2» من راقي ... أم هل له من حمام الموت من واقي؟ # قد رجلوني وما رجلت من شعث ... وألبسوني ثيابا غير أخلاق «3» # وطيبوني وقالوا إيما رجل ... وأدرجوني كأني طي مخراق «4» # هون عليك ولا تولع بإشفاق ... فإنما مالنا للوارث الباقي # محمد بن فضيل عن عبيد الله بن عمير قال: جاء رجل إلى النبي عليه السلام ~~فقال: يا نبي الله، مالي لا أحب الموت؟ فقال له: «هل لك مال» ؟ # قال: نعم، قال: «قدمه بين يديك» ؛ قال: لا أطيق ذلك؛ قال: فقال النبي ~~عليه السلام: «إن المرء مع ماله إن قدمه أحب أن يلحق به وإن أخره أحب أن ~~يتخلف معه» . # المحاربي عن عبد الملك بن عمير قال: قيل للربيع بن خيثم في مرضه: ألا ~~ندعو لك طبيبا؟ قال: أنظروني؛ ثم فكر فقال: وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا ~~بين ذلك كثيرا # «5» قد كانت فيهم أطباء، فما أرى المداوي بقي ولا المداوى؛ هلك الناعت ~~والمنعوت له، لا تدعوا لي طبيبا. # PageV02P332 # إسحاق بن سليمان عن أبي أحمد قال: كان عمر بن عبد العزيز ليس له هجيري ~~«1» إلا أن يقول: [طويل] # تسر بما يبلى وتفرح بالمنى ... كما اغتر باللذات في النوم حالم # نهارك، يا مغرور، سهو وغفلة ... وليلك نوم والردى لك لازم # وسعيك فيما سوف تكره غبه ... كذلك في الدنيا تعيش البهائم # كم من مستقبل يوما ليس بمستكمله، ومنتظر غدا ليس من أجله؛ لو رأيتم الأجل ~~ومسيره، وبغضتم الأمل وغروره «2» . [كامل] # لا يلبث القرناء أن يتفرقوا ... ليل يكر عليهمو ونهار # يحيى بن آدم عن عبد الله بن المبارك عن عبد الوهاب بن ورد عن سالم ابن ~~بشير بن حجل عن أبي هريرة: أنه بكى في مرضه فقال: أما إني لا أبكي على ~~دنياكم ولكني أبكي على بعد سفري وقلة زادي، وأني أمسيت في صعود مهبطه على ~~جنة أو نار، ولا أدري على أيهما يؤخذ بي!. # أبو جناب قال: لما احتضر معاذ قال لجاريته: ويحك! هل أصبحنا؟ # قالت: لا؛ ثم تركها ساعة ثم قال لها: أنظري! فقالت: نعم؛ فقال: أعوذ ~~بالله من صباح إلى النار! ثم قال: مرحبا بالموت، مرحبا بزائر جاء على فاقة، ~~لا أفلح من ندم! اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء في الدنيا لكري «3» ~~الأنهار ولا لغرس الأشجار، ولكن كنت أحب البقاء لمكابدة الليل الطويل ولظمأ ~~الهواجر في الحر الشديد ولمزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر # PageV02P333 # أبو اليقظان قال: لما احتضر عمرو بن العاص جعل يده في موضع الغل من عنقه ~~ثم قال: اللهم إنك أمرتنا ففرطنا، ونهيتنا فركبنا، اللهم إنه لا يسعنا إلا ~~رحمتك؛ فلم يزل ذلك هجيراه حتى قبض. # قيل لآزاذ مرد بن الهزبذ حين احتضر؛ ما حالك؟ فقال: ما حال من يريد سفرا ~~بعيدا بلا زاد، وينزل حفرة من الأرض موحشة بلا مؤنس، ويقدم على ملك جبار قد ~~قدم إليه العذر بلا حجة! حدثني عبدة الصفار قال: حدثني العلاء بن الفضل ~~قال: حدثني محمد ابن إسماعيل عن أبيه عن جده عن جد أبيه قال: سمعت أمية بن ~~أبي الصلت عند وفاته وأغمي عليه طويلا ثم أفاق، ورفع رأسه إلى سقف البيت ~~وقال: # لبيكما لبيكما، ها أنذا لديكما، لا عشيرتي تحميني، ولا مالي يفديني، ثم ~~أغمي عليه طويلا ثم أفاق فقال: [خفيف] # كل عيش وإن تطاول دهرا ... صائر مرة إلى أن يزولا # ليتني كنت قبل ما قد بدا لي ... في رؤوس الجبال أرعى الوعولا # ثم فاضت نفسه. # الحكم بن عثمان قال: قال المنصور عند موته: اللهم إن كنت تعلم أني قد ~~ارتكبت الأمور العظام جرأة مني عليك، فإنك تعلم أني قد أطعتك في أحب ~~الأشياء إليك شهادة أن لا إله إلا أنت، منا منك لا منا عليك. وكان سبب ~~إحرامه من الخضراء «1» أنه كان يوما نائما، فأتاه آت في منامه فقال: [طويل] # كأني بهذا القصر قد باد أهله ... وعري منه أهله ومنازله # PageV02P334 # وصار عميد القوم من بعد نعمة ... إلى جذث تبنى عليه جنادله # فلم يبق إلا رسمه وحديثه ... تبكي عليه معولات حلائله # فاستيقظ مرعوبا ثم نام فأتاه لآتي فقال: [طويل] # أبا جعفر، حانت وفاتك وانقضت ... سنوك وأمر الله لا بد واقع # فهل كاهن أعددته أو منجم ... أبا جعفر عنك المنية دافع # فقال: يا ربيع، ائتني بطهوري، فقام واغتسل وصلى ولبى وتجهز للحج، فلما ~~صار في الثلث الأول اشتدت علته، فجعل يقول: يا ربيع، ألقني في حرم الله، ~~فمات ببئر ميمون «1» . # حدثني محمد بن داود عن سعيد بن نصير عن العباس بن طالب قال: # قال الربيع بن بزة: كنت بالشام فسمعت رجلا وهو في الموت يقال له: قل لا ~~إله إلا الله، فقال: اشرب واسقني. ورأيت رجلا بالأهواز قيل له: قل لا إله ~~إلا الله، فقال: ده يا دده، وده دوازده «2» . وقيل لرجل بالبصرة: قل لا إله ~~إلا الله؛ قال: [بسيط] # يا رب قائلة يوما وقد لغبت ... كيف الطريق إلى حمام منجاب «3» # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن معمر عن أبيه قال: لقن ميتك، فإذا قاله ~~فدعه يتكلم بغيرها من أمر الدنيا ولا تضجره. # PageV02P335 # قال مالك بن ضيغم: لما احتضر أبي قلنا له: ألا توصي؟ قال: بلى، أوصيكم ~~بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب: يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا ~~تموتن إلا وأنتم مسلمون # «1» وأوصيكم بصلة الرحم وحسن الجوار وفعل ما استطعتم من المعروف، ~~وادفنوني مع المساكين. # وقال عمر بن عبد العزيز لابنه: كيف تجدك؟ قال: في الموت؛ قال: # لأن تكون في ميزاني أحب إلي من أن أكون في ميزانك، قال: وأنا والله لأن ~~يكون ما تحب أحب إلي من أن يكون ما أحب. # احتضر سيبويه النحوي فوضع رأسه في حجر أخيه فقطرت قطرة من دموع أخيه على ~~خده، فأفاق من غشيته وقال: [طويل] # أخيين كنا فرق الدهر بيننا ... إلى الأمد الأقصى ومن يأمن الدهرا؟ # أبو أسامة عن سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال: قيل لهرم بن حبان: أوص؛ ~~فقال: قد صدقتني نفسي في الحياة، ما لي شيء أوصي فيه، ولكن أوصيكم بخواتيم ~~سورة النحل. # قال الشاعر: [منسرح] # ما ارتد طرف امرىء بلحظته ... إلا وشيء يموت من جسده # وقال آخر: [بسيط] # المرء يشقى بما يسعى لوارثه ... والقبر وارث ما يسعى له الرجل # حدثني محمد بن عبيد عن معاوية عن عمرو عن أبي إسحاق عن أبي حيان التيمي ~~عن أبيه قال: أوصى الربيع بن خيثم وأشهد على نفسه وكفى بالله # PageV02P336 # شهيدا وجازيا لعباده الصالحين ومثيبا: إني رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا ~~وبمحمد رسولا، وأوصي نفسي، ومن أطاعني أن يعبد الله في العابدين ويحمده في ~~الحامدين وينصح لجماعة المسلمين؛ وأوصى أهله: ألا تشعروا بي أحدا وسلوني ~~إلى ربي سلا. # حدثني محمد بن أحمد بن يونس قال: سمعت عمر بن جرير المهاجري يقول: لما ~~مات ذر بن عمر بن ذر قال لأصحابه: الآن يضيع الشيخ (لأنه كان به بارا) ؛ ~~فسمعها الشيخ فقال: أني أضيع والله حي لا يموت؟ # فلما واراه التراب وقف على قبره وقال: رحمك الله يا ذر! ما علينا بعدك من ~~خصاصة وما بنا إلى أحد مع الله حاجة، وما يسرني أني كنت المقدم قبلك، ولولا ~~هول المطلع لتمنيت أن أكون مكانك، لقد شغلني الحزن لك عن الحزن عليك، فيا ~~ليت شعري ماذا قلت وما قيل لك! ثم رفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم إني قد ~~وهبت حقي فيما بيني وبينه له، فهب حقك فيما بينك وبينه له. ثم قال عند ~~انصرافه: مضينا وتركناك، ولو أقمنا ما نفعناك. # حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا شريح بن النعمان عن عبد العزيز بن أبي ~~سلمة الماجشون عن عبد الواحد بن أبي عون عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي ~~الله عنها أنها قالت: «توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله لو نزل ~~بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها «1» ، إشرأب النفاق بالمدينة وارتدت ~~العرب، فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بحظها وغنائها في الإسلام» . ~~وكانت مع هذا تقول: «من رأى عمر بن الخطاب عرف أنه خلق غناء للإسلام، كان، ~~والله، أحوزيا «2» نسيج وحده، قد أعد للأمور أقرانها» . وقالت عند قبره: # PageV02P337 # «رحمك الله يا أبت! لقد قمت بالدين حين وهي شعبه «1» وتفاقم صدعه ورجفت ~~جوانبه؛ انقبضت مما أصغوا إليه «2» ، وشمرت «3» فيما ونوا فيه واستخففت من ~~دنياك ما استوطنوا وصغرت منها ما عظموا ورعيت دينك فيما أغفلوا، أطالوا ~~عنان الأمن واقتعدت مطي الحذر، ولم تهضم دينك ولم تشن غدك ففاز عند ~~المساهمة قدحك وخف مما استوزروا ظهرك» . وقالت أيضا عند قبره: «نضر الله ~~وجهك يا أبت! فلقد كنت للدنيا مذلا بإدبارك عنها، وللآخرة معزا بإقبالك ~~عليها؛ ولئن كان أجل الرزايا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، رزؤك وأكبر ~~المصائب فقدك، إن كتاب الله ليعد بجميل العزاء عند أحسن العوض منك، فأنا ~~أتنجز من الله موعوده فيك بالصبر عليك، واستعيضه منك بالاستغفار لك؛ عليك ~~سلام الله ورحمته، توديع غير قالية لحياتك ولا زارية على القضاء فيك» . # قال الحسين بن علي عند قبر أخيه الحسن: «رحمك الله أبا محمد! إن كنت ~~لتباصر الحق مظانة، وتؤثر الله عند مداحض «4» الباطل في مواطن التقية بحسن ~~الروية، وتستشف جليل معاظم الدنيا بعين لها حاقرة، وتفيض عليها يدا ظاهرة ~~الأطراف نقية الأسرة «5» ، وتردع بادرة غرب أعدائك بأيسر المؤونة عليك؛ ولا ~~غرو وأنت ابن سلالة النبوة ورضيع لبان الحكمة؛ فإلى روح وريحان وجنة نعيم؛ ~~أعظم الله لنا ولكم الأجر عليه، ووهب لنا ولكم السلوة # PageV02P338 # وحسن الأسى «1» عنه» . # حدثني عبد الرحمن بن الحسين السعيدي عن محمد بن مصعب أن ابن السماك قال ~~يوم مات داود الطائي في كلام له: إن داود رحمه الله نظر بقلبه إلى ما بين ~~يديه من آخرته، فأعشى بصر القلب بصر العين، فكان كأنه لا ينظر إلى ما إليه ~~تنظرون، وكأنكم لا تنظرون إلى ما إليه ينظر، فأنتم منه تعجبون وهو منكم ~~يعجب، فلما رآكم راغبين مذهولين مغرورين قد أذهلت الدنيا عقولكم وأماتت ~~بحبها قلوبكم استوحش منكم، فكنت إذا نظرت إليه نظرت إلى حي وسط أموات. يا ~~داود، ما أعجب شأنك بين أهل زمانك! أهنت نفسك وإنما تريد إكرامها، ~~وأتعبتها، وإنما تريد راحتها، أخشنت المطعم وإنما تريد طيبه وأخشنت الملبس ~~وإنما تريد لينه، ثم أمت نفسك قبل أن تموت، وقبرتها قبل أن تقبر، وعذبتها ~~ولما تعذب، وأغنيتها عن الدنيا لكيلا تذكر، رغبت نفسك عن الدنيا فلم ترها ~~لك قدرا إلى الآخرة، فما أظنك إلا وقد ظفرت بما طالبت؛ كان سيماك في سرك ~~ولم يكن سيماك في علانيتك، تفقهت في دينك وتركت الناس يغنون، وسمعت الحديث ~~وتركتهم يحدثون، وخرست عن القول وتركتهم ينطقون، لا تحسد الأخيار، ولا تعيب ~~الأشرار، ولا تقبل من السلطان عطية، ولا من الإخوان هدية؛ آنس ما تكون إذا ~~كنت بالله خاليا، وأوحش ما تكون آنس ما يكون الناس؛ فمن سمع بمثلك وصبر ~~صبرك وعزم عزمك! لا أحسبك إلا وقد أتعبت العابدين بعدك، سجنت نفسك في بيتك ~~فلا محدث لك ولا جليس معك ولا فراش تحتك ولا ستر على بابك ولا قلة يبرد ~~فيها ماؤك ولا صحفة يكون فيها غداؤك وعشاؤك، مطهرتك قلبك # PageV02P339 # وقصعتك تورك «1» . داود، ما كنت تشتهي من الماء بارده ولا من الطعام طيبه ~~ولا من اللباس لينه، بلى! ولكن زهدت فيه لما بين يديك؛ فما أصغر ما بذلت، ~~وما أحقر ما تركت في جنب ما أملت، فلما مت شهرك ربك بموتك، وألبسك رداء ~~عملك، وأكثر تبعك، فلو رأيت من حضرك عرفت أن ربك قد أكرمك وشرفك، فلتتكلم ~~اليوم عشيرتك بكل ألسنتها، فقد أوضح ربك فضلها بك، ووالله لو لم يدع عبدا ~~إلى خير بعمله إلا حسن هذا النشر من كثرة هذا التبع، لقد كان حقيقا ~~بالإجتهاد والجهد لمن لا يضيع مطيعا ولا ينسى صنيعا شاكرا ومثيبا. # وقف محمد بن سليمان على قبر ابنه فقال: اللهم إني أرجوك له وأخافك عليه، ~~فحقق رجائي وآمن خوفي. # مات ابن لأنس بن مالك فقال أنس عند قبره: اللهم عبدك وولد عبدك وقد رد ~~إليك، فارأف به وارحمه، وجاف الأرض عن بدنه، وافتح أبواب السماء لروحه ~~وتقبله بقول حسن. ثم رجع فأكل وشرب وادهن وأصاب من أهله. وقال جرير في ~~امرأته: [كامل] # لا يلبث القرناء أن يتفرقوا ... ليل يكر عليهمو ونهار «2» # صلى الملائكة الذين تخيروا ... والطيبون عليك والأبرار # وقفت أعرابية على قبر ابنها فقالت: والله ما كان مالك لعرسك، ولا همك ~~لنفسك، وما كنت إلا كما قال القائل: [طويل] # رحيب الذراع بالتي لا تشينه ... وإن كانت الفحشاء ضاق بها ذرعا «3» # PageV02P340 # حدثني محمد بن داود عن الصلت بن مسعود قال: كان سفيان بن عيينة يستحسن ~~شعر عدي بن زيد «1» : [خفيف] # أين أهل الديار من قوم نوح ... ثم عاد من بعدهم وثمود؟ # بينما هم على الأسرة والأن ... ماط أفضت إلى التراب الخدود # ثم لم ينقض الحديث ولكن ... بعد ذال الوعد كله والوعيد # وأطباء بعدهم لحقوهم ... ضل عنهم سعوطهم واللدود «2» # وصحيح أضحى يعود مريضا ... وهو أدنى للموت ممن يعود # أخذه علي بن الجهم «3» فقال: [كامل] # كم من عليل قد تخطاه الردى ... فنجا ومات طبيبه والعود # حدثني عبدة بن عبد الله قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا ~~إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش قال: # أتيت أهلي فقيل لي: مات أخوك، فوجدت أخي مسجى عليه بثوب، فأنا عند رأسه ~~أترحم عليه وأدعو له إذ كشف الثوب عن وجهه فقال: السلام عليكم، فقلنا: ~~وعليك السلام، سبحان الله! بعد الموت! فقال: إني تلقيت بروح وريحان ورب غير ~~غضبان، وكساني ثيابا من سندس واستبرق «4» ، وإني وجدت الأمر # PageV02P341 # أيسر مما تظنون ولا تتكلوا؛ إني استأذنت ربي أن أخبركم وأبشركم، احملوني ~~إلى رسول الله، فقد عهد إلي ألا أبرح حتى ألقاه ثم طفىء «1» . # حدثني أبو سهل عن علي بن محمد عن إسحاق بن منصور عن عمارة ابن زاذان عن ~~ثابت أن مطرفا كان يغدو على دابته بين المقام فأغفى فإذا أهل القبور جلوس ~~على أشفاء «2» قبورهم يقولون: هذا مطرف يروح إلى الجمعة؛ قلت: هل تعرفون ~~يوم الجمعة؟ قالوا: نعم، وما تقول الطير في جوف السماء، يقولون: سلام، يوم ~~صالح. # حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر ~~قال: لما أراد معاوية أن تجري العين التي حفرها- قال سفيان: تسمى عين أبي ~~زياد- نادوا بالمدينة: من كان له قتيل فليأت قتيله؛ قال جابر: # فأتيناهم فأخرجناهم رطابا يتثنون، وأصابت المسحاة رجل رجل منهم فانفطرت ~~«3» دما. قال أبو سعيد الخدري: لا ينكر بعد هذا منكر أبدا. # حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد بن ~~عمير قال: أهل القبور يتوكفون «4» الأخبار فإذا أتاهم الميت سألوه: ما فعل ~~فلان؟ فيقول: ألم يأتكم! فيقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون، سلك به غير ~~سبيلنا. # حدثني عبد الرحمن العبدي عن جعفر بن أبي جعفر قال: حدثنا أبو جعفر السائح ~~عن الربيع بن صبيح قال: شهدت ثابتا البناني يوم مات وشهده # PageV02P342 # أهل البصرة، فدخلت قبره أنا وحميد الطويل وأبو جعفر حسن مما يلي رأسه ~~فلما ذهبت أسوي عليه اللبنة سقطت من يدي فلم أر في اللحد أحدا، وأصغى إلي ~~حميد أن اختطف صاحبنا وضج الناس فسوينا على اللحد وحثونا التراب؛ فلم يكن ~~لحميد همة حتى أتى سليمان بن علي وهو أمير على البصرة فأخبره، فقال: ما ~~ينكر لله قدرة! إلا أني أنكر أن يكون أحد من أهل زماننا يفعل هذا به، فهل ~~علم به أحد سواك؟ قال: نعم، الربيع بن صبيح وحسن؛ قال: عدلان مرضيان، فبعث ~~أمناء جيرانه فنبشوا عنه فلم يجدوه في قبره. # وحدثني أيضا عن أعرابية كان يقال لها أم غسان مكفوفة وكانت تعيش بمغزلها ~~وتقول: الحمد لله على ما قضى وارتضى، رضيت من الله ما رضي لي، وأستعين الله ~~على بيت ضيق الفناء قليل الكواء «1» وأستعين الله على ما يطالع من نواحيه. ~~وماتت جارة لها فقيل لها: ما فعلت جارتك؟ فقالت: # [متقارب] # تقسم جاراتها بيتها ... وصارت إلى بيتها الأتلد «2» # وقالت يوما: إن تقبل الله مني صلاة لم يعذبني، فقيل لها: كيف ذلك؟ # قالت: لأن الله، عز وجل، لا يثني في رحمته وحلمه، قال: وكنت سمعت حديث ~~معاذ «من كتبت له حسنة دخل الجنة» ولم أدر ما تفسيره حتى سمعت أم غسان تقول ~~هذا، فعرفت تأويله. ### | الكبر والمشيب # حدثني أبو الخطاب قال: حدثنا أبو داود عن عبد الجليل بن عطية عن # PageV02P343 # شهر بن حوشب عن عمرو بن عنبسة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يقول: «من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة ما لم يخضبها أو ~~ينتفها» . # أبو حاتم عن الأصمعي عن شيخ من بني فزارة قال: مررت بالبادية وإذا شيخ ~~قاعد على شفير قبر، وإذا في القبور رجال كأنهم الرماح يدفنون رجلا والشيخ ~~يقول: [رجز] # أحثوا على الديسم من برد الثرى ... قدما أبى ربك إلا ما ترى «1» # فقلت له: من الميت؟ فقال: إبني، فقلت له: من الذين يدفنونه؟ قال: # بنوه. # حدثنا أبو عبد الرحمن قال: دخل يونس بن حبيب المسجد يهادى «2» بين اثنين ~~من الكبر فقال له رجل كان يتهمه على مودته: بلغت ما أرى يا أبا عبد الرحمن! ~~قال: هو ما ترى فلا بلغته. ونحوه قول الشاعر: [مخلع البسيط] # يا عائب الشيب لا بلغته # ويقال في الزبور: «من بلغ السبعين اشتكى من غير علة» . وقال محمد ابن ~~حسان النبطي: لا تسأل نفسك العام ما أعطتك في العام الماضي. # رأى ضرار بن عمرو الضبي له ثلاثة عشر ذكرا قد بلغوا فقال: من سره بنوه ~~ساءته نفسه. # قال ابن أبي فنن: [بسيط] # PageV02P344 # من عاش أخلقت الأيام جدته ... وخانه الثقتان السمع والبصر # قالت عهدتك مجنونا فقلت لها ... إن الشباب جنون برؤه «1» الكبر # أبو عبيدة قال: قيل لشيخ: ما بقي منك؟ قال: يسبقني من بين يدي، ويدركني ~~من خلفي، وأنسى الحديث، وأذكر القديم، وأنعس في الملا، وأسهر في الخلا، ~~وإذا قمت قربت الأرض مني، وإذا قعدت تباعدت عني؛ قال الشاعر: [بسيط] # قالت عهدتك مجنونا فقلت لها ... إن الشباب جنون برؤه الكبر «2» # قال عبد الملك بن مروان للعريان «3» بن الهيثم: كيف تجدك؟ «4» قال: # أجدني قد ابيض مني ما كنت أحب أن يسود واسود مني ما كنت أحب أن يبيض ~~واشتد مني ما أحب أن يلين ولان مني ما أحب أن يشتد وقال: [رجز] # سلني أنبئك بآيات الكبر ... نوم العشاء وسعال بالسحر # وقلة النوم إذا الليل اعتكر ... وقلة الطعم إذا الزاد حضر # وسرعة الطرف وتحميج النظر ... وتركك الحسناء في قبل الطهر «5» # والناس يبلون كما تبلى الشجر # وقال حميد بن ثور «6» : [طويل] # PageV02P345 # أرى بصري قد رابني بعد صحة ... وحسبك داء أن تصح وتسلما # وقال الكميت «1» : [منسرح] # لا تغبط المرء أن يقال له ... أمسى فلان لسنه حكما # إن سره طول عمره فلقد ... أضحى على الوجه طول ما سلما # وقال النمر بن تولب «2» : [طويل] # يود الفتى طول السلامة والغنى ... فكيف ترى طول السلامة يفعل؟ # وقال آخر: [كامل] # كانت قناتي لا تلين لغامز ... فألانها الإصباح والإمساء # ودعوت ربي بالسلامة جاهدا ... ليصحني فإذا السلامة داء «3» # وقال أبو العتاهية: [رجز] # أسرع في نقص امرىء تمامه «4» # وقال عبد الحميد الكاتب «5» : [متقارب] # PageV02P346 # ترحل ما ليس بالقافل ... وأعقب ما ليس بالآئل # فلهفي من الخلف النازل ... ولهفي على السلف الراحل # أبكي على ذا وأبكي لذا ... بكاء المولهة الثاكل # تبكي من ابن لها قاطع ... وتبكي على ابن لها واصل # تقضت غوايات سكر الصبا ... ورد التقى عند الباطل # محمد بن سلام الجمحي عن عبد القاهر بن السري قال: كتب الحجاج إلى قتيبة ~~بن مسلم: إني نظرت في سنك فوجدتك لدتي «1» وقد بلغت الخمسين وإن امرأ سار ~~إلى منهل خمسين عاما لقريب منه. فسمع به الحجاج ابن يوسف التيمي فقال: ~~[طويل] # إذا كانت السبعون سنك لم يكن ... لدائك إلا أن تموت طبيب # وإن امرأ قد سار سبعين حجة ... إلى منهل من ورده لقريب # إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل ... خلوت ولكن قل علي رقيب # إذا ما انقضى القرن الذي أنت منهم ... وخلفت في قرن فأنت غريب # وقال لبيد «2» ؛ [طويل] # أليس ورائي إن تراخت منيتي ... لزوم العصا تحنى عليها الأصابع # أخبر أخبار القرون التي مضت «3» ... أدب «4» كأني كلما قمت راكع # وقال آخرون مثله: [وافر] # حنتني حانيات الدهر حتى ... كأني خاثل يدنو لصيد # PageV02P347 # وقيل لرجل من الحكماء: مالك تدمن إمساك العصا ولست بكبير ولا مريض؟ فقال: ~~لأذكر أني مسافر؛ قال الشاعر: [طويل] # حملت العصالا الضعف أوجب حملها ... علي ولا أني تحنيت من كبر # ولكنني ألزمت نفسي حملها ... لأعلمها أن المقيم على سفر # ومر شيخ من العرب بغلام فقال له الغلام: أحصدت «1» يا عماه فقال: يا بني، ~~وتختضرون «2» . # قال الحسن في موعظة له: يا معشر الشيوخ، الزرع إذا بلغ ما يصنع به؟ # قالوا: يحصد قال: يا معشر الشباب، كم من زرع لم يبلغ أدركته آفة، قال ~~الشاعر: [كامل] # الدهر أبلاني وما أبليته ... والدهر غيرني وما يتغير # والدهر قيدني بخيط مبرم ... فمشيت فيه وكل يوم يقصر # وقال عمارة «3» بن عقيل: [طويل] # وأدركت ملء الأرض ناسا فأصبحوا ... كأهل الديار قوضوا فتحملوا # وما نحن إلا رفقة قد ترحلت ... وأخرى تقضي حاجها وترحل «4» # ذكر أعرابي الشيب فقال: والله لقد كنت أنكر الشعرة البيضاء فقد صرت أنكر ~~السوداء، فيا خير بدل ويا شر مبدول. وقال بعض الشعراء: [خفيف] # PageV02P348 # شاب رأسي وما رأيت مشيب الر ... أس إلا من فضل شيب الفؤاد # وكذاك القلوب في كل بؤس ... ونعيم طلائع الأجساد # طال إنكاري البياض فإن ع ... مرت شيئا أنكرت لون السواد # رأى إياس بن قتادة شعرة بيضاء في لحيته، فقال: أرى الموت يطلبني وأراني ~~لا أفوته، أعوذ بك يا رب من فجاءات الأمور، يا بني سعد، قد وهبت لكم شبابي ~~فهبوا لي شيبتي، ولزم بيته. # قال قيس بن عاصم: الشيب خطام «1» المنية. # قال آخر: الشيب بريد الحمام. # قال آخر: الشيب توأم الموت. # قال آخر: الشيب تاريخ الموت. # قال آخر: الشيب أول مراحل الموت. # قال آخر: الشيب تمهيد الحمام. # قال آخر: الشيب عنوان الكبر. # قال عبيد «2» بن الأبرص: [مخلع البسيط] # والشيب شين لمن يشيب # ويقال: شيب الشعر موت الشعر، وموت الشعر علة موت البشر. قال الشاعر: ~~[طويل] # وكان الشباب الغض لي فيه لذة ... فوقرني عنه المشيب وأدبا # فسقيا ورعيا للشباب الذي مضى ... وأهلا وسهلا بالمشيب ومرحبا # PageV02P349 # وقال أعرابي- ويقال هي لأبي دلف «1» -: [بسيط] # في كل يوم من الأيام نابتة ... كأنما نبتت فيه على بصري # لئن قرضتك بالمقراض عن بصري ... لما قرضتك عن همي ولا فكري # وقال أعرابي: [طويل] # أرى الشيب مذ جاوزت خمسين دائبا ... يدب دبيب الصبح في غسق الظلم # هو السم إلا أنه غير مؤلم ... ولم أر مثل الشيب سما بلا ألم # وقال آخر «2» : [كامل] # قصر الحوادث «3» خطوه فتدانى ... وحنين صدر «4» قناته فتحانى # صحب الزمان على اختلاف فنونه ... فأراه منه شدة وليانا # ما بال شيخ «5» قد تخدد لحمه ... أنضى «6» ثلاث عمائم ألوانا # سوداء داجية «7» وسحن مفوف ... وأجد أخرى «8» بعد ذاك هجانا # ثم الممات وراء ذلك كله ... وكأنما يعنى بذاك سوانا «9» # PageV02P350 # وقال آخر يذكر الشباب: [بسيط] # لما مضى ظاعنا «1» عنا فودعنا ... وكان كالميت لم يترك له عقبا # عدنا إلى حالة لا نستطيع لها ... وصل الغوانى وعاب الشيب من لعبا # وقال محمود الوراق «2» : [مجزوء المتقارب] # بكيت لقرب الأجل ... وبعد فوات الأمل # ووافد شيب طرا «3» ... بعقب شباب رحل # شباب كأن لم يكن ... وشيب كأن لم يزل # طواك بشير البقا «4» ... وجاء بشير الأجل # طوى صاحب صاحبا ... كذاك انتقال الدول «5» # وقال أبو الأسود «6» يذم الشباب: [طويل] # غدا منك أسباب الشباب فأسرعا ... وكان كجار بان يوما فودعا # فقلت له فاذهب ذميما فليتني ... قتلتك علما قبل أن تتصدعا # جنيت علي الذنب ثم خذلتني ... عليه فبئس الخلتان هما معا # وكنت سرابا ما ضحا «7» إذ تركتني ... رهينة ما أجني من الشر أجمعا # وقال آخر: [كامل] # استنكرت شيبي فقلت لها ... ليس المشيب بناقص عمري # PageV02P351 # وتنفست بي همة وصلت ... أملي بكل رفيعة الذكر # روى عبد الله بن حفص الطاحي عن زكريا بن يحيى بن نافع الأزدي عن أبيه أن ~~عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: اخضبوا بالسواد، فإنه أنس للنساء وهيبة ~~للعدو. قال عمر بن المبارك «1» الخزاعي: [مجزوء الرمل] # من لأذني بملام ... ولكفي بمدام # دق عظم الجهل منى ... وانثنى سن عرامي «2» # وتمشى الفد من شي ... بي إلى الشيب التؤام «3» # نظمك الدر إلى الد ... رة في سلك النظام # وقال أبو العتاهية: [متقارب] # نعى لك ظل الشباب المشيب ... ونادتك باسم سواك الخطوب # فكن مستعدا لداعي المنون ... فكل الذي هو آت قريب # وقبلك داوى المريض الطبيب ... فعاش المريض ومات الطبيب # يخاف على نفسه من يتوب ... فكيف ترى حال من لا يتوب؟ # محمد بن سلام قال: سمعت يونس بن حبيب يقول: لا يأمن من قطع في خمسة دراهم ~~خير عضو منك أن يكون عقابه هكذا غدا. ### | الدنيا # حدثني أبو مسعود الدارمي قال: حدثني جدي خراش عن أنس بن # PageV02P352 # مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبحت الدنيا همه وسدمه ~~«1» نزع الله الغنى من قلبه، وصير الفقر بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ~~ما كتب له، ومن أصبحت الآخرة همه وسدمه نزع الله الفقر من قلبه وصير الغنى ~~بين عينيه وأتته الدنيا وهي راغمة» . # حدثني محمد بن داود قال؛ حدثنا أبو الربيع عن حماد عن علي بن زيد عن ~~الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للضحاك بن سفيان: «ما طعامك؟» قال: # اللحم واللبن، قال: «ثم يصير إلى ماذا؟» قال: ثم يصير إلى ما قد علمت، ~~قال: «فإن الله ضرب ما يخرج من ابن آدم مثلا للدنيا» قال: وكان بشير بن كعب ~~يقول لأصحابه إذا فرغ من حديثه: انطلقوا حتى أريكم الدنيا، فيجي فيقف بهم ~~على السوق، وهي يومئذ مزبلة، فيقول: انظروا إلى عسلهم وسمنهم وإلى دجاجهم ~~وبطهم صار إلى ما ترون. # حدثني هارون بن موسى قال: حدثنا محمد بن سعيد القزويني عن عمر ابن أبي ~~قيس عن هارون بن عنترة عن عمرو بن مرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم عن قول الله: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام # «2» فقال: «إذا دخل النور القلب وانفسح شرح لذلك الصدر» ؛ قالوا: يا نبي ~~الله، هل لذلك آية يعرف بها؟ قال: «نعم الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن ~~دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت» . # بلغني عن العتبي عن حبيب العدوي عن وهب بن منبه قال: رأينا ورقة يهفو بها ~~الريح فأرسلنا بعض الفتيان فأتانا بها فإذا فيها: الدنيا دار لا يسلم منها # PageV02P353 # إلا فيها، ما أخذ أهلها منها لها خرجوا منه ثم حوسبوا به، وما أخذ منها ~~أهلها لغيرها خرجوا منه ثم أقاموا فيه، وكأن قوما من أهل الدنيا ليسوا من ~~أهلها، هم فيها كمن ليس فيها، عملوا بما يبصرون وبادروا ما يحذرون، تتقلب ~~أجسادهم بين ظهراني أهل الدنيا، وتتقلب قلوبهم بين ظهراني أهل الآخرة، يرون ~~الناس يعظمون وفاة أجسامهم وهم أشد تعظيما لموت قلوب أحيائهم. فسألت عن ~~الكلام فلم أجد من يعرفه. # وقال المسيح عليه السلام: «الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها» وفي بعض ~~الكتب: أن الله تعالى أوحى إلى الدنيا «من خدمني فاخدميه، ومن خدمك ~~فاستخدميه» . # قال بعض العابدين يذكر الدنيا: [طويل] # لقد غرت الدنيا رجالا فأصبحوا ... بمنزلة ما بعدها متحول «1» # فساخط أمر لا يبدل غيره ... وراض بأمر غيره سيبدل # وبالغ أمر كان يأمل دونه ... ومختلج «2» من دون ما كان يأمل # وقال آخر يذكر الدنيا: [بسيط] # حتوفها رصد وعيشها رنق ... وكرها نكد وملكها دول «3» # وقال آخر «4» : [طويل] # PageV02P354 # نراع لذكر الموت ساعة ذكره ... وتعترض الدنيا فنلهو ونلعب «1» # ونحن بنو الدنيا خلقنا لغيرها ... وما كنت منه فهو شيء محبب # وقال يحيى بن خالد: دخلنا في الدنيا دخولا أخرجنا منها. # ذم رجل الدنيا عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال علي عليه السلام: ~~الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار نجاة لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود ~~منها، مهبط وحي الله، ومصلى ملائكته، ومسجد أنبيائه، ومتجر أوليائه، ربحوا ~~منها الرحمة واحتسبوا فيها الجنة؛ فمن ذا يذمها وقد آذنت ببينها ونادت ~~بفراقها وشبهت بسرورها السرور وببلائها البلاء ترغيبا وترهيبا؛ فيأيها ~~الذام الدنيا المعلل نفسه، متى خدعتك الدنيا أم متى استذمت «2» إليك؟ # أبمصارع آبائك في البلى أم بمضاجع أمهاتك فى الثرى؟ كم مرضت بيديك، وعللت ~~بكفيك، تطلب له الشفاء، وتستوصف له الأطباء، غداة لا يغنى عنه دواؤك، ولا ~~ينفعك بكاؤك. # كان إبراهيم «3» بن أدهم العجلي يقول: [طويل] # نرقع دنيانا بتمزيق ديننا ... فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع «4» # قال أبو حازم: وما الدنيا! أما ما مضى فحلم وأما ما بقي فأماني. # قال سفيان: # PageV02P355 # أوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء «اتخذ الدنيا ظئرا «1» والآخرة أما» ~~. # قال الشعبي: «2» ما أعلم لنا وللدنيا مثلا إلا ما قال كثير. [طويل] # أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة ... لدينا ولا مقلية إن تقلت «3» # قال بكر بن عبد الله: المستغني عن الدنيا بالدنيا كالمطفىء النار بالتبن. # قال ابن مسعود: الدنيا كلها غموم، فما كان فيها من سرور فهو ربح. # قال محمد بن الحنفية: من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا. # وقال بعض الحكماء: مثل الدنيا والآخرة مثل رجل له ضرتان إن أرضى إحداهما ~~أسخط الأخرى. # قال سفيان: ترك لكم الملوك الحكمة فاتركوا لهم الدنيا. # وقال آخر: إن الدنيا قد استودقت وأنعظ الناس «4» . # قال وهيب بن الورد: من أراد الدنيا فليتهيأ للذل. # قيل لمحمد بن واسع: إنك لترضى بالدون؛ فقال: إنما رضي بالدون من رضي ~~بالدنيا. # قيل لعلي بن الحسين: من أعظم الناس خطرا؟ فقال: من لم ير الدنيا خطرا ~~لنفسه. # كان يقال: لأن تطلب الدنيا بأقبح ما تطلب به الدنيا أحسن من أن تطلب ~~بأحسن ما تطلب به الآخرة. # PageV02P356 # قالت امرأة لبعلها ورأته مهموما: مم همك؟ أبالدنيا فقد فرغ الله منها أم ~~بالآخرة فزادك الله هما!. # الثوري قال: قال المسيح: «حب الدنيا أصل كل خطيئة والمال فيها داء كثير؛ ~~قيل: ما داؤه؟ قال: لا يسلم صاحبه من الفخر والكبر؛ قيل: وإن سلم؟ قال: ~~يشغله إصلاحه عن ذكر الله» . # بلغني عن محمد بن فضيل قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن عن سالم بن أبي ~~الجعد عن أبي الدرداء قال: يأهل حمص، مالي أراكم تجمعون كثيرا، وتبنون ~~شديدا، وتأملون بعيدا؟ إن من قبلكم جمعوا كثيرا وبنوا شديدا وأملوا بعيدا ~~فصار جمعهم بورا وصارت مساكنهم قبورا وأملهم غرورا. وفي رواية أخرى: يأهل ~~دمشق، مالكم تجمعون ما لا تأكلون، وتبنون ما لا تسكنون، وتأملون ما لا ~~تدركون؟ ألا إن عادا وثمود كانوا قد ملؤا ما بين بصرى وعدن أموالا وأولادا ~~ونعما، فمن يشتري مني ما تركوا بدرهمين؟ # بلغني «1» عن داود بن المحبر عن عبد الواحد بن الخطاب قال: أقبلنا قافلين ~~من بلاد الروم نريد البصرة، حتى إذا كنا بين الرصافة وحمص، سمعنا «2» صائحا ~~يصيح من بين تلك الرمال- سمعته الآذان ولم تره العيون- يقول: يا مستور يا ~~محفوظ، اعقل «3» في ستر من أنت! فإن كنت لا تعقل من أنت في ستره فاتق ~~الدنيا فإنها حمى الله؛ فإن كنت لا تعقل كيف تتقيها فصيرها شوكا ثم انظر ~~أين تضع قدميك منها!. # PageV02P357 # قال المأمون «1» : لو سئلت الدنيا عن نفسها ما أحسنت أن تصف نفسها صفة ~~أبي نواس في هذا البيت: [طويل] # إذا اختبر الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو في ثياب صديق # قال المسيح عليه السلام: «أنا الذي كفأت الدنيا على وجهها، فليست لي زوجة ~~تموت ولا بيت يخرب» . # قال أبو العتاهية: [بسيط] # يا من ترفع للدنيا وزينتها ... ليس الترفع رفع الطين بالطين # إذا أردت شريف الناس كلهم ... فانظر إلى ملك في زي مسكين # وقال آخر وذكر الدنيا: [متقارب] # إذا تم أمر دنا نقصه ... توقع زوالا إذا قيل تم # وقال آخر: [سريع] # لا تبك للدنيا ولا أهلها ... وابك ليوم تسكن الحافره «2» # وابك إذا صيح بأهل الثرى ... فاجتمعوا في ساحة الساهرة «3» # PageV02P358 # ويلك يا دنيا لقد قصرت ... آمال من يسكنك الآخرة ### | مقامات الزهاد عند الخلفاء والملوك ### | مقام صالح بن عبد الجليل بين يدي المهدي # قام «1» فقال: إنه لما سهل علينا ما توعر على غيرنا من الوصول إليك، قمنا ~~مقام الأداء عنهم وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإظهار ما في أعناقنا ~~من فريضة الأمر والنهي عند انقطاع عذر الكتمان، ولا سيما حتى اتسمت بميسم ~~التواضع، ووعدت الله وحملة كتابه إيثار الحق على ما سواه، فجمعنا وإياك ~~مشهد من مشاهد التمحيص ليتم مؤدينا على موعود الأداء وقابلنا على موعود ~~القبول، أو يزيدنا تمحيص الله إيانا في اختلاف السر والعلانية، ويحلينا ~~حلية الكذابين، فقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: من «2» ~~حجب الله عنه العلم عذبه على الجهل، وأشد منه عذابا من أقبل إليه العلم ~~وأدبر عنه، ومن أهد الله إليه علما فلم يعمل به فقد رغب عن هدية الله وقصر ~~بها، فاقبل ما أهدى الله إليك من ألسنتنا قبول تحقيق وعمل لا قبول سمعة ~~ورياء، فإنه لا يعدمك منا إعلام لما تجهل أو مواطأة على ما تعلم أو تذكير ~~من غفلة؛ فقد وطن الله عز وجل نبيه عليه السلام على نزولها تعزية عما فات ~~وتحصينا من التمادي ودلالة على المخرج، فقال: وإما ينزغنك من الشيطان نزغ ~~فاستعذ بالله إنه سميع # PageV02P359 # عليم # «1» ؛ فأطلع الله على قلبك بما ينوره من إيثار الحق ومنابدة «2» الأهواء. # ولا حول ولا قوة إلا بالله. ### | مقام رجل من الزهاد «3» بين يدي المنصور # بينما المنصور يطوف «4» ليلا إذ سمع قائلا يقول: اللهم إني أشكو إليك ~~ظهور البغي والفساد في الأرض، وما يحول بين الحق وأهله من الطمع. # فخرج المنصور فجلس ناحية من المسجد، وأرسل إلى الرجل يدعوه. فصلى الرجل ~~ركعتين واستلم الركن وأقبل مع الرسول فسلم عليه بالخلافة، فقال المنصور: ما ~~الذي سمعتك تذكر من ظهور البغي «5» والفساد في الأرض وما يحول بين الحق ~~وأهله من الطمع؟ فوالله لقد حشوت مسامعي ما أرمضني «6» : # قال «7» : يا أمير المؤمنين، إن أمنتني على نفسي أنبأتك بالأمور من ~~أصولها، وإلا احتجزت منك واقتصرت على نفسي ففيها «8» لي شاغل، فقال: أنت ~~آمن # PageV02P360 # على نفسك فقل؛ فقال «1» : إن الذي دخله الطمع حتى حال بينه وبين ما ظهر ~~من البغي والفساد لأنت؛ قال: ويحك وكيف يدخلني الطمع والصفراء والبيضاء في ~~قبضتي والحلو والحامض عندي؟ قال: وهل دخل أحد من الطمع ما دخلك؟ إن الله ~~تبارك وتعالى استرعاك المسلمين وأموالهم فأغفلت أمورهم واهتممت بجمع ~~أموالهم، وجعلت بينك وبينهم حجابا من الجص والآجر وأبوابا من الحديد وحجبة ~~معهم السلاح ثم سجنت نفسك فيها عنهم، وبعثت عمالك في جباية الأموال وجمعها ~~وقويتهم بالرجال والسلاح والكراع «2» ، وأمرت بألا يدخل عليك من الناس إلا ~~فلان وفلان نفر سميتهم، ولم تأمر بإيصال المظلوم ولا الملهوف ولا الجائع ~~العاري ولا الضعيف الفقير، ولا أحد إلا وله في هذا المال حق، فلما رآك ~~هؤلاء النفر الذين استخلصتهم لنفسك وآثرتهم على رعيتك وأمرت ألا يحجبوا ~~عنك، تجبي الأموال وتجمعها ولا تقسمها قالوا: هذا قد خان الله فما بالنا لا ~~نخونه وقد سجن لنا نفسه؟ فأتمروا بألا يصل إليك من علم أخبار الناس شيء إلا ~~ما أرادوا، ولا يخرج لك عامل فيخالف أمرهم إلا قصبوه «3» عندك ونفوه حتى ~~تسقط منزلته ويصغر قدره، فلما انتشر ذلك عنك وعنهم، أعظمهم الناس وهابوهم، ~~فكان أول من صانعهم عمالك بالهدايا والأموال ليقووا بها على ظلم رعيتك، ثم ~~فعل ذلك ذوو القدرة والثروة من رعيتك لينالوا به ظلم من دونهم، فامتلأت ~~بلاد الله بالطمع بغيا وفسادا، وصار هؤلاء القوم شركاءك في سلطانك وأنت ~~غافل فإن جاء متظلم حيل بينه وبين دخول مدينتك، فإن أراد رفع قصته إليك عند ~~ظهورك وجدك قد نهيت عن ذلك، وأوقفت للناس رجلا ينظر في مظالمهم فإن جاء ذلك ~~الرجل # PageV02P361 # فبلغ بطانتك خبره سألوا صاحب المظالم ألا يرفع مظلمته إليك، فإن المتظلم ~~منه له بهم حرمة، فأجابهم خوفا منهم؛ فلا يزال المظلوم يختلف إليه ويلوذ به ~~ويشكو ويستغيث وهو يدفعه ويعتل عليه، فإذا أجهد وأحرج وظهرت، صرخ بين يديك، ~~فضرب ضربا مبرحا، ليكون نكالا لغيره، وأنت تنظر فلا تنكر، فما بقاء الإسلام ~~على هذا؟ وقد كنت يا أمير المؤمنين أسافر إلى الصين فقدمتها مرة وقد أصيب ~~ملكها بسمعه، فبكى يوما بكاء شديدا فحثه جلساؤه على الصبر فقال: أما إني ~~لست أبكي للبلية النازلة بي، ولكني أبكي لمظلوم بالباب يصرخ ولا أسمع صوته ~~ثم قال: أما إذ ذهب سمعي فإن بصري لم يذهب نادوا في الناس ألا يلبس ثوبا ~~أحمر إلا متظلم، ثم كان يركب الفيل طرفي نهاره، وينظر هل يرى مظلوما. فهذا ~~يا أمير المؤمنين مشرك بالله غلبت رأفته بالمشركين شح نفسه، وأنت مؤمن ~~بالله ثم من أهل بيت نبيه لا تغلب رأفتك بالمسلمين على شح نفسك! فإن كنت ~~إنما تجمع المال لولدك، فقد أراك الله عبرا في الطفل يسقط من بطن أمه وماله ~~على الأرض مال، وما من مال إلا ودونه يد شحيحة تحويه فما يزال الله يلطف ~~بذلك الطفل حتى تعظم رغبة الناس إليه، ولست بالذي تعطي بل الله يعطي من ~~يشاء ما يشاء، وإن قلت إنما أجمع المال لتشديد السلطان فقد أراك الله عبرا ~~في بني أمية ما أغنى عنهم ما جمعوا من الذهب والفضة وأعدوا من الرجال ~~والسلاح والكراع حتى أراد الله بكم ما أراد، وإن قلت إنما أجمع المال لطلب ~~غاية هي أجسم من الغاية التي أنا فيها، فوالله ما فوق ما أنت فيه إلا منزلة ~~لا تدرك إلا بخلاف ما أنت عليه يا أمير المؤمنين، هل تعاقب من عصاك بأشد من ~~القتل؟ قال المنصور: لا، قال: فكيف تصنع بالملك الذي خولك ملك الدنيا وهو ~~لا يعاقب من عصاه بالقتل؟ ولكن بالخلود في العذاب الأليم، قد رأى ما قد عقد # PageV02P362 # عليه قلبك وعملته جوارحك ونظر إليه بصرك واجترحته يداك ومشت إليه رجلاك، ~~هل يغني عنك ما شححت عليه من ملك الدنيا إذا انتزعه من يدك ودعاك إلى ~~الحساب؟ فبكى المنصور وقال: يا ليتني لم أخلق! ويحك! فكيف أحتال لنفسي؟ ~~قال: يا أمير المؤمنين، إن للناس أعلاما يفزعون إليهم في دينهم ويرضون بهم ~~فاجعلهم بطانتك يرشدوك، وشاورهم في أمرك يسددوك، قال: قد بعثت إليهم فهربوا ~~مني، قال: خافوا أن تحملهم على طريقتك ولكن افتح بابك وسهل حجابك وانصر ~~المظلوم واقمع الظالم وخذ الفيء والصدقات مما حل وطاب واقسمه بالحق والعدل ~~على أهله وأنا الضامن عنهم أن يأتوك ويسعدوك على صلاح الأمة. وجاء المؤذنون ~~فسلموا عليه فضلى وعاد إلى مجلسه وطلب الرجل فلم يوجد. ### | مقام آخر والمنصور يخطب # خطب المنصور بحمد الله ومضى في كلامه، فلما انتهى إلى أشهد أن لا إله إلا ~~الله وثب رجل من أقصى المسجد فقال أذكرك من تذكر، فقال المنصور: سمعا لمن ~~فهم عن الله وذكر به وأعوذ بالله أن أكون جبارا عصيا وأن تأخذني العزة ~~بالإثم لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين، وأنت والله أيها القائل ما أردت ~~بها الله ولكن حاولت أن يقال: قام فقال فعوقب فصبر، وأهون بقائلها لو هممت، ~~فاهتبلها «1» ويلك إذ عفوت؛ وآياكم معشر الناس وأختها؛ فإن الموعظة علينا ~~نزلت ومن عندنا انبثت فردوا الأمر إلى أهله يصدروه كما أوردوه؛ ثم رجع إلى ~~خطبته فقال: وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. # PageV02P363 ### | مقام «1» عمرو بن عبيد بين يدي المنصور # قال للمنصور «2» : إن الله أعطاك الدنيا بأسرها، فاشتر نفسك ببعضها، ~~واذكر ليلة تمخض عن يوم لا ليلة بعده؛ فوجم أبو جعفر من قوله؛ فقال له ~~الربيع: يا عمرو، غممت أمير المؤمنين؛ فقال عمرو: إن هذا صحبك عشرين سنة لم ~~ير لك عليه أن ينصحك يوما واحدا وما عمل وراء بابك بشيء من كتاب الله ولا ~~سنة نبيه؛ قال أبو جعفر: فما أصنع؟ قد قلت لك: خاتمي في يديك فتعال وأصحابك ~~فاكفني؛ قال عمرو: أدعنا بعدلك تسخ أنفسنا بعونك؛ ببابك ألف مظلمة اردد ~~منها شيئا نعلم أنك صادق. ### | مقام «3» أعرابي بين يدي سليمان # قام فقال: إني مكلمك يا أمير المؤمنين بكلام فيه بعض الغلظة فاحتمله إن ~~كرهته، فإن وراءه ما تحبه إن قبلته؛ قال: هات يا أعرابي؛ قال: # فإني سأطلق لساني بما حرست عنه الألسن من عظتك تأدية لحق الله وحق ~~إمامتك، إنه قد اكتنفك رجال أساءوا الاختيار لأنفسهم، فابتاعوا دنياك ~~بدينهم ورضاك بسخط ربهم، خافوك في الله ولم يخافوا الله فيك، فهم حرب ~~للآخرة سلم للدنيا، فلا تأمنهم على ما ائتمنك الله عليه، فإنهم لن يألوا ~~الأمانة تضييعا والأمة عسفا وخسفا، وأنت مسؤول عما اجترحوا وليسوا مسؤولين ~~عما # PageV02P364 # اجترحت، فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك، فإن أعظم الناس غبنا من باع آخرته ~~بدنيا غيره. قال سليمان: أما أنت يا أعرابي فقد سللت لسانك، وهو أقطع ~~سيفيك؛ فقال: أجل، لك لا عليك. ### | مقام أعرابي بين يدي هشام # قال: أتت على الناس سنون، أما الأولى فلحت «1» اللحم، وأما الثانية فأكلت ~~الشحم، وأما الثالثة فهاضت «2» العظم، وعندكم فضول أموال، فإن كانت لله ~~فاقسموها بين عباده، وإن كانت لهم ففيم تحظر عنهم؟ وإن كانت لكم فتصدقوا ~~عليهم بها فإن الله يجزي المتصدقين؛ فأمر هشام بمال فقسم بين الناس وأمر ~~للأعرابي بمال؛ فقال: أكل المسلمين له مثل هذا؟ قالوا: لا ولا يقوم بذلك ~~بيت مال المسلمين؛ قال: فلا حاجة لي فيما يبعث لائمة الناس على أمير ~~المؤمنين. ### | مقام «3» الأوزاعي بين يدي المنصور # ذكره «4» عبد الله بن المبارك عن رجل من أهل الشام قال: دخلت عليه فقال: ~~ما الذي بطأ بك عني؟ قلت: يا أمير المؤمنين، وما الذي تريد مني؟ # فقال: الاقتباس منك؛ قلت: انظر ما تقول، فإن مكحولا حدثني عن عطية بن ~~بشير «5» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من بلغه عن الله نصيحة في ~~دينه فهي رحمة من # PageV02P365 # الله سيقت إليه، فإن قبلها من الله بشكر وإلا كانت حجة من الله عليه، ~~ليزداد إثما وليزداد الله عليه غضبا، وإن بلغه شيء من الحق فرضي فله الرضا، ~~وإن سخط فله السخط، ومن كرهه فقد كره الله، لأن الله هو الحق المبين «1» » ~~، فلا تجهلن؛ قال: وكيف أجهل؟ قال: تسمع ولا تعمل بما تسمع. # قال الأوزاعي: فسل علي الربيع السيف وقال: تقول لأمير المؤمنين هذا! ~~فانتهره المنصور وقال: أمسك. ثم كلمه الأوزاعي، وكان في كلامه أن قال: # إنك قد أصبحت من هذه الخلافة بالذي أصبحت به، والله سائلك عن صغيرها ~~وكبيرها وفتيلها ونقيرها، ولقد حدثني عروة بن رويم أن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم قال: «ما من راع يبيت غاشا لرعيته إلا حرم الله عليه رائحة ~~الجنة» ، فحقيق على الوالي أن يكون لرعيته ناظرا، ولما استطاع من عوراتهم ~~ساترا، وبالقسط فيما بينهم قائما، لا يتخوف محسنهم منه رهقا ولا مسيئهم ~~عدوانا؛ فقد كانت بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم جريدة يستاك بها ويردع ~~عنه المنافقين؛ فأتاه جبريل فقال: # «يا محمد، ما هذه الجريدة بيدك؟ إقذفها لا تملأ قلوبهم رعبا» . فكيف من ~~سفك دماءهم وشقق أبشارهم وأنهب أموالهم؟ يا أمير المؤمنين، إن المغفور له ~~ما تقدم من ذنبه وما تأخر دعا إلى القصاص من نفسه بخدش خدشه أعرابيا لم ~~يتعمده، فهبط جبريل فقال: «يا محمد، إن الله لم يبعثك جبارا تكسر قرون ~~أمتك» . واعلم أن كل ما في يدك لا يعدل شربة من شراب الجنة ولا ثمرة من ~~ثمارها؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقاب قوس أحدكم من الجنة أو ~~قذة «2» خير له من الدنيا بأسرها» . إن الدنيا تنقطع ويزول نعيمها، ولو بقي ~~الملك لمن قبلك # PageV02P366 # لم يصل إليك. يا أمير المؤمنين، ولو أن ثوبا من ثياب أهل النار علق بين ~~السماء والأرض لاذاهم فكيف من يتقمصه؟ ولو أن ذنوبا «1» من صديد أهل النار ~~صب على ماء الأرض لآجنه «2» فكيف بمن يتجرعه؟ ولو أن حلقة من سلاسل جهنم ~~وضعت على جبل لذاب، فكيف من سلك فيها ويرد فضلها على عاتقه! وقد قال عمر بن ~~الخطاب: «لا يقوم أمر الناس إلا حصيف العقدة، بعيد العزة، لا يطلع الناس ~~منه على عورة، ولا يحنق في الحق على جرة «3» ، ولا تأخذه في الله لومة ~~لائم» . # واعلم أن السلطان أربعة: أمير يظلف «4» نفسه وعماله، فذلك له أجر المجاهد ~~في سبيل الله وصلاته سبعون ألف صلاة ويد الله بالرحمة على رأسه ترفرف؛ ~~وأمير رتع ورتع عماله. فذاك يحمل أثقاله وأثقالا مع أثقاله؛ وأمير يظلف ~~نفسه ويرتع عماله، فذاك الذي باع آخرته بدنيا غيره؛ وأمير يرتع ويظلف ~~عماله، فذاك شر الأكياس. # واعلم يا أمير المؤمنين أنك قد ابتليت بأمر عظيم عرض على السموات والأرض ~~والجبال فأبين أن يحملنه وأشفقن منه؛ وقد جاء عن جدك في تفسير قول الله عز ~~وجل: لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها # «5» : أن الصغيرة التبسم، والكبيرة الضحك، وقال: فما ظنكم بالكلام وما ~~عملته الأيدي؟ # PageV02P367 # فأعيذك بالله أن يخيل إليك أن قرابتك برسول الله صلى الله عليه وسلم تنفع ~~مع المخالفة لأمره؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا صفية عمة ~~محمد ويا فاطمة بنت محمد، استوهبا أنفسكما من الله إني لا أغني عنكما من ~~الله شيئا» . وكان جدك الأكبر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم إمارة؛ ~~فقال: «أي عم نفس تحييها خير لك من إمارة لا تحصيها» ، نظرا لعمه وشفقة ~~عليه أن يلي فيجور عن سنته جناج بعوضة، فلا يستطيع له نفعا ولا عنه دفعا. ~~هذه نصيحتي إن قبلتها فلنفسك عملت، وإن رددتها فنفسك بخست، والله الموفق ~~للخير والمعين عليه؛ قال بلى! نقبلها ونشكر عليها، وبالله نستعين. ### | مقام خالد بن صفوان بين يدي هشام # قال خالد: وفدت عليه فوجدته قد بدأ يشرب الدهن، وذلك في عام باكر وسميه ~~وتتابع وليه «1» وأخذت الأرض زخرفها، فهي كالزرابي المبثوثة والقباطي «2» ~~المنشورة، وثراها كالكافور لو وضعت به بضعة «3» ولم تترب، وقد ضربت له ~~سرادقات حبر «4» بعث بها إليه يوسف بن عمر من اليمن تتلألأ كالعقيان، فأرسل ~~إلي فدخلت عليه، ولم أزل واقفا، ثم نظر إلي كالمستنطق لي؛ فقلت: يا أمير ~~المؤمنين، أتم الله عليك نعمه ودفع عنك نقمه؛ هذا مقام زين الله به ذكري ~~وأطاب به نشري، إذ أراني وجه أمير # PageV02P368 # المؤمنين، ولا أرى لمقامي هذا شيئا هو أفضل من أن أنبه أمير المؤمنين ~~لفضل نعمة الله عليه ليحمد الله علي ما أعطاه، ولا شيء أحضر من حديث سلف ~~لملك من ملوك العجم إن أذن لي فيه حدثته به؛ قال: هات؛ قلت: كان رجل من ~~ملوك الأعاجم جمع له فتاء «1» السن وصحة الطباع وسعة الملك وكثرة المال، ~~وذلك بالخورنق «2» ، فأشرف يوما فنظر ما حوله فقال لمن حضره: هل علمتم أحدا ~~أوتي مثل الذي أوتيت؟ فقال رجل من بقايا حملة الحجة: إن أذنت لي تكلمت؛ ~~فقال: قل، فقال: أرأيت ما جمع لك؟ أشيء هو لك لم يزل ولا يزول، أم هو شيء ~~كان لمن قبلك زال عنه وصار إليك وكذلك يزول عنك؟ قال: لا! بل شيء كان لمن ~~قبلي فزال عنه وصار إلي وكذلك يزول عني؛ قال: فسررت بشيء تذهب لذته وتبقى ~~تبعته، تكون فيه قليلا وترتهن به طويلا؛ فبكى وقال: أين المهرب؟ قال: إلى ~~أحد أمرين: إما أن تقيم في ملكك فتعمل فيه بطاعة ربك وإما أن تلقي عليك ~~أمساحا «3» ثم تلحق بجبل تعبد فيه ربك حتى يأتي عليك أجلك؛ قال: فمالي إذا ~~أنا فعلت ذلك؟ قال: حياة لا تموت وشباب لا يهرم وصحة لا تسقم وملك جديد لا ~~يبلى؛ فأتى جبلا فكان فيه حتى مات. وأنشده قول عدي بن زيد: # وتفكر رب الخورنق إذ أص ... بح يوما وللهدى تفكير # سره حاله وكثرة ما يم ... لك والبحر معرضا والسدير «4» # PageV02P369 # فارعوى قلبه فقال وما غب ... طة حي إلى الممات يصير # فبكى هشام وقام ودخل؛ فقال لي حاجبه: لقد كسبت نفسك شرا، دعاك أمير ~~المؤمنين لتحدثه وتلهيه وقد عرفت علته فما زدت على أن نعيت إليه نفسه. ~~فأقمت أياما أتوقع الشر، ثم أتاني حاجبه فقال: قد أمر لك بجائزة وأن لك في ~~الانصراف. ### | مقام محمد بن كعب القرظي بين يدي عمر بن عبد العزيز # قال: إنما الدنيا سوق من الأسواق، فمنها خرج الناس بما ينفعهم وبما ~~يضرهم، وكم من قوم قد غرهم مثل الذي أصبحنا فيه حتى أتاهم الموت فاستوعبهم ~~فخرجوا من الدنيا مرملين «1» لم يأخذوا لما أحبوا من الآخرة عدة ولا لما ~~كرهوا جنة «2» ، واقتسم ما جمعوا من لم يحمدهم وصاروا إلى من لا يعذرهم. ~~فانظر الذي تحب أن يكون معك إذا قدمت، فقدمه بين يديك حتى تخرج إليه؛ وانظر ~~الذي تكره أن يكون معك إذا قدمت، فابتغ به البدل حيث يجوز البدل؛ ولا تذهبن ~~إلى سلعة قد بارت على غيرك ترجو جوازها عنك. يا أمير المؤمنين، افتح ~~الأبواب، وسهل الحجاب، وانصر المظلوم. # PageV02P370 ### | مقام الحسن عند عمر بن هبيرة # كتب ابن هبيرة إلى الحسن وابن سيرين والشعبي فقدم بهم عليه، فقال لهم: إن ~~أمير المؤمنين يكتب إلي في الأمر، إن فعلته خفت على ديني، وإن لم أفعله خفت ~~على نفسي؛ فقال له ابن سيرين والشعبي قولا رققا فيه، وقال له الحسن: يا بن ~~هبيرة، إن الله يمنعك من يزيد، وإن يزيد لا يمنعك من الله. يا بن هبيرة، خف ~~الله في يزيد ولا تخف يزيد في الله. يا بن هبيرة، إنه يوشك أن يبعث الله ~~إليك ملكا فينزلك عن سريرك إلى سعة قصرك، ثم يخرجك من سعة قصرك إلى ضيق ~~قبرك، ثم لا ينجيك إلا عملك. يابن هبيرة، إنه لا طاعة لمخلوق في معصية ~~الخالق؛ فأمر له بأربعة آلاف درهم وأمر لابن سيرين والشعبي بألفين؛ فقالا: ~~رفقنا فرقق لنا. ### | باب من المواعظ ### | كلام للحسن # قال في كلام له: أمتكم آخر الأمم وأنتم آخر أمتكم، وقد أسرع، بخياركم ~~فماذا تنتظرون! المعاينة؟ فكأن قد. هيهات هيهات! ذهبت الدنيا بحال بمالها، ~~وبقيت الأعمال أطواقا في أعناق بني آدم؛ فيا لها موعظة لو وافقت من القلوب ~~حياة! إنه والله لا أمة بعد أمتكم، ولا نبي بعد نبيكم، ولا كتاب بعد ~~كتابكم؛ أنتم تسوقون الناس والساعة تسوقكم؛ وإنما ينتظر بأولكم أن يلحق ~~آخركم. من رأى محمدا صلى الله عليه وسلم فقد رآه غاديا رائحا لم يضع لبنة ~~على لبنة ولا قصبة على قصبة، رفع له علم فشمر إليه؛ فالوحى الوحى «1» ، ~~والنجاء النجاء. علام تعرجون؟ أسرع بخياركم وأنتم كل يوم ترذلون «2» . لقد # PageV02P371 # صحبت أقواما كانت صحبتهم قرة العين وجلاء الصدور، وكانوا من حسناتهم أن ~~ترد عليهم أشفق منكم من سيئاتكم أن تعذبوا عليها، وكانوا فيما أحل الله لهم ~~من الدنيا أزهد منكم فيما حرم الله عليكم. إني أسمع حسيسا «1» ، ولا أرى ~~أنيسا؛ ذهب الناس، وبقيت في النسناس؛ لو تكاشفتم ما تدافنتم؛ تهاديتم ~~الأطباق ولم تهادوا النصائح. يا بن آدم، إن دين الله ليس بالتحلي ولا ~~بالتمني، ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال. ### | كلام لبعض الزهاد # لا تغترن بطول السلامة مع تضييع الشكر، ولا تعملن نعمة الله في معصيته؛ ~~فإن أقل ما يجب لمهديها ألا تجعلها ذريعة إلى مخالفته. واستدع شارد النعم ~~بالتوبة، واستدم الراهن منها بكرم الجوار، واستفتح باب المزيد بحسن التوكل. ~~أو ما علمت أن المستشعر لذل الخطيئة المخرج نفسه من كلف الطاعة نطف الثناء، ~~زمر «2» المروءة، قصي المجلس، لا يشاور وهو ذو بزلاء «3» ، ولا يصدر وهو ~~جميل الرواء، غامض الشخص ضئيل الصوت نزر الكلام يتوقع الإسكات عند كل كلمة، ~~وهو يرى فضل مزيته وصريج لبه وحسن تفضيله، ولكن قطعه سوء ما جنى على نفسه، ~~ولو لم تطلع عليه عيون الخليقة لهجست العقول بإدهانه «4» . وكيف يمتنع من ~~سقوط القدر وظن المتفرس من عري من حلية التقوى وسلب طبائع الهدى؟ ولو لم ~~يتفش ثوب سريرته وقبيح ما أجن من مخالفة ربه لقطعه العلم بقبيح ما قارف عن ~~اقتدار # PageV02P372 # ذوي الطهارة في الكلام وإدلال أهل البراءة في الندي. ### | كلام لغيلان # إن التراجع في المواعظ يوشك أن يذهب يومها ويأتي يوم الصاخة «1» ، كل ~~الخلق يومئذ مصيخ يستمع ما يقال له ويقضي عليه، وخشعت الأصوات للرحمن فلا ~~تسمع إلا همسا. فاصمت اليوم عما يصمتك يومئذ، وتعلم ذلك حتى تعلمه، وابتغه ~~حتى تجده، وبادر قبل أن تفجأك دعوة الموت؛ فإنها عنيفة إلا بمن رحم الله، ~~فيقحمك في دار تسمع فيها الأصوات بالحسرة والويل والثبور، ثم لا يقالون ولا ~~يستعتبون. إني رأيت قلوب العباد في الدنيا تخشع لأيسر من هذا وتقسو عند ~~هذا، فانظر إلى نفسك أعبد الله أنت أم عدوه؟ فيا رب متعبد لله بلسانه، معاد ~~له بفعله ذلول في الانسياق إلى عذاب السعير «2» في أمنية أضغاث أحلام ~~يعبرها بالأماني والظنون. فاعرف نفسك وسل عنها الكتاب المنير، سؤال من يحب ~~أن يعلم، وعلم من يحب أن يعمل، فإن الرب جل ثناؤه لا يعذر بالتعذير ~~والتغرير، ولكن يعذر بالجد والتشمير. اكتس نصيحتي؛ فإنها كسوة تقوى ودليل ~~على مفاتح الخير، ولا تكن كعلماء زمن الهرج إن وعظوا أنفوا، وإن وعظوا ~~عنفوا. والله المستعان. ### | كتاب رجل إلى بعض الزهاد # كتب إليه: إن لي نفسا تحب الدعة، وقلبا يألف اللذات، وهمة تستثقل الطاعة؛ ~~وقد وهمت نفسي الآفات، وحذرت قلبي الموت، وزجرت همتي عن # PageV02P373 # التقصير؛ فلم أرض ما رجع إلي منهن، فأهد لي- رحمك الله- ما أستعين به على ~~ما شكوت إليك؛ فقد خفت الموت قبل الاستعداد. # فكتب إليه: كثر تعجبي من قلب يألف الذنب، ونفس تطمئن إلى البقاء، ~~والساعات تنقلنا والأيام تطوي أعمارنا؛ فكيف يألف قلب ما لاثبات له؟ وكيف ~~تنام عين لا تدري؟ لعلها لا تطرف بعد رقدتها إلا بين يدي الله! والسلام. ### | وكتب رجل من العباد إلى صديق له: # إني لما رأيت الناس في اليقين متفقين، وفي العمل متفاوتين، ورأيت الحجة ~~واجبة، فلم أر في يقين قصر بصاحبه عن عمل حجة، ولا في عمل كان بغير يقين ~~منفعة؛ ورأيت من تقصير أنفسنا في السعي لمرجو ما وعدت والهرب من مخوف ما ~~حذرت، حتى أسلمها ذلك إلى أن ضعفت منها النية وقل التحفظ واستولى عليها ~~السقط «1» والإغفال واشتعلت منها الشهوة، ودعاها ذلك إلى التمرغ في فضائح ~~اللذات، وهي تعلم أن عاقبتها الندم، وثمرتها العقوبة، ومصيرها إلى النار إن ~~لم يعف الله- عجبت لعمل امرىء كيف لا يشبه يقينه، ولعلم موقن كيف لا يرتبط ~~رجاءه وخوفه على ربه، حتى لا تكون الرغبة منه إلا إليه والرهبة منه إلا له. ~~وزادني عجبا أنني رأيت طالب الدنيا أجد من طالب الآخرة، وخائفها أتعب من ~~خائف الآخرة، وهو يعلم يقينا أنه رب مطلوب في الدنيا قد صار حين نيل حتفا ~~لطالبه، وأنه رب مخوف فيها قد لحق كرها بالهارب منه فصار حظا له، وأن ~~المطلوب إليه من أهلها ضعيف عن نفسه محتاج إلى ربه مملوك عليه ماله مخزونة ~~عنه قدرته. واعلم أن جماع ما # PageV02P374 # يسعى له الطالب ويهرب منه الهارب أمران: أحدهما أجله، والآخر رزقه، ~~وكلاهما بعينه شاهد على أنه لا يملكه إلا الذي خلقه. فلم أدر حين صار هذا ~~اليقين في موضع الإيمان يقينا لا شك فيه، كيف صار في موضع العمل شبيها ~~بالشك الذي لا يقين فيه! وكيف، حين اختلف في أمر الآخرة، لم يختلف في أمر ~~الدنيا، فيكون خائف الآخرة لربه كخائف الدنيا لسلطانه صبرا له على تجشم ~~المكروه، وتجرعا منه لغصص الغيظ، واحتمالا منه لفادح النصب، وعملا له ~~بالسخرة، وتحفظا من أن يضمر له غش أو يهم له بخلاف؛ ولو فعل ذلك ما علمه ~~منه حتى يظهر له بقول أو فعل؛ ولو علمه منا قدر له على قطع أجل لم يفن ورزق ~~لم ينفد؛ فإن ابتلي بالسخط من سلطانه فكيف حزنه ووحشته، وإن أنس منه رضا ~~عنه فكيف سروره واختياله؟ فإن قارف ذنبا إليه فكيف تضعضعه واستخذاؤه «1» ؟ ~~فإن ندبه لأمر فكيف خفته ونشاطه؟ وإن نهاه عنه فكيف حذره واتعاظه؟ وهو يعلم ~~أن خالقه ورازقه يعلم سره وجهره، ويراه في متقلبه ومثواه، ويعاينه في ~~فضائحه وعورته، فلم يزعه عنها حياء منه ولا تقية له، قد أمره فلم يأتمر، ~~وزجره فلم يزدجر، وحذره فلم يحذر، ووعده فلم يرغب، وأعطاه فلم يشكر، وستره ~~فلم يزدد بالستر إلا تعرضا للفضائح، وكفاه فلم يقنع بالكفاية، وضمن له في ~~رزقه ما هو في طلبه مشيح «2» ، ويقظه من أجله لما هو عنه لاه، وفرغه من ~~العمل لما هو عنه بغيره مشغول؛ فسبحان من وسع ذلك حمله وتغمده من عباده ~~عفوه؛ ولو شاء ما فعلوه: ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون. # فأجابه: إني رأيت الله تبارك وتعالى جعل اليقين بأعظم المواضع في # PageV02P375 # أمر الدنيا والدين، فهو غاية علم العالم وبصر البصير وفهم السامع، ليس ~~كسائر الأشياء التي تدخلها الشبهات ويجرحها الإغفال ويشوبها الوهن؛ وذلك أن ~~الله تعالى جعل مغرسه القلب؛ وأغصانه العمل، وثمرته الثواب. وإنما جعل ~~القلب لليقين مغرسا، لأنه جعل الخمس الجوالب لعلم الأشياء كلها إلى القلب: ~~السمع والبصر والمجسة والمذاقة والاسترواح. فإذا صارت الأشياء إليه ميز ~~بينها العقل، ثم صارت بأجمعها إلى اليقين، فكان هو المثبت لها والموجه كل ~~واحدة منهن جهتها. ولولا معرفة القلب بالعقل الذي جعله الله لذلك، لم يفرق ~~سمع بين صوتين مختلفين، ولا بصر بين صورتين متقاربتين، ولا مجسة بين شيئين ~~غير متشابهين. ولليقين بعد ذلك منزلة يعرف بها حال الضار والنافع في ~~العاقبة عند الله تعالى. فلما صار اليقين في التشبيه كالشجرة النابتة في ~~القلب، أغصانها العمل وثمرتها الثواب، أخبر ذلك أنه قد تكون الشجرة نابتة ~~الأصل بلا أغصان كما قد يكون اليقين نابتا بلا عمل؛ وأنه كما لا تكون ~~الأغصان نابتة بلا أصل، فكذلك لا يكون العمل نافعا إلا بيقين؛ وكما أنه لا ~~تخلف الثمرة في الطيب والكثرة إذا كان الأصل نابتا والأغصان ملتفة، فكذلك ~~يكون الثواب لمن صح يقينه وحسن عمله. وقد تعرض للأعمال عوارض من العلل؛ ~~منهن الأمل المثبط «1» ، والنفس الأمارة بالسوء، والهوى المزين للباطل، ~~والشيطان الجاري من ابن آدم مجرى الدم، يضررن بالعمل والثواب، ولا يبلغ ~~ضررهن اليقين، فيكون ذلك كبعض ما يعرض للشجرة من عوارض الآفات فتذوي ~~أغصانها وتنثر ورقها وتمنع ثمرتها والأصل ثابت؛ فإذا تجلت الآفة عادت إلى ~~حال صلاحها. فإذا يعجبك من عمل امرىء لا يشبه يقينه وأن يقينه لا يرتبط ~~رجاءه وخوفه على ربه؟ فإنما العجب # PageV02P376 # من خلاف ذلك! ولعمري لو أشبه عمل امرىء يقينه فكان في خوفه ورجائه ~~كالمعاين لما يعاينه بقلبه من الوقوف بين يدي الله والنظر إلى ما وعد ~~وأوعد، لكان ما يعتلج على قلبه من خطرات الخوف شاغلا له عن الرجاء، حتى ~~يأتي على نفسه أول لحظة ينظر بها إلى النار خوفا لها أو إلى الجنة أسفا ~~عليها إذا حرمها، وإذا لكان الموقن بالبعث بقلبه كالمعاين له يوم القيامة. ~~وكيف يستطيع من كان كذلك أن يعقل فضلا عن أن يعمل؟ وأما قولك: «كيف لم يكن ~~خائف الآخرة لربه كخائف الدنيا لسلطانه؟» ، فإن الله عز وجل خلق الإنسان ~~ضعيفا وجعله عجولا، فهو لضعفه موكل بخوف الأقرب فالأقرب مما يكره، وهو ~~بعجلته موكل بحب الأعجل فالأعجل مما يشتهي؛ وزاده حرصا على المخلص من ~~المكروه وطلبا للمحبوب حاجته إلى الاستمتاع بمتاع الدنيا الذي لولا ما طبع ~~عليه القلب من حبه وسهل على المخلوقين من طلبه، لما انتفع بالدنيا منتفع ~~ولا عاش فيها عائش. ومع ذلك إن مكاره الدنيا ومحابها عند ابن آدم على ~~وجهين، إما المكروه فيقول فيه: عسى أن أكون ابتليت به لذنب سلف مني، وإما ~~المحبوب فيقول فيه: عسى أن أكون رزقته بحسنة كانت مني فهو ثواب عجل؛ وهو مع ~~هذا يعلم أن حلوم المخلوقين إلى الضيق، وأن قلوب أكثر مسلطيهم إلى القسوة، ~~وأن العيب عنهم مستور، فليس يلتمس ملتمسهم إلا علم الظاهر ولا يضع إلا به، ~~ولا يلتفت من امرىء إلى صلاح سريرته دون صلاح علانيته. ومن طباع الإنسان ~~اللؤم، فليس يرضى إذا خيف إلا بأن يذل، ولا إذا رجي إلا بأن يتعب، ولا إذا ~~غضب إلا بأن يخضع له، ولا إذا أمر إلا بأن ينفذ أمره، ولا ينتفع المتشفع ~~بإحسانه عنده إذا أساء ولا المطيع بكثرة طاعته في المعصية الواحدة إذا عصى، ~~ولا يرى الثواب لازما له ولا العقاب محجورا عليه، فإن عاقب لم يستبق، وإن ~~غضب # PageV02P377 # لم يثبت، وإن أساء لم يعتذر، وإن أذنب إليه مذنب لم يغفر؛ واللطيف الخبير ~~يعلم السريرة فيغفر بها العلانية، ويمحو بالحسنة عشرا من السيئات، ويصفح ~~بتوبة الساعة عن ذنوب مائة عام، إن دعي أجاب، وإن استغفر غفر، وإن أطيع ~~شكر، وإن عصي عفا، ومن وراء عبده بعد هذا كله ثلاث: رحمته التي وسعت كل ~~شيء، وشهادة الحق التي لا يزكو إلا بها عمل، وشفاعة النبي صلى الله عليه ~~وسلم؛ وهذا كله مثبت لليقين باسط للأمل مثبط عن العمل إلا من شاء الله ~~وقليل ما هم فلا تحمل نطف «1» عملك على صحة يقينك فتوهن إيمانك، ولا ترخص ~~لنفسك في مقارفة الذنوب، فيكون يقينك خصما لك وحجة عليك؛ وكذب أملك وجاهد ~~شهوتك، فإنهما داءاك المخوفان على دينك المعتونان «2» على هلكتك. وأسأل ~~الله الغنيمة لنا ولك. ### | موعظة مستعملة # وكيع عن مسعر عن زيد العمي عن عون بن عبد الله قال: كان أهل الخير يكتب ~~بعضهم إلى بعض بهؤلاء الكلمات: من مل «3» لآخرته كفاه الله أمر دنياه، ومن ~~أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن أصلح سريرته ~~أصلح الله له علانيته. ### | موعظة لعمرو بن عتبة # العتبي عن أبيه عن أبي خالد عن أبيه عن عمرو بن عتبة قال: # PageV02P378 # كان أبونا لا يرفع المواعظ عن أسماعنا، أراد مرة سفرا فقال: يا بني ~~تألفوا النعم بحسن مجاورتها، والتمسوا المزيد فيها بالشكر عليها، واعلموا ~~أن النفوس أقبل شيء لما أعطيت وأعطى شيء لما سئلت، فاحملوها على مطية لا ~~تبطىء إذا ركبت، ولا تسبق وإن تقدمت، عليها نجا من هرب من النار، وأدرك من ~~سابق إلى الجنة؛ فقال الأصاغر: يا أبانا، ما هذه المطية؟ قال: # التوبة. ### | صفات الزهاد # حدثني عبد الرحمن العبدي عن يحيى بن سعد السعدي قال: # سأل الحواريون عيسى عليه السلام فقالوا: يا روح الله، من أولياء الله؟ # قال: هم الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها، وإلى آجل ~~الدنيا حين نظر الناس إلى عاجلها، فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم وتركوا ~~منها ما علموا أن سيتركهم، فصار استكثارهم منها استقلالا، وفرحهم بما ~~أصابوا منها حزنا، فما عارضهم من نائلها رفضوه وما عارضهم من رفيعها بغير ~~الحق وضعوه، فهم أعداء ما سالم الناس وسلم ما عادوا، خلقت «1» الدنيا عندهم ~~فليسوا يعمرونها، وماتت في قلوبهم فليسوا يحبونها، يهدمونها ويبنونها بها ~~آخرتهم، ويبيعونها ويشترون بها ما يبقى لهم؛ ونظروا إلى أهلها صرعى قد خلت ~~منهم المثلات «2» فأحيوا ذكر الموت وأماتوا ذكر الحياة، بهم نطق الكتاب وبه ~~نطقوا، وبهم علم الكتب وبه عملوا، لا يرون نائلا مع ما نالوا ولا أمنا دون ~~ما يرجون، ولا خوفا دون ما يحذرون. # PageV02P379 # وحدثني أيضا عن أنس بن مصلح عن أبي سعيد المصيصي: # إن قوما دخلوا على عمر بن عبد العزيز يعودونه في مرض، فإذا فيهم شاب ذابل ~~ناحل، فقال له عمر: يا فتى، ما الذي بلغ بك ما أرى؟ قال: يا أمير المؤمنين، ~~أمراض وأسقام، فقال عمر: لتصدقنني؛ قال: يا أمير المؤمنين، ذقت حلاوة ~~الدنيا فوجدتها مرة فصغر في عيني زهرتها وحلاوتها، واستوى عندي حجرها ~~وذهبها، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا، وإلى الناس يساقون إلى الجنة وإلى ~~النار، فأظمأت لذلك نهاري وأسهرت له ليلي، وقليل حقير كل ما أنا فيه في جنب ~~ثواب الله وجنب عقابه. # بلغني عن إسحاق بن سليمان عن أخيه عن الفياض عن زبيد اليامي «1» عن معاذ ~~بن جبل. # أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يحب الأخفياء الأتقياء ~~الأبرياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا وإذا حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح ~~الهدى يخرجون من كل غبراء مظلمة» . # وعن وكيع عن عمرو بن منبه عن أوفى بن دلهم قال: # قال علي عليه السلام: تعلموا العلم تعرفوا به واعملوا به تكونوا من أهله، ~~فإنه يأتي من بعدكم زمان ينكر فيه الحق تسعة أعشرائهم «2» لا ينجو فيه إلا ~~كل نومة؛ يعني الميت الذكر، أولئك أئمة الهدى ومصابيح العلم ليسوا بالعجل ~~المذاييع البذر» # . وقال علي عليه السلام أيضا: إن الدنيا قد ارتحلت # PageV02P380 # مدبرة وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من ~~أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، ألا إن الزاهدين في الدنيا ~~اتخذوا الأرض بساطا والتراب فراشا والماء طيبا. ألا من اشتاق إلى الجنة سلا ~~عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن الحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت ~~عليه المصيبات. ألا إن لله عبادا كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين وأهل ~~النار في النار معذبين، شرورهم مأمونة، وقلوبهم محزونة، وأنفسهم عفيفة، ~~وحوائجهم خفيفة، صبروا أياما قليلة لعقبى راحة طويلة؛ أما بالليل فصافو ~~أقدامهم، تجري دموعهم على خدودهم، يجأرون إلى الله: ربنا ربنا يطلبون فكاك ~~رقابهم؛ وأما بالنهار فحلماء علماء بررة أتقياء كأنهم القداح ينظر إليهم ~~الناظر فيقول: مرضى، وما بالقوم من مرض، ويقول: خولطوا، ولقد خالط القوم ~~أمر عظيم. # حدثنا إسحاق المعروف بابن راهوية أن عون بن عبد الله بن عتبة كان يقول: ~~يا بني ممن نأى به عمن نأى عنه يقين ونزاهة، ودنا به ممن دنا منه لين رحمة، ~~ليس نأيه تكبرا ولا عظمة، ولا دنوة بخدع ولا خلابة، يقتدي بمن قبله، وهو ~~إمام من بعده، لا يعجل فيمن رابه «1» ويعفو إذا تبين له، ينقص في الذي له ~~ويزيد في الذي عليه، لا يعزب حلمه ولا يحضر جهله، الخير منه مأمول والشر ~~منه مأمون، إن رجي خاف ما يقولون واستغفر لما لا يعلمون، إن عصته نفسه فيما ~~كرهت لم يطعها فيما أحبت، يصمت ليسلم ويخلو ليغنم وينطق ليفهم ويخالط ~~ليعلم. ولا تكن يا بني ممن يعجب باليقين من نفسه فيما ذهب وينسى اليقين ~~فيما رجا وطلب، يقول فيما ذهب: لو قدر شيء كان، ويقول فيما بقي: ابتغ أيها ~~الإنسان؛ تغلبه نفسه على ما يظن ولا يغلبها # PageV02P381 # على ما يستيقن، طال عليه الأمل ففتر، وطال عليه الأمد فاغتر؛ وأعذر إليه ~~فيما عمر وليس فيما عمر بمعذر «1» ، عمر فيما يتذكر فيه من تذكر، فهو من ~~الذنب والنعمة موقر، إن أعطي لم يشكر، وإن منع لم يعذر، يحب الصالحين ولا ~~يعمل عملهم ويبغض المسيئين وهو أحدهم، يرجو الأجر في البغض على ظنه ولا ~~يخشى اليقين من نفسه، يخشى الخلق في ربه ولا يخشى الرب في خلقه، يعوذ بالله ~~ممن هو فوقه، ولا يريد أن يعيذ الله منه من هو تحته، يخاف على غيره بأدنى ~~من ذنبه ويرجو لنفسه بأيسر من عمله، يبصر العورة من غيره ويغفلها من نفسه، ~~إن صلى اعترض «2» ، وإن ركع ربض، وإن سجد نقر، وإن جلس شعر، وإن سأل الحف، ~~وإن سئل سوف، وإن حدث أخلف «3» . وإن وعظ كلح «4» ، وإن مدح فرح، يحسد أن ~~يفضل، ويزهد أن يفضل، إن أفيض في الخير برم «5» وضعف واستسلم وقال: الصمت ~~حكم «6» ، وهذا ما ليس لي به علم؛ وإن أفيض في الشر قال: يحسب بي عي، فتكلم ~~يجمع بين الأراوي «7» والنعام وبين الخال والعم ولاءم ما لا يتلاءم؛ يتعلم ~~للمراء، ويتفقه للرياء، ويبادر ما يفنى، ويواكل ما يبقى. # حدثني محمد بن داود عن أبي شريح الحوارزمي قال: سمعت أبا الربيع الأعرج ~~عمرو بن سليمان يقول: # PageV02P382 # قال الحسن بن علي: ألا أخبركم عن صديق كان لي من أعظم الناس في عيني، ~~وكان رأس ما عظم به في عيني صغر الدنيا في عينه، كان خارجا من سلطان بطنه ~~فلا يتشهى ما لا يحل ولا يكنز إذا وجد، وكان خارجا من سلطان الجهالة فلا ~~يمد يدا إلا على ثقة لمنفعة، كان لا يتشكى ولا يتبرم، كان أكثر دهره صامتا، ~~فإذا قال بذ القائلين، كان ضعيفا مستضعفا فإذا جاء الجد فهو الليث عاديا، ~~كان إذا جامع العلماء على أن يسمع أحرص منه على أن يقول، كان إذا غلب على ~~الكلام لم يغلب على السكوت، كان لا يقول ما يفعل ويفعل ما لا يقول، كان إذا ~~عرض له أمران لا يدري أيهما أقرب إلى الحق نظر أقربهما من هواه فخالفه، كان ~~لا يلوم أحدا على ما قد يقع العذر في مثله. زادني غيره: كان لا يقول حتى ~~يرى قاضيا عدلا وشهودا عدولا. # وفي كلام علي رضي الله عنه لكميل حين ذكر حجج الله في الأرض فقال: هجم ~~بهم العلم على حقائق الأمور، فباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعر ~~المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها ~~معلقة بالمحل الأعلى؛ هاه «1» شوقا إلى رؤيتهم. # قال رجل ليونس بن عبيد: تعلم أحدا يعمل بعمل الحسن؟ قال: والله ما أعرف ~~أحدا يقول بقوله فكيف يعمل بعمله! قيل: فصفه لنا؛ قال: كان إذا أقبل فكأنه ~~أقبل من دفن حميمه، وإذا جلس فكأنه أسير أمر بضرب عنقه، وإذا ذكرت النار ~~فكأنها لم تخلق إلا له. # حدثنا حسين بن حسن المروزي قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: # أخبرنا معمر عن الأعمش عن شقيق بن سلمة قال: ما مثل قراء هذا الزمان # PageV02P383 # إلا كمثل غنم ضوائن «1» ذات صوف عجاف أكلت من الحمض «2» وشربت من الماء ~~حتى انتفخت خواصرها، فمرت برجل فأعجبته، فقام إليها فعبط منها شاة فإذا هي ~~لا تنقي «3» ، ثم عبط أخرى فإذا هي كذلك، فقال: أف لك، سائر اليوم. # حدثنا حسين قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا معمر عن يحيى بن ~~المختار عن الحسن قال: إذا شئت لقيته أبيض بضا «4» حديد النظر ميت القلب ~~والعمل، أنت أبصر به من نفسه؛ ترى أبدانا ولا قلوب، وتسمع الصوت ولا أنس، ~~أخصب ألسنة وأجدب قلوب. # حدثني أبو سهل عن علي بن محمد عن وكيع قال: # قال سفيان: الزهد في الدنيا قصر الأمل، ليس بأكل الغليظ ولا لبس الغليظ. ~~قال: وقال يوسف بن أسباط: لو أن رجلا في ترك الدنيا مثل أبي ذر وأبي ~~الدرداء وسلمان، ما قلنا له: إنك زاهد، لأن الزهد لا يكون إلا على ترك ~~الحلال المحض، والحلال المحض لا نعرفه اليوم، وإنما الدنيا حلال وحرام ~~وشبهات؛ فالحلال حساب، والحرام عذاب، والشبهات عتاب؛ فأنزل الدنيا منزلة ~~الميتة خذ منها ما يقيمك، فإن كان ذلك حلالا كنت زاهدا فيها، # PageV02P384 # وإن كان حراما لم تكن أخذت منها إلا ما يقيمك كما يأخذ المضطر من الميتة، ~~وإن كان عتاب كان العتاب يسيرا. ومثله قول بعضهم: ليس الزهد بترك كل ~~الدنيا، ولكن الزهد التهاون بها وأخذ البلاغ منها. قال الله تعالى: # وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين # «1» ، فأخبر أنهم زهدوا فيه وقد أخذوا له ثمنا. # قال أبو سليمان الداراني: الرضا عن الله والرحمة للخلق درجة المرسلين، ~~وما تعرف الملائكة المقربون حد الرضا. وقال: أرجو أن أكون قد نلت من الرضا ~~طرفا، لو أنه تبارك وتعالى أدخلني النار كنت بذلك راضيا. # قال: وليس الحمد له أن تحمده بلسانك وقلبك مقتصر على المصيبة، ولكن هو أن ~~تحمده بلسانك وقلبك مسلم راض. # وقال أبو أبي الحواري: قلت لأبي سليمان: بلغني في قول الله تعالى: # إلا من أتى الله بقلب سليم # «2» أنه الذي يلقى ربه وليس فيه أحد غيره؛ فبكى وقال: ما سمعت مذ ثلاثين ~~سنة أحسن من هذا. وقال: كل قلب فيه شرك فهو ساقط. قال: وما في الأرض أحد ~~أجد له محبة ولكن رحمة. وقال: # ينبغي للخوف أن يكون أغلب على الرجاء، فإذا غلب الرجاء على الخوف فسد ~~القلب. # وقال الفضيل بن عياض: أصل الزهد الرضا عن الله. # PageV02P385 # الحسين بن علي عن عبد الملك بن أبجر: أن رجلا يكنى أبا سعيد كان يقول: ~~والله ما رأيت قراء زمان قط أغلظ رقابا ولا أدق ثبابا ولا آكل لمخ العيش ~~منكم. # أبو أسامة عن حماد بن زيد عن إسحاق بن سويد قال. # قال مطرف: انظروا قوما إذا ذكروا بالقراءة فلا تكونوا منهم، وقوما إذا ~~ذكروا ذكروا بالفجور فلا تكونوا منهم، كونوا بين هؤلاء وبين هؤلاء. # أوصى ابن محيريز رجلا فقال: إن استطعت أن تعرف ولا تعرف وتسأل ولا تسأل ~~وتمشي ولا يمشى إليك، فافعل. # قال أيوب: ما أحب الله عبدا إلا أحب ألا يشعر به. # إسحاق بن سليمان عن جرير بن عثمان قال: جاء شريح بن عبيد إلى أبي عائذ ~~الأزدي فقال: يا أبا عبد الله، لو أحييت سنة قد تركها الناس: إرخاء طرف ~~العمامة من الجانب الأيسر! قال: يا بن أخي، ما كان أحسنها! تركها الناس ~~فتركناها، ما أحب أن أعرف في خير ولا شر. ### | كلام من كلام الزهاد # حدثنا حسين بن حسن المروزي قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: # أخبرنا عبد الله بن عبد العزيز قال: # قال عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية لرجل: يا فلان، هل أنت على حال أنت ~~فيها مستعد للموت؟ قال: لا؛ قال: فهل أنت مجمع «1» على التحول إلى حال ترضى ~~بها؟ قال: ما شخصت نفسي لذلك؛ قال: فهل بعد # PageV02P386 # الموت دار فيها مستعتب؟ «1» قال: لا، قال: فهل تأمن الموت أن يأتيك؟ قال: # لا؛ قال فهل رضي بمثل هذا الحال عاقل؟. # حدثنا حسين قال: حدثنا عبد الله بن مبارك قال: حدثني غير واحد عن معاوية ~~بن قرة قال: # قال أبو الدرداء: أضحكني ثلاث وأبكاني ثلاث: أضحكني مؤمل الدنيا والموت ~~يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وضاحك ملء فيه ولا يدري أراض الله عنه أم ~~ساخط عليه. وأبكاني فراق الأحبة: محمد وحزبه، وهول المطلع، والوقوف بين يدي ~~الله يوم تبدو السرائر، ثم لا أدري إلى الجنة أو إلى النار. # كان عبد الله بن ثعلبة الحنفي يقول: تضحك ولعل أكفانك قد خرجت من القصار ~~«2» . قال: وقال الفضيل: أصل الزهد الرضا عن الله، وقال: ألا تراه كيف ~~يزويها عنه ويمرمرها «3» عليه بالعري مرة وبالجوع مرة وبالحاجة مرة، كما ~~تصنع الوالدة الشفيقة بولدها: تسقيه مرة صبرا «4» ومرة حضضا «5» ، وإنما ~~تريد بذلك ما هو خير له. # وقال السري: ليس من أعلام الحب أن تحب ما يبغضه حبيبك. أوحى الله تعالى ~~إلى بعض الأنبياء: أما زهدك في الدنيا فتعجلك الراحة لنفسك، وأما انقطاعك ~~إلي فتعززك بي، ولكن هل عاديت لي عدوا أو واليت لي وليا؟ # PageV02P387 # قال مالك بن دينار: بلغنا أن حبرا من أحبار بني إسرائيل كان يغشاه الرجال ~~والنساء، فغمز بعض بنيه النساء، فرآهم فقال: مهلا يا بني مهلا! قال: فسقط ~~عن سريره فانقطع نخاعه «1» وأسقطت امرأته وقتل بنوه في الجيوش. وقيل له: ما ~~يكون من جنسك حبر أبدا، ما كان غضبك لي إلا أن قلت يا بني مهلا يا بني ~~مهلا. # ضمرة بن ربيعة قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: ارض بالله صاحبا ودع ~~الناس جانبا. # كان بشر بن الحارث يقول: أربعة رفعهم الله بغير كبير عمل في الظاهر إلا ~~بطيب المطعم: إبراهيم بن أدهم وسالم الخواص ووهيب المكي ويوسف ابن أسباط. # وحدثني أبو حاتم أو غيره عن العتبي قال: سمعت ابن عيينة يقول: # أربع ليس عليك في واحدة منهن حساب: سد الجوعة، وبرد العطشة، وستر العورة، ~~والاستكنان؛ ثم تلا: إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمؤا فيها ولا ~~تضحى # «2» . # بلغني عن يعلى عن سفيان: قال علي عليه السلام لرجل: كيف أنتم؟ # قال: نرجو ونخاف؛ قال: من رجا شيئا طلبه، ومن خاف من شيء هرب منه، ما ~~أدري ما خوف رجل عرضت له شهوة فلم يدعها لما يخاف؟ وما أدري ما رجاء رجل ~~نزل به بلاء فلم يصبر عليه لما يرجو؟. # بلغني عن عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن مكحول قال: إن كان # PageV02P388 # الفضل في الجماعة فإن السلامة في العزلة. وبلغ الفضيل هذا فقال: سمعتم ~~كلاما أحسن منه! قال ابن المبارك: ركبت مع محمد بن النضر الحارثي السفينة ~~فقلت: # بأي شيء أستخرج منه الكلام؟ فقلت: ما تقول في الصوم في السفر؟ فقال: # إنما هي المبادرة؛ فجاءني والله بفتوى غير فتوى إبراهيم والشعبي. # حدثني عبد الرحمن بن عبد الله عن الأصمعي قال: قيل لأبي حازم: ما مالك؟ ~~فقال: الثقة بما في يد الله واليأس مما في أيدي الناس. وقال أبو حازم: إنه ~~ليس شيء من الدنيا إلا وقد كان له أهل قبلكم، فآثر نفسك أيها المرء ~~بالنصيحة على ولدك، واعلم إنما تخلف مالك في يد أحد رجلين: # عامل فيه بمعصيه الله فتشقى بما جمعت له، وعامل فيه بطاعة الله فتسعد بما ~~شقيت له؛ فارج لمن قدمت منهم رحمة الله، وثق لمن خلقت منهم برزق الله. # وقال أبو حازم: إن كنت إنما تريد من الدنيا ما يكفيك ففي أدناها ما ~~يكفيك، وإن كنت لا ترضى منها بما يكفيك فليس فيها شيء يغنيك. # ونظر أبو حازم إلى الفاكهة في السوق فقال: موعدك الجنة. ومر بالجزارين ~~فقال له رجل منهم: يا أبا حازم، هذا سمين فاشتر منه؛ قال: ليس عندي ثمنه؛ ~~قال: أنا أنظرك؛ ففكر ساعة ثم قال: أنا أنظر نفسي. # قال سفيان: حلف أبو حازم لجلسائه: إني لأرضى أن يبقى أحدكم على دينه كما ~~يبقى على نعله. # حدثني محمد بن زياد الزيادي قال: حدثنا عيسى بن يونس عن عبد الله ابن ~~سعيد بن أبي هند عن أبيه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: # «الصحة والفراغ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس» . # PageV02P389 # حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا أبو ربيعة فهد بن عون عن حماد بن سلمة عن ~~يعقوب قال: سمعت الحسن يقول: ابن آدم، إنما أنت عدد، فإذا مضى يوم فقد مضى ~~بعضك. # وروى عبد الله بن بكر بن حبيب السهمي عن الحسن بن ذكوان رفع الحديث إلى ~~النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أوصاني ربي بتسع خصال وإني موصيكم بها: # بالإخلاص في السر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والقصد في الفقر ~~والغنى، وأن أعفو عمن ظلمني، وأصل من قطعني وأعطي من حرمني، وأن يكون صمتي ~~تفكرا، ومنطقي ذكرا، ونظري عبرا» . # مسلم بن إبراهيم عن حماد بن سلمة عن حميد قال: كان ابن عمر يقول: البر ~~شيء هين: وجه طليق وكلام لين. # جعفر بن سليمان قال: سمعت مالكا يقول: اتقوا السحارة، فإنها تسحر قلوب ~~العلماء. قال: وسمعته يقول: وددت أن رزقي في حصاة أمصها حتى أموت، ولقد ~~اختلفت إلى الخلاء حتى استحييت من ربي. # بشر بن مصلح عن أبي سعيد المصيصي عن أسد بن موسى قال: في الجوع ثلاث ~~خلال: حياة القلب، ومذلة النفس، ويورث العقل الدقيق السماوي. # سالم بن سالم البلخي عن السري بن يحيى قال: كان الحسن إذا عاد مريضا لم ~~ننتفع به يوما وليلة، وإذا شيع جنازة لم ينتفع به أهله وولده وإخوانه ~~ثلاثا. # خلف بن تميم قال: قال رجل لإبراهيم بن أدهم: يا أبا إسحاق، أحب أن تقبل ~~مني هذه الجبة كسوة؛ قال إبراهيم: إن كنت غنيا قبلتها منك، وإن # PageV02P390 # كنت فقيرا لم أقبلها؛ قال: فإني غني؛ قال: كم عندك؟ قال: ألفان؛ قال: # فيسرك أن تكون أربعة آلاف؟ قال: نعم؛ قال: أنت فقير، لا أقبلها» . # قال عبيد الله بن عمر: دخلت أنا ويحيى بن سليمان على الفضيل نعوده؛ فقال: ~~زوجك وخولك وصرف وجوه الناس إليك وأنت تشغلك عنه من أنت وما أنت! ثم شهق ~~شهقة، وأضجعه رجل كان عنده وغطى عليه ثوبا وهو لا يعقل، ونزلنا. # بكار بن عبد الله عن إبراهيم بن عبد الله بن مسلم قال: # قال أبو حازم: السر أملك بالعلانية من العلانية بالسر، والفعل أملك ~~بالقول من القول بالفعل، فإذا كنت في زمان يرضى فيه من الفعل بالقول ومن ~~العمل بالعلم، فأنت في شر زمان وشر أناس. # ابن أبي الحواري قال: ذكرت لأبي سليمان امرأتي والشغل بها، فقال: # إن علم الله من قلبك أنك تريد الفراغ له فرغك، وإن كنت إنما تريد الراحة ~~منها لتستبدل بها، فهذه حماقة. قال: ورأيته حين أراد الإحرام فلم يلب حتى ~~سرنا مليا وأخذه كالغشي وجعل رأسه عند ركبته فجعل محمله يخف ومحملي يثقل ~~حتى سرنا هويا «1» ، ثم أفاق فقال: يا أحمد، بلغني أن الله تبارك وتعالى ~~أوحى إلى موسى عليه السلام «يا موسى مر ظلمة بني إسرائيل أن يقلوا من ذكري، ~~فإني أذكر من ذكرني منهم بلعنة حتى يسكت» . ويحك يا أحمد بلغني أنه من حج ~~من غير حله ثم لبى، قال له تبارك وتعالى: لا لبيك ولا سعديك حتى ترد ما في ~~يديك؛ فما يؤمننا أن يقال لنا ذلك. قال: وقال أبو سليمان: # PageV02P391 # يجيئك وأنت في شيء من الخير فيشير لك إلى شيء من الخير دونه ليربح عليك ~~شعيرة؛ يعني إبليس. # قال المسيح لأصحابه: بحق أقول لكم، إن من طلب الفردوس فخبز الشعير له ~~والنوم في المزابل مع الكلاب كثير. # مسلم بن إبراهيم عن عمرو بن حمزة عن داود بن أبي هند عن مكحول قال: كنا ~~أجنة في بطون أمهاتنا فسقط من سقط وكنا فيمن بقي، ثم كنا مراضع «1» فهلك ~~منا من هلك وبقي من بقي، وكنا أيفاعا، وذكر مثل ذلك، ثم صرنا شبانا، وذكر ~~مثل ذلك، ثم صرنا شيوخا لا أبا لك فما ننتظر وما نريد! وهل بقيت حالة ننتقل ~~إليها. # قال: وقال مكحول: الجنين في بطن أمه لا يطلب ولا يحزن ولا يغتم، فيأتيه ~~الله برزقه من قبل سرته، وغذاؤه في بطن أمه في دم حيضها، فمن ثم لا تحيض ~~الحامل، فإذا سقط استهل استهلالة إنكارا لمكانه، وقطعت سرته وحول الله رزقه ~~إلى ثدي أمه ثم حوله إلى الشيء يصنع له ويتناوله بكفه، حتى إذا اشتد وعقل ~~قال: أين لي بالرزق؟ يا ويحك! أنت في بطن أمك وفي حجرها ترزق حتى إذا عقلت ~~وشببت قلت: هو الموت أو القتل وأين لي بالرزق؟ ثم قرأ: يعلم ما تحمل كل ~~أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد # «2» . # عبد الملك بن عبد العزيز قال: كان محمد بن النضر الحارثي إذا لم يكن في ~~صلاة استقبل القبلة، فقعدنا إليه بعد العصر فقال: بلغني أنه من # PageV02P392 # قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء ~~قدير، ألف مرة في دبر صلاة العصر، رفع له عمل نبي؛ ثم قال: قد أكثرت ~~الكلام. # وقال سعيد بن عمر الكندي: دخل رجل على داود وهو يأكل خبزا يابسا قد بله ~~في الماء بملح جريش «1» ، فقال له: كيف تشتهي هذا؟ قال: أدعه حتى أشتهيه. ~~ونحو هذا قول هشام بن عبد الملك لسالم: ما أدمك «2» ؟ قال: # الزيت؛ قال: أما تأجمه «3» ؟ قال: إذا أجمته تركته حتى أشتهيه. قال: وكان ~~ماء داود في دن مقير «4» في الصيف والشتاء، فقال له بعض أصحابه: لو بردت ~~الماء! فقال داود: إذا أصبت في مثل هذا اليوم ماء باردا فمتى تحب الموت؟. # سعيد بن عمرو عن رجل قال: قال محمد بن واسع: لو كان للذنوب ريح ما جلس ~~إلي منكم اثنان. وقال محمد بن واسع: لا يطيب المال إلا من أربع: سهم في فيء ~~المسلمين، أو عطية عن ظهر يد، أو إرث بكتاب الله، أو تجارة من حلال؛ ولا ~~يقتل مسلم إلا بهذه الخصال: كفر بعد إسلام، أو زنا بعد إحصان، أو قتل ~~فيقتل، أو حارب الله ورسوله وقطع الطريق. # قال سليمان بن المغير: سمعت ثابتا يقول: والله لحمل الكارات أهون من ~~العبادة. قال: ولا يسمى الرجل عابدا وإن كانت فيه خصلة من كل خير حتى يكون ~~فيه الصوم والصلاة، فإنهما من لحمه ودمه. # PageV02P393 # أبو نعيم عن الأعمش عن يزيد بن حيان قال: كان عيسى بن عقبة يسجد حتى أن ~~العصافير ليقعن على ظهره وينزلن، ما يحسبنه إلا جرم حائط. # حدثني محمد بن داود عن عبد الصمد بن يزيد قال: شكا أهل مكة إلى الفضيل ~~القحط؛ فقال: أمدبرا غير الله تريدون؟. قال: وسمعته يقول: # استخيروا الله ولا تخيروا عليه، فكم من عبد تخير لنفسه أمرا كان هلاكه ~~فيه! أما رأيتموه سأل ربه طرسوس «1» فأعطيها فأسر فصار نصرانيا؟. # وحدثني أيضا عن سعيد بن نصير قال: قال وكيع: أبو يونس، ومن أبو يونس؟ بكى ~~حتى عمي، وطاف حتى أقعد، وصلى حتى حدب. # حدثني محمد بن عبيد قال: محمد بن عبد الله الأنصاري عن بهز بن حكيم قال: ~~صلى بنا زرارة بن أوفى الغداة، فقرأ الإمام: فإذا نقر في الناقور فذلك ~~يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير # «2» ، فخر مغشيا عليه، فحملناه ميتا. # ابن أبي الحواري قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: الصلاة تبلغك نصف ~~الطريق، والصوم يبلغك باب الملك، والصدقة تدخلك عليه. # ذكر أبو حنيفة رحمه الله أيوب فقال: رحمه الله- ثلاثا- لقد قدم المدينة # PageV02P394 # مرة وأنا بها، فقلت: لأقعدن له، لعلي أتعلق عليه بسقطة، فقام من القبر ~~مقاما ما ذكرته قط إلا اقشعر جلدي. # روى ابن عياش عن سعيد بن أبي عروبة قال: حج الحجاج فنزل بعض المياه ودعا ~~بالغداء، فقال لحاجبه: انظر من يتغدى معي واسأله عن بعض الأمر؛ فنظر الحاجب ~~فإذا هو بأعرابي بين شملتين من شعر نائم، فضربه برجله وقال: ائت الأمير ~~فأتاه؛ فقال له الحجاج: اغسل يدك وتغد معي؛ قال: # إنه دعاني من هو خير منك فأجبته؛ فقال له الحجاج: من الذي دعاك؟. قال: # الله تعالى دعاني إلى الصوم فصمت؛ قال: في هذا اليوم الحار؟ قال: نعم، ~~صمت ليوم أحر منه؛ قال: فأفطر وتصوم غدا؛ قال: إن ضمنت لي البقاء إلى غد؛ ~~قال: ليس ذاك إلي؛ قال: فكيف تسألني عاجلا بآجل لا تقدر عليه؛ قال: إنه ~~طعام طيب؛ قال: إنك لم تطيبه ولا الخباز، ولكن طيبته العافية. # ونحو هذا حدث الأصمعي عن شبيب بن شيبة قال: كنا في طريق مكة فجاء أعرابي ~~في يوم صائف شديد الحر ومعه جارية سوداء وصحيفة، فقال: # أفيكم كاتب؟ قلنا: نعم؛ وحضر غداؤنا فقلنا: لو دخلت أصبت من الطعام! قال: ~~إني صائم؛ قلنا: في الحر وشدته وجفاء البادية؟ فقال: إن الدنيا كانت ولم ~~أكن فيها، وستكون ولا أكون فيها، ولا أحب أن أغبن أيامي، ثم نبذ إلينا ~~الصحيفة، وقال: اكتب ولا تزيدن على ما أقول حرفا: هذا ما أعتق عبد الله ابن ~~عقيل الكلابي، أعتق جارية له سوداء يقال لها لؤلؤة، ابتغاء وجه الله تعالى ~~وجواز العقبة، وإنه لا سبيل له عليها إلا سبيل الولاء، المنة لله عليها ~~وعليه واحدة. قال الأصمعي: فحدثت بها الرشيد، فأمر أن يعتق عنه ألف نسمة أو ~~مائة نسمة، ويكتب لهم هذا الكتاب. # PageV02P395 # قال خالد بن صفوان: بت أتمنى ليلتي كلها، فكبست البحر الأخضر بالذهب ~~الأحمر، فإذا الذي يكفيني من ذاك رغيفان وكوزان وطمران!. # رأى رجل رجلا من ولد معاوية يعمل على بعير له، فقال: هذا بعد ما كنتم فيه ~~من الدنيا! فقال: رحمك الله، ما فقدنا إلا الفضول. # سمعت بعض العباد يقول: علامة التوبة الخروج من الجهل، والندم على الذنب، ~~والتجافي عن الشهوة، واعتقاد مقت نفسك المسولة، وإخراج المظلمة، وإصلاح ~~الكسرة، وترك الكذب، وقطع الغيبة، والانتهاء عن خدن «1» السوء. # لقي زاهد زاهدا فقال له: يا أخي، إني لأحبك في الله؛ قال الآخر: لو علمت ~~مني ما أعلم من نفسي لأبغضتني في الله؛ قال له الأول: لو علمت منك ما تعلم ~~من نفسك، لكان لي فيما أعلم من نفسي شغل عن بغضك. # كان الثوري مستخفيا بالبصرة، فورد عليه كتاب من أهله، وفيه: قد بلغ بنا ~~الجهد إلى أن نأخذ النوى فنرضه ثم نخلطه مع التبن فنأكله؛ فحرك ذلك من ~~قلبه، ورمى بالكتاب إلى أخ له؛ فقرأه فدمعت عينه، ثم قال: يا أبا عبد الله، ~~لو أنك حدثت الناس اتسعت واتسع هؤلاء! فأطرق مليا ثم رفع رأسه وقال: اسمع ~~حديثا أحدثك به ثم لا أكلمك بعده سنة؛ رئي نور في الجنة تجدد، فقيل: ما هذا ~~النور؟ فقيل: حوراء ضحكت في وجه زوجها فبدت ثناياها؛ فترى لي أن أغرر بتلك ~~وأصير إلى ما تقول!. # أراد قوم سفرا فحادوا عن الطريق وانتهوا إلى راهب منفرد في ناحية، # PageV02P396 # فنادوه فأشرف عليهم، فقالوا: إنا قد ضللنا فكيف الطريق؟ قال لهم: ها هنا، ~~وأومأ إلى السماء، فعلموا الذي أراد، فقالوا: إنا سائلوك، أفتجيبنا أنت؟ ~~قال: # سلوا ولا تكثروا، فإن النهار لن يرجع والعمر لن يعود والطالب حثيث في ~~طلبه ذو اجتهاد؛ قالوا: ما الخلق عليه غدا عند مليكهم؟ فقال: على نياتهم؛ ~~فقالوا: فإلام الموئل؟ قال: إلى المقدم؛ قالوا: أوصنا؛ قال: تزودوا على قدر ~~سفركم، فإن خير الزاد ما بلغ المحل؛ ثم أرشدهم إلى المحجة وانقمع «1» . # وقال آخر: قلت لراهب: عظني عظة نافعة؛ فقال: جميع المواعظ منتظمة في حرف ~~واحد؛ قلت: ما هو؟ قال: تجمع على طاعته، فإذا أنت قد حويت المواعظ ~~والأذكار. # الأصمعي: قيل لأعرابي معه ماشية: لمن هذه الماشية؟ قال: لله عندي. # كان ابن السماك يقول في كلامه: لقد أمهلكم حتى كأنه أهملكم، أما تستحيون ~~من الله من طول ما لا تستحيون؟. # قال بكر بن عبد الله: اجتهدوا في العمل، فإن قصر بكم ضعف فكفوا عن ~~المعاصي. # كان مالك بن دينار يقول في قصصه: ما أشد فطام الكبير «2» ! وينشد: [كامل] # وتروض عرسك بعد ما هرمت ... ومن العناء رياضة الهرم «3» # PageV02P397 # كان أعرابي يسرق الإبل يسمى يزيد، ثم تاب وقال: [طويل] # ألا قل لرعيان المخائض «1» أهملوا ... فقد تاب، مما تعلمون، يزيد # وإن امرأ ينجو من النار بعد ما ... تزود من أعمالها لسعيد «2» # وقال نصيح الأسدي: [طويل] # كفى نطفا «3» بالمرء يا أم صالح ... ركوب المعاصي عامدا واحتقارها # كان خالد بن معدان «4» يقول: [طويل] # إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصدا ... ندمت على التفريط في زمن البذر # قال منصور بن عمار: ما أرى إساءة تكبر عن عفو الله فلا تأيس، ربما أخذ ~~الله على الصغير فلا تأمن. # وروى وكيع عن إبراهيم بن إسماعيل عن عتيبة بن سمعان عن مسيكة عن عائشة ~~رضي الله عنها أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفحة فيها خبز شعير # PageV02P398 # وقطعة من الكرش، فقالت: يا رسول الله، ذبحنا اليوم شاة فما أمسكنا منها ~~إلا هذا؛ قال: بل كلها أمسكتم إلا هذا. # استقبل عامر بن عبد قيس رجل في يوم حلبة، فقال: من سبق يا شيخ؟ # فقال: المقربون. وأتي به عثمان أقعد في دهليزه، فلما خرج رأى شيخا ثطا ~~«1» في عباءة، فأنكر مكانه، فقال: يا أعرابي، أين ربك؟ قال: بالمرصاد. # قال سليمان بن عبد الملك لأبي حازم: ما بالنا نكره الموت؟ قال: # لأنكم عمرتم الدنيا وأخربتم الآخرة، فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمران ~~إلى الخراب. # قال الحسن نعم الله أكثر من أن تشكر إلا ما أعان عليه، وذنوب ابن آدم ~~أكثر من أن يسلم منها إلا ما عفا الله عنه. # وقال الحسن: تتفق دينك في شهوتك سرفا، وتمنع في حق الله درهما، ستعلم يا ~~لكع «2» . # خرج المسيح من بيت مومسة، فقيل له: يا روح الله، ما تصنع عند هذه؟ # فقال: إنما يأتي الطبيب إلى المرضى. ومر بقوم شتموه فقال خيرا، ومر ~~بآخرين شتموه فقال خيرا؛ فقال رجل من الحواريين: كلما زادوك شرا زدت خيرا، ~~كأنك تغريهم بنفسك! فقال: كل إنسان يعطي مما عنده. # أخبر أبو حازم سليمان بن عبد الملك بوعيد الله للمذنبين؛ فقال سليمان: ~~فأين رحمة الله؟ قال: قريب من المحسنين. # PageV02P399 # قال عمر بن عبد العزيز لمحمد بن كعب: عظني: فقال: لا أرضى نفسي لك، إني ~~لأصلي بين الغني والفقير، فأميل على الفقير وأوسع للغني. # نظرت امرأة إلى أخرى وحولها عشرة من ولدها كأنهم الصقور، فقالت: # لقد ولدت أمكم حزنا طويلا. # أحتضر فتى كان فيه زهو، فرفع رأسه فإذا أبواه يبكيان، فقال لهما: ما ~~يبكيكما؟ قالا: الخوف عليك لإسرافك على نفسك؛ فقال: لا تبكيا، فوالله ما ~~يسرني أن الذي بيد الله من الرحمة بأيديكما. # قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: يا ابن آدم، لا تحمل هم يومك الذي لم ~~يأت على يومك الذي أنت فيه، فإن يك من أجلك يأت فيه رزقك، واعلم أنك لا ~~تكسب من المال شيئا فوق قوتك إلا كنت فيه خازنا لغيرك. قال النابغة في ~~نحوه: [وافر] # ولست بحابس لغد طعاما ... حذار غد لكل غد طعام # تذاكر حذيفة وسلمان أمر الدنيا، فقال سلمان: ومن أعجب ما تذاكرنا صعود ~~غنيمات الغامدي «1» سرير كسرى، وكان أعرابي من غامد يرعى شويهات «2» له، ~~فإذا كان الليل صيرها إلى عرصة إيوان كسرى، وفي العرصه سرير رخام كان يجلس ~~عليه كسرى، فتصعد غنيمات الغامدي إلى ذلك السرير. # دخل أبو حازم المسجد فوسوس إليه الشيطان: إنك قد أحدثت بعد # PageV02P400 # وضوئك، فقال: وقد بلغ هذا من نصحك!. # قال الزبير: يكفينا «1» من خضمكم القضم، ومن نصكم العنق. قال رجل لأم ~~الدرداء: إني لأجد في قلبي داء لا أجد له دواء، أجد قسوة شديدة وأملا ~~بعيدا؛ قال: اطلع في القبور واشهد الموتى. # قيل للربيع بن خيثم: لو أرحت نفسك! قال: راحتها أريد. # قال رجل من الصالحين: لو أنزل الله كتابا أنه معذب رجلا واحدا لخفت أن ~~أكونه، أو أنه راحم رجلا واحدا لرجوت أن أكونه، أو أنه معذبي لا محالة ما ~~ازددت إلا اجتهادا لئلا أرجع على نفسي بلائمة. # أثنى قوم على عوف بن أبي جميلة، فقال لهم: دعونا من الثناء، وأمدونا ~~بالدعاء. # قيل لبعض العباد: من شر الناس؟ قال: من لا يبالي أن يراه الناس مسيئا. # قال المسور بن مخرمة: لقد وارت الأرض أقواما لو رأوني معكم لاستحييت ~~منهم. # قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: عجبت لمن يهلك والنجاة معه؛ قيل: وما ~~هي؟ قال: الإستغفار. # كان فتى يجالس سفيان الثوري ولا يتكلم، وكان سفيان يحب أن يتكلم ليسمع ~~كلامه، فمر به يوما فقال له: يا فتى، إن من كان قبلنا مروا على خيل # PageV02P401 # وبقينا على حمير دبرة؛ فقال الفتى: يا أبا عبد الله، إن كنا على الطريق ~~فما أسرع لحقوقنا بالقوم!. # قال الحسن: إن خفق النعال خلف الرجال قل ما تلبث الحمقى. # وذكر عنده الذين يلبسون الصوف، فقال: ما لهم تفاقدوا «1» ! - ثلاثا- ~~أكنوا الكبر في قلوبهم وأظهروا التواضع في لباسهم، والله لأحدهم أشد عجبا ~~بكسائه من صاحب المطرف بمطرفه. ودخل عليه رجل فوجد عنده ريح قدر طيبة، ~~فقال: يا أبا سعيد، إن قدرك لطيبة؛ قال: نعم لا رغيفي مالك وصحناه فرقد. # طلب أبو قلابة للقضاء فلحق بالشام هربا، فأقام حينا ثم قدم البصرة؛ قال ~~أيوب؛ فقلت له: لو أنك وليت القضاء وعدلت بين الناس رجوت لك في ذلك أجرا؛ ~~قال لي: يا أيوب، إذا وقع السابح في البحر فكم عسى أن يسبح؟. # قالت امرأة أبي حازم يوما له: يا أبا حازم، هذا الشتاء قد هجم ولا بد لنا ~~مما يصلحنا فيه، فذكرت الثياب والطعام والحطب؛ فقال: من هذا كله بد، ولكن ~~خذي ما لا بد منه: الموت ثم البعث ثم الوقوف بين يدي الله تعالى ثم الجنة ~~أو النار. # قال أبو العتاهية: [مجزوء الرمل] # أطع الله بجهدك ... عامدا أو دون جهدك # أعط مولاك كما تط ... لب من طاعة عبدك # وقال أيضا: [بسيط] # PageV02P402 # أرى أناسا بأدنى الدين قد قنعوا ... ولا أراهم رضوا في العيش بالدون # فاستغن بالدين عن دنيا الملوك كما اس ... تغنى الملوك بدنياهم عن الدين # وقال محمد بن حازم «1» : [منسرح] # ما الفقر عار ولا الغنى شرف ... ولا سخاء في طاعة سرف # ما لك إلا شيء تقدمه ... وكل شيء أخرته تلف # تركك مالا لوارث يتهن ... ناه وتصلى بحره أسف # وقال أبو العتاهية: [طويل] # ألا إنما التقوى هي العز والكرم ... وحبك للدنيا هو الذل والندم # وليس على عبد تقي نقيصة ... إذا صحح التقوى وإن حاك أو حجم # قال علي بن الحسين: الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين. # قيل لابن سيرين: ما أشد الورع! قال: ما أيسره! إذا شككت في شيء فدعه. # قال رجل لحذيفة: أخشى أن أكون منافقا؛ فقال لو كنت منافقا لم تخش. # وقال محمود «2» الوراق: [كامل] # يا ناظرا «3» يرنو بعيني راقد ... ومشاهدا للأمر غير مشاهد # تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي ... درك الجنان بها وفوز العابد # ونسيت أن الله أخرج آدما ... منها إلى الدنيا بذنب واحد # PageV02P403 # وقال وضاح «1» اليمن: [منسرح] # مالك، وضاح، دائم الغزل ... ألست تخشى تقارب الأجل # يا موت، ما إن تزال معترضا ... لآمل دون منتهى الأمل # تنال كفاك كل مسهلة ... وحوت بحر ومعقل الوعل # صل لذي العرش واتخذ قدما ... تنجيك بعد العثار والزلل # قيل ليوسف عليه السلام: مالك تجوع وأنت على خزائن الأرض؟ قال: # أخاف أن أشبع فأنسى الجائع. # وقال أمية بن أبي الصلت «2» : [منسرح] # هما طريقان فائز دخل ال ... جنة حفت به حدائقها # وفرقة في الجحيم مع فرق الش ... يطان يشقى بها مرافقها # تعرف هذا القلوب حقا إذا ... همت بخير فما عوائقها # وصدها للشقاء عن طلب ال ... جنة دنيا والله ما حقها # عبد دعا نفسه فعاتبها ... يعلم أن البصير رامقها # إقترب الوعد والقلوب إلى ... اللهو وحب الحياة سائقها # ما رغبة النفس في البقاء وأن ... تحيا قليلا والموت لا حقها # PageV02P404 # أمامها قائد إليه ويح ... دوها حثيثا إليه سائقها # قد أيقنت أنها تصير كما ... كان يراها بالأمس خالقها # وأن ما جمعت وأعجبها ... من عيشة مرة مفارقها # من لم يمت عبطة «1» يمت هرما ... للموت كأس والمرء ذائقها # قال بعض الزهاد: إن صفاء الزهد في الدنيا وكماله ألا تأخذ من الدنيا شيئا ~~ولا تتركه إلا لله، فإذا كنت كذلك كان أخذك تركا ومعاملتك لله فيها ربحا، ~~وإن صفاء الرغبة في الدنيا وكمالها ألا تأخذ منها شيئا ولا تتركه إلا لها، ~~فإذا كنت كذلك كان تركك أخذا وفوت ما فات عليك منها حسرة. # حبس بعض الملوك رجلا ثم غفل عنه إلى أن مضى عليه زمان؛ فقال للموكل به: ~~قل له: إن كل يوم يمضي من نعيمك يمضي من بؤسي، والأمر قريب والحكم الله عز ~~وجل. والسلام. # جاء في آخر النسخة الفتوغرافية ما نصه: # تم كتاب الزهد، وهو الكتاب السادس من عيون الأخبار لابن قتيبة رحمه الله، ~~ويتلوه في الكتاب السابع كتاب الإخوان. والحمد لله رب العالمين، وصلاة ~~وسلاما على سيدنا محمد النبي وآله أجمعين. # كتبه الفقير إلى رحمة الله تعالى إبراهيم بن عمر بن محمد بن علي الواعظ ~~الجزري، وذلك في شهور سنة أربع وتسعين وخمسمائة. # يوجد في النسخة الفتوغرافية عقب هذا الكتاب (كتاب الزهد) بعض قطع شعرية ~~ونثرية في نحو ست صفحات منقول جلها عن العقد، وليست من تأليف ابن قتيبة. # PageV02P405 ### | الجزء الثالث # بسم الله الرحمن الرحيم ### | كتاب الإخوان ### | الحث على اتخاذ الاخوان واختيارهم # حدثنا سهل بن محمد قال: حدثنا الأصمعي قال: أخبرنا العجلي قال بعض ~~الأدباء لابنه: يا بني، إذا دخلت المصر فاستكثر من الصديق فأما العدو فلا ~~يهمنك؛ وإياك والخطب فإنها مشوار «1» كثير العثار «2» . # قال: وبلغني عن الأوزاعي «3» عن يحيى بن كثير: أن داود النبي عليه السلام ~~قال لابنه سليمان عليه السلام: يا بني، لا تستبدلن بأخ لك قديم أخا مستفادا ~~ما استقام لك، ولا تستقلن أن يكون لك عدو واحد، ولا تستكثرن أن يكون لك ألف ~~صديق. # وكان يقال: أعجز الناس من فرط في طلب الإخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر ~~به منهم. # وفي الحديث المرفوع: «المرء كثير بأخيه» . وأنشد ابن الأعرابي «4» : # PageV03P003 # لعمرك ما مال الفتى بذخيرة ... ولكن إخوان الثقات الذخائر # وقال أبو الجراح العقيلي: وجدت أعراض الدنيا «1» وذخائرها بعرض المتالف ~~«2» إلا ذخيرة الأدب وعقيلة الخلة، فاستكثروا من الإخوان واستعصموا بعرا ~~الأدب. # وكان يقال: الرجل بلا إخوان كاليمين بلا شمال. وقال الشاعر: # [من طويل] # إذا لم يكن للقوم عز ولم يكن ... لهم رجل عند الإمام مكين # فكانوا كأيد أوهن الله بطشها ... ترى أشملا ليست لهن يمين # قال أيوب السختياني: إذا بلغني موت أخ لي فكأنما سقط عضو مني. # وقال القطامي «3» : [من الكامل] وإذا يصيبك- والحوادث جمة-* حدث حداك إلى ~~أخيك الأوثق «4» وقال آخر «5» : [من الطويل] # أخاك أخاك إن من لا أخا له ... كساع إلى الهيجا بغير سلاح «6» # وإن ابن عم المرء فاعلم جناحه ... وهل ينهض البازي بغير جناح # PageV03P004 # وقال الثقفي «1» : [من الطويل] # من كان ذا عضد يدرك ظلامته ... إن الذليل الذي ليست له عضد # تنبو يداه إذا ما قل ناصره ... ويأنف الضيم إن أثرى له عدد «2» # وقال آخر: [من الوافر] # وبغضاء التقي أقل ضيرا ... وأسلم من مودة ذي الفسوق «3» # ولن تنفك تحسد أو تعادى ... فأكثر ما استطعت من الصديق # وكتب الفضل بن سيار إلى الفضل بن سهل «4» : [من الرمل] # يا أبا العباس إني ناصح ... لك والنصح لذي الود كبير # لا تعدن ليوم صالح ... إن إخوانك في الخير كثير # وليكن للشر ما أعددتهم ... إن يوم الشر صعب قمطرير «5» # هذه السوق التي آملها ... يا أبا العباس والعمر قصير # قال المأمون: الإخوان ثلاث طبقات: طبقة كالغذاء لا يستغنى عنه، وطبقة ~~كالدواء لا يحتاج إليه إلا أحيانا، وطبقة كالداء لا يحتاج إليه أبدا. # قال حدثني سعيد بن سليمان قال: حدثنا إسماعيل بن زكريا عن سعيد ابن طريف ~~عن عمير بن المأمون قال: سمعت الحسن بن علي يقول: من أدام الاختلاف إلى ~~المسجد أصاب ثماني خصال: آية محكمة، وأخا مستفادا، # PageV03P005 # وعلما مستطرفا، ورحمة منتظرة، وكلمة تدله على هدى أو تردعه عن ردى، وترك ~~الذنوب حياء أو خشية. # قال وحدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن أبيه قال: كان يقال: الصاحب رقعة في ~~قميص الرجل، فلينظر أحدكم بم يرقع قميصه. # وحدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن أبيه أنه قال: كان يقال: ما وجدنا شيئا ~~أبلغ في خير أو شر من صاحب. # وحدثني الرياشي عن الأصمعي قال حدثنا سليمان بن المغيرة قال: قال يونس ~~«1» : اثنان ما في الأرض أقل منهما ولا يزدادان إلا قلة: درهم يوضع في حق ~~«2» ، وأخ يسكن إليه في الله. # وحدثني شيخ لنا عن محمد بن مناذر عن سفيان بن عيينة «3» قال: قال علقمة ~~بن لبيد العطاردي لابنه: يا بني، إذا نزغتك «4» إلى صحبة الرجال حاجة، ~~فاصحب منهم من إن تحبه زانك، وإن خدمته صانك، وإن أصابتك خصاصة مانك «5» ؛ ~~وإن قلت صدق قولك، وإن صلت شد صولك «6» ؛ وإن مددت يدك بفضل مدها، وإن رأى ~~منك حسنة عدها؛ وإن سألته أعطاك، وإن سكت عنه آبتداك، وإن نزلت بك إحدى ~~الملمات آساك؛ من لا يأتيك منه # PageV03P006 # البوائق «1» ، ولا تختلف عليك منه الطرائق، ولا يخذلك عند الحقائق؛ وإن ~~حاول حويلا آمرك «2» ، وإن تنازعتما منفسا «3» آثرك. # قال محمد بن كعب القرظي لعمر بن عبد العزيز: إن فيك عقلا وإن فيك جهلا، ~~فداو بعض ما فيك ببعض، وآخ من الإخوان من كان ذا معلاة «4» في الدين ونية ~~في الحق، ولا تؤاخ منهم من تكون منزلتك عنده على قدر حاجته إليك، فإذا قضى ~~حاجته منك ذهب ما بينك وبينه. وإذا غرست غراسا من المعروف فلا تبقين «5» أن ~~تحسن تربيته. # وقال الأحنف بن قيس «6» : خير الإخوان من إن استغنيت عنه لم يزدك في ~~المودة، وإن احتجت إليه لم ينقصك منها، وإن عثرت عضدك، وإن احتجت إلى ~~مؤونته رفدك. وقال الشاعر: [من الرجز] # إن أخاك الصدق من لن يدعك ... ومن يضر نفسه لينفعك # ومن إذا ريب زمان صدعك «7» ... شتت شمل نفسه ليجمعك # وإن رآك ظالما سعى معك # PageV03P007 # وقال حجية بن المضرب «1» : [من الطويل] # أخوك الذي إن تدعه لملمة ... يجبك وإن تغضب إلى السيف يغضب # وكتب رجل إلى صديق له: أنت كما قال أعشى باهلة «2» : [من البسيط] # من ليس في خيره من فيفسده ... على الصديق ولا في صفوه كدر «3» # وليس فيه إذا استنظرته عجل ... وليس فيه إذا ياسرته عسر «4» # وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: [من الطويل] # أخوك الذي إن أحوجتك ملمة ... من الدهر لم يبرح لها الدهر واجما «5» # وليس أخوك الحق من إن تشعبت ... عليك أمور ظل يلحاك لائما «6» # وقال آخر: [من الطويل] # إذا كان إخوان الرجال حرارة ... فأنت الحلال الحلو والبارد العذب # لنا جانب منه دميث وجانب ... إذا رامه الأعداء مركبه صعب «7» # وتأخذه عند المكارم هزة ... كما اهتز تحت البارح الغصن الرطب «8» # وقال آخر: [من البسيط] # أبكي أخا يتلقاني بنائله ... قبل السؤال ويلقى السيف من دوني «9» # PageV03P008 # إن المنايا أصابتني مصائبها ... فاستعجلت بأخ قد كان يكفيني # وقرأت في كتاب للهند: رأس المودة الاسترسال «1» . # وقال أكثم بن صيفي «2» : من تراخى تألف «3» ، ومن تشدد نفر، والشرف ~~التغافل. وقال حاتم: العاقل فطن متغافل. # وقرأت في كتاب للهند: من علامة الصديق أن يكون لصديق صديقه صديقا ولعدو ~~صديقه عدوا. قال العتابي في ذلك «4» : [من الطويل] # تود عدوي ثم تزعم أنني ... صديقك، إن الرأي عنك لعازب «5» # وليس أخي من ودني رأي عينه ... ولكن أخي من صدقته المغايب «6» # قيل لبزرجمهر: أخوك أحب إليك أم صديقك؟ قال: إنما أحب أخي إذا كان صديقا. # وقال بعضهم: إن أحب إخواني إلي، من كثرت أياديه علي. # وقال رجل في أخ له: [من الوافر] # وكنت إذا الشدائد أرهقتني ... يقوم لها وأقعد لا أقوم # PageV03P009 # وقال آخر: [المتقارب] # أخ طالما سرني ذكره ... فأصبحت أشجى لدى ذكره «1» # وقد كنت أغدو إلى قصره ... فأصبحت أغدو إلى قبره # وكنت أراني غنيا به ... عن الناس لو مد في عمره # إذا جئته طالبا حاجة ... فأمري يجوز على أمره «2» # وصف أعرابي رجلا قال: كان والله يتحسى مرارة الإخوان ويسقيهم عذبه. وقال ~~أعرابي «3» : [من الوافر] # أخ لك ما تراه الدهر إلا ... على العلات بساما جوادا «4» # سألناه الجزيل فما تلكا ... وأعطى فوق منيتنا وزادا «5» # فأحسن ثم أحسن ثم عدنا ... فأحسن ثم عدت له فعادا # مرارا لا أعود إليه إلا ... تبسم ضاحكا وثنى الوسادا «6» ### | المودة بالتشاكل # «7» # بلغني عن ابن عيينة أنه قال: قال ابن عباس: القرابة تقطع والمعروف يكفر، ~~ولم ير كتقارب القلوب. # PageV03P010 # قال رجل للعرجي «1» : جئتك أخطب إليك مودتك؛ فقال: لا حاجة بك إلى ~~الخطبة، قد جاءتك زنا فهو ألذ وأحلى. وقال الكميت بن معروف «2» : [من ~~الطويل] # وما أنا بالنكس الدنيء ولا الذي ... إذا صد عنه ذو المودة يقرب «3» # ولكنه إن دام دمت وإن يكن ... له مذهب عني فلي عنه مذهب «4» # ألا إن خير الود ود تطوعت ... به النفس لا ود أتى وهو متعب # وقال الطائي «5» : [من البسيط] # ذو الود مني وذو القربى بمنزلة ... وإخوتي أسوة عندي وإخواني # عصابة جاورت آدابهم أدبي ... فهم وإن فرقوا في الأرض جيراني # أرواحنا في مكان واحد وغدت ... أبداننا بشام أو خراسان # وقال عبد الله بن عبد الله بن عتبة لعمر بن عبد العزيز: [من الطويل] # أبن لي فكن مثلي أو ابتغ صاحبا ... كمثلك إني مبتغ صاحبا مثلي # عزيز إخائي، لا ينال مودتي ... من القوم إلا مسلم كامل العقل # وما يلبث الإخوان أن يتفرقوا ... إذا لم يؤلف روح شكل إلى شكل # PageV03P011 # وقال الطائي: [من الطويل] # ولن تنظم العقد الكعاب لزينة ... كما ينظم الشمل الشتيت الشمائل «1» # كتب بعض الكتاب إلى صديق له: إني صادفت منك جوهر نفسي، فأنا غير محمود ~~على الانقياد لك بغير زمام «2» ، لأن النفس يتبع بعضها بعضا. # قال حدثني محمد بن داود قال حدثنا يزيد بن خلف عن يعقوب بن كعب عن بقية ~~عن صفوان بن عمرو عن شريح عن أبي عبيد قال: كتب أبو الدرداء إلى سلمان «3» ~~: إن تكن الدار من الدار بعيدة فإن الروح من الروح قريب، وطير السماء على ~~إلفه من الأرض يقع. # وقال أبو العتاهية: [من الهزج] # يقاس المرء بالمرء ... إذا ما هو ما شاه # وللقلب على القلب ... دليل حين يلقاه # وللشكل على الشكل ... مقاييس وأشباه # وفي العين غنى للعي ... ن أن تنطق أفواه # وقال المساحقي: [من الطويل] # يزهدني في ودك ابن مساحق ... مودتك الأرذال دون ذوي الفضل # وأن شرار الناس سادوا خيارهم ... زمانك، إن الرذل للزمن الرذل # PageV03P012 ### | باب المحبة # قال حدثني أحمد بن الخليل عن محمد بن بشار عن يحيى بن سعيد عن ثور بن ~~يزيد عن حبيب بن عبيد عن المقدام بن معد يكرب «1» ، وكان أدرك النبي صلى ~~الله عليه وسلم، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أحب أحدكم أخاه ~~فليعلمه أنه يحبه» . # وحدثني محمد بن داود عن أبي الربيع عن حماد بن زيد عن ليث عن مجاهد «2» ~~قال: ثلاث يصفين لك ود أخيك: أن تبدأه بالسلام إذا لقيته، وتوسع له في ~~المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه. وثلاث من العي «3» : أن تعيب على الناس ~~ما تأتي، وأن ترى من الناس ما يخفى عليك من نفسك، وأن تؤذي جليسك فيما لا ~~يعنيك. # وكان يقال: لا يكن حبك كلفا ولا بغضك تلفا. أي لا تسرف في حبك وبغضك. ~~ونحوه قول الحسن: أحبوا هونا «4» فإن أقواما أفرطوا في حب قوم فهلكوا. وكان ~~يقال: من وجد دون أخيه سترا فلا يهتكه. # وقال عمر بن أبي ربيعة: [من الطويل] # أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلبا فارغا فتمكنا # قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لطليحة الأسدي: قتلت عكاشة بن محصن! لا ~~يحبك قلبي! قال: فمعاشرة جميلة يا أمير المؤمنين، فإن الناس يتعاشرون على ~~البغضاء. # PageV03P013 # وكتب رجل إلى صديق له: الشوق إليك وإلى عهد أيامك- التي حسنت بك كأنها ~~أعياد، وقصرت بك حتى كأنها ساعات- يفوت الصفات؛ ومما جدد الشوق وكثر دواعيه ~~تصاقب الدار، وقرب الجوار؛ تمم الله لنا النعمة المتجددة فيك بالنظر إلى ~~الغرة المباركة التي لا وحشة معها ولا أنس بعدها. # قال الحسن «1» : المؤمن لا يحيف «2» على من يبغض ولا يأثم فيمن يحب. # وقرأت في بعض الكتب: إنه ليبلغ من حسن شفاعة المحبة أن الحبيب يسيء فيظن ~~به الغلط ويذنب فيحتج له بالدالة «3» ، وذنبه لا يحتمل التأويل ولا مخرج له ~~في جواز العقول. # وفيه: كل ذنب إذا شئت أن تنساه نسيته وإن شئت أن تذكره ذكرته، فليس ~~بمخوف. وليس الصغير من الذنب ما صغره الحب، وإنما الصغير ما صغره العدل. ~~وليس الذنب إلا ما لا يصلح معه القلب ولا يزال حاضرا الدهر، وإلا ما كان من ~~نتاج اللؤم ومن نصيب المعاندة، فأما ما كان من غير ذلك فإن الغفران يتغمده ~~والحرمة تشفع فيه. # وكتب رجل إلى صديق له في فصل من كتاب: لساني رطب بذكرك، ومكانك من قلبي ~~معمور بمحبتك. ونحوه قول معقل أخي أبى دلف لمخارق: # PageV03P014 # [من الطويل] # لعمري لئن قرت بقربك أعين ... لقد سخنت بالبين منك عيون «1» # فسر وأقم، وقف عليك مودتي ... مكانك من قلبي عليك مصون # وقال رجل لشبيب بن شيبة: والله أحبك، قال: وما يمنعك من ذلك وما أنت لي ~~بجار ولا أخ ولا قرابة «2» ! يريد أن الحسد موكل بالأدنى فالأدنى. # قال رجل لشهر بن حوشب «3» ؛ إني لأحبك قال: ولم لا تحبني وأنا أخوك في ~~كتاب الله ووزيرك على دين الله ومؤنتي على غيرك! قال بشار: # [من البسيط] # هل تعلمين وراء الحب منزلة ... تدني إليك فإن الحب أقصاني # وقال غيره: [متقارب] # أحبك حبين لي واحد ... وحب لأنك أهل لذاكا # فأما الذي أنت أهل له ... فحسن فضلت به من سواكا # وأما الذي في ضمير الحشا ... فلست أرى الحسن حتى أراكا # وليس لي المن في واحد ... ولكن لك المن في ذا وذاكا # وقال المسيب بن علس «4» : [من الوافر] # وعين السخط تبصر كل عيب ... وعين أخي الرضنا عن ذاك تعمى # PageV03P015 # ونحوه لعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر: [من الطويل] # فلست براء عيب ذي الود كله ... ولا بغض ما فيه إذا كنت راضيا # وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا «1» # وقال بعض الخلفاء لرجل: إني لأبغضك؛ قال: يا أمير المؤمنين، إنما يجزع من ~~فقد الحب المرأة، ولكن عدل وإنصاف. وقال شريح «2» : [من الطويل] # خذي العفو مني تستديمي مودتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب «3» # فإني رأيت الحب في الصدر والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب # وقال أعرابي: إذا ثبتت الأصول في القلوب نطقت الألسن بالفروع، ولا يظهر ~~الود السليم إلا من القلب المستقيم. # وقال آخر: من جمع لك مع المودة الصادقة رأيا حازما، فاجمع له مع المحبة ~~الخالصة طاعة لازمة. # قال اليزيدي: رأيت الخليل بن أحمد فوجدته قاعدا على طنفسة «4» ، فأوسع لي ~~فكرهت التضييق عليه؛ فقال: إنه لا يضيق سم الخياط «5» على متحابين ولا تسع ~~الدنيا متباغضين. وقال أبو زبيد «6» للوليد بن عقبة: # PageV03P016 # [من الخفيف] # من يخنك الصفاء أو يتبدل ... أو يزل مثلما تزول الظلال # فاعلمن أنني أخوك أخو العه ... د حياتي حتى تزول الجبال # ليس بخل عليك مني بمال ... أبدا ما استقل سيفا حمال «1» # فلك النصر باللسان وبالك ... ف إذا كان لليدين مصال «2» # كل شيء يحتال فيه الرجال ... غير أن ليس للمنايا احتيال # وقال المنخل اليشكري «3» : [من مجزوء الكامل المرفل] # وأحبها وتجبني ... ويحب ناقتها بعيري # وذكر أعرابي رجلا فقال: والله لكأن القلوب والألسن ريضت «4» له، فما تعقد ~~إلا على وده، ولا تنطق إلا بحمده قال عبد الله بن الزبير ذات يوم: والله ~~لوددت أن لي بكل عشرة من أهل العراق رجلا من أهل الشام صرف الدينار ~~بالدرهم؛ فقال أبو حاضر: مثلنا ومثلك كما قال الأعشى: [من البسيط] # علقتها عرضا وعلقت رجلا ... غيري وعلق أخرى غيرها الرجل «5» # أحبك أهل العراق وأحببت أهل الشام وأحب أهل الشآم عبد الملك ابن مروان. # PageV03P017 # وقال عمر لأبي مريم السلولي: والله لا أحبك حتى تحب الأرض الدم؛ قال: ~~فتمنعني لذلك حقا؟ قال: لا؛ قال: فلا ضير. وقال عمر أيضا لرجل هم بطلاق ~~امرأته: لم تطلقها؟ قال: لا أحبها؛ قال: أو كل البيوت بنيت على الحب! وأين ~~الرعاية «1» والتذمم!. # قال أعرابي: [من الطويل] # أحبك حبا ببعضه ... أصابك من وجد علي جنون «2» # لطيف مع الأحشاء أما نهاره ... فسبت وأما ليله فأنين «3» # وكتب رجل إلى صديق له: الله يعلم أنني أحبك لنفسك فوق محبتي إياك لنفسي، ~~ولو أني خيرت بين أمرين: أحدهما لي وعليك والآخر لك وعلي، لأثرت المروءة ~~وحسن الأحدوثة بإيثار حظك على حظي؛ وإني أحب وأبغض لك، وأوالي وأعادي فيك. # وقال بعضهم: هون «4» فقد يفرط «5» الحب فيقتل ويفرط الغم فيقتل ويفرط ~~السرور فيقتل؛ وينفتح القلب للسرور، ويضيق وينضم للحزن والحب. # وقالوا: العشق اسم لما فضل عن المحبة. وقال بعضهم: العشق مرض قلب ضعف. ~~وقال بعض الشعراء «6» : [من الطويل] # فتم على معشوقة لا يزيدها ... إليه بلاء السوء إلا تحببا «7» # PageV03P018 ### | ما يجب للصديق على صديقه # حدثنا أحمد بن الخليل قال حدثنا عبد الله بن موسى عن إسرائيل عن ابن ~~إسحاق عن الحارث عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال النبي صلى الله ~~عليه وسلم: «للمسلم على المسلم خصال ست: يسلم عليه إذا لقيه، ويجيبه إذا ~~دعاه، ويشمته إذا عطس «1» ، ويعوده إذا مرض، ويحضر جنازته إذا مات، ويحب له ~~ما يحب لنفسه» . # قال حدثني شبابة قال حدثنا القاسم بن الحكم عن إسماعيل بن عياش عن هشام ~~بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: «أعن أخاك ظالما أو مظلوما، إن كان مظلوما فخذ له بحقه وإن كان ظالما ~~فخذ له من نفسه» . # وحدثني القومسي «2» قال: حدثنا أبو بكر الطبري عن عبد الله بن صالح عن ~~معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن بكير قال قال معاذ بن جبل: إذا ~~آخيت أخا فلا تماره ولا تشاره «3» ولا تسأل عنه، فعسى أن توافق عدوا فيخبرك ~~بما ليس فيه فيفرق بينكما. # وقال النمر بن تولب «4» في هذا المعنى: [من الطويل] # جزى الله عنا حمزة بنة نوفل ... جزاء مغل بالأمانة كاذب «5» # بما سألت عني الوشاة ليكذبوا ... علي وقد واليتها في النوائب «6» # PageV03P019 # قال حدثني محمد بن داود قال حدثني سعد بن منصور عن جرير عن عبد الحميد عن ~~عنبسة قال قال ابن سيرين «1» : لا تكرم أخاك بما يكره، ولا تحملن كتابا إلى ~~أمير حتى تعلم ما فيه. # وكان يقال: يستحسن الصبر عن كل أحد إلا عن الصديق. # وقال بعض الشعراء: [من الوافر] # إذا ضيقت أمرا ضاق جدا ... وإن هونت ما قد عز هانا # فلا تهلك بشيء فات يأسا ... فكم أمر تصعب ثم لانا # سأصبر عن رفيقي إن جفاني ... على كل الأذى إلا الهوانا «2» # وقال ابن المقفع: ابذل لصديقك دمك ومالك، ولمعرفتك رفدك ومحضرك، وللعامة ~~بشرك وتحيتك، ولعدوك عدلك، وضن «3» بدينك وعرضك عن كل أحد. # قال أبو اليقظان: ولي خالد بن عبد الله بن أبي بكرة قضاء البصرة فجعل ~~يحابي «4» ، فقيل له في ذلك؛ فقال: وما خير رجل لا يقطع لأخيه قطعة من ~~دينه!. # قالوا: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على عجوز، فقال: «إنها كانت ~~تأتينا أيام خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان» . # قال إبراهيم النخعي «5» : إن المعرفة لتنفع عند الأسد الهصور والكلب # PageV03P020 # العقور فكيف عند الكريم الحسيب!. وقال الخليل بن أحمد: [من البسيط] # وفيت كل صديق ودني ثمنا ... إلا المؤمل دولاتي وأيامي «1» # وقال عمر بن أبي ربيعة في مساعدة الصديق: [من الوافر] # وخل كنت عين النصح منه ... إذا نظرت ومستمعا سميعا # أطاف بغية فنهيت عنها ... وقلت له أرى أمرا شنيعا «2» # أردت رشاده جهدي فلما ... أبى وعصى أتيناها جميعا # وقال بعض الكوفيين: [من الوافر] # فإن يشرب أبو فروخ أشرب ... وإن كانت معتقة عقارا «3» # وإن يأكل أبو فروخ آكل ... وإن كانت خنانيصا صغارا «4» # وقال رجل من الأعراب لأخ له: أما والله، رب يوم كتنور الطاهي رقاص ~~بشراره، قد رميت بنفسي في أجيج لهيبه فأحتمل منه ما أكره لما تحب. # وأنشد ابن الأعرابي: [من الوافر] # أغمض للصديق عن المساوي ... مخافة أن أعيش بلا صديق # وقال كثير «5» : [من الطويل] # ومن لا يغمض عينه عن صديقه ... وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب # PageV03P021 # ومن يتتبع جاهدا كل عثرة «1» ... يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب # وقال آخر: [من الطويل] # إذا ما صديقي رابني سوء فعله ... ولم يك عما ساءني بمفيق # صبرت على أشياء منه تريبني ... مخافة أن أبقى بغير صديق «2» # ومن المشهور في هذا قول النابغة: [من الطويل] # ولست بمستبق أخا لا تلمه ... على شعث أي الرجال المهذب «3» # وكان يقال: من لك بأخيك كله. وأنشدني الرياشي: [من مجزوء الكامل المرفل] # اقبل أخاك ببعضه ... قد يقبل المعروف نزرا «4» # واقبل أخاك فإنه ... إن ساء عصرا سر عصرا # ونحوه قول الآخر: [من الطويل] # أخ لي كأيام الحياة إخاؤه ... تلون ألوانا على خطوبها # إذا عبت منه خلة فهجرته ... دعتني إليه خلة لا أعيبها # وقال عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر: [منسرح] # اصبر إذا عضك الزمان، ومن ... أصبر عند الزمان من رجله # ولا تهن للصديق تكرمه ... نفسك حتى تعد من خوله «5» # يحمل أثقاله عليك كما ... يحمل أثقاله على جمله # ولست مستبقيا أخا لك لا ... تصفح عما يكون من زلله # PageV03P022 # ليس الفتى بالذي يحول عن ال ... عهد ويؤتى الصديق من قبله «1» # وقيل لخالد بن صفوان: أي إخوانك أحب إليك؟ قال: الذي يغفر زللي، ويقبل ~~عللي «2» ويسد خللي «3» . # وقال بشار: [من الطويل] # إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ... ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه «4» # وقال الخريمي «5» لأبي دلف: [من المتقارب] # تملك إن كنت ذا إربة ... من العالمين لشيخ وصيف «6» ### | الإنصاف في المودة # كان يقال: لا خير لك في صحبة من لا يرى لك مثل ما ترى له. # وقال جرير: [من الطويل] # وإني لأستحيي أخي أن أرى له ... علي من الحق الذي لا يرى ليا «7» # وله أيضا: [من الطويل] # إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته ... على طرف الهجران إن كان يعقل # ويركب حد السيف من أن تضيمه ... إذا لم يكن عن شفرة السيف معدل «8» # PageV03P023 # ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتني ... يمينك، فانظر أي كف تبدل # وقال آخر «1» : [من الكامل] # يا ضمر أخبرني ولست بمخبري ... وأخوك نافعك الذي لا يكذب # هل في القضية إن إذا استغنيتم ... وأمنتم فأنا البعيد الأجنب # وإذا الشدائد بالشدائد مرة ... أشجينكم فأنا المحب الأقرب # عجبا لتلك قضية وإقامتي ... فيكم على تلك القضية أعجب # ولما لكم طيب البلاد ورعيها ... ولي الثماد ورعيهن المجدب «2» # وإذا تكون كريهة أدعى لها ... وإذا يحاس الحيس يدعى جندب «3» # هذا لعمركم الصغار بعينه ... لا أم لي إن كان ذاك ولا أب «4» # وقال ابن عيينة: سئل علي كرم الله وجهه عن قول الله تعالى: إن الله يأمر ~~بالعدل والإحسان # «5» ، فقال: العدل: الإنصاف، والإحسان: التفضل. # وقال الشاعر: [من الكامل] # صبغت أمية في الدماء رماحنا ... وطوت أمية دوننا دنياها # ويقال: من سن سنة فليرض أن يحكم عليه بها، ومن سأل مسئلة فليرض بأن يعطى ~~بقدر بذله. # وقال أبو العتاهية: [من الوافر] # إذا ما لم يكن لك حسن فهم ... أسأت إجابة وأسأت سمعا # PageV03P024 # ولست الدهر متسعا بفضل ... إذا ما ضقت بالإنصاف ذرعا # وقال حماد عجرد «1» : [مجزوء الرمل] # ليت شعري أي حكم ... قد أراكم تحكمونا # أن تكونوا غير معط ... ين وأنتم تأخذونا # وقال آخر: [من الطويل] # إذا كنت تأتي المرء تعرف حقه ... ويجهل منك الحق فالترك أجمل # وفي العيس منجاة وفي الهجر راحة ... وفي الأرض عمن لا يؤاتيك مرحل «2» # وقال بشار: [من السريع] # إن كنت حاولت هوانا فما ... هنت وما في الهون لي من مقام «3» # في الناس أبدال ولي مرحل ... عن منزل ناء ومرعى وخام «4» # لا نائل منك ولا موعد ... ولا رسول، فعليك السلام # وقال آخر «5» : [من الوافر] # له حق وليس عليه حق ... ومهما قال فالحسن الجميل # وقد كان الرسول يرى حقوقا ... عليه لغيره وهو الرسول # وقال أكثم بن صيفي: أحق من يشركك في النعم شركاؤك في المكاره. # أخذه دعبل «6» فقال: [من البسيط] # PageV03P025 # وإن أولى البرايا أن تواسيه ... عند السرور لمن آساك في الحزن # إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشن «1» # وانشد ابن الأعرابي: [من الطويل] # فإن آثرت بالود أهل بلادها ... على نازح من أهلها لا ألومها «2» # فلا يستوي من لا ترى غير لمة ... ومن هو ثاو عندها لا يريمها «3» # وقال رجل لبعض السلطان: أحق الناس بالإحسان من أحسن الله إليه، وأولاهم ~~بالإنصاف من بسطت القدرة بين يديه؛ فاستدم ما أوتيت من النعم بتأدية ما ~~عليك من الحق. # قال المستهل بن الكميت لبني العباس: [من الطويل] # إذا نحن خفنا في زمان عدوكم ... وخفناكم إن البلاء لراكد «4» ### | مداراة الناس وحسن الخلق والجوار # قال حدثنا الحسين بن الحسن قال حدثنا عبد الله بن المبارك عن وهيب قال: ~~جاء رجل إلى وهب بن منبه «5» فقال: إن الناس قد وقعوا فيما وقعوا فيه، وقد ~~حدثت نفسي ألا أخالطهم؛ فقال له وهب: لا تفعل، فإنه لا بد للناس منك ولا بد ~~لك منهم؛ لهم إليك حوائج، ولك إليهم حوائج، ولكن كن فيهم أصم سميعا، وأعمى ~~بصيرا، وسكوتا نطوقا. # PageV03P026 # قال وحدثنا حسين بن الحسن قال حدثنا عبد الله بن المبارك «1» عن موسى بن ~~علي بن رباح قال: سمعت أبي يحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: أربع ~~خلال إن أعطيتهن فلا يضرك ما عدل به عنك من الدنيا: # حسن خليقة، وعفاف طعمة «2» ، وصدق حديث، وحفظ أمانة. # قال: وبلغني عن وكيع عن مسعر عن حبيب بن أبي ثابت عن عبد الله ابن باباه ~~قال: قال عبد الله بن مسعود: خالطوا الناس وزايلوهم «3» . # عن وكيع عن سفيان عن حبيب بن ميمون قال: قال صعصعة بن صوحان لابن أخيه: ~~إذا لقيت المؤمن فخالطه، وإذا لقيت الفاجر فخالفه، ودينك فلا تكلمنه «4» . # قال المسيح صلى الله عليه: كن وسطا وامش جانبا. # وروى أبو معاوية عن الأحوص بن حكيم عن أبي الزاهرية قال: قال أبو ~~الدرداء: إنا لنكشر «5» في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم. # ودخل لبيدة العجلي على عمر رضي الله عنه، فقال له عمر: أقتلت زيدا؟ فقال: ~~يا أمير المؤمنين، قد قتلت رجلا يسمى زيدا، فإن يكن أخاك فهو الذي أكرمه ~~الله بيدي ولم يهني به؛ ثم لم ير من عمر بعد ذلك مكروها. # قال محمد بن أبي الفضل الهاشمي: قلت لأبي: لم تجلس إلى فلان # PageV03P027 # وقد عرفت عداوته؟ فقال: أخبى «1» نارا وأقدح عن ود. وقال المهاجر بن عبد ~~الله الكلابى «2» : [من الطويل] # وإني لأقصي المرء من غير بغضة ... وأدنى أخا البغضاء مني على عمد # ليحدث ودا بعد بغضاء أو أرى ... له مصرعا يردي به الله من يردي «3» # وقال عقال بن شبة: كنت رديف أبي، فلقيه جرير على بغل فحياه أبي وألطفه؛ ~~فلما مضى قلت: أبعد ما قال لنا ما قال! قال: يا بني، أفأوسع جرحي!. # قال ابن الحنفية: قد يدفع باحتمال مكروه ما هو أعظم منه. # قال الحسن: حسن السؤال نصف العلم، ومداراة الناس نصف العقل، والقصد في ~~المعيشة نصف المؤونة. # مدح ابن شهاب شاعر فأعطاه، وقال: من ابتغى الخير اتقى الشر. # وفي الحديث المرفوع: «أول ما يوضع في الميزان الخلق الحسن» . # وقال: «إن حسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار» . # وقال: «من حسن الله خلقه وخلقه كان من أهل الجنة» . # قال الشاعر: [من الرجز] # فتى إذا نبهته لم يغضب ... أبيض بسام وإن لم يعجب # PageV03P028 # موكل النفس بحفظ الغيب ... أقصى رفيقيه له كالأجنب «1» # وقرأت في كتب العجم: حسن الخلق خير قرين، والأدب خير ميراث، والتوفيق خير ~~قائد. # وقالت عائشة رضي الله عنها: ما تبالي المرأة إذا نزلت بين بيتن من ~~الأنصار صالحين ألا تنزل من أبويها. # وقال جعفر بن محمد: حسن الجوار عمارة للدار، وصدقة السر مثراة للمال. # وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: ثلاثة من قريش أحسنها أخلاقا وأصبحها ~~وجوها وأشدها حياء، إن حدثوك لم يكذبوك، وإن حدثتهم بحق أو باطل لم يكذبوك: ~~أبو بكر الصديق، وأبو عبيدة بن الجراح، وعثمان بن عفان رضي الله عنهم. # وقال يزيد بن الطثرية «2» : [من الطويل] # وأبيض مثل السيف خادم رفقة ... أشم ترى سربا له قد تقددا «3» # كريم على علاته لو تسبه ... لفداك رسلا لا تراه مربدا «4» # يجيب بلبيه إذا ما دعوته ... ويحسب ما يدعى له الدهر أرشدا «5» # وقرأت في كتاب للهند: من تزود خمسا بلغته وآنسته: كف الأذى، وحسن الخلق، ~~ومجانبة الريب، والنبل في العمل، وحسن الأدب. # PageV03P029 # وقال المرار «1» في مداراة القرابة: [من الطويل] # ألا إنما المولى كعظم جبرته ... فلا يخرق المولى ولا جابر العظم «2» # وقال آخر في مداراة الناس: [من الطويل] # وأنزلني طول النوى دار غربة ... إذا شئت لاقيت امرا لا أشاكله «3» # فحامقته حتى يقال سجية ... ولو كان ذا عقل لكنت أعاقله «4» # وقال بشار: [من الطويل] # خليلي إن العسر سوف يفيق ... وإن يسارا في غد لخليق # وما أنا إلا كالزمان إذا صحا ... صحوت وإن ماق الزمان أموق «5» ### | التلاقي والزيارة # حدثنا محمد بن عبيد قال حدثنا الفضل بن دكين عن طلحة بن عمر عن عطاء عن ~~أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «زر غبا تزدد حبا» «6» . # وقال الأصمعي: دخل حبيب بن سويد على جعفر بن سليمان بالمدينة؛ فقال جعفر: ~~حبيب بن سويد واد الصديق، حسن الثناء، يكره الزيارة المملة، والقعدة ~~المنسية. # وقرأت في كتاب للهند: ثلاثة أشياء تزيد في الأنس والثقة: الزيارة في ~~الرحل «7» ، والمؤاكلة، ومعرفة الأهل والحشم. # PageV03P030 # وقال الطائي: [من الوافر] # وحظك لقية في كل عام ... موافقة على ظهر الطريق # قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الصواف عن موسى بن يعقوب السدوسي عن أبي ~~السنان عن عثمان بن أبي سودة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ~~عاد مريضا أو زار أخا ناداه مناد من السماء: أن طبت وطاب ممشاك تبوأت من ~~الجنة منزلا» . # كتب رجل إلى صديق له: مثلنا، أعزك الله، في قرب تجاوزنا وبعد تزاورنا ما ~~قال الأول: [من المنسرح] # ما أقرب الدار والجوار وما ... أبعد مع قربنا تلاقينا # وكل غفلة منك محتملة، وكل جفوة مغفورة، للشغف بك، والثقة بحسن نيتك، ~~وسآخذ بقول أبي قيس «1» : [من الطويل] # ويكرمها جاراتها فيزرنها ... وتعتل عن إتيانهن فتعذر «2» # وقال أعرابية: [من الطويل] # فلا تحمدوني في الزيارة إنني ... أزوركم إذا لم أجد متعللا # وكتب رجل إلى صديق له يستزيره: طال العهد بالاجتماع حتى كدنا نتناكر عند ~~التلاقي، وقد جعلك الله للسرور نظاما، وللأنس تماما، وجعل المشاهد موحشة ~~إذا خلت منك. # وقال سهل بن هارون «3» : [من الطويل] # PageV03P031 # وما العيش إلا أن تطول بنائل ... وإلا لقاء المرء ذي الخلق العالي # وقال بشار: [من الخفيف] # تسقط الطير حيث تلتقط الح ... ب وتغشى منازل الكرماء # قال رجل لصديق له: قد تصديت للقائك غير مرة فلم يقض ذلك، فقال له الآخر: ~~كل بر تأتيه فأنت تأتي عليه. # قال ابن الأعرابي: [من الطويل] # وأرمي إلى الأرض التي من ورائكم ... لترجعني يوما عليك الرواجع «1» # وقال آخر: [من الطويل] # رأيت أخا الدنيا وإن بات آمنا ... على سفر يسرى به وهو لا يدري # تثاقلت إلا عن يد أستفيدها ... وزورة ذي ود أشد به أزري «2» # وقال آخر: [من الوافر] # أزور محمدا وإذا التقينا ... تكلمت الضمائر في الصدور # فأرجع لم ألمه ولم يلمني ... وقد رضي الضمير عن الضمير # كان سفيان بن عيينة يقول: لا تعفروا «3» الأقدام إلا إلى أقدارها؛ وأنشد: # [من الكامل] # نضع الزيارة حيث لا يزري بنا ... شرف الملوك ولا تخيب الزور # وكان يقال: امش ميلا وعد مريضا، وامش ميلين واصلح بين اثنين، وامش ثلاثة ~~أميال وزر أخا في الله. # PageV03P032 # وقال بعض المحدثين: [من الطويل] # إذا شئت أن تقلى فرز متتابعا ... وإن شئت أن تزداد حبا فزر غبا «1» # وقال آخر: [مجزوء الكامل المرفل] # أقلل زيارتك الصدي ... ق يراك كالثوب استجده «2» # إن الصديق يمله ... ألا يزال يراك عنده # قال رجل لصديق له: ما أخلو وإن كان اللقاء قليلا من سؤال أو مطالعة لك، ~~فقلبي يقوم مقام العيان «3» . # وقال آخر لصديق له: قد جمعتنا وإياك أحوال لا يزري بها بعد اللقاء ولا ~~يخل بها تنازح الديار «4» . # وقال آخر: لولا ما في بديه اللقاء من الحيرة والتعرض به قبل معرفة العين ~~للجفوة، لم أتوقف على مطالعة حتى أصير إليك. # وقال الشاعر: [من الطويل] # ومالي وجه في اللئام ولا يد ... ولكن وجهي في الكرام عريض # أصح إذا لاقيتهم وكأنني ... إذا أنا لاقيت اللئام مريض # وقال علي بن الجهم «5» : [من البسيط] # أبلغ أخا ما تولى الله صحبتنا ... أني وإن كنت لا ألقاه ألقاه # وأن طرفي موصول برؤيته ... وإن تباعد عن مثواي مثواه # PageV03P033 # الله يعلم أني لست أذكره ... وكيف أذكره إذ لست أنساه ### | المعاتبة والتجني # قال حدثنا محمد بن داود عن المضاء عن فرج بن فضالة عن لقمان بن عامر قال ~~قال أبو الدرداء: معاتبة الأخ خير من فقده، ومن لك بأخيك كله!. # وكان يقال: التجني وافد الصرم «1» . # وقرأت في الإنجيل: إن ظلمك أخوك فاذهب فعاتبه فيما بينك وبينه، فإن أطاعك ~~فقد ربحت أخاك وإن هو لم يطعك فاستتبع رجلا أو رجلين يشهدان ذلك الكلام، ~~فإن لم يستمع فأنه أمره إلى أهل البيعة «2» ، فإن لم يستمع من أهل البيعة ~~فليكن عندك كصاحب المكس «3» . # وقال ابن أبي فنن «4» : [من المتقارب] # إذا كنت تغضب من غير ذنب ... وتعتب من غير جرم عليا # طلبت رضاك فإن عزني ... عددتك ميتا وإن كنت حيا # قنعت وإن كنت ذا حاجة ... فأصبحت من أكثر الناس شيا # فلا تعجبن بما في يديك ... فأكثر منه الذي في يديا # وقال أبو نهشل «5» يعاتب صديقا له: [من الوافر] # عدلت عن الرحاب إلى المضيق ... وزرت البيت من غير الطريق # PageV03P034 # وتظلم عند طاعتك الموالي ... وليس الظلم من فعل الصديق # تجود بفضل عدلك للأقاصي ... وتمنعه من الخل الشفيق # أما والراقصات بذات عرق ... ورب البيت والركن الوثيق «1» # لقد أطلقت لي تهما أراها ... ستحملني على مضض العقوق «2» # وقال آخر: [من مجزوء الكامل المرفل] # فدع العتاب فرب شر هاج أوله العتاب # وقال الجعدي «3» : [من المتقارب] # وكان الخليل إذا رابني ... فعاتبته ثم لم يعتب «4» # هواي له وهوى قلبه ... سواي وما ذاك بالأصوب # فإني جرىء على صرمه ... إذا ما القرينة لم تصحب «5» # قال رجل لصديق له يعاتبه: ما أشكوك إلا إليك، ولا استبطئك إلا لك، ولا ~~أستزيدك إلا بك، فأنا منتظر واحدة من اثنتين: عتبى تكون منك، أو عقبى الغنى ~~عنك. # وقال آخر: قد حميت جانب الأمل فيك وقطعت الرجاء لك، وقد أسلمني اليأس منك ~~إلى العزاء عنك، فإن نزعت من الآن فصفح لا تثريب فيه «6» ، وإن تماديت فهجر ~~لا وصل بعده. # PageV03P035 # وقال بعض الشعراء: [من الطويل] # ولا خير في قربى لغيرك نفعها ... ولا في صديق لا تزال تعاتبه # يخونك ذو القربى مرارا وربما ... وفى لك عند الجهد من لا تناسبه # وقال آخر وهو أوس بن حجر: [من الطويل] # وقد اعتب ابن العم إن كان ظالما ... وأغفر عنه الجهل إن كان أجهلا # وكتب رجل إلى صديق له: الحال بيننا تحتمل الدالة «1» ، وتوجب الأنس ~~والثقة، وتبسط اللسان بالاستزادة. # وكتب رجل آخر إلى صديق له: قد جعلك الله ممن يحتمل الدالة الكبيرة لذي ~~الحرمة اليسيرة، ورفعك عن أن تبلغ استزادة المستزيد بعنف الحمية. # والعرب تقول لمن عوتب فلم يعتب «لك العتبى بأن لا رضيت» «2» . # ونحوه قول بشر بن أبي خازم «3» : [من الكامل] # غضبت تميم أن تقتل عامر ... يوم النسار فأعتبوا بالصيلم «4» # وقال أوس بن حارثة لابنه: العتاب قبل العقاب. وهذا نحو قول الآخر: # ليكن إيقاعك بعد وعيدك، ووعيدك بعد وعدك. # PageV03P036 # وقال إياس بن معاوية «1» : خرجت في سفر ومعي رجل من الأعراب، فلما كان ~~ببعض المناهل لقيه ابن عم له فتعانقا وتعاتبا وإلى جانبهما شيخ من الحي، ~~فقال لهما الشيخ: أنعما عيشا، إن المعاتبة تبعث التجني، والتجني يبعث ~~المخاصمة، والمخاصمة تبعث العداوة، ولا خير في شيء ثمرته العداوة، فقلت ~~للشيخ: من أنت؟ قال: أنا ابن تجربة الدهر ومن بلا تلونه «2» ، فقلت له: ما ~~أفادك الدهر؟ قال: العلم به، قلت: فماذا رأيت أحمد؟ قال: أن يبقي المرء ~~أحدوثة حسنة بعده، قال: فلم أبرح ذلك الماء حتى هلك الشيخ وصليت عليه. # وقال رجل لصديق له: أنا أبقي على مودتك من عارض «3» يغيره وعتاب يقدح ~~فيه، وأؤمل نائيا من رأيك يغني عن اقتضائك. # وقرأت في كتاب العتابي «4» : تأنينا إفاقتك من سكر غفلتك، وترقبنا ~~انتباهك من وسن رقدتك، وصبرنا على تجرع الغيظ فيك حتى بان لنا اليأس من ~~خيرك، وكشف لنا الصبر عن وجه الغلط فيك، فها نحن قد عرفناك حق معرفتك في ~~تعديك لطويل حق من غلط في اختيارك. # وقال الشاعر: [من الطويل] # فأيهما يا ليل إن تفعلي بنا ... فآخر مهجور وأول معتب # وكتب محمد بن عبد الملك إلى الحسن بن وهب «5» : يجب على # PageV03P037 # المرءوس إذا تجاوز به الرئيس حق مرتبته بعمله، وكان تفضيله إنما وقع له ~~بخفته على القلب ومحله من الأدب، أن يقابل ذلك بمثله إن كان محاميا على ~~محله، وإلا لن يؤمن عليه معنى بيت شريح: [من الطويل] # فإني رأيت الحب في الصدر والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب ### | باب الوداع # قال حدثني محمد بن خالد بن خداش قال حدثنا مسلم حدثنا سلم بن قتيبة عن ~~إبراهيم بن عبد الرحمن بن يزيد بن أمية عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم كان يقول «إذا ودع رجلا أستودع الله دينك وأمانتك ~~وخواتيم «1» عملك وآخر عمرك» . # قال وحدثني محمد بن عبد العزيز قال حدثنا مسلم بن إبراهيم عن سعيد بن ابى ~~كعب الأزدي عن موسى بن ميسرة عن أنس بن مالك: أن رجلا أتى النبي صلى الله ~~عليه وسلم فقال: إني أريد سفزا غدا فقال: «في حفظ الله وكنفه زودك الله ~~التقوى وغفر ذنبك ووجهك للخير حيث كنت» . # المعتمر عن إياس بن دغفل قال: رأيت الحسن ودع رجلا وعيناه تهملان وهو ~~يقول: [من الطويل] # وما الدهر إلا هكذا فاصطبر له ... رزيئة مال أو فراق حبيب # قال وودع رجل صديقا له وهو يقول: [من المتقارب] # PageV03P038 # وداعك مثل وداع الربيع ... وفقدك مثل افتقاد الديم «1» # عليك السلام فكم من وفاء ... نفارقه منك أو من كرم # وقال الطائي: [من الخفيف] # بين البين فقدها، قلما تع ... رف فقدا للشمس حتى تغيبا «2» # وقال جرير: [من الكامل] # يا أخت ناجية السلام عليكم ... قبل الرحيل وقبل لوم العذل # لو كنت أعلم أن آخر عهدكم ... يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل # أو كنت أرهب وشك بين عاجل ... لقنعت أو لسألت ما لم يسأل # وبلغني عن بكر المازني أنه قال: دخلت على الواثق حين أمر بحملي، فقال لي: ~~ما اسمك؟ فقلت: بكر، قال: من خلفت وراءك؟، قلت: بنية، قال: ما قالت عند ~~وداعك؟ قلت: قالت: [من المتقارب] # إذا غبت عنا وخلفتنا ... فإنا سواء ومن قد يتم «3» # أبانا فلا رمت من عندنا ... فإنا بخير إذا لم ترم «4» # أبانا إذا أضمرتك البلا ... د نجفى وتقطع منا الرحم «5» # قال: فما قلت لها أنت؟ قال: قلت ما قال جرير: [من الوافر] # ثقي بالله ليس له شريك ... ومن عند الخليفة بالنجاح # كان لبني عقيل عبد رضيع بلبان بعضهم فباعوه، فقال حين شخص به مواليه ~~شعرا: [من الطويل] # PageV03P039 # أشوقا ولما يمض بي غير ليلة ... فكيف إذا سار المطي بنا شهرا # وقال مسلم بن الوليد: [من الطويل] # وإني وإسماعيل عند وداعه ... لكالغمد يوم الروع زايله النصل «1» # فإن أغش قوما بعدهم وأزورهم ... فكالوحش يدنيها من الأنس المحل «2» # وقال آخر عند توديعه: [من الطويل] # عجبت لتطويح النوى من نحبه ... وتدنو بمن لا يستلذ له قرب «3» # وقال آخر: [من البسيط] # مالت تودعني والقلب يغلبها ... كما يميل نسيم الريح بالغصن # ثم استمرت وقالت وهي باكية ... يا ليت معرفتي إياك لم تكن # وقال آخر لرجل ودعه: بقي علينا أن نكف من غرب الشؤون «4» ، ونستعين على ~~فرقة الوحشة بالكتب، فإنها ألسن ناطقة، وعيون رامقة «5» . # وقال البحتري: [من مجزوء الكامل المرفل] # الله جارك في انطلاقك ... تلقاء شامك أو عراقك # لا تعذلني في مسي ... ري يوم سرت ولم ألاقك # PageV03P040 # إني خشيت مواقفا ... للبين تسفح غرب ماقك «1» # وعلمت ما يلقى المو ... دع عند ضمك واعتناقك # فتركت ذاك تعمدا ... وخرجت أهرب من فراقك ### | الهدايا # قال حدثنا يزيد بن عمرو قال حدثنا عمير بن عمران قال حدثنا الحارث ابن ~~عتبة عن العلاء بن كثير عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~«تصافحوا فإن المصافحة تذهب غل الصدور، وتهادوا فإن الهدية تذهب بالسخيمة» ~~«2» . # وحدثني أبو الخطاب قال حدثنا بشر بن المفضل عن يونس عن الحسن قال قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أهديت لي ذراع لقبلت، ولو دعيت إلى كراع ~~«3» لأجبت» . # وفي حديث آخر: «تهادوا تحابوا فإن الهدية تفتح الباب المصمت «4» وتسل ~~سخيمة القلب» . # قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله عن الأصمعي قال: سمعت نافعا يحدث قال: ~~كان ابن عمر يقول: الهدايا من أمراء الفتنة. # وروى الزبير بن بكار عن عمه قال: كان الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة ~~يجلس وعمرو بن عبيد الله بن صفوان، ما يكادان يفترقان، وكان عمرو يبعث إلى ~~الحارث في كل يوم بقربة من ألبان إبله، فاختلف ما بينهما فأتى # PageV03P041 # عمرو أهله فقال: لا تبعثوا للحارث باللبن فإنا لا نأمن أن يرده علينا؛ ~~وانقلب الحارث إلى أهله فقال: هل أتاكم اللبن؟ قالوا: لا؛ فلما راح الحارث ~~بعمرو قال: يا هذا لا تجمعن علينا الهجر وحبس اللبن؛ فقال: أما إذا قلت هذا ~~فلا يحملها إليك غيري، فحملها من ردم «1» بني جمح إلى أجياد «2» . # وبعث النضر بن الحارث إلى صديق له يسكن عبادان بنعلين مخصوفتين وكتب ~~إليه: بعثت إليك بهما وأنا أعلم أن بك عنهما غنى، ولكني أحببت أن تعلم أنك ~~مني على ذكر. # وقال بعض الشعراء: [من مجزوء الكامل المرفل] # إن الهدية حلوة ... كالسحر تجتلب القلوبا # تدني البغيض من الهوى ... حتى تصيره قريبا # وتعيد مضطغن العدا ... وة بعد نفرته حبيبا «3» # أهدى رجل إلى صديق له عبدا أسود؛ فكتب إليه: أما بعد، فلو علمت عددا أقل ~~من واحد أو لونا شرا من الأسود لبعثت به إلي. وهذا نظير قول الآخر وقد سئل ~~كم لك من الولد؟ قال: خبيث قليل؛ قيل: وكيف؟ فقال: لا أقل من واحد ولا أخبث ~~من بنت. # أهدى رجل إلى بعض الأمراء هدية، فكتب إليه الأمير: قد قبلتها بالموقع ~~ورددتها بالإبقاء. # PageV03P042 # وكان ابن عباس يقول: من أهديت إليه هدية وعنده قوم فهم شركاؤه فيها؛ ~~فأهدى إليه صديق ثيابا من ثياب مصر وعنده أقوام فأمر برفعها، فقال له رجل: ~~ألم تخبرنا أن من أهديت له هدية وعنده قوم فهم شركاؤه فيها! فقال: # إنما ذلك فيما يؤكل ويشرب ويشم، فأما في ثياب مصر فلا. # وقال خلف الأحمر «1» : [من الطويل] # أتاني أخ من غيبة كان غابها ... وكنت إذا ما غاب أنشده ركبا «2» # فجاء بمعروف كثير فدسه ... كما دس راعي السوء في حضنه الوطبا «3» # فقلت له هل جئتني بهدية ... فقال بنفسي قلت أتحف بها الكلبا # هي النفس لا أرثى لها من بلية ... ولا أتمنى أن رأيت لها قربا # أهدى رجل إلى صديق له وكتب إليه: الأنس سهل سبيل الملاطفة، فأهديت هدية ~~من لا يحتشم، إلى من لا يغتنم. # وحدثنا أحمد بن الخليل قال حدثنا أبو سلمة عن حبابة بنت عجلان عن أمها أم ~~حفص عن صفية بنت جرير عن أم حكيم بنت وداع الخزاعية قالت: # قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: ما جزاء الغني من الفقير؟ قال؛ «النصيحة ~~والدعاء قلت: يكره رد اللطف؟ «4» . قال: ما أقبحه، لو أهديت إلي ذراع ~~لقبلت، ولو دعيت إلى كراع لأجبت، تهادوا فإنه يضعف الحب «5» ويذهب بغوائل ~~القلوب» «6» . # PageV03P043 # وحدثني محمد بن سلام الجمحي «1» قال حدثني خلاد بن يزيد الباهلي قال: ~~أهديت ليزيد بن عمر بن هبيرة في يوم المهرجان هدايا وهو أمير العراق فصفت ~~بين يديه؛ فقال خلف بن خليفة وكان حاضرا: [من المتقارب] # كأن شماميس في بيعة ... تسبح في بعض عيداتها «2» # وقد حضرت رسل المهرجا ... ن وصفوا كريم هدياتها # علوت برأسي فوق الرءوس ... ، فأشخصته فوق هاماتها «3» # لأكسب صاحبتي صحفة ... تغيظ بها بعض جاراتها # فأمر له بجام «4» من ذهب، ثم أقبل يفرق بين جلسائه تلك الهدايا وينشد: ~~[من البسيط] # لا تبخلن بدنيا وهي مقبلة ... فليس ينقصها التبذير والسرف «5» # فإن تولت فأحرى أن تجود بها ... فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف # كتب رجل من أصحاب السلطان إلى بعض العلماء يستهديه مهارة «6» من ناحية ~~عمله. فكتب إليه العامل: أما المهارة فإن أهل عملنا يصونونها صيانة ~~الأعراض، ويسترونها ستر الحرم، ويسومون «7» بها مهور العقائل «8» ؛ وأنا ~~مستخلص لك منها ما يكون زين المربط وحملان «9» الصديق، إن شاء الله. # PageV03P044 # وقال بعضهم: الهدية إذا كانت من الصغير إلى الكبير، فكلما لطفت ودقت كان ~~أبهى لها، وإذا كانت من الكبير إلى الصغير، فكلما عظمت وجلت كان أوقع لها ~~وأنجع. # وكتب أبو السمط «1» : [من الوافر] # بدولة جعفر حسن الزمان ... لنا بك كل يوم مهرجان # ليوم المهرجان بك اختيال ... وإشراق ونور يستبان # جعلت هديتي لك فيه وشيا ... وخير الوشي ما نسج اللسان «2» # أهدى حسام بن مصك إلى قتادة نعلا رقيقة، فجعل قتادة يزنها بيده، وقال: ~~إنك تعرف سخف عقل الرجل في سخف هديته. # وقال الشاعر: [من الوافر] # سقى حجاجنا نوء الثريا ... على ما كان من بخل ومطل «3» # هم جمعوا النعال وأحرزوها ... وسدوا دونها بابفا بقفل # فإن أهديت فاكهة وجديا ... وعشر دجائج بعثوا بنعل # ومسواكين طولهما ذراع ... وعشر من ردىء المقل حسل «4» # فإن أهديت ذاك ليحملوني ... على نعل فدق الله رجلي # أناس تائهون لهم رواء ... تغيم سماؤهم من غير وبل «5» # إذا انتسبوا ففرع من قريش ... ولكن الفعال فعال عكل «6» # PageV03P045 # كتب رجل إلى صديق له: لولا أن البضاعة قصرت بي عن بلوغ الهمة لأتعبت ~~المسابقين إلى برك. وكرهت أن تطوى صحيفة البر، وليس لي فيها ذكر، فبعثت ~~إليك بالمبتدأ بيمنه وبركته، والمختوم بطيبه ورائحته: جراب ملح، وجراب ~~أشنان «1» . # أهدى الطائي إلى الحسن بن وهب قلما وكتب إليه: [من الخفيف] # قد بعثنا إليك أكرمك الل ... ه بشيء فكن له ذا قبول # لا تقسه إلى ندى كفك الغم ... ر ولا نيلك الكثير الجزيل «2» # واغتفر قلة الهدية مني ... إن جهد المقل غير قليل # وبعث أبو العتاهية إلى الفضل بن الربيع بنعل وكتب معها: [من لكامل] # نعل بعثت بها لتلبسها ... تسعى بها قدم إلى المجد # لو كان يمكن أن أشركها ... جلدي جعلت شراكها خدي «3» # وقال بعض الشعراء في نحو ذلك: [من الكامل] # أو ما رأيت الورد أتحفنا به ... إتحاف من خطر الصديق بباله # لو كان يهدى لامرىء ما لا يرى ... يهدى لعظم فراقه وزياله «4» # لرددت تحفته عليه وإن علت ... عن ذاك واستهديت بعض خصاله # وقال المهدي «5» : [من السريع] # تفاحة من عند تفاحة ... جاءت فماذا صنعت بالفؤاد # PageV03P046 # والله ما أدري أأبصرتها ... يقظان أم أبصرتها في الرقاد # قال: وكتب بعض العمال إلى صديق له: إني تصفحت أحوال الأتباع الذين يجب ~~عليهم الهدايا إلى السادة في مثل هذا اليوم والتأسي بهم في الإهداء، وإن ~~قصرت الحال عن قدرك، فرأيتني إن أهديت نفسي فهي ملك لك لا حظ فيها لغيرك، ~~ورميت بطرفي إلى كرائم مالي فوجدت أكثرها منك، فكنت إن أهديت شيئا منه ~~كالمهدي مالك إليك ومنفق نفقتك عليك؛ وفزعت إلى مودتي وشكري فوجدتهما ~~خالصين لك قديمين غير مستحدثين، ورأيت إن أنا جعلتهما هديتي لم أجدد لهذا ~~اليوم الجديد برا ولا لطفا. ولم أقس منزلة من شكري بمنزلة من نعمتك إلا كان ~~الشكر مقصرا عن الحق، وكانت النعمة زائدة على ما تبلغه الطاقة؛ ولم أسلك ~~سبيلا ألتمس بها برا أعتد به أو لطفا أتوصل إليه، إلا وجدت رضاك قد سبقني ~~إليه، فجعلت الإعتراف بالتقصير عن حقلك هدية إليك؛ وقد قلت في ذلك: [من ~~السريع] # إن أهد نفسي فهي من ملكه ... أو أهد مالي فهو من ماله # لما قدم معاوية المدينة منصرفا من مكة، بعث إلى الحسن والحسين وعبد الله ~~بن جعفر وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن صفوان ابن أمية ~~بهدايا من كسى وطيب وصلات من المال، ثم قال لرسله: ليحفظ كل رجل منكم ما ~~يرى ويسمع من الرد. فلما خرج الرسل من عنده، قال لمن حضر: إن شئتم أنبأناكم ~~بما يكون من القوم؛ قالوا: أخبرنا يا أمير المؤمنين؛ قال: أما الحسن فلعله ~~ينيل نساءه شيئا من الطيب وينهب «1» ما بقي من حضره ولا ينتظر غائبا. وأما ~~الحسين فيبدأ بأيتام من قتل مع أبيه بصفين، # PageV03P047 # فإن بقي شيء نحر به الجز وسقى به اللبن. وأما عبد الله بن جعفر فيقول: يا ~~بديح «1» ! أقض به ديني، فإن بقي شيء فأنفذ به عداتي «2» . وأما عبد الله ~~بن عمر فيبدأ بفقراء عدي بن كعب، فإن بقي شيء ادخره لنفسه ومان «3» به ~~عياله. # وأما عبد الله بن الزبير فيأتيه رسولي وهو يسبح فلا يلتفت إليه ثم يعاوده ~~الرسول فيقول لبعض كفاته «4» : خذوا من رسول معاوية ما بعث به، وصله الله ~~وجزاه خيرا، لا يلتفت إليها وهي أعظم في عينه من أحد، ثم ينصرف إلى أهله ~~فيعرضها على عينه ويقول: ارفعوا، لعلي أن أعود على ابن هند يوما ما. # وأما عبد الله بن صفوان فيقول: قليل من كثير، وما كل رجل من قريش وصل ~~إليه هكذا، ردوا عليه؛ فإن رد قبلناها. فرجع رسله من عندهم بنحو مما قال ~~معاوية؛ فقال معاوية: أنا بن هند! أعلم بقريش من قريش. # قال يونس بن عبيد: أتيت ابن سيرين «5» فدعوت الجارية، فسمعته يقول: قولوا ~~له: إني نائم- يريد: سأنام-؛ فقلت: معي خبيص «6» ؛ فقال: # مكانك حتى أخرج إليك. # قال رجل لأبي الدرداء: إن فلانا يقرئك السلام؛ فقال: هدية حسنة ومحمل ~~خفيف. # وبعث رجل إلى جارية يقال لها «راح» براح «7» ، وكتب إليها: # PageV03P048 # [من مجزوء الخفيف] # قل لمن يملك الملو ... ك وإن كان قد ملك # قد شربناك فاشربي ... وبعثنا إليك بك # أهدى رجل إلى عبيد بن الأخطل شاة مهزولة «1» ، فكتب إليه عبيد: # [من المتقارب] # وهبت لنا يا أخا منقر ... وعجل وأكرمها أولا «2» # عجوزا أضر بها دهرها ... وأنزلها الذل دار البلى # سلوحا حسبت بأن الرعاء ... سقوها الغريقون والحنظلا «3» # وأجدب من ثور زراعة ... أصاب على جوعه سنبلا «4» # وأزهد من جيفة لم تدع ... لها الشمس من مفصل مفصلا # فأهوت يميني إلى جنبها ... فخلت حراقيقها جندلا «5» # وأهوت يساري لعرقوبها ... فخلت عراقيبها مغزلا «6» # فقلت أبيع فلا مشربا ... تؤدى إلي ولا مأكلا # أم اجعل من جلدها حنبلا ... فأقذر بحنبلها حنبلا «7» # إذا هي مرت على مجلس ... من العجب كبر أو هللا # رأوا آية خلفها سائق ... يحث وإن هرولت هرولا # PageV03P049 # فكنت أمرت بها ضخمة ... بشحم ولحم قد استكملا # ولكن روحا عدا طوره ... وما كنت أحسب أن يفعلا «1» # فعض الذي خانني حاجتي ... بإست امه بظرها الا غرلا «2» # فلولا مكانك خضبتها ... وعلقت في جيدها جلجلا «3» # فجاءت لكيما ترى حالها ... فتعلم أني بها مبتلى # سألتك لحما لصبياننا ... فقد زدتني فيهم عيلا «4» # فخذها وأنت بها محسن ... وما زلت بي محسنا مجملا # وبعث رجل إلى دعبل بأضحية «5» ، فكتب إليه: [متقارب] # بعثت إلي بأضحية ... وكنت حريا بأن تفعلا # ولكنها خرجت غثة ... كأنك أرعيتها حرملا «6» # فإن قبل الله قربانها ... فسبحان ربك ما أعدلا # قيل لرجل قدم من مكة: كيف أثمان النعال بمكة؟ قال: أثمان الجداء «7» ~~بالعراق. # وقال مسلم بن الوليد: [طويل] # جزى الله من أهدى الترنج تحية ... ومن بما يهوى عليه وعجلا «8» # PageV03P050 # أتتنا هدايا منه أشبهن ريحه ... وأشبه في الحسن الغزال المكحلا # ولو أنه أهدى إلي وصاله ... لكان إلى قلبي ألذ وأوصلا # وكتب رجل إلى صديق له شرب دواء: [وافر] # تأنق في الهدية كل قوم ... إليك غداة شربك للدواء # فلما أن هممت به مدلا ... لموضع حرمتي بك والإخاء # رأيت كثير ما أهدي قليلا ... لعبدك فاقتصرت على الدعاء # وكتب رجل إلى صديق له: وجدت المودة منقطعة ما كانت الحشمة عليها متسلطة، ~~وليس يزيل سلطان الحشمة إلا المؤانسة، ولا تقع المؤانسة إلا بالبر ~~والملاطفة. ### | العيادة # قال حدثنا يزيد بن عمرو قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا شريك عن أبي ~~نصير عن أنس بن مالك، قال: عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من ~~الأنصار من رمد كان بعينه. ومن حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه ~~وسلم: «ثلاثة لا يعادون صاحب الدمل والرمد والضرس» . # وحدثني القاسم بن الحسن عن ابن الأصبهاني عن إسماعيل بن عياش عن أرطأة بن ~~المنذر: أن أبا الدرداء عاد جارا له نصرانيا. # قال الشعبي «1» : عيادة النوكى «2» أشد على المريض من وجعه. # PageV03P051 # وعن شيبان عن أبي هدية عن أبي هلال قال: قال بكر بن عبد الله لقوم عادوه ~~فأطالوا عنده: المريض يعاد، والصحيح يزار. # عاد قوم عليلا فأطالوا عنده، فقال لهم: إن كان لكم في الدار حق فخذوه ~~وانصرفوا. # عاد رجل رقبة، فنعى رجالا اعتلوا مثل علته، فقال له رقبة: إذا دخلت على ~~مريض فلا تنع إليه الموتى، وإذا خرجت من عندنا فلا تعد إلينا. # عاد أعرابي أعرابيا فقال: بأبي أنت! بلغني أنك مريض، فضاق والله علي ~~الأمر العريض، وأردت إتيانك فلم يكن بي نهوض؛ فلما حملتني رجلان، وليستا ~~تحملان؛ أتيتك بجرزة «1» شيح ما مسها عرنين قط «2» ، فاشممها واذكر نجدا، ~~فهو الشفاء بإذن الله. # قال كثير: [متقارب] # ألا تلك عزة قد أقبلت ... تقلب للبين طرفا غضيضا «3» # تقول مرضت وما عدتنا ... فقلت لها لا أطيق النهوضا # كلانا مريضان في بلدة ... وكيف يعود مريض مريضا «4» # وقال آخر «5» : [بسيط] # إذا مرضنا أتيناكم نعودكم ... وتذنبون فنأتيكم فنعتذر # PageV03P052 # وقال بشار: [سريع] # لو كانت الفدية مقبولة ... لقلت بي لا بك حماكا «1» # وكتب آخر إلى عليل: [بسيط] # نبئت أنك معتل فقلت لهم ... نفسي الفداء له من كل محذور # يا ليت علته بي غير أن له ... أجر العليل وأني غير مأجور # وكتب آخر إلى عليل: [طويل] # أقول بحق واجب لك لازم ... وإخلاص شكر لا يغيره الدهر # بي السوء والمكروه لا بك كلما ... أراداك كانا بي وكان لك الأجر # وقال آخر في مثله: [طويل] # فإن تك حمى الغب شفك وردها ... فعقباك منها أن يطول لك العمر «2» # وقيناك! لو نعطى المنى فيك والهوى ... لكان بي الشكوى وكان لك الأجر # وفي الحديث المرفوع «حصنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، ~~واستقبلوا البلايا بالدعاء» . وفي آخر أنه صلى الله عليه وسلم قال يوما ~~لأصحابه: «من أصبح منكم صائما؟ قال عمر: أنا، قال: فمن شيع جنازة؟ قال عمر: ~~أنا؛ قال: فمن عاد مريضا؟ قال عمر: أنا؛ قال: فمن فيكم تصدق بصدقة؟ قال ~~عمر: أنا؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «وجبت وجبت وجبت» . وفي حديث آخر: أنه ~~صلى الله عليه وسلم قال: # إتمام عيادتكم المريض أن يضع أحدكم يده على جبهته أو على رأسه، أو يده، ~~«في يده ويسأله كيف هو، وتمام تحياتكم المصافحة» . # PageV03P053 # وقال الشاعر: [طويل] # إن كنت في ترك العيادة تاركا ... حظي فإني في الدعاء لجاهد # فلربما ترك العيادة مشفق ... وأتى على غل الضمير الحاسد «1» # أبو حاتم قال حدثنا العتبي عن أبيه قال: كان يقال: إذا اشتكى الرجل ثم ~~عوفي ولم يحدث خيرا ولم يكف عن سوء، لقيت الملائكة بعضها بعضا وقالت: إن ~~فلانا داويناه فلم ينفعه الدواء. # وقال أبو حاتم «2» حدثنا القحذمي قال: أطلع «3» معاوية في بئر بالأبواء ~~«4» فأصابته لقوة «5» ، فاعتم بعمامة سوداء وسدلها على الشق الذي أصيب فيه، ~~ثم أذن للناس فقال: أيها الناس؛ إن ابن آدم بعرض بلاء: إما معاتب ليعتب، ~~وإما معاقب بذنب، أو مبتلى ليؤجر، فإن عوتبت فقد عوتب الصالحون قبلي، وإني ~~لأرجو أن أكون منهم؛ وإن عوقبت فقد عوقب الخطاءون قبلي، وما آمن أن أكون ~~منهم؛ وإن مرض عضو مني فما أحصي صحيحي ولما عوفيت أكثر، ولو أن أمري إلى ما ~~كان لي على ربي أكثر مما أعطاني. وإني وإن كنت عاتبا على خاص منكم فإني حدب ~~«6» على جماعتكم، أحب صلاحكم. وقد أصبت بما ترون، فرحم الله امرأ دعا لي ~~بعافية! فرفعوا أصواتهم بالبكاء والدعاء. # PageV03P054 # مرض أبو عمرو بن العلاء «1» مرضة، فأتاه أصحابه وأبطأ عنده رجل منهم؛ ~~فقال: ما يبطىء بك؟ قال: أريد أن أساهرك؛ قال: أنت معافى وأنا مبتلى، ~~فالعافية لا تدعك تسهر والمرض لا يدعني أنام، فاسأل الله أن يسوق إلى أهل ~~العافية الشكر، وإلى أهل البلاء الصبر والأجر. # حدثني عبد الرحمن عن الأصمعي قال: اشتكى رجل من الأعراب، فجعل الناس ~~يدخلون عليه فيقولون: كيف أصبحت وكيف كنت؟ فلما أكثروا عليه قال: كما قلت ~~لصاحبك. # قال: وقع رجل من أهل المدينة فوثئت «2» رجلاه، فجعل الناس يدخلون عليه ~~ويسألونه، فلما أكثروا عليه وأضجر كتب قصته في رقعة، فكان إذا دخل عليه ~~عائد وسأله دفع إليه الرقعة. # الهيثم بن عدي قال: كان رجل من أهل السواد محدودا «3» لا يقصد في شيء إلا ~~انصرف عنه، فغاب مرة فأطال، فلما قدم أتاه الناس فجعلوا يسألونه عن حاله ~~وما كان فيه، وكان فيه برم «4» ، فأخذ رقعة فكتب فيها: [متقارب] # وما زلت أقطع عرض الفلاة ... من المشرقين إلى المغربين # وأطوي الفيافي أرضا فأرضا ... وأستمطر الجدي والفرقدين «5» # وأطوي وأنشر ثوب الهموم ... إلى أن رجعت بخفي حنين «6» # PageV03P055 # فقيرا وقيرا أخا عسرة ... بعدا من الخير صفر اليدين «1» # كئيب الصديق بهيج العدو ... طويل الشقا زاني الوالدين # وطرحها في مجلسه، فكل من سأله عن حاله دفع إليه الرقعة. # قال حدثنا عبد الرحمن عن عمه أن نبطيا «2» وقع من موضع عال، فدخلوا ~~يسألونه، كيف وقعت؟ فلما أكثروا عليه أخذ جرة وألقاها من يده وقال: هكذا ~~وقعت. # أبو الخطاب قال: كان عندنا رجل أحدب فسقط في بئر فذهبت حدبته فصار آدر ~~«3» ، فدخلوا يسألونه ويهنئونه بذهاب حدبته، فجعل يقول: الذي جاء شر من ~~الذي ذهب. # المدائني قال: سقط ابن شبرمة القاضي عن دابته فوثئت رجله، فدخل يحيى بن ~~نوفل الحميري عليه فقال: [متقارب] # أقول غداة أتاني الخبير ... فدس أحاديثه الهينمه «4» # لك الويل من مخبر ما تقول؟ ... أبن لي وعد عن الجمجمه «5» # فقال خرجت وقاضي القضا ... ة مثقلة رجله مؤلمه # فقلت وضاقت علي البلاد ... وخفت المجللة المعظمه # فغزوان حر وأم الوليد ... إن الله عافى أبا شبرمه # جزاء لمعروفه عندنا ... وما عتق عبد له أو أمه؟ # PageV03P056 # قال: وفي المجلس جار ليحيى بن نوفل يعرف منزله، فلما خرج تبعه وقال: يا ~~أبا معمر، من غزوان وأم الوليد؟ فضحك وقال: أو ما تعرفهما؟ هما سنوران في ~~البيت. # قال حدثنا الرياشي عن أبي زيد قال دخلنا على أبي الدقيش وهو شاك «1» ، ~~فقلنا له: كيف تجدك؟ قال: أجدني أجد ما لا أشتهي وأشتهي ما لا أجد، ولقد ~~أصبحت في شر زمان وشر أناس: من جاد لم يجد ومن وجد لم يجد. # قيل: لعمرو بن العاص وقد مرض مرة: كيف تجدك؟ قال أجدني أذوب ولا أثوب، ~~وأجد نجوي «2» أكثر من رزئي «3» ، فما بقاء الشيخ على هذا!. # سئل عليل عن حاله فقال: أنا مبل «4» غير مستقل، ومتماثل غير متحامل. # وقيل لآخر: كيف تجدك؟ قال أجدني لم أرض حياتي لموتي. # وقيل لرجل من العجم: ما حالكم؟ قال: ما حال من يريد سفرا طويلا بلا زاد! ~~وينزل منزلا موحشا بلا أنيس! ويقدم على جبار قد قدم العذر بلا حجة!. # قيل لعكرمة: كيف حالك؟ قال: بشر، أصبحت أجرب مبسورا «5» . # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: قيل لشيخ من العباد: كيف أنت، وكيف ~~أحوالك؟ فقال: ما كلها كما أشتهي. # PageV03P057 # قيل لآخر: ما تشتكي؟ قال: تمام العدة وانقضاء المدة. # وبلغني عن معاوية بن قرة قال: مرض أبو الدرداء، فعاده صديق له فقال: أي ~~شيء تشتكي؟ قال: ذنوبي؛ قال: فأي شيء تشتهي؟ قال: الجنة؛ قال: فندعو لك ~~بالطبيب؟ قال: هو أمرضني. # سئل رجل عن حاله فقال: [رجز] # كنا إذا نحن أردنا لم نجد ... حتى إذا نحن وجدنا لم نرد # أرجف «1» الناس بعلة معاوية وضعفه، فدخل عليه مصقلة بن هبيرة، فأخذ ~~معاوية بيده ثم قال يا مصقل: [مجزوء الكامل المرفل] # أبقى الحوادث من خلي ... لك مثل جندلة المراجم «2» # قد رامني الأقوام قب ... لك فامتنعت من المظالم # فقال مصقلة: أما قول أمير المؤمنين: «أبقى الحوادث من خليللك» ، فقد أبقى ~~الله منك جبلا راسيا وكلا مرعيا لصديقك وسما ناقعا لعدوك. وأما قولك: «قد ~~رامني الأقوام قبلك» ، فمن ذا يرومك أو يظلم! فقد كان الناس مشركين فكان ~~أبو سفيان سيدهم، وأصبح الناس مسلمين وأصبحت أميرهم؛ فأعطاه معاوية فخرج؛ ~~فسئل عنه فقال: والله لغمزني غمزة «3» كاد يكسر منها يدي وأنتم تزعمونه ~~مريضا. # وقال المدائني: دخل كثير عزة على عبد الملك بن مروان، فقال: يا أمير ~~المؤمنين، لولا أن سرورك لا يتم بأن تسلم وأسقم لدعوت الله أن يصرف # PageV03P058 # ما بك إلي، ولكن أسأل الله لك أيها الأمير العافية ولي في كنفك النعمة؛ ~~فضحك وأمر له بمال؛ فقال: [كامل] # ونعود سيدنا وسيد غيرنا ... ليت التشكي كان بالعواد # لو كان يقبل فدية لفديته ... بالمصطفى من طارفي وتلادي «1» # وقال آخر: [منسرح] # لا تشكون دهرا صحت به ... إن الغنى في صحة الجسم # هبك الخليفة، كنت منتفعا ... بلذاذة الدنيا مع السقم؟ # إعتل المسور «2» فجاءه ابن عباس يعوده نصف النهار؛ فقال المسور: يا أبا ~~عباس «3» هلا ساعة غير هذه! قال ابن عباس: إن أحب الساعات إلي أن أؤدي فيها ~~الحق أشقها علي. # وكتب رجل إلى صديق له: كيف أنت؟ بنفسي أنت! وكيف كنت؟ لا زلت! وكيف قوتك ~~ونشاطك؟ لا عدمتهما ولا عدمناهما منك، وأعادك الله إلى أحسن ما عودك! لولا ~~عوائق يوجب العذر بها تفضلك لم أدع تعرف خبرك بالعين، فإنها أشفى للقلب ~~وأنقع للغليل «4» وأشد تسكينا للأعج الشوق «5» . # وقرأت فصلا في كتاب: لئن تخلفت عن عيادتك بالعذر الواضح من العلة لما ~~أغفل قلبي ذكرك ولا لساني فحصا عن خبرك في ممساك ومصبحك # PageV03P059 # وتنقل الحال بك تبعث من تقسم جوارحه وصبك «1» وزاد في ألمها ألمك ومن ~~تتصل بك أحواله في السراء والضراء. ولما بلغتني إفاقتك كتبت مهنئا بالعافية ~~مخبرا بالعذر، معفيا من الجواب إلا بخبر السلامة إرسالا. # وقال عبد بني الحسحاس «2» : [طويل] # تجمعن من شتى ثلاث وأربع ... وواحدة حتى بلغن ثمانيا # سليمى وسلمى والرباب وزينب ... وهند ودعد والمنى وقطاميا # وأقبلن من بعض الخيام يعدنني ... ألا إن بعض العائدات دوائيا # وقال عبد الله بن مصعب الزبيري: [كامل] # ما لي مرضت فلم يعدني عائد ... منكم ويمرض كلبكم فأعود # فسمي «عائد الكلب» وولده الآن يسمون «بني عائد الكلب» . ### | التعازي وما يتمثل به فيها # وحدثني محمد بن داود عن غسان بن الفضل قال قال عبد الوهاب الثقفي: أتاني ~~ابن جريج بمكة يعزيني عن بعض أهلي، فقال: إنه من لم يسل «3» أهله إيمانا ~~واحتسابا سلا كما تسلوا البهائم. # كتب إبراهيم بن يحيى الأسلمي «4» إلى المهدي يعزيه عن ابنته: أما بعد، ~~فإن أحق من عرف حق الله فيما أخذ منه من عظم حق الله عليه فيما # PageV03P060 # ابقى له. واعلم أن الماضي قبلك هو الباقي بعدك، وأن أجر الصابرين فيما ~~يصابون به أعظم عليهم من النعمة فيما يعافون منه. # ونحوه قول سهل بن هارون: التهنئة على آجل الثواب، أولى من التعزية على ~~عاجل المصيبة. # وقال بعض الشعراء: [كامل] # كم من يد لا يستقل بشكرها ... لله في ظل المكاره كامنه # وسقطت مقاديم فم معاوية فشق ذلك عليه، فقال له يزيد بن معمر السلمي: ~~والله يا أمير المؤمنين، ما بلغ أحد سنك إلا أبغض بعضه بعضا، ففوك أهون ~~علينا من سمعك وبصرك. # وقال صالح المري «1» لرجل يعزيه: إن لم تكن مصيبتك أحدثت في نفسك موعظة ~~فمصيبتك بنفسك أعظم. ونحوه: شر من المرزئة سوء الخلف عنها. ومثله قول ~~الشاعر: [خفيف] # إن يكن ما به أصبت جليلا ... فلفقد العزاء فيه أجل # عزى شبيب بن شيبة المهدي عن بانوقة «2» ، فقال: يا أمير المؤمنين، ما عند ~~الله خير لها مما عندك، وثواب الله خير لك منها. # عزى رجل عبد الله بن طاهر «3» عن ابنته فقال: أيها الأمير، مم تجزع؟: ~~[بسيط] # PageV03P061 # الموت أكرم نزال على الحرم # وقال جرير: [طويل] # وأهون مفقود إذا الموت ناله ... على المرء من أصحابه من تقنعا # وقال آخر: [من الوافر] # ولم أر نعمة شملت كريما ... كنعمة عورة سترت بقبر # وعزى رجل رجلا فقال: لا أراك الله بعد هذه المصيبة ما ينسيكها. # وقال رجل لعمر بن عبد العزيز: [طويل] # تعز أمير المؤمنين فإنه ... لما قد ترى يغذى الصغير ويولد # هل ابنك إلا من سلالة آدم ... لكل على حوض المنية مورد # عزى أبو بكر عمر رضي الله عنهما عن طفل أصيب به، فقال: عوضك الله منه ما ~~عوضه منك. # وقال محمود الوراق «1» : [متقارب] # يمثل ذو اللب في نفسه ... مصائبه قبل أن تنزلا # فإن نزلت بغتة لم ترعه ... لما كان في نفسه مثلا # رأى الهم يفضي إلى آخر ... فصير آخره أولا # وذو الجهل يأمن أيامه ... وينسى مصارع من قد خلا «2» # فإن بدهته صروف الزمان ... ببعض مصائبه أعولا «3» # ولو قدم الحزم في أمره ... لعلمه الصبر عند البلا # عزى موسى بن المهدي سليمان بن أبي جعفر عن ابن له، فقال: # أيسرك وهو بلية وفتنة، ويحزنك وهو صلاة ورحمة!. # PageV03P062 # وعزى رجل موسى بن المهدي عن ابن له فقال: كان لك من زينة الحياة الدنيا، ~~وهو اليوم من الباقيات الصالحات. # توفي سهيل بن عبد العزيز بن مروان، فكتب إلى عمر بن عبد العزيز بعض عماله ~~وأطنب في كتابه؛ فكتب إليه عمر: [طويل] # حسبي حياة الله من كل ميت ... وحسبي بقاء الله من كل هالك # إذا ما لقيت الله عني راضيا ... فإن شفاء النفس فيما هنالك # كتب ابن السماك «1» إلى الرشيد يعزيه بابن له: أما بعد، فإن استطعت أن ~~يكون شكرك لله حين قبضه أكثر من شكرك له حين وهبه، فإنه حين قبضه أحرز لك ~~هبته، ولو سلم لم تسلم من فتنته؛ أرأيت حزنك على ذهابه وتلهفك لفراقه! ~~أرضيت الدار لنفسك فترضاها لابنك! أما هو فقد خلص من الكدر، وبقيت أنت ~~معلقا بالخطر. واعلم أن المصيبة مصيبتان إن جزعت، وإنما هي واحدة إن صبرت، ~~فلا تجمع الأمرين على نفسك. # كتب عبد الله بن طاهر إلى أبي دلف «2» : المصائب حالة لا بد منها، فمنها ~~ما يكون رحمة من الله ولطفا بعبده، وآية ذلك أن يوفقه للصبر ويلهمه الرضا ~~ويبسط أمله فيما عنده من الثواب الآجل والخلف العاجل. ومنها ما يكون سخطا ~~وانتقاما، أوله حزن وأوسطه قنوط وآخره ندامة، وهي المصيبة حقا الجامعة ~~لخسران الدنيا والآخرة. ولم تزل عادة الله عندك الإخلاف والإتلاف. وإن يك ~~ما نالك الآن أعظم مما أتى عليك في مواضي الأيام، # PageV03P063 # فالأجر المأمول على قدر ذلك. # وكتب أبو دلف إليه: إن تكن المصيبة جلت، فإن فيما أكرمني الله به من جميل ~~رأي الأمير وما وضح للناس من فضل عنايته وابتدائه إياى بكتبه، ما عجل العوض ~~من المفقود. # وفي كتاب آخر: لئن كانت المصيبة جلت، إن فيما أبقى الله ببقاء الأمير ~~عوضا وافيا وخلفا كافيا. وحقيق بمن عظمت النعمة عليه فيما أبقى الله أن ~~يحسن عزاؤه عما أخذ منه. وأحق ما صبر عليه ما لا يستطاع دفعه. # وقرأت في كتاب لبعض الكتاب في تعزية: أسأل الله أن يسد بك ما ثلمت «1» ~~الأيام من مكانه، ويعمر ما أخلت من مشاهده وأوطانه حتى لا يعفو الداثر «2» ~~، وأن يستقبل لكم أيامكم بأحسن ما أمضاها لمن مضى منكم، فيجعلكم الخلف الذي ~~لا وحشة معه ولا وحشة عليه، ويتولاكم ويتولانا فيكم بما هو أهله ووليه. # وقرأت في كتاب تعزية: لا لوم على دمعة لا تملك أن تسفحها «3» ، ولا على ~~ألم في القلب لا يدفع أن يظهر فيك، ولا عذر في سواهما مما أحبط أجرك وأشمت ~~عدوك وضعف رأيك، ولم يرجع إليك فائتا ولا إلى شقيقك بمكانه روحا ولا إلى من ~~خلف حفظا. واعلم أن فرق ما بين ذي العقل وذي الجهل في مصيبتيهما تعجل ~~العاقل من الصبر ما يتأجل الجاهل. # وقرأت في كتاب تعزية: لو كانت النوائب مدفوعة عن أحد بكثرة من يقيه ذلك ~~من إخوانه ويفديه منه بالأخص من أعزته والأنفس من ماله، سلمت # PageV03P064 # من ملمها، وكان سبقي إلى ذلك أبرز سبق، وحظي بالتقدم فيه أوفر حظ. # وقرأت في كتاب: مصيبتك لي مصيبة، وما نالك من ألمها لي موجع. # ولو كان في الوسع أن أعلم كنه ما خامر قلبك من ألمها لحملت مثله على ~~نفسي، فإني أحب أن أكون أسوتك في كل سار وغام، وألا أتمتع بأيام غمومك، ولا ~~أقصر فيها عن مقدار حالك. # وقرأت في كتاب: نسأل الله حسن الاستعداد لما نتوكفه «1» ونتوقع حلوله، ~~وألا يشغلنا بما يقل الانتفاع به وتعظم التبعة فيه عما نحتاج إليه يوم تجد ~~كل نفس ما عملت من خير محضرا، وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا ~~بعيدا، وأن يجعل ما وهب لنا من الصبر والعزاء إيمانا وإيقانا، ولا يجعله ~~ذهولا ونسيانا. # قال أسماء بن خارجة إذا قدمت المصيبة تركت التعزية، وإذا قدم الإخاء قبح ~~الثناء. # قيل لأعرابية مات ابنها: ما أحسن عزاءك! فقالت: إن فقدي إياه أمنني من ~~المصيبة بعده. ونحوه قول الشاعر «2» : [طويل] # وكنت عليه أحذر الموت وحده ... فلم يبق لي شيء عليه أحاذر # ومثله: [طويل] # وقد كنت أستعفي الإله إذا اشتكى ... من الأجر لي فيه وإن سرني الأجر # وقال أبو العتاهية: [كامل] # PageV03P065 # وكما تبلى وجوه في الثرى ... فكذا يبلى عليهن الحزن # وفي الحديث: «من يرد الله به خيرا «1» يصب منه» . # ويقال: المصيبة الموجعة تدر «2» ذكر الله في قلب المؤمن. # قال الأصمعي: مررت بأعرابية وبين يديها فتى في السياق «3» ، ثم رجعت ~~ورأيت في يدها قدح سويق «4» تشربه، فقلت لها: ما فعل الشاب؟ فقالت: # واريناه؛ فقلت: فما هذا السويق؟ فقالت: [طويل] # على كل حال يأكل القوم زادهم ... على البؤس والبلوى وفي الحدثان # قيل لأعرابي: كيف حزنك اليوم على ولدك؟ فقال: ما ترك حب الغداء والعشاء ~~لي حزنا. # وقال عمر بن عبد العزيز: إنما الجزع قبل المصيبة، فإذا وقعت فاله عما ~~أصابك. # اشتكى بعض أهل محمد بن علي بن الحسين فجزع عليه، ثم أخبر بموته فسري «5» ~~عنه؛ فقيل له في ذلك، فقال: ندعو الله فيما نحب، فإذا وقع ما نكره لم نخالف ~~الله فيما أحب. # لما مات عتبة بن مسعود قال عبد الله: إذا ما قضى الله فيه ما قضى فما أحب ~~أني دعوته فأجابني. # قال رجل من طيء: [طويل] # PageV03P066 # فلولا الأسى «1» ما عشت في الناس ساعة ... ولكن إذا ما شئت أسعدني مثلي # وقال آخر: [طويل] # إذا أنت لم تسل اصطبارا وحسبة ... سلوت على الأيام مثل البهائم «2» # عزى محمد بن الوليد بن عتبة الوليد بن عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين، ~~ليشغلك ما أقبل من الموت إليك، عمن هو في شغل مما دخل عليك، وأعدد لنزوله ~~عدة تكون لك حجابا من الجزع وسترا من النار. فقال يا محمد، أرجو ألا تكون ~~رأيت غفلة تنبه عليها ولا جزعا يستتر منه، وما توفيقي إلا بالله. فقال ~~محمد: يا أمير المؤمنين، إنه لو استغنى أحد عن موعظة بفضل لكنته، ولكن الله ~~يقول: وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين # «3» . # وقال الطائي: [طويل] # ويفرح بالشيء المعار بقاؤه ... ويحزن لما صار وهو له ذخر # عليك بثوب الصبر إذ فيه ملبس ... فإن ابنك المحمود بعد ابنك الصبر # وقال أيضا: [طويل] # أمالك إن الحزن أحلام نائم ... ومهما يدم فالوجد ليس بدائم # تأمل رويدا هل تعدن سالما ... إلى آدم أم هل تعد ابن سالم # وقال آخر: [كامل] # اصبر لكل مصيبة وتجلد ... واعلم بأن الدهر غير مخلد # أو ما ترى أن الحوادث جمة ... وترى المنية للعباد بمرصد # وإذا أتتك مصيبة تشجى بها ... فاذكر مصابك بالنبي محمد # PageV03P067 # عزى رجل الرشيد فقال: يا أمير المؤمنين، كان لك الأجر لا بك، وكان العزاء ~~منك لا عنك. # يعزى أهل نجران بعضهم بعضا بهذا الكلام: لا يحزنكم الله ولا يفتنكم، ~~أثابكم الله ثواب المتقين وأوجب لكم الصلاة والرحمة. # عزى بعض الزبيريين رجلا فقال: لا يصفر ربعك «1» ، ولا يوحش بيتك، ولا يضع ~~أجرك، رحم الله متوفاك، وأحسن الخلافة عليك. # قال بعض الشعراء: [طويل] # أسكان بطن الأرض لو يقبل الفدى ... فدينا وأعطينا بكم ساكن الظهر «2» # فيا ليت من فيها عليها وليت من ... عليها ثوى فيها مقيما إلى الحشر # وقاسمني دهري بني بشطره ... فلما توفى شطره مال في شطري «3» # فصاروا ديونا للمنايا ومن يكن ... عليه لها دين قضاه على عسر # كأنهم لم يعرف الموت غيرهم ... فثكل على ثكل وقبر على قبر # وقد كنت حي الخوف قبل وفاتهم ... فلما توفوا مات خوفي من الدهر «4» # فلله ما أعطى ولله ما جزى ... وليس لأيام الرزية كالصبر # فحسبك منهم موحشا فقد برهم ... وحسبك منهم مسليا طلب الأجر # عزى شبيب بن شيبة «5» رجلا من اليهود فقال: أعطاك الله على مصيبتك أفضل ~~ما أعطى أحدا من أهل ملتك. # PageV03P068 # وقال العتبي: [منسرح] # ما عالج الحزن والحرارة في ال ... أحشاء من لم يمت له ولد «1» # فجعت با بني ليس بينهما ... إلا ليال ليست لها عدد «2» # وكل حزن يبلى على قدم ال ... دهر وحزني يجده الأبد «3» # وقال أيضا: [متقارب] # لا يزجر الدهر عنا المنونا ... يبقي البنات ويفني البنينا «4» # وأنحى علي بلا رحمة ... فلم يبق لي في جفوني جفونا «5» # وكنت أبا سبعة كالبدور ... أفقي بهم أعين الحاسدينا # فمروا على حادثات الزمان ... كمر الدراهم بالناقدينا # فأفنتهم واحدا واحدا ... إلى أن أبادتهم أجمعينا # وألقين ذاك إلى ضارح «6» ... وألقين هذا إلى دافنينا # وما زال ذلك دأب الزما ... ن يفني الأوائل فالأولينا # وحتى بكى لي حسادهم ... فقد أقرحوا بالدموع الجفونا # وحسبك من حادث بامرىء ... ترى حاسديه له راحمينا # وكانوا على ظهرها أنجما ... فأضحوا إلى بطنها ينقلونا # فمن كان يسليه مر السنين ... فحزني يجدده لي السنونا # ومما يسكن وجدي بهم ... بأن المنون ستلقى المنونا # كان أبو بكر رضي الله عنه إذا عزى رجلا قال: ليس مع العزاء مصيبة # PageV03P069 # ولا مع الجزع فائدة؛ الموت أهون مما قبله وأشد مما بعد؛ اذكروا فقد رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم تصغر مصيبتكم؛ وعظم الله أجركم. # وكان علي رضي الله عنه إذا عزى رجلا يقول: إن تجزع فأهل ذلك الرحم، وإن ~~تصبر ففي الله عوض من كل فائب؛ وصلى الله على محمد، وعظم الله أجركم. # وقال أعرابي: [طويل] # أيغسل رأسي أو تطيب مشاربي ... ووجهك معفور وأنت سليب # نسيبك من أمسى يناجيك طرفه ... وليس لمن وارى التراب نسيب # وإني لأستحيي أخي وهو ميت ... كما كنت أستحييه وهو قريب # وقال أعرابي: [طويل] # وما نحن إلا مثلهم غير أننا ... أقمنا قليلا بعدهم وتقدموا # وقال آخر: [طويل] # وقد كنت أستعفي الإله إذا اشتكى ... من الأجر لي فيه وإن سرني الأجر # وأجزع أن ينأى به بين ليلة ... فكيف ببين صار ميعاده الحشر # وقال آخر: [طويل] # وإنا وإخوانا لنا قد تتابعوا ... لكالمغتدي والرائح المتهجر «1» # وقال سليمان الأعجمي: [مديد] # رب مغروس يعاش به ... عدمته كف مغترسه «2» # PageV03P070 # وكذاك الدهر مأتمه ... أقرب الأشياء من عرسه # وتمثل معاوية بن أبي سفيان يوما فقال: [طويل] # إذا سار من خلف امرىء وأمامه ... وأوحش من جيرانه فهو سائر # وقال آخر: [خفيف] # وإذا قيل مات يوما فلان ... راعنا ذاك ساعة ما نحير «1» # نذكر الموت عند ذاك وننسا ... إذا غيبته عنا القبور # وقال آخر: [وافر] # نراع من الجنائز قابلتنا ... ونلهو حين تخفى ذاهبات # كروعة ثلة لمغار سبع ... فلما غاب ظلت راتعات «2» # وقال أبو نواس: [مجزوء الخفيف] # سبقونا إلى الرحي ... ل وإنا لبالأثر # وكتب رجل إلى بعض الأمراء في تعزية: الأمير أذكر لله من أي يذكر به، ~~وأعلم بما قضاه على خلقه من أن يدل عليه، وأسلك لسبيل الراشدين في التسليم ~~لأمره والصبر على قدره والتنجز لوعده، من أن ينبه من ذلك على حظه، أو أن ~~يحتاج معزيه عند حادث المصيبة إلى أكثر من الدعاء في قضاء حقه. فزاده الله ~~توفيقا إلى توفيقه، وأحضره رشده، وسدد للصواب غرضه، وتولاه بالحسنى في جميع ~~أموره، إنه سميع قريب. وقد كان من حادث قضاء الله في المتوفى ما أنقض وأرمض ~~«3» ، وفجع وأوجع، علما بما دخل على الأمير # PageV03P071 # من النقص، وعلى سروره من اللوعة، وعلى أنسه من الوحشة، إلى ما خصني منه ~~بماس الرحم وأوشج القرابة. فأعظم الله للأمير الأجر، وأجزل له الذخر، وعصمه ~~باليقين، وأنجز له ما وعد الصابرين؛ ورحم المتوفى ولقاه الأمن والروح، وفسح ~~له في المضجع، وجمعه وإياه بعد العمر الطويل في الدار التي لا خوف عليهم ~~فيها ولا هم يحزنون. # وفي كتاب: نحن نحمد الله أيها الأمير إذ أخذ على ما أبقى منك، وإذ سلب ~~على ما وهب بك؛ فأنت العوض من كل فائت، والجابر لكل مصيبة، والمؤنس من وحشة ~~كل فقد؛ وحق لمن كنت له وليا وعضدا أن يشغله حمد الله على النعمة بك عن ~~الجزع على غيرك. # وكتب سعيد بن حميد إلى محمد بن عبد الله: ليس المعزى على سلوك السبيل ~~التي سلكها الناس قبله والمضي على السنة التي سنها صالحوا السلف له؛ وقد ~~بلغني ما حدث من قضاء الله في أم الأمير، فنالني من ألم الرزية وفاجع ~~المصيبة ما ينال خدمه الذين يخصهم ما خصه من النعم، ويتصرفون معه فيما ~~تناوله الله به من المخن. فأعظم الله للأمير الأجر، وأجزل له المثوبة ~~والذخر، ولا أراه في نعمة عنده نقصا، ووفقه عند النعم للشكر الموجب للمزيد، ~~وعند المحن للصبر المحرز للثواب، إنه هو الكريم الوهاب. ورحم الله الماضية ~~رحمة من رضى سعيه وجازاه بأحسن عمله. ولو كانت السبيل إلى الشخوص «1» إلى ~~باب الأمير سهلة، لكان الله قد أجل الأمير عن أن يعزيه مثلي بالرسول دون ~~اللقاء، وبالكتاب دون الشفاه، ولكن الكتاب لقاء من لا سبيل له إلى الحركة، ~~وقبول العذر عمن حيل بينه وبين الواجب. # ولابن مكرم: ومما حركني للكتاب تعزيتك بمن لا ترميك الأيام بمثل # PageV03P072 # الحادث فيه، ولا تعتاض مما كان الله جمعه لك عنده من الميل إليك والصبر ~~على مكروه جفائك، مع ما كان الله أعاره من قوة العقل وأصالة الرأي، ومد له ~~من عنانه «1» # إلى قصوى الغايات، فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما أفاتتنا الأيام منه ~~حين تم واستوى، وغالى في المروءة وتناهى، وعند الله يحتسب المصاب به؛ وعظم ~~الله لك فيه الأجر، ومهل «2» لك في العمر، وأجزل لك العوض والذخر. فكل ماض ~~من أهل فأنت سداد ثلمته «3» وجابر رزيته. وقد خلف من أنت أحق الناس به من ~~عجوز وليت تربيتك وحياطتك في طبقات سنك، وولد ربوا في حجرك ونبتوا بين ~~يديك، ليس لهم بعد الله مرجع سواك، ولا مقيل «4» إلا في ذراك؛ فأنشدك الله ~~فيهم فإنه أخرب أحوالهم بعمارة مروءته، وقطعهم بصلة فضله، والله يجزيه ~~بجميل أثره ويخلفه فيهم بما هو أهله. # وفي فصل من كتاب: وقد جرى قضاء الله في هذه النازلة «5» ما نطق عما نالك ~~وأبقى عندك، وهو حق مثلها وقدر ملمها «6» . # وفي فصل آخر: لو كان ما يمسك من أذى يشترى أو يفتدى، رجوت أن أكون غير ~~باخل بما تضن به النفوس، وأن أكون سترا بينك وبين كل ملم ومحذور. فأعظم ~~الله أجرك، وأجزل ذخرك، ولا خذل صبرك ولا فتنك؛ ولا جعل للشيطان حظا فيك ~~ولا سبيلا عليك. # المدائني قال: قدم رجل من عبس، ضرير محطوم الوجه «7» ، على # PageV03P073 # الوليد؛ فسأله عن سبب ضره، فقال: بت ليلة في بطن واد ولا أعلم على الأرض ~~عبسيا يزيد ماله على مالي، فطرقنا سيل فأذهب ما كان لي من أهل ومال وولد ~~إلا صبيا رضيعا وبعيرا صعبا، فند «1» البعير والصبي معي فوضعته واتبعت ~~البعير لأحبسه، فما جاوزت إلا ورأس الذئب في بطنه قد أكله، فتركته وأتبعت ~~البعير، فاستدار فرمحني رمحة حطم بها وجهي وأذهب عيني، فأصبحت لا ذا مال ~~ولا ذا ولد. فقال الوليد: اذهبوا به إلى عروة ليعلم أن في الناس من هو أعظم ~~بلاء منه؛ وكان عروة بن الزبير أصيب بابن له وأصابه الداء الخبيث في إحدى ~~رجليه فقطعها، فكان يقول: كانوا أربعة- يعني بنيه- فأبقيت ثلاثة وأخذت ~~واحدا، وكن أربعا- يعني يديه ورجليه- فأخذت واحدة وأبقيت ثلاثا. أحمدك، لئن ~~كنت أخذت لقد أبقيت، ولئن كنت أبقيت لقد عافيت. # وشخص إلى المدينة فأتاه الناس يبكون ويتوجعون؛ فقال: إن كنتم تعدونني ~~للسباق والصراع فقد أودى «2» ، وإن كنتم تعدونني للسان والجاه فقد أبقى ~~الله خيرا كثيرا. # وقال علي بن الجهم: [سريع] # من سبق السلوة بالصبر ... فاز بفضل الحمد والأجر # يا عجبا من هلع جازع ... يصبح بين الذم والوزر # مصيبة الإنسان في دينه ... أعظم من جائحة الدهر «3» # وقال بعض الشعراء «4» : [مجزوء الرمل] # ليت شعري ضلة ... أي شيء قتلك «5» # PageV03P074 # والمنايا رصد ... للفتى حيث سلك # كل شيء قاتل ... حين تلقى أجلك # ليت نفسي قدمت ... للمنايا بدلك # أي شيء حسن ... للفتى لم يك لك # وقال آخر: [مجزوء الكامل المرفل] # غر امرؤ منته نف ... س أن تدوم له السلامه # هيهات! أعيا الأولي ... ن دواء دائك يا دعامه # وقالت صفية الباهلية في أخيها: [بسيط] # كنا كغصنين في جرثومة سموا ... حينا بأحسن ما تسمو له الشجر «1» # حتى إذا قيل قد طالت فرزعهما ... وطاب قنواهما واستنظر الثمر «2» # أخنى على واحدي ريب الزمان ولا ... يبقي الزمان على شيء ولا يذر «3» # كنا كأنجم ليل وسطنا قمر ... يجلو الدجى فهوى من بيننا القمر # ومن هذا أخذ الطائي قوله: [طويل] # كأن بني نبهان يوم وفاته ... نجوم سماء خر من بينها البدر # وقال آخر: [طويل] # لكل أناس مقبر بفنائهم ... فهم ينقصون والقبور تزيد «4» # وما إن يزال رسم دار قد اخلقت ... وبيت لميت بالفناء جديد # هم جيرة الأحياء أما جوارهم ... فدان وأما الملتقى فبعيد # PageV03P075 # وقال آخر: [بسيط] # لا يبعد الله أقواما لنا ذهبوا ... أفناهم حدثان الدهر والأبد # نمدهم كل يوم من بقيتنا ... ولا يؤوب إلينا منهم أحد «1» # وقال النابغة: [بسيط] # حسب الخليلين أن الأرض بينهما ... هذا عليها وهذا تحتها بالي # وقال آخر: [طويل] # وقد كنت أرجو أن أملاك حقبة ... فحال قضاء الله دون رجائيا «2» # ألا ليمت من شاء بعدك إنما ... عليك من الأقدار كان حذاريا # وقال آخر: [طويل] # لعمرك ما وارى التراب فعاله ... ولكنه وارى ثيابا وأعظما «3» # فضالة بن شريك: [وافر] # رمى الحدثان نسوة آل حرب ... بفادحة سمدن لها سمودا «4» # فرد شعورهن السود بيضا ... ورد وجوههن البيض سودا # وقال آخر: [كامل] # أما القبور فإنهن أوانس ... بجوار قبرك والديار قبور # عمت مصيبته فعم هلاكه ... فالناس فيه كلهم مأجور # ردت صنائعه عليه حياته ... فكأنه من نشرها منشور «5» # PageV03P076 # منصور النمري «1» : [طويل] # فإن يك أفنته الليالي فأوشكت ... فإن له ذكرا سيفني اللياليا # وقال طفيل «2» يذكر الموت: [طويل] # مضوا سلفا قصد السبيل عليهم ... وصرف المنايا بالرجال تقلب # وقال هشام أخو ذي الرمة: [طويل] # تعزيت عن أوفى بغيلان بعده ... عزاء وجفن العين ملآن مترع «3» # ولم تنسني أوفى المصيبات بعده ... ولكن نكء القرح بالقرح أوجع «4» # وفي فصل من كتاب لبعض الكتاب: لست أحتاج مع علمك بما في الصبر عند نازل ~~المصيبة من الفضيلة، وما في الشكر عن حادث النعمة من الحظ، إلى أكثر من ~~الدعاء في قضاء الحقين، ولا إلى إخبارك عما أنا عليه من الارتماض «5» ~~لضرائك والجذل «6» بسرائك، لمعرفتك بشركتي لك واتصال حالك بى في الأمرين. ### | التهاني # حدثني زيد بن أخزم قال حدثنا أبو قتيبة قال حدثنا ميمون قال حدثنا أبو ~~عبد الله الناجي قال: كنت عند الحسن، فقال رجل: ليهنئك الفارس؛ فقال: # PageV03P077 # لعله يكون بغالا «1» ، ولكن قال: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب، وبلغ ~~أشده، ورزقت بره. # قال مجاهد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا لمتزوج قال: «على ~~اليمن والسعادة والطير الصالح والرزق الواسع والمودة عند الرحمن» . # قال أبو الأسود لرجل يهنئه بتزويج: باليمن والبركة، وشدة الحركة، والظفر ~~في المعركة. # وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى أن يقال: «بالرفاء والبنين» «2» ~~. # وكان يقال: إن أول من هنأ وعزى في مقام واحد عطاء بن أبي صيفى الثقفي، ~~عزى يزيد بن معاوية بأبيه وهنأه بالخلافة، ففتح للناس باب الكلام، فقال: ~~أصبحت زرئت خليفة وأعطيت خلافة الله. قضى معاوية نحبه، فغفر الله ذنبه؛ ~~ووليت الرياسة، وكنت أحق بالسياسة؛ فاحتسب عند الله أعظم الرزي، واشكر الله ~~على أعظم العطية. وعظم الله في أمير المؤمنين أجرك، وأحسن على الخلافة ~~عونك. # وقالت أعرابية للمنصور في طريق مكة بعد وفاة أبي العباس: أعظم الله أجرك ~~في أخيك؛ لا مصيبة على الأمة أعظم من مصيبتك، ولا عوض لها أعظم من خلافتك. # قال الحجاج لأيوب بن القرية: اخطب علي هند بنت أسماء، ولا تزد على ثلاث ~~كلمات. فأتاهم فقال: أتيتكم من عند من تعلمون، والأمير معطيكم ما تسألون، ~~أفتنكحون أم تردون؟ قالوا: بل أنكحنا وأنعمنا. فرجع # PageV03P078 # ابن القرية إلى الحجاج فقال: أقر الله عينك، وجمع شملك، وأنبت ريعك؛ على ~~الثبات والنبات، والغنى حتى الممات؛ جعلها الله ودودا ولودا، وجمع بينكما ~~على البركة والخير. # كتب بعض الكتاب إلى رجل يهنئه بدار انتقل إليها: بخير منتقل، وعلى أيمن ~~طائر، ولأحسن إبان «1» ، أنزلك الله عاجلا وآجلا خير منازل المفلحين. # وقال ابن الرقاع «2» لمتزوج: [كامل] # قمر السماء وشمسها اجتمعا ... بالسعد ما غابا وما طلعا # ما ورات الأستار مثلهما ... فيمن رأيناه ومن سمعا # دام السرور له بها ولها ... وتهنا طول الحياة معا # وكتب رجل إلى صديق له يهنئه بالدخول على أهله: قد بلغني ما هيأ الله لك ~~من اجتماع الشمل، بضم الأهل؛ فشركتك في النعمة، وكنت أسوتك في السرور، ~~وشاهدك بقلبي، ومثلت ما أنت فيه لعيني، فحللت بذلك محل المعاين للحال ~~وزينتها، فهنيئا هنأك الله ما قسم لك، وبالرفاء والبنين، وعلى طول التعمير ~~والسنين. # وكتب آخر من الكتاب إلى عامل: نحن من السرور، بما قد استفاض من جميل أثرك ~~فيما تلي من أعمالك، وخطمك «3» وزمك إياها بحزمك وعزمك، وانتياشك أهلها من ~~جور من وليهم قبلك، وسرورهم بتطاول # PageV03P079 # أيامك والكون في ظل جناحك، في غاية من تخصه وتعمه نعمك، وتجول به الحال ~~حيث جالت بك. فالحمد لله الذي جعل العاقبة لك، ولم يردد علينا آمالنا ~~منكوسة فيك، كما ردها على غيرنا في غيرك. وهنيئا هنأك الله نعمه خاصها ~~وعامها، وأوزعك شكرها، وأوجب لك بالشكر أحسن المزيد فيها. # وكتب رجل من الكتاب إلى نصراني قد أسلم يهنئه: الحمد لله الذي أرشد أمرك، ~~وخص بالتوفيق عزمك، وأوضح فضيلة عقلك، ورجاحة رأيك؛ فما كانت الآداب التي ~~حويتها، والمعرفة التي أوتيتها؛ لتدوم بك على غواية وديانة شائنة «1» لا ~~تليق بلبك، ولا يبرح ذوو الحجا من موجبي حقك ينكرون إبطاءك عن حظك وتركك ~~البدار «2» إلى الدين القيم الذي لا يقبل الله غيره ولا يثيب إلا به، فقال: ~~ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه # «3» ، وقال: # إن الدين عند الله الإسلام # «4» . والحمد لله الذي جعلك في سابق علمه ممن هداه لدينه، وجعله من أهل ~~ولايته، وشرفه بولاء خليفته. وهنأك الله نعمته، وأعانك على شكره؛ فقد أصبحت ~~لنا أخا ندين بمودته وموالاته بعد التأثم من خلطتك «5» ومخالفة الحق ~~بمشايعتك؛ فإن الله عز وجل يقول: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر ~~يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو ~~عشيرتهم # «6» . # وكتب رجل من الكتاب تهنئة بحج: الحمد لله على تمام مهاجرك، وسلامة بدأتك ~~ورجعتك، وإعظامه المنة بأوبتك؛ وشكر الله سعيك، # PageV03P080 # وبرحجك، وتقبل نسكك؛ وجعلك ممن قلبه مفلحا منجحا، قد ربحت صفقته، ولم تبر ~~تجارته «1» ، ولا أعدمك نية تفضل عملك، وتوفيقا يحوط دينك، وشكرا يرتبط ~~نعمتك؛ فهنأكم الله النعمة، وجمعكم في دار الخلافة، وجعلكم ساسة الأمة ~~والمتقدمين عند الإمام- أيده الله بالطاعة والنصيحة- فإنكم زين السلطان، ~~وعمدة الإخوان، وأضداد أكثر أهل الزمان. # وكتب إلى رجل عن صديق له يهنئه بفطام مولود: أنا- أعزك الله- لما حملني ~~الله من أياديك، وأودعني من إحسانك، وألزمني من شكرك، آخذ نفسي بمراعاة ~~أمورك، وتفقد أحوالك، وتعرف كل ما يحدثه الله عندك، لأقابله بما يلزمني، ~~وأقضي الحق فيه عني بمبلغ الوسع ومقدار الطاقة، وإن كانا لا يبلغان واجبك، ~~ولا يستقلان بثقل عارفتك. وكل ما نقل الله الفتى وبلغه من أحوال البلوغ ~~ورقاه فيه من درجات النمو، فنعمة من الله حادثة تلزم الشكر، وحق يجب قضاؤه ~~بالتهنئة. وكتب إلي وكيلي المقيم ببابك يذكر ما وهبه الله من سلامته عند ~~الفطام، وصلاح جسمه عند الطعام، وسلوته عن أول الغذاء، وسرورك ومن يليك بما ~~وهب الله في هذه الحال من عافيته وحسن المدافعة عنه؛ فأكثرت لله الحمد، ~~وأسهبت «2» في الدعاء والرغبة، وتصدقت عنه بما أرجو أن يتقبله؛ وكتبت مهنئا ~~بتجدد النعمة عندكم فيه. فالحمد لله المتطول «3» علينا قبله بما هو أهله، ~~والمجري لنا فيما يوليك على حسن عادته. وهنأك الله النعم، وصانها عندك من ~~الغير «4» ، وحرسها بالشكر، وبلغ # PageV03P081 # بالفتى أقصى مبالغ الشرف، وجعلك من الأمل فيه والرجاء له على العيان ~~واليقين، بمنه وفضله. # وكتب بعض الكتاب تهنئة بحج إلى صاحبه: الحق للسادة عند ما يجدده الله لهم ~~من نعمه في الدعاء، من جلائل حقوقهم على أوليائهم. وقد خص الله حقك بما لا ~~يسعني معه ادخار مجهود في تعظيمه وشكره. ولولا أن الطاعة من حدوده، لم ~~أنتظر إذنك لي في تلقيك راجلا بالأوبة، إذ كان الكتاب بها دون السعير بأبلغ ~~نصيب من التقصير. وأنا أسأل الله الذي أوفدك إلى بيته الحرام، وعمر بك ~~مشاهده العظام؛ وأوردك حرمه سالما، وأصدرك «1» عنه غانما؛ ومن بك على ~~أوليائك وخدمك، أن يهنئك بما أنعم به عليك في بدأتك ورجعتك؛ بتقبل السعي ~~ونجح الطلبة وتعريف الإجابة. # وكتب بعض الكتاب تهنئة بولاية: فإنه ليس من نعمة يجددها الله عندك، ~~والصنع الجميل تحدثه لك الأيام، إلا كان ارتياحي له واستبشاري به واعتدادي ~~بما يهب الله لك من ذلك، حسب حقك الذي توجبه، وبرك الذي أشكره، وإخائك الذي ~~يعز ويجل عندي موقعه؛ فجعل الله ذلك فيه وله، ووصله بتقواه وطاعته. وبلغني ~~خبر الولاية التي وليتها، فكنت شريكك في السرور وعديلك «2» في الارتياح، ~~فسألت الله أن يعرفك يمنها وبركتها، ويرزقك خيرها وعادتها، ويحسن معونتك ~~على صالح نيتك في الإحسان إلى أهل عملك والتألف لهم، واستعمال العدل فيهم، ~~ويرزقك محبتهم وطاعتك، ويجعلهم خير رعية. # وكتب رجل إلى معزول: فإن أكثر الخير فيما يقع بكره العباد، لقول الله # PageV03P082 # عز وجل: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم # «1» . وقال أيضا: فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا # «2» . وعندك بحمد الله من المعرفة بتصاريف الأمور، والاستدلال بما كان ~~منها على ما يكون، مغنى عن الإكثار في القول. وقد بلغني انصرافك عن العمل ~~على الحال التي انصرفت عليها من رضا رعيتك ومحبتهم وحسن ثنائهم وقولهم، لما ~~بقيت من الأثر الجميل عند صغيرهم وكبيرهم، وخلفت من عدلك وحسن سيرتك في ~~الداني منهم والقاصي من بلدهم؛ فكانت نعمة الله عليك في ذلك علينا، نعمة جل ~~قدرها ووجب شكرها. فالحمد لله على ما أعطاك، ومنح فيك أولياءك وأرغم به ~~أعداك، ومكن لك من الحال عند من ولاك؛ فقد أصبحنا نعتد صرفك عن عملك منحا ~~مجددا، يجب به تهنئتك، كما يجب التوجع لغيرك. # وكتب رجل من الكتاب في تهنئة بحج: لولا أن عوائق أشغال يوجب العذر بها ~~تفضلك ويبسطه احتمالك، لكنت مكان كتابي هذا مهنئا لك بالأوبة، ومجددا بك ~~عهدا، ومحييا نفسي بالنظر إليك. وأنا أسأل الله أن يشكر سعيك، ويتقبل حجك، ~~ويثبت في عليين أثرك، ولا يجعله من الوفادة «3» إليه آخر عهدك. # وكتب بعض الكتاب: لا مهنىء أولى ما يكون مهنئا، تعظيما لنعمه فيما جدد ~~الله لك يا مولاي بالولاية، مني؛ إذ كنت أرجو بها انضمام نشري، وتلافي الله ~~بعنايتك المتشتت من أمري. فهنأك الله تجدد النعم، وبارك لك # PageV03P083 # في الولاية، وافتتحها لك بالصنع الجميل، وختمها لك بالسلامة، إنه سميع ~~قريب. ### | باب شرار الإخوان # ذكر خالد بن صفوان شبيب بن شيبة فقال: ذاك رجل ليس له صديق في السر ولا ~~عدو في العلانية. # وقال الشاعر: [طويل] # وإن من الخلان من تشحط النوى ... به وهو داع للوصال أمين «1» # ومنهم صديق العين أما لقاؤه ... فحلو وأما غيبه فظنون «2» # أقبل عيينة بن حصن إلى المدينة قبل إسلامه، فلقيه ركب خارجون منها؛ فقال: ~~أخبروني عن هذا الرجل (يعني النبي صلى الله عليه وسلم) ، فقالوا: الناس فيه ~~ثلاثة رجال: رجل أسلم فهو معه يقاتل قريشا وأفناء العرب «3» ، ورجل لم يسلم ~~فهو يقاتله، ورجل يظهر الإسلام إذا لقي أصحابه ويظهر لقريش أنه معهم إذا ~~لقيهم؛ فقال: ما يسمى هؤلاء؟ قالوا: المنافقون؛ قال: فاشهدوا أني منهم، فما ~~فيمن وصفتم أحزم من هؤلاء. # وكان رجل يدعو فيقول: اللهم اكفني بوائق «4» الثقات، واحفظني من الصديق. # وكتب رجل على باب داره: جزى الله من لا يعرفنا ولا نعرفه خيرا، فأما # PageV03P084 # أصدقاءنا فلا جزوا ذلك، فإنا لم نؤت قط إلا منهم «1» . # وكتب إبراهيم بن العباس «2» إلى محمد بن عبد الملك الزيات: # [متقارب] # وكنت أخي بإخاء الزمان ... فلما نبا صرت حربا عوانا «3» # وقد كنت أشكو إليك الزمان ... فأصبحت فيك أذم الزمانا # وكنت أعدك للنائيات ... فها أنا أطلب منك الأمانا # وقال محمد بن مهدي: [منسرح] # كان صديقي وكان خالصتي ... أيام نجري مجاري السوق # حتى إذا راح والملوك معا ... عد اطراحي من صالح الخلق «4» # خليت ثوب الفراق في يده ... وقلت هذا الوداع فانطلق # لبسته لبسة الجديد على ال ... قر وفارق فرقة الخلق «5» # وقال آخر: [بسيط] # إذا ما رأيت امرأ في حال عسرته ... مواصلا لك ما في وده خلل «6» # فلا تمن له أن يستفيد غنى ... فإنه بانتقال الحال ينتقل # وكتب رجل إلى صديق أعرض عنه: لولا أني أشفقت من أشتات ظني في إجابتك إلى ~~ما يعلم الله براءتي منه فيك ولك لمعجبك «7» ولكفيتك مؤنتي، # PageV03P085 # ثقة بأن ازديادك من معرفة الناس ستردك إلي؛ فإن رجعت قبلت وتمسكت ~~واغتبطت، وإن أصررت لم أتبع موليا، ولم آس «1» على مدبر، ولم أسامح نفسي ~~على تعلقها بك، ولم أساعدها على نزاعها إليك. فكم من زمان تركتك فيه وسومك ~~«2» ثم أبى قلبي ذلك، فكررت وعطفت أسى على أيامي معك وما توكد بيني وبينك. ~~وما من كرة لي إليك إلا وهي داعية إلى ما أكرهه من استخفافك ونفورك. ولو ~~فهمت ما استحققت به عليك ما أشكوه لخف محمل ما يكون منك علي ولأجبت في ~~عتباك ورضاك. # وفي جواب كتاب: وقد وزعني «3» ما ضربته لي من الأمثال في كتابك عن ~~استبطائك. على أني لا أستزيد إلا من أحتاج إلى صلاحه وأرغب في بقيته؛ وقد ~~قيل: [سريع] # يأبين إلا جفوة وظلما ... من كثرة الوصل تجنى الجرما «4» # وفي كل ما أجبتني ظلمت في معارضتي عن مسخي جوابك بإيحاشي «5» ، وفي ~~اعتدادك علي بما أنت جانيه وعليك الحجة فيه. وما أنكر الخلاف بين الأب ~~وابنه والأخ وشقيقه إذا وقعت المعاملة، ولذلك سبب لا أعرفه بيني وبينك قط، ~~فإني لم أخالفك ولم أشاححك «6» ولم أنازعك ولم أعارض نعمك بلا ولا أمرك ~~بنهي. # PageV03P086 # وقال الحسن بن وهب: [طويل] # سأكرم نفسي عنك حسب إهانتي ... لها فيك إذ قرت وكف نزاعها «1» # هي النفس ما كلفتها قط خطة ... من الأمر إلا قل منه امتناعها # صدقت لعمري أنت أكبر همها ... فأجهدها إذ قل منك انتفاعها # هب اني أعمى فأتت الشمس طرفه ... وغيب عنه نورها وشعاعها # وقال عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر: [طويل] # رأيت فضيلا كان شيئا ملففا ... فكشفه التمحيص حتى بدا ليا «2» # فأنت أخي ما لم تكن لي حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخاليا # فلا زاد ما بيني وبينك بعد ما ... بلوتك في الحاجات إلا تماديا # فلست براء عيب ذي الود كله ... ولا بعض ما فيه إذا كنت راضيا # فعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا # كلانا غني عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشد تغانيا # وكتب أيضا إلى بعض إخوانه: أما بعد: فقد عاقني الشك فيك عن عزيمة الرأي ~~في أمرك؛ ابتدأتني بلطف عن غير خبرة، ثم أعقبتني جفاء من غير ذنب، فأطمعني ~~أولك في إخائك، وآيسني «3» آخرك من وفائك؛ فلا أنا في غير الرجاء مجمع لك ~~اطراحا، ولا أنا في غد وانتظاره منك على ثقة؛ فسبحان من وشاء كشف بإيضاح ~~الرأي في أمرك عن عزيمة الرأي فيك، فأقمنا على ائتلاف، أو افترقنا على ~~اختلاف. # وكتب رجل إلى صديق له: نحن نستكثرك باعتزالك، ونستديم صلتك، # PageV03P087 # بجفائك، ونرى الزيادة في الغم أدوم لجميل رأيك. ومثله قول كثير: [الطويل] # وإن سحطت يوما بكيت وإن دنت ... تدللت واستكثرتها باعتزالها «1» # ونحوه قول الكميت «2» : # وقد يخذل المولى دعائي ويجتذي ... أذاتي وإن يعدل به الضيم أغضب # فأونس من بعض الصديق ملالة ال ... دنو- فأستبقيهم- بالتجنب «3» # وقال آخر: [السريع] # إنك ما أعلم ذو ملة ... يذهلك الأدنى عن الأقدم # وقال عبد الرحمن بن حسان «4» : [البسيط] # لا خير في الود ممن لا تزال له ... مستشعرا أبدا من خيفة وجلا «5» # إذا تغيب لم تبرح تسيء به ... ظنا وتسأل عما قال أو فعلا # وقال مرة بن محكان «6» : [متقارب] # ترى بيننا خلقا ظاهرا ... وصدرا وعدوا ووجها طليقا # ونحوه قول المرار: [الطويل] # كذب تخرصه علي لقومه ... سلم اللسان محارب الإسرار «7» # PageV03P088 # وحثني أبو حمزة الأنصاري قال: حدثنا العتبي قال: قالت أعرابية لابنها: يا ~~بني، إياك وصحبة من مودته بشره فإنه بمنزلة الريح. # وكان يقال: الإخوان ثلاثة؛ أخ يخلص لك وده، ويبلغ في محبتك جهده. وأخ ~~ذونية يقتصر بك على حسن نيته، دون رفده ومعونته. وأخ يلهوق لك لسانه «1» ، ~~ويتشاغل عنك بشأنه، ويوسعك من كذبه وأيمانه. # وقال المثقب العبدي «2» : [الوافر] # فإما أن تكون أخي بصدق ... فأعرف منك غثى من ثميني «3» # وإلا فاجتنبني واتخذني ... عدوا أتقيك وتتقيني # وقال أوس بن حجر: [الطويل] # وليس أخوك الدائم العهد بالذي ... يسوءك إن ولى ويرضيك مقبلا # ولكن أخوك النائي ما دمت آمنا ... وصاحبك الأدنى إذا الأمر أعضلا «4» # وقال آخر: [الطويل] # لعمرك ما ود اللسان بنافع ... إذا لم يكن أصل المودة في القلب # وقال أبو حارثة المديي: ليس لمملول صديق، ولا لحسود غنى، والنظر في ~~العواقب تلقيح العقول. # PageV03P089 # قال العباس بن الأحنف «1» : [بسيط] # أشكو الذي أذاقوني مودتهم ... حتى إذا أيقظوني في الهوى رقدوا # واستنهضوني فلما قمت منتهضا ... بثقل ما حملوني في الهوى قعدوا # ونحوه قول المجنون «2» : [طويل] # وأدنيتني حتى إذا ما سبيتني ... بقول يحل العصم سهل الأباطح «3» # تجافيت عني حين لا لي حيلة ... وخلفت ما خلفت بين الجوانح «4» # وقال آخر: [طويل] # ولا خير في ود إذا لم يكن له ... على طول مر الحادثات بقاء # وأنشد ابن الأعرابي: [طويل] # لحا الله من لا ينفع الود عنده ... ومن حبله إن مد غير متين «5» # ومن هو إن يحدث له الغير نظرة ... يقطع بها أسباب كل قرين «6» # ويقال: صاحب السوء جذوة من النار. # وقال علي عليه السلام: لا تؤاخ الفاجر فإنه يزين لك فعله ويحب لو # PageV03P090 # أنك مثله ويزين لك أسوأ خصاله، ومدخله عليك ومخرجه من عندك شين «1» وعار. ~~ولا الأحمق فإنه يجتهد، بنفسه لك ولا ينفعك وربما أراد أن ينفعك فيضرك، ~~فسكوته خير من نطقه، وبعده خير من قربه، وموته خير من حياته. # ولا الكذاب فإنه لا ينفعك معه عيش، ينقل حديثك وينقل الحديث إليك حتى إنه ~~ليحدث بالصدق فما يصدق. # قال أبو قبيل: أسرت ببلاد الروم فأصبت على ركن من أركانها: [هزج] # ولا تصحب أخا الجهل ... وإياك وإياه # فكم من جاهل أردى ... حليما حين آخاه # يقاس المرء بالمرء ... إذا ما هو ماشاه # وللشيء على الشيء ... مقاييس وأشباه # وللقلب على القلب ... دليل حين يلقاه «2» # وقال عدي بن زيد «3» : [طويل] # عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه ... فإن القرين بالمقارن مقتدى # وأنشد الرياشي «4» : [سريع] # إن كنت لا تصحب إلا فتى ... مثلك لم تؤت بأمثالكا # PageV03P091 # إن لك الفضل على صحبتي ... والمسك قد يستصحب الرامكا «1» # هبني امرأ جئت أريد الهدى ... فجد على ضعفي بإسلامكا # وكتب يحيى بن خالد: أحب أن تكون على يقين أني بك ضنين، أريدك ما أردتني، ~~وأريدك أن تنوب عني ما كان ذلك بي وبك جميلا يحسن عند إخواننا، وإن وقعت ~~المقادير بخلاف ذلك لم أعد ما يجب. والذي هاجني على الكتاب أن أبا نوح ~~معروف بن راشد سألني أن أبوح له بما عندي، والله يعلم أني ما تبدلت وما حلت ~~عن عهد، فجمعنا الله وإياك على طاعته ومحبة خليفته. # وقرأت في كتاب للهند: ثق بذي العقل والكرم واطمئن إليه؛ وواصل العاقل غير ~~ذي الكرم، واحترس من سيء أخلاقه وانتفع بعقله؛ وواصل الكريم غير ذي العقل ~~وانتفع بكرمه وانفعه بعقلك؛ واهرب من اللئيم الأحمق. # وقال حماد عجرد «2» : [طويل] # كم من أخ لك لست تنكره ... ما دمت من دنياك في يسر # متصنع لك في مودته ... يلقاك بالترحيب والبشر # يطرى الوفاء وذا الوفاء ويل ... حى الغدر مجتهدا وذا الغدر «3» # فإذا عدا، والدهر ذو غير، ... دهر عليك عدا مع الدهر «4» # فارفض بإجمال أخوة من ... يقلي المقل ويعشق المثري «5» # PageV03P092 # وعليك من حالاه واحدة ... في العسر إما كنت واليسر # لا تخلطنهم بغيرهم ... من يخلط العقيان بالصفر! «1» # وقال سويد بن الصامت «2» : [كامل] # ألا رب من تدعو صديقا ولو ترى ... مقالته بالغيب ساءك ما يفري «3» # مقالته كالشحم ما كان شاهدا ... وبالغيب مأثور على ثغرة النحر # تبين لك العينان ما هو كاتم ... من الضغن والشحناء بالنظر الشزر «4» # فرشني بخير طالما قد بريتني ... وخير الموالي من يريش ولا يبري «5» # وقال آخر: [منسرح] # وصاحب كان لي وكنت له ... أشفق من والد على ولد # كنا كساق تسعى بها قدم ... أو كذراع نيطت إلى عضد «6» # حتى إذا دانت الحوادث من ... خطوي وحل الزمان من عقدي «7» # احول عني وكان ينظر من ... عيني ويرمي بساعدي ويدي # وكان لي مؤنسا وكنت له ... ليست بنا وحشة إلى أحد # حتى إذا استرفدت يدي يده ... كنت كمسترفد يد الأسد # وقال بعض الأعراب: [منسرح] # PageV03P093 # إخوان هذا الزمان كلهم ... إخوان غدر عليه قد جبلوا # طووا ثياب الوفاء بينهم ... وصار ثوب الرياء يبتذل «1» # أخوهم المستحق وصلهم ... من شربوا عنده ومن أكلوا # وليس فيما علمت بينهم ... وبين من كان معدما عمل # قال رجل لآخر: بلغني عنك أمر قبيح، فقال: يا هذا، إن صحبة الأشرار ربما ~~أورثت سوء ظن بالأخيار. # وقال دعبل: [طويل] # أبا مسلم كنا حليفي مودة ... هوانا وقلبانا جميعا معا معا # أحوطك بالود الذي لا تحوطني ... وأرأب منك الشعب أو يتصدعا «2» # فلا تلحيني لم أجد فيك حيلة ... تخرفت حتى لم أجد فيك مرقعا «3» # فهبك يميني استأكلت فاحتسبتها ... وجشمت قلبي قطعها فتخشعا «4» # وقال يزيد بن الحكم الثقفي «5» : [طويل] # تكاشرني كرها كأنك ناصح ... وعينك تبدي أن قلبك لي دوي «6» # لسانك ما ذي وقلبك علقم ... وشرك مبسوط وخيرك منطوي «7» # PageV03P094 # عدوك يخشى صولتي إن لقيته ... وأنت عدوي ليس ذاك بمستوي «1» # أراك إذا لم أهو أمرا هويته ... وليست لما أهوى من الأمر بالهوي «2» # أراك اجتويت الخير مني وأجتوي ... أذاك فكل يجتوي قرب مجتوي «3» # وكم موطن لولاي طحت كما هوى ... بأجرامه من قلة النيق منهوي «4» # ويقال: إياك ومن مودته على قدر حاجته فعند ذهاب الحاجة ذهاب المودة وقال ~~الحكيم: ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن: لا يعرف الحليم إلا عند ~~الغضب، ولا الشجاع إلا في الحرب، ولا الأخ إلا عند الحاجة إليه. # قال جرير: [طويل] # فأنت أخي ما لم تكن لي حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخاليا # تعرضت فاستمررت من دون حاجتي ... فحالك إني مستمر لحاليا # وإني لمغرور أعلل بالمنى ... ليالي أرجو أن ما لك ماليا # بأي نجاد تحمل السيف بعدما ... نزعت سنانا من قناتك ماضيا «5» # ألا لا تخافا نبوتي في ملمة ... وخافا المنايا أن تفوتكما بيا «6» # وقال أبو العتاهية: [مجزوء الرمل] # أنت ما استغنيت عن صا ... حبك الدهر أخوه # PageV03P095 # فإذا احتجت إليه ... ساعة مجك فوه «1» # وقال آخر: [وافر] # موالينا إذا افتقروا إلينا ... وإن أثروا فليس لنا موالي # والعرب تقول فيمن شركك في النعمة وخذلك عند النائبة: يربض حجرة «2» ويرتع ~~وسطا. # قال المدائني: لحن الحجاج يوما، فقال الناس: لحن الأمير، فأخبره بعض من ~~حضر، فتمثل بشعر قعنب بن أم صاحب «3» : [بسيط] # صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به ... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا «4» # فطانة فطنوها لو تكون لهم ... مروءة أو تقى لله ما فطنوا «5» # إن يسمعوا سيئا طاروا به فرحا ... مني وما سمعوا من صالح دفنوا ### | باب القرابات والولد # حدثني زيد بن أخزم قال حدثنا أبو داود قال حدثنا إسحاق بن سعيد القرشي من ~~ولد سعيد بن العاص قال أخبرني أبي قال: كنت عند ابن عباس، فأتاه رجل فمت ~~إليه برحم بعيدة، فلان له وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اعرفوا ~~أنسابكم تصلوا أرحامكم فإنه لا قرب بالرحم إذا قطعت وإن كانت قريبة ولا بعد ~~بها إذا وصلت وإن كانت بعيدة» . # PageV03P096 # حدثني شبابة قال حدثني القاسم بن الحكم عن إسماعيل بن عياش عن عبد الله ~~بن دينار قال: احذروا ثلاثا، فإنهن معلقات بالعرش: النعمة تقول يا رب كفرت، ~~والأمانة تقول يا رب أكلت، والرحم تقول يا رب قطعت. # حدثني الزيادي قال حدثنا عيسى بن يونس قال قال محارب بن دثار: # إنما سموا أبرارا لأنهم بروا الآباء والأبناء، وكما أن لوالدك عليك حقا، ~~فكذلك لولدك عليك حق. # حدثني أبو سفيان الغنوي عن عبد الله بن يزيد عن حيوة بن شريح عن الوليد ~~بن أبي الوليد عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ~~«أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه» . # حدثني القومسي قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثنا كثير بن زيد عن ~~أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ابن أخت القوم من أنفسهم ~~ومولى القوم من أنفسهم وحليف القوم من أنفسهم» . # وحدثني أيضا عن خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار عن ~~أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «الرحم ~~شجنة «1» من الرحمن قال لها من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته» . # حدثني الزيادي قال حدثنا حماد بن زيد عن حبيب عن ابن سيرين قال قال ~~عثمان: كان عمر يمنع أقرباءه ابتغاء وجه الله، وأنا أعطي قراباتي لوجه ~~الله، ولن يرى مثل عمر. # حدثني أحمد بن الخليل قال حدثنا إبراهيم بن موسى قال حدثنا محمد # PageV03P097 # ابن ثور عن معمر «1» عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي عليه السلام عن ~~النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سره أن يمد له في عمره ويوسع له في رزقه ~~فليصل رحمه» . # حدثني أحمد بن الخليل قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن عبد الله بن ~~عيسى عن عبيد بن أبي الجعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ~~يزيد في العمر إلا البر ولا يرد القدر إلا الدعاء وإن الرجل ليحرم الرزق ~~بالذنب يصيبه» . # حدثني محمد بن يحيى القطعي قال حدثنا عبد الأعلى قال حدثنا سعيد عن مطر ~~عن الحكم بن عتيبة عن النخعي عن ابن عمر «2» قال: أتى رجل النبي صلى الله ~~عليه وسلم فقال: إن والدي يأخذ مني مالي وأنا كاره؛ فقال: «أو ما علمت أنك ~~وما لك لأبيك» . # حدثني عبد الرحمن بن عبد الله عن الأصمعي قال: أخبرني بعض العرب: أن رجلا ~~كان في زمن عبد الملك بن مروان، وكان له أب كبير، وكان الشاب عاقا بأبيه، ~~وكان يقال للشاب منازل «3» فقال الشيخ «4» : [طويل] # جزت رحم بيني وبين منازل ... جزاء كما يستنجز الدين طالبه # تربت حتى صار جعدا شمردلا ... إذا قام ساوى غارب الفحل غاربه «5» # تظلمني مالي كذا ولوى يدي ... لوى يده الله الذي لا يغالبه # PageV03P098 # وإني لداع دعوة لو دعوتها ... على جبل الريان لا نقض جانبه «1» # فبلغ ذلك أميرا كان عليهم، فأرسل إلى الفتى ليأخذه، فقال له الشيخ: # اخرج من خلف البيت، فسبق رسل الأمير، ثم ابتلي الفتى بابن عقه في آخر ~~عمره فقال: [طويل] # تظلمني مالي خليج وعقني ... على حين كانت كالحني عظامي «2» # تخيرته وازددته ليزيدني ... وما بعض ما يزداد غير عرام «3» # وقال يحيى بن سعيد مولى تيم كوفي لابنه: [طويل] # غذوتك مولودا وعلتك يافعا ... تعل بما أجني عليك وتنهل «4» # إذا ليلة نالتك بالشكو لم أبت ... لشكواك إلا ساهرا أتململ # كأني أنا المطروق دونك بالذي ... طرقت به دوني وعيني تهمل # فلما بلغت الوقت في العدة التي ... إليها جرى ما أبتغيه وآمل # جعلت جزائي منك جبها وغلظة ... كأنك أنت المنعم المتفضل «5» # فليتك إذ لم ترع حق أبوتي ... كما يفعل الجار المجاور تفعل «6» # قال القاسم بن محمد: قد جعل الله في الصديق البار عوضا من الرحم المدبرة. # PageV03P099 # كتب عمر إلى أبي موسى: مر ذوي القرابات أن يتزاوروا ولا يتجاوروا. # وقال أكثم بن ضيفي: تباعدوا في الديار تقاربوا في المودة. # قيل لأعرابي: ما تقول في ابن عمك؟ قال: عدوك وعدو عدوك. # وقال قيس بن زهير: [وافر] # شفيت النفس من حمل بن بدر ... وسيفي من حذيفة قد شفاني # قتلت بإخوتي سادات قومي ... وقد كانوا لنا حلي الزمان «1» # فإن أك قد بردت بهم غليلي ... فلم أقطع بهم إلا بناني # قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، حين تصفح القتلى يوم الجمل: شفيت ~~نفسي وجدعت أنفي. وفي مثل ذلك قول القائل «2» : [كامل] # قومي هم قتلوا أميم أخي ... فإذا رميت يصيبني سهمي # ولئن عفوت لأعفون جللا ... ولئن قرعت لأوهنن عظمي «3» # قتل رجل من العرب ابن أخيه فدفع إليه ليقيده «4» ، فلما أهوى بالسيف ~~أرعدت يداه، فألقي السيف من يده وعفا عنه وقال: [بسيط] # أقول للنفس تأساء وتعزية ... إحدى يدي أصابتني ولم ترد # كلاهما خلف من فقد صاحبه ... هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي # وقال بعضهم: [وافر] # بكره سراتنا يا آل عمرو ... نفاديكم بمرهفة النصال # فنبكي حين نذكركم عليكم ... ونقتلكم كأنا لا نبالي # PageV03P100 # وقال عدي بن زيد: [طويل] # وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ... على المرء من وقع الحسام المهند «1» # وقال غيره «2» : [طويل] # سآخذ منكم آل حزن لحوشب ... وإن كان مولاي وكنتم بني أبي # إذا كنت لا أرمى وترمى عشيرتي ... تصب جائحات النبل كشحي ومنكبي «3» # وقال حدثنا أبو الخطاب قال حدثنا الوليد بن مسلم عن محمد بن السائب ~~البكري عن سعيد بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~«حق كبير الإخوة على صغيرهم كحق الوالد على ولده» . # والعرب تقول في العطف على القرابة وإن لم يكن وادا: أنفك منك وإن ذن «4» ~~. ومثله: عيصك «5» منك وإن كان أشبا. # وقال النمر بن تولب «6» : [طويل] # إذا كنت من سعد وأمك فيهم ... غريبا فلا يغررك خالك من سعد # فإن ابن أخت القوم مصغى إناؤه ... إذا لم يزاحم خاله بأب جلد «7» # PageV03P101 # وقال أمية بن أبي عائذ «1» لإياس بن سهم: [طويل] # أبلغ إياسا أن عرض ابن اختكم ... رداؤك فاصطن حسنه أو تبدل «2» # فإن تك ذا طول فإني ابن أختكم ... وكل ابن أخت من مدى الخال معتلي «3» # فكن أسدا أو ثعلبا أو شبيهه ... فمهما تكن أنسب إليك وأشكل «4» # وما ثعلب إلا ابن أخت ثعالب ... وإن ابن أخت الليث رئبال أشبل «5» # وكتب بشر بن المغيرة بن أبي صفرة إلى عمه بهذه الأبيات: [طويل] # جفاني الأمير والمغيرة قد جفا ... وأمسى يزيد لي قد أزور جانبه «6» # وكلهم قد نال شبعا لبطنه ... وشبع الفتى لؤم إذا جاع صاحبه # فيا عم مهلا واتخذني لنوبة ... تنوب، فإن الدهر جم عجائبه «7» # أنا السيف إلا أن للسيف نبوة ... ومثلي لا تنبوا عليك مضاربه «8» # دخل رجل من أشراف العرب على بعض الملوك، فسأله عن أخيه، فأوقع به يعيبه ~~ويشتمه، وفي المجلس رجل يشنؤه «9» فشرع معه في القول؛ فقال له: مهلا! إني ~~لآكل لحمي ولا أدعه لآكل. # PageV03P102 # ويقال: القرابة محتاجة إلى المودة، والمودة أقرب الأنساب. والبيت المشهور ~~في هذا: # فإذا القرابة لا تقرب قاطعا ... وإذا المودة أقرب الأنساب # وقيل لبزرجمهر: أخوك أحب إليك أم صديقك؟ فقال: إنما أحب أخي إذا كان ~~صديقا. # وقال خداش بن زهير «1» : [طويل] # رأيت ابن عمي باديا لي ضغنه ... وواغره في الصدر ليس بذاهب «2» # وأنشدنا الرياشي: [طويل] # حياة أبي السيار خير لقومه ... لمن كان قد ساس الأمور وجربا # ونعتب أحيانا عليه ولو مضى ... لكنا على الباقي من الناس أعتبا # وقال الشاعر: [طويل] # ولم أر عزا لامرىء كعشيره ... ولم أر ذلا مثل نأي عن الأهل «3» # ولم أر مثل الفقر أوضع للفتى ... ولم أر مثل المال أرفع للرذل # ولم أر من عدم أضر على الفتى ... إذا عاش وسط الناس من عدم العقل # كان مهلهل «4» صار إلى قبيلة من اليمن يقال لهم جنب، فخطبوا إليه فزوجهم ~~وهو كاره لاغترابه عن قومه، ومهروا ابنته أدما «5» ؛ فقال: [منسرح] # PageV03P103 # أنكحها فقدها الأراقم في ... جنب وكان الحباء من أدم «1» # لو بأبانين جاء يخطبها ... رمل ما أنف خاطب بدم «2» # وقال الأعشى: [طويل] # ومن يغترب عن قومع لا يزل يرى ... مصارع مظلوم مجرا ومسحبا «3» # وتدفن منه الصالحات وإن يسيء ... يكن ما أساء النار في رأس كبكبا» # ورب يقيع لو هتفت بجوه ... أتاني كريم ينغض الرأس مغضبا «5» # وقال رجل من غطفان: [طويل] # إذا أنت لم تستبق ود صحابة ... على دخن أكثرت بث المعاتب «6» # وإني لأستبقي امرأ السوء عدة ... لعدوة عريض من الناس عائب «7» # أخاف كلاب الأبعدين ونبحها ... إذا لم تجاوبها كلاب الأقارب # قال رجل لعبيد الله بن أبي بكرة: ما تقول في موت الوالد؟ قال: ملك حادث؛ ~~قال: فموت الزوج؟ قال: عرس جديد؛ قال: فموت الأخ؟ قال: # قص الجناح؛ قال: فموت الولد؟ قال: صدع في الفؤاد لا يجبر. # وكان يقال: العقوق ثكل من لم يثكل. # PageV03P104 # شكا عثمان عليا إلى العباس رضي الله عنهم؛ فقال: أنا منه كأبي العاق، إن ~~عاش عقه وإن مات فجعه. # وقال رجل لأبيه: يا أبت، إن عظيم حقك علي لا يذهب صغير حقي عليك، والذي ~~تمت به إلي أمت بمثله إليك، ولست أزعم أنا على سواء. # وقال زيد بن علي بن الحسن لابنه يحيى: إن الله لم يرضك لي فأوصاك بي، ~~ورضيني لك فلم يوصني بك. # غضب معاوية على يزيد ابنه فهجره؛ فقال له الأحنف: يا أمير المؤمنين، ~~أولادنا ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة، وأرض ذليلة، فإن ~~غضبوا فأرضهم، وإن سألوا فأعطهم، ولا تكن عليهم قفلا «1» فيملوا حيتك ~~ويتمنوا موتك. # قيل لأعرابي: كيف ابنك؟ - وكان عاقا- فقال: عذاب رعف «2» به الدهر، ~~فليتني قد أودعته القبر، فإنه بلاء لا يقاومه الصبر، وفائدة لا يجب فيها ~~الشكر. # قيل لبعضهم: أي ولدك أحب إليك؟ قال: صغيرهم حتى يكبر، ومريضهم حتى يبرأ، ~~وغائبهم حتى يقدم. # ناول عمر بن الخطاب رجلا شيئا؛ فقال له: خدمك بنوك؛ فقال عمر: # بل أغنانا الله عنهم. # وولد للحسن غلام، فقال له بعض جلسائه: بارك الله لك في هبته، وزادك من ~~أحسن نعمته؛ فقال الحسن: الحمد لله على كل حسنة، ونسأل الله # PageV03P105 # الزيادة في كل نعمة، ولا مرحبا بمن إن كنت عائلا أنصبني «1» ، وإن كنت ~~غنيا أذهلني، لا أرضى بسعيي له سعيا، ولا بكدي له في الحياة كدا، حتى أشفق ~~له من الفاقة «2» بعد وفاتي، وأنا في حال لا يصل إلي من غمه حزن ولا من ~~فرحه سرور. # قال الأصمعي: عاتب أعرابي ابنه في شرب النبيذ، فلم يعتب «3» وقال: # [طويل] # أمن شربة من ماء كرم شربتها ... غضبت علي! الآن طاب لي الخمر # سأشرب فاغضب لا رضيت، كلاهما ... إلي لذيذ: أن أعقك والسكر # وقال الطرماح «4» لابنه صمصامة: [طويل] # أصمصام إن تشفع لأمك تلقها ... لها شافع في الصدر لم يتبرح «5» # هل الحب إلا أنها لو تعرضت ... لذبحك يا صمصام قلت لها اذبحي # أحاذر يا صمصام إن مت أن يلي ... تراثي وإياك امرؤ غير مصلح # إذا صك وسط القوم رأسك صكة ... يقول له الناهي ملكت فأسجح «6» # وأنشد ابن الأعرابي: [وافر] # أحب بنيتي ووددت أني ... دفنت بنيتي في قعر لحد # وما بي أن تهون علي لكن ... مخافة أن تذوق البؤس بعدي # PageV03P106 # ونحوه قول الآخر: [بسيط] # لولا أميمة لم أجزع من العدم ... ولم أجب في الليالي حندس الظلم «1» # وزادني رغبة في العيش معرفتي ... ذل اليتيمة يجفوها ذوو الرحم # أحاذر الفقر يوما أن يلم بها ... فيهتك الستر من لحم على وضم «2» # تهوى حياتي وأهوى موتها شفقا ... والموت أكرم نزال على الحرم # وقال أعرابي في ابنته: [بسيط] # يا شقة النفس إن النفس والهة ... حرى عليك ودمع العين منسجم «3» # قد كنت أخشى عليها أن تقدمني ... إلى الحمام فيبدي وجهها العدم «4» # فالآن نمت فلا هم يؤرقني ... تهدا العيون إذا ما أودت الحرم # وقال أعشى سليم «5» : [متقارب] # نفسي فداؤك من وافد ... إذا ما البيوت لبسن الجليدا # كفيت الذي كنت أرجي له ... فصرت أبا لي وصرت الوليدا # وقال أعشى همدان «6» في خالد بن عتاب بن ورقاء: [طويل] # فإن يك عتاب مضى لسبيله ... فما مات من يبقى له مثل خالد # PageV03P107 # وفي الحديث المرفوع: «ريح الولد من ريح الجنة. وقال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم لأحد ابني بنته: «إنكم لتجبنون وإنكم لتبخلون وإنكم لمن ريحان ~~الله» . # وقالت أعرابية: [مجزوء الرجز] # يا حبذا ريح الولد ... ريح الخزامى بالبلد «1» # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: هذا يدلك على تفضيلهم الخزامى. # وكان يقال: ابنك ريحانك سبعا، وخادمك سبعا، ثم عدو أو صديق. # مر أعرابي ينشد «2» ابنا له بقوم، فقالوا: صفه؛ فقال: دنينير، قالوا: لم ~~نره؛ فلم يلبث القوم أن جاء على عنقه بجعل «3» ؛ فقالوا؛ ما وجدت ابنك يا ~~أعرابي؟ قال: نعم هو هذا؛ قالوا: لو سألت عن هذا لأخبرناك، ما زال منذ ~~اليوم بين أيدينا. # قال الشاعر في امرأة: [منسرح] # نعم ضجيع الفتى إذا برد ال ... ليل سحيرا وقرقف الصرد «4» # زينها الله في العيون كما ... زين في عين والد ولد # وفي الحديث: «من كان له صبي فليستصب له» . # وقال الزبير وهو يرقص ابنا له: [رجز] # أبيض من آل أبي عتيق ... مبارك من ولد الصديق # ألذه كما ألذ ريقي # PageV03P108 # وقال أعرابي: [سريع] # لولا بنيات كزغب القطا ... حططن من بعض إلى بعض «1» # لكان لي مضطرب واسع ... في الأرض ذات الطول والعرض # وإنما أولادنا بيننا ... أكبادنا تمشي على الأرض # لو هبت الريح على بعضهم ... لامتنعت عيني من الغمض # أنزلني الدهر على حكمه ... من مرقب عال إلى خفض «2» # وابتزني الدهر ثياب الغنى ... فليس لي مال سوى عرضي # قال بعض النسابين: إنما قيل: سعد العشيرة، لأنه كان يركب في عشرة من ~~ولده، فكأنهم عشيرة. # وقال ضرار بن عمرو الصبي، وقد رئى له ثلاثة عشر ذكرا قد بلغوا: من سره ~~بنو ساءته نفسه. # قال بشر بن أبي حازم «3» : [طويل] # إذا ما علوا قالوا أبونا وأمنا ... وليس لهم عالين أم ولا أب «4» # وقال آخر: [بسيط] # أنا ابن عمك إن نابتك نائبة ... وليس منك إذا ما كعبك اعتدلا «5» # وأنشدنا الرياشي: [سريع] # الرحم بلها بخير البلان ... فإن فيها للديار العمران «6» # PageV03P109 # وأمر المال وبنت الصغران ... وإنما اشتقت من اسم الرحمن «1» # وقال المعلوط: [طويل] # ومن يلق ما ألقى وإن كان سيدا ... ويخش الذي أخشى يسر سير هارب # مخافة سلطان علي أظنه ... ورهطي، وما عاداك مثل الأقارب «2» # دخل عثمان بن عفان على ابنته وهي عند عبد الله بن خالد بن أسيد، فقال: يا ~~بنية: ما لي أراك مهزولة؟ لعل بعلك يغيرك «3» ؛ فقالت: لا، ما يغيرني؛ فقال ~~لزوجها: لعلك تغيرها! قال: فأفعل، فلغلام يزيده الله في بني أمية أحب إلي ~~منها. # قال النعمان بن بشير «4» : [طويل] # وإني لأعطي المال من ليس سائلا ... وأدرك للمولى المعاند بالظلم # وإني متى ما يلقني صارما له ... فما بيننا عند الشدائد من صرم «5» # فلا تعدد المولى شريكك في الغنى ... ولكنما شريكك في العدم «6» # إذا مت ذو القربى إليك برحمه ... وغشك واستغنى فليس بذي رحم # ولكن ذا القربى الذي يستخفه ... أذاك ومن يرمي العدو الذي ترمي # وقال بعض الشعراء: [وافر] # لقد زاد الحياة إلي حبا ... بناتي أنهن من الضعاف # PageV03P110 # مخافة أن يرين البؤس بعدي ... وأن يشربن رنقا بعد صافي «1» # وأن يعرين إن كسي الجواري ... فتنبو العين عن كرم عجاف «2» # قيل لعلي بن الحسين: أنت من أبر الناس ولا نراك تؤاكل أمك؛ قال: # أخاف أن تسير يدي إلى ما قد سبقت عينها إليه فأكون قد عققتها. # قيل لعمر بن ذر: كيف كان بر ابنك بك؟ قال: ما مشيت نهارا قط إلا مشى ~~خلفي، ولا ليلا إلا مشى أمامي، ولا رقي سطلحا وأنا تحته. # حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن زائدة عن عطاء بن السائب عن ~~عثمان بن أبي العاص قال: كنت عند عمر فأتاه رجل فأنشده: # [وافر] # تركت أباك مرعشة يداه ... وأمك ما تسيغ لها شرابا «3» # إذا غنت حمامة بطن وج ... على بيضاتها ذكرت كلابا «4» # فقال عمر: مم ذاك؟ قال: هاجر إلى الشام وترك أبوين له كبيرين، فبكى عمر ~~وكتب إلى يزيد بن أبي سفيان في أن يرحله، فقدم عليه، فقال: بر أبويك وكن ~~معهما حتى يموتا. قال أبو اليقظان: مربعة كلاب بالبصرة إليه تنسب، والعوام ~~تقول مربعة الكلاب. # PageV03P111 # قال أبو علي الضرير «1» : [متقارب] # أتيتك جذلان مستبشرا ... لبشراك لما أتاني الخبر # أتاني البشير بأن قد رزقت ... غلاما فأبهجني ما ذكر # وأنك، والرشد فيما فعل ... ت، أسميته باسم خير البشر # وطهرته يوم أسبوعه ... ومن قبل في الذكر ما قد طهر «2» # فعمرك الله حتى ترا ... ه قد قارب الخطو منه الكبر # وحتى ترى حوله من بنيه ... وإخوته وبنيهم زمر «3» # وحتى يروم الأمور الجسام ... ويرجى لنفع ويخشى لضر # وأوزعك الله شكر العطاء ... فإن المزيد لعبد شكر «4» # وصلى على السلف الصالحي ... ن منكم وبارك فيمن غبر «5» # وهذا قد وقع في باب التهانىء أيضا. # قال المأمون: لم أر أحدا أبر من الفضل بن يحيى بأبيه، بلغ من بره به أن ~~يحيى كان لا يتوضأ إلا بماء مسخن وهما في السجن، فمنعهما السجان من إدخال ~~الحطب في ليلة باردة، فقام الفضل حين أخذ يحيى مضجعه إلى قمقم «6» كان يسخن ~~فيه الماء، فملأه ثم أدناه من منار المصباح، فلم يزل قائما وهو في يده حتى ~~أصبح. # PageV03P112 # رقص أعرابي ابنه وقال: [رجز] # أحبه حب الشحيح ما له ... قد كان ذاق الفقر ثم ناله # إذا يريد بذله بدا له # دخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده ابنته عائشة، فقال: من هذه يا أمير ~~المؤمنين؟ فقال: هذه تفاحة القلب؛ فقال: انبذها عنك «1» ؛ قال: ولم؟ # قال: لأنهن يلدن الأعداء، ويقربن البعداء، ويورثن الضغائن؛ فقال: لا تقل ~~ذاك يا عمرو، فو الله ما مرض المرضى ولا ندب الموتى ولا أعان على الأحزان ~~مثلهن، وإنك لواجد خالا قد نفعه بنو أخته؛ فقال له عمرو: ما أعلمك إلا ~~حببتهن إلي. ### | الاعتذار # كان يقال: الاعتراف يهدم الاقتراف. # كتب بعض الكتاب إلى بعض العمال: لو قابلت حقك علي بمتقدم المودة ومؤكد ~~الحرمة إلى ما جدده الله لك بالسلطان والولاية، لم أرض في قضائه بالكتاب ~~دون تجسم الرحلة ومعاناة السفر إليك، لا سيما مع قرب الدار منك؛ غير أن ~~الشغل بما ألفيت عليه أموري من الانتشار وعلائق الخراج وغير ذلك مما لا ~~خيار معه، أحلني في الظاهر محل المقصرين؛ وإن وهب الله فرجة من الشغل وسهل ~~سبيلا إليك، لم أتخلف عما لي فيه الحظ من مجاورتك والتنسم بريحك والتيمن ~~بالنظر إليك، غاديا ورائحا عليك، إن شاء الله تعالى. # كتب ابن الجهم «2» إلى نجاح من الحبس: [منسرح] # PageV03P113 # إن تعف عن عبدك المسيء ففي ... فضلك مأوى للصفح والمنن # أتيت ما استحق من خطأ ... فعد لما تستحق من حسن # وكتب الحسن بن وهب «1» : [سريع] # ما أحسن العفو من القادر ... لا سيما عن غير ذي ناصر # إن كان لي ذنب، ولا ذنب لي، ... فما له غيرك من غافر # أعوذ بالود الذي بيننا ... أن يفسد الأول بالآخر # كتب رجل إلى جعفر بن يحيى يستبطئه، فوقع في ظهر كتابه: أحتج عليك بغالب ~~القضاء، وأعتذر إليك بصادق النية. # قال بعض الشعراء: [متقارب] # وتعذر نفسك إما أساءت ... وغيرك بالعذر لا تعذر # وتبصر في العين منه القذى ... وفي عينك الجذع لا تبصر «2» # وقال بعض الشعراء: [كامل] # يا ذا المميز للإخاء ولل ... إخوان في التفضيل والقدر # لا يقبضنك عن معاشرتي ... بالأنس أن قصرت في بري # إني إذا ضاق امرؤ بجدا ... عني استعنت عليه بالعذر «3» # وفي الحديث المرفوع: «من لم يقبل من معتذر صادقا كان أو كاذبا لم يرد علي ~~الحوض. وفيه: أقيلوا ذوي الهنات عثراتهم» «4» . # PageV03P114 # اعتذر رجل إلى أبي عبيد الله الكاتب فقال: ما رأيت عذرا أشبه باستئناف ~~ذنب من عذرك. # وكان يقال: أعجل الذنوب عقوبة العذر، واليمين الفاجرة، ورد التائب وهو ~~يسأل العفو خائبا. # وقال مطرف «1» : المعاذر مكاذب «2» . # اعتذر رجل إلى إبراهيم «3» فقال له: قد عذرتك غير معتذر، إن المعاذير ~~يشوبها الكذب. # ويقال. ما اعتذر مذنب إلا ازداد ذنبا. # وقال الشاعر: [مجزوء الكامل المرفل] # لا ترج رجعة مذنب ... خلط احتجاجا باعتذار # اعتذر رجل إلى سلم بن قتيبة «4» ، فقبل منه وقال: لا يدعونك أمر تخلصت ~~منه إلى أمر لعلك لا تتخلص منه. # وقال الشاعر: [طويل] # فلا تعذراني في الإساءة إنه ... شرار الرجال من يسيء فيعذر # وقال ابن الطثرية: [طويل] # هبيني امرأ إما بريئا ظلمته ... وإما مسيئا تاب بعد وأعتبا «5» # PageV03P115 # وكنت كذي داء تبغى لدائه ... طبيبا فلما لم يجده تطببا «1» # كتب بعض الكتاب معتذرا: توهمت، أعزك الله، نفرتك عند نظرتك إلى عنوان ~~كتابي هذا باسمي، لما تضمنته من السخيمة «2» علي، فأخليته منه؛ وانتظرت ~~باستعطافك من طويتك في عاقبة امتداد العهد، وأمنت اضطغانك لنفي الدين ~~الحقد، واختصرت من الاحتجاج المنتسب إلى الإصرار، والاعتذار المتعاود بين ~~النظراء، والإقرار المثبت للأقدام، الاستسلام لك. # على أنك إن حرمتني رضاك اتسعت بعفوك، وإن أعدمنيهما توغر صدرك «3» لم تضق ~~من الرقة علي من مصيبة الحرمان؛ وإن قسوت رجعت بك عواطف من أياديك عندي ~~نازعة «4» بك إلى استتمامها لدي. ومن حدود فضائل الرؤساء مقابلة سوء من ~~خولوا بالإحسان. ولا نعمة على مجرم إليه أجزل من الظفر، ولا عقوبة لمجرم ~~أبلغ من الندم؛ وقد ظفرت وندمت. كتبت وأنا على ما تحب بشرا إن تغمدت زلتي، ~~وكما تحب ضرا إن تركت إقالتي «5» ، وبخير في كلتا الحالتين ما بقيت. # وكتبت في كتاب اعتذار واستعطاف: وكم عسى أن يكون تماديك في عتبك؛ لولا ~~أني مضطر إلى وصلك وأنت مطبوع على هجري. لقد استحييت واستحييت من ذلي وعزك، ~~وخفضي جناحي ونأي بجانبك. # وفي كتاب آخر: قد أودعني الله من نعمك ما بسطني في القول مدلا به # PageV03P116 # عليك، ووكد من حرمتي بك ما شفع لي في الذنوب إليك، وأعلقني من أسبابك ما ~~لا أخاف معه نبوات الزمان علي فيك، وأمنتني بحلمك وأناتك بادرة غضبك؛ ~~فأقدمت ثقة بإقالتك إن عثرت، وبتقويمك إن زغت. وبأخذك بالفضل إن زللت. # وفي كتاب اعتذار: أنا عليل منذ فارقتك؛ فإن تجمع علي العلة وعتبك أفدح ~~«1» . على أن ألم الشوق قد بلغ بك في عقوبتي؛ وحضرني هذا البيت على ارتجال ~~فوصلت به قولي: [طويل] # لك الحق إن تعتب علي لأنني ... جفوت وإما تغتفر فلك الفضل # أنهيت عذري لأنتهي إلى تفضلك بقبوله «2» وإن قبولك «3» يمح إفراطي في ~~البر بك تفريطي فيه، وإلى ذلك ما أسألك تعريفي خيرك لأراح إليه، وأستزيد ~~الله في أجره «4» لك. # وفي فصل آخر: # أنا المقر بقصوري عن حقك، واستحقاقي جفاءك؛ وبفضلك من عذلك أعوذ، فو الله ~~لئن تأخر كتابي عنك، ما أستزيد نفسي في شكر مودتك، ولطيف عنايتك. وكيف ~~يسلاك أو ينساك أخ مغرم بك يراك زينة مشهده ومغيبه!: [بسيط] # PageV03P117 # وكيف أنساك لا أيديك واحدة ... عندي ولا بالذي أوليت من نعم «1» # وفي آخر الكتاب: [وافر] # إذا اعتذر الصديق إليك يوما ... من التقصير عذر أخ مقر # فصنه عن عتابك واعف عنه ... فإن الصفح شيمة كل حر # وقال الخليل بن أحمد: [بسيط] # لو كنت تعلم ما أقول عذرتني ... أو كنت أجهل ما تقول عدلتكا # لكن جهلت مقالتي فعذلتني ... وعلمت أنك جاهل فعذرتكا # قيل لبزرجمهر: ما بالكم لا تعاتبون الجهلة، قال: لأنا لا نريد من العميان ~~أن يبصروا. # وقال ابن الدمينة «2» : [طويل] # بنفسي وأهلي من إذا عرضوا له ... ببعض الأذى لم يدر كيف يجيب # ولم يعتذر عذر البريء ولم تزل ... به ضعفة حتى يقال مريب «3» # وكتب رجل إلى صديق له يعتذر: أنا من لا يحاجك عن نفسه، ولا يغالطك عن ~~جرمه، ولا يلتمس رضاك إلا من جهته، ولا يستعطفك إلا بالإقرار بالذنب، ولا ~~يستمليك إلا بالاعتراف بالزلة. # وقرأت في كتاب: لست أدري بأي استجزت تصديق ظنك حتى أنفذت علي به حكم ~~قطيعتك، فو الله ما صدق علي ولا كاد، ولا استجزت ما توهمته # PageV03P118 # فيمن لا يلزمني حقه. وأعيذك بالله من بدار «1» إلى حكم يوجب الاعتذار، ~~فإن الأناة «2» سبيل أهل التقى والنهى؛ والظن والإسراع إلى ذوي الإخاء ~~ينتجان الجفاء، ويميلان عن الوفاء إلى اللفاء «3» . # قال إسماعيل بن عبد الله وهو يعتذر إلى رجل في آخر يوم من شعبان: # والله فإني في غبر «4» يوم عظيم، وتلقاء ليلة تفتر «5» عن أيام عظام، ما ~~كان ما بلغك. # وقرأت في كتاب معتذر: إنك تحسن مجاورتك للنعمة، واستدامتك لها، واجتلابك ~~ما بعد منها بشكر ما قرب، واستعمالك الصفح لما في عاقبته من جميل عادة الله ~~عندك؛ ستقبل العذر على معرفة منك بشناعة الذنب، وتقيل العثرة «6» وإن لم ~~تكن على يقين من صدق النية، وتدفع السيئة بالتي هي أحسن. # اعتذر رجل إلى جعفر بن يحيى البرمكي، فقال له جعفر: قد أغناك الله بالعذر ~~منا عن الاعتذار، وأغنانا بالمودة لك عن سوء الظن بك. # وقال بعض الشعراء: [طويل] # إذا ما امرؤ من ذنبه جاء تائبا ... إليك فلم تغفر له فلك الذنب # كان الحسن بن زيد بن الحسن واليا للمنصور على المدينة، فهجاه ورد # PageV03P119 # ابن عاصم المبرسم فقال: [وافر] # له حق وليس عليه حق ... ومهما قال فالحسن الجميل # وقد كان الرسول يرى حقوقا ... عليه لأهلها وهو الرسول # فطلبه الحسن فهرب منه، ثم لم يشعر إلا وهو ماثل بين يديه يقول: # [وافر] # سيأتي عذري الحسن بن زيد ... وتشهد لي بصفين القبور # قبور لو بأحمد أو علي ... يلوذ مجيرها حفظ المجير # هما أبواك من وضعا تضعه ... وأنت برفع ما رفعا جدير # فاسخف الحسن كرمه، فقام إليه فبسط له رداءه وأجلسه عليه. # وفي كتاب لمعتذر: علو الرتبة واتساع القدرة وانبساط اليد بالسطوة، ربما ~~أنست ذا الحنق المحفظ «1» من الأحرار فضيلة العفو وعائدة الصفح وما في ~~إقالة المذنب واستبقائه من حسن السماع وجميل الأحدوثة، فبعثته على شفاء ~~غيظه، وحركته، على تبريد غلته، وأسرعت به إلى مجانبة طباعه وركوب ما ليس من ~~عادته. وهمتك تجل عن دناءة الحقد، وترتفع عن لؤم الظفر. # وفي فصل: نبت «2» بي عنك غرة الحداثة «3» فردتني إليك الحنكة، وباعدتني ~~عنك الثقة بالأيام فأدنتني إليك الضرورة، ثقة بإسراعك إلي وإن كنت أبطأت ~~منك، وقبولك العذر وإن كانت ذنوبي قد سدت عليك مسالك الصفح؛ فأي موقف هو ~~أدنى من هذا الموقف لولا أن المخاطبة فيه لك! وأي خطة هي أودى بصاحبها من ~~خطة أنا راكبها لولا أنها في رضا لك!. # أوقع «4» الحجاج يوما بخالد بن يزيد يعيبه وينتقصه وعنده عمرو بن عتبة: # PageV03P120 # فقال عمرو: إن خالدا أدرك من قبله وأتعب من بعده بقديم غلب عليه وحديث لم ~~يسبق إليه؛ فقال الحجاج معتذرا: يا بن عتبة، إنا لنسترضيكم بأن نغضب عليكم، ~~ونستعطفكم بأن ننال منكم، وقد غلبتم على الحلم، فوثقنا لكم به، وعلمنا أنكم ~~تحبون أن تحلموا، فتعرضنا للذي تحبون. # قال المنصور لرجل أتاه نائبا معتذرا من ذنب: عهدي بك خطيبا فما هذا ~~السكوت! فقال: يا أمير المؤمنين؛ لسنا وفد مباهاة «1» وإنما نحن وفد توبة، ~~والتوبة تتلقى بالاستكانة «2» . # وقع بين أبي مسلم وبين قائد له كلام، فأربى «3» عليه القائد إلى أن قال ~~له: يا لقيط! فأطرق أبو مسلم، فلما سكتت عنه فورة الغضب ندم وعلم أنه قد ~~أخطأ واعتذر وقال: أيها الأمير، والله ما انبسطت حتى بسطتني ولا نطقت حتى ~~أنطقتني فاغفر لي؛ قال: قد فعلت؛ فقال: إني أحب أن أستوثق لنفسي؛ فقال أبو ~~مسلم: سبحان الله! كنت تسيء وأحسن، فلما أحسنت أسي!. # قال الطائي: [طويل] # وكم ناكث للعهد قد نكثت به ... أمانيه واستخذى بحقك باطله «4» # فحاط له الإقرار بالذنب روحه ... وجثمانه إذ لم تحطه قبائله «5» # PageV03P121 # وقال آخر: [منسرح] وقال آخر: [منسرح] # حتى متى لا تزال معتذرا ... من زلة منك ما تجانبها # لا تتقي عيبها عليك ولا ... ينهاك عن مثلها عواقبها # لتركك الذنب لا تقارفه ... أيسر من توبة تقاربها «1» # قال أعرابي لابن عم له: سأتخطى ذنبك إلى عذرك، وإن كنت من أحدهما على ~~يقين ومن الآخر على شك؛ ليتم المعروف مني إليك، ولتقوم الحجة مني عليك. ### | عتب الإخوان والتباغض والعداوة # حدثني الزيادي قال حدثنا عبد الوارث عن يزيد بن القاسم عن معاذة أنها ~~سمعت هشام بن عامر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يحل ~~لمسلم أن يصارم «2» مسلما فوق ثلاث، وأيهما فعل فإنهما ناكثان «3» عن الحق ~~ما داما على صرمهما وإن ماتا لم يدخلا الجنة» . # قال بعض الشعراء: [بسيط] # سن الضغائن آباء لنا سلفوا ... فلن تبيد وللآباء أبناء # هذا مثل قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: العداوة تتوارث. # وقرأت في كتاب للهند: إذا كانت الموجدة عن علة كان الرضا مرجوا، وإذا ~~كانت عن غير علة كان الرضا معدوما. ومن العجب أن يطلب الرجل رضا أخيه فلا ~~يرضى، وأعجب من ذلك أن يسخطه عليه طلبه رضاه. # PageV03P122 # قال بعض المحدثين: [متقارب] # فلا تله عن كسب ود العدو ... ولا تجعلن صديقا عدوا # ولا تغترر بهدو امرىء ... إذا هيج فارق ذاك الهدوا # وقال آخر: [من مجزوء الكامل المرفل] # احذر مودة ما ذق ... شاب المرارة بالحلاوه «1» # يحصي العيوب عليك أي ... ام الصداقة والعداوه # وقال أبو الأسود الدؤلي: [طويل] # إذا المرء ذو القربى وذو الضغن أجحفت ... به سنة حلت مصيبته حقدي «2» # وقال محمد بن أبان اللاحقي «3» لأخيه إسماعيل: [وافر] # تلوم على القطيعة من أتاها ... وأنت سننتها في الناس قبلي # وقال آخر: [طويل] # وروعت حتى ما أراع من النوى ... وإن بان جيران علي كرام # فقد جعلت نفسي على اليأس تنطوي ... وعيني على هجر الصديق تنام # قال أحمد بن يوسف «4» الكاتب: [خفيف] # ما على ذا كنا افترقنا بسندا ... دولا بيننا عقدنا الإخاء «5» # PageV03P123 # نطعن الناس بالمثقفة السم ... ر على غدرهم وننسى الوفاء «1» # قيل لأفلاطون: بماذا ينتقم الإنسان من عدوه؟ قال: بأن يزداد فضلا في ~~نفسه. # وكان يقال: احذر معاداة الذليل، فربما شرق «2» بالذباب العزيز. # كتب رجل من الكتاب إلى صديق له تجنى عليه: [متقارب] # عتبت علي ولا ذنب لي ... بما الذنب فيه ولا شك لك # وحاذرت لومي فبادرتني ... إلى اللوم من قبل أن أبدرك # فكنا كما قيل فيما مضى ... خذ اللص من قبل أن يأخذك # وقال آخر: [طويل] # رأيتك لما نلت مالا، ومسنا ... زمان ترى في حد أنيابه شغبا «3» # جعلت لنا ذنبا لتمنع نائلا ... فأمسك ولا تجعل غناك لنا ذنبا # وقال آخر: [طويل] # تريدين أن أرضى وأنت بخيلة ... ومن ذا الذي يرضي الأخلاء بالبخل # وجدك لا يرضى إذا كان عاتبا ... خليلك إلا بالمودة والبذل # متى تجمعي منا كثيرا ونائلا ... قليلا يقطع ذاك باقية الوصل # كتب رجل إلى صديق له: [طويل] # PageV03P124 # لئن ساءني أن نلتني بمساءة ... لقد سرني أني خطرت ببالك «1» # وقال آخر: [بسيط] # إذا رأيت ازورارا من أخي ثقة ... ضاقت علي برحب الأرض أوطاني # فإن صددت بوجهي كي أكافئه ... فالعين غضبى وقلبي غير غضبان # وقال إبراهيم بن العباس «2» : [بسيط] # وقد غضبت فما باليتم غضبي ... حتى انصرفت بقلب ساخط راضي # وقال زهير «3» : [وافر] # وما يك في عدو أو صديق ... تخبرك العيون عن القلوب # وقال دريد «4» : [وافر] # وما تخفى الضغينة حيث كانت ... ولا النظر الصحيح من السقيم # وقال ابن أبي خازم: [من مجزوء الخفيف] # خذ من الدهر ما كفى ... ومن العيش ما صفا # لا تلحن بالبكاء ... على منزل عفا «5» # خل عنك العتاب إن ... خان ذو الود أو هفا # عين من لا يحب وص ... لك تبدي لك الحفا # وقال أعرابي يذكر أعداء: [بسيط] # PageV03P125 # يزملون جنين الضغن بينهم ... والضغن أشوه أو في وجهه كلف «1» # إن كاتمونا القلى نمت عيونهم ... والعين تظهر ما في القلب أو تصف «2» # وقال ابن أبي أمية «3» : [سريع] # كم فرحة كانت وكم ترحة ... تخرصتها لي فيك الظنون «4» # إذا قلوب أظهرت غير ما ... تضمره أنبتك عنها العيون # وقال آخر: [هزج] # أما تبصر في عين ... ي عنوان الذي أبدي # وقال آخر: [طويل] # ومولى كأن الشمس بيني وبينه ... إذا ما التقينا ليس ممن أعاتبه # يقول: لا أقدر أن أنظر إليه، فكأن الشمس بيني وبينه. ومثله: [وافر] # إذا أبصرتني أعرضت عني ... كأن الشمس من قبلي تدور # وقال النمر بن تولب في الإعراض «5» : [طويل] # فصدت كأن الشمس تحت قناعها ... بدا حاجب منها وضنت بحاجب # أخذه أبو نواس فقال: [سريع] # يا قمرا للنصف من شهره ... أبدى ضياء لثمان بقين # PageV03P126 # يريد أنه أعرض بوجهه فبدا له نصفه. # وقال آخر في الضغينة: [طويل] # وفينا وإن قيل اصطلحنا تضاغن ... كما طر أوبار الجراب على النشر «1» # وقال آخر في نحوه «2» : [طويل] # وقد ينبت المرعى على دمن الثرى ... وتبقى حزازات النفوس كما هيا «3» # وقال الأخطل: [بسيط] # إن الضغينة تلقاها وإن قدمت ... كالعر يكمن حينا ثم ينتشر «4» # شمس العداوة حتى يستفاد لهم ... وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا «5» # وقرأت في كتاب للهند: ليس بين عداوة الجوهرية صلح إلا ريثما ينتكث، ~~كالماء إن أطيل إسخانه فإنه لا يمتنع من إطفاء النار إذا صب عليها. # قال سعد بن أبي وقاص لعمار بن ياسر: إن كنا لنعدك من أكابر أصحاب محمد ~~صلى الله عليه وسلم، حتى إذا لم يبق من عمر إلا ظمء «6» الحمار فعلت # PageV03P127 # وفعلت؛ قال: أيما أحب إليك: مودة على دخل «1» أو مصارمة جميلة؟ قال: # مصارمة جميلة؛ قال: لله علي ألا أكلمك أبدا. # وقال بعض الشعراء في صديق له تغير: [منسرح] # إحول عني وكان ينظر من ... عيني ويرمي بساعدي ويدي «2» . # وقال المثتقب العبدي «3» : [وافر] # ولا تعدي مواعد كاذبات ... تمر بها رياح الصيف دوني # فإني لو تعاندني شمالي ... عنادك ما وصلت بها يميني # إذا لقطعتها ولقلت بيني ... كذلك أجتوي من يجتويني «4» # وقال الكميت: [طويل] # ولكن صبرا عن أخ عنك صابر ... عزاء إذا ما النفس حن طروبها «5» # رأيت عذاب الماء إن حيل دونها ... كفاك لما لا بد منه شروبها «6» # وإن لم يكن إلا الأسنة مركب ... فلا رأي للمجهود إلا ركوبها «7» # وقرأت في كتاب للهند: العدو إذا أحدث صداقة لعلة ألجأته إليها فمع ذهاب ~~العلة رجوع العداوة، كالماء يسخن فإذا رفع عاد باردا. # وقال محمد بن يزداد الكاتب: إذا لم تستطع أن تقطع يد عدوك فقبلها. # قال الشاعر: [طويل] # PageV03P128 # لقد زادني حبا لنفسي أنني ... بغيض إلى كل امرىء غير طائل # إذا ما رآني قطع الطرف دونه ... ودوني فعل العارف المتجاهل # ملأت عليه الأرض حتى كأنها ... من الضيق في عينيه كفة حابل «1» # قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اعتزل عدوك واحذر صديقك إلا الأمين، ولا ~~أمين إلا من خشي الله. # الهيثم عن ابن عياش قال: أخبرني رجل من الأزد قال: كنا مع أسد بن عبد ~~الله بخراسان، فبينا نحن نسير معه وقد مد نهرفجاء «2» بأمر عظيم لا يوصف، ~~وإذا رجل بضربه الموج وهو ينادي: الغريق الغريق! فوقف أسد وقال: هل من ~~سابح؟ فقلت: نعم، فقال: ويحك! الحق الرجل! فوثبت عن فرسي وألقيت عني ثيابي ~~ثم رميت بنفسي في الماء، فما زلت أسبح حتى إذا كنت قريبا منه قلت: ممن ~~الرجل؟ قال: من بني تميم؟ قلت: إمض راشدا، فو الله ما تأخرت عنه ذراعا حتى ~~غرق: فقال ابن عياش: فقلت له: ويحك! أما اتقيت الله! غرقت رجلا مسلما! ~~فقال: والله لو كانت معي لبنة لضربت بها رأسه. # طاف رجل من الأزد بالبيت «3» وجعل يدعو لأبيه؛ فقيل له: ألا تدعو لأمك؟ # فقال: إنها تميمية. # وقرأت في كتاب للهند: جانب الموتور وكن أحذر ما تكون له ألطف ما يكون بك، ~~فإن السلامة بين الأعداء توحش بعضهم من بعض، ومن الأنس والثقة حضور آجالهم. # PageV03P129 # أراد الملك قتل بزرجمهر وأن يتزوج ابنته بعد قتله؛ فقال: لو كان ملككم ~~حازما ما جعل بينه وبين شعاره موتورة «1» . # قال أبو حازم: لا تناصبن رجلا حتى تنظر إلى سريرته؛ فإن تكن له سريرة ~~حسنة فإن الله لم يكن يخذله بعداوتك إياه، وإن كانت سريرته رديئة فقد كفاك ~~مساويه، لو أردت أن تعمل بأكثر من معاصي الله لم تقدر. # قال رجل: إني لأغتنم في عدوي أن ألقي عليه النملة وهو لا يشعر لتؤذيه. # وقال الأفوه الأودي «2» : [وافر] # بلوت الناس قرنا بعد قرن ... فلم أر غير خلاب وقالي «3» # وذقت مرارة الأشياء جمعا ... فما طعم أمر من السؤال # ولم أر في الخطوب أشد هولا ... وأصعب من معاداة الرجال # وقال آخر: [وافر] # بلاء ليس يشبهه بلاء ... عداوة غير ذي حسب ودين # يبيحك منه عرضا لم يصنه ... ويرتع منك في عرض مصون ### | شماتة الأعداء # بلع عمرو بن عتبة شماتة قوم به في مصائب؛ فقال: والله، لئن عظم # PageV03P130 # مصابنا بموت رجالنا لقد عظمت النعمة علينا بما أبقى الله لنا: شبانا ~~يشبون «1» الحروب، وسادة يسدون المعروف، وما خلقنا ومن شمت بنا إلا للموت. # قيل لأيوب النبي عليه السلام: أي شيء كان أشد عليك في بلائك؟ # قال: شماتة الأعداء. # إشتكى يزيد بن عبد الملك شكاة شديدة وبلغه أن هشاما سر بذلك، فكتب إلى ~~هشام يعاتبه، وكتب في آخر الكتاب: [طويل] # تمنى رجال أن أموت، وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد # وقد علموا، لو ينفع العلم عندهم، ... متى مت ما الداعي علي بمخلد # منيته تجري لوقت وحتفه ... يصادفه يوما على غير موعد # فقال للذي يبغي خلاف الذي مضى ... تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد «2» # وقال الفرزدق: [وافر] # إذا ما الدهر جر على أناس ... حوادثه أناخ بآخرينا # فقل للشامتين بنا أفيقوا ... سيلقى الشامتون كما لقينا # أغير على رجل من الأعراب فذهب بإبله فقال: [وافر] # لا والذي أنا عبد في عبادته ... لولا شماتة أعداء ذوي إحن «3» # ما سرني أن إبلي في مباركها ... وأن شيئا قضاه الله لم يكن # وقال عدي بن زيد العبادي: [خفيف] # أرواح مودع أم بكور ... لك فانظر لأي حال تصير # PageV03P131 # وابيضاض السواد من نذر المو ... ت فهل بعده لإنس نذير # أيها الشامت المعير بالده ... ر أأنت المبرأ الموفور # أم لديك العهد الوثيق من الأي ... ام أم أنت جاهل مغرور # من رأيت المنون خلدن أم من ... ذا عليه من أن يضام مجير # أين كسرى كسرى الملوك أنو شر ... وان أم أين قبله سابور «1» # وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج ... لة تجبى إليه والخابور «2» # شاده مرمرفا وجلله كل ... سا فللطير في ذراه وكور # لم يهبه ريب المنون فباد ال ... ملك عنه فبابه مهجور # وتبين رب الخورنق إذ أش ... رف يوما وللهدى تفكير «3» # سره حاله وكثرة ما يم ... لك والبحر معرضا والسدير «4» # فارعوى قلبه فقال وما غب ... طة حي إلى الممات يصير «5» # ثم بعد الفلاح والملك والنع ... مة وارتهم هناك القبور # ثم أضحوا كأنهم ورق جف ... فألوت به الصبا والدبور «6» # قال ابن الكلبي «7» : لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم سمع بموته نساء ~~من كندة وحضر موت فخضبن أيديهن وضربن بالدفوف، فقال رجل منهم: [كامل] # PageV03P132 # أبلغ أبا بكر إذا ما جئته ... أن البغايا رمن أي مرام # أظهرن من موت النبي شماتة ... وخضبن أيديهن بالعلام «1» # فاقطع، هديت، كفهن بصارم ... كالبرق أومض من متون غمام «2» # فكتب أبو بكر إلى المهاجر عامله، فأخذهن وقطع أيديهن. # وقرأت في كتاب ذكر فيه عدو: فإنه يتربص بك الدوائر، ويتمنى لك الغوائل، ~~ولا يؤمل صلاحا إلا في فسادك، ولا رفعة إلا في سقوط حالك والسلام. # وجد بالأصل في آخر هذا الكتاب ما نصه: # آخر كتاب الإخوان، وهو الكتاب السابع من عيون الأخبار، تأليف أبي محمد ~~عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري رحمة الله عليه. وكتبه الفقير إلى الله ~~تعالى إبراهيم بن عمر بن محمد بن علي الواعظ الجزري، وذلك في شهور سنة أربع ~~وتسعين وخمسمائة. وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين. # وفي هذه الصفحة عينها وجد ما يأتي- وهو من زيادة الناسخ-: # قيل قدم المهدي أمير المؤمنين، وقيل الرشيد «3» ، فتلقاه الناس، وتلقاه ~~أبو دلامة «4» في جملة الناس، فأنشده: [كامل] # PageV03P133 # إني نذرت لئن رأيتك سالما ... بقرى العراق وأنت ذو وفر # لتصلين على النبي محمد ... ولتملأن دراهما حجرى # فقال له أمير المؤمنين: أما الأولى فنعم. اللهم صل على محمد وعلى آل ~~محمد، وأما الأخرى فلست أفعل، فقال أبو دلامة: يا أمير المؤمنين ما نذرت ~~إلا الاثنين، فضحك وأمر حتى ملؤا حجره دراهم. # وقال شاعر «1» : [كامل] # ولقد تنسمت الرياح لحاجتي ... فإذا لها من راحتيك نسيم # ولربما استيأست ثم أقول لا ... إن الذي ضمن النجاح كريم # PageV03P134 ### | كتاب الحوائج ### | استنجاح الحوائج # حدثني أحمد بن الخليل قال حدثنا محمد بن الخصيب قال حدثني أوس ابن عبد ~~الله بن بريدة عن أخيه سهل بن عبد الله بن بريدة عن بريدة قال: قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: «استعينوا على الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة ~~محسود» . # قال خالد بن صفوان: لا تطلبوا الحوائج في غير حينها، ولا تطلبوها إلى غير ~~أهلها، ولا تطلبوا ما لستم له بأهل فتكونوا للمنع خلقاء. # قال شبيب بن شيبة: إني لأعرف أمرا لا يتلاقى به اثنان إلا وجب النجح ~~بينهما؛ فقال له خالد بن صفوان: ما هو؟ قال: العقل، فإن العاقل لا يسأل ما ~~لا يجوز ولا يرد عما يمكن، فقال له خالد: نعيت إلي نفسي! إنا أهل بيت لا ~~يموت منا أحد حتى يرى خلفه. # أبو اليقظان قال: كان بنو ربيعة- وهم من بين عسل بن عمرو بن يربوع- يوصون ~~أولادهم فيقولون: استعينوا على الناس في حوائجكم بالتثقيل عليهم، فذاك أنجح ~~لكم. # قال الشاعر: [مديد] # هيبة الإخوان مقطعة ... لأخي الحاجات عن طلبه # PageV03P135 # فإذا ما هبن ذا أمل ... مات ما أملت من سببه # وقال أبو نواس: [طويل] # وما طالب الحاجات ممن يرومها ... من الناس إلا المصبحون على رجل # تأن مواعيد الكرام فربما ... أصبت من الإلحاح سمحا على بخل # والبيت المشهور في هذا: [بسيط] # إن الأمور إذا انسدت مسالكها ... فالصبر يفتح منها كل ما ارتتجا «1» # أخلق بذي الصبر أن يحظي بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أن يلجا «2» # لا تيأسن وإن طالت مطالبة ... إذا استعنن بصبر أن ترى فرجا # وقال آخر: [بسيط] # إني رأيت، وللأيام تجربة ... للصبر عاقبة محمودة الأثر # وقل من جد في أمر يطالبه ... واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر # والعرب تقول: «رب عجلة تهب ريثا» . يريدون أن الرجل قد يخرق ويعجل في ~~حاجته فتتأخر أو تبطل بذلك. وتقول: «الرشف أنقع» . يريدون أن الشراب الذي ~~يترشف رويدا رويدا أقطع للعطش وإن طال على صاحبه. # وقال عامر بن خالد بن جعفر ليزيد بن الصعق: [رجز] # إنك إن كلفتني ما لم أطق ... ساءك ما سرك مني من خلق # وكانوا يستنجحون حوائجهم بركعتين يقولون بعدهما: اللهم إني بك أستفتح، ~~وبك أستنجح، وبمحمد نبيك إليك أتوجه، اللهم ذل لي صعوبته، # PageV03P136 # وسهل لي حزونته «1» ، وارزقني من الخير أكثر مما أرجو، واصرف عني من الشر ~~أكثر مما أخاف. # وقال القطامي: [بسيط] # قد يدرك المتأني بعض جاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل «2» # عمرو بن بحر «3» عن إبراهيم بن السندي قال: قلت في أيام ولايتي الكوفة ~~لرجل من وجوهها، كان لا يجف لبده ولا يستريح قلمه ولا تسكن حركته في طلب ~~حوائج الرجال وإدخال المرافق على الضعفاء وكان رجلا مفوها، خبرني عن الشيء ~~الذي هون عليك النصب وقواك على التعب ما هو؟ # قال: قد والله سمعت تغريد الطير بالأسحار، في أفنان الأشجار؛ وسمعت خفق ~~أوطار العيدان، وترجيع أصوات القيان الحسان؛ ما طربت من صوت قط طربى من ~~ثناء حسن بلسان حسن على رجل قد أحسن، ومن شكر حر لمنعم حر، ومن شفاعة محتسب ~~لطالب شاكر. قال إبراهيم: فقلت: لله أبوك لقد حشيت كرما فزادك الله كرما، ~~فبأي شيء سهلت عليك المعاودة والطلب؟ # قال: لأني لا أبلغ المجهود ولا أسأل ما لا يجوز، وليس صدق العذر أكره إلي ~~من إنجاز الوعد، ولست لإكداء «4» السائل أكره مني للإجحاف «5» بالمسؤول، ~~ولا أرى الراغب أوجب علي حقا للذي قدم من حسن ظنه من المرغوب إليه الذي ~~احتمل من كله «6» . قال إبراهيم: ما سمعت كلاما قط أشد موافقة # PageV03P137 # لموضعه ولا أليق بمكانه من هذا الكلام. # وقال مصعب: [كامل] # في القوم معتصم بقوة أمره ... ومقصر أودى به التقصير # لا ترض منزلة الذليل ولا تقم ... في دار معجزة وأنت خبير # وإذا هممت فأمض همك إنما ... طلب الحوائج كله تغرير «1» # وكان يقال: إذا أحببت أن تطاع، فلا تسأل ما لا يستطاع. # ويقال: الحوائج تطلب بالرجاء، وتدرك بالقضاء. ### | الاستنجاح بالرشوة والهدية # حدثني زيد بن أخزم عن عبد الله بن داود قال: سمعت سفيان الثوري يقول: إذا ~~أردت أن تتزوج فأهد للأم. والعرب تقول: «من صانع «2» لم يحتشم من طلب ~~الحاجة» . # قال ميمون بن ميمون: إذا كانت حاجتك إلى كاتب فليكن رسولك الطمع. # وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: نعم الشيء الهدية أمام الحاجة. # وقال رؤبة «3» : [رجز] # لما رأيت الشفعاء بلدوا ... وسألوا أميرهم فأنكدوا «4» # PageV03P138 # نامستهم برشوة فأقردوا ... وسهل الله بها ما شددوا «1» # وقال آخر «2» : [طويل] # وكنت إذا خاصمت خصما كببته ... على الوجه حتى خاصمتني الدراهم # فلما تنازعنا الخصومة غلبت ... علي وقالوا قم فإنك ظالم # والعرب تقول في مثل هذا المعنى: «من يخطب الحسناء يعط مهرا» يريدون من ~~طلب حاجة مهمة بذل فيها. # وقال بعض المحدثين: [بسيط] # ما من صديق وإن تمت صداقته ... يوما بأنجح في الحاجات من طبق «3» # إذا تلثم بالمنديل منطلقا ... لم يخش نبوة بواب ولا غلق # لا تكذبن فإن الناس مذ خلقوا ... لرغبة يكرمون الناس أو فرق «4» # وقال آخر: [سريع] # ما أرسل الأقوام في حاجة ... أمضى ولا أنجح من درهم # يأتيك عفوا بالذي تشتهي ... نعم رسول الرجل المسلم ### | الاستنجاح بلطيف الكلام # حدثني سهل بن محمد عن الأصمعي «5» : دخل أبو بكر الهجري على # PageV03P139 # المنصور فقال: يا أمير المؤمنين نغض فمي «1» وأنتم أهل بيت بركة، فلو ~~أذنت لي فقبلت رأسك لعل الله يشدد لي منه! فقال أبو جعفر: اختر منها ومن ~~الجائزة؛ فقال: يا أمير المؤمنين، أهون علي من ذهاب درهم من الجائزة ألا ~~تبقى في فمي حاكة «2» . # قال أبو حاتم: وحدثنا الأصمعي عن خلف قال: كنت أرى أنه ليس في الدنيا ~~رقية إلا رقية الحيات، فإذا رقية الخبز أسهل. يعني ما يتكلفه الناس من ~~الكلام لطلب الحيلة. # قال رجل للفضل بن سهل يسأله: الأجل آفة الأمل، والمعروف ذخيرة الأبد، ~~والبر غنيمة الحازم، والتفريط مصيبة أخي القدرة؛ فأمر وهبا كاتبه أن يكتب ~~الكلمات. ورفع إليه رقعة فيها: يا حافظ من يضيع نفسه عنده، ويا ذاكر من ~~ينسى نصيبه منه، ليس كتابي إذا كتبت استبطاء، ولا إمساكي إذا أمسكت ~~استغناء؛ لكن كتابي إذا كتبت تذكرة لك، وإمساكي إذا أمسكت ثقة بك. # وقال رجل لآخر: ما قصرت بي همة صيرتني إليك، ولا أخرني ارتياد دلني عليك، ~~ولا قعد بي رجاء حداني إلى بابك. وبحسب معتصم بك ظفر بفائدة وغنيمة، ولجء ~~إلى موئل وسند. # دخل الهذيل بن زفر «3» على يزيد بن المهلب «4» في حمالات «5» لزمته، # PageV03P140 # فقال له: قد عظم شأنك عن أن يستعان بك أو يستعان عليك، ولست تصنع شيئا من ~~المعروف إلا وأنت أكثر منه، وليس العجب أن تفعل، وإنما العجب من ألا تفعل. # قال الحمدوني «1» في الحسين بن أيوب والي البصرة: [بسيط] # قل لابن أيوب قد أصبحت مأمولا ... لا زال بابك مغشيا ومأهولا # إن كنت في عطلة فالعذر متصل ... وصل إذا كنت بالسلطان موصولا # شر الأخلاء من ولى قفاه إذا ... كان المولى وأعطى البشر معزولا # من لم يسمن جوادا كان يركبه ... في الخصب قام به في الجدب مهزولا # افرغ لحاجاتنا ما دمت مشغولا ... لو قد فرغت لقد ألفيت مبذولا # وقال آخر: [طويل] # ولا تعتذر بالشغل عنا فإنما ... تناط بك الآمال ما اتصل الشغل # وأتى رجل بعض الولاة، وكان صديقه، فتشاغل عنه، فتراءى له يوما؛ فقال: ~~اعذرني فإني مشغول؛ فقال: لولا الشغل ما أتيتك. # وكتب رجل إلى صديق له: قد عرضت قبلك حاجة، فإن نجحت بك فالفاني منها حظي ~~والباقي حظك، وإن تعتذر فالخير مظنون بك والعذر مقدم لك. # وفي فصل آخر: قد عذرك الشغل في إغفال الحاجة وعذرني في إنكارك. # PageV03P141 # وفي فصل آخر: قد كان يجب ألا أشكو حالي مع علمك بها، ولا أقتضيك عمارتها ~~بأكثر من قدرتك عليها؛ فلربما نيل الغنى على يدي من هو دونك بأدنى من ~~حرمتي. وما أستصغر ما كان منك إلا عنك، ولا أستقله إلا لك. # وقال آخر: إن رأيت أن تصفد يدا «1» بصنيعة باق ذكرها جميل في الدهر ~~أثرها، تغتنم غرة الزمان «2» فيها وتبادر فوت الإمكان بها، فافعل. # قدم على زياد «3» نفر من الأعراب فقام خطيبهم فقال: أصلح الله الأمير! ~~نحن، وإن كانت نزعت بنا أنفسنا إليك وأنضينا «4» ركائبنا نحوك التماسا لفضل ~~عطائك، عالمون بأنه لا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع؛ وإنما أنت ~~ايها الأمير خازن ونحن رائدون، فإن أذن لك فأعطيت حمدنا الله وشكرناك، وإن ~~لم يؤذن لك فمنعت حمدنا الله وعذرناك، ثم جلس؛ فقال زياد لجلسائه: # تالله ما رأيت كلاما أبلغ ولا أوجز ولا أنفع عاجلة منه، ثم أمر لهم بما ~~يصلحهم. # دخل العتابي على المأمون، فقال له المأمون: خبرت بوفاتك فغمتني، ثم ~~جاءتني وفادتك فسرتني؛ فقال العتابي: لو قسمت هذه الكلمات على أهل الأرض ~~لوسعتهم؛ وذلك أنه لا دين إلا بك ولا دنيا إلا معك؛ قال: سلني، قال: يداك ~~بالعطية أطلق من لساني. # PageV03P142 # قال نصيب «1» لعمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين، كبرت سني ورق عظمي، ~~وبليت ببنيات نفضت عليهن من لوني فكسدن علي؛ فرق له عمر ووصله. # سأل رجل أسد بن عبد الله فاعتل عليه؛ فقال: إني سألت الأمر من غير حاجة؛ ~~قال: وما حملك على ذلك؟ قال: رأيتك تحب من لك عنده حسن بلاء، فأحببت أن ~~أتعلق منك بحبل مودة. # لزم بعض الحكماء باب بعض ملوك العجم دهرا فلم يصل إليه، فتلطف للحاجب في ~~إيصال رقعة ففعل، وكان فيها أربعة أسطر: # السطر الأول الأمل والضرورة أقدماني عليك. # والسطر الثاني والعدم لا يكون معه صبر على المطالبة. # والسطر الثالث الانصراف بلا فائدة شماتة للأعداء. # والسطر الرابع فإما نعم مثمرة، وإما لا مريحة. فلما قرأها وقع في كل سطر: ~~زه «2» ؛ فأعطي ستة عشر ألف مثقال فضة. # دخل محمد بن واسع «3» على قتيبة بن مسلم «4» ، فقال له: أتيتك في حاجة ~~رفعتها إلى الله قبلك، فإن تقضها حمدنا الله وشكرناك، وإن لم تقضها حمدنا ~~الله وعذرناك؛ فأمر له بحاجته. وقال له أيضا في حاجة أخرى: إني # PageV03P143 # أتيتك في حاجة، فإن شئت قضيتها وكنا جميعا كريمين، وإن شئت منعتها وكنا ~~جميعا لئيمين. # أتى رجل خالد بن عبد الله في حاجة، فقال له: أتكلم بجرأة اليأس أم بهيبة ~~الأمل؟ قال: بل بهيبة الأمل؛ فسأله حاجته فقضاها. # وقال أبو سماك لرجل: لم أصن وجهي عن الطلب إليك، فصن وجهك عن ردي، وضعني ~~من كرمك بحيث وضعت نفسي من رجائك. # قال المنصور لرجل: ما بالك؟ قال: ما يكف وجهي ويعجز عن بر الصديق فقال: ~~لقد تلطفت للسؤال، ووصله. # وقال المنصور لرجل أحمد منه أمرا: سل حاجتك فقال: يبقيك الله يا أمير ~~المؤمنين؛ قال: سل، فليس يمكنك ذلك في كل وقت؛ فقال: ولم يا أمير المؤمنين! ~~فوالله لا أستقصر عمرك ولا أرهب بخلك ولا أغتنم ما لك وإن سؤالك لزين، وإن ~~عطاءك لشرف، وما على أحد بذل وجهه إليك نقص ولا شين، فأمر حتى مليء فوه ~~درا. # قال أبو العباس لأبي دلامة: سل حاجتك. قال: كلب؛ قال: لك كلب. قال: ودابة ~~أتصيد عليها؛ قال: ودابة. قال: وغلام يركب الدابة ويصيد؛ قا: وغلام. قال: ~~وجارية تصلح لنا الصيد وتطعمنا منه؛ قال: # وجارية. قال: يا أمير المؤمنين، هؤلاء عيال ولا بد من دار؛ قال: ودار. ~~قال: # ولا بد من ضيعة لهؤلاء؛ قال: قد أقطعتك مائة جريب عامرة ومائة جريب ~~غامرة. قال: وأي شيء الغامرة؟ قال: ليس فيها نبات. قال: فأنا أقطعك ألفا ~~وخمسمائة جريب من فيافى بني أسد؛ قال: قد جعلتها كلها لك عامرة. قال: # أقبل يدك؛ قال: أما هذه فدعها. قال: ما منعت عيالي شيئا أهون عليهم فقدا ~~منها. # PageV03P144 # قال عبد الملك لرجل: ما لي أراك واجما «1» لا تنطق؟ قال: أشكو إليك ثقل ~~الشرف؛ قال: أعينوه على حمله. # رأى زياد على مائدته رجلا قبيح الوجه كثير الأكل، فقال له: كم عيالك؟ ~~قال: تسع بنات؛ قال: أين هن منك؟ قال: أنا أجمل منهن وهن آكل مني؛ قال: ما ~~أحسن ما تلطفت في السؤال وفرض له وأعطاه. # وقفت عجوز على قيس بن سعد فقال: أشكو إليك قلة الجرذان؛ قال: # ما أحسن هذه الكناية! املؤا بيتها خبزا ولحما وسمنا وتمرا. # وقال بعض القصاص في قصصه: اللهم أقل صبياننا وأكثر جرذاننا. # كان سليمان بن عبد الملك يأخذ الولي بالولي والجار بالجار؛ فدخل عليه رجل ~~وعلى رأسه وصيفة روقة «2» ، فنظر إليها: فقال سليمان: أأعجبتك؟ # قال: بارك الله لأمير المؤمنين فيها! قال: هات سبعة أمثال في الاست ~~وخذها؛ فقال: «صر عليه الغزو استه» «3» . قال: واحد. قال: «است البائن ~~أعلم» «4» ؛ قال اثنان. قال: «است لم تعود المجمر تحترق» «5» ؛ قال: ثلاثة. # PageV03P145 # قال: الحر يعطي والعبد يبجع باسته» «1» ؛ قال: أربعة. قال: «استي أخبثى» ~~«2» » ! قال: خمسة. قال: «عاد سلاها في استها» «3» ؛ قال: ستة. قال: # «لا ماءك أبقيت ولا حرك أنقيت» «4» ؛ قال: ليس هذا من ذاك؛ قال: أخذت ~~الجار بالجار كما يفعل أمير المؤمنين! قال: خذها. # قال يزيد بن المهلب لسليمان في حمالة «5» كلمه فيها: يا أمير المؤمنين، ~~والله لحمدها خير منها، ولذكرها أحسن من جمعها، ويدي مبسوطة بيدك فابسطها ~~لسؤالها. # قطع عبد الملك بن مروان عن آل أبي سفيان أشياء كان يجريها عليهم، لتباعد ~~كان بينه وبين خالد بن يزيد بن معاوية؛ فدخل عليه عمرو بن عتبة فقال: يا ~~أمير المؤمنين، أدنى حقك متعب وتقصيه فادح، ولنا مع حقك علينا حق عليك، ~~لقرابتنا منك وإكرام سلفنا لك؛ فانظر إلينا بالعين التي نظروا بها إليك، ~~وضعنا بحيث وضعتنا الرحم منك، وزدنا بقدر ما زادك الله؛ فقال: # أفعل، وإنما يستحق عطيتي من استعطاها، فأما من ظن أنه يستغني بنفسه ~~فسنكله إليها «6» ، يعرض بخالد؛ فبلغ ذلك خالدا، فقال: أما عمرو فقد أعطى # PageV03P146 # من نفسه أكثر مما أخذ، أو بالحرمان يتهددني! يد الله فوق يده مانعة، ~~وعطاؤه دونه مبذول. # أتى رجل يزيد بن أبي مسلم برقعة يسأله أن يرفعها إلى الحجاج؛ فنظر فيها ~~يزيد فقال: ليست هذه من الحوائج التي ترفع إلى الأمير؛ فقال له الرجل: فإني ~~أسألك أن ترفعها، فلعلها توافق قدرا فيقضيها وهو كاره؛ فأدخلها وأخبره ~~بمقالة الرجل؛ فنظر الحجاج في الرقعة، وقال ليزيد: قل للرجل: إنها وافقت ~~قدرا وقد قضيناها ونحن كارهون. # دخل بعض الشعراء «1» على بشر بن مروان فأنشده: [كامل] # أغفيت عند الصبح نوم مسهد ... في ساعة ما كنت قبل أنامها # فرأيت أنك رعتني بوليدة ... مغنوجة حسن علي قيامها # وببدرة حملت إلي وبغلة ... دهماء مشرفة يصل لجامها «2» # فدعوت ربي أن يثيبك جنة ... عوضا يصيبك بردها وسلامها # فقال له بشر: في كل شيء أصبت إلا في البغلة فإني لا أملك إلا شهباء «3» : ~~فقال: إني والله ما رأيت إلا شهباء. # قال رجل لمعاوية: أقطعني البحرين، قال: إني لا أصل إلى ذلك. # قال: فاستعملني على البصرة؛ قال: ما أريد عزل عاملها. قال: تأمر لي ~~بألفين؛ قال: ذاك لك. فقيل له: ويحك! أرضيت بعد الأوليين بهذا! قال: # اسكتوا لولا الأوليان ما أعطيت هذه. # جاء أعرابي إلى بعض الكتاب فسأله. فأمر الكاتب غلامه بيمينه أن # PageV03P147 # يعطيه عشرة دراهم وقميصا من قمصه؛ فقال لأعرابي: [خفيف] # حول العقد بالشمال أبا الأص ... بغ واضمم إلى القميص قميصا # إن عقد اليمين يقصر عني ... وأرى في قميصكم تقليصا # يقول: حول عقد اليمين وهو عشرة إلى عقد الشمال وهو مائة «1» . # سأل أعرابي فقال في مسألته: لقد جعت حتى أكلت النوى المحرق ولقد مشيت حتى ~~انتعلت الدم وحتى سقط من رجلي بتخص «2» لحم وحتى تمنيت أن وجهي حذاء لقدمي، ~~فهل من أخ يرحمنا؟. # وسأل آخر قوما فقال: رحم الله امرأ لم تمجج أذناه كلامي، وقدم لنفسه ~~معاذا من سوء مقامي، فإن البلاد مجدبة، والحال مصعبة، والحياء زاجر يمنع من ~~كلامكم، والعدم عاذر يدعو إلى إخباركم، والدعاء أحد الصدقتين فرحم الله ~~امرأ أمر بمير «3» ، ودعا بخير، فقال له رجل من القوم: ممن الرجل؟ # فقال: اللهم غفرا ممن لا تضرك جهالته، ولا تنفعك معرفته؛ ذل الإكتساب، ~~يمنع من عز الانتساب. # سأل أعرابي رجلا فحرمه؛ فقال: علام تحرمني! فو الله ما زلت قبلة لأملي لا ~~تلقتني عنك المطامع، فإن قلت: قد أحسنت بدءا، فما ينكر لمثلك أن يحسن ~~عودا!. # PageV03P148 # قال ابن أبي عتيق «1» : دخلت على أشعب وعنده متاع حسن وأثاث، فقلت له: ~~ويحك! أما تستحي أن تسأل وعندك ما أرى! فقال: يا فديتك! معي والله من لطيف ~~السؤال ما لا تطيب نفسي بتركه. # قال الصلتان العبدي «2» : [متقارب] # نروح ونغدو لحاجاتنا ... وحاجة من عاش لا ننقضي # تموت مع المرء حاجاته ... وتبقى له حاجة ما بقي # إذا ليلة هرمت يومها ... أتى بعد ذلك يوم فتي # وقال آخر: [بسيط] # وحاجة دون أخرى قد سنحت بها ... جعلتها للتي أخفيت عنوانا «3» # كتب دعبل إلى بعض الأمراء: [منسرح] # جئتك مستشفعا بلا سبب ... إليك إلا بحرمة الأدب # فاقض ذمامي فإنني رجل ... غير ملح عليك في الطلب ### | من يعتمد في الحاجة ويستسعى فيها # روى هشيم عن عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عبد الرحمن عن أبي مصعب قال: ~~قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اطلبوا الحوائح إلى حسان الوجوه» . # PageV03P149 # وفي حديث آخر: «اعتمد لحوائجك الصباح الوجوه، فإن حسن الصورة أول نعمة ~~تتلقاك من الرجل» . # قالت امرأة من ولد حسان بن ثابت: [طويل] # سل الخير أهل الخير قدما ولا تسل ... فتى ذاق طعم العيش منذ قريب «1» # ومن المشهور قول بعض المحدثني: [خفيف] # حسن ظن إليك أكرمك الل ... ه دعاني فلا عدمت الصلاحا # ودعاني إليك قول رسول الل ... ه إذا قال مفصحا إفصاحا # إن أردتم حوائجا عند قوم ... فتنقوا لها الوجوه الصباحا «2» # وقال آخر: [كامل] # إنا سألنا قومنا فخيارهم ... من كان أفضلهم أبوه الأول # أعطى الذي أعطى أبوه قبله ... وتبخلت أبناء من يتبخل # وقال خالد بن صفوان: فوت الحاجة خير من طلبها إلى غير أهلها، وأشد من ~~المصيبة سوء الخلف «3» منها. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: مسلم بن قتيبة: لا تطلبن حاجتك إلى كذاب ~~فإنه يقربها وهي بعيد ويبعدها وهي قريب» # ، ولا إلى أحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، ولا إلى رجل له عند من تسأله ~~الحاجة مأكلة «5» ، فإنه لا يؤثرك على نفسه. # PageV03P150 # أنشدنا الرياشي لأبي عون: [وافر] # ولست بسائل الأعراب شيئا ... حمدت الله إذ لم يأكلوني # وقال ميمون بن ميمون: لا تطلبن إلى لئيم حاجة، فإن طلبت فأجله حتى يروض ~~نفسه. # هارون بن معروف عن ضمرة عن عثمان بن عطاء، قال: عطاء الحوائج عند الشباب ~~أسهل منها عند الشيوخ؛ ثم قرأ قول يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله ~~لكم # «1» وقول يعقوب: سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم # «2» . # وقال بشار: [متقارب] # إذا أيقظتك حروب العدا ... فنبه لها عمرا ثم نم # فتى لا يبيت على دمنة ... ولا يشرب الماء إلا بدم «3» # يلذ العطاء وسفك الدماء ... فيغدو على نعم أو نقم # وقال أبو عباد الكاتب: لا تنزل مهم حوائجك بالجيد اللسان، ولا المتسرع ~~إلى الضمان، فإن العجز مقصور على المتسرع؛ ومن وعد ما يعجز عنه فقد ظلم ~~نفسه وأساء إلى غيره؛ ومن وثق بجودة لسانه ظن أن في فصل بيانه ما ينوب عن ~~عذره وأن وعده يقوم مقام إنجازه. وقال أيضا: عليك بذي الحصر البكي «4» ، ~~وبذي الخيم «5» الرضي، فإن مثقالا من شدة الحياء والعي، # PageV03P151 # أنفع في الحاجة من قنطار من لسان سليط ذكي، وعليك بالشهم الندب «1» الذي ~~إن عجز أيأسك، وإن قدر أطعمك. # قال بعض الشعراء: [كامل] # لا تطلبن إلى لئيم حاجة ... واقعد فإنك قائما كالقاعد # يا خادع البخلاء عن أموالهم ... هيهات! تضرب في حديد بارد # وقال آخر: [طويل] # إذا الشافع استقصى لك الجهد كله ... وإن لم تنل نجحا فقد وجب الشكر # وقال آخر «2» : [كامل] # وإذا امرؤ أسدى إليك صنيعة ... من جاهه فكأنها من ماله «3» # ذكر أعرابي رجلا، فقال: كان والله إذا نزلت به الحوائج قام إليها ثم قام ~~بها، ولم تقعد به علات النفوس «4» . # قال الشاعر: [بسيط] # ما إن مدحتك إلا قلت تخدعني ... ولا استنتك إلا قلت مشغول # ابن عائشة «5» قال: كان شبيب بن شيبة رجلا شريفا يفزع إليه أهل البصرة في ~~حوائجهم، فكان إذا أراد الركوب تناول من الطعام شيئا ثم ركب؛ فقيل له. إنك ~~تباكر الغداء! فقال: أجل! أطفىء به فورة جوعي، وأقطع به # PageV03P152 # خلوف «1» فمي، وأبلع به قضاء حوائجي، فخذ من الطعام ما يذهب عنك النهم؛ ~~ويداوي من الخوى «2» . # قال بعض المحدثين: [طويل] # لعمرك ما أخلقت وجها بذلته ... إليك ولا عرضته للمعاير «3» # فتى وفرت أيدي المحامد عرضه ... وخلت لديه ماله غير وافر # وقال آخر: [طويل] # أتيتك لا أدلي بقربى ولا يد ... إليك سوى أني بجودك واثق # فإن تولني عرفا أكن لك شاكرا ... وإن قلت لي عذرا أقل أنت صادق «4» # وقال رجل لآخر في كلامه: أيدينا ممدودة إليك بالرغبة، وأعناقنا خاضعة لك ~~بالذلة، وأبصارنا شاخصة إليك بالشكر؛ فافعل في أمورنا حسب أملنا فيك، ~~والسلامه. ### | الإجابة إلى الحاجة والرد عنها # قال رجل للعباس بن محمد: إني أتيتك في حاجة صغيرة؛ قال: اطلب لها رجلا ~~صغيرا. وهذا خلاف قول علي بن عبد الله بن العباس لرجل قال له: إني أتيتك في ~~حاجة صغيرة، فقال له علي بن عبد الله: هاتها، إن الرجل لا يصغر عن كبير ~~أخيه ولا يكبر عن صغيره. # PageV03P153 # قال رجل للأحنف «1» : أتيتك في حاجة لا تنكيك ولا ترزؤك «2» ، قال: # إذا لا تقضى! أمثلي يؤتى في حاجة لا تنكي ولا ترزأ!. # جاء قوم إلى رجل يكلمونه في حاجة لهم ومعهم رقبة، فقال لرقبة: # تضمنونها؟ فقال له رقبة: جئناك نطلب منك فضل التوسع «3» فأدخلت علينا هم ~~الضمان. # أتى عمرو بن عبيد حفص بن سالم، فلم يسأله أحد من حشمه شيئا إلا قال: لا؛ ~~فقال عمرو: أقل من قول: «لا» فإن لا ليست في الجنة. # كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سئل ما يجد أعطى، وإذا سئل ما لا ~~يجد قال: # «يصنع الله» . # قال عمر بن أبي ربيعة: [خفيف] # إن لي حاجة إليك فقالت ... بين أذني وعاتقي ما تريد # أي قد تضمنته لك فهو في عنقي. # سأل رجل قوما؛ فقال له رجل منهم: اللهم هذا سائلنا ونحن سؤالك، وأنت ~~بالمغفرة أجود منا بالعطاء: ثم أعطاه. # سأل رجل رجلا حاجة؛ فقال: اذهب بسلام؛ قال السائل: أنصفنا من ردنا في ~~حوائجنا إلى الله عز وجل. # قال رجل لثمامة: إن لي إليك حاجة؛ قال ثمامة: ولي إليك حاجة؛ # PageV03P154 # قال: وما هي؟ قال: لا أذكرها حتى تتضمن قضائها؛ قال: قد فعلت؛ قال: # حاجتي ألا تسألني هذه الحاجة؛ قال: رجعت عما أعطيتك؛ قال ثمامة «1» : ~~لكني لا أرد ما أخذت. # قال الجاحظ: تمشى قوم إلى الأصمعي مع رجل اشترى منه ثمرة نخله، فناله ~~فيها خسران وسألوه حسن النظر له؛ فقال الأصمعي: أسمعتم بالقسمة الضيزى «2» ~~! هي ما تريدون شيخكم عليه، اشترى مني على أن يكون الخسران علي والربح له! ~~اذهبوا فاشتروا لي طعام السواد «3» على هذا الوجه والشرط. ثم قال: هاهنا ~~واحدة هي لكن دوني، ولا بد من الاحتمال لكن إذا لم تحتملوا لي، هذا ما ~~مشيتم معه إلا وأنتم توجبون حقه وتحبون رفده، ولو كنت أوجب له مثل الذي ~~توجبون لقد كنت أغنيته عنكم، ولكن لا أعرفه ولا يضرنني بحق؛ فهلم فلنتوزع ~~هذا الخسران بيننا بالسوء؛ فقاموا ولم يعدوا، وأيس التاجر فخرج له من حقه. # قال يزيد بن عمير الأسيدي لبنيه: يا بني، تعلموا الرد فإنه أشد من ~~الإعطاء، ولأن يعلم بنو تميم أن عند أحدكم مائة ألف درهم أعظم له في أعينهم ~~من أن يقسمها فيهم، ولأن يقال لأحدكم: بخيل وهو غني خير له من أن يقال: سخي ~~وهو فقير. # PageV03P155 # وقال إسحاق بن إبراهيم «1» : [كامل] # النصر يقرئك السلام وإنما ... أهدى السلام تعرضا للمطمع # فاقطع لبانته بيأس عاجل ... وأرح فؤادك من تقاضي الأضلع «2» # ذكر ثمامة محمد بن الجهم فقال: لم يطمع أحدا قط في ماله إلا ليشغله ~~بالطمع فيه عن غيره، ولا شفع لصديق ولا تكلم في حاجة متحرم به، إلا ليلقن ~~المسؤول حجة منع، وليفتح على السائل باب حرمان. # كتب سهل بن هارون «3» إلى موسى بن عمران: [كامل] # إن الضمير إذا سألتك حاجة ... لأبي الهذيل خلاف ما أبدي «4» # فامنعه روح اليأس ثم امدد له ... حبل الرجاء لمخلف الوعد # وألن له كنفا ليحسن ظنه ... في غير منفعة ولا رفد # حتى إذا طالت شقاوة جده ... وعناؤه فاجبهه بالرد «5» # قيل لحبي المدينية: ما الجرج الذي لا يندمل؟ قالت: حاجة الكريم إلى ~~اللئيم ثم يرده. قيل لها: فما الذل؟ قالت: وقوف الشريف بباب الدنيء ثم لا ~~يؤذن له. قيل: فما الشرف؟ قالت: اعتقاذ المنن في رقاب الرجال. # قال معن بن زائدة «6» : ما سألني قط أحد حاجة فرددته إلا رأيت الغنى # PageV03P156 # في قفاه. # روى علي بن مسهر عن هشام عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ~~أعلمتم أن الطمع فقر، وأن اليأس غنى، وأن المرء إذا يئس من شيء استغنى عنه. # وقال آخر في كلام له: كل ممنوع مستغنى عنه بغيره، وكل مانع ما عنده ففي ~~الأرض غنى عنه. # وقد قيل: أرخص ما يكون الشيء عند غلائه. # وقال بشار: والدر يترك من غلائه. # قال شريح «1» : من سأل حاجة فقد عرض نفسه على الرق، فإن قضاها المسؤول ~~استعبده بها، وإن رده عنها رجع حرا وهما ذليلان: هذا بذل البخل، وهذا بذل ~~الرد. # وقال بعضهم: من سألك لم يكرم وجهه عن مسألتك، فأكرم وجهك عن رده. # وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يرد ذا حاجة إلا بها أو بميسور من ~~القول» . # وقال أسماء بن خارجة: ما أحب أن أرد أحدا عن حاجة؛ فإنه لا يخلوا من أن ~~يكون كريما فأصونه، أو لئيما فأصون منه نفسي. # وقال أعرابي سأل حاجة فرد عنها: [بسيط] # ما يمنع الناس شيئا كنت أطلبه ... إلا أرى الله يكفي فقد ما منعوا # PageV03P157 # أتى رجل الحسن بن علي رضي الله عنهما يسأله؛ فقال الحسن: إن المسألة لا ~~تصلح إلا في غرم فادح أو فقر مدقع أو حمالة مفظعة؛ فقال الرجل: ما جئت إلا ~~في إحداهن، فأمر له بمائة دينار، ثم أتى الرجل الحسين ابن علي رضي الله ~~عنهما فسأله، فقال له مثل مقالة أخيه، فرد عليه كما رد على الحسن؛ فقال: كم ~~أعطاك؟ قال مائة دينار، فنقصه دينارا. كره أن يساوي أخاه. ثم أتى الرجل عبد ~~الله بن عمر رضي الله عنهما فسأله فأعطاه سبعة دنانير ولم يسأله عن شيء؛ ~~فقال الرجل له: إني أتيت الحسن والحسين، واقتص كلامهما عليه وفعلهما به؛ ~~فقال عبد الله: ويحك! وأني تجعلني مثلهما! إنهما غرا العلم غرا المال «1» . # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: جاء شيخ من بني عقيل إلى عمر ابن هبيرة، ~~فمت بقرابة وسأله فلم يعطه شيئا؛ فعاد إليه بعد أيام فقال: أنا العقيلي ~~الذي سألك منذ أيام؛ فقال عمر: وأنا الفزاري الذي منعك منذ أيام؛ فقال: ~~معذرة إلى الله! إني سألتك وأنا أظنك يزيد بن هبيرة المحاربي؛ فقال: # ذاك الأم لك، وأهون بك علي، نشأ في قومك مثلي ولم تعلم به، ومات مثل يزيد ~~ولا تعلم به! يا حرسي اسفع «2» بيده. # أتى عبد الله بن الزبير أعرابي «3» يسأله، فشكا إليه نقب» # ناقته واستحمله «5» ؛ فقال له ابن الزبير: ارقعها بسبت «6» واخصفها بهلب ~~«7» وافعل # PageV03P158 # وافعل ... ؛ فقال الأعرابي: إني أتيتك مستوصلا «1» ولم آتك مستوصفا، فلا ~~حملت ناقة حملتني إليك! فقال: إن «2» وصاحبها. # والعرب تقول لمن جاء خائبا ولم يظفر بحاجته: «جاء على غيراء الظهر» «3» . # وتقول هي والعوام: «جاء بخفى حنين» و «جاء على حاجبه صوفه» . # وقال أبو عطاء السندي «4» في عمر بن هبيرة: [وافر] # ثلاث حكتهن لقرم قيس ... طلبت بها الأخوة والثناء «5» # رجعن على حواجبهن صوف ... فعند الله أحتسب الجزاء # والأصل في قولهم: «جاء بخقى حنين» أن إسكافا من أهل الحيرة ساومه أعرابي ~~بخفين، فاختلفا حتى أغضبه، فازداد غيظ الأعرابي؛ فلما ارتحل أخذ حنين أحد ~~خفيه فألقاه على طريقه ثم ألقى الآخر في موضع آخر؛ فلما مر الأعرابي ~~بأحدهما قال: ما أشبه هذا بخف حنين! ولو كان معه الآخر لأخذته، ومضى؛ فلما ~~انتهى إلى الآخر ندم على تركه الأول، وأناح راحلته فأخذه ورجع إلى الأول، ~~وقد كمن له حنين فعمد إلى راحلته وما عليها فذهب به؛ وأقبل الأعرابي ليس ~~معه غير الخفين؛ فقال له قومه: ما الذي أتيت به؟ # قال: بخفي حنين. # قالوا: فإن جاء وقد قضيت حاجته قيل: «جاء ثانيا من عنانه» . فإن جاء # PageV03P159 # ولما تقض حاجته وقد أصيب ببعض ما معه، قالوا: «ذهب يبتغى قرنا فلم يرجع ~~بأذنين» . يقول بشار: [سريع] # فكنت كالعير غدا يبتغي ... قرنا فلم يرجع بأذنين «1» # سأل أعرابي قوما، فقيل له: بورك فيك! فقال: وكلكم الله إلى دعوة لا ~~تحضرها نية. # أرسل الوليد خيلا في حلبة، فأرسل أعرابي فرسا له فسبقت الخيل؛ فقال له ~~الوليد: احملني عليها؛ فقال: إن لها حرمة، ولكني أحمل على مهر لها سبق ~~الخيل عام أول وهو ريض «2» . # وتقول العرب فيمن يشغله شأنه عن الحاجة يسألها: «شغل الحلى أهله أن ~~يعارا» بنحصب الحلى، ويعار: من العارية. فأما قولهم: «أحق الخيل بالركض ~~المعار» . فإن المعار «3» : المنتوف الذنب وهو المهلوب؛ يريدون أنه أخف من ~~الذيال الذنب «4» ، يقال: أعرت الفرس إذا نتفته. # وتقول العرب لمن سئل وهو لا يقدر فرد: «بيتي يبخل لا أنا» ؛ يريدون أنه ~~ليس عنده ما يعطي. # ووعد رجل رجلا فلم يقدر على الوفاء بما وعده؛ فقال له: كذبتني؛ قال: لا، ~~ولكن كذبك مالي. # وتقول العرب فيمن اعتذر بالمنع بالعدم وعنده ما سئل: «أبى الحقين # PageV03P160 # العذرة» «1» . قال أبو زيد: وأصله أن رجلا ضاف قوما فاستسقاهم لبنا، ~~وعندهم لبن قد حقنوه في وطب «2» ، فاعتذروا أنه لا لبن عندهم؛ فقال: أبى ~~الحقين العذرة. ويقال: العذرة طرف البخل» . # وقال الطائي يذكر المطل «3» : [وافر] # وكان المطل في بدء وعود ... دخانا للصنيعة وهي نار # نسيب البخل مذ كانا وإن لم ... يكن نسب فبينهما جوار # لذلك قيل بعض المنع أدنى ... إلى جود وبعض الجود عار # قال إسماعيل القراطيسي «4» في الفضل بن الربيع: [هزج] # لئن أخطأت في مدح ... ك ما أخطأت في منعي # لقد أحللت حاجاتي ... بواد غير ذي زرع # غزا المنذر بن الزبير في البحر ومعه ثلاثون رجلا من بني أسد بن عبد ~~العزى؛ فقال له حكيم بن حزام «5» : يا بن أخي، إني قد جعلت طائفة من مالي ~~لله عز وجل، وإني قد صنعت أمرا ودعوتكم له، فأقسمت عليك لا يرده علي أحد ~~منكم؛ فقال المنذر: لاها الله إذا «6» ، بل نأخذ ما تعطي، فإن نحتج إليه # PageV03P161 # نستعن به ولا نكره أن يأجرك الله، وإن نستغن عنه نعطه من يأجرنا الله فيه ~~كما أجرك. # سأل أعرابي رجلا يقال له: الغمر فأعطاه درهمين، فردهما وقال: # [طويل] # جعلت لغمر درهميه ولم يكن ... ليغني عني فاقتي درهما غمر «1» # وقلت لغمر خذهما فاصطرفهما ... سريعين في نقض المروءة والأجر # أتمنع سؤال العشيرة بعد ما ... تسميت غمرا واكتنيت أبا بحر «2» # اختلف أبو العتاهية إلى الفضل بن الربيع في حاجة له زمانا فلم يقضها له، ~~فكتب: [منسرح] # أكل طول الزمان أنت إذا ... جئتك في حاجة تقول غدا! # لا جعل الله لي إليك ولا ... عندك ما عشت حاجة أبدا! # وقال آخر: [بسيط] # إن كنت لم تنو فيما قلت لي صلة ... فما انتفاعك من حبسي وترديدي # فالمنع أجمله ما كان أعجله ... والمطل من غير عسر آفة الجود # وقال آخر: [طويل] # بسطت لساني ثم أوثقت نصفه ... فنصف لساني في امتداحك مطلق # PageV03P162 # فإن أنت لم تنجز عداتي تركتني ... وباقي لسان الشكر باليأس موثق «1» # وقال آخر: [خفيف] # يا جواد اللسان من غير فعل ... ليت جود اللسان في راحتيكا ### | المواعيد وتنجزها # ذكر جبار بن سلمى عامر بن الطفيل «2» فقال: كان والله إذا وعد الخير وفى، ~~وإذا أوعد بالشر أخلف وعفا. # وأنشد أبو عمرو بن العلاء في مثل هذا المعنى: [طويل] # ولا يرهب ابن العم ما عشت صولتي ... ويأمن مني صولة المتهدد # وإني إن أوعدته أو وعدته ... ليكذب إيعادي ويصدق موعدي «3» # وكان يقال: وعد الكريم نقد، ووعد اللئيم تسويف «4» . # وقال عبد الصمد بن الفضل الرقاشي (أبو الفضل والعباس الرقاشيين ~~البغداديين) لخالد بن ديسم عامل الري: [طويل] # أخالد إن الري قد أجحفت بنا ... وضاق علينا رحبها ومعاشها # وقد أطعمتنا منك يوما سحابة ... أضاء لنا برق وكف رشاشخا «5» # فلا غيمها يصحو فيؤيس طامع ... ولا ماؤها يأتي فتروى عطاشها # PageV03P163 # وقال رجل في الحجاج: [طويل] # كأن فؤادي بين أظفار طائر ... من الخوف في جو السماء محلق # حذار امرىء قد كنت أعلم أنه ... متى ما يعد من نفسه الشر يصدق # قال عمر بن الحارث: كنت متى شئت أجد من يعد وينجز، فقد أعياني من يعد ولا ~~ينجز. قال: وكانوا يفعلون ولا يقولون، فقد صاروا يقولون ويفعلون، ثم صاروا ~~يقولون ولا يفعلون، ثم صاروا لا يقولون ولا يفعلون. # قال بشار: [بسيط] # وعدتني ثم لم توفي بموعدتي ... فكنت كالمزن لم يمطر وقد رعدا # هذا مثل قول العرب لمن يعد ولا يفي: «برق خلب» «1» . # وقال آخر: [مجزوء الرمل] # قد بلوناك بحمد الل ... ه إن أغنى البلاء # فإذا جل مواعي ... دك والجحد سواء # وقال آخر: [طويل] # لها كل عام موعد غير ناجز ... ووقت إذا ما رأس حول تجرما «2» # فإن أوعدت شرا أتى دون وقته ... وإن وعدت خيرا أراث وأعتما «3» # وعد عبد الله بن عمر رجلا من قريش أن يزوجه ابنته؛ فلما كان عند موته ~~أرسل إليه فزوجه إياها، وقال كرهت أن ألقى الله عز وجل بثلث اتفاق. # وقال الطائي: [بسيط] # PageV03P164 # تقول قول الذي ليس الوفاء له ... خلقا وتنجز إنجاز الذي حلفا # وأثنى الله تبارك وتعالى على نبيه إسماعيل صلى الله عليه وسلم فقال: إنه ~~كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا # «1» . # وقال بشار يمدح: [متقارب] # إذا قال تم على قوله ... ومات العناء بلا أو نعم # وبعض الرجال بموعوده ... قريب وبالفعل تحت الرجم «2» # كجاري السراب ترى لمعه ... ولست بواجده عندكم «3» # وقال العباس بن الأحنف: [كامل] # ما ضر من قطع الرجاء ببخله ... لو كان عللني بوعد كاذب # وقال آخر: [طويل] # عسى منك خير من نعم ألف مرة ... من آخر غال الصدق منه غوائله # وقال نصيب: [وافر] # يقول فيحسن القول ابن ليلى ... ويفعل فوق أحسن ما يقول # وقال زياد الأعجم» # : [مجزوء الكامل] # لله درك من فتى ... لو كنت تفعل ما تقول # لا خير في كذب الجوا ... د وحبذا صدق البخيل # PageV03P165 # والعرب تضرب المثل في الخلف بعرقوب. قال ابن الكلبي «1» عن أبيه: # كان عرقوب رجلا من العماليق؛ فأتاه أخ له فسأله شيئا؛ فقال له عرقوب: إذا ~~أطلع نخلي «2» . فلما أطلع أتاه. قال: إذا أبلح. فلما أبلح أتاه، فقال: إذا ~~أزهى «3» . فلما أزهى أتاه، قال: إذا أرطب «4» . فلما أرطب أتاه، قال: إذا ~~صار تمرا. فلما صار تمرا جده «5» من الليل ولم يعط أخاه شيئا. # قال كعب بن زهير: [بسيط] # كانت مواعيد عرقوب لها مثلا ... وما مواعيدها إلا الأباطيل # وقال الأشجعي «6» : [طويل] # وعدت وكان الخلف منك سجية ... مواعيد عرقوب أخاه بيترب «7» # هكذا قرأته على البصريين في كتاب سيبويه بالتاء وفتح الراء. # وقال الشاعر: [طويل] # متى ما أقل يوما لطالب حاجة ... نعم، أقضها قدما وذلك من شكلي # وإن قلت لا، بينتها من مكانها ... ولم أوذه منها بجر ولا مطل # وللبخلة الأولى أقل ملامة ... من الجود بدءا ثم يتبع بالبخل # PageV03P166 # وقال أبو نواس لامرأة: [بسيط] # أنضيت أحرف لا مما لهجت بها ... فحولي رحلها عنها إلى نعم «1» # أو حوليها إلى «لا» فهي تعدلها ... إن كنت حاولت في ذا قلة الكلم # فستم علينا فعارضنا قياسكم ... يا من تناهى إليه غاية الكرم # وفي هذا معنا لطيف. # كتب رجل إلى صديق له: قد أفردتك برجائي بعد الله، وتعجلت راحة اليأس ممن ~~يجود بالوعد ويضن بالإنجاز، ويحسد أن يفضل، ويزهد أن يفضل، ويعيب الكذب ولا ~~يصدق. # وقال آخر: [وافر] # وذي ثقة تبدل حين أثرى ... ومن شيمي مراقبة الثقات # فقلت له عتبت علي إثما ... فرارا من مؤونات العدات # فعد لمودتي وعلي نذر ... سألتك حاجة حتى الممات «2» # وقال آخر في أصحاب النبيذ: [طويل] # مواعيدهم ربح لمن يعدونه ... بها قطعوا برد الشتاء وقاطوا «3» # وقال مسلم «4» : [طويل] # لسانك أحلى من جنى النحل موعدا ... وكفك بالمعروف أضيق من قفل # تمني الذي يأتيك حتى إذا انتهى ... إلى أجل ناولته طرف الحبل # وسأل خلف بن خليفة أبان بن الوليد أن يهب له جارية، فوعده وأبطأ # PageV03P167 # عليه؛ فكتب إليه: [طويل] # أرى حاجتي عند الأمير كأنما ... تهم زمانا عنده بمقام # وأحصر من إذكاره إن لقيته ... وصدق الحياء ملجم بلجام «1» # أراها إذا كان النهار نسيئة ... وبالليل تقضى عند كل منام «2» # فيا رب أخرجها فإنك مخرج ... من الميت حيا مفصحا بكلام # فتعلم ما شكري إذا ما قضيتها ... وكيف صلاتي عندها وصيامي # وإن حاجتي من بعد هذا تأخرت ... خشيت لما بي أن أزور غلامي # والعرب تقول: «أنجز حر ما وعد» . # وقال أمية بن أبي الصلت لعبد الله بن جدعان: [وافر] # أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء # إذا أثنى عليك المرء يوما ... كفاه من تعرضه الثناء «3» # وقال الطائي: [خفيف] # وإذا المجد كان عوني على المر ... ء تقاضيته بترك التقاضي # وقال الزهري: حقيق على من أورق بوعد، أن يثمر بفعل. # وقال المغيرة: من أخر حاجة رجل فقد تضمن قضاءها. # وقال الشاعر: [وافر] # كفاك مذكرا وجهي بأمري ... وحسبي أن أراك وأن تراني # وكيف أحث من يعنى بشأني ... ويعرف حاجتي ويرى مكاني # PageV03P168 # وقال الشاعر: [مجزوء الكامل المرفل] # يا صاح قل في حاجتي ... أذكرتها فيما ذكرتا # إن السراح من النجا ... ح إذا شقيت بما طلبتا «1» # وقال آخر: [خفيف] # في تصديك للمطالب إذكا ... ر بوعد جرى به المقدار # وكتب بعض الكتاب إلى صديق له: إن من العجب إذكار معني، وحث متيقظ، ~~واستبطاء ذاكر، إلا أن ذا الحاجة لا يدع أن يقول في حاجته، حل بذلك منها أو ~~عقل. وكتابي تذكرة والسلام. # وقال الطرماح: [كامل] # ألحسن منزلتي تؤخر حاجتي ... أم ليس عندك لي بخير مطمع # وقال حمزة بن بيض «2» لمخلد بن يزيد بن المهلب: [متقارب] # أتيناك في حاجة فاقضها ... وقل مرحبا يجب المرح # ولا تكلنا إلى معشر ... متى يعدوا عدة يكذبوا # وقال بعض المحدثين: [منسرح] # حوائج الناس كلها قضيت ... وحاجتي لا أراك تقضيها # أناقة الله حاجتي عقرت ... أم نبت الحرف في نواحيها «3» # PageV03P169 # وقال جرير لعمر بن عبد العزيز: [بسيط] # أأذكر الضر والبلوى التي نزلت ... أم تكتفي بالذي بلغت من خبري # وقال آخر: [طويل] # أروع لتسليم عليك وأغتدي ... وحسبك بالتسليم مني تقاضيا # كفى بطلاب المرء ما لا يناله ... عناء وباليأس المصرح ناهيا «1» # وقال آخر: [كامل] # ما أنت بالسبب الضعيف وإنما ... نجح الأمور بقوة الأسباب # فاليوم حاجتنا إليك وإنما ... يدعى الطبيب لكثرة الأوصاب «2» # كتب بعض الكتاب إلى بعض السلطان: أنا أنزهك عن التجمل لي بوعد يطول به ~~المدى ويعتزله الوفاء، وأحب أن يتقرر عندك أن أملي فيك أبعد من أن أختلس ~~الأمور منك اختلاس من يرى في عاجلك عوضا من آجلك، وفي الراهن من يومك بدلا ~~من المأمول في غدك، وألا تكون منزلتي في نفسك منزلة من يصرف الطرف «3» عنه ~~وتستكره النفس عليه ويتكلف ما فوق العفو له، وأن تختار بين العذر والشكر؛ ~~فالله يعلم أن آثر الحظين عندي أحقهما عليك، وأصوبهما لحالي عندك. # وفي كتاب: ذو الحرمة ملوم على فرط الدالة، كما أن المتحرم به مذموم على ~~التناسي والإزالة. ومن مذهبي الوقوف بنفسي دون الغاية التي يقدمني إليها ~~حقي، لأمرين: أحدهما ألا أرضى بدون الحق أزيد في الحق. # PageV03P170 # والثاني أن أرى النفيس من الحظ زهيدا إذا أتى من جهة الإرهاق. ولي ذمام ~~المودة الصادقة التي كل حرمة تبع لها، وحق الشكر الذي جعله الله وفاء ~~بالنعم وإن جل قدرها؛ وأنت مراعي المعالي وحافظ بقية الكرم؛ فأي سبيل ~~للعذر، بل أي موضع للإكداء بين حرمتي ورعايتك، وذمامي وكرمك!. # قال أحمد بن يوسف: أول المعروف مستخف، وآخره مستثقل؛ يكاد أوله يكون ~~اللهوى دون الرأي، وآخره للرأي دون الهوى. ولذلك قيل: رب «1» الصنيعة أشد ~~من ابتدائها. # قال أبو عطاء السندي في يزيد بن عمر بن هبيرة: [وافر] # ثلاث حكتهن لقرم قيس ... رجعن إلي صفرا خائبات «2» # أقام على الفرات يزيد شهرا ... فقال الناس أيهما الفرات «3» # فيا عجبا لبحر فاض يسقي ... جميع الناس لم يبلل لهاتي «4» ### | حال المسؤول عند السؤال # قال الشاعر «5» : [وافر] # سألناه الجزيل فما تلكا ... وأعطى فوق منيتنا وزادا «6» # مرارا ما أعود إليه إلا ... تبسم ضاحكا وثنى الوسادا # وقال آخر: [كامل] # PageV03P171 # قوم إذا نزل الغريب بدارهم ... تركوه رب صواهل وقيان «1» # وإذا دعوتهم ليوم كريهة ... سدوا شعاع الشمس بالفرسان # لا ينقرون الأرض عند سؤالهم ... لتلمس العلات بالعيدان «2» # بل يبسطون وجوههم فترى لها ... عند السؤال كأحسن الألوان «3» # وقال آخر: [مديد] # يجعل المعروف والبر ذخرا ... ويعد الحمد خير التجاره # وإذا ما جئته تجتديه ... خلته بشرته ببشاره «4» # فترى في الطرف منه حياء ... وترى في الوجه منه استناره # وقال آخر: [سريع] # إذا غدا المهدي في جنده ... أو راح في آل الرسول الغضاب # بدا لك المعروف في وجهه ... كالضوء يجري في ثنايا الكعاب «5» # وأنشدني العتبي: [طويل] # له في ذرى المعروف نعمى كأنها ... مواقع ماء المزن في البلد القفر # إذا ما أتاه السائلون توقدت ... عليه مصابيح الطلاقة والبشر # والمشهور في هذا قول زهير: [كامل] # تراه إذا ما جئته متهللا ... كأنك تعطيه الذي أنت سائله # PageV03P172 # وسأل رجل من الأعراب» # رجلا فلم يعطه شيئا؛ فقال: [طويل] # كدحت بأظفاري وأعملت معولي ... فصادفت جلمودا من الصخر أملسا # تشاغل لما جئت في وجه حاجتي ... وأطرق حتى قلت قد مات أو عسى # وأجمعت أن أنعاه حين رأيته ... يفوق فواق الموت ثم تنفسا # فقلت له لا بأس، لست بعائذ ... فأفرخ تعلوه الكآبة مبلسا «2» # وقال مسلم: [منسرح] # أطرق لما أتيت ممتدحا ... فلم يقل لا فضلا على نعم # فخفت إن مات أن أقاد به ... فقمت أبغى النجاء من أمم «3» # لو أن كنز البلاد في يده ... لم يدع الإعتدلال بالعدم «4» # وقال الحارث الكندي: [وافر] # فلما أن أتيناه وقلنا ... بحاجتنا تلون لون ورس «5» # وآض بكفه يحتك ضرسا ... يرينا أنه وجع بضرس «6» # فقلت لصاحبي أبه كزاز ... وقلت أسره أتراه يمسي «7» # وقمنا هاربين معا جميعا ... نحاذر أن مزن بقتل نفس «8» # قال الأصمعي: # دخل أعرابي على المساور الضبي وهو بندار الري «9» ، فسأله فلم يعطه # PageV03P173 # شيئا، فأنشأ يقول: # أتيت المساور في حاجة ... فما زال يسعل حتى ضرط # وحك قفاه بكر سوعه ... ومسح عثنونه وامتخط «1» # فأمسكت عن حاجتي خيفة ... لأخرى تقطع شرج السفط «2» # فأقسم لو عدت في حاجتي ... للطخ بالسلح وشي النمط «3» # وقال غلطنا حساب الخراج ... فقلت من الضرط جاء الغلط # قال: فكان العامل كلما ركب صاح به الصبيان: «من الضرط جاء الغلط فهرب من ~~غير عزل إلى بلاد أصبهان. # وقال نهار بن توسعة «4» في قتيبة بن مسلم: [بسيط] # كانت خراسان أرضا إذ يزيد بها ... وكل باب من الخيرات مفتوح # فبدلت بعده قردا نطيف به ... كأنما وجهه بالخل منضوح «5» # وقال جرير: [طويل] # يزيد يغض الطرف دوني كأنما ... زوى بين عينيه علي المحاجم «6» # فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ... ولا تلقني إلا وأنفك راغم # وقال آخر: [منسرح] # لا تسأل المرء عن خلائقه ... في وجهه شاهد من الخبر # PageV03P174 # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن الأبج عن التتي قال قال محمد بن واسع: إنك ~~لتعرف فجور الفاجر في وجهه. # قال أبو العتاهية: [متقارب] # مالي أرى الناس قد أبرقوا ... بلؤم الفعال وقد أرعدوا «1» # إذا جئت أفضلهم للسلا ... م رد وأحشاؤه ترعد # كأنك، من خشية للسؤا ... ل، في عينه الحية الأسود # وقال آخر: [وافر] # إذا ما الرزق أحجم عن كريم ... فألجأه الزمان إلى زياد «2» # تلقاه بوجه مكفهر ... كأن عليه أرزاق العباد # وقال آخر: [منسرح] # ولي خليل ما مسني عدم ... مذ نظرت عينه إلى عدمي # بشرني بالغنى تهلله ... وقبل هذا تهلل الخدم # ومحنة الزائرين بينة ... تعرف قبل اللقاء في الحشم ### | العادة من المعروف تقطع # كان يقال: انتزاع العادة ذنب محسوب. # وقال أبو الأسود الدؤلي: [مديد] # ليت شعري عن أميري ما الذي ... غاله في الود حتى ودعه «3» # لا تهني بعد إذ أكرمتني ... وشديد عادة منتزعه # PageV03P175 # اذكر البلوى التي أبليتني ... وكلاما قلته في المجمعه «1» # لا يكن برقك برقا خلبا ... إن خير البرق ما الغيث معه # والمشهور في هذا قول الأعشى: [كامل] # عودت كندة عادة فاصبر لها ... واغفر لجاهلها ورو سجالها «2» # سأل أعرابي قوما، فرق له رجل منهم فضمه إليه وأجرى له رزقا أياما ثم قطع ~~عنه؛ فقال الأعرابي: [طويل] # تسرى فلما حاسب المرء نفسه ... رأى أنه لا يستقيم له السرو «3» # وقدم أبو زياد الكلابي مع أعراب سنة القحمة «4» ، فأجرى عليهم رجل رغيفا ~~لكل رجل ثم قطعه؛ فقال أبو زياد: [طويل] # إن يقطع العباس عنا رغيفه ... فما يأتيني من نعمة أكثر «5» # والحكماء تقول: «العادة طبيعة ثانية» . # وفي الحديث: «الخير عادة والشر لجاجة» «6» . # وقال بعض الشعراء لرجل من الأشراف: [كامل] # ولقد ضربنا في البلاد فلم نجد ... أحدا سواك إلى المكارم ينسب # فاصبر لعادتك التي عودتنا ... أو لا فأرشدنا إلى من نذهب # وتقول العرب فيمن اصطنع معروفا ثم أفسده بالمن أو قطعه حين كاد # PageV03P176 # يتم: «شوى أخوك حتى إذا أنضج رمد» «1» . # قال أبو كعب القاص: كان رجل يجري علي رغيفا في كل يوم، وكان يقول إذا ~~أتاه الرغيف: لعنك الله ولعن من بعث بك، ولعنني إن تركتك حتى أصيب خيرا ~~منك. # والعرب تقول في مثل هذا: «خذ من الرضفة ما عليها» «2» . # وقال الشاعر: [كامل] # وخذ القليل من اللئيم وذمه ... إن اللئيم بما أتى معذور # ومعذور: موسوم في موضع العذار، وليس هو من العذر. ### | الشكر والثناء # حدثني شيخ لنا عن وكيع عن سفيان عن منصور عن هلال بن أساف «3» قال قال ~~صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم فليدن عليه من ستر بيته فإن الله عز ~~وجل يقسم الثناء كما يقسم الرزق» . # وحدثني أيضا عن وكيع عن سعيد عن أبي عمران الجوني عن عبد الله ابن الصامت ~~قال قال أبو ذر: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: الرجل يعمل العمل ويحبه ~~الناس؟ قال: «تلك عاجل بشرى المؤمن. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا ~~أردتم أن تعلموا ما للعبد عند الله فانظروا ماذا يتبعه من الثناء» . # PageV03P177 # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: كان يقال: الثناء يضاعف كما تضاعف ~~الحسنات؛ يكون الرجل سخيا فيزيد الله في سخائه، ويكون شجاعا فيزيد الله في ~~شجاعته. # وحدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن العمري قال: قال رجل لعمر بن الخطاب رضي ~~الله عنه: إن فلانا رجل صدق؛ قال: سافرت معه؟ قال لا. # قال: فكانت بينك وبينه خصومة؟ قال لا. قال: فهل ائتمنته على شيء؟ قال لا. ~~قال: فأنت الذي لا علم لك به، أراك رأيته يرفع رأسه ويخفضه في المسجد!. # قال بعض الحكماء: إذا قصرت يدك عن المكافأة فليطل لسانك بالشكر. # وقال آخر: حق النعمة أن تحسن لباسها، وتنسبها إلى وليها، وتذكر ما تناسى ~~عندك منها. # وقال بعض الحارثيين: [بسيط] # عثمان يعلم أن الحمد ذو ثمن ... لكنه يشتهي حمدا بمجان «1» # والناس أكيس من أن يحمدوا أحدا ... حتى يروا قبله آثار إحسان # وقال حماد عجرد: [بسيط] # قد ينقضي كل ما أوليت من حسن ... إذا أتى دون ما أوليت يومان # تنأى بودك ما استغنيت عن أحد ... وإن طمعت فأنت الواصل الداني # الشهد أنت إذا ما حاجة عرضت ... وحنظل كلما استغنيت خطبان «2» # PageV03P178 # وقال عمران بن حطان «1» : [طويل] # وقد عرضت لي حاجة وأظنني ... بأني إذا أنزلتها بك منجح # فإن أك في أخذ العطية مربحا ... فإنك في بذل العطية أربح # لأن لك العقبى من الأجر خالصا ... وشكري في الدنيا، فحظك أرجح # وقال معاوية بن أبي سفيان يعاتب قريشا: [طويل] # إذا أنا أعطيت القليل شكوتم ... وإن أنا أعطيت الكثير فلا شكر # وما لمت نفسي في قضاء حقوقكم ... وقد كان لي فيما اعتذرت به عذر # وأمنحكم ما لي وتكفر نعمتي ... وتشتم عرضي في مجالسها فهر «2» # إذا العذر لم يقبل ولم ينفع الأسى ... وضاقت قلوب منهم حشوها الغمر «3» # فيكف أداوي داءكم ... يزيدكم غيا! فقد عظم الأمر # سأحرمكم حتى يذل صعابكم، ... وأبلغ شيء في صلاحكم الفقر # وقال طريح الثقفي» # : [طويل] # سعيت ابتغاء الشكر فيما صنعت بي ... فقصرت مغلوبا وإني لشاكر # ومثله قول الخريمي «5» : [طويل] # لأنك تعطيني الجزيل بداهة ... وأنت لما استكثرت من ذاك حاقر # PageV03P179 # ومثله قوله أيضا: [رمل] # زاد معروفك عظما ... أنه عندك محقور صغير # تتناسه كأن لم تأته ... وهو عند الناس مشهور كبير # قال رجل لبعض السلطان: المواجهة بالشكر ضرب من الملق «1» ، منسوب من عرف ~~بها إلى التخلق «2» ؛ وأنت تمنعني من ذلك وترفع الحال بيننا عنه، ولذلك ~~تركت لقاءك به. غير أني من الاعتراف بمعروفك ونشر ما تطوي منه والإشادة ~~بذكره عند إخوانك والانتساب إلى التقصير مع الإطناب في وصفه، على ما أرجو ~~أن أكون قد بلغت به حال المحتمل للصنيعة، الناهض بحق النعمة. # قال ابن عنقاء الفزاري «3» : [طويل] # رآني على ما بي عميلة فاشتكى ... إلى ما له حالي أسر كما جهر # دعاني فآساني ولو صد لم ألم ... على حين لا بدو يرجى ولا حضر # فقلت له خيرا وأثنيت فعله ... وأوفاك ما أسديت من ذم أو شكر «4» # وقال آخر «5» : [طويل] # سأشكر عمرا إن تراخت منيتي ... أيادي لم تمنن وإن هي جلت # فتى غير محجوب الغنى عن صديقه ... ولا مظهر الشكوى إذ النعل زلت # رأى خلتي من حيث يخفى مكانها ... فكانت قذى عينيه حتى تجلت «6» # PageV03P180 # وقرأت في كتاب للهند: أربعة ليست لأعمالهم ثمرة: مسار الأصم، والباذر في ~~السبخة «1» ، والمسرج في الشمس، وواضع المعروف عند من لا شكر له. # وقال بعض الشعراء المحدثين، وقيل: إنه للبحتري. فبعثت إليه أسأله عنه ~~فأعلمني أنه ليس له: [متقارب] # فلو كان للشكر شخص يبين ... إذا ما تأمله الناظر # لبينته لك حتى تراه ... فتعلم أني امرؤ شاكر # ولكنه ساكن في الضمير ... يحركه الكلم السائر # وقال آخر: [طويل] # فلو كان يستغني عن الشكر سيد ... لعزة ملك أو علو مكان # لما أمر الله الجليل بشكره ... فقال اشكروني أيها الثقلان «2» # وقال آخر: [طويل] # فأثنوا علينا لا أبا لأبيكم ... بإحساننا إن الثناء هو الخلد # وقال رجل من غني «3» : [كامل] # فإذا بلغتم أهلكم فتحدثوا ... ومن الثناء مهالك وخلود # وكانت عائشة رضي الله عنها تتمثل بقول الشاعر: # يجزيك أو يثني عليك وإن من ... أثنى عليك بما فعلت كمن جرى # وقال الحارث بن شداد في علي بن الربيع الحارثي: [بسيط] # PageV03P181 # الناس تحتك أقدام وأنت لهم ... رأس وكيف يسوى الرأس والقدم # فحسبنا من ثناء المادحين إذا ... أثنوا عليك بأن يثنوا بما علموا «1» # وقال آخر: [وافر] # بأي الخصلتين عليك أثني ... فإني عند منصرفي مسول «2» # أبى الحسنى وليس لها ضياء ... علي فمن يصدق ما أقول # أم الأخرى ولست لها بأهل ... وأنت البحر من ذهب يسيل # وقال بشار: [بسيط] # أثني عليك ولي حال تكذبني ... فيما أقول فأستحيي من الناس # قد قلت إن أبا حفص لأكرم من ... يمشي فخاصمني في ذاك إفلاسي # وكتب بعض الكتاب إلى وزير: لست تشبه حالنا في الحرمة، ولا نشبه حالك في ~~الجاه والقدرة، ولا ظاهر ما نحن عليه الباطن. وليس بعد حرمتي حرمة، ولا فوق ~~سببي سبب، ولا بعد حالك حال يرتجى، ولا بعد منزلتك منزلة تتمنى، ولا تنتظر ~~شيئا ولا أنتظره؛ ولا أتوقع حقا أزيده في حقوقي، ولا تتوقع فائدة تزيدها في ~~ذات يدك. وكم تحتال بالألفاظ، وتموه «3» بالمعاني، والناس يحتجون بالعمل ~~ويقضون بالعيان. # وقال بعض الشعراء: [طويل] # وزهدني في كل خير صنعته ... إلى الناس ما جربت من قلة الشكر # وقال أبو الهول في أبي المراء عتبة بن عاصم: [طويل] # PageV03P182 # إذا فاخرتنا من معد عصابة ... فخرنا عليها بابن عتبة عاصم «1» # يجر رياط الحمد في دار قومه ... ويختال في عرض من الذم سالم «2» # وقال رجل لبعض السلطان: مثلك اوجب حقا لا يجب عليه، وسمح بحق يجب له، ~~وقبل واضح العذر، واستكثر قليل الشكر. لا زالت أياديك فوق شكر أوليائك، ~~ونعمة الله عليك فوق آمالهم فيك. # وكتب آخر: # ما أنتهي إلى غاية من شكرك، إلا وجدت وراءها غاية من معروفك يحسروني «3» ~~بلوغها. وما عجز الناس عنه فالله من ورائه. فلا زالت أيامك ممدودة بين أمل ~~لك تبلغه، وأمل فيك تحققه، حتى تتملى من الأعمار أطولها، وتنال من الهبات ~~أفضلها. # ونحو هذا قول آخر: # كان لي فيك أملان: أحدهما لك، والآخر بك. فأما الأمل لك فقد بلغته، وأما ~~الأمل بك فأرجو أن يحققه الله ويوشكه. # وفي كتاب آخر: # أيام القدرة وإن طالت قصيرة، والمتعة بها وإن كثرت قليل، والمعروف وإن ~~أسدي إلى من يكفره مشكور بلسان غيره. # وفي كتاب بعض الكتاب: # وما ذكرت- أعزك الله- من ذلك قديما ولا جددت منه حديثا، إلا # PageV03P183 # وأصغر أملي فيك فوقه وإن كان استحقاقي دونه. فإن أقض واجب حق الله على في ~~شكر نعمك فبتوفقه وعونه، وإن أقصر عن كنهه فعن غير تقصير في بلوغ الجهد ~~فيه. # وفي هذا الكتاب: # أما ما بذل الأمير من ماله، فذلك ما قد سبق الرجاء بل اليقين إليه، معرفة ~~مني بطوله وكرمه، وليس ينكر أياديه ولا بدع صنائعه. وما يرشدني أملي بعد ~~الله إلا إليه، ولا أفزع «1» لحادثة إلى غيره، ولا أتضاءل لنائبة معه. ولو ~~عجزت عن النهضة لما حاولت الإستقلال والانتعاش إلا به. ومال الأمير الكثير ~~المذخور عند انقطاع الحيل، لا معنف طالبه، ولا مخوف على الرد عنه واهبه، ~~ولا عائق منع دونه، ولا تنغيص من ورائه؛ ولا كنز أولى بالصون وأن يجعل وقفا ~~على النوائب والعواقب من كنز من هذه حاله. # قالت بنو تميم لسلامة بن جندل «2» : مجدنا بشعرك؛ فقال: افعلوا حتى أثني. ~~ونحوه قول عمرو بن معد يكرب «3» : [طويل] # فلو أن قومي أنطقتني رماحهم ... نطقت ولكن الرماح أجرت «4» # قال رجل من قريش لأشعب: والله ما شكرت معروفي عندك؛ فقال: إن معروفك كان ~~من غير محتسب، فوقع عند غير شاكر. # PageV03P184 # وقال أبو نواس: [كامل] # أنت امرؤ أوليتني نعما ... أوهت قوى شكري فقد ضعفا «1» # فإليك بعد اليوم تقدمة ... والتك بالتصريح منكشفا «2» # لا تحدثن إلي عارفة ... حتى أقوم بشكر ما سلفا «3» # وقال أبو نخيلة «4» : [طويل] # شكرتك إن الشكر حبل من التقى ... وما كل من أقرضته نعمة يقضى # فأحييت من ذكري وما كان ميتا ... ولكن بعض الذكر أنبه من بعض # آخر: [طويل] # لأشكرنك معروفا هممت به ... إن اهتمامك بالمعروف معروف # ولا ألومك إن لم يمضه قدر ... فالشيء بالقدر المحتوم مصروف # وقال رجل لسعيد بن جبير: المجوسي يوليني خيرا فأشكره، ويسلم علي فأرد ~~عليه؛ فقال سعيد: سألت ابن عباس عن نحو هذا، فقال لي: لو قال لي فرعون خيرا ~~لرددت عليه مثله. # أنشد ابن الأعرابي: [رمل] # أهلكتني بفلان ثقتي ... وظنون بفلان حسنه # ليس يستوجب شكرا رجل ... نلت خيرا منه من بعد سنه # PageV03P185 # وقال بعضهم: لا تثق بشكر من تعطيه حتى تمنعه؛ فإن الصابر هو الشاكر، ~~والجازع هو الكافر «1» . # وقال أوس بن حجر «2» : [طويل] # سأجزيك أو يجزيك عني مثوب ... وقصدك أن يثنى عليك وتحمدي # والعرب تقول: فلان أشكر من البروق وهو نبت ضعيف ينبت بالسحاب إذا نشأ ~~وبأدنى مطر. # وقال الشاعر: [طويل] # لئن طبت نفسا عن ثنائي فإنني ... لأطيب نفسا عن نذاك على عسري # فلست إلى جدواك أعظم حاجة ... على شدة الإعسار منك إلى شكري «3» # وقال آخر: [كامل] # حسب امرىء إن فاتني غرض ... من بره أن فاته شكري # إني إذا ضاق امرؤ بجدا ... عني اتسعت عليه بالعذر «4» # وقال الطائي لإسحاق بن إبراهيم: [كامل] # ومحجب حاولته فوجدته ... نجما عن الركب العفاة شسوعا «5» # أعدمته لما عدمت نواله ... شكري فرحنا معدمين جميعا # PageV03P186 # وقال: [طويل] # فإن يك أربى عفو شكري على ندى ... أناس فقد أربى نداه على جهدي «1» # وقال: # وكيف يجور عن قصد لساني ... وقلبي رائح برضاك غادي # ومما كانت العلماء قالت ... لسان المرء من خدم الفؤاد # وقال: # أبا سعيد وما وصفي بمتهم ... على الثناء وما شكري بمخترم «2» # لئن جحدتك ما أوليت من نعم ... إني لفي الشكر أحظى منك في النعم» # أنسى ابتسامك والألوان كاسفة ... تبسم الصبح في داج من الظلم «4» # رددت رونق وجهي في صفيحته ... رد الصقال بهاء الصارم الخذم «5» # وما أبالي، وخير القول أصدقه، ... حقنت لي ماء وجهي أم حقنت دمي # وقال: [وافر] # فلا تكدر حياضك لي فأني ... أمت إليك آمالا طوالا «6» # وفرجاهي علي فإن جاهي ... إذا ما غب يوم كان مالا «7» # وقال: [بسيط] # يا منة لك لولا أخففها ... به من الشكر لم تحمل ولم تطق # PageV03P187 # بالله أدفع عني ثقل فادحها ... فإنني خائف منه على عنقي «1» # وقال بشار في عمر بن العلاء: [متقارب] # دعاني إلى عمر جوده ... وقول العشيرة بحر خضم # ولولا الذي زعموا لم أكن ... لأمدح ريحانة قبل شم # ويقال: الشكر ثلاث منازل: لمن فوقك بالطاعة، ولنظيرك بالمكافأة، ولمن ~~دونك بالإفضال عليه. # قال إبراهيم بن المهدي «2» يشكر المأمون: [بسيط] # رددت ما لي ولم تمنن علي به ... وقبل ردك ما لي قد حقنت دمي # فأبت منك وقد جللتني نعما ... هي الحياتان من موت ومن عدم # فلو بذلت دمي أبغي رضاك به ... والمال حتى أسل النعل من قدمي # ما كان ذاك سوى عارية رجعت ... إليك لو لم تعرها كنت لم تلم «3» # وقام علمك بي فاحتج عندك لي ... مقام شاهد عدل غير متهم # وقال آخر، وبلغني أنه الخثعمي «4» : [خفيف] # فاذهبا بي إن لم يكن لكما عق ... ر إلى جنب قبره فاعقراني «5» # وانضحا من دمي عليه فقد كا ... ن دمي من نداه لو تعلمان «6» # PageV03P188 # وفد رجل على سليمان بن عبد الملك في خلافته؛ فقال له: ما أقدمك؟ قال: ما ~~أقدمني عليك رغبة؛ قال: وكيف ذاك؟ قال: أما الرغبة فقد وصلت إلينا وفاضت في ~~رحالنا وتناولها الأقصى والأدنى منا، وأما الرهبة فقد أمنا بعدل أمير ~~المؤمنين علينا وحسن سيرته فينا من الظلم، فنحن وفد الشكر. # وقال الفرزدق في عمرو بن عتبة: [بسيط] # لولا ابن عتبة عمرو والرجاء له ... ما كانت البصرة الحمقاء لي وطنا # أعطاني المال حتى قلت يودعني ... أو قلت أودع لي مالا رآه لنا # فجوده متعب شكري ومنته ... وكلما زدت شكرا زادني مننا # يرمي بهمته أقصى مسافتها ... ولا يريد على معروفه ثمنا # هذا مثل قول الأعرابي: ما زال فلان يعطيني حتى ظننت أنه يودعني ماله. وما ~~ضاع مال أورث المحامد. # ويقال: خمسة أشياء ضائعة: سراج يوقد في شمس، ومطر جود في سبخة «1» ، ~~وحسناء تزف إلى عنين «2» ، وطعام استجيد وقدم إلى سكران، ومعروف صنع إلى من ~~لا شكر له. # وكان يقال: الشكر زيادة في النعم وأمان من الغير. # وقال أسماء بن خارجة «3» : إذا قدمت المصيبة تركت التعزية، وإذا قدم ~~الإخاء قبح الثناء. # بعث روح بن حاتم «4» إلى كاتب له بثلاثين ألف درهم، وكتب إليه: قد # PageV03P189 # بعثت بها إليك، ولا أقللها تكبرا، ولا أكثرها تمننا، ولا أستثيبك عليها ~~ثناء، ولا أقطع عنك بها رجاء. # وفي كتاب للهند: لا ثناء مع كبر. وفيه: ستة أشياء لا ثبات لها: ظل ~~الغمام، وخلة الأشرار، وعشق النساء، والمال الكثير، والسلطان الجائر، ~~والثناء الكاذب. # والعرب تقول: «لا تهرف قبل أن تعرف» أي لا تطنبن في الثناء قبل الاختبار. # وكتب أبو نواس من الحبس إلى الفضل بن الربيع: [كامل] # ما من يد في الناس واحدة ... كيد أبو العباس مولاها # نام الثقات على مضاجعهم ... وسرى إلى نفسي فأحياها # قد كنت خفتك ثم آمنني ... من أن أخافك خوفك الله # فعفوت عني عفو مقتدر ... وجبت له نقم فألغاها # والبيت المشهور في هذا قول النجاشي «1» : [بسيط] # لا تحمدن امرأ حتى تجربه ... ولا تذمن من لم يبله الخبر «2» # وقال آخر في الاختبار: [كامل] # إن الرجال إذا اختبرت طباعهم ... ألفيتهم شتى على الأخبار # لا تعجلن إلى شريعة مورد ... حتى تبين خطة الإصدار «3» # وقال الرياشي: أنشدني أبو العالية «4» : [طويل] # PageV03P190 # إذا أنا لم أشكر على الخير أهله ... ولم أذمم الجبس اللئيم المذمما «1» # ففيم عرفت الخير والشر باسمه ... وشق لي الله المسامع والفما # قال ابن التوءم: كل من كان، جوده يرجع إليه؛ ولولا رجوعه إليه لما جاد ~~عليك، ولو تهيأ له ذلك المعنى في سواك لما قصد إليك، فليس يجب له عليك شكر. ~~وإنما يوصف بالجود في الحقيقة ويشكر على النفع في حجة العقل، الذي إن جاد ~~عليك فلك جاد، ونفعك أراد، من غير أن يرجع إليه جوده بشيء من المنافع على ~~جهة من الجهات، وهو الله وحده لا شريك له. # فإن شكرنا الناس على بعض ما جرى لنا على أيديهم، فلأمرين: أحدهما التعبد؛ ~~وقد أمر الله تعالى بتعظيم الوالدين وإن كانا شيطانين وتعظيم من هو أسن منا ~~وإن كنا أفضل منه. والآخر: لأن النفس ما لا تحصل الأمور وتميز المعاني، ~~فالسابق إليها حب من جرى لها على يديه الخير وإن كان لم يردها ولم يقصد ~~إليها. ألا ترى أن عطية الرجل صاحبه لا تخلو أن تكون لله أو لغير الله؛ فإن ~~كانت لله فثوابه على الله؛ وكيف يجب في حجة العقل شكره وهو لو صادف ابن ~~سبيل غيري لما أعطاني؛ وإما أن يكون إعطاؤه إياي للذكر؛ فإن كان كذلك فإنما ~~جعلني سلما إلى حاجته وسببا إلى بغيته؛ أو يكون إعطاؤه إياي طلبا للمكافأة؛ ~~فإنما ذلك تجارة؛ أو يكون إعطاؤه لخوف يدي أو لساني أو اجترار معونتي ~~ونصرتي، وسبيل هذا معروف؛ أو يكون إعطاؤه للرحمة والرقة ولما يجد في فؤاده ~~من العصر «2» والألم، فإنما داوى بتلك العطية من دائه ورفه من خناقه «3» . # PageV03P191 # وكان محمد بن الجهم يقول: نحو هذا قول الشاعر: [متقارب] # لعمرك ما الناس أثنوا عليك ... ولا عظموك ولا عظموا # ولا شايعوك على ما بلغ ... ت من الصالحات ولا قدموا # ولو وجدوا لهم مطعنا ... إلى أن يعيبوك ما جمجموا «1» # ولكن صبرت لما ألزموك ... وجدت بما لم يكن يلزم # وكان قراك إذا ما لقوك ... لسانا بما سرهم ينعم «2» # وخفض الجناح ووشك النجاح ... وتصغير ما عظم المنعم «3» # فأنت بفضلك ألجاتهم ... إلى أن يجلوا وأن ينعموا # وقال خلف بن خليفة الأقطع «4» : [طويل] # وفي اليأس من أن تسأل الناس راحة ... تميت بها عسرا وتحيي بها يسرا # وليس يد أوليتها بغنيمة ... إذا كنت تبغي أن يعد شكرا # غنى النفس يكفي النفس ما سد فاقة ... فإن زاد شيئا عاد ذاك الغنى فقرا # قال ابن عائشة: بلغني أن عبد الرحمن بن حسان سأل بعض الولاة حاجة فلم ~~يقضيها له، فسألها آخر فقضاها له؛ فقال: [طويل] # ذممت ولم تحمد وأدركت حاجتي ... تولى سواكم أجرها واصطناعها # PageV03P192 # أبى لك كسب الحمد رأي مقصر ... ونفس أضاق الله بالخير باعها «1» # إذا هي حثته على الخير مرة ... عصاها وإن همت بشر أطاعها # وقال ابن عائشة: قال رجل يوما لابن عيينة: ما شيء تحدثونه يا أبا محمد؟ ~~قال: ما هو؟ قال: يقولون إن الله تعالى يقول: أيما عبد كانت له إلي حاجة ~~فشغله الثناء علي عن سؤال حاجته، أعطيته فوق أمنيته؛ فقال له: يابن أخي، ~~وما تنكر من هذا! أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت في عبد الله بن جدعان: ~~[وافر] # إذا أثنى عليه المرء يوما ... كافه من تعرضه الثناء # فكيف بأكرم الأكرمين!. # وكان يقال: في طلب الرجل الحاجة إلى أخيه فتنة: إن هو أعطاه حمد غير الذي ~~أعطاه، وإن منعه ذم غير الذي منعه. # حدثنا الرياشي قال: أنشدنا كيسان لدكين الراجز «2» : [طويل] # إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل «3» # إذا المرء لم يصرع عن اللؤم نفسه ... فليس إلى حسن الثناء سبيل «4» # وكان يقال: أول منازل الحمد السلامة من الذم. # PageV03P193 # قال عروة بن أذينة الليثي «1» : [منسرح] # لا تتركن، إن صنيعة سلفت ... منك وإن كنت لا تصغرها # إلى امرىء، إن تقول إن ذكرت ... عندك في الجد لست أذكرها # فإن إحياءها إماتتها ... وإن منا بها يكدرها # وإن تولى امرؤ بشكر يد ... فالله يجزي بها ويشكرها # ويقال: أحيوا المعروف بإماتته. # أبو سفيان الحميري قال: كان مسعدة الكاتب أبو عمرو بن مسعدة مولى لخالد ~~القسري، وكان في ديوان الرسائل بواسط، وكان موجزا في كتبه، فكتب إلى صديق ~~له: أما بعد، فإنه لن يعدمك من معروفك عندنا أمران: أجر من الله وشكر منا. ~~وخير مواضع المعروف ما جمع الأجر والشكر. والسلام. # وكتب بعض الكتاب إلى بعض العمال: وما أتأمل في وقت من الأوقات ولا يوم من ~~الأيام آثار أياديك لدي، ومواقع معروفك عندي، إلا نبهني التأمل على ما يحسر ~~«2» الشكر ويثقل الظهر، لأنك أنعشت من عثرة، وأنهضت من سقطة، وتلافيت نعمة ~~كانت على شفا زوال ودروس» # ، وتلقيت ما ألقيت عليك من الكل بوجه طليق وباع رحيب. والسلام. ### | الترغيب في قضاء الحاجة واصطناع المعروف # حدثني محمد بن عبيد قال حدثنا داود بن المحبر عن محمد بن الحسن الهمداني ~~عن أبي حمزة عن علي بن الحسين عن أبيه عن جده علي بن أبي # PageV03P194 # طالب رضوان الله عليه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ترك ~~معونة أخيه المسلم والسعي معه في حاجته قضيت أو لم تقض كلف أن يسعى في حاجة ~~من لا يؤجر في حاجته. ومن ترك الحج لحاجة عرضت له لم تقض حاجته حتى يرى ~~رءوس المحلقين» . # حدثني محمد بن عبيد قال حدثنا ابن عيينة عن يزيد بن عبد الله بن أبي بردة ~~عن أبيه عن جده عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~«اشفعوا «1» إلي ويقضي الله على لسان نبيكم ما شاء» . # بلغني عن جعفر بن أبي جعفر المازني عن ابن أبي السري عن إبراهيم بن أدهم ~~عن منصور بن المعتمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحببت أن ~~يحبك الله فازهد في الدنيا وإن أحببت أن يحبك الناس فلا يقع في يدك من ~~حطامها شيء إلا نبذته إليهم» «2» . # حدثني محمد بن داود عن محمد بن جابر قال: قال ابن عيينة: ليس أقول لكم ~~إلا ما سمعت: قيل لابن المنكدر: أي الأعمال أفضل؟ قال: # إدخال السرور على المؤمن. وقيل: أي الدنيا أحب إليك؟ قال: الإفضال على ~~الإخوان. # حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثنا زرير العطاردي قال: صلى بنا أبو ~~رجاء العطاردي العتمة ثم أوى إلى فراشه، فأتته امرأة فقالت: أبا # PageV03P195 # رجاء، إن لطارق الليل حقا، وإن بني فلان خرجوا إلى سفوان «1» وتركوا ~~كتبهم وشيئا من متاعهم؛ فانتعل أبو رجاء وأخذ الكتب وأداها وصلى بنا الفجر، ~~وهو مسيرة ليلة للإبل، والناس يقولون: إنها أربعة فراسخ. # حدثني أحمد بن الخليل عن محمد بن سعيد قال حدثنا ابن المبارك عن حميد عن ~~الحسن قال: لأن أقضي حاجة لأخ أحب إلي من أن أعتكف سنة. # قال ابن عائشة: كان عمرو بن معاوية العقيلي يقول: اللهم بلغني عثرات ~~الكرام. # قال المأمون لمحمد بن عباد المهلبي: أنت متلاف؛ فقال: يا أمير المؤمنين، ~~منع الموجود سوء ظن بالله، يقول الله تعالى: وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ~~وهو خير الرازقين # «2» . # وكان ابن عباس يقول: صاحب المعروف لا يقع، فإن وقع وجد متكأ. # هذا نحو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «المعروف يقي مصارع السوء» . # وكان ابن عباس يقول أيضا: ما رأيت رجلا أوليته معروفا إلا أضاء ما بيني ~~وبينه، ولا رأيت رجلا أوليته سوءا إلا أظلم ما بيني وبينه. # قال جعفر بن محمد: إن الحاجة تعرض للرجل قبلي فأبادر بقضائها مخافة أن ~~يستغني عنها أو تأتيه وقد استبطأها فلا يكون لها عنده موقع. # وقال الشاعر: [طويل] # وبادر بسلطان إذا كنت قادرا ... زوال اقتدار أو غنى عنك يعقب «3» # PageV03P196 # وقال آخر في مثله: [متقارب] # بدا حين أثرى بإخوانه ... ففكك عنهم شباة العدم «1» # وذكره الحزم غب الأمور ... فبادر قبل انتقال النعم «2» # وقرأت في كتاب للهند: من صنع المعروف لعاجل الجزاء، فهو كملقي الحب ليصيد ~~به الطير لا لينفعه. # قال ابن عباس: ثلاثة لا أكافئهم: رجل بدأني بالسلام، ورجل وسع لي في ~~المجلس، ورجل اغبرت قدماه في المشي إلي إرادة التسليم علي؛ فأما الرابع فلا ~~يكافئه عني إلا الله جل وعز؛ قيل: ومن هو؟ قال: رجل نزل به أمر فبات ليلته ~~يفكر بمن ينزله، ثم رآني أهلا لحاجته فأنزلها بي. # وقال سلم بن قتيبة: رب المعروف أشد من ابتدائه «3» . # ويقال: الابتداء بالمعروف نافلة، وربه فريضة. # قيل لبزرجمهر: هل يستطيع أحد أن يفعل المعروف من غير أن يرزأ «4» شيئا؟ ~~قال: نعم، من أحببت له الخير وبذلت له الود، فقد أصاب نصيبا من معروفك. # قال جعفر بن محمد: ما توسل إلي أحد بوسيلة هي أقرب به إلى ما يحب من يد ~~سلفت مني إليه، أتبعتها أختها لأحسن ربها وحفظها؛ لأن منع الأواخر يقطع شكر ~~الأوائل. # PageV03P197 # قال رجل من مجلس خالد بن عبد الله القسري؛ فقال خالد: إني لأبغض هذا ~~الرجل وما له إلي ذنب، فقال رجل من القوم: أوله أيها الأمير معروفا ففعل، ~~فما لبث أن خف على قلبه وصار أحد جلسائه. # قال ابن عباس: لا يتم المعروف إلا بثلاث: تعجيله وتصغيره وستره، فإنه إذا ~~عجله هنأه، وإذا صغره عظمه وإذا ستره تممه. # وقال الخريمي في نحو هذا: [رمل] # زاد معروفك عندي عظما ... أنه عندك محقور صغير # تتناساه كأن لم تأته ... وهو عند الناس مشهور كبير # وقال الطائي: [كامل] # جود مشيت به الضراء تواضعا ... وعظمت عن ذكراه وهو عظيم «1» # أخفيته فخفيته وطويته ... فنشرته والشخص منه عميم «2» # وكان يقال: ستر رجل ما أولى، ونشر رجل ما أولي. # وقال رجل لبنيه: إذا اتخذتم عند رجل يدا فانسوها. وقالوا: المنة تهدم ~~الصنيعة. قال الشاعر: [بسيط] # أفسدت بالمن ما أسديت من حسن ... ليس الكريم إذا أسدى بمنان # قال رجل لابن شبرمة (3) : فعلت بفلان كذا وفعلت به كذا؛ فقال: لا خير في ~~المعروف إذا أحصي. # وفي بعض الحديث: كل معروف صدقة وما أنفق الرجل على أهله ونفسه وولده صدقة ~~وما وقى «3» المرء به عرضه فهو صدقة وكل نفقة «4» أنفقها فعلى # PageV03P198 # الله خلفها مثلها إلا في معصية أو بنيان. وفي الحديث المرفوع «فضل جاهك ~~تعود به على أخيك صدقة منك عليه ولسانك تعبر به عن أخيك صدقة منك عليه ~~وإماطتك «1» الأذى عن الطريق صدقة منك على أهله. # وكان يقال: بذل الجاه زكاة الشرف. # وقال بعض الشعراء: [طويل] # وليس فتى الفتيان من راح واغتدى ... لشرب صبوح أو لشرب غبوق «2» # ولكن فتى الفتيان من راح واغتدى ... لضر عدو أو لنفع صديق # قال ابن عباس: لا يزهدنك في المعروف كفر من كفره، فإنه يشكرك عليه من لم ~~تصطنعه إليه. # وقال حماد عجرد: [بسيط] # إن الكريم ليخفي عنك عسرته ... حتى تراه غنيا وهو مجهود «3» # إذا تكرمت أن تعطي القليل ولم ... تقدر على سعة لم يظهر الجود # وللبخيل على أمواله علل ... زرق العيون عليها أوجه سود # أورق بخير ترجي للنوال فما ... ترجى الثمار إذا لم يورق العود «4» # بث النوال ولا تمنعك قلته ... فكل ما سد فقرا فهو محمود «5» # والعرب تقول: من حقر حرم. # حدثني عبد الرحمن عن عمه قال: قال سلم بن قتيبة «6» : أحدهم يحقر # PageV03P199 # الشيء فيأتي ما هو شر منه، يعني المنع. # وقال الشاعر: [بسيط] # وما أبالي إذا ضيف تضيفني ... ما كان عندي إذا أعطيت مجهودي # جهد المقل إذا أعطاك مصطبرا ... ومكثر من غنى سيان في الجود # وفي الحديث المرفوع «أفضل الصدقة جهد المقل» . # وقال البريق الهذلي «1» : [متقارب] # أبو مالك قاصر فقره ... على نفسه ومشيع غناه # وكان خالد بن عبد الله يقول على المنبر: أيها الناس عليكم بالمعروف، فإن ~~فاعل المعروف لا يعدم جوازيه «2» ، وما ضعف الناس عن أدائه قوي الله على ~~جوازيه، والبيت المشهور في هذا قول الحطيئة: [بسيط] # من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس «3» # ويقال: إنه في بعض كتب الله عز وجل. # قال وهب بن منبه: إن أحسن الناس عيشا من حسن عيش الناس في عيشه، وإن من ~~ألذ اللذة الإفضال على الإخوان وفي الحديث المرفوع «إنما لك من مالك ما ~~أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو أعطيت فأمضيت «4» وما سوى ذلك فهو ملك ~~الوارث» . # وقال بشار: [رمل] # أنفق المال ولا تشق به ... خير ديناريك دينار نفق «5» # PageV03P200 # قال بزرجمهر: إذا أقبلت عليك الدنيا فأنفق فإنها لا تفنى وإذا أدبرت عنك ~~فأنفق فإنها لا تبقى. أخذه بعض المحدثين فقال: # فأنفق إذا أنفقت إن كنت موسرا ... وأنفق على ما خيلت حين تعسر «1» # فلا الجود يفني المال والجد مقبل ... ولا البخل يبقي المال والجد مدبر # وفي كتاب كليلة: لا يعد عائشا من لا يشارك في غناه. # مر الحسن برجل يقلب درهما؛ فقال له: أتحب درهمك هذا؟ قال: # نعم، قال: أما إنه ليس لك حتى يخرج من يدك. # قال الربيع بن خيثم لأخ له: كن وصي نفسك ولا تجعل أوصياءك الرجال. # وقال بعض الشعراء: [متقارب] # سأحبس مالي على حاجتي ... وأوثر نفسي على الوارث # أعاذل عاجل ما أشتهي ... أحب من المبطيء الرائث «2» # قال عبيد الله بن عكراش: زمن خؤون «3» ، ووارث شفون «4» ؛ فلا تأمن ~~الخؤون وكن وارث الشفون. # وقال أبو ذر: لك في مالك شريكان إذا جاءا أخذا ولم يؤامراك: # الحدثان «5» والقدر، كلاهما يمر على الغث والسمين، والورثة ينتظرون متى # PageV03P201 # تموت فيأخذون ما تحت يديك وأنت لم تقدم لنفسك؛ فإن استطعت ألا تكون أخس ~~الثلاثة نصيبا فافعل. # وقال سعيد بن العاص في خطبة له: من رزقه الله رزقا حسنا فليكن أسعد الناس ~~به فإنه إنما يترك لأحد رجلين: إما مصلح فلا يقل عليه شيء، وإما مفسد فلا ~~يبقي له شيء. فقال معاوية: جمع أبو عثمان طرفي الكلام. # وقال حطائط بن يعفر: [طويل] # ذريني أكن للمال ربا ولا يكن ... لي المال ربا تحمدي غبه غدا «1» # أريني جوادا مات هزلا لعلتي ... أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا # وقلت ولم أعي الجواب تبيني ... أكان الهزال حتف زيد وأربدا «2» # قال أعرابي: الدراهم ميسم تسم حمدا أو ذما؛ فمن حبسها كان لها، ومن ~~أنفقها كانت له، وما كل من أعطي مالا أعطي حمدا، ولا كل عديم ذميم. # وقال بعض المحدثين: [رمل] # أنت للمال إذا أمسكته ... فإذا أنفقته فالمال لك # حدثني يزيد بن عمرو عن يزيد بن مروان قال: حدثنا النعمان بن هلال عن عبد ~~الله بن دينار عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ~~«تنزل المعونة على قدر الموونة» . # قال معاوية لوردان مولى عمرو بن العاص: ما بقي من الدنيا تلذه؟ # قال: العريض الطويل؛ قال: وما هو؟ قال: الحديث الحسن أو ألقى أخا قد # PageV03P202 # نكبه الدهر فأجبره» # ؛ قال: نحن أحق بهما منك؛ قال: إن أحق بهما منك من سبقك إليهما. # وقال اعرابي: [طويل] # وما هذه الأيام إلا معارة ... فما استطعت من معروفها فتزود «2» # فإنك لا تدري بأية بلدة ... تموت ولا ما يحدث الله في غد # يقولون لا تبعد، ومن يك بعده ... ذراعين من قرب الأحبة يبعد # وقال آخر: [سريع] # إن كنت لا تبذل أو تسأل ... أفسدت ما تعطي بما تفعل # قال بعضهم: مضى لنا سلف أهل تواصل، اعتقدوا مننا، واتخذوا أيادي ذخيرة ~~لمن بعدهم: كانوا يرون اصطناع المعروف عليهم فرضا، وإظهار البر حقا واجبا، ~~ثم حال الزمان بنشء اتخذوا مننهم صناعة، وبرهم مرابحة، وأياديهم تجارة ~~واصطناع المعروف مقارضة كنقد السوق خذ مني وهات. # قال العتبي: وقع ميراث بين ناس من آل أبي سفيان وبني مروان، فتشاحوا «3» ~~فيه، فلما انصرفوا أقبل عمرو بن عتبة على ولده، فقال لهم: إن لقريش درجا ~~تزلق «4» عنها أقدام الرجال، وأفعالا تخشع لها رقاب الأموال، وألسنا تكل ~~معها الشفار «5» المشحوذة، وغايات تقصر عنها الجياد المنسوبة؛ # PageV03P203 # ولو كانت الدنيا لهم ضاقت عن سعة أحلامهم، ولو احتفلت ما تزينت إلا بهم. ~~ثم إن ناسا منهم تخلقوا بأخلاق العوام، فصار لهم رفق باللؤم وخرق «1» في ~~الحرص، لو أمكنهم قاسموا الطير أرزاقها، إن خافوا مكروها تعجلوا له الفقر، ~~وإن عجلت لهم نعمة أخروا عليها الشكر، أولئك أنضاء «2» فكر الفقر وعجزة ~~حملة الشكر. # قال بعض الحجازيين: [متقارب] # فلو كنت تطلب شأو الكرام ... فعلت كفعل أبي البختري «3» # تتبع إخوانه في البلاد ... فأغنى المقل عن المكبثر ### | القناعة والاستعفاف # حدثني شيخ لنا عن وكيع عن ابن أبي ذئب عن محمد بن قيس عن عبد الرحمن ابن ~~يزيد عن ثوبان «4» قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يتقبل لي ~~بواحدة وأتقبل له بالجنة فقال ثوبان: أنا يا رسول الله، قال: لا تسأل الناس ~~شيئا فكان ثوبان إذا سقط سوطه من يده نزل فأخذه ولم يسأل أحدا أن يناوله ~~إياه. # وحدثني أيضا عن عبد الرحمن المحاربي عن الأعمش عن مجاهد قال: # قال عمر رضي الله عنه: ليس من عبد إلا وبينه وبين رزقه حجاب، فإن اقتصد ~~أتاه رزقه وإن اقتحم هتك الحجاب ولم يزد في رزقه. # PageV03P204 # وحدثني أيضا عن وكيع عن سفيان عن أسامة بن زيد عن أبي معن الإسكندراني ~~قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الصفا الزلال «1» الذي لا تثبت ~~عليه أقدام العلماء الطمع» . وقال عليه السلام: «إن روح القدس نفث في روعي ~~«2» أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا «3» في الطلب» . # قال ابن حازم: [بسيط] # للناس مال ولي مالان ما لهما ... إذا تحارس أهل المال أحراس # ما لي الرضا بالذي أصبحت أملكه ... وما لي اليأس مما يملك الناس # أخذ هذا من قول أبي حازم المدني، وقال له بعض الملوك: ما مالك؟ # قال: الرضا عن الله، والغنى عن الناس. # وقال بشار بن بشر «4» : [طويل] # وإني لعف عن فكاهة جارتي ... وإني لمشنوء إلي اغتيابها «5» # إذا غاب عنها بعلها لم أكن لها ... زءورا ولم تأنس إلي كلابها «6» # ولم أك طلابا أحاديث سرها ... ولا عالما من أي حوك ثيابها # وإن قراب البطن يكفيك ملؤه ... ويكفيك سوءآت الأمور اجتنابها # إذا سد باب عنك من دون حاجة ... فذرها لأخرى لين لك بابها # وقال ابن أبي حازم: [مخلع البسيط] # PageV03P205 # أوجع من وخزة السنان ... لذي الحجا وخزة اللسان «1» # فاسترزق الله واستعنه ... فإنه خير مستعان # وإن نبا منزل بحر ... فمن مكان إلى مكان «2» # لا يثبت الحر في مكان ... ينسب فيه إلى الهوان # الحر حر وإن تعدت ... عليه يوما يد الزمان # حدثني محمد بن داود عن جابر بن عثمان الحنفي عن يوسف بن عطية قال حدثني ~~المعلى بن زياد القردوسي: أن عامر بن عبد قيس العنبري كان يقول: أربع آيات ~~من كتاب الله إذا قرأتهن مساء لم أبال على ما أمسي، وإذا تلوتهن صباحا لم ~~أبال على ما أصبح: ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا ~~مرسل له من بعده # «3» . وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده # «4» . وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها # «5» . سيجعل الله بعد عسر يسرا # «6» . # حدثني عبد الرحمن عن بشر بن مصلح قال قال إبراهيم بن أدهم «7» : لا تجعل ~~بينك وبين الله منعما عليك، وعد النعم منه عليك مغرما «8» . # حدثني الرياشي عن الأصمعي قال: أبرع بيت قالته العرب بيت أبى # PageV03P206 # ذؤيب الهذلي «1» : [كامل] # والنفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد إلى قليل تقنع # قال أبو حاتم عن الأصمعي قال حدثنا أبو عمرو الصفار عن الحجاج بن الأسود ~~قال: احتاجت عجوز من العجز القدم، قال: فجزعت إلى المسألة، ولو صبرت لكان ~~خيرا لها. ولقد بلغني أن الإنسان يسأل فيمنع، ويسأل فيمنع، والصبر منتبذ ~~ناحية يقول: لو صرت إلي لكفيتك. # وكان يقال: أنت أخو العز ما التحفت القناعة، ويقال: اليأس حر والرجاء ~~عبد. # وقال بعض المفسرين في قول الله عز وجل: فلنحيينه حياة طيبة # «2» قال: بالقناعة. # وقال سعد بن أبي وقاص لابنه عمر: يا بني إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة، ~~فإن لم تكن لك قناعة فليس يغنيك مال. # وقال عروة بن أذينة «3» : [بسيط] لقد علمت- وما الإسراف في طمع-* أن الذي ~~هو رزقي سوف يأتيني # أسعى له فيعنيني تطلبه ... ولو قعدت أتاني لا يعنيني «4» # وقال أبو العتاهية: [رجز] # إن كان لا يغنيك ما يكفيكا ... فكل ما في الأرض لا يغنيكا # PageV03P207 # وقال بعضهم: الغنى والفقر يجولان في طلب القناعة فإذا وجداها قطناها «1» ~~. # حجت أعرابية على ناقة لها، فقيل لها: أين زادك؛ قلت: ما معي إلا ما في ~~ضرعها. وقال الشاعر: [كامل] # يا روح من حسمت قناعته ... سبب المطامع من غد وغد # من لم يكن لله متهما ... لم يمس محتاجا إلى أحد # وقال أردشير: خير الشيم القناعة، ونماء العقل بالتعلم. # وقال النمر بن تولب: [كامل] # ومتى تصبك خصاصة فارج الغنى ... وإلى الذي يهب الرغائب فارغب # لا تغضبن على امرىء في ماله ... وعلى كرائم صلب مالك فاغضب «2» # وقال أبو الأسود: [طويل] # ولا تطمعن في مال جار لقربه ... فكل قريب لا ينال بعيد # وقال كعب بن زهير «3» . [بسيط] # قد يعوز الحازم المحمود نيته ... بعد الثراء ويثري العاجز الحمق # فلا تخافي علينا الفقر وانتظري ... فضل الذي بالغنى من فضله نثق # وشكا رجل إلى قوم ضيقا فقال له بعضهم: شكوت من يرحمك إلى من لا يرحمك. # PageV03P208 # وقال هشام بن عبد الملك لسالم بن عبد الله ودخلا الكعبة: سلني حاجتك، ~~قال: أكره أن أسأل في بيت الله غير الله. ورأى رجلا يسأل في الموقف فقال: ~~أفي مثل هذا الموضع تسأل غير الله عز وجل!. # وقال ابن المعذل «1» : [طويل] # تكلفني إذلال نفسي لعزها ... وهان عليها أن أهان لتكرما # تقول سل المعروف يحيى بن أكثم ... فقلت سليه رب يحيى بن أكثما «2» # وقال ابن عباس: المساكين لا يعودون مريضا ولا يشهدون جنازة، وإذا سأل ~~الناس الله سألوا الناس. # وكان الحسن يطرد السؤال يوم الجمعة، ولا يرى لهم جمعة. # وقال بعض الشعراء: [بسيط] # حب الرياسة داء لا دواء له ... وقل ما تجد الراضين بالقسم» # وقال محمود الوراق: [كامل] # شاد الملوك قصورهم وتحصنوا ... عن كل طالب حاجة أو راغب # غالوا بأبواب الحديد لعزها ... وتنوقوا في قبح وجه الحاجب «4» # وإذا تلطف للدخول إليهم ... راج تلقوه بوعد كاذب # فارغب إلى ملك الملوك ولا تكن ... يا ذا الضراعة طالبا من طالب # PageV03P209 # وجد على ميل «1» في طريق مكة: [هزج] # ألا يا طالب الدنيا ... دع الدنيا لشانيكا # إلى كم تطلب الدنيا ... وظل الميل يكفيكا «2» # قال مطرف بن عبد الله لابن أخيه: إذا كانت لك إلي حاجة فاكتب بها رقعة ~~فإني أضن بوجهك عن ذل السؤال. # وقال أبو الأسود: # وإن أحق الناس إن كنت مادحا ... بمدحك من أعطاك والوجه وافر «3» # وكان معاوية يتمثل بهذين البيتين: [مجزوء الكامل المرفل] # وفتى خلا من ماله ... ومن المروءة غير خالي # أعطاك قبل سؤاله ... فكفاك مكروه السؤال # وقال آخر: [طويل] # أبا مالك لا تسأل الناس والتمس ... بكفيك سيب الله فالله أوسع «4» # فلو تسأل الناس التراب لأوشكوا ... إذا قلت هاتوا أن يميلوا فيمنعوا # والمشهور في هذا قول عبيد «5» : [مخلع البسيط] # من يسأل الناس يحرموه ... وسائل الله لا يخيب # قال سليمان لأبي حازم: سل حوائجك؛ فقال: قد رفعتها إلى من لا # PageV03P210 # تخذل الحوائج دونه. # قال بعض المفسرين في قول الله عز وجل: وهو خير الرازقين # «1» أي المخلوق يرزق فإذا سخط قطع رزقه، والله عز وجل يسخط ولا يقطع. # وقال الشاعر: [بسيط] # لا تضرعن لمخلوق على طمع ... فإن ذلك وهن منك بالدين «2» # واسترزق الله رزقا من خزائنه ... فإنما هو بين الكاف والنون «3» # وقال الخليل بن أحمد «4» : [بسيط] # أبلغ سليمان أني عنه في سعة ... وفي غنى غير أنى لست ذا مال «5» # شحا بنفسي، إني لا أرى أحدا ... يموت هزلا ولا يبقى على حال «6» # فالرزق عن قدر لا الضعف يمنعه ... ولا يزيدك فيه حول محتال «7» # وقال المعلوط: [طويل] # متى ما ير الناس الغني وجاره ... فقير يقولوا عاجز وجليد «8» # وليس الغنى والفقر من حيلة الفتى ... ولكن حظوظ قسمت وجدود «9» # وقال آخر: [طويل] # PageV03P211 # يخيب الفتى من حيث يرزق غيره ... ويعطى الفتى من حيث يحرم صاحبه # وقال أبو الأسود «1» : [منسرح] # ليتك آذنتني بواحدة ... تجعلها منك سائر الأبد # تحلف ألا تبرني أبدا ... فإن فيها بردا على كبدي # إن كان رزقي إليك فارم به ... في ناظري حية على رصد «2» # وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حرفة يقال فيها خير من مسألة الناس. # وقال سعيد بن العاص: موطنان لا أستحيي من العي «3» فيهما: عند مخاطبتي ~~جاهلا، وعند مسألتي حاجة لنفسي. # حدثني محمد بن عبيد عن أبي عبد الله عن محمد بن عبد الله بن واصل قال: ~~جاء رجل إلى شريح يستقرض دراهم؛ فقال له شريح: حاجتك عندنا فأت منزلك فإنها ~~ستأتيك، إني لأكره أن يلحقك ذلها. # حدثني الرياشي عن الأصمعي عن حكيم بن قيس بن عاصم عن أبيه أنه أوصى بنيه ~~عند موته فقال: إياكم والمسألة، فإنها آخر كسب الرجل. # وقال بعض المحدثين: [طويل] # عودت نفسي الضيق حتى ألفته ... وأحرجني حسن العزاء إلى الصبر # ووسع قلبي للأذى الأنس بالأذى ... وقد كنت أحيانا يضيق به صدري # وصيرني يأسي من الناس راجيا ... لسرعة لطف الله من حيث لا أدري # PageV03P212 # وقال آخر: [مجزوء الرجز] # حسبي بعلمي لو نفع ... ما الذل إلا في الطمع # من راقب الله نزع ... عن قبح ما كان صنع «1» # ما طار شيء فارتفع ... إلا كما طار وقع ### | الحرص والإلحاح # لما قتل كسرى بزرجمهر وجد في منطقته كتابا: إذا كان القدر حقا فالحرص ~~باطل، وإذا كان الغدر في الناس طباعا فالثقة بكل أحد عجز، وإذا كان الموت ~~لكل أحد راصدا فالطمأنينة إلى الدنيا حمق. # وقال بعض الشعراء: [كامل] # من عف خف على الصديق لقاؤه ... وأخو الحوائج وجهه مملول # وفي كتاب للهند: لا يكثر الرجل على أخيه الحوائج؛ فإن العجل إذا أفرط في ~~مص أمه نطحته ونحته. # وقال عدي بن زيد: [سريع] # قد يدرك المبطىء من حظه ... والرزق قد يسبق جهد الحريص # وقال ابن المقفع: الحرص محرمة، والجبن مقتلة، فانظر فيما رأيت وسمعت أمن ~~قتل في الحرب مقبلا أكثر أم من قتل مدبرا، وانظر من يطلب إليك بالإجمال ~~والتكرم أحق أن تسخو نفسك له بالعطية أم من يطلب ذلك # PageV03P213 # بالشره «1» والحرص. # وقال الشاعر: [بسيط] # كم من حريص على شيء ليدركه ... وعل إدراكه يدني إلى عطبه «2» # وقال آخر: [متقارب] # ورب ملح على بغية ... وفيها منيته لو شعر «3» # والعرب تقول في الرجل الملح في الحوائج الذي لا تنقضي له حاجة إلا سأل ~~أخرى: [بسيط] # لا يرسل الساق إلا ممسكا ساقا # وأصل المثل في الحرباء، إذا اشتد عليه حر الشمس لجأ إلى شجرة ثم توقى في ~~أغصانها، فلا يرسل غصنا حتى يقبض على آخر. # وقال الشاعر: [بسيط] # أنى أتيح له حرباء تنضبة ... لا يرسل الساق إلا ممسكا ساقا «4» # وفي كتاب كليلة: لا فقر ولا بلاء كالحرص والشره، ولا غنى كالرضا ~~والقناعة، ولا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن الخلق. # قال ابن المقفع: الحرص والحسد بكرا الذنوب «5» وأصل المهالك؛ أما الحسد ~~فأهلك إبليس، وأما الحرص فأخرج آدم من الجنة. # PageV03P214 # وفي كتاب كليلة: خمسة حرصاء، المال أحب إليهم من أنفسهم: # المقاتل بالأجرة، وحفار القني «1» والأسراب، والتاجر يركب البحر، والحاوي ~~يلسع يده الحية، والمخاطر على شرب السم. # دخل مالك بن دينار على رجل محبوس قد أخذ بمال عليه وقيد، فقال له: يا أبا ~~يحيى، أما ترى ما نحن فيه من هذه القيود! فرفع مالك رأسه فرأى سلة، فقال: ~~لمن هذه؟ قال: لي، قال: فأمر بها أن تنزل، فأنزلت فوضعت بين يديه، فإذا ~~دجاج وأخبصة «2» ، فقال مالك: هذه وضعت القيود في رجلك. # كان أشعب يقول: أنا أطمع وأمي تيقن «3» فقل ما يفوتنا. # وقال النابغة «4» : [كامل] # واليأس عما فات يعقب راحة ... ولرب مطعمة تعود ذباحا «5» # وقال أبو علي الضرير: [وافر] # فإني قد بلوتكم جميعا ... فما منكم على شكري حريص # وأرخصت الثناء فعفتموه ... وربتما غلا الشيء الرخيص # فعفت نوالكم ورغبت عنه ... وشر الزاد ما عاف الخصيص «6» # وقال أعرابي: [خفيف] # أيها الدائب الحريص المعنى ... لك رزق وسوف تستوفيه # PageV03P215 # قبح الله نائلا ترتجيه ... من يدي من تريد أن تقتضيه # إنما الجود والسماح لمن يع ... طيك عفوا وماء وجهك فيه «1» # لا ينال الحريص شيئا فيكفي ... ه وإن كان فوق ما يكفيه # فسل الله وحده ودع النا ... س وأسخطهم بما يرضيه # لا ترى معطيا لما منع الل ... ه ولا مانعا لما يعطيه # وجد بالأصل بآخر هذا الجزء ما يأتي: # آخر كتاب الحوائج، وهو الكتاب الثامن من عيون الأخبار لابن قتيبة رحمة ~~الله عليه. وكتبه الفقير إلى رحمة الله تعالى إبراهيم بن عمر بن محمد ابن ~~علي الواعظ الجزري وذلك في شهور سنة أربع وتسعين وخمسمائة. # والحمد لله رب العالمين، وصلاته وسلامه على سيدنا محمد النبي وآله ~~أجمعين. ويتلوه الكتاب التاسع وهو كتاب الطعام، والله الموفق للصواب. # وفيه كذلك- وهو من زيادات النساخ-: # في الاستعفاف: [سريع] # عليك باليأس من الناس ... إن غنى نفسك في اليأس # كم صاحب قد كان لي وامقا ... إذ كان في حالة إفلاس» # أقول لو قد نال هذا الغنى ... صيرني منه على الراس # حتى إذا ما صار فيما اشتهي ... وعده الناس من الناس # قطع بالصد حبال الصفا ... مني ولما يرض بالقاسي «3» # وقال آخر وقد أحسن «4» : [مجزوء الرمل] # PageV03P216 # إن للمعروف أهلا ... وقليل فاعلوه # أهنأ المعروف ما لم ... تبتذل فيه الوجوه # أنت ما استغنيت عن صا ... حبك الدهر أخوه # فإذا احتجت إليه ... ساعة مجك فوه # إنما يعرف الفض ... ل من الناس ذووه # لو رأى الناس نبيا ... سائلا ما وصلوه # وكتب أبو العيناء «1» إلى أبي القاسم بن عبيد الله بن سليمان رقعة يقول ~~فيها: أنا- أعزك الله- وولدي وعيالي زرع من زرعك، إن سقيته راع «2» وزكا، ~~وإن جفوته ذبل وذوى. وقد مسني منك جفاء بعد بر وإغفال بعد تعهد، فشمت عدو، ~~وتكلم حاسد، ولعبت بي ظنون؛ وانتزاع العادة شديد. ثم كتب في آخرها: [رمل] # لا تهني بعد إكرامك لي ... فشديد عادة منتزعه # وقال آخر: [بسيط] # ما لي معاش سوى ضد المعاش فلا ... أغدو إلى عمل إلا بلا أمل # وليس لي شغل يجدي علي إذا ... فكرت فيه وما أنفك من شغل # كل امرىء رائح غاد إلى عمل ... وما أروح ولا أغدو إلى عمل # ولست في الناس موجودا كبعضهم ... وإنما أنا بعض الناس في المثل # وقال آخر: [سريع] # المرء بعد الموت أحدوثة ... يفنى وتبقى منه آثاره # PageV03P217 # يطويه من أيامه ما طوى ... لكنه تنشر أسراره # وأحسن الحالات حال امرىء ... تطيب بعد الموت أخباره # يفنى ويبقى ذكره بعده ... إذا خلت من شخصه داره # وقال حبيب الطائي: [بسيط] # وما ابن آدم إلا ذكر صالحة ... أو ذكر سيئة يسري بها الكلم # أما سمعت بدهر باد أمته ... جاءت بأخبارها من بعدها أمم # في البخل: [متقارب] # طرقت أناسا على غرة ... فذقت من العيش جهد البلاء «1» # فأما القديد وأشباهه ... فذاك مفاتيحه في السماء «2» # وأما السويق ففي عيبة ... يشم ويدعى له بالبقاء «3» # ومن حاول الخبز قالوا له ... أتذكر شيئا خبي للدواء «4» # PageV03P218 ### | كتاب الطعام ### | صنوف الأطعمة # قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري رحمة الله عليه: قال ~~عمر بن الخطاب رضي الله عنه للأحنف: أي الطعام أحب إليك؟ قال: الزبد ~~والكماة «1» ؛ فقال عمر: ما هما بأحب الأطعمة إليه، ولكنه يحب الخصب ~~للمسلمين. # قال الأصمعي: قال رجل في مجلس الأحنف: ليس شيء أبغض إلي من التمر والزبد: ~~فقال الأحنف: رب ملوم لا ذنب له. # عن أبي عمرو بن العلاء قال: قال الحجاج لجلسائه: ليكتب كل رجل في رقعة ~~أحب الطعام إليه ويجعلها تحت مصلاى؛ فإذا في الرقاع كلها الزبد والتمر. # عن الأصمعي قال قال مدني: الكبادات «2» أربع: العصيدة «3» والهريسة ~~والحيسة «4» والسميذة «5» . # PageV03P219 # عن الأصمعي عن حزم قال: قال مالك بن حقبة لحسان بن الفريعة: ما تزودت ~~إلينا؟ قال: الحيس؛ قال: ثلاثة أسقية في وعاء. # قال الأصمعي: قال بعض الأعراب: أشتهي ثريدة «1» دكناء من الفلفل، رقطاء ~~«2» ، من الحمص، ذات حفافين «3» من اللحم، لها جناحان من العراق «4» ، أضرب ~~فيها ضرب ولي السوء في مال اليتيم. # وقال ابن الأعرابي: يقال: أطيب اللحم عوذه، أي أطيبه ما ولي العظم، كأنه ~~عاذ به. # عن أبي عبيدة قال: مر الفرزدق بيحيى بن الحصين بن المنذر الرقاشي، فقال ~~له: هل لك يا أبا فراس في جدي سمين ونبيذ زبيب جيد؟ # فقال الفرزدق: وهل يأبى هذا إلا ابن المراغة «5» ! يعني جريرا. # وقال الأحوص «6» لجرير: ما تحب أن يعدلك؟ قال: شواء وطلاء «7» وغناء؛ ~~قال: قد أعدت لك. # وقال مدني لصديق له: والله أشتهي كشكية «8» ، ومد بها صوته فخرجت # PageV03P220 # منه ريح؛ فقال له: ما أسرع ما لفحتك يابن عم. # وعن الأصمعي قال: قال شيخ من أهل المدينة: أتيت فلانا فأتاني بمرقة كان ~~فيها مسقى «1» ، فلم أر فيها إلا كبدا طافية، فغمست يدي فوجدت مضغة «2» ، ~~فمددتها فلامتدت حتى كأني أزمر في ناي. # أدخل أعرابي على كسرى ليتعجب من جفائه وجهله؛ فقال له: أي شيء أطيب لحما؟ ~~قال: الجمل. قال: فأي شيء أبعد صوتا؟ قال: الجمل. # قال: فأي شيء أنهض بالحمل الثقيل؟ قال: الجمل. قال كسرى: كيف يكون لحم ~~الجمل أطيب من البط والدجاج والفراخ والدراج «3» والجداء؟ قال: # يطبخ لحم الجمل بماء وملح، ويطبخ ما ذكرت بماء وملح حتى يعرف فضل ما بين ~~الطعمين. قال: كيف يكون الجمل أبعد صوتا ونحن نسمع الصوت من الكركي «4» من ~~كذا وكذا ميلا؟ قال الأعرابي: ضع الكركي في مكان الجمل وضع الجمل في مكان ~~الكركي حتى تعرف أيهما أبعد صوتا. قال كسرى: كيف تزعم أن الجمل أحمل للحمل ~~الثقيل والفيل يحمل كذا وكذا رطلا؟ قال: ليبرك الفيل ويبرك الجمل وليحمل ~~على الفيل حمل الجمل، فإن نهض به فهو أحمل للأثقال. # عن جعفر بن سليمان قال: شيئان لا يزيدهما كثرة النفقة طيبا: الطيب ~~والقدر، ولكن تطيبهما إصابة القدر. # وفيما أجاز لنا عمرو بن بحر الجاحظ من كتبه «5» قال: كان أبو عبد # PageV03P221 # الرحمن الثوري يعجب بالرءوس ويصفها ويسمي الرأس عرسا لما تجمع فيه من ~~الألوان الطيبة وكان يسميه مرة الجامع ومرة الكامل، ويقول: الرأس شيء واحد ~~وهو ذو ألوان عجيبة وطعوم مختلفة، وكل قدر وكل شواء فإنما هو شيء واحد، ~~والرأس فيه الدماغ وطعمه مفرد، والعينان وطعمهما مفرد وفيه الشحمة التي بين ~~أصل الأذن ومؤخر العين وطعمها على حدة، على أنه هذه الشحمة خاصة أطيب من ~~المخ وأنعم من الزبد وأدسم من السلاء «1» ، ثم يعد أسقاطه «2» كلها. ويقول: ~~الرأس سيد البدن، وفيه الدماغ وهو معدن العقل، ومنه يتفرق العصب الذي فيه ~~الحس، وبه قوام البدن، وإنما القلب باب العقل؛ كما أن النفس هي المدركة ~~والعين هي باب الألوان، والنفس هي السامعة الذائقة وإنما الأنف والأذن ~~بابان. ولولا أن العقل في الرأس لما ذهب العقل من الضربة تصيبه؛ وفي الرأس ~~الحواس الخمس. وكان ينشد: # همو ضربوا رأسي وفي الرأس أكثري ... وغودر عند الملتقى ثم سائري «3» # وكان لا يشتري الرأس إلا في زيادة الشهر لمكان زيادة الدماغ، ولا يشتريه ~~إلا يوم السبت لأن الرءوس يوم السبت أكسد، للفضلات التي تبقى في منازل ~~التجار عن يوم الجمعة. وكان إذا فرغ من غدائه يوم الرأس، عمد إلى القحف «4» ~~والى اللحيين «5» فوضعه قرب بيوت النمل والذر، فإذا اجتمعن عليه أخذه ونفضه ~~في طست فيه ماء، ولا يزال يعيد ذلك على تلك المواضع حتى # PageV03P222 # يقلع النمل والذر من داره، فإذا فرغ من ذلك ألقاه من الحطب فاستوقده في ~~التنور. # الأصمعي قال: قال أبو صوارة أو ابن دقة: الأرز الأبيض بالسمن المسلي ~~بالسكر الطبرزد» # ، ليس من طعام أهل الدنيا. # قال: وقال أبو صوارة أو ابن دقة: أطول الليالي ثلاث: ليلة العقرب، وليلة ~~الهريسة، وليلة جدة إلى مكة. # الأصمعي عن جعفر بن سليمان قال: قال أبو كامل مولي علي رضي الله عنه: ~~أطعموني حفنة زبد ثم اختموا سراويلي ثلاثا. # وقال رجل للثوري في الحديث: إن الله يبغض البيت اللحم؛ فقال: # ليس هو الذي يؤكل فيه اللحم، وإنما هو الذي يؤكل فيه لحوم الناس. # عن أبي الصديق «2» الناجي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خير ~~تمراتكم البرني «3» يذهب بالداء ولا داء فيه» . # وعن ابن عمر عن عمر أنه قال: يا غلام أنضج العصيدة تذهب حرارة الزيت. # وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بيت ليس فيه تمر ~~جياع أهله» . # شيخ من أهل البادية قال: أضافنا فلان فأتانا بحنطة كأنها مناقير الغربان، ~~وتمر كأنه أعناق الوز يوحل «4» فيه الضرس. # PageV03P223 # الأصمعي قال: قال أعرابي: تمرنا جرد «1» فطس «2» يغيب فيه الضرس، كأن ~~نواه ألسن الطير، تضع التمرة في فيك فتجد حلاوتها في كعبيك. # الأصمعي عن أبيه قال: أسر رجل رجلين في الجاهلية فخيرهما بم بعشيهما، ~~فاختار أحدهما اللحم واختار الآخر التمر، فعشيا وألقيا في الفناء وذلك في ~~شتاء شديد، فأصبح صاحب اللحم خامدا وأصبح صاحب التمر تزر «3» عيناه. # وقال غير الأصمعي: قيل لأعرابي: ما رأيك في أكل الجري «4» ؟ قال: # تمرة نرسيانة «5» غراء الطرف صفراء السائر عليها مثلها زبدا أحب إلي ~~منها، ثم أدركه الورع فقال: وما أحرمهما. # وقال بعض الأعراب: [طويل] # ألا ليت لي خبزا تسربل رائبا ... وخيلا من البرني فرسانها الزبد «6» # قال: ورأى أعرابي دقيقا وتمرا فاشترى التمر؛ قيل له: كيف وسعر الدقيق ~~والتمر واحد! قال: إن في التمر أدمه «7» وزيادة حلاوة. # عن زياد النميري قال: قالت عائشة: من أكل التمر وترا «8» لم يضره. # PageV03P224 # الأصمعي قال: حدثني شيخ عالم قال: أطيب التمر صيحانية «1» مصلبة. # الأصمعي قال: حدثني رجل من آل حزم قال: كان يقال: من خلا «2» على التمر ~~فالعجوة، ومن أكله على ثقل فالصيحاني. # الأصمعي قال: قال أعرابي يفضل الرطب على العسل: أتجعل عسلة في أخثاء «3» ~~البقر كعسلة في جو السماء لها محارس من جريد «4» وذوائب «5» من زمرد!. # وقال الأصمعي: قيل لابن القداح: التمر أطيب؟ فدعا بأنواع التمر، فلما ~~أكلوا قال: انظروا أي النوى أكثر؟ قالوا: نوى الصيحاني، قال: هو أطيب. # وقال الأصمعي: العرب تقول للبخيل الأكول: أبرما قرونا «6» أي لا يخرج مع ~~أصحابه شيئا ويأكل تمرتين تمرتين. # وقال النابغة يصف تمرا: [طويل] # صغار النوى مكنوزة ليس قشرها ... إذا طار قشر التمر عنها بطائر # سمع الحسن رجلا يعيب الفالوذج «7» فقال: فتاب البر بلعاب النحل # PageV03P225 # بخالص السمن! ما عاب هذا مسلم. وقال لفرقد السبخي: يا أبا يعقوب، بلغني ~~أنك لا تأكل الفالوذج؛ فقال: يا أبا سعيد، أخاف ألا أؤدي شكره؛ فقال: يا ~~لكع «1» ! وهل تؤدي شكر الماء البارد «2» في الصيف والحار في الشتاء! أما ~~سمعت قول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم # «3» . # الأصمعي قال: اختصم رومي وفارسي في الطعام، فحكما بينهما شيخا قد أكل ~~طعام الخلفاء، فقال: أما الرومي فذهب بالحشو والأحشاء، وأما الفارسي فذهب ~~بالبارد والحلواء. # وعن الأصمعي قال: كنا عند الرشيد فقدمت إليه فالوذجة، فقال: يا أصمعي ~~حدثنا بحديث مزرد، فقلت: إن مزردا أخا الشماخ «4» كان غلاما جشعا وكانت أمه ~~تؤثر عيالها بالطعام عليه وكان ذلك يحفظه «5» ، فخرجت أمه ذات يوم تزور بعض ~~أهلها، فدخل مزرد الخيمة وعمد إلى صاعي دقيق وصاع من تمر وصاع من سمن فجمعه ~~ثم جعل يأكله وهو يقول: [طويل] # ولما غدت أمي تمير بناتها ... أغرت على العكم الذي كان يمنع «6» # PageV03P226 # لبكت بصاعي حنطة صاع عجوة ... إلى صاع سمن فوقه يتربع «1» # ودبلت أمثال الأثافي كأنها ... رءوس نقاد قطعت يوم تجمع «2» # وقلت لبطني أبشر اليوم إنه ... حمى أمنا مما تحوز وترفع # فإن كنت مصفورا فهذا دواؤه ... وإن كنت غرثانا فذا يوم تشبع «3» # فضحك الرشيد حتى استلقى على ظهره، ثم قال: كلوا باسم الله، هذا يوم تشبع ~~(يا أصمعى) «4» . # قال: وكتب الحجاج إلى عامله بفارس: ابعث إلي عسلا من عسل خلار «5» ، من ~~النحل الأبكار، من الدستفشار «6» ، الذي لم تمسه النار. # وقال الأصمعي: كتب بعض الخلفاء إلى عامله بالطائف: أن أرسل إلي بعسل أخضر ~~في سقاء، أبيض في الإناء، من عسل الندغ «7» والسحاء «8» ، من حداب بني ~~شبابة «9» . # والعرب تصف العسل بالبرودة. # وفي حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الشراب قال: # «الحلواء البارد يعني العسل» . وقال الأعشى: [هزج] # كما شيب بماء با ... رد من عسل النحل «10» # PageV03P227 # ويقال: أجود العسل الذهبي الذي قطرت منه قطرة على وجه الأرض أستدار كما ~~يستدير الزئبق ولم ينفش ولم يختلط بالأرض والتراب. # والروم تقول: أجوده ما يلطخ على فتيلة ثم تشعل فيه النار فيعلق. # وسئل ديمقراطيس العالم عما يزيد في العمر فقال: من أدام أكل العسل ودهن ~~جسمه به زاد الله بذلك في عمره. # والعسل إن جعل فيه اللحم الطري بقي كهيئته حتى لا ينتن. ويقال: # من كان به داء قديم فليأخذ درهما حلالا وليشتر به عسلا ثم يشربه بماء ~~سواء فإنه يبرأ بإذن الله تعالى. وكان الحسن يعجبه إذا استمشى «1» الرجل أن ~~يشرب اللبن والعسل. # ويزعم أصحاب الطبائع أن العسل إذا ديف «2» بالماء وخلط معه زيت أو دهن ~~سمسم نافع لمن شرب السموم والأدوية القاتلة يتقيأ به. # ميمون بن مهران عن ابن عباس قال- ولا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه ~~وسلم- أنه قال: «أكرموا الخبز فإن الله سخر له السموات والأرض» . # الأصمعي قال: كانت امرأة من بكر بن وائل تنزل الطفاوة «3» وكانت قد أدركت ~~بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان العباد يغشونها في منزلها؛ فعاب ~~عائب عندها السويق، فقالت: لا تفعل! إنه طعام المسافر، وطعام العجلان «4» ، ~~وغذاء المبكر، وبلغة المريض «5» ، ويشد فؤاد الحزين، ويرد من # PageV03P228 # نفس الضعيف؛ وهو جيد في التسمين ونقاوة البلغم، ومسمونه «1» يصفي الدم، ~~إن شئت كان ثريدا، وإن شئت كان خبيصا، وإن شئت كان خبزا. # وكان غسان بن عبد الحميد كاتب سليمان بن علي يقول لجاريته: # خوضي «2» لنا سيوقا فأخثريه «3» ، فإن الرجل لا يستحي أن يزداد ماء ~~فيرققه، ويستحي أن يزداد سويقا فيخثره به. # مر عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بعبد الحميد بن علي وهو في ~~مزرعته وقد عطش، فاستسقاه فخاض له سويق لوز فسقاه إياه؛ فقال عبد الله: ~~[وافر] # شربت طبرزذا «4» بغريض مزن ... ولكن الملاح بكم عذاب # وما هو بالطبرزذ طاب لكن ... بمسك إنه طاب الشراب # وأنت إذا وطئت تراب أرض ... يطيب إذا مشيت به التراب # لأن نداك ينفي المحل عنها ... وتحييها أياديك الرطاب # وقال الحسن: لا تسقوا نساءكم السويق، فإن كنتم لا بد فاعلين فاحفظوهن. # وقال الرقاشي: السمنة للنساء غلمة «5» وهي للرجال غفلة. # عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ترد: اللبن ~~والسواك «6» . # PageV03P229 # والدهن» . # الرياشي قال: سمعت أبا يزيد يقول: رأيت رجلا كأن أسنانه الذهب لشربه ~~اللبن حارا. # الأصمعي عن ذي الرمة أنه قال: إذا قلت للرجل: أي اللبن أطيب؟ # فإن قال: قارص «1» ، فقل: عبد من أنت «2» ؟ وإن قال: الحليب، فقل: ابن من ~~أنت؟. # مر رجل من قريش بامرأة من العرب في بادية، فقال: هل من لبن يباع؟ فقالت: ~~إنك لئيم أو قريب عهد بقوم لئام وكان يقال: اللبن أحد اللحمين. # وقال بعض المدنيين: من تصبح «3» بسبع موزات وبقدح من لبن إبل أوارك «4» ~~تجشأ «5» بخور الكعبة. # وقف معاوية على امرأة فقال: هل من قرى؟ فقالت: نعم، قال: وما هو؟ قالت: ~~خبز خمير ولبن فطير «6» وماء نمير «7» ، والعرب تقول: إن الرثيئة تفثأ ~~الغضب. والرثيئة: اللبن الحامض يحلب عليه الحليب، وهو أطيب اللبن. # قال بعض الأعراب: # وإذا خشيت على الفؤاد لجاجة ... فاضرب عليه بجرعة من رائب # PageV03P230 # وعن مطر الوراق: أن نبيا من الأنبياء شكا إلى الله تعالى الضعف، فأوحى ~~الله إليه: أن اطبخ اللبن باللحم، فإن القوة فيهما. # وصف أعرابي خصب البادية فقال: كنت أشرب رثيئة «1» تجرها الشفتان جرا، ~~وقارصا إذا تجشأت جدع أنفي، ورأيت الكمأة «2» تدوسها الإبل بمناسمها، ~~وخلاصة «3» يشمها الكلب فيعطس. # وتقول الأطباء: إن اللبن إذا سخن بالنار وسيط «4» بعدود من عيدان شجر ~~التين راب من ساعته. وقالوا: وإن أراد صاحبه ألا يروب وإن كان فيه روبة جعل ~~فيه شيئا من الحبق، وهو الفوذنج «5» النهري، فإنه يبقى كهيئته. ### | أخبار من أخبار العرب في مآكلهم ومشاربهم # المعلى الربعي قال: مكثت ثلاثا لا أذوق طعاما ولا أشرب فيهن شرابا فدعوت ~~الله تعالى، وإذا دعا العبد الله بقلب صادق كانت معه من الله عين بصيرة، ~~فدفعت إلى ذئبين في جفر «6» ، فرميتهما فقتلتهما، ثم أتيت جفرا فيه ماء ~~فاستقيت، ثم أتيتهما وإذا هما على مهيد يتيهما «7» ، وإذا لهما نخفة- يعني ~~شبه الزفير- فاشتويت واحتذيت «8» وادهنت. # PageV03P231 # قال ابن قرفة (شيخ من سليم) : أضافني رجل من الأعراب فجاءني بقدر جماع ~~«1» ضخمة ليس فيها شيء من طعام إلا قطع لحم، فإذا بضعة «2» تنمات «3» في ~~فمي، وبضعة كأنها بضع ساق، وبضعة كأنها شحم زخم «4» ؛ فقلت: ما هذا؟ فقال: ~~إني رجل صياد، جمعت بين ذئب وظبي وضبع. # قال مدني لأعرابي: ما تأكلون وما تدعون؟ قال: نأكل ما دب ودرج إلا أم ~~حبين؛ فقال المدني: ليهنىء أم حبين «5» العافية. # قعد على مائدة الفضل بن يحيى «6» رجل من بني هلال بن عامر، فذكروا الضب ~~ومن يأكله، فأفرط الفضل في ذمه وتابعه القوم، فغاظ الهلالي ما سمع منهم، ~~ولم يكن على المائدة عربي غيره، ثم لم يلبث أن أتي الفضل بصحفة فيها فراخ ~~الزنابير، فلم يشك الأعرابي أنها ذبان البيوت، فقال حين خرج: [طويل] # وعلج يعاف الضب لؤما وبطنة ... وبعض إدام العلج هام ذباب «7» # ولو أن ملكا في الملا ناك أمه ... لقالوا لقد أوتيت فصل خطاب # وقال أبو الهندي «8» (رجل من العرب] : [متقارب] # PageV03P232 # أكلت الضباب فما عفتها ... وإني لاشهى قديد الغنم «1» # ولحم الخروف حنيذا وقد ... أتيت به فاترا في الشبم «2» # فأما البهط وحيتانكم ... فما زلت منها كثير السقم «3» # وقد نلت منها كما نلتم ... فلم أر فيها كضب هرم # ولا في البيوض كبيض الدجاج ... وبيض الدجاج شفاء القرم «4» # ومكن الضباب طعام العريب ... ولا تشتهيه نفوس العجم «5» # وقال بعض الأعراب: [سريع] # وأنت لو ذقت الكشى بالأكباد ... لما تركت الضب يعدو بالواد «6» # ونزل رجل من العرب برجل من الأعراب فقدم إليه جرادا؛ فقال: # لحى الله بيتا ضمني بعد هجعة ... إليه دجوجي من الليل مظلم «7» # فأبصرت شيخا قاعدا بفنائه ... هو العنز إلا أنه يتكلم # أتانا ببرقان الدبى في إنائه ... ولم يك برقان الدبى لي مطعم «8» # فقلت له غيب إناءك واعتزل ... فهل ذاق هذا، لا أبالك، مسلم # وقال بعض العباسيين: [خفيف] # PageV03P233 # ليت شعري متى تخب بي النا ... قة نحو العذيب فالصنين «1» # محقبا زكرة وخبز رقاق ... وجبينا وقطعة من نون «2» # وقال بعض الأعراب: [طويل] # أقول له يوما وقد راح صحبتي ... ترى أبتغي من صيده وأخاتله «3» # فلما التقت كفي على فضل ذيله ... وشالت شمالي زايل الضب باطله «4» # فأصبح محنوذا نضيجا وأصبحت ... تمشى على القيزان حولا حلائله «5» # شديد اصفرار الكشيتين كأنما ... تطلى بورس بطنه وشواكله «6» # فذلك أشهى عندنا من نتاجكم ... لحى الله شاريه وقبح آكله «7» # وبنو أسد تعير بأكل الكلاب؛ قال الفرزدق: [طويل] # إذا أسدي جاع يوما ببلدة ... وكان سمينا كلبه فهو آكله # وتعير أيضا بأكل لحوم الناس، كما قال الشاعر «8» : [وافر] # إذا ما ضفت ليلا فقعسيا ... فلا تأكل له أبدا طعاما # فإن اللحم إنسان فدعه ... وخير الزاد ما منع الحراما # PageV03P234 # قال رجل: كنت بالبادية، فرأيت ناسا حول نار، فسألت عنهم فقالوا: # صادوا حيات فهم يشتوونها ويأكلونها، فأتيتهم فرأيت رجلا منهم قد أخرج حية ~~من الجمر ليأكلها فامتنعت عليه، فجعل يمدها كما يمد عصيب «1» لم ينضج، فما ~~صرفت بصري عنه حتى لبج «2» به فمات، فسألت عن شأنه فقيل لي: # عجل عليها قبل أن تنضج وتعمل في سمها النار. # قال رجل من الأعراب لولده: اشتروا لي لحما، فاشتروه فطبخه حتى تهرى «3» ، ~~وأكل منه حتى انتهت نفسه، وشرعت إليه عيون ولده فقال: ما أنا بمطعمه أحدا ~~منكم إلا من أحسن وصف أكله: فقال الأكبر منهم: آكله يا أبت حتى لا أدع لذرة ~~فيه مقيلا؛ قال: لست بصاحبه. فقال الآخر: آكله حتى لا يدرى ألعامه هو أم ~~لعام أول؛ قال: لست بصاحبه. فقال الأصغر: أدقه يا أبت دقا وأجعل إدامه ~~المخ؛ قال: أنت صاحبه، هو لك. # بينا أعرابي يسير وهو يوضع «4» بعيره إذ سقط بعيره فنحره وأكله، فأنشأ ~~يقول: [رجز] # إن السعيد من يموت جمله ... يشبع لحما ويقل عمله # ومر رجل من سلول بفتيان يشربون فشرب معهم؛ فلما أخذ منه الشراب قام إلى ~~بعيره فنحره، وقال: [رمل] # عللاني إنما الدنيا علل ... ودعاني من ملام وعذل # وانشلا ما اغبر من قدريكما ... واسقياني أبعد الله الجمل «5» # PageV03P235 ### | آداب الأكل والطعام # عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الأكل في ~~السوق دناءة» . وعن عبد الرحمن بن عراك قال: بلغني أنه من غسل يده قبل ~~الطعام كان في سبعة من الرزق حتى يموت. # عن الحسن أنه قال: الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم «1» . # وعنه قال: قيل لسمرة بن جندب: إن أباك أكل طعاما كاد يقتله؛ قال: # لو مات ما صليت عليه. # وعن شرحبيل بن مسلم قال: قال أبو الدرداء: بئس العون على الدين قلب نخيب ~~«2» ، وبطن رغيب «3» ، ونعظ شديد «4» . # أكل الجارود «5» مع عمر طعاما، ثم قال: يا جارية هات الدستورد «6» ؛ فقال ~~عمر: امسح باستك أو ذر «7» . # قال جعفر: كنا نأتي فرقدا السبخي ونحن شببة «8» فيعلمنا: إن من # PageV03P236 # ورائكم زمانا شديا، فشدوا الأزر «1» على أنصاف البطون، وصغروا اللقم، ~~وشددوا المضغ، ومصوا الماء مصا. وإذا أكل أحدكم فلا يحلن إزاره فتتسع ~~أمعاؤه. وإذا جلس أحدكم ليأكل فليقعد على أليتيه، وليلزق بطنه بفخذيه، وإذا ~~فرغ فلا يقعد وليجىء وليذهب؛ واحتموا «2» فإن من ورائكم زمانا شديدا. # وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ساقي ~~القوم آخرهم شربا» . # وعن الجارود بن أبي سبرة قال: قال لي بلال بن أبي بردة: أتحضر طعام هذا ~~الشيخ- يعني عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر-؛ فقلت: إيها «3» والله؛ فقال: ~~حدثني عنه. فقلت: نأتيه وكان سكيتا «4» ، إن حدثنا أحسن الحديث، وإن حدثناه ~~أحسن الاستماع، فإذا حضر الغداء جاء خبازه فمثل بين يديه؛ فيقول: ما عندك؟ ~~فيقول: بطة بكذا، ودجاجة بكذا وكذا. قال: وما يريد بذاك؟ قلت: كي يحبس «5» ~~كل إنسان نفسه إلى ما يشتهي، فإذا وضع الخوان «6» خوى «7» تخوية الظليم «8» ~~فما له إلا موضع متكئه فيجد ويهزل، حتى إذا رآهم قد فتروا وكلوا «9» أكل ~~معهم أكل الجائع المقرور «10» حتى ينشطهم بأكله. # PageV03P237 # وكان يقال: إذا اجتمع للطعام أربع كمل: أن يكون حلالا، وأن تكثر عليه ~~الأيدي، وأن يفتتح باسم الله، ويختتم بحمد الله. # وكان يقال: سموا إذا أكلتم ودنوا وسمتوا «1» . # قال أپرويز لصاحبي طعامه وشرابه: إني سلطتكما على المعشية، وأشركتكما في ~~الحياة، وجعلتكما أمينين على نفسي، ووليتكما من طعامي وشرابي ما التوسعة ~~فيه مروءة والتضييق فيه دناءة؛ فاجعلاه في فضله على ما سواه كفضلي على من ~~سواي، وفي كثرته ككثرة من معي على من مع غيري. ولا يشهدن طعامي الذي آكل ~~عين تراه ولا نفس تحسه ولا يد تداوله خلا نفسا واحدة؛ وإنما أفردته بذلك ~~لتستحكم الحجة فيه على من أضاع، وتنقطع الشبهة فيه عمن غفل، ولأجعل صاحب ~~ذاك رهنا بدم نفسه إن هو قصر في صنعه أو أوقع بغائلة «2» . # الأصمعي قال حدثني ابراهيم بن صالح: أنه كان له جام «3» من حب رمان مدقوق ~~يسف منه بين كل لونين ملعقة حتى يعرف اختلاف الألوان. # وفيما أجاز لنا عمرو بن بحر من كتبه قال: كان أبو عبد الرحمن الثوري يقعد ~~ابنه معه على خوانه يوم الرأس، ثم يقول: إياك ونهم الصبيان وأخلاق النوائح، ~~ودع «4» عنك خبط الملاحين والفعلة، ونهش الأعراب والمهنة، وكل من بين يديك؛ ~~فإن حظك الذي وقع وصار إليك. واعلم أنه إذا كان في الطعام شيء طريف أو لقمة ~~كريمة أو بضعة شهية «5» ، فإنما ذلك للشيخ # PageV03P238 # المعظم والصبي المدلل، ولست واحدا منهما. وأنت قد تأتي الدعوات، وتجيب ~~الولائم، وتدخل منازل الإخوان، وعهدك باللحم قريب، وإخوانك أشد قرما «1» ~~إليه منك، وإنما هو رأس واحد فلا عليك أن تتجافى عن بعض وتصيب بعضا. وأنا ~~بعد أكره لك الموالاة بين اللحم؛ فإن الله يبغض أهل البيت اللحمين «2» . # وكان يقال: مدمن اللحم كمدمن الخمر. # ورأى رجل رجلا يأكل لحما، فقال: لحم يأكل لحما، أف لهذا عملا!. # وكان عمر يقول: إياكم وهذه المجازر، فإن لها ضرواة كضراوة الخمر «3» . # يا بني عود نفسك الأثرة «4» ومجاهدة الهوى والشهوة، ولا تنهش نهش السباع، ~~ولا تخضم خضم البراذين «5» ، ولا تدمن الأكل إدمان النعاج، ولا تلقم لقم ~~الجمال؛ فإن الله تعالى جعلك إنسانا وفضلك، فلا تجعل نفسك بهيمة ولا سبعا. ~~واحذر سرعة الكظة وسرف البطنة «6» . # قال بعض الحكماء: إذا كنت بطينا فعد نفسك من الزمني «7» . وقال الأعشى: ~~[خفيف] # PageV03P239 # والبطنة مما تسفه الأحلاما «1» # واعلم أن الشبع داعية البشم «2» ، وأن البشم داعية السقم، وأن السقم ~~داعية الموت، فمن مات بهذه الميتة فقد مات ميتة لئيمة، وهو مع هذا قاتل ~~نفسه، وقاتل نفسه الأم من قاتل غيره. # يا بني، والله ما أدى حق الركوع والسجود ذو كظة، ولا خشع لله ذو بطنة، ~~والصوم مصحة، والوجبات «3» عيش الصالحين. # أي بني، لأمر ما طالت أعمار الهند، وصحت أبدان الأعراب. فلله در الحارث ~~ابن كلدة «4» حيث يزعم أن الدواء هو الأزم «5» ، وأن الداء إدخال الطعام ~~إثر الطعام. # أي بني، لم صفت أذهان الأعراب، وصحت أبدان الرهبان، مع طول الإقامة في ~~الصوامع حتى لم تعرف النقرس «6» ولا وجع المفاصل ولا الأورام، إلا لقلة ~~الرزء «7» وخفة الزاد. وكيف لا ترغب في تدبير يجمع لك صحة البدن، وذكاء ~~الذهن، وصلاح المعي» # وكثرة المال، والقرب من عيش الملائكة!. # PageV03P240 # أي بني، لم صار الضب أطول شيء ذماء «1» إلا لأنه يتبلغ بالنسيم؛ ولما قال ~~الرسول صلى الله عليه وسلم «إن الصوم وجاء» «2» إلا ليجعله حجازا «3» دون ~~الشهوات. افهم تأديب الله، فإنه لم يقصد به إلا إلى مثلك. # أي بني، قد بلغت تسعين عاما نغض «4» لي سن، ولا انتشر «5» لي عصب ولا ~~عرفت ذنين أنف «6» ، ولا سيلان عين، ولا سلس «7» بول؛ ما لذلك علة إلا ~~التخفيف من الزاد. فإن كنت تحب الحياة فهذه سبيل الحياة، وإن كنت تريد ~~الموت فار يبعد الله إلا من ظلم نفسه. # وقال أبو نهشل «8» : كانت لي ابنة تجلس معي على المائدة فتبرز كفا كأنها ~~طلعة «9» ، في ذراع كأنه جمارة «10» ، فلا تقع عينها على أكلة نفيسة. إلا ~~خصصتني بها، فزوجتها وصرت أجلس معي على المائدة ابنا لي فيبرز كفا كأنها ~~كرنافة «11» ، في ذراع كأنه كربة «12» ، فو الله ما إن تسبق عيني إلى لقمة ~~طيبة إلا سبقت يده إليها. # وقال بعضهم: غلبت بطنتي فطنتي. # PageV03P241 # قال عمرو بن العاص لمعاوية يوم تحكم الحكمان: أكثروا الطعام، فو الله ما ~~بطن «1» قوم قط إلا فقدوا بعض عقولهم، وما مضت عزمة رجل بات بطينا. # وكان يقال: أقلل طعاما تحمد مناما. # الأصمعي قال: كان يقال: ليس لشبعة خير من جوعة تحفزها «2» . # دعا عبد الملك بن مروان إلى الغداء رجلا فقال: ما في فضل؛ فقال عبد ~~الملك: ما أقبح بالرجل أن يأكل حتى لا يبقى فيه فضل! فقال: يا أمير ~~المؤمنين، عندي مستزاد، ولكن أكره أن أصير إلى الحال التي استقبحها أمير ~~المؤمنين. # وقال لشيخ: ما أحسن أكلك؟ قال: عملي منذ ستين سنة. # وقال الحسن: إن ابن آدم أسير الجوع، صريع الشبع. # وسأل عبد الملك أبا الزعيرة فقال: هل اتخمت قط؟ قال لا؛ قال: # وكيف ذاك؟ قال: لأنا إذا طبخنا أنضجنا، وإذا مضغنا دققنا، ولا نكظ «3» ~~المعدة ولا نخليها. # وقال الأحنف: جنبوا مجلسنا ذكر النساء والطعام، فإني أبغض الرجل أن يكون ~~وصافا لبطنه وفرجه، وإن من المروءة أن يترك الرجل الطعام وهو يشتهيه. # PageV03P242 # الأصمعي قال: بلغني أن أقواما لبسوا المطارف «1» العتاق، والعمائم ~~الرقاق؛ وأوسعوا دورهم، وضيقوا قبورهم؛ وأسمنوا دوابهم، وهزلوا دينهم؛ طعام ~~أحدهم غصب، وخادمه سخرة، يتكىء على شماله، ويأكل من غير ماله؛ حتى إذا ~~أدركته الكظة قال: يا جارية هاتي حاطوما «2» ؛ ويلك! وهل تحطم إلا دينك! ~~أين مساكينك! أين يتاماك! أين ما أمرك الله به! أين أين!. # قال بعض الحكماء: مدار صلاح الأمور في أربع: الطعام لا يؤكل إلا على ~~شهوة، والمرأة لا تنظر إلا إلى زوجها، والملك لا يصلحه إلا الطاعة، والرعية ~~لا يصلحها إلا العدل. # وعن أبي هريرة قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «من أكل من سقط المائدة ~~عاش في سعة وعوفي في ولده وولد ولده من الحمق» . # وقيل لأعرابي: أتحسن أن تأكل الرأى؟ قال: نعم، أبخص عينيه «3» ، وأسحي ~~«4» ، خديه، وأفك لحييه، وأرمي بالدماغ إلى من هو أحوج مني إليه. # وكانوا يكرهون أكل الدماغ؛ ولذلك يقول قائلهم: أنا من قبيلة تبقى المخ في ~~الجماجم. # دعبل قال: يا بني، لا تأكل ألية الشاة لأنها طبق الاست وقريب من الجواعر ~~«5» . # قال بعض الشعراء: [طويل] # إذا لم أرى إلا لآكل أكلة ... فلا رفعت يمنى يدي طعامي # فما أكلة إن نلتها بغنيمة ... ولا جوعة إن جعتها بغرام «6» # PageV03P243 # عبد الملك بن عمير عن عمه عن الأصمعي قال: لا تخرج يا بني من منزلك حتى ~~تأخذ حلمك «1» . يعني حتى تتغذى. وقال هلال بن جشم «2» : [طويل] # وإن قراب البطن يكفيك ملؤه ... ويكفيك سوءات الأمور اجتنابها # وقرأت في الآيين «3» : أن رجلا من خدم دار المملكة أوصى ابنه فقال: # إذا أكلت فضم شفتيك، ولا تتلفتن يمينا وشمالا. ولا تتخذن خلالك قصبا «4» ~~. # ولا تلقمن بسكين أبدا، وإذا كان في يدك سكين وأردت التقاما فضعها على ~~مائدتك ثم التقم. ولا تجلس فوق من هو أسن منك وأرفع منزلة. ولا تتخلل بعود ~~آس «5» . ولا تمسح بثياب بدنك. ولا ترق ماء وأنت قائم. ولا تحفر أرضا ~~بأظفارك. ولا تجلس على حائط أو باب أو تكتب عليهما فتلعن، ولا تسترح على ~~أسكفة «6» فتجهل، ولا تستنج بمدر «7» فيورثك البواسير، ولا تمتخط حيث يسمع ~~امتخاطك، ولا تبصق في الأماكن المنظفة. # وأجلس معاوية على مائدته رجلا يؤاكله، فأبصر في لقمته شعرة، فقال: # خذ الشعرة من لقمتك؛ فقال له الرجل: وإنك لتراعيني مراعاة من يبصر الشعرة ~~في لقمتي! والله لا أكلت معك أبدا ثم خرج الأعرابي وهو يقول: # [طويل] # PageV03P244 # وللموت خير من زيارة باخل ... يلاحظ أطراف الأكيل على عمد # وكان سعيد بن جبير إذا فرغ من طعامه قال: اللهم أشبعت وأرويت فهنئنا، ~~وأكثرت وأطبت فزدنا. ### | الجوع والصوم # قيل لبعض الحكماء: أي الطعام أطيب؟ قال: الجوع أعلم. # وكان يقال: نعم الإدام الجوع، ما ألقيت إليه قبله. # قال لقمان لابنه: يا بني، كل أطيب الطعام، ونم على أوطأ «1» الفراش. # يقول: أكثر الصيام، وأطل بالليل القيام. # اشتاق أعرابي بالبصرة إلى البادية فقال: [بسيط] # أقول بالمصر لما ساءني شبعي ... ألا سبيل إلى أرض بها جوع # ألا سبيل إلى أرض بها عرس ... جوع يصدع منه الرأس برقوع «2» # وقال آخر: [بسيط] # وعادة الجوع فاعلم عصمة وغنى ... وقد يزيدك جوعا عادة الشبع # العتبي قال: قلت لرجل من أهل البادية: يا أخي، إني لأعجب من أن فقهاءكم ~~أظرف من فقهائنا، وعوامكم أظرف من عوامنا، ومجانينكم أظرف من مجانيننا، ~~قال: وما تدري لم ذاك؟ قلت لا؛ قال: من الجوع؛ ألا ترى أن العود إنما صفا ~~صوته لخلو جوفه!. # PageV03P245 # وقيل لبعض حكماء الروم: أي وقت الطعام فيه أطيب وأفضل؟ قال: # أما لمن قدر فإذا جاع، وأما لمن لم يقدر فإذا وجد. # ونظر أعرابي إلى قوم يلتمسون هلال شهر رمضان، فقال: أما والله لئن ~~أثرتموه لتمسكن منه بذنابي عيش أغبر «1» . # وقيل لآخر: ألا تصوم البيض من شعبان! فقال: بين يديها ثلاثون كأنها ~~القباطي» . # وقيل لمدني: بم تتسحر الليلة؟ فقال: باليأس من فطور القابلة. # الرياشي قال: قيل لأعرابي: اشرب، فقال: إنى لا أشرب على ثميلة «3» . ~~وقال: [طويل] # إذا لم يكن قبل النبيذ ثريدة ... مبقلة صفراء شحم جميعها «4» # فإن نبيذ الصرف إن كان وحده ... على غير شيء أوجع الكبد جوعها «5» # قدم أعرابي على ابن عم له بالحضر، فأدركه شهر رمضان؛ فقيل له: # أبا عمرو لقد أتاك شهر رمضان؛ قال: وما شهر رمضان؟ قالوا: الإمساك عن ~~الطعام؛ قال: أبالليل أم بالنهار؟ قالوا: لا، بل بالنهار؛ قال: أفيرضون ~~بدلا من الشهر؟ قالوا: لا؛ قال: فإن لم أصم فعلوا ماذا؟ قالوا: تضرب وتحبس؛ ~~فصام أياما فلم يصبر، فارتحل عنهم وجعل يقول: [طويل] # يقول بنو عمي وقد زرت مصرهم ... تهيأ أبا عمرو لشهر صيام # فقلت لهم هاتوا جرابي ومزودي ... سلام عليكم فاذهبوا بسلام «6» # PageV03P246 # فبادرت أرضا ليس فيها مسيطر ... علي ولا مناع أكل طعام # وأدرك أعرابيا شهر رمضان فلم يصم؛ فعذلته «1» امرأته في الصوم، فزجرها ~~وأنشأ يقول: [طويل] # أتأمرني بالصوم لا در درها ... وفي القبر صوم يا أميم طويل # دعا عبد الله بن الزبير الحسين فحضر وأصحابه، فأكلوا ولم يأكل؛ فقيل له: ~~ألا تأكل! فقال: إني صائم، ولكن تحفة الصائم «2» ؛ قيل: وما هي؟ قال: # الدهن والمجمر «3» . ### | أخبار من أخبار الأكلة # الأصمعي قال: قال رجل: أحب أن أرزق ضرسا طحونا، ومعدة هضوما، وسرما نثورا ~~«4» . # عن إسحاق بن عبد الله قال: سمعت أنس بن مالك يقول: رأيت عمر يلقى إليه ~~الصاع من التمر فيأكله حتى حشفه «5» . # وقال بعض الشعراء: [بسيط] # هم الكريم كريم الفعل يفعله ... وهم سعد بما يلقي إلى المعده # وقيل لرجل رئي سمينا: ما أسمنك؟ قال: أكلي الحار، وشربي القار «6» ، ~~واتكائي على شمالي، وأكلي من غير مالي. # PageV03P247 # وقيل لآخر: ما أسمنك؟ قال: قلة الفكرة، وطول الدعة «1» ، والنوم على ~~الكظة «2» . # قال الحجاج للغضبان بن القبعثري في حبسه: ما أسمنك؟ قال: القيد والدعة ~~«3» ، ومن كان في ضيافة الأمير سمن. # وقال آخر لرجل رآه سمينا: أرى عليك قطيفة «4» من نسج أضراسك. # وقيل لآخر: إنك لحسن الشحمة لين البشرة؛ فقال: آكل لباب البر بصغار ~~المعز، وأدهن بدهن البنفسج، وألبس الكتان. # قيل لميسرة الأكول وأنا أسمع: كم تأكل في كل يوم؟ قال: من مالي أو من مال ~~غيري؟ قالوا: من مالك؛ قال: دونان «5» ؛ قالوا: فمن مال غيرك؟ # قال: اخبز واطرح. # والعرب تقول: «العاشية تهيج الآبية» «6» . يريدون أن الذي لا يشتهي أن ~~يأكل، إذا نظر إلى من يأكل هاجه ذلك على الأكل. # قال جرير: [كامل] # وبنو الهجيم سخيفة أحلامهم ... ثط اللحى متشابهوا الألوان «7» # لو يسمعون بأكلة أو شربة ... بعمان أصبح جمعهم بعمان # PageV03P248 # متأبطين بنيهم وبناتهم ... صعر الأنوف لريح كل دخان «1» # قعد رجل على مائدة المغيرة، وكان منهوما، وجعل ينهش ويتعرق؛ فقال ~~المغيرة: ناولوه سكينا؛ فقال الرجل: كل امرىء سكينه في رأسه وقيل لأعرابي: ~~ما لكم تأكلون اللحم وتدعون الثريد؟ فقال: لأن اللحم ظاعن «2» والثريد باق. # وقيل لآخر: ما تسمون المرق؟ قال: السخين؛ قال: فإذا برد؟ قال: لا ندعه ~~يبرد. # قال أبو اليقظان «3» : كان هلال بن أسعر التميمي، من بني دارم بن مازن، ~~شديدا أكولا؛ يزعمون أنه أكل جملا إلا ما حمل على ظهره منه. وأكل مرة فصيلا ~~«4» ، وأكلت امرأته فصيلا، فلما ضاجعها لم يصل إليها؛ فقالت: # كيف تصل إلي وبيننا بعيران!. # الأصمعي قال: دعا عباد بن أخضر هلال بن أسعر إلى وليمة، فأكل مع الناس ~~حتى فرغوا، ثم أكل ثلاث جفان تصنع كل جفنة لعشرة أنفس؛ فقال له: شبعت؟ قال ~~لا؛ فأتوه بكل خبز في البيت فلم يشبع، فبعثوا إلى الجيران؛ فلما اختلفت ~~ألوان الخبز علم أنه قد أضر بهم فأمسك؛ فقالوا: هل لك في تمر شهريز «5» ~~بلبن؟ فأتوه به فأكل منه قواصر «6» ؛ فقالوا له: أشبعت؟ قال: لا؛ # PageV03P249 # قالوا: فهل لك في السويق؟ قال: نعم؛ فأتوه بجراب ضخم مملوء؛ فقال: # هل عندكم نبيذ؟ قالوا: نعم؛ قال: أعندكم تور «1» تغتسلون فيه من الجنابة؟ # فأتي به فغسله وصب السويق وصب عليه النبيذ، فما زال يفعل ذلك حتى فني. # الشمردل وكيل آل عمرو بن العاص قال: قدم سليمان بن عبد الملك الطائف وقد ~~عرفت شجاعته، فدخل هو وعمر بن عبد العزيز وأيوب ابنه بستانا لعمرو؛ قال: ~~فجال في البستان ساعة ثم قال: ناهيك بمالكم هذا مالا لولا جرار فيه! فقلت: ~~يا أمير المؤمنين، إنها ليست بجرار ولكنها جرب الزبيب؛ فجاء حتى ألقى صدره ~~على غصن، ثم قال: ويلك يا شمردل! أما عندك شيء تطعمني؟ قلت: بلى والله! إن ~~عندي لجديا تغدو عليه بقرة وتروح أخرى؛ قال: اعجل به؛ فأتيته به كأنه عكة ~~«2» ، وتشمر فأكل ولم يدع ابنه ولا عمر حتى أبقى فخذا. فقال: يا أبا حفص ~~هلم؛ قال: إني صائم؛ ثم قال: ويلك يا شمردل! أما عندك شيء؟ فقلت: بلى ~~والله! دجاجات ست كأنهن رئلان «3» النعام، فأتيته بهن، فكان يأخذ رجل ~~الدجاجة حتى يعري عظمها ثم يلقيها بفيه «4» حتى أتى عليهن. ثم قال: ويلك! ~~أما عندك شيء؟ فقلت: بلى والله! إن عندي لحريرة كقراضة الذهب «5» ، فقال: ~~اعجل بها؛ فأتيته بعس «6» يغيب فيه الرأس، فجعل يتلقمها «7» بيده ويشرب، ~~فلما فرغ تجشأ كأنه صاح في # PageV03P250 # جب «1» ؛ ثم قال: يا غلام، أفرغت من غدائنا؟ قال: نعم، قال: وما هو؟ قال: # نيف وثمانون قدرا؛ قال: فأتني بها قدرا قدرا؛ فأتاه بها وبقناع» # عليه رقاق؛ فأكثر ما أكل من قدر ثلاث لقم وأقل ما أكل لقمة، ثم مسح يده ~~واستلقى على فراشه، وأذن للناس ووضعت الخوانات فجعل يأكل مع الناس. # الخطابي عن الديراني أنه قال: إني لأعرف الطعام الذي يأكله سليمان؛ قال: ~~لما استخلف سليمان «3» قال لي: تقطع عني ألطافك التي كنت تلطفني بها قبل أن ~~أستخلف؛ فأتيته بزنبيلين أحدهما بيض والآخرتين؛ فقال: # لقمنيه، فجعلت أقشر البيضة وأقرنها بالتينة حتى أكل الزنبيلين. # العنني عن أبيه قال: كان عبيد الله بن زياد يأكل كل يوم أربع جرادق ~~أصبهانية «4» وجبنا قبل غدائه. # وعن سلم بن قتيبة قال: عددت للحجاج أربعا وثمانين لقمة في كل لقمة رغيف ~~من خبز «5» الماء فيه ملء كفه سمك طري. # وكان لعبد الرحمن بن أبي بكرة ابن أكول؛ فقال له معاوية «6» : ما فعل ~~ابنك التلقامة؟ قال «7» : اعتل؛ قال: مثله لا يعدم علة. # PageV03P251 # أكل أبو الأسود الدؤلي وأقعد معه أعرابيا فرأى له لقما منكرا؛ فقال له. # ما اسمك؟ قال: لقمان؛ قال: صدق أهلك، إنك لقمان. # ولد لابن أبي ليلى غلام فعمل الأخبصة للجيران، فلما أكلوا قام مساور ~~الوراق «1» فقال: [كامل] # من لا يدسم بالثريد سبالنا ... بعد الثريد فلا هناه الفارس «2» # وقال العجيف «3» في أمه: [بسيط] # يا ليتما أمنا شالت نعامتها ... إما إلى جنة إما إلى نار «4» # ليست بشبعى وإن أسكنتها هجرا ... ولا بريا ولو حلت بذي قار «5» # تلهم الوسق مشدودا أشظته ... كأنما وجهها قد طلي بالقار «6» # خرقاء في الخير لا تهدى لوجهته ... وهي صناع الأذى في الأهل والجار «7» # رأى أبو الحارث جميز سلة بين يدي رجل من الملوك، فقال له: # جعلت فداك، أي شيء في تلك السلة؟ فقال: بظر أمك، قال: فأعضني «8» به. # PageV03P252 # قيل للحارثي: لم لا تؤاكل الناس؟ فقال: لو لم أترك مؤاكلتهم إلا لنزوعي ~~عن الأسواري لتركتها، ما ظنكم برجل نهش بضعة لحم بقر فانقلع ضرسه وهو لا ~~يدري. وكان إذا أكل ذهب عقله وجحظت «1» عيناه وسكر وسدر «2» وتربد «3» وجهه ~~وغضب ولم يسمع ولم يبصر، فلما رأيته وما يعتريه ويعتري الطعام منه صرت لا ~~آذن له إلا ونحن نأكل الجوز والتمر والباقلى «4» ؛ ولم يفجأني قط وأنا آكل ~~تمرا إلا استفه «5» سفا وزدا «6» به زودا، ولا وجده كنيزا «7» إلا وتناول ~~القطعة منه كجمجمة الثور كدمها «8» كدما، ونهشها طولا وعرضا، ورفعا وخفضا، ~~حتى يأتي عليها؛ ثم لا يقع عضه إلا على الأنصاف والأثلاث؛ ولا رمى بنوان ~~قط، ولا نزع قمعا «9» ، ولا نفى عنه قشرا، ولا فتشه مخافة السوس والدود. # وقال بعض الشعراء: [وافر] # تبيت تدهده القران حولي ... كأنك عند رأسي عقربان «10» # فلو أطعمتني حملا سمينا ... شكرتك والطعام له مكان # وقال بعض الأعراب: [طويل] # وإن طعاما ضم كفي وكفها ... لعمرك عندي في الحياة مبارك # PageV03P253 # فمن أجلها أستوعب الزاد كله ... ومن أجلها أهوي يدي فأدارك # وقال آخر: [متقارب] # عريض البطان جديد الخوان ... قريب المراث من المرتع «1» # فنصف النهار لكرياسه ... ونصف لمأكله أجمع «2» # الأصمعي قال: قيل لأعرابي: ما يعجبك من هذا القند «3» ؟ قال: يعجبني خضده ~~وبرده. قال الأصمعي: الخضد: المضغ والأكل الشديد. # قال خالد بن صفوان يوما لجاريته: يا جارية، أطعمينا جبنا، فإنه يشهي ~~الطعام ويهيج المعدة، وهو يعد من حمض العرب. قالت: ما عندنا منه شيء. قال: ~~لأعلمك إنه والله، ما علمت، ليقدح في الأسنان ويستولي على البطن، وأنه من ~~طعام أهل الذمة. # كان يقال: إذا كثرت المقدرة، ذهبت الشهوة. # وقال بعض الظرفاء: [طويل] # زرعنا فلما سلم الله زرعنا ... وأوفى عليه منجل بحصاد # بلينا بكوفي حليف مجاعة ... أضر علينا من دبى وجراد «4» # عن نافع عن ابن عمر قال: «قال النبي صلى الله عليه وسلم: من دخل على غير ~~دعوة دخل سارقا وخرج مغيرا، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله» . # عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دعي أحدكم فجاء ~~مع # PageV03P254 # الرسول فإن ذلك له إذن» . وعن مجاهد: أن ابن عمر كان إذا دعي إلى طعام ~~وهو صائم يجيب، وكان يهيء اللقمة بيده ثم يقول: كلوا باسم الله فإني صائم. ~~وعن أسماء بنت رفيد قالت: دخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم، فأتي بطعام ~~فعرض علينا فقلنا: لا نشتهيه، فقال: «لا تجمعن كذبا وجوعا» . # دعا رجل علي بن أبي طالب رضوان الله عليه إلى الطعام، فقال: نأتيك على ~~ألا تتكلف ما ليس عندك، ولا تدخر عنا ما عندك. # وكان يقول: شر الإخوان من تكلف له «1» . # دعا رجل رجلا إلى الغداء ثم قال له: هذه بكر زيارة ولم نستعدد، فلعل ~~تقصيرا فيما أحب بلوغه؛ فقال الآخر: حرصك على كرامتي يكفيك مؤونة التكلف. # قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي «2» : أتاني الزبير بن دحمان يوما فسألته ~~أن يقيم عندي، فقال: قد أرسل إلي الفضل بن الربيع وليس يمكنني التخلف عنه؛ ~~فقلت له: [طويل] # أقم يا أبا العوام ويحك نشرب ... ونله مع اللاهين يوما ونطرب # إذا ما رأيت اليوم قد جاء خيره ... فخذه بشكر واترك الفضل يغضب # وقال بعض المحدثين: [خفيف] # نحن قوم متى دعينا أجبنا ... ومتى ننس يدعنا التطفيل «3» # ونقل علنا دعينا فغبنا ... وأتانا فلم يجدنا الرسول # PageV03P255 # كان طفيل العرائس الذي ينسب اليه الطفيليون يوصي أصحابه فيقول لأحدهم: ~~إذا دخلت عرسا فلا تتلفت تلفت المريب، وتخير المجالس، وأجد ثيابك، واعمل ~~على أنها العقدة التي تستغل «1» . وإن كان العرس كثير الزحام فمر وانه «2» ~~. ولا تنظر في عيون أهل المرأة ولا عيون أهل الرجل، فيظن هؤلاء أنك من ~~هؤلاء وهؤلاء أنك من هؤلاء. وإن كان البواب غليظا وقاحا «3» فابدأ به ومره ~~وانهه من غير أن تعنف عليه، وعليك بكلام بين النصيحة والإدلال. # عرض رجل على رقبة الغداء؛ فقال: إن أقسمت علي وإلا فدعني. # ومن أشعار الطفيليين: [سريع] # دعوت نفسي حين لم تدعني ... فالحمد لي لا لك في الدعوه # وقلت دا أحسن من موعد ... إخلافه يدعو إلى جفوه «4» # وقال آخر: [طويل] # إذا جاء ضيف جاء للضيف ضيفن ... فأودى بما تقرى الضيوف الضيافن «5» # وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: [بسيط] # نعم الصديق صديق لا يكلفني ... ذبح الدجاج ولا شي الفراريج # يرضى بلونين من كشك ومن عدس ... وإن تشهى فزيتون بطسوج «6» # كان سعيد بن أسعد الأنصاري إمام الجامع بالبصرة طفيليا، فإذا كانت وليمة ~~سبق الناس إليها، فربما بسط معهم البسط وخدم. فقيل له في ذلك # PageV03P256 # فقال: إني أبادر برد الماء، وصفو القدور، ونشاط الخباز، وخلاء المكان، ~~وغفلة الذبان، وجفاف المنديل. # وقيل لبعض الطفيليين: كم اثنان في اثنين قال: أربعة أرغفة. ### | باب الضيافة وأخبار البخلاء على الطعام # عن المقدام «1» أبي كريمة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ~~«أيما مسلم ضافه قوم فأصبح الضيف محروما كان له على كل مسلم نصره حتى يأخذ ~~بقرى ليلته من زرعه وماله» . # روى ابن العجلان عن أبيه قال: قال أبو هريرة: إذا نزلت برجل ولم يقرك ~~فقاتله. عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الخير أسرع إلى ~~مطعم الطعام من الشفرة في سنام «2» البعير» . # داود قال: قلت للحسن: إنك تنفق من هذه الأطعمة وتكثر، قال: ليس في الطعام ~~سرف. وقال الثوري: ليس في الطعام ولا في النساء سرف. # عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن من السنة أن يمشي ~~الرجل مع ضيفه إلى باب الدار» . # عن عبد الرحمن بن عباس قال: رأيت ابن عباس في وليمة فأكل وألقى للخباز ~~درهما. # الأصمعي قال: سئل أقرى أهل اليمامة للضيف: كيف ضبطتم القرى؟ # قال: بأنا لا نتكلف ما ليس عندنا. # PageV03P257 # عن بعض النساك قال: قد أعياني أن أنزل على رجل يعلم أني لست آكل من رزقه ~~شيئا. # عن عون بن عبد الله قال: ضل رجل صائم في عام سنة «1» ، فابتلي برجل عند ~~فطره وقد أتي بقرصين فألقى إليه أحدهما، ثم قال: ما هذا بمشبعه ولا بمشبعي، ~~ولأن يشبع واحد خير من أن يجوع اثنان، وألقى إليه الآخر. فلما أوى إلى ~~فراشه أتاه آت فقال: سل؛ فقال: أسأل المغفرة؛ قال: # قد فعل ذلك بك؛ قال: فإني أسأل أن يغاث الناس. # عن الحسن: أن رجلا جهده الجوع، ففطن له رجل من الأعيان، فلما أمسى أتى به ~~رحله «2» ، فقال لامرأته: هل لك أن نطوي ليلتنا هذه لضيفنا؟ # قالت: نعم قال: فإذا قدمت الطعام فأدني إلى السراج كأنك تصلحينه فأطفئيه، ~~ففعلت وجاءت بثريدة كأنها قطاة «3» فوضعتها بين أيديهما، ثم دنت إلى السراج ~~كأنها تصلحه فأطفأته، فجعل الأنصاري يضع يده في القصعة ثم يرفعها خالية؛ ~~فأطلع على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما أصبح الأنصاري صلى مع ~~الرسول صلى الله عليه وسلم الفجر، فلما سلم أقبل على الأنصاري وقال: «أنت ~~صاحب الكلام الليلة؛ ففزع الأنصاري وقال: أي كلام يا رسول الله؟ قال: كذا ~~وكذا: # قوله لامرأته؛ قال كان ذاك يا رسول الله؛ قال: فو الله لقد عجب الله من ~~صنعكما الليلة» . # الأصمعي قال: كان عمر بن عبد العزيز إذا قدم عليه بريد قال: هل رأيت في ~~الناس العرسات؟ يعني الخصب للمسلمين. # PageV03P258 # وقيل لأعرابي كان في مجلس: فيم كنتم؟ قال: كنا في قدر تفور، وكأس تدور، ~~وغناء يصور «1» ، وحديث لا يخور «2» . # بلغني أن محمد بن خالد بن يزيد بن معاوية كان نازلا بحلب على الهيثم بن ~~يزيد التنوخي، فبعث إلى ضيف له من عذرة فقال: حدث أبا عبد الله ما رأيت في ~~حاضرة المسلمين من أعاجيب الأعراس؛ قال: نعم، رأيت أمورا معجبة: منها أني ~~رأيت قرية عاصم بن بكر الهلالي، فإذا أنا بدور متباينة، وإذا أخصاص «3» ~~منظم بعضها إلى بعض، وإذا بها ناس كثير مقبلون ومدبرون وعليهم ثياب حكوا ~~بها ألوان الزهر، فقلت لنفسي: هذا أحد العيدين الأضحى أو الفطر؛ ثم رجع إلي ~~ما عزب «4» عني من عقلي، فقلت: خرجت من أهلي في عقب صفر وقد مضى العيدان ~~قبل ذلك؛ فبينما أنا واقف ومتعجب أتاني رجل فأخذ بيدي فأدخلني دارا قوراء ~~«5» وأدخلني بيتا قد نجد «6» في وجهه فرش قد مهدت وعليها شاب ينال فروع ~~شعره كتفيه، والناس حوله سماطان «7» ؛ فقلت في نفسي: هذا الأمير الذي يحكى ~~لنا جلوسه وجلوس الناس حوله، فقلت وأنا ماثل بين يديه: السلام عليك أيها ~~الأمير ورحمة الله وبركاته؛ فجذب رجل بيدي وقال: اجلس فإن هذا ليس بالأمير؛ ~~فقلت: ومن هو؟ قال: عروس؛ قلت؛ واثكل أماه! رب عروس رأيت بالبادية أهون على ~~أصحابه من هن أمه؛ فلم ألبث إذ دخلت الرجال عليها هنات «8» مدورات من # PageV03P259 # خشب وقضبان، أما ما خف فيحمل حملا، وأما ما ثقل فيدحرج، فوضعت أمامنا ~~وتحلق القوم حلقا حلقا، ثم أتينا بخرق بيض فألقيت بين أيدينا، فظننتها ~~ثيابا وهممت عندها أن أسأل القوم خرقا أقطع منها قميصا، وذلك أني رأيت نسجا ~~متلاحكا «1» لا تبين له سدى «2» ولا لحمة؛ فلما بسط القوم أيديهم إذا هو ~~يتمزق سريعا وإذا هو فيما زعموا صنف من الخبز لا أعرفه. ثم أتينا بطعام ~~كثير من حلو وحامض وحار وبارد، فأكثرت منه وأنا لا أعرف ما في عقبه من ~~التخم والبشم «3» . ثم أتينا بشراب أحمر في عساس «4» ، فلما نظرت إليه قلت: ~~لا حاجة لي فيه، أخاف أن يقتلني. وكان في جانبي رجل ناصح لي- أحسن الله ~~جزاءه- كان ينصح لي من بين أهل المجلس، فقال: يا أعرابي، إنك قد أكثرت من ~~الطعام، وإن شربت الماء انتفخ بطنك- فلما ذكر البطن تذكرت شيئا كان أوصاني ~~به أبي والأشياخ من أهلي: قالوا: لا تزال حيا ما دام شديدا (يعني البطن) ~~فإذا اختلف فأوص- فلم أزل أتداوى به ولا أمل من شربه، فتداخلني- نالك ~~الخير- صلف «5» لا أعرفه من نفسي، وبكاء لا أعرف سببه ولا عهد لي بمثله، ~~واقتدار على أمر أظن معه أني لو أردت نيل السقف لبلغته ولو ساورت «6» الأسد ~~لقتلته، وجعلت ألتفت إلى الرجل الناصح لي فتحدثني نفسي بهتم أسنانه «7» ~~وهشم أنفه، وأهم أحيانا بأن أقول له: يابن # PageV03P260 # الزانية؛ فبينما نحن كذلك إذ هجم علينا شياطين أربعة: أحدهم قد علق في ~~عنقه جعبة فارسية مشنجة «1» الطرفين دقيقة الوسط قد شبحت «2» بالخيوط شبحا ~~منكرا، وقد ألبست قطعة فرو كأنهم يخافون عليها القر. ثم بدر الثاني فاستخرج ~~من كمه هنة سوداء كفيشلة الحمار فوضع طرفها في فيه فضرط فيها فاستتم بها ~~أمرهم، ثم حسب «3» على حجرة فيها فاستخرج منها صوتا ملائما مشاكلا بعضه ~~بعضا كأنه- علم الله- ينطق. ثم بدر الثالث عليه قميص وسخ وقد غرق شعره ~~بالدهن ومعه مرآتان فجعل يمري «4» إحداهما على الأخرى مريا. ثم بدر الرابع ~~عليه قميص قصير وسراويل قصير وخفان أجذمان «5» لا ساقين لهما، فجعل يقفز ~~كأنه يثب على ظهور العقارب، ثم التبط بالأرض، فقلت: معتوه ورب الكعبة! ثم ~~ما برح مكانه حتى كان أغبط «6» القوم عندي، ورأيت الناس يحذوفونه بالدارهم ~~حذفا منكرا. ثم أرسلت إلينا النساء أن أمتعونا من لهوكم، فبعثوا بهم إليهن. ~~وبقيت الأصوات تدور في آذاننا. وكان معنا في البيت شاب لا آبه له، فعلت ~~الأصوات له بالدعاء، فخرج فجاء بخشبة عينها في صدرها فيها خويطات أربعة، ~~فاستخرج من جنبها عودا فوضعه على أذنه، ثم زم الخيوط الظاهرة، فلما أحكمها ~~وعرك آذانها حركها بمجسة «7» في يده، فنطقت ورب الكعبة! وإذا هي أحسن قينة ~~«8» رأيتها قط وغنى عليها # PageV03P261 # فاستخفني «1» في مجلسي حتى قمت فجلست بين يديه، فقلت: بأبي أنت وأمي! ما ~~هذه الدابة؟ «2» فلست أعرفها للأعراب وما خلقت إلا حديثا! فقال: يا أعرابي. # هذا البربط «3» الذي سمعت به؛ فقلت: بأبي أنت وأمي! فما هذا الخيط ~~الأسفل؟ # قال: زير؛ قلت: فما الذي يليه؟ قال: مثنى؛ قلت: فالثالث؟ قال: المثلث؛ ~~قلت: فالرابع؟ قال البم؛ قلت: آمنت بالله أولا وبالبم ثانيا. # وقال الخريمي: [طويل] # أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله ... ويخصب عندي والمحل جديب # وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ... ولكنما وجه الكريم خصيب # وقال أرطاة بن سهية «4» : [طويل] # وإني لقوام إلى الضيف موهنا ... إذا أغدف الستر البخيل المواكل «5» # دعا فأجابته كلاب كثيرة ... على ثقة مني بما أنا فاعل # وما دون ضيفي من تلاد تحوزه ... لي النفس إلا أن تصان الحلائل «6» # وقال آخر «7» : [طويل] # إذا نزل الأضياف كان عذورا ... على الأهل حتى تستقل مراجله «8» # PageV03P262 # يقول: يسوىء خلقه حتى يطعم أضيافه، لإعجاله إياهم ولخوف تقصير يكون منهم. # وقال دعبل: [طويل] # وإني لعبد الضيف من غير ذلة ... وما في إلا تلك من شيمة العبد # وقال آخر «1» : [طويل] # لحافي لحاف الضيف والبيت بيته ... ولم يلهني عنه الغزال المقنع «2» # أحدثه، إن الحديث من القرى ... وتعلم نفسي أنه سوف يهجع «3» # وقال الفرزدق في العذافر: [طويل] # لعمرك ما الأرزاق يوم اكتيالها ... بأكثر خيرا من خوان عذافر «4» # ولو ضافه الدجال يلتمس القرى ... وحل على خبازه بالعساكر «5» # بعدة يأجوج ومأجوج كلهم ... لأشبعهم يوما غداء العذافر «6» # وقال مسكين الدارمي «7» : [كامل] # ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي تنزل القدر # ما ضر جارا لي أجاوره ... ألا يكون لبابه ستر # PageV03P263 # ضاف رجل من كلب أبا الرمكاء الكلبي، ومع الرجل فضلة من حنطة، فراحت معزى ~~أبي الرمكاء، فحلب وشرب، ثم حلب وسقى ابنه، ثم حلب وسقى امرأته؛ فقال ~~الرجل: ألا تسقون ضيفكم؟ فقال أبو الرمكاء: ما فيها فضل؛ فاستخرج الرجل ما ~~في عكمه «1» من طعام وقال: هل من رحى؟ # فأسرعوا بها نحوه، فطحن وعجن وأوقد خبزته وأخرجها فنفضها، فإذا رسول أبي ~~الرمكاء يقول: يقول لك أبو الرمكاء: لا عهد لنا بالخبز؛ فقال الرجل: ما ~~فيها فضل، ثم أكل وارتحل، وقال: [طويل] # وبات أبو الرمكاء لم يسق ضيفه ... من المحض ما يطوي عليه فيرقد «2» # فقمت إلى حنانة فوق أختها ... ونار وباتت وهي تورى وتوقد # فلما نفضت الخبز بالعود أقبلت ... رسائل تشكي الجوع والحي سهد # وقال أبو الرمكاء بالخبز عهده ... قديم له حول كريب مطرد «3» # فقلت ألا لا فضل فيها لباخل ... ولا مطمع حتى يلوح لنا الغد # فبات أبو الرمكاء من فرط ريحها ... يئن كما أن السليم المسهد «4» # ذكر أعرابي قوما فقال: ألغوا من الصلاة الأذان، مخافة أن تسمعه الآذان، ~~فيهل عليهم الضيفان. # وقال بعضهم في ذلك: [وافر] # أقاموا الديدبان على يفاع ... وقالوا لا تنم للديدبان «5» # فإن أبصرت شخصا من بعيد ... فصفق بالبنان على البنان # PageV03P264 # تراهم خشية الأضياف خرسا ... يصلون الصلاة بلا أذان # وقال زياد الأعجم: [طويل] # وتكعم كلب الحي من حشية القرى ... وقدرك كالعذراء من دونها ستر «1» # وقال آخر: [طويل] # وإني لأجفو الضيف من غير عسرة ... مخافة أن يضرى بنا فيعود «2» # وقال آخر: [كامل] # أعددت للضيفان كلبا ضاريا ... عندي وفضل هراوة من أرزن «3» # ومعاذرا كذبا ووجها باسرا ... متشكيا عض الزمان الألزن «4» # رأى رجل الحطيئة وبيده عصا؛ فقال: ما هذه؟ قال: عجراء «5» من سلم، قال: ~~إني ضيف، قال: للضيفان أعددتها. # وقال آخر: [بسيط] # وأبغض الضيف ما بي جل مأكله ... ألا تنفخه حولي إذا قعدا # ما زال ينفخ جنبيه وحبوته ... حتى أقول لعل الضيف قد ولدا «6» # وقال حميد الأرقط «7» يذكر ضيفا: [طويل] # إذا ما أتانا وراد المصر مرملا ... تأوب ناري أصفر العقل قافل «8» # PageV03P265 # فقلت لعبدي اعجلا بعشائه ... وخير عشاء الضيف ما هو عاجل # فقال وقد ألقى المراسي للقرى ... أبن لي ما الحجاج بالناس فاعل «1» # فقلت لعمري ما لهذا طرقتنا ... فكل ودع الأخبار ما أنت آكل # تجهز كفاه فيحدر حلقه ... إلى الزور ما ضمت عليه الأنامل «2» # أتانا ولم يعدله سحبان وائل ... بيانا وعلما بالذي هو قائل «3» # فما زال منه اللقم حتى كأنه ... من العي لما أن تكلم باقل «4» # وقال أيضا في نحو ذلك: [بسيط] # ومرملين على الأقتاب برهم ... حقائب وعباء فيه بعرين «5» # مقدمين أنوفا في عصائبهم ... هجنا، ألا جدعت تلك العرانين «6» # يسطرون لنا الأخبار إذ نزلوا ... وكل ما سطروا للقم تمكين # باتوا وجلتنا الصهباء بينهم ... كأن أظفارهم فيها سكاكين «7» # فأصبحوا والنوى عالي معرسهم ... وليس كل النوى تلقي المساكين «8» # وقال أيضا في نحو ذلك: [طويل] # PageV03P266 # وعاو عوى والليل مستحلس الندى ... وقد ضجعت للغور تالية النجم «1» # فسلم تسليم الصديق ولم يكن ... صديقا لنا إلا ليأنس باللقم # فقلت له والنار تأخذ صدره ... لقمت لسمت أو سريت على علم «2» # وقال بعض الرجاز: # برح بالعينين خطاب الكثب «3» ... يقول إني خاطب وقد كذب # وإنما يطلب عسا من حلب «4» # وقال آخر: [بسيط] # إني لمثلكم من سوء فعلكم ... إن زرتكم أبدا إلا معي زادي # وقال حماد عجرد: [متقارب] # حريث أبو الصلت ذو خبرة ... بما يصلح المعدة الفاسده # تخوف تخمة أضيافه ... فعودهم أكلة واحده # عن قتادة قال: قال زياد لغيلان بن خرشة «5» : أحب أن تحدثني عن العرب ~~وجهدها وضنك عيشها «6» ، لنحمد الله على النعمة التي أصبحنا بها؛ فقال ~~غيلان: حدثني عمي قال: توالت على العبر سنون تسع في الجاهلية # PageV03P267 # حطمت كل شيء «1» ، فخرجت على بكر «2» لي في العرب. فمكثت سبعا لا أطعم ~~شيئا إلا ما ينال منه بعيري أو من حشرات الأرض، حتى دفعت في اليوم السابع ~~إلى حواء عظيم «3» ، فإذا بيت جحش «4» عن الحي، فملت إليه فخرجت إلي امرأة ~~طوالة حسانة (5) ؛ فقالت: من؟ قلت: طارق ليل يلتمس القرى؛ فقالت: لو كان ~~عندنا شيء لآثرناك به، والدال على الخير كفاعله، حس «5» هذه البيوت ثم انظر ~~إلى أعظمها، فإن يك في شيء منها خير ففيه؛ ففعلت حتى دفعت اليه، فرحب بي ~~صاحبه وقال: من؟ قلت: طارق ليل يلتمس القرى؛ فقال: يا فلان، فأجابه، فقال: ~~هل عندك طعام؟ فقال لا؛ فو الله ما وقر «6» في أذني شيء كان أشد منه. قال: ~~فهل عندك شراب؟ قال لا، ثم تأوه فقال: بلي! قد بقينا في ضرع الفلانة «7» ~~شيئا لطارق إن طرقك، قال: فأت به، فأتى العطن فابتعثها «8» . فحدثني عمي ~~أنه شهد فتح أصبهان وتستر ومهرجان وكور الأهواز وفارس وجاهه عند السلطان ~~وكثرة ماله وولده، قال: فما سمعت شيئا قط كان أشد من شخب «9» تيك الناقة في ~~تلك العلبة؛ حتى إذا ملأها وفاضت من جوانبها وارتفعت عليها شمكرة «10» كجمة ~~الشيخ «11» ، أقبل بها # PageV03P268 # يهوي نحوي، فعثر بعود أو حجر، فسقطت العلبة من يده، فحدثني أنه أصيب ~~بأبيه وأمه وولده وأهل بيته فما أصيب بمصيبة أعظم من ذهاب العلبة. فلما رأى ~~ذلك رب البيت خرج شاهرا سيفه فبعث الإبل ثم نظر إلى أعظمها سناما ودفع إليه ~~مدية وقال: يا عبد الله اصطل واحتمل «1» . قال: فجعلت أهوي بالبضعة إلى ~~النار فإذا بلغت إناها «2» أكلتها، ثم مسحت ما في يدي من إهالتها «3» على ~~جلدي وقد كان قحل «4» على عظمي حتى كأنه شن «5» . ثم شربت شربة ماء وخررت ~~مغشيا علي فما أفقت إلى السحر. وقطع زياد الحديث وقال: لا عليك ألا تخبرنا ~~بأكثر من هذا، فمن المنزول به؟ قلت: أبو علي عامر بن الطفيل. # قال بعض الشعراء يهجو قوما: [كامل] # وتراهم قبل الغداء لضيفهم ... يتخللون صبابة للزاد «6» # وقال آخر «7» : [مجزوء الكامل المرفل] # استبق ود أبي المقا ... تل حين تأكل من طعامه # سيان كسر رغيفه ... أو كسر عظم من عظامه # فتراه من خوف النزي ... ل به يروع في منامه # PageV03P269 # فإذا مررت ببابه ... فاحفظ رغيفك من غلامه # وقال آخر «1» : [بسيط] # صدق أليته إن قال مجتهدا ... لا والرغيف، فذاك البر من قسمه «2» # قد كان يعجبني لو أن غيرته ... على جراذقه كانت على حرمه «3» # إن رمت قتلته فافتك بخبزته ... فإن موقعها من لحمه ودمه # قلت لرجل كان يأكل مع أبي دلف: كيف كان طعامه؟ قال: كان على مائدته ~~رغيفان بينهما نقرة جوزة؛ وقال: [وافر] # أبو دلف يضيع ألف ألف ... ويضرب بالحسام على الرغيف # أبو دلف لمطبخه قتار ... ولكن دونه ضرب السيوف «4» # وقال أبو الشمقمق «5» : [وافر] # رأيت الخبز عز لديك حتى ... حسبت الخبز في جو السحاب # وما روحتنا لتذب عنا ... ولكن خفت مرزئة الذباب # وقال دعبل: [خفيف] # إن من ضن بالكنيف على الضي ... ف بغير الكنيف كيف يجود! «6» # ما رأينا ولا سمعنا بحش ... قبل هذا لبابه إقليد «7» # PageV03P270 # إن يكن في الكنيف شيء تخبا ... ه فعندي إن شئت فيه مزيد # ولهذا الشعر قصة قد ذكرتها في باب الشعراء «1» . # قال أبو محمد: شوى لجعفر بن سليمان الهاشمي دجاج ففقد فخذ من دجاجة، فأمر ~~فنودي في داره: من هذا الذي تعاطى فعقر «2» والله لا أخبز في هذا التنور ~~شهرا أو يرد! فقال ابنه الأكبر: أتؤاخذنا بما فعل السفهاء منا!. # قال بعض الشعراء «3» : [سريع] # يا تارك البيت على الضيف ... وهاربا منه من الخوف # ضيفك قد جاء بخبز له ... فارجع فكن ضيفا على الضيف # وقال أبو نواس «4» : [مجزوء الرمل] # خبز إسماعيل كلوش ... ي إذا ما شق يرفا «5» # عجبا من أثر الصن ... عة فيه كيف يخفى # إن رفاءك هذا ... أحذق الأمة كفا # فإذا قابل بالنص ... ف من الجردق نصفا «6» # PageV03P271 # مثل ما جاء من التن ... ور ما غادر حرفا # أحكم الصنعة حتى ... لا يرى موضع إشفى «1» # وله في الماء أيضا ... عمل أبدع ظرفا # مزجه العذب بماء ال ... بئر كي يزداد ضعفا # فهو لا يشرب منه ... مثل ما يشرب صرفا «2» # عن عبد العزيز بن عمران قال: نزلت ببيت ابن هرمة فقلت: انحروا لنا جزورا؛ ~~فقالت: والله ما هي عندنا؛ فبقرة، قالت لا؛ قلت: فشاة، قالت لا؛ قلت: ~~فدجاجة، قالت لا، فأين قول أبيك: [منسرح] # لأمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلا قريبة الأجل «3» # قالت: ذاك أفناها. فبلغ ابن هرمة ما قالت، قال: أشهد أنها ابنتي، وأشهد ~~أن داري لها دون الذكور من أولادي. # قال ابن أبي فنن «4» : [منسرح] # لا أشتم الضيف ولكنني ... أدعو له بالقرب من طوق «5» # بقرب من إن زاره زائر ... مات إلى الخبز من الشوق # دخل على ابن لرجل من الأشراف داخل وبين يديه فراريج، فغطى الطبق بمنديله ~~وأدخل رأسه في جيبه وقال للداخل عليه: كن في الحجرة الأخرى حتى أفرغ من ~~بخوري. # PageV03P272 # وفيما أجاز لنا عمرو بن بحر من كتبه قال: دخل رجل على رجل قد تغذى مع قوم ~~ولم ترفع المائدة قال لهم: كلوا وأجهزوا على الجرحى. # يريد: كلوا ما كسر ونيل منه ولا تعرضوا إلى الصحيح. # قال: وقال لقوم يؤاكلونه: يزعمون أن خبزي صغار! أي ابن زانية يأكل من هذا ~~رغيفين!. قال: ويقول لزائره إذا أطال عنده المكث: تغديت اليوم؟ # فإن قال نعم، قال: لولا أنك تغديت لغديتك بطعام طيب. وإن قال لا، قال: # لو كنت تغديت لسقيتك خمسة أقداح. فلا يكون له على الوجهين لا قليل ولا ~~كثير. # وحكي عن أبي نواس أنه قال: قلت لرجل من أهل خراسان: لم تأكل وحدك؟ قال: ~~ليس علي في هذا الموضع سؤال؛ إنما السؤال على من أكل مع الجماعة، لأن ذاك ~~تكلف وأكلي وحدي هو الأكل الأصلي. # وكنا عند داود بن أبي داود بواسط أيام ولايته كسكر «1» ، فأتته من البصرة ~~هدايا، وكان فيها زقاق دو شاب «2» ، فقسمها بيننا، فكلنا أخذ ما أعطي، غير ~~الحزامي، فأنكرنا ذلك وقلنا: إنما يجزع الحزامي من الإعطاء وهو عدوه، فأما ~~الأخذ فهو ضالته وأمنيته؛ فإنه لو أعطي أفاعي سجستان، وثعابين مصر، وجرارات ~~«3» الأهواز لأخذها، إذ كان اسم الأخذ واقعا عليها؛ فسألناه عن سبب ذلك، ~~فتعسر قليلا ثم باح بسره وقال: وضعته «4» أضعاف ربحه، وأخذه من أسباب ~~الإدبار؛ قلت: أول وضائعه احتمال ثقل السكر؛ قال: هذا لم يخطر # PageV03P273 # ببالي قط، ولكن أول ذاك كراء الحمال «1» ، فإذا صار إلى المنزل صار سببا ~~لطلب العصيدة والارزة والستندفود «2» ، فإن بعته فرارا من هذا البلاء ~~صيرتموني شهرة «3» ، وإن أنا حبسته ذهب في العصائد وأشباهها، وجذب ذلك شراء ~~السمن، ثم جذب السمن غيره، وصار هذا الدوشاب علينا أضر من العيال؛ وإن أنا ~~جعلته نبيذا احتجت إلى كراء القدور وإلى شراء الحب «4» وإلى شراء الماء ~~وإلى كراء من يوقد تحته؛ فإن وليت ذلك الخادم اسود ثوبها وغرمتنا ثمن ~~الأشنان «5» والصابون، وازدادت في الطعم على قدر الزيادة في العمل؛ فإن فسد ~~ذهبت النفقة باطلا ولم نستخلف «6» منها عوضا بوجه من الوجوه، لأن خل الدادي ~~«7» يخضب اللحم ويغير الطعم ويسود المرقة ولا يصلح إلا للاصطباغ. وإن سلم- ~~وأعوذ بالله- وجاد وصفا لم نجد بدا من شربه ولم تطب أنفسنا بتركه؛ فإن قعدت ~~في البيت أشربه لم يمكن ذلك إلا بترك سلاف «8» الفارسي المعسل، والدجاج ~~المسمن، وجداء كسكر «9» وفاكهة الجبل والنقل الهش والريحان الغض، عند من لا ~~يغيض «10» ماله، ولا تنقطع مادته، وعند من لا يبالي على أي قطريه «11» سقط ~~مع فوت الحديث المؤنس والسماع الحسن؛ وعلى أنى إن جلست في البيت أشربه لم ~~يكن بد من واحد، وذلك # PageV03P274 # الواحد لا بد له من لحم بدرهم، ونقل بطسوج «1» ، وريحان بقيراط «2» ، ومن ~~أبزار للقدر وحطب للوقود؛ وهذا كله غرم وشؤم وحرمان وحرفة «3» وخروج من ~~العادة الحسنة. فإن كان النديم غير موافق فأهل السجن أحسن حالا مني، وإن ~~كان موافقا فقد فتح الله على ما لي به بابا من التلف، لأنه حينئذ يسير في ~~مالي كسيري في مال غيري ممن هو فوقي. فإذا علم الصديق أن عندي داذيا «4» أو ~~نبيذا دق على الباب دق المدل، فإن حجبناه فبلاء، وإن أدخلناه فشقاء. وإن ~~بدا لي في استحسان حديث الناس كما يستحسنه مني من أكون عنده، فقد شاركت ~~المسرفين، وفارقت إخواني الصالحين، وصرت من إخوان الشياطين؛ والله تقدست ~~أسماؤه يقول: إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين # «5» ؛ فإذا صرت كذلك فقد ذهب كسبي من مال غيري، وصار غيري يكتسب مني؛ ~~وأنا لو ابتليت بأحدهما لم أقم به فكيف إذا ابتليت بأن أعطي ولا آخذ، وبأن ~~أوكل ولا آكل! أعوذ بالله من الخذلان بعد العصمة، ومن الحور بعد الكور «6» ~~؛ ولو كان هذا في الحداثة كان أهون. هذا الدوشاب دسيس من الحرفة، وكيد من ~~الشيطان، وخدعة من الحسود، وهو الحلاوة التي تعقب المرارة. ما أخوفني أن ~~يكون أبو سليمان قد ملني فهو يحتال لي الحيل!. # وحكي عن الحارثي أنه قال: الوحدة خير من جليس السوء، وجليس السوء خير من ~~أكيل السوء؛ لأن كل أكيل جليس وليس كل جليس أكيلا؛ فإن # PageV03P275 # كان لا بد من المؤاكلة ولا بد من المشاركة فمع من لا يستأثر علي بالمخ، ~~ولا ينتهز بيضة «1» البقيلة؛ ولا يلتقم كبد الدجاج، ولا يبادر إلى دماغ ~~السلاءة «2» ، ولا يختطف كلية الجدي، ولا يزدرد قانصة الكركي «3» ، ولا ~~ينتزع شاكلة «4» الحمل، ولا يبتلع سرة السمك، ولا يعرض لعيون الرءوس، ولا ~~يستولى على صدور الدراج «5» ، ولا يسابق إلى أسقاط الفراخ، ولا يتناول إلا ~~ما بين يديه، ولا يلاحظ ما بين يدي غيره، ولا يمتحن الإخوان بالأمور ~~الثمينة، ولا ينتهك أستار الناس بأن يشتهي ما عسى ألا يكون موجودا؛ فكيف ~~تصلح الدنيا ويطيب العيش بمن إذا رأى جزورية «6» التقط الأكباد والأسنمة ~~«7» ، وإذا عاين بقرية استولى على العراق «8» والقطنة «9» ، وإن عاين بطن ~~سمكة اخترق كل شيء فيه، وإن أتوا بجنب شواء اكتسح ما عليه، ولا يرحم ذا سن ~~لضعفه، ولا يرق على حدث لحدة شهوته، ولا ينظر للعيال، ولا يبالي كيف دارت ~~الحال. # وأشد من كل ما وصفنا أن الطباخ ربما أتى باللون الظريف الطريف، والعادة ~~في مثل ذلك اللون أن يكون لطيف الشخص صغير الحجم، فيقدمه حارا # PageV03P276 # ممتنعا، وربما كان من جوهر بطيء الفتور، وأصحابنا في سهول ازدراد الحار ~~عليهم في طبائع النعام، وأنا في شدة الحار علي في طباع السباع، فإن نظرت ~~«1» إلى أن يمكن أتوا على آخره، وإن أنا بادرت مخافة الفوت وأردت أن ~~أشاركهم في بعضه لم آمن ضرره؛ والحار بما قتل وربما أعقم وربما أبال الدم. ~~قال: وعوتب على تركه إطعام الناس معه وهو يتخذ فيكثر، فقال: أنتم لهذا أترك ~~مني، فإن زعمتم أنني أكثر مالا وأعد، عدة، فليس بين حالي وحالكم من التفاوت ~~أن أطعم أبدا وتأكلوا أبدا، فإذا أتيتم من أموالكم من البذل على قدر ~~احتمالكم، علمت أنكم الخير أردتم، وإلى تزييني ذهبتم، وإلا فإنكم إنما ~~تحلبون حلبا لكم شطره «2» . # قال: كان أبو ثمامة أفطر ناسا وفتح بابه فكثر عليه الناس، فقال: إن الله ~~لا يستحي من الحق، وكلكم واجب الحق، ولو استطعنا أن نعمكم بالبر كنتم فيه ~~سواء ولم يكن بعضكم أولى به من بعض؛ كذلك أنتم إذا عجزنا أو بدا لنا، فليس ~~بعضكم أحق بالحرمان والاعتذار إليه من بعض، ومتى قربت بعضكم وفتحت بابي لهم ~~وباعدت الآخرين، لم يكن في إدخال البعض عذر، ولا في منع الآخرين حجة؛ ~~فانصرفوا ولم يعودوا. # قال: وكان محمد بن أبي المؤمل يقول: قاتل الله رجلا كنا نؤاكلهم، ما رأيت ~~قصعة رفعت من بين أيديهم إلا وفيها فضل، وكانوا يعلمون أن إحضار # PageV03P277 # الجدى إنما هو شيء من آيين «1» الموائد الرفيعة، وإنما جعل كالقافية ~~وكالخاتمة وكالعلامة لليسر والفراغ، ولم يحضر للتفريق والتخريب، وأن أهله ~~لو أرادوا به سوءا لقدموه لتقع الحدة به؛ ولذلك قال أبو الحارث جميز «2» ~~حين رآه لا يمس: هذا المدفوع عنه. # ولقد كانوا يتحامون بيضة البقيلة «3» ، ويدعها كل واحد لصاحبه، وأنت ~~اليوم إذا أردت أن تمتع عينيك بنظرة واحدة منها ومن بيضة السلاءة «4» لم ~~تقدر على ذلك. # وكان يقول: الآدام أعداء الخبز، وأعداها له المالح؛ فلولا أن الله أعان ~~عليها بالماء وطلب آكله له لأتى على الحرث والنسل. # وكان يقول: ما بال الرجل إذا قال: اسقني ماء أتاه بقلة على قدر الري «5» ~~أو أصغر، وإذا قال؛ أطعمني شيئا أو هات لفلان طعاما، أتاه من الخبز بما ~~يفضل عن الجماعة، والطعام والشراب أخوان. أما إنه لولا رخص الماء وغلاء ~~الخبز لما كلبوا «6» على الخبز وزهدوا في الماء؛ والناس أشد شيء تعظيما ~~للمأكول إذا كثر ثمنه وكان قليلا في منبته وعنصره. هذا الجزر الصافي ~~والباقلاء الأخضر أطيب من كمثرى خراسان والموز البستاني، وهذا # PageV03P278 # الباذنجان أطيب من الكمأة، ولكنهم لقصر هممهم وأذهانهم في التقليد ~~والعادة لا يشتهون إلا على قدر الثمن. # وكان يقول: لو شرب الناس الماء على طعامهم لما اتخموا. وذلك أن الرجل لا ~~يعرف مقدار ما أكل حتى ينال من الماء شيئا، لأنه ربما كان شبعان وهو لا ~~يدري. وفي قول الناس: ماء دجلة أمرأ «1» من ماء الفرات، وماء مهران «2» ~~أمرأ من ماء نهر بلخ «3» ؛ وفي قول العرب: هذا ماء نمير يصلح عليه المال ~~دليل على أن الماء يمرىء؛ حتى قالوا: إن الماء الذي يكون عليه النفاطات «4» ~~أمرأ من الماء الذي تكون عليه القيارات «5» . فعليكم بشرب الماء على الغداء ~~فإن ذلك أمرأ «6» . # قال وكان الثوري يقول لعياله: لا تلقوا نوى التمر والرطب وتعودوا ~~ابتلاعه، فإن النوى يعقد الشحم في البطن، ويدفىء الكليتين بذلك الشحم؛ ~~واعتبروا ذلك ببطون الصفايا «7» وجميع ما يعتلف النوى. والله ما حملتم ~~أنفسكم على قضم الشعير واعتلاف القت «8» لوجدتموها سريعة القبول، وقد يأكل ~~الناس القت قداحا «9» ، والشعير فريكا «10» ، ونوى البسر الأخضر1» # ، ونوى # PageV03P279 # العجوة «1» ؛ وإنما بقيت عليكم الآن عقبة؛ أنا أقدر أن أبتلع النوى ~~وأعلفه الشاء، ولكن أقول هذا بالنظر لكم. # وكان يقول لهم: كلوا الباقلاء بقشوره، فإن الباقلاء يقول: من أكلني ~~بقشوري فقد أكلني، ومن لم يأكلني بقشوري فأنا آكله؛ فما حاجتكم إلى أن ~~تصيروا طعاما لطعامكم، وأكلا لما جعل أكلا لكم. # قال: وحم هو وعياله فلم يقدروا على أكل الخبز، فربح أقواتهم في تلك ~~الأيام؛ ففرح وقال: لو كان في منزل سوق الأهواز ونطاة «2» خيبر رجوت أن ~~أستفضل في كل سنة مائة دينار. # قال: ودعا موسى بن جناح جماعة من جيرانه ليفطروا عنده في [شهر رمضان] «3» ~~، فلما وضعت المائدة أقبل عليهم ثم قال لهم: لا تعجلوا، فإن العجلة من عمل ~~الشيطان. ثم وقف وقفة ثم قال: وكيف لا تعجلون والله تعالى يقول: وكان ~~الإنسان عجولا # «4» . اسمعوا ما أقول لكم، فإن فيه حسن المؤاكلة والتبعد من الأثرة، ~~والعاقبة الرشيدة، والسيرة المحمودة: إذا مد أحدكم يده ليستقي ماء فأمسكوا ~~أيديكم حتى يفرغ، فإنكم تجمعون عليه خصالا: منها أنكم تنغصون عليه في شربه، ~~ومنها أنه إذا أراد اللحاق بكم فلعله يتسرع إلى لقمة حارة فيموت، وأدنى ذلك ~~أن تبعثوه على الحرص وعلى عظم اللقم. ولهذا قال بعضهم وقد قيل له: لم تبدأ ~~بأكل اللحم؟ قال: لأن اللحم ظاعن والثريد مقيم. وأنا وإن كان الطعام طعامي ~~فإني كذلك أفعل؛ # PageV03P280 # فإذا رأيتم فعلى يخالف قولي فلا طاعة لي عليكم. وقال بعضهم: فربما نسي ~~بعضنا فمد يده وصاحبه يشرب، فيقول له: يدك يا ناسي، ولولا شيء لقلت لك: يا ~~متغافل. # قال: فأتانا بأرزة «1» أحدنا أن يعد حباتها لعدها، لتفرقها، وقلتها، وهي ~~مقدار نصف سكرجة «2» ؛ فوقعت في فمي قطعة، وكنت إلى جنبه، فسمع صوتا حين ~~مضغتها، فقال: اجرش يا أبا كعب. # قال: وكنا نسمع باللئيم الراضع، وهو الذي يرضع الحلب فلا يحلبه في الإناء ~~لئلا يسمع صوت الحلب- وقال بعضهم: لئلا يضيع من اللبن شيء- ثم رأيت أبا ~~سعيد المدائني قد صنع أعظم من ذلك: ارتضع من دن خلا حتى فني ولم يخرج منه ~~شيء. # قال: وكان الكندي لا يزال يقول للساكن من سكاننا-[وربما قال] «3» للجار- ~~إن في داري امرأة بها حبل، والوحمى «4» ربما أسقطت من ريح القدر الطيبة، ~~فإذا طبختم فردوا شهوتها بغرفة أو بلعقة فإن النفس يردها اليسير، وإن لم ~~تفعل ذلك وأسقطت فعليك غرة «5» : عبد أو أمة. # وقال بعضهم: نزلنا دارا بالكراء للكندي على شروط، فكان في شرطه # PageV03P281 # على السكان أن يكون له روث الدابة، وبعر الشاة، ونشوار «1» العلوقة؛ وألا ~~يخرجوا عظما ولا يخرجوا كناسة، وأن يكون له نوى التمر، وقشور الرمان، ~~والغرفة من كل قدر تطبخ للحبلى في بيته؛ وكان في ذلك يتنزل «2» عليهم، ~~فكانوا لطيبه وإفراط بخله يحتملون ذلك. # وقال دعبل: أقمنا يوما عند سهل بن هارون، فأطلنا الحديث حتى اضطره الجوع ~~إلى أن دعا بغدائه، فأتي بصحفة عدملية «3» فيها مرق لحم ديل عاس «4» هرم ~~ليس قبلها ولا بعدها غيرها، لا تحز «5» فيه السكين، ولا تؤثر فيه الأضراس، ~~فاطلع في القصعة وقلب بصره فيها، فأخذ قطعة خبز يابس فقلب بها جميع ما في ~~الصفحة ففقد الرأس، فبقي مطرقا ساعة، ثم رفع رأسه إلى الغلام وقال: أين ~~الرأس؟ قال: رميت به؛ قال: ولم؟ قال: ما ظننت أنك تأكله ولا تسأل عنه «6» ! ~~قال: ولأي شيء ظننت ذلك؟ فو الله إني لأمقت «7» من يرمي برجله فيكف من يرمي ~~برأسه! والرأس رئيس، وفيه الحواس الخمس، ومنه يصيح الديك، ولولا صوته ما ~~أريد، وفيه عرفه الذي يتبرك به، وفيه عينه التي يضرب بها المثل فيقال: شراب ~~كعين الديك «8» ودماغه عجب لوجع الكلية، ولن ترى عظما قط أهش من عظم رأسه؛ ~~فإن كان من نبل أنك لا تأكله فإن عندنا من يأكله. أو ما علمت أنه خير من ~~طرف الجناح ومن الساق # PageV03P282 # ومن العنق!. انظر أين هو. قال: لا والله لا أدري أين هو، رميت به؛ قال: # لكني أدري أنك رميت به في بطنك، والله حسبك. # وحكي عن رجل أنه قال: مررت ببعض طرقات الكوفة، فإذا رجل يخاصم جارا له ~~فقلت: ما بالكما تختصمان؟ فقال أحدهما «1» : لا والله إلا أن صديقا لي ~~زارني فاشتهى علي رأسا، فاشتريته وتغدينا به وأخذت عظامه فوضعتها على باب ~~داري أتجمل بها «2» عند جيراني، فجاء هذا فأخذها وتركها على باب داره يوهم ~~أنه اشتراه. # قال: وتناول رجل من بين يدي أمير من الأمراء بيضة وهو معه، فقال: # خذها فإنها بيضة العقر «3» ولم يأذن له بعد ذلك. # قال: وقدمت مائدة لرجل عليها أرغفة على عدد الرءوس ورغيف زائد يوضع على ~~الصحاف، فلما أنفد القوم خبزهم التفت إلى رجل إلى جانبه فقال: اكسر هذا ~~الرغيف وفرقه بينهم، فتغافل، فأعاد عليه، فقال: يبتلى على يد غيري. # قال المدائني: كان للمغيرة بن عبد الله الثقفي وهو على الكوفة جدي يوضع ~~على مائدته بعد الطعام لا يمسه وهو ولا غيره، فقدم أعرابي يوما فأكل لحمه ~~وتعرق «4» عظامه؛ فقال، يا هذا، أتطالب هذا البائس بذحل «5» ؟! هل نطحتك ~~أمه! قال: وأبيك إنك لشفيق عليه! هل أرضعتك أمه!. # PageV03P283 # قال المدائني: كان لزياد بن عبد الله الحارثي جدي لا يمسه أحد، فعشى في ~~شهر رمضان قوما فيهم أشعب، فعرض أشعب يوما للجدي من بين القوم، فقال زياد ~~حين رفعت المائدة: أما لأهل السجن إمام يصلي بهم؟ # قالوا: لا؛ قال: فليصل بهم أشعب؛ قال أشعب: أو غير ذلك أيها الأمير؟ # قال: وما هو؟ قال: لا آكل لحم جدي أبدا. # قال: وكان المغيرة بن عبد الله الثقفي يأكل وأصحابه تمرا فانطفأ السراج، ~~وكانوا يلقون النوى في طست، فسمع صوت نواتين؛ فقال: من ذا يلعب بالكعبتين؟ ~~«1» . # قال الأعشى «2» : [طويل] # تبيتون في المشتى ملاء بطونكم ... وجاراتكم سغب يبتن خمائصا «3» # وقال آخر «4» [بسيط] # وضيف عمرو وعمرو ساهران معا ... فذاك من كظة والضيف من جوع «5» # وقال آخر [بسيط] # وجيرة لا ترى في الناس مثلهم ... إذا يكون لهم عيد وإفطار # إن يوقدوا يوسعونا من دخانهم ... وليس يبلغنا ما تنضج النار # وقال سماعة بن أشول: [طويل] # نزلنا بسهم والسماء تلفنا ... لحى الله سهما ما أدق وألأما «6» # PageV03P284 # فلما رأينا أنه عاتم القرى ... بخيل ذكرنا ليلة الهضب كردما «1» # فقمنا وحملنا على الأين والوجى ... جلالا بأوصال الرديفين مرجما «2» # يدق خراطيم القنان كأنما ... يدق بصوان الجلاميد ختما «3» # فجئنا وقد باض الكرى في عيوننا ... فتى من عيون المعرقين مسلما «4» # تناخ إليه هجمة واتكية ... رعت بالجواء البقل حولا مجرما «5» # كأن بأحقيها إذا ما تنغمت ... مزادا سقا فيه المزوة معصما «6» # فبات رفيقي بعد ما ساء ظنه ... بمنزلة من آخر الليل مكرما # ولو أنها لم يدفع العيس زمها ... رأى بعضها من بعض أنسائها دما «7» # وقال حميد الأرقط: [طويل] # ومستنبح بعد الهدوء وقد جرت ... له حرجف نكباء والليل عاتم «8» # رفعت له مخلوطة فاهتدى بها ... يشب لها ضوء من النار جاحم «9» # فأطعمته حتى غدا وكأنما ... تنازعه في أخدعيه المحاجم «10» # PageV03P285 # كزمهان يفطو المشي لو جعلت له ... رعايا الحمى لم يلتفت وهو قائم «1» # حريص على التسليم لو يستطيعه ... فلم يستطع لما غدا وهو عائم «2» # وقال الأعشى «3» : [وافر] # إذا حلت معاوية بن عمرو ... على الأطواء خنقت الكلابا «4» # وقال آخر «5» : [طويل] # أيا بنة عبد الله وابنة مالك ... ويابنة ذي البردين والفرس الورد «6» # إذا ما عملت الزاد فالتمسي له ... أكيلا فإني غير آكله وحدي # بعيدا قصيا أو قريبا فإنني ... أخاف مذما الأحاديث من بعدي # وكيف يسيغ المرء زادا وجاره ... خفيف المعى بادي الخصاصة والجهد «7» # وللموت خير من زيارة باخل ... يلاحظ أطراف الأكيل على عمد # وقال مرة بن محكان السعدي «8» [بسيط] # فقلت لما غدوا أوصي قعيدتنا ... غدي بنيك فلن تلفيهم حقبا «9» # أدعى أباهم ولم أقرف بأمهم ... وقد هجعت ولم أعرف لهم نسبا «10» # وقال حماد عجرد: [سريع] # PageV03P286 # زرت امرأ في بيته مرة ... له حياء وله خير «1» # يكره أن يتخم إخوانه ... إن أذى التخمة محذور # ويشتهي أن يؤجروا عنده ... بالصوم والصائم مأجور # وقال بعض المحدثين: [وافر] # أبو نوح نزلت عليه يوما ... فغداني برائحة الطعام # وجاء بلحم لا شيء سمين ... فقدمه على طبق الكلام # فلما أن رفعت يدي سفاني ... مداما بعد ذاك بلا مدام # فكان كمن سقى الظمآن آلا ... وكنت كمن تغدى في المنام «2» # وقال عروة بن الورد «3» : [كامل] # إني امروؤ عافي إنائي شركة ... وأنت امرؤ عافي إنائك واحد «4» # أتهزأ مني أن سمنت وأن ترى ... بجسمي مس الحق والحق جاهد «5» # أقسم جسمي في جسوم كثيرة ... وأحسو قراح الماء والماء بارد «6» ### | باب القدور والجفان # ذكر الفرزدق عقبة بن جبار المنقري وقدره فقال [بسيط] # PageV03P287 # لو أن قدرا بكت من طول محبسها ... على الحفوف بكت قدر ابن جبا «1» # ما مسها دسم مذ فض معدنها ... ولا رأت بعد نار القين من نار «2» # وقال: [وافر] # كأن تطلع الترغيب فيها ... عذار يطلعن إلى عذار «3» # وقال الكميت: [متقارب] # كأن الغطامط من غليها ... أراجيز أسلم تهجو غفارا «4» # وقال آخر «5» : [طويل] # وقدر كجوف الليل أحمشت غليها ... ترى الفيل فيها طافيا لم يفصل «6» # وقال ابن الزبير «7» يمدح أسماء بن خارجة: [طويل] # ترى البازل البختي فوق خوانه ... مقطعة أعضاؤه ومفاصله «8» # وقال الرقاشي: [طويل] # PageV03P288 # لنا من عطاء دهماء جونة ... تناول بعد الأقربين الأقاصيا «1» # جعلت ألالا والرجام وطخفة ... لها فاستقلت فوقهن الأثافيا «2» # مؤدية عنا حقوق محمد ... إذا ما أتانا يابس الجنب طاويا # أتى ابن يسير كي ينفس كربه ... إذا لم يرح وافى مع الصبح غاديا # فأجابه ابن يسير: [طويل] # وثرماء ثلماء النواحي ولا يرى ... بها أحد عيبا سوى ذاك باديا «3» # إذا انقاض منها بعضها لم تجد لها ... رءوبا لما قد كان منها مدانيا «4» # وإن حاولوا أن يشعبوها فإنها ... على الشعب لا تزداد إلا تداعيا «5» # معوذة الإرجال لم توف مرقبا ... ولم تمتط الجون الثلاث الأثافيا «6» # ولا اجترعت من نحو مكة شقة ... إلينا ولا جازت بها العيس واديا «7» # ولكنها في أصلها موصلية ... مجاورة فيضا من البحر جاريا # أتتنا تزجيها المجاذيف نحونا ... وتعقب فيما بين ذاك المزاديا «8» # PageV03P289 # يقول لمن هذي القدور التي أرى ... تهيل عليها الريح تربا وسافيا «1» # فقالوا ولن يخفى على كل ناظر ... قدور رقاش إن تأمل دانيا # فقلت متى باللحم عهد قدوركم ... فقالوا إذا ما لم يكن عواريا «2» # من اضحى إلى أضحى وإلا فإنها ... تكون بنسج العنكبوت كما هيا # فلما استبان الجهد لي في وجوههم ... وشكواهم أدخلتهم في عياليا # ينادي ببعض بعضهم عند طلعتي ... ألا أبشروا هذا اليسيري جائيا # وقال أبو نواس: [طويل] # ودهماء تثفيها رقاش إذا شتت ... مركبة الآذان أم عيال «3» # يغص بحيزوم البعوضة صدرها ... وتنزلها عفوا بغير جعال «4» # لو جئتها ملأى عبيطا مجزلا ... لأخرجت ما فيها بعود خلال «5» # هي القدر قدر الشيخ بكر بن وائل ... ربيع اليتامى عام كل هزال «6» # وقال أيضا: [طويل] # رأيت قدور الناس سودا من الصلى ... وقدر الرقاشيين زهراء كالبدر «7» # ولو جئتها ملأى عبيطا مجزلا ... لأحرجت ما فيها على طرف الظفر # يثبتها للمعتفى بفنائهم ... ثلاث كحظ الثاء من نقط الحبر «8» # PageV03P290 # تروح على حي الرباب ودارم ... وسعد وتعروها قراضبة الفزر «1» # وللحي عمرو نفحة من سجالها ... وتغلب والبيض اللهاميم من بكر «2» # إذا ما بنادى بالرحيل سعى بها ... أمامهم الحولي من ولد الذر «3» # وقال أبو عبيدة: كان لعبد الله بن جدعان جفنة يأكل منها القائم والراكب. ~~وذكر غيره أنه وقع فيها صبي فغرق. # وقال الأشعر «4» : [متقارب] # وأنت مليخ كلحم الحوار ... فلا أنت حلو ولا أنت مر «5» # وقد علم الضيف والطارقون ... بأنك للضيف جوع وقر «6» # سأل يحيى بن خالد أبا الحارث جميزا عن طعام رجل، فقال: أما مائدته فمقنة ~~«7» وأما صحافه فمنقورة من حب الخشخاش، وبين الرغيف والرغيف نقرة جوزة «8» ~~، وبين اللون واللون فترة نبي «9» . قال: فمن يحضرها؟ # قال: الكرام الكاتبون. قال: فيأكل معه أحد؟ قال: نعم، الذباب. قال: # فلهذا ثوبك مخرق ولا يكسوك وأنت معه وبفنائه؟! قال أبو الحارث: جعلت ~~فداءك، والله لو ملك بيتا من بغداد إلى الكوفة مملوءا إبرا، في كل إبرة # PageV03P291 # خيط، ثم جاءه جبريل وميكائيل معهما يعقوب يضمنان «1» عنه إبر يخيط بها ~~قميص يوسف الذي قد من دبر «2» ، ما أعطاهم. # وقال بعضهم [بسيط] # ولو عليك اتكالي في الغذاء إذا ... لكنت أول مدفون من الجوع ### | سياسة الأبدان بما يصلحها من الطعام وغيره # قال الحجاج لتياذوق «3» متطببه: صف لي صفة آخذ بها في نفسي ولا أعدوها، ~~قال تياذوق: لا تتزوج من النساء إلا شابة، ولا تأكل من اللحم إلا فتيا، ولا ~~تأكله حتى ينعم طبخه، ولا تشربن دواء إلا من علة، ولا تأكل من الفاكهة إلا ~~نضيجها، ولا تأكل طعاما إلا أجدت مضغه، وكل ما أحببت من الطعام واشرب عليه، ~~وإذا شربت فلا تأكل عليه شيئا، ولا تحبس الغائط والبول، وإذا أكلت بالنهار ~~فنم، وإذا أكلت بالليل فتمش ولو مائة خطوة. # روى عبد العزيز بن عمران عن الحليس بن حيان الأشجعي قال حدثني أبي عن ~~شيوخ من أشجع قال: سألمنا يهود خيبر: بم صححتم بخيبر؟ قالوا: # بشرب الخمر، وأكل الفوم، وسكون اليفاع «4» ، وتجنب بطون الأودية، والخروج ~~من خيبر عند طلوع الفجر وسقوطه. # قال الحجاج للحكم بن المنذر بن الجارود: أخبرني عن صفاء لونك وغلظ قصرتك ~~«5» ، أشرب اللبن فهو منه؟ قال: لا؛ قال: ولم؟ قال: لأنه منتنة # PageV03P292 # منفخة. قال: فما شرابك؟ قال: نبيذ الدقل «1» في الصيف ونبيذ العسل في ~~الشتاء. # قال عبد الملك لأعرابي: إنك حسن الكدنة «2» : قال: إني أدفىء رجلي في ~~الشتاء، وأغفل غاشية الغم» # ، وآكل عند الشهوة. # عن علي رضي الله عنه أنه قال: من ابتدأ غذاءه بالملح أذهب الله عنه سبعين ~~نوعا من البلاء. ومن أكل كل يوم سبع تمرات عجوة قتلت كل داء في بطنه. ومن ~~أكل كل يوم إحدى وعشرين زبيبة حمراء لم ير في بدنه شيئا يكرهه. واللحم ينبت ~~اللحم. والثريد طعام العرب. ولحم البقر داء «4» ، ولبنها شفاء، وسمنها ~~دواء. والشحم يخرج مثليه من داء. ولم يستشف الناس بشيء أفضل من الرطب. ~~والسمك يذيب الجسد، وقراءة القرآن «5» والسواك يذهب البلغم. ومن أراد ~~البقاء- ولا بقاء- فليباكر الغداء، وليقلل غشيان النساء، ويخفف الرداء، ~~وليلبس الحذاء. قيل: وما خفة الرداء في البقاء؟ قال: قلة الدين. # قيل لرجل: إنك لحسن السخنة «6» ؛ فقال: آكل لباب البر بصغار المعز، وأدهن ~~بحام «7» البنفسج، وألبس الكتان. # PageV03P293 # ويقال: ثلاثة أشياء تورث الهزال: شرب الماء على الريق، والنوم على غير ~~وطاء «1» ، وكثرة الكلام برفع الصوت. # ويقال: أربع خصال يهدمن العمر وربما قتلن: دخول الحمام على بطنة، ~~والمجامعة على الامتلاء، وأكل القديد «2» الجاف، وشرب الماء البارد على ~~الريق؛ وقيل: ومجامعة العجوز. # وفي الحديث: «ثلاثة أشياء تورث النسيان أكل التفاح الحامض وسؤر الفأرة ~~«3» ونبذ القملة «4» . وفي حديث آخر والحجامة في النقرة «5» والبول في ~~الماء الراكد» . # ويقال: أربعة أشياء تقصد إلى العقل بالإفساد: الإكثار من البصل، ~~والباقلاء، والجماع، والخمار. # وقال النظام: ثلاثة أشياء تخلق «6» العقل وتفسد الذهن: طول النظر في ~~المرآة، والاستغراب في الضحك، ودوام النظر إلى البحر. # وكان يقال: عشاء الليل يورث العشا «7» . # ويروى في الحديث: «ترك العشاء مهرمة» . والعرب تقول: ترك العشاء يذهب ~~بلحم الأليتين. # PageV03P294 ### | باب الحمية # قال الحارث بن كلدة طبيب العرب: الدواء هو الأزم. يعني الحمية قال آخر: ~~الحمية إحدى العلتين. # وقيل لجالينوس: إنك تقل من الطعام؛ قال: غرضي من الطعام أن آكل لأحيا، ~~وغرض غيري من الطعام أن يحيا ليأكل. # وقال العمي «1» : من احتمى فهو على يقين من المكروه، وفي شك مما يأمل من ~~العافية. # وكان يقال: ليس الطبيب من حمى الملك ومنعه الشهوات، إنما الطبيب من خلاه ~~وما يريد وساس بدنه «2» . # وقال بعض الشعراء: [طويل] # وربت حزم كان للسقم علة ... وعلة برء الداء خبط المغفل «3» # ويقال: الحمية للصحيح ضارة كما أنها للعليل نافعة. # وفي الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى صهيبا يأكل تمرا وبه ~~رمد، فقال له: «أتأكل التمر وبك رمد؛ فقال: يا رسول الله، إنما أمضغ بهذه» ~~«4» . # إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم «لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب فإن الله يطعمهم ~~ويسقيهم» . # PageV03P295 ### | باب شرب الدواء # قال عبد الله بن بكر السهمي: حدثنا بعض أصحابنا يرفعه إلى النبي صلى الله ~~عليه وسلم قال: «من استقل «1» بدائه فلا يتداوين، فإنه رب يورث الداء» . # وكانت الحكماء تقول: إياك وشرب الدواء ما حملت صحتك داءك. # وقالوا: مثل شرب الدواء مثل الصابون للثوب ينقيه، ولكنه يخلقه ويبليه. # عن يزيد بن الأصم قال: لقيت طبيب كسرى شيخا كبيرا قد أوثق حاجبيه بخرقة، ~~وسألته عن دواء المشي «2» ؛ قال: سهم يرمى به في جوفك أخطأ أو أصاب. # قال أبقراط: الدواء من فوق، والدواء من تحت، والدواء لا فوق ولا تحت. ~~وفسره المفسر فقال: من كان داؤه في بطنه فوق سرته سقي الدواء، ومن كان داؤه ~~تحت سرته حقن، ومن لم يكن به داء لا من فوق ولا من تحت لم يسق الدواء، فإن ~~الدواء إذا لم يجد داء يعمل فيه وجد الصحة فعمل فيها. # قال أبو اليقظان: كان عبد العزى بن عبد المطلب «3» يشتكي عينه وهو مطرق ~~أبدا؛ وكان يقول: ما بعيني بأس، ولكن كان أخي الحارث إذا اشتكت عينه يقول: ~~اكحلوا عين عبد العزى معي فيأمر من يكحلني معه ليرضيه بذلك فأمرض عيني. # قال ابن أحمر «4» حين شفي بطنه: [طويل] # PageV03P296 # شربت الشكاعى والتددت ألدة ... وأقبلت أفواه العروق المكاويا «1» # شربنا وداوينا وما كان ضارنا ... إذا الله حم المرء أن لا تداويا # وفي الحديث: «داووا مرضاكم بالصدقة وحصنوا أموالكم بالزكاة واستقبلوا ~~أنواع البلايا بالدعاء» . ### | الحدث والحقنة والتخمة # عن وهب قال قال لقمان لابنه: إن طول الجلوس على الخلاء يرفع الحرارة إلى ~~الرأس، ويورث الباسور وتيجع «2» له الكبد؛ فاجلس هوينى وقم هوينى. فكتبت ~~حكمته على باب الحش «3» . # وكان يقال: إذا خرج الطعام قبل ست ساعات فهو مكروه، وإذا بقي أكثر من ~~أربع وعشرين ساعة فهو مرض. # وكان أبو ذفافة الباهلي اشتكى، فأشار عليه الأطباء بالحقنة فامتنع؛ فأنشأ ~~أعرابي يقول: [طويل] لقد سرني- والله وقاك شرها-* نفارك منها إذ أتاك ~~يقودها # كفى سوءة ألا تزال مجبيا ... على شكوة وفراء في استك عودها «4» # وأشاروا على عبيد الله بن زياد بالحقنة فتفحشها؛ فقالوا: إنما يتولاها ~~منك الطبيب؛ فقال: أنا بالصاحب آنس. # PageV03P297 # قال المدائني: سأل الحجاج جلساءه: ما أذهب الأشياء للإعياء؟ فقال بعضهم: ~~أكل التمر، وقال بعضهم: الحمام، وقال بعضهم: التمريخ «1» . # وقال فيروز: أذهب الأشياء للإعياء قضاء الحاجة. # وحدثني بعض الأطباء أن رجلا شرب خبث الحديد المعجون فبقي في جوفه، فاشتد ~~عليه وجعه؛ فسحقت له قطعة من المغناطيس وسقي إياه، فتعلق بالخبث وخرج مع ~~الغائط. # قال: وقال تياذوق طبيب الحجاج للحجاج: إن اللحم على اللحم يقتل السباع في ~~البرية. ثم قال لي جعفر: قالت جارية لنا: كان لي ظبي فمر بعجين قد هيء ~~للخشكنان «2» ، فأكل منه فحفس- والحفس: الحبط وانتفاخ البطن- فسلخ فوجد قد ~~شرق بالدم. وقال يونس (طبيب لنا) : هكذا يصاب الإنسان إذا بشم «3» . # الأصمعي: قال بعض الأعراب: اللهم إني أسألك ميتة كميتة أبي خارجة، وأكل ~~بذجا «4» ، وشرب معسلا «5» ، ونام في الشمس، فلقي الله شبعان ريان دفآن. # وقال آخر من الأعراب: اللهم اجعل التخمة دائي وداء عيالي. # قال ابن شبابة مولى بني أسد: من بال ولم يضرط كتبت استه من الكاظمين ~~الغيظ. # PageV03P298 ### | باب القيء # عن جعفر بن سليمان أنه قال لإنسان أكول يقيء إذا أكل: لا تفعل، فإن ~~المعدة تضفر «1» إلى القيء كما تضفر الدابة إلى العلف، فلا ينضج الطعام. # وأخذ مزبد شاربا فاستنكه «2» ، فأتي به الوالي فاستنكهوه، فقالوا نكهته ~~لا تنبىء عنه، قال مزبد: إن لم أقيء نبيذا فمن يضمن لي عشاء. # رئي الجمال يأكل فقيل له: ما تأكل؟ قال: قيء كلب في قحف «3» خنزير. ### | النكهة # سئل تياذوق عن البخر» # فقال: دواؤه الزبيب يعجن بسعتر «5» ثم يؤكل أسبوعين أو ثلاثة. فجرب فذهب. # وتقول الروم في الكرفس «6» : إنه يطيب الفم ويذهب البخر؛ ويحتاج إلى أكله ~~من يشاهد السلطان ومحافل الناس وكان أكثر كلامه السرار «7» . # قالت الأطباء: الجزر المشوي والخبز المقلو بالزيت أو بالسمن إذا مضغ ورمي ~~بثفله «8» قاطع لرائحة البصل من الفم. والفوم إن أكله آكل فأحب أن يقطع ~~رائحته مضغ ورق الزيتون الطري وتمضمض «9» بعده بالخل. # PageV03P299 # والسعد «1» قاطع لرائحة النبيذ من الفم. وحب الأترج «2» مطيب للنكهة. # والبخر لا يكاد يكون في الملاحين لأكلهم الملاح «3» . # وقرأت في الآيين «4» : أن رئيس الحرم أمر جواري الملك ألا يأكلن الثوم ~~والبصل والكراث واللفاح «5» والحمص الرطب والمشمش؛ فإنه يورث البخر. ### | باب المياه والأشربة # قالت الأطباء: معرفة خفة الماء بأن يكون سريع الغليان ويكون سريع البرد. ~~وأحمد المياه ما كان قبالة المشرق ومجراه مجرى الشمال ومروره على الطين ~~الأحمر وعلى الرمل. قالوا: ومما يصفي من الماء الكدر فيصفو سريعا أن يلقى ~~فيه قطع من خشب الساج «6» أو قطع من آجر جديد. # قال بعض المحدثين: [مخلع البسيط] # يمنع امه بالشمال ... وماؤها البارد الزلال # يصيح فيها وقايتونا ... يجري به الثلج في مثال «7» # PageV03P300 # وقال صاحب الفلاحة: من أراد أن يعذب له الماء الزعاق «1» جعله في قدر ~~جديدة من خزف وغطى فاها بأسحال «2» ثم أوقد تحتها حتى تغلي ويحصل فيها نصف ~~ذلك الماء ثم صفاه وتركه، فإنه يجده شروبا «3» . # وقالوا: ماء دجلة يقطع شهوة الرجال ويذهب بصهيل الخيل ونشاطها، ومن لم ~~يأكل الدسم عليه انحل عظمه ويبس جلده، وهو مع هذا أهضم للطعام من غيره من ~~المياه وأسرعها بردا. # قال: والنيل يستقبل الشمال وينضب في وقت زيادة الأودية ويزيد في وقت ~~نقصانها. وزيادة أوله وآخره معها؛ ولا تكون التماسيح إلا فيه؛ قال الشاعر ~~[بسيط] # أضمرت للنيل هجرانا ومقلية ... إذ قيل لي إنما التمساح في النيل «4» # فمن رأى النيل رأيا العين من كثب ... فما أرى النيل إلا في البواقيل «5» # والسقنقور «6» أيضا لا يخرج إلا منه. # وروى في الحديث عن الضحاك بن مزاحم أنه قال قذف الفرات في # PageV03P301 # المد رمانة كأنها البعير البارك، وتحدث أهل الكتاب أنها من الجنة. «1» # وقال ابن ماسويه: ينبغي للماء الغليظ الذي ليس يعذب أن يطبخ حتى يذهب منه ~~نصفه، ثم يطرح فيه السويق أو الطين الأحمر فإنه يلطفه ويذهب غائلته «2» ~~ويعذبه ويمنع كدره. # قالت الأطباء: الفقاع «3» المتخذ من دقيق الشعير نافع من الجذام «4» . # والجلاب «5» قاطع لكثرة دم الحيض، والسكنجبين «6» نافع من الذبحة إذا ~~كانت من حرارة، يشرب ويتغرغر به. ### | باب اللحمان وما شاكلها # قالت الأطباء: لحم الماعز يورث الهم، ويحرك السوداء «7» ، ويورث النسيان، ~~ويخبل الأولاد «8» ، ويفسد الدم؛ وهو ضار لمن سكن البلاد الباردة. # وأحمد اللحمان ما خصي من المعز. والضأن نافع من المرة السوداء، إلا أن ~~الممرورين الذين يصرعون، إذا أكلوا لحم الضأن اشتد بهم ذلك حتى يصرعوا في ~~غير أوان الصرع. وأوان الصرع الأهلة وأنصاف الشهور. # PageV03P302 # قال الشاعر «1» : [وافر] # كأن القوم عشوا لحم ضأن ... فهم نعجون قد مالت طلاهم «2» # قالوا: واللحم أقل الطعام نجوا «3» . ولحم الدجاج الهرم شر اللحمان ~~وأغلظها. # والبيض إن سلق بالخل ثم أكل بالسماق «4» وحب الرمان المفلق والملح والمري ~~«5» عقل الطبيعة. # والزبد إن طلي على منابت أسنان الطفل كان معينا على نباتها وطلوعها، ~~والمخ والدماغ يفعلان ذلك. ### | مضار الأطعمة ومنافعها # الكمأة» # والفطر «7» - عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهم ~~يذكرون الكمأة وبعضهم يقول جدري «8» الأرض، فقال: «الكمأة من المن «9» ~~وماؤها شفاء للعين والعجوة من الجنة وهي شفاء من السقم» . # PageV03P303 # الأصمعي عن بعض مشايخه قال: ثلاثة أشياء ربما صرعت أهل البيت عن آخرهم: ~~الجراد، ولحوم الإبل، والفطر. # وتقول الأطباء: إن أردأ الفطر ما نبت تحت ظلال الشجر، وأردأ كله ما كان ~~في ظل شجر الزيتون فإنه قتال. # قالوا: والكمثري إذا طبخ مع الفطر أذهب ضرره. # قالوا: والفطر يورث الذبحة «1» . # قدم أعرابي المصر فأكل فطرا، فأصابته ذبحة، فقيل له: إن الطبيب بعث أن ~~يحلب في فيك، فقال: ما زلت أسمع باللئيم الراضع «2» ولا والله لا أكونه؛ ~~قالوا: فتموت إذا؛ قال: وإن مت. # وتقول الأطباء: إن أكل آكل الفطر فأضر به، سقي الكرنب «3» المعصور وسقي ~~من خرء الدجاج وزن درهمين مع خل وعسل مطبوخ وقيء به. # قالوا: والكمأة تورث وجع القولنج «4» والسكتة والفالج ووجع المعدة. # قالوا: والذباب لا يقرب قدرا فيه كمأة. # ومن أراد اتخاذ الكمأة اليابسة جعلها في الطين الحر يوما وليلة ثم غسلها ~~واستعملها. # بلغني عن فتى من أهل الكتاب أنه قال: كنا في طريق مكة بالخزيمية «5» ، ~~فأتانا أعرابي بكمأة في كساء قدر ما أطاق، فقلنا: بكم الكمأة؟ # PageV03P304 # قال: بدرهمين، فاشتريناها منه ودفعنا الثمن إليه، فلما نهض قال له بعضنا: # «في است المغبون عود» «1» ؛ قال: بل عودان، وضرب الأرض برجله، فإذا نحن ~~على الكمأة. # قال بعض الشعراء: [رجز] # جنيتها تملأ كف الجاني ... سوداء مما قد سقى السواني «2» # كأنها مدهونة بالبان «3» # وهذه صفة أجود الكمأة وأقلها أذى. ### | البصل والثوم # دخل داخل على نصر بن سيار وحوله بنون له صغار، فقال: هل تدرون ما ولدي ~~هؤلاء؟ هؤلاء بنو البصل؛ وكان يأكله نيئا ومشويا ومطبوخا. # والأطباء تقول في البصل: إنه يشهي إلى الطعام إن أكل مشويا أو نيئا، ~~ويشهي إلى الجماع. وإن دق وشم عطس وشهى الطعام. وإن اكتحل بمائه مع العسل ~~جلا البصر. وإن وضع مع الملح والسذاب «4» على عضة الكلب الذي ليس بكلب نفع. ~~والإكثار منه يفسد العقل. والمسلوق منه يدر البول والدمعة. # العصافير إن أكلت بالزنجبيل والبصل هيجت شهوة الجماع وأكثرت المني. # PageV03P305 # عن طارق بن شهاب قال: بعث سليمان النبي عليه السلام بعض عفاريته وبعث معه ~~رجلا وقال: رده إلي وانظر إلى صنيعه. فمر على أهل بيت يبكون فضحك، ودخل إلى ~~السوق ونظر إلى الناس فرفع رأسه إلى السماء وهزه، ونظر إلى الثوم وهو يكال ~~كيلا والفلفل وهو يوزن وزنا، فضحك. فلما رده إلى سليمان عليه السلام وأخبره ~~بما جرى منه، قال: لم ضحكت من أهل البيت؟ ولم هززت رأسك حين نظرت إلى ~~السوق؟ ولم ضحكت من الثوم والفلفل؟ قال: أما أهل البيت فإن الله أدخل ميتهم ~~الجنة وهم يبكون عليه؛ ونظرت إلى الناس في السوق والملائكة من فوق رؤوسهم، ~~والناس يملون والملائكة سراعا يكتبون، فهززت رأسي؛ ونظرت إلى الثوم وهو ~~شفاء يكال كيلا، وإلى الفلفل وهو داء يوزن وزنا. وعن وهب «1» : أن سليمان ~~عليه السلام قال: مم كنت تضحك؟ قال إني مررت برجل يشتري خفين ويقول ~~لصاحبهما: شرطي عليك أن ألبسهما عشر سنين لا يتخرقان «2» ؛ فعجبت كيف شرط ~~أمله ونسي أجله. ومررت بعجوز دهرية «3» تتكهن وتخبر الناس بما لا يعلمون، ~~والذي سخر لك الريح وأذل لك الجن وعبد الشياطين إني لأعلم في بيتها تحت ~~فراشها مطمورة «4» فيها قناطير من ذهب وفضة وهي لا تدري ما تحتها، وقد ماتت ~~هزلا «5» وجوعا وحاجة. ومررت بأخرى دهرية تتطبب وكان بها مرة داء، فأكلت ~~البصل فصادفت منه برءا، فظنت أنه حسم داءها وشفاها، فهي تصفه للناس من كل ~~داء، وقد كانت في ظهرها ريح حبست منذ زمان # PageV03P306 # فأكلت الثوم أحدا وعشرين يوما فشفيت منه؛ فعجبت لها كيف تدع أن تصفه. # ومررت برجل على شاطىء نهر يستقي منه في قلة له ومعه بغلة، فلما سقى ~~البغلة ملأ القلة وربط البغلة بأذن القلة وذهب لبعض حاجته، فنفرت البغلة ~~وكسرت القلة؛ فجعل يلعن الشيطان، وبرأ عقله ونسي فعله. ومررت بقوم يذكرون ~~الله فاجتهدوا ونصبوا «1» وابتهلوا، فلما أظلت الرحمة ملة رجل منهم فقام، ~~وجاء آخر لم ينصب معهم فجلس مجلسه، فنزلت الرحمة فدخل فيها معهم وحرمها ~~الأول؛ فعجبت من سعادة هذا وشقاوة هذا. # وتقول الأطباء: إن الثوم إذا شوي بالنار ووضع على الضرس المأكول ودلكت به ~~الأسنان التي يعرض فيها الوجع من الرطوبة والريح، أذهب ما فيها بإذن الله ~~من الوجع. # قال: وهو ينفع من العطش الحادث من البلغم، ويقوم مقام الترياق في لسع ~~الهوام، والأمراض الباردة. # وتقول الروم في الثوم: إنه دواء لمن أصابه وجع السقي «2» في بطنه. # وإن أكله من ظهر فيه حرة «3» من شرى «4» أو غيره أبرأه. وإن دق الثوم ~~يابسا فأغلي بسمن ولبن ثم جعله من يشتكي ضرسه في فيه سخنا فأمسكه ساعة، ذهب ~~وجع ضرسه؛ وهو نافع لمن اجتوى «5» . # PageV03P307 ### | الكراث # قالت الأطباء: الكراث النبطي إذا أدمن كانت فيه أحلام رديئة، وولد بخارا ~~في الرأس رديئا. وإن صب في مائه خل ودقاق كندر «1» واستعط «2» به سكن ~~الصداع. وإن سلق أو طحن وأكل أو ضمد به البواسير العارضة من الرطوبة نفع ~~منها. # وماء الكراث إذا خلط بمثله من ألبان النساء ودهن الورد والكندر وكحل به ~~عين من أصابته غشاوة في عينه فلم يبصر ليلا نفعه. وأكل البصل نافع لذلك ~~أيضا. ### | الكرنب والقنبيط # قالوا: الكرنب معين على الإكثار من النبيذ إذا أكل، وهو مدر للبول. # وقالت الروم: بين الكرنب والكرم عداوة؛ ولا يكاد يصلح الكرم والكرنب إذا ~~تجاورا. قالت الأطباء: إن احتملت المرأة بزر الكرنب بعد الحيض أسهل المني ~~وأفسده ولم يكن معه حمل، وشرب مائه مع الشيح الأرمني غير المطبوخ أو ماء ~~الترمس المنقع «3» مخرج لحب القرع «4» من البطن. والقسط «5» أيضا خاصة بزره ~~يفسد المني إذا احتملته المرأة بعد طهرها؛ ومقدار ما يحتمل وزن درهمين. # وتقول الروم: الكرنب إن طبخ وخلط ماؤه بالحندقوق «6» وسقي المرأة # PageV03P308 # التي تأخر حيضها حاضت لحينها. # قالوا: وإذا خلط ماء الكرنب بالبنج «1» كان نافعا للسعال. # قال أبو محمد: سكوت إلى حنين الطبيب علة كنت أجدها في حلقي لا أكاد أبتلع ~~معها ريقي؛ فقال: هي بينة في عينك. فتغرغر بعقيد العنب مع خمير ثلاثة أيام ~~في كل يوم ثلاث مرات؛ ففعلت ذلك يوما واحدا فذهب. # قالوا: وإذا دق الكرنب وخلط به شيء من زاج «2» الأساكفة وشيء من خل، ~~فأوجف «3» ذلك بالخطمي» # ، ثم طلي به برص أو جرب نفع بإذن الله تعالى. ### | السلجم «5» والفجل # تقول الأطباء في الفجل: إنه مهيج للجماع زائد في المني، وبزره نافع من ~~السموم قالوا: والفجل هاضم للطعام، فإن أكل بزره بعسل كان دواء من السعال ~~والفواق «6» ؛ وإذا شدخت «7» قطعة فجل فطرحت على عقرب ماتت؛ وماؤه وبزره ~~للسموم بمنزلة الترياق «8» . وإذا طلى أحد يده بمائه ثم قبض على # PageV03P309 # حية أو غيرها من الهوام لم يضار ذلك الموضع. قالوا: وإن دق بزره مع ~~الكندر «1» وطلي به البهق الأسود «2» في الحمام أذهبه. وإن شرب ماء ورقه ~~نفع من الأرقان «3» الحادث من الطحال. ### | الباذنجان # قالوا: والباذنجان مكلف «4» للوجه يورث داء السرطان والأورام الصلبة. # وحدثني أبي عن أبي الحارث جميز أنه سمعه يقول في الباذنجان: لا آكله، لون ~~العقرب وشبه المحجمة. قيل له: فقد رأيناك تأكله على خوان فلان! قال: كان ~~ميتة وأنا مضطر. ### | الخيار والقثاء # قالوا؛ شم الخيار نافع لمن أصابه الغشي «5» من الحرارة. وبزر القثاء إذا ~~شربه من به حمى الأسى «6» نفعه. وإن أصابت رضيعا حمى فألزقت به خيارتين ~~تمسان جلده إحداهما عن يمينه والأخرى عن شماله، أقلعت الحمى عنه. ### | السلق # قالوا: والسلق إن دق مع أصله وعصر ماؤه وغسل به الرأس ذهب بالأتربة وأطال ~~الشعر. # PageV03P310 ### | الهليون # «1» # قالوا: والهليون مدر للبول، نافع من القولنج. ### | القرع # قالوا: إذا شوي القرع بالنار ثم عصر فجعل من مائه في أذن من اشتكى أذنه ~~نفعه. وإن دهنت منابت شعر اللحية بدهن القرع المر، وقثاء الحمار «2» مذابا ~~فيه شيح أرمني أسرع فيها نبات الشعر. ### | البقول # قالوا: والجرجير زائد في الباه «3» والإنعاظ «4» مدر للبول. وتذكر الروم ~~أن من أكل الجرجير ثم ضرب بالسياط هون عليه بعض ذلك الجلد. قالوا: وهو ينفع ~~من ذفر الإبطين «5» إذا أكل على الريق وطلي الإبطان بمائه. وتزعم الروم أن ~~ماءه ينفع من عضة ابن عرس. # وقال بعض الأطباء: إن ذر بزر الجرجير مدقوقا في البيض وحشي كان ذلك زائدا ~~في الباه والإنعاظ زيادة بينة. قال أبو حاتم عن القحذمي قال: أكله أعرابي ~~فأنعظ شهرا، فقال الفرزدق يفخر به: [طويل] # ومنا التميمي الذي قام أيره ... ثلاثين يوما ثم زادهم عشرا # PageV03P311 # قالوا: والسذاب «1» قاطع لشهوة الجماع. وقالت الروم: إن أكلت امرأة حامل ~~أربعة مثاقيل كل يوم بماء سخن أو نبيذ خمسة عشر يوما أسقطت ولدها. # وقال بعض الشعراء: [مجتث] # كم نعمة للسذاب ... جليلة في الرقاب # الناس عنها غفول ... إلا ذوي الألباب # فالحمد لله شكرا ... لولا مكان السذاب # لغيب الأرض نسل ال ... مغنيات القحاب # قالوا: والبقلة الحمقاء «2» إذا مضغت أذهبت الطرش، وإذا أكلت أذهبت شهوة ~~الجماع. والروم تقول: إن نظر ناظر عند رؤية الهلال إلى الهندباء فحلف بإله ~~القمر ألا يأكل هندباء ولا لحم فرس، سلم في كل شهر يحلف فيه من وجع الضرس. # قالت الأطباء: الخس إذا أكل على الريق نافع لتغيير الماء ومن يتأذى ~~باحتلام. وإذا شرب بزره بماء قطع شهوة الجماع. # قالوا: والخردل إن أكثر من أكله أورث ضعفا في البصر، وهو مكثر للبن مدر ~~للبول، وهو نافع من الصرع. وإن اكتحل بمائه بعد أن يغلى عليه # PageV03P312 # ويصفى جلا البصر الضعيف من الرطوبة. وتزعم الروم أن ماءه يصلح للأطفال من ~~الحمى إذا أصابتهم. وهو يفسد الذهن ويورث النسيان ويضعف البصر. # قالت الأطباء: النعناع يسكن القيء، وينفع من الفواق الحادث من البلغم إذا ~~شرب مع النمام «1» . # وتقول الروم: الحبق «2» الذي على شطوط الأنهار نافع للرمد إذا دق ونخل ~~واكتحل به، وإن مضغه ماضغ ووضعه على عينه نفعه. # وأما الفوذنج «3» النهري- فإنه يدر الطمث «4» . وإن أخذ من الفوذنج ~~الجبلي أوقية وطبخ بنصف رطل من ماء حتى يبقى الثلث ويشرب، سهل السوداء. # وقالت الأطباء: الحندقوق «5» يورث وجع الحلق، ويذهب بضرره من يأكل بعده ~~الكزبرة الرطبة والبقلة الحمقاء والهندباء. # والطرخون «6» يؤكل مع الكرفس. # قالوا: والراسن «7» ينفع من قطار البول إذا كان من برد، ويقوي المثانة. # PageV03P313 # قالوا: والكشوث «1» يذهب بالأرقان. # قالوا: وعنب الثعلب قاطع لدم الحيض إن شرب أو احتمل. # وقالوا؛ الكرفس «2» إذا طبخ وشرب كان دواء من وجع الكليتين ومن الأسر «3» ~~. ### | باب الحبوب والبزور # تقول الأطباء في حب الفلفل: إذا خلط بالسمسم وعجن بعسل الطبرزذ «4» يزيد ~~في الجماع. # والعرب تزعم أن الحبة الخضراء وشرب ألبان الإيل عليها تبعث الشهوة. # قال جرير: [طويل] # أجعثن «5» قد لاقيت عمران شاربا ... على الحبة الخضراء ألبان إيل «6» # والحمص زائد في الجماع، مكثر للمني، محسن للون، زائد في لبن المرضع، يدر ~~دم الحيض، وإن خلط بالباقلاء أسمن. # الأصمعي قال: قلت لابن أبي عطارد: بلغني أن أباك كان ذا منزلة من ابن ~~سيرين، فما حفظت عنه؟ قال قال أبي: قال لي ابن سيرين: يا أبا عطارد، إن ~~سويق العدس بارد وهو يدفع الدم. # PageV03P314 # قالت الأطباء: إن الخردل نافع من حمى الربع «1» والحميات المتقادمة ووجع ~~الأرحام ويجفف من البلغم، وينزل الرطوبة من الرأس، وإن أكل مع السلق ~~المسلوق نفع من الصرع، وإن طلي البرص به زال. # وقالت الأطباء: الحرف «2» يخرج حب القرع من البطن، وينفع من عرق النسا ~~«3» ووجع الورك. وإن سخن بالماء الحار وشرب منه وزن أربعة دراهم أو خمسة ~~أسهل الطبيعة «4» ونفع من القولنج. # وقال رجل من قدماء الأطباء في الباقلاء: إنه إذا أدمن أكل «5» البصر، ~~وأحال الأحلام أضغاثا «6» لا ينتفع بها ولا يجد عابر الرؤيا إلى تأويلها ~~سبيلا. # ودهن الشاهدانج «7» نافع لوجع الأذن العارض من البرد والعلل المتقادمة ~~منها. ### | باب الفاكهة # عن معمر بن خثم عن جدته قالت: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: ~~إذا أكلتم الرمان فكلوه بشحمه فإنه دباغ للمعدة، وذلك يوم الجمعة على ~~المنبر. # PageV03P315 # الأصمعي: قيل لأعرابي: لم تبغض الرمان؟ قال: لأنه مبخرة مجفرة مجعرة «1» ~~. # قال: وقال يحيى بن خالد: شيئان يورثان القمل: التين اليابس إذا أكل، ~~وبخار اللبان «2» إذا تبخر به. # وقالت الأطباء: ورق الخوخ وأقماعه إن دق وعصر وشرب أسهل حب القرع ~~والديدان والحيات المتولدة في البطن، وإن صب ماء ورقه في الأذن أمات ~~الديدان فيها، وإن تدلك بورقه بعد النورة «3» قطع ريحها. # وحماض الأترج «4» إن لطخ به الكلف والقوب «5» أذهبه. وحب الأترج نافع من ~~السموم. # وورق التفاح الغض إن دق بالرفق أياما خمسة أو ستة ثم ضمد به الوشم «6» ~~قلعه من غير أن يقرح موضعه. # عن الزهري قال: حدثني رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ~~«من بات وفي بطنه جزرة أو جزرتان أو ثلاث أمن القولنج والدبيلة «7» » . # والفستق: إن دق وشرب بالمطبوخ الشديد نفع من لسع الهوام. # PageV03P316 # واللفاح «1» : سم، وربما قتل آكله. وتدفع مضرته بالقيء بالشراب والعسل ~~والإسهال وشم الفلفل والخردل والجندبادستر «2» والسذاب والتعطس. # قال وحدثني شيخ من الدهاقين «3» عالم بأيام العجم: أن بزرجمهر قال لأهل ~~الحبس: سلوا الملك أن يرزقكم مكان الأدم الأترج، ليكون القشر لطيبكم، ~~ولحمته لفاكهتكم، والحماض لصباغكم، والحب لدهنكم. فكان ذلك أول ما عرفت به ~~حكمته. ### | باب مصالح الطعام # قال رئيس من رؤساء الطباخين: العجين يملك. وفي الحديث المرفوع: «أملكوا ~~«4» العجين فإنه أحد الريعين» . # السويق: يغسل بالماء الحار مرات ثم بالبارد ويشرب. # والملح: يتقبل به الطبيخ. # والخل: ينضج العدس ويصلحه للأكل. # الباقلي: ينقع ثم يطبخ. ولا يؤكل من الفاكهة إلا ما نضج على شجره، ويلقى ~~ثفله وعجمه «5» ، ويؤكل على ريق النفس. # والعنب: يقطف ويمهل أياما ثم يؤكل. ولا يؤكل من القنب «6» إلا لبه. # PageV03P317 # ولا يؤكل من الرأس إلا أسنانه «1» وعيونه. # الباذنجان: يشق ويحشى بالملح، ويترك ساعة في الماء البارد، ثم يصب عنه ~~ويعاد إلى الماء مرارا، ثم يسلق بعد ذلك. # الكبر «2» : يؤكل بالخل بعد غسله بالماء من الخل. # الزيتون: يؤكل وسط الطعام ويصب في الخل. # ويؤكل من الأشترغاز «3» خله ولا يعرض لجسمه. # والكمأة: تنصف ويقشر عنها قشرها، وتسلق بالماء والملح ثم تستعمل بالسعتر ~~«4» والفلفل، وتقلى بالزيت الركابي «5» ، وكذلك الفطر. # السلق والكرنب: يسلقان بالماء والملح، ويصب ماؤها ثم يستعملان. # والبقول: تمسح ثم تؤكل ولا تغسل بالماء. # وأحمد التمور الهيرون «6» . وأحمد البسور الجيسران «7» . وما اصفر أحمد ~~مما اسود. # وخير السمك الشبوط والبناني والمياح «8» . ولا يؤكل السمك الطري إلا # PageV03P318 # حارا بالخردل في الشتاء، وفي الصيف بالخل وبالأبازير «1» . وأقل السمك ~~أذى الممقور «2» . وشر السمك كباره السماريس «3» . وخير السماريس البيض، ~~وأكلها خير من أكل الحمر، وشرها السود. # وخير البيض بيض الشواب «4» من الدجاج، ولا خير في بيض الهرمة. # وأخف البيض الرقيق، وأثقله البيض الصلب. # ولا يعرض من الرأس للدماغ ولا للسان، ولا الغلصمة «5» ولا الخراطيم. # ولحم العنق خفيف سريع الإنهضام. وفي الحديث المرفوع: «العنق هادية «6» ~~الشاة وهي أبعدها من الأذى» . # والفقاع «7» : يشرب قبل الطعام ولا يشرب بعده. # واللبن: لا يؤكل ولا يشرب إلا بعد وضع الشاة بشهر ونحوه. # والباقلي «8» ؛ يؤكل بعد الفوذنج «9» فإنه يذهب بنفخته. # اللوبياء: يؤكل بعده الخردل الرطب، ويشرب بعده ماء الرمان # PageV03P319 # والسكنجبين «1» المعمول بالسكر. # الهريسة «2» : تؤكل بالفلفل الكثير والمري «3» ولا يجعل فيها السمن. # والمضيرة «4» : تطبخ بالفوذنج والسذاب والكرفس. # الزيت الركابي: إذا خلط بالخل أو أغلي على النار ثم رفعت رغوته عاد ~~كالمغسول. وفي الحديث: أن عمر رضي الله عنه قال: عليكم بالزيت، فإن خفتم ~~ضرره فأثخنوه بالماء فإنه يصير كالسمن. # عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالشجرة ~~التي نادى الله منها موسى عليه السلام زيت الزيتون ادهنوا به فإنه شفاء من ~~الباسور» . # الخردل: يعجن بالخل ويغسل بالماء ورماد البلوط أو رماد الكرم مرارا بعد ~~أن ينعم دقه ونخله، ثم يغسل بالماء القراح ويرش بالماء حتى تخرج رغوته ~~ويكثر خله، ويخلط معه اللوز الحلو أو ماء الرمان الحامض وماء الزبيب. # صورة ما جاء بخاتمة الجزء التاسع من النسخة الخطية التي نقل عنها الأصل ~~الفتوغرافي. # تم كتاب الطعام وهو الكتاب التاسع من عيون الأخبار لابن قتيبة، ويتلوه في ~~الكتاب العاشر كتاب النساء. والحمد لله رب العالمين، وصلاته على خير خلقه ~~محمد وآله أجمعين. # وكتبه الفقير إلى رحمة الله تعالى إبراهيم بن عمر بن محمد بن علي # PageV03P320 # الجزري الواعظ، في شهور سنة أربع وتسعين وخمسمائة هجرية. # نجز كتاب الطعام ويتلوه في الجزء العاشر كتاب النساء. # جاء بعد خاتمة الجزء التاسع من النسخة الخطية التي نقل عنه الأصل ~~الفتوغرافي ما يأتي: # قال الأصمعي: دخلت على هارون الرشيد وبين يديه بدرة «1» ، فقال: يا ~~أصمعي، إن حدثتني بحديث في العجز «2» فأضحكتني وهبتك هذه البدرة؛ فقال: نعم ~~يا أمير المؤمنين؛ بينا أنا في صحارى الأعراب في يوم شديد البرد والريح ~~وإذا بأعرابي قاعد على أجمة «3» وهو عريان، قد احتملت الريح كساءه، فألقته ~~على الأجمة؛ فقلت له: يا أعرابي؛ ما أجلسك هاهنا على هذه الحالة؟ # فقال: جارية وعدتها يقال لها سلمى، أنا منتظر لها؛ فقلت: وما يمنعك من ~~أخذ كسائك؟ فقال: العجز يوقفني عن أخذه، فقلت له: فهل قلت في سلمى شيئا؟ ~~فقال: نعم؛ فقلت: أسمعني لله أبوك! فقال: لا أسمعك حتى تأخذ كسائي وتلقيه ~~علي؛ قال: فأخذته فألقيته عليه، فأنشأ يقول: [وافر] # لعل الله أن يأتي بسلمى ... فيبطحها ويلقيني عليها # ويأتي بعد ذاك سحاب مزن ... تطهرنا ولا نسعى إليها «4» # فضحك الرشيد حتى استلقى على ظهره، وقال: أعطوه البدرة، فأخذها الأصمعي ~~وانصرف. # ويروى أن الحسن بن زيد لما ولي المدينة قال لابن هرمة: إني لست # PageV03P321 # كمن باعك دينه رجاء مدحك أو خوف ذمك، فقد رزقني الله بولادة نبيه عليه ~~السلام الممادح وجنبني المقابح، وإن من حقه علي ألا أغضي «1» على تقصير في ~~حق ربه. وأنا أقسم لئن أتيت بك سكران لأضربنك حدا للخمر وحدا للسكر «2» ، ~~ولأزيدن لموضع حرمتك بي. فليكن تركك لها لله تعن عليه، ولا تدعها للناس ~~فتوكل إليهم؛ فنهض ابن هرمة «3» وهو يقول: [وافر] # نهاني ابن الرسول عن المدام ... وأدبني بآداب الكرام «4» # وقال لي اصطبر عنها ودعها ... لخوف الله لا خوف الأنام # وكيف تصبري عنها وحبي ... لها حب تمكن في عظامي # أرى طيب الحلال علي خبثا ... وطيب النفس في خبث الحرام # ذكر هذا الخبر أبو العباس المبرد في كتاب الكامل. # PageV03P322 ### | الجزء الرابع # بسم الله الرحمن الرحيم ### | كتاب النساء ### | في أخلاقهن وخلقهن وما يختار منهن وما يكره # عن مجاهد عن يحيى بن جعدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تنكح ~~المرأة لدينها وحسبها وحسنها فعليك بذات الدين تربت يداك» «1» ثم قال: «ما ~~أفاد رجل بعد الإسلام خيرا من امرأة ذات دين تسره إذا نظر إليها وتطيعه إذا ~~أمرها وتحفظه في نفسها وماله إذا غاب عنها» . # وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لا تدخل المرأة على زوجها في أقل من عشر ~~سنين. # قالت عائشة: وأدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت تسع سنين. # الأصمعي قال: أخبرنا شيخ من بني العنبر قال: كان يقال: النساء ثلاث: ~~فهينة لينة عفيفة مسلمة تعين أهلها على العيش ولا تعين العيش على أهلها، ~~وأخرى وعاء للولد، وأخرى «غل قمل» «2» يضعه الله في عنق من يشاء # PageV04P003 # ويفكه عمن يشاء. والرجال ثلاثة: فهين لين عفيف مسلم، يصدر الأمور ~~مصادرها، ويوردها مواردها، وآخر ينتهي إلى رأي ذي اللب والمقدرة فيأخذ ~~بأمره، وينتهي إلى قوله، وآخر حائر بائر «1» ، لا يأتمر لرشد، ولا يطيع ~~مرشدا. # عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: # خير نسائكم العفيفة في فرجها، الغلمة لزوجها «2» . # وعن عروة بن الزبير قال: ما رفع أحد نفسه بعد الإيمان بالله بمثل منكح ~~صدق، ولا وضع نفسه بعد الكفر بمثل منكح. سوء. ثم قال: لعن الله فلانة، ألفت ~~«3» بني فلان بيضا طوالا فقلبتهم سودا قصارا. # قال بعض شعراء بني أسد: [طويل] # وأول خبث الماء خبث ترابه ... وأول خبث القوم خبث المناكح # قال الأصمعي قال ابن زبير؛ لا يمنعكم من تزوج امرأة قصيرة قصرها، فإن ~~الطويلة تلد القصير، والقصيرة تلد الطويل؛ وإياكم والمذكرة «4» فإنها لا ~~تنجب. # أبو عمرو بن العلاء قال قال رجل: لا أتزوج امرأة حتى أنظر إلى ولدي منها، ~~قيل له: كيف ذاك؟ قال: أنظر إلى أبيها وأمها فإنها تجر بأحدهما «5» . # عن ابن أبي مليكة أن عمر قال: يا بني السائب، إنكم قد أضويتم «6» # PageV04P004 # فانكحوا في النزائع «1» . # الأصمعي قال: قال رجل: بنات العم أصبر، والغرائب أنجب «2» ، وما ضرب رؤوس ~~الأبطال كابن أعجمية «3» . # عن أوفى بن دلهم أنه كان يقول: النساء أربع، فمنهن معمع «4» لها شيئها ~~أجمع، ومنهن تبع تضر ولا تنفع، ومنهن صدع «5» تفرق ولا تجمع، ومنهن غيث همع ~~«6» إذا وقع ببلد أمرع «7» . قال الأصمعي: فذكرت بعض هذا الحديث لأبي عوانة ~~«8» . فقال: كان عبد الله بن عمير يزيد فيه: ومنهن القرثع «9» : وهي التي ~~تلبس درعها مقلوبا، وتكحل إحدى عينيها وتدع الأخرى. # عن علي بن زيد قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثلاث من الفواقر «10» ~~: جار مقامة، إن رأى حسنة سترها، وإن رأى سيئة أذاعها؛ وامرأة إن دخلت ~~لسنتك «11» ، وإن غبت عنها لم تأمنها؛ وسلطان إن أحسنت لم يحمدك، وإن أسأت ~~قتلك. # PageV04P005 # الأصمعي قال: حدثنا جميع بن أبي غاضرة- وكان شيخا مسنا من أهل البادية من ~~ولد الزبرقان بن بدر من قبل النساء- قال: كان الزبرقان يقول: # احب كنائني «1» إلي الذليلة في نفسها، العزيزة في رهطها، البرزة «2» ~~الحيية التي في بطنها غلام ويتبعها غلام. وأبغض كنائني إلي الطلعة الخبأة ~~«3» ، التي تمشي الدفقى «4» وتجلس الهبنقعة «5» ، الذليلة في رهطها، ~~العزيزة في نفسها، التي في بطنها جارية وتتبعها جارية. # بلغني عن خالد بن صفوان أنه قال: من تزوج امرأة فليتزوجها عزيزة في ~~قومها، ذليلة في نفسها، أدبها الغنى وأذلها الفقر. حصانا من جارها «6» ما ~~جنة على زوجها «7» . # وقال الفرزدق يصف نساء: [كامل] # يأنسن عند بعولهن إذا خلوا ... وإذا هم خرجوا فهن خفار «8» # وقال خالد بن صفوان لدلال «9» : اطلب لي بكرا كثيب «10» أو ثيبا كبكر، لا # PageV04P006 # ضرعا «1» صغيرة ولا عجوزا كبيرة لم تقر فتحنن ولم تفت فتمحن «2» ، قد ~~عاشت في نعمة وأدركتها حاجة. فخلق النعمة معها وذل الحاجة فيها، حسبي من ~~جمالها أن تكون ضخمة من بعيد، مليحة من قريب وحسبي من حسبها أن تكون واسطة ~~في قومها، ترضى مني بالسنة، إن عشت أكرمتها وإن مت ورثتها. # وقال رجل لصاحب له: ابغني امرأة بيضاء البياض، سوداء السواد، طويلة ~~الطول، قصيرة القصر. يريد: كل شيء منها أبيض فهو شديد البياض، وكل شيء منها ~~أسود فهو شديد السواد، وكذلك الطول والقصر. # وقال آخر: ابغني امرأة لا تؤهل دارا (أي لا تجعل دارها آهلة بدخول الناس ~~عليها) ، ولا تؤنس جارا (أي لا تؤنس الجيران بدخولها عليهم) ، ولا تنفث ~~نارا أي لا تنم وتغري بين الناس. # قال الأصمعي قال أعرابي لابن عمه: اطلب لي امرأة بيضاء، مديدة «3» فرعاء ~~«4» . جعدة «5» ، تقوم فلا يصيب قميصها منها إلا مشاشة «6» منكبيها، وحلمتى ~~ثدييها ورانفتي «7» أليتيها ورضاف «8» ركبتيها، إذا استلقت فرميت تحتها # PageV04P007 # بالأترجة «1» العظيمة نفذت من الجانب الآخر، فقال له ابن عمه: وأنى بمثل ~~هذه إلا في الجنان!. # ونحو قوله في الأترجة قول أم زرع: خرج أبو زرع والأوطاب «2» تمخض، فلقي ~~امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان تحت خصرها برمانتين فطلقني ونكحها. # وقال آخر: ابغني امرأة شقاء مقاء «3» ، طويلة الإلقاء «4» ، منهوسة ~~الفخذين «5» ، نافحة الصقلين «6» . # أنشد ابن الأعرابي: [طويل] # إذا كنت تبغي أيما بجهالة ... من الناس فانظر من أبوها وخالها «7» # فإنهما منها كما هي منهما ... كقدك نعلا إن أريد مثالها # فإن الذي ترجو من المال عندها ... سيأتي عليه شؤمها وخبالها «8» # كان يقال: البكر كالذرة تطحنها وتعجنها وتخبزها، والثيب عجالة «9» راكب ~~تمر وسويق. # وقال ابن الأعرابي: طلق زياد امرأته حين وجدها لثغاء «10» ، وقال: أخاف # PageV04P008 # أن يجيء ولدي ألثغ، وقال: [رجز] # لثغاء تأتي بحيفس ألثغ ... تميس في الموشي والمصبغ» # ويقال: المرأة غل فانظر ماذا تضع في عنقك؛ وهو من قول ابن المقفع: الدين ~~رق، فانظر عند من تضع نفسك. أنشد ابن الأعرابي: # [طويل] # أحب الخلاوي النزيه من الهوى ... وأكره أن أسقى على عطش فضلا «2» # يقول: أكره المرأة التي أكثرت الأزواج وإن كنت مضطرا إليها. # وعن خالد الحذاء قال: خطبت امرأة من بني أسد فجئت لأنظر إليها وبيني ~~وبينها رواق يشف «3» ، فدعت بجفنة «4» مملوءة ثريدا مكللة باللحم فأتت على ~~آخرها، وأتت بإناء مملوء لبنا أو نبيذا فشربته حتى كفأته «5» على وجهها، ثم ~~قالت: يا جارية ارفعي السجف «6» فإذا هي جالسة على جلد أسد وإذا شابة ~~جميلة، فقالت: يا عبد الله: أنا أسدة من بني أسد على جلد أسد وهذا مطعمي ~~ومشربي، فإن أحببت أن تتقدم فافعل، فقلت: استخير الله وأنظر، فخرجت ولم ~~أعد. # وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم سليم تنظر إلى امرأة ~~فقال: «شمي # PageV04P009 # عوارضها «1» وانظري إلى عقبها» . # وقال النابغة: [بسيط] # ليست من السود أعقابا إذا انصرفت ... ولا تبيع بجنبي نخلة البرما «2» # وقال الأصمعي: إذا اسود عقب المرأة اسود سائرها. # تزوج علي بن الحسين أم ولد لبعض الأنصار، فلامه عبد الملك في ذلك، فكتب ~~إليه: إن الله قد رفع بالإسلام الخسيسة وأتم النقيصة، وأكرم به من اللؤم ~~فلا عار على مسلم، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج أمته وامرأة ~~عبده، فقال عبد الملك: إن علي بن الحسين يتشرف من حيث يتضع الناس. # الأصمعي قال: كان أهل المدينة يكرهون اتخاذ أمهات الأولاد حتى نشأ فيهم ~~علي بن الحسين والقاسم بن محمد بن أبي بكر وسالم بن عبد الله بن عمر، ~~ففاقوا أهل المدينة فقها وورعا فرغب الناس في السراري «3» . # وقال مسلمة بن عبد الملك: عجبنا من رجل أحفى «4» شعره ثم أعفاه، أو قصر ~~شاربه ثم أطاله، أو كان صاحب سراري فاتخذ المهيرات «5» . # قال رجل من أهل المدينة: # لا تشتمن امرأ في أن تكون له ... أم من الروم أو سوداء عجماء # PageV04P010 # فإنما أمهات الناس أوعية ... مستودعات وللأحساب آباء # ورب واضحة ليست بمنجبة ... وربما أنجبت للفحل سوداء «1» # بلغني أن رجلا شاور حكيما في التزوج فقال له: افعل، وإياك والجمال ~~الفائق، فإنه مرعى أنيق، فقال: ما نهيتني إلا عما أطلب، فقال: أما سمعت قول ~~القائل: [بسيط] # ولن تصادف مرعى ممرعا أبدا ... إلا وجدت به آثار منتجع «2» # وقال عمر بن الوليد للوليد بن يزيد: إنك لمعجب بالإماء، قال: وكيف لا ~~أعجب بهن وهن يأتين بمثلك. # ويروى عن أبي الدرداء أنه قال: خير نسائكم التي تدخل قيسا وتخرج ميسا «3» ~~وتملأ بيتها أقطا «4» وحيسا، وشر نسائكم السلفعة «5» ، التي تسمع لأضراسها ~~قعقعة «6» ، ولا تزال جارتها مفزعة. وقد فسرت هذا في كتاب غريب الحديث. # وقال معاوية لعقيل بن أبي طالب: أي النساء أشهى؟ قال: المؤاتية لما تهوى، ~~قال: فأي النساء أسوأ؟ قال: المجانبة لما ترضى؛ قال معاوية: هذا والله ~~النقد، قال عقيل؛ بالميزان العادل. # PageV04P011 ### | الأكفاء من الرجال # عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون ~~خلقه وخلقه فزوجوه إنكم إلا تفعلوه تكن قتنة في الأرض وفساد عريض» . # وعن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحسب المال والكرم ~~التقوى. # وعن أنس قال: قالت أم حبيبة: يا رسول الله، المرأة منا يكون لها الزوجان ~~في الدنيا فتموت فلأيهما تكون في الآخرة؟ قال: «لأحسنهما خلقا يا أم حبيبة، ~~ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة» . # عن عطية بن قيس قال: خطب معاوية أم الدرداء فقالت: قال أبو الدرداء: قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المرأة لآخر زوجيها» فلست بمتزوجة بعد أبي ~~الدرداء حت أتزوجه في الجنة إن شاء الله تعالى. ويقال: إنما حرم أزواج ~~النبي صلى الله عليه وسلم على من بعده لأنهن أزواجه في الجنة. # عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: # لا تكرهوا فتياتكم على الرجل القبيح فإنهن يحببن ما تحبون. # ابن الأعرابي قال: قيل لابنة الخس «1» : ألا تتزوجين؟ فقالت: بلى، لا ~~أريده أخا فلان ولا ابن فلان ولا الظريف المتظرف ولا السمين الألحم «2» ، ~~ولكن أريده كسوبا إذا غدا، ضحوكا إذا أتى. وكان أبوها قد كف بصره فقال: # ما بال ناقتك؟ قالت: عينها «3» هاج وملؤها راج «4» وتمشي وتفاج «5» ؛ ~~فقال: يا بنية اعقليها، فعقلتها. فقال: ما صنعت حتى اضطرمت «6» . # PageV04P012 # قيل لأعرابي: فلان يخطب فلانة، قال: أموسر من عقل ودين؟ قالوا: # نعم، قال: فزوجوه. # عن عيسى بن عمر قال: قال رجل لأعرابي: أمنكحي أنت؟ قال: لا، قال: ولم؟ ~~لأنك أصبح اللحية «1» . # وكان عقيل بن علفة غيورا، فخطب إليه عبد الملك بن مروان ابنته على أحد ~~بنيه «2» ، وكانت لعقيل إليه حوائج، فقال له: إن كنت لا بد فاعلا فجنبني ~~هجناءك «3» . # وخطب إليه إبراهيم بن هشام بن إسماعيل- وكان إبراهيم بن هشام والي ~~المدينة وخال هشام بن عبد الملك- فرده لأنه كان أبيض شديد البياض، فقال: ~~[وافر] # رددت صحيفة القرشي لما ... أبت أعراقه إلا احمرارا # وقال رجل من الأعراب: [طويل] # يسموننا الأعراب والعرب اسمنا ... واسماؤهم فينا رقاب المزاود «4» # يعني العجم يسمون الحمراء. # ابن الأعرابي قال: قال عبد الملك بن مروان لامرأة من قريش تزوجت # PageV04P013 # رجلا مغموصا عليه «1» : أتنكح الحرة عبدها؟ فقالت: يا أمير المؤمنين: # [رجز] # إن المهور تنكح الأيامى ... النسوة الأرامل اليتامى # المرء لا تبغي له سلاما # وقال ابن الأعرابي: خطب رجل إلى رجل فلم يرضه فأنشأ يقول: # [بسيط] # قل للذين سعوا يبغون رخصتها ... ما رخص الجوع عندي أم كلثوم # الموت خير لها من بعل منقصة ... ساقت إليه أباها جلة كوم «2» # وكان عمر الخير نكاحا فكان في عام سنة يقول: لعل الضيقة تحملهم على أن ~~ينكحوا غير الأكفاء. # وقال المساور «3» للمرار: [بسيط] # ما سرني أن أمي من بني أسد ... وأن ربي ينجيني من النار # وأنهم زوجوني من بناتهم ... وأن لي كل يوم ألف دينار # فأجابه المرار: [بسيط] # فلست للأم من عبس ومن أسد ... وإنما أنت دينار ابن دينار # وإن تكن أنت من عبس وأمهم ... فإن أمكم من جارة الجار # دينار ابن دينار: عبد ابن عبد. وجارة الجار: الاست، والجار: الفرج. # PageV04P014 # وقال بعض الأعراب: [طويل] # أقول لها لما أتتني تدلني ... على امرأة موصوفة بجمال # أصبت لها والله بعلا كما اشتهت ... إن اغتفرت مني ثلاث خصال # فمنهن فسق لا يبارى وليده ... ورقة إسلام وقلة مال # وقال رجل لابن هبيرة: أنا ابن الذي خطب إلى معاوية؛ فقال ابن هبيرة: ~~أفزوجه؟ قال: لا؛ فقال: ما صنعت شيئا. # أبو الحسن المدائني قال: خطب رجل من بني كلاب امرأة، فقالت له أمها: حتى ~~أسأل عنك، فانصرف فسأل عن أكرم الحي عليها، فدل على شيخ فيهم كان يحسن ~~المحضر في الأمر يسأل عنه، فسأله أن يحسن عليه الثناء وانتسب له فعرفه؛ ثم ~~إن العجوز شمرت «1» فسألته عنه فقال: أنا ربيته، قالت: # كيف لسانه؟ قال: مدره قومه وخطيبهم «2» . قالت: كيف شجاعته؟ قال: حامي ~~قومه وكهفهم. قالت: فكيف سماحته؟ قال: ثمال «3» قومه وربيعهم «4» . فأقبل ~~الفتى فقال الشيخ: ما أحسن والله ما أقبل! ما انثنى ولا انحنى. فدنا الفتى ~~فقال الشيخ: ما أحسن والله ما سلم! ما جار ولا خار «5» . ثم جلس، فقال: ما ~~أحسن والله ما جلس! ما دنا ولا ثنى. فذهب الفتى ليتحرك فضرط، فقال الشيخ: ~~ما أحسن والله ما ضرط! ما أغنها ولا أطنها، ولا بربرها ولا فرفرها. # فنهض الفتى خجلا فقال: ما أحسن والله ما نهض! ما انفتل ولا انحزل «6» . # PageV04P015 # فأسرع الفتى، فقال: ما أحسن والله ما خطا! ما ازور ولا اقطوطى «1» . قالت ~~العجوز: وجه إليه من يرده، لو سلح لزوجناه. # خطب خالد بن صفوان امرأة فقال: أنا خالد بن صفوان؛ والحسب على ما قد ~~علمته، وكثرة المال على ما قد بلغك، وفي خصال سأبينها لك فتقدمين علي أو ~~تدعين؛ قالت: وما هي؟ قال: إن الحرة إذا دنت مني أملتني، وإذا تباعدت عني ~~أعلتني، ولا سبيل إلى درهمي وديناري، ويأتي علي ساعة من الملال لو أن رأسي ~~في يدي نبذته؛ فقالت: قد فهمنا مقالتك ووعينا ما ذكرت، وفيك بحمد الله خصال ~~لا نرضاها لبنات إبليس، فانصرف رحمك الله. # قال بعض الشعراء: [وافر] # ألا يا ليل إن خيرت فينا ... بعيشك فانظري أين الخيار # فلا تستنكحي فدما غبيا ... له ثأر وليس عليه ثار «2» # وقال آخر لامرأته «3» : [متقارب] # فإما هلكت فلا تنكحي ... ظلوم العشيرة حسادها # يرى مجده ثلب أعراضها ... لديه ويبغض من سادها «4» # وقال آخر «5» : [طويل] # فلا تنكحي إن فرق الدهر بيننا ... أغم القفا والوجه ليس بأنزعا «6» # PageV04P016 # من القوم ذا لونين وسع بطنه ... ولكن أذيا حلمه ما توسعا «1» # ضروبا بلحييه على عظم زوره ... إذا القوم هشوا للفعال تقنعا «2» # زوج إبراهيم بن النعمان بن بشير يحيى بن أبي حفصة مولى عثمان بن عفان ~~ابنته على عشرين ألف درهم، فعير فقال: [طويل] # فما تركت عشرون ألفا لقائل ... مقالا فلا تحفل مقالة لائم # فإن أك قد زوجت مولى «3» فقد مضت ... به سنة قبلي وحب الدراهم # ويحيى هذا جد مروان الشاعر، وكان يهوديا فأسلم على يد عثمان. # وتزوج أيضا خولة بنت مقاتل بن طلبة بن قيس بن عاصم سيد أهل الوبر. # فقال القلاخ «4» : [بسيط] # نبئت خولة قالت حين أنكحها ... لطالما كنت منك العار أنتظر # أنكحت عبدين ترجو فضل مالهما ... في فيك مما رجوت الترب والحجر # لله در جياد أنت سائسها ... برذنتها وبها التحجيل والغرر «5» # خطب رجل إلى ابن عباس يتيمة له؛ فقال ابن عباس: لا أرضاها لك؛ قال: ولم، ~~وفي حجرك نشأت؟ قال: لأنها تتشوف «6» وتنظر. قال: وما هذا! # PageV04P017 # فقال ابن عباس: الآن لا أرضاك لها. # كتب زياد إلى سعيد بن العاص يخطب إليه أم عثمان بنت سعيد وبعث إليه بمال ~~كثير؛ فلما قرأ الكتاب أمر حاجبه بقبض المال والهدايا، فلما قبضها أمره ~~يقسمها بين جلسائه؛ فقال الحاجب: إنها أكثر من ذلك؛ فقال: أنا أكثر منها، ~~ففعل؛ ثم كتب إلى زياد: بسم الله الرحمن الرحيم. ف إن الإنسان ليطغى أن رآه ~~استغنى # «1» . # خطب لقيط بن زرارة «2» إلى قيس بن خالد ذي الحدين الشيباني؛ فقال له قيس: ~~ومن أنت؟ قال: لقيط بن زرارة. قال: وما حملك أن تخطب إلي علانية؟ فقال) ~~لأني عرفت أني إن عالنتك لم أفصحك وإن ساررتك لم أخدعك؛ فقال: كفء كريم، لا ~~تبيت والله عندي عزبا ولا غريبا. فزوجه ابنته وساق عنه «3» . # قال رجل للحسن: إن لي بنية وإنها تخطب، فممن أزوجها؟ فقال: # زوجها ممن يتقي الله، فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها. # قال أبو اليقظان: خطب عمر بن الخطاب أم أبان بنت عتبة بن ربيعة بعد أن ~~مات عنها يزيد بن أبي سفيان، فقالت: لا يدخل إلا عابسا ولا يخرج إلا عابسا، ~~يغلق أبوابه ويقل خيره. ثم خطبها الزبير، فقالت: يد له على قرونى «4» ويد ~~له في السوط. وخطبها علي، فقالت: ليس للنساء منه حظ إلا # PageV04P018 # أن يقعد بين شعبهن الأربع لا يصبن منه غيره. وخطبها طلحة فأجابت فتزوجها؛ ~~فدخل عليها علي بن أبي طالب فقال لها: رددت من رددت منا وتزوجت ابن بنت ~~الحضرمي! فقالت: القضاء والقدر؛ فقال: أما إنك تزوجت أجملنا مرآة وأجودنا ~~كفا وأكثرنا خيرا من أهله. ### | الحض على النكاح وذم التبتل # «1» # عن عكاف بن وداعة الهلالي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «يا عكاف ~~ألك امرأة قال: لا، قال: فأنت إذا من أخوان الشياطين إن كنت من رهبان ~~النصارى فالحق بهم وإن كنت منا فمن سنتنا النكاح» . # عن طاوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا زمام «2» ولا خزام ولا ~~رهبانية في الإسلام ولا تبتل ولا سياحة في الإسلام. # عن إبراهيم بن ميسرة قال: قال لي طاوس: لتنكحن أو لأقولن لك ما قال عمر ~~لأبي الزوائد «3» : ما يمنعك عن النكاح إلا عجز أو فجور. # عن إبراهيم قال: قال علقمة لامرأته: خذي أحسن زينتك ثم اجلسي عند رأسي، ~~لعل الله أن يرزقك من بعض عوادي خيرا. # وفي بعض الأخبار: أربع من سنن المرسلين: التعطر. والنكاح، والسواك، ~~والختان. # PageV04P019 ### | باب الحسن والجمال # عن عائشة رضي الله عنها قالت: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من ~~كلب، فبعثني أنظر إليها؛ فقال لي: كيف رأيت؟ فقلت: ما رأيت طائلا؛ فقال: ~~لقد رأيت خالا بخدها اقشعر كل شعرة منك على حدة؛ فقالت: ما دونك سر. # القحذمي قال: دخل أبو الأسود على عبيد الله بن زياد فقال: أصبحت جميلا، ~~فلو تعلقت معاذة! «1» فظن أنه يهزأ به فقال: [بسيط] # أفنى الشباب الذي أبليت جدته ... مر الجديدين من آت ومنطلق «2» # لم يبقيا لي في طول اختلافهما ... شيئا يخاف عليه لذعة الحدق «3» # عن حيان بن عمير قال: دخلت على قتادة بن ملحان، فمر رجل في أقصى الدار ~~فرأيته في وجه قتادة، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم مسح وجهه. # عن عون بن عبد الله قال: كان يقال: من كان في صورة حسنة ومنصب لا يشينه ~~ووسع عليه في الرزق، كان من خالصة الله. # وقال الحكم بن قنبر «4» : [مديد] # ليس فيها ما يقال له ... كملت لو أن ذا كملا # كل جزء من ملاحتها ... كائن من حسنها مثلا # لو تمنت في متاعتها ... لم ترد من نفسها بدلا «5» # PageV04P020 # وقال بعض المحدثين: [طويل] # فلما رأوك العاذلون حججتهم ... بحسنك حتى كلهم لي عاذر «1» # وقال أيضا: [متقارب] # تحير من حسنه فهمه ... وتاه وحق له أن يتيها «2» # رأى غيره ورأى نفسه ... فلم ير فيه لشيء شبيها # وقال الأعشى في وصف امرأة: [متقارب] # فأفضيت منها إلى جنة ... تدلت علي بأثمارها # عن عائشة رضي الله عنها قالت: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في ~~القراءة سواء فأصبحهم وجها. # وقال جميل بن معمر: ما رأيت مصعبا يختال بالبلاط «3» إلا غرت على بثينة، ~~وبينهما ثلاثة أيام. # عن الشعبي قال: دخلت المسجد باكرا، وإذا بمصعب بن الزبير والناس حوله، ~~فلما أردت الانصراف قال لي: ادن، فدنوت منه حتى وضعت يدي على مرفقته «4» ؛ ~~فقال: إذا أنا قمت فاتبعني؛ وجلس قليلا، ثم نهض فتوجه نحو دار موسى بن طلحة ~~فتتبعته؛ فلما أمعن في الدار التفت إلي وقال: # ادخل، فدخلت معه ومضى نحو حجرته وتبعته؛ فالتفت إلي فقال: ادخل، فدخلت ~~معه فإذا حجلة «5» ، فطرحت لي وسادة فجلست عليها، ورفع سجف # PageV04P021 # القبة «1» ، فإذا أجمل وجه رأيته قط؛ فقال: يا شعبي، هل تعرف هذه؟ قلت: # نعم، هذه سيدة نساء العالمين عائشة بنت طلحة؛ فقال: هذه ليلى، ثم تمثل: ~~[طويل] # وما زلت من ليلى لدن طر شاربي ... إلى اليوم أخفي إحنة وأداجن «2» # وأحمل في ليلى لقوم ضغينة ... وتحمل في ليلى علي الضغائن # ثم قال: إذا شئت يا شعبي فقم فخرجت؛ فلما كان العشي رحت إلى المسجد فإذا ~~مصعب بمكانه؛ فقال لي: ادن، فدنوت؛ فقال لي: هل رأيت مثل ذلك لإنسان قط؟ ~~قلت: لا؛ قال: أتدري لم أدخلناك؟ قلت: لا؛ قال: # لتحدث بما رأيت. ثم التفت إلى عبد الله بن أبي فروة فقال: أعطه عشرة آلاف ~~درهم وثلاثين ثوبا. فما انصرف أحد بمثل ما انصرفت به؛ بعشرة آلاف درهم، ~~وبمثل كارة القصار «3» ، ونظري إلى عائشة. # أبو الغصن الأعرابي قال: خرجت حاجا، فلما مررت بقباء تداعى «4» أهله ~~وقالوا: الصقيل الصقيل «5» ! فنظرت وإذا جارية كأن وجهها سيف صقيل، فلما ~~رميناها بالحدق ألقت البرقع على وجهها، فقلنا: إنا سفر وفينا أجر، # PageV04P022 # فأمتعينا بوجهك؛ فانصاعت وأنا أعرف الضحك في وجهها وهي تقول: # [طويل] # وكنت متى أرسلت طرفك رائدا ... لقلبك يوما أتعبتك المناظر «1» # رأيت الذي لا كله أنت قادر ... عليه ولا عن بعضه أنت صابر # ومر رجل بناحية البادية فإذا فتاة كأحسن ما تكون؛ فوقف ينظر إليها، فقالت ~~له عجوز من ناحية: ما يقيمك على الغزال النجدي ولا حظ لك فيه، فقالت ~~الجارية: يا عمتاه، يظن كما قال ذو الرمة: [طويل] # وإن لم يكن إلا تعلل ساعة ... قليلا فإني نافع لي قليلها «2» # وقال بعض المحدثين: [كامل] # الخال يقبح بالفتى في خده ... والخال في خد الفتاة مليح # والشيب يحسن بالفتى في رأسه ... والشيب في رأس الفتاة قبيح # وقال جعفر بن محمد: الجمال مرحوم. # رأى رجل شريحا يجول في بعض الطرق فقال: ما غدا بك؟ فقال: # عسيت أن أنظر إلى صورة حسنة. # قالت امرأة خالد بن صفوان له يوما: ما أجملك! قال: ما تقولين ذاك وما لي ~~عمود الجمال، ولا علي رداؤه ولا برنسه «3» ؛ قالت: ما عمود الجمال وما ~~رداؤه وما برنسه؟ قال: أما عمود الجمال فطول القوام وفي قصر؛ وأما رداؤه # PageV04P023 # فالبياض ولست بأبيض؛ وأما برنسه فسواد الشعر وأنا أصلع، ولكن لو قلت: # ما أحلاك وما أملحك. كان أولى. # أبو اليقظان قال: كان يسمى جيش ابن الأشعث جيش الطواويس، لكثرة من كان ~~فيه من الفتيان المنعوتين بالجمال. # قال: وقال أبو اليقظان: سمع عمر بن الخطاب قائلا بالمدينة يقول: [طويل] # أعوذ برب الناس من شر معقل ... إذا معقل راح البقيع مرجلا «1» # يعني معقل بن سنان الأشجعي، وكان قدم المدينة؛ فقال له عمر: # الحق بباديتك. # وسمع امرأة ذات ليلة تقول: [بسيط] # ألا سبيل الى خمر فأشربها ... أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج # وهذا نصر بن حجاج بن علاط البهزي، وكان من أجمل الناس، فدعا به عمر فسيره ~~إلى البصرة- فأتى مجاشع بن مسعود السلمي فدخل عليه يوما وعنده امرأته شميلة ~~«2» وكان مجاشع أميا، فكتب نصر على الأرض: أحبك حبا لو كان فوقك لأظلك، أو ~~تحتك لأقلك «3» ؛ فكتبت هي: وأنا والله كذلك؛ فكب مجاشع على الكتابة إناء ~~ثم أدخل كاتبا فقرأه، فأخرج نصرا وطلقها- فقال نصر بن حجاج: [طويل] # PageV04P024 # وما لي ذنب غير ظن ظننته ... وفي بعض تصديق الظنون أثام # لعمري إن سيرتني أو حرمتني ... وما نلت ذنبا إن ذا لحرام # أإن غنت الذلفاء ليلا بمنية ... وبعض أماني النساء غرام «1» # ظننت بي الظن الذي ليس بعده ... بقاء ومالي في الندي كلام «2» # فأصبحت منفيا على غير يبة ... وقد كان لي بالمكتين مقام # ويمنعني مما تمنت تكرمي ... وآباء صدق سالفون كرام # ويمنعها مما تمنت حياؤها ... وحال لها مع عفة وصيام # وهاتان حالانا فهل أنت راجعي ... وقد خف مني كاهل وسنام «3» # وأنا أحسب هذا الشعر مصنوعا. # قال لقيط بن زرارة: [طويل] # أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه «4» # قال أبو الطمحان القيني «5» : [طويل] # يكاد الغمام الغر يرعد إن رأى ... وجوه بني لأم وينهل بارقه «6» # وقال آخر «7» : [طويل] # PageV04P025 # وجوه لو ان المعتفين اعتشوا بها ... صدعن الدجى حتى ترى الليل ينجلي «1» # قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنا إذا سمعنا بكم شعرنا أحسنكم وجوها، ~~وإذا اختبرناكم كانت الخبرة أولى بكم. # قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: خصصنا بخمس: بصباحة، وفصاحة، وسماحة، ~~ورجاحة، وحظوة (يعني عند النساء) . وسئل عن بني أمية فقال: هم أغدر وأفجر ~~وأمكر؛ ونحن أفصح وأصبح وأسمح. # رأت امرأة الزبير فقالت: من هذا الذي هو أرقم يتلمظ؟ «2» ورأت عليا ~~فقالت: من هذا الذي كأنه كسر ثم جبر؟ ورأت طلحة فقالت: من هذا الذي كأنه ~~دينار هرقلي؟ «3» . # ألبست سكينة بنت الحسين ابنة لها درا كثيرا وقالت: والله ما ألبستها إياه ~~إلا لتفضحه. # وقال بعض الشعراء يذكر نساء جئن مع جارية: [كامل] # أقبلن في رأد الضحاء بها ... وسترت وجه الشمس بالشمس «4» # ذكر بعض الأعراب امرأة قال: خلوت بها والقمر يرينيها، فلما غاب أرتنيه. # PageV04P026 # وقال بعض الشعراء «1» : [طويل] # غلام رماه الله بالحسن يافعا ... له سيمياء لا تشق على البصر «2» # كأن الثريا «3» علقت في جبينه ... وفي أنفه الشعرى وفي وجهه القمر # ولما رأى المجد استعيرت ثيابه ... تردى بثوب واسع الذيل وأتزر # إذا قيلت العوراء أغضى كأنه ... ذليل بلا ذل ولو شاء لانتصر «4» # قال غلام من الأعراب لأمه: [متقارب] # نشدتك بالله هل تعلمين ... بأني طويل وأني حسن # قالت: قبحك الله! فكان ماذا؟ قال: [متقارب] # وأني أقمص بالدارعين ... غداة الصباح وأحمي الظعن «5» # قال عمه: فهلا كان ذا قبل!. # قال الشاعر «6» : [كامل] # بيضاء تسحب من قيام شعرها ... وتغيب فيه وهو جثل أسحم «7» # فكأنها فيه نهار ساطع ... وكأنه ليل عليها مظلم # PageV04P027 # وقال الطائي: [كامل] # بيضاء تبدو في الظلام فيكتسي ... نورا وتبدو في النهار فيظلم # وصف أعرابي امرأة فقال: كاد الغزال يكونها، لولا ما تم منها ونقص منه. # قال ابن الأعرابي: الحلاوة في العينين، والجمال في الأنف، والملاحة في ~~الفم. # قال أعرابي يصف امرأة: [طويل] # خزاعية الأطراف مرية الحشا ... فزارية العينين طائية الفم # كان المقنع الكندي «1» من أجمل الناس وكان يتقنع لأنه كان متى سفر لقع ~~(أي أصيب بعين) ، وهو القائل: [بسيط] # وفي الظعائن والأحداج أملح من ... حل العراق وحل الشام واليمنا «2» # جنية من نساء الإنس أحسن من ... شمس النهار وبدر الليل لو قرنا # الحكم بن صخر الثقفي قال: خرجت حاجا مختفيا، فلما كنت ببعض الطريق أتتني ~~جاريتان من بني عقيل لم أر أحسن منهما وجوها، ولا أظرف ألسنة ولا أكثر علما ~~وأدبا، فقصرت بهما يومي فكسوتهما. ثم حججت من قابل ومعي أهلي، وقد أصابتني ~~علة فنصل لها خضابي «3» ، فلما صرت إلى ذلك الموضع فإذا أنا بإحداهما، ~~فدخلت علي، فسألت مسألة منكر فقلت: # فلانة! قالت: فدى لك أبي وأمي! تعرفني وأنكرك؟! قلت: أنا الحكم بن # PageV04P028 # صخر؛ قالت: إني رأيتك عام أول شابا سوقة وأراك العام ملكا شيخا، وفي دون ~~هذا ينكر المرء صاحبه؛ قلت: ما فعلت أختك؟ قالت: تزوجها ابن عم لها وخرج ~~بها إلى نجد فذلك حيث يقول: [طويل] # إذا ما قفلنا نحو نجد وأهله ... فحسبي من الدنيا قفول إلى نجد # فقلت: لو أدركتها لتزوجتها؛ فقالت: ما يمنعك من شقيقتها في حسبها، ~~ونظيرتها في جمالها؟ - تعني نفسها- قلت: يمنعني من ذلك ما قال كثير: [طويل] # إذا وصلتنا خلة كي تزيلنا ... أبينا وقلنا الحاجبية أول «1» # فقالت: فكثير بيني وبينك، أليس هو القائل: [بسيط] # هل وصل عزة إلا وصل غانية ... في وصل غانية من وصلها خلف # فسكت عيا عن جوابها. # قال أبو حازم المدني «2» : بينا أنا أرمي الجمار رأيت امرأة سافرة من ~~أحسن الناس وجها ترمى الجمار، فقلت: يا أمة الله، أما تتقين الله! تسفرين ~~في هذا الموضع فتفتنين الناس! قالت: أنا والله يا شيخ من اللواتي قال فيهن ~~الشاعر: [طويل] # من اللاء لم يحججن يبغين حسبة ... ولكن ليقتلن البريء المغفلا «3» # قلت: فإني أسأل الله ألا يعذب هذا الوجه بالنار. # PageV04P029 # قال أعرابي: [بسيط] # يا زين من ولدت حواء من ولد ... لولاك لم تحسن الدنيا ولم تطب # أنت التي من أراه الله صورتها ... نال الخلود فلم يهرم ولم يشب # وقال أعرابي: [طويل] # إذا هن أبدين الخدود وحسرت ... ثغور عن الأفواه كي تتبسما «1» # أجاد القضاة العادلون قضاءهم ... لهن بلا وهم وإن كن أظلما # وقال عروة بن أذينة (2) : [كامل] # إن التي زعمت فؤادك ملها ... خلقت هواك كما خلقت هوى لها # فإذا وجدت لها وساوس سلوة ... شفع الفؤاد إلى الضمير فسلها «2» # بيضاء باكرها النعيم فصاغها ... بلباقة فأدقها وأجلها «3» # وقال أعرابي يرقص ابنا له: [سريع] # يا رب رب مالك بارك فيه ... بارك لمن يحبه ويدنيه # ذكرني لما نظرت في فيه ... أجزع نور غربت أواخيه «4» # والوجه لما أشرقت نواحيه ... دينار عين بيد تبريه # وقال ابن شبرمة: ما رأيت لباسا على رجل أزين من فصاحة، ولا رأيت لباسا ~~على امرأة أزين من شحم. # قيل لأعرابي: إنك لحسن الكدنة «5» فقال: ذلك عنوان نعمة الله عندي. # PageV04P030 # قال الحجاج: لا يحسن نحر المرأة حتى يعظم ثدياها. # وقال المرار العدوي «1» : [رمل] # صلتة الخد طويل جيدها ... ضخمة الثدي ولما ينكسر «2» # وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: لا تحسن المرأة حتى تروي الرضيع، ~~وتدفىء الضجيع. # عن رجل من بني أسد قال: أضللت إبلا لي، فخرجت في طلبهن، فهبطت واديا وإذا ~~أنا بفتاة أعشى «3» نور وجها نور بصري؛ فقالت لي: يا فتى، مالي أراك مدلها؟ ~~«4» فقلت: أضللت إبلا لي فأنا في طلبها؛ قالت: أفأدلك على من هي عنده وإن ~~شاء أعطاكها؟ قلت: نعم ولك أفضلهن؛ قالت: الذي أعطاكهن أخذهن وإن شاء ردهن، ~~فسله عن طريق اليقين لا من طريق الاختبار؛ فأعجبني ما رأيت من جمالها وحسن ~~كلامها، فقلت: ألك بعل؟ # قالت: قد كان، ودعي فأجاب فأعيد إلى ما خلق منه. قلت: فما قولك في بعل ~~تؤمن بوائقه «5» ، ولا تذم خلائقه؟ فرفعت رأسها وتنفست وقالت: [بسيط] # كنا كغصنين في أصل غذاؤهما ... ماء الجداول في ورضات جنات # فاجتث خيرهما من جنب صاحبه ... دهر يكر بترحات وفرحات «6» # PageV04P031 # وكان عاهدني إن خانني زمن ... ألا يضاجع أنثى بعد مثواتي # وكنت عاهدته إن خانه زمن ... ألا أبوء ببعل طول محياتي «1» # فلم نزل هكذا والوصل شيمتنا ... حتى توفي قريبا مذ سنيات # فاقبض عنانك عمن ليس يردعه ... عن الوفاء خلاف بالتحيات # قال أبو اليقظان: دخل متمم بن نويرة على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال ~~له عمر: أرى في أصحابك مثلك! قال: يا أمير المؤمنين، أما والله إني مع ذلك ~~لأركب الجمل الثفال «2» ، وأعتقل الرمح الشطون «3» ، وألبس الشملة الفلوت ~~«4» . (ولقد أسرني بنو تغلب في الجاهلية، فبلغ ذلك مالكا فجاء ليفتديني، ~~فلما رآه القوم أعجبهم جماله، وحدثهم فأعجبهم حديثه، فأطلقوني له بغير ~~فداء. # كان يقال: المنظر محتاج إلى القبول، والحسب محتاج إلى الأدب، والسرور ~~محتاج إلى الأمن، والقرابة محتاجة إلى المودة، والمعرفة محتاجة إلى ~~التجارب، والشرف محتاج إلى التواضع، والنجدة محتاجة إلى الجد. # قال الحسن بن وهب: [مديد] # ما لمن تمت محاسنه ... أن يعادي طرف من نظرا # لك أن تبدي لنا حسنا ... ولنا أن نعمل البصر # PageV04P032 ### | باب القبح والدمامة # أخبرنا بعض أشياخ البصرة أن رجلا وامرأته اختصما إلى أمير من أمراء ~~العراق، وكانت المرأة حسنة المنتقب «1» قبيحة المسفر «2» ، وكان لها لسان، ~~فكأن العامل مال معها، فقال: يعمد أحدكم إلى المرأة الكريمة فيتزوجها ثم ~~يسيء إليها؛ فأهوى الزوج فألقى النقاب عن وجهها، فقال العامل: عليك اللعنة، ~~كلام مظلوم ووجه ظالم. # قال أبو زياد الكلابي «3» : قدم رجل منا البصرة فتزوج امرأة، فلما دخل ~~بها وأرخيت الستور وأغلقت الأبواب عليه، ضجر الأعرابي وطالت ليلته، حتى إذا ~~أصبح وأراد الخروج منع من ذلك وقيل له: لا ينبغي لك أن تخرج إلا بعد سبعة ~~أيام؛ فقال: [طويل] # أقول وقد شدوا عليها حجابها ... ألا حبذا الأرواح والبلد القفر # ألا حبذا سيفي ورحلي ونمرقى ... ولا حبذا منها الوشاحان والشذر «4» # أتوني بها قبل المحاق بليلة ... فكان محاقا كله ذلك الشهر «5» # PageV04P033 # وما غرني إلا خضاب بكفها ... وكحل بعينيها وأثوابها الصفر # تسائلني عن نفسها هل أحبها ... فقلت ألا لا والذي أمره الأمر # تفوح رياح المسك والعطر عندها ... وأشهد عند الله ما ينفع العطر # وقال آخر: [بسيط] # أعوذ بالله من زلاء فاحشة ... كأنما نيط ثوباها على عود «1» # لا يمسك الحبل حقواها إذا انتطقت ... وفي الذنابى وفي العرقوب تحديد «2» # أعوذ بالله من ساق لها حنب ... كأنها من حديد القين سفود «3» # وقال آخر: [طويل] # موترة العلباء محفوفة القفا ... لها ندب من حكها غير دارس «4» # إذا ضحكت غصون كأنها ... غباغب حرباء تحوز شامس «5» # كأن وريديها رشاء محالة ... مغاران من جلد من القد يابس «6» # وقال آخر: [رجز] # يا عجبا والدهر ذو تعاجيب ... هل يصلح الخلخال في رجل الذيب # اليابس الكعب الحديد العرقوب # PageV04P034 # وقال آخر: [طويل] # لها جسم برغوث وساقا بعوضة ... ووجه كوجه القرد بل هو أقبح # وتبرق عيناها إذا ما رأيتها ... وتعبس في وجه الضجيع وتكلح «1» # وتفتح- لا كانت- فما لو رأيته ... توهمته بابا من النار يفتح # فما ضحكت في الناس إلا ظننتها ... أمامهم كلبا يهر وينبح «2» # إذا عاين الشيطان صورة وجهها ... تعوذ منها حين يمسي ويصبح # وقد أعجبتها نفسها فتملحت ... بأي جمال ليت شعري تملح # رأى أعرابي امرأة في شارة وهيئة، فظن بها جمالا، فلما سفرت فإذا هي غول؛ ~~فقال: [طويل] # فأظهرها ربي بمن وقدرة ... علي ولولا ذاك مت من الكرب # فلما بدت سبحت من قبح وجهها ... وقلت لها الساجور خير من الكلب «3» # كان سعيد بن بيان التغلبي سيد بني تغلب، وكانت تحته برة «4» وكانت من ~~أجمل النساء، فقدم الأخطل الكوفة على بشر بن مروان، فدعاه سعيد بن بيان ~~واحتفل ونجد بيوته واستجاد طعامه وشرابه، فلما شرب الأخطل جعل ينظر إلى وجه ~~برة وجمالها، وإلى وجه سعيد وقبحه؛ فقال له سعيد: يا أبا مالك، أنت رجل ~~تدخل على الخلفاء والملوك فأين ترى هيئتنا من هيئتهم! فقال الأخطل: ما ~~لبيتك عيب غيرك؛ فقال سعيد: أنا والله أحمق منك يا نصراني حين أدخلك منزلي، ~~وطرده. فخرج الأخطل وهو يقول: [طويل] # PageV04P035 # وكيف يداويني الطبيب من الجوى ... وبرة عند الأعور ابن بيان «1» # فهلا زجرت الطير إذ جاء خاطبا ... بضيقة بين النجم والدبران «2» # قال عبد بني الحسحاس يذكر قبحه «3» : [طويل] # أتيت نساء الحارثيين غدوة ... بوجه براه الله غير جميل # فشبهنني كلبا ولست بفوقه ... ولا دونه إن كان غير قليل # قال رجل للأحنف: «تسمع بالمعيدي لا أن تراه» «4» ؛ فقال: ما ذممت مني يا ~~بن أخي؟ قال: الدمامة وقصر القامة؛ قال: لقد عبت علي ما لم أؤامر فيه «5» . # قال عبد الملك بن عمير: قدم علينا الأحنف الكوفة مع المصعب بن الزبير، ~~فما رأيت خصلة تذم إلا وقد رأيتها في الأحنف: كان صعل الرأس «6» ، متراكب ~~الأسنان، أشدق «7» ، مائل الذقن، ناتىء الوجه، غائر العين، خفيف العارض، ~~أحنف الرجل «8» ، ولكنه إذا تكلم جلا عن نفسه. # أبو اليقظان قال: كان المحارش قبيحا فقال فيه هبنقة «9» : [طويل] # PageV04P036 # لو كان وجهي مثل وجه محارش ... إذا ما قربت الدهر باب أمير # قال: وأخذ محارش قذاة عن عبيد الله بن زياد؛ فقال: صرف عنك السوء؛ فقال ~~جلساؤه: إذا يصرف عنه وجهه. # سئل مدني عن حلية رجل، فقال: حليته محجمه. # قال المأمون لمحمد بن الجهم: أنشدني بيتا حسنا أولك به كورة «1» ؛ فقال: ~~[كامل] # قبحت مناظرهم فحين خبرتهم ... حسنت مناظرهم لقبح المخبر # فاستزاده، فأنشده: [طويل] # أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه ... فطيب تراب القبر دل على القبر «2» # فولاه الدينور «3» وهمذان. # قال أعرابي في امرأته: [طويل] # ولا تستطيع الكحل من ضيق عينها ... فإن عالجته صار فوق المحاجر # وفي حاجبيها حزة لغزارة ... فإن حلقا كانا ثلاث غرائر «4» # وثديان أما واحد فكموزة ... وآخر فيه قربة لمسافر # وقال إسحاق الموصلي: رأت قريبة بن سيابة مولى ابن أسد عندي، فقلت لها: يا ~~أم البهلول كيف ترين هذا؟ قالت: ماله قبحه الله عامة! لو كان داء ما برىء ~~منه. # PageV04P037 # وقال فاتك في سعيد بن سلم: [سريع] # وإن من غاية حرص الفتى ... طلابه المعروف في باهله «1» # كبيرهم وغد ومولودهم ... تلعنه من قبحه القابله # قال الأسعر الجعفي «2» يهجو قوما: [متقارب] # زعانف سود كخبث الحدي ... د يكفي الثلاثة شق الإزار «3» # وقال أبو نواس يذكر امرأة: [وافر] # وقائلة لها في وجه نصح ... علام قتلت هذا المستهاما # فكان جوابها في حسن سر ... أأجمع وجه هذا والحراما # كان المغيرة بن شعبة قبيحا أعور، فخطب امرأة، فأبت أن تتزوجه، فبعث ~~إليها: إن تزوجتني ملأت بيتك خيرا، ورحمك أيرا؛ فتزوجت به. # وسئلت عنه امرأة طلقها فقالت: عسل يمانية في ظرف سوء «4» . # أنشدنا دعبل: [متقارب] # PageV04P038 # بليت بزمردة كالعصا ... ألص وأسرق من كندش «1» # لها شعر قرد إذا ازينت ... ووجه كبيض القطا الأبرش «2» # كأن الثأليل في وجهها ... إذا سفرت بدد الكشمش «3» # وقال أعرابي: [وافر] # جزى الله البراقع من ثياب ... عن الفتيان شرا ما بقينا # يوارين الملاح فلا نراها ... ويزهين القباح فيزهينا «4» # وقال آخر: [وافر] # رأوه فازدروه وهو حر ... وينفع أهله الرجل القبيح # كان ذو الرمة يشبب بمية، وكانت من أجمل النساء ولم تره قط، فجعلت لله ~~عليها بدنة «5» حين تراه، فلما رأته رأته رجلا دميما أسود، فقالت: # وا سوءتاه! وا بؤساه! فقال ذو الرمة: [طويل] # على وجه مي مسحة من ملاحة ... وتحت الثياب الشين لو كان باديا «6» # ألم تر أن الماء يخبث طعمه ... وإن كان لون الماء أبيض صافيا # إسحاق الموصلي قال: دخلت أعرابية على حمدونة بنت الرشيد، فلما خرجت سئلت ~~عنها، فقالت: وما حمدونة! والله لقد رأيتها وما رأيت طائلا، # PageV04P039 # كأن بطنها قربة، وكأن ثديها دبة «1» ، وكأن استها رقعة، وكأن وجهها وجه ~~ديك قد نفش غفريته «2» يقاتل ديكا. # ذكر أعرابي امرأة حسنة اللفظ قبيحة الوجه، فقال: ترخي ذيلها على عرقوبي ~~نعامة، وتسدل خمارها على وجه كالجعالة (وهي الخرقة التي تنزل بها القدر عن ~~النار) . # وقال دعبل في كاتب: [كامل] # تمت مقابح وجهه فكأنه ... طلل «3» تحمل ساكنوه فأوحشا # لو كان لاستك ضيق صدرك أو لصد ... رك رحب دبرك كنت أكمل من مشى # كان بعض المعلمين يقعد أبناء المياسير والحسان الوجوه في الظل، ويقعد ~~الآخرين في الشمس، ويقول: يا أهل الجنة، ابزقوا في وجوه أهل النار. # وقال رجل من أبناء المهاجرين: أبناء هذه الأعاجم كأنهم نقبوا الجنة ~~وخرجوا منها، وأولادنا كأنهم مساجر التنانير «4» . # أبو المهلهل الحدائي «5» قال: ارتحلت إلى الرمل في طلب مي صاحبة ذي ~~الرمة، فما زلت أطلب موضعها حتى أرشدت إليه، فإذا خيمة كبيرة على بابها ~~عجوز هتماء «6» ، فسلمت عليها ثم قلت: أين منزل مي؟ قالت: أنا مي؛ # PageV04P040 # فتعجبت وقلت: عجبا من ذي الرمة وكثرة قوله فيك! قالت: لا تعجبن فإني ~~سأقوم بعذره عنك، ثم قالت: يا فلانة، فخرجت من الخيمة جارية ناهدة عليها ~~برقع فقالت: اسفري، فلما سفرت تحيرت لما رأيت من جمالها وبراعتها؛ فقالت: ~~علقني ذو الرمة وأنا في سنها؛ فقلت: عذره الله ورحمه، فاستنشدتها فجعلت ~~تنشد وأنا أكتب. # وقال أبو نواس في الرقاشي: [سريع] # قل للرقاشي إذا جئته ... لو مت يا أخرق لم أهجكا» # دونك عرضي فاهجه راشدا ... لا تدنس الأعراض من شعركا # والله لو كنت جريرا لما ... كنت بأهجى لك من وجهكا ### | باب السواد # الأصمعي قال: قيل لمدني: ما رغبتكم في السواد؟ قال: لو وجدنا بيضاء ~~لسفدناها «2» . # وكان أبو حازم المدني ينشد: [وافر] # ومن يك معجبا ببنات كسرى ... فإني معجب ببنات حام «3» # وقال أبو حنش «4» : [طويل] # PageV04P041 # رأيت أبا الحجناء في الناس حائرا ... ولون أبي الحجناء لون البهائم «1» # تراه على ما لاحه من سواده ... وإن كان مظلوما له وجه ظالم «2» # وقال آخر في وصف أسود: [رجز] # كأنما وجهك ظل من حجر «3» # وقال آخر: [رجز] # كأنما قمص من ليط جعل «4» # وقال آخر في وصف سوداء: [رجز] # كأنها والكحل في مرودها ... تكحل عينيها ببعض جلدها # نظر رجل إلى سوداء عليها معصفر «5» ، فقال: بعرة عليها رعاف «6» . # الأصمعي قال: قيل لرجل: أي الرجال أخف أرواحا؟ قال: الذين أعرقت «7» فيهم ~~السودان. # وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: من تزوج سمراء فطلقها فعلي مهرها. # يقال: قالت الخنفساء لأمها: يا أماه، ما أمر بأحد إلا بزق علي؛ فقالت: يا ~~بنية تعوذين «8» . # PageV04P042 # وفد على عبد الملك وفد أهل الكوفة، فلما دخلوا عليه وكلمهم، رأى فيهم ~~أدلم «1» عالي الجسم، فلما كلمه راقه بيانه، فلما تولى تمثل عبد الملك بقول ~~عمرو بن شأش «2» : [طويل] # فإن عرارا إن يكن غير واضح ... فإني أحب الجون ذا المنكب العمم «3» # فالتفت الأدلم إلى عبد الملك وضحك؛ فقال: علي به فلما جيء به قال: ما ~~الذي أضحكك؟ فقال: أنا والله عرار من بني أثرى، فقدمه وسامره حتى خرج. # قال رجل من الشعراء في جارية سوداء: [سريع] # أشبهك المسك وأشبهته ... قائمة في لونه قاعده # لا شك إذ لونكما واحد ... أنكما من طينة واحده # وقال جرير: [وافر] # ترى التيمي يزحف كالقرنبى ... إلى تيمية كعصا المليل «4» # تشين الزعفران عروس تيم ... وتمشي مشية الجعل الدحول «5» # يقول المجتلون عروس تيم ... شوى أم الحبين ورأس فيل «6» # PageV04P043 # وقال آخر: [وافر] # أحب لحبها السودان حتى ... أحب لحبها سود الكلاب ### | باب العجز والمشايخ # الأصمعي قال: خاصم رجل امرأته إلى زياد، فكأن زيادا شدد عليه، فقال ~~الرجل: أصلح الله الأمير، إن خير نصفي الرجل آخرهما، يذهب جهله ويثوب حلمه ~~ويجتمع رأيه، وإن شر نصفي المرأة آخرهما، يسوء خلقها ويحد لسانها وتعقم ~~رحمها؛ فقال: اسفع بيدها «1» . # وقال بعض الأعراب: [بسيط] # لا تنكحن عجوزا إن دعوك لها ... وإن حبوك على تزويجها الذهبا # وإن أتوك وقالوا إنها نصف ... فإن أطيب نصفيها الذي ذهبا «2» # الأصمعي قال: ضجر أعرابي بطول حياة امرأته، فقال: [طويل] # ثلاثين حولا لا أرى منك راحة ... لهنك في الدنيا لباقية العمر «3» # فإن أنفلت من حبل صعبة مرة ... أكن من نساء الناس في بيضة العقر «4» # وقال أبو الأسود في امرأته أم عوف: [طويل] # أبى القلب إلا أم عوف وحبها ... عجوزا ومن يحبب عجوزا يفند «5» # كسحق اليماني قد تقادم عهده ... ورقعته ما شئت في العين واليد «6» # PageV04P044 # وقال آخر يشبب بعجوز: [طويل] # عجوز عليها كرة وملاحة ... وقاتلتي يا للرجال عجوز «1» # عجوز لو ان الماء ملك يمينها ... لما تركتنا بالمياه نجوز # كانت لرجل من الأعراب امرأة عجوز، وكانت تشتري العطر بالخبز؛ فقال: ~~[طويل] # عجوز ترجي أن تكون فتية ... وقد غارت العينان واحدودب الظهر # تدس إلى العطار سلعة أهلها ... ولن يصلح العطار ما أفسد الدهر # طلق أبو الجندي امرأته؛ فقالت له: بعد صحبة خمسين سنة! فقال: # مالك عندي ذنب غيره. # وقال بعض الأعراب: [بسيط] # لا بارك الله في ليل يقربني ... إلى مضاجعة كالدلك بالمسد «2» # لقد لمست معراها فما وقعت ... فيما لمست يدي إلا على وتد # وكل عضو لها قرن تصل به ... جسم الضجيع فيضحي واهي الجسد «3» # وقال الطائي: [كامل] # أحلى الرجال من النساء مواقعا ... من كان أشبههم بهن خدودا # وقال امرؤ القيس: [طويل] # أراهن لا يحببن من قل ماله ... ولا من رأين الشيب فيه وقوسا «4» # PageV04P045 # وقال علقمة بن عبدة «1» : [طويل] # فإن تسألوني بالنساء فإنني ... خبير بأدواء النساء طبيب # إذا شاب راس المرء أو قل ماله ... فليس له في ودهن نصيب # يردن ثراء الماء حيث علمنه ... وشرخ الشباب عندهن عجيب «2» # وقال آخر: [وافر] # أرى شيب الرجال من الغواني ... كموضع شيبهن من الرجال # وقال آخر: [طويل] # أيا عجبا للخود يجري وشاحها ... تزف إلى شيخ من القوم تنبال «3» # دعاها إليه أنه ذو قرابة ... فويل الغواني من بني العم والخال # وقال ذو الرمة بخلاف قول الأول: [طويل] # وما الفقر أزرى عندهن بوصلنا ... ولكن جرت أخلاقهن على البخل # وقال المرار في مثله «4» : [طويل] # وليس الغواني للجفاء ولا الذي ... له عن تقاضي دينهن هموم # ولكنما يستنجز الوعد تابع ... مناهن حلاف لهن أثيم # وما جعلت ألبابهن لذي الغنى ... فييأس من ألبابهن عديم» # كان عثمان بن عفان رضي الله عنه تزوج نائلة بنت الفرافصة الكلبي- # PageV04P046 # والفرافصة يومئذ نصراني- وكان وليها مسلما وهو أخوها، فحملها الفرافصة. # فلما قدمت على عثمان وضع لها سريرا وله آخر، فقال لها عثمان: إما أن ~~تقومي إلي وإما أن أقوم إليك؛ فقالت: ما تجشمت إليك من عرض السماوة «1» ~~أبعد مما بيننا، بل أقوم أنا، فقامت حتى جلست معه على السرير، فوضع قلنسوته ~~فإذا هو أصلع، فقال: يابنة الفرافصة، لا يهولنك ما ترين من صلعتي، فإن وراء ~~ذلك ما تحبين؛ قالت: إني لمن نسوة أحب بعولتهن إليهن الكهول الصلع؛ فقال: ~~اطرحي درعك، ثم قال: اطرحي إزارك؛ قالت: ذاك اليك، ومسح رأسها ودعا لها ~~بالبركة؛ فكانت أحب نسائه اليه، وولدت منه جارية يقال لها مريم. # ابن الكلبي «2» قال: خطب دريد بن الصمة خنساء بنت عمرو، فبعثت جاريتها ~~فقال: انظري إذا بال أيقعي أم يبعثر؟ «3» فقالت لها الجارية: هو يبعثر، ~~فقالت: لا حاجة لي فيه. # الأصمعي قال: تزوج رجل امرأة بالمدينة فقالوا له: إنها شابة طرية، من ~~أمرها ومن أمرها، ويدلسون «4» له عجوزا، فلما دخل بها نزع نعليه، وهم يظنون ~~أنه يضربها، فقلدها إياهما وقال: لبيك اللهم لبيك، هذه بدنة «5» ؛ فأسكتوه ~~وافتدوا منه. # PageV04P047 # عن عبد الله بن محمد بن عمران القاضي عن أبيه قال: شباب المرأة من خمس ~~عشرة سنة إلى ثلاثين سنة، وفيها من الثلاثين إلى الأربعين مستمتع، وإذا ~~اقتحمت العقبة الأخرى حسلت «1» . # تزوج جهم امرأة من بني فقعس وباع إبلا له ومهرها، فلما دخل بها إذا هي ~~عجوز، فقال: [طويل] # وما لمت نفسي مذ فطمت بليحة ... كما لمت نفسي في عجوز بني شمس «2» # وبنت ولم أغبن غداة اشتريتها ... وبعت تلاد المال بالثمن البخس «3» # فإن مات جهم غيلة فاقتلوا به ... قمامة إن النفس تقتل بالنفس # وقال بعض الشعراء: [بسيط] # كفاك بالشيب ذنبا عند غانية ... وبالشباب شفيعا أيها الرجل # خطب الحارث بن سليل الأسدي إلى علقمة بن خصفة الطائي، وكان شيخا، فقال ~~لأم الجارية: أريدي ابنتك على نفسها فقالت: أي بنية. أي الرجال أحب إليك: ~~الكهل الجحجاح «4» ، الواصل المناح «5» ، أم الفتى الوضاح، الذهول الطماح؟ ~~قالت: يا أمتاه [متقارب] # إن الفتاة تحب الفتى ... كحب الرعاء أنيق الكلا «6» # فقالت: يا بنية، إن الشباب شديد الحجاب، كثير العتاب؛ قالت: يا # PageV04P048 # أمتاه، أخشى من الشيخ أن يدنس ثيابي، ويبلي شبابي، ويشمت بي أترابي؛ فلم ~~تزل بها حتى غلبتها على رأيها؛ فتزوج بها الحارث ثم رحل بها إلى قومه؛ فإنه ~~لجالس ذات يوم بفناء مظلته وهي إلى جانبه، إذ أقبل شباب من بني أسد يعتلجون ~~«1» ، فتنفست ثم بكت؛ فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: مالي وللشيوخ الناهضين ~~كالفروخ!؛ فقال: ثكلتك أمك «تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها» «2» - فذهبت ~~مثلا-. أما وأبيك لرب غارة شهدتها، وسبية أردفتها، وخمرة شربتها؛ فالحقي ~~بأهلك، لا حاجة لي فيك. # الرياشي قال: خرج رجل إلى الغزو فأصاب جارية وضيئة، وكان يغزو على فرسه ~~ويرجع إليها، فوجد يوما فضلا من القول فقال: [طويل] # ألا لا أبالي اليوم ما فعلت هند ... إذا بقيت عندي الحمامة والورد «3» # شديد مناط المنكبين إذا جرى ... وبيضاء صنهاجية زانها العقد «4» # فهذا لأيام الحروب وهذه ... لحاجة نفسي حين ينصرف الجند # فنمي الشعر اليها فقالت: [طويل] # ألا أقره مني السلام وقل له ... غنينا وأغنتنا غطارفة المرد «5» # بحمد أمير المؤمنين أقرهم ... شبابا وأغزاكم حواقلة الجند «6» # إذا شئت غناني رفل مرجل ... ونازعني في ماء معتصر ورد «7» # PageV04P049 # وإن شاء منهم ناشىء مد كفه ... على كتد ملساء أو كفل نهد «1» # فما كنتم تقضون حاجة أهلكم ... شهودا فتقضوها على النأي والبعد «2» # فلما بلغه الشعر أتاها، وقال: أكنت فاعلة؟ فقالت: الله أجل في عيني، وأنت ~~أهون علي. # قال أبو عمرو بن العلاء: ما بكت العرب شيئا ما بكت الشباب، وما بلغت ما ~~هو أهله. # كانت لبعض الأعراب امرأة لا تزال تشاره «3» وقد كان أسن وامتنع من ~~النكاح، فقال له رجل: ما يصلح بينكما أبدا؟ فقال: لا، إنه قد مات الذي كان ~~يصلح بيننا (يعني ذكره) . # قال رجل لصديق له: [متقارب] # أعنست نفسك حتى إذا ... أتيت على الخمس والأربعينا «4» # تزوجتها شارفا فخمة ... فلا بالرفاء ولا بالبنينا «5» # فلا ذات مال تزوجتها ... ولا ولد ترتجي أن يكونا # بها أبدا فالتمس غيرها ... لعلك تعطى بغث سمينا «6» # قال أنو شروان: كنت أخاف إذا أنا شخت لا تريدني النساء، فإذا أنا لا ~~أريدهن. # PageV04P050 # قال أعرابي: [رجز] # إن العجوز فارك ضجيعها ... تسيل من غير بكى دموعها «1» # تمدد الوجه فلا يطيعها ... كأن من يضيفها يضيعها # وقال أبو النجم «2» : [رجز] # قد زعمت أم الخيار أني ... شبت وحنى ظهري المحني # وأعرضت فعل الشموس عني ... فقلت ما داؤك إلا سني «3» # لن تجمعي ودي وأن تضني # قال يزيد بن الحكم بن أبي العاص: [وافر] # فما منك الشباب ولست منه ... إذا سألتك لحيتك الخضابا # وما يرجو الكبير من الغواني ... إذا ذهبت شبيبته وشابا # وقال آخر: [وافر] # فالغواني ... نوافر عن ملاحظة القتير «4» # فقلت لها المشيب نذير عمري ... ولست مسودا وجه النذير # كان سعد بن أبى وقاص يخضب بالسواد، ويقول: [طويل] # أسود أعلاها وتأبى أصولها ... فيا ليت ما يسود منها هو الأصل # PageV04P051 # وقال أسود بن دهيم: [كامل] # لما رأيت الشيب عيب بياضه ... تشببت وابتعت الشباب بدرهم «1» # وقال محمود الوراق: [مجزوء الكامل] # يا خاضب الشيب الذي ... في كل ثالثة يعود # إن النصول إذا بدا ... فكأنه شيب جديد «2» # وله بديهة روعة ... مكروهها أبدا عتيد «3» # فدع المشيب كما أرا ... د فلن يعود كما تريد # أنشد ابن الأعرابي: [كامل] # ولقد أقول لشيبة أبصرتها ... في مفرقي فمنحتها إعراضي» # عني إليك فلست من خير ولو ... عممت منك مفارقي ببياض # ولقلما أرتاع منك وإنني ... فيما ألذ وإن فزعت لماضي # فعليك ما اسطعت الظهور بلمتي ... وعلي أن ألقاك بالمقراض «5» # وقال الفرزدق: [طويل] # تفاريق شيب في السواد لوامع ... وما خير ليل ليس فيه نجوم # وقال غيلان بن سلمة «6» : [كامل] # الشيب إن يظهر فإن وراءه ... عمرا يكون خلاله متنفس # PageV04P052 # لم ينتقص مني المشيب قلامة ... ولنحن حين بدا ألب وأكيس «1» # وقال الطائي: [بسيط] # أبدت أسى أن رأتني فخلس القصب ... وآل ما كان من عجب إلى عجب «2» # لا تنكري منه تحديدا تخلله ... فالسيف لا يزدرى إن كان ذا شطب «3» # ولا يؤرقك إيماض القتير به ... فإن ذاك ابتسام الرأي والأدب «4» # وقال آخر: [طويل] # يقولون هل بعد الثلاثين ملعب ... فلت وهل قبل الثلاثين ملعب # لقد جل قدر الشيب إن كان كلما ... بدت شيبة يعرى من الهو مركب ### | باب الخلق ### | الطول والقصر # عن عمرو بن شعيب: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قصيرا- أو قال ~~شديد القصر- فسجد. # عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: من رأى منكم مبتلى فقال الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني ~~على كثير ممن خلقه تفضيلا عافاه الله من ذلك البلاء كائنا ما كان. # وقال بعض الشعراء: [مجزوء الرمل] # من تعاذر من يسامح ... من تطاول بزياد # من تباراني نسيني ... ببعيد من إياد «5» # PageV04P053 # وقال إسحاق الموصلي في غلامه: [وافر] # ذهبت سماجة وذهبت طولا ... كأنك من فراسخ دير سعد «1» # وقال أبو اليقظان: كان يعلى بن الحكم بن أبي العاص يعير أخاه يزيد ~~بالقصر؛ فقال يزيد: [بسيط] # هم الرجال العلا أخذا بذروتها ... وإنما هم يعلى الطول والقصر # وقال أبو حاتم: [طويل] # يكاد خليلي من تقارب شخصه ... يعض القراد باسته وهو قائم «2» # وقال آخر وكان قصيرا: [طويل] # فإلا يكن عظمي طويلا فإنني ... له بالخصال الصالحات وصول # وقال أوفى بن مولة في مثل ذلك: [طويل] # فإن أك قصدا في الرجال فإنني ... إذا حل أمر ساحتي لجسيم # وقال آخر: [طويل] # ولما التقى الصفان واختلف القنا ... نهالا وأسباب المنايا نهالها «3» # تبين لي أن القماءة ذلة ... وأن أشداء الرجال طوالها «4» # PageV04P054 # وقال الغطمش الضبي «1» : [طويل] # ولو وجدوا نعل الغطمش لاحتذوا ... لأرجلهم منها ثماني أنعل # كان جرير بن عبد الله يثفل «2» إلى ذروة البعير من طوله، وكانت نعله ~~ذراعا. # الأصمعي قال: دخل المغيرة بن شعبة على معاوية، فقال معاوية: # [طويل] # إذا راح في قوهية متلبسا ... تقل جعل يستن في لبن مخض «3» # وأقسم لو خرت من استك بيضة ... لما انكسرت من قرب بعضك من بعض «4» ### | اللحى # قال بعض الحكماء: لا تصافين من لا شعر على عارضيه وإن كانت الدنيا خرابا ~~إلا منه. # كانت عائشة ربما قالت: والذي زين الرجال باللحى. # وقال بعض المحدثين: [سريع] # يا لحية طالت على نوكها ... كأنها لحية جبريل «5» # لو كان ما يقطر من دهنها ... ليلا لوفى ألف قنديل # PageV04P055 # ولو تراها وهي قد سرحت ... حسبتها بندا على الفيل «1» # قال رجل لبعض مجانين الكوفة: ما هذه اللحية؟ - وكانت كبيرة- فقال: والبلد ~~الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا # «2» . # وقال مروان بن أبي حفصة «3» : [وافر] # لقد كانت مجالسنا فساحا ... فضيقها بلحيته رباح «4» # مبعثرة الأسافل والأعالي ... لها في كل زاوية جناح # وقال آخر: [وافر] # أنفش لحية عرضت وطالت ... من الهدبات تملأ عرض صدري # أكاد إذا قعدت أبول فيها ... إذا أنا لم أعقصها بظفري «5» # وقال أعرابي: [مجزوء الكامل] # لا تفخرن بلحية ... عظمت جوانبها طويله # تجري بمفرقها الريا ... ح كأنها ذنب الحسيله «6» # PageV04P056 ### | العيون # قال إبراهيم النخعي لسليمان الأعمش وأراد أن يماشيه: إن الناس إذا رأونا ~~معا قالوا: أعور وأعمش، قال: ما عليك أن يأثموا ونؤجر، قال: ما عليك أن ~~يسلموا ونسلم. # وقال ابن عباس بعد ما كف بصره: [بسيط] # أن يأخذ الله من عيني نورهما ... ففي فؤادي وسمعي منهما نور # قلبي ذكي وعرضي غير ذي دخل ... وفي فمي صارم كالسيف مأثور «1» # فأخذ الخريمي هذا المعنى فقال: [متقارب] # فإن تك عيني خبا نورها ... فكم قبلها نور عين خبا # فلم يعم قلبي ولكنما ... أرى نور عيني اليه سرى # فأسرج فيه إلى ضوئه ... سراجا من العلم يشفي العمى # وقال الخريمي أيضا: [منسرج] # أصغي إلى قائدي ليخبرني ... إذا التقينا عمن يحييني # أريد أن أعدل السلام وأن ... أفصل بين الشريف والدون «2» # أسمع ما لا أرى فأكره أن ... أخطىء والسمع غير مأمون # لله عيني التي فجعت بها ... لو أن دهرا بها يواتيني # لو كنت خيرت، ما أخذت بها ... تعمير نوح في ملك قارون # وتماشى أعوران، فقال أحدهما: [وافر] # ألم ترني وعمرا حين نمشي ... نريد السوق ليس لنا نظير # PageV04P057 # أماشيه على يمنى يديه ... وفيما بيننا رجل ضرير «1» # وقال قائل في طاهر بن الحسين «2» : [رجز] # يا ذا اليمينين وعين واحده ... نقصان عين ويمين زائدة «3» # وقال الأصمعي: جاءت رجلا أعور نشابة فأصابت عينه الصحيحة، فقال: يا رب ~~وأنا أيضا على محمل. # اشترى أبو الأسود جارية حولاء فأغار امرأته أم عوف، وكانت ابنة عمه وكانت ~~تشاره «4» في كل يوم وتقول: من يشتري حولاء؛ فلما أكثرت عليه قال: # [طويل] # يعيبونها عندي ولا عيب عندها ... سوى أن في العينين بعض التأخر # فإن يك في العينين سوء فإنها ... مهفهفة الأعلى رداح المؤخر «5» # أنشد أبو النجم هشام بن عبد الملك أرجوزته التي أولها: # الحمد لله الوهوب المجزل # فلم يزل هشام يصفق بيديه استحسانا لها، حتى إذا بلغ قوله في صفة الشمس: # فهي في الأفق كعين الأحول ... صغواء قد كادت ولما تفعل «6» # PageV04P058 # أمر بوجء «1» رقبته وإخراجه. وكان هشام أحول. # وقال آخر: [طويل] # يقولون نصرانية أم خالد ... فقلت دعوها كل نفس ودينها # فإن تك نصرانية أم خالد ... فقد صورت في صورة لا تشينها # أحبك أن قالوا بعينك زرقة ... كذاك عتاق الطير زرقا عيونها # وقرأت في الآيين «2» أن الرجل إذا اجتمع فيه قصر وسبوطة «3» وحول وعسم ~~«4» وشدق «5» ... «6» كان لا يستعمل في دار الملك، ويحال بينه وبين التصدير ~~للملك، وكذلك المرأة البرشاء والبرصاء «7» . # وقال بعض الشعراء في صحة البصر مع الهرم: [منسرح] # إن معاذ بن مسلم رجل ... ليس يقينا لعمره أمد «8» # قل لمعاذ إذا مررت به ... قد ضج من طول عمرك الأبد # قد شاب رأس الزمان واكتهل الدهر وأثواب عمره جدد # يا نسر لقمان كم تعيش وكم ... تسحب ذيل الحياة يا لبد «9» # PageV04P059 # قد أصبحت دار آدم طللا ... وأنت فيها كأنك الوتد # تسأل غربانها إذا حجلت ... كيف يكون الصداع والرمد «1» ### | الأنوف # عن أبي زيد قال: رأيت أعرابيا أنفه كأنه كور «2» من عظمه، فرآنا نضحك ~~فقال: ما يضحككم! والله لقد كنا في قوم ما يسموننا إلا الأفيطس «3» . # عن الوليد بن بشار أن امرأة عقيل بن أبي طالب، وهي بنت عتبة بن ربيعة، ~~قالت: يا بني هاشم لا يحبكم قلبي أبدا، إن أبي وابن عمي أبو فلان ابن فلان ~~كأن أعناقهم أباريق فضة، ترد أنوفهم قبل شفاههم؛ فقال لها عقيل: # إذا دخلت النار فخذي على يسارك. # قال بعض الشعراء يذكر الكبر «4» : [متقارب] أرى شعرات على حاجبي بيضا ~~نبتن جميعا تؤاما # ظللت أهاهي بهن الكلا ... ب أحسبهن صيارا قياما «5» # PageV04P060 # وأحسب أنفي إذا ما مشي ... ت شخصا أمامي رآني فقاما # وقال بعض المحدثين: [متقارب] # إذا أنت أقبلت في حاجة ... اليه فكلمه من خلفه # فإن أنت واجهته في الكلا ... م لم يسمع الصوت من أنفه # وقال آخر: [مجزوء الرمل] # إن عيسى أنف أنفه ... أنفه ضعف لضعفه # وهو لو يستنشق الثو ... ر بقرنيه وظلفه # لثوى في منخر يس ... تغرق الخلق بنصفه # لو تراه راكبا والت ... يه قد مال بعطفه # لرأيت الأنف في السر ... ج وعيسى ردف أنفه «1» # وقال قعنب «2» في الوليد بن عبد الملك: [متقارب] # فقدت الوليد وأنفا له ... كمثل المعين أبي أن يبولا «3» # أتيت الوليد فألفيته ... كما يعلم الناس وخما ثقيلا «4» ### | البخر والنتن # قال أبو اليقظان: كان يقال لعبد الملك بن مروان: أبو الذبان لشدة بخره. ~~يريدون أن الذباب يسقط إذا قارب فاه من شدة رائحته. قال: ونبذ إلى امرأة له ~~تفاحة قد عضها، فأخذت سكينا؛ فقال لها: ما تصنعين؟ قالت: أميط عنها «5» ~~الأذى، فطلقها. # PageV04P061 # وقال مسلم: [خفيف] أنت تفسو إذا نطقت ومن سبح من فسو فاك إثما وزورا وقال ~~آخر «1» : [كامل] # لا تدن فاك من الأمير ونحه ... حتى يداوي ما بأنفك أهرن «2» # إن كان للظربان جحر منتن ... فلجحر أنفك يا محمد أنتن «3» # وقال شقيق بن السليك العامري لامرأته: [متقارب] # إذا ما نكحت فلا بالرفاء ... وإما أتيت فلا بالبنينا # تزوجت أصلع في غربة ... تجن الحليلة منه جنونا # إذا ما نقلت إلى بيته ... أعد لجنبيك سوطا متينا # كأن المساوك في شدقه ... إذا هن أكرهن يقلعن طينا «4» # كأن توالي أضراسه ... وبين ثناياه غسلا لجينا «5» # وقال الحكم بن عبدل لمحمد بن حسان بن سعد: [وافر] # فما يدنو إلى فمه ذباب ... ولو طليت مشافره بقند «6» # يرين حلاوة ويخفن موتا ... وشيكا إذ هممن له بورد «7» # PageV04P062 # وقال أعرابي: [رجز] # كأن إبطي وقد طال المدى ... نفحة خرء من كواميخ القرى «1» # وقال عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن بن عائشة: [خفيف] # من يكن إبطه كآباط ذي الخل ... ق فإبطاي في عداد الفقاح «2» # لي إبطان يرميان جليسي ... بشبيه السلاح أو بالسلاح «3» # فكأني من نتن هذا وهذا ... جالس بين مصعب وصباح # يعني مصعب بن عبد الله بن مصعب، وصباح بن خاقان الأهتمي. ### | البرص # كان بلعاء بن قيس أبرص؛ فقال له قائل: ما هذا بك يا بلعاء؟ فقال؛ سيف ~~الله جلاه. # وقال ابن حبناء «4» : [بسيط] # «إني امرؤ حنظلي حين تنسبني ... لا ملعتيك ولا أخوالي العوق «5» # لا تحسبن بياضا في منقصة ... إن اللهاميم في أقرابها بلق «6» # PageV04P063 # وقال أبو مسهر: [طويل) # أيشتمني زيد بأن كنت أبرصا ... فكل كريم لا أبالك أبرص # وقال بعض النهشليين: [رمل] # نفرت سودة مني إذ رأت ... صلع الرأس وفي الجلد وضح» # قلت يا سودة هذا والذي ... يفرج الكربة عنا والكلح «2» # هو زين لي في الوجه كما ... زين الطرف تحاسين القزح «3» # وقال آخر: [رجز] # يا كأس لا تستنكري نحولي ... ووضحا أوفى على خصيلي «4» # فإن نعت الفرس الرحيل ... يكمل بالغرة والتحجيل «5» # وقال آخر: [رجز] # يا أخت سعد لا تعيبي بالزرق ... لا يضرر الطرف تواليع البهق «6» # إذا جرى في حلبة الخيل سبق # لما أنشد لبيد «7» النعمان بن المنذر قوله في الربيع بن زياد العبسي: ~~[رجز] # PageV04P064 # مهلا أبيت اللعن لا تأكل معه ... إن استه من برص ملمعه # قال الربيع: أبيت اللعن! والله لقد نكت أمه! فقال لبيد: إن كنت فعلت لقد ~~كانت بتيمة في حجرك ربيتها، وإلا تكن فعلت ما قلت فما أولادك بالكذب! وإن ~~كانت هي الفاعلة فإنها من نسوة فعل لذلك. يعني أن نساء بني عس فواجر. # وقال زياد الأعجم: [بسيط] # ما إن يدبح منهم خارىء أبدا ... إلا رأيت على باب استه القمرا «1» # يعني أنهم برص الأستاه. # وقال كثير في نحو ذلك: [طويل] # ويحشر نور المسلمين أمامهم ... ويحشر في أستاه ضمرة نورها # المدائني «2» قال: كان أيمن بن خريم أبرص وكان أثيرا «3» عند عبد العزيز ~~ابن مروان، فعتب عليه أيمن يوما فقال له: أنت طرف ملولة «4» ؛ فقال له: أنا ~~ملولة وأنا أؤاكلك مذ كذا!. فلحق ببشر بن مروان فأكرمه واختصه ولم يكن ~~يؤاكله. فدخل عليه يوما وبين يديه لبن قد وضع؛ فقال له: قد حدثت نفسي ~~البارحة بالصوم، فلما أصبحت أتوني بهذا وهم لا يعلمون، ولا أرى أحدا أحق به ~~منك، فدونكه. # عن أبي جعدة قال: أصاب أبا عزة الجمحي وضح، فكان لا يجالس، فأخذ شفرة ~~وطعن في بطنه فمارت الشفرة «5» وخرج ماء أصفر وبرىء، فقال: # PageV04P065 # [رجز] # لا هم رب وائل ونهد ... ورب من يرعى بياض لحدي «1» # أصبحت عبدا لك وابن عبد ... أبرأتني من وضح بجلدي # مع ما طعنت اليوم في معدي «2» ### | العرج # كان عبد الحميد «3» بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أعرج وولي شرطة ~~الكوفة، والقعقاع بن سويد كان أعرج، فقال بعض الشعراء وكان أعرج: [كامل] # ألق العصا ودع التناوش والتمس ... عملا فهذي دولة العرجان «4» # لأميرنا وأمير شرطتنا معا ... يا قومنا لكليهما رجلان # وقال رجل من العرج: [طويل] # وما بي من عيب الفتى غير أنني ... ألفت قناتي حين أوجعني ظهري «5» # وقال آخر: [طويل] # وما بي من عيب الفتى غير أنني ... جعلت العصا رجلا أقيم بها رجلي # PageV04P066 # وقال أبو زياد الكلابي «1» : [طويل] # ألفت عصا الطرفاء حتى كأنما ... أرى بعصا الطرفاء إحدى النجائب «2» # وقال أبو الخطاب النهدلي «3» : [رجز] # قد صرت أمشي بثلاث أرجل # وقال آخر: [بسيط] # قد كنت أمشي على رجلين معتمدا ... فاليوم أمشي على أخرى من الشجر # وقال الأعشى: [متقارب] # إذا كان هادي الفتى في البلا ... د صدر القناة أطاع الأميرا «4» ### | الأدر # «5» # قال أبو الخطاب: كان عندنا رجل أحدب، فسقط في بئر فذهبت حدبته فصار آدر، ~~فدخلوا يهنئونه، فقال: الذي جاء شر من الذي ذهب. # وقال طرفة: [طويل] # فما ذنبنا في أن أداءت خصاكم ... وأن كنتم في قومكم معشرا أدرا «6» # إذا جلسوا خيلت تحت ثيابهم ... خرانق توفي بالضغيب لها نذرا «7» # PageV04P067 # وقال الجعدي «1» : [وافر] # كذي داء بإحدى خصيتيه ... وأخرى لم توجع من سقام # فضم ثبابه من غير برء ... على شعراء تنقض بالبهام «2» ### | الجذام # «3» عن أبي محيريز قال «4» : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فروا من ~~المجذوم كالفرار من الأسد» وفي حديث آخر: «لا تديموا النظر إلى المجذومين ~~فإذا كلمتموهم فليكن بينكم وبينهم حجاب قيد رمح» . # عن قتادة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ادهن بدأ بحاجبه ~~الأيمن ثم قال: # باسم الله. # وقال: «نبات الشعر في الأنف أمان من الجذام» . # وعن قتادة: أن مجذوما دخل على عبد الله بن الحارث فقال: أخرجوه، قالوا: ~~ولم؟ قال: بلغني أنه ملعون. # أبو الحسن قال: مر سليمان بن عبد الملك بالمجذومين في طريق مكة، فأمر ~~بإحراقهم، وقال: لو كان الله يريد بهؤلاء خيرا ما ابتلاهم بهذا البلاء. # عن إبراهيم قال: اشمأز رجل من رجل به بلاء، فما مات حتى ابتلي بمثل ذلك ~~البلاء. # PageV04P068 ### | باب المهور # إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال: خطب جدي أبو طلحة «1» أم سليم «2» ، ~~فأبت أن تتزوجه حتى يسلم، وكان مشركا، وقالت: إذا أسلم فهو صداقي؛ فأسلم ~~فكان صداقها إسلامه. # عن المطلب «3» بن أبي وداعة السهمي قال: زوج سعيد ابنته على درهمين. # أخبرنا محمد بن علي بن أبي طالب أن عليا أصدق فاطمة بنت النبي صلى الله ~~عليه وسلم «4» بدنا من حديد. قال محمد: وأخبرني ابن أبي نجيح قال: بلغني أن ~~البدن الذي تزوج عليه فاطمة كان ثمنه ثلاثمائة درهم. # عن ابن أبي عيينة عن ابن أبي نجيح عن أبيه أن عليا عليه السلام قال: # أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدرع فباعها بأربعمائة وثمانين ~~درهما وزوجني عليها. # عن مجاهد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعظم النكاح ~~بركة أيسره # PageV04P069 # مؤونة. وقال في الحديث الآخر: «اللهم أذهب ملك غسان وضع «1» مهور كندة» . # أخبرنا بعض أصحاب الأخبار قال: قالت جارية من العرب لبنات عم لها: ~~السعيدة التي يتزوجها ابن عمها فيمهرها بتيسين وكلبين وعيرين «2» ، فينب ~~«3» التيسان وينبح الكلبان وينهق العيران، والشقية التي يتزوجها الحضري ~~فيطعمها الحمير، ويلبسها الحرير، ويحملها ليلة الزفاف على عود (تعني إكافا ~~«4» أو سرجا) . # ويقال: جاء خاطب إلى قوم فقال: أنا فلان بن فلان، وأنتم لا تسألون عني ~~أعلم بي منكم؛ قالوا: صدقت، فما تبذل؟ فأنشأ يقول: [وافر] # ألا أبلغ لديك بني يزيد ... بأني لا أريد إلى النساء # سوى ودي لهن وأن عندي ... ثريدا بالغداة وبالعشاء # فقال شيخ منهم: أقم كفيلا بالقصعتين وصل به «5» . فبقي عارا عليهم الى ~~اليوم. # قال بعض نقلة الأخبار: أصدق عمر بن الخطاب أم كلثوم بنت علي أربعين ألفا، ~~وأصدق عبد الله بن عمر ابنة أبي عبيد «6» أخت المختار عشرة آلاف درهم وأصدق ~~محمد بن سيرين امرأته السدوسية عشرة آلاف درهم. # PageV04P070 # قال أعرابي: [طويل] # يقولون تزويج وأشهد أنه ... هو البيع إلا أن من شاء يكذب ### | أوقات عقد النكاح # عن ضمرة بن حبيب أنه قال: كان أشياخنا يستحبون النكاح يوم الجمعة. # وقال بعض العلماء: سمعت من يخبر عن اختيار الناس آخر النهار على أوله في ~~النكاح، قال: ذهبوا الى تأويل القرآن واتباع السنة في الفأل، لأن الله سمى ~~الليل في كتابه سكنا وجعل النهار نشورا؛ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~في الطيرة «1» : «أصدقها الفأل؛ فآثر الناس استقبال الليل لعقدة النكاح ~~تيمنا بما فيه من الهدوء والاجتماع، على صدر النهار لما فيه من التفرق ~~والانتشار. # قال: وأما كراهية الناس للنكاح في شوال، فإن أهل الجاهلية كانوا يطيرون ~~منه ويقولون: إنه يشول بالمرأة «2» ، فعلقه الجهال منهم، وأبطله الله ~~بالنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه نكح عائشة رضي الله عنها في شوال. ### | خطب النكاح # قال حدثني محمد بن داود قال حدثنا أبو غسان مالك بن عبد الواحد عن معتمر ~~عن خالد القسري «3» قال- وكان قد جمع الخطب فكان يستحسن هذه ويذكرها-: # PageV04P071 # ذكرتم أمرا حسنا جميلا، وعد الله فيه الغنى والسعة، فلا خلف لموعود الله ~~ولا راد لقضاء الله؛ اذا أراد جماع أمر فلا فرقة له؛ واذا أراد فرقة أمر ~~فلا جماع له. عرضت كذا، فإذا قال: نعم، قال: قد نكحت. # وخطب محمد بن الوليد بن عتبة الى عمر بن عبد العزيز أخته؛ فقال: # الحمد لله ذي العزة والكبرياء، وصلى الله على محمد خاتم الأنبياء. أما ~~بعد، فقد حسن ظن من أودعك حرمته واختارك ولم يختره عليك؛ وقد زوجناك على ما ~~في كتاب الله: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان # «1» . # خطب بلال على أخيه امرأة من بني حسل من قريش؛ فقال: نحن من قد عرفتم، كنا ~~عبدين فأعتقنا الله، وأنا أخطب على أخي خالد فلانة، فإن تنكحوه فالحمد لله، ~~وإن تردوه فالله أكبر، فأقبل بعضهم على بعض فقالوا: # هو بلال؛ وليس مثله يدفع، فزوجوا أخاه. فلما آنصرفا قال خالد لبلال: يغفر ~~الله لك! ألا ذكرت سوابقنا ومشاهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال ~~بلال: مه «2» ! صدقت فأنكحك الصدق. # كان الحسن البصري يقول في خطبة النكاح بعد حمد الله والثناء عليه: # أما بعد، فإن الله جمع بهذا النكاح الأرحام المنقطعة، والأسباب المتفرقة، ~~وجعل ذلك في سنة من دينه، ومنهاج واضح من أمره؛ وقد خطب إليكم فلان وعليه ~~من الله نعمة، وهو يبذل من الصداق كذا، فاستخيروا الله وردوا خيرا يرحمكم ~~الله. # قال الأصمعي: كان رجالات قريش من العرب تستحب من الخاطب # PageV04P072 # الإطالة ومن المخطوب إليه الإيجاز. # وأتى رجل عمر بن عبد العزيز يخطب أخته، فتكلم بكلام جاز الحفظ؛ فقال عمر: ~~الحمد لله ذي الكبرياء وصلى الله على خاتم الأنبياء؛ أما بعد، فإن الرغبة ~~منك دعت إلينا، والرغبة فيك أجابت منا؛ وقد زوجناك على ما في كتاب الله: ~~إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. # العتبي قال: لما زوج شبيب «1» ابنه ابنة سوار القاضي «2» قلنا: اليوم يعب ~~عبابه، فلما اجتمعوا تكلم فقال: الحمد لله، وصلى الله على رسول الله. أما ~~بعد، فإن المعرفة منا ومنكم وبنا وبكم تمنعنا من الإكثار، وإن فلانا ذكر ~~فلانة. # العتبي قال حدثني رجل قال: حضرت ابن الفقير يخطب على نفسه امرأة من باهلة ~~«3» فقال: [طويل] # فما حسن أن يمدح المرء نفسه ... ولكن أخلاقا تذم وتمدح # وإن فلانة ذكرت لي. # قال: وحدثني أبو عثمان قال: مررت بحاضر «4» وقد اجتمع فيه، فسألت بعضهم: ~~ما جمعهم؟ فقالوا: هذا سيد الحي يريد أن يتزوج منا فتاة؛ فوقفت أنظر، فتكلم ~~الشيخ فقال: الحمد لله، وصلى الله على رسول الله، أما بعد ذلك، ففي غير ~~ملالة من ذكره والصلاة على رسوله؛ فإن الله جعل المناكحة # PageV04P073 # التي رضيها فعلا وأنزلها وحيا سببا للمناسبة. وإن فلانا ذكر فلانة وبذل ~~لها الصداق كذا، وقد زوجته إياها، وأوصيته بوصية الله لها. ثم قال للفتيان ~~على رأسه: هاتوا نثاركم «1» ، فقلبت على رؤوسنا غرائر التمر. # قال وقال شبة بن عقال: ما تمنيت أن لي بقليل من كلامي كثيرا من كلام غيري ~~إلا يوما واحدا، فإنا خرجنا مع صاحب لنا نريد أن نزوجه، فمررنا بأعرابي ~~فأتبعنا، فتكلم متكلم القوم فجاء بخطبة فيها ذكر السموات والأرض والجبال؛ ~~فلما فرغ قلنا: من يجيبه؟ قال الأعرابي: أنا، فجثا لركبته ثم أقبل على ~~القوم فقال: والله ما أدري ما تحتاطك وتلصاقك «2» منذ اليوم! ثم قال: # الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد خير المرسلين. أما بعد، فقد ~~توسلت بحرمة، وذكرت حقا، وعظمت عظيما، فحبلك موصول، وفرضك مقبول؛ وقد ~~زوجناها إياك، وسلمناها لك؛ هاتو خبيصكم «3» . # قال ابن عائشة: زوج سلم بن قتيبة ابنته من يعقوب بن الفضل، فقال: # الحمد لله، قد ملكت «4» باسم الله. # حضر المأمون إملاكا وهو أمير، فسأله من حضر أن يخطب، فقال: # المحمود الله، والمصطفى رسول الله، وخير ما عمل به كتاب الله؛ قال الله ~~تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم # «5» . ولم يكن في المناحكة آية منزلة ولا سنة متبعة إلا ما جعل الله في ~~ذلك من تآلف # PageV04P074 # البعيد وبر القريب، وليسارع اليها الموفق ويبادر اليها العاقل اللبيب. ~~وفلان من قد عرفتموه، في نسب لم تجهلوه؛ خطب إليكم فلانة فتاتكم، وقد بذل ~~لها من الصداق كذا، فشفعوا شافعنا، وأنكحوا خاطبنا، وقولوا خيرا تحمدوا ~~عليه وتؤجروا؛ أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم. ### | وصايا الأولياء للنساء عند الهداء # «1» # العتبي قال: حدثنا إبراهيم العامري: زوج عامر بن الظرب «2» ابنته من ابن ~~أخيه، فلما أراد تحويلها قال لأمها: مري ابنتك ألا تنزل مفازة «3» إلا ~~ومعها ماء فإنه للأعلى جلاء وللأسفل نقاء؛ ولا تكثر مضاجعته، فإنه إذا مل ~~البدن مل القلب؛ ولا تمنعه شهوته، فإن الحظوة في الموافقة. فلم تلبث إلا ~~شهرا حتى جاءته مشجوجة «4» ؛ فقال لابن أخيه: يا بني ارفع عصاك عن بكرتك، ~~فإن كانت نفرت من غير أن تنفر فذلك الداء الذي ليس له دواء، وإن لم يكن ~~بينكما وفاق، ففراق الخلع «5» أحسن من الطلاق؛ ولن تترك مالك وأهلك. فرد ~~عليه صداقه وخلعها؛ فهو أول من خلع من العرب. # قال الفرافصة الكلبي لابنته «6» حين جهزها إلى عثمان رضي الله عنه: يا # PageV04P075 # بنية إنك تقدمين على نساء قريش وهن أقدر على الطيب منك، فلا تغلبي على ~~خصلتين: الكحل والماء، تطهري حتى يكون ريحك ريح شن «1» أصابه المطر. # كان الزبرقان بن بدر «2» إذا زوج ابنة له دنا من خدرها وقال: أتسمعين؟ # لا أعرفن ما طلبت، كوني له أمة يكن لك عبدا. # أبو الحسن: قالت امرأة لابنتها عند هدائها: اقلعي زج رمحه، فإن أقر «3» ~~فاقلعي سنانه، فإن أقر فاكسري العظام بسيفه، فإن أقر فاقطعي اللحم على ~~ترسه، فإن أقر فضعي الإكاف «4» على ظهره فإنما هو حمار. # قال أبو الأسود لابنته: إياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق، وعليك بالزينة، ~~وأزين الزينة الكحل؛ وعليك بالطيب، وأطيب الطيب إسباغ الوضوء «5» ؛ وكوني ~~كما قلت لأمك في بعض الأحايين: [طويل] # خذي العفو مني تستديمي مودتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب «6» # فإني وجدت الحب في الصدر والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب ### | باب سياسة النساء ومعاشرتهن # عيسى بن يونس قال: حدثنا شيخ لنا قال: سمعت سمرة بن جندب «7» # PageV04P076 # يقول على منبر البصرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما المرأة ~~خلقت من ضلع عوجاء فإن تحرص على إقامتها تكسرها فدارها تعش بها» . # وقال بعض الشعراء: [طويل] # هي الضلع العوجاء لست تقيمها ... ألا إن تقويم الضلوع «1» انكسارها # أتجمع ضعفا واقتدارا على الفتى ... أليس عجيبا ضعفها واقتدارها # عن الحسن قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: النساء عورة فاستروها ~~بالبيوت، وداووا ضعفهن بالسكوت. # وفي حديث آخر لعمر: لا تسكنوا نساءكم الغرف، «2» ولا تعلموهن الكتاب، ~~واستعينوا عليهن بالعري «3» ، وأكثروا لهن من قول لا، فإن نعم تغريهن على ~~المسألة. # قال الأصمعي: قيل لعقيل بن علفة وكان غيورا: من خلفت في أهلك؟ # فقال: الحافظين، العري والجوع. يعني أنه يجيعهن فلا يمزحن، ويعريهن فلا ~~يمرحن. # وقال كثير: [طويل] # وكنت اذا ما جئت أجللن مجلسي ... وأبدين مني هيبة لا تجهما # يحاذرن مني غيرة قد علمنها ... قديما فما يضحكن إلا تبسما # تراهن إلا أن يؤدين نظرة ... بمؤخر عين أو يقلبن معصما # كواظم لا ينطقن إلا محورة ... رجعية قول بعد أن تتفهما «4» # PageV04P077 # وكن اذا ما قلن شيئا يسره ... أسر الرضا في نفسه وتحرما «1» # وقال ابن المقفع: إياك ومشاورة النساء، فإن رأيهن إلى أفن «2» ، وعزمهن ~~الى وهن «3» . واكفف عليهن من أبصارهن بحجابك إياهن، فإن شدة الحجاب، خير ~~لك من الارتياب. وليس خروجهن بأشد من دخول من لا تثق به عليهن، فإن استطعت ~~ألا يعرفن عليك فافعل. ولا تملكن امرأة من الأمر ما جاوز نفسها، فإن ذلك ~~أنعم لحالها وأرخى لبالها؛ وأدوم لجمالها، وإنما المرأة ريحانة وليست ~~بقهرمانة «4» ، فلا تعد بكرامتها نفسها، ولا تعطها أن تشفع عندك لغيرها. ~~ولا تطل الخلوة مع النساء فيمللنك وتملهن؛ واستبق من نفسك بقية، فإن إمساكك ~~عنهن وهن يردنك باقتدار، خير من أن يهجمن عليك على انكسار. وإياك والتغاير ~~في غير موضع غيرة، فإن ذلك يدعو الصحيحة منهن الى السقم. # كان المأمون يقول: الغيرة بهيمية. وقال أيضا: هي ضرب من البخل. # أنشدني محمد بن عمر للخزيمي: [السريع] # ما أحسن الغيرة في حينها ... وأقبح الغيرة في غير حين # من لم يزل متهما عرسه ... متبعا فيها لقول الظنون «5» # يوشك أن يغريها بالذي ... يخاف أن يبرزها للعيون # حسبك من تحصينها وضعها ... منك الى عرض صحيح ودين # لا يطلعن منك على ريبة ... فيتبع المقرون حبل القرين # PageV04P078 # وقال الشنفرى: «1» [وافر] # إذا أصبحت بين جبال قو ... وبيضان القرى لم تحذريني «2» # وإما أن تؤديني وترعى ... أمانتكم وإما أن تخوني # إذا ما جئت ما أنهاك عنه ... ولم أنكر عليك فطلقيني # فأنت البعل يومئذ فقومي ... بسوطك لا أبا لك فاضربني «3» # أنشدني عبد الرحمن عن عمه للرخيم العبدي: [كامل] # كنا ولا تعصي الحلية بعلها ... فاليوم تضربه إذا هو ما عصى # ويقلن بعدا للشيوخ سفاهة ... والشيخ أجدر أن يهاب ويتقى # وقال آخر [طويل] # وإني لأخلي للفتاة خباءها ... كثيرا فترعى نفسها أو تضيعها «4» # وإني لعف عن مطاعم جمة ... إذا زين الفحشاء للنفس جوعها # قال جران العود: «5» [طويل] # ولكن سمعن الشيخ قد قال قولة ... عليكم اذا ما ربنكم بالضرائر «6» # PageV04P079 # ولا تأمنوا مكر النساء وأمسكوا ... عرى المال عن أبنائهن الأصاغر «1» # فإنك لم ينذرك أمر تخافه ... إذا كنت منه جاهلا مثل خابر «2» # الأصمعي عن جعفر بن سليمان قال: # منعني علمي بالنساء كثيرا منهن، فقد غشيت ألف امرأة. وإن الله لو أحل ~~لرجل ابنته لم تنفعه أو تعزبه «3» . # أبو الحسن قال: قيل للحجاج: أيمازح الأمير أهله؟ قال: ما تروني إلا ~~شيطانا! والله لربما قبلت أخمص «4» إحداهن. # قيل لرجل من العرب كان يجمع الضرائر: كيف تقدر على مجمعهن؟ # قال: كان لنا شباب يصابرهن علينا، ثم كان لنا مال يصبرهن لنا، ثم بقي لنا ~~خلق حسن، فنحن نتعاشر به ونتعايش. # عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «كل شيء يلهو به ~~الرجل باطل إلا تأديبه فرسه، ورميه عن قوسه، وملاعبته أهله» . # ويقال: العيال سوس المال «5» . # عوتب الكسائي «6» في ترك التزوج، فقال: وجدت مكابدة العزبة أيسر من ~~مكابدة العيال. # عن عمارة بن حمزة قال: يخبز في بيتي كل يوم ألف رغيف، كلهم # PageV04P080 # يأكله حلالا غيري. وكان يأكل رغيفا واحدا. ويقولون: فلان رب البيت، وإنما ~~هو كلب البيت. # عن عيسى بن علي في مرض مرضه بمدينة السلام «1» للناس: إن في قصري الساعة ~~لألف محمومة «2» . # عن مجاهد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دينار أعطيته ~~مسكينا ودينار أعطيته في رقبة ودينار أعطيته في سبيل الله ودينار أنفقته ~~على أهلك هو أعظم أجرا» . ### | محادثة النساء # قال بشار: [خفيف] # وحديث كأنه قطع الرو ... ض وفيه الصفراء والبيضاء # وأنشد ابن الأعرابي: [كامل] # وحديثها كالغيث يسمعه ... راعي سنين تتابعت جدبا «3» # فأصاخ مستمعا لدرته ... ويقول من فرح هيا ربا «4» # وقال القطامي: «5» [بسيط] # وهن ينبذن من قول يصبن به ... مواقع الماء من ذي الغلة، الصادي «6» # PageV04P081 # وقال الأخطل: [بسيط] # وقد تكون بها سلمى تحدثني ... تساقط الحلي حاجاتي وأسراري # شبه كلامها بعقد انقطع فتساقط لؤلؤة. # وقال جران العود: [طويل] # حديث لو ان اللحم يصلى بحره ... غريضا أتى أصحابه وهو منضج «1» # وقال بشار وذكر امرأة: [وافر] # كأن حديثها سكر الشراب «2» . # وقال أعرابي: [طويل] # ونازعتنا خفيا كأنه ... على المجتنى الريحان أمرع خاضله «3» # بوحي لو ان العصم تسمع رجعه ... تقضض من أعلى أبان عواقله» # وقال بشار: [مجزوء الكامل المرفل] # PageV04P082 # وكأن تحت لسانها ... هاروت ينفث فيه سحرا «1» # وكأن رجع حديثها ... قطع الرياض كسين زهرا # وقال بعض الأعراب الحمقى: [طويل] # حديثك أشهى حين آتيك طارقا ... من الماء والدواب يمتزجان «2» # كأن على عينيك تسعين جلة ... كثيرا من البرني والصرفان «3» # آخر: [طويل] # كأن على فيها وما ذقت طعمه ... لبا نعجة سوطته بدقيق «4» # رمتني بسهم نصله قروية ... وفوقاه سمن والنضي سويق «5» # والحسن في هذا قول ذي الرمة: [طويل] # ولما تلاقينا جرت من عيوننا ... دموع كففنا ماءها بالأصابع # ونلنا سقاطا من حديث كأنه ... جنى النحل ممزوجا بماء الوقائع «6» # وقال آخر [طويل] # أنح فاختبز قرصا اذا اعترك الهوى ... بزيت لكي يكفيك فقد الحبائب # PageV04P083 # اذا اجتمع الجوع المبرح والهوى ... نسيت وصال الغانيات الكواعب «1» # فدع عنك تطلاب الغواني وحبها ... وراجع تمر مع لباء ورائب «2» ### | باب النظر # قال المسيح عليه السلام: لا يزني فرجك ما غضضت بصرك. # وقال رجل لأخيه: احتفظ من العين، فإنها أنم عليك من اللسان. # وقال بشار: [متقارب] # على النفس من عينها شاهد ... فكاتم حديثك أو نمه # وقال الفرزدق: [وافر] # فلا تدخل بيوت بني كليب ... ولا تقرب لهم أبدا رحالا «3» # فإن بها لوامع مبرقات ... يكدن ينكن بالحدق الرجالا «4» # نظر أشعب يوما إلى ابنه هو يديم النظر إلى امرأة، فقال: يا بني نظرك هذا ~~يحبل. # وقال بعض الشعراء في هذا المعنى: [طويل] # ولي نظرة لو كان يحبل ناظر ... بنظرته أنثى لقد حبلت مني # PageV04P084 # وقال ذو الرمة- وذكر الظبية وخشفها «1» [طويل] # وتهجره إلا اختلاسا بطرفها ... وكم من محب رهبة العين هاجر # مرت أعرابية بقوم من بني نمير، فأداموا النظر إليها، فقالت: يا بني نمير، ~~والله ما أخذتم بواحدة من اثنتين: لا بقول الله قل للمؤمنين يغضوا من ~~أبصارهم # «2» . # ولا بقول جرير: [وافر] # فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا # فاستحيا القوم من كلامها وأطرقوا. # وقال الطائي: [من مخلع البسيط] # مربب الحزن في القلوب ... وناصر العزم في الذنوب # ما شئت من منطق أريب ... فيه ومن منظر عجيب «3» # لما رأى رقبة الأعادي ... على معنى به كئيب «4» # جرد من هواه طرفا ... صار رقيبا على الرقيب # ويقال: رب طرف أفصح من لسان. # وقال الشاعر: [كامل] # ومراقبين يكتمان هواهما ... جعلا الصدور لما تجن قبورا «5» # يتلاحظان تلاحظا فكأنما ... يتناسخان من الجفون سطورا # وقال أعرابي: [بسيط] # PageV04P085 # إن كاتمونا القلى نمت عيونهم ... والعين تظهر ما في القلب أو تصف «1» # وقال آخر في مثله: [سريع] # إذا قلوب أظهرت غير ما ... تضمره أنبتك عنه العيون # وقال آخر: [هزج] # أما تبصر في عين ... ي عنوان الذي أبدي # وقالت أعرابية: [كامل] # ومودع يوم الفراق بلحظه ... شرق من العبرات ما يتكلم «2» # وقال أعرابي: [طويل] # وما خاطبتها مقلتاي بنظرة ... فتفهم نجوانا العيون النواظر «3» # ولكن جعلت الوهم بيني وبينها ... رسولا فأدى ما تجن الضمائر # ونحوه قول أبي العتاهية: [طويل] # أما والذي لو شاء لم يخلق النوى ... لئن غبت عن عيني لما غبت عن قلبي # يوهمنيك الشوق حتى كأنني ... أناجيك عن قرب وما أنت في قربي # وقال أحمد بن صالح بن أبي فنن: [طويل] # دعا طرفه «4» طرفي فأقبل مسرعا ... فأثر في خديه فاقتص من قلبي # شكوت اليه ما ألاقي من الهوى ... فقال على رغم فتنت فما ذنبي # PageV04P086 # كان يقال: أربع لا يشبعن من أربع: عين من نظر، وأنثى من ذكر، وأرض من ~~مطر، وأذن من خبر. # حدثني إسحاق بن أحمد بن أبي نهيك قال: رأيت رجلا في طريق مكة وعديله «1» ~~جارية في المحمل وقد شد عينيها وكشف الغطاء؛ فقلت له في ذلك؛ فقال: إنما ~~أخاف عليها عينيها لا عيون الناس. # وكان عند بعض القرشيين امرأة عربية، ودخل عليها خصي لزوجها وهي واضعة ~~خمارها، فحلقت رأسها وقالت: ما كان ليصحبني شعر نظر اليه غير ذي محرم. ### | باب القيان والعيدان والغناء # قال إسحاق بن إبراهيم: كان رجل «2» من آل جعفر بن أبي طالب، يهوى جارية ~~«3» ، فطال ذلك به، فقال للزبيري: قد شغلتني هذه عن ضيعتي وعن كل أمري، ~~فاذهب بنا حتى نكاشفها، فقد وجدت بعض السلو، فأتيناها؛ فلما أتيناها قال ~~لها الجعفري أتغنين: [وافر] # وكنت أحبكم فسلوت عنكم ... عليكم في دياركم السلام # فقالت: لا: ولكني أغني: [وافر] # PageV04P087 # تحمل أهلها منها فبانوا ... على آثار من ذهب العفاء «1» # فاستحيا وأطرق ساعة وازداد كلفا، ثم قال: أتغنين: [طويل] # وأخنع للعتبى إذا كنت ظالما ... وإن ظلمت كنت الذي أتنصل «2» # قالت: نعم، وأغني: [طويل] # فإن تقبلوا بالود نقبل بمثله ... وإن تدبروا أدبر على حال باليا «3» # فتقاطعا في بيتين، وتواصلا في بيتين، ولم يشعر بهما أحد. # وقال أحمد بن صالح بن أبي فنن: [مخلع البسيط] # أعددت للحرب شرب كأس ... وميل سمع إلى قيان # تظل أوتارهن تحكي ... فصاحة منطق اللسان # ما بين يمنى وبين يسرى ... وحي بنان إلى بنان # ضمير قلب بقرع كف ... أبداه بمان ناطقان «4» # وقال بعض الكتاب «5» وذكر العود: [بسيط] # وناطق بلسان لا ضمير له ... كأنه فخذ نيطت إلى قدم # يبدي ضمير سواه في الكلام كما ... يبدي ضمير سواه منطق لفم # PageV04P088 # وقال آخر يذكر مغنية «1» : [طويل] # ألم ترها لا يبعد الله دارها ... إذا رجعت في صوتها كيف تصنع «2» # تمد نظام القول ثم ترده ... إلى صلصل في حلقها يترجع «3» # وقال بعض المحدثين في القيان: [منسرح] # اذا رأين القيان أحمق ذا ... مال يقلبن نحوه الحدقا # وبالتغني وبالتدلل يس ... لبن فؤادا بحبه علقا # حتى اذا ما سلخن جلدته ... سلخا رفيقا وبدد الورقا «4» # قلن ادخلوا، ذا الطوير قد طرح الري ... ش، وشدوا من دونه الغلقا» # فبتن يرعين في دراهمه ... وبات يرعى الهموم والأرقا # ذكر عند القاسم بن محمد الغناء والسلو عنه، فقال لهم: أخبروني، إذا ميز ~~أهل الحق وأهل الباطل ففي أي الفريقين يكون الغناء؟ قالوا: في فريق الباطل؛ ~~قال: فلا حاجة لي فيه. # قدمت سكينة بنة الحسين مكة، فأتاها الغريض «6» ومعبد «7» فغنياها: # [سريع] # عوجي علينا ربة الهودج ... إنك إن لم تفعلي تحرجي «8» # PageV04P089 # فقالت: والله ما لكما مثل: إلا الجديين الحار والبارد لا يدري أيهما ~~أطيب. # قال بعضهم: ليس يخلو أحد في بيته ولا في سفره إلا وهو يشدو، فإن هو أساء ~~في ذلك ستر الله عليه، وإن هو أحسن فضحه الله. # قال الهيثم: خرج شريح الى مكة فشيعه قوم، فانصرف بعضهم من النجف «1» بعد ~~السفرة، ومضى معه قوم، فلما أرادوا أن يودعوه، قال: أما أصحاب النجف فقد ~~قضينا حقهم بالطعام، وأما أنتم فأغنيكم، ورفع عقيرته «2» وغنى: [متقارب] # إذا زينب زارها أهلها ... حشدت وأكرمت زوارها «3» # وإن هي زارتهم زرتها ... وإن لم يكن لي هوى دارها # عن علي بن هشام قال: كان عندنا بمرو قاص يقص فيبكينا، ثم يخرج بعذ ذلك ~~طنبرا صغيرا من كمه فيضرب به ويغني ويقول: # «با إين تيمار بايد أندكي شادي» معناه: ينبغي مع هذا الغم قليل فرح. # PageV04P090 # قدم ابن جامع «1» مكة بخير كثير؛ فقال ابن عيينة «2» : علام تعطيه الملوك ~~هذه الأموال ويحبونه هذا الحباء «3» ؟ قالوا: يغنيهم؛ قال: ما يقول؟ فاندفع ~~رجل يحكيه وقال: [متقارب] # أطوف بالبيت فيمن يطوف ... وأرفع من مئزري المسبل «4» # قال: أحسنت، هيه! فقال: [متقارب] # وأسجد بالليل حتى الصبا ... ح أتلو من المحكم المنزل # فقال: جزاه الله عن نفسه خيرا! هيه! فقال: [متقارب] # عسى كاشف الكرب عن يوسف ... يسخر لي ربة المحمل # فقال: آه! أمسك أمسك، قد علمت ما نحا الخبيث «5» ، اللهم لا تسخرها له!. ### | التقبيل # عن ابن أسد قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا اختلى مع نسائه أقعى ~~«6» وقبل. # قالت أم «7» البنين لعزة صاحبة كثير: أخبريني عن قول كثير: [طويل] # قضى كل ذي دين فوفى غريمه ... وعزة ممطول معنى غريمها «8» # PageV04P091 # أخبريني ما ذلك الدين؟ قالت: وعدته قبلة فخرجت «1» منها؛ قالت أم البنين: ~~أنجزيها وعلي إثمها. # قال رجل لأعرابي: ما الزنا عندكم؟ قال: القبلة والضمة؛ قال: ليس هذا زنا ~~عندنا؛ قال: فما هو؟ قال: أن يجلس بين شعبها الأربع «2» ثم يجهد نفسه؛ فقال ~~الأعرابي: ليس هذا زنا، هذا طالب ولد. # وقال آخر «3» : [كامل] # فدخلت مختفيا أصر ببيتها ... حتى ولجت على خفي المولج «4» # قالها وعيش أخي ونعمة والدي ... لأنبهن الحي إن لم تخرج # فخرجت خيفة قولها فتبسمت ... فعلمت أن يمينها لم تحرج «5» # فلثمت فاها قابضا بقرونها ... شرب النزيف ببرد ماء الحشرج «6» # فتناولت رأسي لتعرف مسه ... بمخضب الأطراف غير مشنج «7» # وقال بعض الشعراء: [طويل] # وما نلت منها محرما غير أنني ... أقبل بساما من الثغر أبلجا «8» # وألثم فاها تارة بعد تارة ... وأترك حاجات النفوس تحرجا # PageV04P092 # وقال آخر: [طويل] # لعمري إني ما صبوت وما صبت ... وإني اليها من صبا لحليم «1» # سوى قبلة أستغفر الله ذنبها ... وأطعم مسكينا بها وأصوم # وقال أبو نواس: [سريع] # وعاشقين التف خداهما ... عند التثام الحجر الأسود # فاشتفيا من غير أن يأثما ... كأنما كانا على موعد # لولا دفاع الناس إياهما ... لما استفاقا آخر المسند «2» # قال المتوكل، أو غيره من الخلفاء، لبختيشوع «3» : ما أخف النقل «4» على ~~النبيذ؟ فقالت له: نقل أبي نواس؛ فقال: ما هو؟ فأنشده: [منسرح] # مالي في الناس كلهم مثل ... مائي خمر ونقلي القبل # وقال بعض المحدثين: [بسيط] # غضبت من قبلة بالكره جدت بها ... فهاك قد جئت فاقتصيه أضعافا # لم يأمر الله إلا بالقصاص فلا ... تستجوري ما رآه الله إنصافا ### | الدخول بالنساء والجماع # عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: ما تقول في متعة النساء؟ - قال: قد ~~أكثر الناس فيها حتى قال الشاعر: [بسيط] # قد قلت للشيخ لما طال مجلسه ... يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس # PageV04P093 # هل لك في رخصة الأطراف آنسة ... تكون مثواي حتى رجعة الناس «1» # - قال: فنهاني عنها وكرها. # الأصمعي: أن رجلا قعد من امرأة مقعد النكاح ثم قال: أبكر أنت أم ثيب؟ ~~قالت: «أنت على المجرب» «2» . # قال الحجاج لأكتل بن شماخ العكلي «3» : ما عندك للنساء؟ قال إني لأطيل ~~الظمأ وأورد فلا أشرب. # وقيل لمدني: ما عندك في النكاح؟ قال: إن منعت غضبت، وإن تركت عجزت. # قال الأحنف: إذا أردتم الحظوة عند النساء فأفحشوا في النكاح وحسنوا ~~الأخلاق. # قال معاوية: ما رأيت منهوما بالنساء إلا رأيت ذلك في منته «4» قال آخر: ~~لذة المرأة على قدر شهوتها، وغيرتها على قدر محبتها. # دعا عيسى بن موسى بجارية له، فلم يقدر على غشيانها، فقال: # القلب يطمع والأسباب عاجزة ... والنفس تهلك بين العجز والطمع # وقال مقاتل بن طلبة بن قيس بن عاصم: [طويل] # رأيت سحيما فاقد الله بينها ... تنيك بأيديها وتعيا أيورها «5» # PageV04P094 # وقال آخر: [طويل] # ويبعث يوم الحشر أما لسانه ... فعي وأما أيره فخطيب # وقال آخر: [متقارب] # ويعجبني منك عند الجماع ... حياة اللسان وموت النظر # المدائني قال أسرت عنزة «1» الحارث بن ظالم، فمرت به امرأة منهم فرأت ~~كمرة «2» سوداء، فقالت: احتفظوا بأسيركم فإنه ملك وخدن «3» ملك. # قالوا: وكيف عرفت ذلك؟ قالت: رأيت حشفة سوداء من فروم النساء «4» . # والفرم: ما تضيق المرأة به رحمها من رامك «5» أو عجم زبيب أو غيره. # وكتب عبد الملك بن مروان الى الحجاج: يابن المستفرمة بعجم «6» الزبيب. # قال الهيثم: كان امرؤ القيس مفركا «7» ، فبينما هو يوما مع امرأة قالت ~~له: # قم يا خير الفتيان قد أصبحت؛ فلم يقم، فكررت عليه، فقام فوجد الليل ~~بحاله، فرجع اليها فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ قالت: حملني عليه أنك ~~ثقيل الصدر، خفيف العجز، سريع الإراقة «8» . # قال أبو عبيدة «9» لجارية له: اصدقيني عما تكرهه النساء مني؛ قالت: # PageV04P095 # يكرهن منك أنك اذا عرقت فحت بريح كلب؛ قال: صدقتيني. إن أهلي كانوا ~~أرضعوني بلبن كلبة. # قال الأصمعي: غاضبت امرأة زوجها، فجال عليها يجامعها؛ فقالت: # لعنك الله! كلما وقع بيني وبينك شر جئتني بشفيع لا أقدر على رده!. # الهيثم عن ابن عياش قال: كتب عبيد الله بن زياد إلى أسماء بن خارجة والي ~~البصرة يخطب اليه هند بنت أسماء فزوجه؛ فلقيه عمرو بن حارثة ومحمد ابن ~~الأشعث بن قيس ومحمد بن عمير، فقالوا: خطب اليك وليس له عليك سلطان فزوجته ~~وقد عرفته! فقال: قد كان ما كان. فقال عقيبة الأسدي «1» : # [وافر] # جزاك الله يا أسماء خيرا ... كما أرضيت فيشلة الأمير # بصدع قد يفوح المسك منه ... عظيم مثل كركرة البعير «2» # لقد زوجتها حسناء بكرا ... تجيد الرهز من فوق السرير «3» # فبلغ الخبر عبيد الله بن زياد، فلما استعمل على الكوفة تزوج عائشة بنت ~~محمد بن الأشعث، وزوج أخاه سلم بن زياد بنت عمرو بن الحارث بن حريث، وزوج ~~أخاه عبد الله بن زياد ابنة محمد بن عمير. قال ابن عياش: # فاشتركوا والله في اللوم جميعا. # PageV04P096 # قال ابن المبارك «1» : ألستم تعلمون أني قد أرميت «2» على المائة! وينبغي ~~لمن كان كذلك أن يكون في وهن الكرة وموت الشهوة وانقطاع ينبوع النطفة، وأن ~~قد يكون قد مال جبينه الى النساء وبفكره الى الغزل؛ قالوا: صدقت. # قال: وينبغي أن يكون قد عود نفسه تركهن، وهذا والتخلي بهن دهرا أن تكون ~~العادة وتمرين الطبيعة وتوطين النفس قد حط من ثقل منازعة الشهوة ودواعي ~~الباه «3» ، وقد علمت أن العادة قد تستحكم ببعض عمن ترك ملابسة النساء؛ ~~قالو: صدقت: وينبغي أن يكون لمن لم يذق طعم الخلوة بهن ولم يجالسهن متبذلات ~~ولم يسمع خلابتهن للقلوب واستمالتهن للأهواء، ولم يرهن متكشفات ولا عاريات ~~أن يكون اذا تقدم له ذلك مع طول الترك ألا يكون بقي معه من دواعيهن شيء؛ ~~قالوا صدقت. قال: وينبغي لمن علم أنه مجبوب «4» وأن سببه إلى خلاطهن محسوم ~~أن يكون اليأس من أمتن أسبابه إلى الزهد والسلوة وإلى موت الخاطر؛ قالوا: ~~صدقت. قال: وينبغي لمن دعاه الزهد في الدنيا الى أن خصى نفسه ولم يكرهه على ~~ذلك أب ولا عدو ولا سباه ساب أن يكون مقدار ذلك الزهد يميت الذكر وينسي ~~العزم؛ قالوا: صدقت. قال: وينبغي لمن سخت «5» نفسه عن الشكر وعن الولد وعن ~~أن يكون مذكورا بالعاقب الصالح أن يكون قد نسي هذا الباب إن كان مرة منه ~~على ذكره، وأنتم تعلمون أني سملت «6» عيني يوم خصيت نفسي وقد نسيت كيفية ~~الصور؛ قالوا: صدقت. # PageV04P097 # قال: أو ليس لو لم أكن هرما ولم يكن ها هنا اجتناب وكانت الآلة قائمة- ~~إلا أني لم أذق لحما منذ ثلاثين سنة ولم تمتلى عروقي من الشراب مخافة ~~الزيادة في الشهوة- لكان في ذلك ما يقطع الدواعي ويسكن حركة إن هاجت، ~~قالوا: # صدقت. قال: فإن بعد ما وصفت لكم لا أسمع نغمة لامرأد إلا أظن أن عقلي قد ~~اختلس، ولربما تراءى فؤادي عن ضحك إحداهن حتى أظن أنه قد خرج من فمي، فكيف ~~ألوم عليهن غيري!. # قال رجل لابن سيرين: اذا خلوت بأهلي أتكلم بكلام أستحي منه؛ قال: أفحشته ~~اللذة. # إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال: كان شراعة بن الزندبوذ لا يأتي النساء ~~وكان يقال: إنه عنين «1» ؛ فقال: [بسيط] # قالوا شراعة عنين فقلت لهم ... الله يعلم أني غير عنين # فإن ظننتم بي الظن الذي زعموا ... فقربوني الى بيت ابن رامين # وكان ابن رامين صاحب قيان «2» ، وكانت الزرقاء جاريته. # قال إسحاق: أنشدني ابن كناسة: [طويل] # لقد كان فيها للأمانة موضع ... وللسر كتمان وللعين منظر # قلت: ما بقي شيء؛ قال: فأين الموافقة!. # الهيثم قال: قال لي صالح بن حسان: من أفقه الناس؟ قلت: اختلف في ذلك؛ ~~قال: أفقه الناس وضاح اليمن «3» حيث يقول: [طويل] # PageV04P098 # اذا قلت هاتي نوليني تبسمت ... وقالت معاذ الله من فعل ما حرم # فما ناولت حتى تضرعت عندها ... وأنبأتها ما رخص الله في اللمم «1» # قال هشام بن عبد الملك للأبرش الكلبي «2» : زوجني امرأة من كلب، فزوجه؛ ~~فقال له ذات يوم يهزل معه: وتزوجنا الى كلب فوجدنا في نسائهم سعة؛ فقال ~~الأبرش: يا أمير المؤمنين، إن نساء كلب خلقن لرجال كلب. # قال: وسمع رجل من كندة رجلا يقول: وجدنا في نساء كندة سعة، قال الكندي: ~~إن نساء كندة مكاحل فقدت مراودها. «3» . # تزوج أعرابي امرأة، فلما دخل بها عابثها فضرطت فخرجت غضبى إلى أهلها، ~~وقالت: لا أرجع حتى يفعل مثل ما فعلت، فقال لها: عودي لأفعل، فعادت ففعل؛ ~~فبينما هو يداعبها اذ حبقت أخرى «4» ؛ فقال الأعرابي: # [سريع] # طالبتني دينا فلم أقضك ... والله حتى زدت في قرضك # فلا تلوميني على مطلة ... إن كان ذا دأبك لم أقضك # تزوج رجل أعرابية فعجز عنها؛ فقيل لها في ذلك، فقالت: نحن لنا صدوع في ~~صفا «5» ، ليس لعاجز فينا حظ. # PageV04P099 # الهيثم عن ابن عياش قال: كانت صعبة «1» أم طلحة بن عبيد الله من بنات ~~فارس، تزوجها أبو سفيان بن حرب فلم تزل به هند حتى طلقها، فتزوج بها عبيد ~~الله؛ وتتبعتها نفس أبي سفيان فقال: [متقارب] # وإنا وصعبة فيما ترى ... بعيدان والود ود قريب # فإلا يكن نسب ثاقب ... فعند الفتاة جمال وطيب «2» # لها عند سري بها نخرة ... يزول بها يذبل أو عسيب «3» # فيا لقصي ألا فاعجبوا ... فللو برصار الغزال الربيب «4» # جلس أعرابي الى أعرابية، وعلمت أنه إنما جلس لينظر ابنتها، فضربت بيدها ~~على جنبها وقالت: [طويل] # ومالك منها غير أنك ناكح ... بعينيك عينيها فهل ذاك نافع # وقال أيمن بن خريم [متقارب] # لقيت من الغانيات العجابا ... لو ادرك مني العذارى الشبابا «5» # ولكن جمع العذارى الحسان ... عناء شديد إذا المرء شابا # يرضن بكل عصا رائض ... ويصبحن كل غداة صعابا «6» # علام يكحلن حور العيون ... ويحدثن بعد الخضاب الخضابا «7» # PageV04P100 # ويبرزن إلا لما تعلمون ... فلا تحرموا الغانيات الضرابا «1» # اذا لم يخالطن كل الخلا ... ط أصبحن مخرنطمات غضابا «2» # يميت العباب خلاط النساء ... ويحيي اجتناب الخلاط العتابا # واعد العرجي امرأة من الطائف، فجاء على حمار ومعه غلام، وجاءت المرأة على ~~أتان ومعها جارية؛ فوثب العرجي على المرأة، والغلام على الجارية، والحمار ~~على الأتان؛ فقال العرجي: هذا يوم غاب عذاله. ### | باب القيادة # عن ابن الأشوع: أنه سئل عن الواصلة «3» فقال: إنك لمنقر «4» ، قالت عائشة ~~رضي الله عنها: ليست الواصلة بالتي تعنون، وما بأس اذا كانت المرأة زعراء ~~«5» أن تصل شعرها، ولكن الواصلة أن تكون بغيا في شبيبتها، فإذا أسنت وصلته ~~بالقيادة «6» . # قالوا: كانت ظلمة «7» التي يضرب بها المثل في القيادة صبية في الكتاب «8» ~~، فكانت تضرب دوي الصبيان وأقلامهم، فلما شبت زنت، فلما أسنت قادت، فلما ~~قعدت اشترت تيسا تنزيه «9» على العنز. # PageV04P101 # وذكر المدائني: أن رجلا من السلطان كان لا يزال يأخذ قوادة فيحبسها ثم ~~يأتيه من يشفع فيها فيخرجها؛ فأمر صاحب شرطته فكتب في قصتها: فلانة القوادة ~~تجمع بين الرجال والنساء لا يتكلم فيها إلا زان؛ فكان إذا كلم فيها قال: ~~أخرجوا قصتها، فاذا قرئت قام الشفيع مستحييا. # قال جران العود: [طويل] # يبلغهن الحاج كل مكاتب ... طويل العصا أو مقعد يتزحف «1» # ومكمونة رمداء لا يحذرونها ... مكاتبة ترمي الكلاب وتحذف «2» # رأت ورقا بيضا فشدت حزيمها ... لها فهي أمضى من سليك وألطف «3» # وقال الفرزدق: [وافر] # يبلغهن وحي القول مني ... ويدخل رأسه تحت القرام «4» # وقال حميد بن ثور: «5» [طويل] # خليلي إني أشتكي ما أصابني ... لتستيقنا ما قد لقيت وتعلما # فلا تفشيا سري ولا تخذلا أخا ... أبثكما منه الحديث المكتما # وقولا اذا جاوزتما أرض عامر ... وجاوزتما الحيين نهدا وخثعما # PageV04P102 # نزيعان من جرم بن ربان إنهم ... أبوا أن يريقوا في الهزاهز محجما «1» # وخبا على نضوين مكتفليهما ... ولا تحملا إلا زنادا وأسهما «2» # وزادا عريضا خففاه عليمكا ... ولا تبديا سرا ولا تحملا دما «3» # وإن كان ليل فالويا نسبيكما ... وإن خفتما أن تعرفا فتلثما «4» # وقولا خرجنا تاجرين فأبطأت ... ركاب تركناها بتثليت قوما «5» # ولو قد أتانا بزنا ودقيقنا ... تمول منكم من رأيناه معدما «6» # ومدا لهم في السوم حتى تمكنا ... ولا تستلجا صفق بيع فيلزما «7» # فإن أنتما اطمأننتما ... وخليتما ما شئتما فتكلما # وقولا لها ما تأمرين بصاحب ... لنا قد تركت القلب منه متيما # أبيني لنا إنا رحلنا مطينا ... إليك وما نرجوك إلا توهما # وقال المأمون لرسول بعث به: [طويل] # بعثتك مرتادا ففزت بنظرة ... وأخلفتني حتى أسأت بك الظنا «8» # وناجيت من أهوى وكنت مقربا ... فيا ليت شعري عن دنوك ما أغنى # ورددت طرفا في محاسن وجهها ... ومتعت باستمتاع نغمتها أذنا # PageV04P103 # أرى أثرا منها بعينيك لم يكن ... لقد سرقت عيناك من وجهها حسنا # وقال بعض المحدثين [مجزوء الكامل المرفل] # يا سوء منقلب الرسو ... ل مخبرا بخلاف ظني # إني أعيذك أن تكو ... ن شغلتني وشغلت عني # وقال زيد بن عمرو في أمته: [طويل] # اذا طمثت قادت وإن طهرت زنت ... فهي أبدا يزنى بها وتقود «1» ### | باب الزنا والفسوق # العتبي، قال: قيل لرجل في امرأته وكانت لا ترد يد لامس: علام تحبسها مع ~~ما تعرف منها؟ فقال: إنها جميلة فلا تفرك «2» ، وأم عيال فلا تترك. # وقال بعض الأعراب: [طويل] # ألما على دار لواسعة الحبل ... ألوف تسوي صالح القوم بالرذل «3» # يبيت بها الحداث حتى كأنما ... يبيتون فيها من مدافع من نخل «4» # ولو شهدت حجاج مكة كلهم ... لراحوا وكل القوم منها على وصل # أنشد الفرزدق لسليمان بن عبد الملك القصيدة التي يقول فيها: # [وافر] # PageV04P104 # ثلاث واثنتان فهن خمس ... وسادسة تميل إلى شمام «1» # فبتن بجانبي مصرعات ... وبت أفض أغلاق الختام # كأن مفلق الرمان فيها ... وجمر غضى قعدن عليه حامي # فقال سليمان: أحللت نفسك يا فرزدق: أقررت عندي بالزنا وأنا إمام، ولا بد ~~لي من إقامة الحد عليك؛ فقال: بم أوجبت ذلك علي يا أمير المؤمنين؟ فقال: ~~بكتاب الله: قال: فإن كتاب الله يدرأ عني «2» ، قال الله جل ثناؤه: ~~والشعراء يتبعهم الغاوون. ألم تر أنهم في كل واد يهيمون. وأنهم يقولون ما ~~لا يفعلون # «3» ، فأنا قلت ما لم أفعل. # قيل لأبي الطمحان القيني: خبرنا عن أدنى ذنوبك «4» ؛ قال: ليلة الدير؛ ~~قالوا: وما ليلة الدير؟ قال: نزلت على ديرانية «5» ، فأكلت طفيشلا «6» لها ~~بلحم خنزير، وشربت من خمرها، وزنيت بها، وسرقت كساءها ومضيت. # وقال عمر بن أبي ربيعة: [خفيف] # يقصد الناس احتسابا ... وذنوبي مجموعة في الطواف # وقال جرير في الفرزدق: [طويل] # لقد ولدت أم الفرزدق فاجرا ... فجاءت بوزواز قصير القوائم «7» # يوصل حبليه إذا جن ليله ... ليرقى إلى جاراته بالسلالم «8» # PageV04P105 # وما كان جار للفرزدق مسلم ... ليأمن قردا ليله غير نائم «1» # أتيت حدود الله إذ كنت يافعا ... وشبت فما ينهاك شيب اللهازم «2» # تتبع في الماخور كل مريبة ... ولست بأهل المحصنات الكرائم «3» # هو الرجس يا أهل المدينة فاحذروا ... مداخل رجس بالخبيثات عالم «4» # لقد كان إخراج الفرزدق عنكم ... طهورا لما بين المصلى وواقم «5» # تدليت تزني من ثمانين قامة ... وقصرت عن باع العلا والمكارم «6» # وقال عمرو بن بحر: قرأ قارىء: قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق # «7» إلى قوله تعالى: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب # «8» ، قال إسماعيل بن غزوان: لا والله ما سمعت بأغزل من هذه الفاسقة. ~~وسمع مراودتها يوسف عنها فقال إسماعيل: أما والله بي تمرست «9» . # بات أعرابي ضيفا لبعض الحضر، فرأى امرأة فهم أن يخالف «10» إليها في أول ~~الليل فمنعه الكلب، ثم أراد ذلك نصف الليل فمنعه ضوء القمر، ثم أراد ذلك في ~~السحر فإذا عجوز قائمة تصلي، فقال: [بسيط] # PageV04P106 # لم يخلق الله شيئا كنت أكرهه ... غير العجوز وغير الكلب والقمر # هذا نبوح وهذا يستضاء به ... وهذه شيخة قوامة السحر # المنصور عن أبيه محمد بن علي، قال: حججت فرأيت امرأة من كلب شريفة قد حجت ~~فرآها عمر بن أبي ربيعة فجعل يكلمها ويتبعها كل يوم، فقالت لزوجها ذات يوم: ~~إني أحب أن أتوكأ عليك إذا رحت إلى المسجد، فراحت متوكئة على زوجها: فلما ~~أبصرها عمر ولى، فقالت: على رسلك «1» يا فتى!: [بسيط] # تعدو الذئاب على من لا كلاب له ... وتتقي مربض المستأسد الحامي # الرياشي قال: كان أبو ذؤيب يهوى امرأة من قومه، وكان رسوله إليها رجلا ~~يقال له: خالد بن زهير، فخانه فيها، فقال أبو ذؤيب «2» : [طويل] # تريدين كيما تجمعيني وخالدا ... وهل يجمع السيفان ويحك في غمد # أخالد ما راعيت مني قرابة ... فتحفظني بالغيب أو بعض ما تبدي # وكان أبو ذؤيب خان فيها ابن عم له يقال له: مالك بن عويمر، فأجابه خالد: ~~[طويل] # ولا تعجبن من سيرة أنت سرنها ... وأول راض سنة من يسيرها # ألم تتنقذها من ابن عويمر ... وانت صفي نفسه ووزيرها «3» # سألت امرأة زوجها الحج فإذن لها وبعث معها أخاه، فلما انصرفا عنه # PageV04P107 # سأله عنها، فقال: [بسيط] # وما عملت لها عيبا أخبره ... إلا اتهامي فيها صاحب الإبل # كنا نهارا إذا ما السير جد بنا ... يغيران وما بالرحل من مثل «1» # ويخلفون كثيرا في منازلنا ... فلا نزال نرى آثار مغتسل # فالله أعلم ما كانت سرائرهم ... والله أعلم بالنيات والعمل # قال رجل للفرزدق: متى عهدك يا أبا فراس بالزنا؟ فقال: مذ ماتت العجوز. # رمي ببغداد في سوق يحيى قمطرة «2» فيها صبي وتحته مضربات «3» حرير، وعند ~~رأسه كيس فيه مائة دينار ورقعة فيها: هذا الشقي ابن الشقية، ابن السكباج ~~والقلية «4» ، ابن القدح والرطلية «5» ؛ رحم الله من اشترى له بهذا الذهب ~~جارية تربيه؛ وفي آخر الرقعة: هذا جزاء من عضل ابنته «6» . # ذكر أعرابي رجلا ماجنا فقال: لو أبصرت فلانا العيدان لتحركت أوتارها، ولو ~~رأته مومسة لسقط خمارها. # قال بعض الأعراب: [كامل] # PageV04P108 # ماذا يظن بليلى إذا ألم بها ... مرجل الرأس ذو بردين مزاح «1» # حلو فكاهته خز عمامته ... في كفه من رقى إبليس مفتاح «2» # ذكر أعرابي رجلا ماجنا فقال: هو أكثر ذنوبا من الدهر، تفد إليه مواكب ~~الضلالة، ويرجع من عنده مدون الأيام. # وذكر آخر قوما فقال: هم أقل الناس إلى أعدائهم، وأكثرهم تجرما «3» على ~~أصدقائهم، يصومون عن المعروف، ويفطرون على الفحشاء. # قال الأصمعي: قلت لأمة ظريفة: هل في يديك عمل؟ قالت: لا! ولكن في رجلي ~~«4» . # قالت جوار من القيان لأبي نواس: ليتنا يا أبا نواس بناتك! فقال أبو نواس ~~«5» : # قال أبو المهند: [متقارب] # وأفجر من راهب يدعي ... بأن النساء عليه حرام «6» # يحرم بيضاء ممكورة ... ويغنيه في البضع عنها الغلام «7» # إذا ما مشى غض من طرفه ... وفي الليل بالدير منه عرام «8» # PageV04P109 # ودير العذارى فضوح له ... وعند اللصوص حديث الأنام # هؤلاء لصوص نزلوا دير العذارى ليلا، فأخذوا القس فشدوه وثاقا، ثم أخذ كل ~~رجل منهم جارية، فوجدوهن مفتضات قد افتضهن القس كلهن. # قال سهل بن هارون: [وافر] # إذا نزل المخنث في رباع ... تحرك كل ذي خنث إليه «1» # وصارت دونهم مأوى الخبايا ... وصار الربع مدلولا عليه # وقال آخر: [طويل] # أقول لها لما أتتني تدلني ... على امرأة موصوفة بجمال # أصبت لها والله زوجا كما اشتهت ... إن اغتفرت فيه ثلاث خصال # فمنهن فسق لا ينادى وليده ... ورقة إسلام وقلة مال «2» # قال الأصمعي: دخلت على ابن روح بن حاتم المهلبي وحضر الإذن وهو عاكف على ~~غلام، فقلت: له عمدت إلى الموضع الذي كان أبوك يضرب فيه الأعناق ويعطي فيه ~~اللهى «3» ، تركب فيه ما تركب! فقال: [وافر] # ورثنا المجد عن آباء صدق ... أسأنا في ديارهم الصنيعا # إذا الحسب الرفيع تواكلته ... بنات السوء يوشك أن يضيعا ### | باب مساوىء النساء # عن وهب بن منبه قال: عاقب الله المرأة بعشر خصال: شدة النفاس، # PageV04P110 # وبالحيض، وبالنجاسة في بطنها وفرجها، وجعل ميراث امرأتين ميراث رجل واحد، ~~وشهادة امرأتين كشهادة رجل، وجعلها ناقصة العقل والدين لا تصلي أيام حيضها، ~~ولا يسلم على النساء، وليس عليهن جمعة ولا جماعة، ولا يكون منهن نبي، ولا ~~تسافر إلا بولي. # وكان يقال: ما نهيت امرأة قط عن شيء إلا أتته. وقال طفيل «1» في هذا ~~المعنى: [بسيط] # إن النساء كأشجار نبتن معا ... منها المرار وبعض المر مأكول «2» # إن النساء متى ينهين عن خلق ... فإنه واقع لا بد مفعول # عن رجاء بن حيوة قال: قال معاذ: إنكم ابتليتم بفتنة الضراء فصبرتم، وإني ~~أخاف عليكم فتنة السراء، وإن من أشد من ذلكم عندي النشاء، إذا تحلين الذهب ~~ولبسن ريط «3» الشام وعصب «4» اليمن، فاتعبن الغني، وكلفن الفقير ما لا ~~يجد. # قال بعض الشعراء: [طويل] # تمتع بها ما ساعفتك ولا تكن ... عليك شجا يؤذيك حين تبين «5» # وإن هي أعطتك الليان فإنها ... لغيرك من خلانها ستلين # وإن حلفت لا ينقض النأي عهدها ... فليس لمخضوب البنان يمين «6» # PageV04P111 # أبو علي الأموي قال: كانت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، عند عبد الله ~~بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكانت قد غلبته في كثير من أمره؛ فقال له ~~أبوه: طلقها، فطلقها وأنشأ يقول [طويل] # لها خلق سهل وحسن ومنصب ... وخلق سوي ما يعاب ومنطق # فرمي يوم الطائف بسهم؛ فلما مات قالت ترثيه: [طويل] # وآليت لا تنفك عيني سخينة ... عليك ولا ينفك جلدي أغبرا # فلله عين ما رأت مثله فتى ... أعز وأحمى في الهياج وأصبرا # إذا شرعت فيه الأسنة خاضها ... إلى الموت حتى يترك الرمح أحمرا # ثم خطبها عمر بن الخطاب، فلما أولم قال عبد الرحمن بن أبي بكر: # يا أمير المؤمنين، أتأذن لي أن أدخل رأسي على عاتكة؟ قال: نعم، يا عاتكة ~~استتري؛ فأدخل رأسه فقال: [طويل] # وآليت لا تنفك عيني قريرة ... عليك ولا ينفك جلدي أصفرا «1» # فنشجت نشجا عاليا «2» ؛ فقال عمر: ما أردت إلى هذا! كل النساء يفعلن هذا! ~~غفر الله لك. ثم تزوجها الزبير بعد عمر وقد خلا من سنها «3» ، فكانت تخرج ~~بالليل إلى المسجد ولها عجيزة ضخمة «4» ؛ فقال لها الزبير: لا تخرجي؛ ~~فقالت: لا أزال أخرج أو تمنعني، وكان يكره أن يمنعها، لقول النبي صلى الله ~~عليه وسلم: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله؛ فقعد لها الزبير متنكرا في ~~ظلمة الليل، فلما # PageV04P112 # مرت به قرص عجيزتها؛ فكانت لا تخرج بعد ذلك؛ فقال لها: مالك لا تخرجين؟ ~~فقالت: كنت أخرج والناس ناس، وقد فسد الناس فبيتي أوسع لي. # قال المدائيي: احتضر رجل من العرب وله ابن يدب بين يديه؛ وأم الصبي جالسة ~~عند رأسه؛ واسم الصبي معمر فقال: [طويل] # وإني لأخشى أن أموت فتنكحي ... ويقذف في أيدي المراضع معمر # وترخى ستور دونه وقلائد ... ويشغلكم عنه خلوق ومجمر «1» # فما لبث أن مات، ثم تزوجت ثم صار معمر إلى ما ذكر. # عن الحسن: أن شابين كانا متآخيين على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ~~فأغزى «2» أحدهما، فأوصى أخاه بأهله؛ فانطلق في ليلة ذات ريح وظلمة إلى أهل ~~أخيه يتعهدهم، فإذا سراج في البيت يزهر «3» ، وإذا يهودي في البيت مع أهله ~~وهو يقول: [وافر] # وأشعث غره الإسلام مني ... خلوت بعرسه ليل التمام «4» # أبيت على ترائبها ويضحي ... على جرداء لاحقة الحزام «5» # كأن مجامع الربلات منها ... فئام ينهضون إلى فئام «6» # PageV04P113 # فرجع الشاب إلى أهله، فاشتمل «1» السيف حتى دخل على أهل أخيه فقتله، ثم ~~جره وألقاه في الطريق؛ فأصبح اليهود وصاحبهم قتيل لا يدرون من قتله، فأتوا ~~عمر بن الخطاب فدخلوا عليه وذكروا ذلك له، فنادى عمر في الناس: الصلاة ~~جامعة، فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أنشد الله ~~رجلا علم من هذا القتيل علما إلا أخبرني به؛ فقام الشاب فأنشده الشعر ~~وأخبره خبره؛ فقال عمر: لا يقطع الله يدك، وهدر دمه. # كان ابن عباس يقول: مثل المرأة السوء: كان قبلكم رجل صالح له امرأة سوء، ~~فعرض له رجل فقال: إني رسول الله إليك بأنه جعل لك ثلاث دعوات، فسل ما شئت ~~من دنيا أو آخرة ثم نهض، فرجع الرجل إلى منزله؛ فقالت له امرأته: ما لي ~~أراك مفكرا محزونا؟ فأخبرها؛ فقالت: ألست امرأتك وفي صحبتك وبناتك مني! ~~فاجعل لي دعوة، فأبى. فأقبل عليه ولده وقلن: # أمنا، فلم يزلن به حتى قال: لك دعوة؛ فقالت: اللهم اجعلني أحسن الناس ~~وجها فصارت كذلك، وجعلت توطىء فراشها وهو يعظها فلا تتعظ، فغضب يوما فقال: ~~اللهم اجعلها خنزيرة، فتحولت كذلك؛ فلما رأين بناته ما نزل بأمهن بكين ~~وضربن وجوههن ونتفن شعورهن، فرق لهن قلبه فقال: اللهم أعدها كما كانت أولا؛ ~~فذهبت دعواته الثلاث فيها. # قال عبد الله بن عكرمة: دخلت على عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي ~~أعوده، فقلت: كيف تجدك؟ فقال: أجدني والله بالموت، وما موتي بأشد علي من ~~تمتع أم هشام، أخاف أن تتزوج- يعني امرأته- فحلفت له وآلت ألا تتزوج بعده، ~~فغشي وجهه نور، ثم قال: شأن الموت أن ينزل # PageV04P114 # متى شاء، ثم مات، فتزوجت بعمر بن عبد العزيز؛ فقلت: # فإن لقيت خيرا فلا يهنئنها ... وإن تعست فلليدين وللفم «1» # فبلغها، فكتبت إلي: قد بلغني بيتك الذي تمثلت به، وما مثلي ومثل أخيك إلا ~~كما قال الشاعر: [طويل] # وهل كنت إلا والها ذات ترحة ... قضت نحبها بعد الحنين المرجع «2» # متى تسل عنه تدكر بعد طية ... من الأرض أو تقنع بإلف فتربع «3» # فدع عنك من قد وارت الأرض شخصه ... وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع # فبلغ ذلك مني كل غيظ، واحتسبت حسابها، وإذا هي قد أعجلت عدتها، وقد بقي ~~عليها أربعة أيام، فدخلت على عمر فأخبرته بذلك، فنقض النكاح وعزل عن ~~المدينة. # كان صخر بن الشريد أخو الخنساء خرج في غزوة فقاتل فيها قتالا شديدا، ~~فأصابه جرح رغيب «4» ، فمرض فطال به مرضه وعاده قومه، فقال عائد من عواده ~~يوما لامرأته سلمى «5» : كيف أصبح صخر اليوم؟ قالت: لا حيا فيرجى ولا ميتا ~~فينسى، فسمع صخر كلامها فشق عليه، وقال لها: أنت القائلة كذا وكذا؟ قالت: ~~نعم غير معتذرة إليك. ثم قال عائد آخر. لأمه: كيف أصبح صخر اليوم؟ فقالت: ~~أصبح بحمد الله صالحا ولا يزال بحمد الله بخير # PageV04P115 # ما رأيناه سواده «1» بيننا. فقال صخر: [طويل] # أرى أم صخر ما تمل عيادتي ... وملت سليمى مضجعي ومكاني # وما كنت أخشى أن أكون جنازة ... عليك ومن يغتر بالحدثان «2» # فأي امرىء ساوى بأم حليلة ... فلا عاش إلا في أذى وهوان # أهم بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العير والنزوان «3» # لعمري لقد أنبهت من كان نائما ... وأسمعت من كانت له أذنان # فلما أفاق عمد إلى سلمى فعلقها بعمود الفسطاط حتى فاضت نفسها «4» ، ثم ~~نكس «5» من طعنته فمات. # وقرأت في سير العجم أن أردشير سار إلى الحضر «6» ، وكان ملك السواد ~~متحصنا فيها، وكان من أعظم ملوك الطوائف «7» ، فحاصره فيها زمانا لا يجد ~~إليه سبيلا، حتى رقيت ابنة ملك السواد يوما، فرأت أردشير فعشقته فنزلت ~~وأخذت نشابة وكتبت عليها: إن أنت شرطت لي أن تتزوجني دللتك على موضع تفتتح ~~منه هذه المدينة بأيسر حيلة وأخف مؤونة، ثم رمت بالنشابة نحو أردشير؛ فكتب ~~الجواب في نشابة: لك الوفاء بما سألت، ثم ألقاها إليها؛ فكتبت إليه تدله ~~على الموضع؛ فأرسل إليه أردشير فافتتحه ودخل هو وجنوده، # PageV04P116 # وأهل المدينة غارون «1» فقتلوا ملكها وأكثر مقاتلتها وتزوجها؛ فبينما هي ~~ذات ليلة على فراشه أنكرت مكانها حتى سهرت لذلك عامة ليلتها، فنظروا في ~~الفراش فوجدوا تحت المحبس» # ورقة من ورق الآس قد أثرت في جلدها، فسألها أردشير عند ذلك عما كان أبوها ~~يغذوها به؛ فقالت: كان أكثر غذائي الشهد والزبد والمخ؛ فقال أردشير: ما أحد ~~ببالغ لك في الحباء والإكرام مبلغ أبيك، ولئن كان جزاؤه عندك على جهد ~~إحسانه مع لطف قرابته وعظم حقه جهد إساءتك، ما أنا بآمن لمثله منك؛ ثم أمر ~~بأن تعقد قرونها بذنب فرس شديد المراح «3» جموح ثم يجرى؛ ففعل ذلك حتى ~~تساقطت عضوا عضوا. # العتبي: سمعت أبي يحدث عن ناس من أهل الشام: أن أخوين كان لأحدهما زوجة، ~~وكان يغيب ويخلفه الآخر في أهله، فهويته امرأة الغائب، فأرادته على نفسها ~~فامتنع؛ فلما قدم أخوه سألها عن حالها، فقالت: ما حال امرأة تراود في كل ~~حين! فقال: أخي وابن أمي! وإني لا أفضحه! ولكن لله علي ألا أكلمه أبدا؛ ثم ~~حج وحج أخوه والمرأة؛ فلما كانوا بوادي الدوم «4» هلك الأخ ودفنوه وقضوا ~~حجهم ورجعوا؛ فمروا بذلك الوادي ليلا، فسمعوا هاتفا يقول: [طويل] # أجدك تمضي الدوم ليلا ولا ترى ... عليك لأهل الدوم أن تتكلما «5» # وبالدوم ثاو لو ثويت مكانه ... ومر بوادي الدوم حيا لسلما # PageV04P117 # فظنت المرأة أن النداء من السماء، فقالت لزوجها: هذا مقام العائذ، كان من ~~أخيك ومني كيت وكيت؛ فقال: والله لو حل قتلك لوجدتني سريعا، ففارقها وضرب ~~خيمة على قبر أخيه، وقال: [طويل] # هجرتك في طول الحياة وأبتغي ... كلامك لما صرت رمسا وأعظما «1» # ذكرت ذنوبا فيك كنت اجترمتها ... أنا منك فيها كنت أسوا وأظلما «2» # ولم يزل مقيما حتى مات ودفن بجنب أخيه، فالقبران معروفان. # وقال الأخطل: [كامل] # المهديات لمن هوين مسبة ... والمحسنات لمن قلين مقالا «3» # يرعين عهدك ما رأينك شاهدا ... وإذا مذلت يكن عنك مذالا «4» # وإذا وعدنك نائلا أخلفنه ... ووجدت دون عداتهن مطالا «5» # وإذا دعونك عمهن فإنه ... نسب يزيدك عندهن خبالا «6» # عن يحيى بن طفيل الجشمي قال: كان عند رجل من قريش امرأة يحبها، فسافر ~~عنها، فقالت له: أشيعك، فشيعته ثلاث مراحل؛ فلما مضى قالت لخادمها: ناولني ~~بعرة وروثة وحصاة، فناولها. فألقت الروثة وقالت: # راث خبرك «7» ، وألقت البعرة وقالت: وعر سفرك، وألقت الحصاة وقالت: # حص أثرك «8» ؛ فسمعها رجل على الماء فلحقه، فقال له: ما هذه منك؟ قال: # PageV04P118 # امرأتي وأعز الناس إلي؛ فأخبره بالخبر، فقام على الماء، فلما أمسى أقبل ~~نحو منزله فوجد معها رجلا، فقتلهما جميعا. ### | باب الولادة والولد # خاصمت أم عوف- امرأة أبي الأسود الدؤلي- أبا الأسود إلى زياد في ولدها ~~منه: قال أبو الأسود: أنا أحق بالولد منها، حملته قبل أن تحمله، ووضعته قبل ~~أن تضعه. فقالت أم عوف: وضعته شهوة ووضعته كرها، وحملته خفا وحملته ثقلا؛ ~~فقال زياد: صدقت، أنت أحق به، فدفعه إليها. # أنشدنا الرياشي: [خفيف] # غلبت أمه أباه عليه ... فهو كالكابلي أشبه خاله «1» # وقال آخر: [رجز] # والله ما أشبهني عصام ... لا خلق منه ولا قوام # نمت وعرق الخال لا ينام # وقال بعض بني أسد- والقيافة «2» فيهم-: لا يخطىء الرجل من أبيه خلة من ~~ثلاث: رأسه، أو صوته، أو مشيته. # قيل لرجل: ما أشبه ولدك بك!. قال: من ترك وأهله أشبهه ولده. # قال رجل للجمان: ولدت امرأتي لستة أشهر؛ فقال الجمان: كان أبوها ضاربا. # PageV04P119 # عيرت نوار- امرأة الفرزدق- الفرزدق بأنه لا ولد له؛ فقال الفرزدق: [طويل] # وقالت أراه واحدا لا أخا له ... يورثه في الوارثين الأباعد # لعلك يوما أن تريني كأنما ... بني حوالي الأسود الحوارد «1» # فإن تميما قبل أن يلد الحصى ... أقام زمانا وهو في الناس واحد «2» # فولد بعد ذلك ولده: سبطة ولبطة وحبطة وغيرهم. # بلغني عن الزيادي قال: كنت مئناثا «3» ، فقيل لي: استغفر إذا جامعت، فولد ~~لي بضعة عشر ذكرا. # عن ابن عباس قال: مر عيسى عليه السلام على بقرة قد اعترض ولدها في بطنها؛ ~~فقالت: يا كلمة الله، ادع الله أن يخلصني؛ فقال: يا خالق النفس من النفس ~~ويا مخرج النفس من النفس خلصها؛ فألقت ما في بطنها. فإذا عسر على المرأة ~~ولادتها فليكتب لها: باسم الله، لا إله إلا هو الكريم، سبحان الله رب العرش ~~العظيم، والحمد لله رب العالمين، كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ~~ضحاها # «4» ، كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار # «5» الآية. ### | باب الطلاق # قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أبغض الحلال إلى لله الطلاق» . # PageV04P120 # الأصمعي قال: كان بالمدينة قاض، يقال له: فلان «1» بن المطلب بن حنطب ~~المخزومي قد أدركته (وأم المطلب: أخت مروان بن الحكم) ، خاصمت إليه امرأة ~~زوجها، وكانت قالت: أجعتني وأسأت إلي، والله ما تستطيع فئران بيتك أن يمشين ~~من الجهد وما يقمن إلا على الوطن! «2» فقال: # أنت طالق إن كن ما يقمن إلا على الوطن، فخبرته بما قالت وقال؛ فقال ابن ~~المطلب يطلب له المعاذير: وربك إن الإبل لتكون بالمكان الجديب الخسيس ~~المرعى فتقيم به لحب الوطن؛ فقال الزوج حين رآه يحتال لئلا يفرق بينهما: # كأنما أشكلت عليك، هي طالق عشرين. # طلق رجل امرأة عدد نجوم السماء؛ فقال ابن عباس: يكفيه من ذلك هقعة «3» ~~الجوزاء. # وطلق رجل من الأعراب امرأة، وكان له منها ابن يقال له حماد، وندم فقال: ~~[بسيط] # فديت بالأم حمادا وقلت له ... أنت ابن ذلفاء مني فادن يا ولدي «4» # لا يقربن ثلاثا منكم أحد ... إني وجدت ثلاثا أشأم العدد «5» # PageV04P121 # وقال علي بن منظور (1) : [مجزوء الكامل المرفل] # ما للطلاق فقدته ... وفقدت عاقبة الطلاق «1» # طلقت خير خليلة ... تحت السموات الطباق «2» # كان الأصمعي طلق امرأة ثم تبعتها نفسه؛ فكتب إليها: [سريع] # وهل رأيتم بعدنا مثلنا ... فما رأينا بعدكم مثلكم # نصيب من يعجبنا خلوة ... منه ولا نجمع ما عندكم # قد اتخذنا بعدكم مبدعا ... لصونكم وليس من شكلكم # إن شئتم لم نتخذه وكا ... ن الصون والبذل جميعا لكم # وقال أعرابي لامرأته: [وافر] # تمنين الطلاق وأنت مني ... بعيش مثل مشرقة الشمال «3» # وطلق أعرابي امرأته وقال: [مجزوء الكامل المرفل] # رحلت أميمة بالطلاق ... وعتقت من رق الوثاق «4» # بانت فلم يألم لها ... قلبي ولم تبك المآقي # لو لم أرح بطلاقها ... لأرحت نفسي بالإباق «5» # ودواء ما لا تشتهي ... ه النفس تعجيل الفراق # والعيش ليس بطيب بي ... ن اثنين في غير اتفاق # كانت لمحمد بن كناس امرأة يبغضها، فمر بمصلوب فقال: [طويل] # PageV04P122 # أيا جذع مصلوب أتى دون صلبه ... ثلاثون حولا كاملا هل تبادل # وما أنت بالحمل الذي قد حملته ... بأضجر مني بالذي أنا حامل # وقال آخر «1» : [منسرح] # بت بخسف في شر منزلة ... لا أنا في لذة ولا فرسي «2» # هذا على الخسف لا قضيم له ... وأنا ذا لا يسوغ لي نفسي «3» # تجهزي للطلاق وارتحلي ... ذاك دواء الجوامح الشمس» # لليلتي حين بنت طالقة ... ألذ عندي من ليلة العرس «5» # عن عيسى بن عمر قال: شكا الفرزدق امرأته، فقال له شيخ من بني مضر كان أسن ~~منه: أفلا تكسعها «6» بالمحرجات! (يعني الطلاق) ؛ فقال: # قاتلك الله! ما أعلمك من شيخ!. # قال خالد بن صفوان: ما بت ليلة أحب إلي من ليلة طلقت فيها نسائي، فأرجع ~~والستور قد هتكت، ومتاع البيت قد نقل، فتبعث إلي إحداهن بسليلة «7» مع بنتي ~~فيها طعامي، وتبعث لي الأخرى بفراش أنام عليه. # قيل لامرأة كانت تطلق كثيرا: ما بالك تطلقين؟ قالت: يريدون التضييق ~~علينا، ضيق الله عليهم!. # PageV04P123 # طلق رجل امرأته؛ فقيل له: ما صنعت؟ قال: طلقتها والأرض من ورائها. أي لا ~~أقرب ناحية هي بها. # وقال أعرابي لامرأته: [متقارب] # أنوهت باسمي في العالمين ... وأفنيت عمري عاما فعاما «1» # فأنت الطلاق وأنت الطلاق ... وأنت الطلاق ثلاثا تماما # الأصمعي قال: أتى رجل أبا حازم فقال: إن الشيطان قد أولع بي يوسوس لي ~~ويحدثني أني قد طلقت امرأتي؛ فقال له: وأنا أحدثك أنك قد طلقتها، أو ما ~~فعلت؟ فقال: سبحان الله يا أبا حازم! أفتكذبني وتصدق الشيطان!. # وقال أعرابي وقد طلق امرأته: [طويل] # وما أنا إذا فارقت أسماء طائعا ... بخير من السكران رأيا ولا عقلا # وما زال صرف الدهر حتى رأيتني ... أبيت بها ضيفا كأن لم أكن بعلا # وقال آخر «2» : [طويل] # لئن كان يهدي برد أنيابها العلا ... لأفقر مني إنني لفقير # لقد كثر الأخبار أن قد تزوجت ... فهل يأتيني بالطلاق بشير ### | باب العشاق سوى عشاق الشعراء # محمد بن قيس الأسدي قال: وجهني عامل المدينة إلى يزيد بن عبد # PageV04P124 # الملك وهو خليفة فخرجت، فلما قربت المدينة بليلتين أو ثلاث وإذا أنا ~~بامرأة قاعدة على قارعة الطريق، وإذا رجل رأسه في حجرها كلما سقط رأسه ~~أسندته، فسلمت فردت ولم يرد الشاب؛ ثم تأملتني فقالت: يا فتى، هل لك في أجر ~~لا مرزئة فيه؟ قلت: سبحان الله! وما أحب الأجر إلي وإن رزئت فيه!. فقالت: ~~هذا ابني، وكان إلفا لابنة عم له تربيا جميعا، ثم حجبت عنه، فكان يأتي ~~الموضع والخباء، ثم خطبها إلى أبيها فأبى عليه أو يزوجها؛ ونحن نرى عيبا أن ~~تزوج المرأة من رجل كان بها مغرما، وقد خطبها ابن عم لها وقد زوجت منذ ~~ثلاث، فهو على ما ترى لا يأكل ولا يشرب ولا يعقل، فلو نزلت إليه فوعظته! ~~فنزلت إليه فوعظته؛ فأقبل علي وقال: [وافر] # ألا ما للحبيبة لا تعود ... أبخل بالحبية أم صدود «1» # مرضت فعادني قومي جميعا ... فما لك لم تري فيمن يعود # فقدت حبيبتي فبليت وجدا ... وفقد الإلف يا سكني شديد # وما استبطأت غيرك فاعلميه ... وحولي من بني عمي عديد # فلو كنت السقيمة جئت أسعى ... إليك ولم ينهنهني الوعيد «2» # قال: ثم سكن عند آخر كلمته؛ فقالت العجوز: فاضت والله نفسه ثلاثا! فدخلني ~~أمر لا يعلمه إلا الله، فاغتممت وخفت موته لكلامي. فلما رأت العجوز ما بي ~~قالت: هون عليك! مات بأجله واستراح مما كان فيه، وقدم على رب كريم؛ فهل لك ~~في استكمال الأجر؟ هذه أبياتي منك غير بعيدة، تأتيهم فتنهاه إليهم وتسألهم ~~حضورهم؛ فركبت فأتيت أبياتا منها على # PageV04P125 # قدر ميل، فنعيته إليهم وقد حفظت الشعر، فجعل الرجل يسترجع «1» . فبينما ~~أنا أدور إذا امرأة قد خرجت من خبائها تجر رداءها ناشرة شعرها، فقالت: أيها ~~الناعي، بفيك الكثكث «2» ، بفيك الحجر! من تنعى؟ قلت: فلان بن فلان. # فقالت: بالذي أرسل محمدا واصطفاه، هل مات؟ قلت: نعم؛ قالت: فماذا الذي ~~قال قبل موته؟ فأنشدتها الشعر، فو الله ما تنهنهت «3» أن قالت: [وافر] # عداني أن أزورك يا حبيبي ... معاشر كلهم واش حسود «4» # أشاعوا ما سمعت من الدواهي ... وعابونا وما فيهم رشيد «5» # وأما (5) إذ ثويت اليوم لحدا ... فدور الناس كلهم لحود # فلا طابت لي الدنيا فواقا ... ولا لهم ولا أثرى العبيد «6» # ثم مضت معي ومع القوم تولول حتى انتهينا إليه، فغسلناه وكفناه وصلينا ~~عليه، فأكبت على قبره؛ وخرجت لطيتي «7» حتى أتيت يزيد بن عبد الملك، وأوصلت ~~إليه الكتاب؛ فسألني عن أمور الناس، قال: هل رأيت في طريقك شيئا؟ قلت: نعم، ~~رأيت والله عجبا، وحدثته الحديث؛ فاستوى جالسا، ثم قال: لله أنت يا محمد بن ~~قيس! امض الساعة قبل أن تعرف جواب ما قدمت له، حتى تمر بأهل الفتى وبني ~~عمه، وتمر بهم إلى عامل المدينة، وتأمره أن يثبتهم في شرف العطاء، وإن كان ~~أصابها ما أصابه، فافعل ببني عمها ما # PageV04P126 # فعلت ببني عمه، ثم ارجع إلي حتى تخبرني بالخبر، وتأخذ جواب ما قدمت له. ~~فمررت بموضع القبر، فرأيت إلى جانبه قبرا آخر، فسألت عنه فقيل: قبر المرأة، ~~أكبت على قبره، ولم تذق طعاما ولا شرابا، ولم ترفع عنه إلى ثلاثة أيام إلا ~~ميتة؛ فجمعت بني عمها وبني عمه، وأثبتهم في شرف العطاء جميعا. # عن هاشم بن حسان عن رجل من بني تميم قال: # خرجت في طلب ناقة لي، حتى وردت على ماء من مياه طيء، فإذا أنا بعسكرين ~~«1» بينهما دعوة «2» ، فإذا أنا بفتى شاب وجارية في العسكر، وإذا هو قد سمع ~~نبرة من كلامها وهو مريض، فرفع عقيرته «3» وقال: [وافر] # ألا ما للمليحة لا تعود ... أبخل بالمليحة أم صدود # فلو كنت المريضة كنت أسعى ... إليك ولم ينهنهني الوعيد # فسمعت صوته فخرجت تعدو، فأمسكها النساء، وأبصرها فأقبل ينشد، فأمسكه ~~الرجال، فأفلت وأفلتت، فاعتنقا وخرا ميتين؛ فخرج شيخ من تلك الأخبية حتى ~~وقف عليهما. فاسترجع لهما، ثم قال: أما والله لئن كنتما لم تجتمعا حيين ~~لأجمعن بينكما ميتين. قال: فقلت: من هذا؟ قال: هذا ابن أخي، وهذه ابنتي؛ ~~فدفنهما في قبر واحد. # PageV04P127 # عن ابن سيرين قال: قال عبد الله بن عجلان «1» صاحب هند «2» التي عشقها ~~وكانت تحبه فطلقها: [طويل] # ألا إن هندا أصبحت لك محرما ... وأصبحت من أدنى حموتها حما # وأصبحت كالمقمور جفن سلاحه ... يقلب بالكفين قوسا وأسهما «3» # ومد بها صوته ثم مات. قال الأصمعي: فيه قال الشاعر: [هزج] # إن مت من الحب ... فقد مات ابن عجلان # قيل لأعرابي من العذريين: ما بال قلوبكم كأنها قلوب طير تنماث «4» كما ~~ينماث الملح في الماء! أما تجلدون؟ «5» فقال: إننا ننظر إلى محاجر أعين لا ~~تنظرون إليها. # وقيل لأعرابي: ممن أنت؟ فقال: من قوم إذا أحبوا ماتوا. فقالت جارية ~~سمعته: عذري ورب الكعبة!. # عن عبد الملك بن عمير قال: كان أخوان من بني كنة «6» من ثقيف، أحدهما ذو ~~أهل، والآخر عزب، وكان ذو الأهل إذا غاب خلفه العزب في أهله؛ فغاب غيبة له، ~~فجاء العزب يوما فطلعت عليه امرأة الأخ، وهي لا تعلم # PageV04P128 # بمكانه، وعليها درع يشف «1» ، فسترت وجهها بذراعيها، فوقعت في قلبه، وجعل ~~يذوب حتى صار كأنه خيط؛ فقدم أخوه فقال: يا أخي، مالك؟ قال: لا أدري، ~~واستحيا أن يذكر ما به؛ فانطلق أخوه إلى الحارث بن كلدة طبيب العرب، فوصفه ~~له؛ فقال: احمله إلي؛ فلما نظر إليه قال: أما العينان فصحيحتان، وأما الجسم ~~فذائب، ولا أظن أخاك إلا عاشقا؛ قال: ترى أخي بالموت، وتزعم أنه عاشق! قال: ~~هو ما أقول لك، فاسقه الشراب؛ فسقاه الخمر، فقال الشعر ولم يكن الشعر من ~~شأنه، فقال: [هزج] # ألما بي إلى الأبيا ... ت بالخيف أزرهنه «2» # غزال ما رأيت اليو ... م في دور بني كنه # غزال أكحل العين ... وفي منطقه غنه «3» # فقال أخوه: والله ما أراه إلا كما قال، ولكن لا أدري من عنى؛ فسقاه شربة ~~أخرى، فقال: [مجزوء الخفيف] # أيها الحي اسلموا ... اسلموا ثمت اسلموا # لا تولوا وتعرضوا ... وأربعوا «4» كي تكلموا # خرجت مزنة من ال ... بحر ريا تحمحم «5» # PageV04P129 # هي ما كنتي وتز ... عم أني لها حم «1» # قال: يا أخي هي طالق ثلاثا، فإن شئت فتزوجها؛ قال: وهي طالق إن تزوجتها. ~~قال غيره: فلما أفاق ذهب على وجهه حياء ولم يرجع، فهو فقيد ثقيف. # عن أبي مسكين قال: خرج أناس من بني حنيفة يتنزهون إلى جبل لهم، فبصر فتى ~~منهم يقال له عباس بجارية فهويها، وقال لأصحابه: والله لا أنصرف حتى أرسل ~~إليها؛ فطلبوا إليه أن يكف وأن ينصرف معهم فأبى، وأقبل يراسل الجارية حتى ~~وقع في نفسها، فأقبل في ليلة إضحيانة «2» متنكبا «3» قوسه وهي بين إخوتها ~~نائمة، فأيقظها؛ فقالت: انصرف وإلا أيقظت إخوتي فقتلوك! فقال: والله للموت ~~أيسر مما أنا فيه، ولكن لله علي إن أعطيتيني يدك حتى أضعها على فؤادي أن ~~أنصرف؛ فأمكنته من يدها، فوضعها على فؤاده ثم انصرف؛ فلما كان من القابلة ~~أتاها وهي في مثل حالها، فقالت له مثل مقالتها، ورد عليها وقال: إن أمكنتني ~~من شفتيك أرشفهما انصرفت ثم لا أعود إليك، فأمكنته من شفيتها فرشفهما ثم ~~انصرف؛ فوقع في قلبها منه مثل النار؛ ونذر» # به الحي، فقالوا: ما لهذا الفاسق في هذا الجبل! انهضوا بنا إليه حتى ~~نخرجه منه؛ فأرسلت إليه: إن القوم يأتونك الليلة فاحذر، فلما أمسى قعد على ~~مرقب «5» ومعه قوسه وأسهمه، وأصاب الحي من آخر النهار # PageV04P130 # مطر وندى فلهوا عنه؛ فلما كان في آخر الليل وذهب السحاب وطلع القمر، خرجت ~~وهي تريده وقد أصابها الطل، فنشرت شعرها وأعجبتها نفسها ومعها جارية من ~~الحي، فقالت: هل لك في عباس؟ فخرجنا تمشيان، ونظر إليهما وهو على المرقب، ~~فظن أنهما ممن يطلبه، فرمى بسهم فما أخطأ قلب الجارية ففلقه! وصاحت الأخرى، ~~فانحدر من الجبل وإذا هو بالجارية في دمها؛ فقال: [مجزوء الكامل] # نعب الغراب بما كره ... ت ولا إزالة للقدر # تبكي وأنت قتلتها ... فاصبر وإلا فانتحر # ثم وجأ «1» في أوداجه بمشاقصه «2» ، وجاء الحي فوجدوهما مقتولين ~~فدفنوهما!. # قال خلاد الأرقط: سمعت مشايخنا من أهل مكة يذكرون أن القس «3» ، وهو مولى ~~لبني مخزوم، كان عند أهل مكة بمنزلة عطاء بن أبي رباح، وأنه مر يوما بسلامة ~~«4» وهي تغني، فوقف يسمع؛ فرآه مولاها فدنا منه فقال: هل لك في أن تدخل ~~وتستمع؟ فأبى، ولم يزل به فقال: أقعدك في موضع لا تراها ولا تراك، ففعل، ثم ~~غنت فأعجبته؛ فقال: هل لك في أن أحولها إليك؟ فتأبى. ثم أجاب، فلم يزل به ~~حتى شغف بها وشغفت به، وعلم ذلك أهل مكة. فقالت له يوما وقد خلوا: أنا ~~والله أحبك؛ فقال: وأنا # PageV04P131 # والله أحبك. قالت: فأنا أحب أن أضع فمي على فمك؛ قال: وأنا والله. # قالت: وأنا والله أحب أن أضع صدري على صدرك؛ قال: وأنا والله. قالت: # فما يمنعك؟ والله إن الموضع لخال! فأطرق ساعة، ثم قال: إني سمعت الله ~~يقول: الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين # «1» ، وأنا والله أكره أن تكون خلة ما بيني وبينك عداوة يوم القيامة؛ ~~ونهض وعاد إلى طريقته التي كان عليها. وفيه قيل: [طويل] # لقد فتنت ريا وسلامة القسا ... ولم تتركا للقس عقلا ولا نفسا # ومن شعره فيها: [وافر] # أهابك أن أقول بذلت نفسي ... ولو أني أطيع القلب قالا # حياء منك حتى شف جسمي ... وشق علي كتماني وطالا «2» # وهو القائل: [كامل] # قد كنت أعذل في السفاهة أهلها ... فاعجب لما تأتي به الأيام # فاليوم أرحمهم وأعلم أنما ... سبل الغواية والهدى أقسام # وهو القائل: [طويل] # ألم ترها لا يبعد الله دارها ... إذا مرحت في صوتها كيف تصنع «3» # تمد نظام القول ثم ترده ... إلى صلصل في حلقها فترجع «4» # كتبت منية إلى قابوس: من سن سنة فليرض بأن يحكم عليه بها. ومن سأل مسألة ~~فليرض من العطية بقدر بذله. لكل عمل ثواب، ولكل فعل # PageV04P132 # جزاء. ومن بدأ بالظلم كان أظلم. ومن انتصر فقد أنصف. والعفو أقرب إلى ~~العقل. وغير مسيء من أعتب. وغير مذنب من طول «1» مع المخض تبدو الزبدة. عند ~~تناهي البلاء يكون الفرج. كل ذي قرح يشتهي دواء قرحه. كل مطمع منتظر. كل آت ~~قريب. مع كل فرحة ترحة. من خبث سنخه «2» غلظ كبده ونام حقده. الموت أروح من ~~الهوى. اليأس أول سبب الراحة. السحر أنفذ من الشعر. دواء كل محب حبيبه. مع ~~اليوم غد. كما تدين تدان. # استشف الله لما بك، واسأله المدافعة عنك. # فأجابها: # من الكرام تكون الرحمة، ومن اللئام تكون القسوة. من كرم أصله لان قلبه ~~ورق وجهه. ومن عاقب بالذنوب ترك الفضل. ومن ترك الفضل أخطأ الحظ. ومن لم ~~يغفر لم يغفر له. ومن حقد واضطغن اكتسب الأعداء. أولى الناس بالرحمة من ~~احتاج إليها فحرمها. لكل كرب فرج، ولكل عمر ثواب. # من أحب رق لكل محب. لا داء أدوى «3» من الهوى، ولا أوهن منه لذي القوى. ~~لا ملكة «4» أكرم من ملكة كريم، ولا قدرة ألأم من قدرة لئيم. ملكت فأسجحي ~~«5» : قدرت فاعفي. ويل للشجي من الخلي «6» . من كان في نعمة لم يدر قدر ~~البلية. من سها عقله فسد عيشه، ومن فسد عيشه كان الموت راحته. # الآمال مبسوطة، والآجال معدودة. والمتوقع الموت. وحسرة الموت من مات # PageV04P133 # بغصة. خير الخير أعجله. من أراد معروفا فلا يتطول «1» . الحب أثقل محمول. # وكتب إليها أيضا: # قل من حبيب كتاب، وعظم من محب مصاب. لكل آخر أول، مرقاة «2» إلى مرقاة. ~~قد ينمو القليل فيكثر، ويضمحل الكثير فيذهب. من طلب وجد. # ومن أدمن الاستفتاح فتحت له الأغلاق. أولى الأمور بالنجاح المواظبة. قد ~~يتبع الظفر البصر، ويتبع البصر التغير والاستثقال، ويتبع الاستثقال ~~الاستبدال؛ ولن يدوم شيء على حال. ولكل هم فرج. والعناء مقرون بالرجاء. قد ~~يستخرج بالكلمة الحية، وتنشأ من الحبة الشجرة. وفي اللقاء شفاء الغليل، ~~وتنفس الهموم. ارتاد امرؤ قبل حلوله، وتثبت قبل إقدامه. مع العجلة تكون ~~الندامة، وفي التثبت تكون السلامة. العاقل من ابتدأ عملا في غير حينه فبلغ ~~في حين وقته. لا ينال بغير دواء شفاء. الصعب يمكن بعد منع. الرفق سبب ~~القدرة. الخرق «3» مفتاح الحرمان. من أسر «4» أسراره دامت له لذاته. رب ~~أكلة تمنع أكلات، ولقية تصد عن لقيات. # PageV04P134 ### | أبيات في الغزل حسان # [طويل] # يقر بعيني أن أرى من مكانه ... ذرى عقدات الأبرق المتقاود «1» # وأن أرد الماء الذي شربت به ... سليمى فقد مل السرى كل واحد «2» # وألصق أحشائي ببرد ترابه ... وإن كان مخلوطا بسم الأساود «3» # قال أبو صخر الهذلي «4» : [طويل] # أما والذي أبكى وأضحك والذي ... أمات وأحيا والذي أمره الأمر # لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى ... أليفين منها لا يروعهما الذعر # فيا هجر ليلى قد بلغت بي المدى ... وزدت على ما لم يكن بلغ الهجر # ويا حبها زدني جوى كل ليلة ... ويا سلوة الأيام موعدك الحشر «5» # وصلتك حتى قيل لا يعرف القلى ... وزرتك حتى قلت ليس له صبر «6» # عجبت لسعى الدهر بيني وبينها ... فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر «7» # إذا ذكرت يرتاح قلبي لذكرها ... كما انتفض الصعفور بلله القطر «8» # PageV04P135 # هل الوجد إلا أن قلبي لو دنا ... من الجمر قيد الرمح لاحترق الجمر # وقال آخر «1» : [طويل] # أيا خلة النفس التي ليس دونها ... لنا من أخلاء الصفاء خليل # ويا من كتمنا حبه لم يطع به ... عدو ولم يؤمن عليه دخيل # أما من مقام أشتكي غربة النوى ... وجور العدا فيه إليك سبيل # وكنت إذا ما جئت جئت بعلة ... فأفنيت علاتي فأيش أقول «2» # وما كل يوم لي بأرضك حاجة ... وما كل يوم لي إليك رسول # وقال المجنون «3» : [طويل] # وإني لأستغشي وما بي نعسة ... لعل خيالا منك يلقى خياليا «4» # وأخرج من بين الجلوس لعلني ... أحدث عنك النفس في السر خاليا # وقال أيضا: # فأدنيتني حتى إذا ما ملكتني ... بقول يحل العصم سهل الأباطح «5» # تجافيت عني حين لا لي حيلة ... وخلفت ما خلفت بين الجوانح # ونحوه قول العباس بن الأحنف: [بسيط] # أشكو الذي أذاقوني مودتهم ... حتى إذا أيقظوني في الهوى رقدوا # واستنهضوني فلما قمت منتهضا ... من ثقل ما حملوني في الهوى قعدوا # PageV04P136 # وقال بعض المحدثين: [مجتث] # من كان يبكي لما بي ... من طول وجد رسيس «1» # فالآن قبل وفاتي ... «لا عطر بعد عروس» «2» # وقال العباس بن جرير من ولد خالد بن عبد الله: [مديد] # ظلت الأحزان تكحلني ... مضضا طالت له سنتي «3» # من هوى ظبي كأن له ... أربا بالصد في ترتي «4» # قد حمى عني محاسنه ... وحمى تقبيله شفتي # شركت عيناه ظالمة ... في دمي من عظم ما جنت «5» # وقال ابن الطثرية: [طويل] # وإن كنتم ترجون أن يذهب الهوى ... يقينا وتروى بالشراب فننقعا «6» # فردوا هبوب الريح أو غيروا الجوى ... إذا حل ألواذ الحشا فتمنعا «7» # تلفت نحو الحي حتى وجدتني ... وجعت من الإصغاء ليتا وأخدعا «8» # PageV04P137 # وقال ابن ميادة «1» : [طويل] # بنفسي وأهلي من إذا عرضوا له ... ببعض الأذى لم يدر كيف يجيب # ولم يعتذر عذر البريء ولم يزل ... له سكتة حتى يقال مريب # وقال علي بن الجهم في رقعة أتته بخط جارية: [سريع] # ما رقعة جاءتك مثنية ... كأنها خد على خد «2» # نبذ سواد في بياض كما ... ذر فتيت المسك في الورد «3» # ساهمة الأسطر مصروفة ... عن ملح الهزل إلى الجد «4» # يا كاتبا أسلمني عتبه ... إليه حسبي منك ما عندي # وقال جرير: [طويل] # أتجمع قلبا بالعراق فريقه ... ومنه بأظلال الأراك فريق «5» # أوانس أما من أردن عناءه ... فعان ومن أطلقن فهو طليق # دعون الهوى ثم ارتمين قلوبنا ... بأسهم أعداء وهن صديق # وقال آخر: [بسيط] # لذان تضنيهما للبين فرقته ... ولا يملان طول الدهر ما اجتمعا «6» # مستقبلان بساه من شبابهما ... إذا دعا دعوة الداعي الهوى شمعا «7» # PageV04P138 # لا يعجبان لقول الناس عن عرض ... بل يعجبان لما قالا وما سمعا «1» # وقال أعرابي: [طويل] # وقلن لها سرا وقيناك لا يقم ... صحيحا فإن لم تقتليه فألممي # فأذرت قناعا دونه الشمس واتقت ... بأحسن موصولين كف ومعصم «2» # فراح وما أدري أفي طلعة الضحى ... يروح أم داج من الليل مظلم # وقال آخر: [بسيط] # يا أحسن الناس من قرن إلى قدم ... لم ألق مثلك في حل ولا حرم «3» # يا من تلبس حسن الغانيات به ... قد خط قبلك فيما خط بالقلم # وقال ذو الرمة «4» : [طويل] # وقد كنت أبكي والنوى مطمئنة ... بنا وبكم من علم ما البين صانع # وأشفق من هجرانك ويشفني ... مخافة وشك البين والشمل جامع «5» # وأهجركم هجر البغيض وحبكم ... على كبدي منه شؤون صوادع «6» # وقال أيضا: [طويل] # وقد كنت أخفي حب مي وذكرها ... رسيس الهوى حتى كأن لا أريدها # فما زال يغلوا حب مية عندنا ... ويزداد حتى لم نجد ما يزيدها # PageV04P139 # وقال: [طويل] # وما زلت أطوي النفس حتى كأنها ... بذي الرمث لم تخطر على بال ذاكر «1» # حياء وإشفاقا من الركب أن يروا ... دليلا على مستودعات الضمائر # وقال آخر: [خفيف] # قل لحادي المطي روح قليلا ... نجعل العيس سيرهن ذميلا «2» # لا تقفها على السبيل ودعها ... يهدها شوق من عليها السبيلا # وقال آخر: [طويل] # فإن يرتحل صحبى بجثمان أعظمي ... يقم قلبي المحزون في منزل الركب # ونحوه: [مجزوء الكامل المرفل] # جسد مقيم في الديا ... ر وروحه في الظاعنين # وقال آخر: [طويل] # لعمر أبي المحضير أيام نلتقي ... بما لا نلاقيها من الدهر أكثر # يعدون يوما واحدا إن أتيتها ... وينسون ما كانت من الدهر تهجر # وقال حميد بن ثور: [طويل] # وقلن لها قومي فديناك فاركبي ... فأومت بلالا غير ما أن تكلما «3» # يهادينها حتى لوت بزمامه ... بنانا كهداب الدمقس ومعصما «4» # من البيض عاشت بين أم عزيزة ... وبين أب بر أطاع وأكرما # PageV04P140 # منعمة لو يصبح الذر ساريا ... على جلدها نضت مدارجه دما «1» # فما ركبت حتى تطاول يومها ... وكانت لها الأيدي إلى الحدب سلما «2» # فجرجر لما كان في الخدر نصفها ... ونصف على دأياته ما تحرما «3» # وما كاد لما أن علته يقلها ... بنهضته حتى اطمأن وأعصما «4» # وحتى تداعت بالنقيض جباله ... وهمت بواني زوره أن تحطما «5» # وأثر في صم الصفا نفثاته ... ورمت سليمى أمره ثم صمما «6» # فسبحن واستهللن لما رأينه ... بها ربذا سهل الأراجيح مرجما «7» # من البيض مكسال إذا ما تلبست ... بحبل امرىء لم ينج منها مسلما «8» # رقود الضحى لا تقرب الجيرة القصى ... ولا الجيرة الأدنين إلا تجشما # وليست من اللاتي يكون حديثها ... أمام بيوت الحي إن وإنما # وقال قيس بن ذريح «9» : [طويل] # تعلق روحي روحها قبل خلقنا ... ومن بعد ما كنا نطافا وفي المهد «10» # PageV04P141 # فزاد كما زدنا فأصبح ناميا ... فليس وإن متنا بمنفصم العهد «1» # ولكنه باق على كل حادث ... وزائرنا في ظلمة القبر واللحد # يكاد حباب الماء يخدش جلدها ... إذا اغتسلت بالماء من رقة الجلد «2» # ولو لبست ثوبا من الورد خالصا ... لخدش منها جلدها ورق الورد # يثقلها لبس الحرير للينها ... وتشكو إلى جاراتها ثقل العقد # وأرحم خديها إذا ما لحظتها ... حذارا للحظي أن يؤثر في الخد # تم كتاب النساء، وهو الكتاب العاشر من عيون الأخبار، لابن قتيبة رحمة ~~الله عليه، وتم بتمامه كتاب عيون الأخبار. وكتبه الفقير إلى رحمة الله ~~تعالى إبراهيم بن عمر ابن محمد بن علي الواعظ الجزري، في شهور سنة أربع ~~وتسعين وخمسمائة. # والحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على خير خلقه ومظهر حقه محمد وآله ~~أجمعين جاء في أول الجزء العاشر على ظهر الصفحة الأولى من النسخة الخطية ~~التي نقل عنها الأصل الفتوغرافي ما يأتي: [خفيف] # قال لي قائل وقد لاح في فو ... دي مستشرقا بياض القتير «3» # لم يعاف البياض بيض الغواني ... قلت علمي وأنت عين الخبير # ليس كره النساء للشيب إلا ... أنه منذر بنوم الأيور # روي عن علي عليه السلام أنه سئل عن صفة الجماع فقال: عورات تجتمع وحياء ~~يرتفع، إذا ظهر للعيون كان أشبه شيء بالجنون. الإقامة عليه # PageV04P142 # هرم، والإفاقة منه ندم؛ ثمرة حلاله الولد، إن عاش أفتن «1» ، وإن مات ~~أحزن: [طويل] # إذا لم يكن في منزل المرء حرة ... مدبرة ضاعت مروءة داره # وقيل: اجتمع جماعة من الشعراء عند عبد الملك بن مروان فتذاكروا بيت نصيب ~~وهو قوله: [طويل] # أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ... أوكل بدعد من يهيم بها بعدي # فما في القوم إلا من عابه وأزرى على نصيب فيه، فقال عبد الملك: # فما كنتم تقولون أنتم؟ فقال واحد منهم: كنت أقول يا أمير المؤمنين: # أهيم بدعد ما حييت وإن أمت ... فيا ليت شعري من يهيم بها بعدي # فقال له عبد الملك: أنت أسوأ رأيا من نصيب. فقالوا: فماذا كنت تقول أنت ~~يا أمير المؤمنين؟ قال: كنت أقول: # أهيم بدعد ما حييت وإن أمت ... فلا صلحت دعد لذي خلة بعدي # فقالوا: أنت والله أشعر الثلاثة يا أمير المؤمنين. PageV04P143