#####ARABICA#SUBJECT#


######## BEGofRECORD ###################################################
#000000# 000.SortField	:: Shamela_0023790
#NewRec# 000.BookURI	:: #0276.IbnQutaybaDinawari.CuyunAkhbar
#NewRec# 010.AuthorAKA	:: NODATA
#NewRec# 010.AuthorNAME	:: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى: 276هـ)
#NewRec# 011.AuthorBORN	:: NOTGIVEN
#NewRec# 011.AuthorDIED	:: 276
#NewRec# 019.AuthorDIED	:: NODATA
#NewRec# 020.BookTITLE	:: عيون الأخبار
#NewRec# 020.BookTITLESUB	:: NODATA
#NewRec# 021.BookSUBJ	:: الأدب والبلاغة
#NewRec# 022.BookVOLS	:: 4
#NewRec# 025.BookLANG	:: NODATA
#NewRec# 029.BookTITLEalt	:: NODATA
#NewRec# 030.LibURI	:: Shamela_0023790
#NewRec# 030.LibURIextra	:: NODATA
#NewRec# 031.LibREADONLINE	:: http://shamela.ws/browse.php/book-23790
#NewRec# 031.LibURL	:: http://shamela.ws/index.php/book/23790
#NewRec# 031.LibURLFILE	:: NODATA
#NewRec# 031.LibURLextra	:: NODATA
#NewRec# 040.EdALL	:: NODATA
#NewRec# 040.EdEDITOR	:: NODATA
#NewRec# 041.EdNUMBER	:: NODATA
#NewRec# 041.EdNumber	:: NODATA
#NewRec# 043.EdPUBLISHER	:: دار الكتب العلمية -بيروت
#NewRec# 044.EdPLACE	:: NODATA
#NewRec# 045.EdYEAR	:: 1418 هـ
#NewRec# 049.EdISBN	:: NODATA
#NewRec# 049.EdPAGES	:: NODATA
#NewRec# 049.EdPHYSICAL	:: NODATA
#NewRec# 049.EdVOLUME	:: NODATA
#NewRec# 090.RecMISC	:: NODATA
#NewRec# 999.MiscINFO	:: NODATA



#####ARABICA#SUBJECT#XXX#
# PageV00P000
### | الجزء الاول
# بسم الله الرحمن الرحيم
### | المقدمة
# هذا كتاب «عيون الأخبار» أقدمه للقارىء الكريم بحلة جديدة بعد أن تجشمت
~~عناء مراجعته غير مرة. ألفه ابن قتيبه ليكون تذكرة لأهل العلم وتبصرة لمغفل
~~التأدب ومستراحا للملوك من كد الجد والتعب وذلك حين تبين شمول النقص وشغل
~~الخليفة العباسي عن إقامة سوق الأدب. يقول في مقدمة هذا الكتاب: «وإني
~~تكلفت لمغفل التأدب من الكتاب كتابا في المعرفة وفي تقويم اللسان واليد حين
~~تبينت شمول النقص ودروس العلم وشغل السلطان عن إقامة سوق الأدب حتى عفا
~~ودرس ... » وفي مقدمة كتابه «أدب الكاتب» أوضح أيضا حال الأدب المتردية في
~~عصره فقال: «فإني رأيت أكثر أهل زماننا هذا عن سبيل الأدب ناكبين «1» ، ومن
~~اسمه متطيرين «2» ، ولأهله كارهين: أما الناشىء «3» منهم فراغب عن التعليم،
~~والشادي «4» تارك للازدياد، والمتأدب في عنفوان الشباب ناس أو متناس ...
~~وصار العلم عارا على صاحبه، والفضل نقصا، وأموال الملوك وقفا على شهوات
~~النفوس ... » ونحن نقول: كيف يجرؤ
# PageV01P003
# ابن قتيبه على هذا القول وبغداد آنذاك مقر الثقافة الإسلامية المزدهرة
~~ومركز مرموق للحياة الأدبية والعقلية معا؟
# وإذا لم تنحصر موضوعات «عيون الأخبار» «1» في القرآن والسنة وشرائع الدين
~~وعلم الحلال والحرام فإنها- كما يقول ابن قتيبة- مرشدة لكريم الأخلاق،
~~زاجرة عن الدناءة، ناهية عن القبيح، باعثة على صواب التدبير؛ لأن علم الدين
~~والحلال والحرام تقليد لا يجوز أن نأخذه إلا عمن نراه حجة.
# كذلك لم يكن كتابه هذا وقفا على طالب الدنيا دون طالب الآخرة، ولا على
~~خواص الناس دون عوامهم، ولا على ملوكهم دون سوقتهم، بل وفى كل فريق منهم
~~قسمه. ولكي يروح عن القارىء من كد الجد، ضمن هذا الكتاب نوادر طريفة وكلمات
~~مضحكة تدخل في باب المزاح والفكاهة. يقول: «مثل هذا الكتاب مثل المائدة
~~تختلف فيها مذاقات الطعوم لاختلاف شهوات الآكلين» .
# وكان ابن قتيبة يتلقط أخباره عن جلسائه وإخوانه وعمن فوقه في السن
~~والمعرفة، كما وقف على كتاب التاج، وكتاب الآيين، وكتاب إبرويز، وآداب ابن
~~المقفع، وكتب الهند ولكن دون أن يذكر اسما لكتاب هندي اعتمد عليه.
# يقول مثلا: «قرأت في كتاب للهند إن فلانا ... » كما اعتمد على أقوال علي
~~ابن أبي طالب، رضي الله عنه، وعلى أقوال بزرجمهر، وإسحاق بن راهويه، وأبي
~~حاتم السجستاني، وأحمد بن الخليل، وعبد الرحمن بن عبد المنعم، وأبي سهل،
~~وعبد الملك بن مروان، وميمون بن ميمون، والمدائني، وأبي عباد الكاتب، وابن
~~الأعرابي، ومحمد بن عبيد، ومحمد بن داود، وعلي بن محمد، وابن سيرين وغيرهم.
~~وقد لجأ إلى الإتيان بأخبار وأشعار اتضعت عن
# PageV01P004
# قدر كتابه لسببين؛ أحدهما الحاجة إلى ذلك، والآخر أن الحسن إذا وصل بمثله
~~نقص نوراهما.
# صنف كتابه أبوابا مقرنا الباب بشكله، والخبر بمثله، والكلمة بأختها ليسهل
~~على المتعلم علمها وعلى الدارس حفظها. وهذا الكتاب حلية الأدب، ونتاج أفكار
~~الحكماء، ولقاح عقول العلماء، وسير الملوك وآثار السلف. قسم المؤلف فيه
~~الأخبار والأشعار وجمعها في عشرة كتب؛ كل كتاب بمثابة باب.
# فالكتاب الأول هو كتاب السلطان، وفيه أخبار السلطان وسيرته وسياسته، إلى
~~جانب اختياره القضاة والحجاب والكتاب، وفيه يكثر من النقل عن الفرس والهند
~~مما يشير إلى تأثر الأدب العربي بأدب هؤلاء، ولكنه في موضوع القضاء لم ينقل
~~إلا عن أحكام العرب والمسلمين. والكتاب الثاني هو كتاب الحرب، وفيه الأخبار
~~عن آداب الحرب ومكايدها، ووصايا الجيوش وعددها وسلاحها.
# وفي الكتاب الثالث يسهب المؤلف في الحديث عن مخايل السؤود وأسبابه ويتحدث
~~عن الذل والمروءة والغنى والفقر والبيع والشراء. والكتاب الرابع هو كتاب
~~الطبائع والأخلاق المذمومة، وفيه الأخبار عن تشابه الناس في الطبائع، إلى
~~جانب طبائع الجن والسباع والطير والحشرات. والكتاب الخامس هو كتاب الهلم
~~والبيان، وفيه الأخبار عن العلماء، والبيان والبلاغة والخطب والمقامات ووصف
~~الشعر، إلا أن المؤلف لم يعرض للشعر بالتفصيل؛ لأنه أفرد للشعراء كتابا هو
~~«الشعر والشعراء» ، وهو إذا ذكر نتفة في هذا الكتاب، فإنما كراهية منه أن
~~يخليه من فن من الفنون. والكتاب السادس كتاب الزهد، وفيه أخبار الزهاد،
~~ومناجاتهم ومواعظهم وذكر الدنيا والموت، ينقل فيه الكثير عن اليهود
~~والنصارى. ثم يليه كتاب الإخوان، ويحث فيه على حسن اختيار الإخوان. وبعده
~~كتاب الحوائج، ويتضمن الأخبار عن استنجاح الحوائج بالكتمان والصبر والهدية
~~والرشوة ولطيف الكلام. ثم الكتاب التاسع، وهو كتاب الطعام، وفيه الأخبار عن
~~الأطعمة الطيبة، والحلواء، وما يأكله فقراء
# PageV01P005
# الأعراب، وما يصلح الأبدان من الغذاء والحمية وشرب الدواء، ومضار الأطعمة
~~ومنافعها، إلى جانب نتف من طب العرب والعجم. وهو هنا ينقل عن كتاب الحيوان
~~للجاحظ وكتب أرسطو، ولكنه يعرض المعلومات عرض مدرك لأمور الطب عارف بها.
~~وأخيرا كتاب النساء، وفيه الأخبار عن اختلاف النساء في أخلاقهن وخلقهن وما
~~يختار منهن للنكاح وما يكره، خلا أخبار عشاق العرب. وهكذا اختار ابن قتيبة
~~خير ما روي فرتبه وبوبه وجمع ما تشابه منه تحت عنوان واحد لكل كتاب من كتبه
~~العشرة، فظهر أديبا حسن الذوق في الإختيار يمتاز عن غيره من الأدباء في هذا
~~الميدان، بحيث أوصل عملية الاختيار إلى مرحلة الكمال والترتيب.
# ولقد ضمن ابن قتيبة كتابه أبياتا من الشعر مشاكلة لأخباره. ويتضح من
~~منهجه الذي رسمه في مقدمة كتابه أنه صاحب منهاج حديث يعتمده الكثير من
~~أدبائنا في الوقت الحاضر، ولا يؤخذ عليه سوى استطراده أو تكراره لأخبار نحن
~~بغنى عنها.
# وهذا الكتاب صدى لشخصية صاحبه، فهو أديب رفيع الذوق في انتخاب الأخبار،
~~مثقف ثقافة واسعة، كثير الميل إلى الأدب والتاريخ. كما يعد كتابه مرجعا ذا
~~فائدة كبيرة في عالم الأخبار والأدب، والمؤلف فيه صاحب ملكة مرهفة للتعبير
~~النثري الدقيق، مما جعله فريدا بين كتب القديم وأحد مصادر النقل الرئيسية،
~~تأثر به ابن عبد ربه في كتابه «العقد الفريد» كثيرا سواء في الترتيب
~~والتبويب أو فيما جاء به من موضوعات.
# ورغم أنه طبع غير مرة في غير بلد فإني رأيت أن أعنى به لما فيه من تصحيف
~~وتحريف ونقص وزيادة، فراجعته وقابلت كثيرا من نصوصه بما يوافقها في مصادر
~~أخرى ككتاب البيان والتبيين للجاحظ، والعقد الفريد لابن عبد ربه، والأغاني
~~لأبي الفرج الأصفهاني، والكامل في اللغة والأدب للمبرد، والكامل في التاريخ
~~لابن الأثير وغيرها من المصادر والمراجع. ونظرت فيه
# PageV01P006
# بدقة متناهية، وقمت بضبط ألفاظه، وأوضحت ما غمض فيه من مشكلات مكملا ما
~~نقص من عباراته ومتحريا أصح ما قيل في نسبة الشعر والنثر إلى أصحابه، فجشمت
~~الأمر معتمدا في ذلك النصب على الراحة، فكان أن ترجمت لأكثر من ثلاثماية
~~شخصية أدبية وعلمية وفسرت أكثر من تسعين آية قرآنية وردت جميعها في الجزئين
~~الأول والثاني مع تحديد العديد من المواضع والأماكن؛ لأن الجزئين الثالث
~~والرابع قام بشرحهما وضبطهما زميلي الدكتور مفيد قمحية. وبذلك خرج هذا
~~الكتاب في ثوب قشيب لم يعتد القراء على مثله من الطبعات السابقة التي تكاد
~~تخلو من الحواشي والتوضيحات، راجيا أن يشبع رغبات أهل العلم وملتمسا العذر
~~منهم إن هم عثروا فيه على خطأ؛ ذلك العصمة ليست إلا لرب العالمين.
# وارتأيت أن أتمم عملي هذا بتقديم نبذة عن سيرة المؤلف موجزة، فأقول: هو
~~الكاتب أبو «1» محمد عبد الله بن المسلم بن قتيبه الدينوري (بكسر الدال
~~وسكون الياء وفتح النون والواو معا وكسر الراء وتشديد الياء) سمي بذلك لأنه
~~ولي قضاء الدينور مدة فنسب إليها «2» . والدينور بلدة من بلاد الجبل عند
~~قرميسين خرج منها خلق كبير «3» . وقال عنه السمعاني: إنه من أهل الدينور،
~~أقام بها مدة فنسب إليها «4» . وقيل: المروزي (بفتح الميم والواو وسكون
~~الراء ثم الزاي المكسورة والياء المشدودة) نسبة إلى مرو الشاهجان (بسكون
~~الهاء) ومرو الشاهجان مدينة عظمى تبعد أربعين فرسخا عن مدينة مروروذ، وهي
~~إحدى كراسي خراسان، وكراسي خراسان أربع مدن؛ مرو
# PageV01P007
# الشاهجان، ونيسابور، وهراة، وبلخ. قيل لها: مرو الشاهجان لتتميز عن مرو
~~الروذ. والشاهجان لفظ عجمي معناه «العظيم» و «روح الملك» ؛ فالشاه:
# الملك، والجان: الروح. ومرو هذه بناها الإسكندر ذو القرنين، وكانت سرير
~~الملك بخراسان، وزادوا في النسبة إليها حرف الزاي فيقال: مروزي كما قالوا
~~في النسبة إلى الري: رازي، وإلى إصطخر: إصطخرزي. ومرو روذ (بفتح الميم
~~وسكون الراء وفتح الواو وتشديد الراء المضمومة وتسكين الواو) أشهر مدن
~~خراسان، وهي مدينة مبنية على نهر، والنهر يقال له بالعجمية «الروذ» بضم
~~الراء وسكون الواو، والنسبة إليها مرو روذي ومروزي «1» .
# وأبو محمد من أصل فارسي، إذ ولد أبوه مسلم بمرو، لذا يقال له المروزي «2»
~~. وذكر الخطيب البغدادي والسمعاني أن ولادة أبي محمد كانت ببغداد سنة 213
~~«3» ه. وقال ابن خلكان: ولد ابن قتيبة ببغداد، وقيل:
# بالكوفة «4» . وقال النديم وابن الأنباري: ولد في الكوفة في مستهل رجب
~~سنة 213 «5» ه، ولذلك يقال له الكوفي. ولم يشر ابن الأثير إلى مكان ولادته
~~بل اكتفى بالقول: «وهو كوفي» «6» . وقال ابن خلكان والسمعاني والسيوطي إنه
~~نزل بغداد فتربى فيها وسكنها وعلى أهل العلم فيها تثقف حتى قام فيها بمهمة
~~التعليم مدة «7» . وقال القفطي: ولد ببغداد ونشأ بها وتأدب «8» . وقال
~~بروكلمان:
# ولي ابن قتيبة قضاء الدينور ثم انتقل إلى بغداد فظل يزاول التدريس
~~والتعليم
# PageV01P008
# بها إلى أن توفي سنة 276 «1» ه. وقتيبه (بضم القاف وفتح التاء وسكون
~~الياء وفتح الباء وبعدها هاء ساكنة) هي تصغير قتبة، بكسر القاف، وهي واحدة
~~الأقتاب أي الأمعاء، وبها سمي جده، والنسبة إليه قتبي (بضم القاف وفتح
~~التاء وكسر الباء وتشديد الياء) ولذلك لقبه الذهبي بالقتيبي «2» . وقال
~~السمعاني:
# القتيبي والقتبي نسبة إلى جده قتيبة المشهور بهذه النسبة، أو إلى بطن من
~~باهلة وهم رهط قتيبة بن معن بن باهلة ابن هلال «3» . وليس صحيحا ما ذكره
~~الزركلي من أن ابن الأنباري سماه عبد الله بن مسلمة وأن اسمه وقع في دائرة
~~المعارف الإسلامية محمد بن مسلم «4» .
# وكان ابن قتيبة في نظر الخطيب البغدادي وابن خلكان والقفطي والسيوطي وابن
~~العماد الحنبلي ثقة دينا فاضلا «5» . وقول الدارقطني إنه كان يميل إلى
~~التشبيه قول مردود في نظر السيوطي؛ لأن له مؤلفا في الرد على المشبهة «6» .
~~وأضاف السيوطي قائلا: قال البيهقي: كان ابن قتيبة كراميا «7» ،
# PageV01P009
# وقال الحاكم: إجتمعت الأمة على أنه كذاب، وقال الحافظ الذهبي: ما علمت
~~أحدا اتهم القتيبي في نقله مع أن الخطيب قد وثقه، وما أعلم الأمة أجمعت إلا
~~على كذب الدجال ومسيلمة «1» . وقال ابن العماد: قال الذهبي في المغني: عبد
~~الله بن قتيبة رجل صدوق، وقال الحاكم: أجمعت الأمة على أن القتيبي كذاب،
~~قلت هذا بغي وتخرص، بل قال الخطيب هو ثقة «2» .
# ولقد عاصر ابن قتيبة الجاحظ، إلا أنه كان على خلاف معه؛ فالجاحظ معتزلي
~~من المتكلمين، وهو من أهل السنة كما يقول ابن تيمية «3» . سكن بغداد ودرس
~~فيها علم الحديث دراسة واسعة على يد أساتيذ كبار، كان أولهم أبو يعقوب
~~إسحاق بن أبي الحسن إبراهيم بن مخلد بن تميم بن مرة الحنظلي المروزي
~~المعروف بابن راهويه. جمع هذا بين الحديث والفقه والورع وكان أحد أئمة
~~الإسلام. عده البيهقي في أصحاب الشافعي، وقال أحمد بن حنبل:
# إسحاق عندنا إمام من أئمة المسلمين. وقال إسحاق عن نفسه: أحفظ سبعين ألف
~~حديث وأذاكر بمئة ألف حديث، وما سمعت شيئا قط إلا حفظته. له مسند مشهور.
~~وكانت ولادته سنة 161 ه، وقيل: سنة 163 ه، وقيل: سنة 166 ه. رحل إلى الحجاز
~~والعراق واليمن والشام، وسمع من سفيان بن عيينة ومن في طبقته، وسمع منه
~~البخاري ومسلم والترمذي. سكن في آخر
# PageV01P010
# عمره نيسابور وتوفي بها سنة 238 ه، وقيل: سنة 237 ه، وقيل سنة 230 ه.
~~وراهويه (بفتح الراء وبعد الألف هاء ساكنة ثم واو مفتوحة وبعدها ياء وهاء
~~ساكنتان) لقب أبيه أبي الحسن إبراهيم، لقب به لأنه ولد في طريق مكة،
~~والطريق بالفارسية «راه» و «ويه» بمعنى «وجد» فكأنه وجد في الطريق «1» .
# وشيخ ابن قتيبة الثاني هو أبو حاتم السجستاني الذي ذكره أبو الطيب اللغوي
~~الحلبي والخطيب البغدادي وابن الأنباري فقالوا: أخذ ابن قتيبة عن أبي حاتم
~~السجستاني وغيره «2» . ولكن ابن خلكان والسيوطي أفردا له ترجمة كاملة
~~فقالا: أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان بن يزيد الجشمي السجستاني نحوي لغوي
~~مقرىء، نزيل البصرة وعالمها، إذ لم يكن جو بغداد يحلو له ليقيم به طويلا.
~~كان إماما في علوم القرآن والآداب، عالما باللغة والشعر وعلم العروض، وعنه
~~أخذ المبرد فكان يحضر حلقته ويلازم القراءة عليه وهو غلام. له شعر جيد،
~~ولكنه لم يكن حاذقا بالنحو فكان إذا اجتمع بالمازني في دار عيسى بن جعفر
~~الهاشمي تشاغل وبادر بالخروج خوف أن يسأله بمسألة في النحو. ونشير هنا إلى
~~أنه قرأ كتاب سيبويه على الأخفش مرتين، وروى عن أبي عبيدة والأصمعي
~~وغيرهما. وكان يختم القرآن في كل أسبوع.
# من مصنفاته: «إعراب القرآن» و «ما يلحن فيه العامة» و «الطير» و «المذكر
~~والمؤنث» و «النبات» و «المقصور والممدود» و «القراءات» و «الإدغام» و
~~«الحشرات» و «الوحوش» و «السيوف والرماح» . وكانت وفاته في سنة 248 ه، وقيل
~~سنة 250 ه، وقيل سنة 254 ه، وقيل سنة 255 ه، بالبصرة.
# والجشمي (بضم الجيم وفتح الشين وبعدها ميم مكسورة وياء مشددة) نسبة إلى
~~عدة قبائل، لكل منها جشم. والسجستاني (بكسر السين والجيم وسكون
# PageV01P011
# السين الثانية وفتح التاء) نسبة إلى سجستان الإقليم المشهور. وقيل: نسبة
~~إلى سجستان أو سجستانة إحدى قرى البصرة «1» .
# والثالث الذي حدث عنه ابن قتيبة ببغداد هو أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان بن
~~سليمان بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن زياد بن أبيه الزيادي. وقد ترجم له
~~السيوطي- نقلا عن ياقوت- فقال: كان الزيادي نحويا لغويا راوية، قرأ على
~~سيبويه كتابه ولم يتمه، وروى عن أبي عبيدة والأصمعي، وكان شاعرا ذا دعابة.
~~توفي سنة 249 ه. ومن مصنفاته «الأمثال» و «تنميق الأخبار» «2» .
# وترجم له ابن خلكان وذكر أحد تلاميذه ببغداد وهو أبو بكر يموت بن المزرع
~~العبدي البصري، وقال: قدم ابن المزرع بغداد في سنة 301 ه وهو شيخ كبير،
~~فحدث بها عن الزيادي، وأبي حاتم السجستاني، وأبي الفضل الرياشي، وعبد
~~الرحمن ابن أخي الأصمعي «3» . وقد ذكر القفطي هؤلاء الأساتيذ الثلاثة دون
~~أن يترجم لهم فقال: «روى (ابن قتيبة) عن العلماء أمثال إسحاق بن راهويه،
~~ومحمد بن زياد الزيادي، وأبي حاتم السجستاني» «4» . كما ذكرهم الخطيب
~~البغدادي والسمعاني وقالا: محمد ابن زياد الزيادي بدلا من إبراهيم بن سفيان
~~الزيادي. وأضافا إليهم أبا الخطاب زياد بن يحيى الحساني «5» .
# والرجل الرابع الذي حدث عنه ابن قتيبة هو أبو الفضل العباس بن الفرج
~~الرياشي اللغوي النحوي الذي ذكره أبو الطيب اللغوي وقال: أخذ ابن قتيبة عن
~~الرياشي وغيره «6» . وقد ترجم له السيوطي فقال: قرأ الرياشي النحو على
# PageV01P012
# المازني، وقرأ عليه المازني اللغة. وأضاف: قال السيرافي: كان الرياشي
~~عالما باللغة والشعر كثير الرواية عن الأصمعي، وأخذ عن المبرد، وله مصنفات
~~كثيرة منها كتاب الخيل وكتاب الإبل. قتله الزنج بالبصرة بالأسياف وهو يصلي
~~وذلك سنة 257 «1» ه. كذلك حدث ابن قتيبة عن رجال آخرين نذكر منهم عبد
~~الرحمن ابن أخي الأصمعي «2» ، وحرملة بن يحيى التجيبي المتوفى سنة 243 ه،
~~وأبا الخطاب زياد بن يحيى الحساني البصري المتوفى سنة 254 ه. ولم يذكر ابن
~~العماد من مشايخه سوى ابن راهويه فقال:
# «سكن (ابن قتيبة) بغداد وحدث بها عن ابن راهويه وطبقته» «3» .
# ولما اشتغل ابن قتيبة بالتدريس في بغداد تخرج عليه تلاميذ كثر نذكر منهم
~~ابنه أبا جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة. ولد أبو جعفر هذا ببغداد
~~وكان فقيها قاضيا روى عن أبيه كتبه المصنفة كلها. تولى القضاء بمصر، وكان
~~قدمها في 18 من جمادى الآخرة سنة 321 ه، وتوفي بها في شهر ربيع الأول سنة
~~322 ه وهو على القضاء «4» . وترجم له ياقوت في معجم الأدباء فقال: كان أحمد
~~كاتبا، حدث بكتب أبيه كلها بمصر حفظا ولم يكن معه كتاب، وحدث عنه أبو الفتح
~~المراغي النحوي، وعبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي وغيرهما. وقال السيوطي: حدث
~~عن عبد الله بن قتيبة ابنه القاضي أحمد «5» . وقال السمعاني: إن ابنه أبا
~~أحمد عبد الواحد بن أحمد بن عبد الله ابن مسلم بن قتيبة، المولود ببغداد
~~سنة 270 ه، روى بمصر عن أبيه عن جده كتبه المصنفة. وأضاف: كان حفيد ابن
~~قتيبة ثقة «6» .
# PageV01P013
# كذلك روى عن ابن قتيبة أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه بن المرزبان
~~الفارسي الفسوي. وقد ترجم له ابن خلكان فقال: إبن درستويه نحوي وعالم فاضل
~~أخذ فن الأدب عن ابن قتيبة والمبرد وغيرهما ببغداد، وأخذ عنه جماعة من
~~الأفاضل كالدارقطني وغيره، وأضاف قائلا: ولد ابن درستويه سنة 258 ه وتوفي
~~سنة 347 ه ببغداد، وكان أبوه من كبار المحدثين وأعيانهم. ودرستويه (بضم
~~الدال والراء وسكون السين وضم التاء وفتح الواو وسكون الياء) هكذا قاله
~~السمعاني، وقال ابن ماكولا في كتاب «الإكمال» : هو بفتح الدال والراء
~~والواو. وتصانيفه في غاية الجودة والإتقان، منها» تفسير كتاب الجرمي» و
~~«الإرشاد» في النحو، و «الهجاء» و «شرح الفصيح» و «المقصور والممدود» و
~~«غريب الحديث» و «معاني الشعر» و «الحي والميت» و «الأعداد» و «أخبار
~~النحويين» «1» . كذلك ترجم له السيوطي فقال: كان ابن درستويه أحد من اشتهر
~~وعلا قدره وكثر علمه، صحب المبرد ولقي ابن قتيبه، وكان جيد التصنيف، وأخذ
~~عن الدارقطني وغيره «2» . وهنا يناقض قول آبن خلكان السابق الذكر: «وأخذ
~~عنه جماعة من الأفاضل كالدارقطني وغيره» «3» .
# وأضاف السيوطي قائلا: كان ابن درستويه شديد الإنتصار للبصريين في النحو
~~واللغة «4» . كذلك ذكره الخطيب البغدادي وابن الأنباري فقالا: «وأخذ عنه
~~(عن ابن قتيبة) أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه وغيره» «5» . وقال
~~القفطي:
# روى عن ابن قتيبة العلماء كولده أحمد، وأبي محمد عبد الله بن جعفر بن
~~درستويه الفارسي «6» .
# PageV01P014
# وممن رووا عن ابن قتيبة نذكر أيضا أبا سعيد الهيثم بن كليب بن شريج ابن
~~معقل الشاشي البنكثي، وقد ترجم له ياقوت فقال: أصله من ترمذ (وقيل بكسر
~~التاء والميم جميعا، وقيل بضمهما) سكن بنكث (بكسر الباء وسكون النون وفتح
~~الكاف) فنسب إليها. وبنكث قصبة إقليم الشاش. وكان إماما أديبا حافظا رحالا
~~قرأ الأدب على أبي محمد عبد الله بن مسلم ببغداد، وروى عن عيسى بن أحمد
~~العسقلاني، وأبي عيسى الترمذي وغيرهما من أهل خراسان والعراق. روى عنه أبو
~~القاسم علي بن أحمد بن محمد الخزاعي. مات أبو سعيد بالشاش سنة 335 ه. وأضاف
~~ياقوت قائلا: وله مسند في مجلدين ضخمين سمعناه بمرو على أبي المظفر عبد
~~الرحيم بن أبي سعد الحافظ «1» . والشاش- كما يذكر ابن خلكان- مدينة وراء
~~نهر سيحون «2» .
# ومن تلاميذ صاحب «عيون الأخبار» نذكر كذلك أبا محمد قاسم بن أصبغ بن محمد
~~بن يوسف بن ناصح بن عطاء البياني، مولى الوليد بن عبد الملك بن مروان. وقد
~~ترجم له الحميدي فقال: إنه إمام من أئمة الحديث وحافظ مكثر مصنف، كان من
~~الثقة والجلالة بحيث اشتهر أمره. أصله من بيانة، وسكن قرطبة عاصمة بني أمية
~~بالأندلس، وبها مات سنة 340 ه عن سن عالية. سمع محمد بن وضاح، ومحمد بن عبد
~~السلام الخشني وجماعة، ثم رحل إلى بغداد فسمع أبا إسماعيل محمد بن إسماعيل
~~الترمذي، وأبا محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة. من مصنفاته «أحكام القرآن»
~~و «فضائل قريش» و «في الناسخ والمنسوخ» «3» . كذلك ترجم له السيوطي- نقلا
~~عن ابن الفرضي- فقال: كان ابن أصبغ بصيرا بالحديث والرجال، نبيلا في النحو
~~والشعر، سمع ببغداد من ثعلب والمبرد وابن قتيبة «4» .
# PageV01P015
# كذلك روى عن ابن قتيبة عبيد الله بن عبد الرحمن السكري، وإبراهيم بن محمد
~~بن أيوب الصائغ، وعبيد الله بن أحمد بن بكير التميمي «1» . ولم يذكر ابن
~~العماد سوى اثنين من تلاميذ ابن قتيبة هما أحمد بن عبد الله بن مسلم بن
~~قتيبة وابن درستويه «2» .
# ولقد اتسعت معارف ابن قتيبة بحيث بدا لنا حاملا صولجان المعرفة والعلم،
~~مرتديا ثوب الجدل والحوار، مصنفا من الفئة الأولى بين كبار العلماء
~~والأدباء والكتاب. تصانيفه متعددة النواحي تتناول معارف عصره وتعد من أمهات
~~المكتبة العربية والإسلامية. وكان هدفه من أكثر مصنفاته- كما يقول
~~بروكلمان- أن يقدم إلى طبقة الكتاب وأصحاب الدواوين ما يسد حاجتها من الأدب
~~والتاريخ، ولكنه تناول في اثنين من كتبه مسائل الخلاف التي كانت سائدة في
~~عصره، فراح يدافع بقوة عن القرآن والحديث تجاه مطاعن الفلاسفة وأهل الشك من
~~علماء الكلام «3» . ولقد أقرأ جميع مؤلفاته ببغداد إلى حين وفاته، وإليكها:
### | 1- 
# معاني الشعر الكبير: يدور هذا الكتاب، كما هو واضح من عنوانه، حول
~~موضوعات الشعر، وهو مطبوع في حيدر آباد، دائرة المعارف العثمانية، سنة 1949
~~(3 أجزاء في مجلدين) تحت اسم «كتاب المعاني الكبير في أبيات المعاني» .
~~ولقد ذكره النديم وقال: يحتوي على اثنتي عشر كتابا، منها كتاب الفرس ويضم
~~46 بابا، وقد عده القفطي «4» كتابا مستقلا بذاته. كتاب الإبل ويضم 16 بابا.
~~كتاب الحرب، عشرة أبواب. كتاب القدور، عشرون بابا. كتاب الديار، عشرة
~~أبواب. كتاب الرياح، أحد وثلاثون
# PageV01P016
# بابا. كتاب السباع والوحوش، سبعة عشر بابا. كتاب الهوام، أربعة وعشرون
~~بابا. كتاب الأيمان والدواهي، سبعة أبواب. كتاب النساء والغزل، باب واحد.
~~كتاب الشيب والكبر، ثمانية أبواب. كتاب تصحيف العلماء، باب واحد «1» . هذا
~~وذكر القفطي وبروكلمان هذا الكتاب باسم «معاني الشعر» وذكره الزركلي باسم
~~«المعاني» وقال: إنه مطبوع ويقع في ثلاثة مجلدات «2» . ولقد ذكر حاجي خليفة
~~كتبا لثعلب والأخفش وابن عبدوس الكوفي وابن درستويه تحمل اسم «معاني الشعر»
~~دون أن يذكر اسم ابن قتيبة أو كتابه «3» .
### | 2- 
# عيون الشعر: ذكره ابن النديم وقال: يحتوي على عشرة كتب هي؛ كتاب المراتب،
~~كتاب القلائد، كتاب المحاسن، كتاب المشاهد، كتاب الشواهد، كتاب الجواهر،
~~كتاب المراكب، كتاب المناقب، كتاب المعاني، وكتاب المدائح «4» .
### | 3- 
# الشعر والشعراء: ألفه ابن قتيبة- كما يذكر في مقدمته- في الشعراء، وأخبر
~~فيه عن الشعراء وأزمانهم وأحوالهم وقبائلهم وأسماء آبائهم، وعن أقسام الشعر
~~وطبقاته، وكان أكثر قصده للمشهورين من الشعراء الذين يعرفهم جل أهل الأدب.
~~وله طبعات عديدة، منها طبعة دار الثقافة ببيروت، سنة 1969، ويقع في جزئين.
~~وورد في الفهرست ودائرة المعارف الإسلامية بهذا الإسم «5» . وذكره أبو
~~الطيب اللغوي باسم «الشعراء» «6» كما ذكره ابن
# PageV01P017
# خلكان والقفطي والسيوطي وابن العماد الحنبلي باسم «طبقات الشعراء» «1» .
# ثم عاد ابن خلكان وذكره باسم «أخبار الشعراء» «2» .
### | 4- 
# المراتب والمناقب عن عيون الشعر: ذكره النديم والسيوطي دون تعليق «3» .
~~وقد يكون جزء من كتاب «عيون الشعر» الذي يحتوي على عشرة كتب، من بينها
~~كتابا «المراتب» و «المناقب» .
### | 5- 
# أدب الكاتب: ذكره ابن خلكان وقال: كان العلماء يقولون: كتاب أدب الكاتب
~~خطبة بلا كتاب لأنه طول الخطبة وأودعها فوائد. وأضاف قائلا:
# يحوي أدب الكاتب من كل شيء وهو مفنن، وإن كانت الخطبة فيه طويلة لا يعني-
~~كما يقول أكثر أهل العلم- أنه خطبة بلا كتاب «4» . ثم علق عليه في مكان آخر
~~فقال: صنفه ابن قتيبه للوزير أبي الحسن عبيد الله بن يحيى بن خاقان، وزير
~~المعتمد بن المتوكل الخليفة العباسي «5» . ولقد صرح ابن قتيبه بذلك في
~~مقدمة كتابه فقال: «فالحمد لله الذي أعاذ الوزير أبا الحسن- أيده الله- من
~~هذه الرذيلة، وأبانه بالفضيلة ... » «6» وذكره ابن خلدون فقال: «وسمعنا من
~~شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول هذا الفن (الأدب) وأركانه أربعة دواوين
~~وهي: أدب الكاتب لابن قتيبة، وكتاب الكامل للمبرد، وكتاب البيان والتبيين
~~للجاحظ، وكتاب النوادر لأبي علي القالي البغدادي. وما سوى هذه الأربعة فتبع
~~لها وفروع عنها» «7» . وذكر ابن خلكان أن أبا محمد عبد الله بن
# PageV01P018
# محمد المعروف بابن السيد البطليوسي الأندلسي المتوفى سنة 521 ه شرح هذا
~~الكتاب شرحا مستوفى، ونبه على مواضع الغلط منه، وفيه دلالة على كثرة اطلاع
~~الرجل، وسماه «الإقتضاب في شرح أدب الكتاب» «1» . وكتاب «الإقتضاب» هذا
~~حققه مصطفى السقا وحامد عبد المجيد، القاهرة، سنة 1980. وذكره حاجي خليفة
~~وقال: قيل إن كتاب «أدب الكاتب» خطبة بلا كتاب لطول خطبته مع أنه قد حوى من
~~كل شيء. وله شروح أفضلها شرح أبي محمد عبد الله بن محمد المعروف بابن السيد
~~البطليوسي، وهو شرح مفيد جدا ذكر منه أن غرضه تفسير الخطبة والتنبيه على
~~غلطه، وشرح أبياته، وقد قسم على ثلاثة أجزاء؛ الأول في شرح الخطبة، والثاني
~~في التنبيه على الغلط، والثالث في شرح أبياته، وسماه «الإقتضاب في شرح أدب
~~الكتاب» .
# ومنها شرح أبي منصور موهوب بن أحمد الجواليقي المتوفى سنة 539 ه، وسليمان
~~بن محمد الزهراوي، وأبي علي حسن بن محمد البطليوسي المتوفي سنة 576 ه،
~~وأحمد بن داود الجذامي المتوفى سنة 598 ه، وإسحاق بن إبراهيم الفارابي
~~المتوفي سنة 350 ه. وشرح بعضهم خطبته خاصة كأبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق
~~الزجاجي المتوفى سنة 339 ه، ومبارك بن مفاخر النحوي المتوفي سنة 500 ه،
~~وبعضهم شرح أبياته كأحمد بن محمد الخارزنجي المتوفى سنة 348 ه «2» . وذكره
~~بروكلمان وقال: صنفه ابن قتيبه قبل كتاب «عيون الإخبار» ، وقام بشرحه أبو
~~القاسم عبد الرحمن الزجاجي المتوفى سنة 337 ه، والجواليقي، وابن السيد
~~البطليوسي «3» . كما ذكره القفطي، وابن الأثير، والنديم، وابن الأنباري،
~~والسمعاني، وابن العماد الحنبلي دون تعليق «4» . وورد آسمه في دائرة
~~المعارف الإسلامية مع إشارة إلى
# PageV01P019
# أنه محقق سنة 1900 «1» . وذكره الخطيب البغدادي باسم «أدب الكتاب» «2»
~~وهذا الكتاب مطبوع في ليدن بريل سنة 1900، وهناك تحقيق آخر لمحمد محي الدين
~~عبد الحميد، القاهرة، سنة 1963، وطبعة أخرى حققها محمد الدالي، بيروت،
~~مؤسسة الرسالة 1982.
### | 6- 
# ديوان الكتاب: ذكره النديم والسيوطي وحاجي خليفة دون تعليق «3» .
### | 7- 
# إعراب القرآن: ذكره النديم والقفطي والسيوطي وابن العماد دون تعليق «4» .
~~وورد في دائرة المعارف الإسلامية هذه العبارة: هذا الكتاب بالنسبة إلينا من
~~الكتب الميتة «5» . وذكره ابن خلكان باسم «إعراب القراءات» «6» . وقد يكون
~~ذلك تحريفا من الناسخ، وكيفما اختلفت التسمية فإنهما كتاب واحد، وإن كتاب
~~«القراءات» الذي سيرد اسمه بعد قليل هو غير «إعراب القراءات» .
# وفي فصل «علم إعراب القرآن» ذكر حاجي خليفة عددا كبيرا من العلماء الذين
~~صنفوا في إعراب القرآن، دون أن يذكر اسم ابن قتيبة. من هؤلاء أبو حاتم سهل
~~بن محمد السجستاني المتوفى سنة 248 ه، وأبو العباس محمد ابن يزيد المعروف
~~بالمبرد النحوي المتوفى سنة 286 ه، وأبو زكريا يحيى ابن علي الخطيب
~~التبريزي المتوفى سنة 502 ه، وأبو عبد الله حسين بن أحمد المعروف بابن
~~خالويه وغيرهم. وأضاف قائلا: علم إعراب القرآن من فروع علم التفسير، ولكنه
~~في الحقيقة هو من علم النحو «7» .
# PageV01P020
### | 8- 
# معانى القرآن: ذكره السيوطي دون أي تعليق يذكر «1» .
### | 9- 
# مشكل القرآن: يبحث في قوة بيان العرب، وإعجاز القرآن ووجوهه واللحن
~~والمتشابه منه، وقد ذكره الخطيب البغدادي، والقفطي، وابن الأنباري،
~~والسمعاني، وابن خلكان، وابن العماد نقلا عن ابن خلكان، والسيوطي،
~~وبروكلمان «2» . وذكره النديم باسم «المشكل» «3» وقد يعني بذلك «مشكل
~~القرآن» أو «مشكل الحديث» . وورد في دائرة المعارف الإسلامية باسم «تأويل
~~مشكل القرآن» «4» . وبهذا الإسم الأخير شرحه ونشره السيد أحمد صقر،
~~القاهرة، دار إحياء الكتب العربية 1954. وطبع مرة ثانية في القاهرة، دار
~~التراث، سنة 1973. وقد جمع بينه وبين «غريب القرآن» العلامة ابن مطرف
~~الكناني في كتاب أسماه «كتاب القرطين» ، وطبع هذا الكتاب بالقاهرة.
### | 10- 
# غريب القرآن: هو تتمة لكتاب «مشكل القرآن» وقد ذكره الخطيب البغدادي،
~~والقفطي، وابن الأنباري، وابن خلكان، والسيوطي، وابن العماد، والبغدادي دون
~~تعليق «5» . وورد في الأعلام ودائرة المعارف الإسلامية باسم «تفسير غريب
~~القرآن» «6» ، وهو مطبوع بهذا الاسم الأخير بتحقيق السيد أحمد صقر،
~~القاهرة، دار إحياء الكتب العربية 1958.
### | 11- 
# الرد على القائل بخلق القرآن: ذكره السيوطي دون تعليق «7» .
# PageV01P021
### | 12- 
# القراءات: ذكره النديم دون تعليق «1» . وورد في دائرة المعارف الإسلامية
~~هذه العبارة: هذا الكتاب، بالنسبة إلينا، من الكتب الميتة «2» .
### | 13- 
# آداب القراءة: ذكره حاجي خليفة «3» .
### | 14- 
# غريب الحديث: يعالج هذا الكتاب مسائل الحديث منذ الرسول صلى الله عليه
~~وسلم حتى معاوية، وقد ذكره النديم وقال: أحسن فيه المؤلف «4» . وذكره
~~الخطيب البغدادي، والقفطي، وابن الأنباري، والسمعاني، وابن خلكان،
~~والسيوطي، وابن العماد نقلا عن ابن خلكان، دون تعليق يذكر «5» . وذكره حاجي
~~خليفة في فصل عنوانه «علم غريب الحديث والقرآن» فقال: جمع أبو عبيد القاسم
~~بن سلام المتوفى سنة 224 ه كتابا في غريب الحديث أفنى فيه عمره حتى لقد قيل
~~فيما يروى عنه أنه جمعه في أربعين سنة، وبقي كتابه في أيدي الناس يرجعون
~~إليه في غريب الحديث إلى عصر ابن قتيبة، فصنف هذا كتاب «غريب الحديث»
~~المشهور، «حذا فيه حذو أبي عبيد فجاء كتابه مثل كتابه أو أكبر منه، وقال في
~~مقدمته: أرجو أن لا يكون بقي بعد هذين الكتابين من غريب الحديث ما يكون
~~لأحد فيه مقال ولا غريب القرآن أيضا» «6» . وذكره الزركلي وقال: طبع منه
~~جزآن فقط في الهند، ومنه أجزاء مخطوطة في الخزانة الظاهرية بدمشق «7» .
# PageV01P022
### | 15- 
# مختلف الحديث: يذكر فيه المؤلف المشبهة وينسبهم إلى الافتراء على الله
~~تعالى في أحاديث التشبيه، كما يتهم فيه الجاحظ بأنه يذكر حجج النصارى على
~~المسلمين بأقوى مما يذكر الرد عليهم. ولقد ذكر هذا الكتاب كل من النديم،
~~والسمعاني، والسيوطي، ولكن دون تعليق «1» . وذكره ابن خلكان وحاجي خليفة
~~باسم «إختلاف الحديث» «2» . وذكره الزركلي وبروكلمان باسم «تأويل مختلف
~~الحديث» وقال هذا الأخير: يحاول فيه ابن قتيبة إبطال جميع اعتراضات
~~الفلاسفة على الحديث من وجهة نظر أهل السنة «3» . كذلك ورد في دائرة
~~المعارف الإسلامية بهذا الإسم الأخير وجاء فيها أنه من أشهر كتب ابن قتيبة
~~في الفقه «4» . كما طبع هذا الكتاب بهذا الإسم في مطبعة كردستان العلمية
~~سنة 1326 ه بتحقيق فرج الله زكي الكردي، ومحمود شكري الألوسي، ومحمود
~~شبندار زاد. وهناك طبعة القاهرة بتصحيح محمد زهري النجار، سنة 1966.
### | 16- 
# إختلاف تأويل الحديث: ذكره النديم والسيوطي دون تعليق «5» .
# ويرجح أن يكون هذا الكتاب نفس كتاب «مختلف الحديث» السابق الذكر.
### | 17- 
# مشكل الحديث: ذكره الخطيب البغدادي، والقفطي، وابن الأنباري، والسمعاني،
~~وابن خلكان، وابن العماد «6» . وذكره النديم باسم «المشكل» «7» وقد يعني به
~~«مشكل الحديث» أو «مشكل القرآن» .
# PageV01P023
### | 18- 
# المشتبه من الحديث والقرآن: ذكره الزركلي وقال: إنه ما يزال مخطوطا «1» .
~~وذكره بروكلمان باسم «المتشابه من الحديث والقرآن» «2» .
### | 19- 
# إصلاح غلط أبي عبيد في غريب الحديث: يكشف هذا الكتاب، كما يتضح من
~~عنوانه، أخطاء أبي عبيد القاسم بن سلام، التي وردت في كتابه «غريب الحديث»
~~. ولقد ذكره النديم «3» . وسماه حاجي خليفة «إصلاح غلط أبي عبيدة» وقال:
~~شرحه أبو المظفر محمد بن آدم الهروي المتوفى سنة 414 «4» ه. وذكره القفطي،
~~وابن خلكان، وابن العماد نقلا عن ابن خلكان، باسم «إصلاح الغلط» «5» .
~~وذكره السيوطي باسم «إصلاح غلط أبي عبيد» «6» .
# وورد في دائرة المعارف الإسلامية باسم «إصلاح الغلط في غريب الحديث لأبي
~~عبيد القاسم بن سلام» (آيا صوفيا، 457، ظاهرية، 7899) «7» .
### | 20- 
# المسائل والجوابات: ذكره النديم، وابن خلكان، والقفطي دون تعليق «8» .
~~وذكره بروكلمان بهذا الإسم أيضا وقال: أكثره مستمد من الحديث «9» . وذكره
~~السيوطي والزركلي ودائرة المعارف الإسلامية باسم «المسائل والأجوبة» «10» .
~~ولقد طبع هذا الكتاب باسم «المسائل والأجوبة في
# PageV01P024
# الحديث واللغة» ، القاهرة، مكتبة القدسي، سنة 1349 ه، ويقع في ثمان
~~وعشرين صفحة تدور كلها حول أجوبة ابن قتيبة عن أسئلة كانت وجهت إليه، وتختص
~~الأسئلة والأجوبة بالحديث أكثر مما تختص باللغة.
### | 21- 
# جامع الفقه: ذكره النديم دون تعليق «1» . وذكره القفطي باسم كتاب «الفقه»
~~«2» . كذلك ورد بهذا الإسم في دائرة المعارف الإسلامية مع العبارة التالية:
# هذا الكتاب، بالنسبة إلينا، من الكتب الميتة «3» .
### | 22- 
# التفقيه: ذكره النديم وقال: «هذا الكتاب رأيت منه ثلاثة أجزاء بنحو
~~ستمائة ورقة بخط نزك «4» وكانت تنقص على التقريب جزئين، وسألت عن هذا
~~الكتاب جماعة من أهل الجبل فزعموا أنه موجود وهو أكبر من كتاب البندنيجي
~~وأحسن» «5» . كذلك بهذا الإسم كل من القفطي وحاجي خليفة «6» .
# وذكره ابن خلكان باسم «التقفية» «7» ، وأعتقد أنه خطأ من المحقق وليس من
~~الناسخ.
### | 23- 
# دلائل النبوة: ذكره النديم، والسيوطي، وحاجي خليفة دون تعليق «8» . كما
~~ورد في دائرة المعارف الإسلامية بنفس الإسم مع التعليق التالي: هذا كتاب لا
~~أهمية له تذكر، فهو بالنسبة إلينا، من الكتب الميتة «9» .
# PageV01P025
# وذكره ابن الأنباري باسم «دلائل النبوة من الكتب المنزلة على الأنبياء
~~عليهم السلام» «1» .
### | 24- 
# معجزات النبي صلى الله عليه وسلم: ذكره أبو الطيب اللغوي الحلبي «2» .
### | 25- 
# إدريس النبي: لم يرد اسم هذا الكتاب في أي من المصادر التي تترجم لابن
~~قتيبة، وهو مخطوط في مكتبة الجامعة الأميركية تحت رقم. L Sa A LL 21 I 170.
~~L MS LL.
### | 26- 
# خلق الإنسان: يبحث في أسماء أعضاء الإنسان وصفاته، وقد ذكره النديم،
~~والسيوطي، وحاجي خليفة دون تعليق «3» .
### | 27- 
# الرد على المشبهة: في هذا الكتاب يدفع ابن قتيبة عن نفسه تهمة الزندقة
~~التي رمي بها، وهو لم يرم بها إلا لأنه تخطى معاصريه إلى مرتبة الأفذاذ
~~النابهين ووصل إلى درجة من العلم لم يستطيعوا التوصل إليها. ولقد ذكره بهذا
~~الإسم كل من النديم، والقفطي، والسيوطي «4» . وتجدر الإشارة هنا أن حاجي
~~خليفة ذكر كتاب «الرد على المشبهة» للقاضي بدر الدين ابن جماعة محمد بن
~~إبراهيم الشافعي المتوفى سنة 733 ه دون أن يذكر اسم ابن قتيبة «5» . وورد
~~في تاريخ الأدب العربي ودائرة المعارف الإسلامية «6» باسم «الإختلاف في
~~اللفظ والرد على الجهمية «7» والمشبهة» . طبع هذا الكتاب
# PageV01P026
# بالإسم الأخير بتصحيح الشيخ محمد زاهر الكوثري، القاهرة، مكتبة القدس،
~~سنة 1349 ه. ويقع في ست وثمانين صفحة.
### | 28- 
# جامع النحو: ذكره النديم والسيوطي «1» . وقال حاجي خليفة: وهو كبير وصغير
~~«2» . وذكره أبو الطيب اللغوي والقفطي باسم «النحو» «3» كما ورد في دائرة
~~المعارف الإسلامية بهذا الإسم الأخير وعد فيها من الكتب الميتة «4» .
### | 29- 
# جامع النحو الصغير: ذكره النديم والسيوطي «5» . وذكره القفطي باسم «النحو
~~الصغير» «6» .
### | 30- 
# التسوية بين العرب والعجم: ذكره النديم والقفطي وبروكلمان «7» .
### | 31- 
# فضل العرب على العجم: ذكره الزركلي وقال: إنه ما يزال مخطوطا ويقع في
~~أربعين ورقة «8» . والمعلوم أن الأستاذ جمال الدين القاسمي نشر بعضا من هذا
~~الكتاب في مجلة المقتبس، المجلد الرابع ص 657- 668 ومن ص 721 حتى 735. كذلك
~~نشر الأستاذ محمد كرد علي قطعة منه في رسائل البلغاء، طبعة 1331 ه/ 1913 م
~~من ص 269 حتى 295. وورد
# PageV01P027
# هذا الكتاب في دائرة المعارف الإسلامية باسم كتاب «العرب» وجاء فيها:
# حققه كرد علي في رسائل البلغاء سنة 1946 «1» . ونحن نعتقد أن ابن عبد ربه
~~نقل عنه في العقد الفريد، الجزء الثالث في فصل عنوانه: «كتاب اليتيمة في
~~النسب وفضائل العرب» .
### | 32- 
# الرد على الشعوبية: ذكره الزركلي وقال: إنه مطبوع. وذكره بروكلمان وقال:
~~إنه مطبوع في رسائل البلغاء لمحمد كرد علي، القاهرة سنة 3131 ه/ 1913 «2»
~~م.
### | 33- 
# العرب وعلومها: ذكره الزركلي وقال: إنه مخطوط. وذكره بروكلمان وقال: يوجد
~~قسم منه في القاهرة «3» .
### | 34- 
# الألفاظ المغربة بالألقاب المعربة: ذكره الزركلي وقال: إنه مخطوط في
~~القرويين. وجاء في دائرة المعارف الإسلامية ما نصه: هذا الكتاب من الكتب
~~المشكوك بنسبتها إلى ابن قتيبة «4» .
### | 35- 
# البلغة في شذور اللغة: هذا الكتاب عبارة عن عشر مقالات لغوية لأئمة كتبة
~~العرب، وقد ظهر معظمها في مجلة المشرق، وألحقت بالفهارس على طريقة حروف
~~المعجم. نشرها أوغست هفنر والأب لويس شيخو، بيروت، المطبعة الكاثوليكية،
~~سنة 1908، وتقع في 176 صفحة.
### | 36- 
# تقويم اللسان: ذكره حاجي خليفة دون تعليق «5» .
### | 37- 
# الإشتقاق: ذكره الزركلي وقال: إنه مخطوط «6» .
# PageV01P028
### | 38- 
# تعبير الرؤيا: ذكره أبو الطيب اللغوي، وذكره النديم ضمن الكتب المؤلفة في
~~موضوع تعبير الرؤيا ككتب الكرماني وابن سيرين وغيرهما.
# كما ذكر في دائرة المعارف الإسلامية وجاء فيها: هذا الكتاب، بالنسبة
~~الينا، من الكتب الميتة «1» . وتحت عنوان «علم تعبير الرؤيا» قال حاجي
~~خليفة: هو علم يتعرف منه المناسبة بين التخيلات النفسانية والأمور الغيبية
~~لينتقل من الأولى إلى الثانية. وذكر كتبا مصنفة في التعبير دون أن يذكر اسم
~~كتاب ابن قتيبة «2» .
### | 39- 
# المعرفة: لم يرد اسم هذا الكتاب في أي من المصادر التي تترجم لابن قتيبة.
~~وهو مخطوط في مكتبة الجامعة الأميركية، مكتوب بخط فارسي واضح، سنة 1020 تحت
~~رقم 135 7. 492.
### | 40- 
# المعارف: هو كتاب في التاريخ يتناول فيه المؤلف مسألة مبدأ الخلق، وقصة
~~الطوفان، وتاريخ الأنبياء والرسل، وسيرة الرسول الكريم ومغازيه، والعرب
~~الجاهليين، وأنساب العرب، وأخبار الصحابة والتابعين والخلفاء والولاة إلى
~~عصر ابن قتيبة، ورواة الشعر، والفقهاء والمحدثين والقراء وأصحاب الأخبار،
~~والنحو. وفي الختام يذكر نوادر الحوادث ويتحدث عن أسر الملوك في جنوبي
~~الجزيرة وشمالها، وملوك الفرس قبل الإسلام. والمؤلف في هذا الكتاب ينقل عن
~~الكتب السماوية والعهد القديم مما يشير إلى أنه كان على دراية بالكتاب
~~المقدس. ولقد ذكره ابن خلكان وقال: إن هذا الكتاب يترجم للرواة وأشهر
~~الخطباء العرب المشهورين بالفصاحة والبلاغة «3» . ولا بد أن نشير هنا إلى
~~أن ابن خلكان ينقل من هذا الكتاب معلومات لا يستهان بها أوردها في صفحات
# PageV01P029
# عديدة من كتابه «وفيات الأعيان» ، كما ينقل من كتب ابن قتيبة الأخرى ولا
~~سيما «الشعر والشعراء» منها. ولقد ذكره أبو الطيب اللغوي، والنديم، والخطيب
~~البغدادي، والقفطي، وابن الأنباري، وابن الأثير، والسمعاني، وابن العماد،
~~والزركلي، ودائرة المعارف الإسلامية «1» . وذكره بروكلمان وقال:
# يستقى من مقدمة «عيون الأخبار» أن كتابي «المعارف» و «الأشربة» هما
~~بمثابة تكملة لكتاب «عيون الأخبار» «2» . وهذا الكتاب مطبوع في غوتنجن، سنة
~~1850، وطبع في مصر بتحقيق ثروت عكاشة، القاهرة، سنة 1960. ويوجد طبعة دار
~~المعارف، سنة 1969 (ويقع في 817 صفحة) وطبعة القاهرة سنة 1300 ه (ويقع في
~~227 صفحة) .
### | 41- 
# الأشربة: يتضمن هذا الكتاب الحديث عن المشروبات الخمرية بأسلوب أدبي
~~جميل. ولقد ذكره النديم، والقفطي، وابن خلكان، وحاجي خليفة، وابن العماد
~~نقلا عن ابن خلكان، والزركلي، ودائرة المعارف الإسلامية «3» . وهو كتاب
~~مطبوع في مطبعة الترقي بدمشق سنة 1366 ه/ 1947 بتحقيق الأستاذ محمد كرد
~~علي، ويقع في 147 صفحة.
# ولقد نقل ابن عبد ربه عنه ما يتعلق بباب الطعام والشراب وضمنه كتابه
~~«العقد الفريد» في فصل «في فرش الفريدة الثانية» الجزء السادس ص 290- 378.
### | 42- 
# العلم: ذكره النديم وقال: يقع في خمسين ورقة. وذكره القفطي دون تعليق «4»
~~.
# PageV01P030
### | 43- 
# القلم: ذكره السيوطي دون تعليق «1» . وقد يكون هو نفس كتاب «العلم» بحيث
~~حصل تحريف من المحقق أو الناسخ.
### | 44- 
# الأنوار: يبحث هذا الكتاب في مواسم العرب ويتحدث عن علم النجوم، ومنازل
~~القمر، والفصول، والبروج، والرياح، والبرق، والسحاب.
# ولقد ذكره النديم، والقفطي، وابن خلكان، والسيوطي، وحاجي خليفة،
~~وبروكلمان، ودائرة المعارف الإسلامية «2» . وذكره السمعاني باسم «الأنوار»
~~«3» ولعله تحريف من المحقق أو الناسخ. وهو كتاب مطبوع في حيدر آباد، 1375
~~ه/ 1956، ويقع في 235 صفحة.
### | 45- 
# فرائد الدر: ذكره النديم دون تعليق «4» .
### | 46- 
# حكم الأمثال: ذكره النديم «5» .
### | 47- 
# الحكاية والمحكي: ذكره النديم «6» أيضا.
### | 48- 
# الخيل: ذكره النديم، والقفطي، وابن خلكان، والسيوطي «7» .
# وذكره حاجي خليفة باسم «الحيل» «8» بالحاء، ولعله تحريف من الناسخ أو
~~المحقق.
### | 49- 
# الرحل والمنزل: ذكره الزركلي وقال: إنه مطبوع، وهو عبارة عن
# PageV01P031
# رسالة. وذكره بروكلمان وقال: نشره لويس شيخو في مجموعة L Dix ancicns LL
~~L traites LL رقم 5 «1» .
### | 50- 
# النبات: ذكره الزركلي دون تعليق «2» .
### | 51- 
# الجراثيم: ذكره بروكلمان وقال: يستوعب أصول العالم والبهائم وأسماء أنواع
~~الأرض والشجر والنبات وغير ذلك «3» .
### | 52- 
# الميسر والقداح: ذكره النديم، وابن خلكان، والقفطي، وحاجي خليفة، وابن
~~العماد، والزركلي، ودائرة المعارف الإسلامية «4» . وهو كتاب مطبوع في 173
~~صفحة، نسخه وصححه محب الدين الخطيب، القاهرة المطبعة السلفية، سنة 1343 ه.
### | 53- 
# آداب العشرة: ذكره النديم دون تعليق «5» .
### | 54- 
# الجوابات الحاضرة: ذكره السيوطي وحاجي خليفة «6» .
### | 55- 
# الكلام: ورد في دائرة المعارف الإسلامية ما نصه: كتاب «الكلام» من كتب
~~ابن قتيبة التي نعتبرها ميتة «7» .
### | 56- 
# تاريخ الخلفاء أو الإمامة والسياسة: يبحث في تاريخ الخلفاء المسلمين منذ
~~الخلفاء الراشدين وحتى استخلاف المأمون من قبل الرشيد، ويتضمن الحديث عن
~~فتح الأندلس وولاتها. ولقد شك العلماء في نسبة هذا الكتاب لابن قتيبة،
~~مستندين في ذلك على أن أحدا من العلماء الذين ترجموا
# PageV01P032
# له لم يذكره، فقال الزركلي: «وللعلماء نظر في نسبته إليه» «1» ، وقال
~~بروكلمان:
# ينسب هذا الكتاب لابن قتيبة، إذ يذكر دي خويه أنه صنف بمصر أو في بلاد
~~المغرب في أثناء حياة ابن قتيبة، وأن بعض أقسامه مأخوذة عن كتاب في التاريخ
~~ينسب إلى ابن حبيب المتوفى سنة 239 «2» ه. وورد في دائرة المعارف الإسلامية
~~ما نصه: هذا الكتاب من الكتب المشكوك بنسبتها إلى ابن قتيبة «3» . وقال
~~دوزي في صدر كتابه «تاريخ الأندلس وآدابه» : أشك في صحة نسبة هذا الكتاب
~~إلى ابن قتيبة لأسباب كثيرة. وقال محقق كتاب «أدب الكاتب» في مقدمته: ينسب
~~إلى ابن قتيبة كتاب «الإمامة والسياسة» ، «ولكن الأثبات من ذوي الدراية
~~والبحث يشكون كثيرا- وحق لهم- في أن يكون ابن قتيبة ناسج بردته» . طبع هذا
~~الكتاب بمصر بتحقيق طه محمد الزيتي، مؤسسة الحلبي، القاهرة 1967. وأعادت
~~طبعة مؤسسة الوفاء بلبنان سنة 1981، وهي طبعة رديئة. والكتاب جزآن في مجلد.
~~ونشر ريبيرا مختارات منه في كتاب «تاريخ افتتاح الأندلس» لابن القوطية،
~~صفحة 105- 106، مدريد، سنة 1926.
### | 57- 
# وصية لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة إلى ولده: تقع في خمس عشرة
~~صفحة، نشرها إسحق موسى الحسيني ببيروت سنة 1954.
### | 58- 
# أرجوزة الظاء والضاد: ذكرها بروكلمان وقال: نشرها داود چلبي في مجلة لغة
~~العرب، الجزء السابع ص 461- 463 «4» .
# ولقد اختلف الاقدمون في تحديد وفاة ابن قتيبة فقال النديم: توفي سنة 270
~~«5» ه. وقال الخطيب البغدادي: قرأت على الحسن بن أبي بكر عن
# PageV01P033
# أحمد بن كامل القاضي، قال: مات عبد الله بن مسلم بن قتيبة في ذي القعدة
~~سنة سبعين ومائتين. وأضاف قائلا: أخبرنا محمد بن عبد الواحد، حدثنا محمد بن
~~العباس قال: قرىء على ابن المنادى- وأنا أسمع- قال:
# مات ابن قتيبة فجأة؛ صاح صيحة سمعت من بعد ثم أغمي عليه ومات. قال ابن
~~المنادى: أخبرني أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن أيوب بن بشير الصائغ أن ابن
~~قتيبة أكل هريسة فأصاب حرارة ثم صاح صيحة شديدة وأغمي عليه إلى وقت صلاة
~~الظهر فاضطرب ساعة ثم هدأ فما زال يتشهد إلى وقت السحر ومات وذلك أول ليلة
~~من رجب سنة ست وسبعين ومائتين «1» . وقال السمعاني:
# مات ابن قتيبة فجاءة، صاح صيحة سمعت من بعد ثم أغمي عليه ثم هدأ فما زال
~~يتشهد إلى وقت السحر ومات وذلك أول ليلة من رجب سنة 276 ه، وقيل: مات في ذي
~~القعدة سنة 270 «2» ه. وهكذا ينقل السمعاني عن الخطيب البغدادي إلا أنه لم
~~يذكر عن الهريسة شيئا. وذكر السيوطي أن الهريسة كانت سببا في موت ابن
~~قتيبة، معتمدا في ذلك على ما جاء به الخطيب البغدادي، ومخالفا إياه في
~~تحديد الوفاة فقال: مات ابن قتيبة سنة 267 «3» ه. وذهب ابن الأنباري
~~والقفطي مذهب الخطيب فرويا كيفية موت ابن قتيبة ولم يرجحا سنة وفاته
~~فتراوحت عندهما بين 270 ه و 276 «4» ه.
# وكذلك ذهب ابن الأثير فقال؛ توفي ابن قتيبة سنة 276 ه، وقيل: سنة 270 «5»
~~ه. أما ابن خلكان فقد تميز بموقفه حين حدد سنة الوفاة فقال: قيل:
# توفي ابن قتيبة في ذي القعدة سنة 270 ه، وقيل: سنة 271 ه، وقيل: أول ليلة
~~في رجب وقيل منتصف رجب سنة 276 ه، والقول الأخير أصح
# PageV01P034
# الأقوال. ثم عاد وروى نفس ما رواه الخطيب حول كيفية موته «1» . كذلك ذكر
~~ابن العماد رواية من تقدمه، وقال: توفي ابن قتيبة سنة 276 «2» ه. أما حاجي
~~خليفة فإنه تعثر في تحديد الوفاة فذهب إلى أنها كانت في سنة 276 ه، ثم قال:
~~توفي ابن قتيبة سنة 270 ه. وفي مكان آخر يقول: توفي سنة 267 ه، ثم ذكر سنة
~~266 ه، وأخيرا حدد سنة 263 «3» ه.
# ولقد أشاد والمؤرخون بذكر ابن قتيبة وأطنب النقاد والكتاب في الثناء عليه
~~فعدوه إمام مدرسة بغداد النحوية، التي خلطت بين مذهبي البصريين والكوفيين.
~~ففي مقالته الثانية من كتابه «الفهرست» تحت عنوان «أسماء وأخبار جماعة من
~~علماء النحويين واللغويين ممن خلطوا المذهبين» قال النديم: كان ابن قتيبة
~~عالما نحويا لغويا، صادقا فيما يرويه، ورغم أنه كان يغلو في البصريين، فقد
~~خلط المذهبين وحكى في كتبه عن الكوفيين. وأضاف قائلا:
# كان عالما في غريب القرآن ومعانيه وفي الشعر والفقه كثير التصنيف
~~والتأليف «4» . وتجدر الإشارة هنا أن المدرستين المتنافستين في البصرة
~~والكوفة أخذتا منذ القرن الثالث الهجري، تتقاربان وتندمجان إحداهما في
~~الأخرى «5» .
# وقال الخطيب البغدادي: إبن قتيبة «هو صاحب التصانيف المشهورة» «6» .
# وذهب ابن الأنباري إلى أنه فاضل في اللغة والنحو والشعر متفنن في العلوم
~~«7» ، وقال القفطي: ابن قتيبة نحوي لغوي عالم وصاحب التصانيف
# PageV01P035
# الحسان في فنون العلم «1» . وقال ابن خلكان وابن العماد: ابن قتيبة لغوي
~~نحوي، وتصانيفه كلها مفيدة «2» . وهو في نظر السيوطي لغوي نحوي كاتب وراس
~~في العربية واللغة والأخبار وأيام الناس «3» . وقال بروكلمان: تجاوزت شهرته
~~دائرة النحو واللغة العربية «4» . وقال الزركلي: كان ابن قتيبة من أئمة
~~الأدب ومن المصنفين المكثرين «5» . أما أبو الطيب اللغوي فقد وقف موقفا
~~مناقضا لمواقف هؤلاء فقال نقلا عن الأشنانداني خلط ابن قتيبة عليه بحكايات
~~عن الكوفيين لم يكن أخذها عن ثقات، وكان يتسرع في أشياء لا يقوم بها نحو
~~تعرضه لتأليف كتابه في النحو، وكتابه في «تعبير الرؤيا» وكتابه في «معجزات
~~النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله» و «عيون الأخبار» و «المعارف» و
~~«الشعراء» ونحو ذلك مما أزرى به عند العلماء، وإن كان نفق بها عند العامة
~~ومن لا بصيرة له «6» .
# وكان لا بد أن نشير إلى الدراسة القيمة التي قام بها عبد الحميد الجندي
~~بعنوان: «ابن قتيبة: العالم الناقد الأديب» طبعة القاهرة، المؤسسة المصرية
~~العامة للطباعة والنشر، سنة 1963، وتقع في 436 صفحة.
# وأخير أقدم جزيل شكري ووافر تقديري للأستاذ محمد علي بيضون مدير دار
~~الكتب العلمية للفتة الكريمة التي بدرت منه وكانت حافزا لي على تحمل
# PageV01P036
# مشاق هذا العمل. كما أعترف بفضل زميلي الدكتور مفيد قمحية في إخراج هذا
~~الكتاب على هذا النمط.
# والله نسأل الهداية إلى سبيل الرشاد بيروت في 12 آب 1985 الدكتور يوسف
~~علي طويل أستاذ الأدب الأندلسي في الجامعة اللبنانية
# PageV01P037
### | مقدمة المؤلف
# بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
# قال الإمام أبو محمد بن مسلم بن قتيبة الدينوري رضي الله عنه: الحمد لله
~~الذي يعجز بلاؤه صفة الواصفين وتفوت آلاؤه عدد العادين وتسع رحمته ذنوب
~~المسرفين، والحمد الله الذي لا تحجب عنه دعوة ولا تخيب لديه طلبة ولا يضل
~~عنده سعي، الذي رضي عن عظيم النعم بقليل الشكر وغفر بعقد الندم كبير الذنوب
~~ومحا بتوبة الساعة خطايا السنين، والحمد لله الذي ابتعث فينا البشير النذير
~~السراج المنير هاديا إلى رضاه وداعيا إلى محابته ودالا على سبيل جنته ففتح
~~لنا باب رحمته وأغلق عنا باب سخطه. صلى الله وملائكته المقربون عليه وعلى
~~آله وصحبه أبدا ما طما بحر وذر شارق وعلى جميع النبيين والمرسلين.
# أما بعد، فإن لله في كل نعمة أنعم بها حقا وعلى كل بلاء أبلاه زكاة:
# فزكاة المال الصدقة، وزكاة الشرف التواضع، وزكاة الجاه بذله، وزكاة العلم
~~نشره، وخير العلوم أنفعها، وأنفعها أحمدها مغبة، وأحمدها مغبة ما تعلم وعلم
~~لله وأريد به وجه الله تعالى.
# ونحن نسأل الله تعالى، جل وعلا، أن يجعلنا بما علمنا عاملين وبأحسنه
~~آخذين ولوجهه الكريم بما نستفيد ونفيد مريدين ولحسن بلائه عندنا
# PageV01P041
# عارفين وبشكره آناء الليل والنهار هارفين إنه أقرب المدعوين وأجود
~~المسؤولين.
# وإني كنت تكلفت لمغفل التأدب من الكتاب كتابا من المعرفة وفي تقويم
~~اللسان واليد حين تبينت شمول النقص ودروس العلم وشغل السلطان عن إقامة سوق
~~الأدب حتى عفا ودرس، بلغت به فيه همة النفس وثلج الفؤاد وقيدت عليه به ما
~~أطرفني الاله ليوم الإدالة، وشرطت عليه مع تعلم ذلك تحفظ عيون الحديث
~~ليدخلها في تضاعيف سطوره متمثلا إذا كاتب، ويستعين بما فيها من معنى لطيف
~~ولفظ خفيف حسن إذا حاور. ولما تقلدت له القيام ببعض آلته دعتني الهمة إلى
~~كفايته وخشيت إن وكلته فيما بقي إلى نفسه وعولت له على اختياره أن تستمر
~~مريرته على التهاون ويستوطىء مركبه من العجز فيضرب صفحا عن الآخر كما ضرب
~~صفحا عن الأول، أو يزاول ذلك بضعف من النية وكلال من الحد فيلحقه خور
~~الطباع وسآمة الكلفة. فأكملت له ما ابتدأت وشيدت ما أسست وعملت له في ذلك
~~من طب لمن حب بل عمل الوالد الشفيق للولد البر ورضيت منه بعاجل الشكر وعولت
~~على الله في الجزاء والأجر.
# فإن هذا الكتاب، وإن لم يكن في القرآن والسنة وشرائع الدين وعلم الحلال
~~والحرام، دال على معالي الأمور مرشد لكريم الأخلاق زاجر عن الدناءة ناه عن
~~القبيح باعث على صواب التدبير وحسن التقدير ورفق السياسة وعمارة الأرض وليس
~~الطريق إلى الله واحدا ولا كل الخير مجتمعا في تهجد الليل وسرد الصيام وعلم
~~الحلال والحرام، بل الطرق إليه كثيرة وأبواب الخير واسعة وصلاح الدين بصلاح
~~الزمان، وصلاح الزمان بصلاح السلطان، وصلاح السلطان بعد توفيق الله
~~بالإرشاد وحسن التبصير.
# PageV01P042
# وهذه عيون الأخبار نظمتها لمغفل التأدب تبصرة ولأهل العلم تذكرة ولسائس
~~الناس ومسوسهم مؤدبا وللمولك مستراحا من كد الجد والتعب وصنفتها أبوابا
~~وقرنت الباب بشكله والخبر بمثله والكلمة بأختها ليسهل على المتعلم علمها
~~وعلى الدارس حفظها وعلى الناشد طلبها، وهي لقاح عقول العلماء ونتاج أفكار
~~الحكماء وزبدة المخض وحلية الأدب وأثمار طول النظر والمتخير من كلام
~~البلغاء وفطن الشعراء وسير الملوك وآثار السلف. جمعت لك منها ما جمعت في
~~هذا الكتاب لتأخذ نفسك بأحسنها وتقومها بثقافها وتخلصها من مساوىء الأخلاق
~~كما تخلص الفضة البيضاء من خبثها، وتروضها على الأخذ بما فيها من سنة حسنة
~~وسيرة قويمة وأدب كريم وخلق عظيم، وتصل بها كلامك إذا حاورت وبلاغتك إذا
~~كتبت، وتستنجح بها حاجتك إذا سألت، وتتلطف في القول إن شفعت، وتخرج من
~~اللوم بأحسن العذر إذا اعتذرت فإن الكلام مصايد القلوب والسحر الحلال،
~~وتستعمل آدابها في صحبة سلطانك وتسديد ولايته ورفق سياسته وتدبير حروبه،
~~وتعمر بها مجلسك إذا جددت وأهزلت وتوضح بأمثالها حججك وتبذ باعتبارها خصمك
~~حتى يظهر الحق في أحسن صورة وتبلغ الإرادة بأخف مؤونة، وتستولي على الأمد
~~وأنت وادع وتلحق الطريدة ثانيا من عنانك وتمشي رويدا وتكون أولا هذا إذا
~~كانت الغريزة مواتية والطبيعة قابلة والحس منقادا، فإن لم يكن كذلك ففي هذا
~~الكتاب، لمن أراه عقله نقص نفسه فأحسن سياستها وستر بالأناة والروية عيبها
~~ووضع من دواء هذا الكتاب على داء غريزته وسقاها بمائه وقدح فيها بضيائه، ما
~~نعش منها العليل وشحذ الكليل وبعث الوسنان وأيقظ الهاجع حتى يقارب بعون
~~الله رتب المطبوعين.
# ولم أر صوابا أن يكون كتابى هذا وقفا على طالب الدنيا دون طالب
# PageV01P043
# الآخرة ولا على خواص الناس دون عوامهم «1» ولا على ملوكهم دون سوقتهم،
~~فوفيت كل فريق منهم قسمه ووفرت عليه سهمه وأودعته طرفا من محاسن كلام
~~الزهاد في الدنيا وذكر فجائعها والزوال والانتقال وما يتلاقون به إذا
~~اجتمعوا ويتكاتبون به إذا افتر قول في المواعظ والزهد والصبر والتقوى
~~واليقين وأشباه ذلك لعل الله يعطف به صادفا، ويأطر على التوبة متجانفا،
~~ويردع ظالما ويلين برقائقه قسوة القلوب. ولم أخله مع ذلك من نادرة طريفة
~~وفطنة لطيفة وكلمة معجبة وأخرى مضحكة لئلا يخرج عن الكتاب مذهب سلكه
~~السالكون وعروض أخذ فيها القائلون، ولأروح بذلك عن القارىء من كد الجد
~~وإتعاب الحق فإن الأذن مجاجة والنفس حمضة، والمزح إذا كان حقا أو مقاربا
~~ولأحايينه وأوقاته وأسباب أوجبته مشاكلا ليس من القبيح ولا من المنكر ولا
~~من الكبائر ولا من الصغائر إن شاء الله.
# وسينتهي بك كتابنا هذا إلى باب المزاح والفكاهة وما روى عن الأشراف
~~والأئمة فيهما، فإذا مر بك، أيها المتزمت، حديث تستخفه أو تستحسنه أو تعجب
~~منه أو تضحك له فاعرف المذهب فيه وما أردنا به.
# واعلم أنك إن كنت مستغنيا عنه بتنسكك فإن غيرك ممن يترخص فيما تشددت فيه
~~محتاج إليه، وإن الكتاب لم يعمل لك دون غيرك فيهيأ على ظاهر محبتك، ولو وقع
~~فيه توقي المتزمتين لذهب شطر بهائه وشطر مائه ولأعرض عنه من أحببنا أن يقبل
~~إليه معك.
# وإنما مثل هذا الكتاب مثل المائدة تختلف فيها مذاقات الطعوم لاختلاف
~~شهوات الآكلين، وإذا مر بك حديث فيه إفصاح بذكر عورة أو فرج
# PageV01P044
# أو وصف فاحشة فلا يحملنك الخشوع أو التخاشع على أن تصعر خدك وتعرض بوجهك
~~فإن أسماء الأعضاء لا تؤثم وإنما المأثم في شتم الأعراض وقول الزور والكذب
~~وأكل لحوم الناس بالغيب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تعزى بعزاء
~~الجاهلية فأعضوه بهن «1» أبيه ولا تكنوا» . وقال أبو بكر الصديق، رضي الله
~~عنه، لبديل بن ورقاء «2» ،- حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن هؤلاء لو
~~قد مسهم حز السلاح لأسلموك-: «إعضض ببظر اللات «3» ، أنحن نسلمه!» . وقال
~~علي بن أبي طالب صلوات الله عليه: «من يطل أير أبيه ينتطق به» . وقال
~~الشاعر في هذا المعنى بعينه: [طويل]
# فلو شاء ربي كان أير أبيكم ... طويلا كأير الحارث بن سدوس
# قال الأصمعي: كان للحارث بن سدوس أحد وعشرون ذكرا، وقيل للشعبي: إن هذا
~~لا يجيء في القياس، فقال: أير في القياس، الولد ذكر.
# وليس هذا من شكل ما تراه في شعر جرير والفرزدق لأن ذلك تعيير وابتهار في
~~الأخوات والأمهات وقذف للمحصنات الغافلات، فتفهم الأمرين وافرق بين
~~الجنسين، ولم أترخص لك في إرسال اللسان بالرفث «4» على أن تجعله هجيراك «5»
~~على كل حال «6» وديدنك في كل مقال، بل الترخص مني فيه عند حكاية تحكيها
# PageV01P045
# أو رواية ترويها، تنقصها الكناية ويذهب بحلاوتها التعريض، وأحببت أن تجري
~~في القليل من هذا على عادة السلف الصالح في إرسال النفس على السجية والرغبة
~~بها عن لبسة الرياء والتصنع. ولا تستشعر أن القوم قارفوا وتنزهت وثلموا
~~أديانهم وتورعت. وكذلك اللحن إن مر بك في حديث من النوادر فلا يذهبن عليك
~~أنا تعمدناه وأردنا منك أن تتعمده لأن الإعراب ربما سلب بعض الحديث حسنه
~~وشاطر النادرة حلاوتها، وسأمثل لك مثالا: قيل لمزيد المديني- وقد أكل طعاما
~~كظه «1» : قي؛ فقال: ما أقي، أقي نقا ولحم جدي! مرتي طالق لو وجدت هذا قيا
~~لأكلته. ألا ترى أن هذه الألفاظ لو وفيت بالإعراب والهمز حقوقها لذهبت
~~طلاوتها ولاستبشعها سامعها وكان أحسن أحوالها أن يكافىء لطف معناها ثقل
~~ألفاظها فيكون مثل المخبر عنها ما قال الأول: [بسيط]
# إضرب ندى طلحة «2» الخيرات إن فخروا ... ببخل أشعث واستثبت وكن حكما
# تخرج خزاعة من لؤم ومن كرم ... فلا تعد لها لؤما ولا كرما
# ولمثل هذا قال مالك بن أسماء «3» في جارية له: [خفيف]
# أمغطى مني على بصري لل ... حب أم أنت أكمل الناس حسنا؟
# PageV01P046
# وحديث ألذه هو مما ... يشتهي الناعتون يوزن وزنا
# منطق بارع وتلحن أحيا ... نا وأحلى الحديث ما كان لحنا «1»
# وإن مر بك خبر أو شعر يتضع عن قدر الكتاب وما بني عليه فاعلم أن لذلك
~~سببين: أحدهما قلة ما جاء في ذلك المعنى مع الحاجة إليه، والسبب الآخر أن
~~الحسن إذا وصل بمثله نقص نوراهما ولم يتبين فاضل بمفضول.
# وإذا وصل بما هو دونه أراك نقصان أحدهما من الآخر الرجحان، ومدار الأمر
~~وقوامه على واحدة تحتاج إلى أن تأخذ نفسك بها وهي أن تحضر الكلمة موضعها
~~وتصلها بسببها ولا ترى غبنا أن يتكلم الناس وأنت ممسك، فإذا رأيت حالا
~~تشاكل ما حضرك من القول أحضرته وفرصة تخاف فوتها انتهزتها، وكان يقال:
~~انتهزوا فرص القول فإن للقول ساعات يضر فيها الخطأ ولا ينفع فيها الصواب،
~~وقالوا: رب كلمة تقول: دعني.
# وإن وقفت على باب من أبواب هذا الكتاب لم تره مشبعا فلا تقض علينا
~~بالإغفال حتى تتصفح الكتب كلها، فإنه رب معنى يكون له موضعان وثلاثة مواضع
~~فنقسم ما جاء فيه على مواضعه، كالتلطف في القول يقع في كتاب السلطان ويقع
~~في كتاب الحوائج ويقع في باب البيان، وكالإعتذار يقع في كتاب السلطان وفي
~~كتاب الإخوان، وكالبخل يقع في كتاب الطبائع وفي كتاب الطعام، وكالكبر
~~والمشيب يقع في كتاب الزهد، ويقع في كتاب النساء.
# واعلم أنا لم نزل نتلقط هذه الأحاديث في الحداثة والإكتهال عمن هو
# PageV01P047
# فوقنا في السن والمعرفة وعن جلسائنا وإخواننا ومن كتب الأعاجم وسيرهم
~~وبلاغات الكتاب في فصول من كتبهم وعمن هو دوننا غير مستنكفين أن نأخذ عن
~~الحديث سنا لحداثته ولا عن الصغير قدرا لخساسته ولا عن الأمة الوكعاء
~~لجهلها فضلا عن غيرها، فإن العلم ضالة المؤمن من حيث أخذه نفعه، ولن يزري
~~بالحق أن تسمعه من المشركين ولا بالنصيحة أن تستنبط من الكاشحين، ولا تضير
~~الحسناء أطمارها ولا بنات الأصداف أصدافها ولا الذهب الإبريز مخرجه من كبا
~~«1» ، ومن ترك أخذ الحسن من موضعه أضاع الفرصة، والفرص تمرمر السحاب.
# حدثني أبو الخطاب قال: حدثنا أبو داود عن سليمان بن معاذ عن سماك عن
~~عكرمة عن ابن عباس قال: «خذوا الحكمة ممن سمعتموها منه، فإنه قد يقول
~~الحكمة غير الحكيم وتكون الرمية من غير الرامي» . وهذا يكون في مثل كتابنا
~~لأنه في آداب ومحاسن أقوام ومقابح أقوام والحسن لا يلتبس بالقبيح ولا يخفى
~~على من سمعه من حيث كان. فأما علم الدين والحلال والحرام فإنما هو استعباد
~~وتقليد ولا يجوز أن تأخذه إلا عمن تراه لك حجة ولا تقدح في صدرك منه
~~الشكوك، وكذلك مذهبنا فيما نختاره من كلام المتأخرين وأشعار المحدثين إذا
~~كان متخير اللفظ لطيف المعنى لم يزر به عندنا تأخر قائله كما أنه إذا كان
~~بخلاف ذلك لم يرفعه تقدمه فكل قديم حديث في عصره وكل شرف فأوله خارجيه، ومن
~~شأن عوام الناس رفع المعدوم ووضع الموجود ورفض المبذول وحب الممنوع وتعظيم
~~المتقدم وغفران زلته وبخس المتأخر والتجني عليه، والعاقل منهم ينظر بعين
~~العدل لا بعين الرضا ويزن الأمور بالقسطاس المستقيم.
# PageV01P048
# وإني حين قسمت هذه الأخبار والأشعار وصنفتها وجدتها على اختلاف فنونها
~~وكثرة عدد أبوابها تجتمع في عشرة كتب بعد الذي رأيت إفراده عنها وهو أربعة
~~كتب متميزة، كل كتاب منها مفرد على حدته، كتاب الشراب، وكتاب المعارف،
~~وكتاب الشعر، وكتاب تأويل الرؤيا.
# فالكتاب الأول من الكتب العشرة المجموعة «كتاب السلطان» وفيه الأخبار من
~~محل السلطان واختلاف أحواله وعن سيرته وعما يحتاج صاحبه إلى استعماله من
~~الآداب في صحبته وفي مخاطبته ومعاملته ومشاورته له وما يجب على السلطان أن
~~يأخذ به في اختيار عماله وقضاته وحجابه وكتابه وعلى الحكام أن يمتثلوه في
~~أحكامهم وما جاء في ذلك من النوادر وأبيات الشعر المشاكلة لتلك الأخبار.
# والكتاب الثاني «كتاب الحرب» وهذا الكتاب مشاكل لكتاب السلطان فضممته
~~إليه وجعلتهما جزءا واحدا وفيه الأخبار عن آداب الحرب ومكايدها ووصايا
~~الجيوش وعن العدد والسلاح والكراع «1» وما جاء في السفر والمسير والطيرة
~~والفأل وما يؤمر به الغزاة والمسافرون، وأخبار الجبناء والشجعاء وحيل الحرب
~~وغيرها وشيء من أخبار الدولة والطالبيين وأخبار الأمصار وما جاء في ذلك من
~~النوادر وأبيات الشعر المشاكلة لتلك الأخبار.
# والكتاب الثالث «كتاب السؤدد» وفيه الأخبار عن مخايل السؤدد في الحدث «2»
~~وأسبابه في الكبير وعن الهمة السامية والخطار بالنفس لطلب المعالي واختلاف
~~الإرادات والأماني والتواضع والكبر والعجب والحياء والعقل والحلم والغضب
~~والعز والهيبة والذل والمروءة واللباس والطيب والمجالسة
# PageV01P049
# والبناء والمزاح وترك التصنع والتوسط في الأشياء وما يكره من الغلو
~~والتقصير واليسار والفقر والتجارة والبيع والشراء والمداينة والشريف من
~~أفعال الأشراف والسادة وما جاء في ذلك من النوادر وأبيات الشعر المشاكلة
~~لتلك الأخبار.
# والكتاب الرابع كتاب الطبائع والأخلاق وهذا الكتاب مقارب لكتاب السؤدد
~~فضممته إليه وجعلتهما جزءا واحدا وفيه الأخبار عن تشابه الناس في الطبائع
~~وذمهم وعن مساوىء الأخلاق من الحسد والغيبة والسعاية والكذب والقحة وسوء
~~الخلق وسوء الجوار والسباب والبخل والحمق ونوادر الحمقى وطبائع الحيوان من
~~الناس والجن والأنعام والسباع والطير والحشرات وصغار الحيوان والنبات وما
~~جاء في ذلك من النوادر وأبيات الشعر المشاكلة لتلك الأخبار.
# والكتاب الخامس «كتاب العلم» وفيه الأخبار عن العلم والعلماء والمتعلمين
~~وعن الكتب والحفظ والقرآن والأثر والكلام في الدين ووصايا المؤدبين والبيان
~~والبلاغة والتلطف في الجواب والكلام وحسن التعريض والخطب والمقامات وما جاء
~~في ذلك من النوادر وأبيات الشعر المشاكلة لتلك الأخبار.
# والكتاب السادس «كتاب الزهد» وهذا الكتاب مقارب لكتاب العلم فضممته إليه
~~وجعلتهما جزءا واحدا وفيه الأخبار عن صفات الزهاد وكلامهم في الزهد والدعاء
~~والبكاء والمناجاة وذكر الدنيا والتهجد والموت والكبر والشيب والصبر
~~واليقين والشكر والاجتهاد والقناعة والرضا ومقامات الزهاد عند الخلفاء
~~والملوك ومواعظهم وغير ذلك وما جاء في ذلك من النوادر وأبيات الشعر
~~المشاكلة لتلك الأخبار.
# والكتاب السابع «كتاب الإخوان» وفيه الحث على اتخاذ الإخوان
# PageV01P050
# واختيارهم والأخبار عن المودة والمحبة وما يجب للصديق ومخالفته الناس
~~وحسن محاورتهم والتلاقي والزيارة والمعانقة والوداع والتهادي والعيادة
~~والتعازي والتهاني وذكر شرار الإخوان وذكر القرابات والولد والاعتذار وعتب
~~الإخوان وتعاديهم وتباغضهم وما جاء في ذلك من النوادر وأبيات الشعر
~~المشاكلة لتلك الأخبار.
# والكتاب الثامن «كتاب الحوائج» وهذا الكتاب مقارب لكتاب الإخوان فضممته
~~إليه وجعلتهما جزءا واحدا فيه الأخبار عن استنجاح الحوائج بالكتمان والصبر
~~والجد والهدية والرشوة ولطيف الكلام ومن يعتمد في الحاجة ومن يستسعى لها
~~والإجابة إلى الحاجة والرد عنها والمواعيد وتنجزها وأحوال المسؤولين عند
~~السؤال في الطلاقة والعبوس والعادة من المعروف تقطع والشكر والثناء والتلطف
~~فيهما والترغيب في قضاء الحوائج واصطناع المعروف والحرص والإلحاح والقناعة
~~والاستعفاف وما جاء في ذلك من النوادر وأبيات الشعر المشاكلة لتلك الآخبار.
# والكتاب التاسع «كتاب الطعام» ، وفيه الأخبار عن الأطعمة الطيبة والحلواء
~~والسويق «1» واللبن والتمر والخبائث منها التي يأكلها فقراء الأعراب،
~~ونازلة الفقر وأدب الأكل وذكر الجوع والصوم وأخبار الأكلة والمنهومين
~~والدعاء إلى المآدب والضيافة وأخبار البخلاء بالطعام وسياسة الأبدان بما
~~يصلحها من الغذاء والحمية وشرب الدواء ومضار الأطعمة منافعها ومصالحها ونتف
~~من طب العرب والعجم وما جاء في ذلك من النوادر وأبيات الشعر المشاكلة لتلك
~~الأخبار.
# PageV01P051
# والكتاب العاشر «كتاب النساء» وهذا الكتاب مقارب لكتاب الطعام، والعرب
~~تدعو الأكل والنكاح الأطيبين فتقول: قد ذهب منه الأطيبان.
# تريدهما، فضممته إليه وجعلتهما جزءا واحدا وفيه الأخبار عن اختلاف النساء
~~في أخلاقهن وخلقهن وما يختار منهن للنكاح وما يكره واختلاف الرجال في ذلك
~~والحسن والجمال والقبح والدمامة والسواد والعاهات والعجز والمشايخ والمهور
~~وخطب النكاح ووصايا الأولياء عند الهداء وسياسة النساء ومعاشرتهن والدخول
~~بهن والجماع والولادات ومساويهن خلا أخبار عشاق العرب فإني رأيت كتاب
~~الشعراء أولى بها فلم أودع هذا الكتاب منها إلا شيئا يسيرا، وما جاء في ذلك
~~من النوادر وأبيات الشعر المشاكلة لتلك الأخبار.
# فهذه أبواب الكتب جمعتها لك في صدر أولها لأعفيك من كد الطلب وتعب التصفح
~~وطول النظر عند حدوث الحاجة إلى بعض ما أودعتها ولتقصد فيما تريد حين تريد
~~إلى موضعه فتستخرجه بعينه أو ما ينوب عنه ويكفيك منه، فإن هذه الأخبار
~~والأشعار وإن كانت عيونا مختارة أكثر من أن يحاط بها أو يوقف من ورائها أو
~~تنتهي حتى ينتهى عنها.
# وقد خففت وإن كنت أكثرت، واختصرت وإن كنت أطلت، وتوقيت في هذه النوادر
~~والمضاحك ما يتوقاه من رضي من الغنيمة فيها بالسلامة ومن بعد الشقة
~~بالإياب، ولم أجد بدا من مقدار ما أودعته الكتاب منها لتتمم به الأبواب،
~~ونحن نسأل الله أن يمحو ببعض بعضا ويغفر بخير شرا وبجد هزلا ثم يعود علينا
~~بعد ذلك بفضله ويتغمدنا بعفوه ويعيذنا بعد طول الأمل فيه وحسن الظن به
~~والرجاء له من الخيبة والحرمان.
# PageV01P052
### | كتاب السلطان
### | محل السلطان وسيرته وسياسته
# حدثنا محمد بن خالد بن خداش قال: حدثنا سلم بن قتيبة عن ابن أبي ذئب عن
~~المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستحرصون على
~~الإمارة ثم تكون حسرة وندامة يوم القيامة فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة «1»
~~.
# حدثني محمد بن زياد الزيادي قال: حدثنا عبد العزيز الداروردي قال:
# حدثنا شريك عن عطاء بن يسار أن رجلا قال عند النبي صلى الله عليه وسلم:
~~بئس الشيء الأمارة «2» . فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم الشيء
~~الإمارة لمن أخذها بحقها وحلها» .
# حدثني زيد بن أخزم الطائي قال: حدثنا ابن قتيبة قال: حدثنا أبو المنهال
~~عن عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه قال: لما مات كسرى قيل ذلك للنبي صلى
~~الله عليه وسلم فقال: «من استخلفوا؟» فقالوا: ابنته بوران، قال: «لن يفلح
~~قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة» .
# حدثني زيد بن أخزم قال: حدثنا وهب بن جرير قال: حدثنا أبي قال:
# سمعت أيوب يحدث عن عكرمة عن ابن عباس أنه قدم المدينة زمن الحرة «3»
# PageV01P053
# فقال: من استعمل القوم؟ قالوا: على قريش عبد الله بن مطيع، وعلى الأنصار
~~عبد الله بن حنظلة بن الراهب فقال: أميران! هلك والله القوم.
# حدثنا محمد بن عبيد قال: حدثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحق عن هشام بن
~~حسان قال: كان الحسن يقول: «أربعة من الإسلام إلى السلطان الحكم والفيء
~~والجمعة والجهاد» . وحدثني محمد قال: حدثنا أبو سلمة عن حماد بن سلمة عن
~~أيوب عن أبي قلابة قال: قال كعب: «مثل الإسلام والسلطان والناس مثل الفسطاط
~~والعمود والأطناب والأوتاد، فالفسطاط الإسلام، والعمود السلطان، والأطناب
~~والأوتاد الناس، لا يصلح بعضه إلا ببعض» .
# حدثني سهل بن محمد قال: حدثني الأصمعي قال: قال أبو حازم لسليمان بن عبد
~~الملك: «السلطان سوق فما نفق عنده أتي به» . وقرأت في كتاب لابن المقفع:
~~«الناس على دين السلطان إلا القليل فليكن للبر والمروءة عنده نفاق فسيكسد
~~بذلك الفجور والدناءة في آفاق الأرض» . وقرأت فيه أيضا: «الملك ثلاثة: ملك
~~دين وملك حزم وملك هوى، فأما ملك الدين فإنه إذا أقام لأهله دينهم فكان
~~دينهم هو الذي يعطيهم مالهم ويلحق بهم ما عليهم، أرضاهم ذلك وأنزل الساخط
~~منهم منزلة الراضي في الإقرار والتسليم. وأما ملك الحزم فإنه تقوم به
~~الأمور ولا يسلم من الطعن والتسخط ولن يضره طعن الضعيف مع حزم القوي. وأما
~~ملك الهوى فلعب ساعة ودمار دهر» .
# حدثني يزيد بن عمرو عن عصمة بن صقير الباهلي قال: حدثنا اسحق ابن نجيح عن
~~ثور بن يزيد عن خالد بن معدان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن
~~لله حراسا فحراسه في السماء الملائكة وحراسه في الأرض الذين يأخذون
~~الديوان» .
# PageV01P054
# حدثني أحمد بن الخليل قال: حدثني سعيد بن سلم الباهلي قال:
# أخبرني شعبة عن شرقي عن عكرمة في قول الله عز وجل: له معقبات من بين يديه
~~ومن خلفه يحفظونه من أمر الله
# قال: «الجلاوزة «2» يحفظون الأمراء» .
# وقال الشاعر: [طويل]
# ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... خليا من اسم الله والبركات
# يعني باسم الله، وفيه قول الله يحفظونه من أمر الله
# أي بأمر الله.
# وقرأت في كتاب من كتب الهند: «شر المال ما لا ينفق منه وشر الإخوان
~~الخاذل وشر السلطان من خافه البريء وشر البلاد ما ليس فيه خصب ولا أمن» .
# وقرأت فيه: «خير السلطان من أشبه النسر حوله الجيف لا من أشبه الجيفة
~~حولها النسور» وهذا معنى لطيف وأشبه الأشياء به قول بعضهم:
# «سلطان تخافه الرعية خير للرعية من سلطان يخافها» .
# حدثني شيخ لنا عن أبي الأحوص عن ابن عم لأبي وائل عن أبي وائل قال: قال
~~عبد الله بن مسعود: «إذا كان الإمام عادلا فله الأجر وعليك الشكر، وإذا كان
~~جائرا فعليه الوزر وعليك الصبر» .
# وأخبرني أيضا عن أبي قدامة عن علي بن زيد قال: قال عمر بن
# PageV01P055
# الخطاب رضي الله عنه: «ثلاث من الفواقر «1» .: جار مقامة «2» إن رأى حسنة
~~سترها وإن رأى سيئة أذاعها، وامرأة إن دخلت عليها لسنتك «3» وإن غبت عنها
~~لم تأمنها، وسلطان إن أحسنت لم يحمدك وإن أسأت قتلك» .
# وقرأت في اليتيمة: «مثل قليل مضار السلطان في جنب منافعه مثل الغيث الذي
~~هو سقيا الله وبركات السماء وحياة الأرض ومن عليها، وقد يتأذى به السفر «4»
~~ويتداعى له البنيان وتكون فيه الصواعق وتدر سيوله فيهلك الناس والدواب
~~وتموج له البحار فتشتد البلية منه على أهله فلا يمنع الناس، إذا نظروا إلى
~~آثار رحمة الله في الأرض التي أحيا والنبات الذي أخرج والرزق الذي بسط
~~والرحمة التي نشر، أن يعظموا نعمة ربهم ويشكروها ويلغوا ذكر خواص البلايا
~~التي دخلت على خواص الخلق. ومثل الرياح التي يرسلها الله نشرا بين يدي
~~رحمته فيسوق بها السحاب ويجعلها لقاحا للثمرات وأرواحا للعباد يتنسمون منها
~~ويتقلبون فيها وتجري بها مياههم وتقد بها نيرانهم وتسير بها أفلاكهم وقد
~~تضر بكثير من الناس في برهم وبحرهم ويخلص ذلك إلى أنفسهم وأموالهم فيشكوها
~~منهم الشاكون ويتأذى بها المتأذون ولا يزيلها ذلك عن منزلتها التي جعلها
~~الله بها وأمرها الذي سخرها له من قوام عباده وتمام نعمته. ومثل الشتاء
~~والصيف اللذين جعل الله حرهما وبردهما صلاحا للحرث والنسل ونتاجا للحب
~~والثمر، يجمعها البرد بإذن الله ويحملها ويخرجها الحر بإذن الله وينضجها مع
~~سائر ما يعرف من منافعها وقد يكون الأذى والضر في حرهما وبردهما وسمائمهما
~~وزمهريرهما وهما مع ذلك لا ينسبان إلا إلى الخير
# PageV01P056
# والصلاح. ومن ذلك الليل الذي جعله الله سكنا ولباسا وقد يستوحش له أخو
~~القفر وينازع فيه ذو البلية والريبة وتعدو فيه السباع وتنساب فيه الهوام
~~«1» ويغتنمه أهل السرق والسلة «2» ولا يزري صغير ضرره بكثير نفعه ولا يلحق
~~به ذما ولا يضع عن الناس الحق في الشكر لله على ما من به عليهم منه. ومثل
~~النهار الذي جعله الله ضياء ونشورا وقد يكون على الناس أذى الحر في قيظهم
~~وتصبحهم فيه الحروب والغارات ويكون فيه النصب والشخوص وكثير مما يشكوه
~~الناس ويستريحون فيه إلى الليل وسكونه. ولو أن الدنيا كان شيء من سرائها
~~يعم عامة أهلها بغير ضرر على بعضهم وكانت نعماؤها بغير كدر وميسورها من غير
~~معسور كانت الدنيا إذا هي الجنة التي لا يشوب مسرتها مكروه ولا فرحها ترح
~~والتي ليس فيها نصب ولا لغوب «3» ، فكل جسيم من أمر الدنيا يكون ضره خاصة
~~فهو نعمة عامة وكل شيء منه يكون نفعه خاصا فهو بلاء عام.
# وكان يقال: «السلطان والدين أخوان لا يقوم أحدهما إلا بالآخر» .
# وقرأت في التاج لبعض الملوك: «هموم الناس صغار وهموم الملوك كبار وألباب
~~الملوك مشغولة بكل شيء يجل وألباب السوق «4» مشغولة بأيسر الشيء، فالجاهل
~~منهم يعذر نفسه بدعة ما هو عليه من الرسلة «5» ولا يعذر سلطانه مع شدة ما
~~هو فيه من المؤنة «6» ، ومن هناك يعزر الله سلطانه ويرشده وينصره.» .
# سمع زياد رجلا يسب الزمان فقال: «لو كان يدري ما الزمان لعاقبته،
# PageV01P057
# إنما الزمان هو السلطان» .
# وكانت الحكماء تقول: «عدل السلطان أنفع للرعية من خصب الزمان» .
# وروى الهيثم عن ابن عياش عن الشعبي قال: «أقبل معاوية ذات يوم على بني
~~هاشم فقال: يا بني هاشم، ألا تحدثوني عن ادعائكم الخلافة دون قريش بم تكون
~~لكم أبالرضا بكم أم بالاجتماع عليكم دون القرابة أم بالقرابة دون الجماعة
~~أم بهما جميعا؟ فإن كان هذا الأمر بالرضا والجماعة دون القرابة فلا أرى
~~القرابة أثبتت حقا ولا أسست ملكا، وإن كان بالقرابة دون الجماعة والرضا فما
~~منع العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم ووارثه وساقي الحجيج وضامن الأيتام
~~أن يطلبها وقد ضمن له أبو سفيان بني عبد مناف، وإن كانت الخلافة بالرضا
~~والجماعة والقرابة جميعا فإن القرابة خصلة من خصال الإمامة لا تكون الإمامة
~~بها وحدها وأنتم تدعونها بها وحدها، ولكنا نقول: أحق قريش بها من بسط الناس
~~أيديهم إليه بالبيعة عليها ونقلوا أقدامهم إليه للرغبة وطارت إليه أهواؤهم
~~للثقة وقاتل عنها بحقها فأدركها من وجهها. إن أمركم لأمر تضيق بها الصدور،
~~إذا سئلتم عمن اجتمع عليه من غيركم قلتم حق. فإن كانوا اجتمعوا على حق فقد
~~أخرجكم الحق من دعواكم. أنظروا: فإن كان القوم أخذوا حقكم فاطلبوهم، وإن
~~كانوا أخذوا حقهم فسلموا إليهم فإنه لا ينفعكم أن تروا لأنفسكم ما لا يراه
~~الناس لكم. فقال ابن عباس: ندعي هذا الأمر بحق من لولا حقه لم تقعد مقعدك
~~هذا، ونقول كان ترك الناس أن يرضوا بنا ويجتمعوا علينا حقا ضيعوه وحظ
~~حرموه، وقد اجتمعوا على ذي فضل لم يخطىء الورد والصدر، ولا ينقص فضل ذي فضل
~~فضل غيره عليه. قال الله عز وجل ويؤت كل ذي فضل فضله
# «1» فأما الذي منعنا من طلب هذا الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
~~فعهد منه إلينا
# PageV01P058
# قبلنا فيه قوله ودنا بتأويله ولو أمرنا أن نأخذه على الوجه الذي نهانا
~~عنه لأخذناه أو أعذرنا فيه، ولا يعاب أحد على ترك حقه إنما المعيب من يطلب
~~ما ليس له، وكل صواب نافع وليس كل خطأ ضارا، انتهت القضية إلى داود وسليمان
~~فلم يفهمها داود وفهمها سليمان ولم يضر داود. فأما القرابة فقد نفعت المشرك
~~وهي للمؤمن أنفع؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنت عمي وصنو أبي ومن
~~أبغض العباس فقد أبغضني وهجرتك آخر الهجرة كما أن نبوتي أخر النبوة» . وقال
~~لأبي طالب عند موته: «يا عم، قل لا إله إلا الله أشفع لك بها غدا وليس ذاك
~~لأحد من الناس. قال الله تعالى: وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا
~~حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا
~~لهم عذابا أليما
# «1» .
# حدثنا الرياشي عن أحمد بن سلام مولى ذفيف عن مولى يزيد بن حاتم عن شيخ له
~~قال: قال كسرى: «لا تنزل ببلد ليس فيه خمسة أشياء: سلطان قاهر، وقاض عادل،
~~وسوق قائمة، وطبيب عالم، ونهر جار» .
# وحدثنا الرياشي قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا القاسم بن الفضل
~~قال: حدثنا ابن اخت العجاج عن العجاج قال: «قال لي أبو هريرة:
# ممن أنت؟ قال: قلت من أهل العراق. قال: يوشك أن يأتيك بقعان «2» الشام
# PageV01P059
# فيأخذوا صدقتك فإذا أتوك فتلقهم بها فإذا دخلوها فكن في أقاصيها وخل عنهم
~~وعنها، وإياك وأن تسبهم فإنك إن سببتهم ذهب أجرك وأخذوا صدقتك وإن صبرت
~~جاءتك في ميزانك يوم القيامة» . وفي رواية أخرى أنه قال: «إذا أتاك المصدق
~~فقل: خذ الحق ودع الباطل، فإن أبى فلا تمنعه إذا أقبل ولا تلعنه إذا أدبر
~~فتكون عاصيا خفف عن ظالم» .
# وكان يقال: «طاعة السلطان على أربعة أوجه: على الرغبة، والرهبة، والمحبة،
~~والديانة» .
# وقرأت في بعض كتب العجم كتابا لأردشير بن بابك إلى الرعية، نسخته: «من
~~أردشير الموبذ «1» ذي البهاء ملك الملوك ووارث العظماء، إلى الفقهاء الذين
~~هم حملة الدين، والأساورة الذين هم حفظة البيضة «2» ، والكتاب الذين هم
~~زينة المملكة، وذوي الحرث الذين هم عمرة البلاد.
# السلام عليكم، فإنا بحمد الله صالحون وقد وضعنا عن رعيتنا بفضل رأفتنا
~~إتاوتها الموظفة عليها. ونحن مع ذلك كاتبون اليكم بوصية: لا تستشعروا الحقد
~~فيدهمكم العدو، ولا تحتكروا فيشملكم القحط، وتزوجوا في القرابين فإنه أمس
~~للرحم وأثبت للنسب، ولا تعدو هذه الدنيا شيئا فإنها لا تبقي على أحد ولا
~~ترفضوها مع ذلك فإن الآخرة لا تنال إلا بها.
# PageV01P060
# وقرأت كتابا من أرسطاطاليس «1» إلى الاسكندر وفيه: «املك الرعية بالإحسان
~~إليها تظفر بالمحبة منها فإن طلبك ذلك منها بإحسانك هو أدوم بقاء منه
~~باعتسافك، واعلم أنك إنما تملك الأبدان فتخطها إلى القلوب بالمعروف، واعلم
~~أن الرعية إذا قدرت على أن تقول، قدرت على أن تفعل، فاجهد ألا تقول تسلم من
~~أن تفعل» .
# وقرأت في كتاب الآيين «2» أن بعض ملوك العجم قال في خطبة له: «إني إنما
~~أملك الأجساد لا النيات وأحكم بالعدل لا بالرضا وأفحص عن الأعمال لا عن
~~السرائر» .
# ونحوه قول العجم: «أسوس الملوك من قاد أبدان الرعية إلى طاعته بقلوبها» .
# وقالوا: «لا ينبغي للوالي أن يرغب في الكرامة التي ينالها من العامة كرها
~~ولكن في التي يستحقها بحسن الأثر وصواب الرأي والتدبير» .
# حدثنا الرياشي عن أحمد بن سلام عن شيخ له قال: «كان أنو شروان إذا ولى
~~رجلا أمر الكاتب أن يدع في العهد موضع أربعة أسطر ليوقع فيه بخطه فإذا أوتي
~~بالعهد وقع فيه: سس خيار الناس بالمحبة وامزج للعامة الرغبة بالرهبة وسس
~~سفلة الناس بالإخافة» .
# PageV01P061
# قال المدائني: «قدم قادم على معاووية بن أبي سفيان فقال له معاوية:
# هل من مغربة خبر؟ قال: نعم، نزلت بماء من مياه الأعراب فبينا أنا عليه
~~أورد أعرابي إبله فلما شربت ضرب على جنوبها وقال: عليك زيادا. فقلت له: ما
~~أردت بهذا؟ قال: هي سدى، ما قام لي بها راع مذ ولي زياد. فسر ذلك معاوية
~~وكتب به إلى زياد» .
# قال عبد الملك بن مروان: «أنصفونا يا معشر الرعية، تريدون منا سيرة أبي
~~بكر وعمر! ولا تسيرون فينا ولا في أنفسكم بسيرة رعية أبي بكر وعمر! نسأل
~~الله أن يعين كلا على كل» .
# قال عمر بن الخطاب: «إن هذا الأمر لا يصلح له إلا اللين في غير ضعف
~~والقوي في غير عنف» .
# وقال عمر بن عبد العزيز: «إني لأجمع أن أخرج للمسلمين أمرا من العدل
~~فأخاف أن لا تحتمله قلوبهم فأخرج معه طمعا من طمع الدنيا، فإن نفرت القلوب
~~من هذا سكنت إلى هذا» .
# قال معاوية: «لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني
~~لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، قيل: وكيف ذاك؟ قال: كنت
~~إذا مدوها خليتها وإذا خلوها مددتها» .
# ونحو هذا قول الشعبي فيه: «كان معاوية كالجمل الطب «1» ، إذا سكت عنه
~~تقدم وإذا رد تأخر» . وقول عمر فيه: «احذروا آدم قريش وابن كريمها، من لا
~~ينام إلا على الرضا ويضحك في الغضب ويأخذ ما فوقه من تحته» .
# PageV01P062
# وأغلظ له رجل فحلم عنه فقيل له: أتحلم عن هذا؟ فقال: «إني لا أحول بين
~~الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين سلطاننا» .
# كان يقال: «لا سلطان إلا برجال ولا رجال إلا بمال ولا مال إلا بعمارة ولا
~~عمارة إلا بعدل وحسن سياسة» .
# قال زياد: «أحسنوا إلى المزارعين فإنكم لا تزالون سمانا ما سمنوا» .
# وكتب الوليد إلى الحجاج يأمره أن يكتب إليه بسيرته فكتب إليه: «إني أيقظت
~~رأيي وأنمت هواي، فأدنيت السيد المطاع في قومه، ووليت الحرب الحازم في
~~أمره، وقلدت الخراج الموفر لأمانته، وقسمت لكل خصم من نفسي قسما يعطيه حظا
~~من نظري ولطيف عنايتي، وصرفت السيف إلى النطف «1» المسيء، والثواب إلى
~~المحسن البريء فخاف المريب صولة العقاب، وتمسك المحسن بحظه من الثواب» .
# وكان يقول لأهل الشام: «إنما أنا لكم كالظليم «2» الرائح عن فراخه ينفي
~~عنها القذر «3» ويباعد عنها الحجر ويكنها «4» من المطر ويحميها من الضباب
~~«5» ويحرسها من الذئاب. يا أهل الشام أنتم الجنة «6» والرداء وأنتم العدة
~~والحذاء» .
# فخر سليم مولى زياد بزياد عند معاوية فقال معاوية: «أسكت، ما أدرك صاحبك
~~شيئا قط بسيفه إلا وقد أدركت أكثر منه بلساني» .
# PageV01P063
# وقال الوليد لعبد الملك: يا ابت، ما السياسة؟ قال: «هيبة الخاصة مع صدق
~~مودتها واقتياد قلوب العامة بالإنصاف لها واحتمال هفوات الصنائع» .
# وفي كتب العجم: «قلوب الرعية خزائن ملوكها فما أودعتها من شيء فلتعلم أنه
~~فيها» .
# ووصف بعض الملوك سياسته فقال: «لم أهزل في وعد ولا وعيد ولا أمر ولا نهي
~~ولا عاقبت للغضب واستكفيت على الجزاء وأثبت على العناء لا للهوى، وأودعت
~~القلوب هيبة لم يشبها مقت وودا لم تشبه جرأة وعممت بالقوت ومنعت الفضول» .
# وقرأت في كتاب التاج: «قال أبرويز «1» لابنه شيرويه وهو في حبسه: «لا
~~توسعن على جندك فيستغنوا عنك ولا تضيقن عليهم فيضجوا منك، أعطهم عطاء قصدا
~~وامنعهم منعا جميلا ووسع عليهم في الرجاء ولا توسع عليهم في العطاء» .
~~ونحوه قول المنصور في مجلسه لقواده: صدق الأعرابي حيث يقول:
# أجع كلبك يتبعك. فقام أبو العباس الطوسي فقال: يا أمير المؤمنين أخشى أن
~~يلوح له غيرك برغيف فيتبعه ويدعك.
# وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: «أما بعد، فإن للناس نفرة عن سلطانهم
~~فأعوذ بالله أن تدركني وإياك عمياء «2» مجهولة وضغائن محمولة، أقم الحدود
~~ولو ساعة من نهار، وإذا عرض لك أمران: أحدهما لله، والآخر للدنيا فآثر
~~نصيبك من الله فإن الدنيا تنفد والآخرة تبقى، وأخيفوا الفساق واجعلوهم يدا
~~يدا ورجلا رجلا، وعد «3» مرضى المسلمين واشهد جنائزهم وانتح لهم
# PageV01P064
# بابك وباشر أمورهم بنفسك فإنما أنت رجل منهم غير أن الله جعلك أثقلهم
~~حملا، وقد بلغني أنه قد فشا لك ولأهل بيتك هيئة في لباسك ومطعمك ومركبك ليس
~~للمسلمين مثلها، فإياك يا عبد الله أن تكون بمنزلة البهيمة مرت بواد خصيب
~~فلم يكن لها هم إلا السمن وإنما حتفها في السمن، واعلم أن العامل إذا زاغ
~~زاغت رعيته، وأشقى من شقي الناس به والسلام» .
# هشام بن عروة قال: «صلى يوما عبد الله بن الزبير فوجم بعد الصلاة ساعة
~~فقال الناس: «لقد حدث نفسه. ثم التفت إلينا فقال: لا يبعدن ابن هند! إن
~~كانت فيه لمخارج لانجدها في أحد بعده أبدا، والله إن كنا لنفرقه، وما الليث
~~الحرب «1» على براثنه بأجرأ منه فيتفارق لنا. وإن كنا لنخدعه، وما ابن ليلة
~~من أهل الأرض بأدهى منه فيتخادع لنا، والله لوددت أنا متعنا به ما دام في
~~هذا حجر (وأشار إلى أبي قبيس) لا يتخون له عقل ولا تنتقص له قوة، قلنا:
# أوحش والله الرجل. قال: وكان يصل بهذا الحديث: كان والله كما قال العذري
~~«2» :
# [متقارب]
# ركوب المنابر وثابها ... معن بخطبته مجهر
# تريع إليه هوادي الكلام ... إذا خطل النثر المهمر «3»
# حدثني أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي قال: حدثنا جد سران وسران عم الأصمعي
~~قال: «كلم الناس عبد الرحمن بن عوف أن يكلم عمر بن الخطاب في أن يلين لهم
~~فإنه قد أخافهم حتى إنه قد أخاف الأبكار في
# PageV01P065
# خدورهن. فقال عمر: إني لا أجد لهم إلا ذلك، إنهم لو يعلمون مالهم عندي
~~لأخذوا ثوبي عن عاتقي» .
# قال: وتقدمت إليه امرأة فقالت: «يا أبا حفص، الله لك، فقال: ما لك
~~أعقرت؟»
# فقالت: صلعت فرقتك «2» .
# قال أشجع السلمي «3» في إبراهيم بن عثمان: [كامل]
# لا يصلح السلطان إلا شدة ... تغشى البريء بفضل ذنب المجرم
# ومن الولاة مقحم لا يتقى ... والسيف تقطر شفرتاه من الدم
# منعت مهابتك النفوس حديثها ... بالأمر تكرهه وإن لم تعلم
# كان يقال: «شر الأمراء أبعدهم من القراء وشر القراء أقربهم من الأمراء» .
# كتب عامل لعمر بن عبد العزيز على حمص إلى عمر: «إن مدينة حمص قد تهدم
~~حصنها، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في إصلاحه» فكتب إليه عمر «أما
~~بعد، فحصنها بالعدل، والسلام» .
# ذكر أعرابي أميرا فقال: «كان إذا ولي لم يطابق بين جفونه وأرسل العيون
~~على عيونه، فهو غائب عنهم شاهد معهم، فالمحسن راج والمسيء خائف» .
# كان جعفر بن يحيى يقول: «الخراج عمود الملك وما استغزر بمثل العدل ولا
~~استنزر بمثل الظلم» .
# PageV01P066
# وفي كتاب من كتب العجم أن أردشير قال لابنه: «يا بني، إن الملك والدين
~~أخوان لا غنى بأحدهما عن الآخر، فالدين أس والملك حارس، وما لم يكن له أس
~~فمهدوم وما لم يكن له حارس فضائع، يا بني، إجعل حديثك مع أهل المراتب
~~وعطيتك لأهل الجهاد وبشرك لأهل الدين وسرك لمن عناه ما عناك من أرباب
~~العقول» .
# وكان يقال: «مهما كان في الملك فلا ينبغي أن تكون فيه خصال خمس: لا ينبغي
~~أن يكون كذابا فإنه إذا كان كذابا فوعد خيرا لم يرج أو أوعد بشر لم يخف،
~~ولا ينبغي أن يكون بخيلا فإنه إذا كان بخيلا لم يناصحه أحد ولا تصلح
~~الولاية إلا بالمناصحة ولا ينبغي أن يكون حديدا فإنه إذا كان حديدا مع
~~القدرة هلكت الرعية ولا ينبغي أن يكون حسودا فإنه إذا كان حسودا لم يشرف
~~أحدا ولا يصلح الناس إلا على أشرافهم، ولا ينبغي أن يكون جبانا فإنه إذا
~~كان جبانا ضاعت ثغوره واجترأ عليه عدوه» .
# وقدم معاوية المدينة فدخل دار عثمان فقالت عائشة بنت عثمان:
# واأبتاه، وبكت، فقال معاوية: «يا ابنة أخي إن الناس أعطونا طاعة
~~وأعطيناهم أمانا وأظهرنا لهم حلما تحته وأظهروا لنا طاعة تحتها حقد ومع كل
~~إنسان سيفه وهو يرى مكان أنصاره فإن نكثنا بهم نكثوا بنا ولا ندري أعلينا
~~تكون أم لنا، ولأن تكوني بنت عم أمير المؤمنين خير من أن تكوني امرأة من
~~عرض المسلمين» .
# كتب عبد الله بن عباس إلى الحسن بن علي: «إن المسلمين ولوك أمرهم بعد علي
~~فشمر للحرب وجاهد عدوك ودار أصحابك واشتر من الظنين «1»
# PageV01P067
# دينه بما لا يثلم دينك وول أهل البيوتات والشرف تستصلح بهم عشائرهم حتى
~~تكون الجماعة فإن بعض ما يكره الناس، ما لم يتعد الحق وكانت عواقبه تؤدي
~~إلى ظهور العدل وعز الدين، خير من كثير مما يحبون إذا كانت عواقبه تدعو إلى
~~ظهور الجور ووهن الدين» .
# حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن الأعمش عن إبراهيم
~~قال: «كان عمر إذا قدم عليه الوفد سألهم عن حالهم وأسعارهم وعمن يعرف من
~~أهل البلاد وعن أميرهم هل يدخل عليه الضعيف؟
# وهل يعود المريض؟ فإن قالوا نعم، حمد الله تعالى، وإن قالوا لا، كتب
~~إليه:
# أقبل» .
### | اختيار العمال
# روي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما حضرته الوفاة كتب عهدا فيه: «بسم
~~الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول الله عند آخر عهده
~~بالدنيا وأول عهده بالآخرة، في الحال التي يؤمن فيها الكافر ويتقي فيها
~~الفاجر: إني استعملت عمر بن الخطاب فإن بر وعدل فذلك علمي به وإن جار وبدل
~~فلا علم لي بالغيب، والخير أردت، ولكل امرىء ما اكتسب وسيعلم الذين ظلموا
~~أي منقلب ينقلبون
# «1» » .
# وفي التاج أن أبرويز كتب إلى ابنه شيرويه من الحبس: «ليكن من تختاره
~~لولايتك امرأ كان في ضعة فرفعته، أو ذا شرف وجدته مهتضما فاصطنعته، ولا
~~تجعله امرأ أصبته بعقوبة فاتضع عنها ولا امرأ أطاعك بعد ما أذللته ولا أحدا
~~ممن يقع في خلدك أن إزالة سلطانك أحب له من ثبوته، وإياك
# PageV01P068
# أن تستعمله ضرعا غمرا كثر إعجابه بنفسه وقلت تجاربه في غيره، ولا كبيرا
~~مدبرا قد أخذ الدهر من عقله كما أخذت السن من جسمه» .
# وقال لقيط «1» في هذا المعنى: [بسيط]
# فقلدوا أمركم لله دركم ... رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا
# لا مترفا إن رخاء العيش ساعده ... ولا إذا عض مكروه به خشعا
# ما زال يحلب در الدهر أشطره ... يكون متبعا يوما ومتبعا
# حتى استمرت على شزر مريرته ... مستحكم السن لا قحما ولا ضرعا «2»
# ويقال في مثل: «رأي الشيخ خير من مشهد الغلام» ومن أمثال العرب أيضا في
~~المجرب «العوان لا تعلم الخمرة» «3» .
# قال بعض الخلفاء: دلوني على رجل أستعمله على أمر قد أهمني.
# قالوا: كيف تريده؟ قال: «إذا كان في القوم وليس أميرهم كان كأنه أميرهم
~~وإذا كان أميرهم كان كأنه رجل منهم» قالوا: لا نعلمه إلا الربيع بن زياد
~~الحارثي. قال صدقتم، هو لها.
# وروى الهيثم عن مجالد عن الشعبي قال: قال الحجاج: دلوني على
# PageV01P069
# رجل للشرط «1» فقيل: أي الرجال تريد؟ فقال: «أريده دائم العبوس طويل
~~الجلوس سمين الأمانة أعجف الخيانة لا يحنق في الحق على جرة «2» يهون عليه
~~سبال الأشراف في الشفاعة» فقيل له: عليك بعبد الرحمن بن عبيد التميمي.
# فأرسل إليه يستعمله، فقال له: لست أقبلها إلا أن تكفيني عيالك، وولدك
~~وحاشيتك. قال: يا غلام، ناد في الناس: من طلب إليه منهم حاجة فقد برئت منه
~~الذمة. قال الشعبي: فوالله ما رأيت صاحب شرطة قط مثله، كان لا يحبس إلا في
~~دين، وكان إذا أتي برجل قد نقب على قوم وضع منقبته «3» في بطنه حتى تخرج من
~~ظهره، وإذا أتي بنباش حفر له قبرا فدفنه فيه، وإذا أتي برجل قاتل بحديدة أو
~~شهر سلاحا قطع يده، وإذا أتي برجل قد أحرق على قوم منزلهم أحرقه، وإذا أتي
~~برجل يشك فيه وقد قيل إنه لص ولم يكن منه شيء ضربه ثلاثمائة سوط. قال: فكان
~~ربما أقام أربعين ليلة لا يؤتى بأحد فضم إليه الحجاج شرطة البصرة مع شرطة
~~الكوفة.
# وقرأت في كتاب أبرويز إلى ابنه شيرويه: «إنتخب لخراجك أحد ثلاثة: إما
~~رجلا يظهر زهدا في المال ويدعي ورعا في الدين فإن من كان كذلك عدل على
~~الضعيف وأنصف من الشريف ووفر الخراج واجتهد في العمارة، فإن هو لم يرع ولم
~~يعف إبقاء على دينه ونظرا لأمانته كان حريا أن يخون قليلا ويوفر كثيرا
~~استسرارا بالرياء واكتتاما بالخيانة، فإن ظهرت «4» على ذلك منه عاقبته
# PageV01P070
# على ما خان ولم تحمده على ما وفر، وإن هو جلح «1» في الخيانة وبارز
~~بالرياء نكلت به في العذاب واستنظفت ماله مع الحبس. أو رجلا عالما بالخراج
~~غنيا في المال مأمونا في العقل فيدعوه علمه بالخراج إلى الاقتصاد في الحلب
~~والعمارة للأرضين «2» والرفق بالرعية، ويدعوه غناه إلى العفة ويدعوه عقله
~~إلى الرغبة فيما ينفعه والرهبة مما يضره. أو رجلا عالما بالخراج مأمونا
~~بالأمانة مقترا من المال فتوسع عليه في الرزق فيغتنم لحاجته الرزق ويستكثر
~~لفاقته اليسير، ويزجي «3» بعلمه الخراج، ويعف بأمانته عن الخيانة» .
# استشار عمر بن عبد العزيز في قوم يستعملهم، فقال له بعض أصحابه:
# عليك بأهل العذر. قال: ومن هم؟ قال: الذين إن عدلوا فهو ما رجوت منهم وإن
~~قصروا قال الناس: قد اجتهد عمر.
# قال عدي بن أرطاة «4» لإياس بن معاوية: دلني على قوم من القراء أولهم.
# فقال له: القراء ضربان: ضرب يعملون للآخرة ولا يعملون لك، وضرب يعملون
~~للدنيا، فما ظنك بهم إذا أنت وليتهم فمكنتهم منها؟ قال: فما أصنع؟
# قال: عليك بأهل البيوتات الذين يستحيون لأحسابهم فولهم.
# أحضر الرشيد رجلا ليوليه القضاء فقال له: إني لا أحسن القضاء ولا أنا
~~فقيه. قال الرشيد: فيك ثلاث خلال: لك شرف والشرف يمنع صاحبه من الدناءة.
~~ولك حلم يمنعك من العجلة، ومن لم يعجل قل خطؤه. وأنت رجل
# PageV01P071
# تشاور في أمرك ومن شاور كثر صوابه، وأما الفقه فسينضم إليك من تتفقه به.
# فولي فما وجدوا فيه مطعنا.
# حدثني سهل بن محمد قال: حدثنا الأصمعي قال: حدثني صالح بن رستم أبو عامر
~~الخزاز قال: قال لي إياس بن معاوية المزني: أرسل إلي عمر ابن هبيرة فأتيته
~~فساكتني فسكت، فلما أطلت قال: إيه. قلت: سل عما بدا لك. قال: أتقرأ القرآن؟
~~قلت نعم. قال: هل تفرض الفرائض؟ قلت نعم.
# قال: فهل تعرف من أيام العرب شيئا؟ قلت نعم. قال: فهل تعرف من أيام العجم
~~شيئا؟ قلت: أنا بها أعلم. قال: إني أريد أن أستعين بك. قلت: إن في ثلاثا لا
~~أصلح معهن للعمل. قال: ما هن؟ قلت: أنا ذميم كما ترى، وأنا حديد، وأنا عي
~~«1» . قال: أما الدمامة فإني لا أريد أن أحاسن بك الناس، وأما العي فإني
~~أراك تعبر عن نفسك، وأما سوء الخلق فيقومك السوط. قم، قد وليتك. قال:
# فولاني وأعطاني ألفي درهم فهما أول مال تمولته.
# قرأت في كتاب للهند: «السلطان الحازم ربما أحب الرجل فأقصاه واطرحه مخافة
~~ضره، فعل الذي تلسع الحية إصبعه فيقطعها لئلا ينتشر سمها في جسده، وربما
~~أبغض الرجل فأكره نفسه على توليته وتقريبه لغناء يجده عنده كتكاره المرء
~~على الدواء البشع لنفعه» .
# حدثني المعلى بن أيوب قال سمعت المأمون يقول: «من مدح لنا رجلا فقد تضمن
~~عيبه» .
# PageV01P072
### | باب صحبة السلطان وآدابها وتغير السلطان وتلونه
# حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا أبو أسامة عن مجالد عن الشعبي عن عبد الله
~~بن عباس قال: قال لي أبي: «يا بني إني أرى أمير المؤمنين يستخليك «1»
~~ويستشيرك ويقدمك على الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني
~~أوصيك بخلال أربع: لا تفشين له سرا، ولا يجربن عليك كذبا، ولا تغتابن عنده
~~أحدا، ولا تطو عنه نصيحة» قال الشعبي: قلت لابن عباس: كل واحدة خير من ألف.
~~قال: إي والله ومن عشرة آلاف.
# كان يقال: «إذا جعلك السلطان أخا فاجعله أبا، وإن زادك فزده» .
# قال زياد لابنه: «إذا دخلت على أمير المؤمنين فادع له ثم اصفح صفحا
~~جميلا، ولا يرين منك تهالكا عليه ولا انقباضا عنه» .
# قال مسلم بن عمرو: «ينبغي لمن خدم السلاطين ألا يغتر بهم إذا رضوا عنه
~~ولا يتغير لهم إذا سخطوا عليه ولا يستثقل ما حملوه ولا يلحف في مسألتهم «2»
~~» .
# وقرأت في كتاب للهند: «صحبة السلطان على ما فيها من العز والثروة
# PageV01P073
# عظيمة الخطار، وإنما تشبه بالجبل الوعر فيه الثمار الطيبة والسباع
~~العادية، فالإرتقاء إليه شديد والمقام فيه أشد، وليس يتكافأ خير السلطان
~~وشره لأن خير السلطان لا يعدو مزيد الحال، وشر السلطان قد يزيل الحال ويتلف
~~النفوس التي لها طلب المزيد، ولا خير في الشيء الذي في سلامته مال وجاه وفي
~~نكبته الجائحة «1» والتلف» .
# وقرأت فيه: «من لزم باب السلطان بصبر جميل وكظم للغيظ واطراح للأنفة، وصل
~~إلى حاجته» .
# وقرأت فيه: «السلطان لا يتوخى بكرامته الأفضل فالأفضل ولكن الأدنى
~~فالأدنى كالكرم لا يتعلق بأكرم الشجر ولكن بأدناها منه» .
# وكانت العرب تقول: «إذا لم تكن من قربان الأمير فكن من بعدانه» .
# وقرأت في آداب ابن المقفع: «لا تكونن صحبتك للسلطان إلا بعد رياضة منك
~~لنفسك على طاعتهم في المكروه عندك وموافقتهم فيما خالفك وتقدير الأمور على
~~أهوائهم دون هواك، فإن كنت حافظا إذا ولوك، حذرا إذا قربوك، أمينا إذا
~~ائتمنوك، تعلمهم وكأنك تتعلم منهم، وتؤدبهم وكأنك تتأدب بهم، وتشكر لهم ولا
~~تكلفهم الشكر، ذليلا إن صرموك، راضيا إن أسخطوك، وإلا فالبعد منهم كل البعد
~~والحذر منهم كل الحذر. وإن وجدت عن السلطان وصحبته غنى فاستغن به فإنه من
~~يخدم السلطان بحقه يحل بينه وبين لذة الدنيا وعمل الآخرة، ومن يخدمه بغير
~~حقه يحتمل الفضيحة في الدنيا والوزر في الآخرة» .
# وقال: «إذا صحبت السلطان فعليك بطول الملازمة في غير طول
# PageV01P074
# المعاتبة، وإذا نزلت منه منزلة الثقة فاعزل عنه كلام الملق ولا تكثرن له
~~في الدعاء إلا أن تكلمه على رؤوس الناس ولا يكونن طلبك ما عنده بالمسألة
~~ولا تستبطئنه إن أبطأ. أطلبه بالاستحقاق ولا تخبرنه أن لك عليه حقا وأنك
~~تعتد عليه ببلاء. وإن استطعت ألا ينسى حقك وبلاءك بتجديد النصح والاجتهاد
~~فافعل. ولا تعطينه المجهود كله في أول صحبتك له فلا تجد موضعا للمزيد ولكن
~~دع للمزيد موضعا. وإذا سأل غيرك فلا تكن المجيب. واعلم أن استلابك للكلام
~~خفة بك واستخفاف منك بالسائل والمسؤول. فما أنت قائل إن قال لك السائل: ما
~~إياك سألت، وقال لك المسؤول: أجب أيها المعجب بنفسه المستخف بسلطانه؟» .
# وقال: «مثل صاحب السلطان مثل راكب الأسد يهابه الناس وهو لمركبه أهيب» .
# وقال عبد الملك بن صالح لمؤدب ولده بعد أن اختصه لمجالسته ومحادثته: «كن
~~على التماس الحظ بالسكوت أحرص منك على التماسه بالكلام فإنهم قالوا: إذا
~~أعجبك الكلام فاصمت وإذا أعجبك الصمت فتكلم.
# يا عبد الرحمن، لا تساعدني على ما يقبح ولا تردن علي الخطأ في مجلسي ولا
~~تكلفني جواب التشميت والتهنئة ولا جواب السؤال والتعزية ودع عنك كيف أصبح
~~الأمير وأمسى. وكلمني بقدر ما استنطقتك واجعل بدل التقريظ لي حسن الاستماع
~~مني. واعلم أن صواب الاستماع أقل من صواب القول.
# وإذا سمعتني أتحدث فأرني فهمك في طرفك وتوقفك ولا تجهد نفسك في تطرية
~~صوابي ولا تستدع الزيادة من كلامي بما تظهر من استحسان ما يكون مني، فمن
~~أسوأ حالا ممن يستكد الملوك بالباطل فيدل على تهاونه، وما ظنك بالملك وقد
~~أحلك محل المعجب بما تسمع منه وقد أحللته محل من لا يسمع
# PageV01P075
# منه؟ وأقل من هذا يحبط إحسانك ويسقط حق حرمة إن كانت لك. إني جعلتك مؤدبا
~~بعد أن كنت معلما وجعلتك جليسا مقربا بعد أن كنت مع الصبيان مباعدا. ومتى
~~لم يعرف نقصان ما خرجت منه لم تعرف رجحان ما دخلت فيه، ومن لم يعرف سوء ما
~~يولى لم يرعف حسن ما يبلى» .
# دخل أبو مسلم على أبي العباس وعنده أبو جعفر فسلم على أبي العباس فقال
~~له: يا أبا مسلم، وهذا أبو جعفر! فقال: يا أمير المؤمنين، هذا موضع لا يقضى
~~فيه إلا حقك.
# قال الفضل بن الربيع: «مسأله الملوك عن أحوالهم من تحيات النوكى «1» ،
~~فإذا أردت أن تقول: كيف أصبح الأمير، فقل: صبح الله الأمير بالكرامة. وإذا
~~أردت أن تقول: كيف يجد الأمير نفسه، فقل: أنزل الله على الأمير الشفاء
~~والرحمة، فإن المسألة توجب الجواب فإن لم يجبك اشتد عليك وإن أجابك اشتد
~~عليه» .
# وقرأت في آداب ابن المقفع: «جانب المسخوط عليه والظنين عند السلطان ولا
~~يجمعنك وإياه مجلس ولا منزل ولا تظهرن له عذرا ولا تثن عليه عند أحد، فإذا
~~رأيته قد بلغ في الانتقام ما ترجو أن يلين بعده فاعمل في رضاه عنك برفق
~~وتلطف، ولا تسار «2» في مجلس السلطان أحدا ولا تومىء إليه بجفنك وعينك فإن
~~السرار يخيل إلى كل من رآه من ذي سلطان وغيره أنه المراد به، وإذا كلمك
~~فاصغ إلى كلامه ولا تشغل طرفك عنه بنظر ولا قلبك بحديث نفس» .
# PageV01P076
# وقرأت في كتاب للهند أنه أهدي لملك الهند ثياب وحلي فدعا بامرأتين له
~~وخير أحظاهما عنده بين اللباس والحلية، وكان وزيره حاضرا، فنظرت المرأة
~~إليه كالمستشيرة له فغمزها باللباس تغضينا بعينه، ولحظه الملك، فاختارت
~~الحلية لئلا يفطن للغمزة، ومكث الوزير أربعين سنة كاسرا عينه لئلا تقر تلك
~~في نفس الملك وليظن أنها عادة أو خلقة وصار اللباس للأخرى فلما حضرت الملك
~~الوفاة قال لولده: توص بالوزير خيرا فإنه اعتذر من شيء يسير أربعين سنة.
# قال شبيب بن شيبة: «ينبغي لمن ساير خليفة أن يكون بالموضع الذي إذا أراد
~~الخليفة أن يسأله عن شيء لم يحتج إلى أن يلتفت، ويكون من ناحية إن التفت لم
~~تستقبله الشمس، وإن سار بين يديه أن يحيد عن سنن الريح التي تؤدي الغبار
~~إلى وجهه.
# قال رجل من النساك لآخر: «إن ابتليت بأن تدخل إلى السلطان مع الناس
~~فأخذوا في الثناء فعليك بالدعاء» .
# قال ثمامة: كان يحيى بن أكثم يماشي المؤمون يوما في بستان موسى والشمس عن
~~يسار يحيى والمأمون في الظل وقد وضع يده على عاتق يحيى وهما يتحادثان حتى
~~بلغ حيث أراد ثم كر راجعا في الطريق التي بدأ فيها فقال ليحيى: كانت الشمس
~~عليك لأنك كنت عن يساري وقد نالت منك فكن الآن حيث كنت وأتحول أنا إلى حيث
~~كنت. فقال يحيى: والله يا أمير المؤمنين لو أمكنني أن أقيك هول المطلع
~~بنفسي لفعلت. فقال المأمون: لا والله ما بد من أن تأخذ الشمس مني مثل ما
~~أخذت منك. فتحول يحيى وأخذ من الظل مثل الذي أخذ منه المأمون.
# وقال المأمون: «أول العدل أن يعدل الرجل على بطانته ثم على الذين
# PageV01P077
# يلونهم حتى يبلغ العدل الطبقة السفلى.
# المدائني قال: قال الأحنف: «لا تنقبضوا عن السلطان ولا تهالكوا عليه فإنه
~~من أشرف للسلطان أذراه ومن تضرع له أحظاه» .
# حدثني يزيد بن عمرو قال: حدثني محمد بن عمرو الرومي قال: حدثنا زهير بن
~~معاوية عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع قال: قال حذيفة بن اليمان:
# «ما مشى قوم قط إلى سلطان الله في الأرض ليذلوه إلا أذلهم الله قبل أن
~~يموتوا» .
# وفي أخبار خالد بن صفوان أنه قال: دخلت على هشام بن عبد الملك فاستدناني
~~حتى كنت أقرب الناس منه فتنفس ثم قال: يا خالد، لرب خالد قعد مقعدك هذا
~~أشهى إلي حديثا منك فعلمت. أنه يعني خالد بن عبد الله.
# فقلت: يا أمير المؤمنين، أفلا تعيده؟ فقال: إن خالدا أدل فأمل وأوجف
~~فأعجف ولم يدع لراجع مرجعا، على أنه ما سألني حاجة. فقلت: يا أمير
~~المؤمنين، ذاك أحرى، فقال: هيهات [طويل]
# إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكن ... إليه بوجه آخر الدهر تقبل
# حدثنا الفضل بن محمد بن منصور بمعنى هذا الحديث، وببعضه نهيك: اعتل يحيى
~~بن خالد «1» فبعث إلى منكة «2» الهندي فقال له: ما ترى في
# PageV01P078
# هذه العلة؟ فقال منكة: داؤك كبير ودواؤه يسير وأيسر منه الشكر، وكان
~~متفننا، فقال له يحيى: ربما ثقل على السمع خطرة الحق به، فإذا كان ذلك كانت
~~الهجرة له ألزم من المفاوضة فيه. قال منكة: صدقت، ولكني أرى في الطوالع
~~أثرا والأمد فيه قريب وأنت قسيم في المعرفة وقد نبهت، وربما كانت صورة
~~الحركة للكوكب عقيمة ليست بذات نتاج ولكن الأخذ بالحزم أوفر حظ الطالبين.
~~قال يحيى: للأمور منصرف إلى العواقب وما حتم لا بد من أن يقع، والمنعة
~~بمسالمة الأيام نهزة فاقصد لما دعوتك له من هذا الأثر الموجود بالمزاج. قال
~~منكة: هي الصفراء مازجتها مائية من البلغم فحدث لها بذلك ما يحدث للهب عند
~~مماسته رطوبة المادة من الإشتعال فخذ ماء رمانتين فدقهما بإهليلجة «1»
~~سوداء تنهضك مجلسا أو مجلسين وتسكن ذلك التوقد الذي تجد «2» إن شاء الله.
~~فلما كان من حديثهم الذي كان، تلطف منكة حتى دخل على يحيى في الحبس فوجده
~~جالسا على لبد «3» ووجد الفضل بين يديه يمهن أي يخدم فاستعبر منكة وقال: قد
~~كنت ناديت لو أعرت الإجابة. قال له يحيى: أتراك علمت من ذلك شيئا جهلته؟
~~كلا ولكنه كان الرجاء للسلامة بالبراءة من الذنب أغلب من الشفق وكان مزايلة
~~القدر الخطير عبئا قلما تنهض به الهمة. وبعد فقد كانت نعم أرجو أن يكون
~~أولها شكرا وآخرها أجرا. فما تقول في هذا الداء؟ قال له منكة: ما أرى له
~~دواء أنجع من الصبر، ولو كان يفدى بمال أو مفارقة عضو كان ذلك مما يجب لك.
~~قال يحيى: قد شكرت لك ما ذكرت فإن أمكنك تعهدنا فافعل. قال منكة: لو أمكنني
~~تخليف الروح عندك ما بخلت بذلك، فإنما كانت الأيام تحسن لي بسلامتك. قال
~~الفضل:
# PageV01P079
# كان يحيى يقول: دخلنا في الدنيا دخولا أخرجنا منها.
# وقرأت في كتاب للهند: «إنما مثل السلطان في قلة وفائه للأصحاب وسخاء نفسه
~~عمن فقد منهم مثل البغي والمكتب «1» ، كلما ذهب واحد جاء آخر» .
# والعرب تقول: «السلطان ذو عدوان «2» وذو بدوان وذو تدرإ» يريدون أنه سريع
~~الإنصراف كثير البدوات هجوم على الأمور.
# قال معاذ بن مسلم: رأيت أبا جعفر وأبا مسلم دخلا الكعبة فنزع أبو جعفر
~~نعله فلما أراد الخروج قال: يا عبد الرحمن، هات نعلي. فجاء بها، فقال: يا
~~معاذ ضعها في رجلي. فألبسته إياها فحقد ذلك أبو مسلم، ووجه أبو جعفر يقطين
~~«3» بن موسى إلى أبي مسلم لإحصاء الأموال فقال أبو مسلم: أفعلها ابن سلامة
~~الفاعلة؟ لا يكني. فقال يقطين. عجلت أيها الأمير، قال: وكيف؟
# قال: أمرني أن أحصي الأموال ثم أسلمها إليك لتعمل فيها برأيك. ثم قدم
~~يقطين على المنصور فأخبره. فلما قدم أبو مسلم المدائن في اليوم الذي قتل
~~فيه جعل يضرب بالسوط معرفة برذونه «4» ويقول بالفارسية كلاما معناه: ما
~~تغني المعرفة إذا لم يقدر على دفع المحتوم. ثم قال: جارة ذيلها، تدعو يا
~~ويلها، بدجلة أو حولها، كأنا بعد ساعة، قد صرنا في دجلة.
# PageV01P080
# قال المنصور: «ثلاث كن في صدري شفى الله منها: كتاب أبي مسلم إلي وأنا
~~خليفة: عافانا الله وإياك من السوء، ودخول رسوله علينا وقوله: أيكم ابن
~~الحارثية؟. وضرب سليمان بن حبيب ظهري بالسياط» .
# قال المنصور لسلم بن قتيبة: ما ترى في قتل أبي مسلم؟ فقال سلم:
# لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا
# فقال حسبك يا أبا أمية.
# قال أبو دلامة «1» : [طويل]
# أبا مسلم ما غير الله نعمة ... على عبده حتى يغيرها العبد
# أفي دولة المهدي حاولت غدرة ... ألا إن أهل الغدر آباؤك الكرد
# أبا مسلم خوفتني القتل فانتحى ... عليك بما خوفتني الأسد الورد»
# قال مروان «3» بن محمد لعبد الحميد حين أيقن بزوال ملكه: «قد احتجت إلى
~~أن تصير مع عدوي وتظهر الغدر بي، فإن إعجابهم بأدبك وحاجتهم إلى كتابتك
~~تدعوهم إلى حسن الظن بك، فإن استطعت أن تنفعني في حياتي وإلا لم تعجز عن
~~حفظ حرمتي بعد وفاتي» فقال عبد الحميد: إن الذي أمرتني به أنفع الأمرين لك
~~وأقبحهما بي وما عندي إلا الصبر حتى يفتح الله لك أو أقتل معك. وقال:
~~[طويل]
# PageV01P081
# أسر وفاء ثم أظهر غدرة ... فمن لي بعذر يوسع الناس ظاهره
### | المشاورة والرأي
# حدثنا الزيادي قال: حدثنا حماد بن زيد عن هشام عن الحسن قال:
# «كان النبي صلى الله عليه وسلم يستشير حتى المرأة فتشير عليه بالشيء
~~فيأخذ به» .
# وقرأت في التاج أن بعض ملوك العجم استشار وزراءه، فقال أحدهم:
# «لا ينبغي للملك أن يستشير منا أحدا إلا خاليا به، فإنه أموت للسر وأحزم
~~للرأي وأجدر بالسلامة وأعفى لبعضنا من غائلة بعض، فإن إفشاء السر إلى رجل
~~واحد أوثق من إفشائه إلى آثنين، وإفشاءه إلى ثلاث كإفشائه إلى العامة لأن
~~الواحد رهن بما أفشي إليه والثاني يطلق عنه ذلك الرهن والثالث علاوة فيه،
~~وإذا كان سر الرجل عند واحد كان أحرى ألا يظهره رهبة منه ورغبة إليه، وإذا
~~كان عند اثنين دخلت على الملك الشبهة واتسعت على الرجلين المعاريض، فإن
~~عاقبهما عاقب اثنين بذنب واحد، وإن اتهمهما اتهم بريئا بجناية مجرم، وإن
~~عفا عنهما كان العفو عن أحدهما ولا ذنب له عن الآخر ولا حجة معه» .
# وقرأت في كتاب للهند أن ملكا استشار وزراء له، فقال أحدهم:
# «الملك الحازم يزداد برأي الوزراء الحزمة كما يزداد البحر بمواده من
~~الأنهار، وينال بالحزم والرأي ما لا يناله بالقوة والجنود، وللأسرار منازل:
~~منها ما يدخل الرهط فيه، ومنها ما يستعان فيه بقوم، ومنها ما يستغنى فيه
~~بواحد. وفي تحصين السر الظفر بالحاجة والسلامة من الخلل. والمستشير وإن كان
~~أفضل رأيا من المشير، فإنه يزداد برأيه رأيا كما تزداد النار بالسليط ضوءا.
~~وإذا كان
# PageV01P082
# الملك محصنا لسره بعيدا من أن يعرف ما في نفسه متخيرا للوزراء مهيبا في
~~أنفس العامة كافيا بحسن البلاء لا يخافه البريء ولا يأمنه المريب مقدرا لما
~~يفيد وينفق، كان خليقا لبقاء ملكه. ولا يصلح لسرنا هذا إلا لسانان وأربع
~~آذان. ثم خلا به» .
# قال أبو محمد: كتبت إلى بعض السلاطين كتابا وفي فصل منه: «لم يزل حزمة
~~الرجال يستحلون مرارة قول النصحاء ويستهدون العيوب ويستثير صواب الرأي من
~~كل حتى الأمة الوكعاء، ومن احتاج إلى إقامة دليل على ما يدعيه من مودته
~~ونقاء طويته فقد أغناني الله عن ذلك بما أوجبه الاضطرار إذ كنت أرجو بدوام
~~نعمتك وارتفاع درجتك وانبساط جاهك ويدك زيادة الحال» .
# وفي فصل آخر: «وقد تحملت في هذا الكتاب بعض العتب وخالفت ما أعلم إذ عرضت
~~بالرأي ولم أستشر وأحللت نفسي محل الخواص ولم أحل ونزعت بي النفس، حين جاشت
~~وضاقت بما تسمع، عن طريق الصواب لها إلى طريق الصواب لك، وحين رأيت لسان
~~عدوك منبسطا بما يدعيه عليك وسهامه نافذة فيك، ورأيت وليك معكوما عن
~~الاحتجاج إذ لا يجد العذر ورأيت عوام الناس يخوضون بضروب الأقاويل في أمرك،
~~ولا شيء أضر على السلطان في حال ولا أنفع في حال منهم. وبما يجريه الله على
~~ألسنتهم تسير الركبان وتبقى الأخبار ويخلد الذكر على الدهر وتشرف الأعقاب،
~~وظاهر الخبر عندهم أعدل من شهادة العدول الثقات» .
# وفي فصل منه: «وسائس الناس ومدبر أمورهم يحتاج إلى سعة الصدر واستشعار
~~الصبر واحتمال سوء أدب العامة وإفهام الجاهل وإرضاء المحكوم عليه والممنوع
~~مما يسأل بتعريفه من أين منع، والناس لا يجمعون على الرضا إذا جمع بهم كل
~~أسباب الرضا فكيف إذا منعوا بعضها، ولا يعذرون بالعذر
# PageV01P083
# الواضح فكيف بالعذر الملتبس، وأخوك من صدقك وارتمض لك لا من تابعك على
~~هواك ثم غاب عنك بغير ما أحضرك» .
# قال زياد لرجل يشاوره: «لكل مستشير ثقة ولكل سر مستودع، وإن الناس قد
~~أبدعت بهم خصلتان: إضاعة السر، وإخراج النصيحة. وليس موضع السر إلا أحد
~~رجلين: رجل آخرة يرجو ثواب الله، أو رجل دنيا له شرف في نفسه وعقل يصون به
~~حسبه، وقد عجمتهما لك» .
# وكتب بعض الكتاب: «إعلم أن الناصح لك المشفق عليك من طالع لك ما وراء
~~العواقب برؤيته ونظره، ومثل لك الأحوال المخوفة عليك، وخلط لك الوعر بالسهل
~~من كلامه ومشورته ليكون خوفك كفئا لرجائك وشكرك إزاء النعمة عليك. وأن
~~الغاش لك الحاطب عليك من مد لك في الاغترار ووطأ لك مهاد الظلم وجرى معك في
~~عنانك منقادا لهواك» .
# وفي فصل: «إني وإن كنت ظنينا عندك في هذه الحال ففي تدبرك صفحات هذه
~~المشورة ما دلك على أن مخرجها عن صدق وإخلاص» .
# إبراهيم بن المنذر قال: استشار زياد بن عبيد الله الحارثي عبيد الله بن
~~عمر في أخيه أبي بكر أن يوليه القضاء، فأشار عليه به، فبعث إلى أبي بكر
~~فامتنع عليه، فبعث زياد إلى عبيد الله يستعين به على أبي بكر، فقال أبو بكر
~~لعبيد الله: أنشدك بالله أترى لي أن ألي القضاء؟ قال: اللهم لا. قال زياد:
# سبحان الله! استشرتك فأشرت علي به ثم أسمعك تنهاه! قال: أيها الأمير،
~~استشرتني فاجتهدت لك رأيي ونصحتك، واستشارني فاجتهدت له رأيي ونصحته.
# كان نصر بن مالك على شرط أبي مسلم، فلما جاءه إذن أبي جعفر في القدوم
~~عليه استشاره فنهاه عن ذلك وقال: لا آمنه عليك. قال له أبو جعفر لما
# PageV01P084
# صار اليه: إستشارك أبو مسلم في القدوم علي فنهيته؟ قال نعم: قال وكيف
~~ذاك؟ قال: سمعت أخاك إبراهيم الإمام يحدث عن أبيه محمد بن علي قال:
# «لا يزال الرجل يزاد في رأيه ما نصح لمن استشاره» وكنت له كذلك وأنا
~~اليوم لك كما كنت له.
# قال معاوية: «لقد كنت ألقى الرجل من العرب أعلم أن في قلبه علي ضغنا
~~فأستشيره، فيثير إلي منه بقدر ما يجده في نفسه فلا يزال يوسعني شتما وأوسعه
~~حلما حتى يرجع صديقا أستعين به فيعينني وأستنجده فينجدني» .
# وقرأت في كتاب إبرويز إلى ابنه شيرويه وهو في حبسه: «عليك بالمشاورة فإنك
~~واجد في الرجال من ينضج لك الكي ويحسم عنك الداء ويخرج لك المستكن ولا يدع
~~لك في عدوك فرصة إلا انتهزها ولا لعدوك فيك فرصة إلا حصنها، ولا يمنعك شدة
~~رأيك في ظنك ولا علو مكانك في نفسك من أن تجمع إلى رأيك رأي غيرك فإن أحمدت
~~اجتنيت وإن أذممت نفيت، فإن في ذلك خصالا: منها أنه إن وافق رأيك ازداد
~~رأيك شدة عندك، وإن خالف رأيك عرضته على نظرك، فإن رأيته معتليا لما رأيت
~~قبلت، وإن رأيته متضعا عنه استغنيت، ومنها أنه يجدد لك النصيحة ممن شاورت
~~وإن أخطأ لك مودته وإن قصر» .
# وفي كتاب للهند: «من التمس من الإخوان الرخصة عند المشورة ومن الأطباء
~~عند المرض ومن الفقهاء عند الشبهة، أخطأ الرأي وازداد مرضا وحمل الوزر» .
# وفي آداب ابن المقفع: «لا يقذفن في روعك «1» أنك إن استشرت
# PageV01P085
# الرجال ظهر للناس منك الحاجة إلى رأي غيرك، فيقطعك ذاك عن المشاورة، فإنك
~~لا تريد الرأي للفخر به ولكن للانتفاع به. ولو أنك أردت الذكر كان أحسن
~~الذكر عند الألباء أن يقال: لا ينفرد برأيه دون ذوي الرأي من إخوانه» .
# قال عمر بن الخطاب: «الرأي الفرد كالخيط السحيل، والرأيان كالخيطين
~~المبرمين، والثلاثة مرار «1» لا يكاد ينتقض» . وقال أشجع «2» : [بسيط]
# رأي سرى وعيون الناس هاجعة ... ما أخر الحزم رأي قدم الحذرا
# كتب الحجاج إلى المهلب يستعجله في حرب الأزارقة، فكتب إليه المهلب: «إن
~~من البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه دون من يبصره» . وقيل لعبد الله بن وهب
~~الراسي يوم عقدت له الخوارج: تكلم. فقال: ما أنا والرأي الفطير والكلام
~~القضيب. وقال أيضا: خمير الرأي خير من فطيره، ورب شيء غابه خير من طريه،
~~وتأخيره خير من تقديمه. وقيل لآخر: تكلم.
# فقال: ما أشتهي الخبز إلا بائتا.
# كان ابن هبيرة يقول: «اللهم إني أعوذ بك من صحبة من غايته خاصة نفسه
~~والانحطاط في هوى مستشيره، وممن لا يلتمس خالص مودتك إلا بالتأتي لموافقة
~~شهوتك، ومن يساعدك على سرور ساعتك ولا يفكر في حوادث غدك» . وكان يقال: «من
~~أعطي أربعا لم يمنع أربعا: من أعطي الشكر لم يمنع المزيد، ومن أعطي التوبة
~~لم يمنع القبول، ومن أعطي المشورة لم يمنع الصواب، ومن أعطي الاستخارة لم
~~يمنع الخيرة» . وكان يقال: لا تستشر معلما ولا راعي الغنم ولا كثير القعود
~~مع النساء. وكان يقال:
# PageV01P086
# لا تشاور صاحب حاجة يريد قضاءها ولا جائعا ولا حاقن بول وقالوا «لا رأي
~~لحاقن ولا لحازق» «1» وهو الذي ضغطه الخف «ولا لحاقب» وهو الذي يجد رزا في
~~بطنه. وقالوا أيضا: لا تشاور من لا دقيق عنده.
# وكان بعض ملوك العجم إذا شاور مرازبته «2» فقصروا في الرأي دعا الموكلين
~~بأرزاقهم فعاقبهم، فيقولون: تخطىء مرازبتك وتعاقبنا! فيقول نعم، إنهم لم
~~يخطئوا إلا لتعلق قلوبهم بأرزاقهم وإذا اهتموا أخطأوا. وكان يقال:
# إن النفس إذا أحرزت قوتها ورزقها اطمأنت.
# وقال كعب: لا تستشيروا الحاكة فإن الله سلبهم عقولهم ونزع البركة من
~~كسبهم. قال الشاعر: [طويل]
# وأنفع من شاورت من كان ناصحا ... شفيقا فأبصر بعدها من تشاور
# وليس بشافيك الشفيق ورأيه ... عزيب «3» ولا ذوا الرأي والصدر واغر
# ويقال: علامة الرشد أن تكون النفس مشتاقة. وقال آخر [طويل]
# إذا بلغ الرأي النصيحة فاستعن ... برأي نصيح أو نصيحة حازم
# ولا تحسب الشورى عليك غضاضة ... فإن الخوافي «4» رافدات القوادم
# PageV01P087
# وخل الهوينا للضعيف ولا تكن ... نؤوما فإن الحزم ليس بنائم
# وأدن من القربى المقرب نفسه ... ولا تشهد الشورى امرا غير كاتم
# وما خير كف أمسك الغل أختها ... وما خير سيف لم يؤيد بقائم
# فإنك لن تستطرد الهم بالمنى ... ولن تبلغ العليا بغير المكارم
# قال أعرابي: ما غبنت قط حتى يغبن قومي. قيل: وكيف ذلك؟ قال: لا أفعل شيئا
~~حتى أشاورهم. وقيل لرجل من بني عبس: ما أكثر صوابكم! فقال: نحن ألف رجل
~~وفينا حازم واحد ونحن نطيعه، فكأنا ألف حازم.
# ويقال: «ليس بين الملك وبين أن يملك رعيته أو تملكه إلا حزم أو توان» .
# وقال القطامي «1» في معصية الناصح: [وافر]
# ومعصية الشفيق عليك مما ... يزيدك مرة منه استماعا
# وخير الأمر ما استقبلت منه ... وليس بأن تتبعه اتباعا
# كذاك وما رأيت الناس إلا ... إلى ما جر غاويهم سراعا
# تراهم يغمزون من استركوا ... ويجتنبون من صدق المصاعا
# وقال آخر، أنشدنيه الرياشي: [طويل]
# ومولى عصاني واستبد برأيه ... كما لم يطع بالبقتين قصير «2»
# PageV01P088
# فلما رأى أن غب أمري وأمره ... وولت بأعجاز الأمور صدور
# تمنى نئيشا «1» أن يكون أطاعني ... وقد حدثت بعد الأمور أمور
# وقال سبيع لأهل اليمامة «يا بني حنيفة، بعدا كما بعدت عاد وثمود «2» ،
~~أما والله لقد أنبأتكم بالأمر قبل وقوعه كأني أسمع جرسه وأبصر غيبه ولكنكم
~~أبيتم النصيحة فاجتنيتم الندم، وأصبحتم وفي أيديكم من تكذيبي التصديق ومن
~~تهمتي الندامة، وأصبح في يدي من هلاككم البكاء ومن ذلكم الجزع، وأصبح ما
~~فات غير مردود وما بقي غير مأمون. وإني لما رأيتكم تتهمون النصيح وتسفهون
~~الحليم استشعرت منكم اليأس وخفت عليكم البلاء. والله ما منعكم الله التوبة
~~ولا أخذكم على غرة ولقد أمهلكم حتى مل الواعظ وهن الموعوظ وكنتم كأنما يعنى
~~بما أنتم فيه غيركم» .
# وأشار رجل على صديق له برأي، فقال له: «قد قلت ما يقول الناصح الشفيق
~~الذي يخلط حلو كلامه بمره وحزنه «3» بسهله ويحرك الإشفاق منه ما هو
# PageV01P089
# ساكن من غيره؛ وقد وعيت النصح فيه وقبلته إذ كان مصدره من عند من لا يشك
~~في مودته وصافي غيبه، وما زلت بحمد الله إلى كل خير طريقا منهجا ومهيعا «1»
~~واضحا» .
# وكتب عثمان إلى علي حين أحيط به: «أما بعد، فإنه قد جاوز الماء الزبى
~~وبلغ الحزام الطبيين «2» وقد تجاوز الأمر بي قدره: [طويل]
# فإن كنت مأكولا فكن خير آكل ... وإلا فأدركني ولما أمزق»
# وقال أوس «3» بن حجر: [طويل]
# وقد أعتب ابن العم إن كنت ظالما ... وأغفر عنه الجهل إن كان أجهلا
# وإن قال لي ماذا ترى؟ يستشيرني ... يجدني ابن عم مخلط الأمر مزيلا «4»
# أقيم بدار الحزم ما دام حزمها ... وأحري إذا حالت بأن أتحولا
# وأستبدل الأمر القوي بغيره ... إذا عقد مأفون «5» الرجال تحللا
# وكان يقال: «أناة في عواقبها درك، خير من معاجلة في عواقبها فوت» .
# وأنشدني الرياشي: [بسيط]
# PageV01P090
# وعاجز الرأي مضياع لفرصته ... حتى إذا فات أمر عاتب القدرا «1»
# وكان يقال: «رو بحزم فإذا استوضحت فاعزم» .
### | الإصابة بالظن والرأي
# كان ابن الزبير يقول: «لا عاش بخير من لم ير برأيه ما لم ير بعينه» .
# وسئل بعض الحكماء: ما العقل؟ فقال: «الإصابة بالظن ومعرفة ما لم يكن بما
~~كان» . وكان يقال: «كفى مخبرا عما مضى ما بقي، وكفى عبرا لأولي الألباب ما
~~جربوا» . وكان يقال: «كل شيء محتاج إلى العقل، والعقل محتاج إلى التجارب» .
~~ويقال: «من لم ينفعك ظنه لم ينفعك يقينه» . وقال أوس بن حجر: [منسرح]
# الألمعي الذي يظن بك الظ ... ن كأن قد رأى وقد سمعا
# وقال آخر: [طويل]
# وأبغي صواب الظن أعلم أنه ... إذا طاش ظن المرء طاشت مقادره
# وقال علي بن أبي طالب صلوات الله عليه في عبد الله بن عباس: «إنه لينظر
~~إلى الغيب من ستر رقيق» . ويقال: «ظن الرجل قطعة من عقله» .
# ويقال: «الظنون مفاتيح اليقين» . وقال بعض الكتاب: [وافر]
# أصونك أن أظن عليك ظنا ... لأن الظن مفتاح اليقين
# PageV01P091
# وقال الكميت «1» : [بسيط]
# مثل التدبر في الأمر ائتنافكه ... والمرء يعجز في الإقدام لا الحيل «2»
# وقال آخر: [طويل]
# وكنت متى تهزز لخطب تغشه ... ضرائب أمضى من رقاق المضارب «3»
# تجللته بالرأي حتى أريته ... به ملء عينيه مكان العواقب
# وقال آخر يصف عاقلا: [طويل]
# بصير بأعقاب الأمور كأنما ... يرى بصواب الرأي ما هو واقع
# وقال آخر في مثله: [طويل]
# عليم بأعقاب الأمور برأيه ... كأن له في اليوم عينا على الغد
# وقال آخر يصف عاقلا: [طويل]
# بصير بأعقاب الأمور كأنما ... يخاطبه من كل أمر عواقبه
# وقال جثامة بن قيس «4» يهجو قوما: [بسيط]
# أنتم أناس عظام لا قلوب لكم ... لا تعلمون أجاء الرشد أم غابا؟
# PageV01P092
# وتبصرون رؤوس الأمر مقبلة ... ولا ترون وقد ولين أذنابا
# وقلما يفجأ المكروه صاحبه ... إذا رأى لوجوه الشر أسبابا
# وقال آخر: [طويل]
# فلا يحذرون الشر حتى يصيبهم ... ولا يعرفون الأمر إلا تدبرا «1»
# ويقال: «ظن العاقل كهانة» . وفي كتاب للهند: «الناس حازمان وعاجز، فأحد
~~الحازمين الذي إذا نزل به البلاء لم يبطر وتلقاه بحيلته ورأيه حتى يخرج
~~منه، وأحزم منه العارف بالأمر إذا أقبل فيدفعه قبل وقوعه، والعاجز في تردد
~~وتثن حائر بائر لا يأتمر رشدا ولا يطيع مرشدا» .
# وقال الشاعر: [طويل]
# وإني لأرجو الله حتى كأنني ... أرى بجميل الظن ما الله صانع
# وقال آخر: [وافر]
# وغرة مرة من فعل غر «2» ... وغرة مرتين فعال موق
# فلا تفرح بأمر قد تدنى ... ولا تأيس من الأمر السحيق
# فإن القرب يبعد بعد قرب ... ويدنو البعد بالقدر المسوق
# ومن لم يتق الضحضاح «3» زلت ... به قدماه في البحر العميق
# PageV01P093
# وما اكتسب المحامد طالبوها ... بمثل البشر والوجه الطليق
# وقال مروان بن الحكم لحبيش بن دلجة: أظنك أحمق. قال: «أحمق ما يكون الشيخ
~~إذا عمل بظنه» . ونقش رجل على خاتمه: «الخاتم خير من الظن» . ومثله: «طينة
~~خير من ظنة» .
### | اتباع الهوى
# كان يقال: الهوى شريك العمى. وقال عامر بن الظرب: الرأي نائم والهوى
~~يقظان، ولذلك يغلب الرأي الهوى. وقال ابن عباس: «الهوى إله معبود» وقرأ:
~~أفرأيت من اتخذ إلهه هواه
# «1» . وقال هشام بن عبد الملك، ولم يقل غيره: [طويل]
# إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى ... إلى بعض ما فيه عليك مقال
# وقال بزرجمهر «2» : «إذا اشتبه عليك أمران فلم تدر في أيهما الصواب،
~~فانظر أقربهما إلى هواك فاجتنبه» .
# كان عمرو بن العاص صاحب عمارة بن الوليد إلى بلاد الحبشة ومع عمرو امرأته
~~فوقعت في نفس عمارة فدفع عمرا في البحر فتعلق بالسفينة وخرج، فلما ورد بلاد
~~الحبشة سعى عمرو بعمارة إلى النجاشي وأخبره أنه يخالف إلى بعض نسائه فدعا
~~النجاشي بالسواحر فنفخن في إحليله فهام مع الوحش، وقال عمرو في ذلك: [طويل]
# تعلم عمارا أن من شر شيمة ... لمثلك أن يدعى ابن عم له ابنما
# PageV01P094
# وإن كنت ذابردين أحوى مرجلا ... فلست براء لابن عمك محرما
# إذا المرء لم يترك طعاما يحبه ... ولم يعص قلبا غاويا حيث يمما
# قضى وطرا «1» منه يسيرا وأصبحت ... إذا ذكرت أمثاله تملأ الفما
# وقال حاتم طي «2» في مثله: [طويل]
# وإنك إن أعطيت بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
# وقال آخر: [طويل]
# جار الجنيد علي محتكما ... جهلا ولست بموضع الظلم «3»
# أكل الهوى حججي ورب هوى ... مما سيأكل حجة الخصم
# وقال أعرابي: «الهوى هوان «4» ، ولكن غلط باسمه» .
# وقال الزبير بن عبد المطلب «5» : [وافر]
# وأجتنب المقاذع حيث كانت ... وأترك ما هويت لما خشيت
# وقال البريق «6» الهذلي: [وافر]
# أبن لي ما ترى والمرء تأبى ... عزيمته ويغلبه هواه
# فيعمى ما يرى فيه عليه ... ويحسب ما يراه لا يراه
# PageV01P095
# وكان يقال: «أخوك من صدقك وأتاك من جهة عقلك لا من جهة هواك» .
### | السر وكتمانه وإعلانه
# حدثنى أحمد بن الخليل قال: حدثنا محمد بن الحصيب قال: حدثني أوس بن عبد
~~الله بن بريدة عن أخيه سهل عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه
~~وسلم:
# «استعينوا على الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود» . وكانت الحكماء
~~تقول:
# «سرك من دمك» . والعرب تقول: «من ارتاد لسره موضعا فقد أذاعه» .
# حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن قريب عن عمه الأصمعي قال:
# أخبرني بعض أصحابنا قال: دخل ابن أبي محجن «1» الثقفي على معاوية، فقال
~~له معاوية: أبوك الذي يقول: [طويل]
# إذا مت فادفني إلى أصل كرمة ... تروي عظامي بعد موتي عروقها
# ولا تدفنني في الفلاة فإنني ... أخاف وراء الموت أن لا أذوقها
# فقال ابن أبي محجن: لو شئت ذكرت أحسن من هذا من شعره. فقال معاوية: وما
~~ذاك؟ قال قوله: [بسيط]
# لا تسألي القوم مالي وما حسبي ... وسائلي القوم ما حزمي وما خلقي
# القوم أعلم أني من سراتهم ... إذا تطيش يد الرعديدة الفرق «2»
# أعطي السنان غداة الروع حصته ... وعامل الرمح أرويه من العلق «3»
# قد أركب الهول مسدولا عساكره ... وأكتم السر فيه ضربة العنق
# PageV01P096
# وأنشدني للصلتان العبدي «1» : [متقارب]
# وسرك ما كان عند امرىء ... وسر الثلاثة غير الخفي
# وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يتمثل بهذين البيتين:
# [متقارب]
# ولا تفش سرك إلا إليك ... فإن لكل نصيح نصيحا
# فإني رأيت غواة الرجا ... ل لا يتركون أديما صحيحا
# وقال الشاعر: [كامل]
# ومراقبين تكاتما بهواهما ... جعلا القلوب لما تجن قبورا
# يتلاحظان تلاحظا فكأنما ... يتناسخان من الجفون سطورا «2»
# وقال مسكين الدارمي «3» : [طويل]
# أواخي رجالا لست اطلع بعضهم ... على سر بعض غير أني جماعها
# يظلون شتى في البلاد وسرهم ... إلى صخرة أعيا الرجال انصداعها
# وقال آخر: [بسيط]
# ولو قدرت على نسيان ما اشتملت ... مني الضلوع من الأسرار والخبر
# PageV01P097
# لكنت أول من ينسى سرائره ... إذ كنت من نشرها يوما على خطر
# أسر رجل إلى صديق له حديثا فلما استقصاه قال له: أفهمت؟ قال:
# لا، بل نسيت.
# قيل لأعرابي: كيف كتمانك للسر؟ قال: «ما قلبي له إلا قبر» . وقيل لمزيد:
~~أي شيء تحت حضنك؟ فقال: يا أحمق، لم خبأته. وقال الشاعر:
# [وافر]
# إذا ما ضاق صدرك عن حديث ... فأفشته الرجال فمن تلوم؟
# إذا عاتبت من أفشى حديثي ... وسري عنده فأنا الظلوم
# وإني حين أسأم حمل سري ... وقد ضمنته صدري، سؤوم
# قيل لرجل: كيف كتمانك للسر؟ قال: «أجحد المخبر وأحلف للمستخبر» . وكان
~~يقال: «من وهي الأمر إعلانه قبل إحكامه» . وقال الشاعر: [طويل]
# إذا أنت حملت الخؤون أمانة ... فإنك قد أسندتها شر مسند
# وقال عمرو بن العاص: «ما استودعت رجلا سرا فأفشاه فلمته، لأني كنت أضيق
~~صدرا حين استودعته» . وقال: [طويل]
# إذا أنت لم تحفظ لنفسك سرها ... فسرك عند الناس أفشى وأضيع
# وكان يقال: «من ضاق قلبه اتسع لسانه» .
# وقال الوليد بن عتبة لأبيه: إن أمير المؤمنين أسر إلي حديثا ولا أراه
~~يطوى عنك ما يبسطه لغيرك، أفلا أحدثك به؟ قال: لا يا بني «إنه من كتم سره
~~كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه، فلا تكونن مملوكا بعد أن كنت
~~مالكا» قال: قبلت: وإن هذا ليجري بين الرجل وأبيه؟ قال: لا، ولكني
# PageV01P098
# أكره أن تذلل لسانك بأحاديث السر. فحدثت به معاوية فقال: يا وليد، أعتقك
~~أخي من رق الخطأ.
# وفي كتب العجم أن بعض ملوك فارس قال: «صونوا أسراركم فإنه لا سر لكم إلا
~~في ثلاثة مواضع: مكيدة تحاول أو منزلة تزاول أو سريرة مدخولة تكتم، ولا
~~حاجة بأحد منكم في ظهور شيء منها عنه» . وكان يقال: «ما كنت كاتمه من عدوك
~~فلا تظهر عليه صديقك» .
# وقال جميل بن معمر: [طويل]
# أموت وألقى الله يا بثن «1» لم أبح ... بسرك والمستخبرون كثير
# وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي: [طويل]
# ولما تلاقينا عرفت الذي بها ... كمثل الذي بي جذوك النعل بالنعل
# فقالت وأرخت جانب الستر إنما ... معي فتكلم غير ذي رقبة أهلي «2»
# فقلت لها ما بي لهم من ترقب ... ولكن سري ليس يحمله مثلي
# يريد أنه ليس يحمله أحد مثلي في صيانته وستره، أي فلا أبديه لأحد.
# وقال زهير «3» : [كامل]
# الستر دون الفاحشات ولا ... يلقاك دون الخير من ستر
# وقال آخر: [طويل]
# فسري كإعلاني وتلك خليقتي ... وظلمة ليلي مثل ضوء نهاريا
# وقال آخر لأخ له وحدثه بحديث: إجعل هذا في وعاء غير سرب.
# PageV01P099
# والسرب السائل. وكان يقال: «للقائل على السامع جمع البال والكتمان وبسط
~~العذر» . وكان يقال: «الرعاية خير من الاسترعاء» .
# أتى رجل عبيد الله بن زياد فأخبره أن عبد الله بن همام السلولي «1» سبه،
~~فأرسل اليه فأتاه فقال: يا ابن همام، إن هذا يزعم أنك قلت: كذا وكذا.
# فقال ابن همام: [طويل]
# فأنت امرؤ إما ائتمنتك خاليا ... فخنت، وإما قلت قولا بلا علم
# وإنك في الأمر الذي قد أتيته ... لفي منزل بين الخيانة والإثم
# وقال آخر: [خفيف]
# إخفض الصوت إن نطقت بليل ... والتفت بالنهار قبل الكلام
# وقال بعض الأعراب: [طويل]
# ولا أكتم الأسرار لكن أنمها ... ولا أدع الأسرار تغلي على قلبي
# وإن قليل العقل من بات ليله ... تقلبه الأسرار جنبا إلى جنب
# وقال أبو الشيص «2» : [بسيط]
# ولا تأمنن على سري وسركم ... غيري وغيرك أو طي القراطيس
# أو طائر «3» سأحليه وأنعته ... مازال صاحب تنقير وتأسيس
# PageV01P100
# سود براثنه ميل ذوائبه ... صفر حمالقه في الحسن مغموس
# قد كان هم سليمان ليذبحه ... لولا سعايته يوما ببلقيس «1»
# وقال أيضا: [كامل]
# أفضى أليك بسره قلم ... لو كان يعرفه بكى قلمه
# وقال مسلم بن الوليد «2» في الكتاب يأتيك فيه السر: [بسيط]
# الحزم تخريقه إن كنت ذا حذر ... وإنما الحزم سوء الظن بالناس
# إذا أتاك وقد أدى أمانته ... فاجعل صيانته في بطن أرماس «3»
# وقال آخر: [طويل]
# سأكتمه سري وأحفظ سره ... ولا غرني أني عليه كريم
# حليم فينسى أو جهول يشيعه ... وما الناس إلا جاهل وحليم
### | الكتاب والكتابة
# حدثنا إسحاق بن راهويه عن وهب بن جرير عن أبيه عن يونس بن عبيد
# PageV01P101
# عن الحسن عن عمرو بن ثعلب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أشراط
~~الساعة أن يفيض المال ويظهر القلم وتفشو التجار» قال عمرو: إن كنا لنلتمس
~~في الحواء «1» العظيم الكاتب، ويبيع الرجل البيع فيقول: حتى أستأمن تاجر
~~بني فلان.
# حدثنا أحمد بن الخليل عن إسماعيل بن أبان عن عنبسة بن عبد الرحمن القرشي
~~عن محمد بن زاذان عن أم سعد عن زيد بن ثابت قال:
# دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يملي في بعض حوائجه فقال: «ضع
~~القلم على أذنك فإنه أذكر للمملي به» .
# وحدثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب قال: «كان إدريس النبي
~~عليه السلام أول من خط بالقلم وأول من خاط الثياب ولبسها، وكانوا من قبله
~~يلبسون الجلود» .
# حدثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا جرير عن يزيد بن أبي زياد عن عياض بن
~~أبي موسى أن عمر بن الخطاب قال لأبي موسى: ادع لي كاتبك ليقرأ لنا صحفا
~~جاءت من الشام. فقال أبو موسى: إنه لا يدخل المسجد: قال عمر: أبه جنابة؟
~~قال: لا، ولكنه نصراني. قال: فرفع يده، فضرب فخذه حتى كاد يكسرها ثم قال:
~~ما لك! قاتلك الله! أما سمعت قول الله عز وجل:
# يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء
# «2» ! ألا اتخذت رجلا حنيفيا؟ فقال أبو موسى: له دينه ولي كتابته. فقال
~~عمر: «لا أكرمهم إذ أهانهم الله ولا أعزهم إذ أذلهم ولا أدنيهم إذ أقصاهم
~~الله» .
# PageV01P102
# حدثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا عيس بن يونس قال: حدثنا أبو حيان
~~التيمي عن أبي زنباع عن أبي الدهقانة قال: ذكر لعمر بن الخطاب غلام كاتب
~~حافظ من أهل الحيرة وكان نصرانيا، فقيل له: لو اتخذته كاتبا.
# فقال: «لقد اتخذت إذا بطانة من دون المؤمنين» .
# حدثني أبو حاتم قال: مرامر بن مروة «1» من أهل الأنبار وهو الذي وضع
~~كتابة العربية، ومن الأنبار انتشرت فى الناس.
# حدثني أبو سهل عن الطنافسي عن المنكدر بن محمد عن أبيه محمد ابن المنكدر
~~قال: جاء الزبير بن العوام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف أصبحت؟
# جعلني الله فداك! قال: «ما تركت أعرابيتك بعد» .
# قال عبد الملك بن مروان لأخيه عبد العزيز حين وجهه إلى مصر: «تفقد كاتبك
~~وحاجبك وجليسك، فإن الغائب يخبره عنك كاتبك، والمتوسم يعرفك بحاجبك،
~~والداخل عليك يعرفك بجليسك» .
# ابن أبي الزناد عن أبيه قال: كنت كاتبا لعمر بن عبد العزيز فكان يكتب إلى
~~عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب في المظالم فيراجعه، فكتب إليه:
~~«إنه ليخيل إلي أني لو كتبت إليك أن تعطي رجلا شاة لكتبت إلي: أضأن أم
~~ماعز؟ ولو كتبت إليك بأحدهما لكتبت: أذكر أم أنثى؟ ولو كتبت إليك بأحدهما
~~لكتبت: أصغير أم كبير؟ فإذا أتاك كتابي هذا فلا تراجعني في مظلمة» .
# وكتب أبو جعفر إلى سلم بن قتيبة يأمره بهدم دور من خرج مع إبراهيم
# PageV01P103
# وعقر نخلهم. فكتب إليه: بأي ذلك نبدأ أبالنخل أم بالدور؟ فكتب إليه أبو
~~جعفر: «أما بعد، فإني لو أمرتك بإفساد ثمرهم لكتبت إلي تستأذن في أيه تبدأ
~~أبالبرني أم بالشهريز «1» ؟» وعزله، وولى محمد بن سليمان. وكان يقول:
# «للكاتب على الملك ثلاثة، رفع الحجاب عنه، واتهام الوشاة عليه، وإفشاء
~~السر إليه» .
# كانت العجم تقول: «من لم يكن عالما بإجراء المياه وبحفر فرض الماء
~~والمسارب وردم المهاوي ومجاري الأيام في الزيادة والنقصان واستهلال القمر
~~وأفعاله ووزن الموازين وذرع المثلث والمربع والمختلف الزوايا ونصب القناطر
~~والجسور والدوالي والنواعير على المياه وحال أدوات الصناع ودقائق الحساب
~~كان ناقصا في حال كتابته» .
# قال ميمون بن ميمون: «إذا كانت لك إلى كاتب حاجة فليكن رسولك إليه الطمع»
~~. وقال: «إذا آخيت الوزير فلا تخش الأمير» .
# وفي كتاب للهند: «إذا كان الوزير يساوي الملك في المال والهيبة والطاعة
~~من الناس فليصرعه الملك، وإن لم يفعل فليعلم أنه هو المصروع» .
# المدائني قال: خلا زياد يوما في أمر ينظر فيه وعنده كاتب له يكتب وابنه
~~عبيد الله، فنعس زياد فقال لعبيد الله: تعهد هذا لا يكتب شيئا. ونام، فوجد
~~عبيد الله مسا «2» من البول فكره أن يوقظ أباه وكره أن يخلي الكاتب فشد
~~إبهاميه بخيط وختمه وقام لحاجته.
# PageV01P104
# وقال أبو عباد الكاتب: ما جلس أحد قط بين يدي إلا تخيل إلي أني جالس بين
~~يديه.
# وقرأت في التاج أن أبرويز قال لكاتبه: «أكتم السر واصدق الحديث واجتهد في
~~النصيحة واحترس بالحذر، فإن لك علي أن لا أعجل بك حتى أستأني لك ولا أقبل
~~عليك قولا حتى أستيقن ولا أطمع فيك أحدا فيغتالك.
# واعلم أنك بمنجاة رفعة فلا تحطنها وفي ظل مملكة فلا تستزيلنه، وقارب
~~الناس مجاملة عن نفسك وباعد الناس مشايحة «1» من عدوك واقصد إلى الجميل
~~ادراعا لغدك وتحصن بالعفاف صونا لمروءتك وتحسن عندي بما قدرت عليه من حسن
~~ولا تشرعن الألسنة فيك ولا تقبحن الأحدوثة عنك وصن نفسك صون الدرة الصافية
~~وأخلصها إخلاص الفضة البيضاء وعاتبها معاتبة الحذر المشفق وحصنها تحصين
~~المدينة المنيعة. لا تدعن أن ترفع إلي الصغير، فإنه يدل على الكبير ولا
~~تكتمن الكبير فإنه ليس شاغلي عن الصغير.
# هذب أمورك ثم القني بها واحكم لسانك ثم راجعني به ولا تجترئن علي فأمتعض
~~ولا تنقبض مني فأتهم ولا تمرضن ما تلقاني به ولا تخدجنه. وإذا فكرت فلا
~~تعجل وإذا كتبت فلا تعذر، ولا تستعينن بالفضول فإنها علاوة على الكفاية ولا
~~تقصرن عن التحقيق فإنها هجنة بالمقالة ولا تلبسن كلاما بكلام ولا تباعدن
~~معنى عن معنى. أكرم كتابك عن ثلاث: خضوع يستخفه، وانتشار يثبجه، ومعان تقعد
~~به، واجمع الكثير مما تريد في القليل مما تقول، وليكن بسطة كتابك على
~~السوقة كبسطة ملك الملوك على الملوك، ولا يكن ما تملك عظيما وما تقول صغيرا
~~فإنما كلام الكاتب على مقدار الملك فاجعله عاليا كعلوه وفائقا كفوقه. واعلم
~~أن جماع الكلام كله خصال أربع: سؤالك
# PageV01P105
# الشيء، وسؤالك عن الشيء، وأمرك بالشيء، وخبرك عن الشيء فهذه الخلال دعائم
~~المقالات إن التمس لها خامس لم يوجد وإن نقص منها رابع لم تتم، فإذا أمرت
~~فاحكم وإذا سألت فاوضح وإذا طلبت فاسجح وإذا أخبرت فحقق فإنك إذا فعلت ذلك
~~أخذت بحزامير «1» القول كله فلم يشتبه عليك وارده ولم يعجزك منه صادره.
~~أثبت في دواوينك ما أدخلت واحص فيها ما أخرجت وتيقظ لما تأخذ وتجرد لما
~~تعطي ولا يغلبنك النسيان عن الإحصاء ولا الأناة عن التقدم ولا تخرجن وزن
~~قيراط في غير حق ولا تعظمن إخراج الكثير في الحق، وليكن ذلك كله عن
~~مؤامرتي» .
# قال رجل لبنيه: «يا بني، تزيوا بزي الكتاب فإن فيهم أدب الملوك وتواضع
~~السوقة» .
# قال الكسائي: «لقيت أعرابيا فجعلت أسأله عن الحرف بعد الحرف وعن الشيء
~~بعد الشيء أقرنه بغيره فقال: يا لله! ما رأيت رجلا أقدر، على كلمة إلى جنب
~~كلمة أشبه شيء بها وأبعد شيء منها، منك!» .
# وقال ابن الأعرابي: «رآني أعرابي وأنا أكتب الكلمة بعد الكلمة من ألفاظه
~~فقال: إنك لحتف الكلمة الشرود» .
# وقال رجل من أهل المدينة: «جلست إلى قوم ببغداد فما رأيت أوزن من أحلامهم
~~ولا أطيش من أقلامهم» .
# وكتب بعض الكتاب إلى صديق له: «وصل إلي كتابك فما رأيت كتابا أسهل فنونا
~~ولا أملس متونا ولا أكثر عيونا ولا أحسن مقاطع ومطالع ولا أشد
# PageV01P106
# على كل مفصل حزا منه. أنجزت فيه عدة الرأي وبشرى الفراسة وعاد الظن بك
~~يقينا والأمل فيك مبلوغا» .
# ويقال: «عقول الرجال في أطراف أقلامها» .
# ويقال: «القلم أحد اللسانين وخفة العيال أحد اليسارين وتعجيل اليأس أحد
~~الظفرين وإملاك العجين أحد الريعين وحسن التقدير أحد الكاسبين واللبن أحد
~~اللحمين» . وقد يقال: المرق أحد اللحمين.
# قيل لبعضهم: إن فلانا لا يكتب، فقال: تلك الزمانة «1» الخفية. وقرأت في
~~بعض كتب العجم أن موبذان موبذ وصف الكتاب فقال: «كتاب الملوك عيبتهم
~~المصونة عندهم وآذانهم الواعية وألسنتهم الشاهدة، لأنه ليس أحد أعظم سعادة
~~من وزراء الملوك إذا سعدت الملوك، ولا أقرب هلكة من وزراء الملوك إذا هلكت
~~الملوك، فترفع التهمة عن الوزراء إذا صارت نصائحهم للملوك نصائحهم لأنفسهم،
~~وتعظم الثقة بهم حين صار اجتهادهم للملوك اجتهادهم لأنفسهم فلا يتهم روح
~~على جسده ولا يتهم جسد على روحه لأن زوال ألفتهما زوال نعمتهما، وأن التئام
~~ألفتهما صلاح خاصتهما» .
# وقال: [بسيط]
# لئن ذهبت إلى الحجاج يقتلني ... إني لأحمق من تخدي به العير «2»
# مستحقبا «3» صحفا تدمي طوابعها ... وفي الصحائف حيات مناكير
# PageV01P107
# وقال بعض الشعراء في القلم: [طويل]
# عجبت لذي سنين في الماء نبته ... له أثر في كل مصر ومعمر
# وقال بعض المحدثين في القلم: [متقارب]
# ضئيل الرواء كبير الغناء ... من البحر في المنصب الأخضر «1»
# كمثل أخي العشق في شخصه ... وفي لونه من بني الأصفر «2»
# يمر كهيئة مر الشجا ... ع في دعص محنية أعفر «3»
# إذا رأسه صح لم ينبعث ... وجاز السبيل ولم يبصر
# وإن مدية صدعت رأسه ... جرى جري لا هائب مقصر «4»
# يقضي مآربه مقبلا ... ويحسمها هيئة المدبر
# تجود بكف فتى كفه ... تسوق الثراء إلى المعسر
# وقال حبيب «5» الطائي يصف القلم: [طويل]
# لك القلم الأعلى الذي بشباته ... يصاب من الأمر الكلى المفاصل «6»
# PageV01P108
# لعاب الأفاعي القاتلات لعابه ... وأري الجنى اشتارته أيد عواسل «1»
# له ريقة طل ولكن وقعها ... بآثاره في الشرق والغرب وابل
# فصيح إذا استنطقته وهو راكب ... وأعجم إن خاطبته وهو راجل
# إذا ما امتطى الخمس اللطاف وأفرغت ... عليه شعاب الفكر وهي حوافل «2»
# تراه جليلا شأنه وهو مرهف ... ضنى وسمينا خطبه وهو ناحل
# وقال محمد «3» بن عبد الملك بن صالح الهاشمي يصف القلم:
# [طويل]
# وأسمر طاوي الكشح أخرس ناطق ... له ذملان في بطون المهارق «4»
# إذا استعجلته الكف أمطر خاله ... بلا صوت إرعاد ولا ضوء بارق «5»
# كأن اللآلي والزبرجد نطفه ... ونور الخزامي في بطون الحدائق «6»
# وقال بعض المحدثين يمدح كاتبا: [كامل]
# وإذا تألق في الندي كلامه ال ... منظوم خلت لسانه من عضبه «7»
# وإذا دجت أقلامه ثم انتجت ... برقت مصابيح الدجى في كتبه
# PageV01P109
# باللفظ يقرب فهمه في بعده ... منا ويبعد نيله في قربه
# حكم فسائحها خلال بنانه ... متدفق وقليبها في قلبه «1»
# كالروض مؤتلف بحمرة نوره ... وبياض زهرته وخضرة عشبه
# وقال سعيد «2» بن حميد يصف العود: [بسيط]
# وناطق بلسان لا ضمير له ... كأنه فخذ نيطت إلى قدم
# يبدي ضمير سواه في الكلام كما ... يبدي ضمير سواه منطق القلم
# بعث الطائي إلى الحسن بن وهب بدواة أبنوس «3» وكتب إليه [خفيف]
# قد بعثنا إليك أم المنايا ... والعطايا زنجية الأحساب
# في حشاها من غير حرب حراب ... هي أمضى من مرهفات الحراب
# وقال ابن أبي كريمة «4» يصف الدواة والقلم: [طويل]
# ومسودة الأرجاء قد خضت ماءها ... ورويت من قعر لها غير منبط «5»
# خميص «6» الحشا يروى على كل مشرب ... أمينا على سر الأمير المسلط
# وقال بعض أهل الأدب: إنما قيل: ديوان لموضع الكتبة والحساب لأنه
# PageV01P110
# يقال: للكتاب بالفارسية «ديوان» أي شياطين، لحذقهم بالأمور ولطفهم فسمي
~~موضعهم باسمهم.
# وقال آخر: إنما قيل لمدير الأمور عن الملك «وزير» من الوزر وهو الحمل
~~يراد أنه يحمل عنه من الأمور مثل الأوزار وهي الأحمال، قال الله عز وجل:
# ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم
# «1» أي أحمالا من حليهم، ولهذا قيل للإثم: وزر، شبه بالحمل على الظهر،
~~قال الله تبارك وتعالى: ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك
# «2» .
# وكان الناس يستحسنون لأبي نواس قوله: [طويل]
# يا كاتبا، كتب الغداة يسبني ... من ذا يطيق براعة الكتاب؟
# لم ترض بالإعجام حين سببتني ... حتى شكلت عليه بالإعراب
# وأردت إفهامي فقد أفهمتني ... وصدقت فيما قلت غير محابي «3»
# وقال آخر: [سريع]
# يا كاتبا تنثر أقلامه ... من كفه درا على الأسطر
# وقال عدي «4» بن الرقاع: [كامل]
# صلى الاله على امرىء ودعته ... وأتم نعمته عليه وزادها
# PageV01P111
# ومنه أخذ الكتاب: وأتم نعمته عليك وزاد فيها عندك.
# وقال حاتم طيء في معنى قولهم: مت قبلك: [طويل]
# إذا ما أتى يوم يفرق بيننا ... يموت فكن أنت الذي تتأخر
# وقال جرير في معناه: [بسيط]
# ردي فؤادي وكوني لي بمنزلتي ... يا قبل نفسك لاقى نفسي التلف
# كتب بعض الملوك إلى بعض الكتاب كتابا دعا له فيه «بأمتع الله بك» ، فكتب
~~إليه ذلك الكاتب «1» : [منسرح]
# أحلت عما عهدت من أدبك ... أم نلت ملكا فتهت في كتبك؟
# أم هل ترى أن في التواضع ل ... لإخوان نقصا عليك في حسبك؟
# أم كان ما كان منك عن غضب ... فأي شيء أدناك من غضبك؟
# إن جفاء كتاب ذي مقة «2» ... يكتب في صدره: وأمتع بك
# PageV01P112
# وقال الأصمعي «1» في البرامكة: [متقارب]
# إذا ذكر الشرك في مجلس ... أنارت وجوه بني برمك
# وإن تليت عندهم آية ... أتوا بالأحاديث عن مزدك «2»
# وقال آخر: [مجتث مجزوء]
# إن الفراغ دعاني ... إلى ابتناء المساجد
# وإن رأيي فيها ... كرأي يحيى بن خالد
# مر عبد الله بن المقفع ببيت النار، فقال: [كامل]
# PageV01P113
# يا بيت عاتكة الذي أتعزل ... حذر العدا وبه الفؤاد موكل «1»
# وقال دعبل «2» في أبي عباد: [كامل]
# أولى الأمور بضيعة وفساد ... أمر يدبره أبو عباد
# حنق على جلسائه بدواته ... فمرمل ومضمخ بمداد «3»
# وكأنه من دير هرقل مفلت ... حرد يجر سلاسل الأقياد
### | خيانات العمال
# حدثنا إسحاق بن راهويه قال: ذكر لنا أن امرأة من قريش كان بينها وبين رجل
~~خصومة فأراد أن يخاصمها إلى عمر فأهدت المرأة إلى عمر فخذ جزور ثم خاصمته
~~إليه فوجه
### | القضاء
# عليها، فقال: يا أمير المؤمنين، إفصل القضاء بيننا كما يفصل فخذ الجزور
~~«4» . فقضى عليها عمر وقال: إياكم والهدايا. وذكر القصة.
# قال إسحاق: كان الحجاج استعمل المغيرة بن عبد الله الثقفي على الكوفة
~~فكان يقضي بين الناس، فأهدى إليه رجل سراجا من شبه «5» وبلغ ذلك خصمه فبعث
~~إليه ببغلة. فلما اجتمعا عند المغيرة جعل يحمل على صاحب
# PageV01P114
# السراج وجعل صاحب السراج يقول: إن أمري أضوأ من السراج. فلما أكثر عليه
~~قال: ويحك إن البغلة رمحت «1» السراج فكسرته.
# حدثنا إسحاق قال: حدثنا روح بن عبادة قال: حدثنا حماد بن سلمة عن الجريري
~~عن أبي بصرة عن الربيع بن زياد الحارثي أنه وفد إلى عمر فأعجبته هيئته
~~ونحوه، فشكا عمر طعاما غليظا يأكله. فقال الربيع: يا أمير المؤمنين، إن أحق
~~الناس بمطعم طيب وملبس لين ومركب وطيء لأنت.
# فضرب رأسه بجريدة وقال: والله ما أردت بهذا إلا مقاربتي، وإن كنت لأحسب
~~أن فيك خيرا. ألا أخبرك بمثلي ومثل هؤلاء؟ إنما مثلنا كمثل قوم سافروا
~~فدفعوا نفقاتهم إلى رجل منهم وقالوا أنفقها علينا. فهل له أن يستأثر عليهم
~~بشيء؟ قال الربيع: لا.
# حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح قال: لما
~~أتي عمر بتاج كسرى وسواريه جعل يقلبه بعود في يده ويقول: والله إن الذي أدى
~~إلينا هذا لأمين، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أنت أمين الله يؤدون إليك ما
~~أديت إلى الله فإذا رتعت رتعوا. قال: صدقت.
# حدثني أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي قال: لما أتي علي عليه السلام بالمال
~~أقعد بين يديه الوزان والنقاد فكوم كومة من ذهب وكومة من فضة وقال:
# يا حمراء ويا بيضاء إحمري وابيضي وغري غيري. وأنشد: [سريع]
# هذا جناي وخياره فيه ... إذ كل جان يده إلى فيه
# حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن
# PageV01P115
# إسماعيل بن أبي خالد عن عاصم قال: كان عمر بن الخطاب إذا بعث عاملا يشترط
~~عليه أربعا: ألا يركب البراذين «1» ، ولا يلبس الرقيق، ولا يأكل «2»
~~النقيء، ولا يتخذ بوابا. ومر ببناء يبني بحجارة وجص فقال: لمن هذا؟
# فذكروا عاملا له على البحرين فقال: «أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقها»
~~وشاطره ماله. وكان يقول: «لي على كل خائن أمينان: الماء والطين» .
# حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال: حدثنا قريش بن انس عن
~~سعيد عن قتادة قال: جاء كتاب عمر بن عبد العزيز إلى واليه: أن دع لأهل
~~الخراج من أهل الفرات ما يتختمون به الذهب ويلبسون الطيالسة ويركبون
~~البراذين وخذ الفضل.
# حدثنا محمد بن عبيد عن هوذة عن عوف عن ابن سيرين وإسحاق عن النضر بن شميل
~~عن ابن عون عن ابن سيرين بمعناه قال: لما قدم أبو هريرة «3» من البحرين قال
~~له عمر: يا عدو الله وعدو كتابه، أسرقت مال الله؟ قال أبو هريرة: لست بعدو
~~الله ولا عدو كتابه ولكني عدو من عاداهما ولم أسرق مال الله.
# قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف درهم؟ قال: خيلي تناسلت وعطائي تلاحق
~~وسهامي تتابعت فقبضتها منه. قال أبو هريرة: فلما صليت الصبح استغفرت لأمير
~~المؤمنين ثم قال لي عمر بعد ذلك: ألا تعمل؟ فقلت: لا.
# قال: قد عمل من هو خير منك، يوسف. فقلت: يوسف نبي ابن نبي وأنا
# PageV01P116
# ابن أميمة «1» أخشى ثلاثا واثنتين. قال: فهلا قلت خمسا؟ قلت: أخشى أن
~~أقول بغير علم، وأحكم بغير حلم، وأخشى أن يضرب ظهري، ويشتم عرضي، وينزع
~~مالي.
# حدثنا محمد بن داود عن نصر بن قديد عن إبراهيم بن المبارك عن مالك بن
~~دينار أنه دخل على بلال بن أبي بردة وهو أمير البصرة فقال: أيها الأمير،
~~إني قرأت في بعض الكتب: «من أحمق من السلطان ومن أجهل ممن عصاني ومن أعز
~~ممن أعزني. أيا راعي السوء، دفعت إليك غنما سمانا سحاحا «2» فأكلت اللحم
~~وشربت اللبن وائتدمت «3» بالسمن ولبست الصوف وتركتها عظاما تتقعقع «4» » .
# حدثني محمد بن شبابة عن القاسم بن الحكم العرني القاضي قال:
# حدثني اسماعيل بن عياش عن أبي محمد القرشي عن رجاء بن حيوة عن ابن مخرمة
~~قال: إني لتحت منبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالجابية حين قام في الناس
~~فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أيها الناس، اقرئوا القرآن تعرفوا به
~~واعملوا به تكونوا من أهله. إنه لن يبلغ ذو حق في حقه أن يطاع في معصية
~~الله. ألا إنه لن يبعد من رزق الله ولن يقرب من أجل أن يقول المرء حقا وأن
~~يذكر بعظيم. ألا وإني ما وجدت صلاح ما ولاني الله إلا بثلاث: أداء الأمانة،
~~والأخذ بالقوة، والحكم بما أنزل الله. ألا وإني ما وجدت صلاح هذا المال
# PageV01P117
# إلا بثلاث: أن يؤخذ من حق، ويعطى في حق، ويمنع من باطل. ألا وإنما أنا في
~~مالكم هذا كوالي اليتيم إن استغنيت استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف، تقرم
~~البهمة» «1» .
# بلغني عن محمد بن صالح عن بكر بن خنيس عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن
~~أبيه قال: «كان زياد إذا ولى رجلا قال له: خذ عهدك وسر إلى عملك واعلم أنك
~~مصروف رأس سنتك وأنك تصير إلى أربع خلال فاختر لنفسك: إنا إن وجدناك أمينا
~~ضعيفا استبدلنا بك لضعفك وسلمتك من معرتنا «2» أمانتك، وإن وجدناك خائنا
~~قويا استهنا بقوتك وأحسنا على خيانتك أدبك فأوجعنا ظهرك وأثقلنا غرمك، وإن
~~جمعت علينا الجرمين جمعنا عليك المضرتين «3» ، وإن وجدناك أمينا قويا زدناك
~~في عملك ورفعنا لك ذكرك وكثرنا مالك وأوطأنا عقبك» .
# قال العتبي: بعث إلى عمر بحلل فقسمها فأصاب كل رجل ثوب فصعد المنبر وعليه
~~حلة، والحلة ثوبان، فقال: أيها الناس ألا تسمعون؟ فقال سليمان: لا نسمع.
~~قال: ولم يا أبا عبد الله؟ قال: لأنك قسمت علينا ثوبا ثوبا وعليك حلة. قال:
~~لا تعجل يا أبا عبد الله. ثم نادى: يا عبد الله، فلم يجبه أحد، فقال: يا
~~عبد الله بن عمر. قال: لبيك يا أمير المؤمنين. قال:
# نشدتك بالله. الثوب الذي ائتزرت به هو ثوبك؟ قال: اللهم نعم. فقال سليمان
~~رضي الله عنه: أما الآن فقل نسمع.
# PageV01P118
# بلغني عن حفص بن عمران الرازي عن الحسن بن عمارة عن المنهال ابن عمرو
~~قال: قال معاوية لشداد بن عمرو بن أوس: قم فاذكر عليا فتنقصه فقام شداد
~~فقال: «الحمد لله الذي افترض طاعته على عباده وجعل رضاه عند أهل التقوى آثر
~~من رضا غيره. على ذلك مضى أولهم وعليه يمضي آخرهم.
# أيها الناس، إن الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر، وإن الدنيا عرض حاضر
~~يأكل منها البر والفاجر، وإن السامع المطيع لا حجة عليه وإن السامع العاصي
~~لا حجة له. وإن الله، جل وعز، إذا أراد بالناس صلاحا عمل عليهم صلحاءهم «1»
~~وقضى بينهم فقهاءهم وجعل المال في سمحائهم، وإذا أراد بالعباد شرا عمل
~~عليهم سفهاءهم وقضى بينهم جهلاءهم وجعل المال عند بخلائهم. وإن من صلاح
~~الولاة أن يصلح قرناؤها «2» . نصحك، يا معاوية، من أسخطك بالحق وغشك من
~~أرضاك بالباطل» فقال له معاوية: إجلس. وأمز له بمال، وقال: ألست من
~~السمحاء؟ فقال: إن كان مالك دون مال المسلمين تعمدت جمعه مخافة تبعته
~~فأصبته حلالا وأنفقته إفضالا، فنعم. وإن كان مما شاركك فيه المسلمون
~~فاحتجنته «3» دونهم، أصبته اقترافا وأنفقته إسرافا، فإن الله، عز وجل،
~~يقول: إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا
# «4» .
# مر عمرو بن عبيد بجماعة عكوف «5» ، فقال: ما هذا؟ قالوا: سارق
# PageV01P119
# يقطع. فقال: لا إله إلا الله، سارق السر يقطعه سارق العلانية!.
# ومر طارق صاحب شرطة خالد القسري بابن شبرمة، وطارق في موكبه فقال ابن
~~شبرمة «1» :
# [طويل]
# أراها وإن كانت تحب كأنها ... سحابة صيف عن قريب تقشع «2»
# اللهم «3» ، لي ديني ولهم دنياهم. فاستعمل ابن شبرمة بعد ذلك على القضاء،
~~فقال له ابنه: أتذكر يوم مر بك طارق في موكبه وقلت ما قلت؟
# فقال: يا بني، إنهم يجدون مثل أبيك ولا يجد مثلهم أبوك. إن أباك أكل من
~~حلوائهم وحط في أهوائهم.
# ولي عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس المدينة سنتين فأحسن السيرة وعف عن
~~أموال الناس ثم عزل فاجتمعوا إليه فأنشد لدراج الضبابي «4» :
# [طويل]
# فلا السجن أبكاني ولا القيد شفني ... ولا أنني من خشية الموت أجزع
# PageV01P120
# ولكن أقواما أخاف عليهم ... إذا مت أن يعطوا الذي كنت أمنع «1»
# ثم قال: والله ما أسفت على هذه الولاية ولكني أخشى أن يلي هذه الوجوه من
~~لا يرعى لها حقها.
# ووجدت في كتاب لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه إلى ابن عباس حين أخذ من
~~مال البصرة ما أخذ: «إني أشركتك في أمانتي ولم يكن رجل من أهلي أوثق منك في
~~نفسي، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب، والعدو قد حرب «2» قلبت لابن
~~عمك ظهر المجن «3» بقراقه مع المفارقين وخذلانه مع الخاذلين واختطفت ما
~~قدرت عليه من أموال الأمة اختطاف الذئب الأزل «4» دامية المعزى» وفي
~~الكتاب: «ضح «5» رويدا فكأن قد بلغت المدى وعرضت عليك أعمالك بالمحل الذي
~~به ينادي المغتر بالحسرة ويتمنى المضيع التوبة والظالم الرجعة» .
# وفي كتاب لعمر بن عبد العزيز إلى عدي «6» بن أرطاة: «غرني منك
# PageV01P121
# مجالستك القراء وعمامتك السوداء فلما بلوناك وجدناك على خلاف ما أملناك،
~~قاتلكم الله! أما تمشون بين القبور؟» .
# قال ابن أحمر «1» يذكر عمال الصدقة: [بسيط]
# إن العياب التي يخفون مشرجة ... فيها البيان ويلوى عندك الخبر
# فابعث إليهم فحاسبهم محاسبة ... لا تخف عين على عين ولا أثر
# هل في الثماني من السبعين مظلمة ... وربها بكتاب الله مصطبر
# وقال عبد الله بن همام السلولي «2» : [طويل]
# أقلي علي اللوم يا أم مالك ... وذمي زمانا ساد فيه الفلاقس «3»
# وساع مع السلطان ليس بناصح ... ومحترس من مثله وهو حارس «4»
# قدم بعض عمال السلطان من عمل فدعا قوما فأطعمهم وجعل يحدثهم بالكذب، فقال
~~بعضهم: نحن كما قال الله عز وجل: سماعون للكذب أكالون للسحت
# «5» . قال بعض الشعراء: [بسيط]
# ما ظنكم بأناس خير كسبهم ... مصرح السحت سموه الإصابات
# وقال أبو نواس في إسماعيل «6» بن صبيح: [طويل]
# PageV01P122
# بنيت بما خنت الإمام سقاية ... فلا شربوا إلا أمر من الصبر «1»
# فما كنت إلا مثل بائعة استها ... تعود على المرضى به طلب الأجر»
# يريد معنى الحديث أن امرأة كانت في بني إسرائيل تزني بحب الرمان وتتصدق
~~به على المرضى.
# وقال فيه «3» أيضا لمحمد الأمين: [طويل]
# ألست أمين الله سيفك نقمة ... إذا ماق يوما في خلافك مائق «4» ؟
# فكيف بإسماعيل يسلم مثله ... عليك ولم يسلم عليك منافق؟
# أعيذك بالرحمن من شر كاتب ... له قلم زان وآخر سارق
# وقال فيه أيضا: [طويل]
# ألا قل لإسماعيل إنك شارب ... بكأس بني ماهان ضربة لازم «5»
# أتسمن أولاد الطريد «6» ورهطه ... بإهزال آل الله من نسل هاشم؟
# وتخبر من لاقيت أنك صائم ... وتغدو بفرج مفطر غير صائم؟
# فإن يسر إسماعيل في فجراته ... فليس أمير المؤمنين بنائم
# PageV01P123
# ولي حارثة «1» بن بدر «سرق» فكتب إليه أنس الدؤلي «2» : [طويل]
# أحار «3» بن بدر قد وليت ولاية ... فكن جرذا فيها تخون وتسرق
# وبار تميما إن للغنى ... لسانا به المرء الهيوبة ينطق «4»
# فإن جميع الناس إما مكذب ... يقول بما يهوى وإما مصدق
# يقولون أقوالا ولا يعلمونها ... وإن قيل: هاتوا حققوا، لم يحققوا
# ولا تحقرن، يا حار، شيئا أصبته ... فحظك من ملك العراقين سرق
# فلما بلغت حارثة قال: لا يعمى عليك الرشد.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن جويرية بن أسماء قال: قال فلان:
# «إن الرجل ليكون أمينا فإذا رأى الضياع خان» .
# قرأت في كتاب أبرويز إلى ابنه شيرويه: «اجعل عقوبتك على اليسير من
~~الخيانة كعقوبتك على الكثير منها، فإذا لم يطمع منك في الصغير لم يجترأ
~~عليك في الكبير. وأبرد البريد في الدرهم ينقص من الخراج، ولا تعاقبن على
~~شيء كعقوبتك على كسرة ولا ترزقن على شيء كرزقك على إزجائه «5» ، واجعل أعظم
~~رزقك فيه وأحسن ثوابك عليه حقن دم المزجي
# PageV01P124
# وتوفير ماله من غير أن يعلم أنك أحمدت أمره حين عف واعتصم من أن يهلك» .
# وقرأت في التاج أن أبرويز قال لصاحب بيت المال: «إني لا أحتملك على خيانة
~~درهم ولا أحمدك على حفظ ألف ألف درهم، لأنك إنما تحقن بذلك دمك وتعمر به
~~أمانتك فإنك إن خنت قليلا خنت كثيرا. واحترس من خصلتين: النقصان فيما تأخذ،
~~والزيادة فيما تعطي. واعلم أني لم أجعل أحدا على ذخائر الملك وعمارة
~~المملكة والعدة إلا وأنت آمن عندي من موضعه الذي هو فيه وخواتيمه التي هي
~~عليها، فحقق ظني في اختياري إياك أحقق ظنك في رجائك لي، ولا تتعوض بخير شرا
~~ولا برفعة ضعة ولا بسلامة ندامة ولا بأمانة خيانة» . وكان يقال: «كفى
~~بالمرء خيانة أن يكون أمينا للخونة» .
# قدم معاذ من يمن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بكر رضي
~~الله عنه فقال له: إرفع حسابك. فقال: أحسابان، حساب من الله وحساب منكم؟ لا
~~والله لا ألي لكم عملا أبدا.
# ذكر أعرابي رجلا خائنا فقال: إن الناس يأكلون أماناتهم لقما وإن فلانا
~~يحسوها حسوا.
# قال بعض السلاطين لعامل له: «كل قليلا تعمل طويلا والزم العفاف يلزمك
~~العمل، وأياك والرشى «1» يشتد ظهرك عند الخصام» .
# PageV01P125
### | القضاء
# حدثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا بشر بن المفضل بن لاحق قال:
# حدثنا المغيرة بن محمد عن عمر بن عبد العزيز قال: «لا ينبغي للرجل أن
~~يكون قاضيا حتى تكون فيه خمس خصال: يكون عالما قبل أن يستعمل «1» ، مستشيرا
~~لأهل العلم، ملقيا للرثع «2» ، منصفا للخصم، محتملا للأئمة» .
# حدثني علي بن محمد قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق الأنصاري عن عبد الله بن
~~لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن علي عليه السلام أنه قال: «ذمتي رهينة وأنا
~~به زعيم لمن صرحت له العبر ألا يهلك على التقوى زرع قوم ولا يظمأ على
~~التقوى سنخ «3» أصل ألا وإن أبغض خلق الله إلى الله رجل قمش «4» جهلا غارا
~~بأغباش «5» الفتنة عميا بما في عقد الهدنة سماه أشباهه من الناس عالما ولم
~~يغن في العلم يوما سالما. بكر فاستكثر، ما قل منه فهو خير مما كثر حتى إذا
~~ما ارتوى من اجن «6» واكتنز من غير طائل قعد بين الناس قاضيا لتخليص ما
~~التبس على غيره، إن نزلت به إحدى المبهمات هيا حشوا «7» رثا من رأيه، فهو
~~من قطع الشبهات في مثل غزل العنكبوت. لا يعلم إذا أخطأ، لأنه لا يعلم أأخطأ
~~أم أصاب، خباط عشوات ركاب جهالات «8» ، لا يعتذر مما
# PageV01P126
# لا يعلم فيسلم ولا يعض في العلم بضرس قاطع، يذرو الرواية ذرو الريح
~~الهشيم، تبكي منه الدماء وتصرخ منه المواريث ويستحل بقضائه الفرج الحرام.
~~لا مليء والله بإصدار ما ورد عليه ولا أهل لما قرظ به» .
# قال ابن شبرمة «1» : [كامل]
# ما في القضاء شفاعة لمخاصم ... عند اللبيب ولا الفقيه الحاكم
# أهون علي إذا قضيت بسنة ... أو بالكتاب برغم أنف الراغم
# وقضيت فيما لم أجد أثرا به ... بنظائر معروفة ومعالم
# الهيثم عن ابن عياش عن الشعبي قال: كان أول قاض قضى لعمر بن الخطاب
~~بالعراق سلمان بن ربيعة الباهلي، ثم شهد القادسية وكان قاضيا بها، ثم قضى
~~بالمدائن، ثم عزله عمر واستقضى شرحبيل على المدائن، ثم عزله واستقضى أبا
~~قرة الكندي فاختط الناس الكوفة وقاضيهم أبو قرة. ثم استقضى شريح بن الحارث
~~الكندي «2» فقضى خمسا وسبعين سنة إلا أن زيادا أخرجه مرة إلى البصرة
~~واستقضى مكانه مسروق بن الأجدع سنة حتى قدم شريح فأعاده ولم يزل قاضيا حتى
~~أدرك الفتنة في زمن ابن الزبير فقعد ولم يقض في الفتنة. فاستقضى عبد الله
~~بن الزبير رجلا مكانه ثلاث سنين فلما قتل ابن الزبير أعيد شريح على القضاء
~~فلقي رجل شريحا في الطريق فقال: يا أبا أمية، قضيت والله بجور، قال: وكيف
~~ذاك؟ ويحك! قال: كبرت سنك واختلط عقلك وارتشى ابنك، فقال شريح: لا جرم، لا
~~يقولها أحد بعدك.
# PageV01P127
# فأتى الحجاج فقال: والله لا أقضي بين اثنين. قال: والله لا أعفيك أو
~~تبغيني رجلا. فقال شريح: عليك بالعفيف الشريف أبي بردة بن أبي موسى.
# فاستقضاه الحجاج وألزمه سعيد بن جبير كاتبا ووزيرا.
# وروى الثوري عن علقمة بن مرثد أنه لقي محارب بن دثار «1» وكان على القضاء
~~فقال له: يا محارب، إلى كم تردد الخصوم؟ فقال له: إني والخصوم كما قال
~~الأعشى: [طويل]
# أرقت وما هذا السهاد المؤرق ... وما بي من سقم وما بي معشق
# ولكن أراني لا أزال بحادث ... أغادى بما لم يمس عندي وأطرق
# حدثني إسحق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد عن قريش بن أنس عن حبيب بن
~~الشهيد قال: كنت جالسا عند إياس بن معاوية فأتاه رجل فسأله عن مسألة فطول
~~فيها، فقال إياس: إن كنت تريد الفتيا فعليك بالحسن معلمي ومعلم أبي، وإن
~~كنت تريد القضاء فعليك بعبد الملك بن يعلى- وكان على قضاء البصرة يومئذ-
~~وإن كنت تريد الصلح فعليك بحميد «2» الطويل، وتدري ما يقول لك؟ يقول لك: حط
~~شيئا، ويقول لصاحبك: زده شيئا حتى نصلح بينكما، وإن كنت تريد الشغب فعليك
~~بصالح السدوسي، وتدري ما يقول لك؟ يقول لك: إجحد ما عليك. ويقول لصاحبك:
~~إدع ما ليس لك وادع بينة غيبا.
# قرأت في الآيين: «ينبغي للحاكم أن يعرف القضاء الحق العدل
# PageV01P128
# والقضاء العدل غير الحق والقضاء الحق غير العدل ويقايس بتثبت وروية
~~ويتحفظ من الشبهة» . والقضاء الحق العدل عندهم قتل النفس بالنفس، والقضاء
~~العدل غير الحق قتل الحر بالعبد، والقضاء الحق غير العدل الدية على
~~العاقلة.
# حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن أخي الأصمعي قال: حدثني عمي الأصمعي
~~قال: قال أعرابي لقوم يتنازعون: هل لكم في الحق أو فيما هو خير من الحق؟
~~فقيل: وما يكون خيرا من الحق؟ قال: التحاط «1» والهضم، فإن أخذ الحق كله
~~مر.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: اختلف رجلان في شيء فحكما رجلا له في
~~المخطىء هوى، فقال للمخطىء: من يقول بقولك أكثر.
# الهيثم بن عدي قال: تقدمت كلثم بنت سريع مولى عمرو بن حريث وأخوها الوليد
~~إلى عبد الملك بن عمير وهو قاضي الكوفة، وكان ابنه عمرو بن عبد الملك يرمى
~~بها فقضى لها، فقال هذيل الأشجعي «2» : [طويل]
# أتاه رفيق بالشهود يسوقهم ... على ما ادعت من صامت المال والخول «3»
# فأدلى وليد عند ذاك بحقه ... وكان وليد ذا مراء وذا جدل
# ففتنت القبطي حتى قضى لها ... بغير قضاء الله في السور الطول
# فلو كان من في القصر يعلم علمه ... لما استعمل القبطي فينا على عمل
# PageV01P129
# له حين يقضي للنساء تخاوص «1» ... وكان وما منه التخاوص والحول
# إذا ذات دل كلمته لحاجة ... فهم بأن يقضي تنحنح أو سعل
# وبرق «2» عينيه ولاك «3» لسانه ... يرى كل شيء ما خلا شخصها جلل
# فكان عبد الملك بن عمير يقول: والله لربما جاءتني السعلة أو التنحنح وأنا
~~في المتوضأ فأكف عن ذلك.
# وقال ابن مناذر «4» في خالد بن طليق وكان قد ولي قضاء البصرة:
# [سريع]
# قل لأمير المؤمنين الذي ... من هاشم في سرها واللباب
# إن كنت للسخطة عاقبتنا ... بخالد فهو أشد العقاب
# كان قضاة الناس فيما مضى ... من رحمة الله وهذا عذاب
# يا عجبا من خالد كيف لا ... يخطىء فتيا مرة بالصواب
# وقال فيه: [مجزوء الرمل]
# جعل «5» الحاكم يا للن ... ناس من آل طليق
# ضحكة يحكم في النا ... س برأي الجاثليق «6»
# PageV01P130
# أي قاض أنت في النق ... ص وتعطيل الحقوق
# يا أبا الهيثم ما أن ... ت لهذا بخليق
# لا ولا أنت لما حم ... ملت منه بمطيق
# أراد عدي بن أرطاة بكر بن عبد الله المزني على القضاء فقال له بكر:
# والله ما أحسن القضاء، فإن كنت كاذبا أو صادقا فما يحل لك أن توليني.
# وروى عبد الرزاق عن معمر قال: لما عزل ابن شبرمة عن القضاء قال له والي
~~اليمن: اختر لنا رجلا نوليه القضاء. فقال له ابن شبرمة: ما أعرفه.
# فذكر له رجل من أهل صنعاء فأرسل إليه فجاء، فقال له ابن شبرمة: هل تدري
~~لم دعيت؟ قال: لا. قال: إنك قد دعيت لأمر عظيم، للقضاء. قال:
# ما أيسر القضاء! فقال له ابن شبرمة: نسألك عن شيء يسير منه؟ قال: سل.
# قال له ابن شبرمة: ما تقول في رجل ضرب بطن شاة حامل «1» فألقت ما في
~~بطنها؟ فسكت الرجل، فقال له ابن شبرمة: إنا بلوناك فما وجدنا عندك شيئا.
# فقيل له: ما القضاء فيها؟ قال ابن شبرمة: تقوم حاملا وتقوم حائلا ويغرم
~~قدر ما بينهما.
# حدثني عبد الله بن محمد الخلنجي قال: كان يحيى «2» بن أكثم يمتحن من
~~يريدهم للقضاء، فقال لرجل: ما تقول في رجلين زوج كل واحد منهما الآخر أمه
~~فولد لكل واحد من امرأته ولد، ما قرابة ما بين الوالدين؟ فلم يعرفها، فقال
~~له يحيى: كل واحد من الولدين عم الآخر لأمه.
# PageV01P131
# ودخل رجل من أهل الشام على عبد الملك بن مروان فقال: إني تزوجت امرأة
~~وزوجت ابني أمها ولا غنى بنا عن رفدك. فقال له عبد الملك:
# إن أخبرتني ما قرابة ما بين أولادكما إذا أولدتما، فعلت. قال: يا أمير
~~المؤمنين، هذا حميد بن بحدل قد قلدته سيفك ووليته ماوراء بابك فسله عنها،
~~فإن أصاب لزمني الحرمان، وإن أخطأ اتسع لي العذر. فدعا بالبحدلي فسأله،
~~فقال: يا أمير المؤمنين، إنك ما قدمتني على العلم بالأنساب ولكن على الطعن
~~بالرماح، أحدهما عم الآخر والآخر خاله.
# قال ابن سيرين: كنا عند أبي عبيدة بن أبي حذيفة في قبة له وبين يديه
~~كانون له فيه نار فجاءه رجل فجلس معه على فراشه فساره بشيء لا ندري ما هو،
~~فقال له أبو عبيدة: ضع لي إصبعك في هذه النار. فقال له الرجل:
# سبحان الله! تأمرني أن أضع لك أصبعي في هذه النار! فقال له أبو عبيدة:
# أتبخل علي بأصبع من أصابعك في نار الدنيا وتسألني أن أضع لك جسدي كله في
~~نار جهنم؟ قال: فظننا أنه دعاه إلى القضاء.
# كان يقال: «ثلاث إذا كن في القاضي فليس بكامل: إذا كره اللوائم، وأحب
~~المحامد، وكره العزل. وثلاث إذا لم تكن فيه فليس بكامل: يشاور وإن كان
~~عالما، ولا يسمع شكية من أحد حتى يكون معه خصمه، ويقضي إذا علم» .
# قالوا: «ويحتاج القاضي إلى العدل في لحظه ولفظه وقعود الخصوم بين يديه
~~وألا يقضي وهو غضبان ولا يرفع صوته على أحد الخصمين ما لا يرفعه على الآخر»
~~.
# قال الشعبي: حضرت شريحا ذات يوم وجاءته امرأة تخاصم زوجها
# PageV01P132
# فأرسلت عينيها «1» فبكت فقلت: يا أبا أمية، ما أظنها إلا مظلومة. فقال:
~~يا شعبي، إن إخوة يوسف جاءوا أباهم عشاء يبكون «2» .
# بلغني عن كثير بن هشام عن جعفر بن برقان قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله
~~عنه إلى أبي موسى الأشعري كتابا فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله
~~عمر أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس. سلام عليك، أما بعد فإن القضاء
~~فريضة محكمة وسنة متبعة، فافهم إذا أدلي إليك فإنه لا ينفع تكلم بحق لا
~~نفاذ له. آس بين الناس في مجلسك ووجهك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس
~~ضعيف من عدلك. البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين
~~الناس إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا، ولا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس
~~فراجعت فيه نفسك وهديت لرشدك أن ترجع إلى الحق فإن الحق لا يبطله شيء.
~~واعلم أن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل. الفهم الفهم فيما يتلجلج
~~في صدرك مما ليس فيه قرآن ولا سنة، واعرف الأشباه والأمثال ثم قس الأمور
~~عند ذلك ثم اعمد لأحبها إلى الله وأشبهها بالحق فيما ترى. إجعل لمن ادعى
~~حقا غائبا أمدا ينتهي إليه فإن أحضر بينة أخذ بحقه وإلا استحللت عليه
~~القضاء. والمسلمون عدول في الشهادة إلا مجلودا «3»
# في حد أو مجربا عليه شهادة زور أو ظنينا في ولاء أو قرابة. إن الله تولى
~~منكم السرائر ودرأ عنكم بالبينات. وإياك والقلق والضجر والتأذي بالخصوم في
~~مواطن الحق التي يوجب الله بها الأجر ويحسن الذخر، فإنه من صلحت سريرته
~~فيما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن
# PageV01P133
# تزين للدنيا بغير ما يعلم الله منه شانه الله، والسلام» .
# وقال سلمة «1» بن الخرشب لسبيع التغلبي في شأن الرهن التي وضعت على يديه
~~في قتلى عبس وذبيان: [منسرح]
# أبلغ سبيعا وأنت سيدنا ... قدما وأوفى رجالنا ذمما
# أن بغيضا «2» وأن إخوتها ... ذبيان قد ضرموا الذي اضطرما
# نبئت أن حكموك بينهم ... فلا تقولن بئس ما حكما
# إن كنت ذا عرفة بشأنهم ... تعرف ذا حقهم ومن ظلما
# وتنزل الأمر في منازله ... حكما وعلما وتحضر الفهما
# فاحكم فأنت الحكيم بينهم ... لن يعدموا الحق باردا صتما «3»
# واصدع أديم السواء بينهم ... على رضا من رضي ومن رغما
# إن كان مالا فمثل عدته ... مال بمال وإن دما فدما
# هذا وإن لم تطق حكومتهم ... فانبذ إليهم أمورهم سلما «4»
# وأنشد عمر بن الخطاب شعر زهير بن أبي سلمى، فلما بلغ قوله:
# [وافر]
# فإن الحق مقطعه ثلاث ... يمين أو نفار أو جلاء
# جعل عمر يتعجب من علمه بالحقوق وتفصيله بينها ويقول: لا يخرج الحق من
~~إحدى ثلاث إما يمين أو محاكمة أو حجة.
# PageV01P134
# وقال ابن أبي ليلى «1» الفقيه في عبد الله بن شبرمة «2» : [متقارب]
# وكيف ترجى لفصل القضاء ... ولم تصب الحكم في نفسكا
# وتزعم أنك لابن الجلاح «3» ... وهيهات دعواك من أصلكا
# عبد الله بن صالح العجلي قال: خرج شريك «4» وهو على القضاء يتلقى
~~الخيزران «5» وقد أقبلت تريد الحج، فأتى، شاهي «6» فأقام بها ثلاثا ولم
~~تواف فخف زاده وما كان معه من الخبز فجعل يبله بالماء ويأكله بالملح، فقال
~~العلاء بن المنهال «7» الغنوي: [الوافر]
# فإن كان الذي قد قلت حقا ... بأن قد أكرهوك على القضاء
# فما لك موضعا في كل يوم ... تلقى من يحج من النساء
# مقيما في قرى شاهي ثلاثا ... بلا زاد سوى كسر وماء
# يزيد الناس خيرا كل يوم ... فترجع يا شريك إلى وراء
# وقال فيه أيضا: [وافر]
# فليت أبا شريك كان حيا ... فيقصر حين يبصره شريك
# PageV01P135
# ويترك من تدريه علينا ... إذا قلنا له: هذا أبوك «1»
# وأنشد لبعض الشعراء في بعض الحكام: [كامل]
# أبكي وأندب بهجة الإسلام ... إذ صرت تقعد مقعد الحكام
# إن الحوادث ما علمت كثيرة ... وأراك بعض حوادث الأيام
# حدثني يزيد بن عمرو قال: حدثني القاسم بن الفضل قال: حدثني رجل من بني
~~جرير أن رجلا منهم خاصم رجلا إلى سوار بن عبد الله فقضى على الجريري، فمر
~~سوار ببني جرير فقام إليه الجريري فصرعه وخنقه وجعل يقول: [سريع]
# رأيت أحلاما فعبرتها ... وكنت للأحلام عبارا
# رأيتني أخنق ضبا «2» على ... جحر وكان الضب سوارا
### | في الشهادات
# حدثني أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي قال لي أيوب: إن من أصحابي من أرجو
~~دعوته ولا أجيز شهادته. قال: وقال سوار: ما أعلم أحدا أفضل من عطاء السلمي،
~~ولو شهد عندي على فلسين لم أجز شهادته. يذهب إلى أنه ضعيف الرأي ليس
~~بالحازم إلا أنه لا يطعن عليه في دينه وأمانته. قال:
# وشهد أبو عمرو بن العلاء عند سوار على نسب فقال سوار: وما يدريك أنه
~~ابنه؟ قال: كما أعلم أنك سوار بن عبد الله بن عنزة بن نقب. قال: وشهد
# PageV01P136
# رجل عند سوار في دار قد ادعاها رجل قال: أشهد أنها له من الماء إلى
~~السماء. وشهد آخر فقال للكاتب: أكتب شهادتهما. فقال: أي شيء أكتب؟
# فقال: كل شيء يخرج الدار من يد هذا ويجعلها في ملك هذا فاكتبه. قال أبو
~~حاتم: بلغني أنه إنما قيل شهادة عربية وما أشبهه. قال: وشهد رجل عند سوار،
~~فقال له: ما صناعتك؟ قال: أنا مؤدب. قال: فإنا لا نجيز شهادتك.
# قال ولم؟ قال؟ لأنك تأخذ على تعليم القرآن أجرا. قال: وأنت تأخذ على
~~القضاء بين المسلمين أجرا. قال: إني أكرهت على القضاء. قال: يا هذا، القضاء
~~أكرهت عليه فهل أكرهت على أخذ الرزق؟ قال: هلم شهادتك.
# فأجازها. قال: وشهد الفرزدق عند بعض القضاة فقال: قد أجزنا شهادة أبي
~~فراس، وزيدونا. فقيل له حين انصرف: إنه، والله، ما أجاز شهادتك. قال:
# وما يمنعه من ذلك وقد قذفت ألف محصنة. وجاء أبو دلامة «1» ليشهد عند ابن
~~أبي ليلى فقال في مجلسه ذلك: [طويل]
# إن القوم غطوني تغطيت دونهم ... وإن يحثوا عني ففيهم مباحث
# وإن حفروا بئري حفرت بئارهم ... ليعلم ما تخفيه تلك النبائث «2»
# فأجاز شهادته وحبس المشهود عليه عنده وأعطاه قيمة الشيء.
# أتى رجل ابن شبرمة بقوم يشهدون له على قراح فيه نخل، فشهدوا وكانوا عدولا
~~فسألهم: كم في القراح من نخلة؟ قالوا: لا نعلم. فرد شهادتهم. فقال له رجل
~~منهم: أنت تقضي في هذا المسجد منذ ثلاثين سنة، فأعلمنا: كم فيه من أسطوانة؟
~~فأجازهم.
# PageV01P137
# وقال بعض الشعراء: [منسرح]
# والخصم لا يرتجى النجاة له ... يوما إذا كان خصمه القاضي
# قدم رجل خصما له إلى زياد في حق له عليه، فقال: إن هذا الرجل يدل بخاصة
~~ذكر أنها له منك. قال: نعم. وسأخبرك بما ينفعه عندي من خاصته: إن يكن الحق
~~له عليك آخذك أخذا عنيفا، وأن يكن الحق لك عليه أقض عليه ثم أقض عنه.
# وقال أبو اليقظان: كان عبيد الله بن أبي بكرة «1» قاضيا وكان يميل في
~~الحكم إلى إخوانه. فقيل له في ذلك. فقال: وما خير رجل لا يقطع من دينه
~~لإخوانه؟
# قال المدائني: كان بين طلحة بن عبيد الله والزبير مدارأة «2» في واد
~~بالمدينة. قال: فقالا: نجعل بيننا عمرو بن العاص، فأتياه فقال لهما: أنتما
~~في فضلكما وقديم سوابقكما ونعمة الله عليكما تختلفان! وقد سمعتما من رسول
~~الله صلى الله عليه وسلم مثل ما سمعت وحضرتما من قوله مثل الذي حضرت فيمن
~~اقتطع شبرا من أرض أخيه بغير حق أنه يطوقه «3» من سبع أرضين! والحكم أحوج
~~إلى العدل من المحكوم عليه وذلك لأن الحكم إذا جار رزىء دينه والمحكوم عليه
~~إذا جير عليه رزىء عرض الدنيا، إن شئتما فأدليا بحجتكما وإن شئتما فأصلحا
~~ذات بينكما. فاصطلحا وأعطى كل واحد منهما صاحبه الرضا.
# PageV01P138
# وكان السندي بن شاهك لا يستحلف المكاري ولا الحائك ولا الملاح ويجعل
~~القول قول المدعي مع يمينه، ويقول: اللهم، إني أستخيرك في الجمال ومعلم
~~الصبيان.
# وقال أبو البيداء: سمعت شيخا من الأعراب يقول: نحن بالبادية لا نقبل
~~شهادة العبد ولا شهادة العذيوط «1» ولا المغذى ببوله. قال أبو البيداء:
# فضحكت والله حتى كدت أبول في ثوبي.
# وقيل لعبيد الله بن الحسن العنبري: أتجيز شهادة رجل عفيف تقي أحمق؟ قال:
~~لا، وسأريكم. أدعوا لي أبا مودود حاجبي، فلما جاء قال له:
# أخرح حتى تنظر ما الريح؟ فخرج ثم رجع فقال: شمال يشوبها شيء من الجنوب.
~~فقال: أتروني كنت مجيزا شهادة مثل هذا؟.
# قال الأعمش: قال لي محارب بن دثار «2» : وليت القضاء فبكى أهلي وعزلت عنه
~~فبكوا، فما أدري مم ذاك؟ فقلت له: وليت القضاء فكرهته وجزعت منه فبكى أهلك،
~~وعزلت عنه فكرهت العزل وجزعت منه فبكى أهلك. فقال: إنه لكما قلت.
# قدم إياس بن معاوية الشام وهو غلام فقدم خصما له إلى قاض لعبد الملك بن
~~مروان وكان خصمه شيخا كبيرا. فقال له القاضي: أتقدم شيخا كبيرا؟ فقاله
~~إياس: الحق أكبر منه. قال: اسكت. قال: فمن ينطق بحجتي؟
# قال: ما أظنك تقول حقا حتى تقوم. قال: أشهد أن لا إله إلا الله. فقام
~~القاضي فدخل على عبد الملك فأخبره بالخبر فقال: اقض حاجته وأخرجه من الشام
~~لا يفسد علي الناس.
# PageV01P139
# قال أعرابي لخصم له: «ولله لئن هملجت «1» إلى الباطل إنك عن الحق لقطوف»
~~.
### | باب الأحكام
# حدثني عبدة بن عبد الله قال: حدثنا وهب بن جرير قال: حدثنا أبي قال: سمعت
~~الزبير بن الحارث يحدث عن عكرمة عن أبي هريرة قال: «قضى رسول صلى الله عليه
~~وسلم إذا اختلف الناس في الطرق أنها سبع أذرع» .
# حدثني يزيد بن عمرو عن محمد بن موسى عن إبراهيم بن حنتم عن غزال بن مالك
~~الغفاري عن أبيه عن جده قال: «كفل النبي عليه السلام رجلا في تهمة» .
# قال وحدثني أيضا عن إبراهيم بن حنتم عن غزال بن مالك عن أبيه عن جده قال:
~~قال أبو هريرة: «حبس النبي صلى الله عليه وسلم في التهمة حبسا يسيرا حتى
~~استبرأ» .
# حدثني يزيد قال: حدثني الوليد عن جرير بن حازم عن الحسن: «أن رسول الله
~~صلى الله عليه وسلم صلب رجلا على جبل يقال له: رباب» وقال لي رجل بالمدينة:
# هو ذو رباب.
# حدثني أحمد بن الخليل عن سليمان بن حرب عن جرير عن يعلى بن حكيم عن أبيه
~~عن ابن عباس قال: «أتى ماعز بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إني
~~زنيت يا رسول صلى الله عليه وسلم. فقال: لعلك مسست أو لمست أو غمزت. فقال:
~~لا، بل زنيت. فأعادها عليه ثلاثا، فلما كان في الرابعة رجمه» .
# PageV01P140
# حدثني شبابة عن القاسم بن الحكم عن الثوري عن علي بن الأقمر عن يزيد بن
~~أبي كبشة أن أبا الدرداء أتي بامرأة سرقت، فقال: أسرقت؟ قولي:
# لا.
# حدثني سهل بن محمد قال: حدثني الأصمعي قال: جاءوا زيادا بلص وعنده جماعة
~~فيهم الأحنف، فانتهروه وقالوا: اصدق الأمير. فقال الأحنف:
# إن الصدق أحيانا معجزة. فأعجب ذلك زيادا وقال: جزاك الله خيرا.
# حدثني شبابة عن القاسم بن الحكم عن إسماعيل بن عياش عمن حدثه عن ابن عباس
~~قال: «جز الرأس واللحية لا يصلح في العقوبة لأن الله، عز وجل، جعل حلق
~~الرأس نسكا لمرضاته» .
# حدثني شبابة عن القاسم عن الأوزاعي أن عمر بن عبد العزيز قال:
# «إياكم والمثلة «1» في العقوبة جز الرأس واللحية» .
# حدثني محمد بن خالد بن خداش قال: حدثنا سلم بن قتيبة قال:
# حدثنا يونس عن أبي بكر بن حفص بن عمر قال: كان مروان بن الحكم أمير
~~المدينة فقضى في رجل فزع رجلا فضرط بأربعين درهما.
# حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن جويبر عن الضحاك
~~عن ابن مسعود قال: «لا يحل في هذه الأمة غل ولا صفد ولا تجريد ولا مد» .
# حدثني عبد الرحمن عن الأصمعي قال: كان عامر بن الظرب العدواني حكم العرب،
~~فنزل به قوم يستفتونه في خنثى «2» له جارية يقال لها خصيلة.
# PageV01P141
# وربما لامها في الإبطاء في الرعي وفي الشيء يجده عليها. فقال: يا خصيلة،
~~لقد حبست هؤلاء القوم وريثتهم حتى أسرعت في غنمي. قالت وما يكن عليك من
~~ذلك؟ أتبعه مباله. فقال لها: «مسي خصيل بعدها أو روحي» .
# قال: وأتي ابن زياد بإنسان له قبل وذكر ولا يدرى كيف يورث «1» فقال:
# من لهذا؟ فقالوا: أرسل إلى جابر بن زيد. فأرسل إليه، فجاء يرسف في قيوده
~~فقال: ما تقول في هذا؟ فقال: ألزقه بالجدار فإن بال عليه فهو ذكر، وإن بال
~~في رجليه فهو أنثى.
# حدثني محمد بن خالد بن خداش قال: حدثنا سلم بن قتيبة قال:
# حدثنا قيس بن الربيع عن أبي حصين أن رجلا كسر طنبورا لرجل فخاصمه إلى
~~شريح «2» ، فقال شريح: لا أقضي في الطنبور بشيء.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن أبيه قال: قال لي أبو العجاج: يا ابن أصمع،
~~والله لئن أقررت لألزمنك. أي لا تقر.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن أبيه عن معمر قال: رد رجل على رجل جارية
~~اشتراها منه، فخاصمه إلى إياس «3» بن معاوية، فقال له: بم تردها؟ قال له:
~~بالحمق. فقال لها إياس: أي رجليك أطول؟ فقالت: هذه.
# فقال: أتذكرين ليلة ولدت؟ قالت: نعم. فقال إياس: رد رد.
# حدثني أبو الخطاب قال: حدثنا أبو داود عن قيس عن أبي حصين قال:
# PageV01P142
# رأيت الشعبي يقضي على جلد أسد.
### | الظلم
# حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن قريب قال: حدثني الأصمعي قال:
# أخبرنا بعض أشياخ البصرة أن رجلا وامرأته اختصما إلى أمير من أمراء
~~العراق وكانت المرأة حسنة المتنقب قبيحة المسفر «1» ، وكان لها لسان فكأن
~~العامل مال معها فقال: يعمد أحدكم إلى المرأة الكريمة فيتزوجها ثم يسيء
~~إليها! فأهوى زوجها إلى النقاب فألقاه عن وجهها فقال العامل: عليك اللعنة!
~~كلام مظلوم ووجه ظالم «2» .
# وأنشد الرياشي «3» في نحو هذا: [طويل]
# رأيت أبا الحجناء في الناس جائرا ... ولون أبي الحجناء لون البهائم
# تراه على ما لاحه من سواده ... وإن كان مظلوما له وجه ظالم
# أبو حاتم عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال: كان رجل من العرب في
~~الجاهلية إذا رأى رجلا يظلم ويعتدي يقول: فلان لا يموت «4» سويا. فيرون ذلك
~~حتى مات رجل ممن قال ذلك فيه فقيل له: مات فلان سويا. فلم يقبل حتى تتابعت
~~الأخبار. فقال: إن كنتم صادقين: فإن لكم دارا سوى هذه تجازون فيها.
# PageV01P143
# كتب رجل من الكتاب إلى سلطان: «أعيذك بالله من أن تكون لاهيا عن الشكر
~~محجوبا بالنعم صارفا فضل ما أوتيت من السلطان إلى ما تقل عائدته وتعظم
~~تبعته من الظلم والعدوان، وأن يستزلك الشيطان بخدعه وغروره وتسويله فيزيل
~~عاجل الغبطة وينسيك مذموم العاقبة، فإن الحازم من يذكر في يومه المخوف من
~~عواقب غده ولم يغره طول الأمل وتراخي الغاية ولم يضرب في غمرة من الباطل
~~ولا يدري ما تتجلى به مغبتها. هذا إلى ما يتبع الظالم من سوء المنقلب وقبيح
~~الذكر الذي لا يفنيه كر الجديدين «1» واختلاف العصرين» .
# حدثني يزيد بن عمرو قال: حدثنا معاوية بن عمرو قال: حدثنا أبو إبراهيم
~~السقاء عن ليث عن مجاهد قال: «يؤتى بمعلم الصبيان يوم القيامة فإن كان عدل
~~بين الغلمان وإلا أقيم مع الظلمة» . وكان معاوية يقول: إني لأستحيي أن أظلم
~~من لا يجد علي ناصرا إلا الله. وقال بلال: «إني لأستحيي أن أظلم وأحرج أن
~~أظلم» . وكان يقال: إذا أراد الله أن يتحف عبدا قيض له من يظلمه.
# كتب رجل إلى سلطان: «أحق الناس بالإحسان من أحسن الله إليه وأولاهم
~~بالإنصاف من بسطت بالقدرة يداه» .
# ذكر الظلم في مجلس ابن عباس فقال كعب: إني لا أجد في كتاب الله المنزل أن
~~الظلم يخرب الديار. فقال ابن عباس: أنا أوجدكه في القرآن، قال الله، عز
~~وجل: فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا
# «2» .
# حدثني سهل بن محمد عن الأصمعي قال: كان فرعان وهو من بني
# PageV01P144
# تميم لا يزال يغير على إبل الناس فيأخذ منها ثم يقاتلهم عليها إلى أن
~~أغار على رجل فأصاب له جملا، فجاء الرجل فأخذ بشعره فجذبه فبرك، فقال
~~الناس: كبرت والله يا فرعان. فقال: لا والله ولكن جذبني جذبة محق. وكان
~~سديف بن ميمون مولى اللهبيين يقول: اللهم قد صار فيئنا دولة «1» بعد القسمة
~~وإمارتنا غلبة بعد المشورة وعهدنا ميراثا بعد الاختيار للأمة. واشتريت
~~الملاهي والمعازف بسهم اليتيم والأرملة وحكم في أبشار المسلمين أهل الذمة
~~وتولى القيام بأمورهم فاسق كل محلة. اللهم وقد استحصد زرع الباطل وبلغ
~~نهايته واجتمع طريده. اللهم فأتح له يدا من الحق حاصدة تبدد شمله وتفرق
~~أمره ليظهر الحق في أحسن صوره وأتم نوره.
# ولي أعرابي بعض النواحي فجمع اليهود في عمله وسألهم عن المسيح فقالوا:
~~قتلناه وصلبناه. فقال: فهل أديتم ديته؟ قالوا: لا. قال: فوالله لا تخرجون
~~أو تؤدوها. فلم يبرحوا حتى أدوها.
# كان أبو العاج على جوالى البصرة فأتي برجل من النصارى: فقال ما اسمك؟
~~فقال: بنداذ شهر بنداذ. فقال: اسم ثلاثة وجزية واحد! لا والله العظيم. قال:
~~فأخذ منه ثلاث جزى.
# ولي أعرابي تبالة «2» فصعد المنبر فما حمد الله ولا أثنى عليه حتى قال:
# إن الأمير، أعزنا الله وإياه، ولاني بلادكم هذه، وإني والله ما أعرف من
~~الحق
# PageV01P145
# موضع سوطي، ولن أوتى بظالم ولا مظلوم إلا أوجعتهما ضربا، فكانوا
~~يتعاملون، بالحق بينهم ولا يرتفعون إليه. قال بعض الشعراء «1» : [طويل]
# بني عمنا، لا تذكروا الشعر بعد ما ... دفنتم بصحراء الغمير «2» القوافيا
# فلسنا كمن كنتم تصيبون سلة ... فنقبل ضيما أو نحكم قاضيا «3»
# ولكن حكم السيف فيكم مسلط ... فنرضى إذا ما أصبح السيف راضيا
# فإن قلتم وإنا ظلمنا فلم نكن ... ظلمنا ولكنا أسأنا التقاضيا
# وقال آخر: [سريع]
# تفرح أن تغلبني ظالما ... والغالب المظلوم لو تعلم
# وكانوا يتوقون ظلم السلطان إذا دخلوا عليه بأن يقولوا: «بسم الله إني
~~أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا
# «4» اخسؤا فيها ولا تكلمون
# «5» أخذت سمعك وبصرك بسمع الله وبصره. أخذت قوتك بقوة الله. بيني وبينك
~~ستر النبوة الذي كانت الأنبياء تستتر به من سطوات الفراعنة. جبريل عن يمينه
~~وميكائيل عن يسارك ومحمد أمامك والله مطلع عليك ويحجرك عني ويمنعني منك» .
# وقال بعض الشعراء: [وافر]
# ونستعدي الأمير إذا ظلمنا ... فمن يعدي إذا ظلم الأمير؟
# PageV01P146
# وقال آخر: [وافر]
# إذا كان الأمير عليك خصما ... فلا تكثر فقد غلب الأمير
# وكتب رجل إلى صديق له: قد كنت أستعديك ظالما على غيرك فتحكم لي وقد
~~استعديتك عليك مظلوما فضاق عني عدلك، وذكرني قول القائل:
# [خفيف]
# كنت من كربتي أفر إليهم ... فهم وكربتي فأين الفرار؟
# ونحوه: [منسرح]
# والخصم لا يرتجى النجاح له ... يوما إذا كان خصمه القاضي «1»
# حدثني سهل بن محمد عن الأصمعي قال: كان يقال: ما أعطي أحد قط النصف «2»
~~فأباه إلا أخذ شرا منه. قال: وقال الأحنف: ما عرضت النصفة قط على أحد
~~فقبلها إلا دخلتني له هيبة ولا ردها إلا اختبأتها في عقله.
# وقال البعيث «3» : [طويل]
# وإني لأعطي النصف من لو ظلمته ... أقر وطابت نفسه لي بالظلم
# وقال الطائي «4» : [طويل]
# يرى العلقم المأدوم بالعز أرية «5» ... يمانية والأري بالضيم علقما
# إذا فرشوه النصف نامت شذاته ... وإن رتعوا في ظلمه كان أظلما
# PageV01P147
# وقال العباس بن عبد المطلب «1» : [طويل]
# أبى قومنا أن ينصفونا فأنصفت ... قواطع في أيماننا تقطر الدما
# تركناهم ولا يستخلون بعدها ... لذي رحم يوما من الدهر محرما
# بلغنا عن ضمرة عن ثور بن يزيد قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله:
~~أما بعد، فإذا دعتك قدرتك على الناس إلى ظلمهم فاذكر قدرة الله عليك وفناء
~~ما تؤتي إليهم وبقاء ما يؤتون إليك، والسلام.
# وسمع ابن سيرين رجلا يدعو على من ظلمه، فقال: أقصر يا هذا، لا يربح عليك
~~ظالمك.
### | قولهم في الحبس
# في الحديث المرفوع: «شكا يوسف عليه السلام إلى الله، عز وجل طول الحبس
~~فأوحى الله إليه: من حبسك يا يوسف، أنت حبست نفسك حيث قلت: رب السجن أحب
~~إلي مما يدعونني إليه
# «2» ولو قلت: العافية أحب إلي لعوفيت» .
# حدثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب قال: «إن يوسف عليه
~~السلام دعا لأهل السجن دعوة لم تزل تعرف لهم إلى اليوم، قال:
# اللهم، أعطف عليهم قلوب الأخيار ولا تعم عليهم الأخبار» . فيقال: إنهم
~~أعلم الناس بكل خبر في كل بلد.
# PageV01P148
# وكتب على باب السجن: «هذه منازل البلوى وقبور الأحياء وتجربة الصديق
~~وشماتة الأعداء» .
# أنشدني الرياشي «1» : [بسيط]
# ما يدخل السجن إنسان فتسأله ... ما بال سجنك إلا قال مظلوم
# وقال أعرابي: [طويل]
# ولما دخلت السجن كبر أهله ... وقالوا: أبو ليلى الغداة حزين
# وفي الباب مكتوب على صفحاته ... بأنك تنزو «2» ثم سوف تلين
# ويقال: إن قولهم «تنزو وتلين» رؤي مكتوبا على باب حبس فضربه الناس مثلا.
# وقال بعض المسجونين: [متقارب]
# وبت بأحصنها منزلا ... ثقيلا على عنق السالك «3»
# وليس بضيف ولا في كرا «4» ... ولا مستعير ولا مالك
# ولست بغضب ولا كالرهون «5» ... ولا يشبه الوقف عن هالك
# ولي مسمعان فأدناهما ... يغني ويسمع في الحالك
# وأقصاهما ناظر في السما ... عمدا وأوسخ من عارك «6»
# PageV01P149
# المسمع الأول قيده والثاني صاحب الحرس، ونحو قول الآخر:
# [متقارب]
# ولي مسمعان وزمارة ... وظل مديد وحصن أمق «1»
# الزمارة الغل، وأصل الزمارة الساجور.
# قال أبو عبيدة: اختصم خالد بن صفوان «2» مع رجل إلى بلال بن أبي بردة «3»
~~، فقضى للرجل على خالد، فقام خالد وهو يقول: [طويل]
# سحابة صيف عن قليل تقشع «4»
# فقال بلال: أما إنها لا تقشع حتى يصيبك منها شؤبوب برد. وأمر به إلى
~~الحبس، فقال خالد: علام تحبسني؟ فوالله ما جنيت جناية ولا خنت خيانة.
# فقال بلال: يخبرك عن ذلك باب مصمت وأقياد ثقال وقيم يقال له حفص.
# قال الحجاج للغضبان بن القبعثري ورآه سمينا: ما أسمنك؟ قال: القيد
~~والرتعة «5» ، ومن كان في ضيافة الأمير سمن.
# PageV01P150
# كان خالد «1» بن عبد الله حبس الكميت «2» الشاعر فزارته امرأته في السجن
~~فلبس ثيابها وخرج ولم يعرف فقال: [طويل]
# ولما أحلوني بصلعاء صيلم ... بإحدى زبى ذي اللبدتين أبي الشبل «3»
# خرجت خروج القدح «4» قدح ابن مقبل «5» ... على رغم اناف النوابح والمشلي
~~«6»
# علي ثياب الغانيات وتحتها ... عزيمة مرء أشبهت سلة «7» النصل
# وكان خالد بن عبد الله حبس الفرزدق فقال: [طويل]
# وإني لأرجو خالدا أن يفكني ... ويطلق عني مقفلات الحدائد
# فإن يك قيدي رد همي فربما ... تناولت أطراف الهموم الأباعد
# وما من بلاء غير كل عشية ... وكل صباح زائر غير عائد
# يقول لي الحداد هل أنت قائم؟ ... وما أنا إلا مثل آخر قاعد
# وقال بعض الشعراء في خالد بن عبد الله القسري «8» حين حبس:
# PageV01P151
# [طويل]
# لعمري لقد أعمرتم السجن خالدا ... وأوطأتموه وطأة المتثاقل
# فإن تحبسوا القسري لا تحبسوا اسمه ... ولا تسجنوا معروفه في القبائل
# وقال بعض المسجونين: [طويل]
# أسجن وقيد واغتراب وعسرة ... وفقد حبيب! إن ذا لعظيم
# وإن امرأ تبقى مواثيق عهده ... على كل هذا، إنه لكريم
# وقال آخر مثله: [طويل]
# إلى الله أشكو إنه موضع الشكوى ... وفي يده كشف المصيبة والبلوى
# خرجنا من الدنيا ونحن من اهلها ... فلسنا من الأحياء فيها ولا الموتى
# إذا جاءنا السجان يوما لحاجة ... عجبنا وقلنا: جاء هذا من الدنيا
# وتعجبنا الرؤيا فجل حديثنا ... إذا نحن أصبحنا، الحديث عن الرؤية
# فإن حسنت لم تأت عجلى وأبطأت ... وإن قبحت لم تحتبس وأتت عجلى
# وقال يزيد «1» بن المهلب وهو في الحبس: يا لهفي على طلبة «2» بمائة ألف
~~وفرج في جبهة أسد. ودخل الفرزدق على المهلب وهو محبوس فقال:
# PageV01P152
# [منسرح]
# أصبح في قيدك السماحة وال ... جود وحمل الديات والحسب «1»
# فقال له: أتمدحني على هذه الحال؟ فقال: أصبتك رخيصا فاشتريتك «2» .
# وحبس الرشيد أبا العتاهية فكتب إليه من الحبس بأبيات منها:
# [منسرح]
# تفديك نفسي من كل ما كرهت ... نفسك إن كنت مذنبا فاغفر
# يا ليت قلبي مصور لك ما ... فيه لتستيقن الذي أضمر
# فوقع الرشيد في رقعته: لا بأس عليك. فأعاد عليه رقعة أخرى. فيها:
# [وافر]
# كأن الخلق ركب فيه روح ... له جسد وأنت عليه رأس
# أمين الله، إن الحبس بأس ... وقد وقعت «ليس عليك بأس»
# فأمر بإطلاقه.
### | الحجاب
# أبو حاتم عن العتبي عن أبيه أن عبد «3» العزيز بن زرارة الكلابي وقف
# PageV01P153
# على باب معاوية فقال: من يستأذن لي اليوم فأدخله غدا؟ وهو في شملتين،
~~فلما دخل على معاوية قال: هززت ذوائب الرحال إليك إذ لم أجد معولا إلا
~~عليك. أمتطي الليل بعد النهار وأسم المجاهل بالآثار. يقودني نحوك رجاء
~~وتسوقني إليك بلوى، والنفس مستطئة والاجتهاد عاذر. فأكرمه وقربه. فقال في
~~ذلك. [وافر]
# دخلت على معاوية بن حرب ... وذلك إذ يئست من الدخول
# وما نلت الدخول عليه حتى ... حللت محلة الرجل الذليل
# وأغضيت الجفون على قذاها ... ولم أسمع إلى قال وقيل
# فأدركت الذي أملت فيه ... بمكث والخطا زاد العجول
# وقال غير العتبي: لما دخل عبد العزيز بن زرارة على معاوية قال له:
# «إني رحلت إليك بالأمل واحتملت جفوتك بالصبر، ورأيت ببابك أقواما قدمهم
~~الحظ، وآخرين باعدهم الحرمان. وليس ينبغي للمتقدم أن يأمن ولا للمتأخر أن
~~ييأس. وأول المعرفة الاختبار فابل واختبر» وفي حجاب معاوية إياه يقول شاعر
~~مضر «1» : [سريع]
# من يأذن اليوم لعبد العزيز ... يأذن له عبد عزيز غدا
# قال أبو اليقظان: كان عبد العزيز بن زرارة فتى العرب.
# استأذن أبو سفيان على عثمان فحجبه. فقيل له: حجبك أمير المؤمنين؟
# فقال لا عدمت من قومي من إذا شاء حجبني. وحجب معاوية أبا الدرداء فقال
# PageV01P154
# أبو الدرداء: من يغش سدد السلطان يقم ويقعد ومن صادف بابا عنه مغلقا وجد
~~إلى جانبه بابا فتحا، إن دعا أجيب وإذا سأل أعطي.
# قال رجل لحاجبه: إنك عين أنظر بها وجنة «1» أستنيم إليها، وقد وليتك
~~بابي، فما تراك صانعا برعيتي؟ قال: أنظر إليهم بعينك وأحملهم على قدر
~~منازلهم عندك وأضعهم في إبطائهم عن زيارتك ولزومهم خدمتك مواضع استحقاقهم
~~وأرتبهم حيث وضعهم ترتيبك وأحسن إبلاغك عنهم وإبلاغهم عنك. قال: قد وفيت ما
~~لك وما عليك إن صدقته بفعل. وكان يقال: حاجب الرجل حارس عرضه.
# وقرأت في التاج أن أبرويز قال لحاجبه: «لا تقدمن مستغيثا ولا تضعن ذا شرف
~~بصعوبة حجاب ولا ترفعن ذا ضعة بسهولته. وضع الرجال مواضع أخطارهم، فمن كان
~~مقدما له الشرف ممن ازدرعه «2» ولم يهدمه من بعد بنائه فقدمه على شرفه
~~الأول وحسن رأيه الآخر، ومن كان له شرف مقدم فلم يصن ذلك إبلاغا به ولم
~~يزدرعه تثميرا له فألحق بآبائه مهلة سبقهم في خواصهم، وألحق به في خاصته ما
~~ألحق بنفسه. لا تأذن له إلا دبرا ولا تأذن له إلا سرارا «3» . وإذا ورد
~~عليك كتاب عامل من عمالي فلا تحبسه عني طرفة عين إلا أن أكون على حال لا
~~تستطيع الوصول إلي فيها، وإن أتاك مدع لنصيحة فاستكتبها سرا ثم أدخله بعد
~~أن تستأذن له. حتى إذا كان مني بحيث أراه فادفع إلي كتابه، فإن أحمدت قبلت
~~وإن كرهت رفضت، ولا ترفعن إلي طلبة
# PageV01P155
# طالب إن منعته بخلني وإن أعطيته ازدراني، إلا بمؤامرة مني من غير أن
~~تعلمه أنك قد أعلمتني وإن أتاك عالم يستأذن علي لعلم يزعم أنه عنده فاسأله:
~~ما علمه ذلك؟ ثم استأذن له فإن العلم كاسمه، ولا تحجبن سخطة ولا تأذنن رضا،
~~أخصص بذلك الملك ولا تخص به نفسك» .
# الهيثم قال: قال خالد بن عبد الله لحاجبه: «لا تحجبن عني أحدا إذا أخذت
~~مجلسي، فإن الوالي لا يحجب إلا عن ثلاث: عي يكره أن يطلع عليه منه، أو
~~ريبة، أو بخل فيكره أن يدخل عليه من يسأله» . ومنه أخذ ذلك محمود الوراق
~~«1» فقال: [طويل]
# إذا اعتصم الوالي بإغلاق بابه ... ورد ذوي الحاجات دون حجابه
# ظننت به إحدى ثلاث وربما ... نزعت بظن واقع بصوابه
# فقلت به مس من العي «2» ظاهر ... ففي إذنه للناس إظهار ما به
# فإن لم يكن عي اللسان فغالب ... من البخل يحمي ما له عن طلابه «3»
# فإن لم يكن هذا ولا ذا فريبة ... يصر عليها عند إغلاق بابه
# وقال بعض الشعراء: [مجزوء المديد]
# إعلمن إن كنت تعلمه ... أن عرض الملك حاجبه
# فبه تبدو محاسنه ... وبه تبدو معايبه
# وقال آخر: [سريع]
# كم من فتى تحمد أخلاقه ... وتسكن الأحرار في ذمته
# قد كثر الحاجب أعداءه ... وسلط الذم على نعمته
# PageV01P156
# حضر باب عمر بن الخطاب رضي الله عنه جماعة منهم سهيل بن عمرو وعيينة بن
~~حصن والأقرع بن حابس فخرج الآذن فقال: أين صهيب؟ أين عمار؟ أين سلمان؟
~~فتمعرت «1» وجوه القوم. فقال واحد منهم: لم تتمعر وجوهكم؟ دعوا ودعينا
~~فأسرعوا وأبطأنا، ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعد الله لهم في الجنة
~~أكثر.
# وقال بعض الشعراء: [طويل]
# سأترك هذا الباب ما دام إذنه ... على ما أرى حتى يخف قليلا
# إذا لم نجد للإذن عندك موضعا ... وجدنا إلى ترك المجيء سبيلا
# وقال آخر لحاجب: [طويل]
# سأترك بابا أنت تملك إذنه ... وإن كنت أعمى عن جميع المسالك
# فلو كنت بواب الجنان تركتها ... وحولت رحلي مسرعا نحو مالك
# وكتب أبو العتاهية إلى أحمد بن يوسف: [طويل]
# لئن عدت بعد اليوم إني لظالم ... سأصرف وجهي حيث تبغى المكارم
# متى ينجح الغادي إليك بحاجة ... ونصفك محجوب ونصفك نائم؟
# وقال آخر: [متقارب]
# ولست بمتخذ صاحبا ... يقيم على بابه حاجبا
# إذا جئت قال له: حاجة ... وإن عدت ألفيته غائبا
# ويلزم إخوانه حقه ... وليس يرى حقهم واجبا
# فلست بلاقيه حتى الممات ... إذا أنا لم ألقه راكبا
# PageV01P157
# وقال عبد الله «1» بن سعيد في حاجب الحجاج «2» وكان يحجبه دائما:
# [طويل]
# ألا رب نصح يغلق الباب دونه ... وغش إلى جنب السرير يقرب
# وقال آخر: [سريع]
# ما ضاقت الأرض على راغب ... يطلب الرزق ولا هارب
# بل ضاقت الأرض على طالب ... أصبح يشكو جفوة الحاجب
# وحجب رجل عن باب سلطان فكتب إليه: «نحن نعوذ بالله من المطامع الدنية
~~والهمم القصيرة وابتذال الحرية، فإن نفسي، والحمد لله، أبية ما سقطت وراء
~~همة ولا خذلها صبر عند نازلة ولا استرقها طمع ولا طبعت على طبع وقد رأيتك
~~وليت عرضك من لا يصونه ووصلت ببابك من يشينه وجعلت ترجمان عقلك من يكثر من
~~أعدائك وينقص من أوليائك ويسيء العبارة عنك ويوجه وفد الذم إليك ويضغن قلوب
~~إخوانك عليك إذ كان لا يعرف لشريف قدرا ولا لصديق منزلة، ويزيل المراتب عن
~~جهل بها وبدرجاتها فيحط العلي إلى مرتبة الوضيع ويرفع الدني إلى مرتبة
~~الرفيع ويحتقر الضعيف لضعفه وتنبو عينه عن ذي البذاذة «3» ويميل إلى ذي
~~اللباس والزينة ويقدم على الهوى ويقبل الرشا» .
# PageV01P158
# وقال بشار، وقيل هو لغيره: [كامل]
# تأبي خلائق خالد «1» وفعاله ... إلا تجنب كل أمر عائب
# فإذا أتيت الباب وقت غدائه ... أذن الغداء برغم أنف الحاجب
# وهذا ضد قول الآخر: [سريع]
# إذا تغدى فر بوابه ... وارتد من غير يد بابه
# ومات من شهوة ما يحتسي ... عياله طرا وأصحابه
# وقال آخر: [خفيف]
# يا أميرا على جريب «2» من الأر ... ض له تسعة من الحجاب
# قاعدا في الخراب يحجب عنه ... ما سمعنا بحاجب في خراب!
# وقال آخر «3» : [طويل]
# على أي باب أطلب الإذن بعد ما ... حجبت عن الباب الذي أنا حاجبه «4»
# وقال الطائي: [بسيط]
# يا أيها الملك النائي برؤيته ... وجوده لمراعي جوده كثب
# ليس الحجاب بمقص عنك لي أملا ... إن السماء ترجى حين تحتجب
# PageV01P159
# وقال أيضا: [كامل]
# ومحجب حاولته فوجدته ... نجما عن الركب العفاة شسوعا
# أعدمته لما عدمت نواله ... شكري فرحنا معدمين جميعا
# وقال آخر: [خفيف]
# قد أطلنا بالباب أمس القعودا ... وجفينا به جفاء شديدا
# وذممنا العبيد حتى إذا نح ... ن بلونا المولى عذرنا العبيدا
# وحجب رجل فكتب: [طويل]
# أبا جعفر، إن الولاية إن تكن ... منبلة قوما فأنت لها نبل
# فلا ترتفع عنا لشيء وليته ... كما لم يصغر عندنا شأنك العزل
# وكتب رجل من الكتاب في هذا المعنى إلى صديق له: «إن كان ذهولك «1» عنا
~~لدنيا أخضلت «2» عليك سماؤها وأرتبت بك «3» ديمها فإن أكثر ما يجري في الظن
~~بك بل في اليقين منك أنك أملك ما تكون لعنانك أن يجمح بك ولنفسك، أن تستعلي
~~عليك إذا لانت لك أكنافها وانقاد في كفك زمامها؛ لأنك لم تنل ما نلت خلسا
~~ولا خطفا، ولا عن مقدار جرف إليك غير حقك وأمال نحوك سوى نصيبك. فإن ذهبت
~~إلى أن حقك قد يحتمل في قوته وسعته أن تضم إليه الجفوة والنبوة فيتضاءل في
~~جنبه ويصغر عن كبيره فغير مدفوع عن ذلك. وايم «4» الله لولا ما بليت به
~~النفس من الظن بك وأن مكانك منها لا
# PageV01P160
# يسده غيرك لسخت عنك وذهلت عن إقبالك وإدبارك ولكان في جفائك ما يرد من
~~غرتها ويبرد من غلتها، ولكنه لما تكاملت النعمة لك تكاملت الرغبة فيك» .
# أبو حاتم عن العتبي قال: قال معاوية لحصين بن المنذر وكان يدخل عليه في
~~أخريات الناس: يا أبا ساسان، كأنه لا يحسن إذنك. فأنشأ «1» يقول:
# [طويل]
# كل خفيف الشأن يسعى مشمرا ... إذا فتح البواب بابك إصبعا
# ونحن الجلوس الماكثون رزانة ... وحلما إلى أن يفتح الباب أجمعا
# وقال بعض الشعراء في بشر بن مروان: [طويل]
# بعيد مرد العين ما رد طرفه ... حذار الغواشي «2» باب دار ولا ستر
# ولو شاء بشر كان من دون بابه ... طماطم «3» سود أو صقالبة حمر
# ولكن بشرا يسر الباب للتي ... يكون له في غبها الحمد والأجر
# وقال بشر: [طويل]
# فلا تبخلا بخل ابن قرعة إنه ... مخافة أن يرجى نداه حزين
# إذا جئته في العرف أغلق بابه ... فلم تلقه إلا وأنت كمين
# فقل لأبي يحيى متى تدرك العلا ... وفي كل معروف عليك يمين؟
# PageV01P161
# وقال ابن هرمة «1» يمدح: [كامل]
# هش إذا نزل الوفود ببابه ... سهل الحجاب مؤدب الخدام
# وإذا رأيت شقيقه وصديقه ... لم تدر أيهما أخو الأرحام
# وكتب رجل إلى بعض الملوك: [وافر]
# إذا كان الجواد له حجاب ... فما فضل الجواد على البخيل
# فكتب إليه الآخر: [وافر]
# إذا كان الجواد قليل مال ... ولم يعذر تعلل بالحجاب
# وقال عبيد الله «2» بن عكراش: [طويل]
# وإني لأرثي للكريم إذا غدا ... على طمع عند اللئيم يطالبه
# وأرثي له من مجلس عند بابه ... كمرثيتي للطرف «3» والعلج راكبه
# وكتب عبد الله بن أبي عيينة «4» إلى صديق له: [وافر]
# أتيتك زائرا لقضاء حق ... فحال الستر دونك والحجاب
# ولست بساقط في قدر قوم ... وإن كرهوا كما يقع الذباب
# PageV01P162
# أبو حاتم عن عبد الله بن مصعب الزبيري قال: كنا بباب الفضل «1» بن الربيع
~~وهم يأذنون لذوي الهيئات والشارات وأعرابي يدنو فكلما دنا طرح.
# فقام ناحية وأنشأ يقول: [بسيط]
# رأيت آذننا يعتام «2» بزتنا ... وليس للحسب الزاكي بمعتام
# ولو دعينا على الأحساب قدمني ... مجد تليد وجد «3» راجح نامي
# متى رأيت الصقور الجدل يقدمها ... خلطان من رخم قرع ومن هام؟
# دخل شريك الحارثي على معاوية فقال له معاوية: من أنت؟ فقال له:
# يا أمير المؤمنين، ما رأيت لك هفوة قبل هذه، مثلك ينكر مثلي من رعيته!
~~فقال له معاوية: إن معرفتك متفرقة، أعرف وجهك إذا حضرت في الوجوه، وأعرف
~~اسمك في الأسماء إذا ذكرت، ولا أعلم أن ذلك الاسم هو هذا الوجه، فاذكر لي
~~اسمك تجتمع معرفتك.
# إستأذن رجلان على معاوية فأذن لأحدهما وكان أشرف منزلة من الآخر، ثم أذن
~~للآخر فدخل عليه فجلس فوق صاحبه. فقال معاوية: إن الله قد ألزمنا تأديبكم
~~كما ألزمنا رعايتكم، وأنا لم نأذن له قبلك ونحن نريد أن يكون مجلسه دونك.
~~فقم لا أقام الله لك وزنا.
# دخل أبو مجلز «4» على عمر بن عبد العزيز حين أقدمه من خراسان، فلم
# PageV01P163
# يقبل عليه. فلما خرج قال له بعض من حضر المجلس. هذا أبو مجلز. فرده
~~واعتذر إليه وقال: إني لم أعرفك. قال: يا أمير المؤمنين، فهلا أنكرتني؟.
# قال أشجع «1» السلمي يذكر باب محمد بن منصور بن زياد «2» :
# [مجزوء الهزج]
# على باب ابن منصور ... علامات من البذل
# جماعات وحسب البا ... ب فضلا كثرة الأهل
# وكانت العرب تتعوذ بالله من قرع الفناء ومن قرع المراح. وقال بعض
~~الشعراء: [كامل]
# مالي أرى أبوابهم مهجورة ... وكأن بابك مجمع الأسواق
# أرجوك أم خافوك أم شاموا الحيا «3» ... بحراك «4» فانتجعوا من الآفاق
# وقال آخر: [سريع]
# يزدحم الناس على بابه ... والمشرب العذب كثير الزحام
# وقال آخر: [رجز]
# إن الندى حيث ترى الضغاطا
# يعني الزحام.
# وقال بشار: [خفيف]
# ليس يعطيك للرجاء ولا الخو ... ف ولكن يلذ طعم العطاء
# PageV01P164
# يسقط الطير حيث ينتثر الح ... ب وتغشى منازل الكرماء
# دق رجل على عمر بن عبد العزيز الباب فقال عمر: من هذا؟ قال: أنا قال عمر:
~~ما نعرف أحدا من إخواننا يسمى أنا.
# خرج شبيب بن شيبة من دار الخلافة يوما فقال له قائل: كيف رأيت الناس؟
~~فقال: رأيت الداخل راجيا ورأيت الخارج راضيا.
# قال أبو العتاهية: [متقارب]
# إذا اشتد دوني حجاب امرىء ... كفيت المؤونة حجابه
# حجب أعرابي على باب السلطان فقال: [طويل]
# أهين لهم نفسي لأكرمها بهم ... ولا يكرم النفس الذي لا يهينها «1»
# وقال جرير: [كامل]
# قوم إذا حضر الملوك وفودهم ... نتفت شواربهم على الأبواب «2»
# وقال آخر: [طويل]
# لما وردت الباب أيقنت أننا ... على الله والسلطان غير كرام «3»
# وقال أبو القمقام «4» الأسدي:
# PageV01P165
# [بسيط]
# أبلغ أبا مالك عني مغلغلة ... وفي العتاب حياة بين أقوام
# أدخلت قبلي قوما لم يكن لهم ... من قبل أن يلجوا الأبواب قدامي
# لو عد بيت وبيت كنت أكرمهم ... بيتا وأبعدهم من منزل الذام
# فقد جعلت إذا ما حاجتي نزلت ... بباب دارك أذلوها بأقوام
### | التلطف في مخاطبة السلطان وإلقاء النصيحة إليه
# العتبي قال: قال عمرو بن عتبة للوليد حين تنكر له الناس: يا أمير
~~المؤمنين، إنك تنطقني بالأنس بك وأنا أكفت ذلك بالهيبة لك. وأراك تأمن
~~أشياء أخافها عليك، أفأسكت مطيعا أم اقول مشفقا؟ فقال: كل مقبول منك، ولله
~~فينا علم غيب نحن صائرون إليه. ونعود فنقول؛ فقتل بعد أيام.
# وفي إلقاء النصيحة إليه: قرأت في كتاب للهند أن رجلا دخل على بعض ملوكهم
~~فقال له: أيها الملك، نصيحتك واجبة في الحقير الصغير بله «1» الجليل الخطير
~~ولولا الثقة بفضيلة رأيك واحتمالك ما يسوء موقعه من الأسماع والقلوب في جنب
~~صلاح العاقبة وتلافي الحادث قبل تفاقمه لكان خرقا مني أن أقول، وإن كنا إذا
~~رجعنا إلى أن بقاءنا موصول ببقائك وأنفسنا معلقة بنفسك لم أجد بدا من أداء
~~الحق إليك وإن أنت لم تسألني أو خفت ألا تقبل مني، فإنه يقال: من كتم
~~السلطان نصحه والأطباء مرضه والإخوان بثه فقد خان نفسه.
# PageV01P166
### | الخفوت في طاعته
# قال بعض الخلفاء لجرير بن يزيد: إني قد أعددتك لأمر. قال: يا أمير
~~المؤمنين، إن الله قد أعد لك مني قلبا معقودا بنصيحتك ويدا مبسوطة بطاعتك
~~وسيفا مشحوذا على عدوك فإذا شئت فقل.
# وفي مثله: قال إسحاق بن إبراهيم قال لي جعفر بن يحيى اغد علي لكذا. فقلت:
~~أنا والصبح كفرسي رهان. وفي مثله: أمر بعض الأمراء رجلا بأمر فقال له: أنا
~~أطوع لك من اليد وأذل لك من النعل. وقال آخر: أن أطوع لك من الرداء وأذل لك
~~من الحذاء.
### | التلطف في مدحه
# قال خالد بن عبد الله القسري «1» لعمر بن عبد العزيز: من كانت الخلافة
~~زانته، فإنك قد زنتها، ومن كانت شرفته فإنك قد شرفتها، فأنت كما قال
~~القائل:
# [خفيف]
# وإذا الدر زان حسن وجوه ... كان للدر حسن وجهك زينا
# فقال عمر: أعطي صاحبكم مقولا ولم يعط معقولا.
# وكتب بعض الأدباء إلى بعض الوزراء: «إن أمير المؤمنين منذ استخلصك لنفسه
~~فنظر بعينك وسمع بأذنك ونطق بلسانك وأخذ وأعطى بيدك وأورد وأصدر عن رأيك،
~~وكان تفويضه إليك بعد امتحانك وتسليطه الرأي على الهوى فيك بعد أن ميل بينك
~~وبين الذين سموا لرتبتك وجروا إلى غايتك فأسقطهم مضمارك وخفوا في ميزانك
~~ولم يزدك رفعة إلا ازددت لله تواضعا، ولا بسطا وإيناسا إلا ازددت له هيبة
~~وإجلالا، ولا تسليطا ونمكينا إلا ازددت
# PageV01P167
# عن الدنيا عزوفا، ولا تقريبا إلا ازددت من العامة قربا. ولا يخرجك فرط
~~النصح للسلطان عن النظر لرعيته، ولا إيثار حقه عن الأخذ لها بحقها عنده،
~~ولا القيام بما هو له عن تضمن ما عليه، ولا تشغلك جلائل الأمور عن التفقد
~~لصغارها، ولا الجذل بصلاحها واستقامتها عن استشعار الحذر وإمعان النظر في
~~عواقبها» .
# وفي مدحه: دخل العماني الراجز على الرشيد لينشده وعليه قلنسوة طويلة وخف
~~«1» ساذج، فقال له الرشيد: يا عماني، إياك أن تنشدني إلا وعليك عمامة عظيمة
~~الكور «2» وخفان دمالقان «3» فبكر إليه من الغد وقد تزيا بزي الأعراب ثم
~~أنشده وقبل يده وقال: يا أمير المؤمنين، قد، والله، أنشدت مروان ورأيت وجهه
~~وقبلت يده وأخذت جائزته ثم يزيد بن الوليد وإبراهيم بن الوليد ثم السفاح ثم
~~المنصور ثم المهدي. كل هؤلاء رأيت وجوههم وقبلت أيديهم وأخذت جوائزهم، إلى
~~كثير من أشباه الخلفاء وكبار الأمراء والسادة والرؤساء، والله ما رأيت فيهم
~~أبهى منظرا ولا أحسن وجها ولا أنعم كفا ولا أندى راحة منك يا أمير
~~المؤمنين. فأعظم له الجائزة على شعره وأضعف له على كلامه وأقبل عليه فبسطه
~~حتى تمنى جميع من حضر أنه قام ذلك المقام.
# وفي المديح: كتب الفضل بن سهل إلى أخيه الحسن بن سهل فقال:
# «إن الله قد جعل جدك عاليا وجعلك في كل خير مقدما وإلى غاية كل فضل سابقا
~~وصيرك، وإن نأت بك الدار، من أمير المؤمنين وكرامته قريبا، وقد جدد
# PageV01P168
# لك من البر كيت وكيت. وكذا يحوز الله لك من الدين والدنيا والعز والشرف
~~أكثره وأشرفه إن شاء الله» .
# وفي مدحه: قال الرشيد يوما لبعض الشعراء: هل أحدثت فينا شيئا؟
# فقال: يا أمير المؤمنين، المديح فيك دون قدرك والشعر فيك فوق قدري، ولكني
~~أستحسن قول العتابي «1» : [بسيط]
# ماذا يرى قائل يثني عليك وقد ... ناداك في الوحي تقديس وتطهير
# فت المدائح إلا أن ألسننا ... مستنطقات لما تخفي الضمائير
# في عترة لم تقم إلا بطاعتهم ... من الكتاب ولم تقض المشاعير
# هذي يمينك في قرباك صائلة ... وصارم من سيوف الهند مأثور
# وفي مدحه: كتب بعض الكتاب إلى بعض الأمراء: «إن من النعمة على المثني
~~عليك أنه لا يخاف الإفراط ولا يأمن التقصير ولا يحذر أن تلحقه نقيصة الكذب
~~ولا ينتهي به المدح إلى غاية إلا وجد في فضلك عونا على تجاوزها.
# ومن سعادة جدك أن الداعي لك لا يعدم كثرة المشايعين ومساعدة النية على
~~ظاهر القول» .
# وفي مثله كتب بعض الأدباء إلى الوزير: «مما يعين على شكرك كثرة المنصتين
~~له، ومما يبسط لسان مادحك أمنه من تحمل الإثم فيه وتكذيب السامعين له» .
# وفي مثل ذلك: لما عقد معاوية البيعة ليزيد قام الناس يخطبون فقال لعمرو
~~بن سعيد: قم يا أبا أمية. فقام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أما
# PageV01P169
# بعد فإن يزيد بن معاوية أمل تأملونه وأجل تأمنونه، إن استضفتم إلى حلمه
~~وسعكم، وإن احتجتم إلى رأيه أرشدكم، وإن افتقرتم إلى ذات يده أغناكم، جذع
~~قارح سوبق فسبق وموجد فمجد وقورع فخرج فهو خلف أمير المؤمنين ولا خلف منه»
~~فقال معاوية: أوسعت يا أبا أمية فاجلس.
# وفي مثل ذلك: قال رجل للحسن بن سهل: «أيها الأمير، أسكتني عن وصفك تساوي
~~أفعالك في السؤدد وحيرني فيها كثرة عددها فليس إلى ذكر جميعها سبيل، وإن
~~أردت ذكر واحدة اعترضت أختها إذ لم تكن الأولى أحق بالذكر منها، فلست أصفها
~~إلا بإظهار العجز عن صفتها» .
# وفي مثل ذلك: كتب آخر إلى محمد بن عبد الملك «إن مما يطمعني في بقاء
~~النعمة عليك، ويزيدني بصيرة في العلم بدوامها لديك أنك أخذتها بحقها
~~واستوجبتها بما فيك من أسبابها، ومن شأن الأجناس أن تتواصل وشأن الأشكال أن
~~تتقاوم، والشيء يتغلغل في معدنه ويحن إلى عنصره، فإذا صادف منبته ولز في
~~مغرسه ضرب بعرقه وسمق بفرغه وتمكن الإقامة وثبت ثبات الطبيعة» .
# وفي مثل ذلك: كتب آخر إلى بعض الوزراء: «رأيتني فيما أتعاطى من مدحك
~~كالمخبر عن ضوء النهار الباهر والقمر الزاهر الذي لا يخفى على ناظر، وأيقنت
~~أني حيث انتهى بي القول منسوب إلى العجز مقصر عن الغاية فانصرفت عن الثناء
~~عليك إلى الدعاء لك، ووكلت الإخبار عنك إلى علم الناس بك» .
# وفي مثله كتب العتابي إلى خالد بن يزيد: «أنت، أيها الأمير، وارث سلفك
~~وبقية أعلام أهل بيتك، المسدود بك ثلمهم والمجدد بك قديم شرفهم
# PageV01P170
# والمنبه بك أيام صيتهم والمنبسط بك آمالنا والصائر بك أكالنا «1»
~~والمأخوذ بك حظوظنا، فإنه لم يحمل من كنت وارثه، ولا درست آثار من كنت سالك
~~سبيله ولا امحت معاهد من خلفته في مرتبته» .
# وفي شكره: قرأت في التاج قال بعض الكتاب للملك: «الحمد لله الذي أعلقني
~~سببا من أسباب الملك ورفع خسيستي بمخاطبته وعزز ركني من الذلة به وأظهر
~~بسطتي في العامة وزين مقاومتي في المشاهدة وفقأ عني عيون الحسدة وذلل لي
~~رقاب الجبابرة وأعظم لي رغبات الرعية وجعل لي به عقبا يوطأ وخطرا يعظم
~~ومزية تحسن، والذي حقق في رجاء من كان يأملني وظاهر به قوة من كان ينصرني
~~وبسط به رغبة من كان يسترفدني، والذي أدخلني من ظلال الملك في جناح سترني،
~~وجعلني من أكنافه في كنف اتسع علي» .
# وفي شكره وتعداد نعمه: قرأت في سير العجم أن أردشير لما استوثق له أمره
~~جمع الناس وخطبهم خطبة بليغة حضهم فيها على الألفة والطاعة وحذرهم المعصية
~~وصنف الناس أربعة أصناف، فخر القوم سجدا وتكلم متكلمهم مجيبا فقال: «لا زلت
~~أيها الملك محبوا من الله بعزة النصر ودرك الأمل ودوام العافية وحسن
~~المزيد، ولا زلت تتابع لديك النعم وتسبغ عندك الكرامات والفضل حتى تبلغ
~~الغاية التي يؤمن زوالها ولا تنقطع زهرتها في دار القرار التي أعدها الله
~~لنظرائك من أهل الزلفى عنده والحظوة لديه، ولا زال ملكك وسلطانك باقيين
~~بقاء الشمس والقمر زائدين زيادة البحور والأنهار حتى تستوي أقطار الأرض
~~كلها في علوك عليها ونفاذ أمرك فيها، فقد أشرق علينا من ضياء نورك ما عمنا
~~عموم ضياء الشمس ووصل إلينا من عظيم رأفتك ما
# PageV01P171
# اتصل بأنفسنا اتصال النسم، فجمعت الأيدي بعد افتراقها والكلمة بعد
~~اختلافها وألفت بين القلوب بعد تباغضها وأذهبت الإحن والحسائك بعد استعار
~~نيرانها، وأصبح فضلك لا يدرك بوصف ولا يحد بتعداد، ثم لم ترض بما عممتنا به
~~من هذه النعم وظاهرت من هذه الأيادي حتى أحببت توطيدها والإستيثاق منها
~~وعملت لنا في دوامها كعملك في إقامتها وكفلت من ذلك ما نرجو نفعه في الخلوف
~~والأعقاب، وبلغت همتك لنا فيه حيث لا تبلغ همم الآباء للأولاد، فجزاك الله
~~الذي رضاه تحريت وفي موافقته سعيت أفضل ما التمست ونويت» .
# وفي مثله: قال خالد بن صفوان لوال دخل عليه: «قدمت فأعطيت كلا بقسطه من
~~نظرك ومجلسك وصلاتك وعدلك حتى كأنك من كل أحد أو كأنك لست من أحد» .
# وفي شكره: كتب بعض الكتاب إلى الوزير يشكر له: «من شكر لك عن درجة رفعته
~~إليها أو ثروة أفدته إياها فإن شكري إياك على مهجة أحييتها وحشاشة تبقيتها
~~ورمق أمسكت به وقمت بين التلف وبينه» .
# وفي شكره: قرأت في كتاب: «ولكل نعمة من نعم الدنيا حد تنتهي إليه ومدى
~~توقف عنده وغاية في الشكر يسمو إليها الطرف خلا هذه النعمة التي فاتت الوصف
~~وطالت الشكر وتجاوزت كل قدر وأتت من وراء كل غاية وجمعت من أمير المؤمنين
~~مننا جمة أبقت للماضين مننا وللباقين فخر الأبد وردت عنا كيد العدو وأرغمت
~~عنا أنف الحسود وبسطت لنا عزا نتداوله ثم نخلفه للأعقاب فنحن نلجأ من أمير
~~المؤمنين إلى ظل ظليل وكنف كريم وقلب عطوف ونظر رؤوف، فكيف يشكر الشاكر منا
~~وأين يبلغ اجتهاد مجتهدنا ومتى نؤدي ما يلزمنا ونقضي المفترض علينا؟ وهذا
~~كتاب أمير المؤمنين الذي لو لم
# PageV01P172
# تكن له ولآبائه الراشدين عند من مضى لنا ومن غيرنا إلا ما ورد من صنوف
~~كرامته وأياديه ولطيف ألفاظه ومخاطبته، لكان في ذلك ما يحسن الشكر ويستفرغ
~~المجهود» .
### | التلطف في مسألة العفو
# قال كسر ليوشت «1» المغني وقد قتل فهلوذ «2» حين فاقه وكان تلميذه:
# «كنت أستريح منه إليك ومنك إليه فأذهب شطر تمتعي حسدك ونغل صدرك» ثم أمر
~~أن يلقى تحت أرجل الفيلة فقال: أيها الملك، إذا قتلت أنا شطر طربك وأبطلته
~~وقتلت أنت شطره الآخر وأبطلته، أليس تكون جنايتك على طربك كجنايتي عليه؟
~~قال كسرى: دعوه، ما دله على هذا الكلام إلا ما جعل له من طول المدة.
# وفي العفو أيضا: قال رجل للمنصور: «الانتقام عدل والتجاوز فضل ونحن نعيذ
~~أمير المؤمنين بالله من أن يرضى لنفسه بأوكس النصيبين دون أن يبلغ أرفع
~~الدرجتين» .
# وفي العفو: جلس الحجاج يقتل أصحاب عبد الرحمن، فقام إليه رجل منهم فقال:
~~أيها الأمير، إن لي عليك حقا. قال: وما حقك علي؟ قال: سبك عبد الرحمن يوما
~~فرددت عنك. قال: ومن يعلم ذاك؟ فقال الرجل: أنشد الله رجلا سمع ذاك إلا شهد
~~به. فقام رجل من الأسرى فقال: قد كان ذاك أيها الأمير. فقال: خلوا عنه. ثم
~~قال للشاهد: فما منعك أن تنكر كما أنكر؟ قال:
# لقديم بغضي إياك. قال: ويخلى هذا لصدقه.
# PageV01P173
# وفي العفو: أسر معاوية يوم صفين رجلا من أصحاب علي صلوات الله عليه، فلما
~~أقيم بين يديه قال: الحمد لله الذي أمكن منك. قال: لا تقل ذاك فإنها مصيبة.
~~قال: وأية نعمة أعظم من أن يكون الله أظفرني برجل قتل في ساعة واحدة جماعة
~~من أصحابي. إضربا عنقه. فقال: اللهم أشهد أن معاوية لم يقتلني فيك ولا لأنك
~~ترضى قتلي، ولكن قتلني في الغلبة على حطام هذه الدنيا، فإن فعل فافعل به ما
~~هو أهله، وإن لم يفعل فافعل به ما أنت أهله.
# فقال: قاتلك الله! لقد سببت فأوجعت في السب ودعوت فأبلغت في الدعاء.
# خليا سبيله.
# وفي مثله. أخذ عبد الملك بن مروان سارقا فأمر بقطع يده فقال:
# [طويل]
# يدي، يا أمير المؤمنين، أعيذها ... بعفوك أن تلقى نكالا يشينها
# فلا خير في الدنيا وكانت حبيبة ... إذا ما شمالي فارقتها يمينها
# فأبى إلا قطعها، فدخلت عليه أمه فقال: يا أمير المؤمنين، واحدي وكاسبي.
~~فقال: بئس الكاسب! هذا حد من حدود الله. فقال: اجعله من الذنوب التي تستغفر
~~الله منها. فعفا عنه.
# وفي مثله: أخذ عبد الله بن علي أسيرا من أصحاب مروان فأمر بضرب عنقه فلما
~~رفع السيف ليضرب به ضرط الشامي فوقع العمود بين يدي الغلام ونفرت دابة عبد
~~الله فضحك وقال: إذهب فأنت عتيق استك. فالتفت إليه وقال: أصلح الله الأمير!
~~رأيت ضرطة قط أنجت من الموت غير هذه؟ قال:
# PageV01P174
# لا، قال هذا والله الإدبار. قال: وكيف ذاك؟ قال: ما ظنك بنا وكنا ندفع
~~الموت بأسنتنا فصرنا ندفعه اليوم بأستاهنا.
# وفي مثله: خرج النعمان «1» بن المنذر في غب سماء فمر برجل من بني يشكر
~~جالسا على غدير ماء، فقال له: أتعرف النعمان؟ قال اليشكري: أليس ابن سلمى؟
~~قال: نعم. قال: والله لربما أمررت يدي على فرجها. قال له:
# ويحك، النعمان بن المنذر! قال: قد خبرتك. فما انقضى كلامه حتى لحقته
~~الخيل وحيوه بتحية الملك. فقال له: كيف قلت؟ قال: أبيت اللعن، إنك، والله،
~~ما رأيت شيخا أكذب ولا ألأم ولا أوضع ولا أعض ببظر أمه من شيخ بين يديك.
~~فقال النعمان: دعوه، فأنشأ يقول: [مجزوء كامل]
# تعفو الملوك عن العظي ... م من الذنوب لفضلها
# ولقد تعاقب في اليسي ... ر وليس ذاك لجهلها
# إلا ليعرف فضلها ... ويخاف شدة نكلها
# وفي مثله: لما أخذ المأمون إبراهيم بن المهدي استشار أبا إسحاق والعباس
~~في قتله فأشارا به، فقال له المأمون: قد أشارا بقتلك. فقال إبراهيم: أما أن
~~يكونا قد نصحا لك في عظم الخلافة وما جرت به عادة السياسة فقد فعلا، ولكنك
~~تأبى أن تستجلب النصر إلا من حيث عودك الله.
# وكان في اعتذاره إليه أن قال: إنه وإن بلغ جرمي استحلال دمي فحلم أمير
~~المؤمنين وفضله يبلغانني عفوه ولي بعدهما شفعة الإقرار بالذنب وحق الأبوة
# PageV01P175
# بعد الأب. فقال المأمون: لو لم يكن في حق سببك حق الصفح عن جرمك لبلغك ما
~~أملت حسن تنصلك ولطف توصلك. وكان إبراهيم يقول بعد ذلك:
# والله ما عفا عني المأمون صلة لرحمي ولا محبة لاستحيائي ولا قضاء لحق
~~عمومتي، ولكن قامت له سوق في العفو فكره أن يفسدها بي. ومن أحسن ما قيل في
~~مثله قول العتابي «1» : [كامل]
# رحل الرجاء إليك مغتربا ... حشدت عليه نوائب الدهر
# ردت إليك ندامتي أملي ... وثنى إليك عنانه شكري
# وجعلت عتبك عتب موعظة ... ورجاء عفوك منتهى عذري
# وقول علي «2» بن الجهم للمتوكل: [متقارب]
# عفا الله عنك ألا حرمة ... تعوذ بعفوك أن أبعدا
# لئن جل ذنب ولم أعتمده ... لأنت أجل وأعلى يدا
# ألم تر عبدا عدا طوره ... ومولى عفا ورشيدا هدى
# ومفسد أمر تلافيته ... فعاد فأصلح ما أفسدا؟
# أقلني أقالك من لم يزل ... يقيك ويصرف عنك الردى
# وفي مثله. وجد بعض الأمراء على رجل فجفاه واطرحه حينا ثم دعا به ليسأله
~~عن شيء فرآه ناحلا شاحبا. فقال له: متى اعتللت؟ فقال: [سريع]
# ما مسني سقم ولكنني ... جفوت نفسي إذ جفاني الأمير
# فعاد له.
# PageV01P176
# وقال آخر: [طويل]
# ألا إن خير العفو عفو معجل ... وشر العقاب ما يجاز به القدر
# وكان يقال: بحسب العقوبة أن تكون على مقدار الذنب.
# وفي العفو: قال بعضهم: إن عاقبت جازيت وإن عفوت أحسنت والعفو أقرب
~~للتقوى.
# ونحوه: قال رجل لبعض الأمراء: أسألك بالذي أنت بين يديه أذل مني بين
~~يديك، وهو على عقابك أقدر منك على عقابي إلا نظرت في أمري نظر من برئي أحب
~~إليه من سقمي وبراءتي أحب إليه من جرمي.
# ونحوه قول آخر: قديم الحرمة وحديث التوبة يمحقان ما بينهما من الإساءة.
# وفي مثله: أتى الأحنف بن قيس «1» مصعب بن «2» الزبير فكلمه في قوم حبسهم،
~~فقال، أصلح الله الأمير: إن كانوا حبسوا في باطل فالحق يخرجهم، وإن كانوا
~~حبسوا في حق فالعفو يسعهم، فخلاهم.
# وفي مثله: أمر معاوية بعقوبة روح «3» بن زنباع فقال له روح: أنشدك الله،
~~يا أمير المؤمنين، أن تضع مني خسيسة أنت رفعتها أو تنقض مني مرة «4»
# PageV01P177
# أنت أبرمتها أو تشمت بي عدوا أنت وقمته «1» وإلا أتى حلمك وعفوك على جهلي
~~وإساءتي. فقال معاوية: خليا عنه. ثم أنشد: [طويل]
# إذا الله سنى عقد أمر تيسرا
# وفي مثله. أمر عمر بن عبد العزيز بعقوبة رجل قد كان نذر إن أمكنه الله
~~منه ليفعلن به وليفعلن. فقال له رجاء «2» بن حيوة: قد فعل الله ما تحب من
~~الظفر فافعل ما يحب الله من العفو.
# وفي مثله: قال ابن القرية «3» للحجاج في كلام له: أقلني عثرتي وأسغني
~~ريقي فإنه لا بد للجواد من كبوة ولا بد للسيف من نبوة ولا بد للحليم من
~~هفوة. فقال الحجاج: كلا، والله حتى أوردك جهنم. ألست القائل برستقباذ «4» :
~~تغدوا الجدي قبل أن يتعشاكم.
# وفي مثله: أمر عبد الملك بن مروان بقتل رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إنك
~~أعز ما تكون أحوج ما تكون إلى الله، فاعف له فإنك به تعان وإليه تعود.
# فخلى سبيله.
# وفي مثله. قال خالد بن عبد الله لسليمان بعد أن عذبه بما عذبه به: إن
~~القدرة تذهب الحفيظة وقد جل قدرك عن العتاب ونحن مقرون بالذنب، فإن
# PageV01P178
# تعف فأهل العفو وإن تعاقب فبما كان منا. فقال: أما حتى تأتي الشام راجلا
~~فلا عفو.
# وفي مثله: ضرب الحجاج أعناق أسارى أتي بهم، فقال رجل منهم:
# والله لئن كنا أسأنا في الذنب فما أحسنت في المكافأة. فقال الحجاج: أف
~~لهذه الجيف! أما كان فيهم أحد يحسن مثل هذا! وكف عن القتل.
# وفي مثله: أخذ مصعب بن الزبير رجلا من أصحاب المختار فأمر بضرب عنقه.
~~فقال: أيها الأمير، ما أقبح بك أن أقوم يوم القيامة إلى صورتك هذه الحسنة
~~ووجهك هذا الذي يستضاء به فأتعلق بأطرافك وأقول: أي رب سل مصعبا فيم قتلني.
~~قال: أطلقوه. قال: إجعل ما وهبت لي من حياتي في خفض. قال: أعطوه مائة ألف.
~~قال: بأبي أنت وأمي، أشهد الله أن لابن قيس «1» الرقيات منها خمسين ألفا.
~~قال: ولم؟ قال: لقوله فيك: [خفيف]
# إنما مصعب شهاب من الل ... ه تجلت عن وجهه الظلماء
# ملكه ملك رحمة ليس فيه ... جبروت يخشى ولا كبرياء
# تتقي الله في الأمور وقد أفل ... لح من كان همه الإتقاء
# فضحك مصعب، وقال: أرى فيك موضعا للصنيعة، وأمره بلزومه وأحسن إليه فلم
~~يزل معه حتى قتل.
# وفي مثله: قال عبد الله «2» بن الحجاج الثعلبي لعبد الملك بن مروان:
# PageV01P179
# هربت إليك من العراق. قال: كذبت، ليس إلينا هربت، ولكنك هربت من دم
~~الحسين وخفت على دمك فلجأت إلينا. ثم جاء يوما آخر فقال: [كامل]
# أدنوا لترحمني وترتق «1» خلتي ... وأراك تدفعني فأين المدفع؟
# ونحوه قول الآخر: [خفيف]
# كنت من كربتي أفر إليهم ... فهمو كربتي فأين الفرار «2» ؟
# وفي مثله: قنع الحجاج رجلا في مجلسه ثلاثين سوطا وهو في ذلك يقول: [طويل]
# وليس بتعزير الأمير خزاية ... علي إذا ما كنت غير مريب «3»
# ونحوه: [طويل]
# وإن أمير المؤمنين وفعله ... لكالدهر، لا عار بما فعل الدهر
# وفي مثله: مر الحسن البصري برجل يقاد منه. فقال للولي: يا عبد الله، إنك
~~لا تدري لعل هذا قتل وليك وهو لا يريد قتله، وأنت تقتله متعمدا، فانظر
~~لنفسك. قال: قد تركته لله.
# وفي مثله: حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن عيسى بن عمر قال:
# رمي الحجاج فقال: أنظروا من هذا؟ فأومأ رجل بيده ليرمي. فأخذ فأدخل عليه
~~وقد ذهبت روحه. قال عيسى بصوت ضعيف يحكي الحجاج: أنت الرامينا منذ الليلة؟
~~قال: نعم أيها الأمير. قال، ما حملك على ذلك؟ قال:
# PageV01P180
# الغي، والله، واللؤم. قال: خلوا عنه. وكان إذا صدق انكسر.
# وفي مثله: حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن عثمان الشحام قال: أتي الحجاج
~~بالشعبي فقال له: أخرجت علينا يا شعبي؟ قال: أجدب بنا الجناب وأحزن بنا
~~المنزل واستحلسنا الخوف واكتحلنا السهر وأصابتنا خزية لم نكن فيها بررة
~~أتقياء ولا فجرة أقوياء. فقال الحجاج: لله أبوك. ثم أرسله.
# وفي مثله: أتي موسى بن المهدي برجل كان قد حبسه فجعل يقرعه بذنوبه، فقال
~~الرجل: يا أمير المؤمنين، إعتذاري مما تقرعني به رد عليك وإقراري بما تعتده
~~علي يلزمني ذنبا لم أجنه، ولكني أقول: [طويل]
# فإن كنت ترجو بالعقوبة راحة ... فلا تزهدن عند المعافاة في الأجر
# وفي مثله: قال الحسن بن سهل لنعيم بن حازم وقد اعتذر إليه من ذنب عظمه:
~~على رسلك أيها الرجل، تقدمت لك طاعة وتأخرت لك توبة، وليس لذنب بينهما
~~مكان، وما ذنبك في الذنوب بأعظم من عفو أمير المؤمنين في العفو.
# وفي الدعاء له: قال رجل لبعض الأمراء: «إني لو كنت أعرف كلاما يجوز ألقى
~~به الأمير غير ما جرى على ألسن الناس، لأحببت أن أبلغ ذلك فيما أدعو به له
~~وأعظم من أمره، غير أن أسأل الله الذي لا يخفى عليه ما تحتجب به الغيوب من
~~نيات القلوب أن يجعل ما يطلع عليه مما تبلغه نيتي في إرادته للأمير أدنى ما
~~يؤتيه إياه من عطاياه ومواهبه» .
# وفي الدعاء له: قرأت في كتاب رجل من الكتاب «لا زالت أيامك ممدودة بين
~~أمل لك تبلغه وأمل فيك تحققه حتى تتملى من الأعمار أطولها وترقى من الدرجات
~~أفضلها» .
# PageV01P181
# وفي الدعاء: دخل محمد بن عبد الملك «1» بن صالح على المأمون حين قبضت
~~ضياعه فقال: السلام عليك أمير المؤمنين. محمد بن عبد الملك سليل نعمتك وابن
~~دولتك وغصن من أغصان دوحتك، أتأذن له في الكلام؟ قال:
# نعم. فتكلم بعد حمد الله والثناء عليه. فقال: «نستمتع الله لحياطة ديننا
~~ودنيانا ورعاية أدنانا وأقصانا ببقائك يا أمير المؤمنين ونسأله أن يزيد في
~~عمرك من أعمارنا وفي أثرك من آثارنا ويقيك الأذى بأسماعنا وأبصارنا. هذا
~~مقام العائذ بظلك الهارب إلى كنفك وفضلك الفقير إلى رحمتك وعدلك» ثم تكلم
~~في حاجته.
# وفي شكر السلطان وفي حمده: قدم رجل على سليمان بن عبد الملك في خلافته
~~فقال له: ما أقدمك علي؟ فقال: يا أمير المؤمنين، ما أقدمني عليك رغبة ولا
~~رهبة. قال: وكيف ذاك؟ قال: أما الرغبة فقد وصلت إلينا وفاضت في رحالنا
~~وتناولها الأقصى والأدنى منا، وأما الرهبة فقد أمنا بعدلك، يا أمير
~~المؤمنين، علينا وحسن سيرتك فينا من الظلم، فنحن وفد الشكر.
# وفي حمده: كتب بعض الكتاب إلى وزير: «كل مدى يبلغه القائل بفضلك والواصف
~~لأيامك والشاكر للنعمة الشاملة بك قصد أمم «2» عند الفضائل الموفورة لك
~~والمواهب المقسومة للرعية بك، فواجب على من عرف قدر النعمة بك أن يشكرها
~~وعلى من أظله عز أيامك أن يستديمه وعلى من حاطته دولتك أن يدعو الله
~~ببقائها ونمائها، فقد جمع الله بك الشتات وأصلح بها الفساد وقبض الأيدي
~~الجائرة وعطف القلوب النافرة، فأمنت سرب البريء وخفضت جأشه وأخفت سبل
~~الجاني وأخذت عليه مذاهبه ومطالعه ووقفت
# PageV01P182
# بالخاصة والعامة على قصد من السيرة أمنوا بها من العثار والكبوة» .
# وفي حضه على شكر الله، عز وجل، قال شبيب بن شيبة «1» للمهدي:
# إن الله، عز وجل، لم يرض أن يجعلك دون أحد من خلقه، فلا ترض بأن يكون أحد
~~أشكر له منك والسلام.
# تم كتاب السلطان، ويتلوه كتاب الحرب
# PageV01P183
### | كتاب الحرب
### | اداب الحرب ومكايدها
# قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة: حدثني محمد بن عبيد قال:
# حدثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن هشام والأوزاعي عن يحيى بن أبي
~~كثير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تمنوا لقاء العدو فعسى أن
~~تبتلوا بهم ولكن قولوا: اللهم اكفنا وكف عنا بأسهم، وإذا جاءوكم يعزفون
~~ويزحفون ويصيحون فعليكم الأرض جلوسا، ثم قولوا: اللهم أنت ربنا وربهم،
~~ونواصينا ونواصيهم بيدك، فإذا غشوكم فثوروا في وجوههم» .
# حدثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن سعيد بن عبد العزيز عمن
~~حدثه أن أبا الدرداء قال: أيها الناس: عمل صالح قبل الغزو فإنما تقاتلون
~~بأعمالكم.
# حدثنا القاسم بن الحسن عن الحسن بن الربيع عن ابن المبارك عن حيوة بن
~~شريح قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا بعث أمراء الجيوش أوصاهم
~~بتقوى الله العظيم، ثم قال عند عقد الألوية: بسم الله وعلى عون الله وامضوا
~~بتأييد الله بالنصر وبلزوم الحق والصبر، فقاتلوا في سبيل الله من كفر بالله
~~ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. لا تجبنوا عند اللقاء ولا تمثلوا عند
~~القدرة ولا تسرفوا عند الظهور ولا تقتلوا هرما ولا امرأة ولا وليدا.
# PageV01P185
# وتوقوا قتلهم إذا التقى الزحفان وعند حمة النهضات «1» وفي شن الغارات.
~~ولا تغلوا عند الغنائم ونزهوا الجهاد عن عرض الدنيا وابشروا بالرباح في
~~البيع الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم.
# استشار قوم أكثم «2» بن صيفي في حرب قوم أرادوهم وسألوه أن يوصيهم فقال:
~~أقلوا الخلاف على أمرائكم، واعلموا أن كثرة الصياح من الفشل والمرء يعجز لا
~~محالة. تثبتوا فإن أحزم الفريقين الركين «3» ، وربت عجلة تعقب ريثا «4» ،
~~واتزروا للحرب وادرعوا الليل فإنه أخفى للويل، ولا جماعة لمن اختلف عليه.
# وقال بعض الحكماء: قد جمع الله لنا أدب الحرب في قوله تعالى: يا أيها
~~الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون
~~وأطيعوا
# PageV01P186
# الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع
~~الصابرين
# «1» .
# حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن الأوزاعي
~~قال: قال عتبة بن ربيعة يوم بدر لأصحابه: ألا ترونهم- يعني أصحاب النبي صلى
~~الله عليه وسلم- جثيا على الركب كأنهم خرس يتلمظون تلمظ الحيات. قال:
# وسمعتهم عائشة يكبرون يوم الجمل فقالت: لا تكثروا الصياح فإن كثرة
~~التكبير عند اللقاء من الفشل.
# وذكر أبو حاتم عن العتبي عن أبي إبراهيم قال: أوصى أبو بكر رضي الله عنه
~~يزيد بن أبي سفيان حين وجهه إلى الشام فقال: يا يزيد، سر على بركة الله.
~~فإذا دخلت بلاد العدو فكن بعيدا من الحملة فإني لا آمن عليك الجولة،
~~واستظهر بالزاد وسر بالأدلاء ولا تقاتل بمجروح فإن بعضه ليس منه، واحترس من
~~البيات «2» فإن في العرب غرة، وأقلل من الكلام فإنما لك ما وعي عنك. وإذا
~~أتاك كتابي فأنفذه فإنما أعمل على حسب إنفاذه. وإذا قدمت عليك وفود العجم
~~فأنزلهم معظم عسكرك وأسبغ عليهم النفقة وامنع الناس عن محادثتهم ليخرجوا
~~جاهلين كما دخلوا جاهلين. ولا تلحن في عقوبة فإن أدناها وجع ولا تسرعن
~~إليها وأنت تكتفي بغيرها. واقبل من الناس علانيتهم وكلهم إلى الله في
~~سرائرهم. ولا تجسس عسكرك فتفضحه ولا تهمله فتفسده. وأستودعك الله الذي لا
~~تضيع ودائعه.
# PageV01P187
# قال أبو بكر لعكرمة حين وجهه إلى عمان: يا عكرمة، سر على بركة الله ولا
~~تنزل على مستأمن ولا تؤمنن على حق مسلم وأهدر الكفر بعضه ببعض وقدم النذر
~~«1» بين يديك. ومهما قلت إني فاعل فافعله ولا تجعل قولك لغوا في عقوبة ولا
~~عفو، ولا ترج إذا أمنت ولا تخافن إذا خوفت ولكن انظر متى تقول وما تقول.
~~ولا تعدن معصية بأكثر من عقوبتنا فإن فعلت أثمت وإن تركت كذبت. ولا تؤمنن
~~شريفا دون أن يكفل بأهله ولا تكفلن ضعيفا أكثر من نفسه.
# واتق الله فإذا لقيت فاصبر.
# وأوصى عبد الملك بن صالح أمير سرية إلى بلاد الروم فقال: أنت تاجر الله
~~لعباده فكن كالمضارب الكيس «2» الذي إن وجد ربحا تجر، وإلا احتفظ برأس
~~المال. ولا تطلب الغنيمة حتى تحوز السلامة. وكن من احتيالك على عدوك أشد
~~حذرا من احتيال عدوك عليك.
# وحدثني محمد بن عبيد عن ابن عيينة قال: أخبرني رجل من أهل المدينة أن
~~رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لزيد بن حارثة أو لعمرو بن العاص: «إذا
~~بعثتك في سرية فلا تتنقهم واقتطعهم فإن الله ينصر القوم بأضعفهم» .
# حدثني محمد بن عبيد عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال:
~~غزا نبي من الأنبياء أو غير نبي فقال: «لا يغزون معي رجل بنى بناء لم
~~يكمله، ولا رجل تزوج امرأة لم يبن بها، ولا رجل زرع زرعا ثم لم يحصده» .
# وذكر ابن عباس عليا فقال: ما رأيت رئيسا يوزن به، لرأيته يوم صفين
# PageV01P188
# وكأن عينيه سراجا سليط وهو يحمس أصحابه إلى أن انتهى إلي وأنا في كثف «1»
~~فقال: معشر المسلمين، إستشعروا الخشية وعنوا «2» الأصوات وتجلببوا السكينة
~~وأكملوا اللؤم وأخفوا الخوذ «3» وقلقلوا السيوف في أغمادها قبل السلة
~~والحظوا الشزر واطعنوا «4» النبر ونافحوا بالظبا وصلوا السيوف بالخطا
~~والرماح بالنبل وامشوا إلى الموت مشيا سجحا. وعليكم بهذا السواد الأعظم
~~والرواق المطنب فاضربوا ثبجه «5» فإن الشيطان راكد في كسره نافج خصييه
~~مفترش ذراعيه قد قدم للوثبة يدا وأخر للنكوص رجلا.
# ولما ولى يزيد بن معاوية سلم بن زياد خراسان قال له: إن أباك كفى أخاه
~~عظيما، وقد استكفيتك صغيرا فلا تتكلن على عذر مني فقد اتكلت على كفاية منك.
~~وإياك مني قبل أن أقول إياي منك، فإن الظن إذا أخلف فيك أخلف منك. وأنت في
~~أدنى حظك فاطلب أقصاه، وقد أتعبك أبوك فلا تريحن نفسك، وكن لنفسك تكن لك،
~~واذكر في يومك أحاديث غدك ترشد إن شاء الله.
# قال الأصمعي قالت أم جبغويه ملك طخارستان لنصر بن سيار الليثي:
# ينبغي للأمير أن تكون له ستة أشياء: وزير يثق به ويفشي إليه سره، وحصن
~~يلجأ إليه إذا فزع فينجيه- يعني فرسا- وسيف إذا نازل به الأقران لم يخف
~~خونه، وذخيرة خفيفة المحمل إذا نابته نائبة أخذها، وامرأة إذا دخل عليها
# PageV01P189
# أذهبت همه، وطباخ إذا لم يشته الطعام صنع له ما يشتهيه.
# وبلغني عن عباد بن كثير عن عقيل بن خالد عن الزهري عن عبيد الله ابن عبد
~~الله عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الأصحاب
~~أربعة وخير السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف وما غلب قوم قط يبلغون
~~اثني عشر ألفا إذا اجتمعت كلمتهم» . وقال رجل يوم حنين: لن نغلب اليوم عن
~~قلة. وكانوا اثني عشر ألفا فهزم المسلمون يومئذ وأنزل الله عز وجل: ويوم
~~حنين إذ أعجبتكم كثرتكم
# «1» الآية.
# وقالوا كان يقال: ثلاث من كن فيه كن عليه: البغي، قال الله تعالى؛ يا
~~أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم
# «2» والمكر، قال الله تعالى:
# ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله
# «3» والنكث، قال عز وجل: فمن نكث فإنما ينكث على نفسه
# «4» .
# وقرأت في كتاب للهند: لا ظفر مع بغي، ولا صحة مع نهم، ولا ثناء مع كبر،
~~ولا صداقة مع خب «5» ، ولا شرف مع سوء أدب، ولا بر مع شح، ولا اجتناب محرم
~~مع حرص، ولا محبة مع زهو، ولا ولاية حكم مع عدم فقه،
# PageV01P190
# ولا عذر مع إصرار، ولا سلامة مع ريبة، ولا راحة قلب مع حسد، ولا سؤدد مع
~~انتقام، ولا رياسة مع غرارة وعجب، ولا صواب مع ترك المشاورة، ولا ثبات ملك
~~مع تهاون وجهالة وزراء.
# خرجت خارجة بخراسان على قتيبة بن مسلم فأهمه ذلك فقيل له: ما يهمك منهم؟
~~وجه إليهم وكيع بن أبي سود فإنه يكفيكهم. فقال: لا، إن وكيعا رجل به كبر
~~يحتقر أعداءه، ومن كان هكذا قلت مبالاته بعدوه فلم يحترس منه فيجد عدوه منه
~~غرة.
# وقرأت في بعض كتب العجم أن ملكا من ملوكهم سئل: أي مكايد الحرب أحزم؟
~~فقال: إذكاء العيون واستطلاع الأخبار وإفشاء الغلبة وإظهار السرور وأمانة
~~الفرق والاحتراس من البطانة من غير إقصاء لمن يستنصح ولا استنصاح لمن يستغش
~~ولا تحويل شيء عن شيء إلا بسد ناحية من المراتب وحسن مجاملة الظنون وإشغال
~~الناس عما هم فيه من الحرب بغيره. وسئل عن وثائق الحزم في القتال فقال:
~~مخاتلة العدو عن الريف وإعداد العيون على الرصد وإعطاء المبلغين على الصدق
~~ومعاقبة المتوصلين بالكذب وألا تحرج هاربا إلى قتال ولا تضيق أمانا على
~~مستأمن ولا تشب عن أصحابك للبغية ولا تشدهنك الغنيمة عن المحاذرة.
# وقرأت في كتاب للهند: الحازم يحذر عدوه على كل حال. يحذر المواثبة إن
~~قرب، والغارة إن بعد، والكمين إن انكشف، والاستطراد إن ولى، والمكر إن رآه
~~وحيدا. ويكره القتال ما وجد بدا لأن النفقة فيه من الأنفس والنفقة في غيره
~~من المال.
# وقرأت في الآيين: قد جرت السنة في المحاربة أن يوضع من كان من الجند أعسر
~~في الميسرة ليكون لقاؤه يسرا ورميه شزرا وأن يكون اللقاء من
# PageV01P191
# الفرسان قدما وترك ذلك على حال ممايلة أو مجانبة وأن يرتاد للقلب مكانا
~~مشرفا ويلتمس وضعه فيه فإن أصحاب الميمنة والميسرة لا يقهرون ولا يغلبون
~~وإن زالتا بعض الزوال ما ثبت الماذيان «1» فإن زالت الماذيان لم ينتفع
~~بثبات الميمنة والميسرة. وإذا عي الجند فليناوش أهل الميمنة والماذيان فأما
~~الميسرة فلا يشذن منهم أحد إلا أن يبادر إليهم من العدو من يخاف بائقته
~~فيردون عاديتهم مع أن أصحاب الميمنة والماذيان لا يقدرون على لقاء من
~~يناوشهم والرجوع إلى أصحابهم عاطفين، وأصحاب الميسرة لا يقدرون على مناوشة
~~إلا مائلين ويعجزهم الرجوع عاطفين. ولا يألون صاحب الجيش على حال من الحال
~~أن يستدبر جنده عين الشمس والريح، ولا يحاربن جندا إلا على أشد الضرورة
~~وعلى حال لا يوجد معها من المحاربة بد، فإذا كان كذلك فليجهد صاحب الجيش أن
~~يدافع بالحرب إلى آخر النهار. وينبغي على كل حال أن يخلى بين المنهزمين
~~وبين الذهاب ولا يحبسوا. وإن كان الجند قد نزلوا على ماء وأراد العدو أن
~~ينالوا من الماء فليس من الرأي أن يحال بينهم وبينه لئلا يحرجوا إلى الجد
~~في محاربتهم. وإن كان العدو قد نزلوا بماء وأراد الجند غلبتهم عليه فإن وقت
~~طلب ذلك عند ري العدو من الماء وسقيهم دوابهم منه وعند حاجة الجند إليه،
~~فإن أسلس ما يكون الإنسان عن الشيء عند استغنائه عنه وأشد ما يكون طلبا
~~للشيء عند حاجته إليه. ولتسر الطلائع في قرار من الأرض ويقفوا على التلاع
~~ولا يجوزوا أرضا لم يستقصوا خبرها.
# وليكمن الكمين في الخمر «2» والأماكن الخفية. وليطرح الحسك في المواضع
# PageV01P192
# التي يتخوف فيها البيات. وليحترس صاحب الجيش من انتشار الخبر عنه فإن في
~~انتشاره فساد العسكر وانتقاضه. وإذا كان أكثر من في الجند من المقاتلة
~~مجربين ذوي حنكة وبأس فبدار العدو الجند إلى الوقعة خير للجند. وإذا كان
~~أكثرهم أغمارا ولم يكن من القتال بد فبدار الجند إلى مقاتلة العدو أفضل
~~للجند. وليس ينبغي للجند أن يقاتلوا عدوا إلا أن تكون عدتهم أربعة أضعاف
~~عدة العدو أو ثلاثة أضعافهم، فإن غزاهم عدوهم لزمهم أن يقاتلوهم بعد أن
~~يزيدوا على عدة العدو مثل نصف عدتهم. وإن توسط العدو بلادهم لزمهم أن
~~يقاتلوهم وإن كانوا أقل منهم، وينبغي أن ينتخب للكمين من الجند أهل جرأة
~~وشجاعة وتيقظ وصرامة وليس بهم أنين ولا سعال ولا عطاس ويختار لهم من الدواب
~~ما لا يصهل ولا ينهت «1» ، ويختار لكمونهم مواضع لا تغشى ولا تؤتى، قريبة
~~من الماء حتى ينالوا منه إن طال مكثهم، وأن يكون إقدامهم بعد الروية
~~والتشاور والثقة بإصابة الفرصة، ولا يخيفوا سباعا ولا طيرا ولا وحشا. وأن
~~يكون إيقاعهم كضريم الحريق، وليجتنبوا الغنائم ولينهضوا من المكمن متفرقين
~~إذا ترك العدو الحراسة وإقامة الرمايا، وإذا أونس من طلائعهم توان وتفريط
~~وإذا أمرجوا دوابهم في الرعي، وأشد ما يكون البرد في الشتاء وأشد ما يكون
~~الحر في الصيف. وأن يرفضوا ويفترقوا إذا ثاروا من مكمنهم بعد أن يستخير
~~بعضهم بعضا وأن يسرعوا الإيقاع بعدوهم ويتركوا التلبث والتلفت.
# وينبغي للمبيتين أن يفترصوا البيات إذا هبت ريح أو أونس من نهر قريب منهم
~~خرير فإنه أجدر ألا يسمع لهم حس. وأن يتوخى بالوقعة نصف الليل أو أشد ما
~~يكون إظلاما. وأن يصير جماعة من الجند وسط عسكر العدو وبقيتهم حوله، ويبدأ
~~بالوقعة من يصير منهم في الوسط ليسمع بالضجة والضوضاء من
# PageV01P193
# ذلك الموضع لا من حوله، وأن يشرد قبل الوقعة الأفره فالأفره من دوابهم
~~ويقطع أرسانها وتهمز بالرماح في أعجازها حتى تتحير وتعير ويسمع لها ضوضاء،
~~وأن يهتف هاتف ويقول: يا معشر أهل العسكر، النجاء النجاء فقد قتل قائدكم
~~فلان وقتل خلق وهرب خلق. ويقول قائل: أيها الرجل، استحيني لله. ويقول آخر:
~~العفو العفو. وآخر: أوه أوه، ونحو هذا من الكلام. وليعلم أنه إنما يحتاج في
~~البيات «1» إلى تحيير العدو وإخافته وليجتنبوا التقاط الأمتعة واستياق
~~الدواب وأخذ الغنائم. قال: وينبغي في محاصرة الحصون أن يستمال من يقدر على
~~استمالته من أهل الحصن والمدينة ليظفر منهم بخصلتين:
# إحداهما استنباط أسرارهم، والأخرى إخافتهم وإفزاعهم بهم، وأن يدس منهم من
~~يصغر شأنهم ويؤيسهم من المدد ويخبرهم أن سرهم منتشر في مكيدتهم، وأن يفاض
~~حول الحصن ويشار إليه بالأيدي كأن فيه مواضع حصينة وأخر ذليلة ومواضع ينصب
~~المجانيق «2» عليها ومواضع تهيأ العرادات «3» لها ومواضع تنقب نقبا ومواضع
~~توضع السلالم عليها ومواضع يتسور منها ومواضع يضرم النار فيها ليملأهم ذلك
~~رعبا، ويكتب على نشابة «4» : إياكم أهل الحصن والاغترار وإغفال الحراسة،
~~عليكم بحفظ الأبواب فإن الزمان خبيث وأهله أهل غدر فقد خدع أكثر أهل الحصن
~~واستميلوا، ويرمى بتلك النشابة في الحصن ثم يدس لمخاطبتهم المنطيق «5»
~~المصيب الدهي الموارب المخاتل غير المهذار ولا المغفل. وتؤخر الحرب ما أمكن
~~ذلك فإن في المحاربة جرأد منهم على من
# PageV01P194
# حاربهم ودليلا على الحيلة والمكيدة، فإن كان لا بد من المحاربة فليحاربوا
~~بأخف العدة وأيسر الآلة. وينبغي أن يغلب العدو على الأرض ذات الخمر «1»
~~والشجر والأنهار للمعسكر ومصاف الجنود ويخلى بين العدو وبين بساط الأرض
~~ودكادكها «2» .
# وفي بعض كتب العجم أن بعض الحكماء سئل عن أشد الأمور تدريبا للجنود وشحذا
~~لها، فقال: إستعادة القتال وكثرة الظفر، وأن تكون لها مواد من ورائها
~~وغنيمة فيما أمامها؛ ثم الإكرام للجيش بعد الظفر والإبلاغ بالمجتهدين بعد
~~المناصبة، والتشريف للشجاع على رؤوس الناس.
# قال المدائني: قال نصر بن سيار: كان عظماء الترك يقولون: القائد العظيم
~~ينبغي أن تكون فيه خصال من أخلاق الحيوان: شجاعة الديك، وتحنن الدجاجة،
~~وقلب الأسد، وحملة الخنزير، وروغان الثعلب، وختل الذئب. وكان يقال في صفة
~~الرجل الجامع: له وثبة الأسد، وروغان الثعلب، وختل الذئب وجمع الذرة، وبكور
~~الغراب.
# وكان يقال: أصلح الرجال للحرب المجرب الشجاع الناصح.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن أبي الأصم قال: قيل لعمرو بن معاوية
~~العقيلي وكان صاحب صوائف: بم ضبطت الصوائف؟ أي الثغور قال:
# بسمانة الظهر وكثرة الكعك والقديد «3» . وفي كتاب الآيين: ليكن أول ما
~~تحمله معك خبزا ثم خبزا. وإياك والمفارش والثياب. أبو اليقظان قال: قال
~~شبيب الخارجي: الليل يكفيك الجبان ونصف الشجاع. وكان إذا أمسى قال
# PageV01P195
# لأصحابه: أتاكم المدد، يعني الليل. وقيل لبعض الملوك: بيت عدوك. قال:
# أكره أن أجعل غلبتي سرقة.
# المدائني قال: لما اشتغل عبد الملك بمحاربة مصعب بن الزبير اجتمع وجوه
~~الروم إلى ملكهم فقالوا: قد أمكنتك الفرصة من العرب بتشاغل بعضهم ببعض،
~~فالرأي أن تغزوهم في بلادهم. فنهاهم عن ذلك وخطأ رأيهم، ودعا بكلبين فأرش
~~«1» بينهما فاقتتلا قتالا شديدا، ثم دعا بثعلب فخلاه بينهما، فلما رأى
~~الكلبان الثعلب تركا ما كانا فيه وأقبلا على الثعلب حتى قتلاه، فقال لهم
~~ملك الروم: هذا مثلنا ومثلهم. فعرفوا صدقه وحسن رأيه ورجعوا عن رأيهم.
# وأوصى بعض الحكماء ملكا فقال: لا يكن العدو الذي قد كشف لك عن عداوته
~~بأخوف عندك من الظنين الذي يستتر لك بمخاتلته، فإنه ربما تخوف الرجل السم
~~الذي هو أقتل الأشياء وقتله الماء الذي يحيي الأشياء، وربما تخوف أن يقتله
~~الملوك التي تملكه ثم قتلته العبيد التي يملكها. فلا تكن للعدو الذي تناصب
~~بأحذر منك للطعام الذي تأكل. وأنا لكل أمر أخذت منه نذيرك وإن عظم آمن مني
~~من كل أمر عريته من نذيرك وإن صغر. واعلم أن مدينتك حرز من عدوك، ولا مدينة
~~تحرز فيها من طعامك وشرابك ولباسك وطيبك، وليست من هذه الأربع واحدة إلا
~~وقد تقتل بها الملوك.
# وذكر عبد الملك بن صالح الهاشمي أن خالد بن برمك، حين فصل مع قحطبة من
~~خراسان، بينا هو على سطح بيت في قرية قد نزلاها وهم يتغدون نظر إلى الصحراء
~~فرأى أقاطيع ظباء قد أقبلت من جهة الصحارى حتى كادت تخالط العسكر، فقال
~~لقحطبة: أيها الأمير ناد في الناس: يا خيل الله اركبي،
# PageV01P196
# فإن العدو قد نهد إليك وحث، وغاية أصحابك أن يسرجوا ويلجموا قبل أن يروا
~~سرعان الخيل، فقام قحطبة مذعورا فلم ير شيئا يروعه ولم يعاين غبارا، فقال
~~لخالد: ما هذا الرأي؟ فقال خالد: أيها الأمير، لا تتشاغل بي وناد في الناس.
~~أما ترى أقاطيع الوحش قد أقبلت وفارقت مواضعها حتى خالطت الناس؟ إن وراءها
~~لجمعا كثيفا. قال: فوالله ما أسرجوا ولا ألجموا حتى رأوا ساطع الغبار
~~فسلموا، ولولا ذلك لكان الجيش قد اصطلم.
# وقال بعض الحكماء لبعض الملوك: آمرك بالتقدم والأمر ممكن، وبالإعداد لغد
~~من قبل دخولك في غد كما تعد السلاح لمن تخاف أن يقاتلك وعسى ألا يقاتلك،
~~وكما تأخذ عتاد البناء من قبل أن تصيبه السماء وأنت تدري لعلها لا تصيبه،
~~بل كما تعد الطعام لعدد الأيام وأنت لا تدري لعلك لا تأكله. وكان يقال: كل
~~شيء طلبته في وقته فقد مضى وقته.
# وقرأت في كتاب سير العجم أن فيروز بن يزدجرد بن بهرام لما ملك سار بجنوده
~~نحو خراسان ليغزو اخشنوار ملك الهياطلة ببلخ، فلما انتهى إلى بلاده اشتد
~~رعب اخشنوار منه وحذره له، فناظر أصحابه ووزراءه في أمره، فقال له رجل
~~منهم: أعطني موثقا وعهدا تطمئن إليه نفسي أن تكفيني أهلي وولدي وتحسن إليهم
~~وتخلفني فيهم، ثم اقطع يدي ورجلي وألقني على طريق فيروز حتى يمر بي هو
~~وأصحابه فأكفيك مؤونتهم وشوكتهم وأورطهم مورطا تكون فيه هلكتهم. فقال له
~~اخشنوار: وما الذي تنتفع به من سلامتنا وصلاح حالنا إذا أنت قد هلكت ولم
~~تشركنا في ذلك؟ قال: إني قد بلغت ما كنت أحب أن أبلغه من الدنيا وأنا موقن
~~بأن الموت لا بد منه وإن تأخر أياما قلائل، فأحب أن أختم عمري بأفضل ما
~~تختم به الأعمار من النصيحة لإخواني والنكاية في عدوي فيشرف بذلك عقبى
~~وأصيب سعادة ووحظوة فيما
# PageV01P197
# أمامي، ففعل به ذلك وأمر به فألقي حيث وصف له. فلما مر به فيروز سأله عن
~~أمره فأخبره أن اخشنوار فعل ذلك به وأنه احتال حتى حمل إلى ذلك الموضع
~~ليدله على عورته وغرته وقال: إني أدلك على طريق هو أقرب من هذا الذي تريدون
~~سلوكه وأخفى، فلا يشعر اخشنوار حتى تهجموا عليه فينتقم الله لي منه بكم،
~~وليس في هذا الطريق من المكروه إلا تفويز يومين ثم تفضون إلى كل ما تحبون.
~~فقبل فيروز قوله بعد أن أشار عليه وزراؤه بالاتهام له والحذر منه وبغير
~~ذلك، فخالفهم وسلك الطريق حتى انتهى بهم إلى موضع من المفازة لا صدر عنه ثم
~~بين لهم أمره فتفرقوا في المفازة يمينا وشمالا يلتسمون الماء فقتل العطش
~~أكثرهم ولم يخلص مع فيروز منهم إلا عدة يسيرة فإنهم انطلقوا معه حتى أشرفوا
~~على أعدائهم وهم مستعدون لهم فواقعهم على تلك الحالة وعلى ما بهم من الضر
~~والجهد فاستمكنوا منهم وأعظموا النكاية فيهم، ثم رغب فيروز إلى اخشنوار
~~وسأله أن يمن عليه وعلى من بقي من أصحابه على أن يجعل لهم عهد الله وميثاقه
~~ألا يغزوه أبدا فيما يستقبل من عمره وعلى أنه يحد فيما بينه وبين مملكته
~~حدا لا تجاوزه جنوده، فرضي اخشنوار بذلك وخلى سبيله وانصرف إلى مملكته،
~~فمكث فيروز برهة من دهره كئيبا ثم حمله الأنف على أن يعود لغزوه ودعا
~~أصحابه إلى ذلك فردوه عنه وقالوا: إنك قد عاهدته ونحن نتخوف عليك عاقبة
~~البغي والغدر مع ما في ذلك من العار وسوء المقالة. فقال لهم: إني إنما شرطت
~~له ألا أجوز الحجر الذي جعلته بيني وبينه فأنا آمر بالحجر ليحمل على عجلة
~~أمامنا.
# فقالوا له: أيها الملك، إن العهود والمواثيق التي يتعاطاها الناس بينهم
~~لا تحمل على ما يسر المعطي لها ولكن على ما يعلن المعطى، وإنك إنما جعلت له
~~عهد الله وميثاقه على الأمر الذي عرفه لا على أمر لم يخطر بباله. فأبى
# PageV01P198
# فيروز ومضى في غزاته حتى انتهى إلى الهياطلة وتصاف الفريقان للقتال فأرسل
~~اخشنوار إلى فيروز يسأله أن يبرز فيما بين صفيهم ليكلمه، فخرج إليه فقال له
~~اخشنوار قد ظننت أنه لم يدعك إلى غزونا إلا الأنف مما أصابك.
# ولعمري لئن كنا احتلنا لك بما رأيت، لقد كنت التمست منا أعظم منه، وما
~~ابتدأناك ببغي ولا ظلم ولا أردنا إلا دفعك عن أنفسنا وعن حريمنا، ولقد كنت
~~جديرا أن تكون، من سوء مكافأتنا بمننا عليك وعلى من معك من نقض العهد
~~والميثاق الذي وكدت على نفسك، أعظم أنفا وأشد امتعاضا مما نالك منا، فإنا
~~أطلقناكم وأنتم أسرى ومننا عليكم وأنتم مشرفون على الهلكه وحقنا دماءكم
~~وبنا قدرة على سفكها، وإنا لم نجبرك على ما شرطت لنا بل كنت أنت الراغب
~~إلينا فيه والمريد لنا عليه ففكر في ذلك وميل بين هذين الأمرين فانظر أيهما
~~أشد عارا وأقبح سماعا، إن طلب رجل أمرا فلم يتح له وسلك سبيلا فلم يظفر
~~فيها ببغيته واستمكن منه عدوه على حال جهد وضيعة منه وممن معه، فمن عليهم
~~وأطلقهم على شرط شرطوه وأمر اصطلحوا عليه فاضطر لمكروه القضاء واستحيا من
~~النكث والغدر أن يقال امرؤ نكث العهد وختر «1» الميثاق. مع أني قد ظننت أنه
~~يزيدك نجاحا ما تثق به من كثرة جنودك وما ترى من حسن عدتهم وطاعتهم لك، وما
~~أجدني أشك أنهم أو أكثرهم كارهون لما كان من شخوصك بهم عارفون بأنك قد
~~حملتهم على غير الحق ودعوتهم إلى ما يسخط الله، فهم في حربنا غير مستبصرين
~~ونياتهم في مناصحتك اليوم مدخولة، فانظر ما قدر غناء من يقاتل على مثل هذه
~~الحال، وما عسى أن تبلغ نكايته في عدوه إذا كان عارفا بأنه. إن ظفر فمع عار
~~وإن قتل
# PageV01P199
# فإلى النار، فأنا أذكرك الله الذي جعلته على نفسك كفيلا ونعمتي عليك وعلى
~~من معك بعد يأسكم من الحياة وإشفائكم على الممات، وأدعوك إلى ما فيه حظك
~~ورشدك من الوفاء بالعهد والاقتداء بآبائك الذين مضوا على ذلك في كل ما
~~أحبوه أو كرهوه، فأحمدوا عواقبه وحسن عليهم أثره، ومع ذلك إنك لست على ثقة
~~من الظفر بنا والبلوغ لنهمتك فينا وإنما تلتمس منا أمرا نلتمس منك مثله
~~وتناويء عدوا لعله يمنح النصر عليك فقد بالغت في الاحتجاج عليك وتقدمت في
~~الإعذار إليك ونحن نستظهر بالله الذي اعتززنا به ووثقنا بما جعلته لنا من
~~عهده إذا استظهرت بكثرة جنودك وازدهتك عدة أصحابك، فدونك هذه النصيحة
~~فوالله. ما كان أحد من نصحائك ببالغ لك أكثر منها ولا زائد لك عليها، ولا
~~يحرمنك منفعتها مخرجها مني فإنه لا يزري بالمنافع عند ذوي الرأي أن كانت من
~~قبل الأعداء كما لا يحبب المضار إليهم أن تكون على أيدي الأولياء. واعلم
~~أنه ليس يدعوني إلى ما تسمع من مقالتي ضعف أحسه من نفسي ولا قلة من جنودي،
~~ولكني أحببت أن أزداد حجة واستظهارا، وأزداد به من الله للنصر والمعونة
~~استيجابا ولا أؤثر على العافية والسلامة شيئا ما وجدت إليهما سبيلا، فأبى
~~فيروز إلا تعلقا بحجته في الحجر الذي جعله حدا بينه وبينه وقال: لست ممن
~~يردعه عن الأمر يهم به وعيد ولا يقتاده التهدد والترهيب، ولو كنت أرى ما
~~أطلبك غدرا مني ما كان أحد أنظر ولا أشد اتقاء مني على نفسي فلا يغرنك منا
~~الحال التي صادفتنا عليها في المرة الأولى من القلة والجهد والضعف. قال
~~اخشنوار: لا يغرنك ما تخدع به نفسك من حملك الحجر أمامك، فإن الناس لو
~~كانوا يعطون العهود على ما تصف من إسرار أمر وإعلان آخر، إذا ما كان ينبغي
~~لأحد أن يغتر بأمان ولا يثق بعهد، وإذا لما قبل الناس شيئا مما يعطونه من
~~ذلك، ولكنه وضع على العلانية وعلى نية من تعقد العهود والشروط له. فانصرفا
~~يومهما ذلك فقال فيروز لأصحابه:
# PageV01P200
# لقد كان اخشنوار حسن المحاورة. وما رأيت للفرس الذي كان تحته نظيرا في
~~الدواب فإنه لم يزل قوائمه ولم يرفع حوافره عن موضعها ولا صهل ولا أحدث
~~شيئا يقطع به المحاورة في طول ما تواقفنا. وقال اخشنوار لأصحابه: لقد واقفت
~~فيروز كما علمتم وعليه السلاح كله فلم يحرك رأسه ولم ينزع رجله من ركابه
~~ولا حنا ظهره ولا التفت يمينا ولا شمالا، ولقد توركت أنا مرارا وتمطيت على
~~فرسي وتلفت إلى من خلفي ومددت بصري أمامي وهو منتصب ساكن على حاله، ولولا
~~محاورته إياي لظننت أنه لا يبصرني. وإنما أرادا بما وصفا من ذلك أن ينتشر
~~هذان الحديثان في أهل عسكريهما فيشغلوا بالإفاضة فيهما عن النظر فيما
~~تذاكراه. فلما كان في اليوم الثاني أخرج اخشنوار الصحيفة التي كتبها لهم
~~فيروز، فرفعها على رمح لينظر إليها أهل عسكر فيروز فيعرفون غدره وبغيه
~~ويخرجون من متابعته، فانتقض عسكر فيروز واختلفوا وما لبثوا إلا يسيرا حتى
~~انهزموا وقتل منهم خلق كثير وهلك فيروز، فقال اخشنوار: لقد صدق الذي قال:
~~لا راد لما قدر، ولا أشد إحالة لمنافع الرأي من الهوى واللجاج، ولا أضيع من
~~نصيحة يمنحها من لا يوطن نفسه على قبولها والصبر على مكروهها، ولا أسرع
~~عقوبة ولا أسوأ عاقبة من البغي والغدر، ولا أجلب لعظيم العار والفضوح من
~~إفراط الفخر والأنفة.
# وقال أبو اليقظان: لما خرج شبيب «1» بن يزيد بن نعيم الخارجي بالموصل بعث
~~إليه الحجاج قائدا فقتله ثم قائدا فقتله كذلك حتى أتى على
# PageV01P201
# خمسة قواد قتلهم وهزم جيوشهم وكان أحد القواد موسى بن طلحة بن عبيد الله،
~~ثم خرج شبيب من الموصل يريد الكوفة وخرج الحجاج من البصرة يريد الكوفة فطمع
~~شبيب أن يلقى الحجاج قبل أن يصل إلى الكوفة فأقحم الحجاج خيله فدخل الكوفة
~~قبله، ومر شبيب بعتاب بن ورقاء فقتله ومر بعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث
~~فهرب منه، وقدم شبيب الكوفة وآلى ألا يبرح عنها أو يلقى الحجاج فيقتله أو
~~يقتل دونه؛ فخرج الحجاج إليه في خيله، فلما قرب منه عمد إلى سلاحه فألبسه
~~أبا الورد مولاه وحمله على الدابة التي كان عليها، فلما تواقفا قال شبيب:
~~أروني الحجاج، فأومأ له إلى أبي الورد فحمل عليه فقتله، ثم خرج من الكوفة
~~يريد الأهواز فغرق في دجيل وهو يقول: ذلك تقدير العزيز العليم
# «1» .
### | الأوقات التي تختار للسفر والحرب
# حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق عن عبد
~~الله بن أبي بكر عن الزهري قال: كان أحب الأيام إلى رسول الله صلى الله
~~عليه وسلم أن يعقد فيه رايته يوم الخميس، وكان أحب الأيام إلى رسول الله
~~صلى الله عليه وسلم أن يسافر فيه يوم الخميس.
# وقالت العجم: أخر الحرب ما استطعت فإن لم تجد بدا فاجعل ذلك آخر النهار.
# وحدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن ابن عون عن محمد
~~بن سيرين أن النعمان بن مقرن قال لأصحابه: إني لقيت مع
# PageV01P202
# رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان من أحب ما يلقى فيه إذا لم يلق في أول
~~النهار إذا زالت الشمس وحلت الصلاة وهبت الرياح ودعا المسلمون. ويروي قوم
~~عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان يكره الحجامة «1» والابتداء بعمل
~~في محاق القمر وفي حلوله في برج العقرب. وقال بعضهم: كنت مع عمر بن عبد
~~العزيز فوق سطح وهو يريد الركوب، فنظرت فإذا القمر بالدبران «2» فقلت:
# أنظر إلى القمر ما أحسن استواءه! فرفع رأسه ثم نظر فرأى منزلته فضحك،
~~وقال إنما أردت أن ننظر إلى منزلته، وإنا لا نقيم لشمس ولا لقمر ولكنا نسير
~~بالله الواحد القهار. وكان يقال: يوم السبت يوم مكر وخديعة، ويوم الأحد يوم
~~غرس وبناء، ويوم الإثنين يوم سفر وابتغاء رزق، ويوم الثلاثاء يوم حرب ودم،
~~ويوم الأربعاء يوم الأخذ والإعطاء، ويوم الخميس يوم دخول على الأمراء وطلب
~~الحوائج، ويوم الجمعة يوم خطب ونكاح.
### | الدعاء عند اللقاء
# حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا معاوية بن أبي إسحاق عن أبي رجاء قال: كان
~~النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا اشتدت حلقة البلاء وكانت الضيقة: «تضيقي
~~تفرجي» ثم يرفع يديه فيقول: «بسم الله الرحمن الرحيم لا حول ولا قوة إلا
~~بالله العلي العظيم اللهم إياك نعبد وإياك نستعين اللهم كف عنا بأس الذين
~~كفروا إنك أشد بأسا وأشد تنكيلا» فما يخفض يديه المباركتين حتى ينزل الله
~~النصر.
# وحدثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن موسى بن عقبة
# PageV01P203
# عن سالم أبي النضر مولى عمرو بن عبيد الله وكان كاتبا له، قال: كتب عبد
~~الله بن أبي أوفى حين خرج إلى الحرورية «1» أن النبي صلى الله عليه وسلم في
~~بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى مالت الشمس ثم قام في الناس فقال:
~~«لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاثبتوا
~~واصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف» ثم قال: «اللهم منزل الكتاب
~~ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم» وقال أبو النصر: وبلغنا
~~أنه دعا في مثل ذلك فقال: «اللهم أنت ربنا وربهم وهم عبيدك ونحن عبيدك
~~ونواصينا ونواصيهم بيدك فاهزمهم وانصرنا عليهم» .
# حدثني محمد بن عبيد قال: لما صاف قتيبة بن مسلم الترك وهاله أمرهم سأل عن
~~محمد بن واسع ما يصنع؟ قالوا: هو في أقصى الميمنة جانح على سية «2» قوسه
~~ينضنض «3» بإصبعه نحو السماء. فقال قتيبة: تلك الإصبع الفاردة أحب إلي من
~~مائة ألف سيف شهير وسنان طرير. فلما فتح الله عليهم قال لمحمد: ما كنت
~~تصنع؟ قال: كنت آخذ لك بمجامع الطرق.
### | الصبر وحض الناس يوم اللقاء عليه
# حدثني سهل بن محمد قال: حدثنا الأصمعي قال: كان عاصم بن الحدثان رجلا من
~~العرب عالما قديما وكان رأس الخوارج بالبصرة وربما جاءه
# PageV01P204
# الرسول منهم من الجزيرة يسأله عن بعض الأمر يختصمون فيه فمر به الفرزدق
~~فقال لابنه: أنشد أبا فراس، فأنشده: [كامل]
# وهموا إذا كسروا الجفون أكارم ... صبر وحين تحلل الأزرار
# يغشون حومان المنون وإنها ... في الله عند نفوسهم لصغار
# يمشون في الخطي «1» لا يثنيهم ... والقوم إذ ركبوا الرماح تجار
# فقال له الفرزدق: ويحك! أكتم هذا لا يسمعه النساجون فيخرجوا علينا
~~بحفوفهم «2» . فقال عاصم: يا فرزدق، هذا شاعر المؤمنين وأنت شاعر الكافرين.
# حدثنا سهل قال: حدثنا الأصمعي قال: قال سليط بن سعد: قال بسطام ابن قيس
~~لقومه: تردون على قوم آثارهم آثار نساء وأصواتهم أصوات صردان «3» ولكنهم
~~صبر على الشر. يعني بني يربوع. وفي هؤلاء يقول معاوية: لو أن النجوم تناثرت
~~لسقط قمرها في حجور بني يربوع. قال الأصمعي قلت لسليط: أكان عتيبة بن
~~الحارث ضخما؟ قال: لا، ولا من قوم ضحام. يعني بني يربوع.
# وقال عمر بن الخطاب لبني عبس: كم كنتم يوم الهباءة «4» ؟ فقال: كنا مائة
# PageV01P205
# كالذهب، لم نكثر فنتواكل ولم نقل فنذل. قال: فكيف كنتم تقهرون من ناوأكم
~~ولستم بأكثر منهم عددا ولا مالا؟ قال: كنا نصبر بعد اللقاء هنيهة.
# قال: فلذلك إذا. قيل لعنترة العبسي: كم كنتم يوم الفروق؟ «1» قال: كنا
~~مائة لم نكثر فنفشل ولم نقل فنذل. وكان يقال: النصر مع الصبر. ومن أحسن ما
~~قيل في الصبر، قول نهشل «2» بن حري بن ضمرة: [طويل]
# ويوم كأن المصطلين بحره ... وإن لم تكن نار قيام على الجمر
# صبرنا له حتى يبوخ وإنما ... تفرج أيام الكريهة بالصبر
# ومثله قول الآخر: [طويل]
# بكى صاحبي لما رأى الموت فوقنا ... مطلا كإطلال السحاب إذا اكفهر
# فقلت له لا تبك عينك إنما ... يكون غدا حسن الثناء لمن صبر
# فما أخر الإحجام يوما معجلا ... ولا عجل الإقدام ما أخر القدر
# فآسى على حال يقل بها الأسى ... وقاتل حتى استبهم الورد والصدر
# وكر حفاظا خشية العار بعد ما ... رأى الموت معروضا على منهج المكر
# وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لخالد بن الوليد حين وجهه:
# احرص على الموت توهب لك الحياة. وتقول العرب: الشجاع موقى. وقالت
~~الخنساء: [متقارب]
# نهين النفوس وهون النفو ... س يوم الكريهة أوقى لها
# PageV01P206
# وقال يزيد «1» بن المهلب: [طويل]
# تأخرت أستبقى الحياة فلم أجد ... لنفسي حياة مثل أن أتقدما
# وقال قطري «2» بن الفجاءة: [وافر]
# وقولي كلما جشأت وجاشت ... من الأبطال ويحك لا تراعي
# فإنك لو سألت حياة يوم ... سوى الأجل الذي لك لم تطاعي»
# وقال معاوية بن أبي سفيان: شجعني على علي بن أبي طالب قول عمرو «4» بن
~~الإطنابة: [وافر]
# أبت لي عفتي وأبى «5» بلائي ... وأخذي الحمد بالثمن الربيح
# وإقدامي على المكروه نفسي ... وضربي هامة البطل المشيح
# وقولي، كلما جشأت، لنفسي ... مكانك تحمدي أو تستريحي
# لأدفع عن مآثر صالحات ... وأحمي بعد عن عرض صحيح
# PageV01P207
# أبت لي أن أقضي في فعالي ... وأن أغضي على أمر قبيح
# وقال ربيعة «1» بن مقروم: [كامل]
# ودعوا نزال فكنت أول نازل ... وعلام أركبه إذا لم أنزل؟
# وكان خالد بن الوليد يسير في الصفوف يذمر «2» الناس ويقول: يا أهل
~~الإسلام، إن الصبر عز وإن الفشل عجز وإن النصر مع الصبر. وقال بعض أبطال
~~العرب: [رجز]
# إن الشواء والنشيل «3» والرغف ... والقينة الحسناء والكأس الأنف
# للضاربين الخيل والخيل قطف
# وقال أعرابي: الله يخلف ما أتلف الناس، والدهر يتلف ما جمعوا، وكم من
~~ميتة علتها طلب الحياة، وحياة سببها التعرض للموت. ومثله قول أبي بكر
~~الصديق لخالد: إحرص على الموت توهب لك الحياة.
# قدمت منهزمة الروم على هرقل وهو بأنطاكية، فدعا رجالا من عظمائهم فقال:
~~ويحكم! أخبروني ما هؤلاء الذين تقاتلونهم؟ أليسوا بشرا مثلكم؟ قالوا:
# بلى. يعني العرب. قال: فأنتم أكثر أم هم؟ قالوا: بل نحن أكثر منهم أضعافا
~~في كل موطن. قال: ويلكم! فما بالكم تنهزمون كلما لقيتموهم؟ فسكتوا، فقال
~~شيخ منهم: أنا أخبرك، أيها الملك، من أين تؤتون. قال: أخبرني.
# PageV01P208
# قال: إذا حملنا عليهم صبروا وإذا حملوا علينا صدقوا، ونحمل عليهم فنكذب
~~ويحملون علينا فلا نصبر. قال: ويلكم فما بالكم كما تصفون وهم كما تزعمون؟
~~قال الشيخ: ما كنت أراك إلا وقد علمت من أين هذا؟ قال له: من أين هو؟ قال:
~~لأن القوم يصومون بالنهار ويقومون بالليل ويوفون بالعهد ويأمرون بالمعروف
~~وينهون عن المنكر ولا يظلمون أحدا ويتناصفون بينهم، ومن أجل أنا نشرب الخمر
~~ونزني ونركب الحرام وننقض العهد ونغصب ونظلم ونأمر بما يسخط الله وننهى عما
~~يرضي الله ونفسد في الأرض. قال:
# صدقتني، والله لأخرجن من هذه القرية فما لي في صحبتكم خير وأنتم هكذا.
# قالوا: نشهدك الله، أيها الملك. تدع سورية وهي جنة الدنيا وحولك من الروم
~~عدد الحصى والتراب ونجوم السماء ولم يؤت عليهم؟.
### | ذكر الحرب
# قالت العرب: الحرب غشوم، لأنها تنال غير الجاني. وقال الكميت «1» :
~~[بسيط]
# الناس في الحرب شتى وهي مقبلة ... ويستوون إذا ما أدبر القبل
# كل بأمسيها طب مولية ... والعالمون بذي غدويها قلل
# وقال عمر بن الخطاب رحمه الله لعمرو بن معد يكرب «2» : أخبرني عن الحرب.
~~قال: مرة المذاق إذا قلصت عن ساق، من صبر فيها عرف ومن
# PageV01P209
# ضعف عنها تلف. وهي كما قال الشاعر: [كامل]
# الحرب أول ما تكون فتية ... تسعى بزينتها لكل جهول «1»
# حتى إذا استعرت وشب ضرامها ... عادت عجوزا غير ذات خليل
# شمطاء جزت رأسها وتنكرت ... مكروهة للثم والتقبيل
# كان يزيد بن عمر بن هبيرة يحب أن يضع «2» من نصر بن سيار «3» فكان لا
~~يمده بالرجال ولا يرفع ما يرد عليه من أخبار خراسان، فلما كثر ذلك على نصر
~~قال: [وافر]
# أرى خلل الرماد وميض جمر ... ويوشك أن يكون له ضرام
# فإن النار بالعودين تذكى ... وإن الحرب أولها الكلام
# فإن لم يطفها عقلاء قوم ... يكون وقودها جثث وهام
# فقلت من التعجب ليت شعري ... أأيقاظ أمية «4» أم نيام
# ونحو قوله: «الحرب أولها الكلام» قول حذيفة: إن الفتنة تلقح بالنجوى
~~وتنتج بالشكوى.
# العتبي عن أبيه قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لابنه الحسن: يا
~~بني لا تدعون أحدا إلى البراز، ولا يدعونك أحد إليه إلا أجبته فإنه بغي.
# PageV01P210
### | في العدة والسلاح
# حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن يزيد بن خصيفة عن
~~السائب بن يزيد- فيما حفظت إن شاء الله- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
~~عليه درعان يوم أحد. قيل لعباد بن الحصين وكان أشد رجال أهل البصرة: في أي
~~عدة تحب أن تلقى عدوك؟ قال: في أجل مستأخر.
# حدثني زياد بن يحيى قال: حدثنا بشر بن المفضل قال: حدثنا داود بن أبي هند
~~عن عكرمة قال: لما كانت ليلة الأحزاب قالت الجنوب للشمال:
# انطلقي بنا نمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت الشمال: إن الحرة لا
~~تسري بالليل، فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا.
# حدثني سهل بن محمد قال: حدثنا الأصمعي قال: حدثنا ابن أبي الزناد قال:
~~ضرب الزبير بن العوام يوم الخندق عثمان بن عبد الله بن المغيرة فقطه إلى
~~القربوس «1» فقالوا: ما أجود سيفك! فغضب، يريد أن العمل ليده لا لسيفه.
# وقال الوليد بن عبيد البحتري يصف سيفا: [كامل]
# ماض وإن لم تمضه يد فارس ... بطل ومصقول وإن لم يصقل
# متوقد يفري بأول ضربة ... ما أدركت ولو انها في يذبل «2»
# PageV01P211
# وقال آخر: [طويل]
# وما السيف إلا بز «1» غاد لزينة ... إذا لم يكن أمضى من السيف حامله
# رئي الجراح بن عبد الله في بعض الحروب وقد ظاهر بين درعين، فقيل له في
~~ذلك. فقال: إني لست أقي بدني وإنما أقي صبري. واشترى يزيد بن حاتم أدرعا
~~وقال: إني لم أشتر أدراعا إنما اشتريت أعمارا.
# وقال حبيب بن المهلب: ما رأيت رجلا في الحرب مستلئما إلا كان عندي رجلين،
~~ولا رأيت حاسرين إلا كانا عندي واحدا. فسمع هذا الحديث بعض أهل المعرفة
~~فقال: صدق، إن للسلاح فضيلة. أما تراهم ينادون عند الصريخ: السلاح السلاح
~~ولا ينادون: الرجال الرجال؟ قال المهلب لبنيه: يا بني، لا يقعدن أحد منكم
~~في السوق، فإن كنتم لا بد فاعلين فإلى زراد أو سراج أو وراق. وقال عمر بن
~~الخطاب رضي الله عنه لعمرو بن معد يكرب:
# أخبرني عن السلاح. قال: سل عما شئت منه. قال: الرمح؟ قال: أخوك وربما
~~خانك. قال النبل؟ قال: منايا تخطىء وتصيب. قال: الترس؟ قال: ذاك المجن
~~وعليه تدور الدوائر. قال: الدرع؟ قال: مثقلة للراجل متعبة للفارس، وإنها
~~لحصن حصين. قال: السيف؟ قال: ثم، قارعتك أمك عن الثكل. قال عمر: بل أمك.
~~قال: الحمى أضرعتني لك «2» .
# وقال الطائي «3» يصف الرماح: [بسيط]
# مثقفات سلبن الروم زرقتها ... العرب سمرتها والعاشق القضفا «4»
# PageV01P212
# وقال دعبل «1» يصف الرمح: [سريع]
# وأسمر في رأسه أزرق ... مثل لسان الحية الصادي «2»
# وقال الشاعر: [بسيط]
# تلمظ السيف من شوق إلى أنس ... فالموت يلحظ والأقدار تنتظر
# أظله منك حتف قد تجلله ... حتى يؤامر فيه رأيك القدر
# أمضى من السيف إلا عند قدرته ... وليس للسيف عفو حين يقتدر
# وقال آخر: [طويل]
# متى تلقني يعدو ببزي «3» مقلص ... كميت بهيم أو أغر محجل
# تلاق امرأ إن تلقه فبسيفه ... تعلمك الأيام ما كنت تجهل
# وقال علي رضي الله عنه: بقية السيف أبقى عددا وأكثر ولدا. وفي الحديث
~~«بقية السيف مباركة» يعني أن من نجا من ضربة السيف ينمو عدده ويكثر ولده.
~~وقال المهلب: ليس شيء أنمى من سيف. ويقال: لا مجد أسرع من مجد سيف.
# وكانت درع علي رضي الله عنه صدرا لا ظهر لها فقيل لها في ذلك فقال: إذا
~~استمكن عدوي من ظهري فلا يبق. وقال أبو الشيص «4» :
# PageV01P213
# [خفيف]
# ختلته المنون «1» بعد اختيال ... بين صفين من قنا ونصال
# في رداء من الصفيح صقيل ... وقميص من الحديد مذال «2»
# بلغ أبا الأغر أن أصحابه بالبادية قد وقع بينهم شر فبعث ابنه الأغر وقال:
~~يا بني، كن يدا لأصحابك على من قاتلهم، وإياك والسيف فإنه ظل الموت، واتق
~~الرمح فإنه رشاء «3» المنية، ولا تقرب السهام فإنها رسل لا تؤامر مرسلها.
~~قال: فبماذا أقاتل؟ قال: بما قال الشاعر: [طويل]
# جلاميد يملأن الأكف كأنها ... رؤوس رجال حلقت في المواسم
# وقال الخريمي «4» في بغداد أيام الفتنة: [منسرح]
# يا بؤس بغداد دار مملكة ... دارت على أهلها دوائرها
# أمهلها الله ثم عاقبها ... لما أحاطت بها كبائرها «5»
# رق بها الدين واستخف بذي ال ... فضل وعز الرجال فاجرها
# PageV01P214
# وصار رب الجيران فاسقهم ... وابتز أمن الدروب شاطرها
# يحرق هذا وذا يهدمها ... ويشتفي بالنهاب داعرها
# والكرخ «1» أسواقها معطلة ... يستن شذابها وعائرها
# أخرجت الحرب من أساقطهم ... آساد غيل غلبا تساورها
# من البواري «2» تراسها ومن ال ... خوص إذا استلأمت مغافرها
# لا الرزق تبغي ولا العطاء ولا ... يحشرها بالعناء حاشرها
# ونحوه قول علي «3» بن أمية: [متقارب]
# دهتنا أمور تشيب الوليد «4» ... ويخذل فيها الصديق الصديق
# فناء مبيد وذعر عتيد ... وجوع شديد وخوف وضيق
# وداعي الصباح بطول الصياح ال ... سلاح السلاح فما نستفيق
# فبالله نبلغ ما نرتجي ... وبالله ندفع ما لا نطيق
# جنى قوم من أهل اليمامة جناية فأرسل إليه السلطان جندا من بخارية «5»
~~زياد، فقال رجل من أهل البادية يذمر قومه: يا معشر العرب، ويا بني
~~المحصنات، قاتلوا عن أحسابكم ونسائكم، والله لئن ظهر هؤلاء عليكم لا يدعون
~~بها لبنة حمراء ولا نخلة خضراء إلا وضعهوها بالأرض ولاعتراكم من نشاب معهم
~~في جعاب كأنها أيور الفيلة ينزعون في قسي كأنها العتل «6» فتئط
# PageV01P215
# إحداهن أطيط الزرنوق «1» يمغط أحدهم فيها حتى يتفرق شعر إبطيه ثم يرسل
~~نشابة كأنها رشاء «2» منقطع فما بين أحدكم وبين أن تنفضخ عينه أو ينصدع
~~قلبه منزلة، فخلع قلوب القوم فطاروا رعبا.
### | آداب الفروسية
# حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن عاصم بن
~~سليمان عن أبي عثمان قال: كتب عمر رضي الله عنه: ائتزروا وارتدوا وانتعلوا
~~وألقوا الخفاف وارموا الأغراض وألقوا الركب وانزوا نزوا على الخيل وعليكم
~~بالمعدية، أو قال العربية. ودعوا التنعم وزي العجم ولا تلبسوا الحرير فإن
~~رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه إلا هكذا، ورفع إصبعيه. وقال أيضا:
~~لن تخور قوى ما كان صاحبها ينزع وينزو. يعني ينزع في القوس وينزو على الخيل
~~من غير استعانة بالركب. وقال العمري: كان عمر بن الخطاب يأخذ بيده اليمنى
~~أذنه اليمنى وبيده اليسرى أذن فرسه اليسرى ثم يجمع جراميزه «3» ويثب فكأنما
~~خلق على ظهر فرسه.
# وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم صفين: عضوا على النواجذ «4» من
~~الأضراس فإنه أنبى للسيوف عن الهام. وأقاموا رجلا بين العقابين فقال له
~~أبوه: طد رجلك وأصر إصرار الفرس واذكر أحاديث غد وإياك وذكر الله في هذا
~~الموضع فإنه من الفشل. وقال غيره: طد رجليك إذا اعتصيت بالسيف والعصا وأنت
~~مخير في رفعه ساعة المسالمة والموادعة.
# PageV01P216
# وقرأت في الآيين أن من إجادة الرمي بالنشاب في حال التعلم إمساك المتعلم
~~القوس بيده اليسرى بقوة عضده الأيسر والنشابة بيده اليمنى وقوة عضده الأيمن
~~وكفه إلى صدره وإلقاؤه ببصره إلى معلم الرمي وإجادته نصب القوس بعد أن
~~يطأطىء من سيتها «1» بعض الطأطأة وضبطه إياها بثلاث أصابع وإحناؤه السبابة
~~على الوتر، وإمساكه بثلاثة وعشرين كأنها ثلاثة وستون وضمه الثلاثة ضما
~~وتحويله ذقنه إلى منكبه الأيسر وإشرافه رأسه وإرخاؤه عنقه وميله مع القوس
~~وإقامته ظهره وإدارته عضده ومغطه القوس مترافعا ونزعه الوتر إلى أذنه ورفعه
~~بياض عينيه من غير تصريف لأسنانه وتحويل لعينه وارتعاش من جسده واستبانته
~~موضع زججة «2» النشاب.
# وقرأت في الآيين: من إجادة الضرب بالصولجان أن يضرب الكرة قدما ضرب خلسة
~~يدير فيه يده إلى أذنه ويميل صولجانه إلى أسفل من صدره ويكون ضربه متشازرا
~~مترفقا مترسلا ولا يغفل الضرب ويرسل السنان خاصة وهو الحامية لمجاز الكرة
~~إلى غاية الغرض ثم الجر للكرة من موقعها، والتوخي للضرب لها تحت محزم
~~الدابة ومن قبل لبتها «3» في رفق، وشدة المزاولة والمجاحشة على تلك الحال
~~والترك للاستعانة في ضرب الكرة بسوط والتأثير في الأرض بصولجان والكسر له
~~جهلا باستعماله أو عقر قوائم الدابة، والاحتراس من إيذاء من جرى معه في
~~ميدانه، وحسن الكف للدابة في شدة جريه، والتوقي من الصرعة والصدمة على تلك
~~الحال، والمجانبة للغضب والسب، والاحتمال والملاهاة، والتحفظ من إلقاء كرة
~~على ظهر بيت وإن كان
# PageV01P217
# ست كرين «1» بدرهم، وترك طرد النظارة والجلوس على حيطان الميدان فإن عرض
~~الميدان إنما جعل ستين ذراعا لئلا يحال ولا يصار من جلس على حائطه.
# وقال أبو مسلم صاحب الدعوة لرجاله: أشعروا قلوبكم الجرأة عليهم فإنها سبب
~~الظفر، واذكروا الضغائن فإنها تبعث على الإقدام، والزموا الطاعة فإنها حصن
~~المحارب.
### | المسير في الغزو والسفر
# حدثنا شبابة عن القاسم بن الحكم عن إسماعيل بن عياش عن معدان ابن حدير
~~الحضرمي عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال: قال رسول الله صلى
~~الله عليه وسلم: «مثل الذين يغزون من أمتي ويأخذون الجعل «2» يتقوون به على
~~عدوهم كمثل أم موسى ترضع ولدها وتأخذ أجرها» . حدثني محمد بن عبيد عن ابن
~~عيينة عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب قال: لما نزل النبي، صلى
~~الله عليه وسلم، المعرس أمر مناديا فنادى: لا تطرقوا النساء. فتعجل رجلان
~~فكلاهما وجد مع امرأته رجلا. وكانت العرب تقول: السفر ميزان القوم «3» .
# وتأمر بالمحلات وهي الدلو والفأس والسفرة والقدر والقداحة، وإنما قيل لها
~~محلات لأن المسافر بها يحل حيث شاء ولا يبالي ألا يكون بقربه أحد.
# حدثني عبد الرحمن بن الحسين عن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبه قال:
~~قال لقمان لابنه: «يا بني، إذا سافرت فلا تنم على دابتك فإن كثرة
# PageV01P218
# النوم سريع في دبرها، فإذا نزلت أرضا مكلئة فأعطها حظها من الكلأ وابدأ
~~بعلفها وسقيها قبل نفسك وإذا بعدت عليك المنازل فعليك بالدلج «1» فإن الأرض
~~تطوى بالليل. وإذا أردت النزول فلا تنزل على قارعة الطريق فإنها مأوى
~~الحيات والسباع ولكن عليك من بقاع الأرض بأحسنها لونا وألينها تربة وأكثرها
~~كلأ فانزلها، وإذا نزلت فصل ركعتين قبل أن تجلس وقل: رب أنزلني منزلا
~~مباركا وأنت خير المنزلين
# «2» . وإذا أردت قضاء حاجة فأبعد المذهب في الأرض وعليك بالسترة. وإذا
~~ارتحلت من منزل فصل ركعتين وودع الأرض التي ارتحلت عنها وسلم عليها وعلى
~~أهلها فإن لكل بقعة من الأرض أهلا من الملائكة. وإذا مررت ببقعة من الأرض
~~أو واد أو جبل فأكثر من ذكر الله فإن الجبال والبقاع ينادي بعضها بعضا: هل
~~مر بكن اليوم ذاكر لله؟ وإن استطعت ألا تطعم طعاما حتى تتصدق منه فافعل.
~~وعليك بذكر الله، جل وعز، ما دمت راكبا وبالتسبيح ما دمت صائما وبالدعاء ما
~~دمت خاليا. وإياك والسير في أول الليل وعليك بالتعريس والدلجة من نصف الليل
~~إلى آخره. وإياك ورفع الصوت في سيرك إلا بذكر الله، وسافر بسيفك وقوسك
~~وجميع سلاحك وخفك وعمامتك وإبرتك وخيوطك وتزود معك الأدوية تنتفع بها وتنفع
~~من صحبك من المرضى والزمنى «3» . وكن لأصحابك موافقا في كل شيء يقربك إلى
~~الله ويباعدك من معصيته. وأكثر التبسم في وجوههم وكن كريما على زادك بينهم
~~وإذا دعوك فأجبهم، وإذا استعانوك فأعنهم وإذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم
~~واجهد رأيك. وإذا رأيتهم يمشون فامش معهم أو يعملون فاعمل
# PageV01P219
# معهم وإن تصدقوا أو أعطوا فأعط. واسمع لمن هو أكبر منك. وإن تحيرتم في
~~طريق فانزلوا، وإن شككتم في القصد فتثبتوا وتآمروا، وإن رأيتم خيالا واحدا
~~فلا تسألوه عن طريقكم فإن الشخص الواحد في الفلاة هو الذي حيركم واحذروا
~~الشخصين أيضا إلا أن تروا ما لا أرى فإن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب وإن
~~العاقل إذا أبصر شيئا بعينيه عرف الحق بقلبه.
# علم أعرابي بنيه إتيان الغائط في السفر فقال لهم: اتبعوا الخلاء وجانبوا
~~الكلاء واعلوا الضراء «1» وأفحجوا إفحاج النعامة وامسحوا بأشملكم.
# وقال عمرو بن العاص للحسن بن علي بن أبي طالب رحمهما الله: يا أبا محمد،
~~هل تنعت الخراءة «2» ؟ فقال: نعم، تبعد المشي في الأرض الضحضح حتى تتوارى
~~من القوم، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولا تستنج بالروثة ولا العظم ولا
~~تبل في الماء الراكد.
# أراد الحسن البصري الحج، فقال له ثابت: بلغني أنك تريد الحج فأحببت أن
~~نصطحب. فقال: ويحك! دعنا نتعايش بستر الله، إني أخاف أن نصطحب فيرى بعضنا
~~من بعض ما نتماقت عليه. وفي الحديث المرفوع عن بقية عن الوضين بن عطاء عن
~~محفوظ بن علقمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه:
~~«أما إنك إن ترافق غير قومك يكن أحسن لخلقك وأحق أن يقتفى بك» .
# أتى رجل هشاما أخا ذي الرمة الشاعر فقال له: إني أريد السفر
# PageV01P220
# فأوصني. قال: صل الصلاة لوقتها فإنك مصليها لا محالة فصلها وهي تنفعك،
~~وإياك وأن تكون كلب رفقتك فإن لكل رفقة كلبا ينبح دونهم، فإن كان خيرا
~~شركوه فيه وإن كان عارا تقلده دونهم.
# حدثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن عثمان بن عطاء عن أبيه
~~قال: إذا ضلت لأحدكم ضالة فليقل: اللهم رب الضالة تهدي الضالة وترد الضالة
~~اردد علي ضالتي، اللهم لا تبلنا بهلاكها ولا تتعبنا بطلبها، ما شاء الله لا
~~حول ولا قوة إلا بالله. يا عباد الله الصالحين، ردوا علينا ضالتنا. وإذا
~~أردت أن تحمل الحمل الثقيل فقل: يا عباد الله أعينونا. وقال أبو عمرو: إذا
~~ضلت لأحدكم ضالة فليتوضأ فيحسن الوضوء ثم يصلي ركعتين ثم يتشهد ويقول: بسم
~~الله، اللهم يا هادي الضال وراد الضال، أردد علي ضالتي بعزتك وسلطانك فإنها
~~من فضلك وعطائك.
# حدثني محمد بن عبيد عن حمزة بن وعلة عن رجل من مراد يقال له أبو جعفر عن
~~محمد بن علي عن علي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا
~~علي، أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا الفلك أن يقولوا بسم الله الملك
~~الرحمن. وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات
~~مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون
# «1» بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم
# «2» .
# PageV01P221
# حدثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن محمد بن عجلان عن عمرو بن
~~شعيب قال: أراد عمر أن يغزي البحر جيشا، فكتب إليه عمرو بن العاص: يا أمير
~~المؤمنين، البحر خلق عظيم يركبه خلق ضعيف دود على عود بين غرق وبرق «1» قال
~~عمر: لا يسألني الله عن أحد حملته فيه.
# وحدثني أيضا عن معاوية عن أبي إسحاق عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد قال:
~~كان ابن عمر يقول في السفر إذا أسحر: سمع سامع بحمد الله ونعمته وحسن بلائه
~~علينا. ويقول: اللهم، صاحبنا فأفضل علينا ثلاثا، اللهم عائذ بك من النار
~~ثلاثا لا حول ولا قوة إلا بالله.
# وعن الأوزاعي عن حسان بن عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في
~~سفره حين هاجر: «الحمد لله الذي خلقني ولم أك شيئا مذكورا، اللهم أعني على
~~أهاويل الدنيا وبوائق الدهر ومصيبات الليالي والأيام واكفني شر ما يعمل
~~الظالمون في الأرض، اللهم، في سفري فاصحبني، وفي أهلي فاخلفني، وفيما
~~رزقتني فبارك ليد ولك في نفسي فذللني، وفي أعين الصالحين فعظمني، وفي خلقي
~~فقومني، وإليك رب فحببني، إلى من تكلني رب المستضعفين وأنت ربي» .
# وحدثني أيضا عن معاوية عن أبي إسحاق عن عاصم عن عبد الله بن سرجس قال:
~~كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر يقول: اللهم، إني أعوذ بك من وعثاء
~~السفر وكآبة المنقلب والحور بعد الكور ودعوة المظلوم وسوء المنظر في الأهل»
~~. وزاد غيره: «اللهم اطو لنا الأرض وهون علينا السفر» .
# وقال مطرف بن عبد الله لابنه: الحسنة بين السيئتين وخير الأمور
# PageV01P222
# أوساطها وشر السير الحقحقة. وفي الحديث «لا تحقحق فتنقطع ولا تباطأ فتسبق
~~ولكن اقصد تبلغ» والحقحقة أشد السير. وفي حديث آخر «إن المنبت لا أرضا قطع
~~ولا ظهرا أبقى» وقال المرار «1» : [وافر]
# تقطع بالنزول الأرض عنا ... وبعد الأرض يقطعه النزول
# الأصمعي قال: قيل لرجل أسرع في سيره: كيف كان مسيرك؟ قال:
# كنت آكل الوجبة وأعرس إذا أسحرت وأرتحل إذا أسفرت وأسير الوضع وأجتنب
~~الملع «2» فجئتكم لمسيء سبع. قال أبو اليقظان: من السير المذكور مسير ذكوان
~~مولى آل عمر بن الخطاب، سار من مكة إلى المدينة في يوم وليلة، فقدم على أبي
~~هريرة وهو خليفة مروان على المدينة فصلى العتمة، فقال له أبو هريرة: حاج
~~غير مقبول منه. قال له: ولم؟ قال: لأنك نفرت قبل الزوال. فأخرج كتاب مروان
~~بعد الزوال وقال: [طويل]
# ألم ترني كلفتهم سير ليلة ... من آل منى نصا إلى آل يثرب
# فأقسمت لا تنفك، ما عشت، سيرتي ... حديثا لمن وافى بجمع المحصب «3»
# ومن السير المذكور مسير حذيفة بن بدر، وكان أغار على هجائن النعمان بن
~~المنذر بن ماء السماء وسار في ليلة مسيرة ثمان، فقال قيس «4» بن
# PageV01P223
# الخطيم: [وافر]
# هممنا بالإقامة ثم سرنا ... كسير حذيفة الخير ابن بدر
# قال الشرقي بن القطامي: خرجت من الموصل أريد الرقة فصحبني فتى من أهل
~~الجزيرة وذكر أنه من ولد عمرو بن كلثوم ومعه مزود وركوة وعصا، ورأيته لا
~~يفارقها مشاة كنا أو ركبانا وهو يقول: إن الله جعل جماع أمر موسى وأعاجيبه
~~وبراهينه ومآربه في عصاه، ويكثر من هذا وأنا أضحك متهاونا بما يقول، فتخلف
~~المكاري فكان حمار الفتى إذا وقف أكرهه بالعصا ويقف حماري ولا شيء في يدي
~~فيسبقني إلى المنزل فيستريح ويريح ولا أقدر على البراح حتى يوافيني
~~المكاري، فقلت: هذه واحدة. ثم خرجنا من غد مشاة فكان إذا أعيا توكأ على
~~العصا وربما أحضر ووضع طرفا على الأرض فاعتمد عليها ومر كأنه سهم زالج حتى
~~انتهينا وقد تفسخت من الكلال وإذا فيه فضل كثير، فقلت: وهذه أخرى. فلما كان
~~في اليوم الثالث هجمنا على حية منكرة فسارت إلينا فأسلمته إليها وهربت عنها
~~فضربها بالعصا حتى قتلها، فقلت:
# هذه ثالثة، وهي أعظمهن. وخرجنا في اليوم الرابع وبنا قرم «1» إلى اللحم
~~فاعترضنا أرنب فحذفها بالعصا وأدركنا ذكاتها فقلت: هذه رابعة. فأقبلت عليه
~~فقلت: لو أن عندنا نارا ما أخرت أكلها إلى المنزل. فأخرج عويدا من مزوده ثم
~~حكه بالعصا فأورت إيراء المرخ والعفار «2» ، ثم جمع ما قدر عليه من الغثاء
~~«3» والحشيش وأوقد نارا وألقى الأرنب في جوفها فأخرجناها وقد لزق بها من
~~الرماد والتراب ما بغضها إلي فعلقها بيده اليسرى ثم ضرب جنوبها بالعصا
# PageV01P224
# وأعراضها ضربا رقيقا حتى انتثر كل شيء عليها فأكلناها وسكن القوم وطابت
~~النفس، فقلت: هذه خامسة. ثم نزلنا بعض الخانات وإذا البيوت ملآنة روثا «1»
~~وترابا فلم نجد موضعا نظل فيه فنظر إلى حديدة مطروحة في الدار فأخذها فجعل
~~العصا نصابا لها ثم قام فجرف جميع ذلك الروث والتراب وجرد الأرض حتى أظهر
~~بياضها وطابت ريحها فقلت: وهذه سادسة. ثم نزع العصا من الحديدة فأوتدها فيا
~~لحائط وعلق عليها ثيابه وثيابي فقلت: هذه سابعة. فلما صرنا إلى مفرق
~~الطريقين وأردت مفارقته قال لي: لو عدلت معي فبت عندي! فعدلت معه فأدخلني
~~منزلا يتصل ببيعة «2» فما زال يحدثني ويطرفني الليل كله فلما كان السحر أخذ
~~العصا بعينها وأخذ خشبة أخرى فقرع بها العصا فإذا ناقوس ليس في الدنيا مثله
~~وإذا هو أحذق الناس به فقلت له: ويحك! أما أنت بمسلم؟ قال: بلى. قلت: فلم
~~تضرب بالناقوس؟ قال: لأن أبي نصراني وهو شيخ كبير ضعيف فإذا شهدت بررته
~~بالكفاية. وإذا شيطان مارد وأظرف الناس وأكثرهم أدبا فخبرته بالذي أحصيت من
~~خصال العصا فقال: والله لو حدثتك عن مناقب العصا ليلة إلى الصباح ما
~~استنفدتها.
# وروى يزيد عن هشام عن الحسن عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه
~~وسلم:
# «إذا كنتم في الخصب فأمكنوا الركاب أسنتها ولا تغدوا المنازل وإذا كنتم
~~في الجدب فاستنجوا «3» وعليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل وإذا تغولت
~~لكم الغيلان فنادوا بالأذان ولا تصلوا على جواد الطرق «4» ولا تنزلوا عليها
~~فإنها
# PageV01P225
# مأوى السباع والحيات ولا تقضوا عليها الحوائج فإنها الملاعن» .
# وأراد أعرابي سفرا فقال لأمرأته: [كامل]
# عدي السنين لغيبتي وتصبري ... وذري الشهور فإنهن قصار
# فأجابته: [كامل]
# أذكر صبابتنا إليك وشوقنا ... وارحم بناتك إنهن صغار
# فأقام وترك السفر. وقال إسحاق «1» بن إبراهيم الموصلي: [وافر]
# طربت إلى الأصيبية الصغار ... وهاجك منهم قرب المزار
# وكل مسافر يزداد شوقا ... إذا دنت الديار من الديار
# وفي الحديث المرفوع قال ابن مسعود: كنا يوم بدر ثلاثة على بعير فكان علي
~~وأبو لبابة «2» زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا دارت عقبتهما
~~قالا: يا رسول الله؛ اركب ونمشي عنك. فيقول: «ما أنتما بأقوى مني وما أنا
~~بأغنى عن الأجر منكما» .
# خطب قتيبة بن مسلم على منبر خراسان فقال في خطبته: إذا غزوتم فأطيلوا
~~الأظفار وقصروا الأشعار.
# وقالت عائشة رضي الله عنها: «لا سهر إلا لثلاثة: مصل أو عروس أو مسافر.
# وقال بعض الشعراء: [وافر]
# سررت بجعفر والقرب منه ... كما سر المسافر بالإياب
# وكنت بقربه إذ حل أرضي ... أميرا بالسكينة والصواب
# PageV01P226
# كممطور ببلدته فأضحى ... غنيا عن مطالبة السحاب
# وقال آخر في معناه: [بسيط]
# وكنت فيهم كممطور ببلدته ... فسر أن جمع الأوطان والمطرا
# وقال آخر: [طويل]
# إذا نحن أبنا سالمين بأنفس ... كرام رجت أمرا فخاب رجاؤها
# فأنفسنا خير الغنيمة انها ... تؤوب وفيها ماءها وحياؤها
# وقال آخر: [وافر]
# رجعنا سالمين كما بدأنا ... وما خابت غنيمة سالمينا
# وما تدرين أي الأمر خير ... أما تهوين أم ما تكرهينا
# وقال بعض المحدثين: [خفيف]
# قبح الله آل برمك إني ... صرت من أجلهم أخا أسفار
# إن يكن ذو القرنين قد مسح الأر ... ض فإني موكل بالعيار
### | التفويز
# «1» حدثني أبي، أحسبه عن الهيثم بن عدي قال: لما كتب أبو بكر رضي الله
~~عنه إلى خالد بن الوليد يأمره بالمسير إلى الشام واليا مكان أبي عبيدة بن
~~الجراح، أخذ على السماوة «2» حتى انتهى إلى قراقر «3» ، وبين قراقر
# PageV01P227
# وسوى «1» خمس ليال في مفازة، فلم يعرف الطريق، فدل على رافع بن عميرة
~~الطائي وكان دليلا خريتا «2» فقال لخالد: خلف الأثقال واسلك هذه المفازة إن
~~كنت فاعلا؛ فكره خالد أن يخلف أحدا وقال: لا بد من أن نكون جميعا. فقال له
~~رافع: والله إن الراكب المنفرد ليخافها على نفسه وما يسلكها إلا مغرر مخاطر
~~بنفسه، فكيف أنت بمن معك؟ فقال: لا بد من ذلك. فقال الطائي لخالد:
# إبغني عشرين جزورا مسان «3» عظاما ففعل فظمأهن ثم سقاهن حتى روين ثم قطع
~~مشافرهن وكعمهن «4» لئلا تجتر، ثم قال لخالد: سر بالخيول والأثقال فكلما
~~نزلت منزلا نحرت من تلك الجزر أربعا ثم أخذت ما في بطونها من الماء فسقيته
~~الخيل وشرب الناس مما تزودوا، ففعل. فلما صار إلى آخر المفازة انقطع ذلك
~~وجهد الناس وعطشت دوابهم، فقال له خالد: ويحك، ما عندك؟
# قال: أدركت الري إن شاء الله، أنظروا هل تجدوا شجرة عوسج على ظهر الطريق؟
~~فنظروا فوجدوها فقال: إحفروا في أصلها، فحفروا فوجدوا عينا فشربوا منها
~~وتزودوا، فقال رافع: والله ما وردت هذا الماء قط إلا مرة واحدة مع أبي وأنا
~~غلام. فقال راجز المسلمين في ذلك: [رجز]
# لله در رافع أنى اهتدى ... فوز من قراقر إلى سوى «5»
# أرضا إذا سار بها الجيش بكى ... ما سارها قبلك من إنس أوى
# PageV01P228
# قال ولما مر خالد بموضع يقال له البشر طلع على قوم يشربون وبين أيديهم
~~جفنة «1» وأحدهم يتغنى: [طويل]
# ألا عللاني قبل جيش أبي بكر ... لعل منايانا قريب وما ندري
# ألا عللاني بالزجاج وكررا ... علي كميت اللون صافية تجري
# أظن خيول المسلمين وخالدا ... سيطرقكم قبل الصباح من البشر
# فهل لكم في السير قبل قتالهم ... وقبل خروج المعصرات من الخدر
# فما هو إلا أن فرغ من قوله شد عليه رجل من المسلمين بالسيف فضرب عنقه
~~فإذا رأسه في الجفنة، ثم أقبل على أهل البشر فقتل منهم وأصاب من أموالهم.
# ابن الكلبي قال: أقبل قوم من أهل اليمن يريدون النبي، صلى الله عليه
~~وسلم، فأضلوا الطريق ووقعوا على غير ماء فمكثوا ثلاثا لا يقدرون على الماء
~~فجعل الرجل منهم يستذري بفيء السمر «2» والطلح يأسا من الحياة، فبينا هم
~~كذلك أقبل راكب على بعير فأنشد بعض القوم بيتين من شعر امرىء القيس: [طويل]
# لما رأت أن الشريعة همها ... وأن البياض من فرائصها دامي
# تيممت العين التي عند ضارج ... يفيء عليها الظل عرمضها «3» طامي
# فقال الراكب: من يقول هذا؟ قالوا: امرؤ القيس. قال: والله ما كذب، هذا
~~ضارج عندكم، وأشار إليه، فجثوا على الركب فإذا ماء غدق وإذا عليه
# PageV01P229
# العرمض والظل يفيء عليه فشربوا منه ريهم وسقوا وحملوا حتى بلغوا الماء،
~~فأتوا النبي، صلى الله عليه وسلم، فأخبروه وقالوا: يا رسول الله، أحيانا
~~بيتان من شعر امرىء القيس قال: «ذاك رجل مذكور في الدنيا شريف فيها منسي في
~~الآخرة خامل فيها، يجيء يوم القيامة معه لواء الشعراء يقودهم إلى النار» .
# حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن قريب عن عمه الأصمعي عن رجل من بني سليم
~~أن رفقة ماتت من العطش بالشجي، فقال الحجاج: إني أظنهم قد دعوا الله حين
~~بلغهم الجهد فاحفروا في مكانهم الذي ماتوا فيه لعل الله يسقي الناس. فقال
~~رجل من جلسائه: أيها الأمير، قد قال الشاعر: [طويل]
# تراءت له بين اللوى وعنيزة ... وبين الشجى مما أحال على الوادي «1»
# والله ما تراءت له إلا وهي على ماء. فأمر الحجاج عبيدة السلمي أن يحفر
~~بالشجى بئرا فحفر فأنبط «2» ، ويقال: إنه لم يمت قوم قط عطشا إلا وهم على
~~ماء.
# PageV01P230
# قالت العرب: «أن ترد الماء بماء أكيس» «1» . ويقال في مثل: «برد غداة غر
~~عبدا من ظمأ» «2» .
### | في الطيرة «3» والفأل
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: هرب بعض البصريين من الطاعون فركب حمارا
~~له ومضى بأهله نحو سفوان «4» فسمع حاديا يحدو خلفه وهو يقول: [رجز]
# لن يسبق الله على حمار ... ولا على ذي ميعة «5» مطار
# أو يأتي الحتف على مقدار ... قد يصبح الله أمام الساري
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثني سعيد بن سلم بن قتيبة عن أبيه أنه
~~كان يعجب ممن يصدق بالطيرة ويعيبها أشد العيب وقال: فرقت لنا ناقة وأنا
# PageV01P231
# بالطف «1» فركبت في إثرها فلقيني هانىء بن عتبة «2» من بني وائل يركض وهو
~~يقول: [منسرح]
# والشر يلقى مطالع الأكم
# ثم لقيني رجل آخر من الحي فقال وهو للبيد «3» : [مجزوء الكامل]
# ولئن بعثت لهم بغا ... ة ما البغاة بواجدينا
# ثم دفعت إلى غلام قد وقع في صغره في نار فأحرقته فقبح وجهه وفسد، فقلت
~~له: هل ذكرت من ناقة فارق؟ قال: هنها أهل بيت من الأعراب فانظر.
# فوجدناها قد نتجت ومعها ولدها. يقال: ناقة فارق: قد ضربها الطلق، وسحابة
~~فارق: قد دنا هراقة مائها. قال المرقش «4» : [مجزوء الكامل]
# ولقد غدوت، وكنت لا ... أغدو، على واق وحاتم «5»
# فإذا الأشائم كالأيا ... من، والأيامن كالأشائم «6»
# PageV01P232
# وكذاك لا خير ولا ... شر على أحد بدائم
# وقال آخر: [طويل]
# وليس بهياب إذا شد رحله ... يقول عداني اليوم واق وحاتم
# ولكنه يمضي على ذاك مقدما ... إذا صد عن تلك الهنات الخثارم «1»
# وقال آخر: [وافر]
# تعلم أنه لا طير إلا ... على متطير وهو الثبور «2»
# بلى، شيء يوافق بعض شيء ... أحايينا وباطله كثير
# حدثني الرياشي عن الأصمعي قال: سألت ابن عون «3» عن الفأل فقال:
# هو أن تكون مريضا فتسمع: يا سالم، أو باغيا فتسمع: يا واجد. وفي الحديث
~~المرفوع «أصدق الطيرة الفأل» . وفيه «الطير تجري بقدر» .
# أراد أبو العالية أن يخرج من البصرة لعلة كانت به فسمع مناديا ينادي:
# يا متوكل، فحط رحله وأقام.
# وقال عكرمة: كنا جلوسا عند ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما فمر طائر
~~يصيح، فقال رجل من القوم: خير خير. فقال ابن عباس: لا خير ولا شر. قال كعب
~~لابن عباس: ما تقول في الطيرة قال: وما عسيت أن أقول فيها؟ لا طير إلا طير
~~الله ولا خير إلا خير الله ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة
# PageV01P233
# إلا بالله. قال كعب: إن هذه الكلمات في كتاب الله المنزل. يعني التوراة.
# حدثني محمد بن يحيى القطعي «1» قال: حدثني عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة
~~عن أبي حسان الأعرج أن رجلين دخلا على عائشة رضي الله عنها فقالا: إن أبا
~~هريرة يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما الطيرة في المرأة
~~والدار والدابة فطارت شفقا ثم قالت: كذب، والذي أنزل الفرقان على أبي
~~القاسم، من حدث بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما قال رسول الله
~~صلى الله عليه وسلم: «كان أهل الجاهلية يقولون إن الطيرة في الدابة والدار
~~والمرأة» ثم قرأت: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من
~~قبل أن نبرأها
# «2» .
# كان عبد الله «3» بن زياد صور في دهليزه كلبا وأسدا وكبشا وقال: كلب نابح
~~وكبش ناطح وأسد كالح. وأنشدني أبو حاتم عن الأصمعي: [رجز]
# يا أيها المضمر هما، لا تهم ... إنك إن تقدر لك الحمى تحم
# ولو علوت شاهقا من العلم ... كيف توقيك وقد جف القلم
# ولما أمر معاوية بقتل حجر بن عدي الكندي في ثلاثة عشر رجلا معه قال حجر:
~~دعوني أصل ركعتين، فتوضأ وأحسن الوضوء، ثم صلى وطول فقيل له: أجزعت؟ فقال:
~~ما توضأت قط إلا صليت، ولا صليت قط صلاة أخف منها. وإن أجزع فقد رأيت سيفا
~~مشهورا وكفنا منشورا وقبرا محفورا.
# PageV01P234
# فقيل له: مد عنقك، فقال: إن ذلك لدم ما كنت لأعين عليه. فقدم فضربت عنقه.
~~وكان معاوية بعث رجلا يقال له هدبة لقتلهم، وكان أعور، فنظر إليه رجل من
~~خثعم فقال: إن صدقت الطيرة قتل نصفنا، فلما قتل سبعة بعث معاوية رسولا آخر
~~بعافيتهم فلم يقتل الباقون.
# خرج كثير عزة «1» إلى مصر يريد عزة، فلقيه أعرابي من نهد فقال: يا أبا
~~صخر، أين تريد؟ فقال: أريد عزة بمصر. قال: فهل رأيت في وجهك شيئا؟
# قال: لا إلا أني رأيت غرابا ساقطا فوق بانة ينتف ريشه. فقال له: توافي
~~مصر وقد ماتت عزة. فانتهره كثير ثم مضى فوافى مصر والناس ينصرفون عن جنازة
~~عزة، فقال: [طويل]
# فما أعيف النهدي لا در دره ... وأزجره للطير لا عز ناصره
# رأيت غرابا ساقطا فوق بانة ... ينتف أعلى ريشه ويطايره
# فأما غراب فاغتراب ووحشة ... وبان فبين من حبيب تعاشره
# وهوي بعد عزة امرأة من قومه يقال لها: أم الحويرث. فخطبها فأبت وقالت: لا
~~مال لك، ولكن اخرج فاطلب فإني حابسة نفسي عليك. فخرج يريد بعض بني مخزوم،
~~فبينا هو يسير عن له ظبي فكره ذلك ومضى فإذا هو بغراب يحثوا التراب على
~~وجهه فكرهه وتطير منه، فانتهى إلى بطن من الأزد يقال لهم بنو لهب، فقال:
~~أفيكم زاجر؟ قالوا: نعم، فأرشدوه إلى شيخ منهم فأتاه فقص عليه القصة، فقال:
~~قد ماتت أو خلف عليها رجل من بني عمها.
# فلما انصرف وجدها قد تزوجت فقال:
# PageV01P235
# تيممت لهبا أطلب العلم عندهم ... وقد رد علم العائفين إلى لهب
# فقال جرى الطير السنيح ببينها ... فدونك فاهمل جد منهمر سكب
# فإلا تكن ماتت فقد حال دونها ... سواك خليل باطن من بني كعب
# حدثني أبو سفيان الغنوي قال: حدثني خالد بن يزيد الصفار قال:
# حدثنا همام بن يحيى بن قتادة عن حضرمي بن لاحق أو عن أبي سلمة أن النبي،
~~صلى الله عليه وسلم، كتب إلى امرأته: «إذا أبردتم إلي بريدا فاجعلوه حسن
~~الوجه حسن الاسم» .
# خرج عمر إلى حرة واقم «1» فلقي رجلا من جهينة فقال له: ما اسمك؟
# قال: شهاب. قال: ابن من؟ قال: ابن جمرة. قال: وممن أنت؟ قال: من الحرقة.
~~ثم قال: ممن؟ قال: من بني ضرام «2» . فقال له عمر: أدرك أهلك وما أراك
~~تدركهم إلا وقد احترقوا، فأتاهم وقد أحاطت النار بهم.
# خرج ابن عامر إلى المدينة فإذا هو في طريقه بنعامات خمس، فقال لأصحابه:
~~قولوا في هذه. فقال بشر بن حسان: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
~~قال:
# «لا عدوى ولا طيرة» ومن علم شيئا فليقله ولكني أقول: فتنة خمس سنين.
# قرأت في كتب العجم أن كسرى بعث وهرز إلى اليمن لقتال الحبشة
# PageV01P236
# فلما اصطفوا قال وهرز لغلام له: أخرج إلي من الجعبة نشابة وكان الأسوار
~~«1» يكتب على كل نشابة في جعبته، فمنها ما يكتب عليه اسم الملك، ومنها ما
~~يكتب عليه اسم نفسه، ومنها ما يكتب عليه اسم ابنه، ومنها ما يكتب عليه اسم
~~امرأته. فأدخل العبد يده فأخرج له نشابة عليها اسم امرأته فتطير وقال:
# أنت المرأة وعليك طائر السوء. ردها وهات غيرها. فردها وضرب بيده فأخرج
~~تلك النشابة بعينها ففكر وهرز في طائره ثم انتبه فقال: زنان. وزنان
~~بالفارسية: النساء. ثم قال: زن آن، فإذا ترجمتها: إضرب ذلك قال: نعم الطائر
~~هذا. ثم وضعها في كبد قوسه ثم قال: صفوا لي ملكهم، فوصفوه بياقوتة بين
~~عينيه. ثم إنه مغط في قوسه حتى إذا ملأها سرحها فأقبلت كأنها رشاء منقطع
~~حتى فضت الياقوتة فطار فضاضها ثم فلقت هامته وهزم القوم.
# وقال المعلوط «2» : [وافر]
# تنادى الطائران ببين سلمى ... على غصنين من غرب وبان
# فكان البان أن بانت سليمى ... وفي الغرب اغتراب غير داني
# أخذ معناها أبو الشيص «3» فقال: [متقارب]
# أشاقك والليل ملقي الجران «4» ... غراب ينوح على غصن بان
# أحص «5» الجناح شديد الصياح ... يبكي بعينين ما تذرفان
# PageV01P237
# وفي نعبات «1» الغراب اغتراب ... وفي البان بين بعيد التداني
# وقال الطائي: [كامل]
# أتضعضعت عبرات عينك أن دعت ... ورقاء «2» حين تضعضع الإظلام؟
# لا تنشجن «3» لها فإن بكاءها ... ضحك وإن بكاءك استغرام
# هن الحمام فإن كسرت عيافة «4» ... من حائهن فإنهن حمام
# حدثني أحمد بن الخليل قال: حدثني موسى بن مسعود عن عكرمة بن عمار عن إسحق
~~بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: جاء رجل منا إلى النبي صلى
~~الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنا نزلنا دارا فكثر فيها عددنا وكثرت
~~فيها أموالنا ثم تحولنا منها إلى أخرى فقلت فيها أموالنا وقل فيها عددنا
~~فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذروها وهي ذميمة» .
# بلغني عن ابن كناسة عن مبارك بن سعيد أخي سفيان الثوري قال:
# بلغنا أن أعرابيا أضاع ذودا له فخرج في الطلب حتى أدركه العطش، فمر
~~بأعرابي يحتلب ناقة فنشده ضالته فقال له: متى خرجت في الطلب؟ ادن مني حتى
~~أسقيك لبنا وأرشدك. قال: قبل طلوع الفجر. قال: فما سمعت؟ قال:
# عواطيس حولي: ثغاء الشاء ورغاء البعير ونباح الكلب وصياح الصبي. قال:
# عواطيس تنهاك عن الغدو. قال: فلما طلع الفجر عرض لي ذئب. قال:
# كسوب ذو ظفر. قال: فلما طلعت الشمس لقيت نعامة. قال: ذات ريش
# PageV01P238
# واسمها حسن، هل تركت في أهلك مريضا؟ قال: نعم. قال: ارجع فإنك ستجد ضالتك
~~في منزلك.
# حدثني عبد الرحمن عن حفص بن عمر الخبطي قال: حدثنا أبو زرعة يحيى بن أبي
~~عمرو السيباني عن يثيع عن كعب قال: كانت الشجرة تنبت في محراب سليمان النبي
~~صلى الله عليه وسلم وتكلمه بلسان ذلق «1» فتقول: أنا شجرة كذا وفي دواء
~~كذا. فيأمر بها سليمان فيكتب اسمها ومنفعتها وصورتها وتقطع وترفع في
~~الخزائن حتى كان آخر ما جاء منها الخروبة فقالت: أنا الخروبة. فقال سليمان:
~~الآن نعيت إلي نفسي وأذن في خراب بيت المقدس. قال الطائي يصف عمورية «2» :
~~[بسيط]
# بكر فما افترعتها كف حادثة ... ولا ترقت إليها همة النوب
# جرى لها الفأل برحا يوم أنقرة ... إذ غودرت وحشة الساحات والرحب
# لما رأت أختها بالأمس قد خربت ... كان الخراب لها أعدى من الجرب
### | مذاهب العجم في العيافة والاستدلال بها
# قرأت في الآيين: كانت العجم تقول: إذا تحولت السباع والطير الجبلية عن
~~أماكنها ومواضعها دلت بذلك على أن المشتى سيشتد ويتفاقم. وإذا نقلت
# PageV01P239
# الجرذان برا وشعيرا أو طعاما إلى رب بيت رزق الزيادة في ماله وولده، وإن
~~هي قرضت ثيابه دلت بذلك على نقص ماله وولده، فينبغي أن يقطع ذلك القرض
~~ويصلح. وإذا شبت النار شبوبا كالصخب دلت على فرح شديد، وإذا شبت شبوبا
~~كالبكاء دلت على حزن، وأما النار التي تشتعل في أسفل القدور فإنها تدل على
~~أمطار تكثر أو ضيف يحضر. وإذا فشا الموت في البقر وقع الموتان «1» في
~~البشر، وإذا فشا الموت في الخنازير عم الناس السلامة والعافية، وإذا فشا
~~الموت في السباع والوحوش أصاب الناس ضيقة، وإذا فشا الموت في الجرذان أخصب
~~الناس. وإذا أكثرت الضفادع النقيق دلت على موتان يكون. وإذا أن ديك في دار
~~فشا فيها مرض الرجال، وإذا أنت دجاجة فشا فيها مرض النساء، وإذا صرخت ديوك
~~صراخا كالبكاء فشا الموت في النساء، وإذا صرخ الدجاج مثل ذلك الصراخ فشا
~~الموت في الرجال. وإذا نعب غراب أسود فجاوبته دجاجة دل ذلك على خراب يعمر.
~~وإذا قوقت دجاجة وجاوبها غراب دل على عمران يخرب. وإذا غط الرجل الحسيب في
~~نومه بلغ سنا ورفعة، ومن نفخ في نومه أفسد ماله، ومن صرت أسنانه في نومه دل
~~ذلك منه على نميمة، وينبغي أن يضرب على فيه بخف متخرق. ومن سقطت قدامه حية
~~من حجر أصابته معرة ومضرة. وإذا رئي في الهواء دخنة وظلمة من غير علة تخوف
~~على الناس الوباء والمرض. وإذا رئي في آفاق السماء في ليلة مصحية كاختلاف
~~النيران غشي البلاد التي رئي ذلك فيها عدو، فإن رئي ذلك وفي البلاد عدو
~~انكشف عنها. وإذا نبح كلب بعد هدأة نبحة بغتة دل على أن السراق قد اجتمعوا
~~بالغارة على بعض ما في تلك الدار أو ما جاورها. وإذا صفق ديك بجناحيه ولم
~~يصرخ دل على أن الخير محتبس عن صاحبه. وإذا
# PageV01P240
# أكثر البوم الصراخ في دار برىء مريض إن كان فيها. وإذا سمع لبيت تنقض شخص
~~من فيه عنه، وإذا عوت ذئاب من جبال وجاوبتها كلاب من قرى تفاقم الأمر في
~~التحارب وسفك الدماء. وإذا عوت كلاب وجاوبتها ذئاب كان وباء وموتان جارف،
~~وإذا أكثرت الكلاب في البغتات الهرير دلت بذلك على إتيان العدو البلاد التي
~~هي فيها، وإذا صرخ ديك في دار قبل وقت صراخ الديوك كان ذلك محاولة لدفع
~~بلية قد شارفت تلك الدار؛ وإذا صرخت دجاجة في دار كصراخ ديك كان ذلك تحذيرا
~~لمن فيها من آفة قد أشرفوا عليها. وإذا أكثر ديك النزوان «1» على تكأة «2»
~~رب الدار نال شرفا ونباهة، وإن فعلت ذلك دجاجة ناله خمول وضعة. وإذا ذرق
~~«3» ديك على فراشه نال مالا رغيبا وخيرا كثيرا وذلك إذا كان من غير تضييع
~~من حشمه لفراشه، فإن ذرقت دجاجة على فراشه نالت زوجته منه خيرا كثيرا،
~~وكانوا يقولون: إن الموت من المريض الشبيه للصحيح قريب وإن الصحيح الشبيه
~~بالمريض مستشعر للشر وينبغي مباعدته. وينبغي أن يعرف كنه من كان منطيقا «4»
~~لعله لا يجيد العمل، وحال من كان سكينا متزمتا لعله بعيد الغور. وكانوا
~~يكرهون استقبال المولود ساعة يوضع إلا أن يكون ناقص الخلق فإن بليته وآفته
~~قد صارتا على نفسه، ويكرهون استقبال الزمن «5» والكريه الاسم والجارية
~~البكر والغلام الذاهب إلى المكتب، وكانوا يكرهون الثيران المقرونة بقران
~~والحيوان الموثق والدابة المقودة وحاملة الشراب والحطب والكلب، ويستحبون
~~الصحيح البدن الرضي
# PageV01P241
# الاسم والمرأة الوسيمة الثيب «1» والغلام المنصرف من المكتب والدواب التي
~~عليها حمولة من طعام أو تبن أو زبل. وكانوا لا ينحون عن سمع الملك ألحان
~~المغنيات ونقيض الصواري وصهيل الخيل والبراذين ويتخذون في مبيته ديكا
~~ودجاجة. وإذا أهديت له خيل سنح بها عليه من يساره إلى يمينه وكذلك الغنم
~~والبقر، وأما الرقيق والسباع وما أشبهها فكان يبرح بها من يمينه إلى يساره.
### | باب في الخيل
# حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن شبيب بن غرقدة عن عروة
~~البارقي «2» قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الخيل معقود في
~~نواصيها الخير إلى يوم القيامة» .
# حدثني يزيد بن عمرو قال: حدثني أشهل بن حاتم قال: حدثني موسى ابن علي بن
~~رباح اللخمي عن أبيه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني
~~أريد أن أعد فرسا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فاشتره إذا أدهم أو
~~كميتا أقرح أرثم «3» أو محجلا مطلق اليمين» وفي حديث آخر «فإنها ميامين
~~الخيل ثم اغز تسلم وتغنم إن شاء الله» .
# حدثني سهل بن محمد قال: أخبرني أبو عبيدة أن النبي صلى الله عليه وسلم
~~قال:
# «عليكم بإناث الخيل فإن ظهورها حرز وبطونها كنز» قال: وكان النبي صلى
~~الله عليه وسلم يستحب من الدواب الشقر ويقول: «لو جمعت خيل العرب كلها في
~~صعيد
# PageV01P242
# واحد ما سبقها إلا أشقر» . وسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي
~~المال خير؟ قال:
# «سكة مأبورة» يعني النخل «ومهرة مأمورة» يريد كثيرة النتاج. قال: وكان
~~يكره الشكال «1» في الخيل. قال أبو ذر: ما من ليلة إلا والفرس يدعو فيها
~~ربه ويقول: اللهم سخرتني لابن آدم وجعلت رزقي بيده فاجعلني أحب إليه من
~~أهله وماله، اللهم ارزقه وارزقني على يديه. سأل المهدي مطر بن دراج: أي
~~الخيل أفضل؟ قال: الذي إذا استقبلته قلت نافر، وإذا استعرضته قلت زافر «2»
~~، وإذا استدبرته قلت زاخر «3» . قال: فأي البراذين «4» شر؟ قال: الغليظ
~~الرقبة الكثير الجلبة الذي إذا أرسلته قال: أمسكني وإذا أمسكته قال:
# أرسلني. قال: فأي البراذين خير؟ قال: ما طرفه إمامه وسوطه عنانه.
# وصف رجل برذونا فقال: إن تركته نعس وإن حركته طار. وقال ابن أقيصر: خير
~~الخيل الذي إذا استقبلته أقعى وإذا استدبرته جبى وإذا استعرضته استوى وإذا
~~مشى ردى وإذا عدا دحا «5» .
# محمد بن سلام قال: أرسل مسلم بن عمرو بن عم له إلى الشام ومصر يشتري له
~~خيلا فقال: لا علم لي بالخيل قال: ألست صاحب قنص؟
# قال: بلى. قال: فانظر، كل شيء تستحسنه في الكلب فاطلبه في الفرس.
# فقدم بخيل لم يك في العرب مثلها. وقالوا: سميت خيلا لاختيالها.
# PageV01P243
# وذكر أعرابي فرسا وسرعته فقال: لما خرجت الخيل جارى بشيطان في أشطان فلما
~~أرسلت لمع لمعة سحاب فكان أقربها إليه الذي تقع عينه عليه.
# وسئل رجل من بني أسد: أتعرف الفرس الكريم؟ قال: أعرف الجواد المبر من
~~المبطىء المقرف. أما الجواد المبر فالذي نهز نهز العير وأنف تأنيف السير،
~~الذي إذا عدا اسلهب وإذا قيد اجلعب وإذا انتصب اتلأب «1» . وأما المبطىء
~~المقرف فالمدلوك الحجبة الضخم الأرنبة «2» الغليظ الرقبة الكثير الجلبة
~~الذي إن أرسلته قال: أمسكني وإن أمسكته قال: أرسلني وأنشد الرياشي»
# : [بسيط]
# كمهر سوء إذا سكنت شرته ... رام الجماح فإن رفعته سكنا «4»
# حدثني عبد الرحمن بن عبد الله قال: حدثني الأصمعي عن أبي عمرو ابن العلاء
~~أن عمر بن الخطاب شك في العتاق والهجن «5» ، فدعا سلمان بن ربيعة الباهلي
~~فأخبره، فأمر سلمان بطست فيه ماء فوضع في الأرض ثم قدمت الخيل إليه فرسا
~~فرسا فما ثنى منها سنبكه «6» فشرب هجنه، وما شرب ولم يثن
# PageV01P244
# سنبكه عربه. وذلك لأن في أعناق الهجن قصرا فهي لا تنال الماء على تلك
~~الحال حتى تثني سنابكها وأعناق العتاق طوال.
# وحدثني أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي قال: ذكروا أن كسرى كان إذا أتاه
~~سائسه فقال: الفرس يشتكي حافره، قال: المطبخ. وإذا قال: يشتكي ظهره، قال:
~~البيطار.
# وأنشدني أبو حاتم لأبي ميمون العجلي وهو النضر «1» بن سلمة في شعر طويل
~~له يصف الفرس، وقال قرأته على أبي عبيدة وعلى الأصمعي:
# [سريع]
# الخيل مني أهل ما أن يدنين ... وأن يقربن وأن لا يقصين
# وأن يبأبأن «2» وأن يفدين ... وأن يكون المحض مما يسقين
# وأهل أن يعلين أو يغالين ... بالطرف والتلد وأن لا يجفين «3»
# وأهل ما صحبننا أن يقفين ... وأهل ما أعقبننا أن يجزين «4»
# أليس عز الناس فيما أبلين ... والحسب الزاكي إذا ما يقنين؟
# والأجر والزين إذا ريم الزين ... كم من كريم جده قد أعلين
# وكم طريد خائف قد أنجين ... ومن فقير عائل قد أغنين
# وكم برأس في لبان «5» أجرين ... وجسد للعافيات أعرين
# وأهل حصن في امتناع أرذين ... وكم لها في الغنم من ذي سهمين «6»
# PageV01P245
# يكون فيما اقتسموا كالرجلين ... وكم وكم أنكحن من ذي طمرين «1»
# بغير مهر عاجل ولا دين ... والخيل والخيرات في قرينين
# لا تشتكين عملا ما أنقين ... ما دام مخ في سلامى أو عين «2»
# ما بلل الصوفة «3» ماء البحرين
# وأنشدني أبو حاتم عن أبي عبيدة. قال: وقال: لي أبو عبيدة: لا أعرف قائل
~~هذا الشعر وعروضه لا يخرج. قال أبو حاتم: أحسبه لعبد الغفار «4» الخزاعي:
~~[منسرح]
# ذاك وقد أذعر الوحوش بصل ... ت الخد رحب لبانه مجفر «5»
# طويل خمس قصير أربعة ... عريض ست مقلص حشور «6»
# حدت له تسعة «7» وقد عريت ... تسع ففيه لمن رأى منظر
# ثم له تسعة كسين وقد ... أرحب منه اللبان والمنخر «8»
# بعيد عشر وقد قربن له ... عشر وخمس طالت ولم تقصر «9»
# PageV01P246
# نقفيه بالمحض دون ولدتنا ... وعضه في آريه ينثر «1»
# نصبحه تارة ونغبقه ... ألبان كوم روائم أظؤر «2»
# حتى شتا بادنا يقال ألا ... يطوون من بدنه وقد أضمر «3»
# موثق الخلق جرشع عتد ... منضرج الحضر حين يستحضر «4»
# خاظي الحماتين لحمه زيم ... نهد شديد الصفاق والأبهر «5»
# رقيق خمس غليظ أربعة ... نائي المعدين لين الأشعر «6»
# وقد فسرت هذا الشعر في كتابي المؤلف في أبيات المعاني في خلق الفرس.
~~أنشدنا أبو سعيد لبعض الضبيين في وصف فرس: [كامل]
# متقاذف عبل الشوى شنج النسا ... سباق أندية الجياد عميثل «7»
# وإذا تعلل بالسياط جيادها ... أعطاك نائله ولم يتعلل
# قيل لما وضعت حرب صفين أوزارها قال عمرو بن العاص: [رمل]
# شبت الحرب فأعددت لها ... مفرع الحارك مروي الثبج «8»
# PageV01P247
# جرشعا أعظمه جفرته «1» ... فإذا ابتل من الماء حرج
# يصل الشد بشد فإذا ... ونت الخيل من الشد معج «2»
# ووجدت في كتاب من كتب الروم أن من علامة فراهة «3» المهر الحولي صغر رأسه
~~وشدة سواد عينيه وأن يكون محدد الأذنين أجرد باطنها كثيف العرف، في عرفه
~~ميل من قبل يمين راكبه عريض الصدر مرتفع الهادي معتدل العضدين مكتنز
~~الجنبين طويل الذنب عريض الكفل مستدير الحوافر صحيح باطنها، ومن علامة
~~فراهة المهر ألا يكون نفور ولا يقف عند دابة إلا مع أمه وإذا دفع إلى عين
~~أو نهر ماء لم يقف لتجاوزه دابة فيسير بسيرها ولكنه يقطع ذلك النهر والعين.
# قالوا: ومما يسلم الله به الخيل من العين وأشباه ذلك أن يجعل في أعناقها
~~خرزة من قرون الأيايل «4» .
# حدثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن سفيان عن حصين بن عبد
~~الرحمن عن هلال بن إساف وعن سحيم بن نوفل قالا: كنا جلوسا عند عبد الله بن
~~مسعود ونحن نعرض المصاحف، فجاءت جارية إلى سيدها فقالت: ما يجلسك؟ قم فابتغ
~~لنا راقيا فإن فلانا لقع «5» مهرك بعينه فتركته يدور كأنه فلك. فقال عبد
~~الله: لا تبتغ راقيا ولكن اذهب فانفث في منخره الأيمن أربعا وفي الأيسر
~~ثلاثا ثم قل: بسم الله لا باس لا باس أذهب الباس
# PageV01P248
# رب الناس واشف أنت الشافي لا يكشف الضراء إلا أنت. قال: فما قمنا حتى جاء
~~الرجل فقال: قد فعلت الذي أمرتني به فبال وراث وأكل.
# حدثني أبو حاتم عن أبي عبيدة أنه قال: إذا كان الفرس صلودا «1» لا يعرق
~~سقيته ماء قد دفت «2» فيه خميرة أو علفته ضغثا «3» من هندباء فإن ذلك يكثر
~~عرقه، فإن حمر «4» أدخلته الحمام وأشمه عذرة. فقلت لأبي عبيدة: ما يدريك أن
~~هذا كذا؟ فقال: أخبرني به جل الهندي وكان بصيرا. قال: فإن أصابته مغلة وهي
~~وجع البطن من أكل التراب أخذ له شيء من بورق فدق ونخل فجعل في ربع دورق من
~~خمر فحقن به وبل تراب طيب ببول «5» أتان حتى يصير طينا ثم لطخ به بطن
~~الدابة. قال: ومما يذهب العرن «6» دماغ الأرنب.
# وقف الهيثم بن مطهر على باب الخيزران على ظهر دابته، فبعث إليه الكاتب في
~~دارها: انزل عن ظهر دابتك فقد جاء في الأثر: لا تجعلوا ظهور دوابكم مجالس.
~~فبعث إليه: إني رجل أعرج وإن خرج صاحبي خفت ألا أدركه. فبعث إليه: إن لم
~~تنزل أنزلناك. قال: هو حبيس إن أنزلتني عنه إن أقضمته شهرا فانظر أيما خير
~~له، راحة ساعة أو جوع شهر؟ فقال: هذا شيطان، اتركوه.
# PageV01P249
### | باب البغال والحمير
# قال مسلمة: ما ركب الناس مثل بغلة قصيرة العذار طويلة العنان.
# وكتب رجل إلى وكيله: ابغني بغلة حصاء الذنب «1» طويلة العنق سوطها عنانها
~~وهواها أمامها.
# عاتب الفضل بن الربيع بعض بني هاشم في ركوبه بغلة، فقال له: هذا مركب
~~تطأطأ عن خيلاء الخيل وارتفع عن ذلة الحمار وخير الأمور أوساطها.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: أخبرنا أبو عمرو بن العلاء: قال دفع أبو
~~سيارة بأهل المزدلفة «2» أربعين سنة على حمار لا يعتل، فقالت العرب:
# «أصح من عير أبي سيارة» .
# قال رجل للفضل الرقاشي وهو جد معتمر لأمه: إنك لتؤثر الحمير على جميع
~~المركوب، فلم ذلك؟ قال: لأنها أكثرها مرفقا. قال: وما ذاك؟ قال: لا تستبدل
~~بالمكان على قدر اختلاف الزمان ثم هي أقلها داء وأيسرها دواء وأسلم صريعا
~~وأسهل تصريفا وأخفض مهوى وأقل جماحا وأشهر فارها «3» وأقل نظيرا ويزهى
~~راكبه وقد تواضع بركوبه، ويكون مقتصدا وقد أسرف في ثمنه. وقال خالد بن
~~صفوان في وصف حمار: قد أركبه عيرا من بنات الكداد أصحر
# PageV01P250
# السربال محملج القوائم يحمل الرجلة «1» ويبلغ العقبة ويمنعني أن يكون
~~جبارا عنيدا.
# وقال رجل لنخاس «2» : أطلب لي حمارا ليس بالكثير المشتهر ولا القصير
~~المحتقر ولا يقدم تقحما ولا يحجم تبلدا يتجنب بي الزحام والرجام والإكام
~~خفيف اللجام، إذا ركبته هام، وإذا ركبه غيري قام، إن علقته شكر، وإن أجعته
~~صبر. فقال له النخاس: إن مسخ الله القاضي زيادا حمارا رجوت أن أصيب لك
~~حاجتك إن شاء الله. وقال رجل لآخر يوصيه: خذ من الحمار شكره وصبره ومن
~~الكلب نصحه لأهله ومن الغراب كتمانه للسفاد.
# جرير بن عبد الله عن أبيه قال: لا تركب حمارا فإنه إن كان فارها أتعب
~~يديك وإن كان بليدا أتعب رجليك.
### | باب في الإبل
# الهيثم قال قال ابن عياش: لا تشتر خمسة من خمسة: لا تشتر فرسا من أسدي
~~ولا جملا من نهدي ولا عيرا من تميمي ولا عبدا من بجلي. ونسي الهيثم الخامس،
~~يريد أن أهل هذه القبائل عظام الجدود في هذه الأشياء. قيل لبني عبس: أي
~~الإبل أصبر عليكم في محاربتكم؟ قال الرمك «3» الجعاد.
# قيل: فأي الخيل وجدتم أصبر؟ قالوا: الكمت «4» الحو. قيل: فأي النساء
# PageV01P251
# وجدتم أصبر؟ قالوا: بنات العم.
# المدائني قال: قال شبة بن عقال: أقبلت من اليمن أريد مكة وخفت أن يفوتني
~~الحج، ومعي ثلاثة أجمال فمررت برجل من أهل اليمن على ناقة له فطويته فلما
~~جزته قام بي بعير لي ثم آخر ثم قام الآخر فظننت أن الحج يفوتني فمر بي
~~اليماني فقال: مررت بنا ولم تسلم ولم تعرض. فقلت: أجل يرحمك الله.
# قال: أتطيب نفسا عما أرى؟. قلت: نعم. فنزل فأرخى أنساع «1» رحله ثم قدمه
~~فكاد يضعه على عنقها ثم شده وقال لي: لولا أنك لا تضبط رأسها لقدمتك.
# ثم قال لي: خذ حر متاعك إن لم تطب نفسا به ففعلت، ثم ارتدفت فجعلت تعوم
~~عوما ثم انسلت كأنها ثعبان يسيل سيلا كالماء فما شعرت حتى أراني الأعلام
~~وقال: أتسمع؟ فسمعت أصوات الناس فإذا نحن بجمع «2» ، فقضيت حجتي، وكان قال
~~لي: حاجتي إليك ألا تذكر هذا فإن هذه عندي أثر من ولاية العروض يعني مكة
~~والمدينة، أدرك عليها الثأر وهي ثمال العيال وأصيد عليها الوحش وأوافي
~~عليها الموسم في كل عام من صنعاء في أقل من غب الحمال فسألته: من أين هي؟
~~قال: بجاوية من هوامي نتاج بدو بجيلة الأولى وهي من المهارى التي يذكر
~~الناس.
# وكتب سليمان بن عبد الملك إلى عامله: أصب لي نجائب كراما.
# فقدم رجل على جمل «3» سباعي عظيم الهامة له خلق لم يروا مثله قط فساموا،
~~فقال: لا أبيعه. قالوا: لا ندعك ولا نغصبك ولكنا نكتب إلى أمير المؤمنين
# PageV01P252
# بسببه. قال: فهلا خيرا من هذا؟ قالوا: ما هو؟ قال: معكم نجائب كرام وخيل
~~سابقة، فدعوني أركب جملي وأبعثه واتبعوني فإن لحقتموني فهو لكم بغير ثمن.
~~قالوا: نعم. فدنا منه فصاح في أذنه ثم أثاره فوثب وثبة شديدة فكبا ثم انبعث
~~واتبعوه فلم يدروا كيف أخذ، ولم يروا له أثرا فجعل أهل اليمن علما على
~~وثبته يقال له: الكفلان.
### | أخبار الجبناء
# حدثني عبد الرحمن بن عبد الله عن عمه الأصمعي قال: أرسل عبيد الله بن
~~زياد رجلا في ألفين إلى مرداس «1» بن أدية وهو في أربعين فهزمه مرداس فعنفه
~~ابن زياد وأغلظ له فقال: يشتمني الأمير وأنا حي أحب إلي من أن يدعو لي وأنا
~~ميت. فقال شاعر الخوارج «2» : [وافر]
# أألفا مؤمن منكم زعمتم ... ويهزمهم باسك «3» أربعونا؟
# كذبتم ليس ذلكم كذاكم ... ولكن الخوارج مؤمنونا
# هم الفئة القليلة قد علمتم ... على الفئة الكثيرة ينصرونا «4»
# حدثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن عون عن الحسن قال: قال
~~النبي صلى الله عليه وسلم: «ما التقت فئتان قط إلا وكف الله بينهما فإذا
~~أراد أن
# PageV01P253
# يهزم إحدى الطائفتين أمال كفه عليها» . ورفع معاوية ثندوته «1» بيده
~~وقال: لقد علم الناس أن الخيل لا تجري بمثلي، فكيف قال النجاشي «2» :
~~[طويل]
# ونجى ابن حرب سابق ذو علالة ... أجش هزيم والرماح دواني «3»
# ابن دأب قال: قال عمرو بن العاص لمعاوية: لقد أعياني أن أعلم أجبان أنت
~~أم شجاع؟ فقال: [طويل]
# شجاع إذا ما أمكنتني فرصة ... وإلا تكن لي فرصة فجبان
# شهد أبو دلامة حربا مع روح بن حاتم فقال له: تقدم فقاتل.
# فقال: [بسيط]
# إني أعوذ بروح أن يقدمني ... إلى القتال فتخزى بي بنو أسد
# إن المهلب «4» حب الموت ورثكم ... ولم أورث حب الموت عن أحد
# أبو المنذر قال: حدثنا زيد بن وهب قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله
~~عنه: عجبا لابن النابغة! يزعم أني تلعابه أعافس وأمارس! أما وشر
# PageV01P254
# القول أكذبه، إنه يسأل فيلحف «1» ويسأل فيبخل، فإذا كان عند البأس فإنه
~~امرؤ زاجر ما لم تأخذ السيوف مأخذها من هام القوم، فإذا كان كذلك كان أكبر
~~همه أن يبرقط «2» ويمنح الناس استه. قبحه الله وترحه. وقال الفرار «3»
~~السلمي: [كامل]
# وكتيبة لبستها بكتيبة ... حتى إذا التبست نفضت بها يدي «4»
# وتركتهم تقص الرماح ظهورهم ... من بين منجدل وآخر مسند «5»
# ما كان ينفعني مقال نسائهم ... وقتلت دون رجالهم: لا تبعد «6»
# وقال آخر: [بسيط]
# أصخت تشجعني هند وقد علمت ... أن الشجاعة مقرون بها العطب
# لا والذي حجت الأنصار كعبته ... ما يشتهي الموت عندي من له أرب
# للحرب قوم أضل الله سعيهم ... إذا دعتهم إلى حوبائها «7» وثبوا
# ولست منهم ولا أبغي فعالهم ... لا القتل يعجبني منها ولا السلب
# وقال أيمن «8» بن خريم: [رمل]
# إن للفتنة ميطا «9» بينا ... فرويد الميط منها يعتدل
# PageV01P255
# فإذا كان عطاء فأتهم ... وإذا كان قتال فاعتزل
# إنما يسعرها جهالها ... حطب النار فدعها تشتعل «1»
# وقال آخر: [متقارب]
# كملقي الأعنة من كفه ... وقاد الجياد بأذنابها
# وقال جران «2» العود في الدهش: [بسيط]
# يوم ارتحلت برحلي قبل تودعتي ... والقلب مستوهل بالبين مشغول
# ثم اغترزت «3» على نضوي لأدفعه ... إثر الحمول الغوادي وهو معقول
# كان خالد بن عبد الله من الجبناء خرج عليه المغيرة بن سعيد صاحب المغيرية
~~من الرافضة وهو من بجيلة فقال من الدهش: أطعموني ماء. فذكره بعضهم فقال:
~~[بسيط]
# عاد الظلوم ظليما حين جد به ... واستطعم الماء لما جد في الهرب
# وقال عبيد الله بن زياد إما للكنة فيه أو لجبن أو دهشة: افتحوا سيوفكم.
# وقال ابن مفزغ الحميري «4» :
# PageV01P256
# [وافر]
# ويوم فتحت سيفك من بعيد ... أضعت وكل أمرك للضياع «1»
# وكان معاوية يتمثل بهذين البيتين كثيرا: [متقارب]
# أكان الجبان يرى أنه ... سيقتل قبل انقضاء الأجل
# فقد تدرك الحادثات الجبان ... ويسلم منها الشجاع البطل
# وقال خالد بن الوليد: لقد لقيت كذا وكذا زحفا وما في جسدي موضع شبر إلا
~~وفيه طعنة أو ضربة أو رمية ثم ها أنا أموت على فراشي حتف أنفي «2» ، فلا
~~نامت أعين الجبناء.
# قيل لأعرابي: ألا تغزو فإن الله قد أنذرك. قال: والله إني لأبغض الموت
~~على فراشي فكيف أمضي إليه ركضا؟ وقال قرواش «3» بن حوط وذكر رجلين: [كامل]
# ضبعا مجاهرة وليثا هدنة ... وثعيلبا خمر «4» إذا ما أظلما
# وقال عبد الملك بن مروان في أمية بن عبد الله «5» بن خالد:
# PageV01P257
# إذا صوت العصفور طار فؤاده ... وليث حديد الناب عند الثرائد
# ونحوه قول الآخر «1» : [طويل]
# ولو أنها عصفورة لحسبتها ... مسومة تدعو عبيدا وأزنما «2»
# وقال الله جل وعز: يحسبون كل صيحة عليهم
# «3» .
# ومن أشعار الشطار في الجبان: [هزج]
# رأى في النوم إنسانا ... فوارى نفسه أشهر «4»
# قال ابن المقفع: الجبن مقتلة والحرص محرمة فانظر فيما رأيت وسمعت: من قتل
~~في الحرب مقبلا أكثر أم من قتل مدبرا؟ وانظر من يطلب إليك بالإجمال والتكرم
~~أحق أن تسخو نفسك له بالعطية أم من يطلب إليك بالشره والحرص؟ وقال حنش «5»
~~بن عمرو: [طويل]
# وأنتم سماء يعجب الناس رزها «6» ... لها زجل باق شديد وئيدها
# تقطع أطناب البيوت بحاصب «7» ... وأكذب شيء برقها ورعودها
# PageV01P258
# فويلمها «1» خيلا تهاوى شرارها ... إذا لاقت الأعداء لولا صدودها
# وقال الفرزدق أو البيعث: [بسيط]
# سائل سليطا «2» إذا ما الحرب أفزعها ... ما بال خيلكمو قعسا هواديها
# لا يرفعون إلى داع أعنتها ... وفي جواشنها داء يجافيها
# كان بالبصرة شيخ من بني نهشل يقال له عروة بن مرثد ويكنى أبا الأغر ينزل
~~ببني أخت له في سكة بني مازن، وبنو أخته من قريش، فخرج رجالهم إلى ضياعهم
~~في شهر رمضان وخرج النساء يصلين في مسجدهم فلم يبق في الدار إلا الإماء «3»
~~فدخل كلب يعتس «4» فرأى بيتا فدخله وانصفق الباب فسمع الحركة بعض الإماء
~~فظنوا أن لصا دخل الدار فذهبت إحداهن إلى أبي الأغر فأخبرته، فقال أبو
~~الأغر: ما يبتغي اللص؟ ثم أخذ عصاه وجاء، فوقف على باب البيت وقال: إيه، يا
~~ملأمان «5» ، أما والله إنك بي لعارف فهل أنت إلا من لصوص بني مازن شربت
~~حامضا خبيثا حتى إذا دارت القدوح في رأسك منتك نفسك الأماني وقلت: أطرق
~~ديار بني عمرو والرجال خلوف والنساء يصلين في مسجدهم فأسرقهم؟ سوءة لك،
~~والله ما يفعل هذا ولد الأحرار، وايم الله «6» لتخرجن أو لأهتفن هتفة
~~مشؤومة يلتقي فيها الحيان عمرو وحنظلة وتجيء سعد
# PageV01P259
# بعدد الحصى وتسيل عليك الرجال من هاهنا ومن هاهنا ولئن فعلت لتكونن أشأم
~~مولود. فلما رأى أنه لا يجيبه أحد أخذ باللين فقال: أخرج بأبي وأمي، أنت
~~مستور، إني والله ما أراك تعرفني ولو عرفتني لقنعت بقولي واطمأننت إلي.
~~أنا- فديتك- أبو الأغر النهشلي، وأنا خال القوم وجلدة بين أعينهم لا
~~يعصونني، ولن تضار الليلة فاخرج فأنت في ذمتي وعندي قوصرتان «1» أهداهما
~~إلي ابن أختي البار الوصول فخذ إحداهما فانتبذها حلالا من الله ورسوله.
# وكان الكلب إذا سمع الكلام أطرق وإذا سكت وثب يريغ المخرج، فتهاتف أبو
~~الأغر ثم تضاحك وقال: يا ألأم الناس وأوضعهم، لا أرى إلا أني لك الليلة في
~~واد وأنت لي في واد، أقلب السوداء والبيضاء فتصيخ وتطرق، وإذا سكت عنك وثبت
~~تريغ المخرج، والله لتخرجن أو لألجن عليك البيت. فلما طال وقوفه جاءت إحدى
~~الإماء فقالت: أعرابي مجنون، والله ما أرى في البيت شيئا، فدفعت الباب فخرج
~~الكلب شدا وحاد عنه أبو الأغر ساقطا على قفاه، ثم قال: يا لله ما رأيت
~~كالليلة! والله ما أراه إلا كلبا، أما والله لو علمت بحاله لولجت عليه.
# وشبيه بهذا حديث لأبي حية النميري، وكان له سيف ليس بينه وبين الخشبة
~~فرق، وكان يسميه لعاب المنية. قال جار له: أشرفت عليه ليلة وقد انتضاه وشمر
~~وهو يقول: أيها المغتر بنا والمجترىء علينا، بئس والله ما أخترت لنفسك، خير
~~قليل وسيف صقيل، لعاب المنية الذي سمعت به، مشهور ضربته لا تخاف نبوته.
~~أخرج بالعفو عنك وإلا دخلت بالعقوبة عليك، إني والله إن أدع قيسا تملأ
~~الأرض خيلا ورجلا. يا سبحان الله، ما
# PageV01P260
# أكثرها وأطيبها! ثم فتح الباب فإذا كلب قد خرج، فقال: الحمد لله الذي
~~مسخك كلبا وكفاني حربا.
# وقرأت في كتاب كليلة ودمنة: يخاف غير المخوف طائر يرفع رجليه خشية السماء
~~أن تسقط، وطائر يقوم على إحدى رجليه حذار الخسف إن قام عليهما، ودودة تأكل
~~التراب فلا تشبع خوفا أن يفنى إن شبعت فتجوع، والخفافيش تستتر بالنهار خذار
~~أن تصطاد لحسنها.
# بينا عبد الله بن خازم السلمي عند عبيد الله بن زياد إذ دخل عليه بجرذ
~~«1» أبيض فعجب منه وقال: يا أبا صالح، هل رأيت أعجب من هذا؟ وإذا عبد الله
~~قد تضاءل حتى صار كأنه فرخ واصفر حتى كأنه جرادة ذكر. فقال عبيد الله:
# أبو صالح يعصى الرحمن ويتهاون بالشيطان ويقبض على الثعبان ويمشي إلى
~~الأسد الورد «2» ويلقى الرماح بوجهه قد اعتراه من هذا الجرذ ما ترون! إن
~~الله على كل شيء قدير!.
# كان الحارث بن هشام أخو أبي جهل بن هشام شهد بدرا مع المشركين وانهزم،
~~فقال فيه حسان «3» : [كامل]
# إن كنت كاذبة الذي حدثتني ... فنجوت منجى الحارث بن هشام
# ترك الأحبة لم يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرة «4» ولجام
# PageV01P261
# فاعتذر الحارث من فراره وقال: [كامل]
# الله يعلم ما تركت قتالهم ... حتى علوا فرسي بأشقر مزبد
# وعلمت أني إن أقاتل واحدا ... أقتل ولا يضرر عدوي مشهدي
# فصددت عنهم والأحبة فيهم ... طمعا لهم بعقاب يوم مفسد
# وأسلم يوم فتح مكة وحسن إسلامه، وخرج في زمن عمر من مكة إلى الشام بأهله
~~وماله، فاتبعه أهل مكة يبكون، فرق وبكى ثم قال: أما إنا لو كنا نستبدل دارا
~~بدارنا وجارا بجارنا ما أردنا بكم بدلا، ولكنها النقلة إلى الله، فلم يزل
~~هنالك مجاهدا حتى مات.
# المدائني قال: رأى عمرو بن العاص معاوية يوما يضحك فقال له: مم تضحك يا
~~أمير المؤمنين أضحك الله سنك؟ قال: أضحك من حضور ذهنك عند إبدائك سوءتك يوم
~~ابن أبي طالب، أما والله لقد وافقته منانا كريما، ولو شاء أن يقتلك لقتلك.
~~قال عمرو: يا أمير المؤمنين، أما والله إني لعن يمينك حين دعاك إلى البراز
~~فاحولت عيناك وربا سحرك وبدا منك ما أكره ذكره لك فمن نفسك فاضحك أو دع.
# وقدم الحجاج على الوليد بن عبد الملك فدخل وعليه درع وعمامة سوداء وقوس
~~عربية وكنانة، فبعثت إليه أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان فقالت: من هذا
~~الأعرابي المستلئم «1» في السلاح عندك وأنت في غلالة؟
# فبعث إليها أنه الحجاج، فأعادت الرسول إليه، فقال: تقول لك والله لأن
~~يخلو بك ملك الموت أحيانا أحب إلي من أن يخلو بك الحجاج، فأخبره بذلك
~~الوليد وهو يمازحه، فقال: يا أمير المؤمنين، دع عنك مفاكهة النساء بزخرف
# PageV01P262
# القول فإنما المرأة ريحانة وليست قهرمانة «1» فلا تطلعها على سرك ومكايدة
~~عدوك. فلما دخل الوليد أخبرها بمقالة الحجاج فقالت: يا أمير المؤمنين،
~~حاجتي أن تأمره غدا بأن يأتيني مستلئما، ففعل ذلك وأتاها الحجاج فحجبته فلم
~~يزل قائما، ثم قالت: إيه يا حجاج، أنت الممتن على أمير المؤمنين بقتال ابن
~~الزبير وابن الأشعث، أما والله لولا أن الله علم أنك شر خلقه ما ابتلاك
~~برمي الكعبة الحرام ولا بقتل ابن ذات النطاقين «2» أول مولود ولد في
~~الإسلام، وأما نهيك أمير المؤمنين عن مفاكهة النساء وبلوغ لذاته وأوطاره
~~فإن كن ينفرجن عن مثله فغير قابل لقولك، أنا والله لقد نفض نساء أمير
~~المؤمنين الطيب من غدائرهن فبعنه في أعطية أهل الشام حين كنت في أضيق من
~~القرن قد أظلتك رماحهم وأثخنك كفاحهم وحين كان أمير المؤمنين أحب إليهم من
~~آبائهم وأبنائهم فأنجاك الله من عدو أمير المؤمنين بحبهم إياه، قاتل الله
~~القائل حين نظر إليك وسنان غزالة «3» بين كتفيك: [كامل]
# أسد علي وفي الحروب نعامة ... فتخاء «4» تنفر من صفير الصافر
# هلا كررت على غزالة في الوغى ... بل كان قلبك في جوانح طائر
# وغزالة امرأة شبيب الخارجي. ثم قالت: أخرج، فخرج.
# PageV01P263
# وكان في بني ليث رجل جبان بخيل فخرج رهطه غازين وبلغ ذلك أناسا من بين
~~سليم وكانوا أعداء لهم فلم يشعر الرجل إلا بخيل قد أحاطت بهم فذهب يفر فلم
~~يجد مفرا، ووجدهم قد أخذوا عليه كل وجه فلما رأى ذلك جلس ثم نثل كنانته
~~وأخذ قوسه وقال «1» : [رجز]
# ما علتي، وأنا جلد نابل «2» ... والقوس من نبع لها بلابل
# يرز فيها وتر عنابل ... إن لم أقاتلكم فأمي هابل «3»
# أكل يوم أنا عنكم ناكل ... لا أطعم القوم ولا أقاتل
# الموت حق والحياة باطل
# ثم جعل يرميهم حتى ردهم، وجاءهم الصريخ وقد منع الحي، فصار بعد ذلك شجاعا
~~سمحا معروفا.
# ولما قتل عبد الملك مصعب بن الزبير وجه أخاه بشر بن مروان على الكوفة
~~ووجه معه روح بن زنباع الجذامي كالوزير، وكان روح رجلا عالما داهية غير أنه
~~كان من أجبن الناس وأبخلهم، فلما رأى أهل الكوفة من بخله ما رأوا تخوفوا أن
~~يفسد عليهم أمرهم وكانوا قد عرفوا جبه فاحتالوا في إخراجه عنهم فكتبوا ليلا
~~على بابه: [بسيط]
# إن ابن مروان قد حانت منيته ... فاحتل لنفسك يا روح بن زنباع
# فلما أصبح ورأى ذلك لم يشك أنه مقتول فدخل على بشر فاستأذنه في الشخوص
~~فأذن له وخرج حتى قدم على عبد الملك فقال له: ما أقدمك؟
# قال: يا أمير المؤمنين، تركت أخاك مقتولا أو مخلوعا. قال: كيف عرفت
# PageV01P264
# ذلك؟ فأخبره الخبر فضحك عبد الملك حتى فحص برجليه، ثم قال: إحتال لك أهل
~~الكوفة حتى أخرجوك عنهم.
# كان أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد وجه إلى أبي فديك فانهزم وأتي
~~الحجاج بدواب من دواب أمية قد وسم على أفخاذها «عدة» فأمر الحجاج فكتب تحت
~~ذلك: «للفرار» .
# وقال عمر رضي الله عنه: إن الشجاعة والجبن غرائز في الرجال، تجد الرجل
~~يقاتل عمن لا يبالي ألا يؤوب إلى أهله، وتجد الرجل يفر عن أبيه وأمه، وتجد
~~الرجل يقاتل ابتغاء وجه الله فذلك هو الشهيد.
# وقال الشاعر: [طويل]
# يفر الجبان عن أبيه وأمه ... ويحمي شجاع القوم من لا يناسبه «1»
### | باب من أخبار الشجعاء «2» والفرسان وأشعارهم
# حدثني أبو حاتم قال: حدثني الأصمعي قال: سمعت الحرسي يقول:
# رأيت من الجبن والشجاعة عجبا. استثرنا من مزرعة في بلاد الشام رجلين
~~يذريان حنطة، أحدهما أصيفر أحيمش «3» ، والآخر مثل الجمل عظما، فقاتلنا
~~الأصيفر بالمذرى «4» لا تدنو منه دابة إلا نخس أنفها وضربها حتى شق علينا
~~فقتل، ولم نصل إلى الآخر حتى مات فرقا «5» فأمرت بهما فبقرت بطونهما فإذا
# PageV01P265
# فؤاد الضخم يابس مثل الحشفة «1» ، وإذا فؤاد الأصيفر مثل فؤاد الجمل
~~يتخضخض في مثل كوز من ماء.
# وحدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثنا أبو عمرو «2» الصفار قال:
# حاصر مسلمة حصنا فندب الناس إلى نقب منه، فما دخله أحد. فجاء رجل من عرض
~~الجيش فدخله ففتحه الله عليهم، فنادى مسلمة: أين صاحب النقب؟ فما جاءه أحد،
~~فنادى: إني قد أمرت الأذن بإدخاله ساعة يأتي، فعزمت عليه إلا جاء. فجاء رجل
~~فقال: إستأذن لي على الأمير. فقال له: أنت صاحب النقب؟
# قال: أنا أخبركم عنه. فأتى مسلمة فأخبره عنه، فأذن له فقال له: إن صاحب
~~النقب يأخذ عليكم ثلاثا: ألا تسودوا اسمه في صحيفة إلى الخليفة ولا تأمروا
~~له بشيء، ولا تسألوه ممن هو. قال: فذاك له. قال: أنا هو. فكان مسلمة لا
~~يصلي بعدها صلاة إلا قال: اللهم اجعلني مع صاحب النقب.
# حدثني محمد بن عمرو الجرجاني قال: كتب أنو شروان إلى مرازبته:
# عليكم بأهل الشجاعة والسخاء فإنهم أهل حسن الظن بالله تعالى. وذكر أعرابي
~~قوما تحاربوا فقال: أقبلت الفحول تمشي مشي الوعول، فلما تصافحوا بالسيوف
~~فغرت المنايا أفواهها. وذكر آخر قوما اتبعوا قوما أغاروا عليهم فقال:
# احتثوا كل جمالية عيرانة «3» فما زالوا يخصفون أخفاف المطي بحوافر الخيل
~~حتى أدركوهم بعد ثالثة فجعلوا المران أرشية «4» الموت واستقوا بها أرواحهم.
# حدثني عبد الرحمن عن عمه عن رجل من العرب قال: انهزمنا من قطري وأصحابه
~~فأدركني رجل على فرس فسمعت حسا منكرا خلفي،
# PageV01P266
# فالتفت فإذا أنا بقطري فيئست من الحياة فلما عرفني قال: أشدد عنانها
~~وأوجع خاصرتها قطع الله يديك. قال: ففعلت فنجوت منه.
# وحدثني عبد الرحمن عن عمه قال: لما غرق شبيب قالت امرأة: الغرق يا أمير
~~المؤمنين، قال ذلك تقدير العزيز العليم قال: فأخرج فشق بطنه وأخرج فؤاده
~~فإذا مثل الكوز، فجعلوا يضربون به الأرض فينزو.
# حدثنا الرياشي قال: حدثنا الأصمعي قال: أخبرنا صاحب لنا عن أبي عمرو بن
~~العلاء قال: لما كان يوم الكلاب «1» خرج رجل من بني تميم، أحسبه قال: سعدي،
~~فقال: لو طلبت رجلا له فداء! قال: فخرجت أطلبه، فإذا رجل عليه مقطعة يمانية
~~على فرس ذنوب، فقلت له: على يمينك. قال: على يساري أقصد لي. قلت: أيهات «2»
~~منك اليمن. قال: العراق مني أبعد.
# قلت: وتالله لا ترى أهلك العام. قال لا والله أهلك لا أراهم. قال: فتركته
~~ولما كان بعد أيام ونعت نعته بعد ذلك، فقيل لي: هو وعلة الجرمي «3» .
# حدثنا محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن هشام عن محمد بن
~~سيرين قال: بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الأحنف بن قيس على جيش قبل
~~خراسان فبيتهم العدو ليلا وفرقوا جيوشهم أربع فرق
# PageV01P267
# واقبلوا معهم الطبل ففزع الناس وكان أول من ركب الأحنف فأخذ سيفه وتقلده
~~ثم مضى نحو الصوت وهو يقول: [رجز]
# إن على كل رئيس حقا ... أن يخضب الصعدة «1» أو تندقا
# ثم حمل على صاحب الطبل فقتله، فلما فقد أصحاب الطبل الصوت انهزموا. ثم
~~حمل على الكردوس «2» الآخر ففعل مثل ذلك وهو وحده، ثم جاء الناس وقد انهزم
~~العدو فاتبعوهم يقتلونهم، ثم مضوا حتى فتحوا مدينة يقال لها مرو الروذ «3»
~~.
# سأل ابن هبيرة عن مقتل عبد الله بن خازم، فقال رجل ممن حضر:
# سألنا وكيع بن الدورقية كيف قتلته؟ قال: غلبته بفضل فتاء «4» كان لي عليه
~~فصرعته وجلست على صدره وقلت له: يا لثارات دويلة. يعني أخاه من أبيه.
# فقال من تحتي: قتلك الله! تقتل كبش مضر «5» بأخيك وهو لا يساوي كف نوى!
~~ثم تنخم فملأ وجهي نخامة «6» ، فقال ابن هبيرة: هذه والله البسالة! استدل
~~عليها بكثرة الريق في ذلك الوقت.
# قال هشام لمسلمة: يا أبا سعيد، هل دخلك ذعر قط لحرب أو عدو قال: ما سلمت
~~في ذلك من ذعر ينبه على حيلة ولم يغشني فيها ذعر سلبني رأيي. قال هشام: هذه
~~البسالة.
# PageV01P268
# خرج رهم «1» بن حزم الهلالي ومعه أهله وماله يريد النقلة من بلد إلى بلد
~~فلقيه ثلاثون رجلا من بني تغلب فعرفهم، فقال: يا بني تغلب، شأنكم بالمال
~~وخلوا الظعينة. فقالوا: رضينا إن ألقيت الرمح. قال: وإن رمحي لمعي. وحمل
~~عليهم فقتل منهم رجلا وصرع آخر وقال: [رجز]
# ردا على آخرها الأتاليا ... إن لها بالمشرفي حاديا
# ذكرتني الطعن وكنت ناسيا
# قال الزبيري: ما استحيا شجاع أن يفر من عبد الله بن خازم السلمي وقطري بن
~~الفجاءة.
# أبو اليقظان قال: كان حبيب بن عوف العبدي «2» فاتكا، فلقي رجلا من، أهل
~~الشام قد بعثه زياد ومعه ستون ألفا يتجر بها فسايره، فلما وجد غفلة قتله
~~وأخذ المال فقال يوما وهو يشرب على لذته: [بسيط]
# يا صاحبي، أقلا اللوم والعذلا ... ولا تقولا لشيء فات ما فعلا
# ردا علي كميت «3» اللون صافية ... إني لقيت بأرض خاليا رجلا
# ضخم الفرائص لو أبصرت قمته ... وسط الرجال إذن شبهته جملا
# ضاحكته ساعة طورا وقلت له ... أنفقت بيعك إن ريثا وإن عجلا
# سايرته ساعة ما بي مخافته ... إلا التلفت حولي هل أرى دغلا «4»
# غادرته بين آجام ومسبعة ... لم يدر غيري بعدي بعد ما فعلا
# يدعو زيادا وقد حانت منيته ... ولا زياد لمن قد وافق الأجلا
# PageV01P269
# المفضل الضبي: كان سليك بن سلكة التميمي من أشد فرسان العرب وأذكرهم وأدل
~~الناس بالأرض وأجودهم عدوا على رجليه لا تعلق به الخيل وكانت أمه سوداء
~~وكان يقول: اللهم إنك تهيء ما شئت لما شئت إذا شئت، اللهم إني لو كنت ضعيفا
~~كنت عبدا ولو كنت امرأة كنت أمة، اللهم إني أعوذ بك من الخيبة فأما الهيبة
~~فلا هيبة. وأملق حتى لم يبق له شيء، فخرج على رجليه رجاء أن يصيب غرة من
~~بعض من يمر عليه فيذهب بإبله، حتى إذا أمسى في ليلة مقمرة واشتمل الصماء
~~«1» ونام، إذا برجل قد جثم على صدره وقال:
# إستأسر. فرفع سليك رأسه وقال: «إن الليل طويل وأنت مقمر» فجرى مثلا، وجعل
~~الرجل يلهزه «2» ويقول: استأسر، يا خبيث، فلما آذاه ضمه إليه ضمة ضرط منها
~~وهو فوقه، فقال له سليك: «أضرطا وأنت الأعلى» فجرى مثلا، ثم قال له: ما
~~أنت؟ قال: أنا رجل افتقرت، فقلت: لأخرجن ولا أرجع حتى أستغنى. قال: فانطلق
~~معي، فمضيا فوجدا رجلا قصته مثل قصتهما، فأتوا جوف مراد وهو واد باليمن
~~فإذا فيه نعم كثيرة، فقال لهما سليك: كونا قريبا حتى آتي الرعاء وأعلم لكما
~~علم الحي أقريب هو أم بعيد، فإن كانوا قريبا رجعت إليكما، وإن كانوا بعيدا
~~قلت لكما قولا أحي «3» به لكما فأغيرا. فانطلق حتى أتى الرعاء، فجعل
~~يستنطقهم حتى أخبروه بمكان الحي فإذا هم بعيد، فقال لهم سليك: ألا أغنيكم؟
~~قالوا: بلى. فتغنى بأعلى صوته ليسمع صاحبيه: [بسيط]
# يا صاحبي، ألا لا حي بالوادي ... إلا عبيد وآم «4» بين أذواد
# PageV01P270
# أتنظران قليلا ريث غفلتهم ... أم تعدوان فإن الربح للعادي
# فلما سمعا ذلك أتيا السليك فأطردوا الإبل وذهبوا بها.
# حدثني سهل بن محمد عن الأصمعي قال: كان سليك يحضر «1» فتقع السهام من
~~كنانته فترتن في الأرض من شدة احضاره. وقال له بنو كنانة حين كبر: أرأيت أن
~~ترينا بعض ما بقي من إحضارك؟ قال: نعم، إجمعوا لي أربعين شابا وابغوني درعا
~~ثقيلة. فأخذها فلبسها وخرج بالشباب حتى إذا كان على رأس ميل أقبل يحضر فلاث
~~العدو لوثا واهتبصوا «2» في جنبتيه فلم يصحبوه إلا قليلا فجاء يحضر منبترا
~~من حيث لا يرونه وجاءت الدرع تخفق في عنقه كأنها خرقة.
# قال سهل: حدثني العتبي قال: حدثني رجل من بني تميم عن بعض أشياخه من قومه
~~قال: كنت عند المهاجر بن عبد الله والي اليمامة فأتى بأعرابي قد كان معروفا
~~بالسرق فقال له: أخبرني عن بعض عجائبك، قال:
# إنها لكثيرة، ومن أعجبها أنه كان لي بعير لا يسبق وكانت لي خيل لا تلحق،
~~فكنت لا أخرج فأرجع خائبا فخرجت يوما فاحترشت ضبا فعلقته على قتبي «3» ثم
~~مررت بخباء سري ليس فيه إلا عجوز، فقلت: أخلق بهذا الخباء أن يكون له رائحة
~~من غنم وإبل، فلما أمسيت إذا بإبل مائة فيها شيخ عظيم البطن مثدن «4» اللحم
~~ومعه عبد أسود وغد، فلما رآني رحب بي ثم قام إلى ناقة فاحتلبها وناولني
~~العلبة فشربت ما يشرب الرجل فتناول الباقي فضرب به جبهته
# PageV01P271
# ثم احتلب تسع أينق «1» فشرب ألبانهن ثم نحر حوارا «2» فطبخه ثم ألقى
~~عظامه بيضا وحثا كومة من بطحاء وتوسدها وغط غطيط البكر، فقلت: هذه والله
~~الغنيمة. ثم قمت إلى فحل إبله «3» فخطمته ثم قرنته إلى بعيري وصحت به
~~فأتبعني الفحل وأتبعته الإبل إربابا به، فصارت خلفي كأنها حبل ممدود، فمضيت
~~أبادر ثنية بيني وبينها مسيرة ليلة للمسرع، فلم أزل أضرب بعيري بيدي مرة
~~وأقرعه برجلي أخرى حتى طلع الفجر، فأبصرت الثنية فإذا عليها سواد فلما دنوت
~~إذا أنا بالشيخ قاعدا وقوسه في حجره فقال: أضيفنا؟ قلت:
# نعم. قال: أتسخوا نفسك عن هذه الإبل. قلت: لا. فأخرج سهما كأن نصله لسان
~~كلب ثم قال: أبصر بين أذني الضب، ثم رماه فصدع عظمه عن دماغه، ثم قال: ما
~~تقول؟ قلت: أنا على رأيي الأول. قال: أنظر هذا السهم الثاني في فقرة ظهره
~~الوسطى. ثم رمى به فكأنما قدره بيده ثم وضعه بإصبعه، ثم قال: أرأيت؟ قلت:
~~إني أحب أن أستثبت. قال: أنظر هذا السهم الثالث في عكوة «4» ذنبه والرابع
~~والله في بطنك. ثم رماه فلم يخطىء العكوة، فقلت:
# أنزل آمنا؟ قال: نعم. فنزلت فدفعت إليه خطام فحله وقلت: هذه إبلك لم يذهب
~~منها وبرة وأنا أنتظر متى يرميني بسهم ينتظم به قلبي، فلما تنحيت قال لي:
~~أقبل. فأقبلت، والله، خوفا من شره لا طمعا في خيره، فقال: أي هذا، ما أحسبك
~~جشمت «5» الليلة ما جشمت إلا من حاجة. قلت: أجل. قال:
# فاقرن من هذه الإبل بعيرين وامض لطيتك، قلت: أما والله حتى أخبرك عن
# PageV01P272
# نفسك قبلا. ثم قلت: والله ما رأيت أعرابيا قط أشد ضرسا ولا أعدى رجلا ولا
~~أرمى يدا ولا أكرم عفوا ولا أسخى نفسا منك.
# وقرأت في كتاب سير العجم أن بهرام جور خرج ذات يوم إلى الصيد ومعه جارية
~~له فعرضت له ظباء، فقال للجارية: في أي موضع تريدين أن أضع السهم من الوحش؟
~~فقالت أريد أن تشبه ذكرانها بالإناث وإناثها بالذكران، فرمى تيسا من الظباء
~~بنشابة ذات شعبتين فاقتلع قرنيه ورمى عنزا منها بنشابتين فأثبتهما في موضع
~~القرنين. ثم سألته أن يجمع أذن الظبي وظلفه بنشابة واحدة فرمى أصل أذن
~~الظبي ببندقة فلما أهوى بيده إلى أذنه ليحتك رماه بنشابة فوصل ظلفه بأذنه
~~ثم أهوى إلى القينة فضرب بها الأرض وقال: شد ما اشتططت علي وأردت إظهار
~~عجزي!.
# وقرأت في كتبهم أن كسرى استعمل قرابة له على اليمن يقال له المروزان،
~~فأقام بها حينا ثم خالفه أهل المصانع- والمصانع جبل باليمن ممتنع طويل
~~ووراءه جبل آخر بينهما فصل إلا أنه متقارب ما بينهما- فسار إليهم المروزان
~~فنظر إلى جبل لا يطمع أحد أن يدخله إلا من باب واحد يمنع ذلك الباب رجل
~~واحد. فلما رأى أن لا سبيل إليهم صعد الجبل الذي هو وراء المصانع من حيث
~~يحاذي حصنهم فنظر إلى أضيق مكان فيه تحته هواء لا يقدر قدره، فلم ير شيئا
~~أقرب إلى افتتاح ذلك الحصن من ذلك الجبل، فأمر أصحابه أن يقوموا به صفين ثم
~~يصيحوا به صيحة واحدة ثم ضرب فرسه حتى إذا استجمع حضرا رمى به أمام الحصن
~~وصاح به أصحابه فوثب الفرس الوادي فإذا هو على رأس الحصن، فلما نظرت إليه
~~حمير قالوا: هذا أيم.
# والأيم بالحميرية شيطان، فانتهرهم بالفارسية وأمرهم أن يربط بعضهم بعضا
~~ففعلوا واستنزلهم من حصنهم فقتل طائفة وسبى طائفة وكتب بما كان منه إلى
# PageV01P273
# كسرى، فتعجب كسرى وأمره بالاستخلاف على عمله والقدوم إليه وأراد أن يسامي
~~به أساورته «1» ، فاستخلف المروزان ابنه ثم توجه نحوه فلما صار ببعض بلاد
~~العرب هلك فوضعوه في تابوت ثم حملوه حتى قدموا به على كسرى فأمر كسرى بذلك
~~التابوت فوضع في خزانته فكان يخرج في كل عام إليه وإلى من عنده من أساورته
~~فيقول: هذا الذي فعل كذا وكذا.
# وروى أبو سوقة التميمي عن أبيه عن جده عن أبي الأغر التميمي قال:
# بينا أنا واقف بصفين مر بي العباس بن ربيعة مكفرا بالسلاح وعيناه تبصان
~~من تحت المغفر كأنهما عينا أرقم وبيده صفيحة له وهو على فرس له صعب يمنعه
~~ويلين من عريكته إذ هتف به هاتف من أهل الشام يقال له عرار بن أدهم: يا
~~عباس، هلم إلى البراز. قال العباس: فالنزول إذا فإنه إياس من القفول. فنزل
~~الشامي وهو يقول: [بسيط]
# إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا ... أو تنزلون فإنا معشر نزل
# وثنى العباس وركه فنزل وهو يقول: [كامل]
# وتصد عنك مخيلة الرجل ال ... عريض موضحة عن العظم
# بحسام سيفك أو لسانك وال ... كلم الأصيل كأرغب الكلم «2»
# ثم غضن فضلات درعه في حجزته ودفع قوسه إلى غلام له أسود يقال له: أسلم،
~~كأني أنظر إلى فلائل شعره ثم دلف كل واحد منهما إلى صاحبه فذكرت بهما قول
~~أبي ذؤيب «3» :
# PageV01P274
# [كامل]
# فتنازلا وتواقفت خيلاهما ... وكلاهما بطل اللقاء مخدع
# وكف الناس أعنة خيولهم ينتظرون ما يكون من الرجلين فتكافحا بينهما مليا
~~من نهارهما لا يصل واحد منهما إلى صاحبه لكمال لأمته إلى أن لحظ العباس
~~وهيا في درع الشامي فأهوى إليه بيده فهتكه إلى ثندؤته «1» ثم عاد لمجاولته
~~وقد أصحر له مفتق الدرع فضربه العباس ضربة انتظم بها جوانح صدره وخر الشامي
~~لوجهه وكبر الناس تكبيرة ارتجت لها الأرض من تحتهم وانشام العباس في الناس
~~وانساع أمره وإذا قائل يقول من ورائي قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم
~~وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من
~~يشاء والله عليم حكيم
# «2» فالتفت وإذا أمير المؤمنين، رضي الله عنه، علي بن أبي طالب، فقال: يا
~~أبا الأغر، من المنازل لعدونا؟ فقلت: هذا ابن أحيكم، هذا العباس بن ربيعة.
~~فقال: إنه لهو، يا عباس، ألم أنهك وابن عباس أن تخلا بمركزكما أو تباشرا
~~حربا؟
# قال: إن ذلك. يعني نعم. قال: فما عدا مما بدا؟ قال: فأدعى إلى البراز فلا
~~أجيب؟ قال: نعم، طاعة إمامك أولى بك من إجابة عدوك. ثم تغيظ واستشاط حتى
~~قلت: الساعة الساعة، ثم تطأمن وسكن ورفع يديه مبتهلا فقال: اللهم اشكر
~~للعباس مقامه واغفر له ذنبه، اللهم إني قد غفرت له فاغفر
# PageV01P275
# له. قال: وتأسف معاوية على عرار وقال: متى ينطف فحل بمثله! أيطل دمه!
~~لاها الله ذا. ألا لله رجل يشري نفسه يطلب بدم عرار؟ فانتدب له رجلان من
~~لخم. فقال: اذهبا فأيكما قتل العباس برازا فله كذا. فأتياه ودعواه إلى
~~البراز فقال: إن لي سيدا أريد أن أؤامره. فأتى عليا فأخبره الخبر، فقال
~~علي: والله لود معاوية أنه ما بقي من هاشم نافخ ضرمة إلا طعن في نيطه «1»
~~إطفاء لنور الله ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، أما والله
~~ليملكنهم منا رجال، ورجال يسومونهم الخسف حتى يحفروا الآبار ويتكففوا
~~الناس. ثم قال: يا عباس، ناقلني سلاحك بسلاحي، فناقله ووثب على فرس العباس
~~وقصد اللخميين. فلم يشكا أنه العباس فقالا له: أذن لك صاحبك؟ فخرج أن يقول
~~نعم، فقال: أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير
# «2» فبرز له أحدهما فضربه ضربة فكأنما أخطأه، ثم برز له الآخر فألحقه
~~بالأول، ثم أقبل وهو يقول: الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن
~~اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم
# «3» ثم قال: يا عباس، خذ سلاحك وهات سلاحي، فإن عاد لك أحد فعد إلي، ونمي
~~الخبر إلى معاوية فقال: قبح الله اللجاج إنه لقعود ما ركبته قط إلا خذلت.
~~فقال عمرو ابن العاص: الخذول والله اللخميان لا أنت. قال معاوية: أسكت،
~~أيها
# PageV01P276
# الرجل، فليس هذه من ساعتك. قال: وإن لم تكن، رحم الله اللخميين وما أراه
~~يفعل. قال: ذاك والله أخسر لصفقتك وأضيق لحجرك. قال: قد علمت ذلك ولولا مصر
~~لركبت المنجاة منها. قال: هي أعمتك ولولا هي لألفيت بصيرا. وقال عمرو بن
~~العاص لمعاوية: [طويل]
# معاوي، لا أعطيك ديني ولم أنل ... به منك دنيا، فانظرن كيف تصنع
# فإن تعطني مصرا فأربح بصفقة ... أخذت بها شيخا يضر وينفع
# خرج الأخينس الجهني فلقي الحصين العمري «1» ، وكانا جميعا فاتكين، فسارا
~~حتى لقيا رجلا من كندة في تجارة أصابها من مسك وثياب وغير ذلك، فنزل تحت
~~شجرة يأكل، فلما انتهيا إليه سلما. قال الكندي: ألا تضحيان؟
# فنزلا. فبينما هم يأكلون مر ظليم فنظر إليه الكندي وأبده «2» بصره فبدت
~~له لبته، فاغتره الحصين فضرب بطنه بالسيف فقتله، واقتسما ماله وركبا، فقال
~~الأخينس: يا حصين، ما صعلة «3» وصعل؟ قال: يوم شرب وأكل. قال: فانعت لي هذه
~~العقاب. فرفع رأسه لينظر إليها فوجأ بطنه بالسيف فقتله مثل قتله الأول. ثم
~~إن أختا للحصين يقال لها صخرة لما أبطأ عليها خرجت تسأل عنه في جيران لها
~~من مراح وجرم. فلما بلغ ذلك الأخينس قال: [وافر]
# وكم من فارس لا تزدريه ... إذا شخصت لموقفه العيون
# يذل له العزيز وكل ليث ... شديد الهصر مسكنه العرين
# علوت بياض مفرقه بعضب ... ينوء لوقعه الهام السكون
# فأمست عرسه ولها عليه ... هدوء بعد ليلته أنين
# PageV01P277
# كصخرة «1» إذ تسائل في مراح ... وفي جرم، وعلمهما ظنون
# تسائل عن حصين كل ركب ... وعند جهينة «2» الخبر اليقين
# فذهبت مثلا.
# خرج المهدي وعلي بن سليمان إلى الصيد ومعهما أبو دلامة «3» الشاعر، فسنحت
~~لهم ظباء فرمى المهدي ظبيا فأصابه، ورمى علي بن سليمان كلبا فعقره، فضحك
~~المهدي وقال لأبي دلامة: قال في هذا، فقال:
# [مجزوء الرمل]
# ورمى المهدي ظبيا ... شك بالسهم فؤاده
# وعلي بن سليما ... ن رمى كلبا فصاده
# فهنيئا لهما ك ... ل امرىء يأكل زاده «4»
# قال أبو دلامة: كنت في عسكر مروان أيام زحف إلي شبيب الخارجي، فلما التقى
~~الزحفان خرج منهم فارس ينادي: من يبارز؟ فجعل لا يخرج إليه إنسان إلا أعجله
~~ولم ينهنهه، فغاظ ذلك مروان، فجعل يندب الناس على خمسمائة، فقتل أصحاب
~~الخمسمائة، وزاد مروان على ندبته فبلغ بها ألفا، فما زال ذلك فعله حتى بلغ
~~بالندبة خمسة آلاف درهم، وتحتي فرس لا أخاف خونه، فلما سمعت بالخمسة آلاف
~~نزقته «5» واقتحمت الصف. فلما نظر إلي
# PageV01P278
# الخارجي علم أن خرجت للطمع، فأقبل يتهيأ لي وإذا عليه فرو له قد أصابه
~~المطر فارمعل «1» ثم أصابته الشمس فاقفعل «2» وعيناه تدران «3» كأنهما في
~~وقبين «4» ، فدنا مني وقال: [رجز]
# وخارج أخرجه حب الطمع ... فر من الموت وفي الموت وقع
# من كان ينوي أهله فلا رجع «5»
# فلما وقرت في أذني انصرفت عنه هاربا، وجعل مروان يقول: من هذا الفاضح؟
~~ائتوني به. ودخلت في غمار الناس فنجوت.
# كان خالد بن جعفر نديما للنعمان، فبينا هو ذات يوم عنده وقد دعا النعمان
~~بتمر وزبد فهما يأكلان منه إذ دخل عليهما الحارث بن ظالم. فقال النعمان:
~~أدن، يا حارث، فكل، فدنا. فقال خالد: من ذا أبيت اللعن؟ قال:
# هذا سيد قومه وفارسهم الحارث بن ظالم. قال خالد: أما إن لي عنده يدا.
# قال الحارث: وما تلك اليد؟ قال: قتلت سيد قومك فتركتك سيدهم بعده.
# يعني زهير بن جذيمة، قال الحارث أما إني سأجزيك بتلك اليد. ثم أخذه
~~الزمع»
# وأرعدت يده، فأخذ يعبث بالتمر فقال له خالد: أيتهن تريد فأناولكها؟ قال
~~الحارث: أيتهن تهمك فأدعها؟ ثم نهض مغضبا، فقال النعمان لخالد: ما أردت
~~بهذا وقد عرفت فتكه وسفهه؟ فقال: أبيت اللعن، وما
# PageV01P279
# تتخوف علي منه؟ فوالله لو كنت نائما ما أيقظني. فانصرف خالد فدخل قبة له
~~من أدم بعد هدأة من الليل وقام على بابها أخ له يحرسه. فلما نام الناس خرج
~~الحارث حتى أتى القبة من مؤخرها فشقها ثم دخل فقتله، فقال عمرو «1» ابن
~~الإطنابة: [خفيف]
# عللاني وعللا صاحبيا ... واسقياني من المروق ريا «2»
# إن فينا القيان يعزفن بالضر ... ب لفتياننا وعيشا رخيا
# يتناهين في النعيم ويضرب ... ن خلال القرون مسكا ذكيا
# أبلغا الحارث بن ظالم «3» الرع ... ديد والناذر النذور عليا
# إنما تقتل النيام ولا تق ... تل يقظان ذا سلاح كميا
# وكان عمرو قد آلى ألا يدعوه رجل بليل إلا أجابه ولم يسأله عن اسمه.
# فأتاه الحارث ليلا فهتف به، فخرج إليه، فقال: ما تريد؟ قال أعني على أبل
~~لبني فلان وهي منك غير بعيدة فإنها غنيمة باردة. فدعا عمرو بفرسه وأراد أن
~~يركب حاسرا. فقال له: إلبس عليك سلاحك فإني لا امن امتناع القوم، فاستلأم
~~وخرج معه، حتى إذا برزا قال له الحارث: أنا أبو ليلى فخذ حذرك، يا عمرو،
~~فقال له: أمنن علي. فجز ناصيته. وقال الحارث: [خفيف]
# عللاني بلذتي قينتيا ... قبل أن تبكي العيون عليا
# قبل أن تذكر العواذل أني ... كنت قدما لأمرهن عصيا
# PageV01P280
# ما أبالي إذا أصطبحت ثلاثا ... أرشيدا دعوتني أم غويا
# غير ألا أسر إثما ... في حياتي ولا أخون صفيا
# بلغتني مقالة المرء عمرو ... بلغتني وكان ذاك بديا
# فخرجنا لموعد فالتقينا ... فوجدناه ذا سلاح كميا
# غير ما نائم يروع باللي ... ل معدا بكفه مشرفيا «1»
# فرجعنا بالمن منا عليه ... بعد ما كان منه منا بديا
# ووفد تميم «2» بن مر وبكر بن وائل «3» على بعض الملوك، وكانا ينادمانه
~~فجرى بينهما تفاخر فقالا: أيها الملك، أعطنا سيفين، فأمر الملك بسيفين من
~~عودين فنحتا وموها بالفضة وأعطاهما إياهما، فجعلا يضطربان بهما مليا من
~~نهارهما، فقال بكر: [رجز]
# لو كان سيفانا حديدا قطعا
# وقال تميم:
# أو نحتا من جندل تصدعا
# ففرق الملك بينهما، فقال بكر لتميم: [وافر]
# أساجلك العداوة ما بقينا
# وقال تميم:
# وإن متنا نورثها بنينا
# PageV01P281
# فأورثاها بنيهما إلى اليوم.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن خلف الأحمر قال: كان أبو عروة «1» السباع
~~يصيح بالسبع وقد احتمل الشاة فيسقط فيموت فيشق بطنه فيوجد فؤاده قد انخلع.
~~وهو مثل في شدة الصوت. قال الشاعر «2» في ذلك: [منسرح]
# زجر أبي عروة السباع إذا ... أشفق أن يلتبسن بالغنم «3»
# قال: وأبو عطية عفيف النصري نادى في الحرب التي كانت بين ثقيف وبين بني
~~نصر لما رأى الخيل بعقوته «4» : يا سوء صباحاه، أتيتم يا بني يربوع! فألقت
~~الحبالى أولادها، فقيل في ذلك: [طويل]
# وأسقط أحبال النساء بصوته ... عفيف لدن نادى بنصر فطربا
# في أخبار وهب بن منبه أن يهوذا قال ليوسف: لتكفن أو لأصيحن صيحة لا تبقي
~~حامل بمصر إلا ألقت ما في بطنها.
# محمد بن الضحاك عن أبيه قال: كان العباس بن عبد المطلب يقف على سلع
~~فينادي غلمانه وهم بالغابة فيسمعهم وذلك من آخر الليل. وبين الغابة وبين
~~سلع ثمانية أميال، وسلع جبل وسط المدينة. وكان شبيب بن ربعي يتنحنح في داره
~~فيسمع تنحنه بالكناسة «5» ، ويصيح براعيه فيسمع نداؤه
# PageV01P282
# على فرسخ وكان هذا مؤذن سجاح «1» التي تنبأت ذكر هذا خالد بن صفوان،
~~وسمعه أبو المجيب النهدي فقال: ما سمع له بصوت أبعد من صوته بآذانه فإنه
~~كان مؤذنها يعني سجاح.
# ذم رجل الأشتر فقال له قائد: أسكت فإن حياته هزمت أهل الشام وإن موته هزم
~~أهل العراق.
# المدائني قال: أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجل يستحمله، فقال له: خذ
~~بعيرا من إبل الصدقة. فتناول ذنب بعير صعب فجذبه فاقتلعه، فعجب عمر وقال
~~له: هل رأيت أشد منك؟ قال: نعم، خرجت بامرأة من أهلي أريد بها زوجها فنزلنا
~~منزلا أهله خلوف فقربت من الحوض فبينا أنا كذلك إذ أقبل رجل ومعه ذود «2»
~~والمرأة ناحية فسرب ذوده إلى الحوض ومضى إلى المرأة فساورها ونادتني، فما
~~انتهيت إليها حتى خالطها، فجئت لأدفعه عنها فأخذ برأسي فوضعه بين عضده
~~وجنبه فما استطعت أن أتحرك حتى قضى ما أراد ثم استلقى. فقالت المرأة: أي
~~فحل هذا! لو كانت لنا منه سخلة «3» ! وأمهلته حتى امتلأ نوما فقمت إليه
~~بالسيف فضربت ساقه فأبنتها، فانتبه وتناول رجله فعلما فغلبه الدم فرماني
~~برجله وأخطأني وأصاب عنق بعيري
# PageV01P283
# فقتله. فقال عمر: ما فعلت المرأة؟ قال: هذا حديث الرجل. فكرر عليه مرارا
~~لا يزيده على هذا، فظن أنه قد قتلها.
# حدثني يزيد بن عمرو قال: حدثنا أشهل بن حاتم قال: حدثنا ابن عون عن عمير
~~بن إسحاق قال: كان سعد على ظهر بيت وهو شاك والمشركون يفعلون بالمؤمنين
~~ويفعلون. وأبو محجن في الوثاق عند أم ولد لسعد فأنشأ يقول: [طويل]
# كفى حزنا أن تلتقي الخيل بالقنا ... وأترك مشدودا علي وثاقيا
# إذا شئت غناني الحديد وغلقت ... مغاليق من دوني تصم المناديا
# فقالت له أم ولد سعد: أتجعل لي إن أنا أطلقتك أن ترجع إلي حتى أعيدك في
~~الوثائق؟ قال نعم، فأطلقته فركب فرسا بلقاء «1» لسعد وحمل على المشركين
~~فجعل سعد يقول: لولا أن أبا محجن في الوثاق لظننت أنه أبو محجن وأنها فرسي.
~~فانكشف المشركون وجاء أبو محجن فأعادته في الوثاق وأتت سعدا فأخبرته، فأرسل
~~إلى أبي محجن فأطلقه وقال: والله لاحبستك فيها أبدا. يعني الخمر، فقال أبو
~~محجن: وأنا الله لا أشربها بعد اليوم أبدا.
# وقال الشاعر «2» : [طويل]
# سأغسل عني العار بالسيف جالبا ... علي قضاء الله ما كان جالبا
# وأذهل عن داري وأجعل هدمها ... لعرضي من باقي المذمة حاجبا
# ويصغر في عيني تلادي إذا انثنت ... يميني بإدراك الذي كنت طالبا
# فيا لرزام رشحوا بي مقدما ... إلى الموت خواضا إليه الكرائبا
# PageV01P284
# إذا هم لم يردع كريمة همه ... ولم يأت ما يأتي من الأمر هائبا
# أخا غمرات لا يريد على الذي ... يهم به من مفظع الأمر صاحبا
# إذا هم ألقى بين عينيه عزمه ... ونكب عن ذكر العواقب جانبا
# ولم يستشر في رأيه غير نفسه ... ولم يرض إلا قائم السيف صاحبا
# عليكم بداري فاهدموها فإنها ... تراث كريم لا يخاف العواقبا «1»
# وقال رجل «2» من بني العنبر: [بسيط]
# لو كنت من مازن لم تستبح إبلي ... بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا
# إذن لقام بنصري معشر خشن ... عند الكريهة إن ذو لوثة لانا
# قوم إذا الشر أبدى ناجذيه «3» لهم ... طاروا إليه زرافات ووحدانا
# لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد ... ليسوا من الشر في شيء وإن هانا
# يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ... ومن إساءة أهل السوء إحسانا
# كأن ربك لم يخلق لخشيته ... سواهمو من جميع الناس إنسانا
# فليت لي بهمو قوما إذا ركبوا ... شنوا الإغارة فرسانا وركبانا
# لا يسألون أخاهم حين يندبهم ... في النائبات على ما قال برهانا
# لكن يطيرون أشتاتا إذا فزعوا ... وينفرون إلى الغارات وحدانا
# PageV01P285
# وقال آخر: [مجزوء الكامل]
# ولئن عمرت لأشفين ... ن النفس من تلك المساعي
# ولأعلمن البطن أن ... ن الزاد ليس بمستطاع
# أما النهار فرأي أص ... حابي بمرقبة يفاع
# أثر الشجاع بها كسر ... د الخرز في سير الصناع
# ترد السباع معي فأل ... فى كالمدل من السباع
# وقال آخر: [بسيط]
# إنا محيون يا سلمى فحيينا ... وإن سقيت كرام الناس فاسقينا
# إنا لنرخص يوم الروع أنفسنا ... ولو نسام بها في الأمن أغلينا
# بيض مفارقنا تغلي مراجلنا ... نأسو بأموالنا آثار أيدينا
# وقال المعلوط «1» : [وافر]
# ألم ترني خلقت أخا حروب ... إذا لم أجن كنت مجن جاني؟
# وقال آخر «2» : [طويل]
# لعمري لقد نادى بأرفع صوته ... نعي سويد أن فارسكم هوى
# أجل صادقا والقائل الفاعل الذي ... إذا قال قولا أنبط «3» الماء في الثرى
# فتى قبل لم تعنس السن وجهه ... سوى خلسة في الرأس كالبرق في الدجى «4»
# أشارت له الحرب العوان فجاءها ... يقعقع بالأقراب أول من أتى
# PageV01P286
# ولم يجنها لكن جناها وليه ... فآسى فآداه فكان كمن جنى
# وقال بشامة «1» : [بسيط]
# إنا بني نهشل لا ندعي لأب ... عنه ولا هو بالأبناء يشرينا
# إن تبتدر غاية يوما لمكرمة ... تلق السوابق منا والمصلينا
# إنا لمن معشر أفنى أوائلهم ... قيل الكماة ألا أين المحامونا
# لو كان في الألف منا واحد فدعوا ... من فارس؟ خالهم إياه يعنونا
# وقال زهير «2» : [بسيط]
# يطعنهم ما ارتموا حتى إذا اطعنوا ... ضارب حتى إذا ما ضاربوا اعتنقا
# وقالت امرأة من كندة: [طويل]
# أبوا أن يفروا والقنا في نحورهم ... ولم يرتقوا من خشية الموت سلما
# ولو أنهم فروا لكانوا أعزة ... ولكن رأوا صبرا على الموت أكرما
# وقال آخر: [طويل]
# بني عمنا، ردوا فضول دمائنا ... ينم ليلكم، أو لا تلمنا اللوائم
# فإنا وإياكم وإن طال ترككم ... كذي الدين ينأى ما نأى وهو غارم
# وقال أبو سعيد المخزومي «3» وكان شجاعا: [بسيط]
# وما يريد بنو الأعيار من رجل ... بالجمر مكتحل بالنبل مشتمل
# لا يشرب الماء إلا من قليب دم ... ولا يبيت له جار على وجل
# PageV01P287
# وقال عبد القدوس بن عبد الواحد من ولد النعمان بن بشير: [طويل]
# ندى تحكم الآمال فيه، ونجدة ... تحكم في الأعداء بالأسر والقتل
# وقال آخر: [طويل]
# ضربناكمو حتى إذا قام ميلكم ... ضربنا العدا عنكم بأبيض صارم
# تمثل زيد بن علي يوم قتل بقول القائل: [متقارب]
# أذل الحياة وعز الممات ... وكلا أراه طعاما وبيلا
# فإن كان لا بد من واحد ... فسيروا إلى الموت سيرا جميلا
# وقال قيس «1» بن الخطيم: [رجز]
# أبلج لا يهم بالفرار ... قد طاب نفسا بدخول النار
# وقال آخر «2» : [وافر]
# ومن تكن الحضارة أعجبته ... فأي رجال بادية ترانا
# ومن ربط الجحاش فإن فينا ... قنا سلبا وأفراسا حسانا
# وكن إذا أغرن على قبيل ... فأعوزهن كون حيث كانا
# أغرن من الضباب على جلال «3» ... وضبة إنه من حان حانا
# وأحيانا نكر على أخينا ... إذا ما لم نجد إلا أخانا
# وقال الخنساء «4» : [متقارب]
# تعرقني الدهر نهسا وحزا ... وأوجعني الدهر قرعا وغمزا
# وأفني رجالي فبادوا معا ... فأصبح قلبي بهم مستفزا
# PageV01P288
# ومن ظن ممن يلاقي الحروب ... بأن لا يصاب فقد ظن عجزا
# وفيها «1» تقول: [متقارب]
# ونلبس للحرب أثوابها ... ونلبس في الأمن خزا وقزا
# وهذا كقولهم: إلبس لكل حالة لبوسها.
# وقال عبد الله بن سبرة الحرشي «2» حين قطعت يده: [بسيط]
# ويلم «3» جار غداة الجسر فارقني ... أعزز علي به إذ بان فانصدعا
# يمنى يدي غدت مني مفارقة ... لم أستطع يوم خلطاس لها تبعا
# وما ضننت عليها أن أصاحبها ... لقد حرصت على أن نستريح معا
# وقائل غاب عن شأني وقائلة ... ألا اجتنبت عدو الله إذ صرعا
# وكيف أتركه يمشي بمنصله ... نحوي وأجبن عنه بعدما وقعا
# ما كان ذلك يوم الروع من خلقي ... وإن تقارب مني الموت واكتنعا
# ويلمه فارسا ولت كتيبته ... حامى وقد ضيعوا الأحساب فارتجعا
# يمشي إلى مستميت مثله بطل ... حتى إذا مكنا سيفيهما امتصعا
# كل ينوء بماضي الحد ذي شطب ... جلى الصياقل عن دريه «4» الطبعا
# حاسيته الموت حتى اشتف آخره ... فما استكان لما لاقى وما جزعا
# كأن لمته هداب مخملة ... أحم «5» أزرق لم يشمط وقد صلعا
# فإن يكن أطربون الروم قطعها ... فقد تركت بها أوصاله قطعا
# وإن يكن أطربون الروم قطعها ... فإن فيها بحمد الله منتفعا
# PageV01P289
# بنانتان وجذمور «1» أقيم بها ... صدر القناة إذا ما آنسوا فزعا
# وقال بعض الشعراء: [رجز]
# إن لنا من قومنا ناصرة ... بيض الظبا سمر القنا شهب اللمم
# يستنفرون الموت من مجثمه ... ويبعثون الحرب من عقد السلم
# أولاك قيس قومنا أكرم بهم ... قيس الندى قيس العلا قيس الكرم
# وقال جعفر «2» بن علبة الحارثي: [طويل]
# ليهن عقيلا أنني قد تركتها «3» ... ينوء بقتلاها الذئاب الهوامل
# لهم صدر سيفي يوم برقة سحبل ... ولي منه ما ضمت عليه الأنامل
# إذا القوم سدوا مأزقا فرجت لنا ... بأيماننا بيض جلتها الصياقل
# وقال عمرو «4» بن معد يكرب: [وافر]
# أعاذل، شكتي بزي ورمحي ... وكل مقلص سلس القياد
# أعاذل، إنما أفنى شبابي ... ركوب في الصريخ إلى المنادي
# وقال أبو دلف «5» : [متقارب]
# لقد علمت وائل أننا ... نخوض الحتوف غداة الحتوف
# ولا نتقيها بزحف الفرار ... إذا ما الصفوف انبرت للصفوف
# PageV01P290
# ويوم أفاءت لنا خيلنا ... لدى جبل الديلمي المنيف
# طوال الفتى بطوال القنا ... وبيض الوجوه ببيض السيوف
# وكل حصان بكل حصان ... أمين شظاه سليم الوظيف
# ألا نعماني فما نعمتي ... برادعتي عن ركوب المخوف
# لي الصبر عند حلول البلا ... إذا نزلت بي إحدى الصروف
# وإن تسألي تخبري أنني ... أقي حسبي بألوف الألوف
# وأحلم حتى يقولوا ضعيف ... وما أنا قد علموا بالضعيف
# خفيف على فرسي ما ركبت ... ولست على ظالمي بالخفيف
### | باب الحيل في الحروب وغيرها
# قال ابن إسحاق: لما خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى بدر، مر حتى
~~وقف على شيخ من العرب فسأله عن محمد وقريش وما بلغه من خبر الفريقين.
# فقال الشيخ: لا أخبركم حتى تخبروني ممن أنتم. فقال رسول الله، صلى الله
~~عليه وسلم: «إذا أخبرتنا أخبرناك» . فقال الشيخ: خبرت أن قريشا خرجت من مكة
~~وقت كذا، فإن كان الذي خبرني صدق فهي اليوم بمكان كذا، للموضع الذي به
~~قريش.
# وخبرت أن محمدا خرج من المدينة وقت كذا، فإن كان الذي خبرني صدق فهو
~~اليوم بمكان كذا، للموضع الذي به رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال: من
~~أنتم؟
# فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن من ماء، ثم انصرف. فجعل الشيخ
~~يقول: نحن من ماء! من ماء العراق أو ماء كذا أو ماء كذا!.
# حدثني سهل بن محمد قال: حدثني الأصمعي قال: حدثني شيخ من بني العنبر قال:
~~أسرت بنو شيبان رجلا من بني العنبر فقال لهم: أرسل إلي أهلي ليفتدوني.
~~قالوا: ولا تكلم الرسول إلا بين أيدينا. فجاءوه برسول فقال
# PageV01P291
# له: إئت قومي فقل لهم: إن الشجر قد أورق وإن النساء قد اشتكت. ثم قال له:
~~أتعقل ما أقول لك؟ قال: نعم أعقل. قال: فما هذا؟ وأشار بيده. قال:
# هذا الليل. قال: أراك تعقل. إنطلق لأهلي فقل لهم: عروا جملي الأصهب
~~واركبوا ناقتي الحمراء وسلوا حارثا عن أمري. فأتاهم الرسول فأخبرهم،
~~فأرسلوا إلى حارث فقص عليه القصة، فلما خلا معهم قال لهم: أما قوله:
# «إن الشجر قد أورق» فإنه يريد أن القوم قد تسلحوا. وقوله: «إن النساء قد
~~اشتكت» فإنه يريد أنها قد اتخذت الشكاء «1» للغزو، وهي أسقية، ويقال للسقاء
~~الصغير شكوة. وقوله: «هذا الليل» يريد أنهم يأتونكم مثل الليل أو في الليل.
~~وقوله: «عروا جملي الأصهب» يريد ارتحلوا عن الصمان. وقوله:
# «اركبوا ناقتي الحمراء» يريد اركبوا الدهناء. قال: فلما قال لهم ذلك
~~تحولوا من مكانهم، فأتاهم القوم فلم يجدوا منهم أحدا.
# أرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عبد الله بن عباس لما قدم البصرة
~~فقال: ائت الزبير ولا تأت طلحة فإن الزبير ألين وأنت تجد طلحة كالثور عاقصا
~~قرنه، يركب الصعوبة ويقول هي أسهل، فأقرئه السلام وقل له يقول لك ابن خالك:
~~عرفتني بالحجاز وأنكرتني بالعراق، فما عدا مما بدا؟
# قال ابن عباس: فأتيته فأبلغته. فقال قل له: بيننا وبينك عهد خليفة ودم
~~خليفة، واجتماع ثلاثة وانفراد واحد، وأم مبرورة، ومشاورة العشرة، ونشر
~~المصاحف، نحل ما أحللت ونحرم ما حرمت.
# الهيثم بن عدي قال: مر شبيب الخارجي على غلام في الفرات يستنقع في الماء
~~فقال له شبيب: أخرج إلي أسائلك. قال: فأنا آمن حتى ألبس ثوبي؟ قال: نعم.
~~قال: فوالله لا ألبسه.
# PageV01P292
# قال الهيثم: أراد عمر رحمه الله قتل الهرمزان. فاستسقى فأتي بماء فأمسكه
~~بيده واضطرب، فقال له عمر: لا بأس عليك، إني غير قاتلك حتى تشربه. فألقى
~~القدح، من يده وأمر عمر بقتله، فقال: أو لم تؤمني؟ قال: كيف امنتك؟ قال:
~~قلت: لا بأس عليك حتى تشربه، ولا بأس أمان، وأنا لم أشربه. فقال عمر: قاتله
~~الله! أخذ أمانا ولم نشعر به. قال أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم:
~~صدق.
# العتبي: بعث يزيد بن معاوية عبيد الله بن عضاه الأشعري إلى ابن الزبير
~~فقال له: إن أول أمرك كان حسنا فلا تفسده بآخره. فقال ابن الزبير: إنه ليست
~~في عنقي بيعة ليزيد. فقال عبيد الله: يا معشر قريش، قد سمعتم ما قال، وقد
~~بايعتم، وهو يأمركم بالرجوع عن البيعة.
# المدائني قال: أقبل واصل بن عطاء في رفقة فلقيهم ناس من الخوارج فقالوا
~~لهم: من أنتم؟ قال لهم واصل: مستجيرون حتى نسمع كلام الله، فأعرضوا علينا،
~~فعرضوا عليهم فقال واصل: قد قبلنا. قالوا: فامضوا راشدين. قال واصل: ما ذلك
~~لكم حتى تبلغونا مأمننا. قال الله تعالى: وإن أحد من المشركين استجارك
~~فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه
# «1» فأبلغونا مأمننا. فجاءوا معهم حتى بلغوا مأمنهم.
# وقال معاوية: لا ينبغي أن يكون الهاشمي غير جواد ولا الأموي غير حليم ولا
~~الزبيري، غير شجاع ولا المخزومي غير تياه. فبلغ ذلك الحسن بن علي فقال:
~~قاتله الله! أراد أن يجود بنو هاشم فينفد ما بأيديهم، ويحلم بنو
# PageV01P293
# أمية فيتحببوا إلى الناس، ويتشجع آل الزبير فيفنوا، ويتيه بنو مخزوم
~~فيبغضهم الناس.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن عيسى بن عمر قال: استقبل الخوارج بن عرباض
~~اليهودي وهم بحرورى «1» فقال: هل خرج إليكم في اليهود شيء؟ قالوا: لا. قال:
~~فأمضوا راشدين.
# المدائني قال: لما بلغ قتيبة بن مسلم أن سليمان يريد عزله عن خراسان
~~واستعمال يزيد بن المهلب كتب إليه ثلاثة صحائف، وقال للرسول:
# إدفع إليه هذه، فإن دفعها إلى يزيد فادفع إليه هذه، فإن شتمني عند
~~قراءتها فادفع إليه الثالثة. فلما صار إليه الرسول دفع إليه الكتاب الأول
~~وفيه: يا أمير المؤمنين، إن من بلائي في طاعة أبيك وطاعتك وطاعة أخيك كيت
~~وكيت.
# فدفع كتابه إلى يزيد فأعطاه الرسول الكتاب الثاني وفيه: يا أمير
~~المؤمنين، تأمن ابن دحمة على أسرارك ولم يكن أبوه يأمنه على أمهات أولاده!
~~فشتم قتيبة، فدفع إليه الرسول الكتاب الثالث وفيه: من قتيبة بن مسلم إلى
~~سليمان ابن عبد الملك، سلام على من اتبع الهدى أما بعد، فوالله لأوثقن لك
~~آخية «2» لا ينزعها المهر الأرن «3» . قال سليمان: عجلنا على قتيبة. يا
~~غلام، جدد له عهده على خراسان.
# لما صرف أهل مزة الماء عن أهل دمشق ووجهوه إلى الصحارى كتب
# PageV01P294
# إليهم أبو الهندام: إلى بني استها أهل مزة، ليمسيني الماء أو لتصبحنكم
~~الخيل. فوافاهم الماء قبل أن يعتموا فقال أبو الهندام: «الصدق ينبي عنك لا
~~الوعيد» .
# ولما بايع الناس يزيد بن الوليد أتاه الخبر عن مروان ببعض التلكؤ
~~والتربص، فكتب إليه يزيد: أما بعد، فإني أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى فإذا
~~أتاك كتابي هذا فاعتمد على أيتهما شئت، والسلام.
# ولما هزم أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد لم يدر الناس كيف يعزونه،
~~فدخل عليه عبد الله بن الأهتم فقال: مرحبا بالصابر المخذول، الحمد لله الذي
~~نظر لنا عليك ولم ينظر لك علينا، فقد تعرضت للشهادة بجهدك إلا أن الله علم
~~حاجة الإسلام إليك فأبقاك له بخذلان من كان معك لك. فصدر الناس عن كلامه.
# وكتب الحارث بن خالد المخزومي- وكان عامل يزيد بن معاوية على مكة- إلى
~~مسلم بن عقبة المري، فأتاه الكتاب وهو بآخر رمق، وفي الكتاب:
# أصلح الله الأمير، إن ابن الزبير أتاني بما لا قبل لي به فانحزت. فقال:
~~يا غلام أكتب إليه: أما بعد، فقد أتاني كتابك تذكر أن ابن الزبير أتاك بما
~~لا قبل لك به فانحزت. وايم الله ما أبالي على أي جنبيك سقطت إلا أن شرهما
~~لك أحبهما إلي، وبالله لئن بقيت لك لأنزلنك حيث أنزلت نفسك والسلام.
# أبو حاتم قال: حدثنا العتبي قال: حدثنا إبراهيم قال: لما أسن معاوية
~~اعتراه أرق فكان إذا هوم أيقظته نواقيس الروم، فلما أصبح يوما ودخل عليه
~~الناس قال: يا معشر العرب، هل فيكم فتى يفعل ما آمره وأعطيه ثلاث ديات
~~أعجلها له وديتين إذا رجع؟ فقام فتى من غسان فقال: أنا يا أمير المؤمنين.
# PageV01P295
# قال: تذهب بكتابي إلى ملك الروم، فإذا صرت على بساطه أذنت. قال: ثم ماذا؟
~~قال: فقط. فقال: لقد كلفت صغيرا وآتيت كبيرا. فكتب له وخرج، فلما صار على
~~بساط قيصر أذن، فتناجزت البطارقة واخترطوا سيوفهم فسبق إليه ملك الروم فجثا
~~عليه وجعل يسألهم بحق عيسى وبحقهم عليه لما كفوا، ثم ذهب به حتى صعد على
~~سريره ثم جعله بين رجليه، ثم قال: يا معشر البطارقة، إن معاوية رجل قد أسن
~~وقد أرق وقد آذته النواقيس، فأراد أن نقتل هذا على الأذان فيقتل من قبله
~~منا ببلاده على النواقيس، والله ليرجعن إليه بخلاف ما ظن. فكساه وحمله فلما
~~رجع إلى معاوية قال: أوقد جئتني سالما؟ قال: نعم، أما من قبلك فلا.
# وكان يقال: ما ولي المسلمين أحد إلا ملك الروم مثله إن حازما وإن عاجزا.
~~وكان الذي ملكهم على عهد عمر هو الذي دون لهم الدواوين ودوخ لهم العدو،
~~وكان ملكهم على عهد معاوية يشبه معاوية في حزمه وحلمه.
# وبهذا الإسناد قال: كانت القراطيس تدخل بلاد الروم من أرض العرب وتأتي من
~~قبلهم الدنانير، وكان عبد الملك أول من كتب قل هو الله أحد
# «1» وذكر النبي، صلى الله عليه وسلم، في الطوامير «2» ، فكتب إليه ملك
~~الروم: إنكم قد أحدثتم في طواميركم شيئا من ذكر نبيكم نكرهه فانه عنه وإلا
~~أتاكم في دنانيرنا من ذكره ما تكرهون. فكبر ذلك في صدر عبد الملك وكره أن
~~يدع شيئا من ذكر الله قد كان أمر به أو يأتيه في الدنانير من ذكر الرسول،
~~صلى الله عليه وسلم، ما يكره، فأرسل إلى خالد بن يزيد بن معاوية فقال: يا
~~أبا هاشم، إحدى بنات طبق «3» ، وأخبره
# PageV01P296
# الخبر. فقال: ليفرخ روعك، حرم دنانيرهم واضرب للناس سككا ولا تعفهم مما
~~يكرهون. فقال عبد الملك: فرجتها عني فرج الله عنك.
# حدثنا الرياشي قال: لما هدم الوليد بن عبد الملك كنيسة دمشق كتب إليه ملك
~~الروم: إنك قد هدمت الكنيسة التي رأى أبوك تركها فإن كان حقا فقد أخطأ
~~أبوك، وإن كان باطلا فقد خالفته. فكتب إليه الوليد: وداود وسليمان إذ
~~يحكمان في الحرث
# «1» إلى آخر القصة.
# حدثنا الزيادي محمد بن زياد قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال:
# حدثنا علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال: كتب قيصر إلى
~~معاوية: سلام عليك، أما بعد، فأنبئني بأحب كلمة إلى الله وثانية وثالثة
~~ورابعة وخامسة، ومن أكرم عباده إليه وأكرم إمائه، وعن أربعة أشياء فيهن
~~الروح لم يرتكضن في رحم، وعن قبر يسير بصاحبه ومكان في الأرض لم تصبه الشمس
~~إلا مرة واحدة، والمجرة ما موضعها من السماء، وقوس قزح وما بدء أمره؟.
# فلما قرأ كتابه قال: اللهم العنه! ما أدري ما هذا!. فأرسل إلي يسألني
~~فقلت:
# أما أحب كلمة إلى الله فلا إله إلا الله لا يقبل عملا إلا بها وهي
~~المنجية، والثانية سبحان الله وهي صلاة الخلق، والثالثة الحمد لله كلمة
~~الشكر، والرابعة الله أكبر فواتح الصلوات والركوع والسجود، والخامسة لا حول
~~ولا قوة إلا بالله. وأما أكرم عباد الله إليه فآدم خلقه بيده وعلمه الأسماء
~~كلها، وأكرم إمائه عليه مريم التي أحصنت فرجها. والأربعة التي فيهن روح ولم
~~يرتكضن في رحم فادم وحواء وعصا موسى والكبش. والموضع الذي لم تصبه الشمس
~~إلا مرة واحدة فالبحر حين انفلق لموسى وبني إسرائيل. والقبر الذي سار
~~بساحبه فبطن الحوت الذي كان فيه يونس.
# PageV01P297
# أبو حاتم عن العتبي عن أبيه قال: قدم معاوية من الشام وعمرو بن العاص من
~~مصر على عمر فأقعدهما بين يديه وجعل يسألهما عن أعمالهما إلى أن اعترض عمرو
~~في حديث معاوية، فقال له معاوية: أعلي تعيب وإلي تقصد؟ هلم حتى أخبر أمير
~~المؤمنين عن عملك وتخبره عن عملي. قال عمرو: فعلمت أنه بعملي أبصر مني
~~بعمله وأن عمر لا يدع أول هذا الحديث حتى يأتي على آخره، فأردت أن أفعل
~~شيئا أقطع به ذلك فرفعت يدي فلطمت معاوية، فقال عمر: تالله ما رأيت رجلا
~~أسفه منك، يا معاوية إلطمه. فقال معاوية: إن لي أميرا لا أقضي الأمور دونه.
~~فأرسل عمر إلى أبي سفيان فلما رآه ألقى له وساده ثم قال معتذرا: قال رسول
~~الله، صلى الله عليه وسلم: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ثم قص عليه ما جرى
~~بين عمرو ومعاوية فقال: ألهذا بعثت إلي؟ أخوه وابن عمه وقد أتى غير كبير،
~~قد وهبت له ذلك.
# أبو حاتم عن الأصمعي عن نافع قال: ذكر بشر بن أرطاة عليا فنال منه فضرب
~~زيد بن عمر- وأمه ابنة علي بن أبي طالب- على رأسه بعصا فشجه فبلغ ذلك
~~معاوية فبعث إلى زيد بن عمر: أتدري ما صنعت؟ وثبت على بشر ابن أرطاة وهو
~~شيخ أهل الشام فضربت رأسه بعصا، لقد أتيت عظيما. ثم بعث إلى بشر فقال:
~~أتدري ما صنعت؟ وثبت على ابن الفاروق وابن علي بن أبي طالب تسبه وسط الناس
~~وتزدريه، لقد أتيت عظيما. ثم بعث إلى هذا بشيء وإلى هذا بشيء.
# المدائني قال: كان ابن المقفع محبوسا في خراج كان عليه وكان يعذب، فما
~~طال ذلك وخشي على نفسه تعين «1» من صاحب العذاب مائة ألف درهم فكان بعد ذلك
~~يرفق به إبقاء على ماله.
# PageV01P298
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: قال المختار: أدعوا إلي المهدي محمد بن
~~الحنفية: فلما خشي أن يجيء قال: أما إن فيه علامة لا تخفى، يضربه رجل
~~بالسيف ضربة لا تعمل فيه. قال الأصمعي عرضه لأن مجرب به.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن عوانة بن الحكم الكلبي قال: ولى علي، رضي
~~الله عنه، الأشتر مصر فلما بلغ العريش أتى بطرا مصر فقال له مولى لعثمان:
~~(وكان يقول: أنا مولى لآل عمر) : هل لك في شربة من سويق أجدحها «1» لك؟
~~قال: نعم. فجدح له بعسل وجعل فيها سما قاضيا فلما شربها يبس، فقال معاوية
~~لما بلغه الخبر: يا بردها على الكبد! «إن لله جنودا منها العسل» . وقال
~~علي: «لليدين وللفم» .
# حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي عن ابن أبي الزناد قال: نظر علي إلى ولد عثمان
~~كأنهم مستوحشون فسألهم فقالوا: نرمى بالليل، فقال: من أين يأتيكم الرمي؟
~~قالوا: من ههنا. فصعد علي ولف رأسه ثم جعل يرمي وقال: إذا عاد فافعلوا مثل
~~هذا فانقطع الرمي. قال محمد بن كعب القرظي: جاء رجل إلى سليمان النبي عليه
~~السلام فقال يا نبي الله: إن لي جيرانا سرقوا إوزتي فنادى:
# الصلاة جامعة. ثم خطبهم فقال في خطبته: وأحدكم يسرق إوزة جاره ثم يدخل
~~المسجد والريش على رأسه! فمسح رجل على رأسه، فقال سليمان:
# خذوه فهو صاحبكم.
# أخذ الحكم بن أيوب الثقفي عامل الحجاج إياس بن معاوية في ظنة «2»
~~الخوارج، فقال له الحكم: إنك خارجي منافق وشتمه، ثم قال: ائتني بمن يكفل
~~بك. قال: ما أجد أحدا أعرف بي منك. قال: وما علمي بك وأنا من
# PageV01P299
# أهل الشام وأنت من أهل العراق. قال إياس: ففيم هذه الشهادة منذ اليوم.
# فضحك وخلى سبيله.
# دخل رجل من بني مخزوم على عبد الملك بن مروان وكان زبيريا، فقال له عبد
~~الملك: أليس قد ردك الله على عقبيك؟ قال: ومن رد عليك فقد رد على عقبيه؟
~~فسكت عبد الملك وعلم أنه قد أخطأ.
# وكان رجل من النصارى يختلف إلى الضحاك بن مزاحم فقال له يوما:
# لو أسلمت! قال: يمنعني من ذلك حبي للخمر. قال فأسلم واشربها. فأسلم، فقال
~~له الضحاك: إنك قد أسلمت فإن شربت الخمر حددناك وإن رجعت عن الإسلام
~~قتلناك. فحسن إسلامه.
# دخلت أم أفعى العبدية على عائشة رضي الله عنها فقالت: يا أم المؤمنين، ما
~~تقولين في امرأة قتلت ابنا لها صغيرا؟ قالت: وجبت لها النار.
# قالت: فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الأكابر عشرين ألفا؟ قالت:
# خذوا بيد عدوة الله.
# العتبي قال: كتب يزيد بن معاوية إلى المدينة: أما بعد، «فإن الله لا يغير
~~ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» «1» وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له
~~وما لهم من دونه من وال. إني والله قد لبستكم فأخلفتكم ورقعت بكم فاخترقتكم
~~ثم وضعتكم على رأسي ثم على عيني ثم على فمي ثم على بطني. وايم الله لئن
~~وضعتكم تحت قدمي لأطأنكم وطأة أقل بها عددكم وأذل غابركم «2» وأترككم
# PageV01P300
# أحاديث تنسخ بها أخباركم مع أخبار عاد وثمود. ثم تمثل: [وافر]
# لعل الحلم دل علي قومي ... وقد يستضعف الرجل الحليم
# ومارست الرجال ومارسوني ... فمعوج علي ومستقيم
# أبو حاتم قال: حدثنا أبو عبيدة قال: أخذ سراقة «1» بن مرداس البارقي
~~أسيرا يوم جبانة «2» السبيع، فقدم في الأسرى فقال: [رجز]
# أمنن علي اليوم يا خير معد ... وخير من حل بصحراء الجند
# وخير من لبى وصلى وسجد «3»
# فعفا عنه المختار ثم خرج مع إسحاق بن الأشعث عليه فجيء بسراقة أسيرا فقال
~~له المختار: ألم أعف عنك؟ أما والله لاقتلنك. قال: إن أبي أخبرني أن الشام
~~ستفتح لك حتى تهدم مدينة دمشق حجرا حجرا وأنا معك فوالله لا تقتلني. ثم
~~أنشده: [وافر]
# ألا أبلغ أبا إسحاق أنا ... نزونا نزوة كانت علينا
# خرجنا لا نرى الضعفاء شيئا ... وكان خروجنا بطرا وحينا «4»
# نراهم في مصفهمو قليلا ... وهم مثل الدبا لما التقينا
# فأسجح إن ملكت فلو قدرنا ... لجرنا في الحكومة واعتدينا
# تقبل توبة مني فإني ... سأشكر إن جعلت النقد دينا
# فخلى سبيله ثم خرج إسحاق عليه ومعه سراقة فأخذ أسيرا فقال: الحمد لله
~~الذي أمكنني منك يا عدو الله، فقال سراقة: ما هؤلاء الذين أخذوني! فأين
# PageV01P301
# هم؟ لا أراهم! إنا لما التقينا رأينا قوما عليهم ثياب بيض على خيل بلق
~~تطير بين السماء والأرض. فقال المختار: خلوا سبيله ليخبر الناس. ثم عاد
~~لقتاله وقال: [وافر]
# ألا من مخبر المختار عني ... بأن البلق بض مصمتات «1»
# أري عيني ما لم ترأياه ... كلانا عالم بالترهات
# كفرت بدينكم وجعلت نذرا ... علي قتالكم حتى الممات «2»
# خرج المغيرة بن شعبة مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته وكان له
~~عنزة «3» يتوكأ عليها فربما أثقلته فيرمي بها قارعة الطريق فيمر بها المار
~~فيأخذها، فإذا صار إلى المنزل عرفها فأخذها المغيرة ففطن له علي رضي الله
~~عنه فقال:
# لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لئن أخبرته لا ترد بعدها ضالة
~~أبدا. فأمسك علي.
### | باب من أخبار الدولة والمنصور والطالبيين
# حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا أبو أسامة عن زائدة عن سماك عن سعيد بن
~~جبير عن ابن عباس أنه كان إذا سمعهم يقولون: يكون في هذه الأمة اثنا عشر
~~خليفة، قال: ما أحمقكم! إن بعد الاثني عشر ثلاثة منا: السفاح والمنصور
~~والمهدي يسلمها إلى الدجال. قال أبو أسامة: تأويل هذا عندنا أن ولد المهدي
~~يكونون بعده إلى خروج الدجال.
# PageV01P302
# وقال محمد بن علي بن عبد الله بن عباس لرجال الدعوة حين اختارهم للدعوة
~~وأراد توجيههم: أما الكوفة وسوادها فهناك شيعة علي بن أبي طالب.
# وأما البصرة فعثمانية تدين بالكف وتقول: كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد
~~الله القاتل. وأما الجزيرة فحرورية مارقة وأعراب كأعلاج ومسلمون في أخلاق
~~النصارى. وأما أهل الشام فليس يعرفون إلا آل أبي سفيان وطاعة بني مروان،
~~عداوة لنا راسخة وجهلا متراكما. وأما أهل مكة والمدينة فقد غلب عليهما أبو
~~بكر وعمر، ولكن عليكم بخراسان فإن هناك العدد الكثير والجلد الظاهر وصدورا
~~سليمة وقلوبا فارغة لم تتقسمها الأهواء ولم تتوزعها النحل ولم تشغلها ديانة
~~ولم يتقدم فيها فساد وليست لهم اليوم همم العرب ولا فيهم كتحازب الأتباع
~~بالسادات وكتحالف القبائل وعصبية العشائر، ولم يزالوا يذالون ويمتهنون
~~ويظلمون ويكظمون ويتمنون الفرج ويؤملون الدول وهم جند لهم أجسام وأبدان
~~ومناكب وكواهل وهامات ولحى وشوارب وأصوات هائلة ولغات فخمة تخرج من أفواه
~~منكرة، وبعد فكأني أتفال إلى المشرق وإلى مطلع سراج الدنيا ومصباح الخلق.
# وقال سعيد بن عمرو بن جعدة المخزومي: كنت مع مروان بن محمد بالزاب فقال
~~لي: يا سعيد، من هذا الذي يقابلني؟ قلت: عبد الله بن علي بن عبد الله بن
~~عباس. قال: أعرفه؟ قلت: نعم، أما تعرف رجلا دخل عليك حسن الوجه مصفرا رقيق
~~الذراعين حسن اللسان فوقع في عبد الله بن معاوية؟
# فقال: بلى قد عرفته والله، يابن جعدة، ليت علي بن أبي طالب في الخيل
~~يقابلني. إن عليا وأولاده لا حظ لهم في هذا الأمر، وهذا رجل من بني العباس
~~ومعه ريح خراسان ونصر الشام، يابن جعدة أتدري لم عقدت لعبد الله ولعبيد
~~الله وتركت عبد الملك وهو أكبر منهما؟ قلت: لا أدري. قال: لأني
# PageV01P303
# وجدت الذي يلي هذا الأمر بعدي عبد الله أو عبيد الله، فكان عبيد الله
~~أقرب إلى عبد الله من عبد الملك.
# وكتب مروان إلى عبد الله بن علي: إني لا أظن هذا الأمر إلا صائرا إليكم،
~~فإذا كان ذلك فاعلم أن حرمنا حرمكم. فكتب إليه عبد الله: إن الحق لنا في
~~دمك وإن الحق علينا في حرمك.
# سمر المنصور ذات ليلة فذكر خلفاء بني أمية وسيرهم وأنهم لم يزالوا على
~~استقامة حتى أفضى أمرهم إلى أبنائهم المترفين فكانت هممهم من عظيم شأن
~~الملك وجلالة قدره قصد الشهوات وإيثار اللذات والدخول في معاصي الله
~~ومساخطه جهلا منهم باستدراج الله وأمنا لمكره، فسلبهم الله العز ونقل عنهم
~~النعمة. فقال له صالح بن علي: يا أمير المؤمنين إن عبد الله بن مروان لما
~~دخل أرض النوبة هاربا فيمن معه سأل ملك النوبة عنهم فأخبر فركب إلى عبد
~~الله فكلمه بكلام عجيب في هذا النحو لا أحفظه وأزعجه عن بلده، فإن رأى أمير
~~المؤمنين أن يدعو به من الحبس بحضرتنا في هذه الليلة ويسأله عن ذلك. فأمر
~~المنصور بإحضاره وسأله عن القصة فقال: يا أمير المؤمنين، قدمت أرض النوبة
~~بأثاث سلم لي فافترشته بها وأقمت ثلاثا، فأتاني ملك النوبة وقد خبر أمرنا،
~~فدخل علي رجل طوال أقنى حسن الوجه فقعد على الأرض ولم يقرب الثياب، فقلت:
~~ما يمنعك أن تقعد على ثيابنا؟ قال:
# لأني ملك، وحق على كل ملك أن يتواضع لعظمة الله إذ رفعه. ثم قال لي:
# لم تشربون الخمر وهي محرمة عليكم؟ قلت: اجترأ على ذلك عبيدنا وأتباعنا
~~لأن الملك زال عنا. قال: فلم تطأون الزروع بدوابكم والفساد محرم عليكم؟
# قلت: يفعل ذلك جهالنا. قال: فلم تلبسون الديباج والحرير وتستعملون الذهب
~~والفضة وذلك محرم عليكم؟ قلت: ذهب الملك منا وقل أنصارنا
# PageV01P304
# فانتصرنا بقوم من العجم دخلوا في ديننا فلبسوا ذلك على الكره منا. قال:
# فأطرق مليا وجعل يقلب يديه وينكت في الأرض ويقول: عبيدنا وأتباعنا دخلوا
~~في ديننا وزال الملك عنا! يردده مرارا ثم قال: ليس ذلك كما ذكرت بل أنتم
~~قوم استحللتم ما حرم عليكم وركبتم ما عنه نهيتم، وظلمتم فيما ملكتم فسلبكم
~~الله العز وألبسكم الذل بذنوبكم، ولله فيكم نقمة لم تبلغ غايتها وأخاف أن
~~يحل بكم العذاب وأنتم ببلدي فيصيبني معكم، وإنما الضيافة ثلاثة أيام
~~فتزودوا ما احتجتم إليه وارتحلوا عن بلدي، ففعلت ذلك.
# ولما افتتح المنصور الشام وقتل مروان قال لأبي عون ومن معه من أهل
~~خراسان: إن لي في بقية آل مروان تدبيرا فتأهبوا يوم كذا وكذا في أكمل عدة،
~~ثم بعث إلى آل مروان في ذلك اليوم فجمعوا وأعلمهم أنه يفرض لهم في العطاء،
~~فحضر منهم ثمانون رجلا فصاروا إلى بابه ومعهم رجل من كلب قد ولدهم «1» ثم
~~أذن لهم فدخلوا، فقال الآذن للكلبي: ممن أنت؟ قال: من كلب وقد ولدتهم. قال:
~~فانصرف ودع القوم. فأبى أن يفعل وقال: إني خالهم ومنهم. فلما استقر بهم
~~المجلس خرج رسول المنصور وقال بأعلى صوته: أين حمزة بن عبد المطلب؟ ليدخل،
~~فأيقن القوم بالهلكة، ثم خرج الثانية فنادى: أين الحسن بن علي؟ ليدخل، ثم
~~خرج الثالثة فنادى: أين زيد ابن علي بن الحسين؟ ثم خرج الرابعة فقال: أين
~~يحيى «2» بن زيد؟ ثم قيل:
# إئذنوا لهم. فدخلوا وفيهم الغمر «3» بن يزيد وكان له صديقا فأومأ إليه:
~~أن ارتفع. فأجلسه معه على طنفسته «4» وقال للباقين: اجلسوا. وأهل خراسان
~~قيام
# PageV01P305
# بأيديهم العمد فقال: أين العبدي «1» الشاعر؟ فقام وأخذ في قصيدته التي
~~يقول فيها: [كامل]
# أما الدعاة إلى الجنان فهاشم ... وبنو أمية من دعاة النار
# فلما أنشد أبياتا منها قال الغمر: يا ابن الزانية. فانقطع العبدي وأطرق
~~عبد الله «2» ساعة ثم قال: إمض في نشيدك. فلما فرغ رمى إليه بصرة فيها
~~ثلاثمائة دينار، ثم تمثل بقول القائل «3» : [خفيف]
# ولقد ساءني وساء سواي ... قربهم من منابر وكراسي
# أنزلوها بحيث أنزلها الل ... ه بدار الهوان والإتعاس
# لا تقيلن عبد شمس عثارا ... واقطعوا كل نخلة وغراس
# واذكروا مصرع الحسين وزيد ... وقتيلا بجانب المهراس «4»
# ثم قال لأهل خراسان: دهيد «5» . فشدخوا بالعمد حتى سالت أدمغتهم وقال
~~الكلبي فقال: أيها الأمير: أنا رجل من كلب لست منهم. فقال:
# [بسيط]
# ومدخل رأسه لم يدنه أحد ... بين القرينين حتى لزه القرن «6»
# ثم قال: دهيد. فشدخ الكلبي معهم ثم التفت إلى الغمر فقال: لا خير
# PageV01P306
# لك في الحياة بعدهم. قال: أجل، فقتل ثم دعا ببراذع «1» فألقاها عليهم
~~وبسط عليها الأنطاع «2» ودعا بغدائه فأكل فوقهم وإن أنين بعضهم لم يهدأ،
~~حتى فرغ ثم قال: ما تهنأت بطعام منذ عقلت مقتل الحسين إلا يومي هذا. وقام
~~فأمر بهم فجروا بأرجلهم وأغنم أهل خراسان أموالهم ثم صلبوا في بستانه. وكان
~~يأكل يوما فأمر بفتح باب من الرواق إلى البستان فإذا رائحة الجيف تملأ
~~الأنوف، فقيل له: لو أمرت، أيها الأمير، برد هذا الباب! فقال: والله
~~لرائحتها أحب إلي وأطيب من رائحة المسك. ثم قال «3» : [كامل]
# حسبت أمية أن سترضى هاشم ... عنها ويذهب زيدها وحسينها
# كلا ورب محمد وإلهه ... حتى تباح سهولها وحزونها «4»
# وتذل ذل حليلة لحليلها ... بالمشرفي وتسترد ديونها
# وأتي المهدي برجل من بني أمية كان يطلبه فتمثل بقول سديف شاعرهم: [خفيف]
# جرد السيف وارفع السوط حتى ... لا ترى فوق ظهرها أمويا
# لا يغرنك ما ترى اليوم منهم ... إن تحت الضلوع داء دويا «5»
# فقال الأموي: لكن شاعرنا يقول: [بسيط]
# شمس العداوة حتى يستقاد لهم ... وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا «6»
# PageV01P307
# فقال المهدي: قال شاعركم ما يشبهكم وقا شاعرنا ما يشبهنا. ثم أمر به
~~فقتل.
# وقال رجل: كنا جلوسا مع عمرو بن عبيد في المسجد، فأتاه رجل بكتاب المنصور
~~على لسان محمد بن عبد الله بن الحسن يدعوه إلى نفسه، فقرأه ثم وضعه فقال
~~الرسول: الجواب. فقال: ليس له جواب، قل لصاحبك: دعنا نجلس في هذا الظل
~~ونشرب من هذا الماء البارد حتى تأتينا آجالنا في عافية.
# وكان عمرو بن عبيد إذا رأى المنصور يطوف حول الكعبة في قرطين يقول: إن
~~يرد الله بأمة محمد خيرا يول أمرها هذا الشاب من بني هاشم.
# وكان له صديقا فلما دخل عليه بعد الخلافة وكلمه وأراد الأنصراف، قال: يا
~~أبا عثمان سل حاجتك. قال: حاجتي ألا تبعث إلي حتى آتيك ولا تعطيني حتى
~~أسألك. ثم نهض فقال المنصور: [مجزوء الرمل]
# كلكم ماشي رويد ... كلكم خاتل صيد «1»
# غير عمرو بن عبيد فلما مات عمرو رثاه المنصور فقال: [كامل]
# صلى الاله عليك من متوسد ... قبرا مررت به على مران
# قبرا تضمن مؤمنا متحنفا ... صدق الاله ودان بالقرآن
# وإذا الرجال تنازعوا في سنة ... فصل الحديث بحكمة وبيان
# فلو ان هذا الدهر أبقى صالحا ... أبقى لنا حيا أبا عثمان
# PageV01P308
# قال الوضاح بن حبيب: كنا إذا خرجنا- يعني أصحابه- من عند المنصور صرنا
~~إلى المهدي وهو يومئذ ولي عهده ففعلنا ذلك يوما فأبرز إلي يده، ولم يكن ذلك
~~من عادته، فأكببت عليها فقبلتها وضرب بيدي إلى يده، ثم علمت أنه لم يفعل
~~ذلك إلا لشيء في يده، فوضع في يدي كتابا صغيرا تستره الكف، فلما خرجت فتحته
~~فإذا فيه: يا وضاح، إذا قرأت كتابي فاستأذن إلى ضياعك بالري، فرجعت فقلت
~~للربيع: استأذن لي. فدخل فاستأذن، فأذن لي، فدخلت فقلت: يا أمير المؤمنين،
~~ضياعي بالري قد اختلت وبي حاجة إلى مطالعتها فقال: لا، ولا كرامة، فخرجت.
~~ثم عدت إليه اليوم الثاني والقوم معي فدخلنا فاستأذنته، فرد إلي مثل الجواب
~~الأول. فقلت: يا أمير المؤمنين، ما أريد إصلاحها إلا لأقوى بها على خدمتك.
~~فسري عنه، ثم قال: إذا شئت فودع. فقلت: يا أمير المؤمنين، ولي حاجة أذكرها.
~~قال: قل.
# قلت: أحتاج إلى خلوة. فنهض القوم وبقي الربيع قلت: أخلني. قال: ومن
~~الربيع وبينكما ما بينكما! قلت: نعم. فتنحى الربيع، فقال: قد خلوت فقل إن
~~جدت لي بمالك ودمك. فقلت: يا أمير المؤمنين، وهل أنا ومالي إلا من نعمتك،
~~حقنت دمي ودم أبي ورددت علي مالي وآثرتني بصحبتك. قال: إنه يهجس في نفسي أن
~~جهورا «1» على خلع وليس على غيرك لما أعرفه بينكما، فأظهر إذا صرت إليه
~~الوقيعة في والتنقص لي حتى تعرف ما عنده، وإن رأيته يهم بخلع فاكتب إلي،
~~ولا تكتبن على يد بريد ولا مع رسول ولا يفوتني خبرك في كل يوم فقد نصبت لك
~~فلانا القطان في دار القطن فهو يوصل كتبك في كل يوم إلي. قال: فمضيت حتى
~~أتيت الري فدخلت على جهور فقال:
# أفلت؟ فقلت: نعم والحمد لله. ثم أقبلت أؤانسه بالوقيعة فيه حتى أظهر ما
# PageV01P309
# ظن به المنصور فكتبت إليه بذلك.
# دخل عبد الله بن الحسن الطالبي على المنصور وعنده إسحاق بن مسلم العقيلي
~~وعبد الملك بن حميد الشامي الكاتب، فتكلم عبد الله بكلام أعجب إسحاق فغم
~~ذلك المنصور، فلما خرج عبد الله قال: يا غلام، رده. فلما رجع قال: يا أبا
~~محمد، إن إسحاق بن مسلم حدثني أن رجلا هلك بدمشق وترك ناضا «1» كثيرا وأرضا
~~ورقيقا وزعم أنه مولاكم وأشهد على ذلك. قال: نعم يا أمير المؤمنين، ذلك
~~مولانا قد كنت أعرفه وأكاتبه. فقال المنصور: يا إسحاق، أعجبك كلامه فأحببت
~~أن تعرفه.
# أبو الحسين المدائني قال: لما بنى أبو العباس المدينة بالأنبار قال لعبد
~~الله بن الحسن: يا أبا محمد، كيف ترى؟ فتمثل عبد الله فقال: [وافر]
# ألم تر حوشبا أمسى يبني ... قصورا نفعها لبني بقيله
# يؤمل أن يعمر عمر نوح ... وأمر الله يحدث كل ليله
# ثم انتبه فقال: أقلني أقالك الله. قال: لا أقالني الله إن بت في عسكري،
~~فأخرجه إلى المدينة. حنش بن المغيرة قال: جئت وأبو ذر آخذ بحلقة باب الكعبة
~~وهو يقول: أنا أبو ذر الغفاري، من لم يعرفني فأنا جندب صاحب رسول الله صلى
~~الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مثل أهل بيتي
~~مثل سفينة نوح من ركبها نجا» .
# حدثنا خالد بن محمد الأزدي قال: حدثنا شبابة بن سوار عن يحيى بن إسماعيل
~~بن سالم عن الشعبي قال: قيل لابن عمر: إن الحسين قد توجه إلى
# PageV01P310
# العراق، فلحقه على ثلاث ليال من المدينة وكان عند خروج الحسين غائبا في
~~مال له فقال: أين تريد؟ قال: العراق. وأخرج إليه كتبا وطوامير «1» قال: هذه
~~كتبهم وبيعتهم. فناشده الله أن يرجع فأبى فقال: أما إني سأحدثك حديثا: إن
~~جبريل، عليه السلام، أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا
~~والآخرة فاختار الآخرة، وإنكم بضعة من النبي صلى الله عليه وسلم، والله لا
~~تليها أنت ولا أحد من أهل بيتك وما صرفها الله عنكم إلا لما هو خير لكم
~~فارجع. فأبى فاعتنقه وبكى وقال:
# أستودعك الله من قتيل.
# حدثني القاسم بن الحسن عن علي بن محمد عن مسلمة بن محارب عن السكن قال:
~~كتب الحسين بن علي رضي الله عنهما إلى الأحنف يدعوه إلى نفسه فلم يرد
~~الجواب وقال: قد جربنا آل أبي الحسن فلم نجد عندهم إيالة ولا جمعا للمال
~~ولا مكيدة في الحرب. وقال الشعبي: ما لقينا من آل أبي طالب؟ إن أحببناهم
~~قتلونا، وإن أبغضناهم أدخلونا النار.
# ولما قتل مصعب بن الزبير خرجت سكينة بنت الحسين تريد المدينة فأطاف بها
~~أهل الكوفة فقالوا: أحسن الله صحابتك يا بنت رسول الله. فقال:
# والله لقد قتلتم جدي وأبي وعمي وزوجي مصعبا، أيتمتموني صغيرة وأرملتموني
~~كبيرة فلا عافاكم الله من أهل بلد ولا أحسن عليكم الخلافة. وقال بعض
~~الشعراء: [منسرح]
# إبك حسينا ليوم مصرعه ... بالطف بين الكتائب الخرس
# أضحت بنات النبي إذ قتلوا ... في مأتم والسباع في عرس
# روى سنان بن حكيم عن أبيه قال: انتهب الناس ورسا في عسكر
# PageV01P311
# الحسين بن علي يوم قتل فما تطيبت منه امرأة إلا برصت. ولما قتل حسين قالت
~~بنت لعقيل بن أبي طالب: [بسيط]
# ماذا تقولون إن قال النبي لكم ... ماذا فعلتم وأنتم أفضل الأمم
# بعترتي وبأهلي بعد منطلقي ... منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم
# ما كان هذا جزائي أن نصحت لكم ... أن تخلفوني بقتل في ذوي رحمي
# فما سمعها أحد إلا بكى.
# دخل زيد بن علي على هشام فقال: ما فعل أخوك البقرة؟ قال زيد:
# سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم باقرا وتسميه بقرة! لقد اختلفتما.
# أخبرنا جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا جابر، إنك
~~ستعمر بعدي حتى يولد لي مولود اسمه كاسمي يبقر العلم بقرا فإذا لقيته
~~فأقرئه مني السلام» فكان جابر يتردد في سكك المدينة بعد ذهاب بصره وهو
~~ينادي: يا باقر، حتى قال الناس: قد جن جابر. فبينا هو ذات يوم بالبلاط إذ
~~بصر بجارية يتوركها صبي فقال لها: يا جارية، من هذا الصبي؟ قالت: هذا محمد
~~بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. فقال: أدنيه مني فأدنته منه فقبل بين
~~عينيه وقال: يا حبيبي، رسول الله يقرئك السلام. ثم قال: نعيت إلي نفسي ورب
~~الكعبة. ثم انصرف إلى منزله وأوصى فمات من ليلته.
# قال هشام لزيد بن علي: بلغني أنك تربص نفسك للخلافة وتطمع فيها وأنت ابن
~~أمة. قال له زيد: مهلا يا هشام، فلو أن الله علم في أولاد السراري «1»
~~تقصيرا عن بلوغ غاية ما أعطى إسماعيل ما أعطاه. ثم خرج زيد وبعث إليه بهذه
~~الأبيات: [بسيط]
# مهلا بني عمنا عن نحت أثلتنا «2» ... سيروا رويدا كما كنتم تسيرونا
# PageV01P312
# لا تجمعوا أن تهينونا ونكرمكم ... وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا
# فالله يعلم أنا لا نحبكم ... ولا نلومكمو ألا تحبونا
# ثم إن زيدا أعطى الله عهدا ألا يلقى هشاما إلا في كتيبة بيضاء أو حمراء
~~فدخل الكوفة فطبع بها السيوف وكان من أمره ما كان حتى قتل رحمه الله.
### | ذكر الأمصار
# قالت الحكماء: المدائن لا تبنى إلا على ثلاثة أشياء: على الماء والكلأ
~~والمحتطب.
# قال ابن شهاب: من قدم أرضا فأخذ من ترابها فجعله في مائها ثم شربه عوفي
~~من وبائها. وقال معاوية لقوم قدموا عليه: كلوا من فحا «1» أرضنا فقلما أكل
~~قوم من فحا أرض فضرهم ماؤها.
# حدثني الرياشي قال: حدثني الأصمعي قال: معاوية: أغبط الناس عندي سعد
~~مولاي، وكان يلي أمواله بالحجاز، يتربع جدة ويتقيظ الطائف ويتشتى مكة.
# حدثنا الرياشي قال: حدثنا الأصمعي قال: أربعة أشياء قد ملأت الدنيا لا
~~تكون إلا باليمن: الخطر والكندر والعصب والورس.
# حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: اليهود لا تأكل من بقل سورا «2» وتقول:
~~هي مغيض الطوفان. قال: وقال الأصمعي عن معمر «3» قال: سبع
# PageV01P313
# محفوظات وسبع ملعونات، فمن المحفوظات نجران ومن الملعونات أثافت وبرذعة
~~«1» . وأثافت باليمن. وقفت باليمن على قرية فقلت لامرأة: ما تسمى هذه
~~القرية؟ فقالت ويحك! أما سمعت قول الشاعر: [متقارب]
# أجب أثافت عند القطاف ... وعند عصارة أعنابها
# قال الأصمعي: سواد البصرة الأهواز ودستميسان وفارس، وسواد الكوفة كسكر
~~إلى التراب «2» إلى عمل حلوان إلى القادسية، وعمل العراق هيت إلى الصين
~~والسند والهند ثم كذلك إلى الري وخراسان إلى الديلم والجبال كلها، وأصبهان
~~صرة العراق افتتحها أبو موسى الأشعري، والجزيرة ما بين دجلة والفرات،
~~والموصل من الجزيرة، ومكة من المدينة ومصر لا تدخل في عمل العراق.
# حدثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبه قال:
# أول قرية بنيت بعد الطوفان قرية بقردى تسمى سوق ثمانين، كان نوح لما خرج
~~من السفينة ابتناها وجعل فيها لكل رجل آمن معه بيتا وكانوا ثمانين فهي
~~اليوم تسمى سوق ثمانين. قال: وحران سميت بهاران بن آزر أخي إبراهيم النبي
~~صلى الله عليه وسلم وهو أبو لوط.
# قال النبي، صلى الله عليه وسلم لبريدة: «يا بريدة، إنه سيبعث بعدي بعوث
~~فإذا بعثت فكن في أهل بعث المشرق ثم في بعث خراسان ثم في بعث أرض يقال لها:
# مرو، فإذا أتيتها فانزل مدينتها فإنه بناها ذو القرنين وصلى فيها، غزيرة
~~أنهارها تجري بالبركة، في كل نقب منها ملك شاهر سيفه يدفع عنها السوء إلى
~~يوم القيامة» فقدمها بريدة فمات بها.
# PageV01P314
# حدثني أحمد بن الخليل قال: حدثني الأصمعي قال: أخبرني النمر بن هلال
~~الحبطي عن قتادة عن أبي جلدة قال: الدنيا كلها أربعة وعشرون ألف فرسخ فملك
~~السودان اثنا عشر ألف فرسخ وملك الروم ثمانية آلاف فرسخ وملك فارس ثلاث
~~آلاف فرسخ وأرض العرب ألف فرسخ.
# وقال أبو صالح: كنا عند ابن عباس فأقبل رجل فجلس، فقال له: ممن أنت؟ قال:
~~من أهل خراسان، قال: من أي خراسان؟ قال: من هراة. قال:
# من أي هراة؟ قال: من بوشنج. ثم قال: ما فعل مسجدها؟ قال: عامر يصلى فيه.
~~قال ابن عباس: كان لإبراهيم مسجدان: المسجد الحرام ومسجد بوشنج. ثم قال: ما
~~فعلت الشجرة التي عند المسجد؟ قال: بحالها. قال:
# أخبرني العباس أنه قال في ظلها.
# حدثني محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن ميمون
~~الحراني عن عوف بن أبي جميلة عن الحسن البصري قال: لما قدم علي، رضي الله
~~عنه، البصرة آرتقى على منبرها فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أهل البصرة،
~~يا بقايا ثمود ويا جند المرأة «1» ويا أتباع البهيمة، رغا فاتبعتم وعقر
~~فانهزمتم. أما إني لا أقول رغبة فيكم ولا رهبة منكم، غير أني سمعت رسول
~~الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تفتح أرض يقال لها البصرة أقوم الأرضين
~~قبلة، قارئها أقرأ الناس، وعابدها أعبد الناس، وعالمها أعلم الناس،
~~ومتصدقها أعظم الناس صدقة. وتاجرها أعظم الناس تجارة. منها إلى قرية يقال
~~لها الأبلة «2» أربعة
# PageV01P315
# فرسخ. يستشهد عند مسجد جامعها أربعون ألفا، الشهيد منهم يومئذ كالشهيد
~~معي يوم بدر» .
# حدثنا القاسم بن الحسن قال: حدثنا أبو سلمة قال: أخبرني أبو المهزم عن
~~أبي هريرة قال: مثلت الدنيا على مثال طائر، فالبصرة ومصر الجناحان فإذا
~~خربتا وقع الأمر.
# وحدثني أيضا عن هارون بن معروف عن ضمرة عن ابن شوذب عن خالد بن ميمون
~~قال: البصرة أشد الأرض عذابا وشرها ترابا وأسرعها خرابا.
# قال: وقال ابن شوذب عن يزيد الرشك «1» قست البصرة في ولاية خالد بن عبد
~~الله القسري فوجدت طولها فرسخين غير دانق.
# وقال محمد بن سلام عن شعيب بن صخر: تذاكروا عند زياد البصرة والكوفة فقال
~~زياد: لو ضلت البصرة لجعلت الكوفة لمن دلني عليها. قال محمد بن سيرين: كان
~~الرجل يقول: غضب الله عليك كما غضب أمير المؤمنين على المغيرة، عزله عن
~~البصرة واستعمله على الكوفة. وقال علي حين دخل البصرة: يا أتباع البهيمة
~~ويا جند المرأة، رغا فأجبتم وعقر فانهزمتهم، ودينكم نفاق وأخلاقكم رقاق
~~وماؤكم زعاق، يا أهل البصرة والبصيرة والسبيخة والخريبة، أرضكم أبعد الأرض
~~من السماء وأبعدها من الماء وأسرعها خرابا وغرقا.
# مر عتبة بن غزوان بموضع المربد فوجد فيها الكذان «2» الغليظ فقال:
# هذه البصرة فانزلوا بسم الله. وقال أبو وائل: اختط الناس البصرة سنة سبع
~~عشرة.
# PageV01P316
# فخر ناس من بني الحارث بن كعب عند أبي العباس، فقال أبو العباس لخالد بن
~~صفوان: ألا تكلم يا خالد؟ قال: أخوال أمير المؤمنين وأهله. قال:
# فأنتم أعمام أمير المؤمنين وعصبته. قال خالد: ما عسى أن أقول لقوم بين
~~ناسج برد ودابغ جلد وسائس قرد، دل عليهم هدهد وغرقتهم فأرة وملكتهم امرأة.
# سئل خالد عن الكوفة فقال: نحن منابتنا قصب، وأنهارنا عجب، وثمارنا رطب،
~~وأرضنا ذهب. قال الأحنف: نحن أبعد منكم سرية وأعظم منكم بحرية وأعذى «1»
~~منكم برية. وقال أبو بكر الهذلي: نحن أكثر منكم ساجا وعاجا وديباجا وخراجا
~~ونهرا عجاجا.
# وقال الخليل «2» في ظهر البصرة مما يلي قصر أوس من البصرة:
# [بسيط]
# زر وادي القصر نعم القصر والوادي ... لا بد من زورة عن غير ميعاد
# ترفا به السفن والظلمان واقفة ... والضب والنون والملاح والحادي
# وقال ابن أبي عيينة»
# في مثل ذلك: [منسرح]
# يا جنة فاتت الجنان فما ... تبلغها قيمة ولا ثمن
# ألفتها فاتخذتها وطنا ... إن فؤادي لحبها وطن
# زوج حيتانها الضباب بها ... فهذه كنة وذا ختن
# فانظر وفكر فيما نطقت به ... إن الأريب المفكر الفطن
# PageV01P317
# من سفن كالنعام مقبلة ... ومن نعام كأنها سفن «1»
# أنشد محمد بن عمر عن ابن كناسة «2» في ظهر الكوفة: [طويل]
# وإن بها، لو تعلمين، أصائلا ... وليلا رقيقا مثل حاشية البرد
# بلغني عن إبراهيم بن مهدي عن إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم
~~التيمي قال: لما أمرت الأرض أن تغيض غاضت إلا أرض الكوفة فلعنت، فجميع
~~الأرض تكرب على ثورين وأرض الكوفة تكرب على أربعة ثيران. وكان يقال: إذا
~~كان علم الرجل حجازيا وسخاؤه كوفيا وطاعته شامية فقد كمل.
# لما احتوى المسلمون المدائن بعد ما نزلوا وآذاهم الغبار والذباب، كتب عمر
~~إلى سعد في بعثة رواد يرتادون منزلا بريا فإن العرب لا يصلحها إلا ما يصلح
~~الإبل والشاء. فسأل من قبله عن هذه الصفة فيما يليهم، فأشار عليه من رأى
~~العراق من وجوه العرب باللسان. وظهر الكوفة يقال له اللسان، وهو فيما بين
~~النهرين إلى عين بني الحداء وكانت العرب تقول: أدلع البر لسانه «3» في
~~الريف، فما كان يلي الفرات منه فهو الملطاط وما كان يلي الظهر منه فهو
~~النجاف، فكتب إلى سعد يأمره به.
# PageV01P318
# وقال النابغة «1» الجعدي يمدح الشام: [رمل]
# جاعلين الشام حما «2» لهم ... ولئن هموا لنعم المتنقل
# موته أجر ومحياه غنى ... وإليه عن أذاه معتزل
# وقال أيضا: [طويل]
# ولكن قومي أصبحوا مثل خيبر ... بها داؤها ولا تضر الأعاديا
# قال الأصمعي: لم يولد بغدير خم مولود فعاش إلى أن يحتمل إلا أن يتحول
~~عنها. قال: وحرة ليلى «3» ربما مر بها الطائر فيسقط ريشه. قال عمرو ابن
~~بحر: يزعمون أن من دخل أرض تبت لم يزل ضاحكا مسرورا من غير عجب حتى يخرج
~~منها، ومن أقام بالموصل عاما ثم تفقد قوته وجد فيها فضلا، ومن أقام
~~بالأهواز حولا فتفقد عقله وجد النقصان فيه بينا. والناس يقولون: حمى خيبر
~~وطحال البحرين ودماميل الجزيرة وطواعين الشام.
# قالوا: من أطال الصوم بالمصيصة «4» في الصيف خيف عليه الجنون. وأما قصبة
~~الأهواز فتقلب كل من ينزلها من الأشراف إلى طبائع أهلها، ووباؤها وحماها
~~يكون في وقت انكسار الوباء ونزوع الحمى عن جميع البلدان، وكل محموم فإن
~~حماه إذا أقلعت عنه فقد أخذ عند نفسه منها البراءة إلى أن تعود إلى التخليط
~~وإلى أن يجتمع في جوفه الفساد إلا محموم الأهواز فإنها تعاود من فارقته
# PageV01P319
# لغير علة حدثت، ولذلك جمعت سوق الأهواز الأفاعي في جبلها المطل عليها
~~والجرارات «1» في بيوتها ومن ورائها سباخ ومناقع مياه غليظة وفيها أنهار
~~تشقها مسايل كنفهم ومياه أمطارهم فإذا طلعت الشمس وطال مقامها واستمرت
~~مقابلتها لذلك الجبل قبل الصخرية التي فيها الجرارات، فإذا امتلأت يبسا
~~وحرا وعادت جمرة واحدة قذفت ما قبلت من ذلك عليهم وقد بخرت تلك السباخ وتلك
~~الأنهار، فإذا التقى عليهم ما بخرت به السباخ وما قذفه ذلك الجبل فسد
~~الهواء وفسد بفساد الهواء كل ما يشتمل عليه الهواء. وقال إبراهيم بن العباس
~~الكاتب: حدثني مشايخ أهل الأهواز عن القوابل أنهن ربما قبلن الطفل فيجدنه
~~في تلك الساعة محموما يعرفن ذلك ويتحدثن به. قال: ومن قدم من شق العراق إلى
~~بلد الزنج لم يزل حزينا ما أقام بها فإن أكثر من شرب نبيذها وأكل النارجيل
~~«2» طمس الخمار «3» على عقله حتى لا يكون بينه وبين المعتوه إلا شيء يسير.
~~قال: وفي عهد سجستان على العرب حين افتتحوها: ألا يقتلوا قنفذا ولا يصيدوه؛
~~لأنها بلاد أفاع والقنافذ تأكلها ولولا ذلك ما كان لهم بها قرار.
# وقال ابن عياش لأبي بكر الهذلي يوم فاخره عند أبي العباس: إنما مثل
~~الكوفة مثل اللهاة من البدن يأتيها الماء ببرده وعذوبته، والبصرة بمنزلة
~~المثانة يأتيها الماء بعد تغيره وفساده.
# وقال محمد بن عمير بن عطارد: إن الكوفة قد سفلت عن الشام ووبائها وارتفعت
~~عن البصرة وعمقها فهي مريئة مريعة عذبة ثرية، إذا أتتنا الشمال
# PageV01P320
# ذهبت مسيرة شهر على مثل رضراض الكافور، وإذا هبت الجنوب جاءتنا بريح
~~السواد وورده وياسمينه وأترجه، وماؤنا عذب وعيشنا خصب. وقال الحجاج:
# الكوفة بكر حسناء والبصرة عجوز بخراء «1» أوتيت من كل حلي وزينة.
# اجتمع أهل العراق ليلة في سمر يزيد بن عمر بن هبيرة، فقال يزيد: أي
~~البلدين أطيب ثمرة: الكوفة أم البصرة؟ فقال خالد بن صفوان: بل ثمرتنا أيها
~~الأمير منها الأزاذ والمعقلي وكذا وكذا. فقال عبد الرحمن بن بشير العجلي:
~~لست أشك أيها الأمير أنكم قد اخترتم لأمير المؤمنين ما تبعثون به إليه.
~~قال: أجل، قال: قد رضينا باختيارك لنا وعلينا. قال: فأي الرطب تحملون إليه؟
~~قال:
# المشان. قال: ليس بالبصرة منه واحدة. ثم أية؟ قال: السابري. قال: ولا
~~بالبصرة منه واحدة. قال خالد بن صفوان: بلى عندنا بالبصرة منه شيء يسير.
# قال: فأي التمر تحملون إليه؟ قال: النرسيان. قال: ولا بالبصرة منه واحدة.
# قال: ثم أية؟ قال: الهيرون أزاذ. قال: ولا بالبصرة منه واحدة. قال: فأي
~~القسب «2» تحملون إليه؟ قال: قسب العنبر. قال: ولا بالبصرة منه واحدة. قال
~~ابن هبيرة لخالد: ادعى عليك خمسا فشاركته في واحدة وسلمت له أربعا، ما أراه
~~إلا قد غلبك.
# دخل فتى من أهل المدينة البصرة ثم انصرف، فقال له أصحابه: كيف رأيت
~~البصرة؟ قال: خير بلاد الله للجائع والعزب والمفلس: أما الجائع فيأكل خبز
~~الأرز والصحناء «3» لا ينفق في الشهر درهمين، وأما العزب فيتزوج بشق درهم،
~~وأما المحتاج فلا عيلة عليه ما بقيت عليه استه يخرأ ويبيع.
# PageV01P321
# أبو الحسن المدائني قال: قال عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بن المغيرة
~~لمعاوية:
# أما والله لو كنا بمكة على السواء لعلمت. قال معاوية: إذا كنت أكون ابن
~~أبي سفيان، منزلي الأبطح ينشق عنه سيله، وكنت ابن خالد، منزلك أجياد أعلاه
~~مدرة وأسفله عذرة.
# رأى رجل من قريش رجلا له هيئة رثة، فسأل عنه فقالوا: من بني تغلب. فوقف
~~له وهو يطوف بالبيت، فقال له: أرى رجلين قلما وطئتا البطحاء. قال له
~~التغلبي: البطحاوات ثلاث: بطحاء الجزيرة وهي لي دونك، وبطحاء ذي قار وأنا
~~أحق بها منك، وهذه البطحاء، وسواء العاكف فيه والبادي.
# وقال بعض الأعراب: اللهم، لا تنزلني ماء سوء فأكون امرأ سوء. قال خالد بن
~~صفوان: ما رأينا أرضا مثل الأبلة أقرب مسافة ولا أعذب نطفة ولا أوطأ مطية
~~ولا أربح لتاجر ولا أخفى لعابد. وقال ابن أبي عيينة «1» يذكر قصر أنس «2»
~~بالبصرة: [طويل]
# فيا حسن ذاك القصر قصرا ونزهة ... بأفيح سهل غير وعر ولا ضنك «3»
# بغرس كأبكار الجواري وتربة ... كأن ثراها ماء ورد على مسك
# كأن قصور الأرض ينظرن حوله ... إلى ملك موف على منبر الملك
# يدل عليها مستطيلا بحسنه ... ويضحك منها وهي مطرقة تبكي «4»
# PageV01P322
# قال جعفر بن سليمان: العراق عين الدنيا، والبصرة عين العراق، والمربد عين
~~البصرة، ودارين عين المربد. وقالوا: من خصال الحرم أن المطر إذا أصاب الباب
~~كان الخصب من شق العراق، وإذا أصاب المطر الناحية من شق الشام كان الخصب
~~بالشام، وإذا عم جوانب البيت كان المطر عاما. قال: وذرع الكعبة أربعمائة
~~وتسعون ذراعا.
# المدائني قال: قال الحجاج: لما تبوأت الأمور منازلها قالت الطاعة: أنزل
~~الشام، قال الطاعون: وأنا معك. وقال النفاق: أنزل العراق، قالت النعمة:
# وأنا معك. وقالت الصحة: أنزل البادية، قالت الشقوة: وأنا معك.
# نجز كتاب الحرب ويتلوه كتاب السؤدد
# PageV01P323
### | كتاب السؤدد
### | مخايل السؤدد وأسبابه ومخايل السوء
# قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة رحمه الله: حدثني عبد الرحمن بن
~~عبد الله بن قريب عن عمه الأصمعي قال: أخبرنا جميع بن أبي غاضرة وكان شيخا
~~مسنا من أهل البادية وكان من ولد الزبرقان بن بدر من قبل النساء، قال:
# كان الزبرقان يقول: أبغض صبياننا إلي الأقيعس الذكر الذي كأنما يطلع في
~~حجره، وإن سأله القوم أين أبوك، هر في وجوههم وقال: ما تريدون من أبي.
# وأحب صبياننا إلي الطويل الغرلة «1» ، السبط الغرة، العريض الورك، الأبله
~~العقول الذي يطيع عمع ويعصى أمه، وإن سأله القوم أين أبوك، قال: معكم.
# قال: وقال الأصمعي: قال معاوية: ثلاث من السؤدد: الصلع، واندحاق البطن،
~~وترك الإفراط في الغيرة.
# قال وقيل لأعرابي: بم تعرفون سؤدد الغلام فيكم؟ فقال: إذا كان سائل الغرة
~~طويل الغرلة ملتاث الإزرة وكانت فيه لوثة فلسنا نشك في سؤدده. وقيل لآخر:
~~أي الغلمان أسود؟ قال: إذا رأيته أعنق أشدق أحمق فأقرب به من السؤدد. وكان
~~يقال: إذا رأيت الغلام غائر العينين ضيق الجبهة حديد الأرنبة كأنما جبينه
~~صلاية «2» فلا ترجه، إلا أن يريد الله أمرا فيبلغه.
# PageV01P325
# حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال: قريش تمدح بالصلع.
# وأنشد: [رجز]
# إن سعيدا وسعيد فرع ... أصلع تنميه رجال صلع
# ونظر رجل إلى معاوية وهو غلام صغير فقال: إني أظن هذا الغلام سيسود قومه.
~~فقالت هند: ثكلته إن كان لا يسود إلا قومه.
# قال شبيب بن شيبة لبعض فرسان بني منقر: ما مطلت مطل الفرسان ولا فتقت فتق
~~السادة. وقال آخر لسنان بن سلمة الهذلي: ما أنت بأرسح «1» فتكون فارسا ولا
~~بعظيم الرأس فتكون سيدا. وقال بعض الشعراء: [طويل]
# فقبلت رأسا لم يكن رأس سيد ... وكفا ككف الضب «2» أو هي أحقر
# وقال آخر: [طويل]
# دعا ابن مطيع للبياع فجئته ... إلى بيعة قلبي لها غير آلف
# فناولني خشناء لما لمستها ... بكفي ليست من أكف الخلائف
# وقرأت في كتاب للهند أنه قد قيل في الفراسة والتوسم: إنه من صغرت عينه
~~ودام اختلاجها وتتابع طرفها ومال أنفه إلى أيمن شقيه وبعد ما بين حاجبيه
~~وكانت منابت شعره ثلاثا ثلاثا وطال إكبابه إذا مشى، وتلفت تارة بعد أخرى،
~~غلبت عليه أخلاق السوء.
# كان يقال: أربع يسودن العبد: الأدب، والصدق، والعفة، والأمانة.
# وقال بعض الشعراء في النبي صلى الله عليه وسلم: [بسيط]
# لو لم تكن فيه آيات مبينة ... كانت بداهته تنبيك بالخبر
# PageV01P326
# وقال معاوية: إني لأكره البكاءة «1» في السيد وأحب أن يكون عاقلا متغافلا
~~وقال الشاعر في هذا المعنى: [كامل]
# ليس الغبي بسيد في قومه ... لكن سيد قومه المتغابي
# ويقال في مثل: «ليس أمير القوم بالخب «2» الخدع» . وقال الفرزدق: [بسيط]
# لا خير في خب «3» من ترجى فواضله ... فاستمطروا من قريش كل منخدع
# كأن فيه إذا حاولته بلها ... عن ماله وهو وافي العقل والورع
# وقال إياس بن معاويه: لست بخب والخب لا يخدعني. وقال مالك بن أنس عن ابن
~~شهاب: الكريم لما تحكمه التجارب.
# قال بعض الشعراء: [خفيف]
# غير أني أراك من أهل بيت ... ما على المرء أن يسودوه عار
# وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: السيد الجواد حين يسأل، الحليم حين
~~يستجهل، البار بمن يعاشر. قال عدي بن حاتم: السيد الذليل في نفسه، الأحمق
~~في ماله، المطرح لحقده، المعني بأمر عامته. سئل خالد بن صفوان عن الأحنف بم
~~ساد، فقال: بفضل سلطانه على نفسه. وقيل لقيس بن عاصم: بم سدت قومك؟ فقال:
~~ببذل القرى وترك المرا «4» ونصرة المولى. وقال علي بن عبد الله بن عباس:
~~سادة الناس في الدنيا الأسخياء وفي الآخرة الأتقياء. وقال سلم
# PageV01P327
# ابن قتيبة لولده: إنكم لن تسودوا حتى تصبروا على سرار الشيوخ البخر.
~~وقال:
# الدنيا هي العافية، والصحة هي الشباب، والمروءة الصبر على الرجال. قال
~~عمرو بن هداب: كنا نعرف سؤدد سلم بن قتيبة بأنه كان يركب وحده ويرجع في
~~خمسين. وقال رجل للأحنف وأراد عيبه: بم سدت قومك؟ قال: بتركي من أمرك ما لا
~~يعنيني كما عناك من أمري ما لا يعنيك. وقال عبد الملك بن مروان لابن مطاع
~~«1» العنزي: أخبرني عن مالك بن مسمع. فقال له: لو غضب مالك لغضب معه مائة
~~ألف لا يسألونه في أي شيء غضب. فقال عبد الملك: هذا وأبيك السؤدد، ولم يل
~~شيئا قط. وكذلك أسماء بن خارجة لم يل شيئا قط.
# قيل لعرابة الأوسي: بم سدت قومك؟ فقال بأربع: أنخدع لهم عن مالي، وأذل
~~لهم في عرضي، ولا أحقر صغيرهم، ولا أحسد رفيعهم. وقال المقنع الكندي وهو
~~محمد بن عميرة «2» : [طويل]
# ولا أحمل الحقد القديم عليهم ... وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
# وليسوا إلى نصري سراعا وإن هم ... دعوني إلى نصر أتيتهم شدا
# إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم ... وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
# يعيرني بالدين قومي وإنما ... ديوني في أشياء تكسبهم حمدا «3»
# وقال آخر: [بسيط]
# هينون «4» لينون أيسار ذوو يسر ... سواس مكرمة أبناء أيسار
# PageV01P328
# لا ينطقون على الفحشاء إن نطقوا ... ولا يمارون إن ماروا بإكثار
# من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم ... مثل النجوم التي يسري بها الساري
# وقال آخر: [وافر]
# وإن سيادة الأقوام فاعلم ... لها صعداء مطلعها طويل
# وقال رجل من العرب: نحن لا نسود إلا من يوطئنا رحله ويفرشنا عرضه ويملكنا
~~ماله. وفي الحديث المرفوع: «من بذل معروفه وكف أذاه فذلك السيد» .
# ويقال: لا سؤدد مع انتقام. والعرب تقول: «سيد معمم» يريدون أن كل جناية
~~يجنيها أحد من عشيرته معصوبة برأسه. ويقال: بل السيد منهم كان يعتم بعمامة
~~صفراء لا يعتم بها غيره. وإنما سمى الزبرقان بصفرة عمامته. يقال:
# زبرقت الشيء إذا صفرته، وكان اسمه حصينا. قيل لابن هبيرة: من سيد الناس
~~اليوم؟ قال: الفرزدق، هجاني ملكا ومدحني سوقة. وقال عامر «1» بن الطفيل:
~~[طويل]
# إني وإن كنت ابن سيد عامر ... وفارسها المشهور في كل موكب
# فما سودتني عامر عن وراثة ... أبى الله أن أسمو بأم ولا أب
# ولكنني أحمي حماها وأتقي ... أذاها وأرمي من رماها بمنكب «2»
# هذا نحو قول الآخر:
# PageV01P329
# [رجز]
# نفس عصام سودت عصاما ... وعلمته الكر والإقداما
# وصيرته ملكا هماما
# وعصام عبد كان للنعمان بن المنذر. وله يقول النابغة [وافر]
# فإني لا ألوم على دخول ... ولكن ما وراءك يا عصام؟
### | الكمال والتناهي في السؤدد
# حدثني أبو حمزة الأنصاري عن العتبي قال: قال قال الأحنف: الكامل من عدت
~~هفواته. وكتب معاوية إلى زياد: أنظر رجلا يصلح لثغر الهند فوله، فكتب إليه
~~إن قبلي رجلين يصلحان لذلك: الأحنف بن قيس، وسنان بن سلمة الهذلي. فكتب
~~إليه معاوية: بأي يومي الأحنف نكافيه: أبخذلانه أم المؤمنين، أم بسعيه
~~علينا يوم صفين؟ فوجه سنانا، فكتب إليه زياد: إن الأحنف قد بلغ من الشرف
~~والحلم والسؤدد ما لا تنفعه الولاية ولا يضره العزل. وقال أبو نواس يمدح
~~رجلا: [سريع]
# أوحده الله فما مثله ... لطالب ذاك ولا ناشد
# وليس لله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد
# وقال أيضا في نحو هذا: [بسيط]
# يا ناق، لا تسأمي أو تبلغي رجلا ... تقبيل راحته والركن سيان
# متى تحطي إليه الرحل سالمة ... تستجمعي الخلق في تمثال إنسان
# محمد «1» خير من يمشي على قدم ... ممن برا الله من إنس ومن جان
# PageV01P330
# تنازع الأحمدان الشبه فاشتبها ... خلقا وخلقا كما قد الشراكان
# سيان لا فرق في المعقول بينهما ... معناهما واحد والعدة اثنان
# وقال الطائي: [بسيط]
# لو أن إجماعنا في فضل سؤدده ... في الدين، لم يختلف في الملة اثنان
# وقال أيضا: [وافر]
# فلو صورت نفسك لم تزدها ... على ما فيك من كرم الطباع
# وقال خالد بن صفوان: كان الأحنف يفر من الشرف والشرف يتبعه.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: وفد الأحنف والمنذر بن الجارود إلى
~~معاوية، فتهيأ المنذر وخرج الأحنف على قعود وعليه بت، فكلما مر المنذر قال
~~الناس: هذا الأحنف، فقال المنذر: أراني تزينت لهذا الشيخ. وقالت بنو تميم
~~للأحنف: ما أعظم منتنا عليك! فضلناك وسودناك، فقال: هذا شبل بن معبد، من
~~سوده وليس بالحضرة بجلي غيره؟ أو قال بالبصرة.
# قال عبد الملك بن مروان لعبد الله بن عبد الأعلى الشاعر الشيباني: من
~~أكرم العرب أو من خير الناس؟ قال: من يحب الناس أن يكونوا منه، ولا يحب أن
~~يكون من أحد، يعني بني هاشم. قال: من ألأم الناس؟ قال: من يحب أن يكون من
~~غيره، ولا يحب غيره أن يكونوا منه. قال رجل من أشراف العجم لرجل من أشراف
~~العرب: إن الشرف نسب مفرد، فالشريف من كل قوم نسيب. وكان يقال: أكرم
~~الصفايا أشدها ولها إلى أولادها، وأكرم الإبل أحنها إلى أوطانها، وأكرم
~~الأفلاء «1» أشدها ملازمة لأمهاتها، وخير الناس آلف الناس للناس
# PageV01P331
### | السيادة والكمال في الحداثة
# قال الأحنف: السؤدد مع السواد، يريد أنه يكون سيدا من أتته السيادة في
~~حداثته وسواد رأسه ولحيته، وقد يذهب بمعناه إلى سواد الناس وعامتهم يراد أن
~~السؤدد يكون بتسويد العامة. وقال أبو اليقظان: ولى الحجاج محمد ابن القاسم
~~بن محمد بن الحكم الثقفي قتال الأكراد بفارس فأباد منهم، ثم ولاه السند
~~فافتتح السند والهند وقاد الجيوش وهو ابن سبع عشرة سنة، فقال فيه الشاعر:
~~[كامل]
# إن السماحة والمروءة والندى ... لمحمد بن القاسم بن محمد «1»
# قاد الجيوش لسبع عشرة حجة ... يا قرب ذلك سؤددا من مولد!
# ويروى: يا قرب ذلك سورة من مولد؛ السورة المنزلة الرفيعة. قال أبو
~~اليقظان: وهو جعل شيراز معسكرا ومنزلا لولاة فارس. وقال حمزة «2» بن بيض
~~لمخلد بن يزيد بن المهلب: [متقارب]
# بلغت لعشر مضت من سني ... ك ما يبلغ السيد الأشيب
# فهمك فيها جسام الأمور ... وهم لداتك أن يلعبوا
# نظر الحطيئة إلى ابن عباس يتكلم في مجلس عمر، فقال: من هذا الذي نزل عن
~~الناس في سنه وعلاهم في قوله! وقال ابن مسعود: لو بلغ أسناننا ما عشره منا
~~رجل «3» . ونظر رجل إلى أبي دلف في مجلس المأمون
# PageV01P332
# فقال: إن همته ترمي به وراء سنه. وولي عبيد الله بن زياد خراسان وهو ابن
~~ثلاث وعشرين سنة، وليها لمعاوية. قيل لزياد عند موته: استخلف عبيد الله،
~~فقال: إن يك فيه خير فسيوليه عمه، فلما مات زياد شخص عبيد الله إلى عمه
~~معاوية فقال له: ما منع أباك أن يوليك؟ أما إنه لو فعل فعلت، فقال عبيد
~~الله:
# يا أمير المؤمنين، لا يقولنها أحد بعدك: ما منع أباه وعمه أن يكونا
~~استعملاه، فرغب فيه فاستعمله على خراسان. وولى معاذ اليمن وهو ابن أقل من
~~ثلاثين سنة. وحمل أبو مسلم أمر الدولة والدعوة وهو ابن إحدى وعشرين سنة،
~~وحمل الناس عن إبراهيم النخعي وهو ابن ثماني عشرة سنة. وولى رسول الله صلى
~~الله عليه وسلم عتاب بن أسيد مكة وهو ابن خمس وعشرين سنة. وسودت قريش أبا
~~جهل ولم يطر شاربه فأدخلته مع الكهول دار الندوة. قال الكميت «1» :
# [مجزوء الكامل]
# رفعت إليك، وما ثغر «2» ... ت، عيون مستمع وناظر
# ورأوا عليك ومنك في ال ... مهد النهى ذات البصائر
# قال: قدم وفد على عمر بن عبد العزيز من العراق، فنظر إلى شاب منهم يتحوز
~~«3» يريد الكلام، فقال عمر: كبروا كبروا، فقال الفتى: يا أمير المؤمنين، إن
~~الأمر ليس بالسن، ولو كان كذلك كان في المسلمين من هو أسن منك، قال صدقت
~~فتكلم. قال الشاعر في خلاف هذا المعنى:
# [خفيف]
# إنما الهلك أن يساسوا بغر ... لم تعره الأيام رأيا وثيقا «4»
# PageV01P333
# وقال آخر: [طويل]
# ألا قالت الحسناء يوم لقيتها ... كبرت، ولم تجزع من الشيب مجزعا
# رأت ذا عصا يمشي عليها وشيبة ... تقنع منها رأسه ما تقنعا
# فقلت لها: لا تهزئي بى فقلما ... يسود الفتى حتى يشيب ويصلعا
# وللقارح اليعبوب خير علالة ... من الجذع المجرى وأبعد منزعا
# رأى بكير «1» بن الأخنس المهلب وهو غلام فقال: [طويل]
# خذوني به إن لم يسد سرواتهم ... ويبرع حتى لا يكون له مثل
### | الهمة والخطار بالنفس
# قال: أخبرنا خالد بن جويرية عن محمد بن ذؤيب الفقيمي «2» وهو العماني
~~الراجز عن دكين الراجز قال: أتيت عمر بن عبد العزيز بعد ما استخلف أستنجز
~~منه وعدا كان وعدنيه وهو والي المدينة، فقال لي: يا دكين، إن لي نفسا
~~تواقة، لم تزل تتوق إلى الإمارة، فلما نلتها تاقت إلى الخلافة، فلما نلتها
~~تاقت إلى الجنة. وما رزأت من أموال المسلمين شيئا، وما عندي إلا ألفا درهم،
~~فاختر أيهما شئت، وهو يضحك. فقلت: يا أمير المؤمنين، قليلك خير من كثير
~~غيرك، ويقال قليلك خير من كبير غيرك، فاختر لي أنت، فدفع إلي ألفا وقال:
~~خذها بارك الله لك فيها، فابتعت بها إبلا وسقتها إلى البادية، فرمى الله في
~~أذنابها بالبركة بدعوته حتى رزقني الله ما ترون.
# PageV01P334
# قال معاوية لعمرو بن العاص حين نظر معسكر علي عليه السلام: من طلب عظيما
~~خاطر بعظيمته. وكان عمرو يقول: عليكم بكل أمر مزلقة مهلكة.
# أي عليكم بجسام الأمور. وقال كعب «1» بن زهير: [طويل]
# وليس لمن لم يركب الهول بغية ... وليس لرحل حطه الله حامل
# إذا أنت لم تقصر عن الجهل والخنا ... أصبت حليما أو أصابك جاهل
# وفي كتاب للهند: ثلاثة أشياء لا تنال إلا بارتفاع همة وعظيم خطر:
# عمل السلطان، وتجارة البحر، ومناجزة العدو. وفيه أيضا: لا ينبغي أن يكون
~~الفاضل من الرجال إلا مع الملوك مكرما أو مع النساك متبتلا، كالفيل لا يحسن
~~أن يرى إلا في موضعين: في البرية وحشيا أو للملوك مركبا وفيه أيضا:
# ذو الهمة إن حط فنفسه تأبى إلا علوا كالشعلة من النار يصوبها صاحبها
~~وتأبى إلا ارتفاعا. وقال العتابي «2» : [طويل]
# تلوم على ترك الغنى باهلية ... طوى الدهر عنها كل طرف وتالد «3»
# يسرك أني نلت ما نال جعفر ... من الملك أو ما نال يحيى بن خالد
# وأن أمير المؤمنين أغصني ... مغصهما بالمشرقات البوارد
# ذريني تجئني ميتتي مطمئنة ... ولم أتقحم هول تلك الموارد
# فإن كريمات المعالي مشوبة ... بمستودعات في بطون الأساود
# وقال الطائي: [طويل]
# وأخرى لحتني يوم لم أمنع النوى ... قيادي ولم ينقض زماعي ناقض
# PageV01P335
# أرادت بأن يحوي الغنى وهو وادع ... وهل يفرس الليث الطلا «1» وهو رابض؟
# وقال أيضا: [كامل]
# فاطلب هدوءا في التقلقل واستتر ... بالعيس من تحت السهاد هجودا
# ما إن ترى الأحساب بيضا وضحا ... إلا بحيث ترى المنايا سودا
# وقال آخر: [رجز]
# ما العز إلا تحت ثوب الكد «2»
# وقال آخر: [كامل]
# الذل في دعة النفوس ولا أرى ... عز المعيشة دون أن يشقى لها
# وقال بعض المحدثين وأظنه البحتري: [خفيف]
# فاطلبا ثالثا سواي فإني ... رابع العيس والدجى والبيد
# لست بالواهن المقيم ولا القا ... ئل يوما إن الغنى بالجدود
# وإذا استصعبت مقادة أمر ... سهلتها أيدي المهارى القود
# وقال عبد الله بن أبي الشيص «3» [وافر]
# أظن الدهر قد آلى فبرا ... بأن لا يكسب الأموال حرا
# لقد قعد الزمان بكل حر ... ونقض من قواه المستمرا
# كأن صفائح الأحرار أردت ... أباه فحارب الأحرار طرا
# فأصبح كل ذي شرف ركوبا ... لأعناق الدجى برا وبحرا
# فهتك جيب درع الليل عنه ... إذا ما جيب درع الليل زرا
# PageV01P336
# يراقب للغنى وجها ضحوكا ... ووجها للمنية مكفهرا
# ومن جعل الظلام له قعودا ... أصاب به الدجى خيرا وشرا
# وكان يقال: من سره أن يعيش مسرورا فليقنع، ومن أراد الذكر فليجهد.
# قيل للعتابي: فلان بعيد الهمة، قال: إذن لا يكون له غاية دون الجنة. وقيل
~~لبعض الحكماء: من أسوأ الناس حالا؟ قال: من اتسعت معرفته وضاقت مقدرته
~~وبعدت همته.
# وقال عدي «1» بن الرقاع: [كامل]
# والمرء يورث جوده أبناءه ... ويموت آخر وهو في الأحياء
# أبو اليقظان قال: كان أول عمل وليه الحجاج تبالة، فسار إليها فلما قرب
~~منها قال للدليل: أين هي وعلى أي سمت هي؟ قال: تسترها عنك هذه الأكمة. قال
~~لا أراني أميرا إلا على موضع تستر منه أكمة! أهون بها ولاية! وكر راجعا.
~~فقيل في المثل: «أهون من تبالة على الحجاج» . وقال الطائي: [طويل]
# وطول مقام المرء في الحي مخلق ... لديباجتيه فاغترب تتجدد
# فإني رأيت الشمس زيدت محبة ... إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد
# وقال رجل لآخر: أبوك الذي جهل قدره وتعدى طوره فشق العصا وفرق الجماعة،
~~لا جرم لقد هزم ثم أسر ثم قتل ثم صلب. قال الآخر: دعني من ذكر هزيمة أبي
~~ومن صلبه، أبوك ما حدث نفسه بشيء من هذا قط. قال حاتم طيء: [طويل]
# لحى الله صعلوكا مناه وهمه ... من العيش أن يلقى لبوسا ومطعما
# يرى الخمص «2» تعذيبا وإن يلق شعبة ... يبت قلبه من قلة الهم مبهما
# PageV01P337
# ولله صعلوك يساور همه ... ويمضي على الأهوال والدهر مقدما
# يرى قوسه أو رمحه ومجنه ... وذا شطب لدن المهزة مخذما «1»
# وأحناء سرج قاتر «2» ولجامه ... معدا لدى الهيجا وطرفا مسوما
# فذلك إن يهلك فحي ثناؤه ... وإن يحي لا يقعد لئيما مذمما
# وقال آخر: [بسيط]
# لا يمنعنك خفض العيش تطلبه ... نزاع شوق إلى أهل وأوطان
# تلقى بكل بلاد إن حللت بها ... أهلا بأهل وجيرانا بجيران
# ويقال: ليس بينك وبين البلدان نسب فخير البلاد ما حملك. وقال عروة ابن
~~الورد «3» : [طويل]
# لحى الله صعلوكا إذا جن ليله ... مصافي المشاش «4» آلفا كل مجزر
# يعد الغنى من دهره كل ليلة ... أصاب قراها من صديق ميسر
# ينام عشاء ثم يصبح قاعدا ... يحت الحصا من جنبه المتعفر
# يعين نساء الحي لا يستعنه ... ويمسي طليحا كالبعير المحسر
# ولله صعلوك صفيحة وجهه ... كضوء شهاب القابس المتنور
# مطل على أعدائه يزجرونه ... بساحتهم زجر المنيح المشهر
# وقال آخر: [طويل] تقول سليمى: لو أقمت بأرضنا! * ولم تدر أني للمقام أطوف
# PageV01P338
# وقال الطائي في نحوه: [وافر]
# أآلفة النحيب كم افتراق ... ألم فكان داعية اجتماع
# وما إن فرحة الأوبات إلا ... لموقوف على ترح الوداع
# نظر رجل إلى روح بن حاتم واقفا في الشمس على باب المنصور فقال له: قد طال
~~وقوفك في الشمس. فقال روح: ليطول مقامي في الظل. وقال خداش «1» بن زهير:
~~[بسيط]
# ولن أكون كمن ألقى رحالته ... على الحمار وخلى صهوة الفرس
# وقال آخر: [بسيط]
# لا أنت قصرت عن مجد ولا أنا، إذ ... أسمو إليك بنفسي، قصرت هممي
# قال عمر بن الخطاب: أشنعوا بالكنى فإنها منبهة. دخل عبيد الله بن زياد بن
~~ظبيان التيمي على أبيه وهو يجود بنفسه فقال له: ألا أوصي بك الأمير؟ فقال
~~عبيد الله: إذا لم يكن للحي إلا وصية الميت فالحي هو الميت.
# وقال الشاعر في نحوه: [وافر]
# إذا ما الحي عاش بعظم ميت ... فذاك العظم حي وهو ميت
# وقال معاوية لعمرو بن سعيد وهو صبي: إلى من أوصى بك أبوك؟ قال:
# أوصى إلي ولم يوص بي. نظر أبو الحارث حمير إلى برذون «2» يستقى عليه،
~~فقال: المرء حيث يجعل نفسه، لو هملج «3» هذا لم يبل بما ترون. قال الطائي:
# PageV01P339
# [طويل]
# وقلقل نابي من خراسان جاشها ... فقلت اطمئني أنضر الروض عازبه
# وركب كأطراف الأسنة عرسوا ... على مثلها، والليل تسطو غياهبه
# لأمر عليهم أن تتم صدوره ... وليس عليهم أن تتم عواقبه
# وقال آخر: [طويل]
# وعش ملكا أو مت كريما، وإن تمت ... وسيفك مشهور بكفك تعذر
# والمشهور في هذا قول امرىء القيس: [طويل]
# فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة ... كفاني ولم أطلب قليل من المال
# ولكنما أسعى لمجد مؤثل ... وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي
# وقوله: [طويل]
# بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه ... وأيقن أنا لاحقان بقيصرا
# فقلت له: لا تبك عينك، إنما ... نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
# وقال أبو نواس: [طويل]
# سأبغي الغنى إما جليس خليفة ... نقوم سواء، أو مخيف سبيل
# وقيل ليزيد بن المهلب: ألا تبني دارا! فقال: منزلي دار الإمارة أو الحبس.
~~والمشهور في سقوط الهمة قول الحطيئة «1» : [بسيط]
# دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
# PageV01P340
# وقال مالك «1» بن الريب: [طويل]
# فإن تنصفونا، آل مروان، نقترب ... إليكم وإلا فأذنوا ببعاد
# فإن لنا عنكم مراحا ومرحلا ... بعيس إلى ريح الفلاة صوادي
# وفي الأرض عن دار المذلة مذهب ... وكل بلاد أوطنت كبلادي
# فماذا عسى الحجاج يبلغ جهده ... إذا نحن جاوزنا حفير «2» زياد
# فباست أبي الحجاج واست عجوزه ... عتيد «3» بهم يرتعي بوهاد
# فلولا بنو مروان كان ابن يوسف «4» ... كما كان عبدا من عبيد إياد
# زمان هو المقري المقر «5» بذلة ... يراوح غلمان القرى ويغادي
# بعث ينحاب خليفتها إلى ابن عائشة المحدث وهو عبيد الله بن محمد ابن حفص
~~التيمي، فأتاه في حلقته في المسجد فقال له: أبو من؟ قال: هلا عرفت هذا قبل
~~مجئيك؟ قال: أريد أن تخليني. قال: في حاجة لك أم في حاجة لي؟ قال: في حاجة
~~لي. قال: فالقني في المنزل. قال: فإن الحاجة لك. قال: ما دون إخواني سر.
# وقال بعض لصوص همدان وهو مالك «6» بن حريم: [طويل]
# كذبتم وبيت الله لا تأخذونها ... مراغمة مادام للسيف قائم
# PageV01P341
# متى تجمع القلب الذكي وصارما «1» ... وأنفا حميا تجتنبك المظالم
# ومن يطلب المال الممنع بالقنا ... يعش مثريا أو تخترمه المخارم
# وكنت إذا قوم غزوني غزوتهم ... فهل أنا في ذا يا لهمدان ظالم
# وقال أبو النشناش «2» ، من اللصوص: [طويل]
# إذا المرء لم يسرح سواما «3» ولم يرح ... سواما ولم تعطف عليه أقاربه
# فللموت خير للفتى من حياته ... فقيرا ومن مولى تدب عقاربه
# وسائله بالغيب عني وسائل ... ومن يسأل الصعلوك أين مذاهبه؟
# وطامسة الأعلام ماثلة الصوى «4» ... سرت بأبي النشناش فيها ركائبه
# فلم أر مثل الفقر ضاجعه الفتى ... ولا كسواد الليل أخفق صاحبه
# وقال آخر من اللصوص: [طويل]
# وإني لأستحيي من الله أن أرى ... أطوف بحبل «5» ليس فيه بعير
# وأن أسأل المرء اللئيم بعيره ... وبعران ربي في البلاد كثير
# فلليل، إن واراني الليل، حكمة ... وللشمس إن غابت علي تدور
# عوى الذئب فاستأنست للذئب إذ عوى ... وصوت إنسان فكدت أطير
# رأى الله أنى للأنيس لشانىء ... وتبغضهم لي مقلة وضمير
# PageV01P342
# وقال النمر «1» بن تولب: [كامل]
# خاطر بنفسك كي تصيب غنيمة ... إن الجلوس مع العيال قبيح
# فالمال فيه تجلة ومهابة ... والفقر فيه مذلة وقبوح
# وقال آخر: [طويل]
# تقول ابنتي: إن انطلاقك واحدا ... إلى الروع يوما تاركي لا أباليا
# ذريني من الإشفاق أو قدمي لنا ... من الحدثان والمنية واقيا
# ستتلف نفسي أو سأجمع هجمة ... ترى ساقيها يألمان التراقيا
# وقال أوس «2» بن حجر: [طويل]
# ومن يك مثلي ذا عيال ومقترا ... من المال يطرح نفسه كل مطرح
# ليبلي عذرا أو ليبلغ حاجة ... ومبلغ نفس عذرها مثل منجح
# وقال آخر: [طويل]
# رمى الفقر بالأقوام حتى كأنهم ... بأطرار آفاق البلاد نجوم
# قال كسرى: إحذروا صولة الكريم إذا جاع، واللئيم إذا شبع. وقال الشاعر:
~~[طويل]
# خلقان لا أرضى اختلافهما ... تيه الغنى، ومذلة الفقر
# فإذا غنيت فلا تكن بطرا ... وإذا افتقرت فته على الدهر
# واصبر، فلست بواجد خلقا ... أدنى إلى فرج من الصبر
# PageV01P343
# كان أعرابي يمنع ابنه من التصرف إشفاقا عليه، فقال شعرا فيه:
# [طويل]
# إذا ما الفتى لم يبغ إلا لباسه ... ومطعمه، فالخير منه بعيد
# يذكرني خوف المنايا، ولم أكن ... لأهرب مما ليس منه محيد
# فلو كنت ذا مال لقرب مجلسي ... وقيل إذا أخطأت: أنت رشيد
# رأيت الغنى قد صار في الناس سؤددا ... وكان الفتى بالمكرمات يسوده
# وإن قلت لم يسمع مقالي وإنني ... لمبدىء حق بينهم ومعيد
# فذرني أجول في البلاد لعله ... يسر صديق أو يساء حسود
# ألا ربما كان الشفيق مضرة ... عليك من الإشفاق وهو ودود
# وقال أعرابي من باهلة: [طويل]
# سأعمل نص العيس «1» حتى يكفني ... غنى المال يوما أو غنى الحدثان
# فللموت خير من حياة يرى لها ... على الحر بالإقلال وسم هوان
# متى يتكلم يلغ حسن كلامه ... وإن لم يقل قالوا: عديم بيان
# كأن الغنى عن أهله- بورك الغنى-* بغير لسان ناطق بلسان
### | الشرف والسؤدد بالمال وذم الفقر والحض على الكسب
# أنشد ابن الأعرابي «2» : [طويل]
# ومن يفتقر في قومه يحمد الغنى ... وإن كان فيهم ماجد العم مخولا
# PageV01P344
# يمنون إن أعطوا ويبخل بعضهم ... ويحسب عجزا سكته إن تجملا
# ويزري بعقل المرء قلة ماله ... وإن كان أقوى من رجال وأحولا
# وقرأت في كتاب للهند: ليس من خلة يمدح بها الغني إلا ذم بها الفقير، فإن
~~كان شجاعا قيل أهوج، وإن كان وقورا قيل بليد، وإن كان لسنا قيل مهذار، وإن
~~كان زميتا «1» قيل عيي. وقال آخر: [بسيط]
# الفقر يزري بأقوام ذوي حسب ... وقد يسود غير السيد المال
# وأنشد ابن الأعرابي: [بسيط]
# رزقت لبا ولم أرزق مروءته ... وما المروءة إلا كثرة المال
# إذا أردت مساماة يقعدني ... عما ينوه باسمي رقة الحال
# وقال آخر: [طويل]
# يغطي عيوب المرء كثرة ماله ... يصدق فيما قال وهو كذوب
# ويزري بعقل المرء قلة ماله ... يحمقه الأقوام وهو لبيب «2»
# وقال آخر: [منسرح]
# كم من لئيم الجدود سوده ال ... مال، أبوه وأمه الورق
# وكم كريم الجدود ليس له ... عيب سوى أن ثوبه خلق
# أدبه سادة كرام فما ... ثوباه إلا العفاف والخلق
# وأنشد الرياشي «3» :
# PageV01P345
# [بسيط]
# غضبان يعلم أن المال ساق له ... ما لم يسقه له دين ولا خلق
# لولا ثلاثون ألفا سقتها بطرا ... إلى ثلاثين ألفا ضاقت الطرق
# فمن يكن عن كرام الناس يسألني ... فأكرم الناس من كانت له ورق
# وقال أحيحة «1» بن الجلاح: [بسيط]
# إستغن أو مت ولا يغررك ذو نشب «2» ... من ابن عم ولا عم ولا خال
# يلوون ما عندهم من حق أقربهم ... وعن صديقهمو والمال بالوالي
# ولا أزال على الزوراء «3» أعمرها، ... إن الكريم على الإخوان ذو المال
# كل النداء إذا ناديت يخذلني ... إلا ندائي إذا ناديت يا مالي
# وقال حسان «4» : [خفيف]
# رب حلم أضاعه عدم الما ... ل وجهل غطى عليه النعيم
# وقال الهذلي «5» : [وافر]
# رأيت معاشرا يثنى عليهم ... إذا شبعوا وأوجههم قباح
# PageV01P346
# يظل المصرمون لهم سجودا ... ولو لم يسق عندهمو ضياح «1»
# ويروى يلف. وقال بعضهم: وددت أن لي مثل أحد ذهبا لا أنتفع منه بشيء. قيل
~~له: فما تصنع به؟ قال: لكثرة من يخدمني عليه. قال الصلتان «2» :
# [متقارب]
# إذا قلت يوما لمن قد ترى: ... أروني السري، أروك الغني
# وسرك ما كان عند امرىء ... وسر الثلاثة غير الخفي «3»
# وقال آخر: [بسيط]
# لا تسألي الناس: ما مجدي وما شرفي، ... الشأن في فضتي والشأن في ذهبي
# لو لم يكن لي مال لم يطر أحد ... بأبي ولم يعرفوا مجدي ومجد أبي
# وقال آخر: [طويل]
# أجلك قوم حين صرت إلى الغنى ... وكل غني في العيون جليل
# ولو كنت ذا عقل ولم تؤت ثروة ... ذللت لديهم والفقير ذليل
# إذا مالت الدنيا على المرء رغبت ... إليه ومال الناس حيث يميل
# وليس الغنى إلا غنى زين الفتى ... عشية يقري أو غداة ينيل
# وقال آخر: [طويل]
# وكل مقل حين يغدو لحاجة ... إلى كل من يعدو من الناس مذنب
# وكان بنو عمي يقولون مرحبا ... فلما رأوني معدما مات مرحب «4»
# PageV01P347
# وقال آخر: [طويل]
# أبا مصلح أصلح، ولا تك مفسدا ... فإن صلاح المال خير من الفقر
# ألم تر أن المرء يزداد عزة ... على قومه إن يعلموا أنه مثري
# وقال عروة «1» بن الورد: [وافر]
# ذريني للغنى أسعى فإني ... رأيت الناس شرهم الفقير
# وأبعدهم وأهونهم عليهم ... وإن أمسى له حسب وخير
# ويقصيه الندي وتزدريه ... حليلته وينهره الصغير
# وتلفي ذا الغنى وله جلال ... يكاد فؤاد صاحبه يطير
# قليل ذنبه والذنب جم ... ولكن للغنى رب غفور
# وقال زيد بن عمرو «2» بن نفيل: [خفيف]
# ويكأن من يكن له نشب «3» يح ... بب، ومن يفتقر يعش عيش ضر
# ويجنب سر النجي ولكن ... ن أخا المال محضر كل سر
# وقال آخر: [طويل]
# ألم تر بيت الفقر يهجر أهله ... وبيت الغنى يهدى له ويزار
# وقال آخر: [وافر]
# إذا ما قل مالك كنت فردا ... وأي الناس زوار المقل؟
# PageV01P348
# وقال عبد العزيز «1» بن زرارة: [وافر]
# وما لب اللبيب بغير حظ ... بأغنى في المعيشة من فتيل
# رأيت الحظ يستر عيب قوم ... وهيهات الحظوظ من العقول
# وقال الطائي: [بسيط]
# الصبر كاس وبطن الكف عارية ... والعقل عار إذا لم يكس بالنشب
# ما أضيع العقل إن لم يرع ضيعته ... وفر، وأي رحى دارت بلا قطب؟
# وقال آخر: [خفيف]
# عش بجد ولا يضرك نوك ... إنما عيش من ترى بالجدود
# عش بجد وكن هبنقة القي ... سي نوكا أو خالد بن يزيد «2»
# وقال الطائي: [طويل]
# ينال الفتى من عيشه وهو جاهل ... ويكدي الفتى في دهره وهو عالم
# ولو كانت الأرزاق تجري على الحجا ... هلكن إذا من جهلهن البهائم
# وقال المرار «3» : [طويل]
# إذا لم ترافد في الرفاد ولم تسق ... عدوا ولم تستغن فالموت أروح
# وقال ابن الدمينة «4» الثقفي: [وافر]
# أطعت العرس «5» في الشهوات حتى ... أعادتني عسيفا عبد عبد
# PageV01P349
# إذا ما جئتها قد بعت عذقا ... تعانق أو تقبل أو تفدي
# وقال الأسعر «1» الجعفي: [كامل]
# وخصاصة الجعفي ما داينته ... لا ينقضي أبدا وإن قيل انقضى
# إخوان صدق ما رأوك بغبطة ... فان افتقرت فقد هوى بك ما هوى
# وقال آخر: [طويل]
# إذا المرء لم يكسب معاشا لنفسه ... شكا الفقر أو لاقى الصديق فأكثرا
# وصار على الأدنين كلا وأوشكت ... صلات ذوي القربى له أن تنكرا
# فسر في بلاد الله والتمس الغنى ... تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا
# وما طالب الحاجات من حيث تبتغى ... من الناس إلا من أجد وشمرا
# فلا ترض من عيش بدون ولا تنم ... وكيف ينام الليل من كان معسرا «2» ؟
# وقال آخر: [رجز]
# من يجمع المال ولا يثب به ... ويترك العام لعام جذبه
# يهن على الناس هوان كلبه
# قال أبو اليقطان: ما ساد مملق قط إلا عتبة بن ربيعة.
# حدثني أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي عن حماد بن سلمة عن عبيد الله
# PageV01P350
# ابن العيزار عن عبد الله بن عمرو أنه قال: احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا
~~واحرث لآخرتك كأنك تموت غدا.
# قال: حدثني أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي قال حدثني أصحاب أيوب عن أيوب
~~قال: كان أبو قلابة يحثني على الإحتراف ويقول: إن الغنى من العافية.
# قال: وقال الأصمعي: سأل أعرابي عن رجل فقالوا: أحمق مرزوق، فقال: ذاك
~~والله الرجل الكامل. وكان يقال: من حفظ ماله فقد حفظ الأكرمين: الدين
~~والعرض. ويقال في بعض كتب الله: أطعني فيما آمرك ولا تعلمني بما ينفعك
~~وامدد يدك لباب من العمل أفتح لك بابا من الرزق. وكان يقال: من غلى دماغه
~~في الصيف غلت قدره في الشتاء. ويقال: حفظ المال أشد من جمعه. وقال الحسن:
~~إذا أردتم أن تعلموا من أين أصاب المال فانظروا فيم ينفقه فإن الخبيث ينفق
~~سرفا. ونحوه قولهم: من أصاب مالا من نهاوش أذهبه الله في نهابر «1» . ويقال
~~في مثل «الكد قبل المد» يراد الطلب قبل الحاجة والعجز. وقال لقيط «الغزو
~~أدر للقاح وأحد للسلاح» . وقال أبو المعافى «2» : [طويل]
# وإن التواني أنكح العجز بنته ... وساق إليها حين زوجها مهرا
# فراشا وطيئا ثم قال لها اتكي ... قصاراهما لا بد أن يلدا الفقرا
# وقال زيد بن جبلة: لا فقير أفقر من غني أمن الفقر. وروي عن علي بن
# PageV01P351
# أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال: ما دون أربعة آلاف درهم نفقة، وما فوقها
~~كنز. ويقال: القبر ولا الفقر. ويقال: ما سبق عيال مالا قط إلا كان صاحبه
~~فقيرا. وقيل لرجل من البصريين: مالك لا ينمي مالك؟ قال: لأني اتخذت العيال
~~قبل المال واتخذ الناس المال قبل العيال. ويقال: العيال سوس المال.
# وقيل لمديني: كيف حالك؟ قال: كيف يكون حال من ذهب ماله وبقيت عادته.
~~ويقال: الغني في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة.
# حدثني محمد بن يحيى بإسناد ذكره قال: شكا نبي من الأنبياء إلى الله شدة
~~الفقر فأوحى الله إليه: هكذا جرى أمرك عندي أفتريد من أجلك أن أعيد الدنيا.
# قال أبو حاتم: حدثنا العتبي قال: سمعت يونس بن حبيب يقول: ما أجدب أهل
~~البادية قط حتى تسويهم السنة ثم جاءهم الخصب إلا عاد الغنى إلى أهل الغنى.
# قال الأصمعي: رأيت أعرابية ذات جمال رائع تسأل بمنى فقلت: يا أمة الله،
~~تسألين ولك هذا الجمال! قالت: قدر الله فما أصنع؟ قلت: فمن أين معاشكم؟
~~قالت: هذا الحاج نتقممهم ونغسل ثيابهم. فقلت: فإذا ذهب الحاج فمن أين؟
~~فنظرت إلي وقالت: يا صلب الجبين! لو كنا إنما نعيش من حيث نعلم لما عشنا.
~~وقال الشاعر «1» : [خفيف]
# أتراني أرى من الدهر يوما ... لي فيه مطية غير رجلي
# وإذا كنت في جميع فقالوا ... قربوا للرحيل قدمت نعلي
# حيثما كنت لا أخلف رحلا ... من رآني فقد رآني ورحلي
# PageV01P352
# قيل لمديني: ما عندك من آلة الحج؟ قال: التلبية. وقيل لآخر: ما عندك من
~~آلة العصيدة «1» ؟ قال: الماء. وقيل لآخر: ما عندك من آلة القريس «2» ؟
~~قال: الشتاء.
### | ذم الغنى ومدح الفقر
# قال شريح: الجدة كنية البهل «3» . وقال أكثم بن صيفي: ما يسرني أني مكفي
~~كل أمر الدنيا. قيل: وإن أسمنت وألبنت؟ قال: نعم، أكره عادة العجز. وكان
~~يقال: عيب الغنى أنه يورث البله، وفضيلة الفقر أنه يورث الفكرة. وقال محمد
~~بن حازم «4» الباهلي: [منسرح]
# ما الفقر عار ولا الغنى شرف ... ولا سخاء في طاعة سرف
# ما لك إلا شيء تقدمه ... وكل شيء أخرته تلف
# تركك مالا لوارث يته ... ناه وتصلى بحره أسف
# وقال ابن مناذر «5» : [وافر]
# رضينا قسمة الرحمن فينا ... لنا علم وللثقفي مال
# وما الثقفي إن جادت كساه ... وراعك شخصه إلا خيال
# وقال أنس بن مالك: لما خرج مروان من المدينة مر بماله بذي خشب «6»
# PageV01P353
# فلما نظر إليه قال: ليس المال إلا ما أشرجت عليه المناطق. وروي عن المسيح
~~أنه قال: في المال ثلاث خصال، قالوا: وما هي يا روح الله: قال:
# لا يكسبه من حله قالوا: فإن فعل قال: يمنعه من حقه، قالوا: فإن لم يفعل،
~~قال: يشغله إصلاحه عن عبادة ربه. قيل لابن عمر: توفي زيد بن حارثة وترك
~~مائة ألف درهم، قال: لكنها لا تتركه. وقال المعلوط «1» . [طويل]
# ولا سود المال الدني ولا دنا ... لذاك ولكن الكريم يسود
# متى ما ير الناس الغني وجاره ... فقيرا يقولوا عاجز وجليد
# وليس الغنى والفقر من حيلة الفتى ... ولكن أحاظ قسمت وجدود
# فكم قد رأينا من غني مذمم ... وصعلوك قوم مات وهو حميد
# إذا المرء أعيته المروءة ناشئا ... فمطلبها كهلا عليه شديد
# وقال آخر: [منسرح]
# ولا تهين «2» الفقير علك أن ... تركع يوما والدهر قد رفعه
# الأخفش قال: قال المبرد: أريد النون الخفيفة في ولا تهين فأسقط التنوين
~~لسكونه وسكون اللام. وقال آخر: [طويل]
# ولست بنظار إلى جانب الغنى ... إذا كانت العلياء في جانب الفقر
# وإني لصبار على ما ينوبني ... لأني رأيت الله أثنى على الصبر
# وقال أعرابي يمدح قوما: [طويل]
# إذا افتقروا عضوا على الصبر حسبة ... وإن أيسروا عادوا سراعا إلى الفقر
# يقول: يعطون ما عندهم حتى يفتقروا. قال الحسن: عيرت اليهود
# PageV01P354
# عيسى بن مريم بالفقر فقال: من الغنى أتيتم، وقال: حسبك من شرف الفقر أنك
~~لا ترى أحدا يعصي الله ليفتقر. أنشد ابن الأعرابي «1» : [بسيط]
# المال يغشى رجالا لا طباخ بهم ... كالسيل يغشى أصول الدندن البالي «2»
# وقال الطائي: [كامل]
# لا تنكري عطل الكريم من الغنى ... فالسيل حرب للمكان العالي «3»
# قال عمر بن الخطاب: من دخل على الأغنياء خرج وهو ساخط على الله. قال
~~أعرابي: الغني من كثرت حسناته والفقير من قل نصيبه منها. وقال ذو الأصبع
~~«4» : [بسيط]
# لي ابن عم على ما كان من خلق ... مخالف لي أقليه ويقليني «5»
# أزرى بنا أننا شالت نعامتنا ... فخالني دونه بل خلته دوني
# PageV01P355
# وقال آخر: [كامل]
# إن الحرام غزيرة حلباته ... ووجدت حالبة الحلال مصورا «1»
# وقيل لأعرابي: إن فلانا أفاد مالا عظيما قال: فهل أفاد معه أياما ينفقه
~~فيها؟. وفي كتاب للهند: ذو المروءة يكرم معدما كالأسد يهاب وإن كان رابضا،
~~ومن لا مروءة له يهان وإن كان موسرا كالكلب وإن طوق وحلى. وقال خداش «2» بن
~~زهير: [طويل]
# أعاذل، إن المال أعلم أنه ... وجامعه للغائلات الغوائل
# متى تجعليني فوق نعشك تعلمي ... أيغني مكاني أبكري وأفائلي؟
# وقال آخر: [طويل]
# إذا المرء أثرى ثم قال لقومه ... أنا السيد المقضي إليه المعظم
# ولم يعطهم خيرا أبوا أن يسودهم ... وهان عليهم رغمه وهو أظلم
# وقال زبان «3» بن سيار: [طويل]
# ولسنا كقوم محدثين سيادة ... يرى مالها ولا يحس فعالها
# مساعيهمو مقصورة في بيوتهم ... ومسعاتنا ذبيان طرا عيالها
# وقال أبو عبيد الله الكاتب: الصبر على حقوق المروءة أشد من الصبر على ألم
~~الحاجة، وذلة الفقر مانعة من عز الصبر كما أن عز الغنى مانع من كرم
~~الإنصاف. وقال بعض المتكلمين في ذم الغنى: ألم تر ذا الغنى ما أدوم نصبه،
~~وأقل راحته، وأخس من ماله حظه، وأشد من الأيام حذره، وأغرى
# PageV01P356
# الدهر بثلمه ونقضه، ثم هو بين سلطان يرعاه، وحقوق تسترثيه، وأكفاء
~~يتنافسونه، وولد يودون فراقه، قد بعث عليه الغنى من سلطانه العناء، ومن
~~أكفائه الحسد، ومن أعدائه البغي، ومن ذوي الحقوق الذم، ومن الولد الملامة،
~~لا كذي البلغة قنع فدام له السرور، ورفض الدنيا فسلم له الجسد، ورضي
~~بالكفاف فتنكبته الحقوق. ضجر أعرابي بكثرة العيال والولد مع الفقر وبلغه أن
~~الوباء بخيبر شديد فخرج إليها بعياله يعرضهم للموت، وأنشأ يقول:
# [رجز]
# قلت لحمى خيبر استعدي ... هاك عيالي واجهدي وجدي
# وباكري بصالب وورد ... أعانك الله على ذا الجند
# فأخذته الحمى فمات هو وبقي عياله. وكتب عمر بن الخطاب إلى ابنه عبد الله:
~~يا بني، إتق الله، فإنه من اتق الله وقاه، ومن توكل عليه كفاه، ومن شكره
~~زاده، فلتكن التقوى عماد عينيك وجلاء قلبك، واعلم أنه لا عمل لمن لا نية له
~~ولا أجر لمن لا حسبة له، ولا مال لمن لا رفق له، ولا جديد لمن لا خلق له.
~~وقال محمود الوراق «1» : [سريع]
# يا عائب الفقر ألا تزدجر ... عيب الغنى أكثر لو تعتبر
# من شرف الفقر ومن فضله ... على الغنى إن صح منك النظر
# أنك تعصي الله تبغي الغنى ... ولست تعصي الله كي تفتقر
# وقال آخر: [مجزوء المديد]
# ليس لي مال سوى كرمي ... فيه لي أمن من العدم
# لا أقول الله أعدمني ... كيف أشكو غير متهم
# PageV01P357
# قنعت نفسي بما رزقت ... وتمطت بالعلى هممي
# وجعلت الصبر سابغة ... فهي من قرني إلى قدمي
# فإذا ما الدهر عاتبني ... لم يجدني كافرا نعمي
### | التجارة والبيع والشراء
# قال: حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن ابن إسحق عمن حدثه يرفعه
~~قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت مرغمة ومرحمة ولم أبعث تاجرا
~~ولا زراعا وإن شر هذه الأمة التجار والزراعون إلا من شح عن دينه» . وفي
~~حديث آخر رواه أبو معاوية عن الأعمش عن وائل بن داود عن سعيد بن جبير:
# سئل النبي، صلى الله عليه وسلم، أي الكسب أطيب قال: «عمل الرجل بيده وكل
~~بيع مبرور» .
# حدثني يزيد بن عمرو قال: حدثنا عون بن عمارة عن هشام بن حسان عن الحسن أن
~~عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: من تجر في شيء ثلاث مرات فلم يصب فيه
~~فليتحول منه إلى غيره. وقال: فرقوا بين المنايا، واجعلوا الرأس رأسين ولا
~~تلثوا بدار معجزة «1» . وقال: إذا اشتريت بعيرا فاشتره عظيم الخلق فإن
~~أخطأك خير لم يخطئك سوق. وقال: بع الحيوان أحسن ما يكون في عينك. وقال
~~الحسن: الأسواق موائد الله في الأرض فمن أتاها أصاب منها. ابن المبارك عن
~~معمر عن الزبيري قال: مر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، برجل يبيع شيئا،
~~فقال: «عليك بالسوم أول السوق فإن الرباح مع السماح» . وكان يقال:
# PageV01P358
# إسمح يسمح لك. وفي بعض الحديث المرفوع: «أمر رسول الله، صلى الله عليه
~~وسلم، الأغنياء باتخاذ الغنم والفقراء باتخاذ الدجاج» . وقيل للزبير: بم
~~بلغت ما بلغت من اليسار؟ قال: لم أرد ربحا ولم أستر عيبا. دخل ناس على
~~معاوية فسألهم عن صنائعهم، فقالوا: بيع الرقيق. قال: بئس التجار ضمان نفس
~~ومؤونة ضرس.
# باع رجل ضيعة فقال للمشتري: أما والله لقد أخذتها ثقيلة المؤنة قليلة
~~المنفعة، فقال: وأنت والله لقد أخذتها بطيئة الاجتماع سريعة التفرق.
# واشترى رجل من رجل دارا فقال له المشتري: لو صبرت لاشتريت منك الذراع
~~بعشرة، فقال: وأنت لو صبرت بعتك الذراع بدرهم.
# حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي أن أبا سفيان بن العلاء باع غلاما له بثلاثين
~~ألفا فقال عمر بن أبي زائدة: هذا أحمق، قالوا: كيف؟ قال: لأنه لم يبلغ
~~ثلاثين ألفا حتى أعطي قبل ذلك عشرون ألفا فكيف انتظر ولم يغتنمها.
# ورئي عبد الله بن جعفر يماكس «1» في درهم فقيل له: أتماكس في درهم وأنت
~~تجود من المال بما تجود به؟ قال: ذلك مالي جدت به وهذا عقلي بخلت به.
# ابتاع ابن عمر شيئا فحثا له البائع على المكيال فقال له ابن عمر: أرسل
~~يدك ولا تمسك على رأسه فإنما لي ما يحمله المكيال. كان جرير بن عبد الله
~~إذا اشترى شيئا قال لصاحبه: إن الذي أخذنا منك خير مما أعطيناك إذ أظن أنه
~~كذلك فأنت بالخيار. اشترى عمرو بن عبيد إزارا للحسن بستة دراهم ونصف فأعطاه
~~سبعة دراهم فقال الرجل: إنما بعته بستة دراهم ونصف، فقال عمرو:
# إني اشتريته لرجل لا يقاسم أخاه درهما.
# PageV01P359
# قال: حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي عن أبي الزناد قال: إذا عزب «1» المال
~~قلت فواضله، لا بلحة ولا بسرة ولا رطبة ولا كرنافة «2» . ونحوه قول بعض
~~الحجازيين: [طويل]
# سأبغيك مالا بالمدينة إنني ... أرى عازب الأموال قلت فواضله
# قال عمر بن عبد الرحمن بن عوف: قسم سهل بن حنيف بيننا أموالنا وقال لي:
~~يا بن أختي، إني أو ترك بالقرابة، اعلم أنه لا مال لأخرق ولا عيلة على
~~مصلح، وخير المال ما أطعمك لا ما أطعمته، وإن الرقيق جمال وليس بمال. قال
~~زياد: ليس لذي ضعف مثل أرض عشر وليس لذي جاه مثل خراج وليس لتاجر مثل صامت.
~~قال رجل لآخر: بكم تبيع الشاة؟ قال:
# أخذتها بستة وهي خير من سبعة وقد أعطيت بها ثمانية فإن كانت من حاجتك
~~بتسعة فزن عشرة. كان يقال: خير المال عين خرارة، في أرض خوارة، تفجرها
~~الفارة، تسهر إذا نمت، وتشهد إذا غبت، وتكون عقبا إذا مت. عبد الرزاق عن
~~معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: إن الله إذا أبغض عبدا جعل رزقه في
~~الصياح. وقال الفضيل مثل ذلك وقال: أما سمعت إلى أهل دار البطيخ والملاحين
~~ودويهم.
# قال: حدثنا أحمد بن الخليل قال: حدثنا أحمد بن الحارث الهجيمي قال: حدثنا
~~المبارك بن سعيد عن برد بن سنان عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يرى
~~بالمكايسة والمماكسة في الشراء والبيع بأسا.
# PageV01P360
# قال: حدثني محمد قال: حدثني الأصبهاني عن يحيى بن أبي زائدة عن مجالد عن
~~أبي بردة. قال: أتى عمر غلاما له يبيع الحلل، فقال له: إذا كان الثوب عاجزا
~~فانشره وأنت جالس وإذا كان واسعا فانشره وأنت قائم. قال:
# فقلت له: الله الله يا عمر. قال: إنما هي السوق. قال عبد الله بن الحسين:
# غلة الدور مسكة وغلة النخل كفاف وغلة الحب الغنى. قال أعرابي: [طويل]
# زيادة شيء تلحق النفس بالمنى ... وبعض الغلاء في التجارة أربح
# ولما بلغ عتبة بن غزوان أن أهل البصرة قد اتخذوا الضياع وعمروا الأرضين
~~كتب إليهم: لا تنهكوا وجه الأرض فإن شحمتها في وجهها. قال أعرابي: [طويل]
# وفي السوق حاجات وفي النقد قلة ... وليس مقضي الحاج «1» غير الدراهم
# قال ميمون بن ميمون: من اشترى الأشياء بنعت أهلها غبن حدثني سهل بن محمد
~~عن الأصمعي قال: حدثني شكر الحرشي قال:
# جاء الحسن بشاة فقال لي: بعها وابرأ من أنها تقلب المعلف وتنزع الوتد من
~~قبل البيع لئلا يقولوا ندم. قال الشاعر: [وافر]
# إذا ما تاجر لم يوف كيلا ... فصب على أنامله الجذام
# ابن الزيات «2» في الطائي: [طويل]
# رأيتك سهل البيع سمحا وإنما ... يغالي إذا ما ظن بالشيء بائعه
# هو الماء إن أحميته طاب شربه ... ويكدر يوما أن تباح مشارعه
# PageV01P361
# حدثت عن شيبان بن فروخ عن أبي الأشهب عن الحسن قال: كان رجل يتجر في
~~البحر ويحمل الخمر يأتي بها قوما، فعمد إليها فمزجها نصفين وأتاهم بها
~~فباعها بحساب الصرف واشترى قردا فحمله معه في السفينة، فلما لجج في البحر
~~لم يشعر إلا وقد أخذ القرد الكيس وعلا على الصاري وجعل يلقي دينارا في
~~البحر ودينارا في السفينة حتى قسمه قسمين. قال رجل من الحاج: أتانا رجل من
~~الأعراب بالرمل في طريق مكة بغرارة «1» فيها كمأة، فقلنا له: بكم الغرارة؟
~~فقال: بدرهمين، فقلنا: لك ذلك، فأخذناها ودفعنا إليه الثمن، فلما نهض قال
~~له رجل منا: في است المغبون عود، فقال: بل عودان وضرب الأرض برجله فإذا نحن
~~على الكمأة قيام. قيل لأعرابي: ألا تشتري لابنك بطيخة. فقال: لا، أو يبلغ
~~من كساده أن يكون إذا تناول من بين يدي البقال وأخذه وعدا رماه بأخرى ولم
~~يعد خلفه. اشترى أعرابي غلاما فقال للبائع: هل فيه من عيب، فقال: لا، غير
~~أنه يبول في الفراش. فقال: ليس هذا بعيب، إن وجد فراشا فليبل فيه.
### | الدين
# قال ثابت قطنة: الدين عقلة الشريف. وقال دليم «2» : [طويل]
# الله لقى من عرابة بيعة ... على حين كاد النقد يعسر عاجله «3»
# ولوى بنان الكف يحسب ربحه ... ولم يحسب المطل الذي أنا ماطله
# سيرضى من الربح الذي كان يرتجي ... برأس الذي أعطى وهل هو قابله؟ «4»
# PageV01P362
# عبد الرزاق عن ابن جريج قال: رآني عمر وأنا متقنع، فقال: يا أبا خالد، إن
~~لقمان كان يقول: القناع بالليل ريبة وبالنهار مذلة، فقلت: إن لقمان لم يكن
~~عليه دين. كتب يعقوب بن داود إلى بعض العباد يسأله القدوم عليه، فأتى محمد
~~بن النضر الحارثي فاستشاره وقال: لعل الله يقضي ديني، فقال محمد بن النضر:
~~لأن تلقى الله وعليك دين ولك دين خير من أن تلقاه وقد قضيت دينك وذهب
~~دينك،. قال عياض بن عبد الله: الدين راية الله في أرضه فإذا أراد أن يذل
~~عبدا جعلها طوقا في عنقه. دخل عتبة بن عمرو على خالد القسري. فقال خالد
~~يعرض به: إن ههنا رجالا يدانون في أموالهم فإذا فنيت ادانوا في أعراضهم.
~~فقال عتبة: إن رجالا تكون مروءاتهم أكثر من أموالهم فيدانون «1» على سعة ما
~~عند الله، فخجل خالد وقال: إنك منهم ما علمت.
# وقال أعرابي يذكر غرماء «2» له: [بسيط]
# جاءوا إلي غضابا يلغطون معا ... يشفي أذاتهمو أن غاب أنصاري
# لما أبوا جهرة إلا ملازمتي ... أجمعت مكرا بهم في غير إنكار
# وقلت: إني سيأتيني غدا جلبي «3» ... وإن موعدكم دار ابن هبار
# وما أواعدهم إلا لأربثهم «4» ... عني فيحرجني نقضي وإمراري
# وما جلبت إليهم غير راحلة ... تخدي برحلى وسيف جفنه عاري
# إن القضاء سيأتي دونه زمن ... فاطو الصحيفة واحفظها من الفار
# وقال آخر لغرمائه:
# PageV01P363
# [وافر]
# ولو علقتموني كل يوم ... برجلي أو يدي في المنجنيق «1»
# لما أعطيتكم إلا ترابا ... يطير في الخياشم والحلوق
# وقال آخر «2» : [وافر]
# إذا جئت الأمير فقل سلام ... عليك ورحمة الله الرحيم
# وأما بعد ذاك فلي غريم ... من الأعراب قبح من غريم
# دراهم ما انتفعت بها ولكن ... وصلت بها شيوخ بني تميم
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي. قال: جاء رجل من بني مخزوم إلى الحارث بن عبد
~~الله بن نوفل وهو يقضي عن أخيه دينا فقال: إن لي على أخيك حقا، قال: ثبت
~~حقك تعطه. قال: أفمن ملاءة أخيك ووفائه ندعي عليه ما ليس لنا؟ فقال: أمن
~~صدقك وبرك نقبل قولك بغير بينة؟. لزم سهل ابن هارون دين كثير، فقال أعرابي
~~يوصيه بالتواري عن غرمائه: [طويل]
# انزل أبا عمرو على حد قرية ... تربع إلى سهل كثير السلائق
# وخذ نفق اليربوع فاسلك طريقه ... ودع عنك إني ناطق وابن ناطق
# وكن كأبي قطب على كل رائع ... له باب دار ضيق العرض سامق
# وأبو قطبة خناق كان بالكوفة مولى لكندة.
# حدثني محمد بن عبيد. قال: حدثني سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد
~~بن عمير أن رجلا كان يبايع الناس ويداينهم، وكان له كاتب ومتجر، فيأتيه
~~المعسر والمستنظر فيقول لكاتبه: أكلىء واستنظر ليوم يتجاوز
# PageV01P364
# الله عنا فيه، فمات لا يعمل عملا غيره فغفر الله له. قال شقران القضاعي
~~«1» :
# [طويل]
# لو كنت مولى قيس عيلان لم تجد ... علي لإنسان من الناس درهما
# ولكنني مولى قضاعة كلها ... فلست أبالي أن أدين وتغرما
# بلغني عن يحيى بن أيوب عن الأعمش عن إبراهيم. قال: أرسل عمر إلى عبد
~~الرحمن بن عوف يستسلفه أربعمائة درهم، فقال عبد الرحمن:
# أتستسلفني وعندك بيت المال، ألا تأخذ منه ثم ترده؟ فقال عمر: إني أتخوف
~~أن يصيبني قدري، فتقول أنت وأصحابك: أتركوا هذا لأمير المؤمنين؟ حتى يؤخذ
~~من ميزاني يوم القيامة، ولكني أتسلفها منك لما أعلم من شحك فإذا مت جئت
~~فاستوفيتها من ميراثي.
# كتب أبو عباد المهلبي «2» إلى صديق له مكثر يستسلفه مالا، فاعتل عليه
~~بالتعذر وضيق الحال، فكتب إليه ابن عباد: إن كنت كاذبا فجعلك الله صادقا
~~وإن كنت ملوما فجعلك الله معذورا. أبو اليقظان قال: كان الفضل «3» بن
~~العباس بن عتبة بن أبي لهب الشاعر يعين «4» الناس فإذا حلت دراهمه ركب
~~حمارا له يقال له شارب الريح فيقف على غرمائه ويقول: [طويل]
# بني عمنا، ردوا الدراهم إنما ... يفرق بين الناس حب الدراهم
# PageV01P365
# وكان رجل من بني الديل عسر القضاء فإذا تعلق به غرماؤه فر منهم وقال:
~~[وافر]
# فلو كنت الحديد لكسروني ... ولكني أشد من الحديد
# فعينه الفضل فلما كان قبل المحل جاء فبنى معلفا على باب داره، وكان يقال
~~للرجل عقرب فلقي كل واحد من صاحبه شدة، فهجاه الفضل فقال.
# [سريع]
# قد تجرت في دارنا عقرب ... لا مرحبا بالعقرب التاجره
# إن عادت العقرب عدنا لها ... وكانت النعل لها حاضره
# كل عدو يتقى مقبلا ... وعقرب تخشى من الدابره
# إن عدوا كيده في استه ... لغير ذي كيد ولا نائره
# قال بعضهم: ثلاثة من عازهم عادت عزته ذلة: السلطان. والوالد، والغريم.
~~وفي الحديث المرفوع: «لصاحب الحق اليد واللسان» . المدائني قال: ساير بعض
~~خلفاء بني أمية رجلا وهو يحادثه ثم قطع حديثه واصفر لونه، فقال له الرجل:
~~ما هذا الذي رأيت منك؟ قال: رأيت غريما لي، قال الشاعر:
# [طويل]
# إذا ما أخذت الدين بالدين لم يكن ... قضاء ولكن كان غرما على غرم
# وقال آخر: [وافر]
# أخذت الدين أدفع عن تلادي ... وأخذ الدين أهلك للتلاد
# كان لرجل من يحصب على رجل من باهلة دين، فلما حل دينه هرب الباهلي وأنشأ
~~يقول: [طويل]
# إذا حل دين اليحصبي فقل له: ... تزود بزاد واستعن بدليل
# PageV01P366
# سيصبح فوقي أقتم الرأس واقعا ... بقالي قلا أو من وراء دبيل «1»
# قال المحدث بهذا: فحدثني من رآه بقالي قلا أو بدبيل وهو مصلوب وقد وقعت
~~عليه عقاب. وقف أبو فرعون الأعرابي على باب قوم يسألهم، فحلفوا له: ما
~~عندهم شيء يعطونه، فقال: استقرضوا لنا شيئا، فقالوا: ما يقرضنا أحد شيئا،
~~فقال أبو فرعون: ذلك لأنكم تأخذون ولا تعطون، أو قال ولا تقضون. أتى قوم
~~عباديا فقالوا: نحب أن تسلف فلانا ألف درهم وتؤخره بها سنة، قال: هاتان
~~حاجتان وسأقضي لكم إحداهما، وإذا أنا فعلت فقد أنصفت، أنا أؤخره ما شاء.
~~كتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل له عليه دين.
# قد آن للحق الذي عندك أن يرجع إلى أهله، وتستغفر الله تعالى من حبسه.
### | اختلاف الهمم والشهوات والأماني
# اجتمع عبد الله بن عمر وعروة بن الزبير ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن
~~مروان بفناء الكعبة، فقال لهم مصعب: تمنوا فقالوا: إبدأ أنت.
# فقال: ولاية العراق وتزوج سكينة ابنة الحسين وعائشة بنت طلحة بن عبيد
~~الله، فنال ذلك وأصدق كل واحدة خمسمائة ألف درهم وجهزها بمثلها.
# وتمنى عروة بن الزبير الفقه وأن يحمل عنه الحديث فنال ذلك. وتمنى عبد
~~الملك الخلافة فنالها. وتمنى عبد الله بن عمر الجنة.
# قال قتيبة بن مسلم لحصين بن المنذر: ما السرور؟ قال: امرأة حسناء،
# PageV01P367
# ودار قوراء «1» ، وفرس مرتبط بالفناء. وقيل لضرار بن الحسين: ما السرور؟
# قال: لواء منشور، وجلوس على السرير، والسلام عليك أيها الأمير. وقيل لعبد
~~الملك «2» بن صالح: ما السرور؟ فقال: [مجزوء الكامل]
# كل الكرامة نلتها ... إلا التحية بالسلام
# يريد أنه لم يسلم عليه بالخلافة. وأخذه من قول الآخر:
# [مجزوء الكامل]
# من كل ما نال الفتى ... قد نلته إلا التحيه
# يريد الملك. قيل لعبد الملك بن الأهتم: ما السرور؟ فقال: رفع الأولياء،
~~وحط الأعداء، وطول البقاء، مع القدرة والنماء. وقال آخر:
# [خفيف]
# أطيب الطيبات قتل الأعادي ... واختيال على متون الجياد
# وأياد حبوتهن كريما ... إن عند الكريم تزكو الأيادي
# قيل للفضل بن سهل: ما السرور؟ فقال: توقيع جائز وأمر نافذ. وقال يزيد بن
~~أسد يوما: أي شيء أسر للقلوب؟ فقالوا: رجل هوي زمانا ثم قدر، فقال: إن هذا
~~السرور. وقال آخر: رجل طلب الولد زمانا فلم يولد له ثم بشر بغلام، فقال
~~يزيد: أسر من هذا كله قفلة على غفلة. قيل لبعض الحكماء:
# تمن، فقال: محادثة الإخوان، وكفاف من عيش يسد خلتي ويستر عورتي،
~~والانتقال من ظل إلى ظل. قيل لآخر: ما بقي من ملاذك؛ قال: مناقلة الإخوان
~~الحديث على التلاع العفر في الليالي القمر. قيل لامرىء القيس: ما
# PageV01P368
# أطيب عيش الدنيا؟ فقال: بيضاء رعبوبة «1» ، بالطيب مشبوبة، بالشحم
~~مكروبة. وقيل لطرفة مثل ذلك فقال: مطعم شهي وملبس دفي، ومركب وطي. وقيل
~~للأعشى مثل ذلك، فقال: صهباء صافية، تمزجها ساقية، من صوب غادية «2» . وقال
~~طرفة «3» : [طويل]
# ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى ... وجدك لم أحفل متى قام عودي
# فمنهن سبقي العاذلات بشربة ... كميت «4» متى ما تعل بالماء تزبد
# وتقصير يوم الدجن والدجن معجب ... ببهكنة تحت الطراف المعمد
# وكري إذا نادى المضاف محنبا ... كسيد الغضا نبهته المتورد
# وقال أبو نواس: [مجزوء الكامل]
# قلت بالقفص ليحيى ... ونداماي نيام
# يا رضيعي ثدي أم ... ليس لي عنه فطام
# إنما العيش سماع ... ومدام وندام
# فإذا فاتك هذا ... فعلى العيش السلام
# وقال سحيم «5» : [منسرح]
# تقول حدراء: ليس فيك سوى ال ... خمر معاب يعيبه أحد
# فقلت: أخطأت، بل معاقرتي ال ... خمر وبذلي فيها الذي أجد
# PageV01P369
# هو السناء الذي سمعت به ... لا سبد محتدي ولا لبد «1»
# ويحك لولا الخمور لم أحفل ال ... عيش ولا أن يضمني لحد
# هي الحيا والحياة واللهو لا ... أنت ولا ثروة ولا ولد
# وقال أبو الهندي «2» : [متقارب]
# تركت الخمور لأربابها ... وأصبحت أشرب ماء قراحا
# وقد كنت حينا بها معجبا ... كحب الغلام الفتاة الرداحا
# وما كان تركي لها أنني ... يخاف نديمي علي افتضاحا
# ولكن قولي له مرحبا ... وأهلا مع السهل وانعم صباحا
# وقال آخر: [خفيف]
# اسقني بالكبير إني كبير ... إنما يشرب الصغير الصغير
# لا يغرنك يا عبيد خشوعي ... تحت هذا الخشوع فسق كثير
# كان ابن عائشة ينشد: [رجز]
# لما رأيت الحظ حظ الجاهل ... ولم أر المغبون غير العاقل
# رحلت عنسا من كروم بابل ... فبت من عقلي على مراحل
# وقال آخر: [طويل]
# شربنا من الداذي «3» حتى كأننا ... ملوك لهم بر العراقين والبحر
# فلما انجلت شمس النهار رأيتنا ... تولى الغنى عنا وعاودنا الفقر
# PageV01P370
# قال بعضهم: العيش كله في كثرة المال وصحة البدن وخمول الذكر.
# وكان يقال: ليس السرور للنفس بالجدة، «1» إنما سرور النفس بالأمل. قال
~~يزيد بن معاوية: ثلاث تخلق العقل وفيها دليل على الضعف: سرعة الجواب؛ وطول
~~التمني، والاستغراب في الضحك. وكان يقال: المنى والحلم أخوان. وسئل ابن أبي
~~بكرة: أي شيء أدوم إمتاعا؟ فقال: المنى.
# وقال الشاعر: [بسيط]
# إذا تمنيت بت الليل مغتبطا ... إن المنى رأس أموال المفاليس
# وقال آخر: [سريع]
# ما فاتني منك فإن المنى ... تدنيه مني فكأنا معا
# وقال آخر: [سريع]
# وإن لوا ليس شيئا سوى ... تسلية اللوماء بالباطل
# وقال بعض الأعراب: [طويل]
# منى إن تكن حقا تكن أحسن المنى ... وإلا فقد عشنا بها زمنا رغدا
# أماني من سعدى عذابا كأنما ... سقتك بها سعدى على ظمأ بردا
# وقال بشار: [طويل]
# كررنا أحاديث الزمان الذي مضى ... فلذ لنا محمودها وذميمها
# وقال المجنون «2» : [طويل]
# أيا حرجات الحي حيث تحملوا ... بذي سلم، لا جادكن ربيع «3»
# PageV01P371
# وخيماتك اللاتي بمنعرج اللوى ... بلين بلى لم تبلهن ربوع
# فقدتك من نفس شعاع فطالما ... نهيتك عن هذا وأنت جميع
# فقربت لي غير القريب وأشرفت ... إليك ثنايا ما لهن طلوع
# وقال ابن الدمينة «1» : [بسيط]
# يا ليتنا فردا وحش ندور معا ... نرعى المتان ونخفى في نواحيها «2»
# أو ليت كدر القطا حلقن بي وبها ... دون السماء فعشنا في خوافيها
# أكثرت من ليتنا لو كان ينفعني ... ومن منى النفس لو تعطى أمانيها
# وقال كثير «3» : [طويل]
# فيا ليتنا، يا عز «4» ، من غير ريبة ... بعيران نرعى في الفلاة ونعزب
# نكون لذي مال كثير يضيعنا ... فلا هو يرعانا ولا نحن نطلب
# وقال جران «5» العود: [طويل]
# ألا ليتنا طارت عقاب لنا معا ... لها سبب عند المجرة أو وكر
# وقال مالك «6» بن أسماء: [طويل]
# ولما نزلنا منزلا طله الندى ... أنيقا وبستانا من النور حاليا
# أجد لنا طيب المكان وحسنه ... منى فتمنينا فكنت الأمانيا
# PageV01P372
# وأنشدنا الرياشي: [طويل]
# نهاري نهار الناس حتى إذا دجا ... لي الليل ملتني هناك المضاجع
# أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني والهم بالليل جامع «1»
# وأنشد أبو زيد: [طويل]
# كأني، إذ أسعى لأظفر، طائر ... مع النجم في جو السماء يطير
# فتى متلهى بالمنى في خلائه ... وهن وإن حسنتهن غرورا
# أبو حاتم عن الأصمعي قال: زعم شيخ من بني القحيف قال: تمنيت دارا فمكثت
~~أربعة أشهر مغتما للدرجة أين أضعها. قال الوليد بن عبد الملك لبديح «2»
~~المغني: خذ بنا في التمني فوالله لأغلبنك. قال: والله لا تغلبني أبدا.
# قال: بلى. قال بديح: فإني أتمنى كفلين من العذاب، وأن يلعنني الله لعنا
~~كثيرا فخذ ضعفي ذلك. قال: غلبتني، لعنك الله. قيل لمزبد: أيسرك أن هذه
~~الجنة لك؟ قال: وأضرب عشرين سوطا. قالوا: ولم تقول هذا؟ قال: لأنه لا يكون
~~شيء إلا بشيء.
# الأصمعي عن مبشر بن بشير أن رجلا كان يطلبه الحجاج فمر بساباط «3» فيه
~~كلب بين حبين «4» يقطر عليه ماؤهما. فقال: يا ليتني مثل هذا الكلب، فما لبث
~~ساعة أن مر بالكلب في عنقه حبل، فسأل عنه، فقالوا: جاء كتاب
# PageV01P373
# الحجاج يأمر فيه بقتل الكلاب. قال مديني لكوفي: ما بلغ من حبك لرسول الله
~~صلى الله عليه وسلم؟ فقال: وددت أنى وقيته ولم يكن وصل إليه يوم أحد ولا
~~غيره شيء من المكروه إلا كان بي دونه. قال المديني: وددت أن أبا طالب كان
~~أسلم فسر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأني كافر.
# تمنى ابن أبي عتيق أن يهدى له مسلوخ يتخذ منه طعاما، فسمعته جارة له فظنت
~~أنه قد أمر أن يشترى له، فانتظرت إلى وقت الطعام ثم جاءت تدق الباب، وقالت:
~~شممت ريح قدوركم فجئت لتطعموني، فقال ابن أبي عتيق:
# جيراني يشمون ريح الأماني.
# وفي كتاب للهند أن ناسكا كان له عسل وسمن في جرة، ففكر يوما فقال: أبيع
~~الجرة بعشرة دراهم، وأشتري خمسة أعنز فأولدهن في كل سنة مرتين؛ ويبلغ
~~النتاج في سنين مائتين، وأبتاع بكل أربع بقرة، وأصيب بذرا فأزرع، وينمى
~~المال في يدي؛ فأتخذ المساكن والعبيد والإماء والأهل ويولد لي ابن فأسميه
~~كذا وآخذه بالأدب، فإن هو عصاني ضربت بعصاي رأسه وكانت في يده عصا فرفعها
~~حاكيا للضرب، فأصابت الجرة فانكسرت، وانصب العسل والسمن على رأسه.
# ابن الكلبي قال: كان رجل من ولد عمر بن الخطاب إذا كان مسرورا قال:
~~[خفيف]
# ليت أيامنا ببرقة «1» خاخ ... ولياليك، يا طويل، تعود
# PageV01P374
# وإذا كان مغتما قال: [طويل]
# ترى الشيء مما تتقي فتخافه ... وما لا ترى مما يقي الله أكثر
# الأصمعي عن أبيه قال: قال زياد: أي الناس أنعم؟ قالوا: معاوية.
# قال: فأين ما يلقى من الناس! قالوا: فأنت. قال: فأين ما ألقى من الثغور
~~والخراج! قالوا: فمن؟ قال: شاب له سداد من عيش، وامرأة قد رضيها ورضيته، لا
~~يعرفنا ولا نعرفه، فإن عرفناه أفسدنا عليه دينه ودنياه.
### | التواضع
# قال: حدثني محمد بن خالد بن خداش قال: حدثنا مسلم بن قتيبة عن شيخ من أهل
~~المدينة قال: قال رجاء بن حيوة: قام عمر بن عبد العزيز ذات ليلة فأصلح من
~~السراج فقلت: يا أمير المؤمنين، لم لا أمرتني بذلك، أو دعوت له من يصلحه؟
~~فقال: قمت وأنا عمر وعدت وأنا عمر.
# قال: حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: كتب محمد بن كعب فانتسب وقال:
~~القرظي، فقيل له: أو الأنصاري. فقال: أكره أن أمن على الله بما لم أفعل.
# قال: حدثني أحمد بن الخليل قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن يعقوب بن
~~حماد المدني عن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه قال: كان عمر بن الخطاب إذا
~~سافر لا يقوم في الظل، وكان يراحلنا رحالنا ويرحل رحله وحده.
# وقال ذات يوم: [سريع]
# لا يأخذ الليل عليك بالهم ... إذ البسن له القميص واعتم «1»
# PageV01P375
# وكن شريك نافع وأسلم ... ثم اخدم الأقوام حتى تخدم
# وروى وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال:
# جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأصابته رعدة فقال النبي صلى الله
~~عليه وسلم: «هون عليك فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد» «1» .
# قال: حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: جلس الأحنف على باب دار، فمرت به
~~ساقية فوضعت قربتها وقالت: يا شيخ، احفظ قربتي حتى أعود ومضت، فأتاه الآذن
~~وقال: انهض. فقال: إن معي وديعة، وأقام حتى جاءت.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن جرير بن حازم عن الزبير بن الحارث عن أبي
~~لبيد، قال: مر بنا زياد وهو أمير البصرة ومعه رجل أو رجلان وهو على بغلة قد
~~طوق الحبل في عنقها تحت اللجام.
# الأصمعي قال: قال يحيى بن خالد: الشريف إذا نقر «2» تواضع والوضيع إذا
~~نقر تكبر. الأصمعي قال: لا أراه أخذه إلا من كيس غيره.
# حدثنا حسين بن حسن المروزي قال؛ حدثنا عبد الله بن المبارك عن يحيى بن
~~أيوب عن عمارة بن غزية عن عبد الله بن عروة بن الزبير قال: إلى الله أشكو
~~حمدي ما لا آتي، وذمي ما لا أترك.
# قال: حدثني أحمد بن الخليل عن أبي نعيم عن مندل عن حميد عن أنس قال: مر
~~النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في غلمان فسلم علينا.
# وحدثني أحمد بن الخليل عن عمر بن عامر عن شعبة عن جابر عن طارق التيمي عن
~~جرير بن عبد الله البجلي قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسوة فسلم
~~عليهن.
# PageV01P376
# قال: حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: أخبرني معمر قال: قلت لجار لعطاء
~~السلمي: من كان يخدم عطاء؟ قال: مخنثون كانوا في الدار يستقون له وضوءه.
~~فقلت: أيوضئه مخنثون! فقال: هو كان يظنهم خيرا منه. الأصمعي عن رجل عن
~~البتي قال: آذى ابن لمحمد بن واسع رجلا، فقال له محمد:
# أتؤذيه وأنا أبوك وإنما اشتريت أمك بمائة درهم.
# قال عامر بن الظرب العدواني: يا معشر عدوان، إن الخير ألوف عروف عزوف،
~~وإنه لن يفارق صاحبه حتى يفارقه، وإني لم أكن حكيما حتى صحبت الحكماء، ولم
~~أكن سيدكم حتى تعبدت لكم. قال عروة بن الزبير:
# التواضع أحد مصايد الشرف. كان يقال: اسمان متضادان بمعنى واحد:
# التواضع والشرف. وقال بزرجمهر: ثمرة القناعة الراحة، وثمرة التواضع
~~المحبة. وقال الوليد: خدمة الرجل أخاه شرف. وقال عبد الله «1» بن طاهر:
# [وافر]
# أميل مع الذمام على ابن عمي ... وأحتمل الصديق على الشقيق
# وإن ألفيتني ملكا مطاعا ... فإنك واجدي عبد الصديق
# أفرق بين معروفي ومني ... وأجمع بين مالي والحقوق
# وقال آخر: [طويل]
# وإني لعبد الضيف من غير ذلة ... وما في إلا تلك من شيمة العبد «2»
# PageV01P377
# ويقال: كل نعمة محسود عليها إلا التواضع. قال المسيح عليه السلام
~~لأصحابه: إذا اتخذكم الناس رؤوسا فكونوا أذنابا. اعتم هشام بن عبد الملك
~~فقام الأبرش ليسوي عمامته، فقال هشام: مه إنا لا نتخذ الإخوان خولا. كان
~~عمر بن الخطاب يلقط النوى ويأخذ النكث من الطريق، فإذا مر بدار رمى بها
~~فيها وقال: انتفعوا بهذا.
# قال يوسف بن أسباط: يجزي قليل الورع من كثير العلم، ويجزي قليل التواضع
~~من كثير الاجتهاد. وقال بكر بن عبد الله: إذا رأيت أكبر منك فقل:
# سبقني بالإسلام والعمل الصالح فهو خير مني، وإذا رأيت أصغر منك فقل:
# سبقته بالذنوب والمعاصي فهو خير مني، وإذا رأيت إخوانك يكرمونك فقل:
# نعمة أحدثوها، وإذا رأيت منهم تقصيرا فقل: بذنب أحدثته. قال عبد الملك
~~ابن مروان: أفضل الرجال من تواضع عن رفعة، وزهد عن قدرة، وأنصف عن قوة. قال
~~ابن السماك لعيسى بن موسى: تواضعك في شرفك خير لك من شرفك. وقال عبد الملك
~~بن مروان: ثلاثة من أحسن شيء: جود لغير ثواب، ونصب «1» لغير دنيا، وتواضع
~~لغير ذل.
# قال إبراهيم النخعي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيب دعوة العبد
~~ويركب الحمار ردفا. الأعمش عن أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعى
~~إلى خبز الشعير والإهالة السنخة «2» فيجيب. قال غيره: وكان لا يأكل متكئا
~~ويأكل بالحضيض، ويقول: «إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد» قال أوس ابن
~~الحدثان: رأيت أبا هبيرة وهو أمير المدينة راكبا على حمار عري يقول: الطريق
~~الطريق، قد جاء الأمير. قال حفص بن غياث: رأيت الأعمش خارجا إلى العيد على
~~حمار
# PageV01P378
# مقطوع الذنب قد سدل رجليه من جانب. المدائني قال: بينا عمر بن الخطاب رضي
~~الله عنه على المنبر إذ أحس من نفسه بريح خرجت منه، فقال: أيها الناس إني
~~قد ميلت بين أن أخافكم في الله وبين أن أخاف الله فيكم، فكان أن أخاف الله
~~فيكم أحب إلي، ألا وإني قد فسوت، وهأنذا أنزل لأعيد الوضوء. كان يقال: من
~~لم يستح من الحلال قلت كبرياؤه وخفت موازينه.
# قال معاوية: ما منا أحد إلا فتش عن جائفة أو منقلة «1» خلا عمر بن
~~الخطاب.
# المنقلة الشجة التي يخرج منها العظام، والجائفة التي تبلغ جوف الدماغ.
# يحيى بن آدم عن محمد بن طلحة عن أبي حمزة قال: قال إبراهيم: لقد تكلمت
~~ولو وجدت بدا ما تكلمت، وإن زمانا تكلمت فيه لزمان سوء. كان رجل من خثعم
~~ردي فقال في نفسه: [كامل]
# لو كنت أصعد في التكرم والعلا ... كتحدري أصبحت سيد خثعم
# فباد أهل بيته حتى ساد فقال: [كامل]
# خلت الديار فسدت غير مسود ... ومن الشقاء تفردي بالسؤدد
# أنشدني أبو حاتم عن الأصمعي في مثله: [طويل]
# إن بقوم سودوك لحاجة ... إلى سيد لو يظفرون بسيد
# قال يحيى بن خالد: لست ترى أحدا تكبر في إمارته إلا وهو يعلم أن الذي نال
~~فوق قدره، ولست ترى أحدا يضع نفسه في إمارة إلا وهو في نفسه أكثر مما نال
~~في سلطانه. ومثله، قيل لعبيد الله بن بسام: فلان غيرته الإمارة، فقال: إذا
~~ولي الرجل ولاية فرآها أكثر منه تغير، وإذا ولي ولاية يرى أنه أكثر منها لم
~~يتغير. ويقال: التواضع مع السخافة والبخل أحمد من السخاء والأدب مع الكبر،
~~فأعظم بنعمة عفت من صاحبها بسيئتين، وأقبح بسيئة حرمت
# PageV01P379
# صاحبها حسنتين. وفي بعض كتب العجم: علامة الأحرار، أن يلقوا بما يحبون
~~ويحرموا أحب إليهم من أن يلقوا بما يكرهون ويعطوا؛ فانظر إلى خلة أفسدت مثل
~~الجود فاجتنبها، وانظر إلى خلة عفت مثل البخل فالزمها. كان يقال: الشرف في
~~التواضع، والعز في التقوى، والغنى في القناعة. أبو الحسن قال: خطب سلمان
~~إلى عمر فأجمع على تزويجه، فشق ذلك على عبد الله ابن عمر وشكاه إلى عمرو بن
~~العاص فقال: أنا أرده عنك، فقال: إن رددته بما يكره أغضبت أمير المؤمنين،
~~قال: علي أن أرده عنك راضيا، فأتى سلمان فضرب بين كتفيه بيده، ثم قال:
~~هنيئا لك أبا عبد الله، هذا أمير المؤمنين يتواضع بتزويجك، فالتفت إليه
~~مغضبا وقال، أبي يتواضع! والله لا أتزوجها أبدا. وقال المرار بن منقذ
~~العدوي «1» : [بسيط]
# يا حبذا، حين تمسي الريح باردة ... وادي أشي وفتيان به هضم «2»
# مخدمون، كرام في مجالسهم، ... وفي الرحال، إذا لاقيتهم، خدم
# وما أصاحب قوما ثم أذكرهم ... إلا يزيدهمو حبا إلي هم «3»
# ابن المبارك عن ذر عن الشعبي قال: ركب زيد بن ثابت، فدنا عبد الله
# PageV01P380
# ابن عباس ليأخذ بركابه، فقال: لا تفعل يا ابن عم رسول الله، فقال: هكذا
~~أمرنا أن نفعل بعلمائنا. فقال زيد: أرني يدك، فأخرج يده فقبلها زيد، ثم
~~قال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا عليه السلام. قال عبد الله بن
~~مسعود: رأس التواضع أن تبدأ من لقيت بالسلام، وأن ترضى بالدون من المجلس.
~~ابن أبي الزناد عن أبيه أن العباس بن عبد المطلب لم يمر قط بعمر ولا بعثمان
~~وهما راكبان إلا ترجلا حتى يجوزهما إجلالا له أن يمر وهما راكبان وهو يمشي.
~~كان سلمان يتعوذ بالله من الشيطان والسلطان والعلج «1» إذا استعرب.
~~المدائني قال؛ سلم رجل على حسان بن أبي سنان فدعا له، فقيل: أتدعو لمثل
~~هذا! فقال: إن مما يفضلني به أن يرى أنى خير منه. قال عبد الله بن شداد:
~~أربع من كن فيه فقد برىء من الكبر: من اعتقل العنز، وركب الحمار «2» ، ولبس
~~الصوف، وأجاب دعوة الرجل الدون.
### | باب الكبر والعجب
# حدثني إبراهيم بن مسلم قال: حدثنا أبو السكين قال: حدثني عم أبي زحر بن
~~حصن قال: قال رجل للحجاج: أصلح الله الأمير، كيف وجدت منزلك بالعراق؟ قال:
~~خير منزل لو كان الله بلغني أربعة فتقربت بدمائهم إليه.
# قال: ومن هم؟ قال: مقاتل بن مسمع، ولي سجستان فأتاه الناس فأعطاهم
~~الأموال، فلما عزل دخل مسجد البصرة فبسط الناس له أرديتهم فمشى عليها، وقال
~~لرجل يماشيه: لمثل هذا فليعمل العاملون. وعبيد الله بن زياد بن ظبيان
# PageV01P381
# التميمي، حزب أهل البصرة أمر فخطب خطبة أوجز فيها، فنادى الناس من أعراض
~~المسجد: أكثر الله فينا أمثالك. فقال: لقد كلفتم الله شططا. ومعبد ابن
~~زرارة، وكان ذات يوم جالسا في طريق، فمرت به امرأة فقالت: يا عبد الله، كيف
~~الطريق إلى موضع كذا، فقال: لهد عبد الله! أنا لهد؛ أراد: كفى بك أنا، يريد
~~الفخر. وأبو سماك الأسدي، أضل راحلته فالتمسها الناس فلم يجدوها، فقال:
~~والله لئن لم يردد علي راحلتي لا صليت له أبدا، فالتمسها الناس حتى وجدوها،
~~فقالوا: قد رد الله عليك راحلتك فصل، فقال: إن يمينى كانت صرى «1» .
# قال أبو حاتم عن الأصمعي عن كردين المسمعي. قيل لرجل متكبر:
# هل مرت بك أحمرة؟ فقال للسائل: تلك دواب لا يراها عمك. قال: وقال كردين:
~~رآني ابن ميادة الشاعر فأعجبته لما رأى من جلدي وبياني. فقال: ممن أنت؟
~~قلت: من بكر بن وائل، فقال: وفي أي الأرض يكون بكر بن وائل؟.
# قال أبو اليقظان: جلس رافع بن جبير بن مطعم في حلقة العلاء بن عبد الرحمن
~~الخرقي وهو يقرىء الناس. فلما فرغ قال: أتدرون لم جلست إليكم؟
# قالوا: لتسمع، قال: لا، ولكن أردت التواضع لله بالجلوس إليكم. قال: ومر
~~محمد بن المنذر بن الزبير بن العوام في حاجة له، فانقطع قبال «2» نعله،
~~فنزع الأخرى بقدمه ومضى وتركهما ولم يعرج عليهما. قال بعض الشعراء:
# [طويل]
# وأعرض عن ذي المال حتى يقال لي ... قد احدث هذا نخوة وتعظما
# وما بي كبر «3» عن صديق ولا أخ ... ولكنه فعلي إذا كنت معدما
# PageV01P382
# قيل لبعضهم: ما الكبر. قال: حمق لم يدر صاحبه أين يضعه. قال معاوية بن
~~أبي سفيان: قدم علقمة بن وائل الحضرمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم
~~فأمرني رسول الله أن أنطلق به إلى منزل رجل من الأنصار أنزله عليه، وكان
~~منزله في أقصى المدينة، فانطلقت معه وهو على ناقة له وأنا أمشي في ساعة
~~حارة وليس علي حذاء، فقلت: إحملني با عم من هذا الحر فإنه ليس علي حذاء،
~~فقال: لست من أرادف الملوك، قلت: إني ابن أبي سفيان، قال: قد سمعت رسول
~~الله عليه السلام يذكر ذلك، قال قلت: فألق إلي نعلك، قال:
# لا تقبلها قدماك ولكن امش في ظل ناقتي فكفاك بذلك شرفا، وإن الظل لك
~~لكثير. قال معاوية: فما مر بي مثل ذلك اليوم قط ثم أدرك سلطاني فلم أؤاخذه
~~بل أجلسته معي على سريري هذا. قال ابن يسار «1» : [متقارب]
# لو لحظ الأرض لي والد ... تطأطأت الأرض من لحظته
# وقال آخر: [طويل]
# أتيه على جن البلاد وإنسها ... ولو لم أجد خلقا لتهت على نفسي
# أتيه فما أدري من التيه من أنا ... سوى ما يقول الناس في وفي جنسي
# فإن زعموا أني من الأنس مثلهم ... فما لي عيب غير أني من الأنس
# وكان عند الرستمي قوم من التجار فحضرت الصلاة فنهض ليصلي فنهضوا فقال: ما
~~لكم ولهذا وما أنتم منه! الصلاة ركوع وسجود وخضوع، وإنما فرض الله هذا يريد
~~به المتكبرين والمتجبرين والملوك والأعاظم مثلي ومثل فرعون ذي الأوتاد
~~ونمروذ وأنو شروان. وكان يقال: من رضي عن نفسه
# PageV01P383
# كثر الساخطون عليه. قال الحسن: ليس بين العبد وبين ألا يكون فيه خير إلا
~~أن يرى أن فيه خيرا. رأى رجل رجلا يختال في مشيته ويتلفت في أعطافه، فقال:
~~جعلني الله مثلك في نفسك ولا جعلني مثلك في نفسي. قيل لعبد الله ابن
~~المبارك: رجل قتل رجلا فقلت إني خير منه، فقال: ذنبك أشد من ذنبه.
# قال الأحنف: عجبت لمن جرى في مجرى البول مرتين كيف يتكبر. ابن علية عن
~~صالح بن رستم عن رجل عن مطرف، قال: لأن أبيت نائما وأصبح نادما أحب إلي من
~~أن أبيت قائما وأصبح معجبا. وقال هشام بن حسان. سيئة تسوءك خير من حسنة
~~تعجبك. قال أبو حازم: إن الرجل ليعمل السيئة ما عمل حسنة قط أنفع له منها
~~وإنه ليعمل الحسنة ما عمل سيئة قط أضر عليه منها.
# قال الشاعر: [طويل]
# أما ابن فروة يونس فكأنه ... من كبره أير الحمار القائم
# ما الناس عندك غير نفسك وحدها ... والناس عندك ما خلاك بهائم
# قال المسعودي: [طويل]
# مسا تراب الأرض منها خلقتما ... وفيها المعاد والمصير إلى الحشر
# ولا تعجبا أن ترجعا فتسلما ... فما خشي الأقوام شرا من الكبر
# ولو شئت أدلى فيكما غير واحد ... علانية أو قال عندي في ستر
# فإن أنا لم آمر ولم أنه عنكما ... ضحكت له حتى يلح ويستشري
# الأصمعي قال: قال رجل: ما رأيت ذا كبر قط إلا تحول داؤه في، يريد أني
~~أتكبر عليه. وقال آخر: ماتاه أحد قط علي مرتين، يريد إذا تاه مرة لم
~~أعاوده. قال الشاعر: [بسيط]
# يا مظهر الكبر إعجابا بصورته ... أنظر خلاءك إن النتن تثريب
# PageV01P384
# لو فكر الناس فيما في بطونهم ... ما استشعر الكبر شبان ولا شيب
# هل في ابن آدم غير الرأس مكرمة ... وهو بخمس من الأقذار مضروب؟
# أنف يسيل وأذن ريحها سهك ... والعين مرمصة والثغر ملعوب «1»
# يا ابن التراب ومأكول التراب غدا ... أقصر فإنك مأكول ومشروب
# دفع أردشير الملك إلى رجل كان يقوم على رأسه كتابا، وقال له: إذا رأتني
~~قد اشتد غضبي فادفعه إلي، وفي الكتاب: أمسك فلست بإله إنما أنت جسد يوشك أن
~~يأكل بعضه بعضا ويصير عن قريب للدود والتراب. كان للسندي والي الجسر غلام
~~صغير قد أمره بأن يقوم إليه إذا ضرب الناس بالسياط فيقول له: ويلك يا سندي،
~~أذكر القصاص. كتب إبراهيم «2» بن العباس إلى محمد بن عبد الملك «3» :
~~[طويل]
# أبا جعفر، عرج على خلطائكا ... وأقصر قليلا عن مدى غلوائكا
# فإن كنت قد أعطيت في اليوم رفعة ... فإن رجائي في غد كرجائكا «4»
# قال لي بعض أصحابنا وأحسبه محمد بن عمر: سمعت رجلا ينشد: [متقارب]
# ألا رب ذي أجل قد حضر ... طويل التمني قليل الفكر
# إذا هز في المشي أعطافه ... تبينت في منكبيه البطر
# PageV01P385
# قال: فغدوت عليه لأكتب تمام القصيدة فوجدته قد مات. المدائني قال: رأيت
~~فلانا مولى باهلة يطوف بين الصفا والمروة على بغلة ثم رأيته بعد ذلك راجلا
~~في سفر، فقلت له: أراجل في هذا الموضع؟ قال: نعم، إني ركبت حيث يمشي الناس
~~فكان حقا على الله أن يرجلني حيث يركب الناس.
# وقال أبو نواس في جعفر بن يحيى البرمكي: [طويل]
# وأعظم زهوا من ذباب على خرء ... وأبخل من كلب عقور على عرق
# ولو جاء غير البخل من عند جعفر ... لما وضعوه الناس إلا على حمق
# وقال آخر: [متقارب]
# ألج لجاجا من الخنفساء ... وأزهى إذا ما مشى من غراب «1»
# قيل لرجل من بني عبد الدار: ألا تأتي الخليفة، قال: أخشى ألا يحمل الجسر
~~شرفي. وقيل له: البس شيئا فإن البرد شديد، فقال: حسبي يدفئني.
# قال أبو اليقظان: كان الحجاج استعمل بلالا الضبي على جيش وأغزاه قلاع
~~فارس، وكان يقال لذلك الجيش: بيبي «2» ، سمى بذلك لأنه فرض فرضا من أهل
~~البصرة فكان أهلوهم وأمهاتهم يأتونهم يقولون: بيبي. وفي جيشه قال الشاعر:
~~[طويل]
# إلى الله أشكو أنني بت حارسا ... فقام بلالي فبال على رجلي
# فقلت لأصحابي اقطعوها فإنني ... كريم وإني لن أبلغها رحلي
# PageV01P386
# مد أعرابي يده في الموقف وقال: اللهم إن كنت ترى يدا أكرم منها فاقطعها.
~~قال نوح: سمعت الحجاج بن أرطاة يقول: قتلني حب الشرف.
# وقيل له: ما لك لا تحضر الجماعة؟ قال: أكره أن يزحمني البقالون. كان
~~جذيمة الأبرش- وهو الوضاح سمي بذلك لبرص كان به- لا ينادم أحدا ذهابا
~~بنفسه، وقال: أنا أعظم من أن أنادم إلا الفرقدين «1» ، فكان يشرب كأسا ويصب
~~لكل واحد منهما في الأرض كأسا، فلما أتاه مالك «2» وعقيل بابن أخته الذي
~~استهوته الشياطين قال لهما: إحتكما، فقالا له: منادمتك، فنادماه أربعين سنة
~~يحادثانه فيها ما أعادا عليه حديثا. وفيهما يقول متمم «3» بن نويرة: [طويل]
# وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن نتصدعا «4»
# وقال الهذلي: [طويل]
# ألم تعلمي أن قد تفرق قبلنا ... خليلا صفاء مالك وعقيل «5»
# قيل لإياس بن معاوية: ما فيك عيب إلا أنك معجب، قال: أفأعجبكم؟
# قالوا: نعم قال: فأنا أحق أن أعجب بما يكون مني. ويقال: للعادة سلطان
# PageV01P387
# على كل شيء، وما استنبط الصواب مثل المشاورة، ولا حصنت النعم بمثل
~~المواساة، ولا اكتسبت البغضة بمثل الكبر.
### | باب مدح الرجل نفسه وغيره
# قال الله عز وجل حكاية عن يوسف: اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم
# «1» . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» .
~~وقال للأنصار: «والله ما علمتكم إلا تقلون عند الطمع وتكثرون عند الفزع» .
~~وذكر أعرابي قوما فقال: والله ما نالوا بأطراف أناملهم شيئا إلا وقد وطئناه
~~بأخامص أقدامنا، وإن أقصى مناهم لأدنى فعالنا. ابن إدريس عن إسمعيل بن أبي
~~خالد، قال: كنت أمشي مع الشعبي وأبي سلمة، فسأل الشعبي أبا سلمة: من أعلم
~~أهل المدينة؟ فقال: الذي يمشي بينكما، يعني نفسه. وقال الشعبي: ما رأيت
~~مثلي، وما أشاء أن ألقى رجلا أعلم مني بشيء إلا لقيته. قال معاوية لرجل: من
~~سيد قومك؟ قال: أنا. قال: لو كنت كذلك لم تقل. الوليد بن مسلم عن خليد عن
~~الحسن قال: ذم الرجل نفسه في العلانية مدح لها في السر. كان يقال: من أظهر
~~عيب نفسه فقد زكاها. الأعمش عن إبراهيم عن عبد الله قال: إذا أثنيت على
~~الرجل بما فيه في وجهه لم تزكه. قال عمر بن الخطاب:
# المدح ذبح. ويقال المدح وافد الكبر. وقال علي بن الحسين: لا يقول رجل في
~~رجل من الخير ما لا يعلم إلا أوشك أن يقول فيه من الشر ما لا يعلم، ولا
~~يصطحب اثنان على غير طاعة الله إلا أوشكا أن يفترقا على غير طاعة الله.
# قال وهب بن منبه: إذا سمعت الرجل يقول فيك من الخير ما ليس فيك فلا.
# PageV01P388
# تأمن أن يقول فيك من الشر ما ليس فيك. ويقال في بعض كتب الله عز وجل:
~~عجبا لمن قيل فيه الخير وليس فيه كيف يفرح! ولمن قيل فيه الشر وليس فيه كيف
~~يغضب! وأعجب من ذلك من أحب نفسه على اليقين وأبغض الناس على الظنون!. وكان
~~يقال: لا يغلبن جهل غيرك بك علمك بنفسك.
# وقال أعرابي: كفى جهلا أن يمدح المادح بخلاف ما يعرف الممدوح من نفسه،
~~وإني والله ما رأيت أعشق للمعروف «1» منه. قال ابن المقفع: إياك إذا كنت
~~واليا أن يكون من شأنك حب المدح والتزكية وأن يعرف الناس ذلك منك فتكون
~~ثلمة من الثلم يقتحمون عليك منها، وبابا يفتتحونك منه، وغيبة يغتابونك بها
~~ويضحكون منك لها. واعلم أن قابل المدح كمادح نفسه، والمرء جدير أن يكون حبه
~~المدح هو الذي يحمله على رده، فإن الراد له ممدوح والقابل له معيب. وقال
~~البعيث «2» : [طويل]
# ولست بمفراح إذا الدهر سرني ... ولا جازع من صرفه المتقلب
# ولا أتمنى الشر والشر تاركي ... ولكن متى أحمل على الشر أركب «3»
# ويعتده قوم كثير تجارة ... ويمنعني من ذاك ديني ومنصبي
# فإن مسيري في البلاد ومنزلي ... لبالمنزل الأقصى إذا لم أقرب
### | قول الممدوح عند المدحة
# حدثني سهل بن محمد عن الأصمعي قال: كان أبو بكر يقول عند المدحة: اللهم
~~أنت أعلم بي مني بنفسي وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيرا مما يحسبون
~~واغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني بما يقولون.
# PageV01P389
# قال: حدثنا الرياشي عن الأصمعي عن حماد بن سلمة قال: أثنى رجل على علي بن
~~أبي طالب كرم الله وجهه في وجهه، وكان تهمة، فقال علي: أنا دون ما تقول
~~وفوق ما في نفسك.
# قيل لأعرابي: ما أحسن الثناء عليك! فقال: بلاء الله عندي أحسن من وصف
~~المادحين وإن أحسنوا، وذنوبي إلى الله أكثر من عيب الذامين وإن أكثروا، فيا
~~أسفا على ما فرطت ويا سوءتا مما قدمت. كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
~~لا يقبل الثناء إلا من مكافىء. ومن أحسن ما قيل في مدح الرجل نفسه قول أعشى
~~«1» بني ربيعة: [طويل]
# ما أنا في أهلي ولا في عشيرتي ... بمهتضم حقي ولا قارع سني
# ولا مسلم مولاي عند جناية ... ولا خائف مولاي من سوء ما أجني
# وإن فؤادا بين جنبي عالم ... بما أبصرت عيني وما سمعت أذني
# وفضلني في الشعر واللب أنني ... أقول على علم وأعلم ما أعني
# فأصبحت إن فضلت مروان وابنه ... على الناس قد فضلت خير أب وابن «2»
# وقال آخر: [طويل]
# إذا المرء لم يمدحه حسن فعاله ... فمادحه يهذي وإن كان مفصحا
# وقال آخر: [طويل]
# لعمر أبيك الخير إني لخادم ... لصحبي وإني إن ركبت لفارس
# PageV01P390
# وقال آخر: [طويل]
# ونحن ضياء الأرض ما لم نسر بها ... غضابا، وإن نغضب فنحن ظلامها
# وأنشد الحسن البصري قول الشاعر: [رجز]
# لولا جرير هلكت بجيله ... نعم الفتى وبئست القبيله
# قال الحسن: ما مدح رجل هجي قومه. وقال أبو الهندام «1» : [وافر]
# يقولون الحديد أشند شيء ... وقد ثني الحديد وما ثنيت
# تخر الأرض إن نوديت باسمي ... وتنهد الجبال إذا كنيت
# ومدح النفس في الشعر كثير، وهو فيه أسهل منه في الكلام المنثور.
### | باب الحياء
# حدثني أبو مسعود الدارمي، قال: حدثني جدي خراش عن أنس أن رسول الله صلى
~~الله عليه وسلم قال: «الحياء شعبة من الإيمان» . وروى ابن نمير عن الأحوص
~~ابن حكيم، قال: حدثني أبو عون المدني قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: قال
~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قلة الحياء كفر» . وروى جرير بن حازم عن
~~يعلى ابن حكيم عن رجل عن ابن عمر، قال: الحياء والإيمان مقرونان جميعا فإذا
~~رفع أحدهما ارتفع الآخر. وكان يقال: أحيوا الحياء بمجالسة من يستحيا منه.
# ذكر أعرابي رجلا فقال: لا تراه الدهر إلا وكأنه لا غنى به عنك وإن كنت
~~إليه أحوج، فإن أذنبت غفر وكأنه المذنب، وإن أسأت إليه أحسن وكأنه المسيء.
# وقالت ليلى «2» الأخيلية:
# PageV01P391
# [كامل]
# ومخرق عنه القميص تخاله ... وسط البيوت من الحياء سقيما «1»
# حتى إذا رفع اللواء رأيته ... تحت اللواء على الخميس «2» زعيما
# ونحوه قول الآخر إلا أنه في التواضع: [بسيط]
# يبدو فيبدو ضعيفا من تواضعه ... ويكفهر فيلفى الأسود اللحما
# وقال أبو دهبل الجمحي «3» : [كامل]
# إن البيوت معادن فنجاره ... ذهب وكل جدوده ضخم «4»
# متهلل بنعم للاء مجانب ... سيان منه الوفر والعدم
# نزر الكلام من الحياء تخاله ... ضمنا وليس بجسمه سقم
# عقم النساء فلا يلدن شبيهه ... إن النساء بمثله عقم
# حدثنا أبو الخطاب قال: حدثنا المعتمر، قال: سمعت ليث بن أبي سليم يحدث عن
~~واصل بن حيان عن أبي وائل عن ابن مسعود، قال: كان آخر ما حفظ من كلام
~~النبوة «إذا لم تستحي فاصنع ما شئت» . قال الشاعر «5» : [طويل]
# تخالهمو للحلم صما عن الخنا ... وخرسا عن الفحشاء عند التهاجر
# PageV01P392
# ومرضى إذا لوقوا حياء وعفة ... وعند الحفاظ كالليوث الخوادر
# وقال آخر: [طويل]
# عليه من التقوى رداء سكينة ... وللحق نور بين عينيه ساطع
# وقال الشعبي: تعايش الناس زمانا بالدين والتقوى، ثم رفع ذلك فتعايشوا
~~بالحياء والتذمم، ثم رفع ذلك فما يتعايش الناس إلا بالرغبة والرهبة، وأظنه
~~سيجيء ما هو أشد من هذا.
### | باب العقل
# حدثني إسحاق بن إبراهيم الشهيدي، قال: حدثنا الحارث بن النعمان، قال:
~~حدثنا خليد بن دعلج عن معاوية بن قرة يرفعه، قال: «إن الناس يعملون الخير
~~وإنما يعطون أجورهم يوم القيامة على قدر عقولهم» . مهدي بن غيلان ابن جرير
~~قال: سمعت مطرفا يقول: عقول الناس على قدر زمانهم.
# حدثني عبد الرحمن عن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبه قال:
# وجدت في حكمة داود: ينبغي للعاقل أن لا يشغل نفسه عن أربع ساعات، ساعة
~~يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها هو وإخوانه والذين
~~ينصحون له في دينه ويصدقونه عن عيوبه، وساعة يخلي بين نفسه وبين لذاتها
~~فيما يحل ويحمد فإن هذه الساعة عون لهذه الساعات وفضل بلغة «1» واستجمام
~~للقلوب. وينبغي للعاقل أن لا يرى إلا في إحدى ثلاث خصال: تزود لمعاد، أو
~~مرمة لمعاش، أو لذة، في غير محرم. وينبغي للعاقل أن يكون عارفا بزمانه،
~~حافظا للسانه، مقبلا على شانه. قال: حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثنا
~~هلال بن حق قال: قال عمرو بن العاص:
# PageV01P393
# ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشر ولكنه الذي يعرف خير الشرين، وليس
~~الواصل الذي يصل من يصله ولكنه الذي يصل من قطعه. وقال زياد: ليس العاقل
~~الذي يحتال للأمر إذا وقع ولكنه الذي يحتال للأمر ألا يقع فيه. قال معاوية
~~لعمرو: ما بلغ من دهائك يا عمرو؟ قال عمرو: لم أدخل في أمر قط فكرهته إلا
~~خرجت منه. قال معاوية: لكني لم أدخل في أمر قط فأردت الخروج منه. وقرأت في
~~كتاب للهند: الناس حازمان وعاجز، فأحد الحازمين الذي إذا نزل به البلاء لم
~~ينظر به وتلقاه بحيلته ورأيه حتى يخرج منه، وأحزم منه العارف بالأمر إذا
~~أقبل فيدفعه قبل وقوعه، والعاجز في تردد وتثن حائر بائر لا يأتمر رشدا ولا
~~يطيع مرشدا. وقال أعرابي: لو صور العقل لأظلمت معه الشمس، ولو صور الحمق
~~لأضاء معه الليل. قال بعض الحكماء: ما عبد الله بشيء أحب إليه من العقل وما
~~عصي الله بشيء أحب إليه من الستر. أبو روق عن الضحاك في قول الله عز وجل:
~~لينذر من كان حيا
# «1» قال: من كان عاقلا. ذكر المغيرة بن شعبة عمر بن الخطاب فقال: كان
~~أفضل من أن يخدع وأعقل من أن يخدع.
# حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد عن قريش بن أنس عن حبيب بن
~~الشهيد قال: قال إياس: لست بخب والخب لا يخدعني ولا يخدع ابن سيرين ويخدع
~~أبي ويخدع الحسن. قال غيره: وكان كثيرا ما ينشد: [متقارب]
# أبى لي البلاء وأني امرؤ ... إذا ما تثبت لم أرتب
# وفي كتاب كليلة ودمنة: الأدب يذهب عن العاقل السكر ويزيد الأحمق سكرا،
~~كما أن النهار يزيد كل ذي بصر بصرا ويزيد الخفافيش سوء بصر.
# PageV01P394
# وفيه: ذو العقل لا تبطره المنزلة والعز كالجبل لا يتزعزع وإن اشتدت عليه
~~الريح، والسخيف يبطره أدنى منزلة كالحشيش يحركه أضعف ريح. وقال تأبط «1»
~~شرا في هذا المعنى: [طويل]
# ولست بمفراح إذا الدهر سرني ... ولا جازع من صرفه المتقلب
# ولا أتمنى الشر والشر تاركي ... ولكن متى أحمل على الشر أركب «2»
# وفي كتاب كليلة: رأس العقل التمييز بين الكائن والممتنع، وحسن العزاء عما
~~لا يستطاع. وفيه: العاقل يقل الكلام ويبالغ في العمل ويعترف بزلة عقله
~~ويستقيلها كالرجل يعثر بالأرض وبها ينتعش. ويقال: كل شيء محتاج إلى العقل،
~~والعقل محتاج إلى التجارب. قال يحيى بن خالد: ثلاثة أشياء تدل على عقول
~~الرجال: الكتاب، والرسول، والهدية. وكان يقال: دل على عقل الرجل اختياره،
~~وما تم دين أحد حتى يتم عقله، وأفضل الجهاد جهاد الهوى. سئل أنو شروان: ما
~~الذي لا تعلم له، وما الذي لا تغير له، وما الذي لا مدفع له، وما الذي لا
~~حيلة له. فقال: تعلم العقل، وتغير العنصر، ودفع القدر، وحيلة الموت. وكان
~~يقال: كتابك عقلك تضع عليه خاتمك. وقالوا:
# كتاب الرجل موضع عقله، ورسوله موضع رأيه. كان الحسن إذا أخبر عن رجل
~~بصلاح قال: كيف عقله. وفي الحديث أن جبريل عليه السلام أتى آدم عليه السلام
~~فقال له: إني أتيتك بثلاث فاختر واحدة، قال: وما هي يا جبريل؟ قال: العقل
~~والحياء والدين. قال: قد اخترت العقل فخرج جبريل إلى الحياء والدين فقال:
~~إرجعا فقد اختار العقل عليكما، فقالا: أمرنا أن
# PageV01P395
# كون مع العقل حيث كان. كان يقال: العقل يظهر بالمعاملة وشيم الرجال تظهر
~~بالولاية. ويقال: العاقل يقي ما له بسلطانه، ونفسه بماله، ودينه بنفسه. قال
~~الحسن: لو كان للناس جميعا عقول لخربت الدنيا. خير رجل فأبى أن يختار وقال:
~~أنا بحظي أوثق مني بعقلي فأقرعوا بيننا.
### | باب الحلم والغضب
# قال: حدثني الزيادي قال: حدثنا حماد بن زيد عن هشام عن الحسن قال: قال
~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم كان إذا خرج
~~من منزله قال: اللهم، إني قد تصدقت بعرضي على عبادك» .
# حدثنا زياد بن يحيى قال: حدثنا بشر بن المفضل عن يونس عن الحسن قال: قال
~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الغضب جمرة توقد في جوف ابن آدم، ألم
~~تروا إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه» «1» . قال: حدثني أحمد بن الخليل قال:
# حدثني عبد الله بن رجاء عن إسرائيل عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة
~~قال: قال رجل: يا رسول الله أوصني، فقال: لا تغضب، ثم أعاد عليه فقال: لا
~~تغضب، ثم أعاد عليه فقال: لا تغضب. قال: حدثني أحمد بن الخليل قال: حدثني
~~عبد الله بن نافع عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال:
~~قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصرعة «2» إنما الشديد
~~الذي يملك نفسه عند الغضب» . قال: حدثنا حسين بن الحسن المروزي، قال: حدثنا
~~عبد الله بن المبارك قال: حدثنا حبيب بن حجر القيسي قال: كان يقال: ما أحسن
~~الإيمان يزينه العلم وما أحسن العلم يزينه
# PageV01P396
# العمل وما أحسن العمل يزينه الرفق، وما أضيف شيء إلى شيء أزين من حلم إلى
~~علم ومن عفو إلى مقدرة. وكان يقال: من حلم ساد ومن تفهم ازداد.
# والعرب تقول: أحلم تسد. وقال: سمي الله يحيى سيدا بالحلم. وقال عبد الملك
~~بن صالح: الحلم يحيا بحياة السؤدد. أغلظ رجل لمعاوية فحلم عنه، فقيل له:
~~تحلم عن هذا! فقال: إني لا أحول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا
~~وبين سلطاننا. شتم رجل الأحنف وألح عليه، فلما فرغ قال له:
# يا ابن أخي، هل لك في الغداء؟ فإنك منذ اليوم تحدو بجمل ثفال «1» .
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن بكر
~~المزني قال: جاء رجل فشتم الأحنف فسكت عنه، وأعاد فسكت، فقال:
# والهفاه! ما يمنعه من أن يرد علي إلا هواني عليه.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: أخبرنا عبد الله بن صالح من آل حارثة بن
~~لأم، قال: نزلت برجل من بني تغلب فأتاني بقرى فانفلت مني فقلت: [كامل]
# والتغلبي إذا تنحنح للقرى ... حك استه وتمثل الأمثالا
# فانقبضت فقال: كل أيها الرجل فإنما قلت كلمة مقولة.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي، قال: أسمع رجل الشعبي كلاما فقال له الشعبي:
~~إن كنت صادقا فغفر الله لي وإن كنت كاذبا فغفر الله لك. ومر بقوم ينتقصونه
~~فقال: [طويل]
# هنيئا مريئا غير داء مخامر ... لعزة من أعراضنا ما استحلت
# PageV01P397
# واستطال رجل على أبي معاوية الأسود فقال: أستغفر الله من الذنب الذي سلطت
~~به علي. قال معاوية: إني لأرفع نفسي أن يكون ذنب أوزن من حلمي. وقال معاوية
~~لأبي جهم «1» العدوي: أنا أكبر أم أنت يا أبا جهم؟ قال:
# لقد أكلت في عرس أمك هند، قال: عند أي أزواجها؟ قال: عند حفص بن المغيرة،
~~قال: يا أبا جهم، إياك والسلطان فإنه يغضب غضب الصبي ويعاقب عقوبة الأسد،
~~وإن قليله يغلب كثير الناس. وأبو الجهم هذا هو القائل في معاوية: [وافر]
# نميل على جوانبه كأنا ... إذا ملنا نميل على أبينا
# نقلبه لنخبر حالتيه ... فنخبر منهما كرما ولينا
# سمع الأحنف رجلا ينازع رجلا في أمر فقال له الأحنف: لا أحسبك إلا ضعيفا
~~فيما تحاول، فقال الرجل: ما على ظنك خرجت من عند أهلي، فقال الأحنف لأمر ما
~~قيل: إحذروا الجواب. جعل رجل جعلا لرجل على أن يقوم إلى عمرو بن العاص
~~يسأله عن أمه، فقام إليه وهو يخطب على منبر تنيس، فقال له: أيها الرجل
~~أخبرنا من أمك، فقال: كانت امرأة من عنزة أصيبت بأطراف الرماح فوقعت في سهم
~~الفاكه بن المغيرة فاشتراها أبي فوقع عليها، إنطلق وخذ ما جعل لك على هذا.
~~قال الشاعر: [بسيط]
# قل ما بدا لك من زور ومن كذب ... حلمي أصم وأذني غير صماء
# نظر معاوية إلى ابنه يزيد وهو يضرب غلاما له، فقال له: أتفسد أدبك بأدبه
~~فلم ير ضاربا غلاما له بعد ذلك. قيل ليحيى بن خالد: إنك لا تؤدب
# PageV01P398
# غلمانك ولا تضربهم، قال: هم أمناؤنا على أنفسنا فإذا نحن أخفناهم فكيف
~~نأمنهم. وكان يقال: «الحليم مطية الجهول» . وذكر أعرابي رجلا فقال: كان
~~أحلم من فرخ طائر. وفي الإنجيل: كونوا حلماء كالحيات وبلهاء كالحمام.
# قال بعض الشعراء: [بسيط]
# إني لأعرض عن أشياء أسمعها ... حتى يقول رجال إن بي حمقا
# أخشى جواب سفيه لا حياء له ... فسل «1» ، وظن أناس أنه صدقا
# قال الأحنف: من لم يصبر على كلمة سمع كلمات ورب غيظ قد تجرعته مخافة ما
~~هو أشد منه. قال أكثم بن صيفي: العز والغلبة للحلم. وقال علي بن أبي طالب
~~عليه السلام: أول عوض الحليم من حلمه أن الناس أنصاره على الجهول. وقال
~~المنصور: عقوبة الحلماء التعريض، وعقوبة السفهاء التصريح.
# قال: حدثني سهيل قال: حدثنا الأصمعي قال: بلغني أن رجلا قال لآخر: والله
~~لئن قلت واحدة لتسمعن عشرا، فقال له الآخر: لكنك إن قلت عشرا لم تسمع
~~واحدة. قال: وبلغني أن رجلا شتم عمر بن ذر فقال له: يا هذا، لا تغرق في
~~شتمنا ودع للصلح موضعا، فإني أمت مشاتمة الرجال صغيرا ولن أحييها كبيرا،
~~وإني لا أكافىء من عصى الله في بأكثر من أن أطيع الله فيه. وقال بعض
~~المحدثين: [وافر]
# وإن الله ذو حلم ولكن ... بقدر الحلم ينتقم الزنيم «2»
# لقد ولت بدولتك الليالي ... وأنت معلق فيها ذميم
# PageV01P399
# وزالت لم يعش فيها كريم ... ولا استغنى بثروتها عديم
# فبعدا لا انقضاء له وسحقا ... فغير مصابك الحدث العظيم
# المدائني قال: كان شبيب بن شيبة يقول: من سمع كلمة يكرهها فسكت عنها
~~انقطع عنه ما يكره، فإن أجاب عنها سمع أكثر مما يكره، وكان يتمثل بهذا
~~البيت: [طويل]
# وتجزع نفس المرء من وقع شتمة ... ويشتم ألفا بعدها ثم يصبر
# قاتل الأحنف في بعض المواطن قتالا شديدا، فقال له رجل: يا أبا بحر، أين
~~الحلم قال: عند الحبى. وقال مسلم «1» بن الوليد: [طويل]
# حبى لا يطير الجهل في جنباتها ... إذا هي حلت لم يفت حلها ذحل
# أغضب زيد بن جبلة الأحنف، فوثب إليه فأخذ بعمامته وتناصبا، فقيل للأحنف:
~~أين الحلم اليوم! فقال: لو كان مثلي أو دوني لم أفعل هذا به. كان يقال: آفة
~~الحلم الضعف. وقال الجعدي «2» : [طويل]
# ولا خير في حلم إذا لم تكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
# وقال إياس بن قتادة: [طويل]
# تعاقب أيدينا ويحلم رأينا ... ونشتم بالأفعال لا بالتكلم
# وأنشد الرياشي: [رجز]
# إني امرؤ يذب عن حريمي ... حلمي وتركي اللوم للئيم
# والعلم أحمى من يد الظلوم
# PageV01P400
# وقال الأحنف: أصبت الحلم أنصر لي من الرجال. قال أبو اليقظان:
# كان المتشمس بن معاوية عم الأحنف يفضل في حلمه على الأحنف قبل، فأمره أبو
~~موسى أن يقسم خيلا في بني تميم فقسمها، فقال رجل من بني سعد: ما منعك أن
~~تعطيني فرسا ووثب عليه فمرش «1» وجهه، فقام إليه قوم ليأخذوه، فقال: دعوني
~~وإياه، إني لا أعان على واحد، ثم انطلق به إلى أبي موسى، فلما رآه أبو موسى
~~سأله عما بوجهه فقال: دع هذا ولكن ابن عمي ساخط فاحمله على فرس، ففعل.
# قيل للأحنف: ما أحلمك قال: تعلمت الحلم من قيس «2» بن عاصم المنقري، بينا
~~هو قاعد بفنائه محتب بكسائه، أتته جماعة فيهم مقتول ومكتوف وقيل له: هذا
~~ابنك قتله ابن أخيك، فوالله ما حل حبوته حتى فرغ من كلامه، ثم التفت إلى
~~ابن له في المجلس، فقال له: قم فأطلق عن ابن عملك ووار أخاك واحمل إلى أمه
~~مائة من الإبل فإنها غريبة، ثم أنشأ يقول:
# [طويل]
# إني امرؤ لا شائن حسبي ... دنس يغيره ولا أفن
# من منقر في بيت مكرمة ... والغصن ينبت حوله الغصن
# خطباء حين يقول قائلهم ... بيض الوجوه، أعفة لسن
# لا يفطنون لعيب جارهم ... وهموا لحفظ جواره فطن «3»
# ثم أقبل على القاتل فقال: قتلت قرابتك، وقطعت رحمك، وأقللت
# PageV01P401
# عددك، لا يبعد الله غيرك. وفي قيس بن عاصم يقول عبدة بن الطبيب «1» ،
~~إسلامي: [طويل]
# عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما
# تحية من ألبسته منك نعمة ... إذا زار عن شحط بلادك سلما
# وما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما
# وقال الأحنف: لقد اختلفنا إلى قيس بن عاصم في الحلم كما نختلف إلى
~~الفقهاء في الفقه. شتم رجل الأحنف وجعل يتبعه حتى بلغ حيه، فقال الأحنف: يا
~~هذا، إن كان بقي في نفسك شيء فهاته وانصرف لا يسمعك بعض سفهائنا فتلقى ما
~~تكره. شتم رجل الحسن وأربى عليه، فقال له: أما أنت فما أبقيت شيئا، وما
~~يعلم الله أكثر. قال بعض الشعراء: [بسيط]
# لن يدرك المجد أقوام وإن كرموا ... حتى يذلوا- وإن عزوا- لأقوام
# ويشتموا فترى الألوان مشرقة ... لا صفح ذل ولكن صفح أحلام
# قال: حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: لا يكاد يجتمع عشرة إلا وفيهم مقاتل
~~وأكثر، ويجتمع ألف ليس فيهم حليم. ابن عيينة قال: كان عروة ابن الزبير إذا
~~أسرع إليه رجل بشتم أو قول سيء لم يجبه وقال: إني أتركك رفعا لنفسي عنك،
~~فجرى بينه وبين علي بن عبد الله كلام، فأسرع إليه، فقال له علي: خفض عليك
~~أيها الرجل فإني أتركك اليوم لما كنت تترك له الناس.
# قال: حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: قال رجل: لمثل هذا اليوم كنت أدع
~~الفحش على الرجال، فقال له خصمه: فإني أدع الفحش عليك
# PageV01P402
# اليوم لما تركته أنت له قبل اليوم. وأغلظ عبد لسيده، فقال: إني أصبر لهذا
~~الغلام على ما ترون لأروض نفسي بذلك، فإذا صبرت للمملوك على المكروه كانت
~~لغير المملوك أصبر.
# كلم عمر بن عبد العزيز رجلا من بني أمية وقد ولدته نساء بني مرة فعاب
~~عليه جفاء رآه منه، فقال: قبح الله شبها غلب عليك من بني مرة، وبلغ ذلك
~~عقيل بن علفة المري وهو بجنفاء من المدينة على أميال في بلد بني مرة، فركب
~~حتى قدم على عمر وهو بدير سمعان، فقال: هيه يا أمير المؤمنين! بلغني أنك
~~غضبت على فتى من بني أبيك، فقلت: قبح الله شبها غلب عليك من بني مرة، وإني
~~أقول: قبح الله ألأم طرفيه، فقال عمر: دع، ويحك، هذا وهات حاجتك. فقال:
~~والله ما لي حاجة غير حاجته، وولى راجعا من حيث جاء، فقال عمر: يا سبحان
~~الله! من رأى مثل هذا الشيخ؟
# جاء من جنفاء ليس إلا يشتمنا ثم انصرف! فقال له رجل من بني مرة: إنه
~~والله يا أمير المؤمنين ما شتمك وما شتم إلا نفسه، نحن والله ألأم طرفيه.
# المدائني قال: لما عزل الحجاج أمية بن عبد الله عن خراسان أمر رجلا من
~~بني تميم فعابه بخراسان وشنع عليه، فلما قفل لقيه التميمي فقال: أصلح الله
~~الأمير لا تلمني فإني كنت مأمورا، فقال: يا أخا بني تميم أو حدثتك نفسك أني
~~وجدت عليك؟ قال: قد ظننت ذاك، قال: إن لنفسك عندك قدرا!. كان يقال: طيروا
~~دماء الشباب في وجوههم. ويقال: الغضب غول الحلم. ويقال: القدرة تذهب
~~الحفيظة. وكتب كسرى أبرويز إلى ابنه شيرويه من الحبس: إن كلمة منك تسفك
~~دما، وإن كلمة أخرى منك تحقن دما، وإن سخطك سيوف مسلولة على من سخطت عليه،
~~وإن رضاك بركة مستفيضة على من رضيت عنه، وإن نفاذ أمرك مع ظهور كلامك،
~~فاحترس في غضبك
# PageV01P403
# من قولك أن يخطىء ومن لونك أن يتغير ومن جسدك أن يخف، وإن الملوك تعاقب
~~قدرة وحزما، وتعفو تفضلا وحلما، ولا ينبغي للقادر أن يستخف ولا للحليم أن
~~يزهو، وإذا رضيت فأبلغ بمن رضيت عنه يحرص من سواه على رضاك، وإذا سخطت فضع
~~من سخطت عليه يهرب من سواه من سخطك، وإذا عاقبت فانهك «1» لئلا يتعرض
~~لعقوبتك، واعلم أنك تجل عن الغضب وأن غضبك يصغر عن ملكك، فقدر لسخطك من
~~العقاب كما تقدر لرضاك من الثواب. قال محمد «2» بن وهيب: [طويل]
# لئن كنت محتاجا إلى الحلم إنني ... إلى الجهل في بعض الأحايين أحوج
# ولي فرس للحلم بالحلم ملجم ... ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
# فمن رام تقويمي فإني مقوم ... ومن رام تعويجي فإني معوج
# وما كنت أرضى الجهل خدنا «3» وصاحبا ... ولكنني أرضى به حين أخرج
# ألا ربما ضاق الفضاء بأهله ... وأمكن من بين الأسنة مخرج
# وإن قال بعض الناس فيه سماجة ... فقد صدقوا، والذل بالحر أسمج
# وقال ابن المقفع: لا ينبغي للملك أن يغضب لأن القدرة من وراء حاجته، ولا
~~يكذب لأنه لا يقدر أحد على استكراهه على غير ما يريد، ولا يبخل لأنه لا
~~يخاف الفقر، ولا يحقد لأن خطره قد جل عن المجازاة. قال سويد بن الصامت «4»
~~:
# PageV01P404
# [كامل]
# إني إذا ما الأمر بين شكه ... وبدت بصائره لمن يتأمل
# أدع التي هي أرفق الحالات بي ... عند الحفيظة للتي هي أجمل
# أتى عمر بن عبد العزيز رجل كان واجدا عليه، فقال: لولا أني غضبان
~~لعاقبتك، وكان إذا أراد أن يعاقب رجلا حبسه ثلاثة أيام، فإذا أراد بعد ذلك
~~أن يعاقبه عاقبه، كراهة أن يعجل عليه في أول غضبه. وأسمعه رجل كلاما فقال
~~له: أردت أن يستفزني الشيطان بعز السلطان فأنال منك اليوم ما تناله مني
~~غدا، انصرف رحمك الله.
# قال لقمان الحكيم: ثلاث من كن فيه فقد استكمل الإيمان: من إذا رضي لم
~~يخرجه رضاه إلى الباطل، وإذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق، وإذا قدر لم
~~يتناول ما ليس له. وقال لابنه: إن أردت أن تؤاخي رجلا فأغضبه، فإن أنصفك في
~~غضبه وإلا فدعه.
# خطب معاوية يوما فقال له رجل: كذبت، فنزل مغضبا فدخل منزله، ثم خرج عليهم
~~تقطر لحيته ماء، فصعد المنبر فقال: أيها الناس، إن الغضب من الشيطان، وإن
~~الشيطان من النار، فإذا غضب أحدكم فليطفئه بالماء، ثم أخذ في الموضع الذي
~~بلغه من خطبته. وفي الحديث المرفوع: «إذا غضب أحدكم فإن كان قائما فليقعد
~~وإن كان قاعدا فليضطجع» . وقال الشاعر: [بسيط]
# احذر مغايظ أقوام ذوي أنف ... إن المغيظ جهول السيف مجنون
# وقال عمر بن عبد العزيز: متى أشفي غيظي؟ أحين أقدر فيقال لي: لو عفوت، أو
~~حين أعجز فيقال لي: لو صبرت؟. والعرب تقول: «إن الرثيئة مما
# PageV01P405
# يفثأ الغضب» «1» والرثيئة اللبن الحامض يصب عليه الحليب، وهو أطيب اللبن.
# كان المنصور ولى سلم بن قتيبة البصرة وولى مولى له كور البصرة والأبلة
~~«2» ، فورد كتاب مولاه أن سلما ضربه بالسياط، فاستشاط المنصور وقال:
# علي تجرأ سلم! لأجعلنه نكالا، فقال ابن عياش- وكان جريئا عليه-: يا أمير
~~المؤمنين، إن سلما لم يضرب مولاك بقوته ولا قوة أبيه، ولكنك قلدته سيفك
~~وأصعدته منبرك، فأراد مولاك أن يطأطىء منه ما رفعت ويفسد ما صنعت، فلم
~~يحتمل ذلك. يا أمير المؤمنين، إن غضب العربي في رأسه، فإذا غضب لم يهدأ حتى
~~يخرجه بلسان أو يد، وإن غضب النبطي في استه، فإذا غضب وخرىء «3» ذهب غضبه،
~~فضحك أبو جعفر وقال: فعل الله بك يا منتوف وفعل، فكف عن سلم.
# كان يقال: إياك وعزة الغضب فإنها مصيرتك إلى ذل الاعتذار. قال بعض
~~الشعراء: [بسيط]
# الناس بعدك قد خفت حلومهم ... كأنما نفخت فيها الأعاصير
# أبو بكر بن عياش عن الأعمش قال: كنت مع رجل فوقع في إبراهيم.
# فأتيت إبراهيم فأخبرته وقلت: والله لهممت به، فقال: لعل الذي غضبت له لو
~~سمعه لم يقل شيئا.
# PageV01P406
### | باب العز والذل والهيبة
# أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثنا عمر بن السكن قال: قال سليمان ابن عبد
~~الملك ليزيد بن المهلب: فيمن العز بالبصرة؟ فقال: فينا وفي حلفائنا من
~~ربيعة، فقال عمر بن عبد العزيز: ينبغي أن يكون العز فيمن تحولف عليه يا
~~أمير المؤمنين. قالت قريبة: إذا كنت في غير قومك فلا تنس نصيبك من الذلة.
~~قال رجل من قريش لشيخ منهم: علمني الحلم، قال: هو، يا ابن أخي، الذل،
~~أفتصبر عليه؟. وقال الأحنف: ما يسرني بنصيبي من الذل حمر النعم، فقال له
~~رجل: أنت أعز العرب، فقال: إن الناس يرون الحلم ذلا، فقلت ما قلت على ما
~~يعلمون.
# وقرأت في كتاب للهند أن الريح العاصف تحطم دوح الشجر ومشيد البنيان ويسلم
~~عليها ضعيف النبت للينه وتثنيه. ويقال في المثل: «تطأطأ لها تخطئك» ، وقال
~~زيد «1» بن علي بن الحسين حين خرج من عند هشام مغضبا: ما أحب أحد قط الحياة
~~إلا ذل؛ وتمثل: [سريع]
# شرده الخوف وأزرى به ... كذاك من يكره حر الجلاد
# منخرق الخفين يشكو الوجى ... تنكبه أطراف مرو «2» حداد
# قد كان في الموت له راحة ... والموت حتم في رقاب العباد
# وقال المتلمس «3» :
# PageV01P407
# [بسيط]
# إن الهوان، حمار البيت يعرفه ... والمرء ينكره والجسرة الأجد «1»
# ولا يقيم بدار الذل يعرفها ... إلا الحمار حمار الأهل والوتد
# وقال الزبير «2» بن عبد المطلب: [بسيط]
# ولا أقيم بدار لا أشد بها ... صوتي إذا ما اعترتني سورة الغضب
# وقال آخر: [طويل]
# إذا كنت في قوم عدا لست منهم ... فكل ما علفت من خبيث وطيب
# وقال العباس «3» بن مرداس: [طويل]
# أبلغ، أبا سلم، رسولا نصيحة ... فإن معشر جادوا بعرضك فابخل
# وإن بوؤوك منزلا غير طائل ... غليظا فلا تنزل به وتحول
# ولا تطعمن ما يعلفونك إنهم ... أتوك على قربانهم بالمثمل
# أراك إذن قد صرت للقوم ناضحا ... يقال له بالغرب أدبر وأقبل
# وقال آخر: [متقارب]
# فأبلغ لديك بني مالك ... على نأيها وسراة الرباب
# بأن امرأ أنتمو حوله ... تحفون قبته بالقباب
# يهين سراتكمو عامدا ... ويقتلكم مثل قتل الكلاب
# فلو كنتمو إبلا أملحت «4» ... لقد نزعت للمياه العذاب
# PageV01P408
# ولكنكم غنم تصطفى ... ويترك سائرها للذئاب
# وقال آخر: [بسيط]
# تالله لولا انكسار الرمح قد علموا ... ما وجدوني ذليلا كالذي أجد
# قد يحطم الفحل قسرا بعد عزته ... وقد يرد على مكروهه الأسد
# وقال بعض العبديين: [متقارب]
# ألا أبلغا خلتي راشدا ... وصنوي قديما إذا ما اتصل
# بأن الدقيق يهيج الجليل ... وأن العزيز إذا شاء ذل
# وأن الحزامة أن تصرفوا ... لحي سوانا صدور الأسل
# فإن كنت سيدنا سدتنا ... وإن كنت للخال فاذهب فخل
# وقال البعيث «1» : [وافر]
# ولو ترمى بلؤم بني كليب ... نجوم الليل ما وضحت لساري
# ولو لبس النهار بنو كليب ... لدنس لؤمهم وضح النهار
# وما يغدو عزيز بني كليب ... ليطلب حاجة إلا بجار
# جاور ابن سيابة مولى بني أسد قوما فأزعجوه، فقال لهم: لم تزعجوني من
~~جواركم؟ فقالوا: أنت مريب، فقال: فمن أذل من مريب ولا أحسن جوارا. أبو
~~عبيدة عن عوانة قال: إذا كنت من مضر ففاخر بكنانة وكاثر بتميم وألق بقيس،
~~وإذا كنت من قحطان فكاثر بقضاعة وفاخر بمذحج وألق بكلب، وإذا كنت من ربيعة
~~ففاخر بشيبان وألق بشيبان وكاثر بشيبان. كان يقال: من أراد عزا بلا عشيرة
~~وهيبة بلا سلطان فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعة
# PageV01P409
# الله. قيل لرجل من العرب: من السيد عندكم؟ قال: الذي إذا أقبل هبناه وإذا
~~أدبر اغتبناه. ونحوه قول مسلم «1» : [طويل]
# وكم من معد في الضمير لي الأذى ... رآني فألقى الرعب ما كان أضمرا
# وقال أيضا: [بسيط]
# يا أيها الشاتمي عرضي مسارقة ... أعلن به، أنت إن أعلنته الرجل
# ومن أحسن ما قيل في الهيبة: [بسيط]
# في كفه خيزران ريحها عبق ... من كف أروع في عرنينه شمم
# يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فما يكلم إلا حين يبتسم «2»
# وقال ابن هرمة «3» في المنصور: [طويل]
# له لحظات عن حفافي «4» سريره ... إذا كرها فيها عقاب ونائل
# فأم الذي آمنت امنة الردى ... وأم الذي أوعدت بالثكل ثاكل
# كريم له وجهان وجه لدى الرضا ... أسيل، ووجه في الكريهة باسل «5»
# وليس بمعطي العفو عن غير قدرة ... ويعفو إذا ما أمكنته المقاتل
# وقال آخر في العفو بعد القدرة: [مجزوء الكامل]
# أسد على أعدائه ... ما إن يلين ولا يهون
# فإذا تمكن منهم ... فهناك أحلم ما يكون
# PageV01P410
# وقال آخر «1» في مالك بن أنس: [كامل]
# يأبى الجواب فما يراجع هيبة ... والسائلون نواكس الأذقان
# هدي التقي وعز سلطان التقى ... فهو المطاع وليس ذا سلطان
# وقال آخر «2» : [كامل]
# وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم ... خضع الرقاب نواكس «3» الأبصار
# وقال أبو نواس: [سريع]
# أضمر في القلب عتابا له ... فإن بدا أنسيت من هيبته
# المدائني قال: قال ابن شبرمة القاضي لابنه: يا بني، لا تمكن الناس من
~~نفسك، فإن أجرأ الناس على السباع أكثرهم لها معاينة. قيل لأعرابي:
# كيف تقول: استخذأت أو استخذيت؟ قال: لا أقوله، قيل: ولم؟ قال: لأن العرب
~~لا تستخذي. وكان يقال: إصفح أو اذبح.
### | باب المروءة
# في الحديث المرفوع: قام رجل من مجاشع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
~~يا رسول الله، ألست أفضل قومي؟ فقال: «إن كان لك عقل فلك فضل، وإن كان لك
~~خلق فلك مروءة، وإن كان لك مال فلك حسب، وإن كان لك تقى فلك
# PageV01P411
# دين» وفيه أيضا: «إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها» . روى كثير بن
~~هشام عن الحكم بن هشام الثقفي قال: سمعت عبد الملك بن عمير يقول:
# إن من مروءة الرجل جلوسه ببابه. قال الحسن: لا دين إلا بمروءة. قيل لابن
~~هبيرة: ما المروءة؟ قال: إصلاح المال، والرزانة في المجلس، والغداء والعشاء
~~بالفناء. قال إبراهيم: ليس من المروءة كثرة الالتفات في الطريق ولا سرعة
~~المشي. ويقال: سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن.
# قال معاوية: المروءة ترك اللذة. وقال لعمرو: ما ألذ الأشياء؟ فقال عمرو:
~~مر أحداث قريش أن يقوموا، فلما قاموا قال: إسقاط المروءة. قال جعفر بن محمد
~~عن أبيه: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وروا لذوي المروءات عن
~~عثراتهم، فوالذي نفسي بيده إن أحدهم ليعثر وإن يده لفي يد الله. كان عروة
~~ابن الزبير يقول لولده: يا بني، إلعبوا، فإن المروءة لا تكون إلا بعد
~~اللعب.
# قيل للأحنف. ما المروءة؟ فقال: العفة والحرفة. قال محمد بن عمران التيمي:
~~ما شيء حملا علي من المروءة، قيل: وأي شيء المروءة؟ قال: لا تعمل شيئا في
~~السر تستحي منه في العلانية. وقال زهير في نحو هذا: [كامل]
# الستر دون الفاحشات، ولا ... يلقاك دون الخير من ستر
# وقال آخر: [طويل]
# فسري كإعلاني، وتلك خليقتي ... وظلمة ليلي مثل ضوء نهاريا
# قال عمر بن الخطاب: تعلموا العربية فإنها تزيد في المروءة، وتعلموا النسب
~~فرب رحم مجهولة قد وصلت بنسبها. قال الأصمعي: ثلاثة تحكم
# PageV01P412
# لهم بالمروءة حتى يعرفوا: رجل رأيته راكبا، أو سمعته يعرب، أو شممت منه
~~رائحة طيبة. وثلاثة تحكم عليهم بالدناءة حتى يعرفوا: رجل شممت منه رائحة
~~نبيذ في محفل، أو سمعته يتكلم في مصر عربي بالفارسية، أو رأيته على ظهر
~~الطريق ينازع في القدر. قال ميمون ابن ميمون: أول المروءة طلاقة الوجه،
~~والثاني التودد، والثالث قضاء الحوائج. وقال: من فاته حسب نفسه لم ينفعه
~~حسب أبيه. قال مسلمة بن عبد الملك: مروءتان ظاهرتان: الرياسة والفصاحة.
~~وقال عمر بن الخطاب: المروءة الظاهرة الثياب الطاهرة. قالوا:
# كان الرجل إذا أراد أن يشين جاره طلب الحاجة إلى غيره. وقال بعض الشعراء:
~~[بسيط]
# نوم الغداة وشرب بالعشيات ... موكلان بتهديم المروءات
### | باب اللباس
# حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن
~~ابن عباس، قال: كل ما شئت والبس ما شئت إذا ما أخطأك شيئان: سرف أو مخيلة.
# قال: حدثني يزيد بن عمرو قال: حدثنا المنهال بن حماد عن خارجة ابن مصعب
~~عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه، قال: كانت ملحفة رسول الله صلى
~~الله عليه وسلم التي يلبس في أهله مورسة «1» حتى إنها لتردع «2» على جلده.
# حدثني أبو الخطاب قال: حدثنا أبو عتاب قال: حدثنا المختار بن نافع عن
~~إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي قال: رأيت لعمر بن الخطاب، رضي الله
# PageV01P413
# عنه، إزارا فيه إحدى وعشرون رقعة من أدم ورقعة من ثيابنا.
# حدثنا الزيادي قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن الجريري عن ابن عباس،
~~قال: رأيت عمر بن الخطاب يطوف بالبيت وإزاره مرقوع بأدم. نظر معاوية إلى
~~النخار العذري الناسب في عباءة فازدراه في عباءة، فقال: يا أمير المؤمنين،
~~إن العباءة لا تكلمك وإنما يكلمك من فيها. قال سحيم «1» بن وثيل: [طويل]
# ألا ليس زين الرحل قطعا يمزق ... ولكن زين الرحل يا مي راكبه
# وقال آخر [منسرح]
# إياك أن تزدري الرجال فما ... يدريك ماذا يكنه الصدف
# نفس الجواد العتيق باقية ... يوما وإن مس جسمه العجف
# والحر حر وإن ألم به الض ... ر وفيه العفاف والأنف
# وقال آخر من المحدثين: [بسيط]
# تعجبت در من شيبي فقلت لها ... لا تعجبي قد يلوح الفجر في السدف «2»
# وزادها عجبا أن رحت في سمل «3» ... وما درت در أن الدر في الصدف
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي أن ابن عون اشترى برنسا من عمر بن أنس بن
~~سيرين فمر على معاذة العدوية، فقال: أمثلك يلبس هذا! قال:
# فذكرت ذلك لابن سيرين فقال: ألا أخبرتها أن تميما الداري اشترى حلة بألف
~~يصلي فيها؟
# حدثني أحمد بن الخليل قال: حدثنا مصعب بن عبد الله من ولد عبد
# PageV01P414
# الله بن الزبير عن أبيه قال: أخبرني إسماعيل بن عبد الله بن جعفر عن أبيه
~~قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه ثوبان مصبوغان بالزعفران:
~~رداء وعمامة.
# حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا علي بن عاصم قال: أخبرنا أبو إسحاق
~~الشيباني قال: رأيت محمد بن الحنفية واقفا بعرفات على برذون «1» عليه مطرف
~~خز أصفر.
# حدثني الرياشي عن الأصمعي عن حفص بن الفرافصة قال: أدركت وجوه أهل
~~البصرة، شقيق بن ثور فمن دونه وانيتهم في بيوتهم الجفان والعسسة فإذا قعدوا
~~بأفنيتهم لبسوا الأكسية وإذا أتوا السلطان ركبوا ولبسوا المطارف.
# قدم حماد بن أبي سليمان البصرة فجاءه فرقد السبخي وعليه ثياب صوف فقال
~~حماد: ضع نصرانيتك هذه عنك، فلقد رأيتنا ننتظر إبراهيم فيخرج علينا وعليه
~~معصفرة ونحن نرى أن الميتة قد حلت له.
# وروى زيد بن الحباب عن الثوري عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان أن ابن
~~عباس كان يرتدي رداء بألف. قال معمر: رأيت قميص أيوب يكاد يمس الأرض،
~~فكلمته في ذلك فقال: إن الشهرة فيما مضى كانت في تذييل القميص وإنها اليوم
~~في تشميره.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: أخبرني بعض أصحابنا قال: جاء سيار أبو
~~الحكم إلى مالك بن دينار في ثياب اشتهرها «2» مالك، فقال له مالك:
# ما هذه الشهرة؟ فقال له سيار: أتضعني عندك أم ترفعني؟ قال: بل تضعك، قال:
~~أراك تنهاني عن التواضع، فنزل مالك فقعد بين يديه.
# PageV01P415
# قال أبو يعقوب الخريمي: أراد جعفر بن يحيى يوما حاجة كان طريقه إليها على
~~باب الأصمعي فدفع إلى خادم كيسا فيه ألف دينار وقال: إني سأنزل في رجعتي
~~إلى الأصمعي وسيحدثني ويضحكني فإذا ضحكت فضع الكيس بين يديه، فلما رجع ودخل
~~عليه رأى حبا «1» مكسور الرأس وجرة مكسورة العنق وقصعة مشعبة وجفنة أعشارا
~~ورآه على مصلى بال وعليه بركان «2» أجرد فغمز غلامه ألا يضع الكيس بين يديه
~~ولم يدع الأصمعي شيئا مما يضحك الثكلان إلا أورده عليه فما تبسم وخرج، فقال
~~لرجل كان يسايره: «من استرعى الذئب ظلم» ، ومن زرع سبخة «3» حصد الفقر،
~~فإني والله لو علمت أن هذا يكتم المعروف بالفعل لما حفلت نشره له باللسان،
~~وأين يقع مدح اللسان من مدح آثار الغنى؛ لأن اللسان قد يكذب والحال لا
~~تكذب. ولله در نصيب «4» حيث يقول: [طويل]
# فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب «5»
# ثم قال له: أعلمت أن ناووس أبرويز أمدح لأبرويز من شعر زهير لآل سنان.
# قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: رأيت مشيخة بالمدينة في زي الفتيان لهم
~~الغدائر وعليهم المورد والمعصفر «6» وفي أيديهم المخاصر وبها أثر الحناء،
~~ودين أحدهم أبعد من الثريا إذا أريد دينه. ذم ابن التوءم رجلا فقال: رأيته
# PageV01P416
# مشحم النعل درن الجورب «1» مغضن الخف دقيق الخزامة. أنشد ابن الأعرابي
~~«2» : [طويل]
# فإن كنت قد أعطيت خزا تجره ... تبدلته من فروة وإهاب
# فلا تأيسن أن تملك الناس إنني ... أرى أمة قد أدبرت لذهاب
# قال أيوب: يقول الثوب: أطوني أجملك. هشام بن عروة عن أبيه قال:
# يقول المال: أرني صاحبي أعمر، ويقول الثوب: أكرمني داخلا أكرمك خارجا.
~~ويقال: لكل شيء راحة، فراحة البيت كنسه، وراحة الثوب طيه. قيل لأعرابي: إنك
~~تكثر لبس العمامة، فقال: إن عظما فيه السمع والبصر لجدير أن يكن من الحر
~~والقر. ويقال: حبى العرب حيطانها، وعمائمها تيجانها.
# وذكروا العمامة عند أبي الأسود الدؤلي فقال: جنة في الحرب، ومكنة في الحر
~~والقر، وزيادة في القامة، وهي بعد عادة من عادات العرب. وقال طلحة ابن عبيد
~~الله: الدهن يذهب البؤس، والكسوة تظهر الغنى، والإحسان إلى الخادم مما يكبت
~~الله به العدو.
# أبو حاتم قال: حدثنا العتبي قال: سمعت أعرابيا يقول: لقد رأيت بالبصرة
~~برودا كأنما نصحت «3» بأنوار الربيع وهي تروع، واللابسوها أروع. قال يحيى
~~بن خالد للعتابي في لباسه- وكان لا يبالي ما لبس-: يا أبا علي، أخزى الله
~~امرأ رضي أن يرفعه هيئتاه من جماله وماله، فإنما ذلك حظ الأدنياء من الرجال
~~والنساء، لا والله حتى يرفعه أكبراه: همته ونفسه، وأصغراه: قلبه
# PageV01P417
# ولسانه. وفي الحديث المرفوع: «إن الله إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن يرى
~~أثرها عليه» . قال حبيب بن أبي ثابت: أن تعز في خصفة خير لك من أن تذل في
~~مطرف «1» ، وما اقترضت من أحد خير من أن أقترض من نفسي. قال عمرو «2» بن
~~معد يكرب: [مجزوء الكامل]
# ليس الجمال بمئزر ... فاعلم وإن رديت «3» بردا
# إن الجمال معادن ... وموارث أورثن مجدا
# وقال ابن هرمة «4» [منسرح]
# لو كان حولي بنو أمية لم ... ينطق رجال إذا هموا نطقوا
# إن جلسوا لم تضق مجالسهم ... أو ركبوا ضاق عنهم الأفق
# كم فيهمو من أخ وذي ثقة ... عن منكبيه القميص منخرق
# تجهمن «5» عوذ النساء إذا ... ما احمر تحت القوانس «6» الحدق
# فريحهم عند ذاك أندى من ال ... مسك وفيهم لخابط ورق
# قال: حدثني أحمد بن إسماعيل قال: رأيت على أبي سعد المخزومي الشاعر
~~كردوانيا مصبوغا بسواد، فقلت له: يا أبا سعد، هذا خز؟ فقال: لا، ولكنه دعي
~~على دعي، وكان أبو سعد دعيا في بني مخزوم، وفيه يقول أبو البرق:
# PageV01P418
# [مجزوء الهزج]
# لما تاه على الناس ... شريف يا أبا سعد
# فته ما شئت إذ كنت ... بلا أصل ولا جد
# وإذا حظك في النسب ... ة بين الحر والعبد
# وإذ قاذفك المفح ... ش في أمن من الحد
# قال عمر بن عبد العزيز لمؤدبه: كيف كانت طاعتي إياك وأنت تؤدبني؟
# قال: أحسن طاعة، قال: فأطعني الآن كما كنت أطيعك، خذ من شاربك حتى تبدو
~~شفتاك، ومن ثوبك حتى يبدو عقباك. وكيع قال: راح الأعمش إلى الجمعة وقد قلب
~~فروة جلدها على جلده وصوفها إلى خارج، وعلى كتفيه منديل الخوان «1» مكان
~~الرداء. قال: حدثني أبو الخطاب عن أبي داود عن قيس عن أبي حصين قال: رأيت
~~الشعبي يقضي على جلد. قال الأحنف:
# استجيدوا النعال فإنها خلاخيل الرجال. أبو الحسن المدائني قال: دخل محمد
~~بن واسع على قتيبة بن مسلم في مدرعة صوف فقال له قتيبة: ما يدعوك إلى لبس
~~هذه؟ فسكت، فقال له قتيبة: أكلمك فلا تجيبني! قال: أكره أن أقول زهدا فأزكي
~~نفسي، أو أقول فقرا فأشكو ربي. قال ابن السماك لأصحاب الصوف: والله إن كان
~~لباسكم هذا موافقا لسرائركم لقد أحببتم أن يطلع الناس عليها، وإن كان
~~مخالفا لها فقد هلكتم. وقال بعض المحدثين يعتذر من أطمار عليه: [طويل]
# فما أنا إلا السيف يأكل جفنه «2» ... له حلية من نفسه وهو عاطل
# PageV01P419
### | التختم
# قال: حدثني أبو الخطاب زياد بن يحيى الحساني قال: حدثنا عبد الله ابن
~~ميمون قال: حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله: إن النبي صلى
~~الله عليه وسلم تختم في يمينه.
# قال: حدثنا أبو الخطاب قال: حدثنا سهل بن حماد قال: حدثنا أبو خلدة خالد
~~بن دينار قال: سألت أبا العالية ما كان نقش خاتم النبي صلى الله عليه وسلم؟
~~قال:
# «صدق الله» قال: فألحق الخلفاء بعد «صدق الله» «محمد رسول الله» .
# قال أبو الخطاب: حدثنا أبو عتاب «1» قال: حدثنا سالم بن عبد الأعلى عن
~~نافع عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يذكر الشيء
~~أوثق في خاتمة خيطا.
# حدثني أبو الخطاب: قال حدثنا عبد الله بن ميمون قال: حدثنا جعفر ابن محمد
~~عن أبيه أن خاتم علي كان من ورق نقشه «نعم القادر الله» كان على خاتم علي
~~بن الحسين بن علي «علمت فاعمل» . كان نقش خاتم صالح بن عبيد الله بن علي
~~«تبارك من فخري بأني له عبد» ونقش خاتم شريح «الخاتم خير من الظن» . ونقش
~~خاتم طاهر «وضع الخد للحق عز» . وكان لأبي نواس خاتمان: أحدهما عقيق مربع
~~وعليه: [طويل]
# تعاظمني ذنبي فلما عدلته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما
# والآخر حديث صيني مكتوب عليه: «الحسن يشهد أن لا إله إلا الله مخلصا»
~~فأوصى عند موته أن يقلع الفص ويغسل ويجعل في فمه.
# PageV01P420
### | باب الطيب
# قال: حدثنا محمد بن عبيد قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عاصم الأحول عن
~~أبي عثمان النهدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير طيب الرجال
~~ما ظهر ريحه وخفي لونه، وخير طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه» .
# حدثنا القطعي قال: حدثنا بشر عن ابن لهيعة قال: حدثني بكير عن نافع أن
~~ابن عمر كان يستجمر بعود غير مطرى ويجعل معه الكافور ويقول:
# هكذا كان رسول الله يستجمر.
# قال: حدثنا زياد بن يحيى قال: حدثنا زياد بن الربيع عن يونس قال:
# قال أبو قلابة: كان ابن مسعود إذا خرج إلى المسجد عرف جيرانه ذاك بطيب
~~ريحه.
# حدثني القومسي قال: حدثنا أبو نعيم عن شقيق عن الأعمش قال: قال أبو
~~الضحى: رأيت على رأس ابن الزبير من المسك ما لو كان لي كان رأس مال.
# قال: حدثني أبو الخطاب قال: حدثنا أبو قتيبة وأبو داود عن الحسن بن زيد
~~الهاشمي عن أبيه قال: رأيت ابن عباس حين أحرم والغالية على صلعته كأنها «1»
~~الرب.
# قال: حدثني أحمد بن الخليل عن عمرو بن عون عن خالد عن عمرو ابن يحيى عن
~~محمد بن يحيى بن حبان قال: كان عبد الله بن زيد يتخلق بالخلوق «2» ثم يجلس
~~في المجلس.
# PageV01P421
# وحدثني أيضا عن سويد بن سعيد عن ضمام بن إسماعيل عن عمار بن غزية قال:
~~لما أولم عمر بن عبد العزيز بفاطمة بنت عبد الملك أسرج في مسارجه تلك
~~الليلة الغالية.
# قال: وحدثني عن أبي عبد الرحمن المقرىء عن سعيد بن أبي أيوب عن عبيد الله
~~بن أبي جعفر عن الأعرج قال: قال أبو هريرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
# «لا تردوا الطيب فإنه طيب الريح خفيف المحمل» .
# قال: حدثني زيد بن أخزم قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا أنس بن مالك قال:
~~حدثنا عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة قالت: كأني أنظر إلى وبيص «1»
~~الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم. إبراهيم بن الحكم
~~عن أبيه قال: قال عكرمة: كان ابن عباس يطلي جسده بالمسك فإذا مر بالطريق
~~قال الناس: أمر ابن عباس أم مر المسك؟. قال المسيب «2» بن علس يمدح بني
~~شيبان: [متقارب]
# تبيت الملوك على عتبها ... وشيبان إن غضبت تعتب
# وكالشهد بالراح أحلامهم ... وأحلامهم منهما أعذب
# وكالمسك ترب «3» مقاماتهم ... وترب قبورهمو أطيب
# أخذه العباس «4» بن الأحنف فقال: [متقارب]
# وأنت إذا ما وطئت الترا ... ب صار ترابك للناس طيبا
# PageV01P422
# وقال كعب «1» بن زهير يمدح قوما: [بسيط]
# ألمطعمون إذا ما أزمة أزمت ... والطيبون ثيابا كلما عرقوا
# وأنشد ابن الأعرابي «2» : [طويل]
# خود «3» يكون بها القليل تمسه ... من طيبها عبقا يطيب ويكثر
# شكر الكرامة جلدها فصفا لها ... إن القبيحة جلدها لا يشكر
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: ذكر لأيوب هؤلاء الذين يتقشفون فقال: ما
~~علمت أن القذر من الدين.
### | باب المجالس والجلساء والمحادثة
# قال: حدثني أحمد بن الخليل عن حبان بن موسى قال: حدثنا ابن المبارك عن
~~معمر عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
~~«الرجل أحق بمجلسه إذا قام لحاجة ثم رجع» .
# وحدثني أيضا عن سعيد بن سليمان عن إسحاق بن يحيى عن المسيب ابن رافع عن
~~عبد الله بن يزيد الخطمي عن عبد الله بن الغسيل قال: قال رسول الله صلى
~~الله عليه وسلم: «المرء أحق بصدر بيته وصدر دابته وصدر فراشه، وأحق أن يؤم
~~في بيته» .
# قال: حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي
~~جعفر محمد بن علي قال: ألقي لعلي وسادة فجلس عليها وقال: إنه لا يأبى
~~الكرامة إلا حمار. وفي الحديث المرفوع عن أبي موسى قال: قال
# PageV01P423
# رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل الجليس الصالح مثل الداري «1» إن لم
~~يحذك «2» من طيبه علقك من ريحه، ومثل الجليس السوء مثل الكير «3» إن لم
~~يحرقك بشرار ناره علقك من نتنه» . قال أبو إدريس الخولاني: المساجد مجالس
~~الكرام. قال الأحنف: أطيب المجالس ما سافر فيه البصر واتدع «4» فيه البدن،
~~فأخذه علي ابن الجهم «5» فقال: [متقارب]
# صحون «6» تسافر فيها العيون ... وتحسر عن بعد أقطارها
# وقال المهلب: خير المجالس ما بعد فيه مدى الطرف وكثرت فيه فائدة الجليس.
~~قيل للأوسية: أي منظر أحسن؟ فقالت: قصور بيض في حدائق خضر. ونحوه قول عدي
~~«7» بن زيد: [خفيف]
# كدمى العاج في المحاريب أو كال ... بيض في الروض زهره مستنير
# حدثنا سهل بن محمد قال: حدثنا الأصمعي قال: كان الأحنف إذا أتاه إنسان
~~أوسع له، فإن لم يجد موضعا تحرك ليريه أنه يوسع له. وكان آخر لا يوسع لأحد
~~ويقول «ثهلان ذو الهضبات ما يتحلحل» «8» .
# PageV01P424
# قال ابن عباس: لجليسي علي ثلاث: أن أرميه بطرفي إذا أقبل، وأن أوسع له
~~إذا جلس، وأصغي إليه إذا تحدث. وقال الأحنف: ما جلست مجلسا فخفت أن أقام
~~عنه لغيري. وكان يقول: لأن أدعي من بعيد فأجيب أحب إلي من أن أقصى من قريب.
# كان القعقاع بن شور إذا جالسه رجل فعرفه بالقصد إليه جعل له نصيبا في
~~ماله، وأعانه على عدوه، وشفع له في حاجته، وغدا إليه بعد المجالسة شاكرا.
~~وقسم معاوية يوما آنية فضة ودفع إلى القعقاع حظه منها، فآثر به القعقاع
~~أقرب القوم إليه فقال: [وافر]
# وكنت جليس قعقاع «1» بن شور ... ولا يشقى بقعقاع جليس
# ضحوك السن إن نطقوا بخير ... وعند الشر مطراق عبوس
# كان يقال: إياك وصدر المجلس فإنه مجلس قلعة. قيل لمحمد بن واسع: ألا تجلس
~~متكئا! فقال: تلك جلسة الآمنين. قال عمرو بن العاص:
# ثلاثة لا أملهم: جليسي ما فهم عني، وثوبي ما سترني، ودابتي ما حملت رجلي.
~~وزاد آخر: وامرأتي ما أحسنت عشرتي.
# ذكر رجل عبد الملك بن مروان فقال: إنه لآخذ بأربع، تارك لأربع:
# آخذ بأحسن الحديث إذا حدث، وبأحسن الاستماع إذا حدث، وبأحسن البشر إذا
~~لقي، وبأيسر المؤونة إذا خولف. وكان تاركا لمحادثة اللئيم، ومنازعة اللجوج،
~~ومماراة السفيه، ومصاحبة المأبون.
# كان رجل من الأشراف إذا أتاه رجل عند انقضاء مجلسه قال: إنك
# PageV01P425
# جلست إلينا على حين قيام منا أفتأذن؟. قال الفضيل بن عياض للثوري:
# دلني على من أجلس إليه، قال: تلك حالة لا توجد. قال مطرف: لا تطعم طعامك
~~من لا يشتهيه، يريد: لا تقبل بحديثك على من لا يقبل عليك بوجهه. وقال سعيد
~~بن سلم: إذا لم تكن المحدث أو المحدث فانهض.
# ونحوه قول ابن مسعود: حدث القوم ما حدجوك «1» بأبصارهم.
# قال زياد مولى عياش بن أبي ربيعة: دخلت على عمر بن عبد العزيز، فلما رآني
~~زحل عن مجلسه وقال: إذا دخل عليك رجل لا ترى لك عليه فضلا فلا تأخذ عليه
~~شرف المجلس. وقال ابن عباس: ما أحد أكرم علي من جليسي، إن الذباب يقع عليه
~~فيشق علي. ذكر الشعبي قوما فقال: ما رأيت مثلهم أشد تناوبا في مجلس ولا
~~أحسن فهما عن محدث.
# قال سليمان بن عبد الملك: قد ركبنا الفاره «2» ووطئنا الحسناء ولبسنا
~~اللين وأكلنا الطيب حتى أجمنا «3» ، ما أنا اليوم إلى شيء أحوج مني إلى
~~جليس أضع عني مؤونة التحفظ فيما بيني وبينه.
# روى ابن أبي ليلى عن حبيب بن أبي ثابت عن يحيى بن جعدة قال: قال عمر بن
~~الخطاب: لولا أن أسير في سبيل الله أو أضع جبهتي في التراب لله أو أجالس
~~قوما يلتقطون طيب الحديث كما يلتقط طيب الثمر لأحببت أن أكون قد لحقت
~~بالله. قال عامر بن عبد قيس: ما اسى على شيء من العراق إلا على ظمأ
~~الهواجر، وتجاوب المؤذنين، وإخوان لي منهم الأسود بن كلثوم. وقال آخر ما
~~آسى من البصرة إلا على ثلاث: قصب السكر، وليل الخرير، وحديث ابن
# PageV01P426
# أبي بكرة. وقال المغيرة: كان يجالس إبراهيم صيرفي ورجل متهم برأي
~~الخوارج، فكان يقول لنا: لا تذكروا الربا إذا حضر هذا، ولا الأهواء إذا حضر
~~هذا. وكان إمام مسجد الحرام لا يقول: تبت يدا أبي لهب
# إلا عند ختم القرآن في شهر رمضان من أجل اللهبيين.
# كان يقال: محادثة الرجال تلقح ألبابها. وكان بعض الملوك في مسير له ليلا
~~فقال لمن حوله: إنه لا يقطع سرى الليل بمثل الحديث فيه فلينفض كل رجل منكم
~~بناجوشا «1» منه. قال معاوية لعمرو بن العاص: ما بقي من لذة الدنيا تلذه؟
~~قال: محادثة أهل العلم، وخبر صالح يأتيني من ضيعتي. قال أبو مسهر: ما حدثت
~~رجلا قط إلا حدثني إصغاؤه: أفهم أم ضيع.
### | باب الثقلاء
# قال إبراهيم: إذا علم الثقيل أنه ثقيل فليس بثقيل. كان يقال: من خاف أن
~~يثقل لم يثقل. قيل لأيوب: ما لك لا تكتب عن طاووس؟ فقال: أتيته فوجدته بين
~~ثقيلين: ليث بن أبي سليم، وعبد الكريم بن أبي أمية.
# قال الحسن: قد ذكر الله الثقل في كتابه قال: فإذا طعمتم فانتشروا
# «2» . كان أبو هريرة إذا استثقل رجلا قال: اللهم اغفر له وأرحنا منه.
# وكتب رجل على خاتمه: أبرمت فقم، فكان إذا جلس إليه ثقيل ناوله إياه. قال
~~بختيشوع «3» للمأمون: لا تجالس الثقلاء فإنا نجد في الطب: مجالسة الثقيل
~~حمى الروح. قال بعض الشعراء:
# PageV01P427
# [مجزوء الكامل]
# إني أجالس معشرا ... نوكى «1» أخفهمو ثقيل
# قوم إذا جالستهم ... صدئت بقربهم العقول
# لا يفهموني قولهم ... ويدق عنهم ما أقول
# فهمو كثير بي وأع ... لم أنني بهمو قليل
# أخبرنا النوشجاني عن عمر بن سعيد بن القرشي قال: حدثني صدقة بن خالد قال:
~~أتيت الكوفة فجلست إلى أبي حنيفة، فقام رجل من جلسائه فقال: [متقارب]
# فما الفيل تحمله ميتا ... بأثقل من بعض جلاسنا «2»
# فما حملت عنه شيئا.
# مر رجل بصديق له ومعه رجل ثقيل، فقال له: كيف حالك؟
# فقال: [منسرح]
# وقائل كيف أنت؟ قلت له ... هذا لبسي فما ترى حالي؟
# وقال بشار «3» : [خفيف]
# ربما يثقل الجليس وإن كا ... ن خفيفا في كفة الميزان
# ولقد قلت حين وتد في الأر ... ض ثقيل أربى على ثهلان «4»
# PageV01P428
# كيف لم تحمل الأمانة أرض ... حملت فوقها أبا سفيان! «1» !
# وقال آخر: [منسرح]
# هل غربة الدار منك منجيتي ... إذا اغتدت بي قلائص ذمل «2»
# وما أظن الفلاة منجيتي ... منك ولا الفلك أيها الرجل
# ولو ركبت البراق «3» أدركني ... منك على نأي دارك الثقل
# هل لك فيما ملكت نافلة ... تأخذه جملة وترتحل
# وقال أعرابي: [وافر]
# كأني عند حمزة في مقامي ... ألا حييت عنا يا مدينا
# بلينا عنده حتى كأنا ... ألا هبي بصحنك فاصبحينا «4»
# وقال آخر: [متقارب] «5»
# ثقيل يطالعنا من أمم ... إذا سره رغم أنفي ألم
# لطلعته وخرة في الحشا ... كوخز المشارط في المحتجم
# أقول له إذ بدا طالعا ... ولا حملته إلينا قدم
# فقدت خيالك لا من عمى ... وأذني كلامك لا من صمم
# قال سهيل بن عبد العزيز: من ثقل عليك بنفسه وغمك في سؤاله فألزمه
# PageV01P429
# أذنا صماء وعينا عمياء.
# وكتب بعض الكتاب في فصل من كتابه: ما آمن نزغ مستميح حرمته، وطالب حاجة
~~وددته، ومثابر ثقيل حجبته، أو منبسط ناب قبضته، ومقبل بعنانه علي لويت عنه،
~~فقد فعلت هذا بمستحقين وبتعذر الحال، فتثبت رحمك الله، ولا تطع كل حلاف
~~مهين.
# وقال بعض المحدثين للخليل: [متقارب]
# خرجنا نريد غزاة لنا ... وفينا زياد أبو صعصعه
# فستة رهط به خمسة ... وخمسة رهط به أربعه
### | باب البناء والمنازل
# الهيثم بن عدي عن مجالد عن الشعبي قال: قال السائب بن الأقرع لرجل من
~~العجم: أخبرني عن مكان من القرية لا يخرب حتى أستقطع ذلك الموضع، فقال له:
~~ما بين الماء إلى دار الإمارة، فاختط لثقيف ذلك الموضع، قال الهيثم بن عدي:
~~فبت عندهم فإذا ليلهم بمنزلة النهار.
# وقال قائل في الدار: ليكن أول ما تبتاع وآخر ما تبيع.
# وقال يحيى بن خالد لابنه جعفر حين اختط داره ليبنيها: هي قميصك فإن شئت
~~فوسعه، وإن شئت فضيقه. وأتاه وهو يبني داره التي ببغداد بقرب الدور، وإذا
~~هم يبيضون حيطانها فقال: إعلم أنك تغطي الذهب بالفضة، فقال جعفر: ليس في كل
~~مكان يكون الذهب أنفع من الفضة، ولكن هل ترى عيبا؟ قال: نعم، مخالطتها دور
~~السوقة.
# دخل ابن التوءم على بعض البصريين وهو يبني دارا كثيرة الذرع،
# PageV01P430
# واسعة الصحن، رفيعة السمك، عظيمة الأبواب، فقال: إعلم أنك قد ألزمت نفسك
~~مؤنة لا تطاق، وعيالا لا يحتمل مثلهم، ولا بد لك من الخدم والستور والفرش
~~على حسب ما ابتليت به نفسك، وإن لم تفعل هجنت رأيك.
# وقرأت في كتاب الآيين أنه كان يستقبل بفراش الملك ومجلسه المشرق، أو
~~يستقبل بهما مهب الصبا، وذلك أن ناحية المشرق وناحية الصبا يوصفان بالعلو
~~والارتفاع، وناحية الدبور وناحية المغرب يوصفان بالفضيلة والانخفاض، وكان
~~يستقبل بصدور إيوانات الملك المشرق أو مهب الدبور، ويستقبل بصدور الخلاء
~~وما فيه من المقاعد مهب الصبا، لأنه يقال: إن استقبال الصبا في موضع الخلاء
~~آمن من سحر السحرة ومن ريح الجنة.
# وكان عمر يقول: على كل خائن أمينان: الماء والطين. ومر ببناء يبنى بآجر
~~وجص فقال: لمن هذا؟ قالوا: لفلان، فقال: تأبى الدراهم إلا أن تخرج أعناقها،
~~وشاطره ماله.
# أبو الحسن قال: لما بلغ عمر أن سعدا وأصحابه قد بنوا بالمدر «1» قال:
# قد كنت أكره لكم البنيان بالمدر، فأما إذ قد فعلتم فعرضوا الحيطان،
~~وأطيلوا السمك، وقاربوا بين الخشب. وقيل ليزيد بن المهلب: لم لا تبني
~~بالبصرة دارا؟ فقال: لأني لا أدخلها إلا أميرا أو أسيرا، فإن كنت أسيرا
~~فالسجن داري، وإن كنت أميرا فدار الإمارة داري. وقال: الصواب أن تتخذ الدور
~~بين الماء والسوق، وأن تكون الدور شرقية والبساتين غربية.
# قال بعض الشعراء: [سريع]
# بنو عمير مجدهم دارهم ... وكل قوم لهمو مجد
# PageV01P431
# وقال آخر لأبي محمد اليزيدي: [سريع]
# قومي خيار غير ما أنهم ... صولتهم منهم على جارهم
# ليس لهم مجد سوى مسجد ... به تعدوا فوق أطوارهم
# لو هدم المسجد لم يعرفوا ... يوما ولم يسمع بأخبارهم
# وقال رجل من خزاعة: [مجزوء الكامل]
# فخر المسيب بالمناره ... ومناره برحا «1» عماره
# فإذا تفاخرت القبا ... ئل من تميم أو فزاره
# حفلت عليك شيوخ ضب ... بة بالمسيب والمناره
# مر رجل من الخوارج بدار تبنى فقال: من هذا الذي يقيم كفيلا؟.
# وقالوا: كل مال لا يخرج بخروجك ولا يرجع برجوعك ولا ينتقل في الوجوه
~~بانتقالك فهو كفيل.
# وقالت الحكماء من الروم: أصلح مواضع البنيان أن يكون على تل أو كبس «2»
~~وثيق ليكون مطلا، وأحق ما جعلت إليه أبواب المنازل وأفنيتها وكواؤها المشرق
~~واستقبال الصبا، فإن ذلك أصلح للأبدان لسرعة طلوع الشمس وضوئها عليهم.
# ومن حسن التشبيه في البناء قول علي بن الجهم: [متقارب]
# صحون تسافر فيها العيون ... وتحسر عن بعد أقطارها
# وقبة ملك كأن النجو ... م تصغي إليها بأسرارها
# PageV01P432
# وفوارة ثأرها في السماء ... فليست تقصر عن ثارها
# إذا أوقدت نارها بالعراق ... أضاء الحجاز سنا نارها
# ترد على المزن ما أنزلت ... على الأرض من صوب أقطارها
# لها شرفات كأن الربيع ... كساها الرياض بأنوارها
# فهن كمصطحبات خرجن ... لفصح النصارى وإفطارها
# فمن بين عاقصة شعرها ... ومصلحة عقد زنارها
# وقال الوليد بن كعب «1» : [طويل]
# بكت دار بشر شجوها أن تبدلت ... هلال بن عياد ببشر بن غالب
# وما هي إلا مثل عرس «2» تنقلت ... على رغمها من هاشم في محارب
# وقال آخر: [وافر]
# ألم تر حوشبا أمسى يبني ... قصورا نفعها لبني بقيله
# يؤمل أن يعمر عمر نوح ... وأمر الله يحدث كل ليله «3»
# كان ملك بن أسماء يهوى جارية من بني أسد وكانت تنزل خصا «4» وكانت دار
~~مالك مبنية بآجر فقال: [كامل]
# يا ليت لي خصا يجاورها ... بدلا بداري في بني أسد
# الخص فيه تقر أعيننا ... خير من الآجر والكمد
# حدثنا محمد بن خالد بن خداش عن أبيه قال: حدثنا إسحاق بن
# PageV01P433
# الفرات قاضي مصر عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال: قال سليمان بن
~~داود لابنه: يا بني، إن من ضيق العيش شراء الخبز من السوق، والنقلة من منزل
~~إلى منزل.
# بلغني أن رجلا من الزهاد مر في زورق، فلما نظر إلى بناء المأمون وأبوابه
~~صاح: واعمراه! فسمعه المأمون فدعا به فقال: ما قلت؟ قال: رأيت بناء
~~الأكاسرة فقلت ما سمعت، قال المأمون: أرأيت لو تحولت من هذه المدينة إلى
~~إيوان كسرى بالمدائن هل كان لك أن تعيب نزولي هناك؟ قال:
# لا، قال: فأراك إنما عبت إسرافي في النفقة، قال: نعم، قال: فلو وهبت قيمة
~~هذا البناء لرجل أكنت تعيب ذلك؟ قال: لا، قال: فلو بنى هذا الرجل بما كنت
~~أهب له بناء أكنت تصيح به كما صحت بي؟ قال: لا، قال: فأراك إنما قصدتني
~~لخاصتي في نفسي لا لعلة هي في غيري، ثم قال له: هذا البناء ضرب من مكايدنا
~~نبنيه ونتخذ الجيوش ونعد السلاح والكراع وما بنا إلى أكثره حاجة، فلا تعودن
~~إلي فتمسك عقوبتي، فإن الحفيظة ربما صرفت ذا الرأي إلى هواه، فاستعمله.
### | باب المزاح والرخص فيه
# قال: حدثنا محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن هشام بن عروة عن أبي
~~سلمة قال: أخبرتني عائشة أنها سابقت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر
~~فسبقته في سفر آخر فسبقها وقال: «هذه بتلك» .
# حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع قال: كان أبو هريرة على المدينة خليفة
~~لمروان، فربما ركب حمارا قد شد عليه برذعة «1» وفي رأسه حلية فيلقى
# PageV01P434
# الرجل فيقول: الطريق، قد جاء الأمير، وربما دعاني إلى عشائه بالليل
~~فيقول:
# دع العراق «1» للأمير، فأنظر فإذا هو ثريد «2» لزيت؟؟؟.
# قال: حدثني محمد بن مرزوق عن زاجر بن الصلت الطاحى عن سعيد ابن عثمان
~~قال: قال الشعبي لخياط مر به: عندنا حب مكسور تخيطه؟ فقال الخياط: إن كان
~~عندك خيوط من ريح.
# حدثني بهذا الإسناد قال: دخل رجل على الشعبي ومعه في البيت امرأة فقال:
~~أيكم الشعبي؟ قال الشعبي: هذه. وسئل الشعبي عن لحم الشيطان فقال: نحن نرضى
~~منه بالكفاف، قال: فما تقول في الذبان؟ قال: إن اشتهيته فكله.
# قال خالد بن صفوان للفرزدق وكان يمازحه: ما أنت يا أبا فراس بالذي لما
~~رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن، قال: ولا أنت يا أبا صفوان بالذي قالت فيه
~~الفتاة «3» لأبيها: يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين
# «4» .
# حماد بن زيد عن غالب أنه سأل ابن سيرين عن هشام بن حسان قال:
# توفي البارحة، أما شعرت؟ فجزع واسترجع، فلما رأى ابن سيرين جزعه قرأ الله
~~يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها
# «5»
# PageV01P435
# مر بالشعبي حمال على ظهر دن خل، فلما رآه وضع الدن وقال: ما كان اسم
~~امرأة إبليس؟ فقال الشعبي: ذاك نكاح ما شهدناه.
# حدثني محمد بن عبد العزيز عن الأصبهاني عن يحيى بن أبي زائدة عن الأعمش
~~قال: عادني إبراهيم فنظر إلى منزلي فقال: أما أنت فتعرف في منزلك أنك لست
~~من أهل القريتين عظيم.
# وروى وكيع عن ربيعة عن الزهري عن وهب بن عبد بن زمعة قال:
# قالت أم سلمة: خرج أبو بكر في تجارة ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة، وكانا
~~شهدا بدرا «1» ، وكان نعيمان على الزاد فقال له سويبط وكان مزاحا: أطعمني،
~~فقال: حتى يجيء أبو بكر، فقال: أما والله لأغيظنك، فمروا بقوم فقال لهم
~~سويبط: أتشترون مني عبدا لي؟ قالوا: نعم، قال: إنه عبد له كلام وهو قائل
~~لكم: إني حر، فإن كنتم إذا قال لكم هذه المقالة تركتموه فلا تفسدوا علي
~~عبدي، فقالوا: بل نشتريه منك بعشر قلائص»
# ، ثم جاءوا فوضعوا في عنقه حبلا وعمامة واشتروه، فقال نعيمان: إن هذا
~~يستهزىء بكم وإني حر، قالوا: قد أخبرنا بخبرك، وانطلقوا به، وجاء أبو بكر
~~فأخبروه فأتبعهم فرد
# PageV01P436
# عليهم القلائص وأخذه، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه
~~فضحك هو وأصحابه منهما حولا.
# حدثني محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي عن
~~أبي عوانة عن قتادة أن عدي بن أرطاة تزوج بالكوفة وشرط لها دارها فأراد أن
~~ينقلها فخاصمته إلى شريح، فقال: أين أنت أصلحك الله؟
# قال: بينك وبين الحائط، قال: إني رجل من أهل الشام، قال: بعيد سحيق، قال:
~~إني تزوجت امرأة، قال: بالرفاء والبنين، قال: وولدت غلاما، قال:
# فليهنئك الفارس، قال: وشرطت لها دراها، قال: الشرط أملك، قال: إقض بيننا،
~~قال: قد قضيت، قال: بمه؟ قال شريح: «حدث امرأة حديثين فإن أبت فاربع «1» »
~~قال لي المحدث: فأربعة، وإنما هو فأربع أي كف وأمسك.
# وتقدم رجلان إلى شريح في خصومة فأقر أحدهما بما يدعي الآخر عليه وهو لا
~~يعلم، فقضى عليه شريح، فقال الرجل: أتقضي علي بغير بينة؟ فقال:
# قد شهد عندي ثقة، قال: ومن هو؟ قال: ابن أخت خالتك.
# كان ابن سيرين ينشد: [بسيط]
# نبئت أن فتاة كنت أخطبها ... عرقوبها مثل شهر الصوم في الطول
# وقال أيضا: [طويل]
# لقد أصبحت عرس الفرزدق ناشزا ... ولو رضيت رمح استه لاستقرت
# وكان ابن سيرين يضحك حتى يسيل لعابه.
# PageV01P437
# المدائني قال: قال عمرو بن العاص لمعاوية: إني رأيت البارحة في المنام
~~كأن القيامة قد قامت ووضعت الموازين وأحضر الناس للحساب، فنظرت إليك وأنت
~~واقف قد ألجمك العرق، وبين يديك صحف كأمثال الجبال، فقال معاوية: فهل رأيت
~~شيئا من دنانير مصر؟.
# كان معن بن زائدة ظنينا في دينه، فبعث إلى ابن عياش المنتوف بألف دينار،
~~وكتب إليه: قد بعثت إليك بألف دينار اشتريت بها دينك، فاقبض المال واكتب
~~إلي بالتسليم، فكتب إليه: قد قبضت الدنانير وبعتك بها ديني خلا التوحيد لما
~~عرفت من زهدك فيه.
# قال الرشيد ليزيد بن مزيد: ما أكثر الخلفاء من ربيعة! فقال يزيد:
# أجل، ولكن منابرهم الجذوع.
# قال بلال بن أبي بردة لابن أبي علقمة: إنما دعوتك لأسخر منك، فقال له ابن
~~أبي علقمة: لئن قلت ذاك لقد حكم المسلمون رجلين سخر أحدهما من الآخر.
# كان يقال: السباب مزاح النوكى «1» . وقال الشاعر: [طويل]
# أخو الجد إن جاددت أرضاك جده ... وذو باطل إن شئت ألهاك باطله
# وقال مسعر «2» بن كدام لابنه: [كامل]
# ولقد حبوتك يا كدام نصيحتي ... فاسمع لقول أب عليك شفيق
# PageV01P438
# أما المزاحة والمراء فدعهما ... خلقان لا أرضاهما لصديق
# ولقد بلوتهما فلم أحمدهما ... لمحاور جار ولا لرفيق
# وقال الكميت «1» : [طويل]
# وفي الناس أقذاع ملاهيج بالخنا ... متى يبلغ الجد الحفيظة يلعبوا
# ومما يقارب هذا قول بعض المحدثين: [طويل]
# أراني سأبدي عند أول سكرة ... هواي لفضل في خفاء وفي ستر
# فإن رضيت كان الرضا سبب الهوى ... وإن غضبت حملت ذنبي على السكر
# وقال الراعي «2» - في نحو هذا يصف نساء-: [طويل]
# يناجيننا بالطرف دون حديثنا ... ويقضين حاجات وهن موازح
# عرض بعض الأمراء على رجل عملين ليختار أحدهما فيوليه، فقال:
# «كلاهما وتمرا» ، فقال: أعندي تمزح! لا وليت لي عملا.
# وقال عمر بن الخطاب: من كثر ضحكه قلت هيبته. وقال علي: إذا ضحك العالم
~~ضحكة مج من العلم مجة. وقال أكثم: «المزاحة تذهب المهابة» .
# الهيثم عن عوانة الكلبي قال: دخل الأخطل على عبد الملك بن مروان وهو
~~مغموم وعنده رجل كان يحسده الأخطل ويقارضه، فقال الأخطل: يا أمير المؤمنين،
~~عهدي بأبي هذا الفتى وهو سيدنا معشر بني جشم، وشيخنا الذي نصدر عن رأيه،
~~فاهتز لها الفتى وقال: يا أمير المؤمنين، هو أعلم بنا قديما
# PageV01P439
# وحديثا، قال الأخطل: إن أباه أمرنا ذات يوم وقد نورت الرياض أن نخرج إلى
~~روضة في ظهر بيوت الحي فنتحدث فيها، فخرجنا وانبسطنا لعبا، وخرج الرجل منا
~~بالبكرة الكوماء «1» وبالخروف والجدي، وقام الفتيان فاجتزروا واشتووا ودارت
~~السقاة علينا، فبينما نحن كذلك رعف أبوه فما تركنا في الحي روثة حمار إلا
~~نشقناه إياها فلم يرقأ «2» دمه، فقال لنا شيخ: شدوا خصي الشيخ عصبا، ففعلنا
~~ذلك فرقأ الدم، فوالله ما دارت الكأس إلا دورة حتى أتانا الصريخ عن أمه
~~أنها قد رعفت، فبادرنا إليها، فوالله ما درينا ما نعصب منها حتى خرجت
~~نفسها، وعبد الملك يفحص برجليه ضحكا، والفتى يقول:
# كذب والله، فقال عبد الملك: ألم تزعم أنه أعلم الناس بقديمكم وحديثكم!.
# حدثني أحمد بن عمرو وقال: كان رجل من الفقهاء في طريق مكة، فرأى، وهو
~~محرم، يربوعا «3» فرماه بعصا كانت في يده فقتله، فقال الجمال:
# ألست محرما؟ قال: بلى وما كانت بي إلى رميه حاجة إلا أن تعلم أن إحرامي
~~لا يمنعني من ضربك.
# قال: وكان الأعمش يقول: من تمام الحج ضرب الجمال.
# المدائني قال: كان نعيمان رجلا من الأنصار وشهد بدرا وجلده النبي عليه
~~السلام في الخمر أربع مرات، فمر نعيمان بمخرمة بن نوفل وقد كف بصره فقال:
~~ألا رجل يقودني حتى أبول، فأخذ بيده نعيمان، فلما بلغ مؤخر المسجد قال:
~~هاهنا
# PageV01P440
# فبل، فبال فصيح به، فقال: من قادني؟ قيل: نعيمان، قال: لله علي أن أضربه
~~بعصاي هذه، فبلغ نعيمان فأتاه فقال له: هل لك في نعيمان؟ فقال: نعم، فقال:
# قم، فقام معه فأتى به عثمان بن عفان وهو يصلي، فقال: دونك الرجل، فجمع
~~يديه في العصا ثم ضربه، فقال الناس: أمير المؤمنين، فقال: من قادني؟ قالوا:
~~نعيمان، قال: لا أعود إلى نعيمان أبدا.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال: قلت لخارجة بن
~~زيد: هل كان الغناء يقام في العرسات؟ «1» قال: قد كان ذاك، ولا يحضر بما
~~يحضر اليوم من السفه، دعانا أخوالنا بنو نبيط في مدعاة لهم فشهد المدعاة
~~حسان بن ثابت وابنه عبد الرحمن وأنا، وجاريتان تغنيان: [منسرح]
# أنظر خليلي بباب جلق «2» هل ... تؤنس دون البلقاء من أحد؟
# فبكى حسان وقد كف بصره، وجعل عبد الرحمن يومىء إليهما أن زيدا، فلا أدري
~~ماذا يعجبه من أن تبكيا أباه، ثم جيء بالطعام، فقال حسان:
# أطعام يد أم طعام يدين؟ فقالوا: طعام يد، يريدون الثريد «3» فأكل، ثم أتي
~~بطعام آخر فقال: أطعام يد أم طعام يدين؟ قالوا: طعام يدين، يعنون الشواء
~~فكف.
# حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: كان طويس يتغنى في عرس،
# PageV01P441
# فدخل النعمان ابن بشير العرس وطويس «1» يقول: [متقارب]
# أجد بعمرة «2» غنيانها ... فتهجر أم شأنها شانها
# وعمرة أم النعمان، فقيل له: أسكت أسكت، فقال النعمان: إنه لم يقل بأسا
~~وإنما قال: [متقارب]
# وعمرة من سروات النسا ... تنفح بالمسك أردانها «3»
# حدثني يزيد بن عمرو قال: حدثنا الحجاج بن نصير قال: حدثنا شعبة عن قتادة
~~عن أبي العالية أنه كان مع ابن عباس وهو محرم، فقال ابن عباس: [رجز]
# وهن يمشين بنا هميسا ... إن تصدق الطير ننل «4» لميسا
# فقالوا: تقول الرفث «5» وأنت محرم يا ابن عباس! فقال: إنما الرفث عند
~~النساء.
# قال جابر الجعفي: رأيت الشعبي خارجا من الكوفة فقلت له: أين؟
# قال: انظر إلى الفيل.
# حدثني أبو الخطاب قال: حدثنا سلم بن قتيبة قال: حدثنا شريك عن جابر
~~الجعفي عن عكرمة فقال: ختن ابن عباس بنيه فأرسلني فدعوت اللعابين فلعبو
~~فأعطاهم أربعمائة درهم.
# PageV01P442
# حدثني شيخ لنا من أهل المدينة قال: ولي الأوقص المخزومي قضاء مكة فما رئي
~~مثله في العفاف والنبل، فبينا هو نائم ذات ليلة في جناح له مر به سكران
~~يتغنى، فأشرف عليه فقال له: يا هذا، شربت حراما، وأيقظت نواما، وغنيت خطأ،
~~خذ عني فأصلحه له. وقال الأوقص قالت لي أمي: يا بني، إنك خلقت خلقة لا تصلح
~~معها لمجامعة الفتيان في بيوت القيان، إنك لا تكون مع أحد إلا تخطتك إليه
~~العيون، فعليك بالدين فإنه يرفع الخسيسة ويتم النقيصة، فنفعني الله بكلامها
~~فبلغت القضاء.
# قال عبد الله بن جعفر لرجل: لو غنتك فلانة جاريتي صوت كذا ما أدركت زكاتك
~~«1» .
# حدثني شيخ لنا عن سلم بن قتيبة عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن
~~زيد بن أسلم عن أبيه قال: مر بي عمر، وأنا وعاصم بن عمر نتغنى غناء النصب،
~~فقال: أعيدا، فأعدنا، فقال: مثلكما مثل حماري العبادي، قيل له: أي حماريك
~~أشر؟ قال: هذا ثم هذا.
# وحدثني أيضا عن ابن عاصم عن ابن جريج قال: سألت عطاء عن القراءة على
~~ألحان الغناء والحداء فقال: وما بأس، لقد حدثني عبيد بن عمير الليثي قال:
~~كانت لداود نبي الله معزفة يضرب بها إذا قرأ الزبور، فكان إذا قرأ اجتمع
~~إليه الإنس والجن والطير فبكى وأبكى من حوله. وقال لي غيره: ولهذا قيل:
~~مزامير داود، كأنه أغاني داود.
# خرج أبو معاوية الضرير يوما على أصحابه فقال:
# PageV01P443
# [مجزوء الرمل]
# وإذا المعدة جاشت ... فارمها بالمنجنيق
# بثلاث من نبيذ ... ليس بالحلو الرقيق
# النوشجاني قال: حدثني محمد بن سابق قال: حدثنا مالك بن مغول عن أبي حصين
~~قال: شرب الأسود فقال: لو سقيتموني آخر لغنيت.
# حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا أبو أسامة عن مجالد عن الشعبي عن عمه قال:
~~صحبت ابن مسعود حولا من رمضان إلى رمضان لم يصم يوما واحدا، فأهمني ذلك
~~وسألت عنه، ولم أره صلى الضحى حتى خرج من بين أظهرنا.
# قال: حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم عن مهدي ابن ميمون
~~قال: كان أبو صادق لا يتطوع من السنة بصوم يوم، ولا يصلي ركعة سوى الفريضة
~~قبلها ولا بعدها، وكان به من الورع شيء عجيب.
# حدثني الزيادي قال: قال حماد بن زيد عن أيوب قال: دخلت على رجل من
~~الفقهاء وهو يلعب بالشطرنج.
# وحدثني الزيادي قال: حدثنا حماد بن زيد عن هشام بن حسان قال:
# سئل ابن سيرين عن اللعب بالشطرنج فقال: لا بأس به هو رفق.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن معتمر قال: قال أبي: ترون أن الشطرنج «1»
~~وضعت على أمر عظيم؟.
# قال: وحدثنا الأصمعي عن ابن أبي زائدة عن إسماعيل بن أبي خالد قال: كان
~~قيس بن أبي حازم في مدعاة فقال لصاحب المنزل: طير.
# PageV01P444
# حدثني شبابة قال: حدثني القاسم بن الحكم العرني قال: حدثني سليم مولى
~~الشعبي أن الشعبي كان إذا اختضب غرض «1» لاعب ابنته بالنرد حتى يعلق
~~الخضاب.
# حدثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا النضر بن شميل قال؛ حدثنا شعبة عن عبد
~~ربه قال: سمعت سعيد بن المسيب وسئل عن اللعب بالنرد فقال: إذا لم يكن قمارا
~~فلا يأس.
# حدثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا الفضل بن موسى عن رشدين بن كريب قال:
~~رأيت عكرمة أقيم قائما على اللعب بالنرد. قال إسحاق: إن كان لعبه على غير
~~معنى القمار يريد به التعليم والمكايدة فهو مكروه، ولا يبلغ ذلك إسقاط
~~شهادته.
# وروى عبد الملك بن عمير عن إبراهيم بن محمد قال: أخبرني أبي قال: رأيت
~~أبا هريرة يلعب مع أبي بأربعة عشر على ظهر المسجد.
# حدثني محمد بن عبيد قال: حدثني علي بن عاصم عن أبي إسحاق الشيباني عن
~~خوات التميمي عن الحارث بن سويد قال: أتى عبد الله بن مسعود رجل فقال: يا
~~أبا عبد الرحمن، إن لي جارا يربي وما يتورع من شيء أصابه، وإني أعسر
~~فأستسلفه، ويدعوني فأجيبه، فقال: كل فلك مهنؤه وعليه وزره.
# كان أبو فضاله أسن وشقت عليه الصلاة، فكان يقول: مشقية منصبة، مقيمة
~~مقعدة، لا تزال بصاحبها حتى يضع أكرمه ويرفع أفحشه.
# PageV01P445
# قال عبد الله بن القعقاع «1» الأسدي: [طويل]
# أتانا بها صفراء يزعم أنها ... زبيب، فصدقناه وهو كذوب
# فهل هي إلا ليلة غاب نحسها ... أصلي لربي بعدها وأتوب؟
# وقال آخر: [بسيط]
# من ذا يحرم ماء المزن خالطه ... في جوف آنية ماء العناقيد
# إني لأكره تشديد الرواة لنا ... فيها ويعجبني قول ابن مسعود
# وعيون الأخبار ومتخير الشعر في الشراب يقع في كتابي المؤلف في الأشربة،
~~ولذلك تركت ذكرها.
# وكتب بعض الكتاب إلى صديق له في فصل: ونحن نحمد الله إليك فإن عقدة
~~الإسلام في قلوبنا صحيحة، وأواخيه ثابتة، ولقد اجتهد قوم أن يدخلوا قلوبنا
~~من مرض قلوبهم، وأن يلبسوا يقيننا بشكهم، فمنعتنا عصمة الله منهم، وحال
~~توفيقه دونهم، ولنا بعد مذهب في الدعابة جميل، لا يشوبه أذى ولا قذى، يخرج
~~إلى الأنس من العبوس، وإلى الاسترسال من القطوب، ويلحقنا بأحرار الناس
~~وأشرافهم الذين ارتفعوا عن لبسة الرياء والتصنع.
### | التوسط في الأشياء وما يكره من التقصير فيها والغلو. باب التوسط في الدين
# حدثني الزيادي قال: حدثنا عبد العزيز الدراوردي قال: حدثني محمد ابن
~~طحلاء عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة قالت: قال النبي صلى الله عليه
~~وسلم:
# PageV01P446
# «اكلفوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أفضل العمل
~~أدومه وإن قل» .
# حدثني محمد بن يحيى القطعي قال: حدثنا محمد بن علي بن مقدم عن معن
~~الغفاري عن المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
~~«إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا» .
# حدثني القومسي عن أحمد بن يونس عن زهير عن قابوس عن أبيه عن ابن عباس
~~قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدين الحسن والسمت الصالح
~~والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة» .
# حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن خالد الحذاء عن
~~أبي قلابة عن مسلم بن يسار أن رفقة من الأشعريين كانوا في سفر، فلما قدموا
~~قالوا: يا رسول الله، ليس أحد بعد رسول الله أفضل من فلان، يصوم النهار،
~~فإذا نزلنا قام يصلي حتى نرتحل، قال: «من كان يمهن له أو يكفيه أو يعمل
~~له؟» قالوا: نحن، قال: «كلكم أفضل منه» .
# وروى أبو معاوية عن عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي عليه
~~السلام قال: خياركم كل مفتن تواب. وقال علي أيضا: خير هذه الأمة النمط
~~الأوسط، يرجع إليهم الغالي ويلحق بهم التالي.
# وروى وكيع عن محمد بن قيس عن عمرو بن مرة قال: قال حذيفة:
# خياركم الذين يأخذون من دنياهم لآخرتهم، ومن آخرتهم لدنياهم. وكان يقال:
~~دين الله بين المقصر والغالي. وقال المطرف لابنه: يا بني، الحسنة بين
# PageV01P447
# السيئتين، يعني بين الإفراط والتقصير، وخير الأمور أوساطها، وشر السير
~~الحقحقة «1» .
# وفي بعض الحديث المرفوع: ليس خيركم من ترك الدنيا للآخرة ولا الآخرة
~~للدنيا ولكن خيركم من أخذ من هذه وهذه» . وقال: «إن الله بعثني بالحنيفية
~~السهلة، ولم يبعثني بالرهبانية المبتدعة، سنتي الصلاة والنوم، والإفطار
~~والصوم، فمن رغب عن سنتي فليس مني» . وفي الحديث: إن هذا الدين متين فأوغل
~~فيه برفق، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» .
# وكان يقال: طالب العلم وعامل البر كآكل الطعام إن أخذ منه قوتا عصمه، وإن
~~أسرف في الأخذ منه بشمه «2» ، وربما كانت فيه منيته، وكآخذ الأدوية التي
~~قصدها شفاء، ومجاوزة القدر فيها السم المميت.
# حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن سالم بن أبي حفصة أن
~~ابن أبي نعم كان يهل من السنة إلى السنة ويقول في تلبيته:
# لبيك «3» ، لو كان رياء لاضمحل.
# حدثني أحمد بن الخليل قال: حدثنا موسى بن مسعود عن سفيان عن أبي إسحاق
~~قال: قال عمر بن ميمون: لو أدرك أصحابنا محمد بن أبي نعم لرجموه، كان يواصل
~~كذا وكذا يوما ويهل بالحج إذا رجع الناس من الحج.
# وقال سلمان: القصد والدوام وأنت السابق الجواد. وفي بعض الحديث أن عيسى
~~بن مريم لقي رجلا فقال: ما تصنع؟ قال: أتعبد. قال: من يعود عليك؟ قال: أخي،
~~قال: أخوك أعبد منك.
# PageV01P448
# روح بن عبادة عن الحجاج بن الأسود قال: من يدلني على رجل بكاء بالليل
~~بسام بالنهار؟.
# وروى أبو أسامة عن حماد بن زيد عن إسحاق بن سويد قال: قال مطرف: أنظروا
~~قوما إذا ذكروا ذكروا بالقراءة فلا تكونوا منهم، وانظروا قوما إذا ذكروا
~~ذكروا بالفجور فلا تكونوا منهم. كونوا بين هؤلاء وهؤلاء.
### | باب التوسط في المداراة والحلم
# قرأت في كتاب للهند: بعض المقاربة حزم، وكل المقاربة عجز، كالخشبة
~~المنصوبة في الشمس تمال فيزيد ظلها، ويفرط في الإمالة فينقص الظل. ومن
~~أمثال العرب في هذا: «لا تكن حلوا فتسترط «1» ولا مرا فتلفظ» وأبو زيد
~~يقول: ولا مرا فتعقى «2» ، يقال: أعقى الشيء إذا اشتدت مرارته.
# وقال الشاعر: [طويل]
# وإني لصعب الرأس غير جموح
# وقال آخر في صفة قوس: [رجز]
# في كفه معطية منوع
# وقال آخر: [رجز]
# شريانة تمنع بعد اللين
# وقال أبرويز لابنه: إجعل لاقتصادك السلطان على إفراطك، فإنك إذا
# PageV01P449
# قدرت الأمور على ذلك وزنتها بميزان الحكمة وقومتها تقويم الثقاف، ولم
~~تجعل للندامة سلطانا على الحلم.
# وقال النابغة «1» الجعدي: [طويل]
# ولا خير في حلم إذا لم تكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
# وقال آخر: [طويل]
# ولا خير في عرض امرىء لا يصونه ... ولا خير في حلم امرىء ذل جانبه
# وقال أكثم بن صيفي: الانقباض من الناس مكسبة للعداوة، وإفراط الأنس مكسبة
~~لقرناء السوء.
### | باب التوسط في العقل والرأي
# روي في الحديث أن زياد بن أبي سفيان كان كاتبا لأبي موسى الأشعري فعزله
~~عمر عن ذلك، فقال له زياد: أعن عجز عزلتني يا أمير المؤمنين أم عن خيانة؟
~~فقال: لا عن ذاك ولا عن هذا، ولكني كرهت أن أحمل على العامة فضل عقلك.
~~ويقال: إفراط العقل مضر بالجد «2» . ومن الأمثال المبتذلة:
# إستأذن العقل على الجد فقال: إذهب لا حاجة بي إليك. وقال الشاعر: [وافر]
# فعش في جد أنوك حالفته ... مقادير يساعدها الصواب
# وقال آخر: [سريع]
# إن المقادير إذا ساعدت ... ألحقت العاجز بالحازم «3»
# PageV01P450
# وقال آخر: [طويل]
# أرى زمنا نوكاه أسعد أهله ... ولكنه يشقى به كل عاقل
# وقال الحسن: تشبه زياد بعمر وأفرط، وتشبه الحجاج بزياد فأهلك الناس. وقال
~~الحكماء: فضل الأدب في غير دين مهلكة. وفضل الرأي إذا لم يستعمل في رضوان
~~الله ومنفعة الناس قائد إلى الذنوب، والحفظ الزاكي الواعي لغير العلم
~~النافع مضر بالعمل الصالح، والعقل غير المورع عن الذنوب خازن الشيطان.
# تنازع اثنان: أحدهما سلطاني والآخر سوقي، فضربه السلطاني فصاح:
# واعمراه! ورفع خبره إلى المأمون فأمر بإدخاله عليه، قال: من أين أنت؟
~~قال:
# من أهل فامية «1» ، إن عمر بن الخطاب كان يقول: من كان جاره نبطيا واحتاج
~~إلى ثمنه فليبعه، فإن كنت تطلب سيرة عمر فهذا حكمه فيكم، وأمر له بألف
~~درهم.
### | باب ذم فضل الأدب والقول
# قيل لبعض الحكماء: متى يكون الأدب شرا من عدمه؟ قال: إذا كبر الأدب ونقص
~~العقل. وكانوا يكرهون أن يزيد منطق الرجل على عقله.
# ويقال: من لم يكن عقله أغلب خصال الخير عليه كان حتفه في أغلب خصال الخير
~~عليه. وقال الشاعر: [متقارب]
# رأيت اللسان على أهله ... إذا ساسه الجهل ليثا مغيرا
# PageV01P451
# وقال سليمان بن عبد الملك: زيادة منطق على عقل خدعة، وزيادة عقل على منطق
~~هجنة، وأحسن من ذاك ما زين بعضه بعضا.
# قال ضرار بن عمرو لابنته حين زوجها: أمسكي عليك الفضلين: فضل الغلمة وفضل
~~الكلام.
# وقال عمر بن الخطاب رحمه الله: رحم الله امرأ أمسك فضل القول وقدم فضل
~~العمل.
# نزل المنذر بن المنذر في كتيبة موضعا، فقال له رجل: أبيت «1» اللعن إن
~~ذبح رجل هاهنا، إلى أي موضع يبلغ دمه من هذه الرابية؟ فقال المنذر:
# المذبوح والله أنت، ولأنظرن أين يبلغ دمك، فقال رجل «2» ممن حضر: «رب
~~كلمة تقول لصاحبها دعني» .
# قال زياد على المنبر: إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يقطع بها ذنب عنز مصور
~~ولو بلغت إمامه سفكت دمه. وقال أكثم بن صيفي: مقتل الرجل بين فكيه. وقال
~~الأحنف: حتف الرجل مخبوء تحت لسانه.
### | باب التوسط في الجدة
# كان دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أعوذ بك من غنى مبطر
~~ومن فقر ملب أو مرب «3» ، وكذلك اللهم لا غنى يطغي ولا فقرا ينسي.
# وقال أبو المعتمر السلمي: الناس ثلاثة أصناف: أغنياء وفقراء وأوساط،
# PageV01P452
# فالفقراء موتى إلا من أغناه الله بعز القناعة، والأغنياء سكارى إلا من
~~عصمه الله بتوقع الغير، وأكثر الخير مع أكثر الأوساط وأكثر الشر مع الفقراء
~~والأغنياء لسخف الفقر وبطر الغنى. ومن أمثال العرب في هذا: «بين الممخة «1»
~~والعجفاء» .
### | باب الإقتصاد في الإنفاق والإعطاء
# قال الله عز وجل: ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط
# «2» ، وقال عز وجل: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك
~~قواما
# «3» .
# حدثني أحمد بن الخليل عن مسلم بن إبراهيم عن سكين بن عبد العزيز عن
~~إبراهيم بن مسلم عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله
~~عليه وسلم: ما عال «4» مقتصد.
# وحدثني أيضا عن مسلم قال: حدثنا أبو قدامة الحارث بن عبيد قال:
# حدثنا برد بن سنان عن الزهري قال: قال أبو الدرداء: حسن التقدير في
~~المعيشة أفضل من نصف الكسب، ولقط حبا منثورا وقال: إن فقه الرجل رفقه في
~~معيشته.
# قال أبو الأسود لولده: لا تجاودوا الله فإنه أجود وأمجد، وإنه لو شاء أن
# PageV01P453
# يوسع على الناس كلهم حتى لا يكون محتاج لفعل، فلا تجهدوا أنفسكم في
~~التوسعة فتهلكوا هزلا.
# قيل لمحمد بن عمران قاضي المدينة- وهو من ولد طلحة بن عبيد الله-: إنك
~~تنسب إلى البخل، فقال: والله إني لا أحمد في الحق ولا أذوب في الباطل. وكان
~~يقال: لا تصن كثيرا عن حق ولا تنفق قليلا في باطل. ومن أمثال العرب في ذلك
~~«لا وكس ولا شطط» «1» و «إذا جد السؤال جد المنع» .
# وقال الشاعر: [طويل]
# إلا أكن كل الجواد فإنني ... على الزاد في الظلماء غير لئيم
# وإلا أكن كل الشجاع فإنني ... أرد سنان الرمح غير سليم
# وقد علمت عليا هوازن أنني ... فتاها وسفلى عامر وتميم
# قال معاوية: ما رأيت سرفا «2» قط إلا وإلى جانبه حق مضيع.
### | أفعال من أفعال السادة والأشراف
# حدثني الرياشي قال: حدثنا الأصمعي قال: حدثنا ابن عمران قاضي المدينة أن
~~طلحة كان يقال له: طلحة الخير، وطلحة الفياض، وطلحة الطلحات وأنه فدى عشرة
~~من أسارى بدر وجاء يمشي بينهم، وأنه سئل برحم فقال: ما سئلت بهذه الرحم قبل
~~اليوم، وقد بعت حائطا لي بتسعمائة ألف درهم وأنا فيه بالخيار، فإن شئت
~~ارتجعته وأعطيتكه، وإن شئت أعطيتك ثمنه.
# PageV01P454
# حدثني سهل بن محمد عن الأصمعي قال: أخبرني شيخ من مشيختنا،- وربما قال:
~~هارون الأعور- أن قتيبة بن مسلم قال: أرسلني أبي إلى ضرار بن القعقاع بن
~~معبد بن زرارة فقال: قل له قد كان في قومك دماء وجراح، وقد أحبوا أن تحضر
~~المسجد فيمن يحضر، قال: فأتيته فأبلغته فقال يا جارية: غديني، فجاءت بأرغفة
~~خشن فثردتهن في مريس «1» ثم برقتهن «2» فأكل. قال قتيبة: فجعل شأنه يصغر في
~~عيني ونفسي، ثم مسح يده وقال:
# الحمد لله، حنطة الأهواز وتمر الفرات وزيت الشام، ثم أخذ نعليه وارتدى،
~~ثم انطلق معي وأتى المسجد الجامع فصلى ركعتين ثم احتبى، فما رأته حلقة إلا
~~تقوضت إليه، فاجتمع الطالبون والمطلوبون فأكثروا الكلام، فقال: إلى ماذا
~~صار أمرهم؟ قالوا: إلى كذا وكذا من إبل، قال: هي علي، ثم قام.
# الهيثم عن ابن عباس قال: كان معد يكرب بن أبرهة جالسا مع عبد العزيز بن
~~مرون على سريره فأتي بفتيان قد شربوا الخمر، فقال: يا أعداء الله، أتشربون
~~الخمر! فقال معد يكرب: أنشدك الله أن لا تفضح هؤلاء، فقال:
# إن الحق في هؤلاء وفي غيرهم واحد، فقال معديكرب: يا غلام صب من شرابهم في
~~القدح، فصب له فشربه وقال: والله ما شرابنا في منازلنا إلا هذا.
# فقال عبد العزيز: خلوا عنهم، فقيل له حين انصرفوا: شربت الخمر! فقال:
# أما والله إن الله ليعلم أني لم أشربها قط في سر ولا علانية، ولكني كرهت
~~أن يفضح مثل هؤلاء بمحضري.
# وحدثني شيخ لنا قال: مدح شاعر الحسن بن سهل فقال له: احتكم، وظن أن همته
~~قصيرة، فقال: ألف ناقة، فوجز الحسن ولم يمكنه، وكره أن
# PageV01P455
# يفتضح وقال: يا هذا إن بلادنا ليست بلاد إبل، ولكن ما قال امرؤ القيس:
# [وافر]
# إذا ما لم يكن إبل فمعزى ... كأن قرون جلتها العصي
# قد أمرت لك بألف شاة، فالق يحيى بن خاقان، فأعطاه بكل شاة دينارا.
# قال: وقدم زائر على أبي دلف فأمر له بألف دينار وكسوة ثم قال: [كامل]
# أعجلتنا فأتاك عاجل برنا ... قلا ولو أمهلتنا لم يقلل
# فخذ القليل وكن كأنك لم تقل ... شيئا، ونحن كأننا لم نفعل
# وقال بعض الشعراء: [خفيف]
# ليس جود الفتيان من فضل مال ... إنما الجود للمقل المواسي
# وقال دعبل «1» في نحوه: [طويل]
# لئن كنت لا تولي يدا دون إمرة ... فلست بمول نائلا آخر الدهر
# فأي إناء لم يفض عند ملئه! * وأي بخيل لم ينل ساعة الوفر!
# وليس الفتى المعطي على اليسر وحده ... ولكنه المعطي على العسر واليسر
# ابن الكلبي قال: أخبرني غير واحد من قريش قالوا: أراد عبد الله وعبيد
~~الله ابنا العباس أن يقتسما ميراثهما من أبيهما بمكة، فدعي القاسم ليقسم،
~~فلما مد الحبل قال له عبد الله: أقم المطمر «2» . فقال له عبيد الله: يا
~~أخي، الدار دراك لا يمد والله فيها اليوم مطمر. وكان يقال: من أراد العلم
# PageV01P456
# والسخاء والجمال فليأت دار العباس، كان عبد الله أعلم الناس، وعبيد الله
~~أسخى الناس، والفضل أجمل الناس.
# باع عبد الله بن عتبة أرضا بثمانين ألفا، فقيل له: لو اتخذت لولدك من هذا
~~المال ذخرا! فقال: أنا أجعل هذا المال ذخرا لي عند الله، وأجعل الله ذخرا
~~لولدي، وقسم المال.
# ويقال: إن أول ما عرف به سؤدد خالد بن عبد الله القسري أنه مر في بعض طرق
~~دمشق وهو غلام فأوطأ فرسه صبيا فوقف عليه، فلما رآه لا يتحرك أمر غلامه
~~فحمله، ثم انتهى به أول مجلس مر به فقال: إن حدث بهذا الغلام حدث الموت
~~فأنا صاحبه، أو طأته فرسي ولم أعلم.
# قال عدي بن حاتم لابن له حدث: قم بالباب فامنع من لا تعرف وأذن لمن تعرف،
~~فقال: لا والله، لا يكون أول شيء وليته من أمر الدنيا منع قوم من الطعام.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: ضاف بني زياد العبسيين ضيف، فلم يشعروا
~~إلا وقد احتضن أمهم من خلفها، فرفع ذلك إلى ربيع بن زياد الكامل فقال: لا
~~يضار الليلة عائذ أمي، أنه عاذ بحقويها «1» .
# المدائني قال: أحدث رجل في الصلاة خلف عمر بن الخطاب، فلما سلم عمر قال:
~~أعزم على صاحب الضرطة إلا قام فتوضأ وصلى، فلم يقم أحد، فقال جرير بن عبد
~~الله: يا أمير المؤمنين، إعزم على نفسك وعلينا أن نتوضأ ثم نعيد الصلاة،
~~فأما نحن فتصير لنا نافلة، وأما صاحبنا فيقضي
# PageV01P457
# صلاته، فقال عمر: رحمك الله، إن كنت لشريفا في الجاهلية فقيها في
~~الإسلام.
# كان عبد الله بن جدعان التيمي حين كبر أخذ بنو تيم عليه ومنعوه أن يعطي
~~شيئا من ماله، فكان الرجل إذا أتاه يطلب منه قال: أدن مني، فإذا دنا منه
~~لطمه ثم قال: إذهب فاطلب بلطمتك أو ترضى، فترضيه بنو تيم من ماله.
# وفيه يقول ابن قيس «1» الرقيات: [خفيف]
# والذي إن أشار نحوك لطما ... تبع اللطم نائل وعطاء
# وابن جدعان «2» هو القائل: [بسيط]
# إني وإن لم ينل مالي مدى خلقي ... وهاب ما ملكت كفي من المال
# لا أحبس المال إلا ريث أتلفه ... ولا تغيرني حال عن الحال
# الهيثم عن حماد الراوية عن مشايخ طيء قالوا: كانت عتبه «3» بنت عفيف أم
~~حاتم لا تليق «4» شيئا سخاء وجودا، فمنعها إخوتها من ذلك فأبت، وكانت موسرة
~~فحبسوها في بيت سنة يطعمونها قوتها رجاء أن تكف، ثم أخرجوها بعد سنة وظنوا
~~أنها قد أقصرت ودفعوا إليها صرمة «5» ، فأتتها امرأة من هوازن فسألتها
~~فأعطتها الصرمة وقالت: والله لقد مسني من الجوع ما آليت معه ألا أمنع سائلا
~~شيئا. وقالت:
# PageV01P458
# [طويل]
# لعمري لقدما عضني الجوع عضة ... فآليت ألا أمنع الدهر جائعا
# فقولا لهذا اللائمي الآن أعفني ... فإن أنت لم تفعل فعض الأصابعا
# فماذا عساكم أن تقولوا لأختكم ... سوى عذلكم أو عذل من كان مانعا
# ولا ما ترون الدهر إلا طبيعة ... فكيف بتركي يا ابن أم الطبائعا «1»
# ابن الكلبي عن أبيه عن رجالات طيء قالوا: كان حاتم جوادا شاعرا، وكان
~~حيثما نزل عرف منزله، وكان ظفرا إذا قاتل غلب، وإذا غنم أنهب، وإذا سئل
~~وهب، وإذا ضرب بالقداح سبق، وإذا أسر أطلق، وكان أقسم بالله: لا يقتل واحد
~~أمه.
# أبو اليقظان قال: أخذ عبيد الله بن زياد عروة «2» بن أدية أخا أبي بلال
~~فقطع يديه ورجليه وصلبه على باب داره، فقال لأهله: أنظروا هؤلاء الموكلين
~~بي فأحسنوا إليهم فإنهم أضيافكم.
# سفيان بن عيينة قال: كان سعيد بن العاص إذا أتاه سائل فلم يك عنده ما سأل
~~قال: أكتب علي بمسألتك سجلا إلى أيام يسري.
# باع أعرابي ناقة له من مالك بن أسماء، فلما صار الثمن في يده نظر إليها
~~فذرفت عيناه، ثم قال: [طويل]
# وقد تنزع الحاجات يا أم معمر ... كرائم من رب بهن ضنين
# فقال له مالك: خذ ناقتك وقد سوغتك الثمن. اشترى عبيد الله بن أبي
# PageV01P459
# بكرة جارية نفيسة فطلبت دابة تحمل عليها فلم توجد، فجاء رجل بدابة
~~فحملها، فقال له عبيد الله: إذهب بالجارية إلى منزلك. باع ثابت بن عبيد
~~الله ابن أبي بكرة دار الصفاق «1» من مقاتل بن مسمع نسيئة ثم اقتضاه فلزمه
~~في دار أبيه، فرآه عبيد الله فقال: ما لك؟ قال: حبسني ابنك. قال: بم؟ قال:
~~بثمن دار الصفاق، قال: يا ثابت، أما وجدت لغرمائك محبسا إلا داري؟ إدفع
~~إليه صكه وأعوضك. قيل لرجل: ما لك تنزل في الأطراف؟ فقال: منازل الأشراف في
~~الأطراف يتناولون ما يريدون بالقدرة ويتناولهم من يريدهم بالحاجة. لما كبر
~~عدي بن حاتم آذاه برد الأرض وكان رجلا لحيما «2» فنهشت الأرض فخذيه فجمع
~~قومه فقال: يا بني ثعل «3» ، إني لست بخيركم إلا أن تروا ذلك فقد كان أبي
~~بمكان لم يكن به أحد من قومه، بنى لكم الشرف ونفى عنك العار فأصبح الطائي
~~إذا فعل خيرا قال العرب: من حي لا يحمدون على الجود ولا يعذرون على البخل،
~~وقد بلغت من السن ما ترون وآذاني برد الأرض فأذنوا لي في وطاء «4» فوالله
~~ما أريده فخرا عليكم ولا احتقارا لكم، وسأخبركم: ما على من وضع طنفسة «5»
~~وقعد حوله إلا أن الحق عليه أن يذل في عرضه وينخدع في ماله ولا يحسد شريفا
~~ولا يحقر وضيعا، فقال القوم: دعنا اليوم، ثم غدوا عليه فقالوا: يا أبا طريف
~~ضع الطنفسة والبس التاج، فبلغ ابن دارة «6» الشاعر فأتاه
# PageV01P460
# وقال: قد مدحتك، فقال: أمسك عليك حتى أنبئك بمالي فتمدحني على حسبه، لي
~~ألف ضائنة «1» وألفا درهم وثلاثة أعبد، وفرسي هذا حبيس في سبيل الله، هات
~~الآن فقال: [طويل]
# تحن قلوصي «2» في معد وإنما ... تلاقي الربيع في ديار بني ثعل
# وأبقى الليالي من عدي بن حاتم ... حساما كلون الملح سل من الخلل
# أبوك جواد ما يشق غباره ... وإن جواد لست تعذر بالعلل
# فإن تفعلوا شرا فمثلكم أتقى ... وإخ تفعلوا خيرا فمثلكمو فعل
# فقال: أمسك عليك، لا يبلغ مالي أكثر من هذا، وشاطره ما له.
# جاء رجل إلى معن فاستحمله عيرا فقال معن: يا غلام، أعطه عيرا «3» وبغلا
~~وبرذونا وفرسا وبعيرا وجارية، ولو عرفت مركوبا غير هذا لأعطيتكه.
# وكان يقال: حدث عن البحر ولا حرج وعن بني إسرائيل ولا حرج وعن معن ولا
~~حرج. قال رجل من كلب للحكم بن عوانة وهو على السند: إنما أنت عبد، فقال
~~الحكم: والله لأعطينك عطية لا يعطيها العبد فأعطاه مائة رأس من السبي.
~~وقرأت في بعض كتب العجم أن جامات «4» كسرى التي كان يأكل فيها كانت من ذهب،
~~فسرق رجل من أصحابه جاما وكسرى ينظر إليه، فلما رفعت الموائد افتقد الطباخ
~~الجام فرجع يطلبها، فقال له كسرى: لا تتعن فقد أخذها من لا يردها ورآه من
~~لا يفشي عليه، ثم دخل عليه الرجل بعد ذلك وقد حلى سيفه ومنطقته ذهبا، فقال
~~له كسرى بالفارسية: يا فلان، هذا، يعني السيف، من
# PageV01P461
# ذاك قال: نعم وهذا، وأشار إلى منطقته. قالوا: لم يكن لخالد بن برمك أخ
~~إلا بنى له دارا على قدر كفايته ووقف على أولاد الإخوان ما يعيشهم أبدا ولم
~~يكن لإخوانه ولد إلا من جارية هو وهبها له.
# بلغ ابن المقفع أن جارا له يبيع دارا له لدين ركبه وكان يجلس في ظل داره،
~~فقال: ما قمت إدا «1» بحرمة ظل داره إن باعها معدما وبت واجدا، فحمل إليه
~~ثمن الدار وقال: لا تبع. قال أبو اليقظان: باع نهيك بن مالك بن معاوية إبله
~~وانطلق بثمنها إلى منى فجعل ينهبه، والناس يقولون: مجنون، فقال: لست بمجنون
~~ولكني سمح أنهبكم مالي إذا عز الفتح. قال: وأتى عبد الله بن جعفر قهرمانه
~~بحسابه فكان في أوله حبل بخمسين درهما، فقال عبد الله: لقد غلت الحبال،
~~فقال القهرمان: إنه أبرق، فقال عبد الله: إن كان أبرق فأنا أجيزه، فهو الآن
~~مثل مضروب بالمدينة. كان أبو سفيان إذا نزل به جار قال له: يا هذا، إنك قد
~~اخترتني جارا فجناية يدك علي دونك، وإن جنت عليك يد فاحتكم علي حكم الصبي
~~على أهله. وقال بعض الشعراء:
# [طويل]
# همو خلطوني بالنفوس ودافعوا ... ورائي بركن ذي مناكب مدفع
# وقالوا تعلم أن مالك إن يصب ... يعدك وإن تحبس يردك ويشفع
# وروى عبد الله بن بكر السهمي عن حاتم بن أبي صغيرة عن حبيب بن أبي ثابت
~~أن الحارث بن هشام وعكرمة بن أبي جهل وعياش بن أبي ربيعة خرجوا يوم اليرموك
~~حتى انبتوا، فدعا الحارث بن هشام بماء ليشربه، فنظر إليه عكرمة فقال: ادفعه
~~إلى عكرمة فنظر إليه عياش فقال عكرمة: إدفعه إلى
# PageV01P462
# عياش، فما وصل إلى عياش حتى مات ولا عاد إليه حتى ماتوا، فسمي هذا حديث
~~الكرام وهذا الحديث عندي موضوع لأن أهل السيرة يذكرون أن عكرمة قتل يوم
~~أجنادين وعياش مات بمكة، والحارث مات بالشام في طاعون عمواس.
# أعطى رجل امرأة سألته مالا عظيما، فلاموه وقالوا: إنها لا تعرفك وإنما
~~كان يرضيها اليسير، فقال: إن كانت ترضى باليسير فإني لا أرضى إلا بالكثير
~~وإن كانت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي.
# قال بعض الشعراء: [طويل]
# وما خير مال لا يقي الذم ربه ... ونفس امرئ في حقها لا يهينا
# وقال عبد الله بن معاوية بن عبد الله «1» بن جعفر: [وافر]
# أرى نفسي تتوق إلى أمور ... ويقصر دون مبلغهن حالي
# فنفسي لا تطاوعني ببخل ... ومالي لا يبلغني فعالي
# وقال أيضا: [بسيط]
# ولا أقول نعم يوما فأتبعها ... منعا ولو ذهبت بالمال والولد
# ولا اؤتمنت في سر فبحت به ... ولا مددت إلى غير الجميل يدي
# وقال كعب «2» بن سعد الغنوي: [طويل]
# وذي ندب دامي الأظل «3» قسمته ... محافظة بيني وبين زميلي
# PageV01P463
# وزاد رفعت الكف عنه تجملا ... لأوثر في زادي علي أكيلي
# وما أنا للشيء الذي ليس نافعي ... ويغضب منه صاحبي بقؤول
# وقال زهير «1» : [طويل]
# وأبيض فياض يداه غمامة ... على معتفيه ما تغب «2» نوافله «3»
# غدوت عليه غدوة فوجدته ... قعودا لديه بالصريم عواذله
# فأعرضن منه عن كريم مرزا ... جموع على الأمر الذي هو فاعله
# أخي «4» ثقة لا تذهب الخمر ماله ... ولكنه قد يذهب المال نائله
# تراه إذا ما جئته متهللا ... كأنك تعطيه الذي أنت سائله
# المدائني قال: أضل فيروز بن حصين سوطه يوما، فأعطاه رجل سوطا فأمر له
~~بألف درهم، ثم أتاه بعد حول فقال: من أنت؟ قال: صاحب السوط فأمر له بألف
~~درهم، ثم أتاه بعد حول فقال: من أنت؟ قال: صاحب السوط، قال: أعطوه ألف درهم
~~ومائة سوط فانقطع عنه. قال الشاعر: [بسيط]
# إني حمدت بني شيبان إذ خمدت ... نيران قومي فشبت فيهم النار
# ومن تكرمهم في المحل أنهم ... لا يحسب الجار فيهم أنه جار
# وقال آخر: [طويل]
# نزلت على آل المهلب شاتيا ... بعيدا قصي الدار في زمن محل
# فما زال بي إلطافهم وافتقادهم ... وإكرامهم حتى حسبتهمو أهلي
# PageV01P464
# وقال آخر: [طويل]
# إذا كان لي شيئان يا أم مالك ... فإن لجاري منهما ما تخيرا
# وقال عمرو «1» بن الأهتم: [طويل]
# ذريني فإن الشح يا أم هيثم ... لصالح أخلاق الرجال سروق
# ذريني وحطي «2» في هواي فإنني ... على الحسب العالي الرفيع شفيق
# ومستمنح بعد الهدوء دعوته ... وقد كان من ساري الشتاء طروق
# فقلت له أهلا وسهلا ومرحبا ... فهذا مبيت صالح وصديق
# أضفت فلم أفحش عليه ولم أقل ... لأحرمه إن الفناء مضيق
# لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ... ولكن أخلاق الرجال تضيق «3»
# كان يقال: للعباس بن عبد المطلب ثوب لعاري بني هاشم، وجفنة لجاره ومقطرة
~~«4» لجاهلهم. قال بكر «5» بن النطاح: [طويل]
# لو خذلت أمواله جود كفه ... لقاسم من يرجوه بعض حياته
# ولو لم يجد في العمر قسما لزائر ... لجاد له بالشطر من حسناته
# وقال الفرزدق «6» : [كامل]
# إن المهالبة الكرام تحملوا ... دفع المكاره عن ذوي المكروه
# زانوا قديمهمو بحسن حديثهم ... وكريم أخلاق بحسن وجوه
# PageV01P465
# كان يقال: الشرف في السرف. قال عامر «1» بن الطفيل: [طويل]
# إذا نزلت بالناس يوما ملمة ... تسوق من الأيام داهية إدا «2»
# دلفنا لها حتى نقوم ميلها ... ولم نهد عنها بالأسنة أو تهدا
# وكم مظهر بغضاءنا ود أنه ... إذا ما التقينا كان أخفى الذي أبدى
# مطاعيم في اللأواء مطاعين في الوغى «3» ... شمائلنا تنكي وأيماننا تندى
# وقال حاتم طيء: [طويل]
# أكف يدي من أن تنال أكفهم ... إذا ما مددناها وحاجتنا معا
# وإني لأستحيي رفيقي أن يرى ... مكان يدي من جانب الزاد أقرعا
# وقال جابر «4» بن حيان: [طويل]
# فإن يقتسم مالي بني ونسوتي ... فلن يقسموا خلقي الكريم ولا فعلي
# وما وجد الأضياف فيما ينوبهم ... لهم عند علات النفوس أبا مثلي
# أهين لهم مالي وأعلم أنني ... سأورثه الأحياء سيرة من قبلي
# كان سعيد بن عمرو مؤاخيا ليزيد بن المهلب، فلما حبس عمر بن عبد العزيز
~~يزيد ومنع من الدخول عليه، أتاه سعيد فقال: يا أمير المؤمنين، لي
# PageV01P466
# على يزيد خمسون ألف درهم وقد حلت بيني وبينه، فإن رأيت أن تأذن لي
~~فأقتضيه؟ فإذن له فدخل عليه فسر به يزيد، وقال: كيف وصلت إلي، فأخبره، فقال
~~يزيد: والله لا تخرج إلا وهي معك فامتنع سعيد فحلف يزيد ليقبضنها، فقال عدي
~~«1» بن الرقاع: [طويل]
# لم أر محبوسا من الناس واحدا ... حبا «2» زائرا في السجن غير يزيد
# سعيد بن عمرو إذ أتاه أجازه ... بخمسين ألفا عجلت لسعيد
# وقال بعض الشعراء: [طويل]
# وإني لحلال بي الحق، أتقي ... إذا نزل الأضياف أن أتجهما
# إذا لم تذد ألبانها عن لحومها ... حلبنا لهم منها بأسيافنا دما
# دخل شاعر على المهدي فامتدحه، فأمر له بمال فلما قبضه فرقه على من حضر
~~وقال: [طويل]
# لمست بكفي كفه أبتغي الغنى ... وما خلت أن الجود من كفه يعدي
# فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغنى ... أفدت وأعداني فبددت ما عندي
# أخبرني أبو الحسن علي بن هارون الهاشمي قال: أخبرني وكيع قال:
# حدثني أبو العيناء قال: كان بالبصرة لنا صديق يهودي وكان ذا مال وقد تأدب
~~وقال الشعر وعرف شيئا من العلوم وكان له ولد ذكور، فلما حضرته الوفاة جمع
~~ماله وفرقه على أهل العلم والأدب ولم يترك لولده ميراثا فعوتب على ذلك
~~فقال:
# PageV01P467
# [منسرح]
# رأيت مالي أبر من ولدي ... فاليوم لا نحلة ولا صدقه
# من كان منهم لها فأبعده الل ... ه ومن كان صالحا رزقه
# وحدثني الأخفش بهذا الخبر عن المبرد عن الرياشي والله أعلم.
# أنجز الجزء الأول ويتلوه الجزء الثاني.
# PageV01P468
### | الجزء الثانى
### | كتاب الطبائع والأخلاق المذمومة
### | تشابه الناس في الطبائع وذمهم
# حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا يحيى بن هشام الغساني عن إسماعيل بن أبي
~~خالد عن مصعب بن سعد قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الناس بأزمانهم
~~أشبه منهم بآبائهم. قال: وحدثني حسين بن الحسن المروزي قال: حدثنا عبد الله
~~بن المبارك عن سفيان قال: قال أبو الدرداء:
# «وجدت الناس اخبر تقله» «1» .
# قال: حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا شريح بن النعمان عن المعافى ابن عمر
~~أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بقوم يتبعون رجلا قد أخذ في ريبة فقال:
~~لا مرحبا بهذه الوجوه التي لا ترى إلا في الشر.
# قال: وحدثني محمد بن داود قال: حدثنا الصلت بن مسعود قال:
# حدثنا عثام بن علي عن الأعمش عن أبي إسحاق عن عبيدة أن الوليد السوائي
~~قال: لغط قوم عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقيل: يا رسول الله، لو
~~نهيتهم! فقال: لو نهيتهم أن يأتوا الحجون «2» لأتاه بعضهم ولو لم تكن له
~~حاجة.
# PageV02P003
# قال: وحدثنا عن عفان عن مهدي بن ميمون عن غيلان بن جرير قال:
# قال مطرف: هم الناس وهم النسناس «1» وناس غمسوا في ماء الناس.
# قال يونس بن عبيد: لو أمرنا بالجزع لصبرنا.
# وكان يقال: لو نهي الناس عن فت البعر لفتوه، وقالوا: ما نهينا عنه إلا
~~وفيه شيء. وقال الشاعر: [وافر]
# ولما أن أتيت بني جوين ... جلوسا ليس بينهمو جليس
# يئست من التي أقبلت أبغي ... لديهمو، إنني رجل يؤوس «2»
# إذا ما قلت أيهمو لأي ... تشابهت المناكب والرؤوس
# ويقال: لا يزال الناس بخير ما تباينوا فإذا تساووا هلكوا «3» .
# وقال آخر: [رجز]
# الناس أسواء وشتى في الشيم ... وكلهم يجمعهم بيت الأدم «4»
# وقال آخر: [طويل]
# سواء، كأسنان الحمار فلا ترى، ... لذي شيبة منهم على ناشيء، فضلا «5»
# PageV02P004
# وقال آخر:
# «سواسية كأسنان الحمار» «1»
# وكان يقال:
# «المرء تواق إلى ما لم ينل» «2»
# والعجم تقول: كل عز دخل تحت القدرة فهو ذليل.
# وقالوا: كل مقدور عليه مملول محقور.
# وقال الشاعر: [بسيط]
# وزاده كلفا بالحب أن منعت ... أحب شيء إلى الإنسان ما منعا «3»
# وقال آخر [طويل]
# ترى الناس أسواء إذا جلسوا معا ... وفي الناس زيف مثل زيف الدراهم
# ويقال: الناس سيل وأسراب طير يتبع بعضها بعضا.
# وقال طرفة: [سريع]
# كل خليل كنت خاللته ... لا ترك الله له واضحه
# كلهم أروغ من ثعلب ... ما أشبه الليلة بالبارحه
# PageV02P005
# وقال آخر [وافر]
# فإنك لا يضرك بعد حول ... أظبي كان أمك أم حمار
# فقد لحق الأسافل بالأعالي ... وماج اللؤم واختلط النجار
# وعاد العبد مثل أبي قبيس ... وسيق مع المعلهجة العشار «1»
# يقول: سيقت الإبل الحوامل في مهر اللئيمة.
# قال أبو محمد: بلغني عن إسماعيل بن محمد بن جحادة عن أبيه قال:
# كنت عند الحسن فقال: أسمع حسيسا ولا أرى أنيسا، صبيان حيارى ما لهم
~~تفاقدوا عقولهم وفراش نار وذبان طمع.
# وقال أبو حاتم عن الأصمعي: لو قسمت في الناس مائة ألف درهم كان أكثر
~~للائمتى من لو أخذتها منهم.
# ونحوه قول محمد بن الجهم: منع الجميع أرضى للجميع.
# وقال ابن بشير «2» (مجزوء المديد)
# سوءة للناس كلهم ... أنا في هذا من أولهم
# لست تدري حين تنسبهم ... أين أدناهم من أفضلهم
# وقال نهار «3» بن توسعة (طويل)
# عتبت على سلم فلما فقدته ... وجربت أقواما بكيت على سلم
# PageV02P006
# وهذا مثل قولهم: ما بكيت من زمان إلا بكيت عليه.
# وقال الأحنف «1» بن قيس (طويل)
# وما مر يوم أرتجي فيه راحة ... فأخبره إلا بكيت على أمس
# وقال آخر (طويل)
# ونعتب أحيانا عليه ولو مضى ... لكنا على الباقي من الناس أعيبا
# وقال آخر (وافر)
# سبكناه ونحسبه لجينا ... فأبدى الكير عن خبث الحديد
# قال: وحدثني أبو حاتم قال: حدثني الأصمعي عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال:
~~لا يزال في الناس بقية ما تعجب من العجب.
### | رجوع المتخلق إلى طبعه
# بلغني أن أعرابيا ربى جرو ذئب حتى شب وظن أنه يكون أغنى عنه من الكلب
~~وأقوى على الذب عن الماشية فلما قوي وثب على شاة فقتلها وأكل منها فقال
~~الأعرابي (وافر)
# أكلت شويهتي وربيت فينا ... فما أدراك أن أباك ذيب
# ويروى «2» :
# ولدت بقفرة ونشأت عندي ... إذا كان الطباع طباع سوء
# فليس بنافع فيها الأديب
# PageV02P007
# وقال الخريمي «1» [متقارب]
# يلام أبو الفضل في وجوده ... وهل يملك البحر ألا يفيضا؟
# وقال أبو الأسد «2» [طويل]
# ولائمة لامتك يا فيض في الندى ... فقلت لها هل يقدح اللوم في البحر؟
# أرادت لتثني الفيض عن عادة الندى ... ومن ذا الذي يثني السحاب عن القطر
# مواقع جود الفيض في كل بلدة ... مواقع ماء المزن في البلد القفر
# وقال كثير [طويل]
# ومن يبتدع ما ليس من سوس نفسه ... يدعه ويغلبه على النفس خيمها «3»
# وقال زهير [طويل]
# ومهما تكن عند آمريء من خليقة ... وإن خالها تخفى على الناس تعلم
# وأنشدني ابن الأعرابي لذي الإصبع «4» العدواني [بسيط]
# كل امرىء راجع لشيمته ... وإن تخلق أخلاقا إلى حين
# وقال آخر [بسيط]
# ارجع إلى خلقك المعروف ديدنه «5» ... إن التخلق يأبى دونه الخلق
# وقال كثير في خلاف هذا [طويل]
# وفي الحلم والإسلام للمرء وازع ... وفي ترك أهواء الفؤاد المتيم
# PageV02P008
# بصائر رشد للفتى مستبينة ... وأخلاق صدق علمها بالتعلم
# ونحوه للمتلمس «1» [طويل]
# تجاوز عن الأدنين «2» واستبق ودهم ... ولن تستطيع الحلم حتى تحلما
# وقال الطائي [كامل]
# لبس الشجاعة إنها كانت له ... قدما نشوعا في الصبا ولدودا «3»
# بأسا قبيليا وبأس تكرم ... فينا وبأس قريحة مولودا
# وقال أبو جعفر الشطرنجي مولى المهدي في سوداء «4» [سريع]
# أشبهك المسك وأشبهته ... قائمة في لونه قاعده
# لا شك إذ لونكما واحد ... أنكما من طينة واحده «5»
# وقال أبو نواس [كامل]
# تلقى الندى في غيره عرضا ... وتراه فيه طبيعة أصلا
# وإذا قرنت بعاقل أملا ... كانت نتيجة قوله فعلا
# وأنشدنا الرياشي [منسرح]
# لا تصحبن امرءا على حسب ... إني رأيت الأحساب قد دخلت
# مالك من أن يقال إن له ... أبا كريما في أمة سلفت
# PageV02P009
# بل اصحبنه على طبائعه ... فكل نفس تجري كما طبعت
# وقال العباس بن مرداس «1» [متقارب]
# إنك لم تك كابن الشريد ... ولكن أبوك أبو سالم
# حملت المئين وأثقالها ... على أذني قنفذ رازم «2»
# وأشبهت جدك شر الجدو ... د والعرق يسري إلى النائم
# وقال بعض العبديين [طويل]
# وما يستوي المرءان هذا ابن حرة ... وهذا ابن أخرى ظهرها متشرك
# وأدركه خالاته فخذلته ... ألا إن عرق السوء لا بد يدرك
### | باب الشيء يفرط فينتقل إلى غير طبعه
# قرأت في كتاب للهند: لا ينبغي اللجاج في إسقاط الهمة والرأي وإذالته فإنه
~~إما شرس الطبع كالحية إن وطئت فلم تلسع لم يغتر بها فيعاد لوطئها، وإما سجح
~~«3» الطبع كالصندل «4» البارد إن أفرط في حكه عاد حارا مؤذيا. وقال أبو
~~نواس [منسرح]
# قل لزهير إذا حدا وشدا ... أقلل وأكثر فأنت مهذار
# سخنت من شدة البرودة حت ... ى صرت عندي كأنك النار
# لا يعجب السامعون من صفتي ... كذلك الثلج بارد حار
# PageV02P010
# ويقال: إنما ملح القرد عند الناس لإفراط قبحه. قال الطائي [بسيط]
# أخرجتموه بكره من سجيته ... والنار قد تنتضى من ناضر السلم
# أمن عمى نزل الناس الربى فنجوا ... وأنتمو نصب سيل الفتنة العرم «1»
# أم ذاك من همم جاشت فكم ضعة ... حدا إليها غلو القوم في الهمم
# وكان يقال: من التوقي ترك الإفراط في التوقي.
### | باب الحسد
# قال: حدثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل
~~بن أمية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يسلم منهن أحد
~~الطيرة والظن والحسد قيل: فما المخرج منهن يا رسول الله؟ قال: إذا تطيرت
~~فلا ترجع وإذا ظننت فلا تحقق وإذا حسدت فلا تبغ» . وقال بكر بن عبد الله:
# حصتك من الباغي حسن المكاشرة، وذنبك إلى الحاسد دوام النعم من الله عليك.
~~وقال روح بن زنباع الجذامي: كنت أرى قوما دوني في المنزلة عند السلطان
~~يدخلون مداخل لا أدخلها فلما أذهبت عني الحسد دخلت حيث دخلوا. وقال ابن
~~حمام [طويل]
# تمنى لي الموت المعجل خالد ... ولا خير فيمن ليس يعرف حاسده «2»
# وقال الطائي [كامل]
# وإذا أراد الله نشر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود
# PageV02P011
# لولا اشتعال النار فيما جاورت ... ما كان يعرف طيب عرف العود
# لولا التخوف للعواقب لم تزل ... للحاسد النعمى على المحسود
# وقال عبد الملك للحجاج: إنه ليس من أحد إلا وهو يعرف عيب نفسه فعب نفسك
~~قال: أعفني يا أمير المؤمنين. قال: لتفعلن. قال: أنا لجوج حقود حسود، قال
~~عبد الملك: ما في الشيطان شر مما ذكرت. قال بعض الحكماء: الحسد من تعادي
~~الطبائع واحتلاف التركيب وفساد مزاج البنية وضعف عقد العقل والحاسد طويل
~~الحسرات.
# قال ابن المقفع: أقل ما لتارك الحسد في تركه أن يصرف عن نفسه عذابا ليس
~~بمدرك به حظا ولا غائظ به عدوا، فإنا لم نر ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد،
~~طول أسف ومحالفة كآبة وشدة تحرق، ولا يبرح زاريا على نعمة الله ولا يجد لها
~~مزالا ويكدر على نفسه ما به من النعمة فلا يجد لها طعما ولا يزال ساخطا على
~~من لا يترضاه ومتسخطا لما لن ينال فوقه، فهو منغص المعيشة دائم السخطة
~~محروم الطلبة، لا بما قسم له يقنع ولا على ما لم يقسم له يغلب، والمحسود
~~يتقلب في فضل الله مباشرا للسرور منتفعا به ممهلا فيه إلى مدة ولا يقدر
~~الناس لها على قطع وانتقاص.
# قيل للحسن البصري: أيحسد المؤمن أخاه؟ قال: لا أبا لك «1» ، أنسيت إخوة
~~يوسف؟ وكان يقال: إذا أردت أن تسلم من الحاسد فعم عليه أمورك.
# ويقال: إذا أراد الله أن يسلط على عبده عدوا لا يرحمه سلط عليه حاسدا.
# وقال العتبي «2» - وذكر ولده الذين ماتوا-[متقارب]
# PageV02P012
# وحتى بكى لي حسادهم ... وقد أقرحوا بالدموع العيونا
# وحسبك من حادث بامرىء ... يرى حاسديه له راحمينا
# قيل لسفيان بن معاوية: ما أسرع حسد الناس إلى قومك! فقال:
# [بسيط]
# إن العرانين تلقاها محسدة ... ولا ترى للئام الناس حسادا
# وقال آخر: [كامل]
# وترى اللبيب محسدا لم يجترم ... شتم الرجال وعرضه مشتوم
# حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... فالقوم أعداء له وخصوم
# كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسدا وظلما إنه لذميم
# وقال يحيى بن خالد: الحاسد عدو مهين لا يدرك وتره إلا بالتمني. قيل
~~لبعضهم: أي الأعداء لا تحب أن يعود لك صديقا؟ قال: من سبب عداوته النعمة.
~~وقال الأحنف: لا صديق لملول «1» ولا وفاء لكذوب، ولا راحة لحسود ولا مروءة
~~لبخيل ولا سؤدد لسيء الخلق. وقال معاوية: كل الناس أستطيع أن أرضيه إلا
~~حاسد نعمة فإنه لا يرضيه إلا زوالها. وقال الشاعر:
# [بسيط]
# كل العداوة قد ترجى إماتتها ... إلا عداوة من عاداك من حسد «2»
# وفي بعض الكتب يقول الله: «الحاسد عدو لنعمتي متسخط لقضائي غير راض بقسمي
~~بين عبادي» . وكان يقال: قد طلبك من لا يقصر دون الظفر
# PageV02P013
# وحسدك من لا ينام دون الشفاء. وخطب الحجاج يوما برستقباذ بقول سويد «1»
~~ابن أبي كاهل [رمل]
# كيف يرجون سقاطي بعدما ... جلل الرأس بياض وصلع
# رب من أنضجت غيظا صدره ... قد تمنى لي موتا لم يطع
# ويراني كالشجا في خلقه ... عسرا مخرجه ما ينتزع
# مزبدا يخطر ما لم يرني ... فإذا أسمعته صوتي انقمع
# لم يضرني غير أن يحسدني ... فهو يزقو مثل ما يزقو الضوع «2»
# ويحييني إذا لا قيته ... وإذا يخلو له لحمي رتع
# قد كفاني الله ما في نفسه ... وإذا ما يكف شيئا لم يضع
# وقال آخر «3» [بسيط]
# إن تحسدوني فإني لا ألومكم ... قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا
# فدام لي ولكم ما بي وما بكم ... وما أكثرنا غيظا بما يجد
# أنا الذي تجدوني في حلوقكم ... لا أرتقي صعدا فيها ولا أرد
# وقال بعضهم: الحسد أول ذنب عصي الله به في السماء، يعني حسد إبليس آدم،
~~وأول ذنب عصي الله به في الأرض، يعني حسد ابن آدم أخاه حتى قتله. وأنشدني
~~شيخ لنا عن أبي زيد الأعرابي. [سريع]
# PageV02P014
# لا تقبل الرشد ولا ترعوي ... ثاني رأس كابن عواء «1»
# حسدتني حين أفدت الغنى ... ما كنت إلا كابن حواء
# غادى «2» أخاه محرما مسلما ... بطعنة في الصلب نجلاء
# وأنت تقليني «3» ولا ذنب لي ... لكنني حمال أعباء
# من يأخذ النار بأطرافه ... ينضح على النار من الماء
# مر قيس بن زهير ببلاد غطفان «4» فرأى ثروة وجماعات وعددا فكره ذلك، فقال
~~له الربيع بن زياد: إنه يسوءك ما يسر الناس! فقال له: يا أخي، إنك لا تدري،
~~إن مع الثروة والنعمة التحاسد والتخاذل، وإن مع القلة التحاشد والتناصر.
# قال الأصمعي: رأيت أعرابيا قد أتت له مائة وعشرون سنة، فقلت له:
# ما أطول عمرك! فقال: تركت الحسد فبقيت. وقال زيد «5» بن الحكم الثقفي.
~~[طويل]
# تملأت من غيظ علي فلم يزل ... بك الغيظ حتى كدت بالغيظ تنشوي
# وما برحت نفس حسود حشيتها ... تذيبك حتى قيل هل أنت مكتوي
# وقال النطاسيون إنك مشعر ... سلالا ألا بل أنت من حسد جوي «6»
# بدا منك غش طالما قد كتمته ... كما كتمت داء ابنها أم مدوي
# جمعت وفحشا غيبة ونميمة ... حلالا ثلاثا لست عنها بمرعوي
# PageV02P015
# وكان يقال: ستة لا يخلون من الكآبة: رجل آفتقر بعد غنى، وغني يخاف على
~~ماله التوى «1» ، وحقود، وحسود، وطالب مرتبة لا يبلغها قدره، ومخالط
~~الأدباء بغير أدب.
### | باب الغيبة والعيوب
# قال: حدثني أحمد بن الخليل قال: حدثنا عبد الأعلى عن داود بن عطاء عن ابن
~~خثيم عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
~~قال: «ألا أخبركم بشراركم «2» قالوا: بلى، قال: من شراركم المشاؤون
~~بالنميمة المفسدون بين الأحبة الباغون البرآء العنت» .
# قال: وحدثني حسين بن الحسن المروزي قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال:
~~أخبرنا الأجلح عن الشعبي قال: سمعت النعمان بن بشير يقول على المنبر: يا
~~أيها الناس خذوا على أيدي سفهائكم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
~~يقول: «إن قوما ركبوا البحر في سفينة، واقتسموها فأصاب كل واحد منهم مكان،
~~فأخذ رجل منهم الفأس فنقر مكانه، فقالوا: ما تصنع؟ فقال: مكاني أصنع به ما
~~شئت، فإن أخذوا على يديه نجا ونجوا، وإن تركوه غرقوا وغرق» .
# بلغني عن حماد بن زيد عن ابن عون قال: قال أبو الدرداء؛ ليس من يوم أصبح
~~فيه لا يرميني الناس بداهية إلا كان نعمة من الله علي. وقال حسان: قلت شعرا
~~لم أقل مثله [طويل]
# وإن امرءا أمسى وأصبح سالما ... من الناس إلا ما جنى لسعيد
# PageV02P016
# وبلغني عن ابن عيينة قال: قال مسعر: ما نصحت أحدا قط إلا وجدته يفتش عن
~~عيوبي. وقال بعضهم: من عاب سفلة «1» فقد رفعه، ومن عاب شريفا فقد وضع نفسه.
~~وقال عمر بن الخطاب: أحب الناس إلي من أهدى إلي عيوبي.
# أحمد بن يونس عن الفضيل أنه سمعه يقول: إن الفاحشة لتشيع في الذين آمنوا
~~حتى إذا صارت إلى الصالحين صاروا لها خزانا. قال وسمعته يقول أيضا: حسناتك
~~من عدوك أكثر منها من صديقك، لأن عدوك إذا ذكرت عنده يغتابك وإنما يدفع
~~إليك المسكين حسناته.
# محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدثنا ابن عون قال: مر ابن سيرين بقوم
~~فقام إليه رجل فقال: يا أبا بكر، إنا قد نلنا منك فحللنا، فقال: إني لا أحل
~~لك ما حرم الله عليك، فأما ما كان إلي فهو لك.
# محمد بن مسلم الطائفي قال: جاء رجل إلى ابن سيرين فقال: بلغني أنك نلت
~~مني، فقال: نفسي أعز علي من ذلك.
# الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن بلال بن سعد قال: أخ لك كلما لقيك أخبرك
~~بعيب فيك خير لك من أخ لك كلما لقيك وضع في كفك دينارا.
# شريك عن عقيل قال: قال الحسن: لا غيبة إلا لثلاثة: فاسق مجاهر بالفسق،
~~وذي بدعة، وإمام جائر. وكان يقال: من اغتاب خرق ومن استغفر الله رفأ «2»
~~وفي بعض الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا عاب أحدكم أخاه
# PageV02P017
# فليستغفر الله» . كان يقال: إياك وما يصم الأذن. العتبي قال: قال الوليد
~~بن عتبة بن أبي سفيان: كنت أساير أبي ورجل يقع في رجل، فالتفت إلي أبي
~~فقال: يا بني نزه سمعك عن استماع الخنى «1» كما تنزه لسانك عن الكلام به،
~~فإن المستمع شريك القائل، ولقد نظر إلى أخبث ما في وعائه فأفرغه في وعائك،
~~ولو ردت كلمة جاهل في فيه لسعد رادها كما شقي قائلها.
# فضيل بن عياض قال: حدثنا عبد الله بن رجاء عن موسى بن عبيدة عن محمد بن
~~كعب قال: إذا أراد الله بعبد خيرا زهده في الدنيا وفقهه في الدين وبصره
~~عيوبه. قال فضيل: وربما قال الرجل: لا إله إلا الله؛ أو سبحان الله فأخشى
~~عليه النار، قيل: وكيف ذلك؟ قال: يغتاب بين يديه ويعجبه ذلك فيقول: لا إله
~~إلا الله، وليس هذا موضعه، إنما موضع هذا أن ينصح له في نفسه ويقول له: اتق
~~الله.
# في الحديث المرفوع أن امرأتين صامتا على عهد النبي عليه السلام وجعلتا
~~تغتابان الناس، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: «صامتا عما أحل
~~لهما وأفطرتا على ما حرم الله عليهما» ، وقال حماد بن سلمة: ما كنت تقوله
~~للرجل وهو حاضر فقلته من خلفه فليس بغيبة.
# عاب رجل رجلا عند بعض الأشراف فقال له: قد استدللت على كثرة عيوبك بما
~~تكثر من عيب الناس، لأن الطالب للعيوب إنما يطلبها بقدر ما فيه منها. قال
~~بعض الشعراء. [وافر]
# وأجرأ من رأيت بظهر غيب ... على عيب الرجال ذوو العيوب
# وأنشد ابن الأعرابي [سريع]
# PageV02P018
# اسكت ولا تنطق فأنت خياب «1» ... كلك ذو عيب وأنت عياب
# وأنشدني أيضا [سريع]
# رب غريب ناصح الجيب ... وابن أب متهم الغيب «2»
# وكل عياب له منظر ... مشتمل الثوب على العيب
# وكان عتبة بن عبد الرحمن يغتاب الناس ولا يصبر، ثم ترك ذلك، فقيل له:
~~أتركتها؟ قال: نعم، على أني والله أحب أن أسمعها.
# أتى رجل عمرو بن مرثد فسأله أن يكلم له أمير المؤمنين، فوعده أن يفعل،
~~فلما قام قال بعض من حضر: إنه ليس مستحقا لما وعدته، فقال عمرو: إن كنت
~~صدقت في وصفك إياه فقد كذبت في ادعائك مودتنا؛ لأنه إن كان مستحقا كانت
~~اليد موضعها، وإن لم يكن مستحقا فما زدت على أن أعلمتنا أن لنا بمغيبنا عنك
~~مثل الذي حضرت به من غاب من إخواننا.
# وفي الحديث: «إن الغيبة أشد من الزنا. قيل: كيف ذلك؟ قال: لأن الرجل يزني
~~فيتوب، فيتوب الله عليه، وصاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبها» .
# قال رجل للحسن: يا أبا سعيد، إني اغتبت رجلا وأريد أن أستحله، فقال له:
~~لم يكفك أن اغتبته حتى أردت أن تبهته. إغتاب رجل رجلا عند قتيبة بن مسلم
~~فقال له قتيبة: أمسك أيها الرجل، فوالله لقد تلمظت بمضغة طالما لفظها
~~الكرام.
# PageV02P019
# مر رجل بجارين له ومعه ريبة، فقال أحدهما لصاحبه: أفهمت ما معه من
~~الريبة؟ فقال الآخر: غلامي حر لوجه الله شكرا له إذا لم يعرفني من الشر ما
~~عرفك.
# شعبة عن يحيى بن الحصين عن طارق قال: دار بين سعد بن أبي وقاص وبين خالد
~~بن الوليد كلام، فذهب رجل ليقع في خالد عند سعد، فقال سعد:
# مه، إن ما بيننا لم يبلغ ديننا. أي عداوة وشر. وقال الشاعر «1» [متقارب]
# ولست بذي نيرب في الكرام، ... ومناع خير، وسبابها «2»
# ولا من إذا كان في جانب «3» ... أضاع العشيرة واغتابها
# ولكن أطاوع ساداتها ... ولا أتعلم «4» ألقابها
# وقال آخر [بسيط]
# لا يأمل الجار خيرا من جوارهم ... ولا محالة من هزء وألقاب
# وقال الفرزدق [طويل]
# تصرم مني ود بكر بن وائل ... وما خلت عني ودهم يتصرم
# قوارص تأتيني ويحتقرونها ... وقد يملأ القطر الإناء فيفعم «5»
# PageV02P020
# أنشد أبو سعيد الضرير لبعض الضبيين [طويل]
# ألا رب من يغتابني ود أنني ... أبوه الذي يدعى إليه وينسب
# على رشدة من أمه أو لغية ... فيغلبها فحل على النسل منجب
# فبالخير لا بالشر فاطلب مودتي ... وأي امرىء يغتال منه الترهب
# وقال آخر في نحوه: [طويل]
# ولما عصيت العاذلين ولم أبل ... ملامتهم ألقوا على غاربي حبلي
# وهازئة مني تود لو ابنها ... على شيمتي أو أن قيمها مثلي
# قيل لبزر جمهر: هل من أحد ليس فيه عيب؟ قال: لا، إن الذي لا عيب فيه لا
~~ينبغي أن يموت. وقال في مثل هذا موسى «1» شهوات [خفيف]
# ليس فيما بدا لنا منك عيب ... عابه الناس غير أنك فاني
# أنت خير المتاع لو كنت تبقى ... غير أن لا بقاء للإنسان
# وقال أبو الأسود «2» الدؤلي: [كامل]
# وترى الشقي إذا تكامل غيبه ... يرمى ويقرف «3» بالذي لم يفعل
# PageV02P021
# لقي بكر بن عبد الله أخا له فقال: إذا أردت أن تلقى من النعمة عليك أعظم
~~منها عليه وهو أشكر للنعمة لقيته، وإذا شئت أن تلقى من أنت أعظم منه جرما
~~وهو أخوف لله منك لقيته. أرأيت لو صحبك رجلان: أحدهما مهتوك لك ستره ولا
~~يذنب ذنبا إلا رأيته ولا يقول هجرا إلا سمعته فأنت تحبه على ذلك وتوافقه
~~وتكره أن تفارقه، والآخر مستور عنك أمره غير أنك تظن به السوء فأنت تبغضه،
~~أعدلت بينهما؟ قال: لا؛ قال: فهل مثلي ومثلك ومثل من أنت راء من الناس إلا
~~كذلك؟ إنا نعرف الحق في الغيب من أنفسنا فنحبها على ذلك، ونتظنن الظنون على
~~غيرنا فنبغضهم على ذلك. ثم قال: أنزل الناس منك ثلاث منازل، فاجعل من هو
~~أكبر منك سنا بمنزلة أبيك، ومن هو تربك بمنزلة أخيك، ومن هو دونك بمنزلة
~~ولدك، ثم انظر أي هؤلاء تحب أن تهتك له سترا أو تبدي له عورة!.
# سعيد بن واقد المزني قال: حدثنا صالح بن الصقر عن عبد الله بن زهير قال:
~~وفد العلاء «1» بن الحضرمي على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أتقرأ من
~~القرآن شيئا؟ فقرأ عبس وزاد فيها من عنده؛ وهو الذي أخرج من الحبلى، نسمة
~~تسعى، من بين شراسيف «2» وحشى؛ فصاح به النبي صلى الله عليه وسلم وقال له:
~~كف فإن السورة كافية» . ثم قال: هل تروي من الشعر شيئا فأنشده: [طويل]
# حي ذوي الأضغان تسب قلوبهم ... تحيتك القربى فقد ترقع النعل
# وإن دحسوا «3» بالكره فاعف تكرما ... وإن خنسوا عنك الحديث فلا تسل
# PageV02P022
# فإن الذي يؤذيك منه سماعه ... وإن الذي قالوا وراءك لم يقل «1»
# فقال النبي عليه السلام: «إن من الشعر حكما وإن من البيان سحرا» .
# وحدثني أبو حاتم عن الأصمعي: قال: قال رجل لبكر بن محمد بن علقمة: بلغني
~~أنك تقع في؛ قال: أنت إذا أكرم علي من نفسي!. وقال بعض الشعراء: [بسيط]
# لا تلتمس من مساوي الناس ما ستروا ... فيكشف الله سترا عن مساويكا
# واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ... ولا تعب أحدا منهم بما فيكا
# وقال أبو الدرداء: لا يحرز الإنسان من شرار الناس إلا قبره.
# قال عمر بن عبد العزيز لمزاحم مولاه: إن الولاة جعلوا العيون على العوام
~~وأنا أجعلك عيني على نفسي، فإن سمعت مني كلمة تربأ بي عنها أو فعالا لا
~~تحبه فعظني عنده وانهني عنه.
# العتبي قال: تنقص ابن لعامر بن عبد الله بن الزبير علي بن أبي طالب عليه
~~السلام؛ فقال له أبوه: لا تتنقصه يا بني، فإن بني مروان ما زالوا يشتمونه
~~ستين سنة فلم يزده الله إلا رفعة، وإن الدين لم يبن شيئا فهدمته الدنيا،
~~وإن الدنيا لم تبن شيئا إلا عادت على ما بنت فهدمته. وقال بعض الشعراء «2»
~~: [كامل]
# إبدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
# PageV02P023
# فهناك تعذر إن وعظت ويقتدى ... بالقول منك ويقبل التعليم
# لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك، إذا فعلت، عظيم «1»
# وقال آخر: [طويل]
# ويأخذ عيب الناس من عيب نفسه ... مراد لعمري ما أراد قريب
# وقال آخر: [طويل]
# لك الخير، لم نفسا عليك ذونوبها ... ودع لوم نفس ما عليك تليم «2»
# وكيف ترى في عين صاحبك القذى ... ويخفى قذى عينيك وهو عظيم
# كان رجل من المتزمتين «3» لا يزال يعيب النبيذ وشرابه فإذا وجده سرا
~~شربه؛ فقال فيه بعض جيرانه: [طويل]
# وعيابة للشرب لو أن أمه ... تبول نبيذا لم يزل يستبيلها
# قال رجل لعمرو بن عبيد: إني لأرحمك مما تقول الناس فيك؛ قال:
# أفتسمعني أقول فيهم شيئا؟ قال: لا؛ قال: إياهم فارحم.
# قال أعرابي لامرأته: [متقارب]
# وإما هلكت فلا تنكحي ... ظلوم العشيرة حسادها
# يرى مجده ثلب أعراضها ... لديه ويبغض من سادها «4»
# PageV02P024
### | باب السعاية
# روى وكيع عن أبيه عن عطاء بن السائب قال: قدمت من مكة فلقيني الشعبي
~~فقال: يا أبا زيد أطرفنا مما سمعت؛ قلت: سمعت عبد الرحمن بن عبد الله بن
~~سابط يقول: لا يسكن مكة سافك دم، ولا آكل ربا، ولا مشاء «1» بنميم؛ فعجبت
~~منه حين عدل النميمة بسفك الدماء وأكل الربا، فقال الشعبي: وما يعجبك من
~~هذا؟ وهل تسفك الدماء وتركب العظائم إلا بالنميمة؟
# عاتب مصعب بن الزبير الأحنف بن قيس على شيء بلغه عنه، فاعتذر إليه الأحنف
~~من ذلك ودفعه؛ فقال مصعب: أخبرني بذلك الثقة؛ فقال الأحنف: كلا أيها
~~الأمير، إن الثقة لا يبلغ. قال الأعشى: [طويل]
# ومن يطع الواشين لا يتركوا له ... صديقا وإن كان الحبيب المقربا
# وذكر السعاة عند المأمون فقال رجل ممن حضر؛ يا أمير المؤمنين، لو لم يكن
~~من عيبهم إلا أنهم أصدق ما يكونون، أبغض ما يكونون إلى الله لكفاهم.
# سعى رجل إلى بلال بن أبي بردة برجل؛ فقال له: إنصرف حتى أسأل عما ذكرت،
~~وبعث في المسألة عن الساعي فإذا هو لغير أبيه الذي يدعى له، فقال بلال:
~~أخبرنا أبو عمرو قال: حدثني أبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
# «الساعي بالناس لغير رشدة» «2» . وقال الشاعر: [وافر]
# إذا الواشي نعى يوما صديقا ... فلا تدع الصديق لقول واشي «3»
# PageV02P025
# أتى رجل الوليد بن عبد الملك وهو على دمشق لأبيه، فقال: للأمير عندي
~~نصيحة؛ فقال: إن كانت لنا فأظهرها، وإن كانت لغيرنا فلا حاجة لنا فيها؛
~~قال: جار لي عصى وفر من بعثه؛ قال: أما أنت فتخبر أنك جار سوء، فإن شئت
~~أرسلنا معك، فإن كنت صادقا أقصيناك، وإن كنت كاذبا عاقبناك، وإن شئت
~~تاركناك؛ قال: بل تاركني.
# وقال عبدة بن الطبيب «1» : [كامل]
# واعصوا الذي يسدي النميمة بينكم ... متنصحا وهو السمام «2» المنقع
# يزجي عقاربه ليبعث بينكم ... حربا كما بعث العروق الأخدع «3»
# حران لا يشفي غليل فؤاده ... عسل بماء في الإناء مشعشع «4»
# لا تأمنوا قوما يشب صبيهم ... بين القبائل بالعداوة ينسع «5»
# إن الذين ترونهم خلانكم ... يشفي صداع رؤوسهم أن تصرعوا
# فضلت عداوتهم على أحلامهم ... وأبت ضباب «6» صدورهم لا تنزع
# قوم إذا دمس الظلام «7» عليهم ... حدجوا قنافذ بالنميمة تمزع
# PageV02P026
# وقال أبو دهبل «1» الجمحي: [طويل]
# وقد قطع الواشون ما كان بيننا ... ونحن إلى أن يوصل الحبل أحوج
# رأوا عورة فاستقبلوها بألبهم «2» ... فراحوا على ما لا نحب وأدلجوا
# وكانوا أناسا كنت آمن غيبهم ... فلم ينههم حلم ولم يتحرجوا
# وقال بشار: [خفيف]
# تشتهي قربك الرباب وتخشى ... عين واش وتتقي أسماعه
# أنت من قلبها محل شراب ... تشتهي شربه وتخشى صداعه
# وقال أبو نواس: [منسرح]
# كنت من الحب في ذرى نيق ... أرود منه مراد موموق «3»
# حتى ثناني عنه تخلق وا ... ش كذبة لفها بتزويق
# جبت قفا ما نمته معتذرا ... منه وقد فزت بعد تخريق
# كقول كسرى فيما تمثله ... من فرص اللص ضجة السوق
# وقرأت في كتاب للهند: قلما يمنع القلب من القول إذا تردد عليه، فإن الماء
~~ألين من القول والحجر أصلب من القلب، وإذا انحدر عليه وطال ذلك أثر فيه،
~~وقد تقطع الشجرة بالفؤوس فتنبت ويقطع اللحم بالسيوف فيندمل واللسان لا
~~يندمل جرحه، والنصول تغيب في الجوف فتنزع والقول إذا وصل إلى القلب لم
~~ينزع، ولكل حريق مطفىء: للنار الماء، وللسم الدواء، وللحزن الصبر، وللعشق
~~الفرقة، ونار الحقد لا تخبو.
# PageV02P027
# وقال طرفة بن العبد: [كامل]
# وتصد عنك مخيلة الرجل ال ... عريض «1» موضحة عن العظم
# بحسام سيفك أو لسانك وال ... كلم الأصيل كأوسع الكلم «2»
# ونحوه قوله: [بسيط]
# والقول ينفذ ما لا ينفذ الإبر
# وقال امرؤ القيس: [متقارب]
# وجرح اللسان كجرح اليد
# سأل رجل عبد الملك بن مروان الخلوة؛ فقال لأصحابه: إذا شئتم تنحوا؛ فلما
~~تهيأ الرجل للكلام قال له: إياك وأن تمدحني فإني أعرف بنفسي منك، أو تكذبني
~~فإنه لا رأي لكذوب، أو تسعى بأحد إلي، وإن شئت أن أقيلك أقلتك؛ قال: أقلني.
# وقال ذو الرياستين: قبول السعاية شر من السعاية، لأن السعاية دلالة
~~والقبول إجازة، وليس من دل على شيء كمن قبل وأجاز، فامقت الساعي على سعايته
~~وإن كان صادقا للؤمه في هتك العورة وإضاعة الحرمة، وعاقبة إن كان كاذبا
~~لجمعه بين هتك العورة وإضاعة الحرمة مبارزة لله بقول البهتان والزور.
# وقال بعض المحدثين لعبد الصمد «3» بن المعذل: [طويل]
# لعمرك ما سب الأمير عدوه ... ولكنما سب الأمير المبلغ
# PageV02P028
# وقال رجل للوليد بن عبد الملك: إن فلانا شتمك؛ فأكب ثم قال: أراه شتمك.
~~وأتى رجل ابن عمر فقال له: إن فلانا شتمك؛ فقال له: إني وأخي عاصما لا نساب
~~أحدا.
# عوانة قال: كان بين حاتم طيء وبين أوس «1» بن حارثة ألطف ما يكون بين
~~اثنين؛ فقال النعمان بن المنذر لجلسائه: والله لأفسدن ما بينهما؛ قالوا:
# لا تقدر على ذلك؛ قال: بلى، فقلما جرت الرجال في شيء إلا بلغته؛ فدخل
~~عليه أوس؛ فقال: يا أوس، ما الذي يقول حاتم؟ قال: وما يقول؟
# قال: يقول إنه أفضل منك وأشرف؛ قال: أبيت اللعن، صدق! والله لو كنت أنا
~~وأهلي وولدي لحاتم لأنهبنا في مجلس واحد، ثم خرج وهو يقول «2» : [طويل]
# يقول لي النعمان لا من نصيحة ... أرى حاتما في قوله متطاولا
# له فوقنا باع كما قال حاتم ... وما النصح فيما بيننا كان حاولا
# ثم دخل عليه حاتم فقال له مثل مقالته لأوس؛ قال: صدق، أين عسى أن أقع من
~~أوس! له عشرة ذكور أخسهم أفضل مني، ثم خرج وهو يقول: [طويل]
# يسائلني النعمان كي يستزلني ... وهيهات لي أن أستضام فأصرعا
# كفاني نقصا أن أضيم عشيرتي ... بقول أرى في غيره متوسعا
# فقال النعمان: ما سمعت بأكرم من هذين الرجلين.
# ذكر يعقوب بن داود أيام كان مع المهدي أنه وافاه في يوم واحد ثمانون
# PageV02P029
# رقعة كلها سعاية، منها ستون لأهل البصرة، وعشرون لسائر البلاد.
# وشى واش برجل إلى الإسكندر؛ فقال له: أتحب أن أقبل منك ما قلت فيه على أن
~~نقبل منه ما قال فيك؟ قال: لا؛ قال: فكف عن الشر يكف عنك الشر.
# كتب بعض إحواننا من الكتاب إلى عامل وكان سعي به إليه: لست أنفك فيما
~~بيني وبينك من إحدى أربع: إما كنت محسنا وإنك لكذلك فاربب، أو مسيئا ولست
~~به فأبق، أو أكون ذا ذنب ولم أتعمد فتغمد، أو مقروفا وقد تلحق به حيل
~~الأشرار فتثبت ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم
# «1» .
### | باب الكذب والقحة
# «2»
# حدثني أحمد بن الخليل قال: حدثنا سليمان بن داود عن مسلمة بن علقمة عن
~~داود بن أبي هند عن شهر بن حوشب عن الزبرقان عن النواس بن سمعان قال: قال
~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يصلح الكذب إلا في ثلاثة مواضع:
# الحرب فإنها خدعة والرجل يصلح بين اثنين والرجل يرضي امرأته» .
# حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا بربر بن هارون قال: أخبرنا سفيان ابن حسين
~~عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
~~وسلم: «لم يكذب من قال خيرا وأصلح بين اثنين» .
# PageV02P030
# قال: حدثني عبدة بن عبد الله قال: حدثنا أبو داود عن عمران عن قتادة قال:
~~قال أبو الأسود الدؤلي: إذا سرك أن تكذب صاحبك فلقنه.
# حدثني محمد بن داود عن سويد بن سعيد عن مالك عن صفوان بن سليم قال: قيل
~~للنبي صلى الله عليه وسلم: «أيكون المؤمن جبانا؟ قال: نعم قال: أفيكون
~~بخيلا؟ قال: نعم قال: أفيكون كذابا؟ قال: لا» . قال: حدثني سهل بن محمد عن
~~الأصمعي قال: عاتب إنسان كذابا على الكذب؛ فقال: يا ابن أخي، لو تغرغرت «1»
~~به ما صبرت عنه. قال: وقيل لكذوب: أصدقت قط؟ قال: أكره أن أقول لا فأصدق.
~~وقال ابن عباس: الحدث حدثان: حدث من فيك وحدث من فرجك. وقال مديني: من ثقل
~~على صديقه خف على عدوه، ومن أسرع إلى الناس بما يكرهون قالوا فيه ما لا
~~يعلمون. ومثله قول الشاعر: [سريع]
# ومن دعا الناس إلى ذمه ... ذموه بالحق وبالباطل
# مقالة السوء إلى أهلها ... أسرع من منحدر سائل
# بلغني عن وكيع عن أبيه عن منصور قال: قال مجاهد: كل ما أصاب الصائم شوى
~~«2» ما خلا الغيبة والكذب. وقال سليمان بن سعد: لو صحبني رجل فقال: اشترط
~~خصلة واحدة لا يزيد عليها، لقلت لا تكذبني. كان ابن عباس يقول: الكذب فجور،
~~والنميمة سحر، فمن كذب فقد فجر، ومن نم فقد سحر. وكان يقال: أسرع الاستماع
~~وأبطىء التحقيق. قال الأحنف: ما
# PageV02P031
# خان شريف ولا كذب عاقل ولا اغتاب مؤمن. وكانوا يحلفون فيحنثون «1»
~~ويقولون فلا يكذبون. ذم رجل رجلا فقال: اجتمع فيه ثلاثة: طبيعة العقعق «2»
~~يعني السرق، وروغان الثعلب يعني الخب، ولمعان البرق يعني الكذب.
# ويقال الأذلاء أربعة: النمام والكذاب والمدين والفقير. قال ابن المقفع:
~~لا تهاونن بإرسال الكذبة في الهزل فإنها تسرع في إبطال الحق. وقال الأحنف:
# اثنان لا يجتمعان أبدا: الكذب والمروءة. وقالوا: من شرف الصدق أن صاحبه
~~يصدق على عدوه. وقال الأحنف لابنه: يا بني، اتخذ الكذب كنزا؛ أي لا تخرجه.
~~وقيل لأعرابي كان يسهب في حديثه: أما لحديثك هذا آخر؟
# فقال: إذا انقطع وصلته. وقال ابن عمر: زعموا زاملة «3» الكذب. كان يقال:
# علة الكذوب أقبح علة، وزلة المتوقي أشد زلة. كان المهلب كذابا وكان يقال
~~له: راح يكذب. وفيه يقول الشاعر «4» [وافر]
# تبدلت المنابر من قريش ... مزونيا بفقحته «5» الصليب
# فأصبح قافلا كرم وجود «6» ... وأصبح قادما كذب وحوب
# قال رجل لأبي حنيفة: ما كذبت كذبة قط؛ قال: أما هذه فواحدة يشهد
# PageV02P032
# بها عليك. قال ميمون بن ميمون: من عرف بالصدق جاز كذبه، ومن عرف بالكذب
~~لم يجز صدقه. قال أبو حية النميري- وكان كذابا-: عن لي ظبي فرميته فراغ عن
~~سهمي فعارضه والله السهم، فراغ فراوغه السهم حتى صرعه ببعض الخبارات «1» .
~~وقال أيضا: رميت ظبية فلما نفذ السهم ذكرت بالظبية حبيبة لي فشددت وراء
~~السهم حتى قبضت على قذذه «2» . وصف أعرابي امرأة فقيل: ما بلغ من شدة حبك
~~لها؟ قال: إني لأذكرها وبيني وبينها عقبة الطائف فأجد من ذكرها ريح المسك.
# أنشد الفرزدق سليمان بن عبد الملك: [وافر]
# ثلاث واثنتان فهن خمس ... وسادسة تميل إلى شمام «3»
# فبتن بجانبي مصرعات ... وبت أفض أغلاق الختام
# كأن مفالق الرمان فيها «4» ... وجمر غضا قعدن عليه حامي «5»
# فقال له سليمان: ويحك يا فرزدق، أحللت بنفسك العقوبة، أقررت عندي بالزنا
~~وأنا إمام ولا بد لي من أن أحدك؛ فقال الفرزدق: بأي شيء أوجبت علي ذلك؟
~~قال: بكتاب الله؛ قال: فإن كتاب الله هو الذي يدرأ عني الحد؛ قال: وأين؟
~~قال: في قوله: والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم
~~يقولون ما لا يفعلون
# «6» فأنا قلت: يا أمير المؤمنين،
# PageV02P033
# ما لم أفعل؛ وقول الشاعر: [رجز]
# وإنما الشاعر مجنون كلب ... أكثر ما يأتي على فيه الكذب
# وقال الشاعر: [مجزوء الكامل]
# حسب الكذوب من البلي ... ية بعض ما يحكى عليه
# مهما سمعت بكذبة ... من غيره نسبت إليه
# وقال بشار: [كامل]
# ورضيت من طول العناء بيأسه ... واليأس أيسر من عدات «1» الكاذب
# والعرب تقول: «أكذب من سالئة «2» » وهي تكذب مخافة العين على سمنها.
# و «أكذب من مجرب» لأنه يخاف أن يطلب من هنائه «3» . و «أكذب من يلمع» وهو
~~السراب. منصور ابن سلمة الخزاعي قال: حدثنا شبيب بن شيبة أبو معمر الخطيب
~~قال: سمعت ابن سيرين يقول: الكلام أوسع من أن يكذب ظريف.
# وقال في قول الله عز وجل: لا تؤاخذني بما نسيت
# «4» لم ينس ولكنها من
# PageV02P034
# معاريض الكلام. وقال القيني: أصدق في صغار ما يضرني لأصدق في كبار ما
~~ينفعني. وكان يقول: أنا رجل لا أبالي ما استقبلت به الأحرار. نافر رجل من
~~جرم رجلا من الأنصار إلى رجل من قريش، فقال للجرمي: أبالجاهلية تفاخره أم
~~بالإسلام؟ فقال: بالإسلام؛ فقال: كيف تفاخره وهم آووا رسول الله ونصروه حتى
~~أظهر الله الإسلام؟ قال الجرمي: فكيف تكون قلة الحياء. وقال آخر: إنما قويت
~~على خصومي بأني لم أستتر قط بشيء من القبيح. وذكر أعرابي رجلا فقال: لو دق
~~وجهه بالحجارة لرضها، ولو خلا بأستار الكعبة لسرقها. قيل لرجل من بني أسد:
~~بأي شيء غلبت الناس؟ قال: أبهت الأحياء وأستشهد الموتى. وقال طريح «1»
~~الثقفي يذم قوما: [بسيط]
# إن يعلموا الخير يخفوه وإن علموا ... شرا أذيع وإن لم يعلموا كذبوا
# وكان يقال: اثنان لا يتفقان أبدا: القناعة والحسد، واثنان لا يفترقان
~~أبدا: الحرص والقحة، وقال الشاعر: [مجزوء الكامل]
# إن يبخلو أو يغدروا ... أو يفخروا لا يحفلوا
# يغدوا عليك مرجلي «2» ... ن كأنهم لم يفعلوا
# كأبي براقش «3» كل لو ... ن لونه يتخيل
# هجا أبو الهول الحميري الفضل بن يحيى ثم أتاه راغبا إليه؛ فقال له
# PageV02P035
# الفضل: ويلك بأي وجه تلقاني! قال: بالوجه الذي ألقى به ربي وذنوبي إليه
~~أكثر؛ فضحك ووصله.
# ومن أمثال العرب في الوقاح «رمتني بدائها وانسلت» . وقال الشاعر:
# [طويل]
# أكول لأرزاق العباد إذا شتا ... صبور على سوء الثناء «1» وقاح
# قال رجل لقوم يغتابون ويكذبون: توضأوا فإن ما تقولون شر من الحدث. وبلغني
~~عن حماد بن زيد عن هشام عن محمد قال: قلت لعبيدة: ما يوجب الوضوء؟ قال:
~~الحدث وأذى المسلم. روى الصلت بن دينار عن عقبة عن أنس بن مالك قال: بعثني
~~أبو موسى الأشعري من البصرة إلى عمر؛ فسألني عن أحوال الناس ثم قال: كيف
~~يصلح أهل بلد جل أهله هذان الحيان: بكر بن وائل وبنو تميم، كذب بكر وبخل
~~تميم. ذكر بعض الحكماء أعاجيب البحر وتزيد البحريين فقال: البحر كثير
~~العجائب، وأهله أصحاب تزيد، فأفسدوا بقليل الكذب كثير الصدق، وأدخلوا ما
~~يكون فيما يكاد لا يكون، وجعلوا تصديق الناس لهم في غريب الأحاديث سلما إلى
~~ادعاء المحال.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: كان يقال: الصدق أحيانا محرم.
# حدثني شيخ لنا عن أبي معاوية قال: حدثنا أبو حنيفة عن معن بن عبد الرحمن
~~عن أبيه قال: قال عبد الله بن مسعود: ما كذبت على عهد النبي صلى الله عليه
~~وسلم إلا كذبة واحدة، كنت أرحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من
~~الطائف فقلت:
# هذا يغلبني على الرحال؛ أي الرحال أحب إلى رسول الله؟ فقلت: الطائفية
# PageV02P036
# المكية، فرحل بها؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رحل لنا هذا»
~~فقالوا: الطائفي؛ فقال: «مروا عبد الله فليرحل لنا» فعدت إلى الرحال.
### | باب سوء الخلق وسوء الجوار والسباب والشر
# حدثني زياد بن يحيى قال: حدثنا أبو داود عن صدقة بن موسى عن مالك بن
~~دينار عن عبد الله بن غالب عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله
~~عليه وسلم: «خصلتان لا تجتمعان في مؤمن سوء الخلق والبخل» .
# قال: وحدثني أحمد بن الخليل عن أزهر بن جميل عن إسماعيل بن حكيم عن الفضل
~~بن عيسى عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قيل: يا رسول الله ما الشؤم؟ قال:
~~«سوء الخلق» .
# قال: وحدثني أبو الخطاب قال: حدثنا بشر بن المفضل قال: حدثنا يونس عن
~~الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المستبان ما قالا فعلى
~~البادىء منهما ما لم يعتد المظلوم» .
# قال: وحدثني سهل بن محمد عن الأصمعي قال: حدثني شيخ بمنى قال: صحب أيوب
~~رجل في طريق مكة فآذاه الرجل بسوء خلقه؛ فقال أيوب:
# إني لأرحمه لسوء خلقه.
# قال: وحدثني عبد الرحمن عن الأصمعي قال: قال أبو الأسود: لو أطعنا
~~المساكين في أموالنا كنا أسوأ حالا منهم. وأوصى بنيه فقال: لا تجاودوا الله
~~فإنه أمجد وأجود، ولو شاء أن يوسع على الناس كلهم حتى لا يكون محتاج لفعل،
~~فلا تجهدوا أنفسكم في التوسع فتهلكوا هزلا. قال: وسمع رجلا يقول: من يعشي
~~الجائع؟ فقال: علي به، فعشاه ثم ذهب ليخرج؛ فقال: أين تريد؟؛ قال: أريد
~~أهلي؛ قال: هيهات، علي ألا تؤذي المسلمين
# PageV02P037
# الليلة، ووضع في رجله الأدهم حتى أصبح. قال: وأكل أعرابي معه تمرا فسقطت
~~من يد الأعرابي تمرة فأخذها وقال: لا أدعها للشيطان؛ فقال أبو الأسود: لا
~~والله ولا لجبريل. نظر ابن «1» الزبير يوما إلى رجل وقد دق في صدور أهل
~~الشام ثلاثة أرماح فقال: اعتزل حربنا فإن بيت المال لا يقوم لهذا، وذكر أبو
~~عبيدة «2» أنه كان يأكل في كل سبعة أيام أكلة ويقول في خطبته: إنما بطني
~~شبر في شبر وما عسى أن يكفيني. وقال أبو وجزة «3» مولى آل الزبير: [بسيط]
# لو كان بطنك شبرا قد شبعت وقد ... أفضلت فضلا «4» كثيرا للمساكين
# فإن تصبك من الأيام جائحة «5» ... لانبك «6» منك على دنيا ولا دين
# وفيها يقول: [بسيط]
# ما زلت في سورة الأعراف تدرسها ... حتى فؤادك مثل الحز في اللين
# وفيها يقول:
# إن امرأ كنت مولاه فضيعني ... يرجو الفلاح لعندي حق مغبون
# وفيه يقول آخر: [طويل]
# رأيت أبا بكر- وربك غالب ... على أمره- يبغي الخلافة بالتمر
# PageV02P038
# هذا حين قال: أكلتم تمري وعصيتم أمري. وقال بعض الشعراء: [كامل]
# من دون سيبك لون ليل مظلم ... وحفيف نافجة وكلب موسد «1»
# وأخوك محتمل عليك ضغينة ... ومسيف «2» قومك لائم لا يحمد
# والضيف عندك مثل أسود سالخ «3» ... لا بل أحبهما إليك الأسود
# ومدح أعرابي سعيد «4» بن سلم فقال: [طويل]
# أيا ساريا بالليل لا تخش ضلة ... سعيد بن سلم ضوء كل بلاد
# لنا سيد أربى على كل سيد ... جواد حثا في وجه كل جواد «5»
# فلم يعطه شيئا، فقال يهجوه: [طويل]
# لكل أخي مدح ثواب يعده ... وليس لمدح الباهلي ثواب
# مدحت ابن سلم والمديح مهزة ... فكان كصفوان عليه تراب «6»
# وقال فيهم الممزق الحضرمي «7» : [وافر]
# إذا ولدت حليلة باهلي ... غلاما زيد في عدد اللئام
# PageV02P039
# وعرض الباهلي وإن توقى ... عليه مثل منديل الطعام
# ولو كان الخليفة باهليا ... لقصر عن مساماة الكرام
# ودخل قدامة بن جعدة على قتيبة بن مسلم فقال: أصلح الله الأمير، بالباب
~~ألأم العرب؛ قال: ومن ذاك؟ قال: سلولي رسول محاربي إلى باهلي؛ فضحك قتيبة.
~~وقال آخر [بسيط]
# قوم إذا أكلوا أخفوا كلامهم ... واستوثقوا من رتاج «1» الباب والدار
# لا يقبس الجار منهم فضل نارهم ... ولا تكف يد عن حرمة الجار
# وقال عمر بن عبد العزيز الطائي من أهل حمص: [بسيط]
# سمت المديح رجالا دون قدرهم ... صد قبيح ولفظ ليس بالحسن
# فلم أفز منهمو إلا بما حملت ... رجل البعوضة من فخارة اللبن.
# وقال آخر: [طويل]
# ألام وأعطي والبخيل مجاوري ... إلى جنب بيتي لا يلام ولا يعطي
# ونحو هذا قولهم: منع الجميع أرضى للجميع. وقال بشار: [كامل]
# أعطى البخيل فما انتفعت به ... وكذاك من يعطيك من كدره «2»
# قيل لخالد بن صفوان: مالك لا تنفق فإن مالك عريض؟ قال: الدهر أعرض منه:
~~قيل له: كأنك تأمل أن تعيش الدهر كله؟ قال: ولا أخاف «3» أن أموت في أوله.
# PageV02P040
# قال الجاحظ: قلت مرة للحزامي: قد رضيت بقول الناس: عبد الله بخيل؛ قال:
~~لا أعدمني الله هذا الاسم؛ قلت: كيف؟ قال: لأنه لا يقال فلان بخيلا إلا وهو
~~ذو مال، فسلم لي المال وادعني بأي اسم شئت؛ قلت: ولا يقال سخي إلا وهو ذو
~~مال، فقد جمع هذا الاسم المال والحمد وجمع هذا الاسم المال والذم؛ قال:
~~بينهما فرق؛ قلت: هاته: قال: في قولهم بخيل تثبيت لإقامة المال في ملكه،
~~وفي قولهم: سخي إخبار عن خروج المال عن ملكه، واسم البخل اسم فيه حزم وذم،
~~واسم السخاء اسم فيه تضييع وحمد، والمال راهن «1» نافع ومكرم لأهله معز،
~~والحمد ريح وسخرية واستماعه ضعف وفسولة «2» ، وما أقل، والله، غناء الحمد
~~عنه إذا جاع بطنه وعري جلده وضاع عياله وشمت عدوه! وكان محمد بن الجهم
~~يقول: من شأن من استغنى عنك ألا يقيم عليك، ومن احتاج إليك ألا يذهب عنك،
~~فمن ضن بصديقه وأحب الاستكثار منه وأحب التمتع به احتال في دوام رغبته بأن
~~يقيم له ما يقوته ويمنعه ما يغنيه عنه، فإن من الزهد فيه أن تغنيه عنك ومن
~~الرغبة فيه أن تحوجه إليك؛ وإبقاؤك مع الضن به أكرم من إغنائك له مع الزهد
~~فيه؛ وقيل في مثل: «أجع كلبك يتبعك» . فمن أغنى صديقه فقد أعانه على الغدر
~~وقطع أسبابه من الشكر؛ والمعين على الغدر شريك الغادر، كما أن مزين الفجور
~~شريك الفاجر. قال: وأوصى عند موته وقال في وصيته: يزعمون أن رسول الله صلى
~~الله عليه وسلم قال: «الثلث، والثلث كثير» ؛ وأنا أزعم أن ثلث الثلث كثير،
~~والمساكين حقوقهم في بيت المال، إن طلبوا طلب الرجال أخذوه، وإن جلسوا جلوس
~~النساء
# PageV02P041
# منعوه، فلا يرغم الله إلا أنفهم ولا يرحم الله من يرحمهم.
# تقدم رجلان من قريش إلى سوار أحدهما ينازع مولى له في حد أرض أقطعها أبوه
~~مولاه؛ فقال سوار: أتنازع مولاك في حد أرض أقطعها أبوك إياه!؛ فقال: الشحيح
~~أعذر من الظالم؛ فرفع سوار يده ثم قال: اللهم اردد على قريش أخطارها «1» .
# وقال الخزرجي «2» : [خفيف]
# إن جود المكي جود حجازي ... ي وجود الحجاز فيه اقتصاد
# كيف ترجو النوال من كف معط ... قد غذته الأقراص والأمداد
# نظر سليمان بن مزاحم إلى درهم فقال: في شق «لا إله إلا الله محمد رسول
~~الله» وفي وجه آخر «الله لا إله إلا هو الحي القيوم» ، ما ينبغي أن يكون
~~هذا إلا معاذة وقذفه في الصندوق. أنشدنا عبد الرحمن بن هانىء صاحب الأخفش
~~عن الأخفش للخليل «3» : [متقارب]
# كفاه لم تخلقا للندى ... ولم يك بخلهما بدعه
# فكف عن الخير مقبوضة ... كما نقصت مائة «4» تسعه
# PageV02P042
# وكف ثلاثة آلافها ... وتسعمئيها لها شرعه «1»
# قل أبو علي الضرير «2» : [وافر]
# لعمر أبيك ما نسب المعلى ... إلى كرم وفي الدنيا كريم
# ولكن البلاد إذا اقشعرت ... وصوح نبتها رعي الهشيم
# وقال آخر: [متقارب]
# أمن خوف فقر، تعجلته ... وأخرت إنفاق ما تجمع
# فصرت الفقير وأنت الغني ... وهل كنت تعدو الذي تصنع؟ «3»
# خوف رجل رجلا جوادا الفقر وأمره بالإبقاء على نفسه؛ فكتب إليه: إني أكره
~~أن أترك أمرا قد وقع، لأمر لعله لا يقع. وقال أبو الشمقمق «4» : [وافر]
# رأيت الخبز عز لديك حتى ... حسبت الخبز في جو السحاب
# PageV02P043
# وما روحتنا لتذب عنا ... ولكن خفت مزرئة الذباب «1»
# وقال دعبل: [بسيط]
# صدق أليته إذ قال مجتهدا ... لا والرغيف، فذاك البر من قسمه!
# قد كان يعجبني لو أن غيرته ... على جراذقه «2» كانت على حرمه
# فإن هممت به فافتك بخبزته ... فإن موقعها من لحمه ودمه «3»
# وقال الشاعر: [مجزوء الكامل]
# أرفق بحفص حين تأ ... كل يا معاوي من طعامه
# الموت أيسر عنده ... من مضغ ضيف والتقامه
# وتراه من خوف النزي ... ل به يروع في منامه
# سيان كسر رغيفه ... أو كسر عظم من عظامه
# لا تكسرن رغيفه ... إن كنت ترغب في كلامه
# وإذا مررت ببابه ... فاحفظ رغيفك من غلامه
# وقال أبو نواس «4» : [مجزوء الرمل]
# خبز إسماعيل كالوش ... ي إذا ما انشق يرفا «5»
# PageV02P044
# عجبا من أثر الصنع ... عة فيه! كيف يخفى؟
# إن رفاءك هذا ... أحذق الأمة كفا
# فإذا قابل بالنص ... ف من الجردق «1» نصفا
# أحكم الصنعة حتى ... لا ترى موضع «2» إشفى
# مثل ما جاء من التن ... نور ما غادر حرفا
# وله في الماء أيضا ... عمل أبدع ظرفا
# مزجه العذب بماء ال ... بئر كي يزداد ضعفا
# فهو لا يشرب «3» منه ... مثل ما يشرب صرفا
### | باب الحمق
# قال الشعبي لرجل استجهله: ما أحوجك إلى محدرج شديد الفتل جيد الجلاز عظيم
~~الثمرة لدن المهزة يأخذ منك فيما بين عجب الذنب «4» ومغرز العنق فتكثر له
~~رقصاتك من غير جذل؛ فقال: وما هذا؟ فقال: بعض الأمر.
# قال: حدثني القومسي عن محمد بن الصلت الأسدي عن أحمد بن بشير عن الأعمش
~~عن سلمة بن كهيل عن عطاء عن جابر قال: كان في بني إسرائيل رجل له حمار،
~~فقال يا رب، لو كان لك حمار لعلفته مع حماري هذا؛ فهم به نبي، فأوحى الله
~~إليه: إنما أثيب كل إنسان على قدر عقله.
# PageV02P045
# حدثني محمد بن خالد بن خداش عن أبيه عن حماد بن زيد عن هشام ابن حسان عن
~~محمد بن سيرين أن رجلا رأى في المنام أن له غنما وكأنه يعطى بها ثمانية
~~ثمانية، ففتح عينه فلم ير شيئا، فغمض عينه ومد يده وقال:
# هاتوا أربعة أربعة.
# مر رجل من العباد وعلى عنقه عصا في طرفيها زبيلان «1» قد كادا يحطمانه،
~~في أحدهما بر وفي الآخر تراب، فقيل له: ما هذا؟ قال: عدلت البر بهذا
~~التراب، لأنه كان قد أمالني في أحد جانبي فأخذ رجل زبيل التراب فقلبه وجعل
~~البر نصفين في الزبيلين وقال له: احمل الآن؛ فحمله، فلما رآه خفيفا قال: ما
~~أعقلك من شيخ! حفر أعرابي لقوم قبرا في أيام الطاعون بدرهمين، فلما أعطوه
~~الدرهمين قال: بأبي دعوهما عندكم حتى يجتمع لي ثمن ثوب. كانت أم عمرو بنت
~~جندب بن عمرو بن جمعة السدوسي عند عثمان بن عفان، وكانت حمقاء تجعل
~~الخنفساء في فيها ثم تقول: حاجيتك ما في فمي؟ وهي أم عمرو وأبان ابني
~~عثمان.
# إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا زيد بن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه
~~عن جده قال: رأيت طارقا وهو وال لبعض الخلفاء من بني أمية على المدينة يدعو
~~بالغداء فيتغدى على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون فيه العظم
~~الممخ فينكته على رمانة المنير فيأكله.
# قال أم غزوان الرقاشي لابنها- ورأته يقرأ في المصحف-: يا غزوان،
# PageV02P046
# أما تجد فيه بعيرا لنا ضل في الجاهلية؟ فما كهرها «1» وقال: يا أمه، أجد
~~والله فيه وعدا حسنا ووعيدا شديدا.
# سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى قال: قال ابن أبي عتيق لرجل: ما اسمك؟
~~قال: وثاب؛ قال: فما كان اسم كلبك؟ قال: عمرو؛ قال:
# واخلافاه! قال أبو الدرداء: علامة الجاهل ثلاث: العجب، وكثرة المنطق فيما
~~لا يعنيه، وأن ينهى عن شيء ويأتيه. أغمي على رجل من الأزدفصاح النساء
~~واجتمع الجيران وبعث أخوه إلى غاسل الموتى فجاء فوجده حيا بعد: فقال أخوه:
~~اغسله فإنك لا تفرغ من غسله حتى يقضي. وقال أردشير: بحسبكم دلالة على عيب
~~الجهل أن كل إنسان ينتفي منه ويغضب إذا نسب إليه. وكان يقال: لا يغرنك من
~~الجاهل قرابة ولا أخوة ولا إلف فإن أحق الناس بتحريق النار أقربهم منها.
# قال عمر بن عبد العزيز: خصلتان لا تعدمانك من الجاهل: كثرة الإلتفات
~~وسرعة الجواب. وقال عمر بن الخطاب: إياك ومؤاخاة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك
~~فيضرك. وقال بعضهم: لأن أزاول أحمق أحب إلي من أن أزاول نصف أحمق، يعني
~~الأحمق المتعاقل. وقال هشام بن عبد الملك:
# يعرف حمق الرجل بأربعة: بطول لحيته، وبشناعة كنيته، ونقش خاتمه، وإفراط
~~شهوته؛ فدخل عليه ذات يوم شيخ طويل العثنون «2» ، فقال هشام: أما هذا فقد
~~جاء بواحدة، فانظروا أين هو من الثلاث؛ فقيل له: ما كنيتك؟ فقال:
# PageV02P047
# أبو الياقوت؛ وقالوا: ما نقش خاتمك؟ قال: وجاؤ على قميصه بدم كذب «1»
# . وفي حكاية أخرى وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد
# «2» ؛ فقيل له: أي الطعام تشتهي؟ فقال: جلنجبين «3» ، وفي حكاية أخرى
~~مصاصة «4» .
# سمع عمر بن عبد العزيز رجلا ينادي رجلا: يا أبا العمرين، فقال: لو كان له
~~عقل كفاه أحدهما. وقال أبو العاج يوما لجلسائه- وكان يلي واسط-:
# إن الطويل لا يخلو من أن يكون فيه إحدى ثلاث: أن يفرق الكلاب، أو يكون في
~~رجله قرحة، أو يكون أحمق، وما زلت وأنا صغير في رجلي قرحة، وما فرق الكلاب
~~أحد فرقي، وأما الحمق فأنتم أعلم بواليكم. ويقال: الأحمق أعلم بشأنه من
~~العاقل بشأن غيره. وقال بشار: [طويل]
# خليلي إن العسر سوف يفيق ... وإن يسارا في غد لخليق
# وما كنت إلا كالزمان إذا صحا ... صحوت وإن ماق الزمان أموق «5»
# ذريني أشب همي براح فإنني ... أرى الدهر فيه كربة ومضيق
# وقال رجل: فلان إلى من يداوي عقله أحوج منه إلى من يداوي بدنه.
# قيل لبعض الحكماء: متى يكون الأدب شرا من عدمه؟ قال: إذا كثر الأدب ونقص
~~العقل.
# PageV02P048
# وقرأت في كتاب للهند: من الحمق التماس الرجل الإخوان بغير وفاء، والأجر
~~بالرياء، ومودة النساء بالغلظة، ونفع نفسه بضر غيره، والعلم والفضل بالدعة
~~والخفض. وفيه: ثلاثة يهزأ بهم: مدعي الحرب ولقاء الزحوف وشدة النكاية في
~~الأعداء وبدنه سليم لا أثر به، ومنتحل علم الدين والاجتهاد في العبادة وهو
~~غليظ الرقبة أسمن من الأثمة، والمرأة الخلية تعيب ذات الزوج.
# وفيه: من يعمل بجهل خمسة: مستعمل الرماد في جنته بدلا من الزبل، ومظهر
~~مستور عورته، والرجل يتزيا بزي المرأة والمرأة تتزيا بزي الرجل، والمتملك
~~في بيت مضيفه، والمتكلم بما لا يعنيه ولا يسأل عنه. وفيه: الأدب يذهب عن
~~العاقل السكر ويزيد الأحمق سكرا، كما أن النهار يزيد كل ذي بصر بصرا ويزيد
~~الخفافيش سوء بصر. وكانوا يكرهون أن يزيد منطق الرجل على عقله.
# قال الشاعر في جاهل: [منسرح]
# ما لي أرى الناس يأخذون ويع ... طون ويستمتعون بالنشب «1»
# وأنت مثل الحمار أبهم لا ... تشكو جراحات ألسن العرب
# سمع الأحنف رجلا يقول: ما أبالي أمدحت أم هجيت، فقال الأحنف:
# إسترحت من حيث تعب الكرام.
# كان عامر بن كريز أبو عبد الله بن عامر من حمقى قريش، نظر إلى ابنه عبد
~~الله وهو يخطب فأقبل على رجل إلى جانبه وقال: إنه والله خرج من هذا وأشار
~~إلى ذكره «2» .
# PageV02P049
# ومن حمقى قريش العاص بن هشام أخو أبي جهل وكان أبو لهب قامره فقمره ماله
~~ثم داره ثم قليله وكثيره وأهله ونفسه فاتخذه عبدا وأسلمه قينا، فلما كان
~~يوم بدر بعث به عن نفسه فقتل ببدر كافرا، قتله عمر بن الخطاب، وكان خال
~~عمر. ومن حمقى قريش الأحوص بن جعفر بن عمرو بن حريث، قال له يوما مجالسوه:
~~ما بال وجهك أصفر! أتشتكي شيئا؟ وأعادوا عليه ذلك، فرجع إلى أهله يلومهم
~~ويقول لهم: أنا شاك ولا تعلمونني! ألقوا علي الثياب وابعثوا إلى الطبيب.
~~وتمارض مرة فعاده أصحابه وجعل لا يتكلم، فدخل شراعة بن عبيد الله بن
~~الزندبوذ وكان أملح أهل الكوفة، فعرف أنه متمارض فقال: يا فلان، كنا أمس
~~بالحيرة فأخذنا الخمر ثلاثين قنينة بدرهم، والخمر يومئذ ثلاث قناني بدرهم،
~~فرفع الأحوص رأسه وقال: كذا مني في كذا من أم الكاذب، واستوى جالسا، فنثر
~~أهله على شراعة السكر؛ فقال له شراعة: اجلس لا جلست وهات شرابك، فشربا
~~يومهما.
# ومن حمقى قريش بكار بن عبد الملك بن مروان، وكان أبو ه ينهاه أن يجالس
~~خالد بن يزيد بن معاوية لما يعرف من حمق ابنه، فجلس يوما إلى خالد، فقال
~~بكار: أنا والله كما قال الأول: [بسيط]
# مردد في بني اللخناء ترديدا
# وكان له باز فقال لصاحب الشرطة: أغلق أبواب المدينة لئلا يخرج البازي.
# ومن حمقى قريش معاوية بن مروان أخو عبد الملك بن مروان. بينا هو واقف
~~بباب دمشق ينتظر عبد الملك على باب طحان نظر إلى حمار الطحان بدور الرحا
~~وفي عنقه جلجل، فقال للطحان: لم جعلت في عنق الحمار
# PageV02P050
# جلجلا؟ فقال: ربما أدركتني سامة أو نعسة فإذا لم أسمع صوت الجلجل علمت
~~أنه قام فصحت به؛ فقال معاوية: أرأيت إن قام وحرك رأسه ما علمك أنه قائم؟
~~قال الطحان: ومن لحماري بمثل عقل الأمير!. وقال معاوية هذا لأبي امرأته؛
~~ملأتنا ابنتك البارحة بالدم؛ فقال: إنها من نسوة يخبأن ذلك لأزواجهن. وقال
~~له أيضا يوما آخر: لقد نكحت ابنتك بعصبة ما رأت مثلها قط؛ قال: لو كنت
~~عنينا ما زوجناك.
# ومن حمقى قريش سليمان بن يزيد بن عبد الملك، قال يوما لعن الله الوليد
~~أخي فإنه كان فاجرا، والله لقد أرادني على أن يفعل بي؛ فقال له قائل:
# أسكت فوالله لئن كان هم لقد فعل.
# خطب سعيد بن العاص عائشة بنت عثمان على أخيه، فقالت: هو أحمق لا أتزوجه
~~أبدا، له برذونان «1» أشهبان فهو يحتمل مؤونة اثنين وهما عند الناس واحد.
~~وأخبرني رجل أنه كان له صديق له برذونان في شية «2» واحدة فكنا لا نظن إلا
~~أن له برذونا واحدا، وغلامان يسميان جميعا بفتح، وكان إذا دعا واحدا قال:
~~يا فتح الكبير، وإذا دعا الآخر قال: يا فتح الصغير.
# قال أبو عبيدة: أرسل ابن لعجل «3» بن لجيم فرسا له في حلبة فجاء سابقا،
~~فقال لأبيه: يا أبت، بأي شيء أسميه؟ فقال: إفقأ إحدى عينيه وسمه الأعور.
~~وقال الشاعر: [طويل]
# رمتني بنو عجل بداء أبيهم ... وأي عباد الله أنوك من عجل!
# PageV02P051
# أليس أبوهم عار عين جواده ... فأضحت به الأمثال تضرب في الجهل «1»
# ومن عجل دغة «2» التي يضرب بها المثل في الجهل، فيقال: هي دغة بنت مغنج؛
~~ويقال: دغة لقب، واسمها مارية بنت زمعة. قال أبو اليقظان:
# ومن عجل حيان بن غضبان ورث نصف دار أبيه فقال: أريد أن أبيع حصتي من
~~الدار وأشتري النصف الباقي فتصير كلها لي.
# ومن القبائل المشهور فيها الحمق الأزد. قال رجل منهم في المهلب بن أبي
~~صفرة: [رجز]
# نعم أمير الرفقة المهلب ... أبيض وضاح كتيس الحلب «3»
# ينقض بالقوم انقضاض الكوكب
# فلما أنشده المهلب قال: حسبك رحمك الله!.
# ومن أشعارهم: [بسيط]
# PageV02P052
# يا رب جارية في الحي حالية ... كأنها عومة «1» في جوف راقود
# وقال آخر منهم: [طويل]
# زياد بن عمرو عينه تحت حاجبه ... وأسنانه بيض وقد طر «2» شاربه
# وقال عمر بن لجإ «3» يصف إبلا:
# تصطك ألحيها على دلائها «4» ... تلاطم الأزد على عطائها
# وقال أبو حية النميري: [كامل]
# وكأن غلى دنانهم في دورهم ... لغط العتيك «5» على خوان زياد
# كتب مسلمة بن عبد الملك إلى يزيد بن المهلب: والله ما أنت بصاحب هذا
~~الأمر، صاحب هذا الأمر مغمور موتور وأنت مشهور غير موتور؛ فقام إليه رجل من
~~الأزد فقال: قدم ابنك مخلدا حتى يقتل فتصير موتورا.
# قام رجل من الأزد إلى عبيد الله بن زياد فقال: أصلح الله الأمير، إن
~~امرأتي هلكت وأردت أن أتزوج أمها وأزوج ابني ابنتها وهذا عريفي «6» ، فأعني
~~في الصداق؛ فقال: في كم أنت من العطاء؟ قال: في سبعمائة؛ قال: حطا عنه
~~أربعمائة، يكفيك ثلاثمائة.
# ومن حمقى الأزد قبيصة بن المهلب، رأى جرادا يطير فقال: لا يهولنكم
# PageV02P053
# ما ترون فإن عامتها موتى. وقال يوما: رأيت غرفة فوق بيت. وقال لغلامه:
# اذهب إلى بياض الملاء.
# ومن حمقى العرب كلاب بن صعصعة، خرج إخوته يشترون خيلا وخرج معهم كلاب
~~فجاء بعجل يقوده؛ فقال له إخوته: ما هذا؟ قال: فرس اشتريته؛ قالوا: يا
~~مائق، هذه بقرة أما ترى قرنيها! فرجع إلى بيته فقطع قرنيها، فأولاده يدعون
~~«بني فارس البقرة» . قال الكميت «1» : [طويل]
# ولولا أمير المؤمنين وذبه ... بخيل عن العجل المبرقع» ما صهل
# وكان شذرة بن الزبرقان من الحمقى، دخل يوم الجمعة المسجد فأخذ بعضادتي
~~«3» الباب ثم قال: السلام عليكم، أيلج شذرة؟ فقالوا له: هذا يوم لا يستأذن
~~فيه؛ قال: أفيلج مثلي على جماعة مثل هؤلاء ولا يعرف مكانه؟
# عوانة قال: استعمل معاوية رجلا من كلب؛ فذكر المجوس يوما فقال: لعن الله
~~المجوس ينكحون أمهاتهم، والله لو أعطيت عشرة آلاف ما نكحت أمي؛ فبلغ ذلك
~~معاوية، فقال: قبحه الله! أترونه لو زادوه فعل! وعزله.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: سأل القوم الحارث بن جران أن يعينهم في
~~تأسيس مسجد؛ فقال: قيروه وعلي الودع.
# خطب والي اليمامة فقال: إن الله لا يقار على المعاصي عباده، وقد أهلك أمة
~~عظيمة في ناقة ما كانت تساوي مائتي درهم؛ فسمي مقوم الناقة.
# شرد بعير لهبنقة، واسمه يزيد بن ثروان، فقال: من وجد بعيري فهو
# PageV02P054
# له؛ فقيل له: وما ينفعك من هذا؟ قال: إنكم لا تدرون ما حلاوة الوجدان.
# وقال المنصور للربيع: كيف تعرف الريح؟ قال: أنظر إلى خاتمي فإن كان سلسا
~~فهي شمال وإلا فهي جنوب؛ فسأل القاسم بن محمد الطلحي عن ذلك؛ فقال: أضرب
~~بيدي إلى خصيتي فإن كانتا قد قلصتا فهي شمال وإن كانتا متدليتين فهي جنوب.
# قال أبو كعب القاص في قصصه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في كبد
~~حمزة: ما قد علمتم فادعوا الله أن يطعمنا من كبد حمزة. وكان يقول في قصصه:
~~ليس في خير ولا فيكم، فتبلغوا بي حتى تجدوا خيرا مني. وقال هو أو غيره في
~~قصصه: كان اسم الذئب الذي أكل يوسف كذا وكذا؛ قالوا: فإن يوسف لم يأكله
~~الذئب؛ قال: فهذا اسم الذئب الذي لم يأكل يوسف.
# حدثني عبد الرحمن بن عبد الله عن عمه قال: كان قاص يقص في المسجد فيقول:
~~مثل الكافر مثل قصر الإسكاف خارجه حسن وداخله مخرأة، ومثل المؤمن مثل قصر
~~زربي «1» جداره كالح وداخله زهرة. ويقول: وما الدنيا! أخزى الله الدنيا!
~~إنما مثلها مثل أير حمار، بينا هو قد أنعظ «2» إذ طفىء.
# وقال: المؤمن غذاؤه فلقة وسمكته شلقة ودواؤه علقة ومرقته سلقة «3» .
# أصابت داود المصاب مصيبة فاغتم؛ فقال له صاحب له: لا تتهم الله
# PageV02P055
# في قضائه؛ فقال داود: أقول لك شيئا وتكتمه؟ قال: نعم: قال: والله ما
~~صاحبي غيره. واستشاره رجل في حمل أمه إلى البصرة، وقال: إن حملتها في البر
~~خفت عليها اللصوص، وإن حملتها في الماء خفت عليها الغرق؛ فقال: خذ بها
~~سفتجة «1» .
# دعا بعض السلاطين مجنونين ليضحك منهما، فأسمعاه فغضب فدعا بالسيف؛ فقال
~~أحدهما للآخر: كنا اثنين وقد صرنا ثلاثة. قال رجل لابن سيابة مولى بني أسد:
~~ما أراك تعرف الله؛ قال: أتراني لا أعرف من أجاعني وأعراني وأخزاني.
# قيل لأعرابي: كيف برك بأمك؟ قال: ما قرعتها سوطا قط. وقيل لآخر وهو يضرب
~~أمه: ويحك! تضرب أمك! فقال: أحب أن تنشأ على أدبي. وقال بعض الشعراء:
~~[طويل]
# جنونك مجنون ولست بواجد ... طبيبا يداوي من جنون جنون
# وقال آخر: [طويل]
# وكيف يفيق الدهر كعب بن ناشب ... وشيطانه بين الأهلة يصرع
# وقال أعرابي وذكر الله عز وجل: [كامل]
# خلق السماء وأهلها في جمعة ... وأبوك يمدر حوضه «2» في عام
# كان أبو العاج والي واسط، وأتاه صاحب شرطته بقوادة فقال: أصلح الله
~~الأمير، هذه قوادة؛ قال: وأي شيء تصنع؟ قال: تجمع بين الرجال
# PageV02P056
# والنساء؛ قال: لماذا؟ قال: للزنا؛ قال: وإنما أتيتني بها لتعرفها منزلي!
~~خل عنها لعنك الله. وأتاه يوما بمخنث؛ فقال له: ما هذا؟ قال: مخنث؛ قال:
~~وما يصنع؟ قال: ينكح كما تنكح المرأة؛ قال: يبذل هذا استه وأحظر أنا عليه!
~~اذهب يا ابن أخي فارتد لها.
# خطب وكيع بن أبي سود بخراسان فقال: إن الله خلق السموات والأرض في ستة
~~أشهر؛ فقيل له: إنها ستة أيام؛ فقال: والله لقد قلتها وأنا أستقلها.
# تغدى رجل عند سليمان بن عبد الملك وهو يومئذ ولي عهد وقدامة جدي، فقال له
~~سليمان: كل من كليته فإنها تزيد في الدماغ؛ فقال: لو كان هذا هكذا كان رأس
~~الأمير مثل رأس البغل.
# أبو عبيدة: أجريت الخيل فطلع منها فرس سابق فجعل رجل من النظارة يكبر
~~ويثب من الفرح؛ فقال له رجل إلى جانبه: يا فتى، هذا الفرس فرسك؟
# قال: لا ولكن اللجام لي. دخل أبو عتاب على عمرو بن هداب وقد كف بصره
~~والناس يعزونه، فقال: يا أبا زيد، لا يسوءنك ذهابهما، فإنك لو رأيت ثوابهما
~~في ميزانك تمنيت أن الله قطع يديك ورجليك ودق ظهرك. كان رجل يقود أعمى
~~بكراء، فكان الأعمى ربما عثر فيقول: اللهم أبدلني به قائدا خيرا منه؛ ويقول
~~القائد: اللهم أبدلني أعمى خيرا منه.
# ادعى أبو بكر الشيباني إلى العرب ذات ليلة فأصبح من الغد على الشمس فقعد
~~فيها فثارت به مرة، فجعل يحك جسده بأظفاره خمشا ويقول:
# إنما نحن إبل؛ فقال له قائل: والله إنك تشبه العرب؛ فغضب وقال: أيقال لي
# PageV02P057
# هذا! إنا والله حرباء تنضبة «1» ، يشهد لي سواد لوني وغؤور «2» عيني وحبي
~~للشمس.
# قيل لأبي السفاح عند موته: أوصه؛ فقال: إنا لكرام قوم طخفة «3» ؛ قالوا:
~~قل خيرا يا أبا السفاح؛ فقال: إن أحبت امرأتي فأعطوها بعيرا؛ قالوا:
# قل خيرا؛ قال: إذا مات غلامي فهو حر. وقيل لرجل عند موته: قل لا إله إلا
~~الله، فأعرض، فأعادوا عليه مرارا، فقال: أخبروني عن أبي طالب أقالها عند
~~موته؟ قالوا: وما أنت وأبو طالب! قال: لا أرغب بنفسي عنه. ولما احتضر
~~العجير السلولي قال لقوم عنده: أنا في آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من
~~أيام الآخرة، والله لئن وجدت لي عند الله موضعا لأكلمنه فيكم. وقيل لأوس
~~ابن حارثة عند موته: قل لا إله إلا الله، فقال: لم يأن لها بعد. وقيل لآخر
~~عند موته: ألا توصي؟ قال: أنا مغفور لي؛ قالوا: قل إن شاء الله، قال: قد
~~شاء الله ذلك، قالوا: لا تدع الوصية، فقال لبني أخيه: [رجز]
# بني حريث ارفعا وسادي ... واحتفظا بالجلة الجلاد
# فإنما حولكما الأعادي
# قال سهل بن هارون: ثلاثة من المجانين وإن كانوا عقلاء: الغضبان
# PageV02P058
# والغيران والسكران؛ قالوا: فما تقول في المنعظ «1» ؟ فضحك وقال: [وافر]
# وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذي لا تصبحينا «2»
# قال الوليد: ألا إن أمير المؤمنين عبد الملك كان يقول: إن الحجاج جلدة ما
~~بين عيني، ألا وإن الحجاج جلدة وجهي كله.
# خطب عتاب «3» بن ورقاء فحث على الجهاد وقال: هذا كما قال الله تعالى:
~~[خفيف]
# كتب القتل والقتال علينا ... وعلى الغانيات جر الذيول
# وقال آخر في الربيع والي اليمامة: [طويل]
# شهدت بأن الله حق لقاؤه ... وأن الربيع العامري رقيع
# أقاد لنا كلبا بكلب ولم يدع ... دماء كلاب المسلمين تضيع
# دخل شاب على المنصور فسأله عن وفاة أبيه، فقال: مات رحمه الله يوم كذا
~~وكذا، وكان مرضه رضي الله عنه كذا وكذا، وترك عفا الله عنه من المال كذا
~~وكذا؛ فانتهره الربيع وقال: أبين يدي أمير المؤمنين توالي الدعاء لأبيك؟
~~فقال الشاب: لا ألومك، إنك لم تعرف حلاوة الآباء؛ فما علم أن المنصور ضحك
~~مثل ضحكه يومئذ. وكان الربيع لقيطا.
# دخل رجل من بني هاشم على المنصور فاستجلسه ودعا بغدائه فقال للفتى: أدنه؛
~~فقال: قد تغديت؛ فلما خرج استخف به الربيع ودفع في قفاه،
# PageV02P059
# وقال: هذا كان يسلم من بعيد وينصرف، فلما استدناه أمير المؤمنين وأمره
~~بالجلوس ودعاه إلى طعامه تبذل بين يديه فبلغ من جهل بفضيلة المنزلة التي
~~صيره فيها أن قال: قد تغديت، وإذا ليس عنده لمن تغدى مع أمير المؤمنين إلا
~~سد خلة الجوع.
# يونس الهجري قال: مات رجل من جند أهل الشام فحضر الحجاج جنازته، وكان
~~عظيم القدر، فصلى وجلس على قبره وقال: لينزل قبره بعض إخوانه؛ فنزل نفر
~~منهم، فقال أحدهم وهو يسوي عليه: رحمك الله أبا فلان! إن كنت ما علمتك
~~لتجيد الغناء وتسرع رب الكأس، ولقد وقعت في موقع سوء لا تخرج منه إلى الدكة
~~«1» ؛ فما تمالك الحجاج أن ضحك فأكثر، وكان لا يكثر الضحك في جد ولا هزل،
~~ثم قال له: لا أم لك! هذا موضع هذا! قال: أصلح الله الأمير، فرسي حبيس لو
~~سمعه يتغنى: [مديد]
# يا لبيني أوقدي النارا «2»
# لانتشر الأمير على سعنة «3» ، وكان الميت يلقب سعنة، وكان من أوحش خلق
~~الله صورة وأدمهم؛ فقال الحجاج: إنا لله! أخرجوه عن القبر، ثم قال: ما أبين
~~حجة أهل العراق في جهلكم يا أهل الشام. ولم يبق أحد حضر القبر إلا استفرغ
~~ضحكا تبع داود بن المعتمر امرأة ظن أنها من الفواسد، فقال لها: لولا ما
~~رأيت عليك من سيما الخير لم أتبعك؛ فضحكت المرأة وأسندت ظهرها إلى الحائط
# PageV02P060
# ثم قالت: إنما يعتصم مثلي من مثلك بسيما الخير، فإذا صار سيما الخير هو
~~الدال لمثلك على مثلي فالله المستعان. كان بهلول المجنون يتغنى بقيراط ولا
~~يسكت إلا بدانق «1» . وكان رجل يهوى جارية تختلف في حوائج أهلها، وكانت إذا
~~خرجت إلى السوق ولم يعلم بخروجها ثم رجعت فرآها قال وهو يسمعها:
# لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير
# «2» ، وإن وعدته شيئا فأخلفت قال: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا
~~تفعلون
# «3» ، فإن تغضبت لشيء بلغها عنه قال: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق
~~بنبإ فتبينوا
# «4» .
# مر بعض الحمقى بامرأة قاعدة على قبر وهي تبكي، فرق لها وقال: من هذا
~~الميت؟ قالت: زوجي؛ قال: فما كان عمله؟ قالت: يحفر القبور؛ قال:
# أبعده الله أما علم أن من حفر حفرة وقع فيها! أحدث رجل من الحمقى ليلة
~~على باب رجل، فلما خرج الرجل زلق ووقع على ذراعه فانكسرت، واجتمع الجيران
~~وجعلوا يختصمون ويوقعون الظنون وهو ناحية يسمع كلامهم، فلما أكثروا قال:
~~[وافر]
# رأيت الحرب يجنيها رجال ... ويصلى حرها قوم براء
# فأخذوه وقالوا: أنت صاحبنا. قال داود المصاب: رأيت رؤيا نصفها حق ونصفها
~~باطل، رأيت كأن على عنقي بدرة «5» فمن ثقلها أحدثت فاستيقظت فرأيت الحدث
~~ولم أر البدرة. رئي أعرابي يبكي بكاء شديدا، فسئل عن سبب
# PageV02P061
# بكائه فقال: بلغني أن جالوت قتل مظلوما. رأى رجل أحمق شيخا في الحمام
~~أعكن «1» البطن، فقال له: يا عم، إني أشتهي أن أضع هذا- يعني ذكره- في
~~سرتك؛ فقال له الشيخ: يا ابن أخي، فأين يكون استك حينئذ. نزل يهودي على
~~أعرابي فمات عنده، فقام الأعربي يصلي عليه فقال: اللهم إنه ضيف وحق الضيف
~~ما قد علمت، فأمهلنا إلى أن نقضي ذمامه ثم شأنك والكلب.
# وحدثني عبد الرحمن عن الأصمعي قال: كان بين اثنين عبد فقام أحدهما فجعل
~~يضربه؛ فقال له الآخر شريكه: ما تصنع! قال: إنما أضرب حصتي. قال أعرابي
~~لرجل: ما اسمك؟ قال: عبد الله، قال: ابن من؟ قال:
# ابن عبيد الله، قال: أبو من؟ قال: أبو عبد الرحمن، قال: أشهد إنك لتلوذ
~~بالله لواذ يتيم جبان. قال بعضهم: رأيت رجلين بالبصرة على باب مويس
~~يتنازعان في العنب النيروزي والرازقي: أيهما أطيب، فجرى بينهما كلام إلى أن
~~تواثبا، فقطع الكوفي إصبع البصري وفقأ البصري عين الكوفي، ثم لم ألبث إلا
~~يسيرا حتى رأيتهما متصافيين متنادمين.
# قال: وقال ثمامة: مررت في غب سماء والأرض ندية والسماء متغيمة والريح
~~شمال وإذا شيخ أصفر كأنه جرادة، وقد قعد على قارعة الطريق وحجام يحجمه على
~~كاهله وأخدعيه بمحاجم كأنها قعاب وقد مص دمه حتى كاد يستفرغه؛ فوقفت وقلت:
~~يا شيخ لم تحتجم؟ قال: لمكان الصفار الذي بي.
# أتى الطمحان قوما يعود عليلا لهم فعزاهم به؛ قالوا: إنه لم يمت؛ فرجع وهو
~~يقول: يموت إن شاء الله، يموت إن شاء الله.
# أبو حاتم عن الأصمعي عن نافع قال: كان الغاضري من أحمق الناس؛
# PageV02P062
# فقيل له: ما حمقه؟ فجعل يتربث «1» ، فلما أكثر عليه قال: قال لي مرة:
~~البحر من حفره؟ وها حفر فأين نبيثته «2» ؟ أترى أمير المؤمنين يقدر على أن
~~يحفر مثله في ثلاثة أيام؟
# دخل رجل من الحمقى من الشعراء على رجل من الأشراف يقال في نسبه، فقال:
~~إني قد امتدحتك بشعر لم تمدح قط بأنفع لك منه؛ قال: ما أحوجني إلى المنفعة
~~فهاته؛ فقال: [سريع]
# سألت عن أصلك فيما مضى ... أبناء سبعين وقد نيفوا
# فكلهم يخبرني أنه ... مهذب جوهره يعرق
# فقال له: قم في لعنة الله وفي سخطه! لعنك الله ولعن من سألت ومن أجابك.
# وحدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: جاء رجل من الأعراب إلى عمه فقال: يا عم
~~إن ولد جارية آل فلان مني فافتده، ففعل؛ ثم جاءه مرة أخرى فقال له مثل ذلك؛
~~فقال له عمه؛ لو عزلت! قال: بلغني أن العزل مكروه.
# قال: وحدثنا الأصمعي قال: بلغني عن شيخ جزع على ميت جزعا شديدا؛ فقيل له
~~في ذلك؛ فقال: نحن قوم لم نتعود الموت.
# أبو الحسن الجعفري قال: قيل لكردم السدوسي: كل؛ قال: ما أريد؛ قيل: ولم؟
~~قال: أكلت قليل أرز «3» فأكثرت منه. ضل بعير لأعرابي فجعل ينشده إلى أن دخل
~~الإمارة فأخذ منها بعيرا؛ فقيل له: إن بعيرك كان أعرابيا؛ قال: إنه لما أكل
~~من مال الإمارة تبخت «4» .
# PageV02P063
# الهيثم عن ابن عباس قال: لما ولي مروان وجه جيش حبيش بن دلجة القيني إلى
~~المدينة وكان يصعد المنبر ومعه الكتلة من التمر فيأكلها ثم يلقي النوى على
~~وجوه أهل المدينة يمينا وشمالا، ثم يقول: يا أهل المدينة، إني لأعلم أن هذا
~~المكان في حرمته وموضعه ليس موضع أكل ولا شرب، ولكني أحب أن أريكم هوانكم.
~~قيل لمعلم بن معلم: مالك أحمق؟ قال: لو لم أكن أحمق كنت ولد زنا. قال بعض
~~الشعراء [طويل]
# فإن كنت قد بايعت مروان طائعا ... فصرت إذا بعد المشيب معلما
# وقال آخر: [طويل]
# وكيف ترجي العقل والرأي عند من ... يروح على أنثى ويغدو على طفل
# ابن المدائني قال: تحول أبو عبد الله الكرخي إلى الخريبة «1» فادعى الفقه
~~وظن أن ذلك يجوز لمكان لحيته وسمته، فألقى على باب داره البواري «2» وجلس
~~فجلس إليه قوم فقال له رجل منهم: يا أبا عبد الله، رجل في الصلاة أدخل
~~إصبعه في أنفه فخرج عليها دم، أي شيء يصنع؟ قال: يحتجم رحمك الله؛ فقال له
~~السائل: ظننت أنك فقيه ولم أدر أنك طبيب. قال رجل للشعبي: إني أجد في قفاي
~~حكة فترى لي أن أحتجم؟ فقال الشعبي: الحمد الله الذي نقلنا من الفقه إلى
~~الحجامة. وقال له آخر: رجل استمنى في يوم من شهر رمضان هل يؤجر؟ قال: أوما
~~يرضى أن يفلت رأسا برأس. نازع التيمي رجل من بني عمه في حائط بينهما فبعث
~~إلى قوم يشهدهم، فأتاه جماعة من القبائل، فوقف بهم على ذلك الحائط وقال:
~~أشهدكم جميعا أن
# PageV02P064
# نصف هذا الحائط لي. وقدم آخر رجلا إلى القاضي في شيء يدعيه عليه، فأنكر
~~الرجل، فقال: أيها القاضي، أكتب إنكاره؛ فقال القاضي: الإنكار في يدك متى
~~شئت.
# قال مسعدة بن طارق الذراع: إنا لوقوف على حدود دار لنقسمها ونحن في
~~خصومة، إذ أقبل سيد بني تميم وموسرهم والمصلي على جنائزهم، فأمسكنا عن
~~الكلام؛ فقال: حدثوني عن هذه الدار هل ضم منها بعضنا إلى بعض أحدا؟ قال
~~مسعدة: فأنا منذ ستين سنة أفكر في كلامه فما أدري ما عنى. أتت جارية أبا
~~ضمضم فقال: إن هذا قبلني؛ فقال: يا فتى، أذعن لها بحقها، قبليه عافاك الله
~~كما قبلك، فإن الله يقول: والجروح قصاص
# «1» .
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: ألقيت على رجل فريضة فاشتدت عليه فجعل
~~يحسب غيرها؛ فقالوا له في ذلك؛ فقال: عسى أن يكون ترك غير ما ذكروا، حدثني
~~محمد بن عمر عن ابن كناسة قال: قال بعض الطالبيين لأشعب: لو رويت الحديث
~~وتركت النوادر كان أنبل لك؛ قال: والله قد سمعت الحديث ورويته؛ قال:
~~فحدثنا؛ قال: حدثني نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
~~«خلتان من كانتا فيه كان من خالصة الله» ؛ قال: هذا حديث حسن فما هما؟ قال:
~~نسي نافع واحدة ونسيت أنا الأخرى. وكان بالبصرة ثلاثة إخوة من ولد عتاب بن
~~أسيد كان أحدهم يحج عن حمزة ويقول: أستشهد قبل أن يحج، وكان الآخر يضحي عن
~~أبي بكر وعمر ويقول أخص؟؟؟ لسنة في ترك الأضحية، وكان الآخر يفطر عن عائشة
~~أيام
# PageV02P065
# التشريق ويقول: غلطت في صومها أيام العيد، فمن صام عن أبيه وأمه فأنا
~~أفطر عن أمي عائشة.
# قال ثمامة: كنا في منزل رجل من الدهاقين «1» وفينا شيخ منهم، فأتى رب
~~البيت بدهن طيب فدهن بعضنا رأسه وبعضنا لحيته ومسح بعضنا شاربه وبعضنا
~~يديه، فقال أحدهم: ادهنوا أستاهكم «2» تأمنوا الحزاز «3» ، وأمروها على
~~وجوهكم؛ فأخذ شيخ منهم بطرف إصبعه فأدخله في أنفه ومسح حاجبيه، فعمد الشيخ
~~إلى بقية الدهن فصبه في أذنه؛ فقلنا له: ويحك! هل رأيت أحدا أتي بدهن طيب
~~فصبه في أذنه؟ قال: إنه مع هذا يضرني.
# قال عبد الله بن المبارك: كان عندنا رجل يكنى أبا خارجة، فقلت له:
# لم كنوك أبا خارجة؟ قال: لأني ولدت يوم دخل سليمان بن علي البصرة. قال
~~عمرو بن بحر: ذكر لي ذاكر عن شيخ من الإباضية أنه جرى ذكر الشيعة عنده
~~فأنكر ذلك واشتد غضبه؛ فقلت له: ما أنكرت؟ قال: أنكر مكان الشين في أول
~~الكلمة لأني لم أجدها قط إلا في مسخوط عليه مثل شؤم وشر وشيطان وشح وشغب
~~وشيب وشك وشرك وشتم وشيعة وشطرنج وشاكي وشانىء وشجج وشوصة «4» وشابشتى
~~وشكوى؛ فقلت: ما تقوم بهؤلاء قائمة أبدا. قال:
# وسمعت رجلا يقول: عجبت لمن يأخذه النوم وهو لا يزعم أن الاستطاعة مع
~~الفعل؛ فقلت له: ما الدليل على ذلك؟ فقال: سبحان الله! الأشعار الصحاح؛
~~قلت: مثل ماذا؟ قال: مثل قول رؤبة «5» : [رجز] ما إن يقعن الأرض إلا وفقا
# PageV02P066
# وقوله «1» : [رجز]
# يهوين شتى ويقعن وفقا «2»
# وقوله: [طويل]
# مكر مقر مقبل مدبر معا «3»
# وقولهم في المثل: «وقعا كعكمي «4» عير» ثم قال: هل في هذا مقنع؟ قلت: بلى
~~وفي دون هذا.
# وعد رجل رجلا من الحمقى أن يهدي له من مكة نعلا، فطال عليه الإنتظار،
~~فأخذ قارورة فبال فيها ثم أتى بها الطبيب ثم قال: أنظر في هذا الماء هل
~~يهدي لي بعض إخواني نعلا حضرمية؟. وقال الزيادي: مر أشعب برجل يعمل طبقا
~~وقال له: زد فيه طوقا؛ قال: ولم؟ قال: لعله يهدي لي فيه شيء.
# أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثنا إبراهيم بن القعقاع قال: رأيت أشعب بسوق
~~المدينة معه قطيفة قد ذهب خملها وهو يقول: من يشتري مني
# PageV02P067
# الرمدة «1» ؟ فأتاه رجل فساومه؛ قال: أبرأ إليك من عيب فيها؛ قال: وما
~~هو؟
# قال: تحترق إن أنت لبستها.
# سقط أعرابي من بعير له، فانكسرت ضلع من أضلاعه فأتى الجابر يستوصفه؛
~~فقال: خذ تمرا جيدا فانزع أقماعه ونواه واعجنه بسمن ثم اضمده عليه؛ قال: أي
~~بأبي أنت من داخل أم من خارج؟ قال: من خارج؛ قال: لا أبا لشانئك هو من داخل
~~أنفع لي؛ قال: ضعه حيث تعلم أنه أنفع.
# مات ابن صغير لأعرابي، فقيل له: نرجو أن يكون لك شفيعا؛ فقال:
# لا وكلنا الله إلى شفاعته، حسبه المسكين أن يقوم بأمر نفسه.
# جاء أعرابي إلى المسجد والإمام يخطب، فقال لبعض القوم: ما هذا؟
# قال: يدعون الناس إلى الطعام؛ قال: فما يقول صاحب المنبر؟ قال: يقول ما
~~يرضى الأعراب أن يأكلوا حتى يحملوا معهم؛ فتخطى الأعرابي الناس حتى دنا من
~~الوالي فقال: يا هذا، إن الذين يفعلون ما تقول سفهاؤنا.
# أخذ الحجاج لصا أعرابيا فضربه سبعمائة سوط فكلما قرعه بسوط قال:
# اللهم شكرا؛ فأتاه ابن عم له فقال: والله ما دعا الحجاج إلى التمادي في
~~ضربك إلا كثرة شكرك، لأن الله يقول: لئن شكرتم لأزيدنكم
# «2» ؛ فقال: إن هذا في كتاب الله؟ فقال: اللهم نعم؛ فأنشأ الأعرابي يقول:
~~[رجز]
# يا رب، لا شكر فلا تزدني ... أسرفت في شكرك فاعف عني
# باعد ثواب الشاكرين مني
# فبلغ الحجاج فخلي سبيله. جاء أعرابي إلى صيرفي بدرهم؛ قال: هذا
# PageV02P068
# ستوق «1» ؛ فقال الأعرابي: وما هو الستوق بأبي أنت؟ قال: داخله نحاس
~~وخارجه فضة؛ قال: ليس كذلك؛ قال: أكسره فإن كان كذلك فأنا منه بريء؟
# قال: نعم؛ فكسره فلما رأى النحاس قال: بأبي أنت، متى أموت؟ فأنا أشهد أنك
~~تعلم الغيب.
# لما حضرت الحطيئة الوفاة قال: احملوني على حمار فإنه لم يمت عليه كريم قط
~~فلعلي أن أبقى، ثم تمثل: [طويل]
# لكل جديد لذة غير أنني ... رأيت جديد الموت غير لذيذ
# المدائني قال: دعا رجل بمكة لأمه؛ فقال له قائل: فما بال أبيك؟ قال:
# هو رجل يحتال لنفسه. قيل لأشعب: أرأيت أحدا قط أطمع منك؟ قال: نعم خرجت
~~إلى الشام فنزلت أنا ورفيق لي بدير فيه راهب، فتلاحينا في أمر فقلت: الكاذب
~~منا كذا من الراهب في كذا من أمه، فأتى الراهب وقد أنعظ «2» وهو يقول: بأبي
~~من الكاذب منكما؟. مر إسحاق بن سليمان بن علي الهاشمي بقاص وهو يقرأ:
~~يتجرعه ولا يكاد يسيغه
# «3» فتنفس ثم قال: اللهم اجعلنا ممن يتجرعه ويسيغه.
# الأصمعي عن أبيه: قلت لأعرابي: أفيكم زنا؟ قال: بالحرائر؟ ذاك عند الله
~~عظيم، ولكن مساعاة بهذه الإماء. موسى بن طلحة قال: جاءنا علي بن أبي طالب
~~رحمه الله ونحن في المسجد شباب من شباب قريش، فنحينا له عن الأسطوانة
~~وقلنا: هاهنا يا عم؛ فقال: يا بني أخي، أنتم لشيوخكم خير
# PageV02P069
# من مهرة «1» فإنه إذا كبر الشيخ فيهم شدوه عقالا ثم يقال له: ثب فيه، فإن
~~وثب خلوا سبيله وقالوا: فيه بقية من علالة، وإن لم يثب قدموه فضربوا علاوته
~~«2» وقالوا: لا يصيبك عندنا بلاء.
# قيل لبحر بن الأحنف: ما يمنعك أن تكون مثل أبيك؟ قال: الكسل.
# وقال يوما لزبراء جارية أبيه: يا زانية؛ فقالت: لو كنت كذلك جئت أباك
~~بمثلك. أبو الحسن قال: جاء قوم إلى رجل من الوجوه فقالوا له: مات جارك فلان
~~فمر لنا بكفن؛ فقال: ما عندنا اليوم شيء ولكن تعودون؛ قالوا: أفنملي إلى أن
~~يتيسر عندك شيء!. وأتى رجل رجلا فقال له: أصلحك الله، تعيرنا ثوبا نكفن فيه
~~ميتا؟. قال قاسم التمار في كلام له: بينهما كما بين السماء إلى قريب من
~~الأرض. وقال أيضا: رأيت إيوان كسرى فإذا هو كأنما رفعت اليد عنه أول من
~~أمس.
# كان عبد الملك بن هلال الهينابي له زبيل «3» مملوء حصا للتسبيح، فكان
~~يسبح بواحدة واحدة، فإذا مل طرح ثنتين ثنتين ثم ثلاثا ثلاثا، فإذا زاد
~~ملاله طرحه قبضة قبضة وقال: سبحان الله عددك، فإذا ضجر أخذ بعرى الزبيل
~~وقال: الحمد لله بعدد هذا كله. دخل قوم منزل الرستمي لأمر وقع، فحضر وقت
~~صلاة الظهر فقالوا: كيف القبلة في دارك هذه؟ فقال: إنما نزلناها منذ شهر.
# المدائني عن علي بن مجاهد عن حميد بن أبي البختري أن الشعبي
# PageV02P070
# قال: مرضت فلقيت ابن الحر فأمرني أن أمشي كل يوم إلى الثوية، فكنت أغدو
~~كل يوم إليها، فانصرفت ذات يوم فلما كنت في جهينة الظاهرة إذا شيخ منهم
~~قاعد على طنفسة «1» متكيء على وسادة، فسلمت ثم ألقيت نفسي على الرمل؛ فقال:
~~لقد جلست جلسة عاجز أو ضعيف؛ قلت: قد جمعتهما؛ قال:
# أدام الله لك ذلك. ثم قال: إن أهلي كانوا يتخوفون علي ثلاثا؛ نقصان البصر
~~وترك النساء والقطاف في المشي، فوالله إنهم ليرون الشخص واحدا وأراه اثنين،
~~ولقد تركت النساء فما لي فيهن من حاجة، وإني لأمشي فأهملج «2» ؛ قلت: أدام
~~الله لك ذلك.
# قال المدائني: ركب يزيد بن نهشل النهشلي بعيرا وقال: اللهم إنك قلت: وما
~~كنا له مقرنين
# «3» وإني لبعيري هذا لمقرن؛ فنفر به فطرحه وبقيت رجله في الغرز، فجعل
~~يضرب برأسه كل حجر ومدر «4» حتى مات.
# حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: اختصمت الطفاوة وبنو راسب «5» في رجل
~~يدعيه الفريقان إلى ابن عرباض، فقال: الحكم بينكم أبين من ذلك، يلقى في
~~النهر فإن طفا فهو لطفاوة، وإن رسب فهو لبني راسب.
# المدائني قال: لما حضرت الحطيئة الوفاة قيل له: أوص؛ قال: بم أوصي! مالي
~~للذكور دون الإناث؛ فقالوا: إن الله لم يأمر بهذا؛ فقال: لكني
# PageV02P071
# آمر به، ثم قال: ويل للشعر من راوية الشعر؛ فقيل له: أوص يا أبا مليكة
~~للمساكين بشيء؛ قال: أوصيهم بالمسألة ما عاشوا فإنها تجارة لن تبور. قيل:
# أعتق عبد يسارا؛ قال: اشهدوا أنه عبد ما بقي. قيل: فلان اليتيم ما توصي
~~فيه؟ قال: أوصي أن تأكلوا ماله وتنيكوا أمه؛ قالوا: ليس إلا هذا! قال:
# احملوني على حمار فإنه لم يمت عليه كريم لعلي أنجو؛ ومات مكانه.
# لما حضرت سعد بن زيد الوفاة جمع ولده وقال: يا بني، أوصيكم بالناس شرا
~~كلموهم نزرا، وانظروا إليهم شزرا، ولا تقبلوا لهم عذرا؛ قصروا الأعنة،
~~واشحذوا الأسنة، تأكلوا القريب، ويرهبكم البعيد. ولما حضرت وكيعا الوفاة
~~دعا بنيه فقال: يا بني، إني لأعلم أن قوما سيأتونكم قد أقرحوا جباههم
~~وعرضوا لحاهم يدعون أن لهم على أبيكم دينا فلا تقضوهم، فإن أباكم قد حمل من
~~الذنوب ما إن غفر الله له لم تضرره، وإلا فهي مع ما تقدم.
# تقدم رجل من بني العنبر إلى سوار فقال: إن أبي مات وتركني وأخا لي، وخط
~~خطين ناحية، ثم قال: وهجينا لنا، ثم خط خطا آخر ناحية، ثم قال: كيف ينقسم
~~المال بيننا؟ فقال: المال بينكم أثلاثا إن لم يكن وارث غيركم؛ فقال له: لا
~~أحسبك فهمت، إنه تركني وأخي وهجينا لنا؛ فقال سوار: المال بينكم سواء؛ فقال
~~الأعرابي أيأخذ الهجين كما آخذ ويأخذ أخي؟ قال أجل! فغضب الأعرابي وقال:
~~تعلم والله أنك قليل الخالات بالدهناء «1» ؛ فقال سوار: إذا لا يضرني ذلك
~~عند الله شيئا.
# PageV02P072
# قال بعض العمال الأعرابي: ما أحسبك تدري كم تصلي في كل يوم وليلة؛ فقال:
~~أرأيت إن أنبأتك بذلك تجعل لي عليك مسألة؟ قال: نعم: قال الأعرابي: [رجز]
# إن الصلاة أربع وأربع ... ثم ثلاث بعدهن أربع
# ثم صلاة الفجر لا تضيع
# قال: قد صدقت، فسل؛ قال: كم فقار ظهرك؟ قال: لا أدري؛ قال:
# أفتحكم بين الناس وأنت تجهل هذا من نفسك؟.
# أخبرني رجل حضر مجلس محمد بن الجهم البرمكي أنه دخل عليه رجل يكتب في
~~حوائج له؛ فقرأها ووعده قضاءها؛ فنهض وهو يدعو له وقال:
# أبقاك الله وحفظك وأتم نعمته عليك؛ فقال له محمد بن الجهم: كتابي إليك
~~وأنا في عافية.
### | طبائع الإنسان
# حدثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبه أنه وجد في
~~التوراة: إني حين خلقت آدم ركبت جسده من أربعة أشياء ثم جعلتها وراثة في
~~ولده تنمي في أجسادهم وينمون عليها إلى يوم القيامة: رطب ويابس وسخن وبارد،
~~وذلك لأني خلقته من تراب وماء ثم جعلت فيه نفسا وروحا، فيبوسة كل جسد من
~~قبل التراب، ورطوبته من قبل الماء، وحرارته من قبل النفس، وبرودته من قبل
~~الروح، ثم خلقت الجسد بعد هذا الخلق الأول أربعة أنواع من الخلق الآخر وهي
~~معلاك الجسد بإذني وقوامه، لا يقوم
# PageV02P073
# الجسد إلا بهن ولا تقوم واحدة إلا بهن، المرة الصفراء والمرة السوداء
~~والدم والبلغم، ثم أسكنت بعض هذه الخلق في بعض فجعلت مسكن اليبوسة في المرة
~~السوداء ومسكن الرطوبة في الدم ومسكن البرودة في البلغم ومسكن الحرارة في
~~المرة الصفراء، فأيما جسد اعتدلت فيه هذه الفطر الأربع فكانت كل واحدة منهن
~~ربعا لا يزيد ولا ينقص كملت صحته واعتدل بنيانه، وإن زادت واحدة منهن
~~غلبتهن وقهرتهن ومالت بهن ودخل على أخواتها السقم من ناحيتها بقدر ما زادت
~~وإذا كانت ناقصة تقل عنهن ملن بها وعلونها وأدخلن عليها السقم من نواحيهن
~~لقلتها عنهن حتى تضعف عن طاقتهن وتعجز عن مقاومتهن. قال وهب: وجعل عقله في
~~دماغه وشرهه في كليته، وغضبه في كبده، وصرامته في قلبه، ورعبه في رئته،
~~وضحكه في طحاله وحزنه وفرحه في وجهه، وجعل فيه ثلاثمائة وستين مفصلا.
# قال: حدثني زيد بن أخزم قال: حدثنا بشر بن عمر عن أبي الزناد عن أبيه عن
~~الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل ابن آدم تأكل
~~الأرض إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب» . وقالت الحكماء: الخنث يعتري
~~الأعراب والأكراد والزنج والمجانين وكل صنف إلا الخصيان فإنه لا يكون خصي
~~مخنث. وقالوا: كل ذي ريح منتنة وذفر كالتيس وما أشبهه، إذا خصي نقص نتنه
~~وذهب صنانه «1» غير الإنسان فإن نتنه يشتد وصنانه يحد وعرقه يخبث وريحه.
~~وكل شيء من الحيوان يخصى فإن عظمه يدق، فإذا دق عظمه استرخى لحمه وتبرأ من
~~عظمه خلا الإنسان فإنه إذا خصي طال عظمه وعرض.
# وقالوا: الخصي والمرأة لا يصلعان، والخصي تطول قدمه وتعظم. وبلغني أنه
~~كان لمحمد بن الجهم برذون رقيق الحافر فخصاه فجاد حافره، اعتبر ذلك
# PageV02P074
# بالإنسان إذا خصي عظمت رجله. قالوا: والخصي يشتد وقع رجله لأن معاقد عصبه
~~تسترخي، ويعتريه الاعوجاج والفدع «1» في أصابعه، وتسرع دمعته، ويتخدد «2»
~~جلده، ويسرع غضبه ورضاه، ويضيق صدره عن كتمان السر.
# ويزعم قوم أن أعمارهم تطول لترك الجماع، قالوا: وتلك علة طول عمر البغل.
~~وقالوا: علة قصر عمر العصفور كثرة سفاده «3» . قالوا: وشأن الغريق إذا كان
~~رجلا ثم ظهر على الماء أن يظهر على قفاه، وإن كان امرأة أن تظهر على وجهها.
~~والرجل إذا ضربت عنقه سقط على وجهه ثم يقلبه ذكره إذا انتفخ.
# قالوا: وفي الغلمان من لا يحتلم أبدا، وفي النساء من لا تحيض أبدا، وذلك
~~عيب. وفي الناس من لا يسقط ثغره ولا يستبدل منه، منهم عبد الصمد بن علي
~~ذكروا أنه دخل قبره برواضعه «4» . والضب لا تسقط له سن. وكذلك الخنزير لا
~~يلقي شيئا من أسنانه. ولذلك تقول العرب في مثل لها: لا آتيك سن الحسل «5»
~~يريدون لا آتيك أبدا. وتقول الأطباء: إنه ليس شيء من الحيوان يستطيع أن
~~ينظر إلى أديم السماء الا الإنسان، وذلك لكرامته على الله. ويقول بعضهم؛ إن
~~الجنين يغتذي دم الحيض يسيل إليه من السرة بغذائه؛ وقالوا: لذلك لا تحيض
~~الحوامل. وقد رأينا من الحوامل من تحيض.
# PageV02P075
# والعرب تقول: حملت فلانة سهوا، إذا حاضت على الحمل. قال الهذلي «1» يمدح
~~رجلا: [كامل]
# ومبرإ من كل غبر حيضة ... ورضاع مغيلة وداء معضل «2»
# فأعلمك أنها لم تر عليه دم حيض في حملها، ودل على أنه قد يكون.
# قالوا: فإذا خرج الجنين من الرحمن دفعت الطبيعة ذلك الدم الذي كان يغتذيه
~~إلى الثديين، وهما عضوان ناهدان عصبيان فغيراه وجعلاه لبنا. يقول الله عز
~~وجل: وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا
~~خالصا سائغا للشاربين
# «3» . قالوا: والإنسان يعيش حيث تحيا النار ويتلف حيث لا تبقى النار.
~~وأصحاب المعادن والحفائر إذا هجموا على نفق في بطن الأرض أو مغارة قدموا
~~شمعة في طرف قناة فإن ثبتت النار وعاشت دخلوا في طلب ما يريدون وإلا
~~أمسكوا. والعرب تتشاءم ببكر ولد الرجل إذا كان ذكرا.
# وكان قيس بن زهير أزرق بكرا بين بكرين.
# حدثني محمد بن عائشة عن حماد عن قتادة عن عبد الله بن الحارث بن
# PageV02P076
# نوفل قال: بكر البكرين شيطان مخلد لا يموت إلى يوم القيامة؛ يعني من
~~الشياطين. قالوا: وابن المذكرة من النساء والمؤنث من الرجال أخبث ما يكون،
~~لأنه يأخذ بأخبث خصال أبيه وخصال أمه. والعرب تذكر أن الغيرى لا تنجب. قال
~~عمرو «1» بن معد يكرب: [متقارب]
# ألست تصير إذا ما نسب ... ت بين المغارة «2» والأحمق
# وقال بعض الحكماء: كل امرأة أو دابة تبطىء عن الحبل، إذا واقعها الفحل في
~~الأيام التي يجري الماء في العود فإنها تحمل بإذن الله. قال عبيد الله بن
~~الحسن: إذا أردت أن تذكر المرأة فأغضبها ثم قع عليها. وقال الحارث ابن
~~كلدة: إذا أردت أن تحبل المرأة، فمشها في عرضة الدار عشرة أشواط فإن رحمها
~~ينزل فلا تكاد تخلف. والعرب تقول: إن المرأة إذا لقحت في قبل الطهر «3» في
~~أول الشهر عند تبلج الفجر ثم أذكرت «4» جاءت به لا يطاق. قال الشاعر وجمع
~~هذه المعاني: [خفيف]
# لقحت في الهلال عن قبل الطه ... ر وقد لاح للصباح بشير
# ويقولون: إذا أكره الرجل المرأة وهي مذعورة ثم أذكرت أنجبت. قال أبو كبير
~~الهذلي: [كامل]
# حملت به في ليلة مزؤودة «5» ... كرها وعقد نطاقها لم يحلل
# PageV02P077
# فأتت به حوش الفؤاد مبطنا ... سهدا، إذا ما نام ليل الهوجل «1»
# ومبرإ من كل غبر حيضة ... ورضاع مغيلة وداء معضل «2»
# يقول: لم تر عليه في حملها دما باقيا من حيضة ولا حملته وهي ترضع ولا
~~أرضعته وهي حامل؛ فكانت العرب تكره ذلك وتسب به. وقال رسول الله صلى الله
~~عليه وسلم» : لقد هممت أن أنهى عن الغيلة «3» ثم ذكرت أن فارس والروم
~~يفعلونه فلا يضرهم» وفي حديث آخر: «إنه ليدرك الفارس فيدعثره» أي يطرحه.
# حدثني إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا يحيى بن آدم عن الحسن قال:
# رأيت جدة ابنة إحدى وعشرين سنة. قال: وأول أوقات حمل المرأة تسع سنين،
~~وهو أول وقت الوطء. ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة وهي بنت تسع.
# وقال عبد الله بن صالح: حدثني الليث عن ابن عجلان أن امرأته حملت له مرة
~~وأقامت خمس سنين حاملا ثم ولدت له، وحملت له مرة أخرى ثلاث سنين ثم ولدت.
~~قال الليث: وحملت مولاة لعمر بن عبد العزيز ثلاث سنين حتى خافت أن يكون في
~~جوفها داء ثم ولدت غلاما، قال الليث: ورأيت أنا ذلك الغلام وكانت أمه تأتي
~~أهلنا. وفي بعض الحديث أن عيسى بن مريم عليه السلام ولدته أمه لثمانية
~~أشهر، ولذلك لا يولد مولود لثمانية أشهر فيعيش. وروى زيد بن الحباب عن ابن
~~سنان قال: حدثني ثابت بن جابان العجلي أن الضحاك بن مزاحم ولد وهو ابن ستة
~~عشر شهرا. فأما يزيد بن هارون فإنه روى عن جويبر أن الضحاك ولد لسنتين.
~~وولد شعبة لسنتين.
# PageV02P078
# حدثنا الرياشي أو رجل عنه قال: حدثنا أبو عاصم عن عبد الله بن مؤمل عن
~~ابن أبي مليكة أن عمر رحمه الله قال: يا بني السائب، إنكم قد أضويتم
~~فانكحوا في النزائع «1» . قال: وقال الأصمعي: قال رجل: بنات العم أصبر،
~~والغرائب أنجب، وما ضرب رؤوس الأبطال كابن عجمية. والعرب تقول:
# اعتربوا لا تضووا، أي انكحوا في الغرائب فإن القرائب يضوين الأولاد. قال
~~الشاعر: [رجز]
# إن بلالا لم تشنه أمه ... لم يتناسب خاله وعمه
# وقال آخر: [طويل]
# تنجبتها للنسل وهي غريبة ... فجاءت به كالبدر خرقا «2» معمما
# فلو شاتم الفتيان في الحي ظالما ... لما وجدوا غير التكذب مشتما «3»
# وكان يقال: أنجب النساء الفروك «4» ، لأن الرجل يغلبها على الشبه لزهدها
~~في الرجال.
# وحدثني أبو حاتم عن الأصمعي أن المنجبة التي تنزع بولدها إلى أكرم
~~الجدين. أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثنا حرب بن قطن قال: يقال: إن الرجل
~~يستفرغ ولد امرأتين، يولد له وهو ابن تسعين سنة. وقالت عائشة: لا تلد امرأة
~~بعد خمسين سنة. قالت الحكماء: الزنج شرار الخلق وأردؤهم تركيبا؛ لأن بلادهم
~~سخنت فأحرقتهم الأرحام، وكذلك من بردت بلاده فلم
# PageV02P079
# تطبخه الأرحام، وإنما فضل أهل بابل لعلة الاعتدال؛ قالوا: والشمس شيطت
~~«1» شعورهم فقبضتها، والشعر إذا أدنيته إلى النار تجعد، فإن زدته تفلفل،
~~فإن زدته احترق وقالوا: أطيب الأمم أفواها الزنج وإن لم تستن «2» ؛ وكل
~~إنسان رطب الفم كثير الريق فهو طيب الفم؛ وخلوف فم الصائم يكون لخثورة «3»
~~الريق؛ وكذلك الخلوف في آخر الليل. وقالت الحكاء. كل الحيوان إذا ألقي في
~~الماء سبح إلا الإنسان والقرد والفرس الأعسر «4» ، فإن هذه تغرق ولا تسبح
~~إلا أن يتعلم الإنسان السباحة. قالوا: والرجل إذا ضربت عنقه فألقي في الماء
~~قام في وسط الماء وانتصب ولم يلزم القعر جاريا كان الماء أو ساكنا، حتى إذا
~~جيف انقلب وظهر بدنه كله مستلقيا إلا المرأة فإنها تظهر منكبة على وجهها.
~~وقالوا: كل من قطعت يداه لم يجد العدو، وكذلك الطائر إذا قطعت رجلاه لم يجد
~~الطيران. قالوا: وليس في الأرض هارب من حرب أو غيرها يستعمل الحضر «5» إلا
~~أخذ عن يساره إلا أن يترك عزمه أو سوم طبيعته. ولذلك قالوا: فجاءك على
~~وحشية «6» ، وأنحى «7» على شؤمى يديه.
# وقالوا: كل ذي عين من ذوات الأربع من السباع والبهائم الوحشية والإنسية
~~فإنما الأشفار لجفنه الأعلى إلا الإنسان فإن الأشفار- نعني الهدب- لجفنيه:
# الأعلى والأسفل. قالوا: ليس في الأرض إنسان إلا وهو يطرب من صوت نفسه
~~ويعتريه الغلط في شعره وولده. قال الطائي: [كامل]
# PageV02P080
# ويسيء بالإحسان ظنا لا كمن ... هو بابنه وبشعره مفتون
# وقالوا: كل ذي جلد فإن جلده ينسلخ إلا جلد الإنسان؛ فإنه لا ينسلخ كما
~~تنسلخ جلود الأنعام ولكن اللحم يتبعه.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن ابن أبي طرفة الهذلي عن جندب بن شعيب قال:
~~إذا رأيت المولود قبل أن يغتذي من لبن أمه فعلى وجهه مصباح من البيان «1» ؛
~~يريد أن ألبان النساء تغيره؛ ولذلك قولهم: اللبن يشتبه عليه؛ يراد أنه ينزع
~~بالمولود في شبه الظئر «2» . قال الشاعر: [بسيط]
# لم أرضع الدهر إلا ثدي واحدة ... لواضح الوجه يحمي ساحة الدار.
# وحدثني الزيادي قال: حدثنا عبد الوارث عن يونس عن الحسن أن عمر أتي
~~بامرأة ولدت لستة أشهر فهم بها؛ فقال له علي: قد يكون هذا، قال الله عز
~~وجل: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا
# «3» وقال: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين
# «4» .
# أبو حاتم عن الأصمعي قال: اختصم رجلان في غلام كلاهما يدعيه؛ فسأل عمر
~~أمه؛ فقالت: غشيني أحدهما ثم هرقت دما، ثم غشيني الآخر،
# PageV02P081
# فدعا عمر قائفين «1» فسألهما؛ فقال أحدهما: أعلن أم أسر؛ قال: إشتركا
~~فيه؛ فضربه عمر حتى اضطجع ثم سأل الآخر، فقال مثل قوله؛ فقال: ما كنت أرى
~~أن مثل هذا يكون. وقد علمت أن الكلبة يسفدها «2» الكلاب فتؤدي إلى كل فحل
~~نجله. وركب الناس في أرجلهم وركب ذوات الأربع في أيديها، وكل طائر كفه في
~~رجليه.
### | ما نقص خلقه من الحيوان
# حدثني أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: الفرس لا طحال له، والبعير لا مرارة
~~له، والظليم «3» لا مخ لعظمه. قال زهير: [وافر]
# كأن الرحل منها فوق صعل «4» ... من الظلمان جؤجؤه «5» هواء
# وكذلك طير الماء وحيتان البحر لا ألسنة لها ولا أدمغة. وصفن «6» البعير
~~لا بيضة فيه. والسمكة لارئة لها ولذلك لا تتنفس، وكل ذي رئة يتنفس.
### | المشتركات من الحيوان
# الراعي «7» بين الورشان «8» والحمامة. والبخاتي «9» من الإبل بين العراب
~~«10»
# PageV02P082
# والفوالج «1» . والحمير الأخدرية من الأخدر وهو فرس كان لأردشير توحش
~~فحمى عانات «2» من الحمير فضرب فيها، وأعمارها كأعمار الخيل. والزرافة بين
~~الناقة من نوق الوحوش وبين البقرة الوحشية وبين الضبعان «3» ؛ واسمها
~~اشتركا و پلنك «4» أي بين الجمل والكركند «5» ؛ وذلك أن الضبعان ببلاد
~~الحبشة يسفد الناقة فتجيء لولد خلقه بين الناقة والضبع، فإن كان ولد الناقة
~~ذكرا عرض للمهاة «6» فألقحها زرافة. وسميت زرافة لأنها جماعة وهي واحدة
~~كأنها جمل وبقرة وضبع؛ والزرافة في كلام العرب الجماعة. وقال صاحب المنطق:
# الكلاب تسفدها الذئاب في أرض سلوقية «7» فيكون منها الكلام السلوقية.
### | المتعاديات
# بين البوم والغراب عداوة. وبين الفأرة والعقرب عداوة. وبين الغراب وابن
~~عرس «8» عداوة. وبين الحدأة والغداف «9» عداوة. وبين العنكبوت وبين العظاءة
~~«10» عداوة. وبين الحية وبين ابن عرس عداوة. وبين ابن آوى «11»
# PageV02P083
# والدجاج عداوة. وبين السنور والحمام عداوة. وبين البوم وبين جميع الطير
~~عداوة، لأن البومة ردية البصر ذليلة بالنهار فإذا كان الليل لم يقو عليها
~~شيء، والطير تعرف ذلك من حالها فهي بالنهار تضربها وتنتف ريشها، ولحرصها
~~على ذلك صار الصائد ينصبها للطير. وبين الحمار وبين عصفور الشوك عداوة،
~~ومتى نهق الحمار سقط بيض عصفور الشوك. وبين الحمار وبين الغراب عداوة. وبين
~~الحية والخنزير عداوة. والغراب مصادق للثعلب. والثعلب مصادق للحية. والجمل
~~يكره قرب الفرس أبدا ويقاتله. وبين الأسد وبين الفيل عداوة. ويقال: إن
~~الأسد والنمر مختلفان، والأسد والببر «1» متفقان.
### | الأمثال المضروبة بالطبائع
# يقال: فلان «أسمع من قراد «2» » ؛ والقردان تكون عند الماء فإن قربت
~~الإبل منها تحركت وانتعشت، فيستدلون بذلك على إقبال الإبل. و «أسمع من فرس»
~~. و «أحزم من فرخ العقاب» ، وذلك أنه يكون في عرض الجبل فلا يتحرك فيسقط. و
~~«أحلم من حية» . و «أهدى من قطاة وحمامة» . و «أخف رأسا من الذئب» . و
~~«أنوم من فهد» . و «أظلم من حية» ، وذلك لأنها تدخل حجرة الحشرات وتخرجها.
~~و «أحذر من غراب» . و «أصنع من تنوط» ، وهو طائر يصنع عشا مدلى من الشجر. و
~~«أصنع من سرفة» ، وهي دويبة تعمل بيتا من قطع العيدان. و «أسرق من زبابة» ،
~~وهي فأرة برية. و «أسرق من كندش»
# PageV02P084
# وهو العقعق؛ ويقال أيضا: «أحمق من عقعق» لأنه من الطير الذي يضيع فراخه.
~~و «أخرق من حمامة» ، وذلك لأنها لا تجيد عمل العش فربما وقع البيض فانكسر.
~~قال عبيد بن الأبرص «1» : [مجزوء الكامل]
# عيوا بأمر همو كما ... عيت ببيضتها الحمامه
# جعلت لها عودين من ... نشم وآخر من ثمامه «2»
# يقول: قرنت النشم بالثمام وهو ضعيف فتكسر ووقع البيض فانكسر.
# وفي الإنجيل أن المسيح عليه السلام قال للحواريين: كونوا حلماء كالحيات
~~وبلها كالحمام. و «أعق من ضب» ، لأنه يأكل ولده من الجوع. و «أبر من هرة» ،
~~وهي تأكل ولدها من شدة محبته. و «أروغ من ثعلب» . و «أموق من رخمة «3» » .
~~و «أزهى من ذباب» لأنه يقع على أنف الملك وتاجه. و «أصنع من الدبر» ، وهي
~~النحل. و «أسمح من لافظة» ، ويقال: هي العنز تسمح بالحلب، ويقال: الرحا،
~~لأنها تلفظ ما تطحنه لا تحبس منه شيئا. و «أصرد من عين حرباء «4» » . و
~~«ألح من الخنفساء» . و «أخيل من مذالة» ، وهي الأمة تهان وهي تتبختر. و
~~«أحلم من فرخ الطائر» . و «أكيس من قشة» ، وهي القردة. و «أجبن من صافر «5»
~~» ، وهو ما صفر من الطير، ويقال: هو الصافر
# PageV02P085
# بالمرأة للريبة. و «أنم من صبح» . و «أبعد من بيض الأنوق» ، والأنوق:
# الرخمة تبيض في أعالي الجبال والشواهق حيث لا يبلغه سبع ولا طائر.
# و «أشجع من ليث عفرين» «1» ، قال بعضهم: هو الأسد، كأنه قال: أشجع من ليث
~~ليوث تعفر من نازعها وتصرعه، وقال الأصمعي: هو دابة مثل الحرباء يتحدى
~~الراكب ويضربه بذنبه. و «أحن من شارف» ، وهي الناقة المسنة.
# و «أسرع من عدوى الثؤباء» «2» . و «أروى من النقاقة» ، وهي الضفادع. و
~~«أزنى من قرد» ، ويقول بعضهم: إنه رجل من هذيل كان كثير الزنا. و «أخدع من
~~ضب» . و «أشأم من الزرقاء» «3» وهي ناقة.
### | الأنعام
# حدثني يزيد بن عمرو عن عبد العزيز الباهلي عن الأسود بن عبد الرحمن عن
~~أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما خلق الله دابة
~~أكرم عليه من النعجة وذلك أنه ستر عورتها ولم يستر عورة غيرها» .
# وقال: حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن إهاب بن عمير قال: كان لنا جمل يعرف
~~كشح الحامل من غير أن يشمها. قيل لابنة الخس «4» : ما تقولين في مائة من
~~المعز؟ قالت: قنى؛ قيل: فمائة من الضأن؟ قالت: غنى؛ قيل:
# PageV02P086
# فمائة من الإبل؟ قالت: منى. والعرب تضرب المثل في الصرد بالمعزى فتقول:
~~«أصرد من عنز جرباء» «1» . وسئل دغفل عن بني مخزوم، فقال: معزى مطيرة،
~~عليها قشعريرة، إلا بني المغيرة؛ فإن فيهم تشادق الكلام، ومصاهرة الكرام.
# وقالت العرب فيما تقول على ألسنة البهائم: قالت المعزى: الاست جهوى «2» ،
~~والذنب ألوى؛ والجلد رقاق، والشعر دقاق. قالوا: والضأن تضع مرة في السنة
~~وتفرد ولا تتئم «3» ، والماعز قد تلد مرتين في السنة، تضع الثلاثة وأكثر
~~وأقل، والنماء والبركة والعدد في الضأن؛ وكذلك الخنازير تضع الأنثى منها
~~عشرين خنوصا ولا نماء فيها. ويقال: الجواميس ضأن البقر، والبخت ضأن الإبل،
~~والبراذين ضأن الخيل، والجرذان ضأن الفأر، والدلدل ضأن القنافذ، والنمل ضأن
~~الذر. ويقول الأطباء في لحم الماعز: إنه يورث الهم ويحرك السوداء ويورث
~~النسيان ويخبل الأولاد ويفسد الدم، ولحم الضأن يضر بمن يصرع من المرة «4»
~~إضرارا شديدا حتى يصرعهم في غير أوان الصرع. وأوان الصرع الأهلة وأنصاف
~~الشهور؛ وهذان الوقتان هما وقت مد البحر وزيادة الماء والدم. ولزيادة القمر
~~إلى أن يصير بدرا أثر في زيادة الدم والدماغ وجميع الرطوبات؛ قال الشاعر
~~«5» : [وافر]
# PageV02P087
# كأن القوم عشوا لحم ضأن ... فهم نعجون قد مالت طلاهم «1»
# وفي الماعزة: إنها ترتضع من خلفها «2» وهي محفلة حتى تأتي على كل ما فيه؛
~~قال ابن أحمر: [بسيط]
# إني وجدت بني أعيا وجاملهم ... كالعنز تعطف روقيها فترتضع «3»
# وإذا رعت الضائنة والماعزة في قصير نبت لم ينبت ما تأكله الماعزة لأن
~~الضائنة تقرضه بأسنانها والماعزة تقتلعه وتجذبه فتنثره من أصله. وإذا حمل
~~على الماعزة فحملت أنزلت اللبن في أول الحمل إلى الضرع، والضائنة لا تنزل
~~اللبن إلا عند الولاد، ولذلك تقول العرب: «رمدت المعزى فرنق رنق» «4» و
~~«رمدت الضأن فربق ربق» «5» .
# وذكور كل شيء أحسن من إناثه إلا التيوس فإنها أقبح من الصفايا.
# PageV02P088
# وأصوات الذكور من كل شيء أجهر وأغلظ إلا إناث البقر فإنها أجهر أصواتا من
~~ذكورها.
# قيل لأعرابي: بأي شيء تعرف حمل شاتك؟ قال: إذا ورم حياؤها ورجت شعرتها
~~واستفاضت خاصرتها.
# قال الأصمعي: لبني عقيل ماعزة لا ترد، تجترىء بالرطب. وقرأت في كتاب من
~~كتب الروم: إن أردت أن تعرف ما لون جنين النعجة فانظر إلى لسانها فإن
~~الجنين يكون على لونه. وقرأت فيه أن الإبل تتحامى أمهاتها وأخواتها فلا
~~تسفدها.
# قالوا: وكل ثور أفطس «1» ، وكل بعير أعلم «2» ، وكل ذباب أقرح «3» .
# وقالوا: البعير إذا صعب وخافه الناس استعانوا عليه حتى يبرك ويعقل ثم
~~يركبه فحل آخر فيذل. والعرب تعرف البعير المغد «4» بسقوط الذباب عليه.
# ويقولون: بعير مذبوب إذا عرض له داء يدعو الذباب إلى السقوط عليه. وقال
~~بعض القصاص: مما فضل الله به الكبش أن جعله مستور العورة من قبل ومن دبر،
~~ومما أهان به التيس أن جعله مهتوك الستر مكشوف القبل والدبر.
# حدثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أمية عن وهب بن منبه أنه قال:
# كان في مناجاة عزير: اللهم إنك اخترت من الأنعام الضائنة، ومن الطير
~~الحمامة، ومن النبات الحبلة «5» ، ومن البيوت بكة «6» وإيلياء، ومن إيلياء
~~بيت
# PageV02P089
# المقدس. وفي الحديث أن امرأة أتت النبي عليه السلام فقالت: يا رسول الله،
~~صلى الله عليك، إني اتخذت غنما أبتغي نسلها ورسلها «1» وإنها لا تنمو فقال
~~رسول الله صلى الله عليه وسلم. «ما ألوانها» ؛ قالت: سود، فقال: «غفري» ،
~~«وبعث إلى الرعيان «من كانت له غنم سود فليخلطها بعفر فإن دم عفراء «2»
~~أزكى من دم سوداوين» . وقال: «الغنم إذا أقبلت أقبلت وإذا أدبرت أقبلت.
~~والإبل إذا أدبرت أدبرت وإذا أقبلت أدبرت ولا يأتي نفعها إلا من جانبها
~~الأشأم» «3» . والأقط «4» قد يكون من المعزى؛ قال امرؤ القيس: [وافر]
# لنا غنم نسوقها غزار ... كأن قرون جلتها «5» عصي
# فتملأ بيتنا أقطا وسمنا ... وحسبك من غنى شبع وري «6»
# وقالوا: شقشقة البعير: لهاته يخرجها. ومن أحسن ما قيل في الغنم قول مخارق
~~«7» بن شهاب في تيس غنمه. [طويل]
# PageV02P090
# وراحت أصيلانا كأن ضروعها ... دلاء وفيها واتد القرن لبلب «1»
# له رعثات كالشنوف وغرة ... شديخ ولون كالوذيلة مذهب «2»
# وعينا أحم المقلتين وعصمة ... يواصلها دان من الظلف مكنب «3»
# إذا دوحة من مخرف الضال أذبلت ... عطاها كما يعطو ذرى الضال قرهب «4»
# أبو الحور والغر اللواتي كأنها ... من الحسن في الأعناق جزع مثقب «5»
# ترى ضيفها فيها يبيت بغبطة ... وضيف ابن قيس جائع يتحوب «6»
# فوفد ابن قيس هذا على النعمان فقال: كيف المخارق فيكم؟ قال:
# سيد كريم من رجل يمدح تيسه ويهجو ابن عمه. قال العجاج في وصف شاة:
# حمراء المقدم شعراء المؤخر إذا أقبلت حسبتها نافرا، وإذا أدبرت حسبتها
~~ناثرا، أي كأنها تعطس، يريد من أي أقطارها رأيتها وجدتها مشرقة.
# PageV02P091
# قال الأصمعي: قال أعرابي يهزأ بصاحبه: اشتر لي شاة فقماء «1» كأنها تضحك،
~~مندلقة «2» خاصرتاها، لها ضرع أرقط «3» كأنه جيب؛ قال: فكيف العطل؟ قال:
~~إني لهذا عطل! العطل: العنق. يقول: من سمنها يحسب أنه لا عنق لها.
# ومما تقوله العرب على ألسنة البهائم. قالت الضائنة: أولد رخالا «4» وأجز
~~جفالا وأحلب كثبا ثقالا ولم تر مثلي مالا حفالا «5» . تقول: أجز مرة وذلك
~~أن الضائنة إذا جزت لم يسقط من صوفها شيء إلى الأرض حتى يؤتي عليه؛ والكثب
~~جمع كثبة وهي الدفعة من اللبن، تقول: أحلب دفعا ثقالا من اللبن، وذلك لأن
~~لبنها أدسم وأخثر من لبن المعز فهو أثقل.
### | السباع وما شاكلها
# يقال: إنه ليس شيء من السباع أطيب أفواها من الكلام، ولا في الوحوش أطيب
~~أفواها من الظباء. ويقال: ليس شيء أشد بخرا من أسد وصقر، ولا في السباع
~~أسبح من كلب. وليس في الأرض فحل من جميع أجناس الحيوان لذكره حجم ظاهر إلا
~~الإنسان والكلب. والأسد لا يأكل الحاز ولا يدنو من النار ولا يأكل الحامض
~~وكذلك أكثر السباع. وتقول الروم: إن الأسد يذعر بصوت الديك ولا يدنو من
~~المرأة الطامث «6» . والأسد إذا بال شغر
# PageV02P092
# كما يشغر الكلب «1» ؛ وهو قليل الشرب للماء، ونجوه «2» يشبه نجو الكلب،
~~ودواء عضته دواء عضة الكلب الكلب. وقالوا: العيون التي تضيء بالليل عيون
~~الأسد والنمور والسنانير والأفاعي. والعرب تقول هو «أحمق من جهيزة» وهي
~~الذئبة لأنها تدع ولدها وترضع ولد الضبع. ويقولون: الضبع إذا صيدت أو قتلت
~~عال الذئب أولادها وأتاها باللحم؛ قال الكميت: [طويل]
# كما خامرت في بيتها أم عامر ... لذي الحبل حتى عال أوس عيالها «3»
# أوس: الذئب.
# وقالوا: ثلاثة من الحيوان ترجع في قيئها: الأسد والكلب والسنور، ويقال
~~الضب أيضا. وأمراض الكلاب ثلاثة: الكلب وهو جنون، والذبحة والنقرس. والعرب
~~تقول: دماء الملوك شفاء من عضة الكلب والجنون والخبل؛ قال الفرزدق: [طويل]
# من الدارميين الذين دماؤهم ... شفاء من الداء المجنة والخبل
# وبلغني عن الخليل بن أحمد أنه قال: دواء عضة الكلب الكلب الذراريح «4»
~~والعدس والشارب العتيق يصنع؛ وقد ذكر كيف صنعته وكم يشرب منه وكيف يتعالج
~~به، والكلب الكلب إذا عض إنسانا فربما أحاله نباحا مثله ثم أحبله وألقحه
~~بأجر «5» صغار تراها علقا في صور الكلاب.
# قال أبو اليقظان: كان الأسود بن أوس بن الحمرة أتى النجاشي فعلمه
# PageV02P093
# دواء الكلب، فهو في ولده إلى اليوم. فمن ولده المحل، وقد داوى المحل
~~عتيبة بن مرداس فأخرج منه مثل جراء الكلاب علقا، قال ابن فسوة «1» حين برأ:
~~[طويل]
# ولولا دواء ابن المحل وعلمه ... هررت إذا ما الناس هر كليبها
# وأخرج بعد الله أولاد زارع ... مولعة أكتافها وجنوبها «2»
# الكليب: جمع كلب على غير قياس مثل عبد وعبيد.
# وعض رجلا من بني العنبر كلب كلب فبال علقا في صور الكلاب، فقالت امرأته:
~~[طويل]
# أبالك أدراصا «3» وأولاد زارع ... وتلك لعمري نهية المتعجب
# ويزعمون أنه يطلب الماء أشد طلب، فإذا أتوه به صاح عند معاينته: لا أريد
~~لا أريد، أو شيئا في معنى ذلك. قالوا: وتمام حمل الكلبة ستون يوما، فإن
~~وضعت في أقل من ذلك لم تكد أولادها تعيش. وإناث الكلاب تحيض في كل سبعة
~~أيام؛ وعلامة ذلك أن يرم ثفر «4» الكلبة ولا تريد السفاد في ذلك الوقت.
~~وذكور السلوقية تعيش عشرين سنة، والإناث تعيش اثنتي عشرة سنة.
# وليس يلقى الكلب شيئا من أسنانه سوى النابين.
# قالوا: وعلامة سرعة الكلب أن يطول ما بين يديه ورجليه ويكون قصير الظهر.
~~ويوصف الكلب بصغر الرأس وطول العنق وغلظها وإفراط الغضف «5»
# PageV02P094
# وزرق العينين وعظم المقلتين وطول الخطم «1» مع اللطافة وسعة الشدقين
~~ونتوء الحدقة ونتوء الجبهة وعرضها، وأن يكون الشعر الذي تحت حنكه طاقة طاقة
~~ويكون غليظا، وكذلك شعر خديه، ويكون قصير اليدين طويل الرجلين عريض الظهر
~~طويل الصدر، في ركبته انحناء. ويكره للذكور طول الأذناب.
# ومن علامة الفراهة التي لا تكاد تخلف أن يكون على ساقيه أو على أحدهما أو
~~على رأس الذنب مخلب، وينبغي أن يقطع من الساقين. وسود الكلاب أعقرها. ولذلك
~~أمر بقتلها.
# قالوا: وإذا هرم الكلب أطعم السمن مرارا فإنه يعود كالشاب، وإذا حفي «2»
~~دهنت استه وأجم «3» ومسح على يديه ورجليه القطران. وإذا بلغ أن يشغر فقد
~~بلغ الإلقاح. والكلب من الحيوان الذي يحتلم. قالوا في الكلبة: إنه يسفدها
~~كلب أسود وكلب أبيض وكلب أصفر فتؤدي إلى كل سافد شكله وشبهه.
# قعد جماعة من أصحابنا يعدون ما جاء في الكلب من الأمثال فحفظت منه: «ألأم
~~من كلب على عرق» «4» و «أجع كلبك يتبعك» و «نعيم كلب في بؤس أهله» «5» و
~~«أسمن كلبك يأكلك» و «أحرص من كلب على عقي «6» صبي»
# PageV02P095
# و «أجوع من كلبة حومل» «1» و «أبول من كلب» و «جلس فلان مزجر الكلب» و
~~«الكلاب على البقر» «2» و «الكلب أحب أهله إليه الظاعن» و «هو كالكلب في
~~الأذى لا يعتلف ولا يدع الدابة تعتلف» .
### | الذئب
# الذئب إذا سفد الذئبة فالتحم الفرجان وهجم عليهما هاجم قتلهما كيف شاء،
~~إلا أنهما لا يكادان يوجدان كذلك، لأن الذئب إذا أراد السفاد توخى موضعا لا
~~يطؤه أنيس خوفا على نفسه. وتقول الروم: إن الذئب إذا نهش شاة ثم أفلتت منه
~~طاب لحمها وخف وسلمت من القردان. قالوا: والذئب إذا رأى إنسانا قبل أن يراه
~~الإنسان أبح الذئب صوت ذلك الإنسان. وقالوا: في طبع الذئب محبة الدم، ويبلغ
~~به طبعه أنه يرى الذئب مثله قد دمي فيثب عليه فيمزقه؛ قال الشاعر «3» :
~~[طويل]
# وكنت كذئب السوء لما رأى دما ... بصاحبه يوما أحال «4» على الدم
# قالوا: والفرس إذا وطىء أثر الذئب ثقلت قائمته التي وطىء بها. وفي كتاب
~~علي رضي الله عنه إلى ابن عباس: لما رأيت العدو على ابن عمك قد
# PageV02P096
# حرب، والزمان قد كلب، قلبت لابن عمك ظهر المجن بفراقه مع المفارقين،
~~وخذلانه مع الخاذلين، واختطفت ما قدرت عليه من الأموال اختطاف الذئب الأزل
~~«1» دامية المعزى. ويقولون؛ إن الذئب ربما نام بإحدى عينيه وفتح الأخرى؛
~~وقال حميد بن ثور «2» : [طويل]
# ينام بإحدى مقلتيه ويتقي ... بأخرى المنايا، فهو يقظان هاجع
# والذئب أشد السباع مطالبة، وإذا عجز عوى عواء استغاثة فتسامعت الذئاب
~~فأقبلت حتى تجتمع على الإنسان فتأكله؛ وليس شيء من السباع يفعل ذلك.
### | الفيل
# قالوا: لسان الفيل مقلوب طرفه إلى داخل. والهند تقول: لولا أن لسانه
~~مقلوب لتكلم. والفيل إذا ساء خلقه وصعب عصبوا رجليه فسكن. وليس في جميع
~~الحيوان شيء لذكوره ثدي في صدره إلا الإنسان والفيل. والفيل المغتلم إن سمع
~~صوت خنوص «3» من الخنازير ارتاع ونفر. والفيل يفزع من السنور. وتزعم الهند
~~أن نابي الفيل هما قرناه يخرجان مستبطنين حتى يخرقا الحنك ويخرجا أعقفين.
~~وقال صاحب المنطق: ظهر فيل عاش أربعمائة سنة.
# وقال: حدثني شيخ لنا قال: رأيت فيلا أيام أبي جعفر قيل: إنه سجد لسابور
# PageV02P097
# ذي الاكتاف ولأبي جعفر، والفيلة تضع في سبع سنين.
### | الفهد
# قالوا: السباع تشتهي رائحة الفهد، فإذا سمن الفهد عرف أنه مطلوب وأن
~~حركته قد ثقلت فأخفى نفسه حتى ينقضي الزمان الذي تسمن فيه الفهود.
# ويعتري الفهد داء يقال له خانقة الفهود، فإذا اعتراه أكل العذرة «1»
~~فبرأ.
# والوحشي المسن منها في الصيد أنفع من الجرو المربب «2» .
### | الأرنب
# قالوا: الأرنب تحيض ولا تسمن إلا بزيادة اللحم. وقضيب الذكر من الأرانب
~~ربما كان من عظم، وكذلك قضيب الثعلب. والأرنب تنام مفتوحة العين. وإنفحة
~~«3» الأرنب إذا شربتها المرأة من بعد أن تطهر من المحيض منعت من الحبل.
~~والكلف «4» إن طلي بدم الأرنب أذهبه.
### | القرد والدب
# قال: حدثني محمد بن خالد بن خداش قال: حدثني سلم بن قتيبة عن هشام عن
~~حصين وأبي بلج عن عمرو بن ميمون قال: زنت قردة في الجاهلية فرجمها القرود
~~ورجمتها معهم. قالوا: وليس شيء يجتمع فيه الزواج والغيرة
# PageV02P098
# إلا الإنسان والقرد؟ قالوا: والديسم جرو الدب تضعه أمه وهو كفدرة «1» لحم
~~فتهرب به في المواضع العالية من الذر والنمل حتى تشتد أعضاؤه.
### | مصايد السباع العادية
# السباع العادية: تصطاد بالزبى والمغويات «2» وهي آبار تحفر في أنشاز «3»
~~الأرض، فلذلك يقال: قد «بلغ السيل الزبى» «4» ، قال صاحب الفلاحة: ومما
~~تصاد به السباع العادية أن يؤخذ سمك من سمك البحر الكبار السمان فتقطع قطعا
~~ثم تشرح ثم تكتل كتلا ثم تؤجج نار في غائط «5» من الأرض يقرب فيه السباع ثم
~~تقذف تلك الكتل في النار واحدة بعد واحدة حتى ينتشر دخان تلك النار وقتار
~~«6» تلك الكتل في تلك الأرض ثم تطرح حول تلك النار قطع من لحم قد جعل فيها
~~الحربق «7» الأسود والأفيون وتكون تلك النار في موضع لا ترى فيه حتى تقبل
~~السباع لريح القتار وهي آمنة فتأكل من قطع اللحم ويغشى عليها فيصيدها
~~الكامنون لها كيف شاءوا.
### | النعام
# قالوا في الظليم: إن الصيف إذا أقبل وابتدأ البسر «8» في الحمرة ابتداء
# PageV02P099
# لون وظيفيه»
# بالحمرة ولا يزالان يتلونان ويزدادان حمرة إلى أن تنتهي حمرة البسر،
~~ولذلك قيل له: خاضب. وفي الظليم: إن كل ذي رجلين إذا انكسرت إحدى رجليه قام
~~على الأخرى وتحامل على ظلع غيره فإنه إذا انكسرت إحدى رجليه جثم، ولذلك قال
~~الشاعر في نفسه وأخيه: [طويل]
# فإني وإياه كرجلي نعامة ... على ما بنا من ذي غنى وفقير
# يقول: لا غنى بواحد منا عن الآخر. وقال آخر: [طويل]
# إذا انكسرت رجل النعامة لم تجد ... على أختها نهضا ولا باستها حبوا «2»
# قالوا: وعلة ذلك أنه لا مخ له في ساقيه، وكل عظم فهو ينجبر إلا عظما لا
~~مخ فيه؛ وزماخر «3» الشاء لا تنجبر؛ قال الشاعر: [طويل]
# أجدك لم تظلع برجل نعامة ... ولست بنهاض وعظمك زمخر
# أي أجوف لا مخ فيه. والظليم يغتذي المرو «4» والصحر فتذيبه قانصته «5»
~~بطبعها حتى يصير كالماء؛ قال ذو الرمة يذكره: [بسيط]
# PageV02P100
# ألهاه آء وتنوم وعقبته ... من لائح المرو والمرعى له عقب «1»
# قال أبو النجم «2» : [رجز]
# والمرو يلقيه إلى أمعائه ... في سرطم «3» هاد على التوائه
# والظليم يبتلع الجمرة وربما ألقي الحجر في النار حتى إذا صار كأنه جمرة
~~قذف به بين يديه فيبتلعه وربما ابتلع أوزان الحديد. وفي النعامة إنها أخذت
~~من البعير المنسم والوظيف والعنق والخزامة؛ ومن الطائر الريش والجناحين
~~والمنقاعر فهو لا بعير ولا طائر؛ وقال أوس «4» بن حجر: [طويل]
# وتنهى ذوي الأحلام عني حلومهم ... وأرفع صوتي للنعام المخزم
# جعله مخزما للخرقين اللذين في عرض أنفه في موضع الخزامة من البعير. قال
~~يحيى بن نوفل «5» : [وافر]
# ومثل نعامة تدعى بعيرا ... تعاصينا إذا ما قيل طيري
# فإن قيل احملي قالت فإني ... من الطير المربة «6» في الوكور
# وتقول العرب في المثل: هذا «أموق من نعامة» وذلك أنها ربما خرجت
# PageV02P101
# لطلب الطعم فمرت ببيض نعامة أخرى فحضنته وتركت بيضها؛ ولذلك قال الشاعر
~~وهو ابن هرمة «1» : [متقارب]
# وإني وتركي ندى الأكرمين ... وقدحي بكفي زندا شحاحا
# كتاركة بيضها بالعراء ... وملبسة بيض أخرى جناحا «2»
# وقال سهم بن حنظلة «3» : [متقارب]
# إذا ما لقيت بني عامر ... رأيت جفاء ونوكا «4» كبيرا
# نعام تمد بأعناقها ... ويمنعها نوكها أن تطيرا
# ويضرب بها المثل في الشراد والنفار؛ قال بشر بن أبي خازم «5» : [متقارب]
# وأما بنو عامر بالنسار «6» ... فكانوا غداة لقونا نعاما
# يريد: مروا منهزمين. وربما حضنت النعامة أربعين بيضة أو نحوها وأخرجت
~~ثلاثين رألا؛ قال ذو الرمة: [بسيط]
# PageV02P102
# كأنه خاضب بالسي «1» مرتعه ... أبو ثلاثين أمسى وهو منقلب
# والبواقي من بيضها الذي لا تنقفه «2» يقال لها: الترائك. وأشد ما يكون
~~الظليم عدوا إذا استقبل الريح لأنه يضع عنقه على ظهره ثم يخرق الريح وإذا
~~استدبرها كبته من خلفه. والنعامة تضع بيضها طولا ثم تغطيها كل بيضة بما
~~يصيبها من الحضن؛ قال ابن أحمر «3» : [وافر]
# وضعن وكلهن على غرار
# وقال آخر: [رجز]
# على غرار كاستواء المطمر
# والمطمر خيط البناء، إلا أن ثعلبة بن صعير «4» خالف ذلك فقال يذكر الظليم
~~والنعامة: [كامل]
# فتذكرا ثقلا رثيدا بعد ما ... ألقت ذكاء يمينها في كافر «5»
# والرثيد: المنضود بعضه على بعض. قالوا: الوحش في الفلوات ما لم تعرف
~~الإنسان ولم تره ولا تنفر منه إذا رأته خلا النعام فإنه شارد أبدا؛ قال ذو
~~الرمة: [طويل]
# وكل أحم المقلتين كأنه ... أخو الإنس من طول الخلاء المغفل «6»
# PageV02P103
# يريد: أنه لا ينفر من الناس لأنه في خلاء ولم ير أحدا قبل ذلك. وقال
~~الأحيمر السعدي: كنت حين خلعني قومي وأطل السلطان دمي وهربت وترددت في
~~البوادي ظننت أني قد جزت نخل وبار أو قريب منها، وذلك أني كنت أرى النوى في
~~رجع الذئاب وكنت أغشى الظباء وغيرها من بهائم الوحش فلا تنفر مني؛ لأنها لم
~~تر أحدا قبلي وكنت أمشي إلى الظبي السمين فآخذه، وعلى ذلك رأيت جميع تلك
~~الوحوش إلا النعام فإنه لم أره قط إلا نافرا فزعا.
### | الطير
# قال: حدثني زياد بن يحيى قال: حدثنا أبو عتاب قال: حدثنا طلحة بن يزيد
~~الشامي عن بقية بن الوليد عن عبد الله بن أبي كبشة عن أبيه قال: كان النبي
~~عليه السلام يعجبه أن ينظر إلى الأترج وإلى الحمام الأحمر.
# حدثني الرياشي قال: ليس شيء يغيب أذناه إلا وهو يبيض؛ وليس شيء يظهر
~~أذناه إلا وهو يلد، وروى ذلك عن علي بن أبي طالب عليه السلام.
# حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن ابن جريح قال ابن
~~شهاب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربع لا يقتلن: النملة والنحلة
~~والهدهد والصرد» «1» . بلغني عن مكحول قال: كان من دعاء داود النبي عليه
~~السلام: يا رازق النعاب في عشه. وذلك أن الغراب إذا فقص عن فراخه خرجت بيضا
~~فإذا رآها كذلك نفر عنها فتفتح أفواهها ويرسل الله لها ذبابا
# PageV02P104
# فيدخل في أجوافها فيكون غذاءها حتى تسود، وإذا اسودت عاد الغراب فغذاها
~~ويرفع الله عنها الذباب.
# قال: حدثني أحمد بن الخليل عن محمد بن عباد عن الوليد بن كثير عن عبد
~~الملك بن يحيى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تطرقوا الطير في
~~أوكارها فإن الليل أمان الله» .
# حدثني أبو سفيان الغنوي عن معاوية بن عمرو عن طلحة بن زيد عن الأحوص بن
~~حكيم عن خالد بن معدان عن رجل من الأنصار قال: قال رسول الله صلى الله عليه
~~وسلم:» الديك الأبيض صديقي وصديق صديقي وعدو عدو الله يحرس دار صاحبه وسبع
~~أدور، وكان النبي عليه السلام يبيته معه في البيت» .
# قالوا: الطير ثلاثة أضرب، بهائم الطير وهو ما لقط الحبوب والبزور؛ وسباع
~~الطير وهي التي تغتذي اللحم؛ والمشترك وهو مثل العصفور يشارك بهائم الطير
~~في أنه ليس بذي مخلب ولا منسر «1» وإذا سقط على عود قدم أصابعه الثلاث وأخر
~~الدابرة. وسباع الطير تقدم إصبعين وتؤخر إصبعين ويشارك سباع الطير بأنه
~~يلقم فراخه ولا يزق وأنه يأكل اللحم ويصطاد الجراد والنمل.
# قالوا: والعصفور شديد الوطء، والفيل خفيف الوطء، والورشان يصرع في كل شهر
~~مرة. قالوا: وأسوأ الطير هداية الأسود، والأبيض لا يجيء من الغاية «2» لضعف
~~قوته وأجودها هداية الغبر والنمر.
# قال صاحب الفلاحة: الحمام يعجب بالكمون ويألف الموضع الذي يكون فيه
~~الكمون، وكذلك العدس ولا سيما إذا أنقعا في عصير حلو. ومما
# PageV02P105
# يصلحن عليه ويكثرن أن تدخن بيوتهن بالعلك؛ وأسلم مواضعها وأصلحها أن يبنى
~~لها بيت على أساطين خشب ويجعل فيه ثلاث كوى: كوة في سمك البيت وكوة من قبل
~~المشرق وكوة من قبل المغرب، وبابان من قبل مهب الجنوب. قال: والسذاب «1» ،
~~إذا ألقي في البرج تحامته السنانير البرية.
# حدثني ابن أبي سعد عن علي بن الصباح عن أبي المنذر هشام بن محمد قال:
~~حدثني الكلبي أن أسماء كنائن «2» نوح إذا كتبن في زوايا بيت حمام نمت
~~الفروخ وسلمت من الآفات. قال هشام: قد جربته أنا وغيري فوجدته كما قال أبي.
~~قال: واسم امرأة سام بن نوح «محلث محو» ، واسم امرأة حام «أذنف نشا» ، واسم
~~امرأة يافث «زدقت نبث» «3» .
# قالوا: وأمراض الحمام أربعة: الكباد «4» والخنان والسل والقمل، فدواء
~~الكباد الزعفران والسكر «5» الطبرزذ وماء الهندباء يجعل في سكرجة «6» ثم
~~يمج في حلقه قبل أن يلتقط شيئا ودواء الخنان أن يلين لسانه يوما أو اثنين
~~بدهن البنفسج ثم بالرماد والملح ويدلك بهما حتى تنسلخ الجلدة العليا التي
~~غشيت
# PageV02P106
# لسانه ثم يطلى بعسل ودهن ورد حتى يبرأ. ودواء السل أن يطعم الماش «1»
~~المقشور ويمج في حلقه لبن حليب ويقطع من وظيفيه عرقان ظاهران في أسفل ذلك
~~مما يلي المفصل. ودواء القمل أن تطلى أصول ريشه بالزنبق «2» المخلوط بدهن
~~البنفسج، يفعل به ذلك مرارا حتى يسقط قمله، ويكنس مكانه الذي يكون فيه كنسا
~~نظيفا.
# قالوا: والطير الذي يخرج من وكره بالليل البومة والصدى والهامة والضوع
~~«3» والوطواط والخفاش وغراب الليل. قالوا: إذا خرج فرخ الحمامة نفخ أبواه
~~في حلقه الريح لتتسع الحوصلة من بعد التحامها وتنبثق، فإذا اتسعت زقاه عند
~~ذلك اللعاب ثم زقاه سورج «4» أصول الحيطان ليدبغا به الحوصلة، ثم زقاه بعد
~~الحب.
# قال المثنى بن زهير: لم أر شيئا قط في رجل وامرأة إلا وقد رأيته في
~~الحمام، رأيت حمامة لا تريد إلا ذكرها، ورأيت حمامة لا تمنع شيئا من
~~الذكور، ورأيت حمامة لا تزيف «5» إلا بعد شدة طلب، ورأيت حمامة تزيف للذكر
~~ساعة يطلبها، ورأيت حمامة وهي تمكن آخر ما تعدوه، ورأيت حمامة تقمط حمامة،
~~ورأيت حمامة تقمط الذكر، ورأيت ذكرا يقمط الذكر، ورأيت الذكر يقمط ما لقي
~~ولا يزاوج، ورأيت ذكرا له أنثيان يحضن مع هذه وهذه ويزق مع هذه وهذه.
# PageV02P107
### | البيض
# قالوا: والبيض يكون من أربعة أشياء: منه ما يكون من السفاد؛ ومنه ما يكون
~~من التراب؛ ومنه ما يكون من نسيم الريح يصل إلى أرحامها؛ ومنه شيء يعتري
~~الحجل «1» وما شاكله في الطبيعة، فإن الأنثى منه ربما كانت على سفالة الريح
~~التي تهب من شق الذكر في بعض الزمان فتحتشي من ذلك بيضا، وكذلك النخلة تكون
~~بجنب الفحال «2» وتحت ريحه فتلقح بتلك الريحة وتكتفي بذلك، والدجاجة إذا
~~هرمت لم يكن لبيضها مح، وإذا لم يكن للبيضة مح لم يخلق فيها فرخ، لأنه لا
~~يكون له طعم يغذوه؛ والفرخ والفروج يخلقان من البياض وغذاؤهما الصفرة، وإذا
~~باضت الدجاجة بيضتين في اليوم كان ذلك من علامات موتها؛ والطائر إذا نتف
~~ريشه احتبس بيضه وإذا سمع صوت الرعد الشديد.
### | الخفاش 
# «3»
# قالوا: عجائب الخفاش أنه لا يبصر في الضوء الشديد ولا في الظلمة الشديدة
~~وتحبل وتلد وتحيض وترضع وتطير بلا ريش، وتحمل الأنثى ولدها تحت جناحها
~~وربما قبضت عليه بفيها خوفا عليه، وربما ولدت وهي تطير.
# ولها أذنان وأسنان وجناحان متصلان برجليها، وأبصارها تصح على طول العمر،
~~وإنما يظهر في القمر منها المسنات؛ وقال بعض الحكماء: الخفاش فأر يطير.
# PageV02P108
### | الخطاف والزرزور 
# «1»
# قالوا: الخطاف والزرزور يتبع الربيع حيث كان. قالوا: وتقلع إحدى عينيه
~~فترجع. والزرزور لا يمشي ومتى وقع بالأرض لم يستقل «2» وأخذ، وإنما يعشش في
~~الأماكن المرتفعة فإذا أراد الطيران رمى بنفسه في الهواء فطار، وإذا أراد
~~أن يشرب الماء انقض عليه فشرب منه اختلاسا من غير أن يسقط بالأرض.
### | العقاب والحدأة
# قالوا: العقاب تبيض ثلاث بيضات في أكثر حالاتها فإذا فرخت غذت، اثنين
~~وباعدت عنها واحدا فيتعهد فرخها طائر يقال له: كاسر العظام «3» ، ويغذوه
~~حتى يكبر ويقوى. وقال صاحب الفلاحة: العقاب والحدأة «4» يتبدلان فتصير
~~العقاب حدأة والحدأة عقابا، قال: وكذلك الأرانب تتبدل فيصير الذكر منها
~~أنثى وتصير الأنثى ذكرا. قال صاحب المنطق: العقاب إذا اشتكت كبدها من رفعها
~~الثعلب والأرنب في الهواء وحطها لذلك وأشباهه تعالجت بأكل الأكباد حتى
~~تبرأ.
# PageV02P109
### | الغراب
# الغربان لا تقرب النخل المواقير «1» وإنما تسقط على النخل المصرومة «2»
~~فتلقط ما يسقط من التمر في القلبة «3» وأصول الكرب «4» . وعلى إناث الغربان
~~الحضن وعلى الذكور أن تأتي الإناث بالطعم والإوزة دون الذكر «5» والعربان
~~أكتم شيء للسفاد.
### | القطا
# قالوا: والقطا لا تضع بيضها أبدا إلا أفرادا؛ قال أبو وجزة «6» : [بسيط]
# وهن ينسبن وهنا كل صادقة ... باتت تباشر عرما «7» غير أزواج
# الحيوان الذي لا يصلح شأنه إلا برئيس أو رقيب: الناس، والغرانيق «8» ،
~~والكراكي والنحل؛ فأما الإبل والبقر والحمير فتتخذ رئيسا من غير رقيب.
### | باب مصايد الطير
# قال صاحب الفلاحة: من أراد أن يحتال للطير والدجاج حتى يتحيرن ويغشى
~~عليهن حتى يصيدهن عمد إلى الحلتيت «9» فدافه بالماء ثم جعل في
# PageV02P110
# ذلك الماء شيئا من عسل ثم أنقع فيه برا يوما وليلة ثم ألقى ذلك البر
~~للطير فإنها إذا التقطته تحيرت وغشي عليها فلم تقدر على الطيران إلا أن
~~تسقى لبنا خالطه سمن. قال: وإن عمد إلى طحين بر غير منخول فعجن بخمر ثم طرح
~~للطير والحجل فأكلن منه تحيرن. وإن جعل خمر في إناء وجعل فيه بنج فشربن منه
~~غشي عليهن. قال: ومما يصاد به الكراكي وغيرها من الطير أن يوضع لهن في
~~مواقعهن إناء فيه خمر وقد جعل فيه خربق «1» أسود وأنقع فيه شعير فإذا أكلن
~~منه أخذهن الصائد كيف شاء.
# قال غيره: ومما تصاد به العصافير بأسهل حيلة أن تؤخذ شبكة في صورة
~~المحبرة اليهودية المنكوسة وتجعل في جوفها عصفور فتنقض عليه العصافير
~~ويدخلن عليه وما دخل منها لم يقدر على الخروج فيصيد الرجل في اليوم الواحد
~~مائتين وهو وادع. قال: ويصاد طير الماء بالقرعة وذلك أن تؤخذ قرعة يابسة
~~صحيحة فيرمى بها في الماء فإنها تتحرك فإذا أبصرها الطير تتحرك فزع فإذا
~~كثر ذلك عليه أنس حتى لربما سقط عليها، ثم تؤخذ قرعة فيقطع رأسها ويخرق
~~فيها موضع عينين ثم يدخل الصائد رأسه فيها ويدخل الماء فيمشي إليها مشيا
~~رويدا فكلما دنا من طائر أدخل يده في الماء فقبض على رجليه ثم غمسه في
~~الماء ثم دق جناحه وخلاه فبقي طافيا فوق الماء يسبح برجله ولا يطيق
~~الطيران، وسائر الطير لا يمكن انغماسه فإذا فرغ من صيد ما يريد رمى بالقرعة
~~ثم يلتقطها ويحملها.
### | الحشرات
# حدثني يزيد بن عمرو قال: حدثنا عبد الله بن الربيع قال: أخبرنا هشام
# PageV02P111
# ابن عبد الله عن قتادة عن عبد الله بن عمرو أنه قال: الفأرة يهودية ولو
~~سقيتها ألبان الإبل وما شربتها، والفأر أصناف: منهن الزباب «1» وهو أصم؛
~~قال الحارث «2» بن حلزة: [مجزوء الكامل]
# وهم زباب حائر ... لا تسمع الآذان رعدا «3»
# والخلد وهو أعمى؛ وتقول العرب: هو «أسرق من زبابة» ، وفأرة البيش، والبيش
~~سم قاتل؛ ويقال: هو قرون السنبل، وله فأرة تغتذيه لا تأكل غيره، ومن غير
~~هذا فأرة المسك وفأرة الإبل فاحت «4» أرواحها إذا عرقت.
# قالوا: ومن الحيات ما يقتل ولا يخطىء: الثعبان والأفعى والهندية؛ فأما
~~سوى هذه فإنما يقتل بما يمده من الفزع، لأنه إذا فزع تفتحت منافسه فوغل
~~السم إلى مواضع الصميم وعمق البدن، فإن نهشت النائم والمغمى عليه والطفل
~~الصغير والمجنون الذي لا يعقل لم تقتل.
# وأذناب الأفاعي تقطع فتنبت ونابها يقطع بالعكاز «5» فينبت حتى يعود في
~~ثلاث ليال؛ والحية إن نفث في فيها حماض الأترج وأطبق لحيها على الأعلى على
~~الأسفل لم تقتل بعضتها أياما صالحة. ومن الناس من يبصق في فم الحية فيقتلها
~~بريقه، والحيات تكره ريح السذاب والشيح، وتعجب باللفاح والبطيخ والحرف
~~والخردل الموخف «6» واللبن والخمر وليس في الأرض
# PageV02P112
# حيوان أصبر على جوع من حية؛ ثم الضب بعدها، فإذا هرمت صغرت في بدنها
~~وأقنعها النسيم ولم تشته الطعام، ولذلك قال الراجز: [رجز]
# حارية «1» قد صغرت من الكبر
# وقال صاحب الفلاحة: إن الحية إن ضربتها بقصبة مرة أو هنتها القصبة في تلك
~~الضربة وحيرتها، فإن ألححت عليها بالضرب انسابت ولم تكترث.
# قال: ومن جيد ما يعالج به الملسوع أن يشق بطن الضفدع ثم يرفد به موضع
~~لسعة العقرب. والضفدع لا يصيح حتى يدخل حنكه الأسفل في الماء، فإذا صار في
~~فيه بعض الماء صاح، ولذلك لا تسمع للضفادع نقيقا إذا خرجن من الماء، قال
~~الراجز: [رجز]
# يدخل في الأشداق ماء ينصفه «2» ... حتى ينق والنقيق يتلفه
# يريد أن النقيق يدل عليه حية البحر، كما قال الآخر: [طويل]
# ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت ... فدل عليها صوتها حية البحر
# وقال في السبخ «3» : إنه إن انخرق فيه خرق بمقدار منخر الثور حتى تدخله
~~الريح استحال ذلك السبخ ضفادع. والضفادع لا عظام لها، ويضرب بها المثل في
~~الرسح «4» ؛ فيقال: «أرسح من ضفدع» و «أجحظ عينا من ضفدع» .
# PageV02P113
# قالوا: وكل شيء يأكل فهو يحرك فكه الأسفل إلا التمساح فإنه يحرك فكه
~~الأعلى. وبمصر سمك يقال له الرعاد، من صاد منه سمكة لم تزل يده ترعد وتنتفض
~~مادام في شبكته أو شصه «1» . والجعل «2» إذا دفنته في الورد سكنت حركته حتى
~~يتوهم من رآه أنه قد مات، فإذا أعدته إلى الروث تحرك ورجع في حسه. والبعير
~~إذا ابتلع في علفه خنفساء قتله إن وصلت إلى جوفه حية. وأطول شيء ذماء «3»
~~الخنفساء فإنها يسرج على ظهرها فتصبر وتمشي.
# والضب «4» يذبح فيمكث ليلة ثم يقرب من النار فيتحرك. والأفعى إذا ذبحت
~~تبقى أياما تتحرك وإن وطئها واطىء نهشته، ويقطع ثلثها الأسفل فتعيش وينبت
~~ذلك المقطوع. والكلب والخنزير يجرحان الجرح القاتل فيعيشان.
# قالوا: وللضب «5» ذكران وللضبة حران، خبرني بذلك سهل عن الأصمعي أو غيره.
~~قال: ويقال لذكره نزك وأنشد: [طويل]
# سبحل له نزكان كانا فضيلة ... على كل حاف في البلاد وناعل «6»
# PageV02P114
# وكذلك الحرذون. «1» والذبان «2» لا تقرب قدرا فيها كمأة «3» . وسام أبرص
~~لا يدخل بيتا فيه زعفران. ومن عضه الكلب الكلب احتاج إلى أن يستر وجهه من
~~الذباب لئلا يسقط عليه. وخرطوم الذباب يده، ومنه يغني، وفيه يجري الصوت كما
~~يجري الزامر الصوت في القصبة بالنفخ.
# قالوا: ليس شيء يذخر إلا الإنسان والنملة والفأرة. والذرة «4» تدخر في
~~الصيف للشتاء فإذا خافت العفن على الحبوب أخرجتها إلى ظاهر الأرض فشررتها
~~«5» ، وأكثر ما تفعل ذلك ليلا في القمر. فإن خافت أن ينبت الحب نقرت وسط
~~الحبة لئلا تنبت. والسلحفاة إذا أكلت أفعى أكلت سعترا جبليا «6» .
# وابن عرس «7» إذا قاتل الحية أكل السذاب. والكلاب إذا كان في أجوافها دود
~~أكلت سنبل القمح. والأيل إذا نهشته الحية أكل السراطين «8» . قال ابن
~~ماسويه: فلذلك يظن أن السراطين صالحة لمن نهش من الناس. والوزغ «9» يزاق
~~الحيات ويقاربها، ويكرع في اللبن والمرق ثم يمج في الإناء. وأهل
# PageV02P115
# السجن يعملون من الوزغ سما أنفذ من سم البيش «1» ومن ريق الأفاعي، وذلك
~~أنهم يدخلون الوزغة قارورة ثم يصبون فيها من الزيت ما يغمرها ويضعونها في
~~الشمس أربعين يوما حتى تتهرأ «2» في الزيت، فإن مسحت على اللقمة منه مسحة
~~وأكله آكل مات من يومه.
# والجراد إذا طلع فعمد إلى الترمس والحنظل فطبخا بماء ثم نضح ذلك الماء
~~على زرع تنكبه الجراد. وإذا زرع خردل في نواحر زرع نجا من الدبى «3» . وإذا
~~أخذ المرداسنج «4» فعجن بعجين ثم طرح للفأر فأكلته موتن عنه، وكذلك براية
~~الحديد. وإذا أخذ الأفيون والشونيز «5» والبارزذ «6» وقرن الأيل وبابونج
~~وظلف من أظلاف المعز فخلط ذلك جميعا ثم دق وعجن بخل عتيق ثم قطع قطعا فدخن
~~بقطعة منه نفرت لذلك الحيات والهوام والنمل والعقارب، وإن أحرق منه شيء
~~ودخن به هرب ما وجد منها تلك الريح. والنمل تهرب من دخان أصول الحنظل. وإن
~~عمد إلى كبريت وسذاب وخربق فدق ذلك جميعا وطرح في قرية النمل قتلها ومنعها
~~ظهورهن من ذلك الموضع.
# والبعوض تهرب من دخان القلقديس «7» إذا دخن به ومعه حب السوس «8» ، وتهرب
~~من دخان الكبريت والعلك.
# PageV02P116
# وقالت الأطباء: لحم ابن عرس نافع من الصرع. ولحم القنفذ نافع من الجذام
~~والسل والتشنج ووجع الكلى، يجفف ويشرب ويطعمه العليل مطبوخا ومشويا ويضمد
~~به المتشنج. والعقرب إذا شق بطنها ثم شد على موضع اللسعة نفعت. وقد تجعل في
~~جوف فخار مشدود الرأس مطين الجوانب ثم يوضع الفخار في تنور، فإذا صارت
~~العقرب رمادا سقي من ذلك الرماد من به الحصاة مقدار نصف دانق وأكثر فيفتت
~~الحصاة من غير أن يضر بشيء من سائر الأعضاء والأخلاط «1» ، وقد تلسع العقرب
~~من به حمى عتيقة فتقلع؛ وتلسع المفلوج فيذهب عنه الفالج، وتلقى في الدهن
~~وتترك فيه حتى يأخذ الدهن منها ويجتذب قواها فيكون ذلك الدهن مفرقا للأورام
~~الغليظة. ومن طبع العقرب أنك إن ألقيتها في ماء غمر بقيت في وسط الماء لا
~~تطفو ولا ترسب؛ وهي من الحيوان الذي لا يسبح. وعين الجرادة وعين الأفعى لا
~~تدوران. وإنما تنسج من العناكب الأنثى، والذكر هو الخدرنق. وولد العنكبوت
~~ينسج ساعة يولد. والقمل يخلق في الرؤوس على لون الشعر إن كان أسود أو أبيض
~~أو مخضوبا بالحناء. الحلكاء «2» دويبة تغوص في الرمل كما يغوص طائر الماء
~~في الماء. وبنات النقا كذلك، وهي التي يقال لها:
# شحمة الأرض. وأم حبين «3» لا تقيم بمكان تكون فيه السرفة، والسرفة «4»
~~دويبة يضرب بها المثل في الصنعة فيقال: «أصنع من سرفة» .
# PageV02P117
# ومن أحسن ما قيل في الأفعى قول امرأة من الأعراب: [كامل]
# خلقت لهازمه عزين، ورأسه ... كالقرص فرطح من دقيق شعير «1»
# وكأن ملقاه بكل تنوفة ... ملقاك كفة منجل مأطور «2»
# ويدير عينا للوقاع، كأنها ... سمراء طاحت من نفيض برير «3»
# قيل لما سرجويه: نجد ملسوع العقرب يعالج بالاسفيوش»
# فينفعه، وآخر يعالج بالبندق فينفعه، وآخر يشرب الأنقاس «5» فتنفعه، وآخر
~~يأكل التفاح الحامض فينفعه، وآخر يطليه بالقلي «6» والخل فيحمده، وآخر يعصب
~~عليه الثوم الحار المطبوخ، وآخر يدخل يده في مرجل حار لا ماء فيه فيحمده،
~~وآخر يعالجه بالنخالة الحارة فيحمدها، وآخر يحجم ذلك الموضع فيحمده، ثم
~~رأيناه يتعالج بعد بذلك الشيء للسعة أخرى فلا يحمده! فقال: لما اختلفت
~~السموم في أنفسها بالجنس والقدر والزمان، وباختلاف ما لاقاه اختلف الذي
~~يوافقه على حسب اختلافه. قالوا: وأشد ما تكون لسعتها إذا خرج الإنسان من
~~الحمام، لتفتح المنافس وسعة المجاري وسخونة البدن.
# PageV02P118
# وحدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: قال أبو بكر البحري: ما من شيء يضر إلا
~~وفيه منفعة. وقيل لبعض الأطباء: إن قائلا قال: أنا مثل العقرب أضر ولا
~~أنفع. فقال؛ ما أقل علمه بها. إنها لتنفع إذا شق بطنها ثم شدت على موضع
~~اللسعة؛ وقد تجعل في جوف فخار مشدود الرأس مطين الجوانب ثم يوضع الفخار في
~~تنور فإذا صارت العقرب رمادا سقي من ذلك الرماد مقدار نصف دانق أو أكثر
~~قليلا من به الحصاة ففتها من غير أن يضر بشيء من سائر الأعضاء والأخلاط.
~~وقد تلسع العقرب من به الحمى العتيقة فتقلع عنه.
# ولسعت العقرب رجلا مفلوجا فذهب عنه الفالج. وقد تلقى العقرب في الدهن
~~وتترك فيه حتى يأخذ الدهن منها ويجتذب قواها فيكون ذلك الدهن مفرقا للأورام
~~الغليظة.
# قال أبو عبيدة: ولسعت أعرابيا عقرب بالبصرة، وخيف عليه فاشتد جزعه، فقال
~~بعض الناس له: ليس شيء خيرا من أن تغسل له خصية زنجي عرق ففعلوا، وكان ذاك
~~في ليلة ومدة «1» ، فلما سقوه قطب؛ فقيل له: طعم ماذا تجد؟ قال: أجد طعم
~~قربة جديدة.
# قال المأمون: قال لي بختيشوع وسلمويه وابن ماسويه: إن الذباب إذا دلك على
~~موضع لسعة الزنبور هدأ وسكن الألم، فلسعني زنبور فحككت على موضعه أكثر من
~~عشرين ذبابة فما سكن الألم إلا في قدر الزمان الذي كان يسكن فيه من غير
~~علاج، فلم يبق في يدي منهم إلا أن يقولوا: كان هذا الزنبور حنقا غاضبا،
~~ولولا ذلك العلاج قتلك. قالوا: ومما ينفع من اللسعة أن يصيروا على موضعها
~~قطعة رصاص رقيقة وتشد عليه أياما. وقد يموه بهذا قوم فيجعلونه خاتما
~~فيدفعونه إلى الملسوع إذا نهش في إصبعه.
# PageV02P119
# قال محمد بن الجهم: لا تتهاونوا بكثير مما ترون من علاج العجائز، فإن
~~كثيرا منه وقع إليهن من قدماء الأطباء، كالذبان يلقي في الإثمد «1» فيسحق
~~معه، فيزيد ذلك في نور البصر ونفاذ النظر وتشديد مراكز الشعر في حافات
~~الجفون. قال: وفي أمة من الأمم قوم يأكلون الذبان فلا يرمدون، وليس لذلك
~~يأكلونه، ولكن كما يأكل غيرهم فراخ الزنابير.
# وقال ابن ماسويه: المجرب للسع العقرب أن يسقى من الزراوند «2» المدحرج
~~ويشرب عليه ماء بارد، ويمضغ ويوضع على اللسعة. قال: وللسع الأفاعي والحيات
~~ورق الآس «3» الرطب يعصر ويسقى من مائه قدر نصف رطل، وكذلك ماء المرزنجوش
~~«4» وماء ورق التفاح المدقوق والمعصور مع المطبوخ، ويضمد الموضع بورق
~~التفاح المدقوق. وللأدوية والسموم القاتلة البندق والتين والسذاب يطعم ذلك
~~العليل. قال: والثوم والملح وبعر الغنم نافع جدا إذا وضع على موضع لسعة
~~الحية إلا أن تكون أصلة «5» ، فإن الأصلة توضع على لسعها الكليتان جميعا
~~بالزيت والعسل. والخطمي «6» إذا أخذ ورقه فدق ثم وضع على لسع قملة «7»
~~النسر كان دواء له. وإن طلى أحد به يديه أو
# PageV02P120
# جسده لم يلدغ ذلك الموضع منه زنبور. وإن لدغ أحدا زنبور فآذاه فشرب من
~~مائه نفعه. والبشكول وهو الطرشقوق إن دق فضمد به لسعة العقرب نفع إذا أغلي
~~أو شرب من عصيره. قالوا: وإن أخذ من حذر على نفسه السموم القاتلة التين مع
~~الشونيز على الريق وقاه.
### | النبات
# حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال: حدثنا قريش بن أنس عن
~~كليب أبي وائل رجل من المطوعة قال: رأيت ببلاد الهند شجرا له ورد أحمر
~~مكتوب فيه ببياض «محمد رسول الله» . والعرب تقول في مثل هذا هو: «أشكر من
~~البروقة» «1» ، وهو نبت ضعيف ينبت بالغيم. ويزعم قوم أن النارجيل هو نخل
~~المقل قلبه طباع البلد. وقال صاحب الفلاحة: بين الكرنب وبين الكرم عداوة،
~~فإذا زرع الكرنب بحضرة الكرم ذبل أحدهما وتشنج، ولذلك يبطىء السكر عمن أكل
~~منه ورقات على ريق النفس ثم شرب.
# وقضبان الرمان إذا ضرب بها ظهر رجل اشتد عليه الألم. قالوا: وكل زهر ونور
~~فإنه ينحرف مع الشمس ويحول إليها وجهه؛ ولذلك يقال: هو يضاحك الشمس. قال
~~الأعشى: [بسيط]
# ما روضة من رياض الحزن معشبة ... خضراء جاد عليها مسبل هطل «2»
# يضاحك الشمس منها كوكب شرق ... مؤزة بعميم النبت مكتهل «3»
# PageV02P121
# وقال آخر: [طويل]
# فنواره ميل إلى الشمس زاهره «1»
# والخبازى «2» ينضم ورقه بالليل وينفتح بالنهار. والنيلوفر «3» ينبت في
~~الماء فيغيب الليل كله ويظهر إذا طلعت الشمس. وقالوا في الطحلب «4» : إن
~~أخذ فجفف في الظل ثم سقط في النار لم يحترق. وذكروا أن قسا راهن على صليب
~~في عنقه من خشب أنه لا يحترق، وقال: هو من العود الذي صلب عليه المسيح،
~~فكاد يفتن بذلك خلقا حتى فطن له بعض أهل النظر فأتاهم بقطعة عود تكون
~~بكرمان فكان أبقى على النار من صليبه. والطلق «5» كذلك لا يصير جمرا. وطلاء
~~النفاطين «6» طلق وخطمي ومغرة. وقالوا: إذا أخذ بزر السذاب البري وزرع وطال
~~به ذلك تحول حرملا «7» ، والنمام «8» إذا أعتق تحول
# PageV02P122
# حبقا «1» . قالوا: والقسط «2» إنما هو جزر بحري. قالوا: بالسند نبت من
~~الحشيش يسمى ترية، إذا أخذ فطبخ ثم صفي ماؤه فجعل في وعاء لم يلبث إلا
~~يسيرا حتى يشتد ويسكر شاربه إسكار الخمر.
# قال صاحب الفلاحة: من أراد أن يضر بمبقلة عمد إلى شيء من خرء البط فخلط
~~به مثله من ملح ثم طرحا في ماء فديفا فيه فينضح ذلك الماء على البقل فإنه
~~يفسد. قال: ومن أراد إفساد الرمان الكثير ألقى في أضعافه نوى التمر والملح
~~والجريش. ومن أراد قتل السمك في الماء القائم عمد إلى نبت يسمى «ما هى «3»
~~زهرة» فدق وطرح في الماء فإنه يموت سمك ذلك الماء؛ والمازريون «4» يفعل
~~ذلك. قال: ومما يجف له الشجر أن يعمد إلى مسمار من حديد فيحمى بالنار حتى
~~تشتد حمرته ثم يدق في أصل الشجرة، وأن يعمد إلى وتد من طرفاء فيثقب أصل
~~الشجرة بمثقب حديد ثم يجعل ذلك العود على قدر الثقب في المثقب فتجف الشجرة
~~إن كان غلظ العود على قدر الثقب.
# قيل لما سرجويه: ما بال الأكرة «5» وسكان البساتين مع أكلهم الكراث
~~والتمر وشربهم الماء الحار على السمك المالح أقل عميانا وعورانا وعمشانا؟
# قال: فكرت في ذلك فلم أجد علة إلا طول وقوع أبصارهم على الخضرة.
# PageV02P123
### | الحجارة
# قال أرسطا طاليس: حجر «1» سنقيلا إذا ربط على بطن صاحب الاستسقاء نشف منه
~~الماء، والدليل على ذلك أنه يوزن بعد أن كان على بطنه فيوجد قد زاد في
~~وزنه؛ وذاكرت بهذا رجلا من علماء الأطباء فعرفه، وقال: هذا الحجر مذكور في
~~التوراة. وحجر المغناطيس يجذب الحديد من بعد وإذا وضع عليه علقه، فإن دلك
~~بالثوم بطل عمله. قالوا: والرماد والقلي «2» يدبران فيستحيلان حجارة سودا
~~تصلح للأرجاء. ومن الحجارة حصاة في صورة النواة تسبح في الخل كأنها سمكة.
~~ومنها خرزة العقر «3» إن كانت في حقو «4» المرأة فلا تحبل.
# وحجر يوضع على حرف التنور فيتساقط خبز التنور كله. وبمصر حجر من قبض عليه
~~بجميع كفيه فأكل شيئا في جوفه فإن هو لم ينبذه من كفه خيف عليه. ومن
~~الحجارة النشف «5» ، ليس شيء من الحجارة يطفو على الماء غيره وفيه حفر
~~صغار.
# قالوا: الرصاص قد يدبر فيستحيل مردا سنجا. وإقليمياء «6» النحاس يدبر
~~فيصير توتياء. وحجر البازهر «7» يفرق الأورام. وباليمن جبل يقطر منه ماء.
~~فإذا صار إلى الأرض ويبس استحال وصار شبا، وهو هذا الشب اليماني.
# PageV02P124
# حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال: أربعة أشياء قد ملأت الدنيا لا تكون إلا
~~باليمن: الورس والكندر والخطر والعصب «1» . وبمصر حجر تحركه فتسمع في جوفه
~~شيئا يتقلقل كالنواة.
# حدثني شيخ لنا عن علي بن عاصم عن خالد الخذاء عن محمد بن سيرين قال:
~~إختصم رجلان إلى شريح، فقال أحدهما: إني استودعت هذا وديعة فأبى أن يردها
~~علي؛ فقال له شريح: رد على هذا الرجل وديعته؛ قال:
# يا أبا أمية، إنه حجر إذا رأته الحبلى ألقت ولدها، وإذا وقع في الخل غلى،
~~وإذا وضع في التنور برد، فسكت شريح، ولم يقل شيئا حتى قاما.
### | الجن
# قالوا: الشياطين مردة الجن، والجان ضعفة الجن، وبلغني عن يحيى بن آدم عن
~~شريك عن ليث عن مجاهد قال قال- يعني إبليس عليه لعنة الله-:
# أعطينا أنا نرى ولا نرى، وأنا ندخل تحت الثرى، وأن شيخنا يردفتى.
# حدثنا عبد الرحمن عن عمه قال: حدثني يعلى بن عقبة- شيخ من أهل المدينة
~~مولى لآل الزبير-: أن عبد الله بن الزبير بات بالقفر، فقام ليرحل فوجد رجلا
~~طوله شبران عظيم اللحية على الولية «2» ، فنفضها فوقع ثم وضعها على
~~الراحلة، وجاء وهو بين الشرخين «3» ، فنفض الرحل ثم شده، وأخذ
# PageV02P125
# السوط ثم أتاه، فقال: من أنت؟ قال: أنا أزب قال: وما أزب؟ قال: رجل من
~~الجن؛ قال: افتح فاك أنظر؛ ففتح فاه؛ قال: أهكذا حلوقكم! لقد شوه حلوقكم!
~~ثم قلب السوط فوضعه في رأس أرب حتى شقه.
# حدثني خالد بن محمد الأزدي قال: حدثنا عمر بن يونس قال: حدثنا عكرمة ابن
~~عمار قال: حدثنا إسحاق بن أبي طلحة الأنصاري قال: حدثني أنس بن مالك قال:
~~كانت بنت عوف بن عفراء مضطجعة في بيتها قائلة إذ استيقظت وزنجي على صدرها
~~آخذا بحلقها، قالت: فأمسكني ما شاء الله وأنا حينئذ قد حرمت علي الصلاة،
~~فبينا أنا كذلك نظرت إلى سقف البيت ينفرج، حتى نظرت إلى السماء فإذا صحيفة
~~صفراء تهوي بين السماء والأرض حتى وقعت على صدري، فنشرها وأرسل حلقي
~~فقرأها، فإذا فيها:
# من رب لكيز إلى لكيز، إجتنب ابنة العبد الصالح إنه لا سبيل لك عليها، ثم
~~ضرب بيده على ركبتي وقال: لولا هذه الصحيفة لكان دم، أي لذبحتك؛ فاسودت
~~ركبتي حتى صارت مثل رأس الشاة، فأتيت عائشة، فذكرت لها ذلك؛ فقالت لي: يا
~~بنة أخي، إذا حضت فألزمي عليك ثيابك فإنه لا سبيل له عليك إن شاء الله.
~~فحفظها الله بأبيها وكان استشهد يوم بدر.
# أبو يعقوب الثقفي عن عبد الملك بن عمير عن الشعبي عن زياد بن النضر أن
~~عجوزا سألت جنيا فقالت: إن بنتي عروس وقد تمرط شعرها «1» من حمى ربع بها،
~~فهل عندك دواء؟ فقال: اعمدي إلى ذباب الماء الطويل القوائم الذي يكون
~~بأفواه الأنهار فاجعليه في سبعة ألوان من العهن «2» : أصفر وأحمر وأخضر
~~وأزرق وأبيض وأسود وأغبر، ثم اجعليه في وسطه وافتليه
# PageV02P126
# بأصبعك هكذا ثم اعقديه على عضدها اليسرى؛ ففعلت فكأنها أنشطت من عقال.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: أخبرني محمد بن مسلم الطائفي في حديث
~~ذكره أن الشياطين لا تستطيع أن تغير خلقها ولكنها تسخر.
# وقال الأصمعي: حدثنا أبو عمرو بن العلاء قال: حدثنا النهاس بن قهم قال:
# دخلت مربدا لنا فإذا فيه شيء كالعجول «1» له قرنان وله ريش ينظر إلي كأنه
~~شيطان.
# حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله عن عمه قال: سمع رجل بأرض ليس بها أحد
~~قائلا من تحته يقول: من يحرك شعيراتي؟ ذاك مقيلي، وظل مظلي، حاشا الغزيل
~~وعبد الملك وجمعه الأدم؛ وكانوا يرون أن الأصمعي سمع هذا، وذاك أنه كان في
~~آخر عمره وقد أصابه مس ثم ذهب عنه.
# حدثني سهل بن محمد عن الأصمعي قال: أخبرنا عمر بن الهيثم عن عمير بن
~~ضبيعة قال: بينا أنا أسير في فلاة أنا وابن ظبيان- أو رفيق له آخر ذكره-
~~عرضت لنا عجوز- كذا سمعته يقول، إن شاء الله- أو شيخ- ورأيت في كتاب محمد
~~ابنه- وصبي يبكي؛ فقال: إني منقطع بي في هذه الفلاة فلو تحملتماني! فقال
~~صاحب عمير: لو أردفته! فحمله خلفه؛ فمكثنا ساعة فنظر في وجه عمير وتنفس
~~فخرج من فيه نار مثل نار الأتون «2» فأخد له عمير السيف؛ فبكى وقال: ما
~~تريد مني؛ فكف عنه ولم يعلم صاحبه بما رأى؛ فمكث هنيهة ثم عاد، فأخذ له
~~السيف؛ فبكى وقال ما تريد مني؟ وبكى؛ فتركه ولم يعلم صاحبه؛ ثم عاد الثالثة
~~ففغر «3» في وجهه؛ فحمل عليه
# PageV02P127
# بالسيف؛ فلما رأى الجد وثب وقال: قاتلك الله ما أشد قلبك! ما فعلته قط في
~~وجه رجل إلا ذهب عقله.
# بلغني عن محمد بن عبد الله الأسدي عن سفيان عن ابن أبي ليلى عن أخيه عن
~~عبد الرحمن عن أبي أيوب الأنصاري أنه كان في سفرة له وكانت الغول تجيء،
~~فشكاها إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: «إذا رأيتها فقل باسم الله
~~أجيبي رسول الله» ؛ فجاءت فقال لها ذلك؛ فأخذها فقالت: لا أعود؛ فأرسلها؛
~~فقال له النبي عليه السلام: «ما فعل أسيرك» ؟ فأخبره؛ فقال: «إنها عائدة» ،
~~ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثا، وقالت في آخرها: أرسلني وأعلمك شيئا تقوله فلا
~~يضرك شيء: آية الكرسي؛ فأتى النبي عليه السلام فأخبره؛ فقال:
# «صدقت وهي كذوب» .
# حدثني زيد بن أخزم قال: حدثنا عبد الصمد عن همام عن يحيى بن أبي كثيرة أن
~~عامل عمان كتب إلى عمر بن عبد العزيز: إنا أتينا بساحرة فألقيناها في الماء
~~فطفت؛ فكتب إليه عمر: لسنا من الماء في شيء، إن قامت البينة وإلا فخل عنها.
# حدثني يزيد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا ابن جريج عن ابن أبي
~~الحسين المكي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعمت الدخنة اللبان
~~واللبان دخنة الأنبياء ولن يدخل بيتا دخن فيه بلبان ساحر ولا كاهن.
# حدثني عبد الله بن أبي سعيد قال: حدثني عبد الله بن مروان بن معاوية من
~~ولد أسماء بن خارجة قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: سمعت أعرابية تقول: من
~~يشتري مني الحزأ؟ فقلت: وما الحزأ «1» ؟ قالت: يشتريه أكايس
# PageV02P128
# النساء للطشة والخافية والإقلات؛ قال عبد الله سألت ابن مناذر فقال:
~~الطشة:
# شيء يصيب الصبيان كالزكام. والخافية: الجن. والإقلات قلة الولد. يريد أن
~~المرأة إذا ولدت يموت أولادها فلا يبقى لها ولد؛ يقال: امرأة مقلات.
# بلغني عن شيخ من بني نمير أنه قال: أضللت أباعر لي بالشريف «1» فخرجت في
~~بغائها فدأبت أياما فأمسيت عشية بواد موحش وقد كددت راحلتي فاختليت «2» لها
~~من الشجر وأصبت لها من الماء ثم قيدتها واضطجعت مغموما، فلما جرى وسن النوم
~~في عيني إذ همس قدم قريبا مني، فانتبهت فزعا وإذا شيخ يتنحنح وهو يقول: لا
~~ريعة «3» عليك! ثم سلم وجلس؛ ثم جاء آخر وآخر حتى تألفوا أربعة فقالوا: ما
~~بك أيها المسلم؟ فقلت: أضللت أباعر «4» لي وأنا في طلبها منذ أيام؛ فقال لي
~~الأول منهم: كن لك ما كن، وقد ودعن فبن، وصرن حيث صرن، فلا تتعنين؛ فاجترأت
~~على المسألة فقلت: أمن الخافية أنتم نشدتكم بإلهكم؟ قالوا: نعم وإلهنا
~~وإلهكم واحد؛ فقلت: علموني مما علمكم الله شيئا أنتفع به؛ قالوا: إذا أردت
~~حفظ مالك فاقرأ عليه: إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام
~~ثم استوى على العرش
# «5» إلى آخر ثلاث الآيات، وآية الكرسي، وإذا أمسيت في خلاء وحدك فاقرأ
~~المعوذتين، وإن أحببت ألا يعبث بك ولا بأهلك وولدك عابث منا فعليك بالديك
~~الأبيض؛ واجعل في حجور صبيانك بريما، يعني خيطا من صوف
# PageV02P129
# أبيض وأسود، واحتشوا بالإذخر «1» ينشر في الصوف، فحدثوني كحديثنا تلك
~~الليلة، فلما أصبحت رجعت.
# قال المدائني: كانت وفاة زياد بالعرفة «2» ظهرت في إصبعه، واشتد عليه
~~الوجع فجمع الأطباء فشاورهم في قطع إصبعه، فأشار عليه بعضهم بذلك، وقال له
~~رجل منهم: أتجد الوجع في الإصبع أم تجده في قلبك والإصبع؟
# قال: في قلبي وفي إصبعي؛ قال: عش سليمان ومت سليما، وأمره أن يغمسها في
~~الخل، فكان ذلك يخفف عنه بعض الوجع، فمكث بذلك سبعة عشر يوما ثم مات؛ وسمع
~~أهل الحبس ليلة مات قائلا يقول: أنا النقاد الرقية قد كفيتكم الرجل. والعرب
~~تدعو الطاعون رماح الجن. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه وخز من الجن
~~يعني الطاعون» . والله أعلم.
# تم كتاب الطبائع وهو الكتاب الرابع من عيون الأخبار لابن قتيبة ويتلوه في
~~الكتاب الخامس كتاب العلم. والحمد لله رب العالمين وصلاته على خير خلقه
~~محمد النبي وآله وصحابته وأهل بيته أجمعين.
# وكتبه الفقير إلى رحمة الله تعالى إبراهيم بن عمر بن محمد بن علي الواعظ
~~الجزري؛ وذلك في شهور سنة أربع وتسعين وخمسمائة هجرية..
### | جاء بعد خاتمة الكتاب الرابع بعد النسخة الخطية التي تقل عنها الأصل الفتوغرافي ما يأتي:
# كان سديف مولى بني هاشم يقول: اللهم إنه قد صار فيئنا دولة بعد
# PageV02P130
# القسمة، وإمارتنا غلبة بعد المشورة؛ وعهدنا ميراثا بعد الاختيار للأمة،
~~واشتريت الملاهي والمعازف بسهم اليتيم والأرملة؛ وحكم في أبشار «1»
~~المسلمين أهل الذمة وتولى القيام بأمورهم فاسق كل محلة. اللهم وقد استحصد
~~زرع الباطل، وبلغ نهيته، واستجمع طريده، اللهم فافتح له من الحق يدا حاصدة
~~تبدد شمله، وتفرق نامته «2» ليظهر الحق في أحسن صوره، وأتم نوره. والسلام.
# وقيل «3» : كانوا يتوقون ظلم السلطان إذا دخلوا عليه بأن يقولوا هذا
~~الدعاء: «باسم الله، إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا
# اخسؤا فيها ولا تكلمون
# أخذت سمعك وبصرك بسمع الله وبصره، وأخذت قوتك بقوة الله، بيني وبينك ستر
~~النبوة الذي كانت الأنبياء تستتر به من سطوات الفراعنة؛ جبريل عن يمينك،
~~وميكائيل عن شمالك، ومحمد أمامك، والله مطل عليك يحجزك مني ويمنعني منك.
~~والسلام» .
# وكتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله: «أما بعد، فإذا دعتك قدرتك على
~~الناس إلى ظلمهم، فاذكر قدرة الله عليك ونفاد ما تأتي إليهم، وبقاء ما
~~يأتون إليك. والسلام» .
# وقدم رجل من بعض النواحي فقيل له: كيف تركت الناس؟ قال:
# مظلوما لا ينتصر، وظالما لا ينتهر. والسلام.
# PageV02P131
# في الحبس: [بسيط]
# ما يدخل السجن إنسان فتسأله ... ما بال سجنك إلا قال مظلوم «1»
# وقال بعض المحدثين: [منسرح]
# إن الليالي التي شغفت بها ... غيبها الدهر في تقلبه
# لله أمري ما ملت قط إلى ... شيء بقلبي إلا فجعت به
# عرفت حظي من الزمان فلا ... ألوم خلقا على تجنبه
# وكل سهم أعددته وقفت ... به الليالي حتى زميت به
# وحكي أن عبد الملك بن مروان أتوه برجل من الخوارج فأراد قتله، فأدخل على
~~عبد الملك ابن له صغير وهو يبكي؛ فقال الخارجي: دعه يا عبد الملك، فإن ذلك
~~أرحب لشدقه، وأصح لدماغه، وأذهب لصوته، وأجرى ألا تأبى عليه عينه إذا حفزته
~~طاعة الله فاستدعى عبرتها؛ فأعجب عبد الملك بقوله وقال له متعجبا: أما
~~يشغلك ما أنت فيه عن هذا؟ فقال: ما ينبغي أن يشغل المؤمن عن قول الحق شيء؛
~~فأمر عبد الملك بحبسه، وصفح عن قتله.
# PageV02P132
# بسم الله الرحمن الرحيم
### | كتاب 
### | العلم
# والبيان</span>
# العلم
# حدثني الزيادي قال: حدثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن عبد الله ابن سعد
~~عن الصنابحي عن معاوية بن أبي سفيان قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
~~عن الأغلوطات، قال الأوزاعي: يعني صعاب المسائل «1» .
# حدثني سهيل بن محمد عن الأصمعي قال: سمعت عمران بن حدير يحدث عن رجل من
~~أهل الشام قد سماه، قال: قال كعب الأحبار لقوم من أهل الشام: كيف رأيكم في
~~أبي مسلم الخولاني «2» ؟ فقالوا: ما أحسن رأينا فيه وأخذنا عنه! فقال: إن
~~أزهد الناس في العالم أهله «3» ، وإن مثل ذلك مثل الحمة «4» تكون في القوم
~~فيرغب فيها الغرباء، ويزهد فيها القرباء، فبينا ذلك
# PageV02P133
# غار ماؤها، وأصاب هؤلاء منفعتها، وبقي هؤلاء يتفكنون، أي يتندمون.
# وفي الإنجيل أن عيسى صلى الله عليه لما أراهم العجائب، وضرب لهم الأمثال
~~والحكمة، وأظهر لهم هذه الآيات، قالوا: أليس هذا ابن النجار! أو ليست أمه
~~مريم وأخوه يعقوب ويوسف وشمعون ويهوذا وأخواته كلهن عندنا! فقال لهم عيسى:
~~إنه لا يسب النبي ولا يحقر إلا في مدينته وبيئته.
# حدثنا الرياشي قال: حدثنا الأصمعي قال: قيل لدغفل النسابة: بم أدركت ما
~~أدركت من العلم؟ فقال: بلسان سؤول وقلب عقول، وكنت إذا لقيت عالما أخذت منه
~~وأعطيته.
# حدثني أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي قال: حدثنا العلاء بن أسلم عن رؤبة بن
~~العجاج قال: أتيت النسابة البكري فقال لي: من أنت؟ فقلت: أنا ابن العجاج،
~~قال: قصرت وعرفت، لعلك من قوم إن سكت عنهم لم يسألوني، وإن تكلمت لم يعوا
~~عني، قلت: أرجو ألا أكون كذلك، قال: ما أعداء المروءة؟
# قلت: تخبرني، قال: بنو عم السوء إن رأوا حسنا ستروه، وإن رأوا سيئا
~~أذاعوه، ثم قال: إن للعلم آفة وهجنة ونكدا، فآفته نسيانه، ونكده الكذب فيه،
~~وهجنته نشره عند غير أهله.
# كان يقال: لا يزال المرء عالما ما طلب العلم فإذا ظن أن قد علم فقد جهل.
# حدثني شيخ لنا عن محمد بن عبيد عن الصلت بن مهران عن رجل عن الشعبي عن
~~عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تعلم العلم لأربعة
~~دخل النار ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو يميل به وجوه الناس أو
~~يأخذ به من الأمراء» .
# PageV02P134
# وحدثني عن أبي معاوية عن حجاج عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه
~~وسلم: «ما من عبد يخلص العبادة لله أربعين يوما إلا ظهرت ينابيع الحكمة من
~~قلبه على لسانه» . وقرأت في حكم لقمان أنه قال لابنه: يا بني، أغد عالما أو
~~متعلما أو مستمعا أو محبا، ولا تكن الخامس فتهلك.
# حدثني محمد بن داود عن سويد بن سعيد عن إسماعيل عن ابن عياش عن معاذ ابن
~~رفاعة عن إبراهيم بن عبد الرحمن قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يحمل
~~هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين
~~وتأويل الجاهلين» .
# وروى أبو خالد بن الأحمر عن عمرو بن قيس عن أبي إسحاق قال:
# قال علي عليه السلام: كلمات لو رحلتم المطي فيهن لا تصيبوهن قبل أن
~~تدركوا مثلهن: لا يرجون عبد إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه، ولا يستحيي من لا
~~يعلم أن يتعلم، ولا يستحيي إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: الله أعلم.
# واعلموا أن منزلة الصبر من الإيمان كمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب
~~الرأس ذهب الجسد، وإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان. وكان يقول: من حق العالم
~~عليك إذا أتيته أن تسلم على القوم عامة وتخصه بالتحية، وأن تجلس قدامه ولا
~~تشير بيدك، ولا تغمز بعينك، ولا تقول قال فلان خلافا لقوله، ولا تغتاب عنده
~~أحدا، ولا تسار في مجلسه، ولا تأخذ بثوبه، ولا تلح عليه إذا كسل، ولا تغرض
~~«1» من صحبته لك: فإنما هو بمنزلة النخلة لا يزال يسقط عليك منها شيء.
~~وفيما قال علي عليه السلام: يا كميل «2» ، العلم خير من
# PageV02P135
# المال، لأن العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم
~~يزكو على الإنفاق. وقال: قيمة كل امرىء ما يحسن. ويقال إذا أرذل «1» الله
~~عبدا حظر عليه العلم. وقال الشاعر: [طويل]
# يعد رفيع القوم من كان عالما «2» ... وإن لم يكن في قومه بحسيب
# وإن حل أرضا عاش فيها بعلمه ... وما «3» عالم في بلدة بغريب
# قال بزرجمهر: ما ورثت الآباء الأبناء شيئا أفضل من الأدب، لأنها تكتسب
~~المال بالأدب وبالجهل تتلفه فتقعد عدما منهما. قال رجل لخالد بن صفوان:
~~مالي إذا رأيتكم تتذاكرون الأخبار، وتتدارسون الآثار، وتتناشدون الأشعار،
~~وقع علي النوم؟ قال: لأنك حمار في مسلاخ»
# إنسان.
# خرج الوليد بن يزيد حاجا ومعه عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر
~~فكانا ببعض الطريق يلعبان بالشطرنج فاستأذن عليه رجل من ثقيف فأذن له وستر
~~الشطرنج بمنديل، فلما دخل سلم فسأله حاجته؛ فقال له الوليد: أقرأت القرآن؟
~~قال: لا، يا أمير المؤمنين! شغلتني عنه أمور وهنات، قال: أفتعرف الفقه؟
~~قال: لا، قال: أفرويت من الشعر شيئا؟ قال: لا، قال: أفعلمت من أيام العرب
~~شيئا؟ قال: لا، قال: فكشف المنديل عن الشطرنج وقال:
# شاهك، فقال له عبد الله بن معاوية: يا أمير المؤمنين! قال: اسكت فما معنا
~~أحد.
# وفي كتاب للهند: العالم إذا اغترب فمعه من علمه كاف، كالأسد معه
# PageV02P136
# قوته التي يعيش بها حيث توجه. وكان يقال: العلم أشرف الأحساب، والمودة
~~أشد الأسباب، قال الشاعر: [منسرح]
# الحلم والعلم خلتا كرم ... للمرء زين إذا هما اجتمعا
# صنوان لا يستتم حسنهما ... إلا بجمع لذا وذاك معا
# كم من وضيع سما به العلم وال ... حلم فنال العلاء وارتفعا
# ومن رفيع البنا أضاعهما ... أخمله ما أضاع فاتضعا
# قال الأحنف: كاد العلماء أن يكونوا أربابا، وكل عز لم يؤكد بعلم فإلى ذل
~~ما يصير. وقال ابن المقفع: إذا أكرمك الناس لمال أو سلطان فلا يعجبنك ذلك،
~~فإن زوال الكرامة بزوالهما، ولكن ليعجبك إن أكرموك لدين أو أدب. وفي بعض
~~الحديث المرفوع: «مثل العلماء في الأرض مثل النجوم في السماء» . وكان يقال:
~~إستدل على فضل العلم أنه ليس أحد يحب أن له بحظه منه خطرا. قال يونس بن
~~حبيب: علمك من روحك، ومالك من بدنك. قال أبو الأسود: الملوك حكام على
~~الناس، والعلماء حكام على الملوك.
# قيل لبزرجمهر: العلماء أفضل أم الأغنياء؟ فقال: العلماء، فقيل له:
# فما بال العلماء بأبواب الأغنياء أكثر من الأغنياء بأبواب العلماء؟ فقال:
~~لمعرفة العلماء بفضل الغنى وجهل الأغنياء بفضل العلم. وفي الحديث: «ليس
~~الملق من أخلاق المؤمن إلا في طلب العلم» . قال ابن عباس: دللت طالبا،
~~فعزرت مطلوبا؛ وكان يقول: وجدت عامة علم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند
~~هذا الحي من الأنصار، إن كنت لأقيل بباب أحدهم ولو شئت أذن لي، ولكن أبتغي
~~بذلك طيب نفسه. وكان يقال: أول العلم الصمت والثاني الاستماع، والثالث
~~الحفظ، والرابع العقل، والخامس نشره. ويقال: إذا جالست العلماء فكن على أن
~~تسمع أحرص منك على أن تقول. قال الحسن: من أحسن عبادة الله
# PageV02P137
# في شبيبته لقاه الله الحكمة في سنه، وذلك قوله: ولما بلغ أشده واستوى
~~آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين
# «1» قال بعض الحكماء من الصحابة: تقول الحكمة: من التمسني فلم يجدني
~~فليفعل بأحسن ما يعلم، وليترك أقبح ما يعلم، فإذا فعل ذلك فأنا معه وإن لم
~~يعرفني. وكان يقال: لا يكون الرجل عالما حتى يكون فيه ثلاث: لا يحقر من
~~دونه في العلم، ولا يحسد من فوقه، ولا يأخذ على علمه ثمنا. وقال ابن عيينة:
~~يستحب للعالم إذا علم ألا يعنف، وإذا علم ألا يأنف. وفي كلام لغيلان، لا
~~تكن كعلماء زمن الهرج «2» إن علموا أنفوا وإن علموا عنفوا. وفي حكمة لقمان:
~~إن العالم الحكيم يدعو الناس إلى علمه بالصمت والوقار، وإن العالم الأخرق
~~يطرد الناس عن علمه بالهذر والإكثار. قال إبراهيم بن المنصور: سل مسألة
~~الحمقى واحفظ حفظ الأكياس. وأنشد ابن الأعرابي: [كامل]
# ما أقرب الأشياء حين يسوقها ... قدر وأبعدها إذا لم تقدر
# فسل الفقيه تكن فقيها مثله ... من يسع في عمل بفقه يمهر
# وتدبر الأمر الذي تعنى به ... لا خير في عمل بغير تدبر
# فلقد يجد المرء وهو مقصر ... ويخيب جد المرء غير مقصر
# ذهب الرجال المقتدى بفعالهم ... والمنكرون لكل أمر منكر
# وبقيت في خلف يزين بعضهم ... بعضا ليدفع معور «3» عن معور
# PageV02P138
# وقال الشاعر «1» : [طويل]
# شفاء العمى طول السؤال وإنما ... تمام العمى طول السكوت على الجهل
# وقال بعضهم: خير خصال المرء السؤال. ويقال: إذا جلست إلى عالم فسل تفقها
~~ولا تسل تعنتا. قال الحسن. من استتر عن الطلب بالحياء لبس للجهل سرباله،
~~فقطعوا سرابيل الحياء، فإنه من رق وجهه رق علمه؛ وقال:
# إني وجدت العلم بين الحياء والستر. وقال الخليل؛ منزلة الجهل بين الحياء
~~والأنفة. وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: قرنت الهيبة بالخيبة، والحياء
~~بالحرمان، والحكمة ضالة المؤمن فليطلبها ولو في يدي أهل الشرك. وقال عروة
~~بن الزبير لبنيه: تعلموا العلم فإن تكونوا صغار قوم فعسى أن تكونوا كبار
~~قوم آخرين، فيا سوءتا ماذا أقبح من جهل بشيخ! وكان يقال: علم علمك من يجهل،
~~وتعلم ممن يعلم، فإنك إذا فعلت ذلك علمت ما جهلت وحفظت ما علمت.
# قيل لبزرجمهر: بم أدركت ما أدركت من العلم؟ فقال: ببكور كبكور الغراب،
~~وحرص كحرص الخنزير، وصبر كصبر الحمار. وقال الحسن:
# طلب العلم في الصغر كالنقش في الحجر، وطلب العلم في الكبر كالنقش على
~~الماء. ويقال: التفقه على غير علم كحمار الطاحونة يدور ولا يبرح. وفي
~~الحديث المرفوع «ارحموا عزيزا ذل ارحموا غنيا افتقر ارحموا عالما ضاع بين
~~جهال» ويقال: أحق الناس بالرحمة عالم يجوز عليه حكم جاهل.
# قال المسيح عليه السلام: يا بني إسرائيل، لا تلقوا اللؤلؤ إلى الخنازير،
# PageV02P139
# فإنها لا تصنع به شيئا، ولا تعطوا الحكمة من لا يريدها، فإن الحكمة أفضل
~~من اللؤلؤ، ومن لا يريدها شر من الخنازير. قال ديمقراط: عالم معاند خير من
~~منصف جاهل. وقال آخر: الجاهل لا يكون منصفا؛ وقد يكون العالم معاندا. قال
~~سفيان: تعوذوا بالله من فتنة العابد الجاهل، وفتنة العالم الفاجر. قيل
~~للحسن: الحرفة في أهل العلم: ولغيرهم الثروة، فقال: إنك طلبت قليلا في قليل
~~فأعجزك، طلبت المال وهو قليل في الناس، في أهل العلم وهم قليل من الناس.
~~وقال الخريمي «1» : [بسيط]
# لا تنظرن إلى عقل ولا أدب ... إن الجدود قرينات الحماقات
# وقال آخر: [بسيط]
# ما ازددت من أدبي حرفا أسر به ... إلا تزيدت حرفا تحته شوم
# إن المقدم في جذق بصنعته ... أنى توجه منها فهو محروم
# وقال الطائي لمحمد بن عبد الملك: [طويل]
# أبا جعفر، إن الجهالة أمها ... ولود وأم العلم جذاء حائل «2»
# قال الثوري: من طلب الرياسة بالعلم سريعا فاته علم كثير؛ وقال:
# يهتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل. قال بعض أهل العلم: يغفر للجاهل
~~سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد. قال بلال بن أبي بردة: لا يمنعنكم
~~سوء ما تعلمون منا أن تقبلوا أحسن ما تسمعون. وقال الخليل بن أحمد «3» :
~~[بسيط]
# PageV02P140
# اعمل بعلمي ولا تنظر إلى عملي ... ينفعك قولي ولا يضررك تقصيري
# كتب رجل إلى أخ له: إنك قد أوتيت علما فلا تطفئن نور علمك بظلمة الذنوب
~~فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم.
# وقال بعض الحكماء: لولا العلم لم يطلب العمل، ولولا العمل لم يطلب العلم،
~~ولأن أدع الحق جهلا به أحب إلي من أن أدعه زهدا فيه. وقال مالك بن دينار:
~~إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا.
~~«1» ونحوه قول زياد: إذا خرج الكلام من القلب وقع في القلب، وإذا خرج من
~~اللسان لم يجاوز الآذان.
# ويقال: العلماء إذا علموا كملوا، فإذا عملوا شغلوا، فإذا شغلوا فقدوا،
~~فإذا فقدوا طلبوا فإذا طلبوا هربوا. قال الحسن: ما أحسن الرجل ناطقا عالما
~~ومستمعا واعيا وواعيا عاملا. وقال ابن مسعود: إني لأحسب الرجل ينسى العلم
~~بالخطيئة يعملها. وقال ابن عباس: إذا ترك العالم قول لا أدري أصيبت مقاتله.
~~وقال يزيد بن الوليد بن عبد الملك: [متقارب]
# إذا ما تحدثت في مجلس ... تناهى حديثي إلى ما علمت
# ولم أعد علمي إلى غيره ... وكان إذا ما تناهى قصرت
# وقال آخر «2» : [طويل]
# إذا ما انتهى علمي تناهيت عنده ... أطال فأملى أم تناهى فأقصرا
# ويخبرني عن غائب المرء فعله ... كفى الفعل عما غيب المرء مخبرا
# قال عمر بن الخطاب: لا أدركت لا أنا ولا أنت زمانا يتغاير الناس فيه
# PageV02P141
# على العلم كما يتغايرون على الأزواج. قال سلمان: علم لا يقال به ككنز لا
~~ينفق منه. وفي الحديث المرفوع: «العلم علمان علم في القلب فذلك العلم
~~النافع وعلم على اللسان فذلك حجة الله على ابن آدم» قال عمر بن عبد العزيز:
~~ما قرن شيء إلى شيء أحسن من حلم إلى علم ومن عفو إلى قدرة.
# قال أبو الدرداء: من يزدد علما يزدد وجعا.
# قال أفلاطون: لولا أن في قول لا أعلم سببا لأني أعلم لقلت إني لا أعلم.
~~وقال آخر: ليس معي من فضيلة العلم إلا علمي بأني لست أعلم.
# قال الخليل بن أحمد: الرجال أربعة: رجل يدري ويدري أنه يدري فسلوه، ورجل
~~يدري ولا يدري أنه يدري فذاك ناس فذكروه، ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري
~~فذلك مسترشد فعلموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذلك جاهل فارفضوه.
# كتب كسرى إلى بزرجمهر وهو في الحبس: كانت ثمرة علمك أن صرت بها أهلا
~~للحبس والقتل، فكتب إليه بزرجمهر: أما ما كان معي الجد فقد كنت أنتفع بثمرة
~~العلم فالآن إذ لا جد فقد صرت أنتفع بثمرة الصبر مع أني إن كنت فقدت كثير
~~الخير فقد استرحت من كثير الشر.
# قال بزرجمهر: من صلح له العمر صلح له التعلم. وقيل لبعض الحكماء: أيحسن
~~بالرجل أن يتعلم؟ فقال: إن كانت الجهالة تقبح به فإن العلم يحسن به. ويقال:
~~التودد زين العلم.
# قال عمر بن الخطاب: ما من غاشية «1» أدوم أرقا، وأبطأ شبعا من عالم.
# قال مالك بن دينار: من طلب العلم لنفسه فالقليل منه يكفي، ومن طلبه
# PageV02P142
# للناس فحوائج الناس كثيرة.
# قال إبقراط: العلم كثير، والعمر قصير، والصنعة طويلة، والزمان جديد،
~~والتجربة خطأ.
# قال المسيح عليه السلام: إلى متى تصفون الطرنف للمدلجين، وأنتم مقيمون مع
~~المتحيرين؟ إنما ينبغي من العلم القليل، ومن العمل الكثير. قال سلمان: لو
~~حدثت الناس بكل ما أعلم لقالوا رحم الله قاتل سلمان. كان يقال: لا تقل فيما
~~لا تعلم فتتهم فيما تعلم. وكان يقال: العلم قائد، والعمل سائق، والنفس
~~حرون، فإذا كان قائد بلا سائق بلدت وإذا كان سائق بلا قائد عدلت يمينا
~~وشمالا، فإذا اجتمعا أنابت طوعا وكرها. قال أيوب: لا يعرف الرجل خطأ معلمه
~~حتى يعرف الاختلاف. ويقال: غريزة العقل أنثى وما يستفاد من العلم ذكر ولن
~~يصلحا إلا معا.
# قال المسيح عليه السلام: إن أبغض العلماء إلى الله رجل يحب الذكر
~~بالمغيب، ويوسع له في المجالس، ويدعى إلى الطعام، وتفرغ له المزاود «1» ،
~~بحق أقول لكم: إن أولئك قد أخذوا أجورهم في الدنيا، وإن الله يضاعف لهم
~~العذاب يوم القيامة.
# لما دلي زيد بن ثابت في قبره قال ابن عباس: من سره أن يرى كيف ذهب العلم
~~فهكذا ذهاب العلم.
# ويقال: إذا أردت المحبة من الله فكن عالما كجاهل. وقال بعض الشعراء في
~~تلاقي العلماء: [منسرح]
# PageV02P143
# إذا تلاقى الفيول «1» وازدحمت ... فكيف حال البعوض في الوسط؟
# وقال ابن الرقاع: [كامل]
# ولقد أصبت من المعيشة لذة ... ولقيت من شظف الخطوب شدادها
# وعلمت حتى لست أسأل عالما ... عن حرف واحدة لكي أزدادها
# ويقال: أربع لا يأنف منهن الشريف: قيامه عن مجلسه لأبيه، وخدمته لضيفه،
~~وقيامه على فرسه وإن كان له مائة عبد، وخدمته العالم ليأخذ من علمه.
# قيل لعطاء بن مصعب: كيف غلبت على البرمكة وعندهم من هو آدب منك؟ قال: ليس
~~للقرباء ظرافة الغرباء، كنت بعيد الدار، غريب الاسم، عظيم الكبر، صغير
~~الجرم، كثير الالتواء، شحيحا بالإملاء؛ فقربني إليهم تباعدي منهم، ورغبهم
~~في رغبتي عنهم.
# قال أبو يعقوب الخريمي «2» : تلقاني سعيد بن وهب مع طلوع الشمس فقلت: أين
~~تريد؟ قال: أدور لعلي أسمع حديثا حسنا، ثم تلقاني أنس بن أبي شيخ فقلت: أين
~~تريد؟ قال: عندي حديث حسن فأنا أطلب له إنسانا حسن الفهم حسن الاستماع،
~~قلت: حدثني به، قال: أنت حسن الفهم سيء الإستماع، وما أرى لهذا الحديث إلا
~~إسماعيل بن غزوان. وقال الطائي في نحو هذا: [وافر]
# وكنت أعز عزا من قنوع ... تعوضه صفوح من ملول
# PageV02P144
# فصرت أذل من معنى دقيق ... به فقر إلى فهم جليل
# كان يقال: إذا أردت أن تكون عالما فاقصد لفن من العلم، وإذا أردت أن تكون
~~أديبا فخذ من كل شيء أحسنه. قال إبراهيم «1» بن المهدي: [بسيط]
# قد يرزق المرء لم تتعب رواحله ... ويحرم الرزق من لم يؤت من تعب
# مع أنني واجد في الناس واحدة ... الرزق أروغ شيء عن ذوي الأدب
# وخلة ليس فيها من يخالفني ... الرزق والنوك مقرونان في سبب «2»
# يا ثابت العقل كم عاينت ذا حمق ... الرزق أغرى به من لازم الجرب
# قال أنو شروان للموبذ «3» : ما رأس الأشياء؟ قال: الطبيعة النقية تكتفي
~~من الأدب برائحته ومن العلم بالإشارة إليه، وكما يذهب البذر في السباخ «4»
~~ضائعا، كذلك الحكمة تموت بموت الطبيعة، وكما تغلب السباخ طيب البذر إلى
~~العفن، كذلك الحكمة تفسد عند غير أهلها؛ قال كسرى؛ قد صدقت وبحق قلدناك ما
~~قلدناك.
# قال بعض السلف: يكون في آخر الزمان علماء يزهدون في الدنيا ولا يزهدون،
~~ويرغبون في الآخرة ولا يرغبون، ينهون عن غشيان الولاة ولا ينتهون، يقربون
~~الأغنياء ويباعدون الفقراء، وينقبضون عند الحقراء، وينبسطون عند الكبراء:
~~أولئك الجبارون أعداء الرحمن.
# PageV02P145
# نافع عن ابن عمر قال: العلم ثلاثة: كتاب ناطق؛ وسنة ماضية؛ ولا أدري.
### | الكتب والحفظ
# حدثني إسحاق بن إبراهيم قال: حدثني قريش بن أنس قال: سمعت الخليل بن أحمد
~~يقول: اسلم من الوحدة، فقيل له: قد جاء في الوحدة ما جاء، فقال: ما أفسدها
~~للجاهل!. قال بعض الشعراء في قوم يجمعون الكتب ولا يعلمون: [طويل]
# زوامل «1» للأسفار لا علم عندهم ... بجيدها إلا كعلم الأباعر
# لعمرك ما يدري المطي إذا غدا ... بأحمالها أرواح ما في الغرائر «2»
# قال يحيى بن خالد: الناس يكتبون أحسن ما يسمعون، ويحفظون أحسن ما يكتبون،
~~ويتحدثون بأحسن ما يحفظون. قال الشعبي: لو أن رجلا حفظ ما نسيت كان عالما،
~~ووصف رجل رجلا فقال: كان يغلط في علمه من وجوه أربعة: يسمع غير ما يقال له،
~~ويحفظ غير ما يسمع، ويكتب غير ما يحفظ، ويحدث بغير ما يكتب.
# قيل لأبي نواس: قد بعثوا إلى أبي عبيدة والأصمعي ليجمع بينهما، فقال: أما
~~أبو عبيدة فإن أمكنوه من شقره «3» قرأ عليهم أساطير الأولين؛ وأما الأصمعي
~~فبلبل في قفص يطربهم بنغماته.
# PageV02P146
### | القرآن
# حدثني الزيادي قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن الجريري عن عبد الله بن
~~شقيق قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون بيع المصاحف
~~ويرونه عظيما، وكانوا يكرهون أن يأخذ المعلم على تعليم الغلمان شيئا.
# حدثني محمد بن عبد العزيز عن خالد الكاهلي عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي
~~عليه السلام قال: مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب
~~وطعمها طيب؛ ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل النمرة طعمها طيب ولا ريح
~~لها؛ ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر؛ ومثل
~~الفاجر الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها.
# وحدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن إسماعيل بن أمية
~~وليث بن أبي سليم عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه
~~وسلم: لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو فإني أخاف أن يناله العدو.
# حدثني أبو سفيان الغنوي قال: حدثنا عمير بن عمران العلاف قال:
# حدثنا خريمة ابن أسد المري قال: كان سعيد بن المسيب يستفتح القراءة ب بسم
~~الله الرحمن الرحيم
# ويقول: إنها أول شيء كتب في المصحف، وأول الكتب، وأول ما كتب به سليمان
~~بن داود إلى المرأة «1» .
# وحدثني أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي قال: حدثنا رجل عن عمران بن حدير
~~قال: قرأت على أعرابي آخر سورة «براءة» فقال: كان هذا من آخر
# PageV02P147
# ما نزل. قالوا: كيف؟ قال: أرى أشياء تقضى وعهودا تنبذ. قال: وقرأت عليه
~~سورة الأحزاب فقال: كأنها ليس بتامة.
# حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد
~~قال: قال ابن مسعود: (حم) ديباج القرآن، قال: وزاد فيه مسعر «1» ، قال عبد
~~الله: إذا وقعت في آل (حم) وقعت في روضات دمثات «2» أتأنق فيهن.
# حدثني شيخ لنا عن المحاربي قال: حدثنا بكر بن حنيس عن ضرار بن عمرو عن
~~الحسن قال: قراء القرآن ثلاثة: رجل اتخذه بضاعة ينقله من مصر إلى مصر، يطلب
~~به ما عند الناس؛ وقوم حفظوا حروفه، وضيعوا حدوده، واستدروا به الولاة،
~~واستطالوا به على أهل بلادهم- وقد كثر الله هذا الضرب في حملة القرآن لا
~~كثرهم الله- ورجل قرأ القرآن فبدأ بما يعلم من دواء القرآن فوضعه على داء
~~قلبه، فسهر ليله وهملت عيناه، تسربلوا «3» الخشوع، وارتدوا بالحزن، وركدوا
~~في محاريبهم، وجثوا في برانسهم «4» ، فبهم يسقي الله الغيث، وينزل النصر،
~~ويرفع البلاء، والله لهذا الضرب في حملة القرآن أقل من الكبريت الأحمر. روى
~~الحارث الأعور عن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
~~كتاب الله فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس
~~بالهزل، هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تشبع منه العلماء ولا
# PageV02P148
# يخلق عن كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله
~~ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين والذكر الحكيم
~~والصراط المستقيم خذها إليك يا أعور.
# المحاربي قال: حدثنا مالك بن مغول عمن أخبره عن المسيب بن رافع عن عبد
~~الله ابن مسعود قال: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون،
~~وبحزنه إذ الناس يفرحون، وببكائه إذ الناس يضحكون؛ وينبغي لحامل القرآن أن
~~يكون عليما حكيما لينا مستكينا.
# وكيع عن أبي معشر المديني عن طلحة بن عبيد الله بن كريز قال: قال رسول
~~الله صلى الله عليه وسلم: إن من تعظيم جلال الله إكرام ذي الشيبة في
~~الإسلام وإكرام الإمام العادل وإكرام حامل القرآن. قال بعض المفسرين في قول
~~الله عز وجل: سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق
# «1» أحرمهم فهم القرآن.
# سمع أعرابي ابن عباس وهو يقرأ: وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها
# «2» فقال: والله ما أنقذهم منها وهو يريد أن يدخلهم فيها؛ فقال ابن عباس:
~~خذها من غير فقيه.
### | الحديث
# حدثني إسحاق بن «3» إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال: حدثنا محمد بن
# PageV02P149
# فضيل عن الأعمش قال: كان إسماعيل بن رجاء يجمع صبيان الكتاب فيحدثهم كيلا
~~ينسى حديثه. وحدثني إسحاق الشهيدي قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش
~~قال: قال لي حبيب بن أبي ثابت: لو أن رجلا حدثني عنك بحديث ما باليت أن
~~أرويه عنك.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن نافع عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: ألف
~~عن ألف خير من واحد عن واحد إن فلانا عن فلان ينتزع السنة من أيديكم.
# حدثني الرياشي قال: روي عن محمد بن إسماعيل عن معتمر قال:
# حدثني منقذ عن أيوب عن الحسن قال: ويح: رحمة.
# حدثنا الرياشي قال: روى ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن
~~أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد؛
~~قال ربيعة: ثم ذاكرت سهيلا بهذا الحديث فلم يحفظه، فكان بعد ذلك يرويه عني
~~عن نفسه عن أبيه عن أبي هريرة.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن شعبة قال: كان قتادة إذا حدث بالحديث الجيد
~~ثم ذهب يجيء بالثاني غدوة.
# بلغني عن ابن مهدي قال: سئل شعبة؛ من الذي يترك حديثه؟ فقال:
# الذي يتهم بالكذب، ومن تكثر بالغلط، ومن يخطىء في حديث مجمع عليه فلا
~~يتهم نفسه ويقيم على غلطه، ورجل روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون.
# وعن مالك أنه قال: لا يؤخذ العلم من أربعة: سفيه معلن بالسفه، وصاحب هوى،
~~ورجل يكذب في أحاديث الناس وإن كنت لا تتهمه في
# PageV02P150
# الحديث، ورجل له فضل وتعفف وصلاح لا يعرف ما يحدث.
# حدثني عبد الرحمن عن الأصمعي أنه رثى سفيان «1» بن عيينة فقال: [بسيط]
# فليبك سفيان باغي سنة درست ... ومستبيت أثارات وآثار «2»
# ومبتغي قرب إسناد وموعظة ... وأفقيون «3» من طار ومن طار
# أمست مجالسه وحشا معطلة ... من قاطنين وحجاج وعمار
# من للحديث عن الزهري حين ثوى ... أو للأحاديث عن عمرو بن دينار «4»
# لن يسمعوا بعده من قال حدثنا ال ... زهري من أهل بدو أو بإحضار
# لا يهنأ الشامت المسرور مصرعه ... من مارقين ومن جحاد أقدار
# ومن زنادقة، جهم «5» يقودهم ... قودا إلى غضب الرحمن والنار
# وملحدين ومرتابين قد خلطوا ... بسنة الله أهتارا بأهتار «6»
# PageV02P151
# وقال آخر في مالك بن أنس الفقيه: [كامل]
# يأبى الجواب فما يراجع هيبة ... والسائلون نواكس الأذقان
# هدي التقي وعز سلطان التقى ... فهو المطاع وليس ذا سلطان «1»
# حدثنا أبو الخطاب قال: حدثنا محمد بن سوار قال: حدثنا هشام بن حسان قال:
~~كان الحسن يحدثنا اليوم بالحديث ويرده الغد ويزيد فيه وينقص إلا أن المعنى
~~واحد.
# حدثني أبو الخطاب قال: حدثنا ميمون قال: حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه قال:
~~قال حذيفة بن اليمان: إنا قوم عرب فنقدم ونؤخر ونزيد وننقص، ولا نريد بذلك
~~كذبا.
# أبو معاوية قال: قال أبو إسحاق الشامي: لو كان هذا الحديث من الخبز نقص.
# أبو أسامة قال: قال مسعر: من أبغضني فجعله الله محدثا. أبو معاوية قال:
~~سمعت الأعمش يقول: والله لأن أتصدق بكسرة أحب إلي من أن أتحدث بستين حديثا.
# أبو أسامة قال: سمعت سفيان يقول لوددت أنها قطعت من هامتي، وأومأ إلى
~~المنكب، وأني لم أسمع منه شيئا.
# قال ابن عيينة: ما أحب لمن أحب أن يكون أحفظ الناس للحديث.
# قال بعضهم: إني لأسمع الحديث عطلا فأشنفه وأقرطه وأقلده فيحسن، وما زدت
~~فيه معنى، ولا نقصت منه معنى.
# أبو أسامة قال: سأل حفص بن غياث الأعمش عن إسناد حديث فأخذ بحلقه وأسنده
~~إلى الحائط وقال: هذا إسناده.
# وحدث ابن السماك بحديث فقال له رجل: ما إسناده؟ فقال: هو من
# PageV02P152
# المرسلات عرفا. وحدث الحسن بحديث فقال له رجل: يا أبا سعيد، عمن قال وما
~~يصنع بعمن؟ أما أنت فقد نالتك موعظته، وقامت عليك حجته.
# يعلى قال: قال الأعمش: إذا رأيت الشيخ لم يطلب الفقه أحببت أن أصفعه.
# ابن عيينة قال: قال الأعمش: لولا تعلم هذه الأحاديث كنت كبعض بقالي
~~الكوفة.
# إزدحم الناس يوما على باب ابن عيينة أيام الموسم وبالقرب منه رجل من حاج
~~خراسان قد حط بمجمله فديس وكسر ما كان معه وانتهب كعكه وسويقه، فقام يسير
~~إلى سفيان يدعو ويقول: إني لا أحل لك ما صنعت؛ فقال سفيان: ما يقول؟ فقال:
~~بعضهم: يقول لك: زدنا في السماع رحمك الله.
# أنشدني أبو حاتم عن الأصمعي للعلاء بن المنهال الغنوي في شريك «1» :
~~[وافر]
# فليت أبا شريك كان حيا ... فيقصر حين يبصره شريك
# ويترك من تدريه علينا ... إذا قلنا له هذا أبوك «2»
# وقال آخر: [طويل]
# تحرز سفيان وفر بدينه ... وأمسى شريك مرصدا للدراهم
# وقال آخر «3» في شهر بن حوشب: [طويل]
# PageV02P153
# لقد باع شهر دينه بخريطة ... فمن يأمن القراء بعدك يا شهر؟
# وذلك أنه كان دخل بيت المال فسرق خريطة، ورافق رجلا من أهل الشام فسرق
~~عيبته. وقال ابن مناذر «1» : [وافر]
# ومن يبغ الوصاة «2» فإن عندي ... وصاة للكهول وللشباب
# خذوا عن مالك وعن ابن عون ... ولا ترووا أحاديث ابن دأب «3»
# عبد العزيز بن أبان عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت قال: طلبنا هذا الأمر
~~وما لنا فيه نية، ثم إن النية جاءت بعد؛ فقال سفيان: قال زيد بن أسلم:
# رأيتم رجلا مد رجله فقال: اقطعوها سوف أجبرها. قيل لرقبة: ما أكثر شكك!
~~فقال: محاماة عن اليقين؛ وقال بعضهم: سأل شعبة أيوب السختياني عن حديث
~~فقال: أنا أشك، فيه فقال: شكك أحب إلي من يقين سبعة.
# حدثني زيد بن أخزم قال: سمعت عبد الله بن داود يقول: رأيت الأعمش يضم
~~كفيه ثم يضرب بهما صدره ويقول: أسكن.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثني بعض الرواة قال: قلت للشرقي بن
~~قطامي: ما كانت العرب تقول في صلاتها على موتاها؟ فقال: لا أدري، فأكذب له؟
~~فقلت: كانوا يقولون: [طويل]
# PageV02P154
# ما كنت وكواكا ولا بزونك ... رويدك حتى يبعث الحق باعثه «1»
# وكواك: غليظ، وزونك: قصير؛ قال: فإذت أنا به يحدث به في المقصورة يوم
~~الجمعة؛ قال أبو نواس: [منسرح]
# حدثني الأزرق المحدث عن ... عمرو بن شمر عن ابن مسعود
# لا يخلف الوعد غير كافرة «2» ... وكافر في الجحيم مصفود
# حدثني مهيار قال: حدثني هدبة بن عبد الوهاب عن شقيق البلخي أنه أطرى يوما
~~أبا حنيفة رحمه الله بمرو فقال له علي بن إسحاق: لا تطره بمرو فإنهم لا
~~يحتملون ذلك؛ فقال شقيق: قد مدحه مساور «3» الشاعر فقال: [وافر]
# إذا ما الناس يوما قايسونا ... بآبدة من الفتيا ظريفه «4»
# أتيناهم بمقياس صحيح ... تلاد «5» من طراز أبي حنيفه
# إذا سمع الفقيه بها وعاها ... وأثبتها بحبر في صحيفه
# فقال له: قد أجابه بعض أصحابنا: [وافر]
# إذا ذو الرأي خاصم في قياس ... وجاء ببدعة هنة سخيفه
# أتيناهم بقول الله فيها ... وآثار مبرزة شريفه
# فكم من فرج محصنة عفيف ... أحل حرامه بأبي حنيفه
# PageV02P155
# أقال أبو حنيفة بنت صلب ... تكون من الزنا عرسا صحيحه
# سمع رجل مناديا ينادي: من يدلنا على شيخ ضل؟ فقال: ما سمعت كاليوم شيخ
~~ينادى عليه؛ ثم جاء به إلى بشر المريسي فقال: هذا شيخ ضال فخذ بيده؛ وكان
~~بشر يقول بخلق القرآن.
### | الأهواء والكلام في الدين
# قال المأمون يوما لعلي بن موسى الرضى عليهما السلام: بم تدعون هذا الأمر؟
~~قال: بقرابة علي من النبي صلى الله عليه وسلم، وبقرابة فاطمة رضي الله
~~عنها؛ فقال المأمون: إن لم يكن هاهنا شيء إلا القرابة ففي خلف رسول الله
~~صلى الله عليه وسلم من أهل بيته من هو أقرب إليه من علي، ومن هو في القرابة
~~مثله؛ وإن كان بقرابة فاطمة من رسول الله، فإن الحق بعد فاطمة للحسن
~~والحسين وليس لعلي في هذا الأمر حق وهما حيان؛ وإذا كان الأمر على ذلك، فإن
~~عليا قد ابتزهما جميعا وهما حيان صحيحان، واستولى علي على ما لا يجب له؛
~~فما أحار «1» علي بن موسى نطقا.
# حدثنا الرياشي قال: سمعت الأصمعي ينشد: [طويل]
# وإني لأغنى الناس عن متكلم ... يرى الناس ضلالا وليس بمهتدي
# وأنشدني أيضا الرياشي: [بسيط]
# وعاجز الرأي مضياع لفرصته ... حتى إذا فات أمر عاتب القدرا «2»
# PageV02P156
# وقال آخر: [طويل]
# إذا عيروا قالوا مقادير قدرت ... وما العار إلا ما تجر المقادر
# وأنشدني سهل عن الأصمعي: [رجز]
# يا أيها المضمر هما لا تهم ... إنك إن نقدر لك الحمى تحتم
# ولو غدوت شاهقا من العلم ... كيف توقيك وقد جف القلم «1»
# وأنشدني غيره: [رجز]
# هي المقادير فلمني أو فذر ... إن كنت أخطأت فما أخطأ القدر
# قال أبو يوسف: من طلب الدين بالكلام تزندق، ومن طلب المال بالكيمياء
~~أفلس، ومن طلب غرائب الحديث كذب. كان مسلم بن أبي مريم- وهو مولى لبعض أهل
~~المدينة وقد حمل عنه الحديث- شديدا على القدرية «2» ، عائبا لهم ولكلامهم،
~~فانكسرت رجله فتركها ولم يجبرها، فكلم في ذلك فقال: يكسرها هو وأجبرها أنا!
~~لقد عاندته إذا. قال رجل لهشام بن الحكم:
# أترى الله عز وجل في فضله وكرمه وعدله كلفنا ما لا نطيق ثم يعذبنا؟ فقال
~~هشام: قد، والله، فعل، ولكننا لا نستطيع أن نتكلم.
# حدثني رجل من أصحابنا قال: صاحب رجل من القدرية مجوسيا في
# PageV02P157
# سفر فقال له القدري: يا مجوسي، مالك لا تسلم؟ قال: حتى يشاء الله! قال:
# قد شاء الله ذلك، ولكن الشيطان لا يدعك، قال المجوسي: فأنا مع أقواهما.
# اجتمع أبو عمرو بن العلاء وعمرو بن عبيد فقال عمرو: إن الله وعد وعدا
~~وأوعد إيعادا وإنه منجز وعده ووعيده. فقال له أبو عمرو: أنت أعجم! لا أقول
~~إنك أعجم اللسان، ولكنك أعجم القلب! أما تعلم، ويحك! أن العرب تعد إنجاز
~~الوعد مكرمة، وترك إيقاع الوعيد مكرمة؟ ثم أنشده: [طويل]
# وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
# حبيب بن الشهيد قال: قال إياس «1» بن معاوية: ما كلمت أحدا بعقلي كله إلا
~~صاحب القدر؛ قلت: ما الظلم في كلام العرب؟ قال: هو أن يأخذ الرجل ما ليس
~~له؛ قلت: فإن الله له كل شيء.
# وفي كتاب للهند: اليقين بالقدر لا يمنع الحازم توقي المهالك، وليس على
~~أحد النظر في القدر المغيب، ولكن عليه العمل بالحزم، ونحن نجمع تصديقا
~~بالقدر وأخدا بالحزم.
# حدثني خالد بن محمد الأزدي قال: حدثنا شبابة بن سوار قال: سمعت رجلا من
~~الرافضة «2» يقول: رحم الله أبا لؤلؤة! فقلت: تترحم على رجل
# PageV02P158
# مجوسي قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه! فقال: كانت طعنته لعمر إسلامه.
# حدثني أحمد بن الخليل قال: حدثنا الأصمعي قال: أخبرني عاصم بن محمد
~~العمري قال: كنت جالسا عند أمير من أمراء المدينة فأتي برجل شتم أبا بكر
~~وعمر فأسلمه حجاما حتى حذق.
# وقال بعض شعراء «1» الرافضة في محمد بن الحنفية «2» : [وفر]
# ألا قل للوصي «3» فدتك نفسي ... أطلت بذلك الجبل «4» المقاما
# أضر بمعشر والوك منا ... وسموك الخليفة والإماما
# وعادوا فيك أهل الأرض طرا ... مقامك عنهم ستين عاما
# وما ذاق ابن خولة «5» طعم موت ... ولا وارت له أرض عظاما
# PageV02P159
# لقد أمسى بمورق شعب رضوى ... تراجعه الملائكة الكلاما
# وقال كثير «1» عزة فيه وكان رافضيا يقول بالرجعة: [وافر]
# ألا إن الأئمة من قريش ... ولاة «2» الحق أربعة سواء
# علي والثلاثة من بنيه ... هم الأسباط ليس بهم خفاء
# فسبط سبط إيمان وبر ... وسبط غيبته كربلاء
# وسبط «3» لا يذوق الموت حتى ... يقود الخيل يقدمها اللواء
# تغيب، لا يرى، عنهم زمانا ... برضوى عنده غسل وماء
# وهم يذكرون أنه دخل شعبا باليمن في أربعين من أصحابه فلم ير لهم أثر.
# قال طلحة بن مصرف لرجل: لولا أني على وضوء لأخبرتك بما تقول الشيعة.
# قال هارون «4» بن سعد العجلي وكان رأس الزيدية) [طويل]
# ألم تر أن الرافضين تفرقوا ... فكلهمو في جعفر «5» قال منكرا
# PageV02P160
# فطائفة قالوا إله ومنهم ... طوائف سمته النبي المطهرا
# فإن كان يرضى ما يقولون جعفر ... فإني إلى ربي أفارق جعفرا
# ومن عجب لم أقضه جلد جفرهم «1» ... برئت إلى الرحمن ممن تجفرا
# برئت إلى الرحمن من كل رافض ... بصير بباب الكفر، في الدين أعورا
# إذا كف أهل الحق عن بدعة مضى ... عليها وإن يمضوا على الحق قصرا
# ولو قال إن الفيل ضب لصدقوا ... ولو قال زنجي تحول أحمرا
# وأخلف من بول البعير فإنه ... إذا هو للإقبال وجه أدبرا
# فقبح أقوام رموه بفرية «2» ... كما قال في عيسى الفرى من تنصرا
# سمعت بعض أهل «3» الأدب يقول: ما أشبه تأويل الرافضة للقرآن بتأويل رجل
~~للشعر، فإنه قال يوما: ما سمعت بأكذب من بني تميم! زعموا أن قول القائل:
~~[كامل]
# بيت زرارة محتب بفنائه ... ومجاشع وأبو الفوارس نهشل «4»
# إنما هو في رجال منهم؛ قيل له: ما تقول أنت؟ قال: البيت بيت الله، وزرارة
~~الحجر؛ قيل له: فمجاشع؟ قال: زمزم جشعت بالماء؛ قيل له: فأبو
# PageV02P161
# الفوارس؟ قال: أبو قبيس؛ قيل: فنهشل؟ قال: نهشل أشد، وفكر ساعة ثم قال:
~~نعم، نهشل! مصباح الكعبة طويل أسود فذاك نهشل!.
# قال أعشى همدان «1» يذكر قتل الرافضة الناس: [طويل]
# إذا سرت في عجل فسر في صحابة ... وكندة فاحذرها حذارك للخسف
# وفي شيعة الأعمى زياد وغيلة «2» ... ولسب وإعمال لجندلة القذف
# الأعمى هو المغيرة. وزياد يعني الخنق. واللسب: السم؛ وإعمال لجندلة
~~القذف: يريد رضخهم رؤوس الناس بالحجارة. ثم قال:
# وكلهمو شر على أن رأسهم ... حميدة «3» والميلاء «4» حاضنة الكسف
# والكسف هذا هو أبو منصور «5» ، سمى بذلك لأنه قال لأصحابه: في
# PageV02P162
# نزل: وإن يروا كسفا من السماء ساقطا «1»
# وكان يدين بخنق الناس وقتلهم.
# ثم قال:
# متى كنت في حيى بجيلة فاستمع ... فإن لهم قصفا يدل على حتف
# كان المغيرة بجليا مولى لهم. ثم قال:
# إذا اعتزموا يوما على قتل زائر ... تداعوا عليه بالنباح وبالعزف «2»
# وكان ابن «3» عيينة ينشد: [هزج]
# إذا ما سرك العيش ... فلا تأخذ «4» على كنده
# يريد أن الخناقين من المنصورية أكثرهم بالكوفة من كندة، منهم أبو قطنة
~~«5» الخناق.
# PageV02P163
# حدثني أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي عن ابن أبي زائدة قال: قال هشام بن
~~القاسم: أخذ خالد «1» بن عبد الله المغيرة «2» فقتله وصلبه بواسط «3» عند
~~منظرة «4» العاشر، فقال الشاعر: [كامل]
# طال التجاور من بيان «5» واقفا ... ومن المغيرة عند جذع العاشر
# يا ليته قد شال جذعا نخلة ... بأبي حنيفة وابن قيس الناصر
# PageV02P164
# وبيان هذا هو بيان التبان «1» وكان يقول: إلي أشار الله إذ يقول: هذا
~~بيان للناس
# «2» وهو أول من قال بخلق القرآن.
# وأما المغيرة فكان مولى لبجيلة وكان سبائيا «3» وصاحب نيرنجات «4» . قال
~~الأعمش: قلت للمغيرة: هل كان علي يحيي الموتى؟ فقال: لو شاء لأحيا عادا
~~وثمود وقرونا بين ذلك كثيرا.
# بلغني عن أبي عاصم عن إسماعيل بن مسلم المكي قال: كنت بالكوفة فإذا قوم
~~من جيراني يكثرون الدخول على رجل، فقلت من هذا الذي تدخلون عليه؟ فقالوا:
~~هذا علي بن أبي طالب، فقلت: أدخلوني معكم فمضيت معهم وخبأت معي سوطا تحت
~~ثيابي فدخلت فإذا شيخ أصلع بطين، فقلت له: أنت علي بن أبي طالب؟ فأومأ
~~برأسه: أي نعم، فأخرجت السوط فما زلت أقنعه «5» ! وهو يقول: لتاوى لتاوى،
~~فقلت لهم: يا فسقة! علي بن أبي
# PageV02P165
# طالب نبطي «1» ! ثم قلت له: ويلك! ما قصتك؟ قال: جعلت فداك، أنا رجل من
~~أهل السواد «2» أخذني هؤلاء فقالوا: أنت علي بن أبي طالب.
# حدثني رجل من أصحاب الكلام قال: دخل هشام بن الحكم على بعض الولاة
~~العباسيين فقال رجل للعباسي: أنا أقرر هشاما بأن عليا كان ظالما، فقال له:
~~إن فعلت ذلك فلك كذا؛ فقال له: يا أبا محمد، أما علمت أن عليا نازع العباس
~~إلى أبي بكر؟ قال: نعم، قال: فأيهما كان الظالم لصاحبه؟
# فتوقف هشام وقال: إن قلت العباس خفت العباسي، وإن قلت عليا ناقضت قولي،
~~ثم قال: لم يكن فيهما ظالم، قال: فيختصم اثنان في أمر وهما محقان جميعا؟
~~قال: نعم، اختصم الملكان «3» إلى داود وليس فيهما ظالم إنما أرادا أن
~~ينبهاه على ظلمه، كذلك اختصم هذان إلى أبي بكر ليعرفاه ظلمه فأسكت الرجل
~~وأمر الخليفة لهشام بصلة «4» .
# قال حسان بن ثابت في النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله
~~عنهما:
# [منسرح]
# ثلاثة برزوا بسبقهم ... نضرهم «5» ربهم إذا نشروا
# عاشوا بلا فرقة حياتهم ... واجتمعوا في الممات إذ قبروا
# PageV02P166
# فليس من مسلم له بصر ... ينكر من فضلهم إذا ذكروا «1»
# وقال أعرابي لعبد الله بن عمر: [طويل]
# إليك ابن خير الناس إلا محمدا ... وإلا أبا بكر نروح ونغتدي
# وقال أبو طالب في سهل بن بيضاء، وكان أسر فأطلقه رسول الله صلى الله عليه
~~وسلم بغير فداء، لأنه كان مسلما مكرها على الخروج: [طويل]
# وهم رجعوا سهل بن بيضاء راضيا ... وسر أبو بكر بها ومحمد
# وقال عبيد الله بن عمر: [رجز]
# أنا عبيد الله ينميني عمر ... خير قريش من مضى ومن غبر
# بعد رسول الله والشيخ الأغر ... مهلا عبيد الله في ذلك نظر
# وقال حسان بن ثابت يرثي أبا بكر رضي الله عنه: [بسيط]
# إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة ... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
# خير البرية أتقاها وأعدلها ... بعد النبي وأوفاها بما حملا
# والثاني الصادق المحمود مشهده ... وأول الناس منهم صدق الرسلا
# وكان حب رسول الله قد علموا ... من البرية لم يعدل به رجلا «2»
# حدثني مهيار الرازي قال: قال جرير بن ثعلبة: حصرت شيطانا مرة فقال: أرفق
~~بي فإني من الشيعة، فقلت: فمن تعرف من الشيعة؟ قال:
# الأعمش، فخليت سبيله. قال أبو هريرة «3» العجلي لمحمد بن علي بن
# PageV02P167
# الحسين عليهم السلام: [طويل]
# أبا جعفر أنت الولي أحبه ... وأرضى بما ترضى به وأتابع
# أتتنا رجال يحملون عليكم ... أحاديث قد ضاقت بهن الأضالع
# أحاديث أفشاها المغيرة فيهم ... وشر الأمور المحدثات البدائع
# حدثني هارون بن موسى عن الحسن بن موسى الأشيب عن حماد بن زيد عن يحيى بن
~~سعيد قال: قال عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل.
~~قال: [بسيط]
# ما ضر من أصبح المأمون سائسه ... إن لم يسسه أبو بكر ولا عمر
### | الرد على الملحدين
# قال بعض الملحدين لبعض أصحاب الكلام: هل من دليل على حدوث العالم؟ قال:
~~الحركة والسكون، فقال: الحركة والسكون من العالم، فكأنك إذا قلت: الدليل
~~على حدوث العالم العالم؛ فقال له: وسؤالك إياي من العالم، فإذا جئت بمسألة
~~من غير العالم جئتك بدليل من غير العالم.
# قال المأمون لثنوي «1» يناظر عنده: أسألك عن حرفين قط، خبرني: هل ندم
~~مسيء قط على إساءته؟ قال: بلى؛ قال: فالندم على الإساءة إساءة أو إحسان؟
~~قال: بل إحسان؛ قال: فالذي ندم هو الذي أساء أو غيره؟ قال: بل
# PageV02P168
# هو الذي أساء؛ قال: فأرى صاحب الخير هو صاحب الشر، وقد بطل قولكم، إن
~~الذي ينظر نظر الوعيد هو الذي ينظر نظر الرحمة؛ قال: فإني أزعم أن الذي
~~أساء غير الذي ندم؛ قال: فندم على شيء كان من غيره أو على شيء كان منه؟
~~فأسكته.
# دخل الموبذ «1» على هشام بن الحكم «2» فقال له: يا هشام، حول الدنياشيء؟
~~قال: لا، قال: فإن أخرجت يدي فثم شيء يردها؟ قال هشام:
# ليس ثم شيء يردك، ولا شيء يخرج يدك فيه؛ قال: فكيف أعرف هذا؛ قال له: يا
~~موبذ؛ أنا وأنت على طرف الدنيا فقلت لك يا موبذ: إني لا أرى شيئا، فقلت لي:
~~ولم لا ترى؟ فقلت لك: ليس ها هنا ظلام يمنعني، قلت لي أنت: يا هشام، إني لا
~~أرى شيئا، فقلت لك: ولم لا ترى؟ قلت: ليس ضياء أنظر به؛ فهل تكافأت الملتان
~~في التناقض؟ قال: نعم، قال: فإذا تكافأتا في التناقض لم تتكافآ في الإبطال
~~أن ليس شيء؟ فأشار الموبذ بيده أن أصبت «3» .
# ودخل عليه يوما آخر فقال: هما في القوة سواء؟ قال: نعم؛ قال: فجوهرهما
~~واحد؟ قال الموبذ لنفسه- ومن حضر يسمع- إن قلت: إن جوهرهما واحد عادا في
~~نعت واحد، وإن قلت: مختلف اختلفا أيضا في الهمم والإرادات
# PageV02P169
# ولم يتفقا في الخلق، فإن أراد هذا قصيرا أراد هذا طويلا؛ قال هشام: فكيف
~~لا تسلم! قال: هيهات!.
# وجاءه رجل ملحد فقال له: أنا أقول بالاثنين وقد عرفت إنصافك فلست أخاف
~~مشاغبتك؛ فقال هشام وهو مشغول بثوب ينشره ولم يقبل عليه: حفظك الله، هل
~~يقدر أحدهما أن يخلق شيئا لا يستعين بصاحبه عليه؟ قال: نعم؛ قال:
# هشام: فما ترجو من اثنين! واحد خلق كل شيء أصح لك! فقال: لم يكلمني بهذا
~~أحد قبلك.
# قال المأمون لمرتد إلى النصرانية: خبرنا عن الشيء الذي أوحشك عن ديننا
~~بعد أنسك به واستيحاشك مما كنت عليه؛ فإن وجدت عندنا دواء دائك تعالجت به،
~~وإن أخطأ بك الشفاء ونبا عن دائك الدواء كنت قد أعذرت ولم ترجع على نفسك
~~بلائمة، وإن قتلناك قتلناك بحكم الشريعة، وترجع أنت في نفسك إلى الاستبصار
~~والثقة وتعلم أنك لم تقصر في اجتهاد ولم تفرط في الدخول من باب الحزم؛ قال
~~المرتد: أوحشني ما رأيت من كثرة الاختلاف فيكم؛ قال المأمون: لنا اختلافان:
~~أحدهما كالاختلاف في الأذان، والتكبير في الجنائز، والتشهد، وصلاة الأعياد،
~~وتكبير التشريق، ووجوه القراءات، ووجوه الفتيا، وهذا ليس باختلاف، إنما هو
~~تخير وسعة وتخفيف من المحنة، فمن أذن مثنى وأقام مثى لم يخطىء من أذن مثنى
~~وأقام فرادى، ولا يتعايرون بذلك ولا يتعايبون، والاختلاف الآخر كنحو
~~اختلافنا في تأويل الآية من كتابنا، وتأويل الحديث مع اجتماعنا على أصل
~~التنزيل واتفاقنا على عين الخبر، فإن كان الذي أوحشك هذا حتى أنكرت هذا
~~الكتاب، فقد ينبغي أن يكون اللفظ بجميع التوراة والإنجيل متفقا على تأويله
~~كما يكون متفقا على تنزيله، ولا يكون بين جميع اليهود والنصارى اختلاف في
~~شيء من
# PageV02P170
# التأويلات؛ وينبغي لك ألا ترجع إلا إلى لغة لا اختلاف في تأويل ألفاظها؛
~~ولو شاء الله أن ينزل كتبه ويجعل كلام أنبيائه وورثة رسله لا يحتاج إلى
~~تفسير لفعل، ولكنا لم نر شيئا من الدين والدنيا دفع إلينا على الكفاية، ولو
~~كان الأمر كذلك لسقطت البلوى والمحنة، وذهبت المسابقة والمنافسة ولم يكن
~~تفاضل، وليس على هذا بنى الله الدنيا. قال المرتد: أشهد أن لا إله إلا
~~الله، وأن المسيح عبد، وأن محمدا صادق، وانك أمير المؤمنين حقا.
### | الإعراب واللحن
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: سمعت مولى لآل عمر بن الخطاب يقول: أخذ
~~عبد الملك بن مروان رجلا كان يرى رأي الخوارج رأي شبيب «1» ، فقال له: ألست
~~القائل: [طويل]
# ومنا سويد والبطين وقعنب «2» ... ومنا أمير المؤمنين شبيب
# فقال: إنما قلت: «ومنا أمير المؤمنين شبيب» بالنصب، أي يا أمير المؤمنين
~~فأمر بتخلية سبيله.
# حدثني عبد الله بن حيان قال: كتب رفيع «3» بن سلمة المعروف بدماذ إلى أبي
~~عثمان النحوي: [متقارب]
# تفكرت في النحو حتى مللت ... وأتعبت نفسي به والبدن
# وأتعبت بكرا «4» وأصحابه ... بطول المسائل في كل فن
# PageV02P171
# فمن علمه ظاهر بين ... ومن علمه غامض قد بطن
# فكنت بظاهره عالما ... وكنت بباطنه ذا فطن
# خلا أن بابا عليه العفا ... ء للفاء يا ليته لم يكن
# وللواو باب إلى جنبه ... من المقت أحسبه قد لعن
# إذا قلت هاتوا لماذا يق ... ال لست بآتيك أو تأتين
# أجيبوا لما قيل هذا كذا ... على النصب قالوا لإضمار أن
# وما إن رأيت لها موضعا ... فأعرف ما قيل إلا بظن «1»
# فقد خفت يا بكر من طول ما ... أفكر في أمر «أن» أن أجن «2»
# قال ابن سيرين: ما رأيت على رجل أحسن من فصاحة، ولا على امرأة أحسن من
~~شحم.
# وقال ابن شبرمة: إذا سرك أن تعظم في عين من كنت في عينه صغيرا، ويصغر في
~~عينك من كان في عينك عظيما فتعلم العربية، فإنها تجريك على المنطق وتدنيك
~~من السلطان. ويقال: النحو في العلم بمنزلة الملح في القدر والرامك «3» في
~~الطيب. ويقال: الإعراب حلية الكلام ووشيه. وقال بعض الشعراء «4» : [كامل]
# النحو يبسط من لسان الألكن ... والمرء تكرمه «5» إذا لم يلحن
# PageV02P172
# وإذا طلبت من العلوم أجلها ... فأجلها «1» منها مقيم الألسن
# قال رجل لأعرابي: كيف أهلك بكسر اللام؟ - يريد كيف أهلك- فقال الأعرابي:
~~صلبا «2» ؛ ظن أنه سأله عن هلكته كيف تكون.
# وقيل لأعرابي: أتهمز إسراييل؟ قال: إني إذا لرجل سوء؛ قيل له: أتجر
~~فلسطين؟ قال: إني إذا لقوي. وقيل لآخر: أتهمز الفارة؟ فقال: الهرة تهمزها.
# وقيل: كان بشر المريسي يقول لأصحابه: قضى الله لكم الحوائج على أحسن
~~الوجوه وأهنؤها «3» فقال قاسم التمار «4» : هذا كما قال الشاعر: [منسرح]
# إن سليمى والله يكلؤها ... ضنت بشيء ما كان يرزؤها «5»
# سمع أعرابي مؤذنا يقول: أشهد أن محمدا رسول الله بنصب رسول، فقال: ويحك!
~~يفعل ماذا؟.
# قال مسلمة بن عبد الملك: اللحن في الكلام أقبح من الجدري في الوجه. وقال
~~عبد الملك: اللحن في الكلام أقبح من التفتيق في الثوب النفيس. قال أبو
~~الأسود: إني لأجد للحن غمزا كغمز اللحم.
# قال الخليل بن أحمد «6» : أنشدني أعرابي: [طويل]
# PageV02P173
# وإن كلابا هذه عشر أبطن ... وأنت بريء من قبائلها العشر
# فجعلت أعجب من قوله: عشر أبطن حين أنث لأنه عنى القبيلة، فلما رأى عجبي
~~من ذلك، قال: أليس هكذا قول الآخر: [طويل]
# فكان مجني دون من كنت أتقي ... ثلاث شخوص كاعبان ومعصر «1»
# قال رجل من الصالحين: لئن أعربنا في كلامنا حتى ما نلحن لقد لحنا في
~~أعمالنا حتى ما نعرب.
# دخل أعرابي السوق فسمعهم يلحنون، فقال: سبحان الله! يلحنون ويربحون ونحن
~~لا نلحن ولا نربح!.
# دخل رجل على زياد فقال له: إن أبينا هلك، وإن أخينا غصبنا على ميراثنا من
~~أبانا «2» ؛ فقال زياد: ما ضيعت من نفسك أكثر مما ضاع من مالك.
# قال الرياشي عن محمد بن سلام عن يونس قال: قال بلال لشبيب بن شيبة وهو
~~يستعدي على عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر قال: أحضرنيه،
# PageV02P174
# قال: قد دعوته لكل ذلك يأبى؛ برفع كل؛ قال بلال؛ فالذنب لكل. قال بعض
~~الشعراء: [بسيط]
# إما تريني وأثوابي مقاربة «1» ... ليست بخز ولا من نسج كتان
# فإن في المجد هماتي وفي لغتي ... علوية ولساني غير لحان
# وقال: فيل مولى «2» زياد لزياد: أهدوا لنا همار وهش «3» ، فقال: ما تقول؟
# ويلك! فقال: أهدوا لنا أيرا «4» ؛ فقال زياد: الأول خير.
# سمع أعرابي واليا يخطب فلحن مرة أو اثنتين، فقال: أشهد أنك ملكت بقدر.
~~وسمع أعرابي إماما يقرأ: ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا
# «5» [بفتح تاء تنكحوا] فقال: سبحان الله! هذا قبل الإسلام قبيح فكيف
~~بعده! فقيل له:
# إنه لحن، والقراءة ولا تنكحوا
# فقال: قبحه الله، لا تجعلوه بعدها إماما فإنه يحل ما حرم الله. قال
~~الشاعر في جارية له: [رجز]
# أول ما أسمع منها في السحر ... تذكيرها الأنثى وتأنيث الذكر
# والسوءة السوءاء في ذكر القمر «6»
# قال الحجاج لرجل من العجم نخاس «7» : أتبيع الدواب المعيبة من جند
# PageV02P175
# السلطان؟ فقال: «شريكاتنا في هوازها «1» وشريكاتنا في مداينها «2» وكما
~~تجيء تكون» فقال الحجاج: ما تقول؟ ففسروا له ذلك؛ فضحك وكان لا يضحك.
# أم الحجاج قوما فقرأ والعاديات ضبحا
# «3» وقرأ في آخرها «4» إن ربهم بهم يومئذ
# «5» بنصب «6» أن، ثم تنبه على اللام في لخبير وأن «إن» قبلها لا تكون إلا
~~مكسورة فحذف اللام من «لخبير» ، فقرأ إن ربهم بهم يومئذ لخبير.
# قال أبو زيد: قلت للخليل بن أحمد: لم قالوا في تصغير واصل أويصل ولم
~~يقولوا وويصل؟ فقال: كرهوا أن يشبه كلامهم بنبح الكلاب.
### | التشادق والغريب
# حدثني سهل عن الأصمعي قال: كان عيسى بن عمر لا يدع الإعراب لشيء. وخاصم
~~إلى بلال بن أبي بردة في جارية اشتراها مصابة، فقال: لأن يذهب بعض حق هذا
~~أحب إليه من أن يلحن؛ فقال له: ومن يعلم ما تقول؟
# فقال: ابن طرنوبة. وضربه عمر بن هبيرة ضربا كثيرا في وديعة أودعها إياه
~~إنسان فطلبها، فما كان يزيد على أن يقول: والله إن كانت إلا أثيابا في
# PageV02P176
# أسيفاط قبضها عشاروك «1» .
# تبع أبو خالد النميري صاحب الغريب جارية متنقبة فكلمها فلم تكلمه، فقال:
~~يا خريدة «2» ، لقد كنت عندي عروبا أنمقك وتشنئينا «3» ! وقال سهل بن هارون
~~لجارية له رومية أعجمية: إن أقل ما ينطوي عليه ضميري من رسيس «4» حبك لأجل
~~من كل جليل، وأكثر من كل كثير.
# وقال مالك «5» بن أسماء في جارية له: [خفيف]
# أمغطى مني على بصري لل ... حب أم أنت أكمل الناس حسنا؟
# وحديث ألذه هو مما ... يشتهي الناعتون يوزن وزنا
# منطق صائب وتلحن أحيا ... نا وأحلى الحديث ما كان لحنا «6»
# قال ابن دريد: استثقل منها الإعراب.
# دخل أبو علقمة على أعين الطبيب فقال له: أمتع الله بك، إني أكلت من لحوم
~~هذه الجوازل «7» فطسئت طسأة «8» ، فأصابني وجع ما بين الوابلة «9» إلى
# PageV02P177
# دأية «1» العنق فلم يزل يربو وينمى حتى خالط الخلب «2» والشراسيف «3» ،
~~فهل عندك دواء؟ فقال أعين: نعم، خذ خربقا «4» وشلفقا وشبرقا فزهزقه وزقزقه
~~«5» واغسله بماء روث «6» واشربه؛ فقال أبو علقمة: لم أفهم عنك؛ فقال أعين:
# أفهمتك كما أفهمتني. وقال له يوما آخر: إني أجد معمعة في بطني وقرقرة؛
~~فقال له: أما المعمعة فلا أعرفها، وأما القرقرة فهي ضراط لم ينضج «7» .
# أتى رجل الهيثم بن العريان بغريم له قد مطله حقه فقال: أصلح الله الأمير،
~~إن لي على هذا حقا قد غلبني عليه؛ فقال له الآخر: أصلحك الله، إن هذا باعني
~~عنجدا «8» واستنسأته «9» حولا وشرطت عليه أن أعطيه مشاهرة «10» فهو لا
~~يلقاني في لقم «11» إلا اقتضاني؛ فقال له الهيثم: أمن بني أمية أنت؟
# PageV02P178
# قال: لا؛ قال: فمن بني هاشم؟ قال: لا؛ قال: فمن أكفائهم من العرب؟
# قال: لا؛ قال: ويلي عليك! انزع ثيابه يا جلواز «1» ، فلما أرادوا نزع
~~ثيابه قال:
# أصلحك الله، إن إزاري مرعبل «2» ؛ قال: دعوه، فلو ترك الغريب في وقت
~~لتركه في هذا الوقت.
# ومر أبو علقمة ببعض الطرق بالبصرة فهاجت به مرة «3» فسقط ووثب عليه قوم
~~فأقبلوا يعصرون إبهامه ويؤذنون في أذنه، فأفلت من أيديهم وقال: ما لكم
~~تتكأكؤون «4» علي كما تتكأكؤون على ذي جنة! إفرنقعوا «5» عني؛ فقال رجل
~~منهم: دعوه فإن شيطانه هندي، أما تسمعونه يتكلم بالهندية؟ وقال لحجام «6»
~~يحجمه: أنظر ما آمرك به فاصنعه، ولا تكن كمن أمر بأمر فضيعه، أنق غسل
~~المحاجم واشدد قضب الملازم «7» وأرهف ظبات المشارط «8» وأسرع الوضع وعجل
~~النزع، وليكن شرطك وخزا، ومصك نهزا، ولا تكرهن آبيا، ولا تردن آتيا؛ فوضع
~~الحجام محاجمه في جونته «9» ومضى.
# PageV02P179
# سمع أعربي أبا المكنون النحوي في حلقته وهو يقول في دعاء الإستسقاء:
~~اللهم ربنا وإلهنا ومولانا، صل على محمد نبينا؛ اللهم ومن أراد بنا سوءا
~~فأحط ذلك السوء به كإحاطة القلائد على ترائب الولائد «1» ، ثم أرسخه على
~~هامته كرسوخ السجيل «2» ، على هام أصحاب الفيل؛ اللهم اسقنا غيثا مغيثا
~~مريئا مريعا مجلجلا «3» مسحنفرا هزجا سحا سفوحا طبقا غدقا مثعنجرا؛ فقال
~~الأعرابي: يا خليفة نوح، هذا الطوفان ورب الكعبة، دعني آوي إلى جبل يعصمني
~~من الماء «4» .
# أبو الحسن «5» قال: كان غلام يقعر «6» في كلامه، فأتى أبا الأسود الدؤلي
~~يلتمس ما عنده؛ فقال له أبو الأسود: ما فعل أبوك؟ قال: أخذته الحمى فطبخته
~~طبخا وفضخته «7» فضخا وفنخته «8» فنخا فتركته فرخا «9» ؛ قال أبو الأسود:
# فما فعلت امرأته التي كانت تجاره «10» وتشاره وتزاره وتهاره؛ قال: طلقها
~~فتزوجت غيره فرضيت وخظيت وبظيت، قال أبو الأسود: قد عرفنا حظيت،
# PageV02P180
# فما بظيت «1» ؟ قال: حرف من الغريب لم يبلغك؛ قال أبو الأسود: يا ابن
~~أخي، كل حرف من الغريب لم يبلغ عمك فاستره كما تستر السنور خرأها.
# قال زيد بن كثيرة: أتيت باب كبير دار وهناك حداد «2» ، فأردت أن ألج
~~الدار فدلظني «3» دلظة وازدحم «4» الناس ببابه، فوالله إن زلنا نظار نظار
~~حتى عقل الظل «5» . وقال أيضا: أتيت باب كبير وإذا الرجال صتيتان «6» وإذا
~~أرمداء «7» كثيرة وطهاة لا أحصيهم ولحام كأنها آكام. وقال الطائي: [وافر]
# أيوسف «8» جئت بالعجب العجيب ... تركت الناس في شك مريب
# سمعت بكل داهية نآد «9» ... ولم أسمع بسراج أديب
# أما لو أن جهلك كان علما ... إذا لنفذت «10» في علم الغيوب
# فمالك بالغريب يد ولكن ... تعاطيك الغريب من الغريب
# قال رؤبة بن العجاج: خرجت مع أبي، نريد سليمان بن عبد الملك،
# PageV02P181
# فلما صرنا في الطريق أهدي لنا جنب من لحم عليه كرافىء «1» الشحم وخريطة
~~من كمأة ووطب من لبن فطبخنا هذا بهذا، فما زال ذفرياي تنتحان «2» منه إلى
~~أن رجعت.
### | وصايا المعلمين
# قال عتبة بن أبي سفيان لعبد الصمد مؤدب ولده: ليكن إصلاحك بني إصلاحك
~~نفسك، فإن عيوبهم معقودة بعيبك، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح ما
~~استقبحت؛ وعلمهم سير الحكماء، وأخلاق الأدباء، وتهددهم بي وأدبهم دوني؛ وكن
~~لهم كالطبيب الذي لا يعجل بالدواء حتى يعرف الداء؛ ولا تتكلن على عذر مني،
~~فإني قد اتكلت على كفاية منك.
# قال الحجاج لمؤدب بنيه: علمهم السباحة قبل الكتابة، فإنهم يجدون من يكتب
~~عنهم، ولا يجدون من يسبح عنهم.
# وقال عبد الملك لمؤدب ولده: علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن، وجنبهم
~~السفلة فإنهم أسوأ الناس رعة «3» وأقلهم أدبا، وجنبهم الحشم فإنهم لهم
~~مفسدة؛ وأحف «4» شعورهم تغلظ رقابهم، وأطعمهم اللحم يقووا؛ علمهم الشعر
~~يمجدوا وينجدوا، ومرهم أن يستاكوا عرضا ويمصوا الماء مصا ولا يعبوه عبا؛
~~وإذا احتجت إلى أن تتناولهم بأدب فليكن ذلك في ستر لا يعلم به أحد
# PageV02P182
# من الغاشية «1» فيهونوا عليه.
# وقال آخر لمؤدب ولده: لا تخرجهم من علم إلى علم حتى يحكموه، فإن اصطكاك
~~العلم في السمع وازدحامه في الوهم مضلة للفهم.
# وكان الشريح «2» ابن يلعب بالكلاب، فكتب شريح إلى معلمه «3» :
# [كامل]
# ترك الصلاة لأكلب «4» يسعى بها ... طلب الهراش مع الغواة الرجس «5»
# فإذا خلوت فعضه بملامة ... وعظنه وعظك للأريب الكيس «6»
# وإذا هممت بضربه فبدرة «7» ... وإذا بلغت بها ثلاثا فاحبس
# واعلم بأنك ما فعلت فنفسه ... مع ما يجرعني أعز الأنفس
# وقال آخر لرجل يلعب بالكلاب: [خفيف]
# أيها المبتلي بحب الكلاب ... لا يحب الكلاب إلا الكلاب
# لو تعريت وسطها كنت منها ... إنما فقتها بلبس الثياب «8»
# PageV02P183
# وقال آخر: [متقارب]
# لتبك أبا أحمد قردة ... وكلب هراش وديك صدوح
# وطير زجال وقمرية «1» ... هتوق العشي وكبش نطوح
# بلغني عن أبي الحسن العكلي عن عبد الله بن بكر بن عبد الله المزني قال:
~~سمعت أبي يقول: قال لقمان: ضرب الوالد ولده كالسماد للزرع.
# حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن ابن المبارك عن
~~أسامة بن زيد عن مكحول قال: كتب عمر إلى أهل الشام: علموا أولادكم السباحة
~~والرمي والفروسية.
# وكانت العرب تسمي الرجل، إذا كان يكتب ويحسن الرمي ويحسن العوم وهي
~~السباحة ويقول الشعر، الكامل.
### | البيان
# حدثني عبدة بن عبد الله قال: حدثنا يحيى بن آدم عن قيس عن الأعمش عن
~~عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى
~~الله عليه وسلم إن من البيان سحرا فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطب. وقال
~~العباس: يا رسول الله، فيم الجمال؟ قال: في اللسان.
# وكان يقال: عقل الرجل مدفون تحت لسانه.
# وقال يزيد بن المهلب: أكره أن يكون عقل الرجل على طرف لسانه.
# يريد أنه لا يكون عقله إلا في الكلام. وقال الشاعر: [وافر]
# PageV02P184
# كفى بالمرء عيبا أن تراه ... له وجه وليس له لسان
# وما حسن الرجال لهم بزين ... إذا لم يسعد الحسن البيان
# وقال خالد بن صفوان لرجل: رحم الله أباك، فإنه كان يقري العين جمالا،
~~والأذن بيانا. وقال النمر «1» بن تولب: [وافر]
# أعذني رب من حصر وعي «2» ... ومن نفس أعالجها علاجا
# ومن حاجات نفسي فاعصمني ... فإن لمضمرات النفس حاجا «3»
# وصف أعرابي رجلا يتكلم فيحسن فقال: [كامل]
# يضع الهناء مواضع النقب «4»
# ومثله قولهم: فلان يجيد الحز، ويصيب المفصل؛ وربما قالوا: يقل «5» الحز.
# وقال معاوية في عبد الله بن عباس: [طويل]
# إذا قال لم يترك مقالا ولم يقف ... لعي ولم يثن اللسان على هجر
# يصرف بالقول اللسان إذا انتحى ... وينظر في أعطافه نظر الصقر
# PageV02P185
# وقال حسان فيه: [طويل]
# إذا قال لم يترك مقالا لقائل ... بملتقطات لا ترى بينها فصلا
# شفى وكفى ما في النفوس فلم يدع ... لذي إربة «1» في القول جدا ولا هزلا
# سموت إلى العليا بغير مشقة ... فنلت ذراها لا دنيا ولا وغلا «2»
# ويقال: الصمت منام والكلام يقظة. ويقال: خير الكلام ما لم يحتج بعده إلى
~~الكلام.
# ذكر العباس بن الحسن الطالبي رجلا فقال: ألفاظه قوالب معانيه.
# ومدح أعرابي رجلا فقال: كلامه الوبل على المحل «3» ، والعذب البارد على
~~الظمأ.
# وقال الحطيئة: [كامل]
# وأخذت أقطار الكلام فلم أدع ... ذما يضر ولا مديحا ينفع
# وكان الحطيئة يقول: إنما شعري حسب موضوع؛ فسمع ذلك عمرو بن عبيد فقال:
~~كذب، ترحه «4» الله، إنما ذلك التقوى.
# قيل لعمرو بن عبيد: ما البلاغة؟ فقال: ما بلغك الجنة، وعدل بك عن النار؛
~~قال السائل: ليس هذا أريد؛ قال: فما بصرك مواقع رشدك، وعواقب غيك؛ قال
~~السائل: ليس هذا أريد؛ قال: من لم يحسن الاستماع لم يحسن القول؛ قال: ليس
~~هذا أريد، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنا معشر الأنبياء بكاء»
~~«5»
# PageV02P186
# وكانوا يكرهون أن يزيد منطق الرجل على عقله، قال: ليس هذا أريد قال:
~~كانوا يخافون من فتنة القول ومن سقطات الكلام ما لا يخافون فتنة السكون ومن
~~سقطات الصمت؛ قال: ليس هذا أريد؛ قال: فكأنك إنما تريد تخير اللفظ في حسن
~~إفهام قال: نعم؛ قال: إنك إن أردت تقرير حجة الله في عقول المكلفين، وتخفيف
~~المؤونة على المستمعين، وتزيين تلك المعاني في قلوب المريدين، بالألفاظ
~~المستحسنة في الآذان، المقبولة عند الأذهان، رغبة في سرعة استجابتهم، ونفي
~~الشواغل عن قلوبهم، بالموعظة الحسنة من الكتاب والسنة، كنت قد أوتيت فصل
~~الخطاب، واستوجبت على الله جزيل الثواب.
# قال بعضهم: ما رأيت زيادا كاسرا إحدى عينيه واضعا إحدى رجليه على الأخرى
~~يخاطب رجلا إلا رحمت المخاطب. وقال آخر: ما رأيت أحدا يتكلم فيحسن إلا
~~أحببت أن يصمت خوفا من أن يسيء إلا زيادا فإنه كلما زاد زاد حسنا، وقال «1»
~~: [طويل]
# وقبلك ما أعييت «2» كاسر عينه ... زيادا فلم تقدر علي حبائله
# قال محمد بن سلام: كان عمر بن الخطاب إذا رأى رجلا يلجلج في كلامه قال:
~~خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد!.
# وتكلم عمرو بن سعيد الأشدق، فقال عبد الملك: لقد رجوت عثرته لما تكلم،
~~فأحسن حتى خشيت عثرته إن سكت.
# أبو الحسن قال: قال معاوية لصحار العبدي: ما هذه البلاغة التي فيكم؟
~~فقال: شيء تجيش به صدورنا ثم تقذقه على ألسنتنا؛ فقال رجل من
# PageV02P187
# القوم: هؤلاء بالبسر «1» أبصر، فقال صحار: أجل، والله إنا لنعلم أن الريح
~~تلقحه وأن البرد يعقده «2» وأن القمر يصبغه وأن الحر ينضجه؛ فقال معاوية:
~~ما تعدون البلاغة فيكم؟ قال: الإيجاز؛ قال: وما الإيجاز؟ قال: أن تجيب فلا
~~تبطىء، وتقول فلا تخطىء، ثم قال: يا أمير المؤمنين، حسن الإيجاز ألا تبطىء
~~ولا تخطىء.
# أبو الحسن قال: وفد الحسن بن علي على معاوية الشام، فقال عمرو ابن العاص:
~~إن الحسن رجل أفه «3» فلو حملته على المنبر فتكلم فسمع الناس من كلامه
~~عابوه؛ فأمره فصعد المنبر فتكلم فأحسن؛ وكان في كلامه أن قال:
# أيها الناس، لو طلبتم ابنا لنبيكم ما بين جابرس إلى جابلق «4» لم تجدوه
~~غيري وغير أخي وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين. فساء ذلك عمرا وأراد
~~أن يقطع كلامه، فقال: يا أبا محمد، هل تنعت الرطب؟ «5» فقال: أجل، تلقحه
~~الشمال وتخرجه الجنوب وينضجه برد الليل بحر النهار؛ قال يا أبا محمد، هل
~~تنعت الخراءة «6» ؟ قال: نعم، تبعد الممشى في الأرض الصحصح «7» حتى تتوارى
~~من القوم، ولا تستقبل القبلة ولا تستد برها، ولا تستنجي بالروثة ولا العظم،
~~ولا تبول في الماء الراكد؛ وأخذ في كلامه.
# PageV02P188
# وكان يقال: كل شيء ثنيته يقصر ما خلا الكلام، فإنك كلما ثنيته طال.
# قال الحسن: الرجال ثلاثة: رجل بنفسه، ورجل بلسانه، ورجل بماله.
# تكلم صعصعة بن صوحان عند معاوية فعرق؛ فقال معاوية: بهرك القول! فقال
~~صعصعة: إن الجياد نضاحة للماء.
# ويقال: أبلغ الكلام ما سابق معناه لفظه.
# وفي كتاب للهند: أول البلاغة اجتماع آلة البلاغة، وذلك أن يكون الخطيب
~~رابط الجأش «1» ، ساكن الجوارح قليل اللحظ متخيرا للفظ، لا يكلم سيد الأمة
~~بكلام الأمة، ولا الملوك بكلام السوقة، ويكون في قواه فضل للتصرف في كل
~~طبقة، ولا يدقق المعاني كل التدقيق، ولا ينقح الألفاظ كل التنقيح ولا
~~يصفيها كل التصفية ولا يهذبها غاية التهذيب، ولا يفعل ذلك حتى يصادف حكيما
~~أو فيلسوفا عليما ويكون قد تعود حذف فضول الكلام وإسقاط مشتركات الألفاظ،
~~قد نظر في صناعة المنطق على جهة الصناعة والمبالغة لا على جهة الإعتراض
~~والتصفح.
# ونحو هذا قول جعفر بن يحيى البرمكي وقيل له: ما البيان؟ فقال: أن يكون
~~الاسم يحيط بمعناك ويحكي عن مغزاك، وتخرجه من الشركة ولا تستعين عليه
~~بالفكرة والذي لا بد له منه أن يكون سليما من التكلف، بعيدا من الصنعة،
~~بريئا من التعقد، غنيا عن التأويل.
# قال الأصمعي: البليغ من طبق المفصل وأغناك عن المفسر.
# PageV02P189
# قال المدائني: كتب قتيبة بن مسلم إلى الحجاج يشكو قلة مرزئته «1» من
~~الطعام وقلة غشيانه النساء وحصره على المنبر؛ فكتب إليه: استكثر من الألوان
~~لتصيب من كل صحفة «2» شيئا، واستكثر من الطروقة «3» تجد بذلك قوة على ما
~~تريد، وأنزل الناس بمنزلة رجل واحد من أهل بيتك وخاصتك، وارم ببصرك أمامك
~~تبلغ حاجتك.
# قال بعض الشعراء: [بسيط]
# إن كان في العي آفات مقدرة ... ففي البلاغة آفات تساويها
# تكلم رجل عند معاوية فهذر «4» ، فلما أطال قال: أأسكت يا أمير المؤمنين؟
~~قال: وهل تكلمت!.
# ويقال: أعيا العي بلاغة بعي، وأقبح اللحن لحن بإعراب.
# وقال أعرابي: الحظ للمرء في أذنه، والحظ لغيره في لسانه «5» .
# ويقال: رب كلمة تقول: دعني.
# ويقال: الصمت أبلغ من عي ببلاغة. ونحوه قول الشاعر: [متقارب]
# أرى الصمت أدنى لبعض الصواب ... وبعض التكلم أدنى لعي
# وقال جعفر البرمكي: إذا كان الإكثار أبلغ كان الإيجاز تقصيرا، وإذا كان
~~الايجاز كافيا كان الإكثار عيا.
# قال ابن السماك: العرب تقول: العي الناطق أعيا من العي الصامت.
# PageV02P190
# قال أنو شروان لبزرجمهر: متى يكون العي بليغا؟ فقال: إذا وصف حبيبا.
# قال يونس بن حبيب: ليس لعي مروءة، ولا لمنقوص البيان بهاء، ولو بلغ
~~يأفوخه أعنان «1» السماء. قال بعض الشعراء: [طويل]
# عجبت لإدلال العي بنفسه ... وصمت الذي قد كان بالحق أعلما
# وفي الصمت ستر للعي وإنما ... صحيفة لب المرء أن يتكلما
# قال سعيد بن العاص: موطنان لا أستحي من العي فيهما: إذا أنا خاطبت جاهلا،
~~وإذا أنا سألت حاجة لنفسي.
# ذكر أعرابي رجلا يعيا فقال: رأيت عورات الناس بين أرجلهم، وعورة فلان بين
~~فكيه.
# وعاب آخر رجلا فقال: ذاك من يتامى المجلس، أبلغ ما يكون في نفسه أعيا ما
~~يكون عند جلسائه.
# قال ربيعة الرأي: الساكت بين النائم والأخرس.
# تذاكر قوم فضل الكلام على الصمت وفضل الصمت على الكلام، فقال أبو مسهر:
~~كلا! إن النجم ليس كالقمر، إنك تصف الصمت بالكلام، ولا تصف الكلام بالصمت.
# وذم قوم في مجلس سليمان بن عبد الملك الكلام، فقال سليمان:
# اللهم غفرا، إن من تكلم فأحسن قدر أن يصمت فيحسن؛ وليس من صمت فأحسن
~~قادرا على أن يتكلم فيحسن.
# PageV02P191
# قال بكر بن عبد الله طول الصمت حبسة»
# . ونحوه قول عمر بن الخطاب: ترك الحركة عقلة.
# وكان نوفل بن مساحق إذا دخل على امرأته صمت، وإذا خرج من عندها تكلم؛
~~فقالت له: أما عندي فتطرق، وأما عند الناس فتنطق! فقال:
# أدق عن جليلك وتجلين عن دقيقي.
# وفي حكمة لقمان: يا بني، قد ندمت على الكلام ولم أندم على السكوت.
# قال ابن إسحاق: النسناس خلق باليمن لأحدهم عين ويد ورجل يقفز بها، وأهل
~~اليمن يصطادونهم؛ فخرج قوم في صيدهم فرأوا ثلاثة نفر منهم فأدركوا واحدا
~~فعقروه وذبحوه وتوارى اثنان في الشجر، فقال الذي ذبحه؛ إنه لسمين، فقال أحد
~~الاثنين: إنه أكل ضروا «2» ، فأخذوه فذبحوه، فقال الذي ذبحه: ما أنفع
~~الصمت! قال الثالث: فهأنا الصميت فأخذوه وذبحوه.
# كان يقال: إذا فاتك الأدب فالزم الصمت.
# وقال بعضهم: لا يجترىء على الكلام إلا فائق أو مائق «3» .
# وقال الشاعر يمدح رجلا: [طويل]
# صموت إذا ما الصمت زين أهله ... وفتاق أبكار الكلام المختم «4»
# PageV02P192
# قال أبو الدرداء: أنصف أذنيك من فيك، فإنما جعل لك أذنان اثنتان وفم
~~واحد، تسمع أكثر مما تقول.
# حضر قشيري مجلسا من مجالس العرب فأطال الصمت، فقال له بعضهم: بحق سميتم
~~خرس العرب؛ فقال القشيري: يا أخي، إن حظ الرجل في أذنه لنفسه، وحظه في
~~لسانه لغيره.
# وقال بعض الحكماء: أكثر الصمت ما لم تكن مسؤولا فإن فوت الصواب أيسر من
~~خطل القول: وإذا نازعتك نفسك إلى مراتب القائلين المصيبين، فاذكر ما دون
~~الصواب من وجل الخطأ وفضائح المقصرين.
# تكلم رجل في مجلس الهيثم بن صالح بخطأ، فقال له الهيثم: يا هذا، بكلام
~~مثلك رزق أهل الصمت المحبة. وقال أبو نواس: [مجزوء الرمل]
# خل جنبيك لرام ... وامض عنه بسلام
# مت بداء الصمت خير ... لك من داء الكلام
# إنما السالم من أل ... جم فاه بلجام
# وقال آخر: [متقارب]
# رأيت اللسان على أهله ... إذا ساسه الجهل ليثا مغيرا «1»
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثنا صاحب لنا عن مالك بن دينار أنه
~~قال: لو كانت الصحف من عندنا لأقللنا الكلام.
# PageV02P193
# وقال الأصمعي: إذا تظرف العربي كثر كلامه، وإذا تظرف الفارسي كثر سكوته.
# قال حاتم طيء: إذا كان الشيء يكفيكه الترك فاتركه.
# قال عبد الله بن الحسن لابنه: استعن على الكلام بطول الفكر في المواطن
~~التي تدعوك فيها نفسك إلى القول، فإن للقول ساعات يضر فيها الخطأ ولا ينفع
~~فيها الصواب.
# وقال إياس بن قتادة: [طويل]
# تعاقب أيدينا ويحلم رأينا ... ونشتم بالأفعال لا بالتكلم «1»
# تكلم ابن السماك يوما وجارية له تسمع كلامه، فلما دخل إليها قال:
# كيف رأيت كلامي؟ قالت: ما أحسنه لولا أنك تكثر ترداده! قال: أردده حتى
~~يفهمه من لم يفهمه؛ قالت: إلى أن يفهمه من لم يفهمه قد مله من فهمه!.
# قال عيسى بن مريم: من كان منطقه في غير ذكر فقد لغا، ومن كان نظره في غير
~~اعتبار فقدسها، ومن كان صمته في غير فكر فقد لها.
# كان العباس بن زفر لا يكلم أحدا حتى تنبسط الشمس، فإذا انفتل «2» عن
~~صلاته ضرب الأعناق وقطع الأيدي والأرجل. وكان جرير لا يتكلم حتى تبزغ
~~الشمس، فإذا بزغت قذف المحصنات.
# قال قتادة: مكتوب في التوراة: لا يعاد الحديث مرتين.
# قال الزهري: إعادة الحديث أشد من وقع الصخر.
# PageV02P194
# وفي كتب العجم: أن أربعة من الملوك اجتمعوا فقالوا كلهم كلمة واحدة كأنها
~~رمية بسهم: ملك فارس، وملك الهند، وملك الروم، وملك الصين. قال أحدهم: إذا
~~تكلمت بالكلمة ملكتني ولم أملكها. وقال آخر: قد ندمت على ما قلت ولم أندم
~~على ما لم أقل. وقال آخر: أنا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت.
~~وقال آخر: ما حاجتي إلى أن أتكلم بكلمة، إن وقعت علي ضرتني، وإن لم تقع علي
~~لم تنفعني.
# قال زبيد اليامي «1» : أسكتتني كلمة ابن مسعود عشرين سنة: من كان كلامه
~~لا يوافق فعله فإنما يوبخ نفسه.
# وفي كتاب كليلة ودمنة: ثلاثة يؤمرون بالسكوت: الراقي في جبل طويل، وآكل
~~السمك، والمروي «2» في الأمر الجسيم. قال بعض «3» الشعراء:
# [مخلع البسيط]
# قد أفلح السالم الصموت ... كلام واعى الكلام قوت
# ما كل نطق له جواب ... جواب ما يكره السكوت
# يا عجبا لامرىء ظلوم ... مستيقن أنه يموت
# بلغني عن أبي أسامة عن ابن عون عن الحسن قال: جلسوا عند معاوية فتكلموا
~~وصمت الأحنف؛ فقال معاوية: يا أبا بحر، مالك لا تتكلم؟ قال:
# أخافكم إن صدقتكم، وأخاف الله إن كذبت.
# حدثني محمد بن داود قال: حدثنا الحميدي قال: حدثنا أبو الحكم
# PageV02P195
# مروان بن عبد الواحد عن موسى بن أبي درهم عن وهب بن منبه قال: قال ابن
~~عباس: كفى بك ظالما ألا تزال مخاصما، وكفى بك آثما ألا تزال مماريا، وكفى
~~بك كاذبا ألا تزال محدثا بغير ذكر الله تعالى:
# وقال بعضهم: [طويل]
# يموت الفتى من عثرة بلسانه ... وليس يموت المرء من عثرة الرجل
# فعثرته من فيه ترمي برأسه ... وعثرته بالرجل تبرا على مهل «1»
# سئل بعض الحكماء عن البلاغة، فقال: من أخذ معاني كثيرة فأداها بألفاظ
~~قليلة، أو أخذ معاني قليلة فولد فيها ألفاظا كثيرة.
# بلغني عن أبي إسحاق الفزاري قال: كان إبراهيم يطيل السكوت، فإذا تكلم
~~انبسط، فقلت له ذات يوم: لو تكلمت! فقال: الكلام على أربعة وجوه، فمنه كلام
~~ترجو منفعته وتخشى عاقبته، فالفضل منه السلامة؛ ومنه كلام لا ترجو منفعته
~~ولا تخشى عاقبته، فأقل مالك في تركه خفة المؤونة على بدنك ولسانك؛ ومنه
~~كلام لا ترجو منفعته وتخشى عاقبته، وهذا هو الداء العضال؛ ومن الكلام كلام
~~ترجو منفعته وتأمن عاقبته، فهذا الذي يجب عليك نشره؛ قال: فإذا هو قد أسقط
~~ثلاثة أرباع الكلام.
### | الاستدلال بالعين والإشارة والنصبة 
# «2»
# يقال: رب طرف أفصح من لسان. قال أعرابي: [بسيط]
# إن كاتمونا القلى «3» نمت عيونهم ... والعين تظهر ما في القلب أو تصف
# PageV02P196
# وقال آخر: [سريع]
# إذا قلوب أظهرت غير ما ... تضمره أنبتك عنها العيون «1»
# وقال آخر: [هزج]
# أما تبصر في عيني ... ي عنوان الذي أبدي «2» ؟
# وقال ذو الرمة: [طويل]
# نعم هاجت الأطلال شوقا كفى به ... من الشوق إلا أنه غير ظاهر
# فما زلت أطوي النفس حتى كأنها ... بذي الرمث لم تخطر على بال ذاكر «3»
# حياء واشفاقا من الركب أن يروا ... دليلا على مستودعات الضمائر
# وقال الحارثي يذكر ميتا: [طويل]
# أتيناه زوارا فأمجدنا قرى ... من البث والداء والدخيل المخامر «4»
# وأوسعنا علما برد جوابنا ... فأعجب به من ناطق لم يحاور
# ومثل هذا قول القائل «5» : سل الأرض فقل لها: من شق أنهارك، وغرس أشجارك،
~~وجنى ثمارك، فإن تجبك حوارا «6» ، أجابتك اعتبارا، قال أبو العتاهية: [هزج]
# وللقلب على القلب ... دليل حين يلقاه
# PageV02P197
# وللناس من الناس ... مقاييس وأشباه «1»
# يقاس المرء بالمرء ... إذا ما هو ما شاه
# وفي العين غنى للعي ... ن أن تنطق أفواه
### | الشعر
# يقال: خير الشعر ما رواك نفسه. ويقال: خير الشعر الحولي المنقح المحكك.
# سمع أعرابي رجلا ينشد شعرا لنفسه، فقال: كيف ترى؟ قال: سكر لا حلاوة له.
~~قيل لبعض علماء اللغة؛ أرأيت الشاعرين يجتمعان على المعنى الواحد في لفظ
~~واحد؟ فقال: عقول رجال توافت على ألسنتها.
# قال بشار يصف نفسه: [منسرح]
# زور «2» ملوك عليه أبهة ... يعرف من شعره ومن خطبه
# لله ما راح في جوانحه ... من لؤلؤ لا ينام عن طلبه
# يخرجن من فيه في الندي كما ... يخرج ضوء السراج من لهبه
# ترنو إليه الحدان غادية ... ولا تمل الحديث من عجبه
# تلعابة «3» تعكف الملوك به ... تأخذ من جده ومن لعبه
# يزدحم الناس كل شارقة ... ببابه مسرعين في أدبه
# PageV02P198
# وقال الطائي يذكر الشعر: [كامل]
# إن القوافي والمساعي لم تزل ... مثل النظام إذا أصاب فريدا «1»
# هي جوهر نثر فإن ألفته ... بالشعر صار قلائدا وعقودا
# من أجل ذلك كانت العرب الألى ... يدعون هذا سؤددا مجدودا
# وتند عندهم العلا إلا علا ... جعلت لها مرر القريض قيودا «2»
# وقال أيضا: [طويل]
# ولم أر كالمعروف تدعى حقوقه ... مغارم في الأقوام وهي مغانم
# وإن العلا ما لم تر الشعر بينها ... لكالأرض غفلا «3» ليس فيها معالم
# وما هو إلا القول يسري فيغتدي ... له غرر في أوجه ومواسم
# يرى حكمة ما فيه وهو فكاهة ... ويقضى بما يقضي به وهو ظالم
# ولولا خلال سنها الشعر ما درى ... بغاة العلا من أين تؤتى المكارم
# وقال عمر بن لجإ لبعض الشعراء: أنا أشعر منك؛ قال: ولم ذاك؟
# قال: لأني أقول البيت وأخاه، ولأنك تقول البيت وابن عمه.
# قيل لعقيل بن علفة: ألا تطيل الهجاء؟ فقال: يكفيك من القلادة ما أحاط
~~بالعنق.
# وقال بعضهم: خير الشعر المطمع.
# قيل لكثير: يا أبا صخر، كيف تصنع إذا عسر عليك قول الشعر؟ قال:
# PageV02P199
# أطوف بالرباع المخلية «1» والرياض المعشبة، فيسهل علي أرصنه ويسرع إلي
~~أحسنه.
# ويقال: إنه لم يستدع شارد الشعر بمثل الماء الجاري، والشرف العالى،
~~والمكان الخضر الخالي «2» أو الحالي.
# وقال عبد الملك بن مروان لأرطاة بن سهية: هل تقول الآن شعرا؟
# قال: ما أشرب، ولا أطرب، ولا أغضب؛ وإنما يكون الشعر بواحدة من هذه.
# وقيل لكثير: ما بقي من شعرك؟ فقال: ماتت عزة فما أطرب، وذهب الشباب فما
~~أعجب، ومات ابن ليلى فما أرغب- يعني عبد العزيز بن مروان- وإنما الشعر بهذه
~~الخلال.
# وقيل لبعضهم: من أشعر الناس؟ فقال: امرؤ القيس إذا ركب، والنابغة إذا
~~رهب، وزهير إذا رغب، والأعشى إذا طرب.
# وقيل للعجاج: إنك لا تحسن الهجاء، فقال: إن لنا أحلاما تمنعنا من أن
~~نظلم، وأحسابا تمنعنا من أن نظلم، وهل رأيت بانيا لا يحسن أن يهدم!.
# وقلت في وصف الشعر: الشعر معدن علم العرب، وسفر حكمتها، وديوان أخبارها،
~~ومستودع أيامها، والسور المضروب على مآثرها، والخندق المحجوز على مفاخرها،
~~والشاهد العدل يوم النفار، والحجة القاطعة عند الخصام، ومن لم يقم عندهم
~~على شرفه وما يدعيه لسلفه من المناقب
# PageV02P200
# الكريمة والفعال الحميد بيت منه. شذت مساعيه وإن كانت مشهورة، ودرست على
~~مرور الأيام وإن كانت جساما؛ ومن قيدها بقوافي الشعر، وأوثقها بأوزانه،
~~وأشهرها بالبيت النادر، والمثل السائر، والمعنى اللطيف، أخلدها على الدهر،
~~وأخلصها من الجحد، ورفع عنها كيد العدو وغض عين الحسود.
# وما جاء في الشعر كثير. وقد أفردت للشعراء كتابا، وللشعر بابا طويلا في
~~كتاب العرب. وذكرت هذه النتفة في هذا الكتاب كراهية أن أخليه من فن من
~~الفنون.
### | حسن التشبيه في الشعر
# من ذلك قول ابن الزبير الأسدي في الثريا: [طويل]
# وقد لاح في الغور الثريا كأنما ... به راية بيضاء تخفق للطعن «1»
# شبه الثريا حين تدلت للمغيب براية بيضاء خفقت للطعن.
# ومن ذلك قول عنترة في الذباب: [كامل]
# وخلا الذباب بها فليس بنازح ... هزجا كفعل الشارب المترنم «2»
# غردا يحك ذراعه بذراعه ... فعل المكب على الزناد الأجذم «3»
# شبه حكه يده بيده برجل مقطوع الكفين يقدح النار بعودين.
# PageV02P201
# ومن ذلك قول أعرابي في العنب: [كامل]
# يحملن أوعية السلاف كأنما ... يحملنها بأكارع «1» النغران
# أوعية السلاف: العنب، جعله ظرفا للخمر، وشبه شعب العناقيد التي تحمل الحب
~~بأرجل النغران.
# وقال الآخر، وكان غشي عينيه بياض أو نزل فيهما ماء [طويل]
# يقولون ماء طيب خان عينه ... وما ماء سوء خان عيني بطيب «2»
# ولكنه أزمان أنظر طيب ... بعيني غدافي علا فوق مرقب «3»
# كأن ابن جحل مد فضل جناحه ... على ماء إنسانيهما المتغيب «4»
# شبه ما علا الحدقة بجناح فرخ من فراخ الزنابير «5» قد مد على ناظره.
# ومن ذلك قول امرىء القيس وذكر العقاب: [طويل]
# PageV02P202
# كأن قلوب الطير رطبا ويابسا ... لدى وكرها العناب والحشف البالي «1»
# شبه الرطب بالعناب، واليابس بالحشف. وشبه شيئين بشيئين في بيت واحد.
# ومن ذلك قول أوس بن حجر وذكر السيف: [طويل]
# كأن مدب النمل يلتمس الربى ... ومدرج ذر «2» خاف بردا فأسهلا
# شبه فرند السيف «3» بمدرج الذر ومدب النمل.
# ومن ذلك قول أبي نواس في البازي: [سريع]
# ومنسر أكلف فيه شغا ... كأنه عقد ثمانينا «4»
# ومن ذلك قول أعرابي في امرأة: [بسيط]
# قامت تصدى له عمدا لتقتله ... فلم ير الناس وجدا مثل ما وجدا
# بجيد آدم «5» لم تعقد قلائده ... وناهد مثل قلب الظبي ما نهدا
# فظل كالحائم «6» الهيمان ليس له ... صبر ولا يأمن الأعداء إن وردا
# شبه ثديها في نهوده بقلب الظبي في صلابته، ولا نعلم أحدا شبه الثدي بقلب
~~الظبي غيره.
# PageV02P203
# ومن ذلك قول جحدر «1» العكلي في امرأة: [طويل]
# على قدم مكنونة اللون رخصة ... وكعب كذفرى جؤذر الرمل أدرما «2»
# شبه كعبها بأصل أذن الجؤذر، وهو الصغير من أولاد البقر.
# ومن ذلك قول حميد بن ثور «3» يصف فرخ القطاة: [طويل]
# كأن على أشداقه نور حنوة «4» ... إذا هو مد الجيد منه ليطعما
# ومن ذلك قول دعبل «5» يهجو امرأة: [متقارب]
# كأن الثآليل في وجهها ... إذا سفرت بدد الكشمش «6»
# لها شعر قرد إذا ازينت ... ووجه كبيض القطا الأبرش «7»
# ومن ذلك قول أبي نواس في وصف البط: [رجز]
# PageV02P204
# كأنما يصفرن من ملاعق «1»
# ومن ذلك قول بعض الرجاز في جارية سوداء: [رجز]
# كأنها والكحل في مرودها ... تكحل عينيها ببعض جلدها «2»
# ومن ذلك قول الجعدي في فرس: [منسرح]
# خيط على زفرة فتم ولم ... يرجع إلى دقة ولا هضم «3»
# يقول هو منتفخ الجنبين، فكأنه زفر فانتفخ جنباه ثم خيط على ذلك.
# ومن ذلك قول الطرماح يصف الثور: [كامل]
# يبدو وتضمره البلاد كأنه ... سيف على شرف يسل ويغمد
# ومن ذلك قول النابغة للنعمان: [طويل]
# فإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
# ومن ذلك قوله في المرأة «4»
# : [كامل]
# نظرت إليك بحاجة لم تقضها ... نظر المريض إلى وجوه العود
# يقول: نظرت إليك ولم تقدر أن تتكلم، كما ينظر المريض إلى وجوه عواده ولا
~~يقدر أن يكلمهم.
# PageV02P205
# ومن ذلك قول طرفة: [طويل]
# لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى ... لكا لطول «1» المرخى وثنياه باليد
# ومن ذلك قول بعض الضبيين يصف أباريق الشراب: [طويل]
# كأن أباريق الشمول عشية ... إوز بأعلى الطف عوج الحناجر «2»
# ونحوه قول أبي الهندي «3»
# : [طويل]
# سيغني أبا الهندي عن وطب سالم ... أباريق لم يعلق بها وضر الزبد «4»
# مفدمة قزا كأن رقابها ... رقاب بنات الماء تفزع للرعد «5»
# ومن ذلك قول نصيب «6»
# في عبد العزيز بن مروان: [متقارب]
# وكلبك آنس بالمعتفين «7» ... من الأم بابنتها الزائره
# ومن ذلك قول عدي «8»
# بن الرقاع في الظبية: [كامل]
# تزجي أغن كأن إبرة روقه ... قلم أصاب من الدواة مدادها «9»
# PageV02P206
# ومن ذلك قول بشار: [طويل]
# كأن مثار «1» النقع فوق رؤوسهم ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
# ومن ذلك قوله: [وافر]
# جفت عيني عن التغميض حتى ... كأن جفونها عنها قصار
# ومن ذلك قول الآخر: [طويل]
# ومولى كأن الشمس بيني وبينه ... إذا ما التقينا ليس ممن أعاتبه»
# يقول: لا أقدر على النظر إليه من بغضه، فكأن الشمس بيني وبينه.
# ومن ذلك قول الآخر: [بسيط]
# كأن نيرانهم في كل منزلة ... مصبغات على أرسان قصار «3»
# الناس يستحسنون هذا، وأنا أرى أن أقول: الأولى أن يشبه المصبغات
~~بالنيران، لا النيران بالمصبغات.
### | الأبيات التي لا مثل لها
# حدثني أبو الخطاب قال: حدثنا معتمر عن ليث عن طاوس عن ابن عباس قال: إنها
~~كلمة نبي: [طويل]
# ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود «4»
# PageV02P207
# حدثني الرياشي عن الأصمعي قال: أبرع بيت قالته العرب قول أبي «1»
# ذؤيب [كامل]
# والنفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد إلى قليل تقنع
# وأحسن ما قيل في الكبر قول حميد بن ثور «2»
# الهلالي: [طويل]
# أرى بصري قد رابني بعد صحة ... وحسبك داء أن تصح وتسلما «3»
# وأحسن من ابتدأ مرثية أوس بن حجر «4»
# في قوله: [منسرح]
# أيتها النفس أجملي جزعا ... إن الذي تكرهين قد وقعا.
# وأغرب من ابتدأ قصيدة النابغة في قوله: [طويل]
# كليني لهم، يا أميمة، ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب
# حدثني الخثعمي الشاعر قال: أحسن بيت قيل في الجبن قول نهشل ابن حري «5»
# : [طويل]
# فلو كان لي نفسان كنت مقاتلا ... بإحداهما حتى تموت وأسلما
# قال: وبيت المخبل في قساوة القلب: [بسيط]
# PageV02P208
# يبكى علينا ولا نبكي على أحد ... لنحن أغلظ أكبادا من الإبل
# قال: وبيت عبيد «1»
# في الإستعفاف: [مخلع البسيط]
# من يسأل الناس يحرموه ... وسائل الله لا يخيب
# قال: وبيت منجوف بن مرة السلمي في الإحتفاظ بالمال: [طويل]
# وأدفع عن مالي الحقوق وإنه ... لجم فإن الدهر جم مصائبه
# قال: وبيت الحطيئة في إكرام النفس: [طويل]
# وأكرم نفسي اليوم عن سوء طعمة ... ويقنى الحياء المرء والرمح شاجره «2»
# قال: وقول كعب «3»
# في الإقدام: [كامل]
# نصل السيوف إذا قصرن بخطونا ... قدما ونلحقها إذا لم تلحق
# قال: وبيت عمرو «4»
# بن الإطنابة في الصبر: [وافر]
# وقولي كلما جشأت «5» وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي
# وأحسن من هذا عندي قول قطري «6»
# : [وافر]
# PageV02P209
# وقولي، كلما جشأت، لنفسي ... من الأبطال ويحك لا تراعي
# فإنك لو سألت بقاء يوم ... على الأجل الذي لك لم تطاعي
# قال: وبيت مسكين «1»
# الدارمي في الجود: [طويل]
# طعامي طعام الضيف والرحل رحله ... ولم يلهني عنه الغزال المقنع
# قال: وفي حسن الجوار قوله «2»
# : [كامل]
# ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي تنزل القدر
# ما ضر جارا لي أجاوره ... ألا يكون لبابه ستر
# قال: وممن رضي بالقليل جميل، قال: [طويل]
# أقلب طرفي في السماء لعله ... يوافق طرفي طرفها حين تنظر
# وقول الآخر «3»
# : [وافر]
# أليس الليل يلبس أم عمرو ... وإيانا، فذاك بنا تداني؟
# ترى وضح النهار كما أراه ... ويعلوها النهار كما علاني
# قال: وبيت عمرو بن كلثوم في الجهل: [وافر]
# ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
# قال: وبيت النابغة في ترك الإلحاح: [كامل]
# PageV02P210
# فاستبق ودك للصديق ولا تكن ... قتبا يعض بغارب ملحاحا «1»
# قال: وفي إدراك الثأر قول مهلهل: [بسيط]
# لقد قتلت بني بكر بربهم ... حتى بكيت وما يبكي لهم أحد «2»
# قال: وبيت عروة بن الورد في تبليغ العذر في الطلب: [طويل]
# لتبلغ عذرا أو تفيد غنيمة ... ومبلغ نفس عذرها مثل منجح
# قال: وبيت جميل في إنفاق المال والتوكل على الله تعالى: [طويل]
# كلوا اليوم من رزق الإله وأبشروا ... فإن على الرحمن رزقكمو غدا
# قال: وفي الشجاعة قول العباس «3» بن مرداس: [وافر]
# أشد على الكتيبة لا أبالي ... أحتفي كان فيها أم سواها
# قال: وبيت المتلمس في المال وتثميره: [وافر]
# قليل المال تصلحه فيبقى ... ولا يبقى الكثير على الفساد
# وأخبرنا دعبل بن علي الشاعر قال: أهجي بيت قيل قول الطرماح «4» في تميم:
~~[طويل]
# تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا ... ولو سلكت طرق المكارم ضلت
# PageV02P211
# قال؛ وكذلك قول الأخطل: [بسيط]
# قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم ... قالوا لأمهمو بولي على النار «1»
# قال: وكذلك قول الحطيئة للزبرقان «2» في قصر الهمة: [بسيط]
# دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي «3»
# قال غيره: وقول الطرماح في القلة والخمول: [بسيط]
# لو كان يخفى على الرحمن خافية ... من خلقه حفيت عنه بنو أسد
# ونحوه قول الآخر «4» : [متقارب]
# وأنت مليخ كلحم الحوا ... ر لا أنت حلو ولا أنت مر «5»
# PageV02P212
# وكذلك قول جرير في التيم «1» : [وافر]
# وإنك لو رأيت عبيد تيم ... وتيما قلت أيهما العبيد
# ويقضى الأمر حين تغيب تيم ... ولا يستأذنون وهم شهود «2»
# وأحسن ما قيل في الهيبة: [بسيط]
# يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فما يكلم إلا حين يبتسم
# وأغرب ما قيل في مضلوب قول محمد بن أبي حمزة مولى الأنصار: [طويل]
# لعمري لئن أصبحت فوق مشذب «3» ... طويل تعفيك الرياح مع القطر
# لقد عشت مبسوط اليدين مرزأ»
# وعوفيت عند الموت من ضغطة القبر
# وأفلت من ضيق التراب وغمه ... ولم تفقد الدنيا فهل لك من شكر؟
# وأغرب ما قيل في مجوسي قول أعرابي: [متقارب]
# شهدت عليك بطيب المشاش «5» ... وأنك بحر جواد خضم
# PageV02P213
# وأنك سيد أهل الجحيم ... إذا ما ترديت فيمن ظلم
# ومن أغرب ما قيل في دعي قول إبراهيم بن إسماعيل البنوي: [بسيط]
# لو أن موتي تميم كلها نشروا ... وأثبتوك لقيل الأمر مصنوع
# مثل الجديد إذا ما زيد في خلق ... تبين الناس أن الثوب مرقوع
# ونحوه قول الآخر: [طويل]
# أجارتنا بان الخليط «1» فأبشري ... فما العيش إلا أن يبين خليط
# أعاتبه في عرضه ليصونه ... ولا علم لي أن الأمير لقيط «2»
# ونحوه قول دعبل «3» في مالك بن طوق: [بسيط]
# الناس كلهمو يسعى لحاجته ... ما بين ذي فرح منهم ومهموم
# ومالك ظل مشغولا بنسبته ... يرم «4» منها خرابا غير مرموم
# يبني بيوتا خرابا لا أنيس بها ... ما بين طوق إلى عمرو بن كلثوم
### | التلطف في الكلام والجواب وحسن التعريض
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: ترك عقيل عليا وذهب إلى معاوية؛ فقال
~~معاوية: يا أهل الشام، ما ظنكم برجل لم يصلح لأخيه؟ فقال عقيل: يا
# PageV02P214
# أهل الشام، إن أخي خير لنفسه وشر لي، وإن معاوية شر لنفسه وخير لي.
# قال: وقال معاوية يوما: يا أهل الشام، إن عم هذا أبو لهب؛ فقال عقيل: يا
~~أهل الشام، إن عمة هذا حمالة الحطب؛ وكانت أم جميل امرأة أبي لهب وهي بنت
~~حرب.
# وحدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثنا أبو هلال عن قتادة قال:
# قال عبيد الله بن زياد لقيس بن عباد: ما تقول في وفي الحسين؟ فقال:
# أعفني أعفاك الله! فقال: لتقولن؛ قال: يجيء أبوه يوم القيامة فيشفع له،
~~ويجيء أبوك فيشفع لك؛ قال: قد علمت غشك وخبثك، لئن فارقتني يوما لأضعن
~~بالأرض أكثرك شعرا.
# قيل لميمون بن مهران: كيف رضاك عن عبد الأعلى «1» ؟ قال: نعم المرء عمرو
~~بن ميمون.
# مر عمر بن الخطاب بالصبيان وفيهم عبد الله بن الزبير، ففروا ووقف؛ فقال
~~له عمر: ما لك لم تفر مع أصحابك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، لم أجرم فأخافك،
~~ولم يكن بالطريق ضيق فأوسع لك.
# حدثني الفضل بن محمد بن منصور بن زياد كاتب البرامكة قال: قال عبد الله
~~بن طاهر ذات يوم لرجل أمره بعمل: إحذر أن تخطىء فأعاقبك بكذا. (لأمر عظيم)
~~قلت له: أيها الأمير، من كانت هذه عقوبته على الخطأ فما ثوابه على
~~الإصابة!.
# رأى رجل من قريش رجلا له هيئة رثة، فسأل عنه، فقالوا: من تغلب، فوقف له
~~وهو يطوف بالبيت، فقال له: أرى رجلين قلما وطئتا البطحاء؛ فقال
# PageV02P215
# له: البطحاوات ثلاث: بطحاء الجزيرة «1» ، وهي لي دونك؛ وبطحاء ذي قار «2»
~~، وأنا أحق بها منك؛ وهذه البطحاء «3» وسواء العاكف فيه والبادي.
# حدثني سهل عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء أو غيره: أن معاوية عرض فرسا
~~على عبد الرحمن بن حسان فقال: كيف تراه؟ قال: أراه أجش هزيما «4» ، يريد
~~قول النجاشي «5» : [طويل]
# ونجى ابن حرب سابح ذو علالة ... أجش هزيم والرماح دواني
# حدثني محمد بن عبد العزيز قال:؛ حدثنا أبو سلمة عن حماد بن سلمة قال:
~~أخبرنا داود بن أبي هند عن محمد بن عباد المخزومي أن قريشا قالت:
# قيضوا «6» لأبي بكر رجلا يأخذه، فقيضوا له طلحة بن عبيد الله؛ فأتاه وهو
~~في القوم فقال: يا أبا بكر، قم إلي؛ قال: إلام تدعوني؟ قال: أدعوك إلى
~~عبادة اللات والعزى «7» ؛ قال أبو بكر: من اللات؟ قال بنات الله، قال: فمن
~~أمهم؟
# فسكت طلحة وقال لأصحابه: أجيبوا صاحبكم، فسكتوا؛ فقال طلحة: قم يا
# PageV02P216
# أبا بكر، فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله؛ فأخذ
~~أبو بكر بيده فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم.
# حدثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن عبيد الله بن عمر أن عمر
~~قال: من يخبرنا عن قندابيل «1» ؟ فقال رجل: يا أمير المؤمنين، ماؤها وشل
~~«2» ، وتمرها دقل «3» ، ولصها بطل؛ إن كان بها الكثير جاعوا، وإن كان بها
~~القليل ضاعوا؛ قال عمر: لا يسألني الله عن أحد بعثته إليها أبدا.
# حدثني أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي قال: مرض زياد فدخل عليه شريح، فلما
~~خرج بعث إليه مسروق بن الأجدع يسأله: كيف تركت الأمير؟
# قال: تركته يأمر وينهي، فقال مسروق: إن شريحا صاحب تعريض فسلوه فسألوه؛
~~قال: تركته يأمر بالوصية وينهي عن البكاء. ومات ابن لشريح ولم يشعر به أحد،
~~فغدا عليه قوم يسألون به، وقالوا: كيف أصبح من تصل يا أبا أمية؟ فقال: الآن
~~سكن علزه «4» ورجاه أهله.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثني بعض الأعراب قال: هوي رجل امرأة ثم
~~تزوجها، فأهدى إليها ثلاثين شاة وزقا من خمر، فشرب الرسول في الطريق بعض
~~الخمر وذبح شاة؛ فقالت للرسول لما أراد الانصراف: اقرأ على مولاك السلام،
~~وقل له إن شهرنا نقص يوما، وإن سحيما راعي شائنا أتانا
# PageV02P217
# مرثوما «1» . فلما أتى مولاه فأخبره ضربه حتى أقر.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: خطب أعرابي إلى قوم، فقالوا: ما تبذل من
~~الصداق؟ وارتفع السجف «2» فرأى شيئا كرهه، فقال والله ما عندي نقد، وإني
~~لأكره أن يكون علي دين.
# حدثني عبد الرحمن عن الأصمعي قال: قال سلم بن قتيبة للشعبي: ما تشتهي؟
~~قال: أعز مفقود، وأهون موجود؛ قال: يا غلام، إسقه ماء.
# المدائني قال: كان لابن عون ابن عم يؤذيه، ولاحاه «3» يوما فقال له ابن
~~عون لما بلغ منه: لتسكتن أو لأشتمن مسيلمة. فشهد بعد ذلك عند عبيد الله ابن
~~الحسن، فرد شهادته.
# المدائني: قال المغيرة بن شعبة: ما خدعني أحد قط غير غلام من بلحارث بن
~~كعب، فإني ذكرت امرأة منهم، فقال: أيها الأمير، لا خير لك فيها، إني رأيت
~~رجلا قد خلا لها يقبلها، ثم بلغني بعد أنه تزوجها، فأرسلت إليه فقلت: ألم
~~تعلمني أنك رأيت رجلا يقبلها؟ فقال: بلى! رأيت أباها يقبلها.
# قال المدائني: أتى شريحا القاضي قوم برجل، فقالوا: إن هذا خطب إلينا:
~~فسألناه عن حرفته فقال: أبيع الدواب؛ فلما زوجناه، فإذا هو يبيع السنانير؛
~~قال: أفلا قلتم أي الدواب تبيع! وأجاز ذلك.
# المدائني قال: دخل رجل على عيسى بن موسى وعنده ابن شبرمة،
# PageV02P218
# فقال له: أتعرفه؟ وكان رمي عنده بريبة قال: نعم، إن له بيتا وشرفا وقدما،
~~فخلى سبيله فلما خرج قال له أصحابه: أعرفته؟ قال: لا، ولكني أعلم أن له
~~بيتا يأوي إليه، وشرفه أذناه ومنكباه، وقدمه هي قدمه التي يمشي عليها.
# المدائني قال: سئل الشعبي عن رجل، فقال: إنه لنافذ الطعنة، ركين القعدة،
~~يعني أنه خياط فأتوه فقالوا: غررتنا؛ فقال: ما فعلت! وإنه لكما وصفت.
# المدائني قال: أتي العريان بن الهيثم بشاب سكران، فقال له: من أنت؟ فقال
~~«1» : [طويل]
# أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره ... وإن نزلت يوما فسوف تعود
# ترى الناس أفواجا إلى ضوء ناره ... فمنهم قيام حولها وقعود
# فظن أنه من بعض أشراف الكوفة فخلاه، ثم ندم على ألا يكون سأله من هو،
~~فقال لبعض الشرط: سل عن هذا، فسأل، فقالوا: هو ابن بياع الباقلي.
# دخل حارثة بن بدر الغداني على زياد، وكان حارثة صاحب شراب وبوجهه أثر،
~~فقال له زياد: ما هذا الأثر بوجهك؟ فقال حارثة: أصلح الله الأمير، ركبت
~~فرسا لي أشقر فحملني حتى صدم بين الحائط، فقال زياد: أما إنك لو ركبت
~~الأشهب لم يصبك مكروه؛ عنى زياد اللبن، وعنى حارثة النبيذ.
# PageV02P219
# قعد قوم على نبيذ فسقط ذباب في قدح أحدهم، فقال رجل منهم: غط التميمي،
~~فقال آخر: غطه فإن كان تميميا رسب، وإن كان أزديا طفا؛ قال رب المنزل: ما
~~يسرني أنه كان قال بعضكم حرفا. وإنما عنى أن أزد عمان ملاحون.
# المدائني قال: رأى رجل في يد امرأة كانت تأتيه خاتم ذهب، فقال لها: إدفعي
~~إلي خاتمك أذكرك به، فقالت: إنه ذهب، وأخاف أن تذهب، ولكن خذ هذا العود
~~لعلك تعود.
# حدثني الزيادي قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن عبد العزيز بن صهيب عن
~~أنس قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مردفا أبا بكر شيخا
~~يعرف، ورسول الله شاب لا يعرف، فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر، من
~~هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل؛ فيحسب السامع
~~أنه يهديه الطريق، وإنما يعني سبيل الخير.
# كان سنان «1» بن مكمل النميري يشاير ابن هبيرة يوما وهو على بغلة، فقال
~~له عمر بن هبيرة: غض من بغلتك؛ قال: كلا! إنها مكتوبة. أراد ابن هبيرة قول
~~الشاعر «2» : [وافر]
# PageV02P220
# فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا «1»
# وأراد سنان قول الآخر «2» : [بسيط]
# لا تأمنن فزاريا خلوت به ... على قلوصك واكتبها بأسيار «3»
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: قال معاوية للأحنف: يا أحنف، ما الشيء
~~الملفف في البجاد «4» ؟ فقال: هو السخينة «5» يا أمير المؤمنين. أراد
~~معاوية قول الشاعر: [وافر]
# إذا ما مات ميت من تميم ... فسرك أن يعيش فجيء بزاد
# بخبز أو بتمر أو بسمن ... أو الشيء الملفف في البجاد «6»
# PageV02P221
# وأراد الأحنف «1» أن قريشا تعير بأكل السخينة.
# المدائني قال: سأل الحرسي أبا يوسف القاضي عن السواد؛ فقال: النور في
~~السواد. يعني نور العينين في سواد الناظر.
# المدائني قال: لقي شيطان الطاق «2» خارجي فقال: ما أفارقك أو تبرأ من
~~علي، فقال: أنا من علي ومن عثمان بريء. يريد أنه من علي، وبريء من عثمان.
# سمع عمر بن الخطاب امرأة في الطواف تقول: [طويل]
# فمنهن من تسقى بعذب مبرد ... نقاخ «3» فتلكم عند ذلك قرت
# ومنهن من تسقى بأخضر آجن ... أجاج ولولا خشية الله فرت «4»
# فعلم ما تشكو، فبعث إلى زوجها فوجده متغير الفم، فخيره بين خمسمائة درهم
~~أو جارية من الفيء على أن يطلقها فاختار خمسمائة، فأعطاه وطلقها «5» .
# حدثني أحمد بن محمد أبو نصر الكاتب قال: كنت واقفا بهذا المكان، وأقبلت
~~امرأة من هذه الناحية، وغلام من الناحية الأخرى أبيض الوجه
# PageV02P222
# رائعه، ونظرت إليه المرأة، فلما التقيا قالت له: ما اسمك يا فتى؟ قال:
# محمد؛ قالت: ابن من؟ قال: ابن زانة، وتبسم عن ثغر أفلج «1» مختلف قبيح؛
~~فقالت: واحرباه على ما قال! فقلت لها: قد وقعت لك عليها؛ قالت: من أين؟
~~قلت: من كنية أبي الخير النصراني كاتب سعيد الحاجب، أراد أن الياء إذا نقلت
~~عن أبي الخير إلى زانة، صار هذا أبا الخر، وصار هذا ابن زانية.
# مر ابن أبي علقمة بمجلس بني ناجية «2» فكبا حماره لوجهه فضحكوا؛ فقال: ما
~~يضحككم! إنه رأى وجوه قريش فسجد.
# قال عمرو «3» بن بحر: قال أبو الهذيل لمحمد بن الجهم وأنا عنده: يا أبا
~~جعفر، إني رجل منخرق الكف لا أليق «4» درهما، ويدي هذه صناع في الكسب
~~ولكنها في الإنفاق خرقاء، كم من مائة ألف درهم قسمتها على الإخوان في مجلس
~~وأبو عثمان يعلم ذلك! أسألك بالله يا أبا عثمان، هل تعلم ذلك؟ قال: يا أبا
~~الهذيل، ما أشك فيما تقول؛ قال: فلم يرض أن حضرت حتى استشهدني، ولم يرض إذ
~~استشهدني حتى استحلفني.
# قال المدائني: بعث يزيد بن قيس الأرحبي، وكان واليا لعلي، إلى الحسن
~~والحسين رضي الله عنهم بهدايا بعد انصرافه من الولاية وترك ابن الحنفية،
~~فضرب علي- عليه السلام- على جنب ابن الحنفية وقال: [وافر]
# PageV02P223
# وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذي لا تصبحينا «1»
# فرجع يزيد إلى منزله وبعث إلى ابن الحنفية بهدية سنية.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثني موسى بن محمد قاضي المدينة، قال:
~~مر رجل بأعرابي يوقد في أصل ميل، فقال: كم على الميل؟
# فقال: لست أقرأ، ولكن كتابه فيه؛ قال: وما كتابه؟ قال: محجن وخلقه سمط
~~وثلاثة أطباء وحلقة مذنبة «2» (يغني صورة خمسة) .
# قال أبو اليقظان: إن عمرو بن مالك بن ضبيعة هو الذي قيل فيه:
# [طويل]
# لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ... وما علم الإنسان إلا ليعلما
# وذلك أن سعد بن مالك كان عند بعض الملوك «3» ، فأراد الملك أن يبعث رائدا
~~يرتاد له منزلا ينزله، فبعث بعمرو فأبطأ عليه، فآلى الملك لئن جاء ذاما أو
~~حامدا ليقتلنه؛ فلما جاء عمرو وسعد عنده، قال سعد للملك؛ أتأذن لي فأكلمه؟
~~قال: إذا أقطع لسانك؛ قال: فأشير إليه؛ قال: إذا أقطع يدك؛ قال: فأومىء
~~إليه؛ قال: أقطع حنو «4» عينك؛ قال: فأقرع له العصا؛ قال:
# إقرع فأخذ العصا فضرب بها عن يمينه ثم ضرب بها عن شماله ثم هزها بين
# PageV02P224
# يديه، فلقن «1» عمرو، فقال: أبيت اللعن! أتيتك من أرض زائرها واقف،
~~وساكنها خائف، والشبعى بها نائمة، والمهزولة ساهرة جائعة، ولم أر خصبا
~~محلا، ولا جدبا هزلا.
# لما حكم أبو موسى وقدم ليحكم، دس معاوية إلى عمرو رجلا ليعلم علمه وينظر
~~كيف رأيه؛ فأتاه الرجل فكلمه بما أمره به، فعض عمرو على إبهامه ولم يجبه؛
~~فنهض الرجل فأتى معاوية فأخبره؛ فقال: قاتله الله! أراد أن يعلمني أني فررت
~~قارحا «2» .
# حدثني أبو حاتم قال: حدثني الأصمعي قال: حدثنا عيسى بن عمر قال: سأل
~~الحجاج جبر بن حبيب عن رجل، وكره أن يعاقبه إن دل عليه، فقال: تركته والله
~~جسدا يحرك رأسه يصب في حلقه الماء، والله لئن حمل على سرير ليكونن عليه
~~عورة؛ قال: فتركه.
# حدثني القاسم بن الحسن عن خالد بن خداش عن حماد عن مجالد عن عمير بن روذى
~~قال: خطبنا علي عليه السلام فقال: لئن لم يدخل الجنة إلا من قتل عثمان لا
~~أدخلها ولئن لم يدخل النار إلا من قتل عثمان لا أدخلها؛ فقيل له: ما صنعت!
~~فرقت الناس فخطبهم فقال: إنكم قد أكثرتم في قتل عثمان، ألا وإن الله قتله
~~وأنا معه؛ قال: فحدثنا خالد عن حماد عن حبيب بن الشهيد عن محمد بن سيرين
~~قال: كلمة عربية لها وجهان. أي وسيقتلني معه.
# سأل زياد رجلا بالبصرة: أين منزلك؟ فقال: واسط، قال: مالك من الولد؟ قال:
~~تسعة. فلما قام، قيل لزياد: كذبك في كل ما سألته، ما له إلا
# PageV02P225
# ابن واحد، وإن منزله بالبصرة، فلما عاد إليه، قال: ذكرت أن لك تسعة من
~~الولد، وأن منزلك بواسط؟ قال: نعم؛ قال: خبرت بغير ذلك؛ قال: صدقت وصدقوك،
~~دفنت تسعة بنين فهم لي، ولي اليوم ابن واحد ولست أدري أيكون لي أم لا: وأما
~~منزلي فإلى جانب الجبان «1» بين أهل الدنيا وأهل الآخرة، فأي منزل أوسط
~~منه! قال: صدقت.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن عيسى بن عمر قال: قال المختار لجنده: يا
~~شرطة الله، ليخرجن إلى قريب على الكعبة الحرام دابة «2» له ست قوائم وله
~~رأس بلا عنق، ثم التفت إلى رجل إلى جانبه فقال: أعني اليعسوب.
# كان إبراهيم إذا لم يعجبه الرجل قال: ما هو بأعجب الناس إلي.
# بلغني عن معاوية بن حيان عن المبارك بن فضالة عن عبد الله بن مسلم ابن
~~يسار، قال: كان أبي إذا غضب على البهيمة، قال: أكلت سما قاضيا حدثني زيد بن
~~أخزم قال: حدثنا أبو قتيبة قال: حدثنا أبو المنهال البكراوي قال: كان الحسن
~~إذا أخذ من لحيته شيء، قال: لا يكن بك السوء.
# وقيل للحسن؛ أتى رجل صاحبا له في منزله وكان يصلي، فقال:
# PageV02P226
# أدخل؟ فقال في صلاته: ادخلوها بسلام آمنين
# «1» ؛ فقال: لا بأس.
# كان محمد بن علي إذا رأى مبتلى أخفى الاستعاذة. وكان لا يسمع من داره يا
~~سائل بورك فيك، ولا يا سائل خذ هذا؛ ويقول: سموهم بالحسن الجميل عباد الله،
~~فتقولون: يا عبد الله، بورك فيك.
# قيل لعلي بن أبي طالب عليه السلام: كم بين السماء والأرض؟ قال:
# دعوة مستجابة. قيل: فكم بين المشرق والمغرب؟ قال: مسيرة يوم (يعني للشمس)
~~.
# كان رشم «2» عمر بن مهران الذي يرشم به على طعامه: اللهم احفظه ممن
~~يخطفه.
# خرج رجل من بني أسد بإبل له يسقيها، ومعه ابنة له جميلة عاقلة، حتى دفع
~~إلى ماء لبني فزارة، فسألهم أن يأذنوا له في سقي إبله؛ فقالوا: على ألا
~~تجأجىء «3» بها، قال: فإذا لا تشرب شرب خير؛ قالوا: إن رضيت وإلا فانصرف؛
~~فقالت له الجارية: أشرط لهم ما طلبوا وأنا أكفيك؛ فأخذ الدلو، وجعلت
~~الجارية ترتجز وتقول: [رجز]
# جارية شبت شباب العسلج ... ذات وشاحين وذات دملج «4»
# وذات ثغر أشنب مفلج ... وذات خلق مستتب مدمج «5»
# PageV02P227
# في أبيات كثيرة، فشربت الإبل حتى رويت من غير أن جأجأ بها.
# وتبايع أعرابيان على أن يشرب أحدهما لبنا حازرا «1» ولا يتنحنح، فلما
~~شربه وتقطع في حلقه؛ قال: كبش أملح؛ فقال صاحبه؛ فعلها ورب الكعبة! فقال:
~~من فعلها فلا أفلح. وكان ما تبايعا عليه كبشا.
# قال الأصمعي: قلت لأعرابي معه شاء: لمن هذه الشاء؟ فقال: هي لله عندي.
# حدثني أبو الخطاب قال: حدثنا أبو داود عن عمارة بن زاذان قال:
# حدثنا أبو الصهباء قال: قال الحجاج لسعيد بن جبير: اختر أي قتلة شئت؛
~~فقال له: بل اختر أنت لنفسك، فإن القصاص أمامك.
# ولي هرثمة الحرس مكان جعفر بن يحيى، فقال له جعفر: ما انتقلت عني نعمة
~~صارت إليك.
# أمر الحجاج ابن القرية أن يأتي هند بنت أسماء فيطلقها بكلمتين، ويمتعها
~~بعشرة آلاف درهم؛ فأتاها فقال لها: إن الحجاج يقول لك: كنت فبنت، وهذا عشرة
~~آلاف متعة لك: فقالت: قل له: كنا فما حمدنا، وبنا فما ندمنا؛ وهذه العشرة
~~الآلاف لك ببشارتك إياي بطلاقي.
# سئل سفيان بن عيينة عن قول طاوس في ذكاة السمك أو الجراد؛ فقال ابنه عنه:
~~ذكاته صيده.
# اجتمع الناس عند معاوية وقام الخطباء لبيعة يزيد وأظهر قوم الكراهة،
# PageV02P228
# فقام رجل من عذرة يقال له يزيد بن المقنع، واخترط «1» من سيفه شبرا، ثم
~~قال: أمير المؤمنين هذا، وأشار إلى معاوية، فإن يهلك فهذا، وأشار إلى يزيد،
~~فمن أبي فهذا، وأشار إلى سيفه. فقال معاوية: أنت سيد الخطباء.
# قال رجل من أهل الحجاز لابن شبرمة: من عندنا خرج العلم؛ قال ابن شبرمة:
~~ثم لم يعد إليكم.
# قال المدائني: قال معاوية لابن عباس؛ أنتم، يا بني هاشم، تصابون في
~~أبصاركم؛ فقال ابن عباس؛ وأنتم، يا بني أمية، تصابون في بصائركم.
# وقال له معاوية: ما أبين الشبق «2» في رجالكم! فقال: هو في نسائكم أبين.
# أبو اليقظان قال: قال ابن ظبيان التيمي لزرعة بن ضمرة: لقد طلبتك يوم
~~الأهواز ولو ظفرت بك لقطعت منك طابقا سخنا؛ قال: أفلا أدلك على طابق هو
~~أسخن وأحوج إلى القطع؟ قال: بلى! قال: بظر بين إسكتي «3» أمك.
# أبو اليقظان قال: بعث الحجاج إلى الفضيل بن بزوان العدواني، وكان خيرا من
~~أهل الكوفة، فقال: إني أريد أن أوليك، قال: أو يعفيني الأمير؟
# فأبى وكتب عهده، فأخذه وخرج من عنده فرمى بالعهد وهرب، فأخذ به الحجاج،
~~فقال: يا عدو الله؛ فقال: لست لله ولا للأمير بعدو؛ قال: ألم أكرمك؟ قال:
~~بل أردت أن تهينني؛ قال: ألم أستعملك؟ قال: بل أردت أن
# PageV02P229
# تستعبدني؛ قال: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله
# «1» الآية؛ قال: ما استوجبت واحدة منهن؛ قال: كل ذلك قد استوجبت بخلافك.
~~وأمر رجلا من أهل الشام أن يضرب عنقه.
# سليمان بن أبي شيخ قال: حدثني حجر بن عبد الجبار عن عبد الملك ابن عمير
~~قال: كان في مجلس زياد، الذي يجلس فيه للناس بالكوفة، في أربع زواياه كتاب
~~بقلم جليل: الوالي شديد في غير عنف، لين في غير ضعف؛ الأعطية لإبانها «2» ،
~~والأرزاق لأوقاتها؛ البعوث لا تجمر «3» ؛ المحسن يجزى بإحسانه والمسيء يؤخذ
~~على يديه كلما رفع رأسه إلى زاوية قرأ ما فيها.
# قال سليمان: وحدثنا أبو سفيان الحميري قال: أبلى أبو جهم بن كنانة يوم
~~الراوية، فقال له الحجاج: من أنت؟ قال: أنا أبو جهم بن كنانة، قال له
~~الحجاج: قد زدناك في اسمك ألفا ولاما فأنت أبو الجهم، وزدنا في عطائك ألفا.
# العباس بن بكار عن عبيد الله بن عمر الغساني عن الشعبي قال: قال معاوية
~~لشداد بن أوس: يا شداد، أنا أفضل أم علي؟ وأينا أحب إليك؟ فقال:
# علي أقدم هجرة، وأكثر مع رسول الله إلى الخير سابقة، وأشجع منك قلبا،
~~وأسلم منك نفسا، وأما الحب فقد مضى علي، فأنت اليوم عند الناس أرجى منه.
# PageV02P230
# قال الأحنف لمعاوية في كلام: أنت أعلمنا بيزيد في ليله ونهاره، وسره
~~وعلانيته، فلا تلقمه الدنيا وأنت تذهب إلى الآخرة.
# خطب «1» الحجاج فشكا سوء طاعة أهل العراق؛ فقال جامع المحاربي «2» : أما
~~إنهم لو أحبوك لأطاعوك، على أنهم ما شنئوك لنسبك ولا لبلدك ولا لذات نفسك،
~~فدع ما يباعدهم منك إلى ما يقربهم إليك، والتمس العافية فيمن دونك تعطها
~~ممن فوقك، وليكن إيقاعك بعد وعيدك، ووعيدك بعد وعدك؛ فقال الحجاج: والله ما
~~أراني أرد بني اللكيعة إلى طاعتي إلا بالسيف؛ فقال: أيها الأمير، إن السيف
~~إذا لاقى السيف ذهب الخيار؛ قال الحجاج: الخيار يومئذ لله؛ قال: أجل! ولكنك
~~لا تدري لمن يجعله الله؛ فقال: يا هناه «3» ، إنك من محارب! فقال جامع:
~~[طويل]
# وللحرب سمينا وكنا محاربا ... إذا ما القنا أمسى من الطعن أحمرا»
# فقال الحجاج «5» : والله لقد هممت أن أخلع لسانك فأضرب به وجهك؛ فقال له:
~~يا حجاج، إن صدقناك أغضبناك، وإن كذبناك أغضبنا الله، فغضب الأمير أهون
~~علينا من غضب الله.
# PageV02P231
# قال الأصمعي: أخبرنا شيخ من قضاعة قال: ضللنا مرة الطريق فاسترشدنا
~~عجوزا؛ فقالت: استبطن الوادي وكن سيلا حتى تبلغ.
# ابن الكلبي قال: كتب معاوية إلى قيس بن سعد «1» : أما بعد، فإنما أنت
~~يهودي ابن يهودي، إن ظفر أحب الفريقين إليك عزلك واستبدل بك، وإن ظفر
~~أبغضهما إليك قتلك ونكل بك، وقد كان أبوك وترقوسه ورمى غرضه، فأكثر الحز
~~وأخطأ المفصل، فخذله قومه، وأدركه يومه؛ ثم مات طريدا بحوران؛ والسلام.
~~فكتب إليه قيس بن سعد: أما بعد، فإنما أنت وثن ابن وثن «2» ، دخلت في
~~الإسلام كرها وخرجت منه طوعا، ولم يقدم إيمانك ولم يحدث نفاقك، وقد كان أبي
~~وتر قوسه ورمى غرضه، وشغب «3» عليه من لم يبلغ كعبه ولم يشق غباره، ونحن
~~أنصار الدين الذي خرجت منه، وأعداء الدين الذي خرجت إليه؛ والسلام.
# قال يحيى بن سعيد الأموي: سمعت الأعمش يقول لخالد بن صفوان:
# شعرت أن منزلك لا يعرف إلا بي حتى يقال عند منزل الأعمش؛ فقال خالد:
# صدقت، مثل حمام عنترة، ويقال وردان وبيطار (حيان) .
# قال الربيع لشريك بين يدي المهدي: بلغني أنك خنت أمير المؤمنين؛ فقال
~~شريك: لو فعلنا ذلك لأتاك نصيبك.
# قال رجل من العرب: أريت البارحة في منامي كأني دخلت الجنة فرأيت
# PageV02P232
# جميع ما فيها من القصور، فقلت: لمن هذه؟ فقيل: للعرب؛ فقال رجل عنده من
~~الموالي: أصعدت الغرف؟ قال: لا؛ قال: فتلك لنا.
# وكتب قتيبة بن مسلم إلى عبيد الله بن زياد بن ظبيان: أما بعد، فإن عشمشم
~~أعشى الشجر. فكتب إليه ابن ظبيان: من ذلك الشجر كان بربط «1» أبيك. يعني
~~مسلم بن عمرو، وكان مغنيا ليزيد بن معاوية.
# قال بحر بن الأحنف لجارية أبيه زبراء: يا فاعلة: فقالت: لو كنت كما تقول
~~أتيت أباك بمثلك.
# وقال رجل لابنه: يابن الفاعلة؛ فقال: والله لئن كنت صدقت ما فعلت حتى
~~وجدتك فحل سوء.
# أتت ابنة الخس عكاظ، فأتاها رجل يمتحن عقلها ويمتحن جوابها، فقال لها:
~~إني أريد أن أسألك؛ قالت: هات. قال: كاد؛ فقالت: المنتعل يكون راكبا. قال:
~~كاد: قالت: الفقر يكون كفرا. قال: كاد؛ قالت: العروس تكون ملكا. قال: كاد؛
~~قالت: النعامة تكون طائرا. قال: كاد؛ قالت:
# السرار «2» يكون سحرا. ثم قالت للرجل: أسألك؟ قال: هاتي، قالت:
# عجبت؛ قال: للسباخ لا ينبت كلؤها ولا يجف ثراها. قالت: عجبت؛ قال:
# للحجارة لا يكبر صغيرها ولا يهرم كبيرها. قالت: عجبت؛ قال: لشفرك «3» لا
~~يدرك قعره ولا يملأ حفره.
# PageV02P233
# المدائني قال: كان عرام بن شتير عند عمر بن هبيرة، فألقى إليه ابن هبيرة
~~خاتمة وفصه أخضر، فعقد عرام في الخاتم سيرا. أراد عمر قول الشاعر: [طويل]
# لقد زرقت عيناك يا ابن مكعبر ... كما كل ضبي من اللؤم أزرق «1»
# وأراد عرام: [بسيط]
# لا تأمنن فزاريا خلوت به ... على قلوصك واكتبها بأسيار «2»
# قال جرير للأخطل: أرقت نومك، واستهضمت قومك؛ قال الأخطل:
# قد أرقت نومي، ولو نمت كان خيرا لك.
# أراد معاوية أن يخطب بصفين فقال له عمرو بن العاص: دعني أتكلم فإن أتيت
~~على ما تريد وإلا كنت من وراء ذلك، فأذن له؛ فتكلم بكلمات، قال: قدموا
~~المستلئمة «3» وأخروا الحسر، كونوا مقص الشارب، أعيرونا أيديكم ساعة، قد
~~بلغ الحق مفصله، إنما هو ظالم أو مظلوم.
# حدثني «4» ابن أبي سعد عن محمد بن الحسن التميمي عن عبد الله بن أحمد بن
~~الوضاح، قال: دخل أعرابي على عبد الملك بن مروان؛ فقال له:
# يا أعرابي، صف الخمر فقال: [طويل]
# PageV02P234
# شمول إذا شجت وفي الكأس مزة ... لها في عظام الشاربين دبيب «1»
# تريك القذى من دونها وهي دونه ... لوجه أخيها في الإناء قطوب
# فقال: ويحك يا أعرابي! لقد اتهمك عندي حسن صفتك لها: قال: يا أمير
~~المؤمنين، واتهمك عندي معرفتك بحسن صفتي لها.
### | مقطعات ألفاظ تقع في الكتاب والكلام
# لو أخطأت سبيل إرشادك، لما أخطأت سبيل حسن النية فيما بيني وبينك.
# لو خطر ذلك ببالي من فعلك، ما عرضت ستر الإخاء للهتك بيني وبينك.
# قد أحسنت في كذا قديما. وفعلك كذا إحدى الحسنيين بل ألطفهما موقعا.
# أنت رجل لسانك فوق عقلك وذكاؤك فوق حزمك. فقدم على نفسك من قدمك على
~~نفسه. الله يعلم أنك ما خطرت ببالي في وقت من الأوقات إلا مثل الذكر منك لي
~~محاسن تزيدني صبابة إليك وضنا بك واغتباطا بإخائك.
# لعل الأيام أن تسهل لأخيك السبيل إلى ما تقتضيه نفسك من برك ومعاوضتك
~~ببعض ما سلف لك.
# ما هذا الغبا العجيب الذي إلى جانبه فطنة لطيفة. حكم الفلتات خلاف حكم
~~الإصرار.
# من أخطأ في ظاهر دنياه وفيما يؤخذ بالعين، كان حريا أن يخطىء في
# PageV02P235
# باطن دينه وفيما يؤخذ بالعقل.
# ومن أول ما أحب أن أوثرك به وأقضي فيه واجب حقك، تنبيهك على عظيم ما لله
~~عندك، وحثك على الإزدياد مما يزيدك.
# من كان بمثل موضعك فجمع له حمد إخوانه ورضا معامليه والإستقصاء مع ذلك
~~لمن استكفاه، فقد عظمت النعمة عليه، ولا أعلم بما أسمع فيك إلا أنك كذلك
~~والحمد لله.
# ما أغنى الفقير عن الحمد، وأحوجه إلى ما يجد به طعم الحمد!.
# قد حسدك من لا ينام دون الشفاء، وطلبك من لا يقصر دون الظفر، فاشدد
~~حيازيمك «1» وكن على حذر.
# أنت تتجنى على مالك لتتلفه بأسباب العلل، كما يدفع عن ماله البخيل بوجوه
~~الاعتلال. أنت طالب مغنم، وأنا دافع مغرم، فإن كنت شاكرا لما مضى، فاعذر
~~فيما بقي. مكرك حاضر، ووفاؤك متأخر. أنا راض بعفوك، باذل لمجهودي.
# نوائب الأيام رمت به ناحيتك، وإذا رأيته أنبأك ظاهره عن باطنه ودعاك إلى
~~محبته قبوله، وهو في الأدب بحيث المستغني عن النسب.
# قد آن أن تدع ما تسمع لما تعلم وإلا يكون غيرك فيما يبلغك أوثق من نفسك
~~فيما تعرفه.
# هذا فلان قد أتاك على رقة من حاله وبعد من شقته، فنشدتك الله أن
# PageV02P236
# تقدم شيئا على تصديق ظنه وسد خلته وبل ما يبست هذه النكبة من أديمه، فإنه
~~غذي نعمة وخدين «1» مروءة.
# أنا أسأل الله أن ينجز لي ما لم تزل الفراسة تعدنيه فيك. الحرية نسب.
# فهمت ما اعتذرت به في تأخرك، وغضضت به مني طرفا طامحا إليك ونفسا تواقة
~~إلى قربك.
# وصل كتابك فكان موقعه موقع الروح من البدن. فإن أمير المؤمنين يحب ألا
~~يدع سبيلا من سبل البر وإن عفا ودثر إلا أناره وأوضح محجته، ولا خلة من
~~خلال الخير لا أول لها إلا اهتبل «2» الفرصة في إنشائها، واختيار مكرمة
~~ابتدائها، لتجب له مساهمة الفارط «3» في أجره، ويكون أسوة الغابر في ثوابه.
# لولا وجوب تقديم العذر لصاحب السلطان، في الذهول عن مواصلة من يجب عليه
~~مواصلته، بما يستولي عليه من الشغل بعمله، إذا لكثر العتب.
# إنك لكل حسن أبليته، ومعروف أسديته، وجميل أتيته، وبلاء كان لك ربيته،
~~أهل في الدين والحسب القديم.
# لك- أعزك الله- عندي أياد تشفع لي إلى محبتك، ومعروف يوجب عليك الرب «4»
~~والإتمام.
# PageV02P237
# أفعال الأمير مختارة كالأماني، متصلة عندنا كالأيام؛ ونحن نختار الشكر
~~لكريم فعله، ونواصل الدعاء والذكر مواصلة بره.
# أبدأ بذكر يدك التي أجارتني على صرف الزمان، ووقتني نوائب الأيام، وثمرت
~~لي بقية النعمة، وصانت وجهي عن استعباد منن الرجال، وبسطت لي الأمل في بلوغ
~~ما ناله بك محن رفعت خسيسته ونوهت بذكره، وأعانتني على اتباع مذهب الماضين
~~من سلفي في الوفاء لكم، وحماية النعمة عليهم بكم عن أيدي غيركم، حتى خلصت
~~لهم منكم فعزوا، ولم يشغلوا شكرهم بغيركم حين شكروا، ولم يحتملوا صنيعة
~~لسواكم لما اعتدوا، ولم تتشعبهم الدنيا عنكم إذا اضطروا.
# إن الله أحلك منا أهل البيت محلا نراك به عوضا من الغائب، وخلفا من
~~الهالك، ونجدك مخصوصا بضرائنا إذ كنت ولي سرائنا، وكنا لك كالجوارح نألم
~~لكل ما ألم منها.
# نحن نعوذ بالله من سخطك، ونستجير به من غضبك، ونسألك النظر فيما كتبنا به
~~صادقين، كما سمعت قصص الكاذبين، فإنا على سلامة مما رقوه «1» .
# كتبي- أعزك الله- تأتيك، في الوقت بعد الوقت، على حسب الدواعي، وإن كان
~~حقك يلزمني ألا تغبك، لولا ما أتذكر من زيادتها في شغلك.
# أنت الحامل لكل إخوانه، الناهض بأعباء أهل مودته، الصابر على ما ناب من
~~حقوقهم.
# PageV02P238
# كنت أمس- أكرمك الله- عليلا، وركبت اليوم على ظلع «1» ظاهر ورقة شديدة،
~~فلما انصرفت أمرت بإغلاق الباب للمتودع، ووافق ذلك من سوء نيتك وإرصادك
~~صديقك بما يستدعي عتبك عليه وعتبه عليك ما وافق.
# لا أزال- أبقاك الله- أسأل الكتاب إليك في الحاجة، فأتوقف أحيانا توقف
~~المبقي عليك من المؤونة، وأكتب أحيانا كتاب الراجع منك إلى الثقة والمعتمد
~~منك على المقة؛ لا أعدمنا الله دوام عزك، ولا سلب الدنيا بهجتها بك، ولا
~~أخلانا من الصنع لله على يدك وفي كنفك، فإنا لا نعرف إلا نعمتك، ولا نجد
~~للحياة طعما وندى إلا في ظلك.
# إن كان هذا مما ترضاه لي، فلست ألتمس أكثر منه، وقوفا بنفسي عند الحظ
~~الذي رضيته لي.
# أنا، والله، أراك في رتبة المنعم إجلالا، وبمحل الشقيق من القلب محبة
~~وإخلاصا.
# أما شكري فمقصور على سالف أياديك، وبه قصور عنه فكيف يتسع لما جددته!.
# لله عندك نعم جسام تتقاضاك الشكر. وقاك الله شر نفسك، فإنها أقرب أعدائك
~~إليك.
# ولم أزل وجلا من حادثة كذا عليك، إذ كان ما ينالك- لا أنالك الله سوءا-
~~متصلا بي ومدخلا الضرر علي في ركن منك أعتمد عليه، وكنف لك أستذري به.
# PageV02P239
# وصل إلي كتاب منك، فما رأيت كتابا أسهل فنونا، ولا أملس متونا، ولا أكثر
~~عيونا، ولا أحسن مقاطع ومطالع، ولا أشد على كل مفصل حزا منه؛ أنجزت فيه عدة
~~الرأي وبشرى الفراسة، وعاد الظن بك يقينا، والأمل فيك مبلوغا.
# لا غيبك الله عن مواطن العز والصنع، وأشهدك إياها بعلو يدك، وهبوب ريحك،
~~واستقادة جميع أهلها بزمام طاعتك.
# قد رميت غرض الباطل بسهم الحق وحللت عقال الشر بيد الخير. كنت سالما إن
~~سلمت من عتبك.
# أنا أتوسل إليك بحسن ظني بك، وأسألك بحق صبري على ظلمك لما سعفت بما
~~سألتك.
# ليس ينبغي لك أن تستبطىء فهمي وقد أسأت إفهامي.
# من أبعد من البرء من مريض لا يؤتى من دائه إلا من جهة دوائه، ولا في علته
~~إلا من قبل حميته!.
# لست في حال يقيم عليها حر أو يرضى بها كريم، وليس يرضى بهذا الأمر إلا من
~~لا ينبغي لك أن ترضى به.
# قد شخت في ذراك وهرمت في ظلك، فإما رددت علي شبابي وأعدت إلي قوتي، وإما
~~دفعت إلي ما ينوب عن الشباب ويجبر الضعف، ولا بد من أحدهما، فاختر لنفسك
~~واخرج إلينا من هذا الدين؛ فقد أمسكنا عن التقاضي ما أمكن، وصبرنا على
~~المواعيد ما صلح؛ ودعنا من الحوالة فإن الصنيعة لا تتم بالحوالة؛ وإن جاز
~~أن تقيم لنا زعيما بالنعمة، جاز أن نقيم لك زعيما بالشكر؛ وإن جاز أن نؤملك
~~ويحقق آمالنا غيرك، جاز أن نشكر غير المنعم ونأمل غير المصطنع.
# PageV02P240
# ما أستعظم أن تسبق إلى حسن بل أستعظم أن تسبق إليه وتغلب عليه.
# لئن كنت جاوزت بي قدري عندك لما بلغت بك أملي فيك.
# لا يقبضك عن الأنس بي تقصيرك في البر.
# بلغتني علتك فنالني من ألمها، وغالني مما مسك فيها حسب حقك وما يخصني من
~~كل حال تصرفت بك.
# أعتذر إليك من تأخر كتبي عنك بترامي النقلة وتقاذف الغربة وعدم
~~الطمأنينة، فإني منذ فارقتك كما قال القائل: [طويل]
# وكنت قذاة الأرض والأرض عينها ... تلجلج شخصي جانبا بعد جانب «1»
# إني- أعزك الله- على تشوقك متزيد، فما أحاشي بك أحدا، ولا أقف لك على
~~حسنة يوما إلا أنستنيها لك فضلة غده.
# الحمد لله الذي جعل الأمير معقود النية بطاعته، مطوي القلب على مناصحته،
~~مشحوذ السيف على عدوه؛ ثم وهب له الظفر، ودوخ له البلاد، وشرد به العدو،
~~وخصه بشرف الفتوح العظام شرقا وغربا، وبرا وبحرا.
# إلى الله أشكو شدة الوحشة لغيبتك، وفرط الجزع من فراقك، وظلمة الأيام
~~بعدك؛ وأقول كما قال حبيب بن أوس «2» : [خفيف]
# بين البين فقدها، قلما تع ... رف فقدا للشمس حتى تغيبا
# ورد كتابك، فيا له واردا بالري على ذي ظمأ! ما أنقعه للغليل، وأعدل
# PageV02P241
# شهادته لك بكرم العقد، وصدق الود، وحسن المغيب، ورعاية حق التحرم، وبعد
~~الشيمة من شيم أهل الزمان إلا من عصم الله، وقليل ما هم، ولله أبواك لقد
~~أوجداك.
# قد أجل الله خطرك عن الاعتذار، وأغناك في القول عن الاعتلال، وأوجب علينا
~~أن نقنع بما فعلت، ونرضى بما أتيت وصلت أو قطعت، إذ وثقنا بحسن نيتك ونقاء
~~طويتك، وألزمنا أن نأخذ أنفسنا لك بما لا نحملك مثله، ولا نلتمس منك مقابلة
~~به.
# ما أخر كتبي عنك إلا ما أنا عليه من إيثار التخفيف بقطع الكتب، إلا عند
~~حق يقع فأقضيه، أو نعمة تحدث فأهنىء بها، والقصد للزيادة في البر بالزيارة
~~في الغب، واستدعاء دوام الوداد بانتهاز فرص الوصل.
# وكتبت إلى محمد بن عبد الله بن طاهر:
# أما شكري للأمير على سالف معروفه فقد غار وأنجد. وأما ابتهالي إلى الله
~~في جزائه عني بالحسنى فإخلاص النية عند مظان القبول. وأما أملي فأحياه على
~~بعد العهد بلاؤه عندي، إذ كان ما تقدم منه شافعا في المزيد، وفسحة وعده
~~إياي عند مفارقتي له، إذ كان مؤذنا بالإنجاز. وأما زللي في التأخر عما أوجب
~~الله علي له، فمقرون بالعقوبة فيما حرمته من عز رياسته، ونباهة صحبته، وعلو
~~الدرجة به، وإن كنت سائر أيام انقطاعي عنه معتلقا بسبب لا خيار معه.
~~مكاتبتك- أعزك الله- وأنا مجاورك ببلد دون السعي إليك مجلا لقدرك مما أكبر.
~~لاقيك بكتابي هذا فلان، وله علي حقان؛ حق عم المسلمين فلزمني بلزومه لهم،
~~وحق خصني بالحرمة والعشرة. فرأيك في كذا إن سهل السبيل إلى ذلك ورحب، وإن
~~يعق عائق فلست على جميل رأي عندي بمتهم.
# PageV02P242
# للمتفضل أن يخص بفضله من يشاء؛ ولله الحمد ثم له فيما أعطي، ولا حجة عليه
~~فيما منع.
# مستعفى السلطان أحد ثلاثة: رجل آثر الله وما عنده، وأسأل الله توفيقه؛
~~ورجل عجز عن عمله فخاف بعجزه عواقب تقصيره، وأستعين الله؛ ورجل سمت به نفسه
~~عن قليل هو فيه إلى كثير أمله. وأعوذ بالله من أن أدنس نعمة الله بك علي
~~وعلى سلفي قبلي بالتصدي لمن لا يشبه دهره يومك، ولا أكثر جهده في المعروف
~~أقل عفوك.
# كن كيف شئت، فإني واحد أمري خالصة سريرتي، أرى ببقائل بقاء سروري، وبتمام
~~النعمة عليك تمامها عندي، فإنه ليس من نعمة يجددها الله لأمير المؤمنين في
~~نفسه خاصة إلا اتصلت برعيته عامة، وشملت المسلمين كافة، وعظم بلاء الله
~~عندهم فيها، ووجب عليهم شكره عليها؛ لأن الله جعل بنعمته تمام نعمتهم،
~~وبسلامته هدوءهم واستقامتهم، وبتدبيره صلاح أمورهم وأمنهم، وبذبه عن دينهم
~~حفظ حريمهم، وبحياطته حقن دمائهم وأمن سبلهم، وبرعيته اتساقهم وانتظامهم؛
~~فأطال الله بقاء أمير المؤمنين مؤيدا بالنصر، معزا بالتمكين، موصول الطلب
~~بالظفر، ومدة البقاء بالنعيم المقيم.
# فهمت كتابك ولم تعد في وعدك ووعيدك سبيل الراغب في رب عارفته، المحامي
~~على سالف بلائه، المؤثر لاستتمام صنيعته، وإني لأرجو أن أكون على غاية ما
~~عليه ذو نية حسنة في شكر مصطنعه، وعناية بأداء ما يلزمه لولي نعمته،
~~ومراقبة لرئيسه في سر أمره وعلانيته، وإيثار للقليل من جميل رأيه على كثير
~~المنافع مع سخطه. وليس مذهبي فيما أشرحه من العذر وأطيل بذكره الكتب، مذهب
~~من يموه بالاحتجاج ويحتال في الاعتذار، ومن تطمعه نفسه في سلامة النعمة مع
~~فساد النية، وفي محمود العاقبة مع شره النفس،
# PageV02P243
# وفي زيادة الحال مع التفريط في العمل. ولو كنت ممن سولت له نفسه ذلك سائر
~~دهره، لقد وجب إلى أن يضطرني إلى النزوع عنه تأديبك وتقويمك.
# وإني لمجتهد أن يكون أثر فعلي هو المخبر عني دون قولي، وأن يكون ما أمت
~~به إليك ظاهر كفايتي دون ذمامي.
# لولا ما أنا بسبيله من العمل، وما في الإخلال به من تعريضه للانتشار
~~ودخول الخلل، وعلمي بأن طاعة السلطان مقرونة بطاعة الأمير، وأنه لا فرق
~~عنده بين الجاني على السلطان وعليه، لكنت الجواب راجلا معظما لأمره، مكبرا
~~لسخطه؛ وإن كان الله قد جعل عند الأمير من إيثار الحق والعمل به، وتقديم
~~الروية قبل الإيقاع، والاستثناء «1» بمن وضح ذنبه وظهر جرمه دون من وقعت
~~الشبهة في أمره، ما أمنني بادرة غضبه ونازل سطوته.
# لم أكن أحسبني أحل عندك محل من جهل حظه، وعدم تمييزه، وغبي عما عليه وعما
~~له؛ إذ توهمت علي أني أبيع خطيرا من رضاك، ونفيسا من رأيك، وشرفا باقيا على
~~الأيام بطاعتك، وعدة للنوائب أستظهر بها من نصرتك، بالثمن البخس الحقير من
~~كذا، أو أن أستبدل بما أنا ذو فاقة إليه من عز كنفك ومنيع ذراك، ما قد وهب
~~الله الغنى عنه بحمده.
# كان ورودك وشخوصك في وقتين انظويا عني، وكان مقامك في حال شغل منك ومني،
~~ولذلك فقدتني في القاضين لحقك والمثابرين على لقائك.
# ورد كتابك مضمنا من برك وتطولك ما حسن شكري، وأثقل ظهري، وأرتج عن
~~مضاهاتك بمثله قولي؛ فذكرت به- إذ تحيرت دون تأمله، وضعفت
# PageV02P244
# عن تحمله، وعجزت عن الشكر عليه عند تمحله- قول القائل: [كامل]
# أنت آمرؤ أوليتني نعما ... أوهت قوى شكري، فقد ضعفا
# لا تحدثن إلي عارفة ... حتى أقوم بشكر ما سلفا «1»
### | ألفاظ تقع في كتب الأمان
# هذا كتاب من فلان لفلان: إن أمنتك على دمك ومالك ومواليك وأتباعك، لك
~~ولهم ذمة الله الموفى بها، وعهده المسكون إليه، ثم ذمة الأنبياء الذين
~~أرسلهم برسالته وأكرمهم بوحيه، ثم ذمم النجباء من خلائفه: بحقن دمك ومن دخل
~~اسمه معك في هذا الكتاب، وسلامة مالك وأموالهم وكذا وكذا؛ فاقبلوا معروضه،
~~واسكنوا إلى أمانه، وتعلقوا بحبل ذمته، فإنه ليس بعدما وكد من ذلك متوثق
~~لداخل في أمان إلا وقد اعتلقتم بأوثق عراه، ولجأتم إلى أحرز كهوفه،
~~والسلام.
### | وفي كتاب آخر
# هذا كتاب من فلان: إن أمير المؤمنين، لما جعل الله عليه نيته في إقالة
~~العاثر واستصلاح الفاسد، رأى أن يتلافاك بعفوه، ويتغمد زلاتك برحمه، ويبسط
~~لك الأمان على ما خرجت إليه من الخلاف والمعصية: على دمك وشعرك وبشرك وأهلك
~~وولدك ومالك وعقارك؛ فإن أنت أتيت وسمعت وأطعت، فأنت آمن بأمان الله على ما
~~أمنك عليه أمير المؤمنين، ولك بذلك
# PageV02P245
# ذمة الله وذمة رسوله، إلا ما كان من حق قائم بعينه لمسلم أو معاهد، والله
~~بذلك راع وكفيل، وكفى بالله وكيلا.
### | وفي كتاب آخر
# : إن فلانا استوهب أمير المؤمنين ذنبك، وسأله أن يقبل توبتك وإنابتك،
~~ويؤمنك على دمك وشعرك وبشرك وأهلك وولدك ومالك وعقاراتك، على أن تسمع وتطيع
~~وتشايع، وتوالي أولياءه، وتعادي أعداءه؛ فأجابه أمير المؤمنين إلى ذلك،
~~لرأيه في العفو والصفح وما يحتسب في ذلك من الثواب والأجر، فأنت آمن بأمان
~~الله على كذا لا تؤخذ بشيء مما سلف من أحداثك، ولا تتبع فيه بمكروه ما أقمت
~~على الوفاء ولم تحدث حدثا تفسخ به أمانك وتجعل به سبيلا على نفسك، والله لك
~~بذلك راع كفيل؛ وكفى به شهيدا.
### | ألفاظ تقع في كتب العهود
# أمره بتقوى الله فيما أسند إليه وجعله بسبيله، وأن يؤثر الله وطاعته آخذا
~~ومعطيا، وأعلمه أن الله سائله عما عمل به وجاز عليه، وأنه خارج من دنياه
~~خروجه من بطن أمه إما مغبوطا محمودا، وإما مذموما مسلوبا، فليعتبر بمن كان
~~قبله من الولاة الذين ولوا مثل ما ولي، أين صار بهم مر الليل والنهار، وما
~~انقلبوا به من أعمالهم إلى قبورهم! ويتزود لنفسه الزاد النافع الباقي: يوم
~~تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه
~~أمدا بعيدا
# «1» .
# PageV02P246
### | وفي فصل آخر
# : وقد ولاك أمير المؤمنين ما ولاك من أمور رعيته، وأشركك فيما أشركك فيه
~~من أمانته، ثقة بك، ورجاء لمتابعتك وإيثارك الحق وأهله، ورفضك الباطل
~~وأهله؛ وعهد إليك في ذلك بما إن أخذت به أعانك الله وسددك، وإن خالفته خذلك
~~وعاقبك.
### | وفي الحج
# : فإن أمير المؤمنين قد اختارك من إقامة الحج لوفد الله وزور بيته، للأمر
~~العظيم قدره، الشريف منزلته؛ فعليك بتقوى الله؛ وإيثار مراقبته، ولزوم
~~الهدى المحمود والطريقة المثلى والسيرة الجميلة التي تشبه حالك.
# فصل- فإن الله نزه الإسلام عن كل قبيحة، وأكرمه عن كل رذيلة، ورفعه عن كل
~~دنية، وشرفه بكل فضيلة، وجعل سيماء أهله الوقار والسكينة.
# فصل- وإن أحق الناس بالازدياد في طاعته ومناصحته وأداء الأمانة في عمله
~~من عظم حق الأمير عليه في الخاصة بفضل الصنيعة من الأمير عنده، مع حق الله
~~عليه في العامة بحق الولاية.
# فصل- وكنت سيفا من سيوف الله، ونكلا «1» من أنكاله لأهل الشقاق، وشجى لمن
~~ابتغى غير سبيل المؤمنين، قد أحكمتك التجارب وضرستك الأمور، وفررت عن
~~الذكاء وحلبت «2» الدهر أشطره.
# فصل- أنت ابن الحرية والمروة، ومن لا يلحقه عار أبوة ولا بنوة.
# PageV02P247
# فصل- قد التمست مواجهتك بشكرك ووصف ما أجن «1» لك وأخلص من ودك وأجل من
~~قدرك وأعتد من إحسانك، فلفتني عن ذلك تعذر الخلوة مع انقباض وحشمة.
# فصل- قد أغنى الله بكرمك عن ذريعة إليك؛ وما تنازعني نفسي إلى استعانة
~~عليك إلا أبى ذلك حسن الظن بالله فيك، وتأميل نجح الرغبة إليك دون الشفعاء
~~عندك.
# فصل- مثلك تقرب إلى الله بالتواضع لنعمته، والإغاثة لمستغيثه، والعائدة
~~«2» على راجيه بفضله.
# فصل- تبا لمن يأتي رأيك! وقبحا لعزوب «3» عقلك، وأفن «4» تدبيرك! ما أبعد
~~مذهبك في الخطأ، وأسوأ أثرك على السلطاه، وأقصر باعك عن النهوض! جزالة
~~تعقدك، ومهانة تضرعك، وزهو يعلوك، ونخوة يشمخ لها عرنينك. لقد انصرف رأي
~~أمير المؤمنين عنك، ودعوت له عتبك، وكشفت له عن قناع سترك، واجتررت إليك
~~سخطته وعطفت نحوك موجدته، وكنت على نصيبك منه والضن بمنزلتك عنده أولى
~~تقدما وأقرب رشدا. والله الغني الحميد.
# أصحاب السلطان ثلاثة: رجل يجعل الدنيا نصب عينه، ينصب فيها للخاصة
~~مكايده، ويرفع عن مصلحة العامة همته، يذهله عن التقوى الهوى، وتنسيه أيام
~~القدرة العثرة، حتى تنصرم مدته وتنقضي دولته، لم يرتهن بدنياه
# PageV02P248
# شكرا ولا قدم بها إلى معاده ذخرا. ورجل لا يحفل «1» مع صلاح الخاصة ما
~~دخل من الخلل في أمور العامة، ولا مع وفور حظه ما أدخل النقص في حظ رعيته.
# ورجل حاول في ولايته إرضاء من ولي له وعليه، وأعانته النية وخذلته
~~الكفاية.
# وقد جمع الله لك الثقة والرضا ممن فوقك، والانقياد والمحبة ممن دونك،
~~وأعاد إلى الناس بك عهد السلف الماضي وعمر بك آثارهم، حتى كأنهم بك أحياء
~~لم تخترمهم منية، وجميع لم تنصدع بينهم فرقة، فليهنئك أن من تقدمك من أهل
~~الفضل في السيرة غير متقدم لك، ومن معك مقصر عنك، ومن دونك مقتف لأثرك. فلا
~~زالت الأيام لك، ولا زالت النعم عنك، ولا انتقلت عرى الأمور وأزمتها عن
~~يدك.
# فصل- أبى طبع الزمان أن يسمح لنا بك، كما أبى ذلك في مثلك، فلم يزل حتى
~~اعترض بمكروهه دونك، وكم من نعمة ذهلت عنها النفس حين أدبرت بخيرك، فإن
~~تعلق القلب بك على قدرك في مواهب الله وقدرها عندك.
# فصل- ولم تأت في جميع ما عددت من أياديك شيئا، وإن كان متناهيا إلى
~~الغاية، مختارا كالأمنية، متجاوزا للاستحقاق، إلا وأنت فوقه والمأمول
~~للزيادة فيه.
### | وفي كتاب
# - إن كان ما خبرني به فلان عن هزل فقد أحوجنا هزلك إلى الجد، ووقفنا موقف
~~المعتذرين من غير ذنب، وإن كان عن حقيقة فقد ظهر لنا من ظلمك وتحريفك ما دل
~~على زهدك منا في مثل الذي رغبنا منك فيه.
### | فصل في كتاب العيد
# - كتابي إلى الأمير يوم كذا بعد خروجي فيه ومن قبلي من المسلمين إلى
~~المصلى وقضائنا ما أوجب الله علينا من صلاة العيد،
# PageV02P249
# ونحن بخير حال اجتمع عليها فريق من المسلمين في عيد من أعيادهم ومجمع من
~~مجامعهم؛ وكان مخرجنا إلى المصلى أفضل مخرج، ومنصرفنا عنه أفضل منصرف، بما
~~وهب الله من سكون العامة وهدوئها وألفتها، واحتشاد الجند والشاكرية «1»
~~بأحسن الزي والهيئة، وأظهر السلاح والعدة. فالحمد لله على كذا، وهنأ الله
~~الأمير كذا.
# فصل- القلب قرين وله حليف حيرة، أنظر بعين كليلة وأحضر بقلب غائب: إلى
~~ورود كتابك بما تعتزمه. فأما النوم فلو مثل لعيني لنفرت إلفا للسهاد.
### | فصل في كتاب بيعة
# - فبايعوا لأمير المؤمنين ولفلان بعده على اسم الله وبركته وصنع الله
~~وحسن قضائه لدينه وعباده، بيعة منبسطة لها أكفكم، منشرحة بها صدوركم، سليمة
~~فيها أهواؤكم، شاكرين لله على ما وفق له أمير المؤمنين.
# عدد معاوية على الأحنف ذنوبا؛ فقال الأحنف: يا أمير المؤمنين، لم ترد
~~الأمور على أعقابها؟ أما والله إن القلوب التي أبغضناك بها لبين جوانحنا،
~~وإن السيوف التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا؛ ولئن مددت لنا بشبر من غدر،
~~لنمدن إليك باعا من ختر «2» ، ولئن شئت لتستصفين كدر قلوبنا بصفو حلمك؛ قال
~~معاوية: إني أفعل.
# تقدم رجل إلى سوار، وكان سوار له مبغضا، فقال سوار في بعض ما يكلمه به:
~~يا ابن اللخناء «3» ! فقال: ذاك خصمي؛ فقال له الخصم: أعدني
# PageV02P250
# عليه «1» ، فقال له الرجل: خذ له بحقه وخذ لي بحقي؛ ففهم، وسأله أن يغفر
~~له ما فرط منه إليه، ففعل.
# الأوزاعي قال: دخل خريم بن فاتك على معاوية، فنظر إلى ساقيه فقال:
# أي ساقين، لو كانتا على جارية عاتق «2» ! فقال له خريم: في مثل عجيزتك يا
~~أمير المؤمنين.
### | الخطب
# تتبعت خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدت أوائل أكثرها: «الحمد لله
~~نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من
~~شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي
~~له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له» . ووجدت في بعضها: «أوصيكم،
~~عباد الله، بتقوى الله وأحثكم على طاعته» . ووجدت في خطبة له بعد حمد الله
~~والثناء عليه: أيها الناس، إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم
~~نهاية فانتهوا إلى نهايتكم؛ إن المؤمن بين مخافتين: بين أجل قد مضى لا يدري
~~ما الله صانع به، وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه؛ فليأخذ العبد
~~لنفسه من نفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الكبر، ومن الحياة قبل
~~الموت؛ والذي نفس محمد بيده ما بعد الموت مستعتب ولا بعد الدنيا دار إلا
~~الجنة أو النار، ووجدت كل خطبة مفتاحها الحمد إلا خطبة العيد فإن مفتاحها
~~التكبير.
# وتكبير الإمام قبل أن ينزل عن المنبر أربع عشرة تكبيرة.
# PageV02P251
### | خطبة «1» لأبي بكر الصديق رضي الله عنه
# حدثني أبو سهل قال: حدثني الطنافسي عن محمد بن فضيل قال: حدثنا عبد
~~الرحمن ابن إسحاق عن عبد الله القرشي عن عبد الله بن عكيم قال: خطبنا أبو
~~بكر رضي الله عنه فقال:
# أما بعد، فإني أوصيكم بتقوى الله وحده وأن تثنوا عليه بما هو أهله،
~~وتخلطوا الرغبة بالرهبة، والإلحاف بالمسألة؛ فإن الله أثنى على زكريا وأهل
~~بيته فقال: إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا
# «2» . ثم اعلموا أن الله قد ارتهن بحقه أنفسكم، وأخذ على ذلك مواثيقكم،
~~واشترى منكم القليل الفاني بالكثير الباقي. هذا كتاب الله فيكم لا تفنى
~~عجائبه ولا يطفأ نوره، فصدقوه وانتصحوه واستضيئوا منه ليوم الظلمة. ثم
~~اعلموا أنكم تغدون وتروحون في أجل قد غيب علمه عنكم، فإن استطعتم ألا ينقضي
~~إلا وأنتم في عمل لله فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله. فسابقوا في
~~مهل؛ فإن قوما جعلوا آجالهم لغيرهم ونسوا أنفسهم، فأنهاكم أن تكونوا
~~أمثالهم، والوحى الوحى «3» والنجاء النجاء! فإن من ورائكم طالبا حثيثا مره،
~~سريعا سيره.
# وفي غير هذه الرواية: أين من تعرفون من أبنائكم وإخوانكم! قد انتهت بهم
~~آجالهم فوردوا على ما قدموا فحلوا عليه وأقاموا للشقوة والسعادة فيما بعد
~~الموت. أين الجبارون الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحوائط! قد صاروا تحت
# PageV02P252
# الصخر والآكام.
### | خطبة «1» لأبي بكر أيضا رضي الله عنه
# رواها إبراهيم بن محمد من ولد أبي زيد القارىء.
# حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال:
# إن أشقى الناس في الدنيا والآخرة الملوك. فرفع الناس رؤوسهم؛ فقال: ما
~~لكم يا معشر الناس! إنكم لطعانون عجلون، إن الملك إذا ملك زهده الله فيما
~~في يده، ورغبه فيما في يدي غيره، وانتقصه شطر أجله، وأشرب قلبه الإشفاق،
~~فهو يحسد على القليل، ويتسخط الكثير، ويسأم الرخاء، وتنقطع عنه لذة البهاء
~~«2» ، لا يستعمل العبرة ولا يسكن إلى الثقة، فهو كالدرهم القسي «3» والسراب
~~الخادع، جذل الظاهر، حزين الباطن، فإذا وجبت نفسه ونضب عمره وضحا ظله «4» ،
~~حاسبه الله فأشد حسابه وأقل عفوه. ألا إن الفقراء هم المرحومون، وخير
~~الملوك من آمن بالله، وحكم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
# وإنكم اليوم على خلافة نبوة، ومفرق محجة، وسترون بعدي ملكا عضوضا، وأمة
~~شعاعا، ودما مفاحا «5» . فإن كانت للباطل نزوة، ولأهل الحق جولة؛ يعفو لها
~~الأثر، وتموت السنن، فالزموا المساجد، واستشيروا القرآن، والزموا الجماعة.
# وليكن الإبرام بعد التشاور، والصفقة بعد طول التناظر، أي بلادكم «6» خرسة
~~فإن
# PageV02P253
# الله سيفتح عليكم أقصاها كما فتح أدناها.
### | خطبة «1» أبي بكر رضي الله عنه يوم سقيفة بني ساعدة
# أراد عمر الكلام، فقال له أبو بكر: على رسلك. نحن المهاجرون أول الناس
~~إسلاما، وأوسطهم دارا، وأكرمهم أحسابا، وأحسنهم وجوها، وأكثر الناس ولادة
~~في العرب، وأمسهم رحما برسول الله صلى الله عليه وسلم، أسلمنا قبلكم،
~~وقدمنا في القرآن عليكم «2» ، فأنتم إخواننا في الدين، وشر كاؤنا في الفيء،
~~وأنصارنا على العدو؛ آويتم وواسيتم، فجزاكم الله خيرا؛ نحن الأمراء، وأنتم
~~الوزراء؛ لا تدين العرب إلا لهذا الحي من قريش، وأنتم محقوقون ألا تنفسوا
~~على إخوانكم من المهاجرين ما ساق الله إليهم.
### | خطبة «3» لأبي بكر رضي الله عنه
# الهيثم عن مجالد عن الشعبي قال: لما بويع أبو بكر الصديق رضي الله عنه،
~~صعد المنبر فنزل مرقاة «4» من مقعد النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله
~~وأثنى عليه، ثم قال:
# إني وليت أمركم ولست بخيركم، ولكنه نزل القرآن وسن رسول الله صلى الله
~~عليه وسلم.
# اعلموا أيها الناس أن أكيس الكيس التقى، وأن أحمق الحمق الفجور، وأن
~~أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وأضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق،
~~إنما أنا متبع ولست بمبتدع، فإن أحسنت فأعينوني، وإن زغت
# PageV02P254
# فقوموني. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
### | خطبة «1» لعمر بن الخطاب رضي الله عنه
# قال: ولما ولي عمر صعد المنبر وقال:
# ما كان الله ليراني أرى نفسي أهلا لمجلس أبي بكر، ثم نزل عن مجلسه مرقاة،
~~فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إقرءوا القرآن تعرفوا به، واعملوا به تكونوا
~~من أهله. إنه لم يبلغ حق ذي حق أن يطاع في معصية الله. ألا وإني أنزلت نفسي
~~من مال الله بمنزلة والي اليتيم: إن استغنيت عففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف
~~تقرم البهمة الأعرابية. القضم لا الخصم «2» .
### | خطبة «3» لعثمان بن عفان رضي الله عنه
# قال: ولما ولي عثمان صعد المنبر فقال:
# رحمهما الله، لو جلسا هذا المجلس ما كان بذلك من بأس، فجلس على ذروة
~~المنبر فرماه الناس بأبصارهم، فقال: إن أول مركب صعب، وإن مع اليوم أياما،
~~وما كنا خطباء، وإن نعش لكم تأتكم الخطبة على وجهها إن شاء الله تعالى.
# PageV02P255
### | خطبة «1» لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه
# خطب فقال:
# أما بعد، فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت «2» بوداع، وإن الآخرة قد أقبلت
~~فأشرفت باطلاع، وإن المضمار «3» اليوم وغدا السباق. ألا وإنكم في أيام أمل
~~«4» من ورائه أجل، فمن قصر في أيام أمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله. ألا
~~فاعملوا لله في الرغبة كما تعملون له في الرهبة «5» . ألا وإني لم أر
~~كالجنة نام طالبها، ولا كالنار نام هاربها. ألا وإنه من لم ينفعه الحق ضره
~~الباطل «6» ، ومن لم يستقم به الهدى جار به الضلال، ألا وإنكم قد أمرتم
~~بالظعن «7» ، ودللتم على الزاد «8» ؛ وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى
~~وطول الأمل.
### | خطبة «9» علي عليه السلام بعد مقتل عثمان رضي الله عنه
# أيها الناس، كتاب الله وسنة نبيكم. لا يدعي مدع إلا على نفسه. شغل
# PageV02P256
# من الجنة والنار أمامه «1» ساع «2» نجا، وطالب يرجو، ومقصر في النار:
~~ثلاثة؛ واثنان: ملك طار بجناحيه، وبني أخذ الله بيديه، لا سادس. هلك من
~~اقتحم، وردي من هوى. اليمين والشمال مضلة، والوسطى الجادة «3» : منهج عليه
~~باقي الكتاب وآثار النبوة. إن الله أدب هذه الأمة بأدبين: السوط والسيف؛
~~فلا هوادة فيهما عند الإمام. فاستتروا ببيوتكم، وأصلحوا ذات بينكم؛ والتوبة
~~من ورائكم.
# من أبدى صفحته للحق هلك «4» . قد كانت أمور ملتم علي فيها ميلة لم تكونوا
~~عندي محمودين ولا مصيبين. والله أن لو أشاء أن أقول لقلت. عفا الله عما
~~سلف. أنظروا، فإن أنكرتم فأنكروا، وإن عرفتم فارووا. حق وباطل، ولكل أهل.
~~والله لئن أمر الباطل لقديما فعل؛ ولئن أمر «5» الحق لرب ولعل. ما أدبر شيء
~~فأقبل.
### | خطبة «6» أيضا لعلي رضي الله عنه
# خطب علي حين قتل عامله بالأنبار فقال في خطبته:
# PageV02P257
# يا عجبا من جد هؤلاء في باطلهم وفشلكم عن حقكم! فقبحا لكم وترحا «1» حين
~~صرتم غرضا يرمى، يغار عليكم ولا تغيرون، وتغزون ولا تغزون، ويعصى الله
~~وترضون. إن أمرتكم بالمسير إليهم في الحر قلتم: حمارة «2» القيظ، أمهلنا
~~حتى ينسلخ الحر، وإن أمرتكم بالمسير إليهم في الشتاء قلتم:
# أمهلنا حتى ينسلخ الشتاء هذا أوان قر «3» ؛ كل هذا فرارا من الحر والقر،
~~فأنتم والله من السيف أفر، يا أشباه الرجال ولا رجال! أحلام الأطفال وعقول
~~ربات الحجال «4» ؛ أفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان، حتى قالت قريش: ابن
~~أبي طالب شجاع ولكن لا علم له بالحرب. لله أبوهم! هل منهم أحد أشد لها
~~مراسا «5» وأطول تجربة مني؟ لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين فهأنا الآن قد
~~نيفت على الستين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع.
# PageV02P258
### | خطبة «1» لمعاوية رحمه الله
# بلغني عن شعيب بن صفوان قال: خطب معاوية فقال:
# أيها الناس، إنا قد أصبحنا في دهر عنود، وزمن شديد، يعد فيه المحسن
~~مسيئا، ويزداد الظالم فيه عتوا، لا ننتفع بما علمنا، ولا نسأل عما جهلنا،
~~ولا نتخوف قارعة حتى تحل بنا. فالناس أربعة أصناف: منهم من لا يمنعه من
~~الفساد في الأرض إلا مهانة نفسه وكلال حده ونضيض وفره «2» ؛ ومنهم المصلت
~~لسيفه والمجلب بخيله ورجله والمعلن بشره، قد أشرط «3» نفسه وأوبق دينه
~~لحطام ينتهزه أو مقنب «4» يقوده أو منبر يفرعه «5» ، ولبئس المتجران تراهما
~~لنفسك ثمنا ومما عند الله عوضا. ومنهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة ولا يطلب
~~الآخرة بعمل الدنيا قد طامن «6» من شخصه وقارب من خطوه، وشمر من ثوبه،
~~وزخرف نفسه للأمانة، واتخذ ستر الله ذريعة إلى المعصية. ومنهم من أقعده عن
~~طلب الملك ضؤولة «7» في نفسه وانقطاع من سببه، فقصر به الحال عن أمله،
~~فتحلى باسم القناعة وتزين بلباس الزهاد، وليس من ذلك في مراح ولا مغدى.
~~وبقي رجال غض أبصارهم ذكر المرجع، وأراق دموعهم خوف المحشر فهم بين شريد
# PageV02P259
# ناد «1» ، وخائف منقمع «2» ، وساكت مكعوم «3» ، وداع مخلص، وموجع ثكلان،
~~قد أخملتهم التقية، وشملتهم الذلة، فهم في بحر أجاج «4» ، أفواههم ضامرة،
~~وقلوبهم قرحة، قد وعظوا حتى ملوا، وقهروا حتى ذلوا، وقتلوا حتى قلوا.
# فلتكن الدنيا في أعينكم أصغر من حثالة القرظ وقراضة «5» الجلم، واتعظوا
~~بمن كان قبلكم قبل أن يتعظ بكم من بعدكم، وارفضوها ذميمة، فإنها قد رفضت من
~~كان أشغف بها منكم.
### | خطبة «6» ليزيد بن معاوية بعد موت معاوية
# خطب فقال: إن معاوية كان حبلا من حبال الله، مده ما شاء أن يمده، ثم قطعه
~~حين شاء أن يقطعه؛ وكان دون من قبله وهو خير ممن بعده، ولا أزكيه عند ربه،
~~وقد صار إليه فإن يعف عنه فبرحمته، وإن يعاقبه فبذنبه، وقد وليت الأمر
~~بعده، ولست أعتذر من جهل ولا أشتغل بطلب علم. وعلى رسلكم «7» ! إذا كره
~~الله أمرا غيره.
# PageV02P260
### | خطبة لعتبة بن أبي سفيان
# أبو حاتم عن العتبي قال: إحتبست كتب معاوية حتى أرجف «1» أهل مصر بموته
~~ثم ورد كتابه بسلامته، فصعد عتبة المنبر والكتاب في يده فقال:
# يا أهل مصر، قال طالت معاتبتنا إياكم بأطراف الرماح وظبات السيوف حتى
~~صرنا شجي في لهواتكم «2» ما تسيغنا حلوقكم، وأقذاء في أعينكم ما تطرف عليها
~~جفونكم. فحين اشتدت عرى الحق عليكم عقدا، واسترخت عقد الباطل منكم حلا،
~~أرجفتم بالخليفة وأردتم توهين السلطان، وخضتم الحق إلى الباطل، وأقدم عهدكم
~~به حديث! فاربحوا أنفسكم إذا خسرتم دينكم، فهذا كتاب أمير المؤمنين بالخبر
~~السار عنه والعهد القريب منه. واعلموا أن سلطاننا على أبدانكم دون قلوبكم؛
~~فأصلحوا لنا ما ظهر، نكلكم إلى الله فيما بطن؛ وأظهروا خيرا وإن أسررتم
~~شرا؛ فإنكم حاصدون ما أنتم زارعون. وعلى الله نتوكل وبه نستعين.
### | خطبة «3» لعتبة أيضا
# وبهذا الإسناد أن عتبة خطب أهل مصر حين هاجوا فقال.
# يا أهل مصر، خف على ألسنتكم مدح الحق ولا تفعلونه، وذم الباطل وأنتم
~~تأتونه، كالحمار يحمل أسفارا أثقله حملها ولم ينفعه علمها. وإني والله لا
# PageV02P261
# أداوي أدواءكم بالسيف ما اكتفيت بالسوط، ولا أبلغ السوط ما كفتني الدرة
~~«1» ، ولا أبطىء عن الأولى إن لم تصلحوا عن الأخرى، ناجزا يناجز، ومن حذر
~~كمن بشر فدعوا قال ويقول من قبل أن يقال فعل ويفعل؛ فإن هذا اليوم ليس فيه
~~عقاب، ولا بعده عتاب.
### | خطبة «2» لعبد الله بن الزبير
# خطب عبد الله بن الزبير حين قتل أخوه مصعب «3» فقال:
# الحمد لله الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء. إنه لن يذل من كان الحق معه
~~وإن كان فردا، ولن يعز من كان أولياء الشيطان حزبه وإن كان معه الأنام.
# أتانا خبر من قبل العراق أجزعنا وأفرحنا: قتل مصعب رحمه الله. فأما الذي
~~أحزننا من ذلك فإن لفراق الحميم لذعة يجدها حميمه عند المصيبة به ثم يرعوي
~~بعدها ذوو الرأي إلى جميل الصبر وكريم العزاء. وأما الذي أفرحنا من ذلك
~~فعلمنا أن قتله شهادة، وأن ذلك لنا وله الخيرة. ألا إن أهل العراق أهل
~~الشقاق والنفاق باعوه بأقل ثمن كانوا يأخذونه به. إنا والله ما نموت حبجا
~~«4» ولا نموت إلا قتلا، قعصا «5» بالرماح تحت ظلال السيوف، ليس كما تموت
~~بنو مروان؛
# PageV02P262
# والله إن قتل رجل منهم في جاهلية ولا إسلام. ألا إنما الدنيا عارية من
~~الملك الأعلى الذي لا يبيد ذكره ولا يذل سلطانه فإن تقبل علي لا آخذها أخذ
~~البطر الأشر، وإن تدبر عني لا أبك عليها بكاء الخرف المهتر «1» . ثم نزل.
### | خطبة زياد البتراء
# «2»
# حدثني عبد الرحمن عن الأصمعي عن أبي بكر بن أبي عاصم ببعضها، وحدثني أبي
~~عن الهيثم بن عدي، قال: لما قدم زياد أميرا على البصرة فنظر إلى أبياتها،
~~قال: رب فرح بإمارتي لن تنفعه، وكاره لها لن تضره؛ فدخل وعليه قباء أبيض
~~ورداء صغير، فصعد المنبر، فخطب الناس خطبة بتراء: لم يصل فيها على النبي
~~صلى الله عليه وسلم، وكان أول من خطبها، ثم قال:
# أما بعد، فقد قال معاوية ما قد علمتم، وشهدت الشهود بما قد سمعتم، وإنما
~~كنت امرأ حفظ الله منه ما ضيع الناس، ووصل ما قطعوا. ألا وإنا قد ولينا
~~وولينا الوالون، وسسنا وساسنا السائسون، وإنا وجدنا هذا الأمر لا يصلحه إلا
~~شدة في غير عنف، ولين في غير ضعف. وايم «3» الله ما من كذبة أكبر شاهدا من
~~كذبة إمام على منبر؛ فإذا سمعتموها مني فاغتمزوها في، واعلموا أن عندي
~~أمثالها، وإذا رأيتموني آمر فيكم بالأمر فأنفذوه على أذلاله «4» . وايم
~~الله إن لي
# PageV02P263
# فيكم لصرعى كثيرة، فليحذر كل امرىء منكم أن يكون من صرعاي. وايم الله
~~لآخذن البريء بالسقيم، والمطيع بالعاصي، والمقبل بالمدبر، حتى تستقيم لي
~~قناتكم، وحتى يقول القائل: انج سعد، فقد قتل سعيد «1» . فقام إليه عبد الله
~~بن الأهتم التميمي، فقال: أيها الأمير، أشهد أنك أوتيت الحكمة وفصل الخطاب؛
~~فقال له: كذبت، ذاك نبي الله داود. ثم قام إليه الأحنف، فقال: إنما المرء
~~بجده، والسيف بحده، والجواد بشده؛ وقد بلغك جدك أيها الأمير ما ترى؛ وإنما
~~الحمد بعد البلاء، والثناء بعد العطاء، وإنا لا نثني حتى نبتلي. ثم قام
~~إليه مرداس بن أدية، فقال: قد سمعنا مقالتك أيها الأمير، وإن خليل الله
~~إبراهيم عليه السلام أدى عن الله غير الذي أديته، قال الله تعالى: ألا تزر
~~وازرة وزر أخرى
# «2» ؛ وأنت تزعم أنك تأخذ البريء بالسقيم، والمطيع بالعاصي، والمقبل
~~بالمدبر؛ فقال له: أسكت، فوالله ما أجد إلى ما أريد سبيلا، إلا أن أخوض
~~إليه الباطل خوضا. ثم نزل.
### | وقال في خطبة له أخرى
# «3»
# : حرام علي الطعام والشراب حتى أسويها بالأرض هدما وإحراقا. إياي
# PageV02P264
# ودلج الليل، فإني لا أوتى بمدلج إلا سفكت دمه، وإياي ودعوى الجاهلية،
~~فإني لا أجد أحدا دعا بها إلا قطعت لسانه. وقد أحدثتم أحداثا، وأحدثنا لكل
~~ذنب عقوبة؛ فمن غرق قوما غرقته، ومن أحرق قوما أحرقته، ومن نقب بيتا نقبت
~~عن قلبه، ومن نبش قبرا دفنته فيه حيا؛ فكفوا أيديكم وألسنتكم أكف عنكم.
# وقد كانت بيني وبين أقوام منكم أشياء قد جعلتها دبر أذني وتحت قدمي، فمن
~~كان محسنا فليزدد، ومن كان مسيئا فلينزع. إني لو علمت أن أحدكم قد قتله
~~السل من بغضي لم أكشف له قناعا ولم أهتك له سترا، حتى يبدي لي صفحته، فإذا
~~فعل ذلك لم أناظره؛ فأعينوا على أنفسكم واتنفوا أمركم.
### | خطبة «1» للحجاج حين دخل البصرة
# دخل وهو متقلد سيفا متنكب قوسا عربية، فعلا المنبر فقال: [وافر]
# أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني «2»
# إن أمير المؤمنين نكب «3» عيدانه بين يديه، فوجدني أمرها عودا وأصلبها
# PageV02P265
# مكسرا، فوجهني إليكم. ألا فوالله لأعصبنكم «1» عصب السلمة، ولألحونكم «2»
~~لحو العود ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل «3» ، حتى تستقيم لي قناتكم، وحتى
~~يقول القائل: انج، سعد، فقد قتل سعيد «4» . ألا وإياي وهذه الشفعاء «5»
~~والزرافات، فإني أوتى بأحد من الجالسين في زرافة إلا ضربت عنقه. هكذا
~~حدثنيه أحمد بن سعيد عن أبي عبيد في كتاب غريب الحديث. وقال لي غيره:
# هو إياي وهذه الشفعاء والزرافات. وقد فسرت الحديث في كتابي المؤلف في
~~غريب الحديث.
### | خطبة «6» للحجاج أيضا
# أرجف الناس بموت الحجاج، فخطب فقال:
# إن طائفة من أهل العراق، أهل الشقاق والنفاق، نزغ الشيطان بينهم، فقالوا:
~~مات الحجاج ومات الحجاج! فمه! وهل يرجو الحجاج الخير إلا بعد الموت! والله
~~ما يسرني ألا أموت وأن لي الدنيا وما فيها! وما رأيت الله رضي بالتخليد إلا
~~لأهون خلقه عليه إبليس. ولقد دعا الله العبد الصالح فقال: رب اغفر لي وهب
~~لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي
# «7» ، فأعطاه ذلك إلا البقاء.
# PageV02P266
# فما عسى أن يكون أيها الرجل! وكلكم ذلك الرجل!. كأني والله بكل حي منكم
~~ميتا، وبكل رطب يابسا، ونقل في ثياب أكفانه إلى ثلاث أذرع طولا في ذراع
~~عرضا، وأكلت الأرض لحمه ومصت صديده، وانصرف الحبيب من ولده يقسم الخبيث من
~~ماله؛ إن الذين يعقلون يعلمون ما أقول، ثم نزل.
### | خطبة «1» أخرى للحجاج حين أراد الحج
# خطب فقال: أيها الناس إني أريد الحج، وقد استخلفت عليكم ابني هذا «2» ،
~~وأوصيته بخلاف ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأنصار؛ إن
~~رسول الله أوصى أن يقبل من محسنهم، وأن يتجاوز عن مسيئهم؛ وإني أمرته ألا
~~يقبل من محسنكم ولا يتجاوز عن مسيئكم. ألا وإنكم ستقولون بعدي مقالة لا
~~يمنعكم من إظهارها إلا مخافتي، ستقولون بعدي: لا أحسن الله له الصحابة! ألا
~~وإني معجل لكم الجواب: لا أحسن الله لكم الخلافة، ثم نزل.
### | خطبة «3» للحجاج أيضا
# خطب فقال في خطبته: سوطي سيفي، فنجاده «4» في عنقي، وقائمه في يدي،
~~وذبابه قلادة لمن اغتر بي! فقال الحسن: بؤسا لهذا! ما أغره بالله!.
# وحلف رجل بالطلاق أن الحجاج في النار، ثم أتى امرأته فمنعته نفسها؛ فأتى
~~ابن سيرين «5» يستفتيه؛ فقال: يا ابن أخي، امض فكن مع أهلك، فإن
# PageV02P267
# الحجاج إن لم يكن في النار لم يضرك أن تزني.
### | خطبة «1» لعمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه:
# حدثني أبو سهل عن إسحاق بن سليمان عن شعيب بن صفوان عن رجل من آل سعيد بن
~~العاص، قال:
# كان آخر «2» خطبة خطب بها عمر بن عبد العزيز رحمه الله أن حمد الله وأثنى
~~عليه، ثم قال: أما بعد، فإنكم لم تخلقوا عبثا، ولن تتركوا سدى، وإن لكم
~~معادا ينزل الله فيه للحكم فيكم والفصل بينكم، فخاب وخسر من خرج من رحمة
~~الله وحرم جنة عرضها السموات والأرض. ألم تعلموا أنه لا يأمن غدا إلا من
~~حذر اليوم وخاف، وباع نافدا بباق، وقليلا بكثير، وخوفا بأمان؟ ألا ترون
~~أنكم في أسلاب الهالكين، وستكون من بعدكم للباقين كذلك، حتى ترد إلى خير
~~الوارثين؟ ثم إنكم في كل يوم تشيعون غاديا ورائحا إلى الله قد قضى نحبه،
~~حتى تغيبوه في صدع من الأرض في بطن صدع غير موسد ولا ممهد، قد فارق الأحباب
~~وباشر التراب وواجه الحساب، فهو مرتهن بعمله، غني عما ترك فقير إلى ما قدم.
~~فاتقوا الله قبل انقضاء مواقيته ونزول الموت بكم! أما إني أقول هذا وما
~~أعلم أن عند أحد من الذنوب أكثر مما عندي، فأستغفر الله وأتوب إليه.
# ثم رفع طرف ردائه على وجهه فبكى وأبكى من حوله.
### | خطبة لخالد بن عبد الله يوم عيد
# خطب فذكر الله وجلاله ثم قال: كنت كذلك ما شئت أن تكون، لا يعلم
# PageV02P268
# كيف أنت إلا أنت، ثم ارتأيت أن تخلق الخلق، فماذا جئت به من عجائب صنعك،
~~والكبير والصغير من خلقك، والظاهر والباطن من ذرك: من صنوف أفواجه وأفراده
~~وأزواجه؟ كيف أدمجت قوائم الذرة والبعوضة إلى ما هو أعظم من ذلك من الأشباح
~~التي امتزجت بالأرواح؟.
# وخطب «1» يوما فسقطت جرادة على ثوبه فقال: سبحان من الجرادة من خلقه،
~~أدمج قوائمها، وطوقها «2» جناحها، ووشى جلدها، وسلطها على ما هو أعظم منها.
### | خطبة للحجاج
# خطب فقال: أيها الناس، احفظوا فروجكم، وخذوا الأنفس بضميرها، فإنها أسوك
~~«3» شيء إذا أعطيت، وأعصى شيء إذا سئلت. وإني رأيت الصبر عن محارم الله
~~أيسر من الصبر على عذاب الله.
### | خطبة «4» سليمان بن عبد الملك
# خطب فقال: إن الدار دار غرور ومنزل باطل، تضحك باكيا وتبكي ضاحكا، وتخيف
~~آمنا وتؤمن خائفا، وتفقر مثريا وتثري مقترا، ميالة غرارة لعابة بأهلها.
~~عباد الله، اتخذوا كتاب الله إماما، وارتضوا به حكما، واجعلوه لكم قائدا،
~~فإنه ناسخ لما كان قبله ولم ينسخه كتاب بعده. اعلموا، عباد الله، أن هذا
~~القرآن يجلو كيد الشيطان كما يجلو ضوء الصبح إذا تنفس ظلام الليل إذا عسعس
~~«5» .
# PageV02P269
### | خطبة «1» يزيد بن الوليد بعد قتله الوليد
# حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، والله ما خرجت أشرا ولا بطرا
~~«2» ولا حرصا على الدنيا ولا رغبة في الملك، وما بي إطراء نفسي، وإني لظلوم
~~لها إن لم يرحمني الله، ولكن خرجت غضبا لله ودينه، داعيا إلى الله وإلى سنة
~~نبيه، لما هدمت معالم الهدى، وأطفىء نور أهل التقوى، وظهر الجبار «3»
~~العنيد، المستحل لكل حرمة، والراكب لكل بدعة، الكافر بيوم الحساب، وإنه
~~لابن عمي في النسب وكفيئي «4» في الحسب؛ فلما رأيت ذلك استخرت الله في أمره
~~وسألته ألا يكلني إلى نفسي، ودعوت إلى ذلك من أجابني من أهل ولايتي، حتى
~~أراح الله منه العباد، وطهر منه البلاد، بحوله وقوته لا بحولي وقوتي.
# أيها الناس، إن لكم علي ألا أضع حجرا على حجر، ولا لبنة على لبنة، ولا
~~أكري «5» نهرا، ولا أكنز مالا، ولا أعطيه زوجا ولا ولدا، ولا أنقله من بلد
~~إلى بلد حتى أسد فقر ذلك البلد وخصاصة «6» أهله، فإن فضل فضل نقلته إلى
~~البلد الذي يليه. ولا أجمركم «7» في بعوثكم فأفتنكم وأفتن أهليكم، ولا أغلق
~~بابي دونكم فيأكل قويكم ضعيفكم، ولا أحمل على أهل جزيتكم ما أجليهم به عن
# PageV02P270
# بلادهم وأقطع به نسلهم. ولكم علي إدرار العطاء في كل سنة والرزق في كل
~~شهر، حتى يستوي بكم الحال فيكون أفضلكم كأدناكم. فإن أنا وفيت لكم فعليكم
~~السمع والطاعة وحسن المؤازرة والمكانفة «1» ، وإن لم أف لكم فلكم أن
~~تخلعوني إلا أن تستتيبوني، فإن أنا تبت قبلتم مني، وإن عرفتم أحدا يقوم
~~مقامي ممن يعرف بالصلاح يعطيكم من نفسه مثل الذي أعطيتكم فأردتم أن
~~تبايعوه، فأنا أول من بايعه ودخل في طاعته.
# أيها الناس، إنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وأقول قولي هذا وأستغفر
~~الله العظيم لي ولكم.
# فلما بويع مروان نبشه وصلبه. وكانوا يقرؤون في الكتب: يا مبذر الكنوز ويا
~~سجادا بالأسحار، كانت ولايتك لهم رحمة وعليهم حجة، أخذوك فصلبوك.
### | خطبة «2» أبي حمزة الخارجي
# خطب أبو حمزة الخارجي بمكة فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أبا
~~بكر وعمر رضي الله عنهما بما هم أهله، ثم قال: وولي عثمان فسار ست سنين
~~بسيرة صاحبيه وكان دونهما، ثم سار في الست الأواخر بما أحبط به الأوائل، ثم
~~مضى لسبيله. وولي علي فلم يبلغ من الحق قصدا ولم يرفع له منارا، ثم مضى
~~لسبيله، ثم ولي معاوية لعين رسول الله وابن لعينه، اتخذ عباد الله خولا «3»
~~، ومال الله دولا، ودينه دغلا، ثم مضى لسبيله، فالعنوه لعنه الله. ثم ولي
~~يزيد بن معاوية، يزيد الخمور، ويزيد القرود، ويزيد الفهود، الفاسق في بطنه
~~والمأبون
# PageV02P271
# في فرجه. ثم اقتصهم خليفة خليفة. فلما انتهى إلى عمر بن عبد العزيز أعرض
~~عن ذكره. ثم ذكر يزيد بن عبد الملك فقال: يأكل الحرام، ويلبس الحلة بألف
~~دينار، قد ضربت فيها الأبشار، وهتكت الأستار، حبابة عن يمينه وسلامة «1» عن
~~يساره تغنيانه، حتى إذا أخذ الشراب فيه كل مأخذ قد ثوبه ثم التفت إلى
~~إحداهما فقال: ألا أطير؟ نعم! طر إلى النار. ثم ذكر أصحابه فقال: شباب
~~والله مكتهلون في شبابهم، غضيضة عن الشر أعينهم، ثقيلة عن الباطل أرجلهم،
~~أنضاء عبادة، وأطلاح سهر «2» ، ينظر الله إليهم في جوف الليل منحنية
~~أصلابهم على أجزاء القرآن، قد أكلت الأرض ركبهم وأيديهم وجباههم، واستقلوا
~~ذلك في جنب الله، حتى إذا رأوا السهام قد فوقت «3» ، والرماح قد أشرعت،
~~والسيوف قد انتضيت، وأرعدت الكتيبة بصواعق الموت، مضى الشاب منهم قدما، حتى
~~اختلفت رجلاه على عنق فرسه، وتخضبت محاسن وجهه بالدماء، فأسرعت إليه سباع
~~الأرض وانحطت إليه طير السماء، فكم من عين في منقار طائر طالما بكى صاحبها
~~في جوف الليل من خوف الله! وكم من كف زايلت معصمها طالما اعتمد عليها
~~صاحبها في جوف الليل بالسجود لله! ثم قال: أوه أوه «4» وبكى ثم نزل.
### | خطبة «5» لقطري الخارجي
# ذكر فيها الذين قالوا: من أشد منا قوة، فقال: حملوا إلى قبورهم فلا
# PageV02P272
# يدعون ركبانا، وأنزلوا «1» فلا يدعون ضيفانا، وجعلوا لهم من الضريح
~~أجنانا «2» ، ومن التراب أكفانا، ومن الرفات جيرانا؛ فهم جيرة لا يجيبون
~~داعيا ولا يمنعون ضيما، إن أخصبوا لم يفرحوا، أو أقحطوا لم يقنطوا؛ جميع
~~أوحاد، وجيرة أبعاد، لا يزورون ولا يزارون «3» . فاحذروا ما حذركم الله،
~~وانتفعوا بمواعظه واعتصموا بحبله.
### | وفي خطبة «4» ليوسف بن عمر
# : اتقوا الله عباد الله! فكم من مؤمل أملا لا يبلغه، وجامع مالا لا
~~يأكله، ومانع ما سوف يتركه، ولعله من باطل جمعه، ومن حق منعه، أصابه حراما
~~ورثه عدوا، إحتمل إصره «5» وباء بوزره، وورد على ربه آسفا لاهفا، قد خسر
~~الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين.
### | وفي خطبة «6» للحجاج
# : قال مالك بن دينار: سمعته على المنبر يقول: امرأ «7» زور عمله، امرأ
~~حاسب نفسه، امرأ فكر فيما يقرؤه في صحيفته ويراه في ميزانه، وامرأ كان عند
# PageV02P273
# هواه زاجرا، وعند همه آمرا، أخذ بعنان قلبه كما يأخذ بخطام «1» جمله، فإن
~~قاده إلى طاعة الله تبعه، وإن قاده إلى معصية الله كفه.
### | خطبة للمنصور
# «2»
# خطب المنصور بمكة فقال: أيها الناس، إنما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم
~~بتوفيقه وتسديده وتأييده وتبصيره، وخازنه على فيئه أعمل فيه بمشيئته،
~~وأقسمه بإرادته، وأعطيه بإذنه، قد جعلني عليه قفلا إذا شاء أن يفتحني
~~لإعطائكم وقسم أرزاقكم فتحني، وإذا شاء أن يقفلني عليها أقفلني. فارغبوا
~~إلى الله واسألوه في هذا اليوم الشريف الذي وهب لكم فيه من فضله ما أعلمكم
~~في كتابه، إذ يقول: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم
~~الإسلام دينا
# «3» أن يوفقني للصواب والرشاد، ويلهمني الرأفة بكم والإحسان إليكم،
~~ويفتحني لإعطائكم وقسم أرزاقكم بالعدل عليكم.
### | خطبة لداود بن علي
# خطب فقال: أحرز لسان رأسه، اتعظ امرؤ بغيره، اعتبر عاقل قبل أن يعتبر به،
~~فأمسك الفضل من قوله وقدم الفضل من عمله: ثم أخذ بقائم سيفه فقال: إن بكم
~~داء هذا دواؤه، وأنا زعيم لكم بشفائه، وما بعد الوعيد إلا الإيقاع.
# PageV02P274
### | خطبة لداود بن علي أيضا
# لما قام أبو العباس في أول خلافته على المنبر قام بوجه كورقة المصحف
~~فاستحيا فلم يتكلم؛ فنهض داود بن علي حتى صعد المنبر، فقال المنصور: فقلت
~~في شيخنا وكبيرنا ويدعو إلى نفسه فلا يختلف عليه اثنان، فانتضيت سيفي وغطيت
~~ثوبي وقلت: إن فعل ناجزته؛ فلما رقي عتبا استقبل الناس بوجهه دون أبي
~~العباس، ثم قال: أيها الناس، إن أمير المؤمنين يكره أن يتقدم قوله فعله،
~~ولأثر الفعال عليكم أجدى من تشقيق «1» المقال، وحسبكم بكتاب الله ممتثلا
~~فيكم، وابن عم رسول الله خليفة عليكم. والله قسما برا لا أريد إلا الله به
~~ما قام هذا المقام أحد بعد رسول الله أحق به من علي بن أبي طالب وأمير
~~المؤمنين هذا، فليظن ظانكم وليهمس هامسكم. قال أبو جعفر:
# ثم نزل وشمت «2» سيفي.
### | خطبة «3» لأعرابي
# أما بعد، فإن الدنيا دار بلاء والآخرة دار بقاء، فخذوا أيها الناس لمقركم
~~من ممركم، ولا تهتكوا أستاركم عند من لا يخفى عليه أسراركم، ففي الدنيا
~~أحييتم ولغيرها خلقتم. أقول قولي هذا. والمستغفر الله، والمدعو له الخليفة
~~ثم الأمير جعفر بن سليمان.
# PageV02P275
### | خطبة «1» المأمون يوم الجمعة
# الحمد لله مستخلص الحمد لنفسه، ومستوجبه على خلقه، أحمده وأستعينه وأومن
~~به وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا
~~عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره
~~المشركون. أوصيكم عباد الله بتقوى الله وحده، والعمل لما عنده، والتنجز
~~لوعده، والخوف لوعيده؛ فإنه لا يسلم إلا من اتقاه ورجاه، وعمل له وأرضاه.
~~فاتقوا الله عباد الله وبادروا آجالكم بأعمالكم، وابتاعوا ما يبقى بما يزول
~~عنكم، وترحلوا «2» فقد جد بكم «3» ، واستعدوا للموت فقد أظلكم، وكونوا قوما
~~صيح بهم فانتبهوا، وعلموا أن الدنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا؛ فإن الله لم
~~يخلقكم عبثا ولم يترككم سدى؛ ما بين أحدكم وبين الجنة والنار إلا الموت أن
~~ينزل به. وإن غاية تنقصها اللحظة وتهدمها الساعة الواحدة لجديرة بقصر
~~المدة، وإن غائبا يحدوه الجديدان الليل والنهار لحري «4» بسرعة الأوبة، وإن
~~قادما يحل بالفوز أو بالشقوة لمستحق لأفضل العدة، فاتقى عبد ربه، ونصح
~~نفسه، وقدم توبته، وغلب شهوته، فإن أجله مستور عنه، وأمله خادع له،
~~والشيطان موكل به: يزين له المعصية ليركبها، ويمنيه التوبة ليسوفها، حتى
~~تهجم عليه منيته أغفل ما يكون عنها. فيا لها حسرة على ذي غفلة: أن يكون
~~عمره عليه حجة، أو تؤديه أيامه «5» إلى شقوة! نسأل الله أن
# PageV02P276
# يجعلنا وإياكم ممن لا تبطره نعمة، ولا تقصر به عن طاعته غفله، ولا تحل به
~~بعد الموت فزعة؛ إنه سميع الدعاء، وبيده الخير، وإنه فعال لما يريد.
### | وفي خطبة «1» المأمون يوم الأضحى بعد التكبير الأول:
# إن يومكم هذا يوم أبان الله فضله، وأوجب تشريفه، وعظم حرمته، ووفق له من
~~خلقه صفوته، وابتلى فيه خليله، وفدى فيه من الذبح نبيه، وجعله خاتم الأيام
~~المعلومات من العشر، ومتقدم الأيام المعدودات من النفر «2» ؛ يوم حرام من
~~أيام عظام، في شهر حرام، يوم الحج الأكبر، يوم دعا الله إلى مشهده، ونزل
~~القرآن بتعظيمه، قال الله جل وعز: وأذن في الناس بالحج
# «3» الآيات؛ فتقربوا إلى الله في هذا اليوم بذبائحكم، وعظموا شعائر الله
~~واجعلوها من طيب أموالكم وبصحة التقوى من قلوبكم، فإنه يقول: لن ينال الله
~~لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم
# «4» ، ثم التكبير والتحميد والصلاة على النبي والوصية بالتقوى، ثم قال
~~بعد ذكر الجنة والنار: عظم قدر الدارين وارتفع جزاء العملين «5» وطالت مدة
~~الفريقين. الله الله! فوالله إنه الجد لا اللعب، وإنه الحق لا الكذب، وما
~~هو إلا الموت والبعث والميزان والحساب والقصاص والصراط ثم العقاب والثواب،
~~فمن نجا يومئذ فقد فاز،
# PageV02P277
# ومن هوى يومئذ فقد خاب. الخير كله في الجنة، والشر كله في النار.
### | وفي خطبة «1» المأمون يوم الفطر بعد التكبير الأول:
# إن يومكم هذا يوم عيد وسنة وابتهال ورغبة، يوم ختم الله به صيام شهر
~~رمضان وافتتح به حج بيته الحرام، فجعله خاتمة الشهر وأول أيام شهور الحج،
~~وجعله معقبا لمفروض صيامكم ومتنفل قيامكم، أحل فيه الطعام لكم وحرم فيه
~~الصيام عليكم؛ فاطلبوا إلى الله حوائجكم واستغفروه لتفريطكم، فإنه يقال، لا
~~كبير مع استغفار، ولا صغير مع إصرار. ثم التكبير والتحميد وذكر النبي عليه
~~السلام والوصية بالتقوى. ثم قال: فاتقوا الله عباد الله وبادروا الأمر الذي
~~اعتدل فيه يقينكم، لم يحتضر «2» الشك فيه أحدا منكم، وهو الموت المكتوب
~~عليكم، فإنه لا تستقل بعده عثرة، ولا تحظر قبله توبة.
# واعملوا أنه لا شيء قبله إلا دونه ولا شيء بعده إلا فوقه. ولا يعين على
~~جزعه وعلزه «3» وكربه، ولا يعين على القبر وظلمته وضيقه ووحشته وهول مطلعه
~~ومسألة ملائكته، إلا العمل الصالح الذي أمر الله به. فمن زلت عند الموت
~~قدمه، فقد ظهرت ندامته، وفاتته استقالته، ودعا من الرجعة إلى ما لا يجاب
~~إليه، وبذل من الفدية ما لا يقبل منه. فالله الله عباد الله! وكونوا قوما
~~سألوا الرجعة فأعطوها إذ منعها الذين حذركم الله، واتقوا اليوم الذي يجمعكم
~~الله فيه لوضع موازينكم، ونشر صحفكم الحافظة لأعمالكم. فلينظر عبد ما يضع
~~في ميزانه مما يثقل به، وما يمل «4» في صحيفته الحافظة لما عليه وله؛
# PageV02P278
# فقد حكى الله لكم ما قال المفرطون عندها إذ طال إعراضهم عنها، قال:
# ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه
# «1» الآية. وقال: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة
# «2» . ولست أنهاكم عن الدنيا بأعظم مما نهتكم الدنيا عن نفسها، فإنه كل
~~ما لها ينهى عنها، وكل ما فيها يدعو إلى غيرها.
# وأعظم مما رأته أعينكم من عجائبها ذم كتاب الله لها ونهي الله عنها، فإنه
~~يقول: فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور
# «3» وقال: إنما الحياة الدنيا لعب ولهو
# «4» الآية. فانتفعوا بمعرفتكم بها وبإخبار الله عنها، واعلموا أن قوما من
~~عباد الله أدركتهم عصمة الله فحذروا مصارعها، وجانبوا خدائعها، وآثروا طاعة
~~الله فيها، فأدركوا الجنة بما تركوا منها.
### | كلام من أرتج عليه
# حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثنا عيسى بن عمر قال: خطب أمير مرة
~~فانقطع فخجل، فبعث إلى قوم من القبائل عابوا ذلك ولفهم «5» وفيهم يربوعي
~~جلد، فقال: اخطبوا؛ فقام واحد فمر في الخطبة، حتى إذا بلغ أما بعد قال: أما
~~بعد أما بعد، ولم يدر ما يقول، ثم قال: فإن امرأتي طالق ثلاثا، لم أرد أن
~~أجمع اليوم فمنعتني. وخطب آخر، فلما بلغ أما بعد بقي ونظر فإذا
# PageV02P279
# إنسان ينظر إليه، فقال: لعنك الله! ترى ما أنا فيه وتلمحني ببصرك أيضا!.
# قال: وقال أحدهم: رأيت القراقير «1» من السفن تجري بيني وبين الناس. قال:
# وصعد اليربوعي فخطب فقال: أما بعد، فوالله ما أدري ما أقول ولا فيم
~~أقمتموني، أقول ماذا؟ فقال بعضهم: قل في الزيت؛ فقال: الزيت مبارك، فكلوا
~~منه وادهنوا. قال: فهو قول الشطار «2» اليوم إذا قيل: لم فعلت ذا، فقل في
~~شأن الزيت وفي حال الزيت.
# ولما أتى يزيد بن أبي سفيان الشام واليا لأبي بكر رضي الله عنه، خطب
~~فأرتج «3» عليه، فعاد إلى الحمد لله فأرتج عليه، فعاد إلى الحمد لله ثم
~~أرتج عليه، فقال: يا أهل الشام، عسى الله أن يجعل من بعد عسر يسرا، ومن بعد
~~عي بيانا، وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام قائل. ثم نزل. فبلغ ذلك
~~عمرو بن العاص فاستحسنه.
# صعد ثابت قطنة «4» منبرا بسجستان فحمد الله ثم أرتج عليه، فنزل وهو يقول:
~~[طويل]
# فإلا أكن فيكم خطيبا فإنني ... بسيفي إذا جد الوغى لخطيب
# فقيل له: لو قلتها على المنبر كنت أخطب الناس.
# وارتج على عبد الله بن عامر بالبصرة يوم أضحى، فمكث ساعة ثم
# PageV02P280
# قال: والله ولا أجمع عليكم عيا ولؤما، من أخذ شاة من السوق فهي له وثمنها
~~علي.
# وارتج على خالد بن عبد الله القسري فقال: إن هذا الكلام يجيء أحيانا
~~ويعزب «1» أحيانا، وربما طلب فأبى وكوبر فعسا «2» ، فالتأني لمجيه، أيسر من
~~التعاطي لأبيه؛ وقد يختلط من الجريء جنانه «3» ، وينقطع من الذرب «4»
~~لسانه، فلا يبطره ذلك ولا يكسره؛ وسأعود إن شاء الله.
# وارتج على معن بن زائدة فضرب المنبر برجله ثم قال: فتى حروب لا فتى
~~منابر.
# وكان عبد ربه اليشكري عاملا لعيس بن موسى على المدائن، فصعد المنبر فحمد
~~الله وارتج عليه فسكت، ثم قال: والله إني لأكون في بيتي فتجيء على لساني
~~ألف كلمة، فإذا قمت على أعوادكم هذه جاء الشيطان فمحاها من صدري، ولقد كنت
~~وما في الأيام يوم أحب إلي من يوم الجمعة، فصرت وما في الأيام يوم أبغض إلي
~~من يوم الجمعة، وما ذلك إلا لخطبتكم هذه.
# صعد روح بن حاتم المنبر، فلما رأى جمع الناس حصر «5» ، فقال: نكسوا
# PageV02P281
# رؤوسكم وغضوا أبصاركم، فإن أول مركب صعب، وإذا يسر الله فتح قفل تيسر.
# ودعي رجل ليخطب في نكاح فحصر، فقال: لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا
~~الله؛ فقالت امرأة حضرت: ألهذا دعوناك! أماتك الله!.
# قال عبيد الله بن زياد: نعم الشيء الإمارة لولا قعقعة البريد والتشرف
~~للخطب.
# قيل لعبد الملك: عجل عليك الشيب؛ فقال: كيف لا يعجل علي وأنا أعرض عقلي
~~على الناس في كل جمعة مرة أو مرتين.
# وولي رجل من بني هاشم يعرف بالدندان بحر اليمامة، فلما صعد المنبر أرتج
~~عليه، فقال: حيا الله هذه الوجوه وجعلني فداءها، إني قد أمرت طائفي بالليل
~~ألا يرى أحدا إلا أتاني به ولو كنت أنا إياه ثم نزل.
### | المنابر
# قال بعض المفسرين في قول الله جل وعز: وكنوز ومقام كريم
# «1» إنه المنبر، وقال: الشاعر: [بسيط]
# لنا المساجد نبنيها ونعمرها ... وفي المنابر قعدان لنا ذلل
# فلا نقيل عليها حين نركبها ... ولا لهن لنا من معشر بدل
# وقال الكميت يذكر بني أمية: [طويل]
# مصيب على الأعواد يوم ركوبه ... لما قال فيها، مخطىء حين ينزل
# يشبهها «2» الأشباه وهي نصيبه ... له مشرب منها حرام ومأكل
# PageV02P282
# وقال بعض المحدثين [طويل]
# فما منبر دنسته باست أفكل «1» ... بزاك ولو طهرته بابن طاهر
# ومر الأقيشر «2» بمطر بن ناجية اليربوعي حين غلب على الكوفة في أيام
~~الضحاك بن قيس الشاري ومطر يخطب، فقال: [كامل]
# إبني تميم ما لمنبر ملككم ... لا يستمر قعوده يتمرمر «3»
# إن المنابر أنكرت أشباهكم ... فادعوا خزيمد يستقر المنبر
# خلعوا أمير المؤمنين وبايعوا ... مطرا لعمرك بيعة لا تظهر
# واستخلفوا مطرا فكان كقائل ... بدل بعمرك من أمية أعور
# خطب «4» قتيبة بن مسلم على منبر خراسان فسقط القضيب من يده، فتفاءل له
~~عدوه بالشر واغتم صديقه، فعرف ذلك قتيبة فقال: ليس الأمر على ما ظن العدو
~~وخاف الصديق، ولكنه كما قال الشاعر: [طويل]
# فألقت عصاها واستقر «5» بها النوى ... كما قر عينا بالإياب المسافر
# وقال واثلة بن خليفة السدوسي يهجو عبد الملك بن المهلب «6» : [طويل]
# PageV02P283
# لقد صبرت للذل أعواد منبر ... تقوم عليها في يديك قضيب
# بكى المنبر الغربي إذ قمت فوقه ... وكادت مسامير الحديد تذوب
# تم كتاب العلم وهو الكتاب الخامس من عيون الأخبار لابن قتيبة رحمه الله،
~~ويتلوه في الكتاب السادس
### | كتاب الزهد
# والحمد لله رب العالمين، وصلاته على سيدنا محمد النبي وآله أجمعين.
### | صورة ما كتبه الناسخ بخطه في آخر النسخة الفتوغرافية
# كتبه الفقير إلى رحمة الله تعالى إبراهيم بن عمر بن محمد بن علي الواعظ
~~الجزري، وذلك في شهور سنة أربع وتسعين وخمسمائة.
# وقال بعضهم: بني الإسلام على خمسة؛ التواضع عند الدولة، والعفو عند
~~القدرة، والسخاء مع القلة، والعطية من غير منة، والنصيحة للعامة.
# وقال بعض الشعراء في الصبر: [كامل]
# وإذا ابتليت بمحنة فالبس لها ... ثوب السكوت فإن ذلك أسلم
# لا تشكون إلى العباد فإنما ... تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
# ويروى للشافعي رضي الله عنه: [وافر]
# نعيب زماننا والعيب فينا ... وما لزماننا عيب سوانا
# PageV02P284
# وقد نهجو الزمان بغير جرم ... ولو نطق الزمان بنا هجانا
# فدنيانا التصنع والترائي ... ونحن به نخادع من يرانا
# وليس الذئب يأكل لحم ذئب ... ويأكل بعضنا بعضا عيانا
# PageV02P285
# بسم الله الرحمن الرحيم
### | كتاب الزهد
### | ما أوحى الله جل وعز الى انبيائه عليهم السلام
# حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا خلف بن تميم عن أبي عصمة الشامي عن ابن
~~أخت وهب بن منبه عن وهب قال: أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال
~~له أرمياء حين ظهرت فيهم المعاصي: أن قم بين ظهراني قومك فأخبرهم أن لهم
~~قلوبا ولا يفقهون، وأعينا ولا يبصرون، وآذانا ولا يسمعون، وأني تذكرت صلاح
~~آبائهم، فعطفني ذلك على أبنائهم، سلهم كيف وجدوا غب طاعتي، وهل سعد أحد ممن
~~عصاني بمعصيتي، وهل شقي أحد ممن أطاعني بطاعتي! إن الدواب تذكر أوطانها
~~فتنزع إليها، وإن هؤلاء القوم تركوا الأمر الذي أكرمت عليه آباءهم،
~~والتمسوا الكرامة من غير وجهها.
# أما أحبارهم فأنكروا حقي؛ وأما قراؤهم فعبدوا غيري؛ وأما نساكهم فلم
~~ينتفعوا بما علموا من حكمتي؛ وأما ولاتهم فكذبوا علي وكذبوا رسلي، خزنوا
~~المكر في قلوبهم، وعودوا الكذب ألسنتهم؛ وإني أقسم بجلالي وعزتي لأهيجن
~~عليهم جنودا لا يفقهون ألسنتهم، ولا يعرفون وجوههم، ولا يرحمون بكاءهم؛
~~ولأبتعثن فيهم ملكا جبارا قاسيا، له عساكر كقطع السحاب، ومواكب كأمثال
~~العجاج، كأن خفقان راياته طيران النسور، وكأن حمل فرسانه كر
# PageV02P286
# العقبان، يعيدون العمران خرابا، ويتركون القرى وحشة. فياويل إيلياء «1»
~~وسكانها! كيف أذللهم للقتل، وأسلط عليهم السباء، وأعيد بعد لجب الأعراس
~~صراخ الهام، وبعد صهيل الخيل عواء الذئاب، وبعد شرفات القصور مساكن السباع،
~~وبعد ضوء الشرج رهج العجاج. ولأبدلن رجالهم بتلاوة الكتاب انتهار الأرباب،
~~وبالعز الذل، وبالنعمة العبودية. ولأبدلن نساءهم بالطيب التراب، وبالمشي
~~على الزرابي الخبب «2» ؛ ولأجعلن أجسادهم زبلا للأرض، وعظامهم ضاحية للشمس.
~~وفي رواية أخرى: ولأدوسنهم بألوان العذاب، حتى لو كان الكائن خاتما في
~~يميني لوصلت الحرب إليه؛ ثم لآمرن السماء فلتكونن طبقا من حديد، والأرض
~~فلتكونن سبيكة من نحاس، فإن أمطرت السماء وأنبتت الأرض شيئا في خلال ذلك
~~فبرحمتي للبهائم، ثم أحبسه في زمن الزرع وأرسله في زمن الحصاد، فإن زرعوا
~~خلال ذلك شيئا سلطت عليه الآفة، فإن خلص منه شيء نزعت منه البركة، فإن
~~دعوني لم أجبهم، وإن سألوا لم أعطهم، وإن بكوا لم أرحمهم، وإن تضرعوا صرفت
~~وجهي عنهم.
# حدثني عبد الرحمن عن عبد المنعم عن أبيه عن وهب: أن الله، عز وجل، أوحى
~~إلى موسى بن منسى بن يوسف أن قل لقومك: إني بريء ممن سحر أو سحر له، أو
~~تكهن أو تكهن له، أو تطير أو تطير له؛ من آمن بي صادقا فليتوكل علي صادقا،
~~فكفى بي مثيبا؛ ومن عدل عني ووثق بغيري فإني
# PageV02P287
# خير شريك أرد عليه ما توسل به إلي، وأكله إلى من توكل عليه؛ ومن وكلته
~~إلى غيري فليستعد للفتنة والبلاء.
# وحدثني بهذا الإسناد قال: أوحى الله إلى داود عليه السلام في الزبور:
# يا عبدي الشكور، إني قد وهبت لك الزبور، وأتبعته بنصح مني من أعين
~~السطور، ومن الوحي المحفوظ المحجوب من وراء الستور، فاعبدني به في الأيام
~~والليالي والشهور؛ وأحببني من كل قلبك، وحببني إلى خلقي، وأبغض من عبادي كل
~~منافق جهول، قال: يا رب كيف أحببك إلى خلقك؟ قال:
# تذكرهم آلائي.
# وبهذا الإسناد قال: أنزل الله على إبراهيم عليه السلام عشرين صحيفة،
~~وكانت صحفه أمثالا وعبرا وتسبيحا وتمجيدا وتهليلا، فكان فيها؛ أيها الملك
~~المسلط المغرور المبتلى، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض ولتبني
~~المدائن والحصون، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني لا أردها ولو
~~كانت من كافر.
# وبهذا الإسناد أن الله تعالى قال لشعيا: قم في قومك أوح على لسانك؛ فلما
~~قام شعيا أنطق الله لسانه بالوحي، فقال: يا سماء استمعي، يا أرض أنصتي،
~~فأنصتت الأرض واستمعت السماء؛ فقال: إن الله يقول لكم:
# إني استقبلت بني إسرائيل بالكرامة وهم كالغنم الضائعة لا راعي لها، فآويت
~~شاذتها، وجمعت ضالتها، وجبرت كسيرها، وداويت مريضها، وأسمنت مهزولها؛ فبطرت
~~فتناطحت، فقتل بعضها بعضا حتى لم يبق منها عظم صحيح يجبر إليه آخر كسير. إن
~~الحمار مما يتذكر آريه «1» الذي شبع عليه
# PageV02P288
# فيراجعه، وإن الثور مما يتذكر مرجه الذي يمن فيه فينتابه، وإن البعير مما
~~يتذكر وطنه الذي نتج فيه فينزع إليه، وإن هؤلاء القوم لا يذكرون أني جاءهم
~~الخير وهم أهل الألباب وأهل العقول، ليسوا بإبل ولا بقر ولا حمير، وإني
~~ضارب لهم مثلا فاسمعوه: قل لهم: كيف ترون في أرض كانت زمانا من زمانها خربة
~~مواتا لا حرث فيها، وكان لها رب قوي حليم، فأحاط عليها سياجا وشيد فيها
~~قصرا وأنبط فيها نهرا وصنف فيها غراسا من الزيتون والرمان والنخيل والأعناب
~~وألوان الثمار، وولى ذلك ذا رأي وهمة حفيظا قويا أمينا؛ فلما جاء إبان
~~إثمارها أثمرت خروبا، ما كنتم قائلين له ومشيرين عليه؟ قالوا:
# كنا نقول: بئست الأرض أرضك، ونشير عليه أن يقلع سياجها، ويهدم قصرها،
~~ويدفن نهرها، ويحرق غرسها حتى تعود خربة مواتا لا عمران فيها؛ قال الله
~~تعالى: قل لهم، إن السياج ذمتي، وإن القصر شريعتي، وإن النهر كتابي، وإن
~~القيم نبي، وإن الغرس مثل لهم، والخروب أعمالهم الخبيثة؛ وإني قد قضيت
~~عليهم قضاءهم على أنفسهم، يتفزبون إلي بذبح الغنم والبقر وليس ينالني اللحم
~~ولا آكله. ويدعون أن يتقربوا إلي بالتقوى والكف عن ذبح الأنفس التي حرمتها
~~ويشيدون لي البيوت ويزوقون لي المساجد؛ وأي حاجة بي إلى تشييد البيوت ولست
~~أسكنها، وإلى تزويق المساجد ولست أدخلها؛ إنما أمرت برفعها لأذكر فيها
~~وأسبح، وينجسون أنفسهم وعقولهم وقلوبهم ويخربونها، يقولون: لو كان يقدر على
~~أن يجمع ألفتنا لجمعها، ولو كان يقدر على أن يفقه قلوبنا لفقهها. فاعمد إلى
~~عودين يابسين فاكتب فيهما كتابا ثم ائت ناديهم أجمع ما يكونون، فقل
~~للعودين: إن الله يأمركما أن تعودا عودا واحدا؛ فقال لهما ذلك، فاختلطا
~~فصارا عودا واحدا، وصار الكتاب في طرفي العود كتابا واحدا: يا معشر
~~القبائل، إن الله يقول لكم: إني قدرت على أن أفقه العيدان اليابسة وعلى أن
~~أؤلف بينها؛ فكيف لا أقدر على أن أجمع
# PageV02P289
# ألفتكم إن شئت؟ أم كيف لا أقدر على أن أؤلف قلوبكم؟ يقولون: صمنا فلم
~~يرفع صيامنا وصلينا فلم تنور صلاتنا وزكينا فلم تزك زكاتنا، ودعونا بمثل
~~حنين الحمام، وبكينا بمثل عواء الذئاب، في كل ذلك كلا يسمع منا ولا يستجاب
~~لنا؛ قال الله تبارك وتعالى: سلهم لم ذلك؟ وما الذي منعني أن أجيبهم؟
# ألست أسمع السامعين وأبصر الناظرين وأقرب المجيبين وأرحم الراحمين؟
# ألأن خزائني فنيت؟ كيف ويداي مبسوطتان بالخير أنفق كيف أشاء؟ أم لأن ذات
~~يدي قلت؟ كيف ومفاتيح الخير بيدي لا يفتحها ولا يغلقها غيري؟ أم لأن رحمتي
~~ضاقت؟ كيف ورحمتي وسعت كل شيء؟ وإنما يتراحم بفضلها المتراحمون! أم لأن
~~البخل يعتريني؟ كيف وأنا النفاح بالخيرات أجود من أعطى وأكرم من سئل؟ ولكن
~~كيف أرفع صيامهم وهم يلبسونه بقول الزور ويتقوون عليه بطعمة الحرام؟ كيف
~~أنور صلاتهم وقلوبهم صاغية إلي من يحادني وينتهك محارمي؟ أم كيف أستجيب
~~دعاءهم وإنما هو قول بألسنتهم والعمل من ذلك بعيد؟ أم كيف تزكو صدقاتهم وهي
~~من أموال غيرهم؟ إنما أجزي عليها المغصوبين. وإن من علامة رضاي رضا
~~المساكين.
# قال وهب: وفيما ناجى الله به موسى عليه السلام: لا تعجبكما زينة ولا ما
~~متع به، ولا تمدا إلى ذلك أعينكما فإنها زهرة الحياة الدنيا وزينة
~~المترفين.
# ولو شئت أن أزينكما بزينة يعلم فرعون حين ينظر إليها أن مقدرته تعجز عما
~~أوتيتما فعلت، ولكني أرغب بكما عن ذلك وأزويه «1» عنكما؛ وكذلك أفعل
~~بأوليائي، إني لأذودهم عن نعيمها ورخائها كما يذود الراعي الشفيق غنمه عن
~~مراتع الهلكة وإني لأحميهم عيشها وسلوتها «2» كما يجنب الراعي الشفيق إبله
~~مبارك العر «3» ، وما ذاك لهوانهم علي، ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي
# PageV02P290
# سالما موفرا لم يكلمه الطمع ولم يطبعه «1» الهوى. واعلم أنه لن يتزين
~~العباد بزينة أبلغ فيما عندي من الزهد في الدنيا، إنما هي زينة الأبرار
~~عندي، وأنقى ما تزين به العباد في عيني عليهم منها، لباس يعرفون به من
~~السكينة والخشوع، سيماهم النحول والسجود، أولئك أوليائي حقا. فإذا لقيتهم
~~فاخفض لهم جناحك، وذلل لهم قلبك ولسانك.
# واعلم أنه من أهان لي وليا أو أخافه، فقد بارزني بالمحاربة وبادأني
~~وعرضني لنفسه ودعاني إليها، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي، أفيظن الذي
~~يحاربني فيهم أنهم يقوم لي؟ أم يظن الذي يعاديني فيهم أنه يعجزني؟ أم يظن
~~الذي يبادرني إليهم أنه يسبقني أو يفوتني؟ كيف وأنا الثائر لهم في الدنيا
~~والآخرة، لا أكل نصرهم إلى غيري؟
# وفي التوراة: أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام بطور سيناء: يا موسى
~~بن عمران صاحب جبل لبنان، أنت عبدي وأنا إلهك الديان؛ لا تستذل الفقير، ولا
~~تغبط الغني بشيء يسير؛ وكن عند ذكري خاشعا، وعند تلاوة وحيي طائعا؛ أسمعني
~~لذاذة التوراة بصوت حزين.
# وفيما أوحى الله إلى عيسى عليه السلام: أنزلني من نفسك كهمك، واجعلني
~~ذخرك في معادك، وتقرب إلي بالنوافل أدنك، وتوكل علي أكفك، ولا تول غيري
~~فأخذلك؛ اصبر على البلاء، وارض بالقضاء، وكن كمسرتي فيك، فإن مسرتي أن
~~أطاع، وأحي ذكري بلسانك، وليكن ودي في قلبك؛ تيقظ لي في ساعات الغفلة، وكن
~~راهبا لي وراغبا إلي. أمت قلبك بالخشية؛ راع الليل لتحري مسرتي، واظمأ لي
~~نهارك لليوم الذي عندي؛ نافس في
# PageV02P291
# الخيرات جهدك. قم في الخليقة بعدلي، واحكم فيهم بنصيحتي، فقد أنزلت عليك
~~شفاء وساوس ما في الصدور من مرض الشيطان، وجلاء الأبصار من غشاء الكلال؛
~~ولا تكن حلسا «1» كأنك مقبور وأنت حي تتنفس. إكحل عينيك بملمول «2» الحزن
~~إذا ضحك البطالون. إبك على نفسك أيام الحياة بكاء من قد ودع الأهل وقلى
~~الدنيا، وترك اللذات لأهلها، وارتفعت رغبته فيما عند إلهه. طوبى لك إن نالك
~~ما وعدت الصابرين! ترج من الدنيا يوما فيوما، وارض بالبلغة، وليكفك منها
~~الخشن. تذوق مذاقة ما قد خلا أين طعمه! وما لم يأت أين لذته! لو رأت عيناك
~~ما أعددت لأوليائي لذاب قلبك وزهقت نفسك شوقا إليه.
# وفيما قال للحواريين: بحق أقول لكم: إن شجر الأرض بمطر السماء تعيش
~~وتزكو، وكذلك القلوب بنور الحكمة تبصر وتهتدي؛ بحق أقول لكم:
# إنه من ليس عليه دين أروح وأقل هما ممن عليه دين وإن حسن قضاؤه، وكذلك من
~~لم يعمل الخطيئة أروح وأقل هما ممن عمل بها وإن حسنت توبته. إن الدابة
~~تزداد على كثرة الرياضة خيرا، وقلوبكم لا تزداد على كثرة الموعظة إلا قسوة.
~~إن الجسد إذا صلح كفاه القليل من الطعام، وإن القلب إذا صح كفاه القليل من
~~الحكمة. كم من سراج قد أطفأته الريح، وكم من عابد قد أفسده العجب. يا بني
~~إسرائيل، استمعوا قولي، فإن مثل من يستمع قولي ثم يعمل به مثل رجل حكيم أسس
~~بنيانه على الصفا «3» ، فمطرت السماء وسالت الأودية وضربته الرياح فثبت
~~بنيانه ولم يخر، ومثل الذي يستمع قولي
# PageV02P292
# ثم لا يعمل به مثل رجل سفيه أسس بنيانه على الرمل، فمطرت السماء وسالت
~~الأودية وهاجت الريح فضربته فسقط بنيانه. يا بني إسرائيل، ما يغني عن
~~الأعمى سعة نور الشمس وهو لا يبصرها! وما يغني عن العالم كثرة العلم وهو لا
~~يعمل به!. بحق أقول لكم: إن قائل الحكمة وسامعها شريكان، وأولاهما بها من
~~حققها بعمله. بحق أقول لكم: لو وجدتم سراجا يتوقد بالقطران في ليلة مظلمة
~~لاستضأتم بنوره ولم يمنعكم منه نتن قطرانه، فكذلك ينبغي لكم أن تأخذوا
~~الحكمة ممن وجدتموها عنده.
# بلغني عن محمد بن فضيل عن عمران بن سليم قال: بلغني أن عيسى ابن مريم قال
~~لأصحابه: إن كنتم إخواني وأصحابي فوطنوا أنفسكم على العداوة والبغضاء من
~~الناس؛ إنكم لا تدركون ما تطلبون إلا بترك ما تشتهون، ولا تنالون ما تحبون
~~إلا بالصبر على ما تكرهون. إياكم والنظرة، فإنها تزرع في القلب الشهوة.
~~طوبى لمن كان بصره في قلبه ولم يكن قلبه في بصره! قال: وبلغني أن عيسى خرج
~~على أصحابه وعليه جبة من صوف وكساء وتبان «1» حافيا مجزوز الرأس والشاربين
~~باكيا شعثا مصفر اللون من الجوع يابس الشفتين من العطش، طويل شعر الصدر
~~والذراعين والساقين؛ فقال: السلام عليكم يا بني إسرائيل، أنا الذي أنزلت
~~الدنيا منزلها، ولا عجب ولا فخر، أتدرون أين بيتي؟ قالوا: أين بيتك يا روح
~~الله؟ قال: بيتي المساجد، وطيبي الماء، وإدامي الجوع، ودابتي رجلي، وسراجي
~~بالليل القمر، وصلائي «2» في الشتاء مشارق الشمس، وطعامي ما تيسر، وفاكهتي
~~وريحاني بقول الأرض، ولباسي الصوف، وشعاري الخوف، وجلسائي الزمني «3»
~~والمساكين، أصبح
# PageV02P293
# وليس لي شيء، وأمسي وليس لي شيء، وأنا طيب النفس غني مكثر، فمن أغنى
~~وأربح مني!.
# وقرأت في بعض الكتب: عبدي! ما يزال ملك كريم قد صعد إلي منك بعمل قبيح؛
~~أتقرب إليك بالنعم، وتتمقت إلي بالمعاصي؛ خيري إليك نازل، وشرك إلي صاعد.
# وفي التوراة: لعلك يا إسرائيل إذا أنت خرجت من البرية فدخلت الأرض
~~المقدسة، أرض بني آبائك إبراهيم وإسحاق، فإنها تفيض برا وشعيرا ولبنا
~~وعسلا، فورثت بيوتا بناها غيرك وعصرت كروما غرسها غيرك، فأكلت وشربت وتنعمت
~~بشحم لباب القمح، ضربت بيدك إلى صدرك ورمحت كما ترمح الدابة برجليها، وقلت:
~~بشدتي وبقوتي وبأسي ورثت هذه الأرض وغلبت أهلها، ونسيت نعمتي عليك! فأقذف
~~الرعب في صدرك إذا أنت لقيت عدوك، وإذا هبت الريح فتقعقع لها ورق الشجر
~~انهزمت، فأقل رجالك، وأرمل نساءك، وأيتم أبناءك، وأجعل السماء عليك نحاسا
~~والأرض حديدا، فلا السماء تمطر ولا الأرض تنبت، وأقل لك البركة حتى تجتمع
~~نسوة عشر يختبزن في تنور واحد.
# بلغني عن عبد الرحمن المحاربي عن جعفر بن برقان قال: بلغني عن وهب بن
~~منبه قال: أجد في الكتاب أن قوما يتدينون لغير العبادة، ويختلون «1» الدنيا
~~بعمل الآخرة، يلبسون مسوك «2» الضأن على قلوب الذئاب، ألسنتهم
# PageV02P294
# أحلى من العسل وأنفسهم أمر من الصبر، أبى يغترون! أم إياي يخادعون! أقسمت
~~لأبعثن عليهم فتنة يعود الحليم فيها حيران.
# وقرأت في الإنجيل: «لا تجعلوا كنوزكم في الأرض حيث يفسدها السوس والدود
~~وحيث ينقب السراق، ولكن اجعلوا كنوزكم في السماء فإنه حيث تكون كنوزكم تكون
~~قلوبكم. إن العين هي سراج الجسد فإذا كانت عينك صحيحة فإن جسدك كله مضيء.
~~وإنه لا يستطيع أحد أن يعمل لربين اثنين إلا أن يحب أحدهما ويبغض الآخر،
~~ويوقر أحدهما ويهين الآخر، فكذلك لا تستطيعون أن تعملوا لله وللمال. ولا
~~يهمنكم ما تأكلون وما تشربون وما تلبسون، أليست النفس أفضل من الطعام،
~~والجسد أفضل من اللباس؟
# أنظروا إلى طير السماء فإنهن لا يزرعن ولا يحصدن ولا يجمعن في الأهراء
~~«1» ، وأبوكم الذي في السماء هو الذي يرزقهن، أفلستم أفضل منهن؟
# وأيكم الذي إذا جهد قدر أن يزيد في طوله ذراعا واحدا! فلم تهتمون
~~باللباس؟ اعتبروا بسوس «2» البرية فإنه لا يعمل ولا يغزل، أنا أقول: إن
~~سليمان بوقاره «3» لم يستطع أن يلبس كواحدة منه؛ فإذا كان الله يلبس عشب
~~الأرض الذي ينبت اليوم ويلقى في النار غدا أفلستم يا قليلي الإيمان أفضل
~~منه؟ ولا نهتموا فتقولوا: ماذا نأكل وماذا نشرب وماذا نلبس، فإنه إنما يهتم
~~لذلك ابن الدنيا؛ وإن أباكم الذي في السماء يعلم أن ذلك ينبغي لكم؛ فابدأوا
~~فالتمسوا ملكوت الله وصديقيته «4» ، فإنكم سوف تكفون. ولا يهمنكم ما في غد،
~~فإن غدا مكتف بهمه، وحسب اليوم شره. وكما تدينون تدانون، وبالمكيال الذي
# PageV02P295
# تكيلون يكال لكم. وكيف تبصر القذاة في عين أخيك ولا تبصر السارية في
~~عينك؟ لا تعطوا الكلاب القدس، ولا تلقوا لؤلؤكم للخنازير. سلوا تعطوا،
~~وابتغوا تجدوا، واستفتحوا يفتح لكم، وانظروا الذي تحبون أن يأتي الناس
~~إليكم فاتوا إليهم مثله. أدخلوا الباب الضيق، فإن الباب والطريق إلى الهلكة
~~عريضان، والذين يسلكونهما كثير. وما أضيق الباب والطريق اللذين يبلغان إلى
~~الحياة! والذين يسلكونهما قليل» .
# وقال له رجل: أتبعك حيث ذهبت؛ فقال له عيسى: للثعالب جحرة، ولطير السماء
~~كنان، وليس لابن الإنسان مكان يسند فيه رأسه.
# وقال له رجل من الحواريين: أتأذن لي أن أدفن أبي؟ فقال له: دع الموتى
~~يدفنون موتاهم واتبعني. وقال للحواريين: لا تتزودوا شيئا، فإن العائل محقوق
~~أن يطعم قوته، وإني أرسلكم كالخرفان بين الذئاب، فكونوا حلماء كالحيات
~~وبلها كالحمام. وإذا دخلتم البيت فسلموا على البيت، فإن كان ذلك البيت أهلا
~~لسلامكم فليصبهم، وإن لم يكن أهلا لسلامكم فإنه يرجع إليكم.
# ومن لم يؤوكم ويسمع لقولكم، فإذا خرجتم من قريته فانفضوا الغبار عن
~~أرجلكم.
# حدثني عبد الرحمن عن عبد المنعم عن أبيه عن وهب قال: كان فيما ناجى به
~~عزير «1» ربه: اللهم فإن لك من كل خلق خلقته خيرة اخترتها، وإنك اخترت من
~~النبات الحبلة «2» ، ومن المواشي الضائنة، ومن الطير الحمامة، ومن
# PageV02P296
# البيوت بيت إيلياء، ومن إيلياء بيت المقدس، ومن جميع الخلائق آدم، ومن
~~ولد آدم نوحا، ومن ولد نوح إبراهيم، ومن ولد إبراهيم إسماعيل وإسحاق، ومن
~~ولد إسحاق إسرائيل؛ اللهم فاصبحت خيرتك قد تمت ونفذت في كل ما اخترت إلا ما
~~كان من ولد خليلك إبراهيم، فإنهم أصبحوا أعبدا لأهل معصيتك وخولا لأعدائك،
~~فما الذي سلط علينا ذلك؟ أمن أجل خطايانا؟
# فالخاطئون ولدونا، أو من أجل ضعفنا؟ فمن ضعف خلقنا؛ قال: فجاءني الملك
~~فكلمني، فبينما أنا كذلك سمعت صوتا هالني فنظرت، فإذا امرأة حاسرة عن
~~رأسها، ناشرة شعرها، شاقة جيبها، تلطم وجهها. وتصرخ بأعلى صوتها، وتحثو
~~التراب على رأسها، فأقبلت عليها وتركت ما كنت فيه، فقلت لها: ما بالك أيتها
~~المرأة وما الذي دهاك؟ أخبريني خبرك، فقد أصابت المصائب غيرك؛ قالت: إليك
~~عني أيها الرجل، فإن ربي هو الذي أبكاني، ومصيبتي أعظم مما ترى؛ فقلت: فإن
~~في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، وعوضا من كل فائت، فإياه
~~فاستعيني، وإلى نظره لك فانظري؛ قالت: إني كنت امرأة كثيرا مالي، عظيما
~~شرفي، وكنت عاقرا لا ولد لي، وكنت عند بعل له نسوة معي وكلهن ولد له غيري،
~~فملن به لحب الولد فصرف وجهه عني، فحزنت وحزن أهلي وصديقي، فلما رأيت هواني
~~عليه وسقوط منزلتي عنده، رغبت إلى ربي ودعوته فأجابني، واستوهبته غلاما
~~فوهبه لي، فقرت به عيني، وفرح أهلي، وعطف الله به زوجي، وقطع عني ألسنة
~~ضرائري، فربيت غلاما لم تحمل أنثى مثله حسنا وجمالا ونضرة وتماما، فلما بلغ
~~أشده وكمل به سروري خطبت عليه عظيمة قومي، وبذلت دونه مالي، وخرجت من خلعتي
~~«1» ، وجمعت رجال قومي، فخرج يمشي بينهم حتى دخل
# PageV02P297
# بيته، فلما قعد على سريره، خر منه فاندقت عنقه فمات ابني وضل عملي وبطل
~~نصيبي وتلف مالي، فخرجت إلى هذه البرية أبكيه فيها لا أريد أن أرى أثرا من
~~آثاره ولا أحدا من أصحابه، ولن أبرح أبكيه حتى ألحق به. قال عزير: اذكري
~~ربك وراجعيه، فقد أصابت المصائب غيرك أما رأيت هلاك إيلياء وهي سيدة
~~المدائن وأم القرى؟ أو ما رأيت مصيبة أهلها وهم الرجال؟
# قالت: إي، رحمك الله! إن هذا ليس لي بعزاء وليست لي بشيء منه أسوة، إنما
~~تبكي مدينة خربت، ولو تعمر عادت كما كانت، وإنما تبغي قوما وعدهم الله
~~الكرة على عدوهم، وأنا أبكي على أمر قد فات، وعلى مصيبة لا أستقيلها «1» ؛
~~قال عزير: فإنه خلق لما صار إليه، وكل شيء خلق للدنيا فلابد أن سيفنى، أما
~~رأيت مدينتنا أصبحت خاوية على عروشها بعد عمارتها، وأوحشت بعد أنسها
~~وأثاثها؟ أو ما رأيت مسجدنا كيف غير حسنه، وهدم حصنه، وأطفىء نوره؟ أو ما
~~رأيت عز أهلها كيف ذل، وشرفهم كيف خمل، ومجدهم كيف سقط، وفخرهم كيف بطل؟ أو
~~ما رأيت كتاب الله كيف أحرق، وولي الله كيف رفع، وتابوت السكينة «2» كيف
~~سبي؟ أو ما رأيت نساء الملوك وبناتهم في بطون الأسواق حاسرات عن السوق
~~والوجوه والأشعار؟ أو ما رأيت الأشياخ الذين على وجوههم النور والسكينة
~~مقرنين في الحبال والقطار «3» ! أو ما رأيت
# PageV02P298
# الأحبار والرهبان مصفدين في الإسار؟ أو ما رأيت أبناء موسى وهارون تضرب
~~عليهم السهام ويقتسمهم الأشرار، وولدان الملوك خدما للكفار؟ أو ما رأيت
~~قتلانا لم يوار أحدا منهم قبر، ولم يعهد أحد منهم إلى ولد؟ فالحكماء
~~مبهوتون، والعلماء يموجون، والحلماء متحيرون، وأهل الرأي ملقون بأيديهم
~~مستسلمون. قال: فبينا أنا أكلمها غشى وجهها نور مثل شعاع الشمس حال بيني
~~وبين النظر إليها، فخمرت من شدته وجهي ورددت يدي على بصري، ثم كشفت وجهي
~~فإذا أنا لا أحسها ولا أرى مكانها، وإذا مدينة قد رفعت لي حصينة بسورها
~~وأبوابها، فلما نظرت إلى ذلك خررت صعقا، فجاءني الملك فأخذ بضبعي ونعشني
~~«1» وقال لي: ما أضعفك يا عزير! وقد زعمت أن بك من القوة ما تخاطب به ربك
~~وتدلي بالعذر عن الخاطئين من بني إسرائيل؛ قال له عزير: مثل الذي رأيت
~~وعاينت أضعفني وأذهب روحي؛ قال الملك: فإن المرأة التي كلمتك هي المدينة
~~التي تبكي عليها، صورها الله لك في صورة أنثى فكلمتك، فافقه عنها: أما
~~قولها: أنها عمرت زمانا من دهرها عاقرا لا ولد لها، فكذلك كانت إيلياء
~~صعيدا من الأرض خرابا لا عمران فيها أكثر من ثلاثة آلاف سنة. وأما قولها:
~~إن الله وهب لها غلاما عند اليأس، فذلك حين أقبل الله عليها بالعمران
~~فابتعث الله منها أنبياءه وأنزل كتابه. وأما قولها: إنه هلك ولدها حين كمل
~~في سرورها، فذلك حين غير أهلها نعم الله وبدلوها ولم يزدادوا بالنعم عليهم
~~إلا جرأة على الله وفسادا، فغير الله ما بهم وسلط عليهم عدوهم حتى أفناهم،
~~وقد شفعك الله في قومك وكتابك ومدينتك، وسيعيدها الله عامرة كما رأيت:
~~عليها حيطانها وأبوابها، وفيها مساجدها وأنهارها
# PageV02P299
# وأشجارها.
# وحدثني بهذا الإسناد قال: لما أمر الله إبراهيم أن يذبح إسحاق عليهما
~~السلام ويجعله قربانا، أسر ذلك إلى خليل له يقال له: العازر؛ فقال له
~~الصديق: إن الله لا يبتلي بمثل هذا مثلك، ولكنه يريد أن يجربك ويختبرك، وقد
~~علمت أنه لم يبتلك بهذا ليفتنك ولا ليضلك ولا ليعنتك ولا لينقص به بصيرتك
~~وإيمانك ويقينك، ولا يروعنك هذا ولا تسوءن بالله ظنك، وإنما رفع الله اسمك
~~في البلاء على جميع أهل البلاء، حتى كنت أعظمهم في نفسك وولدك، ليرفعك بقدر
~~ذلك عليهم في المنازل والدرجات والفضائل؛ فليس لأهل الصبر في فضيلة الصبر
~~إلا فضل صبرك، وليس لأهل الثواب في فضيلة الثواب إلا فضل ثوابك، وليس لأهل
~~البلاء في جسيم شرف البلاء إلا فضل شرفك. وليس هذا من وجوه البلاء الذي
~~يبتلي الله به أولياءه، لأن الله أكرم في نفسه وأعدل في حكمه وأعدل في
~~عباده من أن يجعل ذبح الولد الطيب بيد الوالد النبي المصطفى؛ وأنا أعوذ
~~بالله من أن يكون هذا مني حتما على الله أو ردا لأمره أو سخطا لحكمه على
~~عباده، ولكن هذا الرجاء فيه والظن به.
# فإن عزم ربك على ذلك فكن عبدا أحسن علمه بك؛ فإني أعلم أنه لم يعرضك لهذا
~~البلاء العظيم إلا لحسن علمه بك وبصدقك وبصبرك، ليجعلك للناس إماما؛ ولا
~~حول ولا قوة إلا بالله.
# وحدثني بهذا الإسناد أن يوسف عليه السلام لما لبث في السجن سبع سنين أرسل
~~الله عز وجل إليه جبريل عليه السلام بالبشارة بخروجه، فقال له:
# أتعرفني أيها الصديق؟ قال له يوسف: أرى صورة ظاهرة وروحا طيبا لا يشبه
~~أرواح الخاطئين؛ قال جبريل: أنا الروح الأمين، رسول رب العالمين؛ قال يوسف:
~~فما أدخلك مداخل المذنبين وأنت سيد المرسلين ورأس المقربين؟
# PageV02P300
# قال جبريل: أو لم تعلم أيها الصديق أن الله يطهر البيوت بطهر النبيين،
~~وأن البقعة التي يحلون بها هي أطهر الأرضين، وأنه قد طهر بك السجن وما حوله
~~يا ابن الطاهرين؛ قال يوسف: كيف تشبهني بالصالحين، وتسميني بأسماء
~~الصديقين، وتعدني مع آبائي المخلصين، وأنا أسير بين هؤلاء المجرمين! قال
~~جبريل: لم يكلم قلبك الجزع، ولم يغير خلقك البلاء، ولم يتعاظمك السجن، ولم
~~تطأ فراش سيدك، ولم ينسك بلاء الدنيا بلاء الآخرة، ولم تنسك نفسك أباك ولا
~~أبوك ربك؛ وهذا الزمان الذي يفك الله به عنوك «1» .
# ويعتق به رقك، ويبين للناس فيه حكمتك، ويصدق رؤياك وينصفك ممن ظلمك،
~~ويجمع إليك أحبتك، ويهب لك ملك مصر: يملكك ملوكها، ويعبد لك جبابرتها، ويذل
~~لك أعزتها، ويصغر لك عظماءها، ويخدمك سوقتها، ويخولك خولها، ويرحم بك
~~مساكينها، ويلقي لك المودة والهيبة في قلوبهم، ويجعل لك اليد العليا عليهم
~~والأثر الصالح فيهم، ويرى فرعون حلما يفزع منه ويأخذه له كرب شديد حتى
~~يسهره ويذهب نومه، ويعمي عليه تفسيره وعلى السحرة والكهنة ويعلمك تأويله.
# وفي بعض الكتب: أوحى الله تعالى إلى بعض الأنبياء: إذا أردت أن تسكن معي
~~غدا في حظيرة القدس فكن في الدنيا وحيدا فريدا مهموما حزينا، كالطائر
~~الوحداني يظل بأرض الفلاة ويرد ماء العيون ويأكل من أطراف الشجر، فإذا جن
~~عليه الليل أوى وحده استيحاشا من الطير واستئناسا بربه جل وعز.
# لما قتل عبد الله بن الزبير وجد الحجاج فيما ترك صندوقا عليه فقال
# PageV02P301
# حديد، فتعجب منه وقال: إن في هذا شيئا، ففتحه، فإذا صندوق آخر عليه قفل
~~ففتحه فإذا سفط «1» فيه درج، ففتحه فإذا صحيفة فيها: إذا كان الحديث خلفا
~~«2» ، والميعاد خلفا، والمقنب «3» ألفا، وكان الولد غيظا، والشتاء قيظا؛
~~وغاض الكرام غيضا، وفاض اللئام فيضا، فأعنز عفرة «4» ، في جبل وعر، خير من
~~ملك بني النضر. حدثني بذلك كعب الحبر.
### | الدعاء
# «5»
# حدثني أبو مسعود الدارمي قال: حدثنا جرير عن أنس بن مالك قال:
# قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال ربكم، عز وجل، ثلاثة: واحدة لي،
~~وواحدة لك يا ابن آدم، وواحدة بيني وبينك، فأما التي لي فتخلص لي لا تشرك
~~بي شيئا، وأما التي لك فأحوج ما تكون إلى عملك أوفيكه، وأما التي بيني
~~وبينك فمنك الدعاء وعلي الإجابة» .
# حدثني عبدة بن عبد الله قال: أخبرنا زيد بن الحباب قال: حدثنا معاوية
~~قال: حدثني أزهر بن سعيد عن عاصم بن حميد قال: سألت عائشة رضي الله عنها،
~~ما كان يفتتح به رسول الله صلى الله عليه وسلم به صلاته في قيام الليل؟
~~قالت: كان يكبر عشرا ويحمد عشرا ويسبح عشرا ويهلل عشرا ويستغفر الله عشرا،
~~ثم
# PageV02P302
# يقول: «اللهم اغفر لي واهدني وارزقني وعافني» ، ويتعوذ من ضيق المقام يوم
~~القيامة.
# حدثنا حسين بن حسن المروزي قال: حدثنا الحفاف عن أبي الورقاء عن عبد الله
~~بن أبي أوفى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال: «أصبحنا
~~وأصبح الملك والكبرياء والعظمة والخلق والأمر والليل والنهار وما يسكن
~~فيهما لله رب العالمين وحده لا شريك له. اللهم اجعل أول هذا النهار صلاحا
~~وأوسطه فلاحا وآخره نجاحا. اللهم إني أسألك خير الدنيا وخير الآخرة يا أرحم
~~الراحمين» .
# حدثنا إسحاق بن راهويه «1» قال: أخبرنا حسين بن علي الجعفي عن إسرائيل عن
~~الحسين أنه كان إذا استسقى قال: «اللهم اسقنا سقيا واسعة وادعة عامة نافعة
~~غير ضارة تعم بها حاضرنا وبادينا وتزيد بها في رزقنا وشكرنا. اللهم اجعله
~~رزق إيمان وعطاء إيمان إن عطاءك لم يكن محظورا.
# اللهم أنزل علينا في أرضنا سكنها «2» ، وأنبت فيها زينتها ومرعاها» .
# روى الكلبي عن أبي صالح أن العباس قال يوم استسقى عمر رضي الله عنه:
~~«اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولا يكشف إلا بتوبة، وقد توجه بي القوم
~~إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا بالتوبة، فاسقنا
~~الغيث» . فأرخت السماء شآبيب مثل الجبال بديمة «3» مطبقة.
# PageV02P303
# وروى سفيان بن عيينة عن أبي عبد الملك قال: سمعت عمر بن عبد العزيز عشية
~~عرفة بعرفة وهو يقول: اللهم زد في إحسان محسنهم، وراجع بمسيئهم إلى التوبة،
~~وحط من ورائهم بالرحمة» .
# حدثنا حسين بن حسين قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا يحيى بن
~~أيوب عن عبيد الله بن زحر عن خالد بن أبي عمران عن عبد الله بن عمر قال:
~~كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يقوم من مجلس إلا دعا بهؤلاء
~~الدعوات: «اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك
~~ما تبلغنا به إلى رحمتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا،
~~ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا، واجعل ذلك الوارث منا، وانصرنا على من ظلمنا،
~~ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا
~~تسلط علينا من لا يرحمنا» .
# بلغني عن يونس عن الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: كان شداد بن أوس في سفر،
~~فنزلنا منزلا فقال لغلامه: إئتنا بالسفرة نعبث بها؛ فأنكرت منه، فقال ما
~~تكلمت بكلمة مذ أسلمت إلا وأنا أخطمها وأزمها غير كلمتي هذه فلا تحفظوها
~~عني، واحفظوا عني ما أقول لكم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
~~«إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسألك
~~الثبات في الأمر والعزيمة في الرشد وأسألك شكر نعمتك وأسألك حسن عبادتك،
~~وأسألك قلبا سليما ولسانا صادقا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما
~~تعلم، وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب» .
# بلغني عن الوليد بن مسلم قال: حدثنا أبو سلمة الدوسي عن سالم بن عبد الله
~~قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم ارزقني عينين
~~هطالتين
# PageV02P304
# تبكيان بذروف الدموع وتشفيانني من خشيتك قبل أن تكون الدموع دما والأضراس
~~جمرا» .
# حدثني أبو سفيان الغنوي قال: حدثنا عمر بن عمران قال: حدثني الحارث بن
~~عنبة عن العلاء بن كثير عن أبي الأسقع: أنه كان يحفظ من دعاء النبي صلى
~~الله عليه وسلم: «يا موضع كل شكوى ويا شاهد كل نجوى بكل سبيل أنت مقيم ترى
~~ولا ترى وأنت بالمنظر الأعلى» .
# حدثنا عبد الرحمن «1» عن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبه قال: كان
~~دعاء عيسى الذي يدعو به للمرضى والزمنى والعميان والمجانين وغيرهم:
# «اللهم أنت إله من في السماء وإله من في الأرض لا إله فيهما غيرك، وأنت
~~جبار من في السماء وجبار من في الأرض لا جبار فيهما غيرك، وأنت حكم من في
~~السماء وحكم من في الأرض لا حكم فيهما غيرك، وأنت ملك من في السماء وملك من
~~في الأرض لا ملك فيهما غيرك؛ قدرتك في الأرض كقدرتك في السماء، وسلطانك في
~~الأرض كسلطانك في السماء؛ أسألك باسمك الكريم ووجهك المنير وملكك القديم،
~~إنك على كل شيء قدير» . قال وهب: هذا يقرأ للفزع على المجنون ويكتب له
~~ويغسل ويسقى، فيبرأ بإذن الله أي ذلك شاء فعل.
# وحدثني أيضا بهذا الإسناد قال: كان من دعاء المسيح حين أخذه اليهود
~~ليصلبوه بزعمهم فرفعه الله إليه: «اللهم أنت القريب في علوك، المتعالي في
~~دنوك الرفيع على كل شيء من خلقك؛ أنت الذي نفذ بصرك في خلقك، وحسرت الأبصار
~~دون النظر إليك وعشيت دونك، وشمخ بك العلو في النور؛
# PageV02P305
# أنت الذي جليت الظلم بنورك فتباركت اللهم خالق الخلق بقدرتك، مقدر الأمور
~~بحكمتك، مبتدع الخلق بعظمتك، القاضي في كل شيء بعلمك؛ أنت الذي خلقت سبعا
~~في الهواء بكلماتك، مستويات الطباق مذعنات لطاعتك، سما بهن العلو بسلطانك،
~~فأجبن وهن دخان من خوفك، فأتين طائعات بأمرك، فيهن ملائكتك يسبحون قدسك
~~بتقديسك، وجعلت فيهن نورا يجلو الظلام، وضياء أضوأ من شمس النهار، وجعلت
~~فيهن مصابيح يهتدى بها في ظلمات البحر والبر ورجوما للشياطين، فتباركت
~~اللهم في مفطور سمواتك، وفيما دحوت «1» من أرضك، دحوتها على الماء، فأذللت
~~لها الماء المتظاهر «2» فذل لطاعتك وأذعن لأمرك، وخضع لقوتك أمواج البحار،
~~ففجرت فيها بعد البحار الأنهار، وبعد الأنهار العيون الغزار والينابيع؛ ثم
~~أخرجت منها الأشجار بالثمار، ثم جعلت على ظهرها الجبال أوتادا فأطاعتك
~~أطوادها، فتباركت اللهم في صنعك، فمن يبلغ صفة قدرتك ومن ينعت نعتك. تنزل
~~الغيث وتشىء السحاب، وتفك الرقاب وتقضي الحق وأنت خير الفاصلين. لا إله إلا
~~أنت سبحانك أمرت أن يستغفرك كل خاطىء. لا إله إلا أنت إنما يخشاك من عبادك
~~العلماء الأكياس. أشهد أنك لست بإله استحدثناه، ولا رب يبيد ذكره، ولا كان
~~لك شركاء يقضون معك فندعوهم وندعك، ولا أعانك أحد على خلقك فنشك فيك. أشهد
~~أنك أحد صمد لم تلد ولم يكن لك كفوا أحد، ولم تتخذ صاحبة ولا ولدا. إجعل لي
~~من أمري فرجا ومخرجا» ؛ قال وهب: وهذا الدعاء عوذة للشقيقة وغيرها من قولك:
~~أشهد أنك لست بإله استحدثناه، إلى آخره.
# PageV02P306
# حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن عباس قال:
# «الإخلاص هكذا، وبسط يده اليمنى وأشار فإصبعه من يده اليسرى، والدعاء
~~هكذا، وأشار براحتيه إلى السماء، والإبتهال هكذا، ورفع يديه فوق رأسه
~~ظهورهما إلى وجهه» .
# حدثني عبد الرحمن عن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبه قال:
# كان داود إذا دعا في جوف الليل قال: «اللهم نامت العيون وغارت النجوم
~~وأنت حي قيوم اغفر لي ذنبي العظيم إنك عظيم وإنما يغفر العظيم العظيم، إليك
~~رفعت رأسي عامر السماء نظر العبيد إلى أربابها. اللهم تساقطت القرى وأبطل
~~ذكرها وأنت ذائب الدهر معد كرسي القضاء» .
# قال: وكان من تحميده: الحمد لله عدد قطر المطر، وورق الشجر، وتسبيح
~~الملائكة، وعدد ما في البر والبحر. والحمد لله عدد أنفاس الخلق ولفظهم
~~وطرفهم وظلالهم، وعدد ما عن أيمانهم وشمائلهم، وعدد ما قهره ملكه، ووسعه
~~حفظه، وأحاطت به قدرته، وأحصاه علمه. والحمد لله عدد ما تجري به الرياح،
~~وتحمله السحاب، وعدد ما يختلف به الليل والنهار، وتسير به الشمس والقمر
~~والنجوم. والحمد لله عدد كل شيء أدركه بصره، ونفذ فيه علمه، وبلغ فيه لطفه.
~~والحمد لله الذي أدعوه فيجيبني وإن كنت بطيئا حين يدعوني. والحمد لله الذي
~~أسأله فيعطيني، وإن كنت بخيلا حين يستقرضني.
# والحمد لله الذي أستعفيه فيعافيني، وإن كنت متعرضا لما يهلكني. والحمد
~~لله الذي حلم في الذنوب عن عقوبتي حتى كأني لا ذنب لي، ولو يؤاخذني لم
~~يظلمني سيدي. والحمد لله الذي أرجوه أيام حياتي، وهو ذخري في آخرتي، ولو
~~رجوت غيره لا نقطع رجائي. والحمد لله الذي تمسي أبواب الملوك مغلقة دوني،
~~وبابه مفتوح لكل ما شئت من حاجاتي بغير شفيع
# PageV02P307
# فيقضيها لي. والحمد لله الذي أخلو به في كل حاجاتي، وأضع عنده سري في أي
~~ساعة شئت من ساعاتي. والحمد لله الذي يتحبب إلي وهو عني غني فربي أحمد شيء
~~عندي وأحقه بحمدي» .
# وكان من دعاء يوسف: «يا عدتي عند كربتي، ويا صاحبي في وحدتي، ويا غياثي
~~عند شدتي، ومفزعي عند فاقتي، ورجائي إذا انقطعت حيلتي، يا إلهي وإله آبائي
~~إبراهيم وإسحاق ويعقوب، اجعل لي فرجا ومخرجا واقض حاجتي» .
# وكان بكاء بني إسرائيل يقول: «اللهم لا تؤدبني بعقوبتك، ولا تمكر بي في
~~حيلتك، ولا تؤاخذني بتقصيري عن رضاك، عظيم خطيئتي فاغفر، ويسير عملي فتقبل،
~~كما شئت تكون مشيئتك، وإذا عزمت يمضي عزمك؛ فلا الذي أحسن استغنى عنك وعن
~~عونك، ولا الذي أساء استبد بشيء يخرج به من قدرتك، فكيف لي بالنجاة ولا
~~توجد إلا من قبلك! إله الأنبياء، وولي الأنبياء، وبديع مرتبة الكرامة، جديد
~~لا يبلى، حفيظ لا ينسى؛ دائم لا يبيد، حي لا يموت، يقظان لا ينام؛ بل
~~عرفتك، وبك اهتديت إليك، ولولا أنت لم أدر ما أنت؛ فتباركت وتعاليت» .
# قال الأزدي حدثت عن محمد بن النضر الحارثي أن النبي صلى الله عليه وسلم
~~قال: «لا تقطعوا الشهادة على أهل القبلة فإنه من يقطع الشهادة عليهم فأنا
~~منه بريء إن الله كتمنا ما يصنع بأهل القبلة» . وقال: «من علم آية من كتاب
~~الله أو كلمة من سنة في دين الله حثا «1» الله له من الثواب حثوا» .
# قال: وقال الأوزاعي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم إني
~~أسألك
# PageV02P308
# التوفيق لمحابك من الأعمال وحسن الظن بك وصدق التوكل عليك» .
# محمد بن بشر العبدي قال: حدثنا بعض أشياخنا قال: اعتمر علي عليه السلام
~~فرأى رجلا متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول: يا من لا يشغله سمع عن سمع، ولا
~~تغلطه «1» المسائل، ولا يبرمه «2» إلحاح الملحين؛ أذقني برد عفوك وحلاوة
~~مغفرتك؛ فقال علي: والذي نفسي بيده، لو قلتها وعليك ملء السموات والأرضين
~~ذنوبا لغفر لك.
# دعا أعرابي عند الملتزم «3» فقال: اللهم إن لك علي حقوقا فتصدق بها علي،
~~وللناس قبلي تبعات فتحملها عني، وقد أوجبت لكل ضيف قرى، وأنا ضيفك فاجعل
~~قراي الليلة الجنة.
# وقال آخر: اللهم إليك خرجت، وما عندك طلبت، فلا تحرمني خير ما عندك لشر
~~ما عندي. اللهم وإن كنت لم ترحم نصبي وتعبي فلا تحرمني أجر المصاب على
~~مصيبته.
# وقرأت في كتاب لشيخ لنا: اللهم إنه من تهيأ أو تعبأ، وأعد واستعد لوفادة
~~مخلوق رجاء رفده وطلب نيله، فإن تهيىء وتعبىء وإعدادي واستعدادي لك رجاء
~~رفدك وطلب نائلك الذي لا خطر «4» له ولا مثل. اللهم إني لم آتك بعمل صالح
~~قدمته، ولا شفاعة مخلوق رجوته، أتيتك مقرا بالظلم والإساءة على نفسي، أتيتك
~~بأني لا حجة لي، أرجو عظيم عفوك الذي عدت به على
# PageV02P309
# الخطائين، ثم لم يمنعك عكوفهم على عظيم الجرم أن جدت لهم بالمغفرة.
# فيا من رحمته واسعة، وفضله عظيم اغفر الذنب العظيم.
# ابن عائشة قال: قال الفضل بن عيسى الرقاشي: اللهم لا تدخلنا النار بعد
~~إذا أسكنت قلوبنا توحيدك؛ وإني لأرجو ألا تفعل، ولئن فعلت لتجمعن بيننا
~~وبين قوم عاديناهم فيك.
# بلغني عن ابن عيينة عن أبي حازم قال: لأنامن أن أمنع الدعاء أخوف مني من
~~أن أمنع الإجابة.
# أنشدنا محمد بن عمر لبعض الشعراء في وصف دعوة «1» : [طويل]
# وسارية لم تسر في الأرض تبتغي ... محلا ولم يقطع بها البيد قاطع
# سرت حيث لم تسر الركاب ولم تنخ ... لورد ولم يقصر لها القيد مانع
# تحل «2» وراء الليل والليل ساقط ... بأرواقه «3» فيه سمير وهاجع
# تفتح أبواب السماء ودونها «4» ... إذا قرع الأبواب منهن قارع
# إذا أوفدت لم يردد الله وفدها «5» ... على أهلها والله راء وسامع
# وإني لأرجو الله حتى كأنني «6» ... أرى بجميل الظن ما الله صانع
# وقال آخر: [طويل]
# وإني لأدعو الله والأمر ضيق ... علي فما ينفك أن يتفرجا
# PageV02P310
# ورب فتى سدت عليه وجوهه ... أصاب له في دعوة الله مخرجا
# ونحوه: [بسيط]
# إذا تضايق أمر فانتظر فرجا ... فأضيق الأمر أدناه من الفرج
# أخذ لرجل من العرب مال فكتب إلى آخذه: يا هذا، إن الرجل ينام على الثكل،
~~ولا ينام على الحرب «1» ؛ فإما رددته، وإما عرضت اسمك على الله تعالى كل
~~يوم وليلة خمس مرات.
# قال عبد الرحمن بن زياد: اشتكى أبي فكتب إلى بكر بن عبد الله يسأله أن
~~يدعو له، فكتب إليه بكر: يحق لمن عمل ذنبا لا عذر له فيه، وتوقع موتا لا بد
~~له منه، أن يكون وجلا مشفقا، سأدعو لك، ولست أرجو أن يستجاب لي بقوة في
~~عمل، ولا براءة من ذنب، والسلام.
# خلف بن تميم عن عبد الجبار بن كليب قال: قال لنا إبراهيم بن أدهم حين عرض
~~لنا السبع: قولوا: اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واجعلنا في كنفك الذي
~~لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، لا نهلك وأنت رجاؤنا؛ قال خلف: فما زلت
~~أقولها مذ سمعتها، فما عرض لي قط لص ولا غيره.
# قال أعرابي: من أقام بأرضنا فليكثر من الإستغفار، فإن مع الإستغفار
~~القطار «2» .
# بلغني عن موسى بن مسعود النهدي عن سفيان الثوري عن قدامة بن حماطة الضبي
~~عن خالد بن منجاب عن زياد بن حدير الأسدي أن العلاء بن
# PageV02P311
# الحضرمي عبر إلى أهل دارين «1» البحر بهذه الكلمات: يا حليم يا حكيم يا
~~علي يا عظيم.
# حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا يزيد بن هارون عن هشام الدستوائي «2» عن
~~حماد عن إبراهيم عن عبد الله في الرجل إذا أراد الحاجة صلى ركعتين ثم قال:
~~اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم فإنك
~~تقدر ولا أقدر، وتملك ولا أملك، وتعلم ولا أعلم، إن كان هذا الأمر الذي
~~أريده- وتسميه- خيرا لي في ديني وخيرا لي في معيشتي وخيرا لي فيما أبتغي
~~فيه الخيرة فيسره لي وبارك لي فيه، وإن كان شرا لي في ديني وشرا في معيشتي
~~وشرا لي فيما أبتغي فيه الخير فاصرفه عني ويسر لي الخير حيث كان ثم رضني
~~به.
# ومن دعاء بعض الصالحين: اللهم إني أستغفرك من كل ذنب قوي عليه بدني
~~بعافيتك، ونالته يدي بفضل نعمتك، وانبسطت إليه بسعة رزقك، واحتجبت فيه عن
~~الناس بسترك، واتكلت فيه على أناتك وحلمك، وعولت فيه على كريم عفوك.
# الأوزاعي قال: من قال: «اللهم إني أستغفرك لما تبت إليك منه ثم عدت فيه،
~~وأستغفرك لما وعدتك من نفسي وأخلفتك، وأستغفرك لما أردت به وجهك فخالطه ما
~~ليس لك، وأستغفرك للنعم التي أنعمت بها علي فتقويت
# PageV02P312
# بها على معصيتك، واستغفرك لكل ذنب أذنبته أو معصية ارتكبتها» غفر الله له
~~ولو كانت ذنوبه عدد ورق الشجر، ورمل عالج «1» ، وقطر السماء.
# وكان مطرف يقول: اللهم إني أعوذ بك من شر السلطان، ومن شر ما تجري به
~~أقلامهم، وأعوذ بك أن أقول قولا حقا فيه رضاك ألتمس به أحدا سواك، وأعوذ بك
~~أن أتزين للناس بشيء يشينني، وأعوذ بك أن أكون عبرة لأحد من خلقك، وأعوذ بك
~~أن يكون أحد من خلقك أسعد بما علمتني مني، وأعوذ بك أن أستغيث بمعصية لك من
~~ضر يصيبني.
# الأزدي عن عبد الواحد بن زيد قال: شهدت مالك بن دينار يوما وقيل له: يا
~~أبا يحيى، أدع الله أن يسقينا، قال: تستبطئون المطر! قالوا: نعم؛ قال: إنني
~~والله أستبطىء الحجارة.
# قال أبو كعب: سمعت عطاء السلمي يقول: اللهم ارحم غربتي في الدنيا، ومصرعي
~~عند الموت، ووحدتي في القبور، ومقامي بين يديك.
# حدثني محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال:
~~حدثنا زهير عن زبيد اليامي «2» عن مرة عن عبد الله قال: إن الله تعالى قسم
~~بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، إن الله يؤتي المال من يحب ومن لا
~~يحب، ولا يؤتي الإيمان إلا من يحب. فمن ضن بالمال أن ينفقه، وهاب العدو أن
~~يجاهده، والليل أن يكابده فليكثر من سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا
~~الله والله أكبر» .
# PageV02P313
# ومن جامع الدعاء: اللهم أغنني بالعلم، وزيني بالحلم، وجملني بالعافية،
~~وأكرمني بالتقوى.
# وكان من دعاء أبي المجيب: اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا فنعجز، ولا إلى
~~الناس فنضيع، اللهم اجعل خير عملي ما قارب أجلي.
# ومن دعاء عمرو بن عبيد: اللهم أغنني بالإفتقار إليك، ولا تغنني
~~بالإستغناء عنك.
# ابن عائشة عن سلام بن أبي مطيع قال: سمعت ابن عون يقول: كانوا يستحبون من
~~الدعاء: اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك لعبيدك وإمائك، أنا الذليل ولا
~~أنتصر، وأنا الظالم، ولا أعتذر، عملت سوءا وظلمت نفسي وإلا تغفر لي وترحمني
~~أكن من الخاسرين، فما أتمها ابن عون حتى أجهش «1» بالبكاء.
# ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اجعلني لك سكارا، لك ذكارا، لك
~~رهابا، لك مطيعا، إليك مخبتا، لك أواها منيبا، رب تقبل توبتي واغسل حوبتي
~~وأجب دعوتي وثبت حجتي واهد قلبي وسدد لساني» .
### | المناجاة
# حدثني عبد الله بن هارون عن سليم بن منصور عن أبيه قال: كنت بالكوفة
~~فخرجت في بعض الليل لحاجة وأنا أظن أني قد أصبحت فإذا علي ليل فملت إلى بعض
~~أبوابها أنتظر الصبح فسمعت من وراء الباب كلام رجل وهو يقول: فوعزتك وجلالك
~~ما أردت بمعصيتي مخالفتك، وما عصيتك إذ
# PageV02P314
# عصيتك وأنا بنكالك جاهل، ولا بعقوبتك ولا بنظرك مستخف، ولكن سولت لي
~~نفسي، وأعانني على ذلك شقوتي، وغرني سترك المرخى علي، فعصيتك بجهل وخالفتك
~~بجهل، فالآن من عذابك من يستنقذني وبحبل من أعتصم إن قطعت حبلك عني،
~~فواسوأتاه من الوقوف بين يديك غدا! إذا قيل للمخفين: جوزوا وللمثقلين:
~~حطوا؛ أفمع المثقلين أحط أم مع المخفين أجوز؟ ويلي! كلما كبرت سني كثرت
~~ذنوبي؛ ويلي! كلما طال عمري كثرت معاصي فمن كم أتوب! وفي كم أعود! أما آن
~~لي أن أستحي من ربي؟
# بلغني عن الوليد بن مسلم عن عثمان بن أبي العاتكة قال: كان داود النبي
~~عليه السلام يقول في مناجاته: سبحانك إلهي! إذا ذكرت خطيئتي ضاقت علي الأرض
~~برحبها، وإذا ذكرت رحمتك ارتد إلي روحي، سبحانك إلهي! أتيت أطباء عبادك
~~ليداووا لي خطيئتي فكلهم عليك يدلني.
# حدثني بعض أشياخنا قال: كان داود الطائي يقول: همك عطل علي الهموم، وحالف
~~بيني وبين السهاد، وشدة الشفق من لقائك أوبق «1» علي الشهوات، ومنعني
~~اللذات، فأنا في طلبك أيها الكريم مطلوب. وقال: تعبد ضيعم قائما حتى أقعد،
~~وقاعدا حتى استلقى، ومستلقيا حتى أفحم؛ فلما جهد رفع بصره إلى السماء وقال:
~~سبحانك، عجبا للخليقة كيف أرادت بك بدلا؟ وسبحانك، عجبا للخليقة كيف
~~استنارت قلوبها بذكر غيرك؟ وعجبا للخليقة كيف أنست بسواك؟
# عتبة أبو الوليد قال: كانت امرأة من التابعين تقول:
# سبحانك، ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله! سبحانك ما أوحش
# PageV02P315
# الطريق على من لم تكن أنيسه!.
# أبو الحسن قال: كان عروة بن الزبير يقول في مناجاته بعد أن قطعت رجله
~~ومات ابنه: كانوا أربعة، يعني بنيه، فأخذت واحدا وأبقيت ثلاثة، وكن أربعا
~~يعني يديه ورجليه، فأخذت واحدة وأبقيت ثلاثا، ليمنك «1» لئن كنت أخذت لقد
~~أبقيت، ولئن كنت ابتليت لقد عافيت.
# وفي حديث بني إسرائيل أن يونس عليه السلام قال لجبريل عليه السلام: دلني
~~على أعبد أهل الأرض فدله على رجل قد قطع الجذام يديه ورجليه، وذهب ببصره،
~~فسمعه يقول: متعتني ما شئت، وسلبتني حين شئت، وأبقيت لي فيك الأمل يا بار
~~يا وصول.
# ومن دعاء بعض الصالحين: اللهم اقطع حوائجي من الدنيا بالشوق إلى لقائك،
~~واجعل قرة عيني في عبادتك، وارزقني غم خوف الوعيد، وشوق رجاء الموعود،
~~أللهم إنك تعلم ما يصلحني في دنياي وآخرتي فكن بي خفيا «2» .
### | باب البكاء
# حدثني أبو مسعود الدارمي قال: حدثني جدي عن أنس بن مالك قال:
# جاء فتى من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن أمي تكثر
~~البكاء وأخاف على بصرها أن يذهب؛ فلو أتيتها فوعظتها! فذهب معه فدخل فقال
~~لها في ذلك؛ فقالت: يا رسول الله، أرأيت إن ذهب بصري في الدنيا ثم صرت إلى
~~الجنة، أيبدلني الله خيرا منه؟ قال: «نعم» قالت: فإن ذهب بصري في الدنيا
# PageV02P316
# ثم صرت إلى النار؛ أفيعيد الله بصري؟ فقال النبي عليه السلام للفتى: «إن
~~أمك صديقة» .
# حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن الأوزاعي عن ثابت
~~بن سعيد قال: ثلاث أعين لا تمسها النار؛ عين حرست في سبيل الله؛ وعين سهرت
~~في كتاب الله؛ وعين بكت في سواد الليل من خشية الله.
# أبو حاتم عن العتبي قال: حدثنا أبو إبراهيم قال: لا يكون البكاء إلا من
~~فضل فإذا اشتد الحزن ذهب البكاء، وأنشد: [كامل]
# فلئن بكيناه يحق لنا ... ولئن تركنا ذاك للكبر
# فلمثله جرت العيون دما ... ولمثله جمدت فلم تجر
# بلغني عن أبي الحارث الليث بن سعد عن أبيه عن ابن لهيعة عن أبي قبيل عن
~~عبد الله بن عمرو بن العاص قال: دخل يحيى بن زكريا بيت المقدس وهو ابن
~~ثماني حجج، فنظر إلى عباد بيت المقدس قد لبسوا مدارع الشعر، وبرانس الصوف،
~~ونظر إلى متهجديهم أو قال مجتهديهم قد خرقوا التراقي، وسلكوا فيها السلاسل،
~~وشدوها إلى حنايا بيت المقدس، فهاله ذلك؛ فرجع إلى أبويه فمر بصبيان يلعبون
~~فقالوا: يا يحيى، هلم فلنلعب قال: إني لم أخلق للعب، فذلك قول الله تعالى:
~~وآتيناه الحكم صبيا
# «1» فأتى أبويه فسألهما أن يدرعاه الشعر ففعلا، ثم رجع إلى بيت المقدس
~~فكان يخدمه نهارا ويصيح فيه ليلا، حتى أتت له خمس عشرة سنة، وأتاه الخوف
~~فساح ولزم أطراف الأرض وغيران «2» الشعاب، وخرج أبواه في طلبه فوجداه
# PageV02P317
# حين نزلا من جبال التيه على بحيرة الأردن وقد قعد على شفير البحيرة وأنقع
~~قدميه في الماء، وقد كاد العطش يذبحه وهو يقول: وعزتك لا أذوق بارد الشراب
~~حتى أعلم أين مكاني منك! فسأله أبواه أن يأكل قرصا كان معهما من شعير،
~~ويشرب من الماء ففعل وكفر عن يمينه فمدح بالبر؛ قال الله عز وجل:
# وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا
# «1» ورده أبواه إلى بيت المقدس، فكان إذا قام في صلاته بكى، ويبكي زكريا
~~لبكائه حتى يغمى عليه، فلم يزل كذلك حتى خرقت دموعه لحم خديه، وبدت أضراسه،
~~فقالت له أمه: يا يحيى، لو أذنت لي اتخذت لك لبدا «2» ليواري إضراسك عن
~~الناظرين؛ قال: أنت وذاك، فعمدت إلى قطعتي لبود فألصقتهما على خديه، فكان
~~إذا بكى استنقعت دموعه في القطعتين فتقوم إليه أمه فتعصرهما بيديها، فكان
~~إذا نظر إلى دموعه تجري على ذراعي أمه قال: اللهم، هذه دموعي وهذه أمي وأنا
~~عبدك وأنت أرحم الراحمين.
# بلغني عن أبي معاوية عن أبي إسحاق الخميسي قال: كان يزيد الرقاشي يقول:
~~ويحك يا يزيد! من يصوم عنك! من يصلي عنك! ومن ذا يترضى لك ربك من بعدك! ثم
~~يقول: يا معشر من الموت موعده، والقبر بيته ألا تبكون؟ قال: فكان يبكي حتى
~~تسقط أشفار «3» عينيه.
# بلغني عن محمد بن فضيل عن العلاء بن المسيب عن الحسن قال: قال النبي صلى
~~الله عليه وسلم: «ما من قطرة أحب إلى الله من قطرة دم في سبيله وقطرة دمع
~~في
# PageV02P318
# جوف الليل من خشيته، وما من جرعة أحب إلى الله من جرعة مصيبة موجعة ردها
~~بصبر وحسن عزاؤه، وجرعة غيظ كظم عليها» .
# معتمر بن سليمان عن رجل قال: كان في وجنتي ابن عباس خطان من أثر الدموع.
# حدثني محمد بن داود عن سعيد بن نصير قال: حدثنا سيار عن جعفر قال: كنت
~~إذا أحسست من قلبي بقسوة أتيت محمد بن واسع فنظرت إليه نظرة: قال: وكنت إذا
~~رأيت وجهه حسبته وجه ثكلى.
# وكان يقال: أخوك من وعظك برؤيته قبل أن يعظك بكلامه.
# تكلم الحسن يوما حتى أبكى من حوله فقال: عجيج «1» كعجيج النساء ولا عزم،
~~وخدعة كخدعة إخوة يوسف جاءوا أباهم عشاء يبكون.
# أبو عاصم قال: فقد مالك بن دينار مصحفه في مجلسه؛ فنظر إليهم كلهم يبكون؛
~~فقال: كلكم يبكي! فمن سرق المصحف؟.
# قال عبد العزيز بن مرزوق: الكمد أبقى للحزن؛ وكانت له شعيرات في مقدم
~~صدغه فإذا رق نتفها أو مدها إلى فوق فتقلص دمعه.
# قيل لغالب بن عبيد الله: إنا نخاف على عينك العمى من طول البكاء؛ فقال:
~~هو لها شهادة؛ قال بعض الشعراء: [طويل]
# سأبكيك حتى تنفد العين ماءها ... ويشفي مني الدمع ما أتوجع
# وقال بعض الكتاب في مثله: [سريع]
# إبك فمن أنفع ما في البكا ... أنه للأحزان تسهيل
# PageV02P319
# وهو إذا أنت تأملته ... حزن على الخدين محلول
# قيل لعفيرة العابدة: ألا تسأمين من طول البكاء؟ فبكت ثم قالت: كيف يسأم
~~ذو داء من شيء يرجو أن يكون له فيه من دائه شفاء؟
# قال ابن أبي الحواري: رأيت أبا سليمان الداراني يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟
~~فقال: إنما أبكي لذلك الغم الذي ليس فيه فرح، وذلك الأمد الذي ليس له
~~انقطاع.
# قال بعضهم: أتيت الشام، فمررت بدير حرملة، وبه راهب كأن عينيه عدلا مزاد
~~«1» ؛ فقلت؛ ما يبكيك؟ فقال: يا مسلم، أبكي على ما فرطت فيه من عمري، وعلى
~~يوم مضى من أجلي لم يتبين فيه عملي. قال: ثم مررت بعد ذلك فسألت عنه؛
~~فقالوا: أسلم وغزا فقتل في بلاد الروم.
# أشعث قال: دخلت على يزيد الرقاشي فقال لي: يا أشعث، تعالى حتى نبكي على
~~الماء البارد في يوم الظمأ، ثم قال: والهفاه! سبقني العابدون وقطع بي؛ وكان
~~قد صام ثلاثين أو أربعين سنة.
# زيد الحميري قال: قلت لثوبان الراهب: أخبرني عن لبس النصارى هذا السواد،
~~ما المعنى فيه؟ قال: هو أشبه بلباس أهل المصائب؛ قال:
# فقلت: وكلكم معشر الرهبان قد أصيب بمصيبة؟ فقال: يرحمك الله! وأي مصيبة
~~أعظم من مصائب الذنوب على أهلها؟ قال زيد: فلا أذكر قوله ذلك إلا أبكاني.
# ابن أبي الحواري قال: دخلت على أبي سليمان وهو يبكي؛ فقلت: ما
# PageV02P320
# يبكيك؟ قال: يا أحمد، إنه إذا جن الليل وهدأت العيون وأنس كل خليل
~~بخليله، فرش أهل المحبة أقدامهم، وجرت دموعهم على خدودهم يسمع لها وقع على
~~أقدامهم، وقد أشرف الجليل عليهم فقال: بعيني من تلذذ بكلامي واستراح إلي،
~~فما هذا البكاء الذي أراه منكم؟ هل أخبركم أحد أن حبيبا يعذب أحباءه؟ أم
~~كيف أبيت قوما، وعند البيات أجدهم وقوفا يتملقونني! فبي حلفت أن أكشف لهم
~~يوم القيامة عن وجهي ينظرون إلي.
# قالت خنساء: كنت أبكي لصخر من القتل، فأنا أبكي له اليوم من النار.
# قال عمر بن ذر لأبيه: يا أبت، مالك إذا تكلمت أبكيت الناس، وإذا تكلم
~~غيرك لم يبكهم؟ فقال: يا بني، ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المستأجرة.
# وفي بعض ما أوحى الله إلى نبي من أنبيائه: هب لي من قلبك الخشوع، ومن
~~بدنك الخضوع، ومن عينك الدموع، وادعني، فإني قريب.
# وكان عمر يقول: استغزروا العيون بالتذكر.
### | التهجد
# حدثنا حسين بن حسن المروزي قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرني
~~معمر والأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير (1) عن أبي سلمة عن أبي زمعة بن كعب
~~الأسلمي قال: كنت أبيت عند حجرة النبي صلى الله عليه وسلم فكنت أسمع، إذا
~~قام من الليل، «سبحان الله رب العالمين» الهوي «1» من الليل، ثم يقول:
# PageV02P321
# «سبحان الله وبحمده» الهوي.
# حدثنا حسين قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن علاقة قال:
# سمعت المغيرة بن شعبة يقول: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورمت
~~قدماه؛ فقيل:
# يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؛ قال: «أفلا أكون
~~عبدا شكورا؟» .
# حدثنا حسين قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن
~~ثابت البناني عن مطرف بن عبد الله عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلى الله
~~عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزير كأزيز المرجل.
# بلغني عن رباح عن معتمر عن رجل قد سماه قال: قال يزيد الرقاشي:
# إذا أنا نمت ثم استيقظت ثم نمت فلا نامت عيناي، وعلى الماء البارد
~~السلام. يعني بالنهار.
# وروى جرير عن عطاء بن السائب قال: قال عبيدة بن هلال الثقفي: لا يشهد علي
~~ليل بنوم ولا شمس بإفطار؛ فبلغ ذلك عمر فأقسم عليه ليفطرن العيدين.
# وروى حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي عن جده عمير بن حبيب قال: كان يقول
~~لأهله: يآهلاه، الدلجة الدلجة، إنه من يسبق إلى الماء يظمأ؛ يآهلا، الدلجة
~~الدلجة، إنه من يسبق إلى الظل يضحى.
# قال أبو سليمان الداراني: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم،
~~ولولا الليل ما أحببت البقاء.
# خرج عيسى عليه السلام على الحواريين، وعليهم العباء «1» وعلى
# PageV02P322
# وجوههم النور، فقال: يا أبناء الآخرة، ما تنعم المتنعمون إلا بفضل
~~نعيمكم.
# وقيل للحسن: ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوها؟ فقال: إنهم خلوا
~~بالرحمن فألبسهم نورا من نوره.
# حصين بن عبد الرحمن عن إبراهيم قال: كان رجل يقال له همام يقول: اللهم
~~اشفني من النوم باليسير، وارزقني سهرا في طاعتك. وكان يصبح وجمته «1»
~~مرجلة؛ فيقول بعضهم لبعض: إن جمة همام تخبركم أنه لم يتوسدها الليلة.
# قال عبد الله بن داود: كان أحدهم إذا بلغ أربعين سنة طوى فراشه.
# وكان بعضهم يحيي الليل، فإذا نظر إلى الفجر قال: «عند الصباح يحمد القوم
~~السرى» «2» .
# حدثنا حسين بن حسن قال: أخذ الفضيل بن عياض بيدي ثم قال: يا حسين، يقول
~~الله: كذب من ادعى محبتي وإذا أجنه الليل نام عني، أليس كل حبيب يحب خلوة
~~حبيبه؟ هأنذا مطلع على أحبائي، إذا أجنهم الليل جعلت أبصارهم في قلوبهم،
~~ومثلت نفسي بين أعينهم، فخاطبوني على المشاهدة وكلموني على الحضور.
# الوليد بن مسلم قال: حدثني عبد الرحمن بن يزيد قال: كنا نقاريء «3» عطاء
~~الخراساني فكان يحيى الليل صلاة، فإذا مضى من الليل ثلثه أو أكثر نادانا
~~ونحن في فسطاطنا: يا عبد الرحمن بن يزيد، ويا يزيد بن يزيد، ويا
# PageV02P323
# هشام بن الغازي، قوموا فتوضأوا وصلوا. فإن قيام هذا الليل وصيام هذا
~~النهار أيسر من شرب الصديد ومن مقطعات الحديد؛ فالوحا الوحا ثم النجاء
~~النجاء؛ ويقبل على صلاته.
# مالك بن مغول عن رجل من جعفي «1» عن السدي عن أبي أراكة قال:
# صلى علي الغداة ثم جلس حتى ارتفعت الشمس كأن عليه كآبة، ثم قال:
# والله، لقد رأيت أثرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أرى
~~أحدا يشبههم، والله إن كانوا ليصبحون شعثا غبرا صفرا، بين أعينهم مثل ركب
~~المعزى، قد باتوا يتلون كتاب الله، يراوحون بين أقدامهم وجباههم؛ إذا ذكروا
~~الله مادوا كما يميد الشجر في يوم ريح، وانهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم،
~~وكأنهم، والله، باتوا غافلين. يريد أنهم يستقلون ذلك.
# المحاربي عن الإفريقي قال: حدثنا أبو علقمة عن أبي هريرة قال: إن أهل
~~السماء ليرون بيوت أهل الذكر تضيء لهم كما تضيء الكواكب لأهل الأرض.
# يعلى بن عبيد عن محمد بن عون عن إبراهيم بن عيسى عن عبد الله بن عيسى
~~قال: كونوا ينا بيع العلم، مفاتيح الهدى، أحلاس «2» البيوت، جدد القلوب،
~~خلقان الثياب، سرج الليل، تعرفوا في أهل السماء، وتخفوا في أهل الأرض.
# PageV02P324
# حدثني محمد بن داود قال: حدثنا أبو الربيع الزهراني قال: حدثنا أبو عوانة
~~عن المغيرة عن إبراهيم: في الرجل يرى الضوء بالليل؛ قال: هو من الشيطان، لو
~~كان هذا فضلا لأوثر به أهل بدر.
### | الموت
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثني عيسى بن ميمون عن محمد بن كعب قال:
~~نظرت إلى عمر بن عبد العزيز فأدمت النظر إليه؛ قال:
# ما تنظر يا محمد؟ قلت: أنظر إلى ما ابيض من شعرك، ونحل من جسمك، وتغير من
~~لونك؛ فقال: أما والله لو رأيتني في القبر بعد ثالثة؛ وقد سالت حدقتاي على
~~وجنتي، وسال منخراي صديدا ودودا، لكنت أشد نكرة «1» .
# وقال الأصمعي: دخلت بعض الجبابين «2» ، فإذا أنا بجارية ما أحسبها أتت
~~عليها عشر سنين، وهي تقول: [متقارب]
# عدمت الحياة ولا نلتها ... إذا كنت في القبر قد ألحدوكا
# وكيف أدوق لذيذ الكرى ... وأنت بيمناك قد وسدوكا
# قال الأزدي: بلغني أن داود الطائي مر بامرأة تبكي عند قبر وهي تقول:
# يا أخاه! ليت شعري: [سريع]
# بأي خديك تبدى البلى ... وأي عينيك إذا سالا
# فصعق مكانه ثم تعبد.
# حدثني محمد بن مرزوق قال: حدثنا محمد بن نصر المعلم قال:
# PageV02P325
# حدثنا جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار أنه قال: [متقارب]
# أتيت القبور فناديتهن ... ن أين المعظم والمحتقر؟
# وأين المدل بسلطانه؟ ... وأين المزكي إذا ما افتخر؟
# قال: فنوديت من بينها ولا أرى أحدا: [متقارب]
# تفانوا جميعا فما مخبر ... وماتوا جميعا ومات الخبر
# تروح وتغدو بنات الثرى «1» ... فتمحو محاسن تلك الصور
# فيا سائلي عن أناس مضوا ... أما لك فيما ترى معتبر؟
# قال: فرجعت وأنا أبكي.
# بلغني أنه قرىء على قبر بالشام: [بسيط]
# باتوا على قلل «2» الأجبال تحرسهم ... غلب الرجال فلم تنفعهم القلل
# واستنزلوا بعد عز من معاقلهم ... فأسكنوا حفرة يا بئس ما نزلوا
# ناداهم وصارخ من بعد ما دفنوا ... أين الأسرة والتيجان والحلل؟
# أين الوجوه التي كانت محجبة ... من دونها تضرب الأستار والكلل «3» ؟
# فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم ... تلك الوجوه عليها الدود تقتتل
# قد طال ما أكلوا دهرا وما نعموا ... فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا
# وقال آخر: [رمل]
# رب قوم عبروا من عيشهم ... في نعيم وسرور وغدق
# سكت الدهر زمانا عنهم ... ثم أبكاهم دما حين نطق
# PageV02P326
# نزل النعمان ومعه عدي بن زيد في ظل شجرة عظيمة ليلهوا؛ فقال له عدي بن
~~زيد: أتدري ما تقول هذه الشجرة؟ قال: لا؛ قال تقول: [رمل]
# رب شرب «1» قد أناخوا عندنا ... يشربون الخمر بالماء الزلال
# ثم أضحوا لعب الدهر بهم ... وكذاك الدهر حالا بعد حال
# وقال إبراهيم بن المهدي «2» : [بسيط]
# بالله ربك كم بيت مررت به ... قد كان يعمر باللذات والطرب
# طارت عقاب المنايا في سقائفه ... فصار من بعدها للويل والحرب «3»
# أنشدنا أبو عبد الرحمن صاحب الأخفش عن الأخفش للخليل بن أحمد العروضي:
~~[كامل]
# كن كيف شئت فقصرك الموت ... لا مزحل عنه ولا فوت «4»
# بينا غنى بيت وبهجته ... زال الغنى وتقوض البيت
# حدثني يزداد بن أسد عن الطنافسي قال: حدثنا أبو محمد قال: كان مالك بن
~~دينار يخرج إلى القبور كل خميس على حمار قوطراني ويقول:
# [وافر]
# ألا حي القبور ومن بهنه ... وجوه في القبور أحبهنه
# PageV02P327
# فلو أن القبور سمعن صوتي ... إذا لأجبنني من وجدهنه
# ولكن القبور صمتن عني ... فأبت بحسرة من عندهنه
# ثم يبكي ونبكي.
# قال معاوية بن أبي سفيان لعبيد بن شرية الجرهمي: أخبرني بأعجب شيء رأيته
~~في الجاهلية؛ فقال: إني نزلت بحي من قضاعة فخرجوا بجنازة رجل من عذرة يقال
~~له حريث وخرجت معهم، حتى إذا واروه في حفرته انتبذت جانبا عن القوم وعيناي
~~تذرفان ثم تمثلت بأبيات شعر كنت أرويها قبل ذلك بزمان طويل: [بسيط]
# تجري أمور ولا تدري أوائلها ... خير لنفسك أم ما فيه تأخير
# فاستقدر الله خيرا وارضين به ... فبينما العسر إذ دارت مياسير
# وبينما المرء في الأحياء مغتبطا ... إذ صار في الرمس «1» تعفوه الأعاصير
# يبكي الغريب عليه ليس يعرفه ... وذو قرابته في الحي مسرور
# قال: وإلى جانبي رجل يسمع ما أقول، فقال لي: يا عبد الله، هل لك علم
~~بقائل هذه الأبيات؟ قلت: لا والله؛ إلا أني أرويها منذ زمان؛ فقال:
# والذي تحلف به إن قائلها لصاحبنا الذي دفناه آنفا، وهذا الذي ترى ذو
~~قرابته أسر الناس بموته، وإنك لغريب وتبكي عليه كما وصفت؛ فعجبت لما ذكره
~~في شعره وما صار إليه من أمره وقوله، كأنه ينظر إلى مكاني من جنازته، فقلت:
~~«إن البلاء موكل بالقول» ؛ فذهبت مثلا.
# قال أعرابي: خير من الحياة ما أذا فقدته أبغضت لفقده الحياة، وشر من
~~الموت ما إذا نزل بك أحببت لنزوله الموت.
# PageV02P328
# وقال أبو زبيد «1» : [خفيف]
# يملك المرء بالرجاء ويضحي ... غرضا للمنون نصب العود
# كل يوم ترميه منها برشق ... فمصيب أوصاف غير بعيد «2»
# وقال أبو العتاهية: [مجزوء الكامل]
# وعظتك إجداث صمت ... ونعتك أزمنة خفت
# وتكلمت عن أوجه ... تبلى وعن صور شتت
# وأرتك قبرك في القبو ... ر وأنت حي لم تمت
# وقال أعرابي: أبعد سفر أول منقلة «3» منه الموت. وقيل لأعرابي: مات فلان
~~أصح ما كان؛ فقال: أو صحيح من الموت في عنقه؟ وقال بعض المحدثين: [سريع]
# اسمع فقد أسمعك الصوت ... إن لم تبادر فهو الفوت
# بل كل إذا شئت وعش ناعما ... آخر هذا كله الموت
# وكان صالح المري يقول في قصصه: [متقارب]
# مؤمل دنيا لتبقى له ... فمات المؤمل قبل الأمل
# وبات يروي أصول الفسيل «4» ... فعاش الفسيل ومات الرجل
# وقال مسلم بن الوليد: [رمل]
# PageV02P329
# كم رأينا من أناس هلكوا ... وبكى أحبابهم ثم بكوا
# تركوا الدنيا لمن بعدهم ... ودهم لو قدموا ما تركوا
# كم رأينا من ملوك سوقة ... ورأينا سوقة قد ملكوا
# قلب الدهر عليهم وركا ... فاستداروا حيث دار الفلك
# حدثني أبي عن أبي العتاهية أنه قرىء له بيتان على جدار من جدر كنيسة
~~القسطنطينية: [منسرح]
# ما اختلف الليل والنهار ولا ... دارت نجوم السماء في الفلك
# إلا بنقل السلطان عن ملك ... كان يحب الدنيا إلى ملك
# وقال آخر: [منسرح]
# ما أنزل الموت حق منزله ... من عد يوما لم يأت من أجله
# والصدق والصبر يبلغان بمن ... كانا قرينيه منتهى أمله
# عليك صدق اللسان مجتهدا ... فإن جل الهلاك في زلله
# وقال الطرماح «1» : [طويل]
# فيا رب لا تجعل وفاتي إن أتت ... على شرجع «2» يعلى بركن «3» المطارف
# ولكن أجز يومي شهيدا وعصبة ... يصابون في فج من الأرض خائف «4»
# PageV02P330
# عصائب من شتى يؤلف بينهم ... هدى الله نزالون عند المواقف
# إذا فارقوا دنياهمو فارقوا الأذى ... وصاروا إلى «1» موعودها في المصاحف
# فأقتل قعصا ثم يرمى بأعظمي ... كضغث الخلا بين الرياح العواصف «2»
# ويصبح لحمي بطن طير «3» مقيله ... دوين السماء في نسور عوائف «4»
# وهيب بن الورد قال: اتخذ نوح بيتا من خص «5» ، فقيل له: لو بنيت بيتا؟
~~فقال: هذا لمن يموت كثير.
# بلغني عن إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم أن أبا الدرداء كان إذا رأى
~~جنازة قال: إغدي فإنا رائحون، أو قال: روحي فإنا غادون. وهذا مثل قول لبيد
~~«6» : [طويل]
# وإنا وإخوانا لنا قد تتابعوا ... لكالمغتدي والرائح المتهجر
# بلغني عن وكيع عن شريك عن منصور عن هلال بن إساف قال: ما من
# PageV02P331
# مولود يولد إلا وفي سرته من تربة الأرض التي يموت فيها. قال الأصمعي:
# أول شعر قيل في ذم الدنيا قول ابن خذاق «1» : [بسيط]
# هل للفتى من بنات الدهر «2» من راقي ... أم هل له من حمام الموت من واقي؟
# قد رجلوني وما رجلت من شعث ... وألبسوني ثيابا غير أخلاق «3»
# وطيبوني وقالوا إيما رجل ... وأدرجوني كأني طي مخراق «4»
# هون عليك ولا تولع بإشفاق ... فإنما مالنا للوارث الباقي
# محمد بن فضيل عن عبيد الله بن عمير قال: جاء رجل إلى النبي عليه السلام
~~فقال: يا نبي الله، مالي لا أحب الموت؟ فقال له: «هل لك مال» ؟
# قال: نعم، قال: «قدمه بين يديك» ؛ قال: لا أطيق ذلك؛ قال: فقال النبي
~~عليه السلام: «إن المرء مع ماله إن قدمه أحب أن يلحق به وإن أخره أحب أن
~~يتخلف معه» .
# المحاربي عن عبد الملك بن عمير قال: قيل للربيع بن خيثم في مرضه: ألا
~~ندعو لك طبيبا؟ قال: أنظروني؛ ثم فكر فقال: وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا
~~بين ذلك كثيرا
# «5» قد كانت فيهم أطباء، فما أرى المداوي بقي ولا المداوى؛ هلك الناعت
~~والمنعوت له، لا تدعوا لي طبيبا.
# PageV02P332
# إسحاق بن سليمان عن أبي أحمد قال: كان عمر بن عبد العزيز ليس له هجيري
~~«1» إلا أن يقول: [طويل]
# تسر بما يبلى وتفرح بالمنى ... كما اغتر باللذات في النوم حالم
# نهارك، يا مغرور، سهو وغفلة ... وليلك نوم والردى لك لازم
# وسعيك فيما سوف تكره غبه ... كذلك في الدنيا تعيش البهائم
# كم من مستقبل يوما ليس بمستكمله، ومنتظر غدا ليس من أجله؛ لو رأيتم الأجل
~~ومسيره، وبغضتم الأمل وغروره «2» . [كامل]
# لا يلبث القرناء أن يتفرقوا ... ليل يكر عليهمو ونهار
# يحيى بن آدم عن عبد الله بن المبارك عن عبد الوهاب بن ورد عن سالم ابن
~~بشير بن حجل عن أبي هريرة: أنه بكى في مرضه فقال: أما إني لا أبكي على
~~دنياكم ولكني أبكي على بعد سفري وقلة زادي، وأني أمسيت في صعود مهبطه على
~~جنة أو نار، ولا أدري على أيهما يؤخذ بي!.
# أبو جناب قال: لما احتضر معاذ قال لجاريته: ويحك! هل أصبحنا؟
# قالت: لا؛ ثم تركها ساعة ثم قال لها: أنظري! فقالت: نعم؛ فقال: أعوذ
~~بالله من صباح إلى النار! ثم قال: مرحبا بالموت، مرحبا بزائر جاء على فاقة،
~~لا أفلح من ندم! اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء في الدنيا لكري «3»
~~الأنهار ولا لغرس الأشجار، ولكن كنت أحب البقاء لمكابدة الليل الطويل ولظمأ
~~الهواجر في الحر الشديد ولمزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر
# PageV02P333
# أبو اليقظان قال: لما احتضر عمرو بن العاص جعل يده في موضع الغل من عنقه
~~ثم قال: اللهم إنك أمرتنا ففرطنا، ونهيتنا فركبنا، اللهم إنه لا يسعنا إلا
~~رحمتك؛ فلم يزل ذلك هجيراه حتى قبض.
# قيل لآزاذ مرد بن الهزبذ حين احتضر؛ ما حالك؟ فقال: ما حال من يريد سفرا
~~بعيدا بلا زاد، وينزل حفرة من الأرض موحشة بلا مؤنس، ويقدم على ملك جبار قد
~~قدم إليه العذر بلا حجة! حدثني عبدة الصفار قال: حدثني العلاء بن الفضل
~~قال: حدثني محمد ابن إسماعيل عن أبيه عن جده عن جد أبيه قال: سمعت أمية بن
~~أبي الصلت عند وفاته وأغمي عليه طويلا ثم أفاق، ورفع رأسه إلى سقف البيت
~~وقال:
# لبيكما لبيكما، ها أنذا لديكما، لا عشيرتي تحميني، ولا مالي يفديني، ثم
~~أغمي عليه طويلا ثم أفاق فقال: [خفيف]
# كل عيش وإن تطاول دهرا ... صائر مرة إلى أن يزولا
# ليتني كنت قبل ما قد بدا لي ... في رؤوس الجبال أرعى الوعولا
# ثم فاضت نفسه.
# الحكم بن عثمان قال: قال المنصور عند موته: اللهم إن كنت تعلم أني قد
~~ارتكبت الأمور العظام جرأة مني عليك، فإنك تعلم أني قد أطعتك في أحب
~~الأشياء إليك شهادة أن لا إله إلا أنت، منا منك لا منا عليك. وكان سبب
~~إحرامه من الخضراء «1» أنه كان يوما نائما، فأتاه آت في منامه فقال: [طويل]
# كأني بهذا القصر قد باد أهله ... وعري منه أهله ومنازله
# PageV02P334
# وصار عميد القوم من بعد نعمة ... إلى جذث تبنى عليه جنادله
# فلم يبق إلا رسمه وحديثه ... تبكي عليه معولات حلائله
# فاستيقظ مرعوبا ثم نام فأتاه لآتي فقال: [طويل]
# أبا جعفر، حانت وفاتك وانقضت ... سنوك وأمر الله لا بد واقع
# فهل كاهن أعددته أو منجم ... أبا جعفر عنك المنية دافع
# فقال: يا ربيع، ائتني بطهوري، فقام واغتسل وصلى ولبى وتجهز للحج، فلما
~~صار في الثلث الأول اشتدت علته، فجعل يقول: يا ربيع، ألقني في حرم الله،
~~فمات ببئر ميمون «1» .
# حدثني محمد بن داود عن سعيد بن نصير عن العباس بن طالب قال:
# قال الربيع بن بزة: كنت بالشام فسمعت رجلا وهو في الموت يقال له: قل لا
~~إله إلا الله، فقال: اشرب واسقني. ورأيت رجلا بالأهواز قيل له: قل لا إله
~~إلا الله، فقال: ده يا دده، وده دوازده «2» . وقيل لرجل بالبصرة: قل لا إله
~~إلا الله؛ قال: [بسيط]
# يا رب قائلة يوما وقد لغبت ... كيف الطريق إلى حمام منجاب «3»
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن معمر عن أبيه قال: لقن ميتك، فإذا قاله
~~فدعه يتكلم بغيرها من أمر الدنيا ولا تضجره.
# PageV02P335
# قال مالك بن ضيغم: لما احتضر أبي قلنا له: ألا توصي؟ قال: بلى، أوصيكم
~~بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب: يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا
~~تموتن إلا وأنتم مسلمون
# «1» وأوصيكم بصلة الرحم وحسن الجوار وفعل ما استطعتم من المعروف،
~~وادفنوني مع المساكين.
# وقال عمر بن عبد العزيز لابنه: كيف تجدك؟ قال: في الموت؛ قال:
# لأن تكون في ميزاني أحب إلي من أن أكون في ميزانك، قال: وأنا والله لأن
~~يكون ما تحب أحب إلي من أن يكون ما أحب.
# احتضر سيبويه النحوي فوضع رأسه في حجر أخيه فقطرت قطرة من دموع أخيه على
~~خده، فأفاق من غشيته وقال: [طويل]
# أخيين كنا فرق الدهر بيننا ... إلى الأمد الأقصى ومن يأمن الدهرا؟
# أبو أسامة عن سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال: قيل لهرم بن حبان: أوص؛
~~فقال: قد صدقتني نفسي في الحياة، ما لي شيء أوصي فيه، ولكن أوصيكم بخواتيم
~~سورة النحل.
# قال الشاعر: [منسرح]
# ما ارتد طرف امرىء بلحظته ... إلا وشيء يموت من جسده
# وقال آخر: [بسيط]
# المرء يشقى بما يسعى لوارثه ... والقبر وارث ما يسعى له الرجل
# حدثني محمد بن عبيد عن معاوية عن عمرو عن أبي إسحاق عن أبي حيان التيمي
~~عن أبيه قال: أوصى الربيع بن خيثم وأشهد على نفسه وكفى بالله
# PageV02P336
# شهيدا وجازيا لعباده الصالحين ومثيبا: إني رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا
~~وبمحمد رسولا، وأوصي نفسي، ومن أطاعني أن يعبد الله في العابدين ويحمده في
~~الحامدين وينصح لجماعة المسلمين؛ وأوصى أهله: ألا تشعروا بي أحدا وسلوني
~~إلى ربي سلا.
# حدثني محمد بن أحمد بن يونس قال: سمعت عمر بن جرير المهاجري يقول: لما
~~مات ذر بن عمر بن ذر قال لأصحابه: الآن يضيع الشيخ (لأنه كان به بارا) ؛
~~فسمعها الشيخ فقال: أني أضيع والله حي لا يموت؟
# فلما واراه التراب وقف على قبره وقال: رحمك الله يا ذر! ما علينا بعدك من
~~خصاصة وما بنا إلى أحد مع الله حاجة، وما يسرني أني كنت المقدم قبلك، ولولا
~~هول المطلع لتمنيت أن أكون مكانك، لقد شغلني الحزن لك عن الحزن عليك، فيا
~~ليت شعري ماذا قلت وما قيل لك! ثم رفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم إني قد
~~وهبت حقي فيما بيني وبينه له، فهب حقك فيما بينك وبينه له. ثم قال عند
~~انصرافه: مضينا وتركناك، ولو أقمنا ما نفعناك.
# حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا شريح بن النعمان عن عبد العزيز بن أبي
~~سلمة الماجشون عن عبد الواحد بن أبي عون عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي
~~الله عنها أنها قالت: «توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله لو نزل
~~بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها «1» ، إشرأب النفاق بالمدينة وارتدت
~~العرب، فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بحظها وغنائها في الإسلام» .
~~وكانت مع هذا تقول: «من رأى عمر بن الخطاب عرف أنه خلق غناء للإسلام، كان،
~~والله، أحوزيا «2» نسيج وحده، قد أعد للأمور أقرانها» . وقالت عند قبره:
# PageV02P337
# «رحمك الله يا أبت! لقد قمت بالدين حين وهي شعبه «1» وتفاقم صدعه ورجفت
~~جوانبه؛ انقبضت مما أصغوا إليه «2» ، وشمرت «3» فيما ونوا فيه واستخففت من
~~دنياك ما استوطنوا وصغرت منها ما عظموا ورعيت دينك فيما أغفلوا، أطالوا
~~عنان الأمن واقتعدت مطي الحذر، ولم تهضم دينك ولم تشن غدك ففاز عند
~~المساهمة قدحك وخف مما استوزروا ظهرك» . وقالت أيضا عند قبره: «نضر الله
~~وجهك يا أبت! فلقد كنت للدنيا مذلا بإدبارك عنها، وللآخرة معزا بإقبالك
~~عليها؛ ولئن كان أجل الرزايا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، رزؤك وأكبر
~~المصائب فقدك، إن كتاب الله ليعد بجميل العزاء عند أحسن العوض منك، فأنا
~~أتنجز من الله موعوده فيك بالصبر عليك، واستعيضه منك بالاستغفار لك؛ عليك
~~سلام الله ورحمته، توديع غير قالية لحياتك ولا زارية على القضاء فيك» .
# قال الحسين بن علي عند قبر أخيه الحسن: «رحمك الله أبا محمد! إن كنت
~~لتباصر الحق مظانة، وتؤثر الله عند مداحض «4» الباطل في مواطن التقية بحسن
~~الروية، وتستشف جليل معاظم الدنيا بعين لها حاقرة، وتفيض عليها يدا ظاهرة
~~الأطراف نقية الأسرة «5» ، وتردع بادرة غرب أعدائك بأيسر المؤونة عليك؛ ولا
~~غرو وأنت ابن سلالة النبوة ورضيع لبان الحكمة؛ فإلى روح وريحان وجنة نعيم؛
~~أعظم الله لنا ولكم الأجر عليه، ووهب لنا ولكم السلوة
# PageV02P338
# وحسن الأسى «1» عنه» .
# حدثني عبد الرحمن بن الحسين السعيدي عن محمد بن مصعب أن ابن السماك قال
~~يوم مات داود الطائي في كلام له: إن داود رحمه الله نظر بقلبه إلى ما بين
~~يديه من آخرته، فأعشى بصر القلب بصر العين، فكان كأنه لا ينظر إلى ما إليه
~~تنظرون، وكأنكم لا تنظرون إلى ما إليه ينظر، فأنتم منه تعجبون وهو منكم
~~يعجب، فلما رآكم راغبين مذهولين مغرورين قد أذهلت الدنيا عقولكم وأماتت
~~بحبها قلوبكم استوحش منكم، فكنت إذا نظرت إليه نظرت إلى حي وسط أموات. يا
~~داود، ما أعجب شأنك بين أهل زمانك! أهنت نفسك وإنما تريد إكرامها،
~~وأتعبتها، وإنما تريد راحتها، أخشنت المطعم وإنما تريد طيبه وأخشنت الملبس
~~وإنما تريد لينه، ثم أمت نفسك قبل أن تموت، وقبرتها قبل أن تقبر، وعذبتها
~~ولما تعذب، وأغنيتها عن الدنيا لكيلا تذكر، رغبت نفسك عن الدنيا فلم ترها
~~لك قدرا إلى الآخرة، فما أظنك إلا وقد ظفرت بما طالبت؛ كان سيماك في سرك
~~ولم يكن سيماك في علانيتك، تفقهت في دينك وتركت الناس يغنون، وسمعت الحديث
~~وتركتهم يحدثون، وخرست عن القول وتركتهم ينطقون، لا تحسد الأخيار، ولا تعيب
~~الأشرار، ولا تقبل من السلطان عطية، ولا من الإخوان هدية؛ آنس ما تكون إذا
~~كنت بالله خاليا، وأوحش ما تكون آنس ما يكون الناس؛ فمن سمع بمثلك وصبر
~~صبرك وعزم عزمك! لا أحسبك إلا وقد أتعبت العابدين بعدك، سجنت نفسك في بيتك
~~فلا محدث لك ولا جليس معك ولا فراش تحتك ولا ستر على بابك ولا قلة يبرد
~~فيها ماؤك ولا صحفة يكون فيها غداؤك وعشاؤك، مطهرتك قلبك
# PageV02P339
# وقصعتك تورك «1» . داود، ما كنت تشتهي من الماء بارده ولا من الطعام طيبه
~~ولا من اللباس لينه، بلى! ولكن زهدت فيه لما بين يديك؛ فما أصغر ما بذلت،
~~وما أحقر ما تركت في جنب ما أملت، فلما مت شهرك ربك بموتك، وألبسك رداء
~~عملك، وأكثر تبعك، فلو رأيت من حضرك عرفت أن ربك قد أكرمك وشرفك، فلتتكلم
~~اليوم عشيرتك بكل ألسنتها، فقد أوضح ربك فضلها بك، ووالله لو لم يدع عبدا
~~إلى خير بعمله إلا حسن هذا النشر من كثرة هذا التبع، لقد كان حقيقا
~~بالإجتهاد والجهد لمن لا يضيع مطيعا ولا ينسى صنيعا شاكرا ومثيبا.
# وقف محمد بن سليمان على قبر ابنه فقال: اللهم إني أرجوك له وأخافك عليه،
~~فحقق رجائي وآمن خوفي.
# مات ابن لأنس بن مالك فقال أنس عند قبره: اللهم عبدك وولد عبدك وقد رد
~~إليك، فارأف به وارحمه، وجاف الأرض عن بدنه، وافتح أبواب السماء لروحه
~~وتقبله بقول حسن. ثم رجع فأكل وشرب وادهن وأصاب من أهله. وقال جرير في
~~امرأته: [كامل]
# لا يلبث القرناء أن يتفرقوا ... ليل يكر عليهمو ونهار «2»
# صلى الملائكة الذين تخيروا ... والطيبون عليك والأبرار
# وقفت أعرابية على قبر ابنها فقالت: والله ما كان مالك لعرسك، ولا همك
~~لنفسك، وما كنت إلا كما قال القائل: [طويل]
# رحيب الذراع بالتي لا تشينه ... وإن كانت الفحشاء ضاق بها ذرعا «3»
# PageV02P340
# حدثني محمد بن داود عن الصلت بن مسعود قال: كان سفيان بن عيينة يستحسن
~~شعر عدي بن زيد «1» : [خفيف]
# أين أهل الديار من قوم نوح ... ثم عاد من بعدهم وثمود؟
# بينما هم على الأسرة والأن ... ماط أفضت إلى التراب الخدود
# ثم لم ينقض الحديث ولكن ... بعد ذال الوعد كله والوعيد
# وأطباء بعدهم لحقوهم ... ضل عنهم سعوطهم واللدود «2»
# وصحيح أضحى يعود مريضا ... وهو أدنى للموت ممن يعود
# أخذه علي بن الجهم «3» فقال: [كامل]
# كم من عليل قد تخطاه الردى ... فنجا ومات طبيبه والعود
# حدثني عبدة بن عبد الله قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا
~~إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش قال:
# أتيت أهلي فقيل لي: مات أخوك، فوجدت أخي مسجى عليه بثوب، فأنا عند رأسه
~~أترحم عليه وأدعو له إذ كشف الثوب عن وجهه فقال: السلام عليكم، فقلنا:
~~وعليك السلام، سبحان الله! بعد الموت! فقال: إني تلقيت بروح وريحان ورب غير
~~غضبان، وكساني ثيابا من سندس واستبرق «4» ، وإني وجدت الأمر
# PageV02P341
# أيسر مما تظنون ولا تتكلوا؛ إني استأذنت ربي أن أخبركم وأبشركم، احملوني
~~إلى رسول الله، فقد عهد إلي ألا أبرح حتى ألقاه ثم طفىء «1» .
# حدثني أبو سهل عن علي بن محمد عن إسحاق بن منصور عن عمارة ابن زاذان عن
~~ثابت أن مطرفا كان يغدو على دابته بين المقام فأغفى فإذا أهل القبور جلوس
~~على أشفاء «2» قبورهم يقولون: هذا مطرف يروح إلى الجمعة؛ قلت: هل تعرفون
~~يوم الجمعة؟ قالوا: نعم، وما تقول الطير في جوف السماء، يقولون: سلام، يوم
~~صالح.
# حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر
~~قال: لما أراد معاوية أن تجري العين التي حفرها- قال سفيان: تسمى عين أبي
~~زياد- نادوا بالمدينة: من كان له قتيل فليأت قتيله؛ قال جابر:
# فأتيناهم فأخرجناهم رطابا يتثنون، وأصابت المسحاة رجل رجل منهم فانفطرت
~~«3» دما. قال أبو سعيد الخدري: لا ينكر بعد هذا منكر أبدا.
# حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد بن
~~عمير قال: أهل القبور يتوكفون «4» الأخبار فإذا أتاهم الميت سألوه: ما فعل
~~فلان؟ فيقول: ألم يأتكم! فيقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون، سلك به غير
~~سبيلنا.
# حدثني عبد الرحمن العبدي عن جعفر بن أبي جعفر قال: حدثنا أبو جعفر السائح
~~عن الربيع بن صبيح قال: شهدت ثابتا البناني يوم مات وشهده
# PageV02P342
# أهل البصرة، فدخلت قبره أنا وحميد الطويل وأبو جعفر حسن مما يلي رأسه
~~فلما ذهبت أسوي عليه اللبنة سقطت من يدي فلم أر في اللحد أحدا، وأصغى إلي
~~حميد أن اختطف صاحبنا وضج الناس فسوينا على اللحد وحثونا التراب؛ فلم يكن
~~لحميد همة حتى أتى سليمان بن علي وهو أمير على البصرة فأخبره، فقال: ما
~~ينكر لله قدرة! إلا أني أنكر أن يكون أحد من أهل زماننا يفعل هذا به، فهل
~~علم به أحد سواك؟ قال: نعم، الربيع بن صبيح وحسن؛ قال: عدلان مرضيان، فبعث
~~أمناء جيرانه فنبشوا عنه فلم يجدوه في قبره.
# وحدثني أيضا عن أعرابية كان يقال لها أم غسان مكفوفة وكانت تعيش بمغزلها
~~وتقول: الحمد لله على ما قضى وارتضى، رضيت من الله ما رضي لي، وأستعين الله
~~على بيت ضيق الفناء قليل الكواء «1» وأستعين الله على ما يطالع من نواحيه.
~~وماتت جارة لها فقيل لها: ما فعلت جارتك؟ فقالت:
# [متقارب]
# تقسم جاراتها بيتها ... وصارت إلى بيتها الأتلد «2»
# وقالت يوما: إن تقبل الله مني صلاة لم يعذبني، فقيل لها: كيف ذلك؟
# قالت: لأن الله، عز وجل، لا يثني في رحمته وحلمه، قال: وكنت سمعت حديث
~~معاذ «من كتبت له حسنة دخل الجنة» ولم أدر ما تفسيره حتى سمعت أم غسان تقول
~~هذا، فعرفت تأويله.
### | الكبر والمشيب
# حدثني أبو الخطاب قال: حدثنا أبو داود عن عبد الجليل بن عطية عن
# PageV02P343
# شهر بن حوشب عن عمرو بن عنبسة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
~~يقول: «من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة ما لم يخضبها أو
~~ينتفها» .
# أبو حاتم عن الأصمعي عن شيخ من بني فزارة قال: مررت بالبادية وإذا شيخ
~~قاعد على شفير قبر، وإذا في القبور رجال كأنهم الرماح يدفنون رجلا والشيخ
~~يقول: [رجز]
# أحثوا على الديسم من برد الثرى ... قدما أبى ربك إلا ما ترى «1»
# فقلت له: من الميت؟ فقال: إبني، فقلت له: من الذين يدفنونه؟ قال:
# بنوه.
# حدثنا أبو عبد الرحمن قال: دخل يونس بن حبيب المسجد يهادى «2» بين اثنين
~~من الكبر فقال له رجل كان يتهمه على مودته: بلغت ما أرى يا أبا عبد الرحمن!
~~قال: هو ما ترى فلا بلغته. ونحوه قول الشاعر: [مخلع البسيط]
# يا عائب الشيب لا بلغته
# ويقال في الزبور: «من بلغ السبعين اشتكى من غير علة» . وقال محمد ابن
~~حسان النبطي: لا تسأل نفسك العام ما أعطتك في العام الماضي.
# رأى ضرار بن عمرو الضبي له ثلاثة عشر ذكرا قد بلغوا فقال: من سره بنوه
~~ساءته نفسه.
# قال ابن أبي فنن: [بسيط]
# PageV02P344
# من عاش أخلقت الأيام جدته ... وخانه الثقتان السمع والبصر
# قالت عهدتك مجنونا فقلت لها ... إن الشباب جنون برؤه «1» الكبر
# أبو عبيدة قال: قيل لشيخ: ما بقي منك؟ قال: يسبقني من بين يدي، ويدركني
~~من خلفي، وأنسى الحديث، وأذكر القديم، وأنعس في الملا، وأسهر في الخلا،
~~وإذا قمت قربت الأرض مني، وإذا قعدت تباعدت عني؛ قال الشاعر: [بسيط]
# قالت عهدتك مجنونا فقلت لها ... إن الشباب جنون برؤه الكبر «2»
# قال عبد الملك بن مروان للعريان «3» بن الهيثم: كيف تجدك؟ «4» قال:
# أجدني قد ابيض مني ما كنت أحب أن يسود واسود مني ما كنت أحب أن يبيض
~~واشتد مني ما أحب أن يلين ولان مني ما أحب أن يشتد وقال: [رجز]
# سلني أنبئك بآيات الكبر ... نوم العشاء وسعال بالسحر
# وقلة النوم إذا الليل اعتكر ... وقلة الطعم إذا الزاد حضر
# وسرعة الطرف وتحميج النظر ... وتركك الحسناء في قبل الطهر «5»
# والناس يبلون كما تبلى الشجر
# وقال حميد بن ثور «6» : [طويل]
# PageV02P345
# أرى بصري قد رابني بعد صحة ... وحسبك داء أن تصح وتسلما
# وقال الكميت «1» : [منسرح]
# لا تغبط المرء أن يقال له ... أمسى فلان لسنه حكما
# إن سره طول عمره فلقد ... أضحى على الوجه طول ما سلما
# وقال النمر بن تولب «2» : [طويل]
# يود الفتى طول السلامة والغنى ... فكيف ترى طول السلامة يفعل؟
# وقال آخر: [كامل]
# كانت قناتي لا تلين لغامز ... فألانها الإصباح والإمساء
# ودعوت ربي بالسلامة جاهدا ... ليصحني فإذا السلامة داء «3»
# وقال أبو العتاهية: [رجز]
# أسرع في نقص امرىء تمامه «4»
# وقال عبد الحميد الكاتب «5» : [متقارب]
# PageV02P346
# ترحل ما ليس بالقافل ... وأعقب ما ليس بالآئل
# فلهفي من الخلف النازل ... ولهفي على السلف الراحل
# أبكي على ذا وأبكي لذا ... بكاء المولهة الثاكل
# تبكي من ابن لها قاطع ... وتبكي على ابن لها واصل
# تقضت غوايات سكر الصبا ... ورد التقى عند الباطل
# محمد بن سلام الجمحي عن عبد القاهر بن السري قال: كتب الحجاج إلى قتيبة
~~بن مسلم: إني نظرت في سنك فوجدتك لدتي «1» وقد بلغت الخمسين وإن امرأ سار
~~إلى منهل خمسين عاما لقريب منه. فسمع به الحجاج ابن يوسف التيمي فقال:
~~[طويل]
# إذا كانت السبعون سنك لم يكن ... لدائك إلا أن تموت طبيب
# وإن امرأ قد سار سبعين حجة ... إلى منهل من ورده لقريب
# إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل ... خلوت ولكن قل علي رقيب
# إذا ما انقضى القرن الذي أنت منهم ... وخلفت في قرن فأنت غريب
# وقال لبيد «2» ؛ [طويل]
# أليس ورائي إن تراخت منيتي ... لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
# أخبر أخبار القرون التي مضت «3» ... أدب «4» كأني كلما قمت راكع
# وقال آخرون مثله: [وافر]
# حنتني حانيات الدهر حتى ... كأني خاثل يدنو لصيد
# PageV02P347
# وقيل لرجل من الحكماء: مالك تدمن إمساك العصا ولست بكبير ولا مريض؟ فقال:
~~لأذكر أني مسافر؛ قال الشاعر: [طويل]
# حملت العصالا الضعف أوجب حملها ... علي ولا أني تحنيت من كبر
# ولكنني ألزمت نفسي حملها ... لأعلمها أن المقيم على سفر
# ومر شيخ من العرب بغلام فقال له الغلام: أحصدت «1» يا عماه فقال: يا بني،
~~وتختضرون «2» .
# قال الحسن في موعظة له: يا معشر الشيوخ، الزرع إذا بلغ ما يصنع به؟
# قالوا: يحصد قال: يا معشر الشباب، كم من زرع لم يبلغ أدركته آفة، قال
~~الشاعر: [كامل]
# الدهر أبلاني وما أبليته ... والدهر غيرني وما يتغير
# والدهر قيدني بخيط مبرم ... فمشيت فيه وكل يوم يقصر
# وقال عمارة «3» بن عقيل: [طويل]
# وأدركت ملء الأرض ناسا فأصبحوا ... كأهل الديار قوضوا فتحملوا
# وما نحن إلا رفقة قد ترحلت ... وأخرى تقضي حاجها وترحل «4»
# ذكر أعرابي الشيب فقال: والله لقد كنت أنكر الشعرة البيضاء فقد صرت أنكر
~~السوداء، فيا خير بدل ويا شر مبدول. وقال بعض الشعراء: [خفيف]
# PageV02P348
# شاب رأسي وما رأيت مشيب الر ... أس إلا من فضل شيب الفؤاد
# وكذاك القلوب في كل بؤس ... ونعيم طلائع الأجساد
# طال إنكاري البياض فإن ع ... مرت شيئا أنكرت لون السواد
# رأى إياس بن قتادة شعرة بيضاء في لحيته، فقال: أرى الموت يطلبني وأراني
~~لا أفوته، أعوذ بك يا رب من فجاءات الأمور، يا بني سعد، قد وهبت لكم شبابي
~~فهبوا لي شيبتي، ولزم بيته.
# قال قيس بن عاصم: الشيب خطام «1» المنية.
# قال آخر: الشيب بريد الحمام.
# قال آخر: الشيب توأم الموت.
# قال آخر: الشيب تاريخ الموت.
# قال آخر: الشيب أول مراحل الموت.
# قال آخر: الشيب تمهيد الحمام.
# قال آخر: الشيب عنوان الكبر.
# قال عبيد «2» بن الأبرص: [مخلع البسيط]
# والشيب شين لمن يشيب
# ويقال: شيب الشعر موت الشعر، وموت الشعر علة موت البشر. قال الشاعر:
~~[طويل]
# وكان الشباب الغض لي فيه لذة ... فوقرني عنه المشيب وأدبا
# فسقيا ورعيا للشباب الذي مضى ... وأهلا وسهلا بالمشيب ومرحبا
# PageV02P349
# وقال أعرابي- ويقال هي لأبي دلف «1» -: [بسيط]
# في كل يوم من الأيام نابتة ... كأنما نبتت فيه على بصري
# لئن قرضتك بالمقراض عن بصري ... لما قرضتك عن همي ولا فكري
# وقال أعرابي: [طويل]
# أرى الشيب مذ جاوزت خمسين دائبا ... يدب دبيب الصبح في غسق الظلم
# هو السم إلا أنه غير مؤلم ... ولم أر مثل الشيب سما بلا ألم
# وقال آخر «2» : [كامل]
# قصر الحوادث «3» خطوه فتدانى ... وحنين صدر «4» قناته فتحانى
# صحب الزمان على اختلاف فنونه ... فأراه منه شدة وليانا
# ما بال شيخ «5» قد تخدد لحمه ... أنضى «6» ثلاث عمائم ألوانا
# سوداء داجية «7» وسحن مفوف ... وأجد أخرى «8» بعد ذاك هجانا
# ثم الممات وراء ذلك كله ... وكأنما يعنى بذاك سوانا «9»
# PageV02P350
# وقال آخر يذكر الشباب: [بسيط]
# لما مضى ظاعنا «1» عنا فودعنا ... وكان كالميت لم يترك له عقبا
# عدنا إلى حالة لا نستطيع لها ... وصل الغوانى وعاب الشيب من لعبا
# وقال محمود الوراق «2» : [مجزوء المتقارب]
# بكيت لقرب الأجل ... وبعد فوات الأمل
# ووافد شيب طرا «3» ... بعقب شباب رحل
# شباب كأن لم يكن ... وشيب كأن لم يزل
# طواك بشير البقا «4» ... وجاء بشير الأجل
# طوى صاحب صاحبا ... كذاك انتقال الدول «5»
# وقال أبو الأسود «6» يذم الشباب: [طويل]
# غدا منك أسباب الشباب فأسرعا ... وكان كجار بان يوما فودعا
# فقلت له فاذهب ذميما فليتني ... قتلتك علما قبل أن تتصدعا
# جنيت علي الذنب ثم خذلتني ... عليه فبئس الخلتان هما معا
# وكنت سرابا ما ضحا «7» إذ تركتني ... رهينة ما أجني من الشر أجمعا
# وقال آخر: [كامل]
# استنكرت شيبي فقلت لها ... ليس المشيب بناقص عمري
# PageV02P351
# وتنفست بي همة وصلت ... أملي بكل رفيعة الذكر
# روى عبد الله بن حفص الطاحي عن زكريا بن يحيى بن نافع الأزدي عن أبيه أن
~~عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: اخضبوا بالسواد، فإنه أنس للنساء وهيبة
~~للعدو. قال عمر بن المبارك «1» الخزاعي: [مجزوء الرمل]
# من لأذني بملام ... ولكفي بمدام
# دق عظم الجهل منى ... وانثنى سن عرامي «2»
# وتمشى الفد من شي ... بي إلى الشيب التؤام «3»
# نظمك الدر إلى الد ... رة في سلك النظام
# وقال أبو العتاهية: [متقارب]
# نعى لك ظل الشباب المشيب ... ونادتك باسم سواك الخطوب
# فكن مستعدا لداعي المنون ... فكل الذي هو آت قريب
# وقبلك داوى المريض الطبيب ... فعاش المريض ومات الطبيب
# يخاف على نفسه من يتوب ... فكيف ترى حال من لا يتوب؟
# محمد بن سلام قال: سمعت يونس بن حبيب يقول: لا يأمن من قطع في خمسة دراهم
~~خير عضو منك أن يكون عقابه هكذا غدا.
### | الدنيا
# حدثني أبو مسعود الدارمي قال: حدثني جدي خراش عن أنس بن
# PageV02P352
# مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبحت الدنيا همه وسدمه
~~«1» نزع الله الغنى من قلبه، وصير الفقر بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا
~~ما كتب له، ومن أصبحت الآخرة همه وسدمه نزع الله الفقر من قلبه وصير الغنى
~~بين عينيه وأتته الدنيا وهي راغمة» .
# حدثني محمد بن داود قال؛ حدثنا أبو الربيع عن حماد عن علي بن زيد عن
~~الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للضحاك بن سفيان: «ما طعامك؟» قال:
# اللحم واللبن، قال: «ثم يصير إلى ماذا؟» قال: ثم يصير إلى ما قد علمت،
~~قال: «فإن الله ضرب ما يخرج من ابن آدم مثلا للدنيا» قال: وكان بشير بن كعب
~~يقول لأصحابه إذا فرغ من حديثه: انطلقوا حتى أريكم الدنيا، فيجي فيقف بهم
~~على السوق، وهي يومئذ مزبلة، فيقول: انظروا إلى عسلهم وسمنهم وإلى دجاجهم
~~وبطهم صار إلى ما ترون.
# حدثني هارون بن موسى قال: حدثنا محمد بن سعيد القزويني عن عمر ابن أبي
~~قيس عن هارون بن عنترة عن عمرو بن مرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه
~~وسلم عن قول الله: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام
# «2» فقال: «إذا دخل النور القلب وانفسح شرح لذلك الصدر» ؛ قالوا: يا نبي
~~الله، هل لذلك آية يعرف بها؟ قال: «نعم الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن
~~دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت» .
# بلغني عن العتبي عن حبيب العدوي عن وهب بن منبه قال: رأينا ورقة يهفو بها
~~الريح فأرسلنا بعض الفتيان فأتانا بها فإذا فيها: الدنيا دار لا يسلم منها
# PageV02P353
# إلا فيها، ما أخذ أهلها منها لها خرجوا منه ثم حوسبوا به، وما أخذ منها
~~أهلها لغيرها خرجوا منه ثم أقاموا فيه، وكأن قوما من أهل الدنيا ليسوا من
~~أهلها، هم فيها كمن ليس فيها، عملوا بما يبصرون وبادروا ما يحذرون، تتقلب
~~أجسادهم بين ظهراني أهل الدنيا، وتتقلب قلوبهم بين ظهراني أهل الآخرة، يرون
~~الناس يعظمون وفاة أجسامهم وهم أشد تعظيما لموت قلوب أحيائهم. فسألت عن
~~الكلام فلم أجد من يعرفه.
# وقال المسيح عليه السلام: «الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها» وفي بعض
~~الكتب: أن الله تعالى أوحى إلى الدنيا «من خدمني فاخدميه، ومن خدمك
~~فاستخدميه» .
# قال بعض العابدين يذكر الدنيا: [طويل]
# لقد غرت الدنيا رجالا فأصبحوا ... بمنزلة ما بعدها متحول «1»
# فساخط أمر لا يبدل غيره ... وراض بأمر غيره سيبدل
# وبالغ أمر كان يأمل دونه ... ومختلج «2» من دون ما كان يأمل
# وقال آخر يذكر الدنيا: [بسيط]
# حتوفها رصد وعيشها رنق ... وكرها نكد وملكها دول «3»
# وقال آخر «4» : [طويل]
# PageV02P354
# نراع لذكر الموت ساعة ذكره ... وتعترض الدنيا فنلهو ونلعب «1»
# ونحن بنو الدنيا خلقنا لغيرها ... وما كنت منه فهو شيء محبب
# وقال يحيى بن خالد: دخلنا في الدنيا دخولا أخرجنا منها.
# ذم رجل الدنيا عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال علي عليه السلام:
~~الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار نجاة لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود
~~منها، مهبط وحي الله، ومصلى ملائكته، ومسجد أنبيائه، ومتجر أوليائه، ربحوا
~~منها الرحمة واحتسبوا فيها الجنة؛ فمن ذا يذمها وقد آذنت ببينها ونادت
~~بفراقها وشبهت بسرورها السرور وببلائها البلاء ترغيبا وترهيبا؛ فيأيها
~~الذام الدنيا المعلل نفسه، متى خدعتك الدنيا أم متى استذمت «2» إليك؟
# أبمصارع آبائك في البلى أم بمضاجع أمهاتك فى الثرى؟ كم مرضت بيديك، وعللت
~~بكفيك، تطلب له الشفاء، وتستوصف له الأطباء، غداة لا يغنى عنه دواؤك، ولا
~~ينفعك بكاؤك.
# كان إبراهيم «3» بن أدهم العجلي يقول: [طويل]
# نرقع دنيانا بتمزيق ديننا ... فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع «4»
# قال أبو حازم: وما الدنيا! أما ما مضى فحلم وأما ما بقي فأماني.
# قال سفيان:
# PageV02P355
# أوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء «اتخذ الدنيا ظئرا «1» والآخرة أما»
~~.
# قال الشعبي: «2» ما أعلم لنا وللدنيا مثلا إلا ما قال كثير. [طويل]
# أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة ... لدينا ولا مقلية إن تقلت «3»
# قال بكر بن عبد الله: المستغني عن الدنيا بالدنيا كالمطفىء النار بالتبن.
# قال ابن مسعود: الدنيا كلها غموم، فما كان فيها من سرور فهو ربح.
# قال محمد بن الحنفية: من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا.
# وقال بعض الحكماء: مثل الدنيا والآخرة مثل رجل له ضرتان إن أرضى إحداهما
~~أسخط الأخرى.
# قال سفيان: ترك لكم الملوك الحكمة فاتركوا لهم الدنيا.
# وقال آخر: إن الدنيا قد استودقت وأنعظ الناس «4» .
# قال وهيب بن الورد: من أراد الدنيا فليتهيأ للذل.
# قيل لمحمد بن واسع: إنك لترضى بالدون؛ فقال: إنما رضي بالدون من رضي
~~بالدنيا.
# قيل لعلي بن الحسين: من أعظم الناس خطرا؟ فقال: من لم ير الدنيا خطرا
~~لنفسه.
# كان يقال: لأن تطلب الدنيا بأقبح ما تطلب به الدنيا أحسن من أن تطلب
~~بأحسن ما تطلب به الآخرة.
# PageV02P356
# قالت امرأة لبعلها ورأته مهموما: مم همك؟ أبالدنيا فقد فرغ الله منها أم
~~بالآخرة فزادك الله هما!.
# الثوري قال: قال المسيح: «حب الدنيا أصل كل خطيئة والمال فيها داء كثير؛
~~قيل: ما داؤه؟ قال: لا يسلم صاحبه من الفخر والكبر؛ قيل: وإن سلم؟ قال:
~~يشغله إصلاحه عن ذكر الله» .
# بلغني عن محمد بن فضيل قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن عن سالم بن أبي
~~الجعد عن أبي الدرداء قال: يأهل حمص، مالي أراكم تجمعون كثيرا، وتبنون
~~شديدا، وتأملون بعيدا؟ إن من قبلكم جمعوا كثيرا وبنوا شديدا وأملوا بعيدا
~~فصار جمعهم بورا وصارت مساكنهم قبورا وأملهم غرورا. وفي رواية أخرى: يأهل
~~دمشق، مالكم تجمعون ما لا تأكلون، وتبنون ما لا تسكنون، وتأملون ما لا
~~تدركون؟ ألا إن عادا وثمود كانوا قد ملؤا ما بين بصرى وعدن أموالا وأولادا
~~ونعما، فمن يشتري مني ما تركوا بدرهمين؟
# بلغني «1» عن داود بن المحبر عن عبد الواحد بن الخطاب قال: أقبلنا قافلين
~~من بلاد الروم نريد البصرة، حتى إذا كنا بين الرصافة وحمص، سمعنا «2» صائحا
~~يصيح من بين تلك الرمال- سمعته الآذان ولم تره العيون- يقول: يا مستور يا
~~محفوظ، اعقل «3» في ستر من أنت! فإن كنت لا تعقل من أنت في ستره فاتق
~~الدنيا فإنها حمى الله؛ فإن كنت لا تعقل كيف تتقيها فصيرها شوكا ثم انظر
~~أين تضع قدميك منها!.
# PageV02P357
# قال المأمون «1» : لو سئلت الدنيا عن نفسها ما أحسنت أن تصف نفسها صفة
~~أبي نواس في هذا البيت: [طويل]
# إذا اختبر الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو في ثياب صديق
# قال المسيح عليه السلام: «أنا الذي كفأت الدنيا على وجهها، فليست لي زوجة
~~تموت ولا بيت يخرب» .
# قال أبو العتاهية: [بسيط]
# يا من ترفع للدنيا وزينتها ... ليس الترفع رفع الطين بالطين
# إذا أردت شريف الناس كلهم ... فانظر إلى ملك في زي مسكين
# وقال آخر وذكر الدنيا: [متقارب]
# إذا تم أمر دنا نقصه ... توقع زوالا إذا قيل تم
# وقال آخر: [سريع]
# لا تبك للدنيا ولا أهلها ... وابك ليوم تسكن الحافره «2»
# وابك إذا صيح بأهل الثرى ... فاجتمعوا في ساحة الساهرة «3»
# PageV02P358
# ويلك يا دنيا لقد قصرت ... آمال من يسكنك الآخرة
### | مقامات الزهاد عند الخلفاء والملوك
### | مقام صالح بن عبد الجليل بين يدي المهدي
# قام «1» فقال: إنه لما سهل علينا ما توعر على غيرنا من الوصول إليك، قمنا
~~مقام الأداء عنهم وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإظهار ما في أعناقنا
~~من فريضة الأمر والنهي عند انقطاع عذر الكتمان، ولا سيما حتى اتسمت بميسم
~~التواضع، ووعدت الله وحملة كتابه إيثار الحق على ما سواه، فجمعنا وإياك
~~مشهد من مشاهد التمحيص ليتم مؤدينا على موعود الأداء وقابلنا على موعود
~~القبول، أو يزيدنا تمحيص الله إيانا في اختلاف السر والعلانية، ويحلينا
~~حلية الكذابين، فقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: من «2»
~~حجب الله عنه العلم عذبه على الجهل، وأشد منه عذابا من أقبل إليه العلم
~~وأدبر عنه، ومن أهد الله إليه علما فلم يعمل به فقد رغب عن هدية الله وقصر
~~بها، فاقبل ما أهدى الله إليك من ألسنتنا قبول تحقيق وعمل لا قبول سمعة
~~ورياء، فإنه لا يعدمك منا إعلام لما تجهل أو مواطأة على ما تعلم أو تذكير
~~من غفلة؛ فقد وطن الله عز وجل نبيه عليه السلام على نزولها تعزية عما فات
~~وتحصينا من التمادي ودلالة على المخرج، فقال: وإما ينزغنك من الشيطان نزغ
~~فاستعذ بالله إنه سميع
# PageV02P359
# عليم
# «1» ؛ فأطلع الله على قلبك بما ينوره من إيثار الحق ومنابدة «2» الأهواء.
# ولا حول ولا قوة إلا بالله.
### | مقام رجل من الزهاد «3» بين يدي المنصور
# بينما المنصور يطوف «4» ليلا إذ سمع قائلا يقول: اللهم إني أشكو إليك
~~ظهور البغي والفساد في الأرض، وما يحول بين الحق وأهله من الطمع.
# فخرج المنصور فجلس ناحية من المسجد، وأرسل إلى الرجل يدعوه. فصلى الرجل
~~ركعتين واستلم الركن وأقبل مع الرسول فسلم عليه بالخلافة، فقال المنصور: ما
~~الذي سمعتك تذكر من ظهور البغي «5» والفساد في الأرض وما يحول بين الحق
~~وأهله من الطمع؟ فوالله لقد حشوت مسامعي ما أرمضني «6» :
# قال «7» : يا أمير المؤمنين، إن أمنتني على نفسي أنبأتك بالأمور من
~~أصولها، وإلا احتجزت منك واقتصرت على نفسي ففيها «8» لي شاغل، فقال: أنت
~~آمن
# PageV02P360
# على نفسك فقل؛ فقال «1» : إن الذي دخله الطمع حتى حال بينه وبين ما ظهر
~~من البغي والفساد لأنت؛ قال: ويحك وكيف يدخلني الطمع والصفراء والبيضاء في
~~قبضتي والحلو والحامض عندي؟ قال: وهل دخل أحد من الطمع ما دخلك؟ إن الله
~~تبارك وتعالى استرعاك المسلمين وأموالهم فأغفلت أمورهم واهتممت بجمع
~~أموالهم، وجعلت بينك وبينهم حجابا من الجص والآجر وأبوابا من الحديد وحجبة
~~معهم السلاح ثم سجنت نفسك فيها عنهم، وبعثت عمالك في جباية الأموال وجمعها
~~وقويتهم بالرجال والسلاح والكراع «2» ، وأمرت بألا يدخل عليك من الناس إلا
~~فلان وفلان نفر سميتهم، ولم تأمر بإيصال المظلوم ولا الملهوف ولا الجائع
~~العاري ولا الضعيف الفقير، ولا أحد إلا وله في هذا المال حق، فلما رآك
~~هؤلاء النفر الذين استخلصتهم لنفسك وآثرتهم على رعيتك وأمرت ألا يحجبوا
~~عنك، تجبي الأموال وتجمعها ولا تقسمها قالوا: هذا قد خان الله فما بالنا لا
~~نخونه وقد سجن لنا نفسه؟ فأتمروا بألا يصل إليك من علم أخبار الناس شيء إلا
~~ما أرادوا، ولا يخرج لك عامل فيخالف أمرهم إلا قصبوه «3» عندك ونفوه حتى
~~تسقط منزلته ويصغر قدره، فلما انتشر ذلك عنك وعنهم، أعظمهم الناس وهابوهم،
~~فكان أول من صانعهم عمالك بالهدايا والأموال ليقووا بها على ظلم رعيتك، ثم
~~فعل ذلك ذوو القدرة والثروة من رعيتك لينالوا به ظلم من دونهم، فامتلأت
~~بلاد الله بالطمع بغيا وفسادا، وصار هؤلاء القوم شركاءك في سلطانك وأنت
~~غافل فإن جاء متظلم حيل بينه وبين دخول مدينتك، فإن أراد رفع قصته إليك عند
~~ظهورك وجدك قد نهيت عن ذلك، وأوقفت للناس رجلا ينظر في مظالمهم فإن جاء ذلك
~~الرجل
# PageV02P361
# فبلغ بطانتك خبره سألوا صاحب المظالم ألا يرفع مظلمته إليك، فإن المتظلم
~~منه له بهم حرمة، فأجابهم خوفا منهم؛ فلا يزال المظلوم يختلف إليه ويلوذ به
~~ويشكو ويستغيث وهو يدفعه ويعتل عليه، فإذا أجهد وأحرج وظهرت، صرخ بين يديك،
~~فضرب ضربا مبرحا، ليكون نكالا لغيره، وأنت تنظر فلا تنكر، فما بقاء الإسلام
~~على هذا؟ وقد كنت يا أمير المؤمنين أسافر إلى الصين فقدمتها مرة وقد أصيب
~~ملكها بسمعه، فبكى يوما بكاء شديدا فحثه جلساؤه على الصبر فقال: أما إني
~~لست أبكي للبلية النازلة بي، ولكني أبكي لمظلوم بالباب يصرخ ولا أسمع صوته
~~ثم قال: أما إذ ذهب سمعي فإن بصري لم يذهب نادوا في الناس ألا يلبس ثوبا
~~أحمر إلا متظلم، ثم كان يركب الفيل طرفي نهاره، وينظر هل يرى مظلوما. فهذا
~~يا أمير المؤمنين مشرك بالله غلبت رأفته بالمشركين شح نفسه، وأنت مؤمن
~~بالله ثم من أهل بيت نبيه لا تغلب رأفتك بالمسلمين على شح نفسك! فإن كنت
~~إنما تجمع المال لولدك، فقد أراك الله عبرا في الطفل يسقط من بطن أمه وماله
~~على الأرض مال، وما من مال إلا ودونه يد شحيحة تحويه فما يزال الله يلطف
~~بذلك الطفل حتى تعظم رغبة الناس إليه، ولست بالذي تعطي بل الله يعطي من
~~يشاء ما يشاء، وإن قلت إنما أجمع المال لتشديد السلطان فقد أراك الله عبرا
~~في بني أمية ما أغنى عنهم ما جمعوا من الذهب والفضة وأعدوا من الرجال
~~والسلاح والكراع حتى أراد الله بكم ما أراد، وإن قلت إنما أجمع المال لطلب
~~غاية هي أجسم من الغاية التي أنا فيها، فوالله ما فوق ما أنت فيه إلا منزلة
~~لا تدرك إلا بخلاف ما أنت عليه يا أمير المؤمنين، هل تعاقب من عصاك بأشد من
~~القتل؟ قال المنصور: لا، قال: فكيف تصنع بالملك الذي خولك ملك الدنيا وهو
~~لا يعاقب من عصاه بالقتل؟ ولكن بالخلود في العذاب الأليم، قد رأى ما قد عقد
# PageV02P362
# عليه قلبك وعملته جوارحك ونظر إليه بصرك واجترحته يداك ومشت إليه رجلاك،
~~هل يغني عنك ما شححت عليه من ملك الدنيا إذا انتزعه من يدك ودعاك إلى
~~الحساب؟ فبكى المنصور وقال: يا ليتني لم أخلق! ويحك! فكيف أحتال لنفسي؟
~~قال: يا أمير المؤمنين، إن للناس أعلاما يفزعون إليهم في دينهم ويرضون بهم
~~فاجعلهم بطانتك يرشدوك، وشاورهم في أمرك يسددوك، قال: قد بعثت إليهم فهربوا
~~مني، قال: خافوا أن تحملهم على طريقتك ولكن افتح بابك وسهل حجابك وانصر
~~المظلوم واقمع الظالم وخذ الفيء والصدقات مما حل وطاب واقسمه بالحق والعدل
~~على أهله وأنا الضامن عنهم أن يأتوك ويسعدوك على صلاح الأمة. وجاء المؤذنون
~~فسلموا عليه فضلى وعاد إلى مجلسه وطلب الرجل فلم يوجد.
### | مقام آخر والمنصور يخطب
# خطب المنصور بحمد الله ومضى في كلامه، فلما انتهى إلى أشهد أن لا إله إلا
~~الله وثب رجل من أقصى المسجد فقال أذكرك من تذكر، فقال المنصور: سمعا لمن
~~فهم عن الله وذكر به وأعوذ بالله أن أكون جبارا عصيا وأن تأخذني العزة
~~بالإثم لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين، وأنت والله أيها القائل ما أردت
~~بها الله ولكن حاولت أن يقال: قام فقال فعوقب فصبر، وأهون بقائلها لو هممت،
~~فاهتبلها «1» ويلك إذ عفوت؛ وآياكم معشر الناس وأختها؛ فإن الموعظة علينا
~~نزلت ومن عندنا انبثت فردوا الأمر إلى أهله يصدروه كما أوردوه؛ ثم رجع إلى
~~خطبته فقال: وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
# PageV02P363
### | مقام «1» عمرو بن عبيد بين يدي المنصور
# قال للمنصور «2» : إن الله أعطاك الدنيا بأسرها، فاشتر نفسك ببعضها،
~~واذكر ليلة تمخض عن يوم لا ليلة بعده؛ فوجم أبو جعفر من قوله؛ فقال له
~~الربيع: يا عمرو، غممت أمير المؤمنين؛ فقال عمرو: إن هذا صحبك عشرين سنة لم
~~ير لك عليه أن ينصحك يوما واحدا وما عمل وراء بابك بشيء من كتاب الله ولا
~~سنة نبيه؛ قال أبو جعفر: فما أصنع؟ قد قلت لك: خاتمي في يديك فتعال وأصحابك
~~فاكفني؛ قال عمرو: أدعنا بعدلك تسخ أنفسنا بعونك؛ ببابك ألف مظلمة اردد
~~منها شيئا نعلم أنك صادق.
### | مقام «3» أعرابي بين يدي سليمان
# قام فقال: إني مكلمك يا أمير المؤمنين بكلام فيه بعض الغلظة فاحتمله إن
~~كرهته، فإن وراءه ما تحبه إن قبلته؛ قال: هات يا أعرابي؛ قال:
# فإني سأطلق لساني بما حرست عنه الألسن من عظتك تأدية لحق الله وحق
~~إمامتك، إنه قد اكتنفك رجال أساءوا الاختيار لأنفسهم، فابتاعوا دنياك
~~بدينهم ورضاك بسخط ربهم، خافوك في الله ولم يخافوا الله فيك، فهم حرب
~~للآخرة سلم للدنيا، فلا تأمنهم على ما ائتمنك الله عليه، فإنهم لن يألوا
~~الأمانة تضييعا والأمة عسفا وخسفا، وأنت مسؤول عما اجترحوا وليسوا مسؤولين
~~عما
# PageV02P364
# اجترحت، فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك، فإن أعظم الناس غبنا من باع آخرته
~~بدنيا غيره. قال سليمان: أما أنت يا أعرابي فقد سللت لسانك، وهو أقطع
~~سيفيك؛ فقال: أجل، لك لا عليك.
### | مقام أعرابي بين يدي هشام
# قال: أتت على الناس سنون، أما الأولى فلحت «1» اللحم، وأما الثانية فأكلت
~~الشحم، وأما الثالثة فهاضت «2» العظم، وعندكم فضول أموال، فإن كانت لله
~~فاقسموها بين عباده، وإن كانت لهم ففيم تحظر عنهم؟ وإن كانت لكم فتصدقوا
~~عليهم بها فإن الله يجزي المتصدقين؛ فأمر هشام بمال فقسم بين الناس وأمر
~~للأعرابي بمال؛ فقال: أكل المسلمين له مثل هذا؟ قالوا: لا ولا يقوم بذلك
~~بيت مال المسلمين؛ قال: فلا حاجة لي فيما يبعث لائمة الناس على أمير
~~المؤمنين.
### | مقام «3» الأوزاعي بين يدي المنصور
# ذكره «4» عبد الله بن المبارك عن رجل من أهل الشام قال: دخلت عليه فقال:
~~ما الذي بطأ بك عني؟ قلت: يا أمير المؤمنين، وما الذي تريد مني؟
# فقال: الاقتباس منك؛ قلت: انظر ما تقول، فإن مكحولا حدثني عن عطية بن
~~بشير «5» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من بلغه عن الله نصيحة في
~~دينه فهي رحمة من
# PageV02P365
# الله سيقت إليه، فإن قبلها من الله بشكر وإلا كانت حجة من الله عليه،
~~ليزداد إثما وليزداد الله عليه غضبا، وإن بلغه شيء من الحق فرضي فله الرضا،
~~وإن سخط فله السخط، ومن كرهه فقد كره الله، لأن الله هو الحق المبين «1» »
~~، فلا تجهلن؛ قال: وكيف أجهل؟ قال: تسمع ولا تعمل بما تسمع.
# قال الأوزاعي: فسل علي الربيع السيف وقال: تقول لأمير المؤمنين هذا!
~~فانتهره المنصور وقال: أمسك. ثم كلمه الأوزاعي، وكان في كلامه أن قال:
# إنك قد أصبحت من هذه الخلافة بالذي أصبحت به، والله سائلك عن صغيرها
~~وكبيرها وفتيلها ونقيرها، ولقد حدثني عروة بن رويم أن رسول الله صلى الله
~~عليه وسلم قال: «ما من راع يبيت غاشا لرعيته إلا حرم الله عليه رائحة
~~الجنة» ، فحقيق على الوالي أن يكون لرعيته ناظرا، ولما استطاع من عوراتهم
~~ساترا، وبالقسط فيما بينهم قائما، لا يتخوف محسنهم منه رهقا ولا مسيئهم
~~عدوانا؛ فقد كانت بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم جريدة يستاك بها ويردع
~~عنه المنافقين؛ فأتاه جبريل فقال:
# «يا محمد، ما هذه الجريدة بيدك؟ إقذفها لا تملأ قلوبهم رعبا» . فكيف من
~~سفك دماءهم وشقق أبشارهم وأنهب أموالهم؟ يا أمير المؤمنين، إن المغفور له
~~ما تقدم من ذنبه وما تأخر دعا إلى القصاص من نفسه بخدش خدشه أعرابيا لم
~~يتعمده، فهبط جبريل فقال: «يا محمد، إن الله لم يبعثك جبارا تكسر قرون
~~أمتك» . واعلم أن كل ما في يدك لا يعدل شربة من شراب الجنة ولا ثمرة من
~~ثمارها؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقاب قوس أحدكم من الجنة أو
~~قذة «2» خير له من الدنيا بأسرها» . إن الدنيا تنقطع ويزول نعيمها، ولو بقي
~~الملك لمن قبلك
# PageV02P366
# لم يصل إليك. يا أمير المؤمنين، ولو أن ثوبا من ثياب أهل النار علق بين
~~السماء والأرض لاذاهم فكيف من يتقمصه؟ ولو أن ذنوبا «1» من صديد أهل النار
~~صب على ماء الأرض لآجنه «2» فكيف بمن يتجرعه؟ ولو أن حلقة من سلاسل جهنم
~~وضعت على جبل لذاب، فكيف من سلك فيها ويرد فضلها على عاتقه! وقد قال عمر بن
~~الخطاب: «لا يقوم أمر الناس إلا حصيف العقدة، بعيد العزة، لا يطلع الناس
~~منه على عورة، ولا يحنق في الحق على جرة «3» ، ولا تأخذه في الله لومة
~~لائم» .
# واعلم أن السلطان أربعة: أمير يظلف «4» نفسه وعماله، فذلك له أجر المجاهد
~~في سبيل الله وصلاته سبعون ألف صلاة ويد الله بالرحمة على رأسه ترفرف؛
~~وأمير رتع ورتع عماله. فذاك يحمل أثقاله وأثقالا مع أثقاله؛ وأمير يظلف
~~نفسه ويرتع عماله، فذاك الذي باع آخرته بدنيا غيره؛ وأمير يرتع ويظلف
~~عماله، فذاك شر الأكياس.
# واعلم يا أمير المؤمنين أنك قد ابتليت بأمر عظيم عرض على السموات والأرض
~~والجبال فأبين أن يحملنه وأشفقن منه؛ وقد جاء عن جدك في تفسير قول الله عز
~~وجل: لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها
# «5» : أن الصغيرة التبسم، والكبيرة الضحك، وقال: فما ظنكم بالكلام وما
~~عملته الأيدي؟
# PageV02P367
# فأعيذك بالله أن يخيل إليك أن قرابتك برسول الله صلى الله عليه وسلم تنفع
~~مع المخالفة لأمره؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا صفية عمة
~~محمد ويا فاطمة بنت محمد، استوهبا أنفسكما من الله إني لا أغني عنكما من
~~الله شيئا» . وكان جدك الأكبر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم إمارة؛
~~فقال: «أي عم نفس تحييها خير لك من إمارة لا تحصيها» ، نظرا لعمه وشفقة
~~عليه أن يلي فيجور عن سنته جناج بعوضة، فلا يستطيع له نفعا ولا عنه دفعا.
~~هذه نصيحتي إن قبلتها فلنفسك عملت، وإن رددتها فنفسك بخست، والله الموفق
~~للخير والمعين عليه؛ قال بلى! نقبلها ونشكر عليها، وبالله نستعين.
### | مقام خالد بن صفوان بين يدي هشام
# قال خالد: وفدت عليه فوجدته قد بدأ يشرب الدهن، وذلك في عام باكر وسميه
~~وتتابع وليه «1» وأخذت الأرض زخرفها، فهي كالزرابي المبثوثة والقباطي «2»
~~المنشورة، وثراها كالكافور لو وضعت به بضعة «3» ولم تترب، وقد ضربت له
~~سرادقات حبر «4» بعث بها إليه يوسف بن عمر من اليمن تتلألأ كالعقيان، فأرسل
~~إلي فدخلت عليه، ولم أزل واقفا، ثم نظر إلي كالمستنطق لي؛ فقلت: يا أمير
~~المؤمنين، أتم الله عليك نعمه ودفع عنك نقمه؛ هذا مقام زين الله به ذكري
~~وأطاب به نشري، إذ أراني وجه أمير
# PageV02P368
# المؤمنين، ولا أرى لمقامي هذا شيئا هو أفضل من أن أنبه أمير المؤمنين
~~لفضل نعمة الله عليه ليحمد الله علي ما أعطاه، ولا شيء أحضر من حديث سلف
~~لملك من ملوك العجم إن أذن لي فيه حدثته به؛ قال: هات؛ قلت: كان رجل من
~~ملوك الأعاجم جمع له فتاء «1» السن وصحة الطباع وسعة الملك وكثرة المال،
~~وذلك بالخورنق «2» ، فأشرف يوما فنظر ما حوله فقال لمن حضره: هل علمتم أحدا
~~أوتي مثل الذي أوتيت؟ فقال رجل من بقايا حملة الحجة: إن أذنت لي تكلمت؛
~~فقال: قل، فقال: أرأيت ما جمع لك؟ أشيء هو لك لم يزل ولا يزول، أم هو شيء
~~كان لمن قبلك زال عنه وصار إليك وكذلك يزول عنك؟ قال: لا! بل شيء كان لمن
~~قبلي فزال عنه وصار إلي وكذلك يزول عني؛ قال: فسررت بشيء تذهب لذته وتبقى
~~تبعته، تكون فيه قليلا وترتهن به طويلا؛ فبكى وقال: أين المهرب؟ قال: إلى
~~أحد أمرين: إما أن تقيم في ملكك فتعمل فيه بطاعة ربك وإما أن تلقي عليك
~~أمساحا «3» ثم تلحق بجبل تعبد فيه ربك حتى يأتي عليك أجلك؛ قال: فمالي إذا
~~أنا فعلت ذلك؟ قال: حياة لا تموت وشباب لا يهرم وصحة لا تسقم وملك جديد لا
~~يبلى؛ فأتى جبلا فكان فيه حتى مات. وأنشده قول عدي بن زيد:
# وتفكر رب الخورنق إذ أص ... بح يوما وللهدى تفكير
# سره حاله وكثرة ما يم ... لك والبحر معرضا والسدير «4»
# PageV02P369
# فارعوى قلبه فقال وما غب ... طة حي إلى الممات يصير
# فبكى هشام وقام ودخل؛ فقال لي حاجبه: لقد كسبت نفسك شرا، دعاك أمير
~~المؤمنين لتحدثه وتلهيه وقد عرفت علته فما زدت على أن نعيت إليه نفسه.
~~فأقمت أياما أتوقع الشر، ثم أتاني حاجبه فقال: قد أمر لك بجائزة وأن لك في
~~الانصراف.
### | مقام محمد بن كعب القرظي بين يدي عمر بن عبد العزيز
# قال: إنما الدنيا سوق من الأسواق، فمنها خرج الناس بما ينفعهم وبما
~~يضرهم، وكم من قوم قد غرهم مثل الذي أصبحنا فيه حتى أتاهم الموت فاستوعبهم
~~فخرجوا من الدنيا مرملين «1» لم يأخذوا لما أحبوا من الآخرة عدة ولا لما
~~كرهوا جنة «2» ، واقتسم ما جمعوا من لم يحمدهم وصاروا إلى من لا يعذرهم.
~~فانظر الذي تحب أن يكون معك إذا قدمت، فقدمه بين يديك حتى تخرج إليه؛ وانظر
~~الذي تكره أن يكون معك إذا قدمت، فابتغ به البدل حيث يجوز البدل؛ ولا تذهبن
~~إلى سلعة قد بارت على غيرك ترجو جوازها عنك. يا أمير المؤمنين، افتح
~~الأبواب، وسهل الحجاب، وانصر المظلوم.
# PageV02P370
### | مقام الحسن عند عمر بن هبيرة
# كتب ابن هبيرة إلى الحسن وابن سيرين والشعبي فقدم بهم عليه، فقال لهم: إن
~~أمير المؤمنين يكتب إلي في الأمر، إن فعلته خفت على ديني، وإن لم أفعله خفت
~~على نفسي؛ فقال له ابن سيرين والشعبي قولا رققا فيه، وقال له الحسن: يا بن
~~هبيرة، إن الله يمنعك من يزيد، وإن يزيد لا يمنعك من الله. يا بن هبيرة، خف
~~الله في يزيد ولا تخف يزيد في الله. يا بن هبيرة، إنه يوشك أن يبعث الله
~~إليك ملكا فينزلك عن سريرك إلى سعة قصرك، ثم يخرجك من سعة قصرك إلى ضيق
~~قبرك، ثم لا ينجيك إلا عملك. يابن هبيرة، إنه لا طاعة لمخلوق في معصية
~~الخالق؛ فأمر له بأربعة آلاف درهم وأمر لابن سيرين والشعبي بألفين؛ فقالا:
~~رفقنا فرقق لنا.
### | باب من المواعظ
### | كلام للحسن
# قال في كلام له: أمتكم آخر الأمم وأنتم آخر أمتكم، وقد أسرع، بخياركم
~~فماذا تنتظرون! المعاينة؟ فكأن قد. هيهات هيهات! ذهبت الدنيا بحال بمالها،
~~وبقيت الأعمال أطواقا في أعناق بني آدم؛ فيا لها موعظة لو وافقت من القلوب
~~حياة! إنه والله لا أمة بعد أمتكم، ولا نبي بعد نبيكم، ولا كتاب بعد
~~كتابكم؛ أنتم تسوقون الناس والساعة تسوقكم؛ وإنما ينتظر بأولكم أن يلحق
~~آخركم. من رأى محمدا صلى الله عليه وسلم فقد رآه غاديا رائحا لم يضع لبنة
~~على لبنة ولا قصبة على قصبة، رفع له علم فشمر إليه؛ فالوحى الوحى «1» ،
~~والنجاء النجاء. علام تعرجون؟ أسرع بخياركم وأنتم كل يوم ترذلون «2» . لقد
# PageV02P371
# صحبت أقواما كانت صحبتهم قرة العين وجلاء الصدور، وكانوا من حسناتهم أن
~~ترد عليهم أشفق منكم من سيئاتكم أن تعذبوا عليها، وكانوا فيما أحل الله لهم
~~من الدنيا أزهد منكم فيما حرم الله عليكم. إني أسمع حسيسا «1» ، ولا أرى
~~أنيسا؛ ذهب الناس، وبقيت في النسناس؛ لو تكاشفتم ما تدافنتم؛ تهاديتم
~~الأطباق ولم تهادوا النصائح. يا بن آدم، إن دين الله ليس بالتحلي ولا
~~بالتمني، ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال.
### | كلام لبعض الزهاد
# لا تغترن بطول السلامة مع تضييع الشكر، ولا تعملن نعمة الله في معصيته؛
~~فإن أقل ما يجب لمهديها ألا تجعلها ذريعة إلى مخالفته. واستدع شارد النعم
~~بالتوبة، واستدم الراهن منها بكرم الجوار، واستفتح باب المزيد بحسن التوكل.
~~أو ما علمت أن المستشعر لذل الخطيئة المخرج نفسه من كلف الطاعة نطف الثناء،
~~زمر «2» المروءة، قصي المجلس، لا يشاور وهو ذو بزلاء «3» ، ولا يصدر وهو
~~جميل الرواء، غامض الشخص ضئيل الصوت نزر الكلام يتوقع الإسكات عند كل كلمة،
~~وهو يرى فضل مزيته وصريج لبه وحسن تفضيله، ولكن قطعه سوء ما جنى على نفسه،
~~ولو لم تطلع عليه عيون الخليقة لهجست العقول بإدهانه «4» . وكيف يمتنع من
~~سقوط القدر وظن المتفرس من عري من حلية التقوى وسلب طبائع الهدى؟ ولو لم
~~يتفش ثوب سريرته وقبيح ما أجن من مخالفة ربه لقطعه العلم بقبيح ما قارف عن
~~اقتدار
# PageV02P372
# ذوي الطهارة في الكلام وإدلال أهل البراءة في الندي.
### | كلام لغيلان
# إن التراجع في المواعظ يوشك أن يذهب يومها ويأتي يوم الصاخة «1» ، كل
~~الخلق يومئذ مصيخ يستمع ما يقال له ويقضي عليه، وخشعت الأصوات للرحمن فلا
~~تسمع إلا همسا. فاصمت اليوم عما يصمتك يومئذ، وتعلم ذلك حتى تعلمه، وابتغه
~~حتى تجده، وبادر قبل أن تفجأك دعوة الموت؛ فإنها عنيفة إلا بمن رحم الله،
~~فيقحمك في دار تسمع فيها الأصوات بالحسرة والويل والثبور، ثم لا يقالون ولا
~~يستعتبون. إني رأيت قلوب العباد في الدنيا تخشع لأيسر من هذا وتقسو عند
~~هذا، فانظر إلى نفسك أعبد الله أنت أم عدوه؟ فيا رب متعبد لله بلسانه، معاد
~~له بفعله ذلول في الانسياق إلى عذاب السعير «2» في أمنية أضغاث أحلام
~~يعبرها بالأماني والظنون. فاعرف نفسك وسل عنها الكتاب المنير، سؤال من يحب
~~أن يعلم، وعلم من يحب أن يعمل، فإن الرب جل ثناؤه لا يعذر بالتعذير
~~والتغرير، ولكن يعذر بالجد والتشمير. اكتس نصيحتي؛ فإنها كسوة تقوى ودليل
~~على مفاتح الخير، ولا تكن كعلماء زمن الهرج إن وعظوا أنفوا، وإن وعظوا
~~عنفوا. والله المستعان.
### | كتاب رجل إلى بعض الزهاد
# كتب إليه: إن لي نفسا تحب الدعة، وقلبا يألف اللذات، وهمة تستثقل الطاعة؛
~~وقد وهمت نفسي الآفات، وحذرت قلبي الموت، وزجرت همتي عن
# PageV02P373
# التقصير؛ فلم أرض ما رجع إلي منهن، فأهد لي- رحمك الله- ما أستعين به على
~~ما شكوت إليك؛ فقد خفت الموت قبل الاستعداد.
# فكتب إليه: كثر تعجبي من قلب يألف الذنب، ونفس تطمئن إلى البقاء،
~~والساعات تنقلنا والأيام تطوي أعمارنا؛ فكيف يألف قلب ما لاثبات له؟ وكيف
~~تنام عين لا تدري؟ لعلها لا تطرف بعد رقدتها إلا بين يدي الله! والسلام.
### | وكتب رجل من العباد إلى صديق له:
# إني لما رأيت الناس في اليقين متفقين، وفي العمل متفاوتين، ورأيت الحجة
~~واجبة، فلم أر في يقين قصر بصاحبه عن عمل حجة، ولا في عمل كان بغير يقين
~~منفعة؛ ورأيت من تقصير أنفسنا في السعي لمرجو ما وعدت والهرب من مخوف ما
~~حذرت، حتى أسلمها ذلك إلى أن ضعفت منها النية وقل التحفظ واستولى عليها
~~السقط «1» والإغفال واشتعلت منها الشهوة، ودعاها ذلك إلى التمرغ في فضائح
~~اللذات، وهي تعلم أن عاقبتها الندم، وثمرتها العقوبة، ومصيرها إلى النار إن
~~لم يعف الله- عجبت لعمل امرىء كيف لا يشبه يقينه، ولعلم موقن كيف لا يرتبط
~~رجاءه وخوفه على ربه، حتى لا تكون الرغبة منه إلا إليه والرهبة منه إلا له.
~~وزادني عجبا أنني رأيت طالب الدنيا أجد من طالب الآخرة، وخائفها أتعب من
~~خائف الآخرة، وهو يعلم يقينا أنه رب مطلوب في الدنيا قد صار حين نيل حتفا
~~لطالبه، وأنه رب مخوف فيها قد لحق كرها بالهارب منه فصار حظا له، وأن
~~المطلوب إليه من أهلها ضعيف عن نفسه محتاج إلى ربه مملوك عليه ماله مخزونة
~~عنه قدرته. واعلم أن جماع ما
# PageV02P374
# يسعى له الطالب ويهرب منه الهارب أمران: أحدهما أجله، والآخر رزقه،
~~وكلاهما بعينه شاهد على أنه لا يملكه إلا الذي خلقه. فلم أدر حين صار هذا
~~اليقين في موضع الإيمان يقينا لا شك فيه، كيف صار في موضع العمل شبيها
~~بالشك الذي لا يقين فيه! وكيف، حين اختلف في أمر الآخرة، لم يختلف في أمر
~~الدنيا، فيكون خائف الآخرة لربه كخائف الدنيا لسلطانه صبرا له على تجشم
~~المكروه، وتجرعا منه لغصص الغيظ، واحتمالا منه لفادح النصب، وعملا له
~~بالسخرة، وتحفظا من أن يضمر له غش أو يهم له بخلاف؛ ولو فعل ذلك ما علمه
~~منه حتى يظهر له بقول أو فعل؛ ولو علمه منا قدر له على قطع أجل لم يفن ورزق
~~لم ينفد؛ فإن ابتلي بالسخط من سلطانه فكيف حزنه ووحشته، وإن أنس منه رضا
~~عنه فكيف سروره واختياله؟ فإن قارف ذنبا إليه فكيف تضعضعه واستخذاؤه «1» ؟
~~فإن ندبه لأمر فكيف خفته ونشاطه؟ وإن نهاه عنه فكيف حذره واتعاظه؟ وهو يعلم
~~أن خالقه ورازقه يعلم سره وجهره، ويراه في متقلبه ومثواه، ويعاينه في
~~فضائحه وعورته، فلم يزعه عنها حياء منه ولا تقية له، قد أمره فلم يأتمر،
~~وزجره فلم يزدجر، وحذره فلم يحذر، ووعده فلم يرغب، وأعطاه فلم يشكر، وستره
~~فلم يزدد بالستر إلا تعرضا للفضائح، وكفاه فلم يقنع بالكفاية، وضمن له في
~~رزقه ما هو في طلبه مشيح «2» ، ويقظه من أجله لما هو عنه لاه، وفرغه من
~~العمل لما هو عنه بغيره مشغول؛ فسبحان من وسع ذلك حمله وتغمده من عباده
~~عفوه؛ ولو شاء ما فعلوه: ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
# فأجابه: إني رأيت الله تبارك وتعالى جعل اليقين بأعظم المواضع في
# PageV02P375
# أمر الدنيا والدين، فهو غاية علم العالم وبصر البصير وفهم السامع، ليس
~~كسائر الأشياء التي تدخلها الشبهات ويجرحها الإغفال ويشوبها الوهن؛ وذلك أن
~~الله تعالى جعل مغرسه القلب؛ وأغصانه العمل، وثمرته الثواب. وإنما جعل
~~القلب لليقين مغرسا، لأنه جعل الخمس الجوالب لعلم الأشياء كلها إلى القلب:
~~السمع والبصر والمجسة والمذاقة والاسترواح. فإذا صارت الأشياء إليه ميز
~~بينها العقل، ثم صارت بأجمعها إلى اليقين، فكان هو المثبت لها والموجه كل
~~واحدة منهن جهتها. ولولا معرفة القلب بالعقل الذي جعله الله لذلك، لم يفرق
~~سمع بين صوتين مختلفين، ولا بصر بين صورتين متقاربتين، ولا مجسة بين شيئين
~~غير متشابهين. ولليقين بعد ذلك منزلة يعرف بها حال الضار والنافع في
~~العاقبة عند الله تعالى. فلما صار اليقين في التشبيه كالشجرة النابتة في
~~القلب، أغصانها العمل وثمرتها الثواب، أخبر ذلك أنه قد تكون الشجرة نابتة
~~الأصل بلا أغصان كما قد يكون اليقين نابتا بلا عمل؛ وأنه كما لا تكون
~~الأغصان نابتة بلا أصل، فكذلك لا يكون العمل نافعا إلا بيقين؛ وكما أنه لا
~~تخلف الثمرة في الطيب والكثرة إذا كان الأصل نابتا والأغصان ملتفة، فكذلك
~~يكون الثواب لمن صح يقينه وحسن عمله. وقد تعرض للأعمال عوارض من العلل؛
~~منهن الأمل المثبط «1» ، والنفس الأمارة بالسوء، والهوى المزين للباطل،
~~والشيطان الجاري من ابن آدم مجرى الدم، يضررن بالعمل والثواب، ولا يبلغ
~~ضررهن اليقين، فيكون ذلك كبعض ما يعرض للشجرة من عوارض الآفات فتذوي
~~أغصانها وتنثر ورقها وتمنع ثمرتها والأصل ثابت؛ فإذا تجلت الآفة عادت إلى
~~حال صلاحها. فإذا يعجبك من عمل امرىء لا يشبه يقينه وأن يقينه لا يرتبط
~~رجاءه وخوفه على ربه؟ فإنما العجب
# PageV02P376
# من خلاف ذلك! ولعمري لو أشبه عمل امرىء يقينه فكان في خوفه ورجائه
~~كالمعاين لما يعاينه بقلبه من الوقوف بين يدي الله والنظر إلى ما وعد
~~وأوعد، لكان ما يعتلج على قلبه من خطرات الخوف شاغلا له عن الرجاء، حتى
~~يأتي على نفسه أول لحظة ينظر بها إلى النار خوفا لها أو إلى الجنة أسفا
~~عليها إذا حرمها، وإذا لكان الموقن بالبعث بقلبه كالمعاين له يوم القيامة.
~~وكيف يستطيع من كان كذلك أن يعقل فضلا عن أن يعمل؟ وأما قولك: «كيف لم يكن
~~خائف الآخرة لربه كخائف الدنيا لسلطانه؟» ، فإن الله عز وجل خلق الإنسان
~~ضعيفا وجعله عجولا، فهو لضعفه موكل بخوف الأقرب فالأقرب مما يكره، وهو
~~بعجلته موكل بحب الأعجل فالأعجل مما يشتهي؛ وزاده حرصا على المخلص من
~~المكروه وطلبا للمحبوب حاجته إلى الاستمتاع بمتاع الدنيا الذي لولا ما طبع
~~عليه القلب من حبه وسهل على المخلوقين من طلبه، لما انتفع بالدنيا منتفع
~~ولا عاش فيها عائش. ومع ذلك إن مكاره الدنيا ومحابها عند ابن آدم على
~~وجهين، إما المكروه فيقول فيه: عسى أن أكون ابتليت به لذنب سلف مني، وإما
~~المحبوب فيقول فيه: عسى أن أكون رزقته بحسنة كانت مني فهو ثواب عجل؛ وهو مع
~~هذا يعلم أن حلوم المخلوقين إلى الضيق، وأن قلوب أكثر مسلطيهم إلى القسوة،
~~وأن العيب عنهم مستور، فليس يلتمس ملتمسهم إلا علم الظاهر ولا يضع إلا به،
~~ولا يلتفت من امرىء إلى صلاح سريرته دون صلاح علانيته. ومن طباع الإنسان
~~اللؤم، فليس يرضى إذا خيف إلا بأن يذل، ولا إذا رجي إلا بأن يتعب، ولا إذا
~~غضب إلا بأن يخضع له، ولا إذا أمر إلا بأن ينفذ أمره، ولا ينتفع المتشفع
~~بإحسانه عنده إذا أساء ولا المطيع بكثرة طاعته في المعصية الواحدة إذا عصى،
~~ولا يرى الثواب لازما له ولا العقاب محجورا عليه، فإن عاقب لم يستبق، وإن
~~غضب
# PageV02P377
# لم يثبت، وإن أساء لم يعتذر، وإن أذنب إليه مذنب لم يغفر؛ واللطيف الخبير
~~يعلم السريرة فيغفر بها العلانية، ويمحو بالحسنة عشرا من السيئات، ويصفح
~~بتوبة الساعة عن ذنوب مائة عام، إن دعي أجاب، وإن استغفر غفر، وإن أطيع
~~شكر، وإن عصي عفا، ومن وراء عبده بعد هذا كله ثلاث: رحمته التي وسعت كل
~~شيء، وشهادة الحق التي لا يزكو إلا بها عمل، وشفاعة النبي صلى الله عليه
~~وسلم؛ وهذا كله مثبت لليقين باسط للأمل مثبط عن العمل إلا من شاء الله
~~وقليل ما هم فلا تحمل نطف «1» عملك على صحة يقينك فتوهن إيمانك، ولا ترخص
~~لنفسك في مقارفة الذنوب، فيكون يقينك خصما لك وحجة عليك؛ وكذب أملك وجاهد
~~شهوتك، فإنهما داءاك المخوفان على دينك المعتونان «2» على هلكتك. وأسأل
~~الله الغنيمة لنا ولك.
### | موعظة مستعملة
# وكيع عن مسعر عن زيد العمي عن عون بن عبد الله قال: كان أهل الخير يكتب
~~بعضهم إلى بعض بهؤلاء الكلمات: من مل «3» لآخرته كفاه الله أمر دنياه، ومن
~~أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن أصلح سريرته
~~أصلح الله له علانيته.
### | موعظة لعمرو بن عتبة
# العتبي عن أبيه عن أبي خالد عن أبيه عن عمرو بن عتبة قال:
# PageV02P378
# كان أبونا لا يرفع المواعظ عن أسماعنا، أراد مرة سفرا فقال: يا بني
~~تألفوا النعم بحسن مجاورتها، والتمسوا المزيد فيها بالشكر عليها، واعلموا
~~أن النفوس أقبل شيء لما أعطيت وأعطى شيء لما سئلت، فاحملوها على مطية لا
~~تبطىء إذا ركبت، ولا تسبق وإن تقدمت، عليها نجا من هرب من النار، وأدرك من
~~سابق إلى الجنة؛ فقال الأصاغر: يا أبانا، ما هذه المطية؟ قال:
# التوبة.
### | صفات الزهاد
# حدثني عبد الرحمن العبدي عن يحيى بن سعد السعدي قال:
# سأل الحواريون عيسى عليه السلام فقالوا: يا روح الله، من أولياء الله؟
# قال: هم الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها، وإلى آجل
~~الدنيا حين نظر الناس إلى عاجلها، فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم وتركوا
~~منها ما علموا أن سيتركهم، فصار استكثارهم منها استقلالا، وفرحهم بما
~~أصابوا منها حزنا، فما عارضهم من نائلها رفضوه وما عارضهم من رفيعها بغير
~~الحق وضعوه، فهم أعداء ما سالم الناس وسلم ما عادوا، خلقت «1» الدنيا عندهم
~~فليسوا يعمرونها، وماتت في قلوبهم فليسوا يحبونها، يهدمونها ويبنونها بها
~~آخرتهم، ويبيعونها ويشترون بها ما يبقى لهم؛ ونظروا إلى أهلها صرعى قد خلت
~~منهم المثلات «2» فأحيوا ذكر الموت وأماتوا ذكر الحياة، بهم نطق الكتاب وبه
~~نطقوا، وبهم علم الكتب وبه عملوا، لا يرون نائلا مع ما نالوا ولا أمنا دون
~~ما يرجون، ولا خوفا دون ما يحذرون.
# PageV02P379
# وحدثني أيضا عن أنس بن مصلح عن أبي سعيد المصيصي:
# إن قوما دخلوا على عمر بن عبد العزيز يعودونه في مرض، فإذا فيهم شاب ذابل
~~ناحل، فقال له عمر: يا فتى، ما الذي بلغ بك ما أرى؟ قال: يا أمير المؤمنين،
~~أمراض وأسقام، فقال عمر: لتصدقنني؛ قال: يا أمير المؤمنين، ذقت حلاوة
~~الدنيا فوجدتها مرة فصغر في عيني زهرتها وحلاوتها، واستوى عندي حجرها
~~وذهبها، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا، وإلى الناس يساقون إلى الجنة وإلى
~~النار، فأظمأت لذلك نهاري وأسهرت له ليلي، وقليل حقير كل ما أنا فيه في جنب
~~ثواب الله وجنب عقابه.
# بلغني عن إسحاق بن سليمان عن أخيه عن الفياض عن زبيد اليامي «1» عن معاذ
~~بن جبل.
# أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يحب الأخفياء الأتقياء
~~الأبرياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا وإذا حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح
~~الهدى يخرجون من كل غبراء مظلمة» .
# وعن وكيع عن عمرو بن منبه عن أوفى بن دلهم قال:
# قال علي عليه السلام: تعلموا العلم تعرفوا به واعملوا به تكونوا من أهله،
~~فإنه يأتي من بعدكم زمان ينكر فيه الحق تسعة أعشرائهم «2» لا ينجو فيه إلا
~~كل نومة؛ يعني الميت الذكر، أولئك أئمة الهدى ومصابيح العلم ليسوا بالعجل
~~المذاييع البذر»
# . وقال علي عليه السلام أيضا: إن الدنيا قد ارتحلت
# PageV02P380
# مدبرة وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من
~~أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، ألا إن الزاهدين في الدنيا
~~اتخذوا الأرض بساطا والتراب فراشا والماء طيبا. ألا من اشتاق إلى الجنة سلا
~~عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن الحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت
~~عليه المصيبات. ألا إن لله عبادا كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين وأهل
~~النار في النار معذبين، شرورهم مأمونة، وقلوبهم محزونة، وأنفسهم عفيفة،
~~وحوائجهم خفيفة، صبروا أياما قليلة لعقبى راحة طويلة؛ أما بالليل فصافو
~~أقدامهم، تجري دموعهم على خدودهم، يجأرون إلى الله: ربنا ربنا يطلبون فكاك
~~رقابهم؛ وأما بالنهار فحلماء علماء بررة أتقياء كأنهم القداح ينظر إليهم
~~الناظر فيقول: مرضى، وما بالقوم من مرض، ويقول: خولطوا، ولقد خالط القوم
~~أمر عظيم.
# حدثنا إسحاق المعروف بابن راهوية أن عون بن عبد الله بن عتبة كان يقول:
~~يا بني ممن نأى به عمن نأى عنه يقين ونزاهة، ودنا به ممن دنا منه لين رحمة،
~~ليس نأيه تكبرا ولا عظمة، ولا دنوة بخدع ولا خلابة، يقتدي بمن قبله، وهو
~~إمام من بعده، لا يعجل فيمن رابه «1» ويعفو إذا تبين له، ينقص في الذي له
~~ويزيد في الذي عليه، لا يعزب حلمه ولا يحضر جهله، الخير منه مأمول والشر
~~منه مأمون، إن رجي خاف ما يقولون واستغفر لما لا يعلمون، إن عصته نفسه فيما
~~كرهت لم يطعها فيما أحبت، يصمت ليسلم ويخلو ليغنم وينطق ليفهم ويخالط
~~ليعلم. ولا تكن يا بني ممن يعجب باليقين من نفسه فيما ذهب وينسى اليقين
~~فيما رجا وطلب، يقول فيما ذهب: لو قدر شيء كان، ويقول فيما بقي: ابتغ أيها
~~الإنسان؛ تغلبه نفسه على ما يظن ولا يغلبها
# PageV02P381
# على ما يستيقن، طال عليه الأمل ففتر، وطال عليه الأمد فاغتر؛ وأعذر إليه
~~فيما عمر وليس فيما عمر بمعذر «1» ، عمر فيما يتذكر فيه من تذكر، فهو من
~~الذنب والنعمة موقر، إن أعطي لم يشكر، وإن منع لم يعذر، يحب الصالحين ولا
~~يعمل عملهم ويبغض المسيئين وهو أحدهم، يرجو الأجر في البغض على ظنه ولا
~~يخشى اليقين من نفسه، يخشى الخلق في ربه ولا يخشى الرب في خلقه، يعوذ بالله
~~ممن هو فوقه، ولا يريد أن يعيذ الله منه من هو تحته، يخاف على غيره بأدنى
~~من ذنبه ويرجو لنفسه بأيسر من عمله، يبصر العورة من غيره ويغفلها من نفسه،
~~إن صلى اعترض «2» ، وإن ركع ربض، وإن سجد نقر، وإن جلس شعر، وإن سأل الحف،
~~وإن سئل سوف، وإن حدث أخلف «3» . وإن وعظ كلح «4» ، وإن مدح فرح، يحسد أن
~~يفضل، ويزهد أن يفضل، إن أفيض في الخير برم «5» وضعف واستسلم وقال: الصمت
~~حكم «6» ، وهذا ما ليس لي به علم؛ وإن أفيض في الشر قال: يحسب بي عي، فتكلم
~~يجمع بين الأراوي «7» والنعام وبين الخال والعم ولاءم ما لا يتلاءم؛ يتعلم
~~للمراء، ويتفقه للرياء، ويبادر ما يفنى، ويواكل ما يبقى.
# حدثني محمد بن داود عن أبي شريح الحوارزمي قال: سمعت أبا الربيع الأعرج
~~عمرو بن سليمان يقول:
# PageV02P382
# قال الحسن بن علي: ألا أخبركم عن صديق كان لي من أعظم الناس في عيني،
~~وكان رأس ما عظم به في عيني صغر الدنيا في عينه، كان خارجا من سلطان بطنه
~~فلا يتشهى ما لا يحل ولا يكنز إذا وجد، وكان خارجا من سلطان الجهالة فلا
~~يمد يدا إلا على ثقة لمنفعة، كان لا يتشكى ولا يتبرم، كان أكثر دهره صامتا،
~~فإذا قال بذ القائلين، كان ضعيفا مستضعفا فإذا جاء الجد فهو الليث عاديا،
~~كان إذا جامع العلماء على أن يسمع أحرص منه على أن يقول، كان إذا غلب على
~~الكلام لم يغلب على السكوت، كان لا يقول ما يفعل ويفعل ما لا يقول، كان إذا
~~عرض له أمران لا يدري أيهما أقرب إلى الحق نظر أقربهما من هواه فخالفه، كان
~~لا يلوم أحدا على ما قد يقع العذر في مثله. زادني غيره: كان لا يقول حتى
~~يرى قاضيا عدلا وشهودا عدولا.
# وفي كلام علي رضي الله عنه لكميل حين ذكر حجج الله في الأرض فقال: هجم
~~بهم العلم على حقائق الأمور، فباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعر
~~المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها
~~معلقة بالمحل الأعلى؛ هاه «1» شوقا إلى رؤيتهم.
# قال رجل ليونس بن عبيد: تعلم أحدا يعمل بعمل الحسن؟ قال: والله ما أعرف
~~أحدا يقول بقوله فكيف يعمل بعمله! قيل: فصفه لنا؛ قال: كان إذا أقبل فكأنه
~~أقبل من دفن حميمه، وإذا جلس فكأنه أسير أمر بضرب عنقه، وإذا ذكرت النار
~~فكأنها لم تخلق إلا له.
# حدثنا حسين بن حسن المروزي قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال:
# أخبرنا معمر عن الأعمش عن شقيق بن سلمة قال: ما مثل قراء هذا الزمان
# PageV02P383
# إلا كمثل غنم ضوائن «1» ذات صوف عجاف أكلت من الحمض «2» وشربت من الماء
~~حتى انتفخت خواصرها، فمرت برجل فأعجبته، فقام إليها فعبط منها شاة فإذا هي
~~لا تنقي «3» ، ثم عبط أخرى فإذا هي كذلك، فقال: أف لك، سائر اليوم.
# حدثنا حسين قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا معمر عن يحيى بن
~~المختار عن الحسن قال: إذا شئت لقيته أبيض بضا «4» حديد النظر ميت القلب
~~والعمل، أنت أبصر به من نفسه؛ ترى أبدانا ولا قلوب، وتسمع الصوت ولا أنس،
~~أخصب ألسنة وأجدب قلوب.
# حدثني أبو سهل عن علي بن محمد عن وكيع قال:
# قال سفيان: الزهد في الدنيا قصر الأمل، ليس بأكل الغليظ ولا لبس الغليظ.
~~قال: وقال يوسف بن أسباط: لو أن رجلا في ترك الدنيا مثل أبي ذر وأبي
~~الدرداء وسلمان، ما قلنا له: إنك زاهد، لأن الزهد لا يكون إلا على ترك
~~الحلال المحض، والحلال المحض لا نعرفه اليوم، وإنما الدنيا حلال وحرام
~~وشبهات؛ فالحلال حساب، والحرام عذاب، والشبهات عتاب؛ فأنزل الدنيا منزلة
~~الميتة خذ منها ما يقيمك، فإن كان ذلك حلالا كنت زاهدا فيها،
# PageV02P384
# وإن كان حراما لم تكن أخذت منها إلا ما يقيمك كما يأخذ المضطر من الميتة،
~~وإن كان عتاب كان العتاب يسيرا. ومثله قول بعضهم: ليس الزهد بترك كل
~~الدنيا، ولكن الزهد التهاون بها وأخذ البلاغ منها. قال الله تعالى:
# وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين
# «1» ، فأخبر أنهم زهدوا فيه وقد أخذوا له ثمنا.
# قال أبو سليمان الداراني: الرضا عن الله والرحمة للخلق درجة المرسلين،
~~وما تعرف الملائكة المقربون حد الرضا. وقال: أرجو أن أكون قد نلت من الرضا
~~طرفا، لو أنه تبارك وتعالى أدخلني النار كنت بذلك راضيا.
# قال: وليس الحمد له أن تحمده بلسانك وقلبك مقتصر على المصيبة، ولكن هو أن
~~تحمده بلسانك وقلبك مسلم راض.
# وقال أبو أبي الحواري: قلت لأبي سليمان: بلغني في قول الله تعالى:
# إلا من أتى الله بقلب سليم
# «2» أنه الذي يلقى ربه وليس فيه أحد غيره؛ فبكى وقال: ما سمعت مذ ثلاثين
~~سنة أحسن من هذا. وقال: كل قلب فيه شرك فهو ساقط. قال: وما في الأرض أحد
~~أجد له محبة ولكن رحمة. وقال:
# ينبغي للخوف أن يكون أغلب على الرجاء، فإذا غلب الرجاء على الخوف فسد
~~القلب.
# وقال الفضيل بن عياض: أصل الزهد الرضا عن الله.
# PageV02P385
# الحسين بن علي عن عبد الملك بن أبجر: أن رجلا يكنى أبا سعيد كان يقول:
~~والله ما رأيت قراء زمان قط أغلظ رقابا ولا أدق ثبابا ولا آكل لمخ العيش
~~منكم.
# أبو أسامة عن حماد بن زيد عن إسحاق بن سويد قال.
# قال مطرف: انظروا قوما إذا ذكروا بالقراءة فلا تكونوا منهم، وقوما إذا
~~ذكروا ذكروا بالفجور فلا تكونوا منهم، كونوا بين هؤلاء وبين هؤلاء.
# أوصى ابن محيريز رجلا فقال: إن استطعت أن تعرف ولا تعرف وتسأل ولا تسأل
~~وتمشي ولا يمشى إليك، فافعل.
# قال أيوب: ما أحب الله عبدا إلا أحب ألا يشعر به.
# إسحاق بن سليمان عن جرير بن عثمان قال: جاء شريح بن عبيد إلى أبي عائذ
~~الأزدي فقال: يا أبا عبد الله، لو أحييت سنة قد تركها الناس: إرخاء طرف
~~العمامة من الجانب الأيسر! قال: يا بن أخي، ما كان أحسنها! تركها الناس
~~فتركناها، ما أحب أن أعرف في خير ولا شر.
### | كلام من كلام الزهاد
# حدثنا حسين بن حسن المروزي قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال:
# أخبرنا عبد الله بن عبد العزيز قال:
# قال عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية لرجل: يا فلان، هل أنت على حال أنت
~~فيها مستعد للموت؟ قال: لا؛ قال: فهل أنت مجمع «1» على التحول إلى حال ترضى
~~بها؟ قال: ما شخصت نفسي لذلك؛ قال: فهل بعد
# PageV02P386
# الموت دار فيها مستعتب؟ «1» قال: لا، قال: فهل تأمن الموت أن يأتيك؟ قال:
# لا؛ قال فهل رضي بمثل هذا الحال عاقل؟.
# حدثنا حسين قال: حدثنا عبد الله بن مبارك قال: حدثني غير واحد عن معاوية
~~بن قرة قال:
# قال أبو الدرداء: أضحكني ثلاث وأبكاني ثلاث: أضحكني مؤمل الدنيا والموت
~~يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وضاحك ملء فيه ولا يدري أراض الله عنه أم
~~ساخط عليه. وأبكاني فراق الأحبة: محمد وحزبه، وهول المطلع، والوقوف بين يدي
~~الله يوم تبدو السرائر، ثم لا أدري إلى الجنة أو إلى النار.
# كان عبد الله بن ثعلبة الحنفي يقول: تضحك ولعل أكفانك قد خرجت من القصار
~~«2» . قال: وقال الفضيل: أصل الزهد الرضا عن الله، وقال: ألا تراه كيف
~~يزويها عنه ويمرمرها «3» عليه بالعري مرة وبالجوع مرة وبالحاجة مرة، كما
~~تصنع الوالدة الشفيقة بولدها: تسقيه مرة صبرا «4» ومرة حضضا «5» ، وإنما
~~تريد بذلك ما هو خير له.
# وقال السري: ليس من أعلام الحب أن تحب ما يبغضه حبيبك. أوحى الله تعالى
~~إلى بعض الأنبياء: أما زهدك في الدنيا فتعجلك الراحة لنفسك، وأما انقطاعك
~~إلي فتعززك بي، ولكن هل عاديت لي عدوا أو واليت لي وليا؟
# PageV02P387
# قال مالك بن دينار: بلغنا أن حبرا من أحبار بني إسرائيل كان يغشاه الرجال
~~والنساء، فغمز بعض بنيه النساء، فرآهم فقال: مهلا يا بني مهلا! قال: فسقط
~~عن سريره فانقطع نخاعه «1» وأسقطت امرأته وقتل بنوه في الجيوش. وقيل له: ما
~~يكون من جنسك حبر أبدا، ما كان غضبك لي إلا أن قلت يا بني مهلا يا بني
~~مهلا.
# ضمرة بن ربيعة قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: ارض بالله صاحبا ودع
~~الناس جانبا.
# كان بشر بن الحارث يقول: أربعة رفعهم الله بغير كبير عمل في الظاهر إلا
~~بطيب المطعم: إبراهيم بن أدهم وسالم الخواص ووهيب المكي ويوسف ابن أسباط.
# وحدثني أبو حاتم أو غيره عن العتبي قال: سمعت ابن عيينة يقول:
# أربع ليس عليك في واحدة منهن حساب: سد الجوعة، وبرد العطشة، وستر العورة،
~~والاستكنان؛ ثم تلا: إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمؤا فيها ولا
~~تضحى
# «2» .
# بلغني عن يعلى عن سفيان: قال علي عليه السلام لرجل: كيف أنتم؟
# قال: نرجو ونخاف؛ قال: من رجا شيئا طلبه، ومن خاف من شيء هرب منه، ما
~~أدري ما خوف رجل عرضت له شهوة فلم يدعها لما يخاف؟ وما أدري ما رجاء رجل
~~نزل به بلاء فلم يصبر عليه لما يرجو؟.
# بلغني عن عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن مكحول قال: إن كان
# PageV02P388
# الفضل في الجماعة فإن السلامة في العزلة. وبلغ الفضيل هذا فقال: سمعتم
~~كلاما أحسن منه! قال ابن المبارك: ركبت مع محمد بن النضر الحارثي السفينة
~~فقلت:
# بأي شيء أستخرج منه الكلام؟ فقلت: ما تقول في الصوم في السفر؟ فقال:
# إنما هي المبادرة؛ فجاءني والله بفتوى غير فتوى إبراهيم والشعبي.
# حدثني عبد الرحمن بن عبد الله عن الأصمعي قال: قيل لأبي حازم: ما مالك؟
~~فقال: الثقة بما في يد الله واليأس مما في أيدي الناس. وقال أبو حازم: إنه
~~ليس شيء من الدنيا إلا وقد كان له أهل قبلكم، فآثر نفسك أيها المرء
~~بالنصيحة على ولدك، واعلم إنما تخلف مالك في يد أحد رجلين:
# عامل فيه بمعصيه الله فتشقى بما جمعت له، وعامل فيه بطاعة الله فتسعد بما
~~شقيت له؛ فارج لمن قدمت منهم رحمة الله، وثق لمن خلقت منهم برزق الله.
# وقال أبو حازم: إن كنت إنما تريد من الدنيا ما يكفيك ففي أدناها ما
~~يكفيك، وإن كنت لا ترضى منها بما يكفيك فليس فيها شيء يغنيك.
# ونظر أبو حازم إلى الفاكهة في السوق فقال: موعدك الجنة. ومر بالجزارين
~~فقال له رجل منهم: يا أبا حازم، هذا سمين فاشتر منه؛ قال: ليس عندي ثمنه؛
~~قال: أنا أنظرك؛ ففكر ساعة ثم قال: أنا أنظر نفسي.
# قال سفيان: حلف أبو حازم لجلسائه: إني لأرضى أن يبقى أحدكم على دينه كما
~~يبقى على نعله.
# حدثني محمد بن زياد الزيادي قال: حدثنا عيسى بن يونس عن عبد الله ابن
~~سعيد بن أبي هند عن أبيه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه
~~وسلم:
# «الصحة والفراغ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس» .
# PageV02P389
# حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا أبو ربيعة فهد بن عون عن حماد بن سلمة عن
~~يعقوب قال: سمعت الحسن يقول: ابن آدم، إنما أنت عدد، فإذا مضى يوم فقد مضى
~~بعضك.
# وروى عبد الله بن بكر بن حبيب السهمي عن الحسن بن ذكوان رفع الحديث إلى
~~النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أوصاني ربي بتسع خصال وإني موصيكم بها:
# بالإخلاص في السر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والقصد في الفقر
~~والغنى، وأن أعفو عمن ظلمني، وأصل من قطعني وأعطي من حرمني، وأن يكون صمتي
~~تفكرا، ومنطقي ذكرا، ونظري عبرا» .
# مسلم بن إبراهيم عن حماد بن سلمة عن حميد قال: كان ابن عمر يقول: البر
~~شيء هين: وجه طليق وكلام لين.
# جعفر بن سليمان قال: سمعت مالكا يقول: اتقوا السحارة، فإنها تسحر قلوب
~~العلماء. قال: وسمعته يقول: وددت أن رزقي في حصاة أمصها حتى أموت، ولقد
~~اختلفت إلى الخلاء حتى استحييت من ربي.
# بشر بن مصلح عن أبي سعيد المصيصي عن أسد بن موسى قال: في الجوع ثلاث
~~خلال: حياة القلب، ومذلة النفس، ويورث العقل الدقيق السماوي.
# سالم بن سالم البلخي عن السري بن يحيى قال: كان الحسن إذا عاد مريضا لم
~~ننتفع به يوما وليلة، وإذا شيع جنازة لم ينتفع به أهله وولده وإخوانه
~~ثلاثا.
# خلف بن تميم قال: قال رجل لإبراهيم بن أدهم: يا أبا إسحاق، أحب أن تقبل
~~مني هذه الجبة كسوة؛ قال إبراهيم: إن كنت غنيا قبلتها منك، وإن
# PageV02P390
# كنت فقيرا لم أقبلها؛ قال: فإني غني؛ قال: كم عندك؟ قال: ألفان؛ قال:
# فيسرك أن تكون أربعة آلاف؟ قال: نعم؛ قال: أنت فقير، لا أقبلها» .
# قال عبيد الله بن عمر: دخلت أنا ويحيى بن سليمان على الفضيل نعوده؛ فقال:
~~زوجك وخولك وصرف وجوه الناس إليك وأنت تشغلك عنه من أنت وما أنت! ثم شهق
~~شهقة، وأضجعه رجل كان عنده وغطى عليه ثوبا وهو لا يعقل، ونزلنا.
# بكار بن عبد الله عن إبراهيم بن عبد الله بن مسلم قال:
# قال أبو حازم: السر أملك بالعلانية من العلانية بالسر، والفعل أملك
~~بالقول من القول بالفعل، فإذا كنت في زمان يرضى فيه من الفعل بالقول ومن
~~العمل بالعلم، فأنت في شر زمان وشر أناس.
# ابن أبي الحواري قال: ذكرت لأبي سليمان امرأتي والشغل بها، فقال:
# إن علم الله من قلبك أنك تريد الفراغ له فرغك، وإن كنت إنما تريد الراحة
~~منها لتستبدل بها، فهذه حماقة. قال: ورأيته حين أراد الإحرام فلم يلب حتى
~~سرنا مليا وأخذه كالغشي وجعل رأسه عند ركبته فجعل محمله يخف ومحملي يثقل
~~حتى سرنا هويا «1» ، ثم أفاق فقال: يا أحمد، بلغني أن الله تبارك وتعالى
~~أوحى إلى موسى عليه السلام «يا موسى مر ظلمة بني إسرائيل أن يقلوا من ذكري،
~~فإني أذكر من ذكرني منهم بلعنة حتى يسكت» . ويحك يا أحمد بلغني أنه من حج
~~من غير حله ثم لبى، قال له تبارك وتعالى: لا لبيك ولا سعديك حتى ترد ما في
~~يديك؛ فما يؤمننا أن يقال لنا ذلك. قال: وقال أبو سليمان:
# PageV02P391
# يجيئك وأنت في شيء من الخير فيشير لك إلى شيء من الخير دونه ليربح عليك
~~شعيرة؛ يعني إبليس.
# قال المسيح لأصحابه: بحق أقول لكم، إن من طلب الفردوس فخبز الشعير له
~~والنوم في المزابل مع الكلاب كثير.
# مسلم بن إبراهيم عن عمرو بن حمزة عن داود بن أبي هند عن مكحول قال: كنا
~~أجنة في بطون أمهاتنا فسقط من سقط وكنا فيمن بقي، ثم كنا مراضع «1» فهلك
~~منا من هلك وبقي من بقي، وكنا أيفاعا، وذكر مثل ذلك، ثم صرنا شبانا، وذكر
~~مثل ذلك، ثم صرنا شيوخا لا أبا لك فما ننتظر وما نريد! وهل بقيت حالة ننتقل
~~إليها.
# قال: وقال مكحول: الجنين في بطن أمه لا يطلب ولا يحزن ولا يغتم، فيأتيه
~~الله برزقه من قبل سرته، وغذاؤه في بطن أمه في دم حيضها، فمن ثم لا تحيض
~~الحامل، فإذا سقط استهل استهلالة إنكارا لمكانه، وقطعت سرته وحول الله رزقه
~~إلى ثدي أمه ثم حوله إلى الشيء يصنع له ويتناوله بكفه، حتى إذا اشتد وعقل
~~قال: أين لي بالرزق؟ يا ويحك! أنت في بطن أمك وفي حجرها ترزق حتى إذا عقلت
~~وشببت قلت: هو الموت أو القتل وأين لي بالرزق؟ ثم قرأ: يعلم ما تحمل كل
~~أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد
# «2» .
# عبد الملك بن عبد العزيز قال: كان محمد بن النضر الحارثي إذا لم يكن في
~~صلاة استقبل القبلة، فقعدنا إليه بعد العصر فقال: بلغني أنه من
# PageV02P392
# قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء
~~قدير، ألف مرة في دبر صلاة العصر، رفع له عمل نبي؛ ثم قال: قد أكثرت
~~الكلام.
# وقال سعيد بن عمر الكندي: دخل رجل على داود وهو يأكل خبزا يابسا قد بله
~~في الماء بملح جريش «1» ، فقال له: كيف تشتهي هذا؟ قال: أدعه حتى أشتهيه.
~~ونحو هذا قول هشام بن عبد الملك لسالم: ما أدمك «2» ؟ قال:
# الزيت؛ قال: أما تأجمه «3» ؟ قال: إذا أجمته تركته حتى أشتهيه. قال: وكان
~~ماء داود في دن مقير «4» في الصيف والشتاء، فقال له بعض أصحابه: لو بردت
~~الماء! فقال داود: إذا أصبت في مثل هذا اليوم ماء باردا فمتى تحب الموت؟.
# سعيد بن عمرو عن رجل قال: قال محمد بن واسع: لو كان للذنوب ريح ما جلس
~~إلي منكم اثنان. وقال محمد بن واسع: لا يطيب المال إلا من أربع: سهم في فيء
~~المسلمين، أو عطية عن ظهر يد، أو إرث بكتاب الله، أو تجارة من حلال؛ ولا
~~يقتل مسلم إلا بهذه الخصال: كفر بعد إسلام، أو زنا بعد إحصان، أو قتل
~~فيقتل، أو حارب الله ورسوله وقطع الطريق.
# قال سليمان بن المغير: سمعت ثابتا يقول: والله لحمل الكارات أهون من
~~العبادة. قال: ولا يسمى الرجل عابدا وإن كانت فيه خصلة من كل خير حتى يكون
~~فيه الصوم والصلاة، فإنهما من لحمه ودمه.
# PageV02P393
# أبو نعيم عن الأعمش عن يزيد بن حيان قال: كان عيسى بن عقبة يسجد حتى أن
~~العصافير ليقعن على ظهره وينزلن، ما يحسبنه إلا جرم حائط.
# حدثني محمد بن داود عن عبد الصمد بن يزيد قال: شكا أهل مكة إلى الفضيل
~~القحط؛ فقال: أمدبرا غير الله تريدون؟. قال: وسمعته يقول:
# استخيروا الله ولا تخيروا عليه، فكم من عبد تخير لنفسه أمرا كان هلاكه
~~فيه! أما رأيتموه سأل ربه طرسوس «1» فأعطيها فأسر فصار نصرانيا؟.
# وحدثني أيضا عن سعيد بن نصير قال: قال وكيع: أبو يونس، ومن أبو يونس؟ بكى
~~حتى عمي، وطاف حتى أقعد، وصلى حتى حدب.
# حدثني محمد بن عبيد قال: محمد بن عبد الله الأنصاري عن بهز بن حكيم قال:
~~صلى بنا زرارة بن أوفى الغداة، فقرأ الإمام: فإذا نقر في الناقور فذلك
~~يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير
# «2» ، فخر مغشيا عليه، فحملناه ميتا.
# ابن أبي الحواري قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: الصلاة تبلغك نصف
~~الطريق، والصوم يبلغك باب الملك، والصدقة تدخلك عليه.
# ذكر أبو حنيفة رحمه الله أيوب فقال: رحمه الله- ثلاثا- لقد قدم المدينة
# PageV02P394
# مرة وأنا بها، فقلت: لأقعدن له، لعلي أتعلق عليه بسقطة، فقام من القبر
~~مقاما ما ذكرته قط إلا اقشعر جلدي.
# روى ابن عياش عن سعيد بن أبي عروبة قال: حج الحجاج فنزل بعض المياه ودعا
~~بالغداء، فقال لحاجبه: انظر من يتغدى معي واسأله عن بعض الأمر؛ فنظر الحاجب
~~فإذا هو بأعرابي بين شملتين من شعر نائم، فضربه برجله وقال: ائت الأمير
~~فأتاه؛ فقال له الحجاج: اغسل يدك وتغد معي؛ قال:
# إنه دعاني من هو خير منك فأجبته؛ فقال له الحجاج: من الذي دعاك؟. قال:
# الله تعالى دعاني إلى الصوم فصمت؛ قال: في هذا اليوم الحار؟ قال: نعم،
~~صمت ليوم أحر منه؛ قال: فأفطر وتصوم غدا؛ قال: إن ضمنت لي البقاء إلى غد؛
~~قال: ليس ذاك إلي؛ قال: فكيف تسألني عاجلا بآجل لا تقدر عليه؛ قال: إنه
~~طعام طيب؛ قال: إنك لم تطيبه ولا الخباز، ولكن طيبته العافية.
# ونحو هذا حدث الأصمعي عن شبيب بن شيبة قال: كنا في طريق مكة فجاء أعرابي
~~في يوم صائف شديد الحر ومعه جارية سوداء وصحيفة، فقال:
# أفيكم كاتب؟ قلنا: نعم؛ وحضر غداؤنا فقلنا: لو دخلت أصبت من الطعام! قال:
~~إني صائم؛ قلنا: في الحر وشدته وجفاء البادية؟ فقال: إن الدنيا كانت ولم
~~أكن فيها، وستكون ولا أكون فيها، ولا أحب أن أغبن أيامي، ثم نبذ إلينا
~~الصحيفة، وقال: اكتب ولا تزيدن على ما أقول حرفا: هذا ما أعتق عبد الله ابن
~~عقيل الكلابي، أعتق جارية له سوداء يقال لها لؤلؤة، ابتغاء وجه الله تعالى
~~وجواز العقبة، وإنه لا سبيل له عليها إلا سبيل الولاء، المنة لله عليها
~~وعليه واحدة. قال الأصمعي: فحدثت بها الرشيد، فأمر أن يعتق عنه ألف نسمة أو
~~مائة نسمة، ويكتب لهم هذا الكتاب.
# PageV02P395
# قال خالد بن صفوان: بت أتمنى ليلتي كلها، فكبست البحر الأخضر بالذهب
~~الأحمر، فإذا الذي يكفيني من ذاك رغيفان وكوزان وطمران!.
# رأى رجل رجلا من ولد معاوية يعمل على بعير له، فقال: هذا بعد ما كنتم فيه
~~من الدنيا! فقال: رحمك الله، ما فقدنا إلا الفضول.
# سمعت بعض العباد يقول: علامة التوبة الخروج من الجهل، والندم على الذنب،
~~والتجافي عن الشهوة، واعتقاد مقت نفسك المسولة، وإخراج المظلمة، وإصلاح
~~الكسرة، وترك الكذب، وقطع الغيبة، والانتهاء عن خدن «1» السوء.
# لقي زاهد زاهدا فقال له: يا أخي، إني لأحبك في الله؛ قال الآخر: لو علمت
~~مني ما أعلم من نفسي لأبغضتني في الله؛ قال له الأول: لو علمت منك ما تعلم
~~من نفسك، لكان لي فيما أعلم من نفسي شغل عن بغضك.
# كان الثوري مستخفيا بالبصرة، فورد عليه كتاب من أهله، وفيه: قد بلغ بنا
~~الجهد إلى أن نأخذ النوى فنرضه ثم نخلطه مع التبن فنأكله؛ فحرك ذلك من
~~قلبه، ورمى بالكتاب إلى أخ له؛ فقرأه فدمعت عينه، ثم قال: يا أبا عبد الله،
~~لو أنك حدثت الناس اتسعت واتسع هؤلاء! فأطرق مليا ثم رفع رأسه وقال: اسمع
~~حديثا أحدثك به ثم لا أكلمك بعده سنة؛ رئي نور في الجنة تجدد، فقيل: ما هذا
~~النور؟ فقيل: حوراء ضحكت في وجه زوجها فبدت ثناياها؛ فترى لي أن أغرر بتلك
~~وأصير إلى ما تقول!.
# أراد قوم سفرا فحادوا عن الطريق وانتهوا إلى راهب منفرد في ناحية،
# PageV02P396
# فنادوه فأشرف عليهم، فقالوا: إنا قد ضللنا فكيف الطريق؟ قال لهم: ها هنا،
~~وأومأ إلى السماء، فعلموا الذي أراد، فقالوا: إنا سائلوك، أفتجيبنا أنت؟
~~قال:
# سلوا ولا تكثروا، فإن النهار لن يرجع والعمر لن يعود والطالب حثيث في
~~طلبه ذو اجتهاد؛ قالوا: ما الخلق عليه غدا عند مليكهم؟ فقال: على نياتهم؛
~~فقالوا: فإلام الموئل؟ قال: إلى المقدم؛ قالوا: أوصنا؛ قال: تزودوا على قدر
~~سفركم، فإن خير الزاد ما بلغ المحل؛ ثم أرشدهم إلى المحجة وانقمع «1» .
# وقال آخر: قلت لراهب: عظني عظة نافعة؛ فقال: جميع المواعظ منتظمة في حرف
~~واحد؛ قلت: ما هو؟ قال: تجمع على طاعته، فإذا أنت قد حويت المواعظ
~~والأذكار.
# الأصمعي: قيل لأعرابي معه ماشية: لمن هذه الماشية؟ قال: لله عندي.
# كان ابن السماك يقول في كلامه: لقد أمهلكم حتى كأنه أهملكم، أما تستحيون
~~من الله من طول ما لا تستحيون؟.
# قال بكر بن عبد الله: اجتهدوا في العمل، فإن قصر بكم ضعف فكفوا عن
~~المعاصي.
# كان مالك بن دينار يقول في قصصه: ما أشد فطام الكبير «2» ! وينشد: [كامل]
# وتروض عرسك بعد ما هرمت ... ومن العناء رياضة الهرم «3»
# PageV02P397
# كان أعرابي يسرق الإبل يسمى يزيد، ثم تاب وقال: [طويل]
# ألا قل لرعيان المخائض «1» أهملوا ... فقد تاب، مما تعلمون، يزيد
# وإن امرأ ينجو من النار بعد ما ... تزود من أعمالها لسعيد «2»
# وقال نصيح الأسدي: [طويل]
# كفى نطفا «3» بالمرء يا أم صالح ... ركوب المعاصي عامدا واحتقارها
# كان خالد بن معدان «4» يقول: [طويل]
# إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصدا ... ندمت على التفريط في زمن البذر
# قال منصور بن عمار: ما أرى إساءة تكبر عن عفو الله فلا تأيس، ربما أخذ
~~الله على الصغير فلا تأمن.
# وروى وكيع عن إبراهيم بن إسماعيل عن عتيبة بن سمعان عن مسيكة عن عائشة
~~رضي الله عنها أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفحة فيها خبز شعير
# PageV02P398
# وقطعة من الكرش، فقالت: يا رسول الله، ذبحنا اليوم شاة فما أمسكنا منها
~~إلا هذا؛ قال: بل كلها أمسكتم إلا هذا.
# استقبل عامر بن عبد قيس رجل في يوم حلبة، فقال: من سبق يا شيخ؟
# فقال: المقربون. وأتي به عثمان أقعد في دهليزه، فلما خرج رأى شيخا ثطا
~~«1» في عباءة، فأنكر مكانه، فقال: يا أعرابي، أين ربك؟ قال: بالمرصاد.
# قال سليمان بن عبد الملك لأبي حازم: ما بالنا نكره الموت؟ قال:
# لأنكم عمرتم الدنيا وأخربتم الآخرة، فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمران
~~إلى الخراب.
# قال الحسن نعم الله أكثر من أن تشكر إلا ما أعان عليه، وذنوب ابن آدم
~~أكثر من أن يسلم منها إلا ما عفا الله عنه.
# وقال الحسن: تتفق دينك في شهوتك سرفا، وتمنع في حق الله درهما، ستعلم يا
~~لكع «2» .
# خرج المسيح من بيت مومسة، فقيل له: يا روح الله، ما تصنع عند هذه؟
# فقال: إنما يأتي الطبيب إلى المرضى. ومر بقوم شتموه فقال خيرا، ومر
~~بآخرين شتموه فقال خيرا؛ فقال رجل من الحواريين: كلما زادوك شرا زدت خيرا،
~~كأنك تغريهم بنفسك! فقال: كل إنسان يعطي مما عنده.
# أخبر أبو حازم سليمان بن عبد الملك بوعيد الله للمذنبين؛ فقال سليمان:
~~فأين رحمة الله؟ قال: قريب من المحسنين.
# PageV02P399
# قال عمر بن عبد العزيز لمحمد بن كعب: عظني: فقال: لا أرضى نفسي لك، إني
~~لأصلي بين الغني والفقير، فأميل على الفقير وأوسع للغني.
# نظرت امرأة إلى أخرى وحولها عشرة من ولدها كأنهم الصقور، فقالت:
# لقد ولدت أمكم حزنا طويلا.
# أحتضر فتى كان فيه زهو، فرفع رأسه فإذا أبواه يبكيان، فقال لهما: ما
~~يبكيكما؟ قالا: الخوف عليك لإسرافك على نفسك؛ فقال: لا تبكيا، فوالله ما
~~يسرني أن الذي بيد الله من الرحمة بأيديكما.
# قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: يا ابن آدم، لا تحمل هم يومك الذي لم
~~يأت على يومك الذي أنت فيه، فإن يك من أجلك يأت فيه رزقك، واعلم أنك لا
~~تكسب من المال شيئا فوق قوتك إلا كنت فيه خازنا لغيرك. قال النابغة في
~~نحوه: [وافر]
# ولست بحابس لغد طعاما ... حذار غد لكل غد طعام
# تذاكر حذيفة وسلمان أمر الدنيا، فقال سلمان: ومن أعجب ما تذاكرنا صعود
~~غنيمات الغامدي «1» سرير كسرى، وكان أعرابي من غامد يرعى شويهات «2» له،
~~فإذا كان الليل صيرها إلى عرصة إيوان كسرى، وفي العرصه سرير رخام كان يجلس
~~عليه كسرى، فتصعد غنيمات الغامدي إلى ذلك السرير.
# دخل أبو حازم المسجد فوسوس إليه الشيطان: إنك قد أحدثت بعد
# PageV02P400
# وضوئك، فقال: وقد بلغ هذا من نصحك!.
# قال الزبير: يكفينا «1» من خضمكم القضم، ومن نصكم العنق. قال رجل لأم
~~الدرداء: إني لأجد في قلبي داء لا أجد له دواء، أجد قسوة شديدة وأملا
~~بعيدا؛ قال: اطلع في القبور واشهد الموتى.
# قيل للربيع بن خيثم: لو أرحت نفسك! قال: راحتها أريد.
# قال رجل من الصالحين: لو أنزل الله كتابا أنه معذب رجلا واحدا لخفت أن
~~أكونه، أو أنه راحم رجلا واحدا لرجوت أن أكونه، أو أنه معذبي لا محالة ما
~~ازددت إلا اجتهادا لئلا أرجع على نفسي بلائمة.
# أثنى قوم على عوف بن أبي جميلة، فقال لهم: دعونا من الثناء، وأمدونا
~~بالدعاء.
# قيل لبعض العباد: من شر الناس؟ قال: من لا يبالي أن يراه الناس مسيئا.
# قال المسور بن مخرمة: لقد وارت الأرض أقواما لو رأوني معكم لاستحييت
~~منهم.
# قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: عجبت لمن يهلك والنجاة معه؛ قيل: وما
~~هي؟ قال: الإستغفار.
# كان فتى يجالس سفيان الثوري ولا يتكلم، وكان سفيان يحب أن يتكلم ليسمع
~~كلامه، فمر به يوما فقال له: يا فتى، إن من كان قبلنا مروا على خيل
# PageV02P401
# وبقينا على حمير دبرة؛ فقال الفتى: يا أبا عبد الله، إن كنا على الطريق
~~فما أسرع لحقوقنا بالقوم!.
# قال الحسن: إن خفق النعال خلف الرجال قل ما تلبث الحمقى.
# وذكر عنده الذين يلبسون الصوف، فقال: ما لهم تفاقدوا «1» ! - ثلاثا-
~~أكنوا الكبر في قلوبهم وأظهروا التواضع في لباسهم، والله لأحدهم أشد عجبا
~~بكسائه من صاحب المطرف بمطرفه. ودخل عليه رجل فوجد عنده ريح قدر طيبة،
~~فقال: يا أبا سعيد، إن قدرك لطيبة؛ قال: نعم لا رغيفي مالك وصحناه فرقد.
# طلب أبو قلابة للقضاء فلحق بالشام هربا، فأقام حينا ثم قدم البصرة؛ قال
~~أيوب؛ فقلت له: لو أنك وليت القضاء وعدلت بين الناس رجوت لك في ذلك أجرا؛
~~قال لي: يا أيوب، إذا وقع السابح في البحر فكم عسى أن يسبح؟.
# قالت امرأة أبي حازم يوما له: يا أبا حازم، هذا الشتاء قد هجم ولا بد لنا
~~مما يصلحنا فيه، فذكرت الثياب والطعام والحطب؛ فقال: من هذا كله بد، ولكن
~~خذي ما لا بد منه: الموت ثم البعث ثم الوقوف بين يدي الله تعالى ثم الجنة
~~أو النار.
# قال أبو العتاهية: [مجزوء الرمل]
# أطع الله بجهدك ... عامدا أو دون جهدك
# أعط مولاك كما تط ... لب من طاعة عبدك
# وقال أيضا: [بسيط]
# PageV02P402
# أرى أناسا بأدنى الدين قد قنعوا ... ولا أراهم رضوا في العيش بالدون
# فاستغن بالدين عن دنيا الملوك كما اس ... تغنى الملوك بدنياهم عن الدين
# وقال محمد بن حازم «1» : [منسرح]
# ما الفقر عار ولا الغنى شرف ... ولا سخاء في طاعة سرف
# ما لك إلا شيء تقدمه ... وكل شيء أخرته تلف
# تركك مالا لوارث يتهن ... ناه وتصلى بحره أسف
# وقال أبو العتاهية: [طويل]
# ألا إنما التقوى هي العز والكرم ... وحبك للدنيا هو الذل والندم
# وليس على عبد تقي نقيصة ... إذا صحح التقوى وإن حاك أو حجم
# قال علي بن الحسين: الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين.
# قيل لابن سيرين: ما أشد الورع! قال: ما أيسره! إذا شككت في شيء فدعه.
# قال رجل لحذيفة: أخشى أن أكون منافقا؛ فقال لو كنت منافقا لم تخش.
# وقال محمود «2» الوراق: [كامل]
# يا ناظرا «3» يرنو بعيني راقد ... ومشاهدا للأمر غير مشاهد
# تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي ... درك الجنان بها وفوز العابد
# ونسيت أن الله أخرج آدما ... منها إلى الدنيا بذنب واحد
# PageV02P403
# وقال وضاح «1» اليمن: [منسرح]
# مالك، وضاح، دائم الغزل ... ألست تخشى تقارب الأجل
# يا موت، ما إن تزال معترضا ... لآمل دون منتهى الأمل
# تنال كفاك كل مسهلة ... وحوت بحر ومعقل الوعل
# صل لذي العرش واتخذ قدما ... تنجيك بعد العثار والزلل
# قيل ليوسف عليه السلام: مالك تجوع وأنت على خزائن الأرض؟ قال:
# أخاف أن أشبع فأنسى الجائع.
# وقال أمية بن أبي الصلت «2» : [منسرح]
# هما طريقان فائز دخل ال ... جنة حفت به حدائقها
# وفرقة في الجحيم مع فرق الش ... يطان يشقى بها مرافقها
# تعرف هذا القلوب حقا إذا ... همت بخير فما عوائقها
# وصدها للشقاء عن طلب ال ... جنة دنيا والله ما حقها
# عبد دعا نفسه فعاتبها ... يعلم أن البصير رامقها
# إقترب الوعد والقلوب إلى ... اللهو وحب الحياة سائقها
# ما رغبة النفس في البقاء وأن ... تحيا قليلا والموت لا حقها
# PageV02P404
# أمامها قائد إليه ويح ... دوها حثيثا إليه سائقها
# قد أيقنت أنها تصير كما ... كان يراها بالأمس خالقها
# وأن ما جمعت وأعجبها ... من عيشة مرة مفارقها
# من لم يمت عبطة «1» يمت هرما ... للموت كأس والمرء ذائقها
# قال بعض الزهاد: إن صفاء الزهد في الدنيا وكماله ألا تأخذ من الدنيا شيئا
~~ولا تتركه إلا لله، فإذا كنت كذلك كان أخذك تركا ومعاملتك لله فيها ربحا،
~~وإن صفاء الرغبة في الدنيا وكمالها ألا تأخذ منها شيئا ولا تتركه إلا لها،
~~فإذا كنت كذلك كان تركك أخذا وفوت ما فات عليك منها حسرة.
# حبس بعض الملوك رجلا ثم غفل عنه إلى أن مضى عليه زمان؛ فقال للموكل به:
~~قل له: إن كل يوم يمضي من نعيمك يمضي من بؤسي، والأمر قريب والحكم الله عز
~~وجل. والسلام.
# جاء في آخر النسخة الفتوغرافية ما نصه:
# تم كتاب الزهد، وهو الكتاب السادس من عيون الأخبار لابن قتيبة رحمه الله،
~~ويتلوه في الكتاب السابع كتاب الإخوان. والحمد لله رب العالمين، وصلاة
~~وسلاما على سيدنا محمد النبي وآله أجمعين.
# كتبه الفقير إلى رحمة الله تعالى إبراهيم بن عمر بن محمد بن علي الواعظ
~~الجزري، وذلك في شهور سنة أربع وتسعين وخمسمائة.
# يوجد في النسخة الفتوغرافية عقب هذا الكتاب (كتاب الزهد) بعض قطع شعرية
~~ونثرية في نحو ست صفحات منقول جلها عن العقد، وليست من تأليف ابن قتيبة.
# PageV02P405
### | الجزء الثالث
# بسم الله الرحمن الرحيم
### | كتاب الإخوان
### | الحث على اتخاذ الاخوان واختيارهم
# حدثنا سهل بن محمد قال: حدثنا الأصمعي قال: أخبرنا العجلي قال بعض
~~الأدباء لابنه: يا بني، إذا دخلت المصر فاستكثر من الصديق فأما العدو فلا
~~يهمنك؛ وإياك والخطب فإنها مشوار «1» كثير العثار «2» .
# قال: وبلغني عن الأوزاعي «3» عن يحيى بن كثير: أن داود النبي عليه السلام
~~قال لابنه سليمان عليه السلام: يا بني، لا تستبدلن بأخ لك قديم أخا مستفادا
~~ما استقام لك، ولا تستقلن أن يكون لك عدو واحد، ولا تستكثرن أن يكون لك ألف
~~صديق.
# وكان يقال: أعجز الناس من فرط في طلب الإخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر
~~به منهم.
# وفي الحديث المرفوع: «المرء كثير بأخيه» . وأنشد ابن الأعرابي «4» :
# PageV03P003
# لعمرك ما مال الفتى بذخيرة ... ولكن إخوان الثقات الذخائر
# وقال أبو الجراح العقيلي: وجدت أعراض الدنيا «1» وذخائرها بعرض المتالف
~~«2» إلا ذخيرة الأدب وعقيلة الخلة، فاستكثروا من الإخوان واستعصموا بعرا
~~الأدب.
# وكان يقال: الرجل بلا إخوان كاليمين بلا شمال. وقال الشاعر:
# [من طويل]
# إذا لم يكن للقوم عز ولم يكن ... لهم رجل عند الإمام مكين
# فكانوا كأيد أوهن الله بطشها ... ترى أشملا ليست لهن يمين
# قال أيوب السختياني: إذا بلغني موت أخ لي فكأنما سقط عضو مني.
# وقال القطامي «3» : [من الكامل] وإذا يصيبك- والحوادث جمة-* حدث حداك إلى
~~أخيك الأوثق «4» وقال آخر «5» : [من الطويل]
# أخاك أخاك إن من لا أخا له ... كساع إلى الهيجا بغير سلاح «6»
# وإن ابن عم المرء فاعلم جناحه ... وهل ينهض البازي بغير جناح
# PageV03P004
# وقال الثقفي «1» : [من الطويل]
# من كان ذا عضد يدرك ظلامته ... إن الذليل الذي ليست له عضد
# تنبو يداه إذا ما قل ناصره ... ويأنف الضيم إن أثرى له عدد «2»
# وقال آخر: [من الوافر]
# وبغضاء التقي أقل ضيرا ... وأسلم من مودة ذي الفسوق «3»
# ولن تنفك تحسد أو تعادى ... فأكثر ما استطعت من الصديق
# وكتب الفضل بن سيار إلى الفضل بن سهل «4» : [من الرمل]
# يا أبا العباس إني ناصح ... لك والنصح لذي الود كبير
# لا تعدن ليوم صالح ... إن إخوانك في الخير كثير
# وليكن للشر ما أعددتهم ... إن يوم الشر صعب قمطرير «5»
# هذه السوق التي آملها ... يا أبا العباس والعمر قصير
# قال المأمون: الإخوان ثلاث طبقات: طبقة كالغذاء لا يستغنى عنه، وطبقة
~~كالدواء لا يحتاج إليه إلا أحيانا، وطبقة كالداء لا يحتاج إليه أبدا.
# قال حدثني سعيد بن سليمان قال: حدثنا إسماعيل بن زكريا عن سعيد ابن طريف
~~عن عمير بن المأمون قال: سمعت الحسن بن علي يقول: من أدام الاختلاف إلى
~~المسجد أصاب ثماني خصال: آية محكمة، وأخا مستفادا،
# PageV03P005
# وعلما مستطرفا، ورحمة منتظرة، وكلمة تدله على هدى أو تردعه عن ردى، وترك
~~الذنوب حياء أو خشية.
# قال وحدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن أبيه قال: كان يقال: الصاحب رقعة في
~~قميص الرجل، فلينظر أحدكم بم يرقع قميصه.
# وحدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن أبيه أنه قال: كان يقال: ما وجدنا شيئا
~~أبلغ في خير أو شر من صاحب.
# وحدثني الرياشي عن الأصمعي قال حدثنا سليمان بن المغيرة قال: قال يونس
~~«1» : اثنان ما في الأرض أقل منهما ولا يزدادان إلا قلة: درهم يوضع في حق
~~«2» ، وأخ يسكن إليه في الله.
# وحدثني شيخ لنا عن محمد بن مناذر عن سفيان بن عيينة «3» قال: قال علقمة
~~بن لبيد العطاردي لابنه: يا بني، إذا نزغتك «4» إلى صحبة الرجال حاجة،
~~فاصحب منهم من إن تحبه زانك، وإن خدمته صانك، وإن أصابتك خصاصة مانك «5» ؛
~~وإن قلت صدق قولك، وإن صلت شد صولك «6» ؛ وإن مددت يدك بفضل مدها، وإن رأى
~~منك حسنة عدها؛ وإن سألته أعطاك، وإن سكت عنه آبتداك، وإن نزلت بك إحدى
~~الملمات آساك؛ من لا يأتيك منه
# PageV03P006
# البوائق «1» ، ولا تختلف عليك منه الطرائق، ولا يخذلك عند الحقائق؛ وإن
~~حاول حويلا آمرك «2» ، وإن تنازعتما منفسا «3» آثرك.
# قال محمد بن كعب القرظي لعمر بن عبد العزيز: إن فيك عقلا وإن فيك جهلا،
~~فداو بعض ما فيك ببعض، وآخ من الإخوان من كان ذا معلاة «4» في الدين ونية
~~في الحق، ولا تؤاخ منهم من تكون منزلتك عنده على قدر حاجته إليك، فإذا قضى
~~حاجته منك ذهب ما بينك وبينه. وإذا غرست غراسا من المعروف فلا تبقين «5» أن
~~تحسن تربيته.
# وقال الأحنف بن قيس «6» : خير الإخوان من إن استغنيت عنه لم يزدك في
~~المودة، وإن احتجت إليه لم ينقصك منها، وإن عثرت عضدك، وإن احتجت إلى
~~مؤونته رفدك. وقال الشاعر: [من الرجز]
# إن أخاك الصدق من لن يدعك ... ومن يضر نفسه لينفعك
# ومن إذا ريب زمان صدعك «7» ... شتت شمل نفسه ليجمعك
# وإن رآك ظالما سعى معك
# PageV03P007
# وقال حجية بن المضرب «1» : [من الطويل]
# أخوك الذي إن تدعه لملمة ... يجبك وإن تغضب إلى السيف يغضب
# وكتب رجل إلى صديق له: أنت كما قال أعشى باهلة «2» : [من البسيط]
# من ليس في خيره من فيفسده ... على الصديق ولا في صفوه كدر «3»
# وليس فيه إذا استنظرته عجل ... وليس فيه إذا ياسرته عسر «4»
# وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: [من الطويل]
# أخوك الذي إن أحوجتك ملمة ... من الدهر لم يبرح لها الدهر واجما «5»
# وليس أخوك الحق من إن تشعبت ... عليك أمور ظل يلحاك لائما «6»
# وقال آخر: [من الطويل]
# إذا كان إخوان الرجال حرارة ... فأنت الحلال الحلو والبارد العذب
# لنا جانب منه دميث وجانب ... إذا رامه الأعداء مركبه صعب «7»
# وتأخذه عند المكارم هزة ... كما اهتز تحت البارح الغصن الرطب «8»
# وقال آخر: [من البسيط]
# أبكي أخا يتلقاني بنائله ... قبل السؤال ويلقى السيف من دوني «9»
# PageV03P008
# إن المنايا أصابتني مصائبها ... فاستعجلت بأخ قد كان يكفيني
# وقرأت في كتاب للهند: رأس المودة الاسترسال «1» .
# وقال أكثم بن صيفي «2» : من تراخى تألف «3» ، ومن تشدد نفر، والشرف
~~التغافل. وقال حاتم: العاقل فطن متغافل.
# وقرأت في كتاب للهند: من علامة الصديق أن يكون لصديق صديقه صديقا ولعدو
~~صديقه عدوا. قال العتابي في ذلك «4» : [من الطويل]
# تود عدوي ثم تزعم أنني ... صديقك، إن الرأي عنك لعازب «5»
# وليس أخي من ودني رأي عينه ... ولكن أخي من صدقته المغايب «6»
# قيل لبزرجمهر: أخوك أحب إليك أم صديقك؟ قال: إنما أحب أخي إذا كان صديقا.
# وقال بعضهم: إن أحب إخواني إلي، من كثرت أياديه علي.
# وقال رجل في أخ له: [من الوافر]
# وكنت إذا الشدائد أرهقتني ... يقوم لها وأقعد لا أقوم
# PageV03P009
# وقال آخر: [المتقارب]
# أخ طالما سرني ذكره ... فأصبحت أشجى لدى ذكره «1»
# وقد كنت أغدو إلى قصره ... فأصبحت أغدو إلى قبره
# وكنت أراني غنيا به ... عن الناس لو مد في عمره
# إذا جئته طالبا حاجة ... فأمري يجوز على أمره «2»
# وصف أعرابي رجلا قال: كان والله يتحسى مرارة الإخوان ويسقيهم عذبه. وقال
~~أعرابي «3» : [من الوافر]
# أخ لك ما تراه الدهر إلا ... على العلات بساما جوادا «4»
# سألناه الجزيل فما تلكا ... وأعطى فوق منيتنا وزادا «5»
# فأحسن ثم أحسن ثم عدنا ... فأحسن ثم عدت له فعادا
# مرارا لا أعود إليه إلا ... تبسم ضاحكا وثنى الوسادا «6»
### | المودة بالتشاكل 
# «7»
# بلغني عن ابن عيينة أنه قال: قال ابن عباس: القرابة تقطع والمعروف يكفر،
~~ولم ير كتقارب القلوب.
# PageV03P010
# قال رجل للعرجي «1» : جئتك أخطب إليك مودتك؛ فقال: لا حاجة بك إلى
~~الخطبة، قد جاءتك زنا فهو ألذ وأحلى. وقال الكميت بن معروف «2» : [من
~~الطويل]
# وما أنا بالنكس الدنيء ولا الذي ... إذا صد عنه ذو المودة يقرب «3»
# ولكنه إن دام دمت وإن يكن ... له مذهب عني فلي عنه مذهب «4»
# ألا إن خير الود ود تطوعت ... به النفس لا ود أتى وهو متعب
# وقال الطائي «5» : [من البسيط]
# ذو الود مني وذو القربى بمنزلة ... وإخوتي أسوة عندي وإخواني
# عصابة جاورت آدابهم أدبي ... فهم وإن فرقوا في الأرض جيراني
# أرواحنا في مكان واحد وغدت ... أبداننا بشام أو خراسان
# وقال عبد الله بن عبد الله بن عتبة لعمر بن عبد العزيز: [من الطويل]
# أبن لي فكن مثلي أو ابتغ صاحبا ... كمثلك إني مبتغ صاحبا مثلي
# عزيز إخائي، لا ينال مودتي ... من القوم إلا مسلم كامل العقل
# وما يلبث الإخوان أن يتفرقوا ... إذا لم يؤلف روح شكل إلى شكل
# PageV03P011
# وقال الطائي: [من الطويل]
# ولن تنظم العقد الكعاب لزينة ... كما ينظم الشمل الشتيت الشمائل «1»
# كتب بعض الكتاب إلى صديق له: إني صادفت منك جوهر نفسي، فأنا غير محمود
~~على الانقياد لك بغير زمام «2» ، لأن النفس يتبع بعضها بعضا.
# قال حدثني محمد بن داود قال حدثنا يزيد بن خلف عن يعقوب بن كعب عن بقية
~~عن صفوان بن عمرو عن شريح عن أبي عبيد قال: كتب أبو الدرداء إلى سلمان «3»
~~: إن تكن الدار من الدار بعيدة فإن الروح من الروح قريب، وطير السماء على
~~إلفه من الأرض يقع.
# وقال أبو العتاهية: [من الهزج]
# يقاس المرء بالمرء ... إذا ما هو ما شاه
# وللقلب على القلب ... دليل حين يلقاه
# وللشكل على الشكل ... مقاييس وأشباه
# وفي العين غنى للعي ... ن أن تنطق أفواه
# وقال المساحقي: [من الطويل]
# يزهدني في ودك ابن مساحق ... مودتك الأرذال دون ذوي الفضل
# وأن شرار الناس سادوا خيارهم ... زمانك، إن الرذل للزمن الرذل
# PageV03P012
### | باب المحبة
# قال حدثني أحمد بن الخليل عن محمد بن بشار عن يحيى بن سعيد عن ثور بن
~~يزيد عن حبيب بن عبيد عن المقدام بن معد يكرب «1» ، وكان أدرك النبي صلى
~~الله عليه وسلم، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أحب أحدكم أخاه
~~فليعلمه أنه يحبه» .
# وحدثني محمد بن داود عن أبي الربيع عن حماد بن زيد عن ليث عن مجاهد «2»
~~قال: ثلاث يصفين لك ود أخيك: أن تبدأه بالسلام إذا لقيته، وتوسع له في
~~المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه. وثلاث من العي «3» : أن تعيب على الناس
~~ما تأتي، وأن ترى من الناس ما يخفى عليك من نفسك، وأن تؤذي جليسك فيما لا
~~يعنيك.
# وكان يقال: لا يكن حبك كلفا ولا بغضك تلفا. أي لا تسرف في حبك وبغضك.
~~ونحوه قول الحسن: أحبوا هونا «4» فإن أقواما أفرطوا في حب قوم فهلكوا. وكان
~~يقال: من وجد دون أخيه سترا فلا يهتكه.
# وقال عمر بن أبي ربيعة: [من الطويل]
# أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلبا فارغا فتمكنا
# قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لطليحة الأسدي: قتلت عكاشة بن محصن! لا
~~يحبك قلبي! قال: فمعاشرة جميلة يا أمير المؤمنين، فإن الناس يتعاشرون على
~~البغضاء.
# PageV03P013
# وكتب رجل إلى صديق له: الشوق إليك وإلى عهد أيامك- التي حسنت بك كأنها
~~أعياد، وقصرت بك حتى كأنها ساعات- يفوت الصفات؛ ومما جدد الشوق وكثر دواعيه
~~تصاقب الدار، وقرب الجوار؛ تمم الله لنا النعمة المتجددة فيك بالنظر إلى
~~الغرة المباركة التي لا وحشة معها ولا أنس بعدها.
# قال الحسن «1» : المؤمن لا يحيف «2» على من يبغض ولا يأثم فيمن يحب.
# وقرأت في بعض الكتب: إنه ليبلغ من حسن شفاعة المحبة أن الحبيب يسيء فيظن
~~به الغلط ويذنب فيحتج له بالدالة «3» ، وذنبه لا يحتمل التأويل ولا مخرج له
~~في جواز العقول.
# وفيه: كل ذنب إذا شئت أن تنساه نسيته وإن شئت أن تذكره ذكرته، فليس
~~بمخوف. وليس الصغير من الذنب ما صغره الحب، وإنما الصغير ما صغره العدل.
~~وليس الذنب إلا ما لا يصلح معه القلب ولا يزال حاضرا الدهر، وإلا ما كان من
~~نتاج اللؤم ومن نصيب المعاندة، فأما ما كان من غير ذلك فإن الغفران يتغمده
~~والحرمة تشفع فيه.
# وكتب رجل إلى صديق له في فصل من كتاب: لساني رطب بذكرك، ومكانك من قلبي
~~معمور بمحبتك. ونحوه قول معقل أخي أبى دلف لمخارق:
# PageV03P014
# [من الطويل]
# لعمري لئن قرت بقربك أعين ... لقد سخنت بالبين منك عيون «1»
# فسر وأقم، وقف عليك مودتي ... مكانك من قلبي عليك مصون
# وقال رجل لشبيب بن شيبة: والله أحبك، قال: وما يمنعك من ذلك وما أنت لي
~~بجار ولا أخ ولا قرابة «2» ! يريد أن الحسد موكل بالأدنى فالأدنى.
# قال رجل لشهر بن حوشب «3» ؛ إني لأحبك قال: ولم لا تحبني وأنا أخوك في
~~كتاب الله ووزيرك على دين الله ومؤنتي على غيرك! قال بشار:
# [من البسيط]
# هل تعلمين وراء الحب منزلة ... تدني إليك فإن الحب أقصاني
# وقال غيره: [متقارب]
# أحبك حبين لي واحد ... وحب لأنك أهل لذاكا
# فأما الذي أنت أهل له ... فحسن فضلت به من سواكا
# وأما الذي في ضمير الحشا ... فلست أرى الحسن حتى أراكا
# وليس لي المن في واحد ... ولكن لك المن في ذا وذاكا
# وقال المسيب بن علس «4» : [من الوافر]
# وعين السخط تبصر كل عيب ... وعين أخي الرضنا عن ذاك تعمى
# PageV03P015
# ونحوه لعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر: [من الطويل]
# فلست براء عيب ذي الود كله ... ولا بغض ما فيه إذا كنت راضيا
# وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا «1»
# وقال بعض الخلفاء لرجل: إني لأبغضك؛ قال: يا أمير المؤمنين، إنما يجزع من
~~فقد الحب المرأة، ولكن عدل وإنصاف. وقال شريح «2» : [من الطويل]
# خذي العفو مني تستديمي مودتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب «3»
# فإني رأيت الحب في الصدر والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب
# وقال أعرابي: إذا ثبتت الأصول في القلوب نطقت الألسن بالفروع، ولا يظهر
~~الود السليم إلا من القلب المستقيم.
# وقال آخر: من جمع لك مع المودة الصادقة رأيا حازما، فاجمع له مع المحبة
~~الخالصة طاعة لازمة.
# قال اليزيدي: رأيت الخليل بن أحمد فوجدته قاعدا على طنفسة «4» ، فأوسع لي
~~فكرهت التضييق عليه؛ فقال: إنه لا يضيق سم الخياط «5» على متحابين ولا تسع
~~الدنيا متباغضين. وقال أبو زبيد «6» للوليد بن عقبة:
# PageV03P016
# [من الخفيف]
# من يخنك الصفاء أو يتبدل ... أو يزل مثلما تزول الظلال
# فاعلمن أنني أخوك أخو العه ... د حياتي حتى تزول الجبال
# ليس بخل عليك مني بمال ... أبدا ما استقل سيفا حمال «1»
# فلك النصر باللسان وبالك ... ف إذا كان لليدين مصال «2»
# كل شيء يحتال فيه الرجال ... غير أن ليس للمنايا احتيال
# وقال المنخل اليشكري «3» : [من مجزوء الكامل المرفل]
# وأحبها وتجبني ... ويحب ناقتها بعيري
# وذكر أعرابي رجلا فقال: والله لكأن القلوب والألسن ريضت «4» له، فما تعقد
~~إلا على وده، ولا تنطق إلا بحمده قال عبد الله بن الزبير ذات يوم: والله
~~لوددت أن لي بكل عشرة من أهل العراق رجلا من أهل الشام صرف الدينار
~~بالدرهم؛ فقال أبو حاضر: مثلنا ومثلك كما قال الأعشى: [من البسيط]
# علقتها عرضا وعلقت رجلا ... غيري وعلق أخرى غيرها الرجل «5»
# أحبك أهل العراق وأحببت أهل الشام وأحب أهل الشآم عبد الملك ابن مروان.
# PageV03P017
# وقال عمر لأبي مريم السلولي: والله لا أحبك حتى تحب الأرض الدم؛ قال:
~~فتمنعني لذلك حقا؟ قال: لا؛ قال: فلا ضير. وقال عمر أيضا لرجل هم بطلاق
~~امرأته: لم تطلقها؟ قال: لا أحبها؛ قال: أو كل البيوت بنيت على الحب! وأين
~~الرعاية «1» والتذمم!.
# قال أعرابي: [من الطويل]
# أحبك حبا ببعضه ... أصابك من وجد علي جنون «2»
# لطيف مع الأحشاء أما نهاره ... فسبت وأما ليله فأنين «3»
# وكتب رجل إلى صديق له: الله يعلم أنني أحبك لنفسك فوق محبتي إياك لنفسي،
~~ولو أني خيرت بين أمرين: أحدهما لي وعليك والآخر لك وعلي، لأثرت المروءة
~~وحسن الأحدوثة بإيثار حظك على حظي؛ وإني أحب وأبغض لك، وأوالي وأعادي فيك.
# وقال بعضهم: هون «4» فقد يفرط «5» الحب فيقتل ويفرط الغم فيقتل ويفرط
~~السرور فيقتل؛ وينفتح القلب للسرور، ويضيق وينضم للحزن والحب.
# وقالوا: العشق اسم لما فضل عن المحبة. وقال بعضهم: العشق مرض قلب ضعف.
~~وقال بعض الشعراء «6» : [من الطويل]
# فتم على معشوقة لا يزيدها ... إليه بلاء السوء إلا تحببا «7»
# PageV03P018
### | ما يجب للصديق على صديقه
# حدثنا أحمد بن الخليل قال حدثنا عبد الله بن موسى عن إسرائيل عن ابن
~~إسحاق عن الحارث عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال النبي صلى الله
~~عليه وسلم: «للمسلم على المسلم خصال ست: يسلم عليه إذا لقيه، ويجيبه إذا
~~دعاه، ويشمته إذا عطس «1» ، ويعوده إذا مرض، ويحضر جنازته إذا مات، ويحب له
~~ما يحب لنفسه» .
# قال حدثني شبابة قال حدثنا القاسم بن الحكم عن إسماعيل بن عياش عن هشام
~~بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه
~~وسلم: «أعن أخاك ظالما أو مظلوما، إن كان مظلوما فخذ له بحقه وإن كان ظالما
~~فخذ له من نفسه» .
# وحدثني القومسي «2» قال: حدثنا أبو بكر الطبري عن عبد الله بن صالح عن
~~معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن بكير قال قال معاذ بن جبل: إذا
~~آخيت أخا فلا تماره ولا تشاره «3» ولا تسأل عنه، فعسى أن توافق عدوا فيخبرك
~~بما ليس فيه فيفرق بينكما.
# وقال النمر بن تولب «4» في هذا المعنى: [من الطويل]
# جزى الله عنا حمزة بنة نوفل ... جزاء مغل بالأمانة كاذب «5»
# بما سألت عني الوشاة ليكذبوا ... علي وقد واليتها في النوائب «6»
# PageV03P019
# قال حدثني محمد بن داود قال حدثني سعد بن منصور عن جرير عن عبد الحميد عن
~~عنبسة قال قال ابن سيرين «1» : لا تكرم أخاك بما يكره، ولا تحملن كتابا إلى
~~أمير حتى تعلم ما فيه.
# وكان يقال: يستحسن الصبر عن كل أحد إلا عن الصديق.
# وقال بعض الشعراء: [من الوافر]
# إذا ضيقت أمرا ضاق جدا ... وإن هونت ما قد عز هانا
# فلا تهلك بشيء فات يأسا ... فكم أمر تصعب ثم لانا
# سأصبر عن رفيقي إن جفاني ... على كل الأذى إلا الهوانا «2»
# وقال ابن المقفع: ابذل لصديقك دمك ومالك، ولمعرفتك رفدك ومحضرك، وللعامة
~~بشرك وتحيتك، ولعدوك عدلك، وضن «3» بدينك وعرضك عن كل أحد.
# قال أبو اليقظان: ولي خالد بن عبد الله بن أبي بكرة قضاء البصرة فجعل
~~يحابي «4» ، فقيل له في ذلك؛ فقال: وما خير رجل لا يقطع لأخيه قطعة من
~~دينه!.
# قالوا: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على عجوز، فقال: «إنها كانت
~~تأتينا أيام خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان» .
# قال إبراهيم النخعي «5» : إن المعرفة لتنفع عند الأسد الهصور والكلب
# PageV03P020
# العقور فكيف عند الكريم الحسيب!. وقال الخليل بن أحمد: [من البسيط]
# وفيت كل صديق ودني ثمنا ... إلا المؤمل دولاتي وأيامي «1»
# وقال عمر بن أبي ربيعة في مساعدة الصديق: [من الوافر]
# وخل كنت عين النصح منه ... إذا نظرت ومستمعا سميعا
# أطاف بغية فنهيت عنها ... وقلت له أرى أمرا شنيعا «2»
# أردت رشاده جهدي فلما ... أبى وعصى أتيناها جميعا
# وقال بعض الكوفيين: [من الوافر]
# فإن يشرب أبو فروخ أشرب ... وإن كانت معتقة عقارا «3»
# وإن يأكل أبو فروخ آكل ... وإن كانت خنانيصا صغارا «4»
# وقال رجل من الأعراب لأخ له: أما والله، رب يوم كتنور الطاهي رقاص
~~بشراره، قد رميت بنفسي في أجيج لهيبه فأحتمل منه ما أكره لما تحب.
# وأنشد ابن الأعرابي: [من الوافر]
# أغمض للصديق عن المساوي ... مخافة أن أعيش بلا صديق
# وقال كثير «5» : [من الطويل]
# ومن لا يغمض عينه عن صديقه ... وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب
# PageV03P021
# ومن يتتبع جاهدا كل عثرة «1» ... يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب
# وقال آخر: [من الطويل]
# إذا ما صديقي رابني سوء فعله ... ولم يك عما ساءني بمفيق
# صبرت على أشياء منه تريبني ... مخافة أن أبقى بغير صديق «2»
# ومن المشهور في هذا قول النابغة: [من الطويل]
# ولست بمستبق أخا لا تلمه ... على شعث أي الرجال المهذب «3»
# وكان يقال: من لك بأخيك كله. وأنشدني الرياشي: [من مجزوء الكامل المرفل]
# اقبل أخاك ببعضه ... قد يقبل المعروف نزرا «4»
# واقبل أخاك فإنه ... إن ساء عصرا سر عصرا
# ونحوه قول الآخر: [من الطويل]
# أخ لي كأيام الحياة إخاؤه ... تلون ألوانا على خطوبها
# إذا عبت منه خلة فهجرته ... دعتني إليه خلة لا أعيبها
# وقال عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر: [منسرح]
# اصبر إذا عضك الزمان، ومن ... أصبر عند الزمان من رجله
# ولا تهن للصديق تكرمه ... نفسك حتى تعد من خوله «5»
# يحمل أثقاله عليك كما ... يحمل أثقاله على جمله
# ولست مستبقيا أخا لك لا ... تصفح عما يكون من زلله
# PageV03P022
# ليس الفتى بالذي يحول عن ال ... عهد ويؤتى الصديق من قبله «1»
# وقيل لخالد بن صفوان: أي إخوانك أحب إليك؟ قال: الذي يغفر زللي، ويقبل
~~عللي «2» ويسد خللي «3» .
# وقال بشار: [من الطويل]
# إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ... ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه «4»
# وقال الخريمي «5» لأبي دلف: [من المتقارب]
# تملك إن كنت ذا إربة ... من العالمين لشيخ وصيف «6»
### | الإنصاف في المودة
# كان يقال: لا خير لك في صحبة من لا يرى لك مثل ما ترى له.
# وقال جرير: [من الطويل]
# وإني لأستحيي أخي أن أرى له ... علي من الحق الذي لا يرى ليا «7»
# وله أيضا: [من الطويل]
# إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته ... على طرف الهجران إن كان يعقل
# ويركب حد السيف من أن تضيمه ... إذا لم يكن عن شفرة السيف معدل «8»
# PageV03P023
# ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتني ... يمينك، فانظر أي كف تبدل
# وقال آخر «1» : [من الكامل]
# يا ضمر أخبرني ولست بمخبري ... وأخوك نافعك الذي لا يكذب
# هل في القضية إن إذا استغنيتم ... وأمنتم فأنا البعيد الأجنب
# وإذا الشدائد بالشدائد مرة ... أشجينكم فأنا المحب الأقرب
# عجبا لتلك قضية وإقامتي ... فيكم على تلك القضية أعجب
# ولما لكم طيب البلاد ورعيها ... ولي الثماد ورعيهن المجدب «2»
# وإذا تكون كريهة أدعى لها ... وإذا يحاس الحيس يدعى جندب «3»
# هذا لعمركم الصغار بعينه ... لا أم لي إن كان ذاك ولا أب «4»
# وقال ابن عيينة: سئل علي كرم الله وجهه عن قول الله تعالى: إن الله يأمر
~~بالعدل والإحسان
# «5» ، فقال: العدل: الإنصاف، والإحسان: التفضل.
# وقال الشاعر: [من الكامل]
# صبغت أمية في الدماء رماحنا ... وطوت أمية دوننا دنياها
# ويقال: من سن سنة فليرض أن يحكم عليه بها، ومن سأل مسئلة فليرض بأن يعطى
~~بقدر بذله.
# وقال أبو العتاهية: [من الوافر]
# إذا ما لم يكن لك حسن فهم ... أسأت إجابة وأسأت سمعا
# PageV03P024
# ولست الدهر متسعا بفضل ... إذا ما ضقت بالإنصاف ذرعا
# وقال حماد عجرد «1» : [مجزوء الرمل]
# ليت شعري أي حكم ... قد أراكم تحكمونا
# أن تكونوا غير معط ... ين وأنتم تأخذونا
# وقال آخر: [من الطويل]
# إذا كنت تأتي المرء تعرف حقه ... ويجهل منك الحق فالترك أجمل
# وفي العيس منجاة وفي الهجر راحة ... وفي الأرض عمن لا يؤاتيك مرحل «2»
# وقال بشار: [من السريع]
# إن كنت حاولت هوانا فما ... هنت وما في الهون لي من مقام «3»
# في الناس أبدال ولي مرحل ... عن منزل ناء ومرعى وخام «4»
# لا نائل منك ولا موعد ... ولا رسول، فعليك السلام
# وقال آخر «5» : [من الوافر]
# له حق وليس عليه حق ... ومهما قال فالحسن الجميل
# وقد كان الرسول يرى حقوقا ... عليه لغيره وهو الرسول
# وقال أكثم بن صيفي: أحق من يشركك في النعم شركاؤك في المكاره.
# أخذه دعبل «6» فقال: [من البسيط]
# PageV03P025
# وإن أولى البرايا أن تواسيه ... عند السرور لمن آساك في الحزن
# إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشن «1»
# وانشد ابن الأعرابي: [من الطويل]
# فإن آثرت بالود أهل بلادها ... على نازح من أهلها لا ألومها «2»
# فلا يستوي من لا ترى غير لمة ... ومن هو ثاو عندها لا يريمها «3»
# وقال رجل لبعض السلطان: أحق الناس بالإحسان من أحسن الله إليه، وأولاهم
~~بالإنصاف من بسطت القدرة بين يديه؛ فاستدم ما أوتيت من النعم بتأدية ما
~~عليك من الحق.
# قال المستهل بن الكميت لبني العباس: [من الطويل]
# إذا نحن خفنا في زمان عدوكم ... وخفناكم إن البلاء لراكد «4»
### | مداراة الناس وحسن الخلق والجوار
# قال حدثنا الحسين بن الحسن قال حدثنا عبد الله بن المبارك عن وهيب قال:
~~جاء رجل إلى وهب بن منبه «5» فقال: إن الناس قد وقعوا فيما وقعوا فيه، وقد
~~حدثت نفسي ألا أخالطهم؛ فقال له وهب: لا تفعل، فإنه لا بد للناس منك ولا بد
~~لك منهم؛ لهم إليك حوائج، ولك إليهم حوائج، ولكن كن فيهم أصم سميعا، وأعمى
~~بصيرا، وسكوتا نطوقا.
# PageV03P026
# قال وحدثنا حسين بن الحسن قال حدثنا عبد الله بن المبارك «1» عن موسى بن
~~علي بن رباح قال: سمعت أبي يحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: أربع
~~خلال إن أعطيتهن فلا يضرك ما عدل به عنك من الدنيا:
# حسن خليقة، وعفاف طعمة «2» ، وصدق حديث، وحفظ أمانة.
# قال: وبلغني عن وكيع عن مسعر عن حبيب بن أبي ثابت عن عبد الله ابن باباه
~~قال: قال عبد الله بن مسعود: خالطوا الناس وزايلوهم «3» .
# عن وكيع عن سفيان عن حبيب بن ميمون قال: قال صعصعة بن صوحان لابن أخيه:
~~إذا لقيت المؤمن فخالطه، وإذا لقيت الفاجر فخالفه، ودينك فلا تكلمنه «4» .
# قال المسيح صلى الله عليه: كن وسطا وامش جانبا.
# وروى أبو معاوية عن الأحوص بن حكيم عن أبي الزاهرية قال: قال أبو
~~الدرداء: إنا لنكشر «5» في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم.
# ودخل لبيدة العجلي على عمر رضي الله عنه، فقال له عمر: أقتلت زيدا؟ فقال:
~~يا أمير المؤمنين، قد قتلت رجلا يسمى زيدا، فإن يكن أخاك فهو الذي أكرمه
~~الله بيدي ولم يهني به؛ ثم لم ير من عمر بعد ذلك مكروها.
# قال محمد بن أبي الفضل الهاشمي: قلت لأبي: لم تجلس إلى فلان
# PageV03P027
# وقد عرفت عداوته؟ فقال: أخبى «1» نارا وأقدح عن ود. وقال المهاجر بن عبد
~~الله الكلابى «2» : [من الطويل]
# وإني لأقصي المرء من غير بغضة ... وأدنى أخا البغضاء مني على عمد
# ليحدث ودا بعد بغضاء أو أرى ... له مصرعا يردي به الله من يردي «3»
# وقال عقال بن شبة: كنت رديف أبي، فلقيه جرير على بغل فحياه أبي وألطفه؛
~~فلما مضى قلت: أبعد ما قال لنا ما قال! قال: يا بني، أفأوسع جرحي!.
# قال ابن الحنفية: قد يدفع باحتمال مكروه ما هو أعظم منه.
# قال الحسن: حسن السؤال نصف العلم، ومداراة الناس نصف العقل، والقصد في
~~المعيشة نصف المؤونة.
# مدح ابن شهاب شاعر فأعطاه، وقال: من ابتغى الخير اتقى الشر.
# وفي الحديث المرفوع: «أول ما يوضع في الميزان الخلق الحسن» .
# وقال: «إن حسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار» .
# وقال: «من حسن الله خلقه وخلقه كان من أهل الجنة» .
# قال الشاعر: [من الرجز]
# فتى إذا نبهته لم يغضب ... أبيض بسام وإن لم يعجب
# PageV03P028
# موكل النفس بحفظ الغيب ... أقصى رفيقيه له كالأجنب «1»
# وقرأت في كتب العجم: حسن الخلق خير قرين، والأدب خير ميراث، والتوفيق خير
~~قائد.
# وقالت عائشة رضي الله عنها: ما تبالي المرأة إذا نزلت بين بيتن من
~~الأنصار صالحين ألا تنزل من أبويها.
# وقال جعفر بن محمد: حسن الجوار عمارة للدار، وصدقة السر مثراة للمال.
# وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: ثلاثة من قريش أحسنها أخلاقا وأصبحها
~~وجوها وأشدها حياء، إن حدثوك لم يكذبوك، وإن حدثتهم بحق أو باطل لم يكذبوك:
~~أبو بكر الصديق، وأبو عبيدة بن الجراح، وعثمان بن عفان رضي الله عنهم.
# وقال يزيد بن الطثرية «2» : [من الطويل]
# وأبيض مثل السيف خادم رفقة ... أشم ترى سربا له قد تقددا «3»
# كريم على علاته لو تسبه ... لفداك رسلا لا تراه مربدا «4»
# يجيب بلبيه إذا ما دعوته ... ويحسب ما يدعى له الدهر أرشدا «5»
# وقرأت في كتاب للهند: من تزود خمسا بلغته وآنسته: كف الأذى، وحسن الخلق،
~~ومجانبة الريب، والنبل في العمل، وحسن الأدب.
# PageV03P029
# وقال المرار «1» في مداراة القرابة: [من الطويل]
# ألا إنما المولى كعظم جبرته ... فلا يخرق المولى ولا جابر العظم «2»
# وقال آخر في مداراة الناس: [من الطويل]
# وأنزلني طول النوى دار غربة ... إذا شئت لاقيت امرا لا أشاكله «3»
# فحامقته حتى يقال سجية ... ولو كان ذا عقل لكنت أعاقله «4»
# وقال بشار: [من الطويل]
# خليلي إن العسر سوف يفيق ... وإن يسارا في غد لخليق
# وما أنا إلا كالزمان إذا صحا ... صحوت وإن ماق الزمان أموق «5»
### | التلاقي والزيارة
# حدثنا محمد بن عبيد قال حدثنا الفضل بن دكين عن طلحة بن عمر عن عطاء عن
~~أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «زر غبا تزدد حبا» «6» .
# وقال الأصمعي: دخل حبيب بن سويد على جعفر بن سليمان بالمدينة؛ فقال جعفر:
~~حبيب بن سويد واد الصديق، حسن الثناء، يكره الزيارة المملة، والقعدة
~~المنسية.
# وقرأت في كتاب للهند: ثلاثة أشياء تزيد في الأنس والثقة: الزيارة في
~~الرحل «7» ، والمؤاكلة، ومعرفة الأهل والحشم.
# PageV03P030
# وقال الطائي: [من الوافر]
# وحظك لقية في كل عام ... موافقة على ظهر الطريق
# قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الصواف عن موسى بن يعقوب السدوسي عن أبي
~~السنان عن عثمان بن أبي سودة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من
~~عاد مريضا أو زار أخا ناداه مناد من السماء: أن طبت وطاب ممشاك تبوأت من
~~الجنة منزلا» .
# كتب رجل إلى صديق له: مثلنا، أعزك الله، في قرب تجاوزنا وبعد تزاورنا ما
~~قال الأول: [من المنسرح]
# ما أقرب الدار والجوار وما ... أبعد مع قربنا تلاقينا
# وكل غفلة منك محتملة، وكل جفوة مغفورة، للشغف بك، والثقة بحسن نيتك،
~~وسآخذ بقول أبي قيس «1» : [من الطويل]
# ويكرمها جاراتها فيزرنها ... وتعتل عن إتيانهن فتعذر «2»
# وقال أعرابية: [من الطويل]
# فلا تحمدوني في الزيارة إنني ... أزوركم إذا لم أجد متعللا
# وكتب رجل إلى صديق له يستزيره: طال العهد بالاجتماع حتى كدنا نتناكر عند
~~التلاقي، وقد جعلك الله للسرور نظاما، وللأنس تماما، وجعل المشاهد موحشة
~~إذا خلت منك.
# وقال سهل بن هارون «3» : [من الطويل]
# PageV03P031
# وما العيش إلا أن تطول بنائل ... وإلا لقاء المرء ذي الخلق العالي
# وقال بشار: [من الخفيف]
# تسقط الطير حيث تلتقط الح ... ب وتغشى منازل الكرماء
# قال رجل لصديق له: قد تصديت للقائك غير مرة فلم يقض ذلك، فقال له الآخر:
~~كل بر تأتيه فأنت تأتي عليه.
# قال ابن الأعرابي: [من الطويل]
# وأرمي إلى الأرض التي من ورائكم ... لترجعني يوما عليك الرواجع «1»
# وقال آخر: [من الطويل]
# رأيت أخا الدنيا وإن بات آمنا ... على سفر يسرى به وهو لا يدري
# تثاقلت إلا عن يد أستفيدها ... وزورة ذي ود أشد به أزري «2»
# وقال آخر: [من الوافر]
# أزور محمدا وإذا التقينا ... تكلمت الضمائر في الصدور
# فأرجع لم ألمه ولم يلمني ... وقد رضي الضمير عن الضمير
# كان سفيان بن عيينة يقول: لا تعفروا «3» الأقدام إلا إلى أقدارها؛ وأنشد:
# [من الكامل]
# نضع الزيارة حيث لا يزري بنا ... شرف الملوك ولا تخيب الزور
# وكان يقال: امش ميلا وعد مريضا، وامش ميلين واصلح بين اثنين، وامش ثلاثة
~~أميال وزر أخا في الله.
# PageV03P032
# وقال بعض المحدثين: [من الطويل]
# إذا شئت أن تقلى فرز متتابعا ... وإن شئت أن تزداد حبا فزر غبا «1»
# وقال آخر: [مجزوء الكامل المرفل]
# أقلل زيارتك الصدي ... ق يراك كالثوب استجده «2»
# إن الصديق يمله ... ألا يزال يراك عنده
# قال رجل لصديق له: ما أخلو وإن كان اللقاء قليلا من سؤال أو مطالعة لك،
~~فقلبي يقوم مقام العيان «3» .
# وقال آخر لصديق له: قد جمعتنا وإياك أحوال لا يزري بها بعد اللقاء ولا
~~يخل بها تنازح الديار «4» .
# وقال آخر: لولا ما في بديه اللقاء من الحيرة والتعرض به قبل معرفة العين
~~للجفوة، لم أتوقف على مطالعة حتى أصير إليك.
# وقال الشاعر: [من الطويل]
# ومالي وجه في اللئام ولا يد ... ولكن وجهي في الكرام عريض
# أصح إذا لاقيتهم وكأنني ... إذا أنا لاقيت اللئام مريض
# وقال علي بن الجهم «5» : [من البسيط]
# أبلغ أخا ما تولى الله صحبتنا ... أني وإن كنت لا ألقاه ألقاه
# وأن طرفي موصول برؤيته ... وإن تباعد عن مثواي مثواه
# PageV03P033
# الله يعلم أني لست أذكره ... وكيف أذكره إذ لست أنساه
### | المعاتبة والتجني
# قال حدثنا محمد بن داود عن المضاء عن فرج بن فضالة عن لقمان بن عامر قال
~~قال أبو الدرداء: معاتبة الأخ خير من فقده، ومن لك بأخيك كله!.
# وكان يقال: التجني وافد الصرم «1» .
# وقرأت في الإنجيل: إن ظلمك أخوك فاذهب فعاتبه فيما بينك وبينه، فإن أطاعك
~~فقد ربحت أخاك وإن هو لم يطعك فاستتبع رجلا أو رجلين يشهدان ذلك الكلام،
~~فإن لم يستمع فأنه أمره إلى أهل البيعة «2» ، فإن لم يستمع من أهل البيعة
~~فليكن عندك كصاحب المكس «3» .
# وقال ابن أبي فنن «4» : [من المتقارب]
# إذا كنت تغضب من غير ذنب ... وتعتب من غير جرم عليا
# طلبت رضاك فإن عزني ... عددتك ميتا وإن كنت حيا
# قنعت وإن كنت ذا حاجة ... فأصبحت من أكثر الناس شيا
# فلا تعجبن بما في يديك ... فأكثر منه الذي في يديا
# وقال أبو نهشل «5» يعاتب صديقا له: [من الوافر]
# عدلت عن الرحاب إلى المضيق ... وزرت البيت من غير الطريق
# PageV03P034
# وتظلم عند طاعتك الموالي ... وليس الظلم من فعل الصديق
# تجود بفضل عدلك للأقاصي ... وتمنعه من الخل الشفيق
# أما والراقصات بذات عرق ... ورب البيت والركن الوثيق «1»
# لقد أطلقت لي تهما أراها ... ستحملني على مضض العقوق «2»
# وقال آخر: [من مجزوء الكامل المرفل]
# فدع العتاب فرب شر هاج أوله العتاب
# وقال الجعدي «3» : [من المتقارب]
# وكان الخليل إذا رابني ... فعاتبته ثم لم يعتب «4»
# هواي له وهوى قلبه ... سواي وما ذاك بالأصوب
# فإني جرىء على صرمه ... إذا ما القرينة لم تصحب «5»
# قال رجل لصديق له يعاتبه: ما أشكوك إلا إليك، ولا استبطئك إلا لك، ولا
~~أستزيدك إلا بك، فأنا منتظر واحدة من اثنتين: عتبى تكون منك، أو عقبى الغنى
~~عنك.
# وقال آخر: قد حميت جانب الأمل فيك وقطعت الرجاء لك، وقد أسلمني اليأس منك
~~إلى العزاء عنك، فإن نزعت من الآن فصفح لا تثريب فيه «6» ، وإن تماديت فهجر
~~لا وصل بعده.
# PageV03P035
# وقال بعض الشعراء: [من الطويل]
# ولا خير في قربى لغيرك نفعها ... ولا في صديق لا تزال تعاتبه
# يخونك ذو القربى مرارا وربما ... وفى لك عند الجهد من لا تناسبه
# وقال آخر وهو أوس بن حجر: [من الطويل]
# وقد اعتب ابن العم إن كان ظالما ... وأغفر عنه الجهل إن كان أجهلا
# وكتب رجل إلى صديق له: الحال بيننا تحتمل الدالة «1» ، وتوجب الأنس
~~والثقة، وتبسط اللسان بالاستزادة.
# وكتب رجل آخر إلى صديق له: قد جعلك الله ممن يحتمل الدالة الكبيرة لذي
~~الحرمة اليسيرة، ورفعك عن أن تبلغ استزادة المستزيد بعنف الحمية.
# والعرب تقول لمن عوتب فلم يعتب «لك العتبى بأن لا رضيت» «2» .
# ونحوه قول بشر بن أبي خازم «3» : [من الكامل]
# غضبت تميم أن تقتل عامر ... يوم النسار فأعتبوا بالصيلم «4»
# وقال أوس بن حارثة لابنه: العتاب قبل العقاب. وهذا نحو قول الآخر:
# ليكن إيقاعك بعد وعيدك، ووعيدك بعد وعدك.
# PageV03P036
# وقال إياس بن معاوية «1» : خرجت في سفر ومعي رجل من الأعراب، فلما كان
~~ببعض المناهل لقيه ابن عم له فتعانقا وتعاتبا وإلى جانبهما شيخ من الحي،
~~فقال لهما الشيخ: أنعما عيشا، إن المعاتبة تبعث التجني، والتجني يبعث
~~المخاصمة، والمخاصمة تبعث العداوة، ولا خير في شيء ثمرته العداوة، فقلت
~~للشيخ: من أنت؟ قال: أنا ابن تجربة الدهر ومن بلا تلونه «2» ، فقلت له: ما
~~أفادك الدهر؟ قال: العلم به، قلت: فماذا رأيت أحمد؟ قال: أن يبقي المرء
~~أحدوثة حسنة بعده، قال: فلم أبرح ذلك الماء حتى هلك الشيخ وصليت عليه.
# وقال رجل لصديق له: أنا أبقي على مودتك من عارض «3» يغيره وعتاب يقدح
~~فيه، وأؤمل نائيا من رأيك يغني عن اقتضائك.
# وقرأت في كتاب العتابي «4» : تأنينا إفاقتك من سكر غفلتك، وترقبنا
~~انتباهك من وسن رقدتك، وصبرنا على تجرع الغيظ فيك حتى بان لنا اليأس من
~~خيرك، وكشف لنا الصبر عن وجه الغلط فيك، فها نحن قد عرفناك حق معرفتك في
~~تعديك لطويل حق من غلط في اختيارك.
# وقال الشاعر: [من الطويل]
# فأيهما يا ليل إن تفعلي بنا ... فآخر مهجور وأول معتب
# وكتب محمد بن عبد الملك إلى الحسن بن وهب «5» : يجب على
# PageV03P037
# المرءوس إذا تجاوز به الرئيس حق مرتبته بعمله، وكان تفضيله إنما وقع له
~~بخفته على القلب ومحله من الأدب، أن يقابل ذلك بمثله إن كان محاميا على
~~محله، وإلا لن يؤمن عليه معنى بيت شريح: [من الطويل]
# فإني رأيت الحب في الصدر والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب
### | باب الوداع
# قال حدثني محمد بن خالد بن خداش قال حدثنا مسلم حدثنا سلم بن قتيبة عن
~~إبراهيم بن عبد الرحمن بن يزيد بن أمية عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله
~~صلى الله عليه وسلم كان يقول «إذا ودع رجلا أستودع الله دينك وأمانتك
~~وخواتيم «1» عملك وآخر عمرك» .
# قال وحدثني محمد بن عبد العزيز قال حدثنا مسلم بن إبراهيم عن سعيد بن ابى
~~كعب الأزدي عن موسى بن ميسرة عن أنس بن مالك: أن رجلا أتى النبي صلى الله
~~عليه وسلم فقال: إني أريد سفزا غدا فقال: «في حفظ الله وكنفه زودك الله
~~التقوى وغفر ذنبك ووجهك للخير حيث كنت» .
# المعتمر عن إياس بن دغفل قال: رأيت الحسن ودع رجلا وعيناه تهملان وهو
~~يقول: [من الطويل]
# وما الدهر إلا هكذا فاصطبر له ... رزيئة مال أو فراق حبيب
# قال وودع رجل صديقا له وهو يقول: [من المتقارب]
# PageV03P038
# وداعك مثل وداع الربيع ... وفقدك مثل افتقاد الديم «1»
# عليك السلام فكم من وفاء ... نفارقه منك أو من كرم
# وقال الطائي: [من الخفيف]
# بين البين فقدها، قلما تع ... رف فقدا للشمس حتى تغيبا «2»
# وقال جرير: [من الكامل]
# يا أخت ناجية السلام عليكم ... قبل الرحيل وقبل لوم العذل
# لو كنت أعلم أن آخر عهدكم ... يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل
# أو كنت أرهب وشك بين عاجل ... لقنعت أو لسألت ما لم يسأل
# وبلغني عن بكر المازني أنه قال: دخلت على الواثق حين أمر بحملي، فقال لي:
~~ما اسمك؟ فقلت: بكر، قال: من خلفت وراءك؟، قلت: بنية، قال: ما قالت عند
~~وداعك؟ قلت: قالت: [من المتقارب]
# إذا غبت عنا وخلفتنا ... فإنا سواء ومن قد يتم «3»
# أبانا فلا رمت من عندنا ... فإنا بخير إذا لم ترم «4»
# أبانا إذا أضمرتك البلا ... د نجفى وتقطع منا الرحم «5»
# قال: فما قلت لها أنت؟ قال: قلت ما قال جرير: [من الوافر]
# ثقي بالله ليس له شريك ... ومن عند الخليفة بالنجاح
# كان لبني عقيل عبد رضيع بلبان بعضهم فباعوه، فقال حين شخص به مواليه
~~شعرا: [من الطويل]
# PageV03P039
# أشوقا ولما يمض بي غير ليلة ... فكيف إذا سار المطي بنا شهرا
# وقال مسلم بن الوليد: [من الطويل]
# وإني وإسماعيل عند وداعه ... لكالغمد يوم الروع زايله النصل «1»
# فإن أغش قوما بعدهم وأزورهم ... فكالوحش يدنيها من الأنس المحل «2»
# وقال آخر عند توديعه: [من الطويل]
# عجبت لتطويح النوى من نحبه ... وتدنو بمن لا يستلذ له قرب «3»
# وقال آخر: [من البسيط]
# مالت تودعني والقلب يغلبها ... كما يميل نسيم الريح بالغصن
# ثم استمرت وقالت وهي باكية ... يا ليت معرفتي إياك لم تكن
# وقال آخر لرجل ودعه: بقي علينا أن نكف من غرب الشؤون «4» ، ونستعين على
~~فرقة الوحشة بالكتب، فإنها ألسن ناطقة، وعيون رامقة «5» .
# وقال البحتري: [من مجزوء الكامل المرفل]
# الله جارك في انطلاقك ... تلقاء شامك أو عراقك
# لا تعذلني في مسي ... ري يوم سرت ولم ألاقك
# PageV03P040
# إني خشيت مواقفا ... للبين تسفح غرب ماقك «1»
# وعلمت ما يلقى المو ... دع عند ضمك واعتناقك
# فتركت ذاك تعمدا ... وخرجت أهرب من فراقك
### | الهدايا
# قال حدثنا يزيد بن عمرو قال حدثنا عمير بن عمران قال حدثنا الحارث ابن
~~عتبة عن العلاء بن كثير عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
~~«تصافحوا فإن المصافحة تذهب غل الصدور، وتهادوا فإن الهدية تذهب بالسخيمة»
~~«2» .
# وحدثني أبو الخطاب قال حدثنا بشر بن المفضل عن يونس عن الحسن قال قال
~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أهديت لي ذراع لقبلت، ولو دعيت إلى كراع
~~«3» لأجبت» .
# وفي حديث آخر: «تهادوا تحابوا فإن الهدية تفتح الباب المصمت «4» وتسل
~~سخيمة القلب» .
# قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله عن الأصمعي قال: سمعت نافعا يحدث قال:
~~كان ابن عمر يقول: الهدايا من أمراء الفتنة.
# وروى الزبير بن بكار عن عمه قال: كان الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة
~~يجلس وعمرو بن عبيد الله بن صفوان، ما يكادان يفترقان، وكان عمرو يبعث إلى
~~الحارث في كل يوم بقربة من ألبان إبله، فاختلف ما بينهما فأتى
# PageV03P041
# عمرو أهله فقال: لا تبعثوا للحارث باللبن فإنا لا نأمن أن يرده علينا؛
~~وانقلب الحارث إلى أهله فقال: هل أتاكم اللبن؟ قالوا: لا؛ فلما راح الحارث
~~بعمرو قال: يا هذا لا تجمعن علينا الهجر وحبس اللبن؛ فقال: أما إذا قلت هذا
~~فلا يحملها إليك غيري، فحملها من ردم «1» بني جمح إلى أجياد «2» .
# وبعث النضر بن الحارث إلى صديق له يسكن عبادان بنعلين مخصوفتين وكتب
~~إليه: بعثت إليك بهما وأنا أعلم أن بك عنهما غنى، ولكني أحببت أن تعلم أنك
~~مني على ذكر.
# وقال بعض الشعراء: [من مجزوء الكامل المرفل]
# إن الهدية حلوة ... كالسحر تجتلب القلوبا
# تدني البغيض من الهوى ... حتى تصيره قريبا
# وتعيد مضطغن العدا ... وة بعد نفرته حبيبا «3»
# أهدى رجل إلى صديق له عبدا أسود؛ فكتب إليه: أما بعد، فلو علمت عددا أقل
~~من واحد أو لونا شرا من الأسود لبعثت به إلي. وهذا نظير قول الآخر وقد سئل
~~كم لك من الولد؟ قال: خبيث قليل؛ قيل: وكيف؟ فقال: لا أقل من واحد ولا أخبث
~~من بنت.
# أهدى رجل إلى بعض الأمراء هدية، فكتب إليه الأمير: قد قبلتها بالموقع
~~ورددتها بالإبقاء.
# PageV03P042
# وكان ابن عباس يقول: من أهديت إليه هدية وعنده قوم فهم شركاؤه فيها؛
~~فأهدى إليه صديق ثيابا من ثياب مصر وعنده أقوام فأمر برفعها، فقال له رجل:
~~ألم تخبرنا أن من أهديت له هدية وعنده قوم فهم شركاؤه فيها! فقال:
# إنما ذلك فيما يؤكل ويشرب ويشم، فأما في ثياب مصر فلا.
# وقال خلف الأحمر «1» : [من الطويل]
# أتاني أخ من غيبة كان غابها ... وكنت إذا ما غاب أنشده ركبا «2»
# فجاء بمعروف كثير فدسه ... كما دس راعي السوء في حضنه الوطبا «3»
# فقلت له هل جئتني بهدية ... فقال بنفسي قلت أتحف بها الكلبا
# هي النفس لا أرثى لها من بلية ... ولا أتمنى أن رأيت لها قربا
# أهدى رجل إلى صديق له وكتب إليه: الأنس سهل سبيل الملاطفة، فأهديت هدية
~~من لا يحتشم، إلى من لا يغتنم.
# وحدثنا أحمد بن الخليل قال حدثنا أبو سلمة عن حبابة بنت عجلان عن أمها أم
~~حفص عن صفية بنت جرير عن أم حكيم بنت وداع الخزاعية قالت:
# قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: ما جزاء الغني من الفقير؟ قال؛ «النصيحة
~~والدعاء قلت: يكره رد اللطف؟ «4» . قال: ما أقبحه، لو أهديت إلي ذراع
~~لقبلت، ولو دعيت إلى كراع لأجبت، تهادوا فإنه يضعف الحب «5» ويذهب بغوائل
~~القلوب» «6» .
# PageV03P043
# وحدثني محمد بن سلام الجمحي «1» قال حدثني خلاد بن يزيد الباهلي قال:
~~أهديت ليزيد بن عمر بن هبيرة في يوم المهرجان هدايا وهو أمير العراق فصفت
~~بين يديه؛ فقال خلف بن خليفة وكان حاضرا: [من المتقارب]
# كأن شماميس في بيعة ... تسبح في بعض عيداتها «2»
# وقد حضرت رسل المهرجا ... ن وصفوا كريم هدياتها
# علوت برأسي فوق الرءوس ... ، فأشخصته فوق هاماتها «3»
# لأكسب صاحبتي صحفة ... تغيظ بها بعض جاراتها
# فأمر له بجام «4» من ذهب، ثم أقبل يفرق بين جلسائه تلك الهدايا وينشد:
~~[من البسيط]
# لا تبخلن بدنيا وهي مقبلة ... فليس ينقصها التبذير والسرف «5»
# فإن تولت فأحرى أن تجود بها ... فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف
# كتب رجل من أصحاب السلطان إلى بعض العلماء يستهديه مهارة «6» من ناحية
~~عمله. فكتب إليه العامل: أما المهارة فإن أهل عملنا يصونونها صيانة
~~الأعراض، ويسترونها ستر الحرم، ويسومون «7» بها مهور العقائل «8» ؛ وأنا
~~مستخلص لك منها ما يكون زين المربط وحملان «9» الصديق، إن شاء الله.
# PageV03P044
# وقال بعضهم: الهدية إذا كانت من الصغير إلى الكبير، فكلما لطفت ودقت كان
~~أبهى لها، وإذا كانت من الكبير إلى الصغير، فكلما عظمت وجلت كان أوقع لها
~~وأنجع.
# وكتب أبو السمط «1» : [من الوافر]
# بدولة جعفر حسن الزمان ... لنا بك كل يوم مهرجان
# ليوم المهرجان بك اختيال ... وإشراق ونور يستبان
# جعلت هديتي لك فيه وشيا ... وخير الوشي ما نسج اللسان «2»
# أهدى حسام بن مصك إلى قتادة نعلا رقيقة، فجعل قتادة يزنها بيده، وقال:
~~إنك تعرف سخف عقل الرجل في سخف هديته.
# وقال الشاعر: [من الوافر]
# سقى حجاجنا نوء الثريا ... على ما كان من بخل ومطل «3»
# هم جمعوا النعال وأحرزوها ... وسدوا دونها بابفا بقفل
# فإن أهديت فاكهة وجديا ... وعشر دجائج بعثوا بنعل
# ومسواكين طولهما ذراع ... وعشر من ردىء المقل حسل «4»
# فإن أهديت ذاك ليحملوني ... على نعل فدق الله رجلي
# أناس تائهون لهم رواء ... تغيم سماؤهم من غير وبل «5»
# إذا انتسبوا ففرع من قريش ... ولكن الفعال فعال عكل «6»
# PageV03P045
# كتب رجل إلى صديق له: لولا أن البضاعة قصرت بي عن بلوغ الهمة لأتعبت
~~المسابقين إلى برك. وكرهت أن تطوى صحيفة البر، وليس لي فيها ذكر، فبعثت
~~إليك بالمبتدأ بيمنه وبركته، والمختوم بطيبه ورائحته: جراب ملح، وجراب
~~أشنان «1» .
# أهدى الطائي إلى الحسن بن وهب قلما وكتب إليه: [من الخفيف]
# قد بعثنا إليك أكرمك الل ... ه بشيء فكن له ذا قبول
# لا تقسه إلى ندى كفك الغم ... ر ولا نيلك الكثير الجزيل «2»
# واغتفر قلة الهدية مني ... إن جهد المقل غير قليل
# وبعث أبو العتاهية إلى الفضل بن الربيع بنعل وكتب معها: [من لكامل]
# نعل بعثت بها لتلبسها ... تسعى بها قدم إلى المجد
# لو كان يمكن أن أشركها ... جلدي جعلت شراكها خدي «3»
# وقال بعض الشعراء في نحو ذلك: [من الكامل]
# أو ما رأيت الورد أتحفنا به ... إتحاف من خطر الصديق بباله
# لو كان يهدى لامرىء ما لا يرى ... يهدى لعظم فراقه وزياله «4»
# لرددت تحفته عليه وإن علت ... عن ذاك واستهديت بعض خصاله
# وقال المهدي «5» : [من السريع]
# تفاحة من عند تفاحة ... جاءت فماذا صنعت بالفؤاد
# PageV03P046
# والله ما أدري أأبصرتها ... يقظان أم أبصرتها في الرقاد
# قال: وكتب بعض العمال إلى صديق له: إني تصفحت أحوال الأتباع الذين يجب
~~عليهم الهدايا إلى السادة في مثل هذا اليوم والتأسي بهم في الإهداء، وإن
~~قصرت الحال عن قدرك، فرأيتني إن أهديت نفسي فهي ملك لك لا حظ فيها لغيرك،
~~ورميت بطرفي إلى كرائم مالي فوجدت أكثرها منك، فكنت إن أهديت شيئا منه
~~كالمهدي مالك إليك ومنفق نفقتك عليك؛ وفزعت إلى مودتي وشكري فوجدتهما
~~خالصين لك قديمين غير مستحدثين، ورأيت إن أنا جعلتهما هديتي لم أجدد لهذا
~~اليوم الجديد برا ولا لطفا. ولم أقس منزلة من شكري بمنزلة من نعمتك إلا كان
~~الشكر مقصرا عن الحق، وكانت النعمة زائدة على ما تبلغه الطاقة؛ ولم أسلك
~~سبيلا ألتمس بها برا أعتد به أو لطفا أتوصل إليه، إلا وجدت رضاك قد سبقني
~~إليه، فجعلت الإعتراف بالتقصير عن حقلك هدية إليك؛ وقد قلت في ذلك: [من
~~السريع]
# إن أهد نفسي فهي من ملكه ... أو أهد مالي فهو من ماله
# لما قدم معاوية المدينة منصرفا من مكة، بعث إلى الحسن والحسين وعبد الله
~~بن جعفر وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن صفوان ابن أمية
~~بهدايا من كسى وطيب وصلات من المال، ثم قال لرسله: ليحفظ كل رجل منكم ما
~~يرى ويسمع من الرد. فلما خرج الرسل من عنده، قال لمن حضر: إن شئتم أنبأناكم
~~بما يكون من القوم؛ قالوا: أخبرنا يا أمير المؤمنين؛ قال: أما الحسن فلعله
~~ينيل نساءه شيئا من الطيب وينهب «1» ما بقي من حضره ولا ينتظر غائبا. وأما
~~الحسين فيبدأ بأيتام من قتل مع أبيه بصفين،
# PageV03P047
# فإن بقي شيء نحر به الجز وسقى به اللبن. وأما عبد الله بن جعفر فيقول: يا
~~بديح «1» ! أقض به ديني، فإن بقي شيء فأنفذ به عداتي «2» . وأما عبد الله
~~بن عمر فيبدأ بفقراء عدي بن كعب، فإن بقي شيء ادخره لنفسه ومان «3» به
~~عياله.
# وأما عبد الله بن الزبير فيأتيه رسولي وهو يسبح فلا يلتفت إليه ثم يعاوده
~~الرسول فيقول لبعض كفاته «4» : خذوا من رسول معاوية ما بعث به، وصله الله
~~وجزاه خيرا، لا يلتفت إليها وهي أعظم في عينه من أحد، ثم ينصرف إلى أهله
~~فيعرضها على عينه ويقول: ارفعوا، لعلي أن أعود على ابن هند يوما ما.
# وأما عبد الله بن صفوان فيقول: قليل من كثير، وما كل رجل من قريش وصل
~~إليه هكذا، ردوا عليه؛ فإن رد قبلناها. فرجع رسله من عندهم بنحو مما قال
~~معاوية؛ فقال معاوية: أنا بن هند! أعلم بقريش من قريش.
# قال يونس بن عبيد: أتيت ابن سيرين «5» فدعوت الجارية، فسمعته يقول: قولوا
~~له: إني نائم- يريد: سأنام-؛ فقلت: معي خبيص «6» ؛ فقال:
# مكانك حتى أخرج إليك.
# قال رجل لأبي الدرداء: إن فلانا يقرئك السلام؛ فقال: هدية حسنة ومحمل
~~خفيف.
# وبعث رجل إلى جارية يقال لها «راح» براح «7» ، وكتب إليها:
# PageV03P048
# [من مجزوء الخفيف]
# قل لمن يملك الملو ... ك وإن كان قد ملك
# قد شربناك فاشربي ... وبعثنا إليك بك
# أهدى رجل إلى عبيد بن الأخطل شاة مهزولة «1» ، فكتب إليه عبيد:
# [من المتقارب]
# وهبت لنا يا أخا منقر ... وعجل وأكرمها أولا «2»
# عجوزا أضر بها دهرها ... وأنزلها الذل دار البلى
# سلوحا حسبت بأن الرعاء ... سقوها الغريقون والحنظلا «3»
# وأجدب من ثور زراعة ... أصاب على جوعه سنبلا «4»
# وأزهد من جيفة لم تدع ... لها الشمس من مفصل مفصلا
# فأهوت يميني إلى جنبها ... فخلت حراقيقها جندلا «5»
# وأهوت يساري لعرقوبها ... فخلت عراقيبها مغزلا «6»
# فقلت أبيع فلا مشربا ... تؤدى إلي ولا مأكلا
# أم اجعل من جلدها حنبلا ... فأقذر بحنبلها حنبلا «7»
# إذا هي مرت على مجلس ... من العجب كبر أو هللا
# رأوا آية خلفها سائق ... يحث وإن هرولت هرولا
# PageV03P049
# فكنت أمرت بها ضخمة ... بشحم ولحم قد استكملا
# ولكن روحا عدا طوره ... وما كنت أحسب أن يفعلا «1»
# فعض الذي خانني حاجتي ... بإست امه بظرها الا غرلا «2»
# فلولا مكانك خضبتها ... وعلقت في جيدها جلجلا «3»
# فجاءت لكيما ترى حالها ... فتعلم أني بها مبتلى
# سألتك لحما لصبياننا ... فقد زدتني فيهم عيلا «4»
# فخذها وأنت بها محسن ... وما زلت بي محسنا مجملا
# وبعث رجل إلى دعبل بأضحية «5» ، فكتب إليه: [متقارب]
# بعثت إلي بأضحية ... وكنت حريا بأن تفعلا
# ولكنها خرجت غثة ... كأنك أرعيتها حرملا «6»
# فإن قبل الله قربانها ... فسبحان ربك ما أعدلا
# قيل لرجل قدم من مكة: كيف أثمان النعال بمكة؟ قال: أثمان الجداء «7»
~~بالعراق.
# وقال مسلم بن الوليد: [طويل]
# جزى الله من أهدى الترنج تحية ... ومن بما يهوى عليه وعجلا «8»
# PageV03P050
# أتتنا هدايا منه أشبهن ريحه ... وأشبه في الحسن الغزال المكحلا
# ولو أنه أهدى إلي وصاله ... لكان إلى قلبي ألذ وأوصلا
# وكتب رجل إلى صديق له شرب دواء: [وافر]
# تأنق في الهدية كل قوم ... إليك غداة شربك للدواء
# فلما أن هممت به مدلا ... لموضع حرمتي بك والإخاء
# رأيت كثير ما أهدي قليلا ... لعبدك فاقتصرت على الدعاء
# وكتب رجل إلى صديق له: وجدت المودة منقطعة ما كانت الحشمة عليها متسلطة،
~~وليس يزيل سلطان الحشمة إلا المؤانسة، ولا تقع المؤانسة إلا بالبر
~~والملاطفة.
### | العيادة
# قال حدثنا يزيد بن عمرو قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا شريك عن أبي
~~نصير عن أنس بن مالك، قال: عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من
~~الأنصار من رمد كان بعينه. ومن حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
~~وسلم: «ثلاثة لا يعادون صاحب الدمل والرمد والضرس» .
# وحدثني القاسم بن الحسن عن ابن الأصبهاني عن إسماعيل بن عياش عن أرطأة بن
~~المنذر: أن أبا الدرداء عاد جارا له نصرانيا.
# قال الشعبي «1» : عيادة النوكى «2» أشد على المريض من وجعه.
# PageV03P051
# وعن شيبان عن أبي هدية عن أبي هلال قال: قال بكر بن عبد الله لقوم عادوه
~~فأطالوا عنده: المريض يعاد، والصحيح يزار.
# عاد قوم عليلا فأطالوا عنده، فقال لهم: إن كان لكم في الدار حق فخذوه
~~وانصرفوا.
# عاد رجل رقبة، فنعى رجالا اعتلوا مثل علته، فقال له رقبة: إذا دخلت على
~~مريض فلا تنع إليه الموتى، وإذا خرجت من عندنا فلا تعد إلينا.
# عاد أعرابي أعرابيا فقال: بأبي أنت! بلغني أنك مريض، فضاق والله علي
~~الأمر العريض، وأردت إتيانك فلم يكن بي نهوض؛ فلما حملتني رجلان، وليستا
~~تحملان؛ أتيتك بجرزة «1» شيح ما مسها عرنين قط «2» ، فاشممها واذكر نجدا،
~~فهو الشفاء بإذن الله.
# قال كثير: [متقارب]
# ألا تلك عزة قد أقبلت ... تقلب للبين طرفا غضيضا «3»
# تقول مرضت وما عدتنا ... فقلت لها لا أطيق النهوضا
# كلانا مريضان في بلدة ... وكيف يعود مريض مريضا «4»
# وقال آخر «5» : [بسيط]
# إذا مرضنا أتيناكم نعودكم ... وتذنبون فنأتيكم فنعتذر
# PageV03P052
# وقال بشار: [سريع]
# لو كانت الفدية مقبولة ... لقلت بي لا بك حماكا «1»
# وكتب آخر إلى عليل: [بسيط]
# نبئت أنك معتل فقلت لهم ... نفسي الفداء له من كل محذور
# يا ليت علته بي غير أن له ... أجر العليل وأني غير مأجور
# وكتب آخر إلى عليل: [طويل]
# أقول بحق واجب لك لازم ... وإخلاص شكر لا يغيره الدهر
# بي السوء والمكروه لا بك كلما ... أراداك كانا بي وكان لك الأجر
# وقال آخر في مثله: [طويل]
# فإن تك حمى الغب شفك وردها ... فعقباك منها أن يطول لك العمر «2»
# وقيناك! لو نعطى المنى فيك والهوى ... لكان بي الشكوى وكان لك الأجر
# وفي الحديث المرفوع «حصنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة،
~~واستقبلوا البلايا بالدعاء» . وفي آخر أنه صلى الله عليه وسلم قال يوما
~~لأصحابه: «من أصبح منكم صائما؟ قال عمر: أنا، قال: فمن شيع جنازة؟ قال عمر:
~~أنا؛ قال: فمن عاد مريضا؟ قال عمر: أنا؛ قال: فمن فيكم تصدق بصدقة؟ قال
~~عمر: أنا؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «وجبت وجبت وجبت» . وفي حديث آخر: أنه
~~صلى الله عليه وسلم قال:
# إتمام عيادتكم المريض أن يضع أحدكم يده على جبهته أو على رأسه، أو يده،
~~«في يده ويسأله كيف هو، وتمام تحياتكم المصافحة» .
# PageV03P053
# وقال الشاعر: [طويل]
# إن كنت في ترك العيادة تاركا ... حظي فإني في الدعاء لجاهد
# فلربما ترك العيادة مشفق ... وأتى على غل الضمير الحاسد «1»
# أبو حاتم قال حدثنا العتبي عن أبيه قال: كان يقال: إذا اشتكى الرجل ثم
~~عوفي ولم يحدث خيرا ولم يكف عن سوء، لقيت الملائكة بعضها بعضا وقالت: إن
~~فلانا داويناه فلم ينفعه الدواء.
# وقال أبو حاتم «2» حدثنا القحذمي قال: أطلع «3» معاوية في بئر بالأبواء
~~«4» فأصابته لقوة «5» ، فاعتم بعمامة سوداء وسدلها على الشق الذي أصيب فيه،
~~ثم أذن للناس فقال: أيها الناس؛ إن ابن آدم بعرض بلاء: إما معاتب ليعتب،
~~وإما معاقب بذنب، أو مبتلى ليؤجر، فإن عوتبت فقد عوتب الصالحون قبلي، وإني
~~لأرجو أن أكون منهم؛ وإن عوقبت فقد عوقب الخطاءون قبلي، وما آمن أن أكون
~~منهم؛ وإن مرض عضو مني فما أحصي صحيحي ولما عوفيت أكثر، ولو أن أمري إلى ما
~~كان لي على ربي أكثر مما أعطاني. وإني وإن كنت عاتبا على خاص منكم فإني حدب
~~«6» على جماعتكم، أحب صلاحكم. وقد أصبت بما ترون، فرحم الله امرأ دعا لي
~~بعافية! فرفعوا أصواتهم بالبكاء والدعاء.
# PageV03P054
# مرض أبو عمرو بن العلاء «1» مرضة، فأتاه أصحابه وأبطأ عنده رجل منهم؛
~~فقال: ما يبطىء بك؟ قال: أريد أن أساهرك؛ قال: أنت معافى وأنا مبتلى،
~~فالعافية لا تدعك تسهر والمرض لا يدعني أنام، فاسأل الله أن يسوق إلى أهل
~~العافية الشكر، وإلى أهل البلاء الصبر والأجر.
# حدثني عبد الرحمن عن الأصمعي قال: اشتكى رجل من الأعراب، فجعل الناس
~~يدخلون عليه فيقولون: كيف أصبحت وكيف كنت؟ فلما أكثروا عليه قال: كما قلت
~~لصاحبك.
# قال: وقع رجل من أهل المدينة فوثئت «2» رجلاه، فجعل الناس يدخلون عليه
~~ويسألونه، فلما أكثروا عليه وأضجر كتب قصته في رقعة، فكان إذا دخل عليه
~~عائد وسأله دفع إليه الرقعة.
# الهيثم بن عدي قال: كان رجل من أهل السواد محدودا «3» لا يقصد في شيء إلا
~~انصرف عنه، فغاب مرة فأطال، فلما قدم أتاه الناس فجعلوا يسألونه عن حاله
~~وما كان فيه، وكان فيه برم «4» ، فأخذ رقعة فكتب فيها: [متقارب]
# وما زلت أقطع عرض الفلاة ... من المشرقين إلى المغربين
# وأطوي الفيافي أرضا فأرضا ... وأستمطر الجدي والفرقدين «5»
# وأطوي وأنشر ثوب الهموم ... إلى أن رجعت بخفي حنين «6»
# PageV03P055
# فقيرا وقيرا أخا عسرة ... بعدا من الخير صفر اليدين «1»
# كئيب الصديق بهيج العدو ... طويل الشقا زاني الوالدين
# وطرحها في مجلسه، فكل من سأله عن حاله دفع إليه الرقعة.
# قال حدثنا عبد الرحمن عن عمه أن نبطيا «2» وقع من موضع عال، فدخلوا
~~يسألونه، كيف وقعت؟ فلما أكثروا عليه أخذ جرة وألقاها من يده وقال: هكذا
~~وقعت.
# أبو الخطاب قال: كان عندنا رجل أحدب فسقط في بئر فذهبت حدبته فصار آدر
~~«3» ، فدخلوا يسألونه ويهنئونه بذهاب حدبته، فجعل يقول: الذي جاء شر من
~~الذي ذهب.
# المدائني قال: سقط ابن شبرمة القاضي عن دابته فوثئت رجله، فدخل يحيى بن
~~نوفل الحميري عليه فقال: [متقارب]
# أقول غداة أتاني الخبير ... فدس أحاديثه الهينمه «4»
# لك الويل من مخبر ما تقول؟ ... أبن لي وعد عن الجمجمه «5»
# فقال خرجت وقاضي القضا ... ة مثقلة رجله مؤلمه
# فقلت وضاقت علي البلاد ... وخفت المجللة المعظمه
# فغزوان حر وأم الوليد ... إن الله عافى أبا شبرمه
# جزاء لمعروفه عندنا ... وما عتق عبد له أو أمه؟
# PageV03P056
# قال: وفي المجلس جار ليحيى بن نوفل يعرف منزله، فلما خرج تبعه وقال: يا
~~أبا معمر، من غزوان وأم الوليد؟ فضحك وقال: أو ما تعرفهما؟ هما سنوران في
~~البيت.
# قال حدثنا الرياشي عن أبي زيد قال دخلنا على أبي الدقيش وهو شاك «1» ،
~~فقلنا له: كيف تجدك؟ قال: أجدني أجد ما لا أشتهي وأشتهي ما لا أجد، ولقد
~~أصبحت في شر زمان وشر أناس: من جاد لم يجد ومن وجد لم يجد.
# قيل: لعمرو بن العاص وقد مرض مرة: كيف تجدك؟ قال أجدني أذوب ولا أثوب،
~~وأجد نجوي «2» أكثر من رزئي «3» ، فما بقاء الشيخ على هذا!.
# سئل عليل عن حاله فقال: أنا مبل «4» غير مستقل، ومتماثل غير متحامل.
# وقيل لآخر: كيف تجدك؟ قال أجدني لم أرض حياتي لموتي.
# وقيل لرجل من العجم: ما حالكم؟ قال: ما حال من يريد سفرا طويلا بلا زاد!
~~وينزل منزلا موحشا بلا أنيس! ويقدم على جبار قد قدم العذر بلا حجة!.
# قيل لعكرمة: كيف حالك؟ قال: بشر، أصبحت أجرب مبسورا «5» .
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: قيل لشيخ من العباد: كيف أنت، وكيف
~~أحوالك؟ فقال: ما كلها كما أشتهي.
# PageV03P057
# قيل لآخر: ما تشتكي؟ قال: تمام العدة وانقضاء المدة.
# وبلغني عن معاوية بن قرة قال: مرض أبو الدرداء، فعاده صديق له فقال: أي
~~شيء تشتكي؟ قال: ذنوبي؛ قال: فأي شيء تشتهي؟ قال: الجنة؛ قال: فندعو لك
~~بالطبيب؟ قال: هو أمرضني.
# سئل رجل عن حاله فقال: [رجز]
# كنا إذا نحن أردنا لم نجد ... حتى إذا نحن وجدنا لم نرد
# أرجف «1» الناس بعلة معاوية وضعفه، فدخل عليه مصقلة بن هبيرة، فأخذ
~~معاوية بيده ثم قال يا مصقل: [مجزوء الكامل المرفل]
# أبقى الحوادث من خلي ... لك مثل جندلة المراجم «2»
# قد رامني الأقوام قب ... لك فامتنعت من المظالم
# فقال مصقلة: أما قول أمير المؤمنين: «أبقى الحوادث من خليللك» ، فقد أبقى
~~الله منك جبلا راسيا وكلا مرعيا لصديقك وسما ناقعا لعدوك. وأما قولك: «قد
~~رامني الأقوام قبلك» ، فمن ذا يرومك أو يظلم! فقد كان الناس مشركين فكان
~~أبو سفيان سيدهم، وأصبح الناس مسلمين وأصبحت أميرهم؛ فأعطاه معاوية فخرج؛
~~فسئل عنه فقال: والله لغمزني غمزة «3» كاد يكسر منها يدي وأنتم تزعمونه
~~مريضا.
# وقال المدائني: دخل كثير عزة على عبد الملك بن مروان، فقال: يا أمير
~~المؤمنين، لولا أن سرورك لا يتم بأن تسلم وأسقم لدعوت الله أن يصرف
# PageV03P058
# ما بك إلي، ولكن أسأل الله لك أيها الأمير العافية ولي في كنفك النعمة؛
~~فضحك وأمر له بمال؛ فقال: [كامل]
# ونعود سيدنا وسيد غيرنا ... ليت التشكي كان بالعواد
# لو كان يقبل فدية لفديته ... بالمصطفى من طارفي وتلادي «1»
# وقال آخر: [منسرح]
# لا تشكون دهرا صحت به ... إن الغنى في صحة الجسم
# هبك الخليفة، كنت منتفعا ... بلذاذة الدنيا مع السقم؟
# إعتل المسور «2» فجاءه ابن عباس يعوده نصف النهار؛ فقال المسور: يا أبا
~~عباس «3» هلا ساعة غير هذه! قال ابن عباس: إن أحب الساعات إلي أن أؤدي فيها
~~الحق أشقها علي.
# وكتب رجل إلى صديق له: كيف أنت؟ بنفسي أنت! وكيف كنت؟ لا زلت! وكيف قوتك
~~ونشاطك؟ لا عدمتهما ولا عدمناهما منك، وأعادك الله إلى أحسن ما عودك! لولا
~~عوائق يوجب العذر بها تفضلك لم أدع تعرف خبرك بالعين، فإنها أشفى للقلب
~~وأنقع للغليل «4» وأشد تسكينا للأعج الشوق «5» .
# وقرأت فصلا في كتاب: لئن تخلفت عن عيادتك بالعذر الواضح من العلة لما
~~أغفل قلبي ذكرك ولا لساني فحصا عن خبرك في ممساك ومصبحك
# PageV03P059
# وتنقل الحال بك تبعث من تقسم جوارحه وصبك «1» وزاد في ألمها ألمك ومن
~~تتصل بك أحواله في السراء والضراء. ولما بلغتني إفاقتك كتبت مهنئا بالعافية
~~مخبرا بالعذر، معفيا من الجواب إلا بخبر السلامة إرسالا.
# وقال عبد بني الحسحاس «2» : [طويل]
# تجمعن من شتى ثلاث وأربع ... وواحدة حتى بلغن ثمانيا
# سليمى وسلمى والرباب وزينب ... وهند ودعد والمنى وقطاميا
# وأقبلن من بعض الخيام يعدنني ... ألا إن بعض العائدات دوائيا
# وقال عبد الله بن مصعب الزبيري: [كامل]
# ما لي مرضت فلم يعدني عائد ... منكم ويمرض كلبكم فأعود
# فسمي «عائد الكلب» وولده الآن يسمون «بني عائد الكلب» .
### | التعازي وما يتمثل به فيها
# وحدثني محمد بن داود عن غسان بن الفضل قال قال عبد الوهاب الثقفي: أتاني
~~ابن جريج بمكة يعزيني عن بعض أهلي، فقال: إنه من لم يسل «3» أهله إيمانا
~~واحتسابا سلا كما تسلوا البهائم.
# كتب إبراهيم بن يحيى الأسلمي «4» إلى المهدي يعزيه عن ابنته: أما بعد،
~~فإن أحق من عرف حق الله فيما أخذ منه من عظم حق الله عليه فيما
# PageV03P060
# ابقى له. واعلم أن الماضي قبلك هو الباقي بعدك، وأن أجر الصابرين فيما
~~يصابون به أعظم عليهم من النعمة فيما يعافون منه.
# ونحوه قول سهل بن هارون: التهنئة على آجل الثواب، أولى من التعزية على
~~عاجل المصيبة.
# وقال بعض الشعراء: [كامل]
# كم من يد لا يستقل بشكرها ... لله في ظل المكاره كامنه
# وسقطت مقاديم فم معاوية فشق ذلك عليه، فقال له يزيد بن معمر السلمي:
~~والله يا أمير المؤمنين، ما بلغ أحد سنك إلا أبغض بعضه بعضا، ففوك أهون
~~علينا من سمعك وبصرك.
# وقال صالح المري «1» لرجل يعزيه: إن لم تكن مصيبتك أحدثت في نفسك موعظة
~~فمصيبتك بنفسك أعظم. ونحوه: شر من المرزئة سوء الخلف عنها. ومثله قول
~~الشاعر: [خفيف]
# إن يكن ما به أصبت جليلا ... فلفقد العزاء فيه أجل
# عزى شبيب بن شيبة المهدي عن بانوقة «2» ، فقال: يا أمير المؤمنين، ما عند
~~الله خير لها مما عندك، وثواب الله خير لك منها.
# عزى رجل عبد الله بن طاهر «3» عن ابنته فقال: أيها الأمير، مم تجزع؟:
~~[بسيط]
# PageV03P061
# الموت أكرم نزال على الحرم
# وقال جرير: [طويل]
# وأهون مفقود إذا الموت ناله ... على المرء من أصحابه من تقنعا
# وقال آخر: [من الوافر]
# ولم أر نعمة شملت كريما ... كنعمة عورة سترت بقبر
# وعزى رجل رجلا فقال: لا أراك الله بعد هذه المصيبة ما ينسيكها.
# وقال رجل لعمر بن عبد العزيز: [طويل]
# تعز أمير المؤمنين فإنه ... لما قد ترى يغذى الصغير ويولد
# هل ابنك إلا من سلالة آدم ... لكل على حوض المنية مورد
# عزى أبو بكر عمر رضي الله عنهما عن طفل أصيب به، فقال: عوضك الله منه ما
~~عوضه منك.
# وقال محمود الوراق «1» : [متقارب]
# يمثل ذو اللب في نفسه ... مصائبه قبل أن تنزلا
# فإن نزلت بغتة لم ترعه ... لما كان في نفسه مثلا
# رأى الهم يفضي إلى آخر ... فصير آخره أولا
# وذو الجهل يأمن أيامه ... وينسى مصارع من قد خلا «2»
# فإن بدهته صروف الزمان ... ببعض مصائبه أعولا «3»
# ولو قدم الحزم في أمره ... لعلمه الصبر عند البلا
# عزى موسى بن المهدي سليمان بن أبي جعفر عن ابن له، فقال:
# أيسرك وهو بلية وفتنة، ويحزنك وهو صلاة ورحمة!.
# PageV03P062
# وعزى رجل موسى بن المهدي عن ابن له فقال: كان لك من زينة الحياة الدنيا،
~~وهو اليوم من الباقيات الصالحات.
# توفي سهيل بن عبد العزيز بن مروان، فكتب إلى عمر بن عبد العزيز بعض عماله
~~وأطنب في كتابه؛ فكتب إليه عمر: [طويل]
# حسبي حياة الله من كل ميت ... وحسبي بقاء الله من كل هالك
# إذا ما لقيت الله عني راضيا ... فإن شفاء النفس فيما هنالك
# كتب ابن السماك «1» إلى الرشيد يعزيه بابن له: أما بعد، فإن استطعت أن
~~يكون شكرك لله حين قبضه أكثر من شكرك له حين وهبه، فإنه حين قبضه أحرز لك
~~هبته، ولو سلم لم تسلم من فتنته؛ أرأيت حزنك على ذهابه وتلهفك لفراقه!
~~أرضيت الدار لنفسك فترضاها لابنك! أما هو فقد خلص من الكدر، وبقيت أنت
~~معلقا بالخطر. واعلم أن المصيبة مصيبتان إن جزعت، وإنما هي واحدة إن صبرت،
~~فلا تجمع الأمرين على نفسك.
# كتب عبد الله بن طاهر إلى أبي دلف «2» : المصائب حالة لا بد منها، فمنها
~~ما يكون رحمة من الله ولطفا بعبده، وآية ذلك أن يوفقه للصبر ويلهمه الرضا
~~ويبسط أمله فيما عنده من الثواب الآجل والخلف العاجل. ومنها ما يكون سخطا
~~وانتقاما، أوله حزن وأوسطه قنوط وآخره ندامة، وهي المصيبة حقا الجامعة
~~لخسران الدنيا والآخرة. ولم تزل عادة الله عندك الإخلاف والإتلاف. وإن يك
~~ما نالك الآن أعظم مما أتى عليك في مواضي الأيام،
# PageV03P063
# فالأجر المأمول على قدر ذلك.
# وكتب أبو دلف إليه: إن تكن المصيبة جلت، فإن فيما أكرمني الله به من جميل
~~رأي الأمير وما وضح للناس من فضل عنايته وابتدائه إياى بكتبه، ما عجل العوض
~~من المفقود.
# وفي كتاب آخر: لئن كانت المصيبة جلت، إن فيما أبقى الله ببقاء الأمير
~~عوضا وافيا وخلفا كافيا. وحقيق بمن عظمت النعمة عليه فيما أبقى الله أن
~~يحسن عزاؤه عما أخذ منه. وأحق ما صبر عليه ما لا يستطاع دفعه.
# وقرأت في كتاب لبعض الكتاب في تعزية: أسأل الله أن يسد بك ما ثلمت «1»
~~الأيام من مكانه، ويعمر ما أخلت من مشاهده وأوطانه حتى لا يعفو الداثر «2»
~~، وأن يستقبل لكم أيامكم بأحسن ما أمضاها لمن مضى منكم، فيجعلكم الخلف الذي
~~لا وحشة معه ولا وحشة عليه، ويتولاكم ويتولانا فيكم بما هو أهله ووليه.
# وقرأت في كتاب تعزية: لا لوم على دمعة لا تملك أن تسفحها «3» ، ولا على
~~ألم في القلب لا يدفع أن يظهر فيك، ولا عذر في سواهما مما أحبط أجرك وأشمت
~~عدوك وضعف رأيك، ولم يرجع إليك فائتا ولا إلى شقيقك بمكانه روحا ولا إلى من
~~خلف حفظا. واعلم أن فرق ما بين ذي العقل وذي الجهل في مصيبتيهما تعجل
~~العاقل من الصبر ما يتأجل الجاهل.
# وقرأت في كتاب تعزية: لو كانت النوائب مدفوعة عن أحد بكثرة من يقيه ذلك
~~من إخوانه ويفديه منه بالأخص من أعزته والأنفس من ماله، سلمت
# PageV03P064
# من ملمها، وكان سبقي إلى ذلك أبرز سبق، وحظي بالتقدم فيه أوفر حظ.
# وقرأت في كتاب: مصيبتك لي مصيبة، وما نالك من ألمها لي موجع.
# ولو كان في الوسع أن أعلم كنه ما خامر قلبك من ألمها لحملت مثله على
~~نفسي، فإني أحب أن أكون أسوتك في كل سار وغام، وألا أتمتع بأيام غمومك، ولا
~~أقصر فيها عن مقدار حالك.
# وقرأت في كتاب: نسأل الله حسن الاستعداد لما نتوكفه «1» ونتوقع حلوله،
~~وألا يشغلنا بما يقل الانتفاع به وتعظم التبعة فيه عما نحتاج إليه يوم تجد
~~كل نفس ما عملت من خير محضرا، وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا
~~بعيدا، وأن يجعل ما وهب لنا من الصبر والعزاء إيمانا وإيقانا، ولا يجعله
~~ذهولا ونسيانا.
# قال أسماء بن خارجة إذا قدمت المصيبة تركت التعزية، وإذا قدم الإخاء قبح
~~الثناء.
# قيل لأعرابية مات ابنها: ما أحسن عزاءك! فقالت: إن فقدي إياه أمنني من
~~المصيبة بعده. ونحوه قول الشاعر «2» : [طويل]
# وكنت عليه أحذر الموت وحده ... فلم يبق لي شيء عليه أحاذر
# ومثله: [طويل]
# وقد كنت أستعفي الإله إذا اشتكى ... من الأجر لي فيه وإن سرني الأجر
# وقال أبو العتاهية: [كامل]
# PageV03P065
# وكما تبلى وجوه في الثرى ... فكذا يبلى عليهن الحزن
# وفي الحديث: «من يرد الله به خيرا «1» يصب منه» .
# ويقال: المصيبة الموجعة تدر «2» ذكر الله في قلب المؤمن.
# قال الأصمعي: مررت بأعرابية وبين يديها فتى في السياق «3» ، ثم رجعت
~~ورأيت في يدها قدح سويق «4» تشربه، فقلت لها: ما فعل الشاب؟ فقالت:
# واريناه؛ فقلت: فما هذا السويق؟ فقالت: [طويل]
# على كل حال يأكل القوم زادهم ... على البؤس والبلوى وفي الحدثان
# قيل لأعرابي: كيف حزنك اليوم على ولدك؟ فقال: ما ترك حب الغداء والعشاء
~~لي حزنا.
# وقال عمر بن عبد العزيز: إنما الجزع قبل المصيبة، فإذا وقعت فاله عما
~~أصابك.
# اشتكى بعض أهل محمد بن علي بن الحسين فجزع عليه، ثم أخبر بموته فسري «5»
~~عنه؛ فقيل له في ذلك، فقال: ندعو الله فيما نحب، فإذا وقع ما نكره لم نخالف
~~الله فيما أحب.
# لما مات عتبة بن مسعود قال عبد الله: إذا ما قضى الله فيه ما قضى فما أحب
~~أني دعوته فأجابني.
# قال رجل من طيء: [طويل]
# PageV03P066
# فلولا الأسى «1» ما عشت في الناس ساعة ... ولكن إذا ما شئت أسعدني مثلي
# وقال آخر: [طويل]
# إذا أنت لم تسل اصطبارا وحسبة ... سلوت على الأيام مثل البهائم «2»
# عزى محمد بن الوليد بن عتبة الوليد بن عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين،
~~ليشغلك ما أقبل من الموت إليك، عمن هو في شغل مما دخل عليك، وأعدد لنزوله
~~عدة تكون لك حجابا من الجزع وسترا من النار. فقال يا محمد، أرجو ألا تكون
~~رأيت غفلة تنبه عليها ولا جزعا يستتر منه، وما توفيقي إلا بالله. فقال
~~محمد: يا أمير المؤمنين، إنه لو استغنى أحد عن موعظة بفضل لكنته، ولكن الله
~~يقول: وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين
# «3» .
# وقال الطائي: [طويل]
# ويفرح بالشيء المعار بقاؤه ... ويحزن لما صار وهو له ذخر
# عليك بثوب الصبر إذ فيه ملبس ... فإن ابنك المحمود بعد ابنك الصبر
# وقال أيضا: [طويل]
# أمالك إن الحزن أحلام نائم ... ومهما يدم فالوجد ليس بدائم
# تأمل رويدا هل تعدن سالما ... إلى آدم أم هل تعد ابن سالم
# وقال آخر: [كامل]
# اصبر لكل مصيبة وتجلد ... واعلم بأن الدهر غير مخلد
# أو ما ترى أن الحوادث جمة ... وترى المنية للعباد بمرصد
# وإذا أتتك مصيبة تشجى بها ... فاذكر مصابك بالنبي محمد
# PageV03P067
# عزى رجل الرشيد فقال: يا أمير المؤمنين، كان لك الأجر لا بك، وكان العزاء
~~منك لا عنك.
# يعزى أهل نجران بعضهم بعضا بهذا الكلام: لا يحزنكم الله ولا يفتنكم،
~~أثابكم الله ثواب المتقين وأوجب لكم الصلاة والرحمة.
# عزى بعض الزبيريين رجلا فقال: لا يصفر ربعك «1» ، ولا يوحش بيتك، ولا يضع
~~أجرك، رحم الله متوفاك، وأحسن الخلافة عليك.
# قال بعض الشعراء: [طويل]
# أسكان بطن الأرض لو يقبل الفدى ... فدينا وأعطينا بكم ساكن الظهر «2»
# فيا ليت من فيها عليها وليت من ... عليها ثوى فيها مقيما إلى الحشر
# وقاسمني دهري بني بشطره ... فلما توفى شطره مال في شطري «3»
# فصاروا ديونا للمنايا ومن يكن ... عليه لها دين قضاه على عسر
# كأنهم لم يعرف الموت غيرهم ... فثكل على ثكل وقبر على قبر
# وقد كنت حي الخوف قبل وفاتهم ... فلما توفوا مات خوفي من الدهر «4»
# فلله ما أعطى ولله ما جزى ... وليس لأيام الرزية كالصبر
# فحسبك منهم موحشا فقد برهم ... وحسبك منهم مسليا طلب الأجر
# عزى شبيب بن شيبة «5» رجلا من اليهود فقال: أعطاك الله على مصيبتك أفضل
~~ما أعطى أحدا من أهل ملتك.
# PageV03P068
# وقال العتبي: [منسرح]
# ما عالج الحزن والحرارة في ال ... أحشاء من لم يمت له ولد «1»
# فجعت با بني ليس بينهما ... إلا ليال ليست لها عدد «2»
# وكل حزن يبلى على قدم ال ... دهر وحزني يجده الأبد «3»
# وقال أيضا: [متقارب]
# لا يزجر الدهر عنا المنونا ... يبقي البنات ويفني البنينا «4»
# وأنحى علي بلا رحمة ... فلم يبق لي في جفوني جفونا «5»
# وكنت أبا سبعة كالبدور ... أفقي بهم أعين الحاسدينا
# فمروا على حادثات الزمان ... كمر الدراهم بالناقدينا
# فأفنتهم واحدا واحدا ... إلى أن أبادتهم أجمعينا
# وألقين ذاك إلى ضارح «6» ... وألقين هذا إلى دافنينا
# وما زال ذلك دأب الزما ... ن يفني الأوائل فالأولينا
# وحتى بكى لي حسادهم ... فقد أقرحوا بالدموع الجفونا
# وحسبك من حادث بامرىء ... ترى حاسديه له راحمينا
# وكانوا على ظهرها أنجما ... فأضحوا إلى بطنها ينقلونا
# فمن كان يسليه مر السنين ... فحزني يجدده لي السنونا
# ومما يسكن وجدي بهم ... بأن المنون ستلقى المنونا
# كان أبو بكر رضي الله عنه إذا عزى رجلا قال: ليس مع العزاء مصيبة
# PageV03P069
# ولا مع الجزع فائدة؛ الموت أهون مما قبله وأشد مما بعد؛ اذكروا فقد رسول
~~الله صلى الله عليه وسلم تصغر مصيبتكم؛ وعظم الله أجركم.
# وكان علي رضي الله عنه إذا عزى رجلا يقول: إن تجزع فأهل ذلك الرحم، وإن
~~تصبر ففي الله عوض من كل فائب؛ وصلى الله على محمد، وعظم الله أجركم.
# وقال أعرابي: [طويل]
# أيغسل رأسي أو تطيب مشاربي ... ووجهك معفور وأنت سليب
# نسيبك من أمسى يناجيك طرفه ... وليس لمن وارى التراب نسيب
# وإني لأستحيي أخي وهو ميت ... كما كنت أستحييه وهو قريب
# وقال أعرابي: [طويل]
# وما نحن إلا مثلهم غير أننا ... أقمنا قليلا بعدهم وتقدموا
# وقال آخر: [طويل]
# وقد كنت أستعفي الإله إذا اشتكى ... من الأجر لي فيه وإن سرني الأجر
# وأجزع أن ينأى به بين ليلة ... فكيف ببين صار ميعاده الحشر
# وقال آخر: [طويل]
# وإنا وإخوانا لنا قد تتابعوا ... لكالمغتدي والرائح المتهجر «1»
# وقال سليمان الأعجمي: [مديد]
# رب مغروس يعاش به ... عدمته كف مغترسه «2»
# PageV03P070
# وكذاك الدهر مأتمه ... أقرب الأشياء من عرسه
# وتمثل معاوية بن أبي سفيان يوما فقال: [طويل]
# إذا سار من خلف امرىء وأمامه ... وأوحش من جيرانه فهو سائر
# وقال آخر: [خفيف]
# وإذا قيل مات يوما فلان ... راعنا ذاك ساعة ما نحير «1»
# نذكر الموت عند ذاك وننسا ... إذا غيبته عنا القبور
# وقال آخر: [وافر]
# نراع من الجنائز قابلتنا ... ونلهو حين تخفى ذاهبات
# كروعة ثلة لمغار سبع ... فلما غاب ظلت راتعات «2»
# وقال أبو نواس: [مجزوء الخفيف]
# سبقونا إلى الرحي ... ل وإنا لبالأثر
# وكتب رجل إلى بعض الأمراء في تعزية: الأمير أذكر لله من أي يذكر به،
~~وأعلم بما قضاه على خلقه من أن يدل عليه، وأسلك لسبيل الراشدين في التسليم
~~لأمره والصبر على قدره والتنجز لوعده، من أن ينبه من ذلك على حظه، أو أن
~~يحتاج معزيه عند حادث المصيبة إلى أكثر من الدعاء في قضاء حقه. فزاده الله
~~توفيقا إلى توفيقه، وأحضره رشده، وسدد للصواب غرضه، وتولاه بالحسنى في جميع
~~أموره، إنه سميع قريب. وقد كان من حادث قضاء الله في المتوفى ما أنقض وأرمض
~~«3» ، وفجع وأوجع، علما بما دخل على الأمير
# PageV03P071
# من النقص، وعلى سروره من اللوعة، وعلى أنسه من الوحشة، إلى ما خصني منه
~~بماس الرحم وأوشج القرابة. فأعظم الله للأمير الأجر، وأجزل له الذخر، وعصمه
~~باليقين، وأنجز له ما وعد الصابرين؛ ورحم المتوفى ولقاه الأمن والروح، وفسح
~~له في المضجع، وجمعه وإياه بعد العمر الطويل في الدار التي لا خوف عليهم
~~فيها ولا هم يحزنون.
# وفي كتاب: نحن نحمد الله أيها الأمير إذ أخذ على ما أبقى منك، وإذ سلب
~~على ما وهب بك؛ فأنت العوض من كل فائت، والجابر لكل مصيبة، والمؤنس من وحشة
~~كل فقد؛ وحق لمن كنت له وليا وعضدا أن يشغله حمد الله على النعمة بك عن
~~الجزع على غيرك.
# وكتب سعيد بن حميد إلى محمد بن عبد الله: ليس المعزى على سلوك السبيل
~~التي سلكها الناس قبله والمضي على السنة التي سنها صالحوا السلف له؛ وقد
~~بلغني ما حدث من قضاء الله في أم الأمير، فنالني من ألم الرزية وفاجع
~~المصيبة ما ينال خدمه الذين يخصهم ما خصه من النعم، ويتصرفون معه فيما
~~تناوله الله به من المخن. فأعظم الله للأمير الأجر، وأجزل له المثوبة
~~والذخر، ولا أراه في نعمة عنده نقصا، ووفقه عند النعم للشكر الموجب للمزيد،
~~وعند المحن للصبر المحرز للثواب، إنه هو الكريم الوهاب. ورحم الله الماضية
~~رحمة من رضى سعيه وجازاه بأحسن عمله. ولو كانت السبيل إلى الشخوص «1» إلى
~~باب الأمير سهلة، لكان الله قد أجل الأمير عن أن يعزيه مثلي بالرسول دون
~~اللقاء، وبالكتاب دون الشفاه، ولكن الكتاب لقاء من لا سبيل له إلى الحركة،
~~وقبول العذر عمن حيل بينه وبين الواجب.
# ولابن مكرم: ومما حركني للكتاب تعزيتك بمن لا ترميك الأيام بمثل
# PageV03P072
# الحادث فيه، ولا تعتاض مما كان الله جمعه لك عنده من الميل إليك والصبر
~~على مكروه جفائك، مع ما كان الله أعاره من قوة العقل وأصالة الرأي، ومد له
~~من عنانه «1»
# إلى قصوى الغايات، فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما أفاتتنا الأيام منه
~~حين تم واستوى، وغالى في المروءة وتناهى، وعند الله يحتسب المصاب به؛ وعظم
~~الله لك فيه الأجر، ومهل «2» لك في العمر، وأجزل لك العوض والذخر. فكل ماض
~~من أهل فأنت سداد ثلمته «3» وجابر رزيته. وقد خلف من أنت أحق الناس به من
~~عجوز وليت تربيتك وحياطتك في طبقات سنك، وولد ربوا في حجرك ونبتوا بين
~~يديك، ليس لهم بعد الله مرجع سواك، ولا مقيل «4» إلا في ذراك؛ فأنشدك الله
~~فيهم فإنه أخرب أحوالهم بعمارة مروءته، وقطعهم بصلة فضله، والله يجزيه
~~بجميل أثره ويخلفه فيهم بما هو أهله.
# وفي فصل من كتاب: وقد جرى قضاء الله في هذه النازلة «5» ما نطق عما نالك
~~وأبقى عندك، وهو حق مثلها وقدر ملمها «6» .
# وفي فصل آخر: لو كان ما يمسك من أذى يشترى أو يفتدى، رجوت أن أكون غير
~~باخل بما تضن به النفوس، وأن أكون سترا بينك وبين كل ملم ومحذور. فأعظم
~~الله أجرك، وأجزل ذخرك، ولا خذل صبرك ولا فتنك؛ ولا جعل للشيطان حظا فيك
~~ولا سبيلا عليك.
# المدائني قال: قدم رجل من عبس، ضرير محطوم الوجه «7» ، على
# PageV03P073
# الوليد؛ فسأله عن سبب ضره، فقال: بت ليلة في بطن واد ولا أعلم على الأرض
~~عبسيا يزيد ماله على مالي، فطرقنا سيل فأذهب ما كان لي من أهل ومال وولد
~~إلا صبيا رضيعا وبعيرا صعبا، فند «1» البعير والصبي معي فوضعته واتبعت
~~البعير لأحبسه، فما جاوزت إلا ورأس الذئب في بطنه قد أكله، فتركته وأتبعت
~~البعير، فاستدار فرمحني رمحة حطم بها وجهي وأذهب عيني، فأصبحت لا ذا مال
~~ولا ذا ولد. فقال الوليد: اذهبوا به إلى عروة ليعلم أن في الناس من هو أعظم
~~بلاء منه؛ وكان عروة بن الزبير أصيب بابن له وأصابه الداء الخبيث في إحدى
~~رجليه فقطعها، فكان يقول: كانوا أربعة- يعني بنيه- فأبقيت ثلاثة وأخذت
~~واحدا، وكن أربعا- يعني يديه ورجليه- فأخذت واحدة وأبقيت ثلاثا. أحمدك، لئن
~~كنت أخذت لقد أبقيت، ولئن كنت أبقيت لقد عافيت.
# وشخص إلى المدينة فأتاه الناس يبكون ويتوجعون؛ فقال: إن كنتم تعدونني
~~للسباق والصراع فقد أودى «2» ، وإن كنتم تعدونني للسان والجاه فقد أبقى
~~الله خيرا كثيرا.
# وقال علي بن الجهم: [سريع]
# من سبق السلوة بالصبر ... فاز بفضل الحمد والأجر
# يا عجبا من هلع جازع ... يصبح بين الذم والوزر
# مصيبة الإنسان في دينه ... أعظم من جائحة الدهر «3»
# وقال بعض الشعراء «4» : [مجزوء الرمل]
# ليت شعري ضلة ... أي شيء قتلك «5»
# PageV03P074
# والمنايا رصد ... للفتى حيث سلك
# كل شيء قاتل ... حين تلقى أجلك
# ليت نفسي قدمت ... للمنايا بدلك
# أي شيء حسن ... للفتى لم يك لك
# وقال آخر: [مجزوء الكامل المرفل]
# غر امرؤ منته نف ... س أن تدوم له السلامه
# هيهات! أعيا الأولي ... ن دواء دائك يا دعامه
# وقالت صفية الباهلية في أخيها: [بسيط]
# كنا كغصنين في جرثومة سموا ... حينا بأحسن ما تسمو له الشجر «1»
# حتى إذا قيل قد طالت فرزعهما ... وطاب قنواهما واستنظر الثمر «2»
# أخنى على واحدي ريب الزمان ولا ... يبقي الزمان على شيء ولا يذر «3»
# كنا كأنجم ليل وسطنا قمر ... يجلو الدجى فهوى من بيننا القمر
# ومن هذا أخذ الطائي قوله: [طويل]
# كأن بني نبهان يوم وفاته ... نجوم سماء خر من بينها البدر
# وقال آخر: [طويل]
# لكل أناس مقبر بفنائهم ... فهم ينقصون والقبور تزيد «4»
# وما إن يزال رسم دار قد اخلقت ... وبيت لميت بالفناء جديد
# هم جيرة الأحياء أما جوارهم ... فدان وأما الملتقى فبعيد
# PageV03P075
# وقال آخر: [بسيط]
# لا يبعد الله أقواما لنا ذهبوا ... أفناهم حدثان الدهر والأبد
# نمدهم كل يوم من بقيتنا ... ولا يؤوب إلينا منهم أحد «1»
# وقال النابغة: [بسيط]
# حسب الخليلين أن الأرض بينهما ... هذا عليها وهذا تحتها بالي
# وقال آخر: [طويل]
# وقد كنت أرجو أن أملاك حقبة ... فحال قضاء الله دون رجائيا «2»
# ألا ليمت من شاء بعدك إنما ... عليك من الأقدار كان حذاريا
# وقال آخر: [طويل]
# لعمرك ما وارى التراب فعاله ... ولكنه وارى ثيابا وأعظما «3»
# فضالة بن شريك: [وافر]
# رمى الحدثان نسوة آل حرب ... بفادحة سمدن لها سمودا «4»
# فرد شعورهن السود بيضا ... ورد وجوههن البيض سودا
# وقال آخر: [كامل]
# أما القبور فإنهن أوانس ... بجوار قبرك والديار قبور
# عمت مصيبته فعم هلاكه ... فالناس فيه كلهم مأجور
# ردت صنائعه عليه حياته ... فكأنه من نشرها منشور «5»
# PageV03P076
# منصور النمري «1» : [طويل]
# فإن يك أفنته الليالي فأوشكت ... فإن له ذكرا سيفني اللياليا
# وقال طفيل «2» يذكر الموت: [طويل]
# مضوا سلفا قصد السبيل عليهم ... وصرف المنايا بالرجال تقلب
# وقال هشام أخو ذي الرمة: [طويل]
# تعزيت عن أوفى بغيلان بعده ... عزاء وجفن العين ملآن مترع «3»
# ولم تنسني أوفى المصيبات بعده ... ولكن نكء القرح بالقرح أوجع «4»
# وفي فصل من كتاب لبعض الكتاب: لست أحتاج مع علمك بما في الصبر عند نازل
~~المصيبة من الفضيلة، وما في الشكر عن حادث النعمة من الحظ، إلى أكثر من
~~الدعاء في قضاء الحقين، ولا إلى إخبارك عما أنا عليه من الارتماض «5»
~~لضرائك والجذل «6» بسرائك، لمعرفتك بشركتي لك واتصال حالك بى في الأمرين.
### | التهاني
# حدثني زيد بن أخزم قال حدثنا أبو قتيبة قال حدثنا ميمون قال حدثنا أبو
~~عبد الله الناجي قال: كنت عند الحسن، فقال رجل: ليهنئك الفارس؛ فقال:
# PageV03P077
# لعله يكون بغالا «1» ، ولكن قال: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب، وبلغ
~~أشده، ورزقت بره.
# قال مجاهد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا لمتزوج قال: «على
~~اليمن والسعادة والطير الصالح والرزق الواسع والمودة عند الرحمن» .
# قال أبو الأسود لرجل يهنئه بتزويج: باليمن والبركة، وشدة الحركة، والظفر
~~في المعركة.
# وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى أن يقال: «بالرفاء والبنين» «2»
~~.
# وكان يقال: إن أول من هنأ وعزى في مقام واحد عطاء بن أبي صيفى الثقفي،
~~عزى يزيد بن معاوية بأبيه وهنأه بالخلافة، ففتح للناس باب الكلام، فقال:
~~أصبحت زرئت خليفة وأعطيت خلافة الله. قضى معاوية نحبه، فغفر الله ذنبه؛
~~ووليت الرياسة، وكنت أحق بالسياسة؛ فاحتسب عند الله أعظم الرزي، واشكر الله
~~على أعظم العطية. وعظم الله في أمير المؤمنين أجرك، وأحسن على الخلافة
~~عونك.
# وقالت أعرابية للمنصور في طريق مكة بعد وفاة أبي العباس: أعظم الله أجرك
~~في أخيك؛ لا مصيبة على الأمة أعظم من مصيبتك، ولا عوض لها أعظم من خلافتك.
# قال الحجاج لأيوب بن القرية: اخطب علي هند بنت أسماء، ولا تزد على ثلاث
~~كلمات. فأتاهم فقال: أتيتكم من عند من تعلمون، والأمير معطيكم ما تسألون،
~~أفتنكحون أم تردون؟ قالوا: بل أنكحنا وأنعمنا. فرجع
# PageV03P078
# ابن القرية إلى الحجاج فقال: أقر الله عينك، وجمع شملك، وأنبت ريعك؛ على
~~الثبات والنبات، والغنى حتى الممات؛ جعلها الله ودودا ولودا، وجمع بينكما
~~على البركة والخير.
# كتب بعض الكتاب إلى رجل يهنئه بدار انتقل إليها: بخير منتقل، وعلى أيمن
~~طائر، ولأحسن إبان «1» ، أنزلك الله عاجلا وآجلا خير منازل المفلحين.
# وقال ابن الرقاع «2» لمتزوج: [كامل]
# قمر السماء وشمسها اجتمعا ... بالسعد ما غابا وما طلعا
# ما ورات الأستار مثلهما ... فيمن رأيناه ومن سمعا
# دام السرور له بها ولها ... وتهنا طول الحياة معا
# وكتب رجل إلى صديق له يهنئه بالدخول على أهله: قد بلغني ما هيأ الله لك
~~من اجتماع الشمل، بضم الأهل؛ فشركتك في النعمة، وكنت أسوتك في السرور،
~~وشاهدك بقلبي، ومثلت ما أنت فيه لعيني، فحللت بذلك محل المعاين للحال
~~وزينتها، فهنيئا هنأك الله ما قسم لك، وبالرفاء والبنين، وعلى طول التعمير
~~والسنين.
# وكتب آخر من الكتاب إلى عامل: نحن من السرور، بما قد استفاض من جميل أثرك
~~فيما تلي من أعمالك، وخطمك «3» وزمك إياها بحزمك وعزمك، وانتياشك أهلها من
~~جور من وليهم قبلك، وسرورهم بتطاول
# PageV03P079
# أيامك والكون في ظل جناحك، في غاية من تخصه وتعمه نعمك، وتجول به الحال
~~حيث جالت بك. فالحمد لله الذي جعل العاقبة لك، ولم يردد علينا آمالنا
~~منكوسة فيك، كما ردها على غيرنا في غيرك. وهنيئا هنأك الله نعمه خاصها
~~وعامها، وأوزعك شكرها، وأوجب لك بالشكر أحسن المزيد فيها.
# وكتب رجل من الكتاب إلى نصراني قد أسلم يهنئه: الحمد لله الذي أرشد أمرك،
~~وخص بالتوفيق عزمك، وأوضح فضيلة عقلك، ورجاحة رأيك؛ فما كانت الآداب التي
~~حويتها، والمعرفة التي أوتيتها؛ لتدوم بك على غواية وديانة شائنة «1» لا
~~تليق بلبك، ولا يبرح ذوو الحجا من موجبي حقك ينكرون إبطاءك عن حظك وتركك
~~البدار «2» إلى الدين القيم الذي لا يقبل الله غيره ولا يثيب إلا به، فقال:
~~ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه
# «3» ، وقال:
# إن الدين عند الله الإسلام
# «4» . والحمد لله الذي جعلك في سابق علمه ممن هداه لدينه، وجعله من أهل
~~ولايته، وشرفه بولاء خليفته. وهنأك الله نعمته، وأعانك على شكره؛ فقد أصبحت
~~لنا أخا ندين بمودته وموالاته بعد التأثم من خلطتك «5» ومخالفة الحق
~~بمشايعتك؛ فإن الله عز وجل يقول: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر
~~يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو
~~عشيرتهم
# «6» .
# وكتب رجل من الكتاب تهنئة بحج: الحمد لله على تمام مهاجرك، وسلامة بدأتك
~~ورجعتك، وإعظامه المنة بأوبتك؛ وشكر الله سعيك،
# PageV03P080
# وبرحجك، وتقبل نسكك؛ وجعلك ممن قلبه مفلحا منجحا، قد ربحت صفقته، ولم تبر
~~تجارته «1» ، ولا أعدمك نية تفضل عملك، وتوفيقا يحوط دينك، وشكرا يرتبط
~~نعمتك؛ فهنأكم الله النعمة، وجمعكم في دار الخلافة، وجعلكم ساسة الأمة
~~والمتقدمين عند الإمام- أيده الله بالطاعة والنصيحة- فإنكم زين السلطان،
~~وعمدة الإخوان، وأضداد أكثر أهل الزمان.
# وكتب إلى رجل عن صديق له يهنئه بفطام مولود: أنا- أعزك الله- لما حملني
~~الله من أياديك، وأودعني من إحسانك، وألزمني من شكرك، آخذ نفسي بمراعاة
~~أمورك، وتفقد أحوالك، وتعرف كل ما يحدثه الله عندك، لأقابله بما يلزمني،
~~وأقضي الحق فيه عني بمبلغ الوسع ومقدار الطاقة، وإن كانا لا يبلغان واجبك،
~~ولا يستقلان بثقل عارفتك. وكل ما نقل الله الفتى وبلغه من أحوال البلوغ
~~ورقاه فيه من درجات النمو، فنعمة من الله حادثة تلزم الشكر، وحق يجب قضاؤه
~~بالتهنئة. وكتب إلي وكيلي المقيم ببابك يذكر ما وهبه الله من سلامته عند
~~الفطام، وصلاح جسمه عند الطعام، وسلوته عن أول الغذاء، وسرورك ومن يليك بما
~~وهب الله في هذه الحال من عافيته وحسن المدافعة عنه؛ فأكثرت لله الحمد،
~~وأسهبت «2» في الدعاء والرغبة، وتصدقت عنه بما أرجو أن يتقبله؛ وكتبت مهنئا
~~بتجدد النعمة عندكم فيه. فالحمد لله المتطول «3» علينا قبله بما هو أهله،
~~والمجري لنا فيما يوليك على حسن عادته. وهنأك الله النعم، وصانها عندك من
~~الغير «4» ، وحرسها بالشكر، وبلغ
# PageV03P081
# بالفتى أقصى مبالغ الشرف، وجعلك من الأمل فيه والرجاء له على العيان
~~واليقين، بمنه وفضله.
# وكتب بعض الكتاب تهنئة بحج إلى صاحبه: الحق للسادة عند ما يجدده الله لهم
~~من نعمه في الدعاء، من جلائل حقوقهم على أوليائهم. وقد خص الله حقك بما لا
~~يسعني معه ادخار مجهود في تعظيمه وشكره. ولولا أن الطاعة من حدوده، لم
~~أنتظر إذنك لي في تلقيك راجلا بالأوبة، إذ كان الكتاب بها دون السعير بأبلغ
~~نصيب من التقصير. وأنا أسأل الله الذي أوفدك إلى بيته الحرام، وعمر بك
~~مشاهده العظام؛ وأوردك حرمه سالما، وأصدرك «1» عنه غانما؛ ومن بك على
~~أوليائك وخدمك، أن يهنئك بما أنعم به عليك في بدأتك ورجعتك؛ بتقبل السعي
~~ونجح الطلبة وتعريف الإجابة.
# وكتب بعض الكتاب تهنئة بولاية: فإنه ليس من نعمة يجددها الله عندك،
~~والصنع الجميل تحدثه لك الأيام، إلا كان ارتياحي له واستبشاري به واعتدادي
~~بما يهب الله لك من ذلك، حسب حقك الذي توجبه، وبرك الذي أشكره، وإخائك الذي
~~يعز ويجل عندي موقعه؛ فجعل الله ذلك فيه وله، ووصله بتقواه وطاعته. وبلغني
~~خبر الولاية التي وليتها، فكنت شريكك في السرور وعديلك «2» في الارتياح،
~~فسألت الله أن يعرفك يمنها وبركتها، ويرزقك خيرها وعادتها، ويحسن معونتك
~~على صالح نيتك في الإحسان إلى أهل عملك والتألف لهم، واستعمال العدل فيهم،
~~ويرزقك محبتهم وطاعتك، ويجعلهم خير رعية.
# وكتب رجل إلى معزول: فإن أكثر الخير فيما يقع بكره العباد، لقول الله
# PageV03P082
# عز وجل: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم
# «1» . وقال أيضا: فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا
# «2» . وعندك بحمد الله من المعرفة بتصاريف الأمور، والاستدلال بما كان
~~منها على ما يكون، مغنى عن الإكثار في القول. وقد بلغني انصرافك عن العمل
~~على الحال التي انصرفت عليها من رضا رعيتك ومحبتهم وحسن ثنائهم وقولهم، لما
~~بقيت من الأثر الجميل عند صغيرهم وكبيرهم، وخلفت من عدلك وحسن سيرتك في
~~الداني منهم والقاصي من بلدهم؛ فكانت نعمة الله عليك في ذلك علينا، نعمة جل
~~قدرها ووجب شكرها. فالحمد لله على ما أعطاك، ومنح فيك أولياءك وأرغم به
~~أعداك، ومكن لك من الحال عند من ولاك؛ فقد أصبحنا نعتد صرفك عن عملك منحا
~~مجددا، يجب به تهنئتك، كما يجب التوجع لغيرك.
# وكتب رجل من الكتاب في تهنئة بحج: لولا أن عوائق أشغال يوجب العذر بها
~~تفضلك ويبسطه احتمالك، لكنت مكان كتابي هذا مهنئا لك بالأوبة، ومجددا بك
~~عهدا، ومحييا نفسي بالنظر إليك. وأنا أسأل الله أن يشكر سعيك، ويتقبل حجك،
~~ويثبت في عليين أثرك، ولا يجعله من الوفادة «3» إليه آخر عهدك.
# وكتب بعض الكتاب: لا مهنىء أولى ما يكون مهنئا، تعظيما لنعمه فيما جدد
~~الله لك يا مولاي بالولاية، مني؛ إذ كنت أرجو بها انضمام نشري، وتلافي الله
~~بعنايتك المتشتت من أمري. فهنأك الله تجدد النعم، وبارك لك
# PageV03P083
# في الولاية، وافتتحها لك بالصنع الجميل، وختمها لك بالسلامة، إنه سميع
~~قريب.
### | باب شرار الإخوان
# ذكر خالد بن صفوان شبيب بن شيبة فقال: ذاك رجل ليس له صديق في السر ولا
~~عدو في العلانية.
# وقال الشاعر: [طويل]
# وإن من الخلان من تشحط النوى ... به وهو داع للوصال أمين «1»
# ومنهم صديق العين أما لقاؤه ... فحلو وأما غيبه فظنون «2»
# أقبل عيينة بن حصن إلى المدينة قبل إسلامه، فلقيه ركب خارجون منها؛ فقال:
~~أخبروني عن هذا الرجل (يعني النبي صلى الله عليه وسلم) ، فقالوا: الناس فيه
~~ثلاثة رجال: رجل أسلم فهو معه يقاتل قريشا وأفناء العرب «3» ، ورجل لم يسلم
~~فهو يقاتله، ورجل يظهر الإسلام إذا لقي أصحابه ويظهر لقريش أنه معهم إذا
~~لقيهم؛ فقال: ما يسمى هؤلاء؟ قالوا: المنافقون؛ قال: فاشهدوا أني منهم، فما
~~فيمن وصفتم أحزم من هؤلاء.
# وكان رجل يدعو فيقول: اللهم اكفني بوائق «4» الثقات، واحفظني من الصديق.
# وكتب رجل على باب داره: جزى الله من لا يعرفنا ولا نعرفه خيرا، فأما
# PageV03P084
# أصدقاءنا فلا جزوا ذلك، فإنا لم نؤت قط إلا منهم «1» .
# وكتب إبراهيم بن العباس «2» إلى محمد بن عبد الملك الزيات:
# [متقارب]
# وكنت أخي بإخاء الزمان ... فلما نبا صرت حربا عوانا «3»
# وقد كنت أشكو إليك الزمان ... فأصبحت فيك أذم الزمانا
# وكنت أعدك للنائيات ... فها أنا أطلب منك الأمانا
# وقال محمد بن مهدي: [منسرح]
# كان صديقي وكان خالصتي ... أيام نجري مجاري السوق
# حتى إذا راح والملوك معا ... عد اطراحي من صالح الخلق «4»
# خليت ثوب الفراق في يده ... وقلت هذا الوداع فانطلق
# لبسته لبسة الجديد على ال ... قر وفارق فرقة الخلق «5»
# وقال آخر: [بسيط]
# إذا ما رأيت امرأ في حال عسرته ... مواصلا لك ما في وده خلل «6»
# فلا تمن له أن يستفيد غنى ... فإنه بانتقال الحال ينتقل
# وكتب رجل إلى صديق أعرض عنه: لولا أني أشفقت من أشتات ظني في إجابتك إلى
~~ما يعلم الله براءتي منه فيك ولك لمعجبك «7» ولكفيتك مؤنتي،
# PageV03P085
# ثقة بأن ازديادك من معرفة الناس ستردك إلي؛ فإن رجعت قبلت وتمسكت
~~واغتبطت، وإن أصررت لم أتبع موليا، ولم آس «1» على مدبر، ولم أسامح نفسي
~~على تعلقها بك، ولم أساعدها على نزاعها إليك. فكم من زمان تركتك فيه وسومك
~~«2» ثم أبى قلبي ذلك، فكررت وعطفت أسى على أيامي معك وما توكد بيني وبينك.
~~وما من كرة لي إليك إلا وهي داعية إلى ما أكرهه من استخفافك ونفورك. ولو
~~فهمت ما استحققت به عليك ما أشكوه لخف محمل ما يكون منك علي ولأجبت في
~~عتباك ورضاك.
# وفي جواب كتاب: وقد وزعني «3» ما ضربته لي من الأمثال في كتابك عن
~~استبطائك. على أني لا أستزيد إلا من أحتاج إلى صلاحه وأرغب في بقيته؛ وقد
~~قيل: [سريع]
# يأبين إلا جفوة وظلما ... من كثرة الوصل تجنى الجرما «4»
# وفي كل ما أجبتني ظلمت في معارضتي عن مسخي جوابك بإيحاشي «5» ، وفي
~~اعتدادك علي بما أنت جانيه وعليك الحجة فيه. وما أنكر الخلاف بين الأب
~~وابنه والأخ وشقيقه إذا وقعت المعاملة، ولذلك سبب لا أعرفه بيني وبينك قط،
~~فإني لم أخالفك ولم أشاححك «6» ولم أنازعك ولم أعارض نعمك بلا ولا أمرك
~~بنهي.
# PageV03P086
# وقال الحسن بن وهب: [طويل]
# سأكرم نفسي عنك حسب إهانتي ... لها فيك إذ قرت وكف نزاعها «1»
# هي النفس ما كلفتها قط خطة ... من الأمر إلا قل منه امتناعها
# صدقت لعمري أنت أكبر همها ... فأجهدها إذ قل منك انتفاعها
# هب اني أعمى فأتت الشمس طرفه ... وغيب عنه نورها وشعاعها
# وقال عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر: [طويل]
# رأيت فضيلا كان شيئا ملففا ... فكشفه التمحيص حتى بدا ليا «2»
# فأنت أخي ما لم تكن لي حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخاليا
# فلا زاد ما بيني وبينك بعد ما ... بلوتك في الحاجات إلا تماديا
# فلست براء عيب ذي الود كله ... ولا بعض ما فيه إذا كنت راضيا
# فعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا
# كلانا غني عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشد تغانيا
# وكتب أيضا إلى بعض إخوانه: أما بعد: فقد عاقني الشك فيك عن عزيمة الرأي
~~في أمرك؛ ابتدأتني بلطف عن غير خبرة، ثم أعقبتني جفاء من غير ذنب، فأطمعني
~~أولك في إخائك، وآيسني «3» آخرك من وفائك؛ فلا أنا في غير الرجاء مجمع لك
~~اطراحا، ولا أنا في غد وانتظاره منك على ثقة؛ فسبحان من وشاء كشف بإيضاح
~~الرأي في أمرك عن عزيمة الرأي فيك، فأقمنا على ائتلاف، أو افترقنا على
~~اختلاف.
# وكتب رجل إلى صديق له: نحن نستكثرك باعتزالك، ونستديم صلتك،
# PageV03P087
# بجفائك، ونرى الزيادة في الغم أدوم لجميل رأيك. ومثله قول كثير: [الطويل]
# وإن سحطت يوما بكيت وإن دنت ... تدللت واستكثرتها باعتزالها «1»
# ونحوه قول الكميت «2» :
# وقد يخذل المولى دعائي ويجتذي ... أذاتي وإن يعدل به الضيم أغضب
# فأونس من بعض الصديق ملالة ال ... دنو- فأستبقيهم- بالتجنب «3»
# وقال آخر: [السريع]
# إنك ما أعلم ذو ملة ... يذهلك الأدنى عن الأقدم
# وقال عبد الرحمن بن حسان «4» : [البسيط]
# لا خير في الود ممن لا تزال له ... مستشعرا أبدا من خيفة وجلا «5»
# إذا تغيب لم تبرح تسيء به ... ظنا وتسأل عما قال أو فعلا
# وقال مرة بن محكان «6» : [متقارب]
# ترى بيننا خلقا ظاهرا ... وصدرا وعدوا ووجها طليقا
# ونحوه قول المرار: [الطويل]
# كذب تخرصه علي لقومه ... سلم اللسان محارب الإسرار «7»
# PageV03P088
# وحثني أبو حمزة الأنصاري قال: حدثنا العتبي قال: قالت أعرابية لابنها: يا
~~بني، إياك وصحبة من مودته بشره فإنه بمنزلة الريح.
# وكان يقال: الإخوان ثلاثة؛ أخ يخلص لك وده، ويبلغ في محبتك جهده. وأخ
~~ذونية يقتصر بك على حسن نيته، دون رفده ومعونته. وأخ يلهوق لك لسانه «1» ،
~~ويتشاغل عنك بشأنه، ويوسعك من كذبه وأيمانه.
# وقال المثقب العبدي «2» : [الوافر]
# فإما أن تكون أخي بصدق ... فأعرف منك غثى من ثميني «3»
# وإلا فاجتنبني واتخذني ... عدوا أتقيك وتتقيني
# وقال أوس بن حجر: [الطويل]
# وليس أخوك الدائم العهد بالذي ... يسوءك إن ولى ويرضيك مقبلا
# ولكن أخوك النائي ما دمت آمنا ... وصاحبك الأدنى إذا الأمر أعضلا «4»
# وقال آخر: [الطويل]
# لعمرك ما ود اللسان بنافع ... إذا لم يكن أصل المودة في القلب
# وقال أبو حارثة المديي: ليس لمملول صديق، ولا لحسود غنى، والنظر في
~~العواقب تلقيح العقول.
# PageV03P089
# قال العباس بن الأحنف «1» : [بسيط]
# أشكو الذي أذاقوني مودتهم ... حتى إذا أيقظوني في الهوى رقدوا
# واستنهضوني فلما قمت منتهضا ... بثقل ما حملوني في الهوى قعدوا
# ونحوه قول المجنون «2» : [طويل]
# وأدنيتني حتى إذا ما سبيتني ... بقول يحل العصم سهل الأباطح «3»
# تجافيت عني حين لا لي حيلة ... وخلفت ما خلفت بين الجوانح «4»
# وقال آخر: [طويل]
# ولا خير في ود إذا لم يكن له ... على طول مر الحادثات بقاء
# وأنشد ابن الأعرابي: [طويل]
# لحا الله من لا ينفع الود عنده ... ومن حبله إن مد غير متين «5»
# ومن هو إن يحدث له الغير نظرة ... يقطع بها أسباب كل قرين «6»
# ويقال: صاحب السوء جذوة من النار.
# وقال علي عليه السلام: لا تؤاخ الفاجر فإنه يزين لك فعله ويحب لو
# PageV03P090
# أنك مثله ويزين لك أسوأ خصاله، ومدخله عليك ومخرجه من عندك شين «1» وعار.
~~ولا الأحمق فإنه يجتهد، بنفسه لك ولا ينفعك وربما أراد أن ينفعك فيضرك،
~~فسكوته خير من نطقه، وبعده خير من قربه، وموته خير من حياته.
# ولا الكذاب فإنه لا ينفعك معه عيش، ينقل حديثك وينقل الحديث إليك حتى إنه
~~ليحدث بالصدق فما يصدق.
# قال أبو قبيل: أسرت ببلاد الروم فأصبت على ركن من أركانها: [هزج]
# ولا تصحب أخا الجهل ... وإياك وإياه
# فكم من جاهل أردى ... حليما حين آخاه
# يقاس المرء بالمرء ... إذا ما هو ماشاه
# وللشيء على الشيء ... مقاييس وأشباه
# وللقلب على القلب ... دليل حين يلقاه «2»
# وقال عدي بن زيد «3» : [طويل]
# عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه ... فإن القرين بالمقارن مقتدى
# وأنشد الرياشي «4» : [سريع]
# إن كنت لا تصحب إلا فتى ... مثلك لم تؤت بأمثالكا
# PageV03P091
# إن لك الفضل على صحبتي ... والمسك قد يستصحب الرامكا «1»
# هبني امرأ جئت أريد الهدى ... فجد على ضعفي بإسلامكا
# وكتب يحيى بن خالد: أحب أن تكون على يقين أني بك ضنين، أريدك ما أردتني،
~~وأريدك أن تنوب عني ما كان ذلك بي وبك جميلا يحسن عند إخواننا، وإن وقعت
~~المقادير بخلاف ذلك لم أعد ما يجب. والذي هاجني على الكتاب أن أبا نوح
~~معروف بن راشد سألني أن أبوح له بما عندي، والله يعلم أني ما تبدلت وما حلت
~~عن عهد، فجمعنا الله وإياك على طاعته ومحبة خليفته.
# وقرأت في كتاب للهند: ثق بذي العقل والكرم واطمئن إليه؛ وواصل العاقل غير
~~ذي الكرم، واحترس من سيء أخلاقه وانتفع بعقله؛ وواصل الكريم غير ذي العقل
~~وانتفع بكرمه وانفعه بعقلك؛ واهرب من اللئيم الأحمق.
# وقال حماد عجرد «2» : [طويل]
# كم من أخ لك لست تنكره ... ما دمت من دنياك في يسر
# متصنع لك في مودته ... يلقاك بالترحيب والبشر
# يطرى الوفاء وذا الوفاء ويل ... حى الغدر مجتهدا وذا الغدر «3»
# فإذا عدا، والدهر ذو غير، ... دهر عليك عدا مع الدهر «4»
# فارفض بإجمال أخوة من ... يقلي المقل ويعشق المثري «5»
# PageV03P092
# وعليك من حالاه واحدة ... في العسر إما كنت واليسر
# لا تخلطنهم بغيرهم ... من يخلط العقيان بالصفر! «1»
# وقال سويد بن الصامت «2» : [كامل]
# ألا رب من تدعو صديقا ولو ترى ... مقالته بالغيب ساءك ما يفري «3»
# مقالته كالشحم ما كان شاهدا ... وبالغيب مأثور على ثغرة النحر
# تبين لك العينان ما هو كاتم ... من الضغن والشحناء بالنظر الشزر «4»
# فرشني بخير طالما قد بريتني ... وخير الموالي من يريش ولا يبري «5»
# وقال آخر: [منسرح]
# وصاحب كان لي وكنت له ... أشفق من والد على ولد
# كنا كساق تسعى بها قدم ... أو كذراع نيطت إلى عضد «6»
# حتى إذا دانت الحوادث من ... خطوي وحل الزمان من عقدي «7»
# احول عني وكان ينظر من ... عيني ويرمي بساعدي ويدي
# وكان لي مؤنسا وكنت له ... ليست بنا وحشة إلى أحد
# حتى إذا استرفدت يدي يده ... كنت كمسترفد يد الأسد
# وقال بعض الأعراب: [منسرح]
# PageV03P093
# إخوان هذا الزمان كلهم ... إخوان غدر عليه قد جبلوا
# طووا ثياب الوفاء بينهم ... وصار ثوب الرياء يبتذل «1»
# أخوهم المستحق وصلهم ... من شربوا عنده ومن أكلوا
# وليس فيما علمت بينهم ... وبين من كان معدما عمل
# قال رجل لآخر: بلغني عنك أمر قبيح، فقال: يا هذا، إن صحبة الأشرار ربما
~~أورثت سوء ظن بالأخيار.
# وقال دعبل: [طويل]
# أبا مسلم كنا حليفي مودة ... هوانا وقلبانا جميعا معا معا
# أحوطك بالود الذي لا تحوطني ... وأرأب منك الشعب أو يتصدعا «2»
# فلا تلحيني لم أجد فيك حيلة ... تخرفت حتى لم أجد فيك مرقعا «3»
# فهبك يميني استأكلت فاحتسبتها ... وجشمت قلبي قطعها فتخشعا «4»
# وقال يزيد بن الحكم الثقفي «5» : [طويل]
# تكاشرني كرها كأنك ناصح ... وعينك تبدي أن قلبك لي دوي «6»
# لسانك ما ذي وقلبك علقم ... وشرك مبسوط وخيرك منطوي «7»
# PageV03P094
# عدوك يخشى صولتي إن لقيته ... وأنت عدوي ليس ذاك بمستوي «1»
# أراك إذا لم أهو أمرا هويته ... وليست لما أهوى من الأمر بالهوي «2»
# أراك اجتويت الخير مني وأجتوي ... أذاك فكل يجتوي قرب مجتوي «3»
# وكم موطن لولاي طحت كما هوى ... بأجرامه من قلة النيق منهوي «4»
# ويقال: إياك ومن مودته على قدر حاجته فعند ذهاب الحاجة ذهاب المودة وقال
~~الحكيم: ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن: لا يعرف الحليم إلا عند
~~الغضب، ولا الشجاع إلا في الحرب، ولا الأخ إلا عند الحاجة إليه.
# قال جرير: [طويل]
# فأنت أخي ما لم تكن لي حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخاليا
# تعرضت فاستمررت من دون حاجتي ... فحالك إني مستمر لحاليا
# وإني لمغرور أعلل بالمنى ... ليالي أرجو أن ما لك ماليا
# بأي نجاد تحمل السيف بعدما ... نزعت سنانا من قناتك ماضيا «5»
# ألا لا تخافا نبوتي في ملمة ... وخافا المنايا أن تفوتكما بيا «6»
# وقال أبو العتاهية: [مجزوء الرمل]
# أنت ما استغنيت عن صا ... حبك الدهر أخوه
# PageV03P095
# فإذا احتجت إليه ... ساعة مجك فوه «1»
# وقال آخر: [وافر]
# موالينا إذا افتقروا إلينا ... وإن أثروا فليس لنا موالي
# والعرب تقول فيمن شركك في النعمة وخذلك عند النائبة: يربض حجرة «2» ويرتع
~~وسطا.
# قال المدائني: لحن الحجاج يوما، فقال الناس: لحن الأمير، فأخبره بعض من
~~حضر، فتمثل بشعر قعنب بن أم صاحب «3» : [بسيط]
# صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به ... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا «4»
# فطانة فطنوها لو تكون لهم ... مروءة أو تقى لله ما فطنوا «5»
# إن يسمعوا سيئا طاروا به فرحا ... مني وما سمعوا من صالح دفنوا
### | باب القرابات والولد
# حدثني زيد بن أخزم قال حدثنا أبو داود قال حدثنا إسحاق بن سعيد القرشي من
~~ولد سعيد بن العاص قال أخبرني أبي قال: كنت عند ابن عباس، فأتاه رجل فمت
~~إليه برحم بعيدة، فلان له وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اعرفوا
~~أنسابكم تصلوا أرحامكم فإنه لا قرب بالرحم إذا قطعت وإن كانت قريبة ولا بعد
~~بها إذا وصلت وإن كانت بعيدة» .
# PageV03P096
# حدثني شبابة قال حدثني القاسم بن الحكم عن إسماعيل بن عياش عن عبد الله
~~بن دينار قال: احذروا ثلاثا، فإنهن معلقات بالعرش: النعمة تقول يا رب كفرت،
~~والأمانة تقول يا رب أكلت، والرحم تقول يا رب قطعت.
# حدثني الزيادي قال حدثنا عيسى بن يونس قال قال محارب بن دثار:
# إنما سموا أبرارا لأنهم بروا الآباء والأبناء، وكما أن لوالدك عليك حقا،
~~فكذلك لولدك عليك حق.
# حدثني أبو سفيان الغنوي عن عبد الله بن يزيد عن حيوة بن شريح عن الوليد
~~بن أبي الوليد عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
~~«أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه» .
# حدثني القومسي قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثنا كثير بن زيد عن
~~أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ابن أخت القوم من أنفسهم
~~ومولى القوم من أنفسهم وحليف القوم من أنفسهم» .
# وحدثني أيضا عن خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار عن
~~أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «الرحم
~~شجنة «1» من الرحمن قال لها من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته» .
# حدثني الزيادي قال حدثنا حماد بن زيد عن حبيب عن ابن سيرين قال قال
~~عثمان: كان عمر يمنع أقرباءه ابتغاء وجه الله، وأنا أعطي قراباتي لوجه
~~الله، ولن يرى مثل عمر.
# حدثني أحمد بن الخليل قال حدثنا إبراهيم بن موسى قال حدثنا محمد
# PageV03P097
# ابن ثور عن معمر «1» عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي عليه السلام عن
~~النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سره أن يمد له في عمره ويوسع له في رزقه
~~فليصل رحمه» .
# حدثني أحمد بن الخليل قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن عبد الله بن
~~عيسى عن عبيد بن أبي الجعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا
~~يزيد في العمر إلا البر ولا يرد القدر إلا الدعاء وإن الرجل ليحرم الرزق
~~بالذنب يصيبه» .
# حدثني محمد بن يحيى القطعي قال حدثنا عبد الأعلى قال حدثنا سعيد عن مطر
~~عن الحكم بن عتيبة عن النخعي عن ابن عمر «2» قال: أتى رجل النبي صلى الله
~~عليه وسلم فقال: إن والدي يأخذ مني مالي وأنا كاره؛ فقال: «أو ما علمت أنك
~~وما لك لأبيك» .
# حدثني عبد الرحمن بن عبد الله عن الأصمعي قال: أخبرني بعض العرب: أن رجلا
~~كان في زمن عبد الملك بن مروان، وكان له أب كبير، وكان الشاب عاقا بأبيه،
~~وكان يقال للشاب منازل «3» فقال الشيخ «4» : [طويل]
# جزت رحم بيني وبين منازل ... جزاء كما يستنجز الدين طالبه
# تربت حتى صار جعدا شمردلا ... إذا قام ساوى غارب الفحل غاربه «5»
# تظلمني مالي كذا ولوى يدي ... لوى يده الله الذي لا يغالبه
# PageV03P098
# وإني لداع دعوة لو دعوتها ... على جبل الريان لا نقض جانبه «1»
# فبلغ ذلك أميرا كان عليهم، فأرسل إلى الفتى ليأخذه، فقال له الشيخ:
# اخرج من خلف البيت، فسبق رسل الأمير، ثم ابتلي الفتى بابن عقه في آخر
~~عمره فقال: [طويل]
# تظلمني مالي خليج وعقني ... على حين كانت كالحني عظامي «2»
# تخيرته وازددته ليزيدني ... وما بعض ما يزداد غير عرام «3»
# وقال يحيى بن سعيد مولى تيم كوفي لابنه: [طويل]
# غذوتك مولودا وعلتك يافعا ... تعل بما أجني عليك وتنهل «4»
# إذا ليلة نالتك بالشكو لم أبت ... لشكواك إلا ساهرا أتململ
# كأني أنا المطروق دونك بالذي ... طرقت به دوني وعيني تهمل
# فلما بلغت الوقت في العدة التي ... إليها جرى ما أبتغيه وآمل
# جعلت جزائي منك جبها وغلظة ... كأنك أنت المنعم المتفضل «5»
# فليتك إذ لم ترع حق أبوتي ... كما يفعل الجار المجاور تفعل «6»
# قال القاسم بن محمد: قد جعل الله في الصديق البار عوضا من الرحم المدبرة.
# PageV03P099
# كتب عمر إلى أبي موسى: مر ذوي القرابات أن يتزاوروا ولا يتجاوروا.
# وقال أكثم بن ضيفي: تباعدوا في الديار تقاربوا في المودة.
# قيل لأعرابي: ما تقول في ابن عمك؟ قال: عدوك وعدو عدوك.
# وقال قيس بن زهير: [وافر]
# شفيت النفس من حمل بن بدر ... وسيفي من حذيفة قد شفاني
# قتلت بإخوتي سادات قومي ... وقد كانوا لنا حلي الزمان «1»
# فإن أك قد بردت بهم غليلي ... فلم أقطع بهم إلا بناني
# قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، حين تصفح القتلى يوم الجمل: شفيت
~~نفسي وجدعت أنفي. وفي مثل ذلك قول القائل «2» : [كامل]
# قومي هم قتلوا أميم أخي ... فإذا رميت يصيبني سهمي
# ولئن عفوت لأعفون جللا ... ولئن قرعت لأوهنن عظمي «3»
# قتل رجل من العرب ابن أخيه فدفع إليه ليقيده «4» ، فلما أهوى بالسيف
~~أرعدت يداه، فألقي السيف من يده وعفا عنه وقال: [بسيط]
# أقول للنفس تأساء وتعزية ... إحدى يدي أصابتني ولم ترد
# كلاهما خلف من فقد صاحبه ... هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي
# وقال بعضهم: [وافر]
# بكره سراتنا يا آل عمرو ... نفاديكم بمرهفة النصال
# فنبكي حين نذكركم عليكم ... ونقتلكم كأنا لا نبالي
# PageV03P100
# وقال عدي بن زيد: [طويل]
# وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ... على المرء من وقع الحسام المهند «1»
# وقال غيره «2» : [طويل]
# سآخذ منكم آل حزن لحوشب ... وإن كان مولاي وكنتم بني أبي
# إذا كنت لا أرمى وترمى عشيرتي ... تصب جائحات النبل كشحي ومنكبي «3»
# وقال حدثنا أبو الخطاب قال حدثنا الوليد بن مسلم عن محمد بن السائب
~~البكري عن سعيد بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
~~«حق كبير الإخوة على صغيرهم كحق الوالد على ولده» .
# والعرب تقول في العطف على القرابة وإن لم يكن وادا: أنفك منك وإن ذن «4»
~~. ومثله: عيصك «5» منك وإن كان أشبا.
# وقال النمر بن تولب «6» : [طويل]
# إذا كنت من سعد وأمك فيهم ... غريبا فلا يغررك خالك من سعد
# فإن ابن أخت القوم مصغى إناؤه ... إذا لم يزاحم خاله بأب جلد «7»
# PageV03P101
# وقال أمية بن أبي عائذ «1» لإياس بن سهم: [طويل]
# أبلغ إياسا أن عرض ابن اختكم ... رداؤك فاصطن حسنه أو تبدل «2»
# فإن تك ذا طول فإني ابن أختكم ... وكل ابن أخت من مدى الخال معتلي «3»
# فكن أسدا أو ثعلبا أو شبيهه ... فمهما تكن أنسب إليك وأشكل «4»
# وما ثعلب إلا ابن أخت ثعالب ... وإن ابن أخت الليث رئبال أشبل «5»
# وكتب بشر بن المغيرة بن أبي صفرة إلى عمه بهذه الأبيات: [طويل]
# جفاني الأمير والمغيرة قد جفا ... وأمسى يزيد لي قد أزور جانبه «6»
# وكلهم قد نال شبعا لبطنه ... وشبع الفتى لؤم إذا جاع صاحبه
# فيا عم مهلا واتخذني لنوبة ... تنوب، فإن الدهر جم عجائبه «7»
# أنا السيف إلا أن للسيف نبوة ... ومثلي لا تنبوا عليك مضاربه «8»
# دخل رجل من أشراف العرب على بعض الملوك، فسأله عن أخيه، فأوقع به يعيبه
~~ويشتمه، وفي المجلس رجل يشنؤه «9» فشرع معه في القول؛ فقال له: مهلا! إني
~~لآكل لحمي ولا أدعه لآكل.
# PageV03P102
# ويقال: القرابة محتاجة إلى المودة، والمودة أقرب الأنساب. والبيت المشهور
~~في هذا:
# فإذا القرابة لا تقرب قاطعا ... وإذا المودة أقرب الأنساب
# وقيل لبزرجمهر: أخوك أحب إليك أم صديقك؟ فقال: إنما أحب أخي إذا كان
~~صديقا.
# وقال خداش بن زهير «1» : [طويل]
# رأيت ابن عمي باديا لي ضغنه ... وواغره في الصدر ليس بذاهب «2»
# وأنشدنا الرياشي: [طويل]
# حياة أبي السيار خير لقومه ... لمن كان قد ساس الأمور وجربا
# ونعتب أحيانا عليه ولو مضى ... لكنا على الباقي من الناس أعتبا
# وقال الشاعر: [طويل]
# ولم أر عزا لامرىء كعشيره ... ولم أر ذلا مثل نأي عن الأهل «3»
# ولم أر مثل الفقر أوضع للفتى ... ولم أر مثل المال أرفع للرذل
# ولم أر من عدم أضر على الفتى ... إذا عاش وسط الناس من عدم العقل
# كان مهلهل «4» صار إلى قبيلة من اليمن يقال لهم جنب، فخطبوا إليه فزوجهم
~~وهو كاره لاغترابه عن قومه، ومهروا ابنته أدما «5» ؛ فقال: [منسرح]
# PageV03P103
# أنكحها فقدها الأراقم في ... جنب وكان الحباء من أدم «1»
# لو بأبانين جاء يخطبها ... رمل ما أنف خاطب بدم «2»
# وقال الأعشى: [طويل]
# ومن يغترب عن قومع لا يزل يرى ... مصارع مظلوم مجرا ومسحبا «3»
# وتدفن منه الصالحات وإن يسيء ... يكن ما أساء النار في رأس كبكبا»
# ورب يقيع لو هتفت بجوه ... أتاني كريم ينغض الرأس مغضبا «5»
# وقال رجل من غطفان: [طويل]
# إذا أنت لم تستبق ود صحابة ... على دخن أكثرت بث المعاتب «6»
# وإني لأستبقي امرأ السوء عدة ... لعدوة عريض من الناس عائب «7»
# أخاف كلاب الأبعدين ونبحها ... إذا لم تجاوبها كلاب الأقارب
# قال رجل لعبيد الله بن أبي بكرة: ما تقول في موت الوالد؟ قال: ملك حادث؛
~~قال: فموت الزوج؟ قال: عرس جديد؛ قال: فموت الأخ؟ قال:
# قص الجناح؛ قال: فموت الولد؟ قال: صدع في الفؤاد لا يجبر.
# وكان يقال: العقوق ثكل من لم يثكل.
# PageV03P104
# شكا عثمان عليا إلى العباس رضي الله عنهم؛ فقال: أنا منه كأبي العاق، إن
~~عاش عقه وإن مات فجعه.
# وقال رجل لأبيه: يا أبت، إن عظيم حقك علي لا يذهب صغير حقي عليك، والذي
~~تمت به إلي أمت بمثله إليك، ولست أزعم أنا على سواء.
# وقال زيد بن علي بن الحسن لابنه يحيى: إن الله لم يرضك لي فأوصاك بي،
~~ورضيني لك فلم يوصني بك.
# غضب معاوية على يزيد ابنه فهجره؛ فقال له الأحنف: يا أمير المؤمنين،
~~أولادنا ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة، وأرض ذليلة، فإن
~~غضبوا فأرضهم، وإن سألوا فأعطهم، ولا تكن عليهم قفلا «1» فيملوا حيتك
~~ويتمنوا موتك.
# قيل لأعرابي: كيف ابنك؟ - وكان عاقا- فقال: عذاب رعف «2» به الدهر،
~~فليتني قد أودعته القبر، فإنه بلاء لا يقاومه الصبر، وفائدة لا يجب فيها
~~الشكر.
# قيل لبعضهم: أي ولدك أحب إليك؟ قال: صغيرهم حتى يكبر، ومريضهم حتى يبرأ،
~~وغائبهم حتى يقدم.
# ناول عمر بن الخطاب رجلا شيئا؛ فقال له: خدمك بنوك؛ فقال عمر:
# بل أغنانا الله عنهم.
# وولد للحسن غلام، فقال له بعض جلسائه: بارك الله لك في هبته، وزادك من
~~أحسن نعمته؛ فقال الحسن: الحمد لله على كل حسنة، ونسأل الله
# PageV03P105
# الزيادة في كل نعمة، ولا مرحبا بمن إن كنت عائلا أنصبني «1» ، وإن كنت
~~غنيا أذهلني، لا أرضى بسعيي له سعيا، ولا بكدي له في الحياة كدا، حتى أشفق
~~له من الفاقة «2» بعد وفاتي، وأنا في حال لا يصل إلي من غمه حزن ولا من
~~فرحه سرور.
# قال الأصمعي: عاتب أعرابي ابنه في شرب النبيذ، فلم يعتب «3» وقال:
# [طويل]
# أمن شربة من ماء كرم شربتها ... غضبت علي! الآن طاب لي الخمر
# سأشرب فاغضب لا رضيت، كلاهما ... إلي لذيذ: أن أعقك والسكر
# وقال الطرماح «4» لابنه صمصامة: [طويل]
# أصمصام إن تشفع لأمك تلقها ... لها شافع في الصدر لم يتبرح «5»
# هل الحب إلا أنها لو تعرضت ... لذبحك يا صمصام قلت لها اذبحي
# أحاذر يا صمصام إن مت أن يلي ... تراثي وإياك امرؤ غير مصلح
# إذا صك وسط القوم رأسك صكة ... يقول له الناهي ملكت فأسجح «6»
# وأنشد ابن الأعرابي: [وافر]
# أحب بنيتي ووددت أني ... دفنت بنيتي في قعر لحد
# وما بي أن تهون علي لكن ... مخافة أن تذوق البؤس بعدي
# PageV03P106
# ونحوه قول الآخر: [بسيط]
# لولا أميمة لم أجزع من العدم ... ولم أجب في الليالي حندس الظلم «1»
# وزادني رغبة في العيش معرفتي ... ذل اليتيمة يجفوها ذوو الرحم
# أحاذر الفقر يوما أن يلم بها ... فيهتك الستر من لحم على وضم «2»
# تهوى حياتي وأهوى موتها شفقا ... والموت أكرم نزال على الحرم
# وقال أعرابي في ابنته: [بسيط]
# يا شقة النفس إن النفس والهة ... حرى عليك ودمع العين منسجم «3»
# قد كنت أخشى عليها أن تقدمني ... إلى الحمام فيبدي وجهها العدم «4»
# فالآن نمت فلا هم يؤرقني ... تهدا العيون إذا ما أودت الحرم
# وقال أعشى سليم «5» : [متقارب]
# نفسي فداؤك من وافد ... إذا ما البيوت لبسن الجليدا
# كفيت الذي كنت أرجي له ... فصرت أبا لي وصرت الوليدا
# وقال أعشى همدان «6» في خالد بن عتاب بن ورقاء: [طويل]
# فإن يك عتاب مضى لسبيله ... فما مات من يبقى له مثل خالد
# PageV03P107
# وفي الحديث المرفوع: «ريح الولد من ريح الجنة. وقال رسول الله صلى الله
~~عليه وسلم لأحد ابني بنته: «إنكم لتجبنون وإنكم لتبخلون وإنكم لمن ريحان
~~الله» .
# وقالت أعرابية: [مجزوء الرجز]
# يا حبذا ريح الولد ... ريح الخزامى بالبلد «1»
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: هذا يدلك على تفضيلهم الخزامى.
# وكان يقال: ابنك ريحانك سبعا، وخادمك سبعا، ثم عدو أو صديق.
# مر أعرابي ينشد «2» ابنا له بقوم، فقالوا: صفه؛ فقال: دنينير، قالوا: لم
~~نره؛ فلم يلبث القوم أن جاء على عنقه بجعل «3» ؛ فقالوا؛ ما وجدت ابنك يا
~~أعرابي؟ قال: نعم هو هذا؛ قالوا: لو سألت عن هذا لأخبرناك، ما زال منذ
~~اليوم بين أيدينا.
# قال الشاعر في امرأة: [منسرح]
# نعم ضجيع الفتى إذا برد ال ... ليل سحيرا وقرقف الصرد «4»
# زينها الله في العيون كما ... زين في عين والد ولد
# وفي الحديث: «من كان له صبي فليستصب له» .
# وقال الزبير وهو يرقص ابنا له: [رجز]
# أبيض من آل أبي عتيق ... مبارك من ولد الصديق
# ألذه كما ألذ ريقي
# PageV03P108
# وقال أعرابي: [سريع]
# لولا بنيات كزغب القطا ... حططن من بعض إلى بعض «1»
# لكان لي مضطرب واسع ... في الأرض ذات الطول والعرض
# وإنما أولادنا بيننا ... أكبادنا تمشي على الأرض
# لو هبت الريح على بعضهم ... لامتنعت عيني من الغمض
# أنزلني الدهر على حكمه ... من مرقب عال إلى خفض «2»
# وابتزني الدهر ثياب الغنى ... فليس لي مال سوى عرضي
# قال بعض النسابين: إنما قيل: سعد العشيرة، لأنه كان يركب في عشرة من
~~ولده، فكأنهم عشيرة.
# وقال ضرار بن عمرو الصبي، وقد رئى له ثلاثة عشر ذكرا قد بلغوا: من سره
~~بنو ساءته نفسه.
# قال بشر بن أبي حازم «3» : [طويل]
# إذا ما علوا قالوا أبونا وأمنا ... وليس لهم عالين أم ولا أب «4»
# وقال آخر: [بسيط]
# أنا ابن عمك إن نابتك نائبة ... وليس منك إذا ما كعبك اعتدلا «5»
# وأنشدنا الرياشي: [سريع]
# الرحم بلها بخير البلان ... فإن فيها للديار العمران «6»
# PageV03P109
# وأمر المال وبنت الصغران ... وإنما اشتقت من اسم الرحمن «1»
# وقال المعلوط: [طويل]
# ومن يلق ما ألقى وإن كان سيدا ... ويخش الذي أخشى يسر سير هارب
# مخافة سلطان علي أظنه ... ورهطي، وما عاداك مثل الأقارب «2»
# دخل عثمان بن عفان على ابنته وهي عند عبد الله بن خالد بن أسيد، فقال: يا
~~بنية: ما لي أراك مهزولة؟ لعل بعلك يغيرك «3» ؛ فقالت: لا، ما يغيرني؛ فقال
~~لزوجها: لعلك تغيرها! قال: فأفعل، فلغلام يزيده الله في بني أمية أحب إلي
~~منها.
# قال النعمان بن بشير «4» : [طويل]
# وإني لأعطي المال من ليس سائلا ... وأدرك للمولى المعاند بالظلم
# وإني متى ما يلقني صارما له ... فما بيننا عند الشدائد من صرم «5»
# فلا تعدد المولى شريكك في الغنى ... ولكنما شريكك في العدم «6»
# إذا مت ذو القربى إليك برحمه ... وغشك واستغنى فليس بذي رحم
# ولكن ذا القربى الذي يستخفه ... أذاك ومن يرمي العدو الذي ترمي
# وقال بعض الشعراء: [وافر]
# لقد زاد الحياة إلي حبا ... بناتي أنهن من الضعاف
# PageV03P110
# مخافة أن يرين البؤس بعدي ... وأن يشربن رنقا بعد صافي «1»
# وأن يعرين إن كسي الجواري ... فتنبو العين عن كرم عجاف «2»
# قيل لعلي بن الحسين: أنت من أبر الناس ولا نراك تؤاكل أمك؛ قال:
# أخاف أن تسير يدي إلى ما قد سبقت عينها إليه فأكون قد عققتها.
# قيل لعمر بن ذر: كيف كان بر ابنك بك؟ قال: ما مشيت نهارا قط إلا مشى
~~خلفي، ولا ليلا إلا مشى أمامي، ولا رقي سطلحا وأنا تحته.
# حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن زائدة عن عطاء بن السائب عن
~~عثمان بن أبي العاص قال: كنت عند عمر فأتاه رجل فأنشده:
# [وافر]
# تركت أباك مرعشة يداه ... وأمك ما تسيغ لها شرابا «3»
# إذا غنت حمامة بطن وج ... على بيضاتها ذكرت كلابا «4»
# فقال عمر: مم ذاك؟ قال: هاجر إلى الشام وترك أبوين له كبيرين، فبكى عمر
~~وكتب إلى يزيد بن أبي سفيان في أن يرحله، فقدم عليه، فقال: بر أبويك وكن
~~معهما حتى يموتا. قال أبو اليقظان: مربعة كلاب بالبصرة إليه تنسب، والعوام
~~تقول مربعة الكلاب.
# PageV03P111
# قال أبو علي الضرير «1» : [متقارب]
# أتيتك جذلان مستبشرا ... لبشراك لما أتاني الخبر
# أتاني البشير بأن قد رزقت ... غلاما فأبهجني ما ذكر
# وأنك، والرشد فيما فعل ... ت، أسميته باسم خير البشر
# وطهرته يوم أسبوعه ... ومن قبل في الذكر ما قد طهر «2»
# فعمرك الله حتى ترا ... ه قد قارب الخطو منه الكبر
# وحتى ترى حوله من بنيه ... وإخوته وبنيهم زمر «3»
# وحتى يروم الأمور الجسام ... ويرجى لنفع ويخشى لضر
# وأوزعك الله شكر العطاء ... فإن المزيد لعبد شكر «4»
# وصلى على السلف الصالحي ... ن منكم وبارك فيمن غبر «5»
# وهذا قد وقع في باب التهانىء أيضا.
# قال المأمون: لم أر أحدا أبر من الفضل بن يحيى بأبيه، بلغ من بره به أن
~~يحيى كان لا يتوضأ إلا بماء مسخن وهما في السجن، فمنعهما السجان من إدخال
~~الحطب في ليلة باردة، فقام الفضل حين أخذ يحيى مضجعه إلى قمقم «6» كان يسخن
~~فيه الماء، فملأه ثم أدناه من منار المصباح، فلم يزل قائما وهو في يده حتى
~~أصبح.
# PageV03P112
# رقص أعرابي ابنه وقال: [رجز]
# أحبه حب الشحيح ما له ... قد كان ذاق الفقر ثم ناله
# إذا يريد بذله بدا له
# دخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده ابنته عائشة، فقال: من هذه يا أمير
~~المؤمنين؟ فقال: هذه تفاحة القلب؛ فقال: انبذها عنك «1» ؛ قال: ولم؟
# قال: لأنهن يلدن الأعداء، ويقربن البعداء، ويورثن الضغائن؛ فقال: لا تقل
~~ذاك يا عمرو، فو الله ما مرض المرضى ولا ندب الموتى ولا أعان على الأحزان
~~مثلهن، وإنك لواجد خالا قد نفعه بنو أخته؛ فقال له عمرو: ما أعلمك إلا
~~حببتهن إلي.
### | الاعتذار
# كان يقال: الاعتراف يهدم الاقتراف.
# كتب بعض الكتاب إلى بعض العمال: لو قابلت حقك علي بمتقدم المودة ومؤكد
~~الحرمة إلى ما جدده الله لك بالسلطان والولاية، لم أرض في قضائه بالكتاب
~~دون تجسم الرحلة ومعاناة السفر إليك، لا سيما مع قرب الدار منك؛ غير أن
~~الشغل بما ألفيت عليه أموري من الانتشار وعلائق الخراج وغير ذلك مما لا
~~خيار معه، أحلني في الظاهر محل المقصرين؛ وإن وهب الله فرجة من الشغل وسهل
~~سبيلا إليك، لم أتخلف عما لي فيه الحظ من مجاورتك والتنسم بريحك والتيمن
~~بالنظر إليك، غاديا ورائحا عليك، إن شاء الله تعالى.
# كتب ابن الجهم «2» إلى نجاح من الحبس: [منسرح]
# PageV03P113
# إن تعف عن عبدك المسيء ففي ... فضلك مأوى للصفح والمنن
# أتيت ما استحق من خطأ ... فعد لما تستحق من حسن
# وكتب الحسن بن وهب «1» : [سريع]
# ما أحسن العفو من القادر ... لا سيما عن غير ذي ناصر
# إن كان لي ذنب، ولا ذنب لي، ... فما له غيرك من غافر
# أعوذ بالود الذي بيننا ... أن يفسد الأول بالآخر
# كتب رجل إلى جعفر بن يحيى يستبطئه، فوقع في ظهر كتابه: أحتج عليك بغالب
~~القضاء، وأعتذر إليك بصادق النية.
# قال بعض الشعراء: [متقارب]
# وتعذر نفسك إما أساءت ... وغيرك بالعذر لا تعذر
# وتبصر في العين منه القذى ... وفي عينك الجذع لا تبصر «2»
# وقال بعض الشعراء: [كامل]
# يا ذا المميز للإخاء ولل ... إخوان في التفضيل والقدر
# لا يقبضنك عن معاشرتي ... بالأنس أن قصرت في بري
# إني إذا ضاق امرؤ بجدا ... عني استعنت عليه بالعذر «3»
# وفي الحديث المرفوع: «من لم يقبل من معتذر صادقا كان أو كاذبا لم يرد علي
~~الحوض. وفيه: أقيلوا ذوي الهنات عثراتهم» «4» .
# PageV03P114
# اعتذر رجل إلى أبي عبيد الله الكاتب فقال: ما رأيت عذرا أشبه باستئناف
~~ذنب من عذرك.
# وكان يقال: أعجل الذنوب عقوبة العذر، واليمين الفاجرة، ورد التائب وهو
~~يسأل العفو خائبا.
# وقال مطرف «1» : المعاذر مكاذب «2» .
# اعتذر رجل إلى إبراهيم «3» فقال له: قد عذرتك غير معتذر، إن المعاذير
~~يشوبها الكذب.
# ويقال. ما اعتذر مذنب إلا ازداد ذنبا.
# وقال الشاعر: [مجزوء الكامل المرفل]
# لا ترج رجعة مذنب ... خلط احتجاجا باعتذار
# اعتذر رجل إلى سلم بن قتيبة «4» ، فقبل منه وقال: لا يدعونك أمر تخلصت
~~منه إلى أمر لعلك لا تتخلص منه.
# وقال الشاعر: [طويل]
# فلا تعذراني في الإساءة إنه ... شرار الرجال من يسيء فيعذر
# وقال ابن الطثرية: [طويل]
# هبيني امرأ إما بريئا ظلمته ... وإما مسيئا تاب بعد وأعتبا «5»
# PageV03P115
# وكنت كذي داء تبغى لدائه ... طبيبا فلما لم يجده تطببا «1»
# كتب بعض الكتاب معتذرا: توهمت، أعزك الله، نفرتك عند نظرتك إلى عنوان
~~كتابي هذا باسمي، لما تضمنته من السخيمة «2» علي، فأخليته منه؛ وانتظرت
~~باستعطافك من طويتك في عاقبة امتداد العهد، وأمنت اضطغانك لنفي الدين
~~الحقد، واختصرت من الاحتجاج المنتسب إلى الإصرار، والاعتذار المتعاود بين
~~النظراء، والإقرار المثبت للأقدام، الاستسلام لك.
# على أنك إن حرمتني رضاك اتسعت بعفوك، وإن أعدمنيهما توغر صدرك «3» لم تضق
~~من الرقة علي من مصيبة الحرمان؛ وإن قسوت رجعت بك عواطف من أياديك عندي
~~نازعة «4» بك إلى استتمامها لدي. ومن حدود فضائل الرؤساء مقابلة سوء من
~~خولوا بالإحسان. ولا نعمة على مجرم إليه أجزل من الظفر، ولا عقوبة لمجرم
~~أبلغ من الندم؛ وقد ظفرت وندمت. كتبت وأنا على ما تحب بشرا إن تغمدت زلتي،
~~وكما تحب ضرا إن تركت إقالتي «5» ، وبخير في كلتا الحالتين ما بقيت.
# وكتبت في كتاب اعتذار واستعطاف: وكم عسى أن يكون تماديك في عتبك؛ لولا
~~أني مضطر إلى وصلك وأنت مطبوع على هجري. لقد استحييت واستحييت من ذلي وعزك،
~~وخفضي جناحي ونأي بجانبك.
# وفي كتاب آخر: قد أودعني الله من نعمك ما بسطني في القول مدلا به
# PageV03P116
# عليك، ووكد من حرمتي بك ما شفع لي في الذنوب إليك، وأعلقني من أسبابك ما
~~لا أخاف معه نبوات الزمان علي فيك، وأمنتني بحلمك وأناتك بادرة غضبك؛
~~فأقدمت ثقة بإقالتك إن عثرت، وبتقويمك إن زغت. وبأخذك بالفضل إن زللت.
# وفي كتاب اعتذار: أنا عليل منذ فارقتك؛ فإن تجمع علي العلة وعتبك أفدح
~~«1» . على أن ألم الشوق قد بلغ بك في عقوبتي؛ وحضرني هذا البيت على ارتجال
~~فوصلت به قولي: [طويل]
# لك الحق إن تعتب علي لأنني ... جفوت وإما تغتفر فلك الفضل
# أنهيت عذري لأنتهي إلى تفضلك بقبوله «2» وإن قبولك «3» يمح إفراطي في
~~البر بك تفريطي فيه، وإلى ذلك ما أسألك تعريفي خيرك لأراح إليه، وأستزيد
~~الله في أجره «4» لك.
# وفي فصل آخر:
# أنا المقر بقصوري عن حقك، واستحقاقي جفاءك؛ وبفضلك من عذلك أعوذ، فو الله
~~لئن تأخر كتابي عنك، ما أستزيد نفسي في شكر مودتك، ولطيف عنايتك. وكيف
~~يسلاك أو ينساك أخ مغرم بك يراك زينة مشهده ومغيبه!: [بسيط]
# PageV03P117
# وكيف أنساك لا أيديك واحدة ... عندي ولا بالذي أوليت من نعم «1»
# وفي آخر الكتاب: [وافر]
# إذا اعتذر الصديق إليك يوما ... من التقصير عذر أخ مقر
# فصنه عن عتابك واعف عنه ... فإن الصفح شيمة كل حر
# وقال الخليل بن أحمد: [بسيط]
# لو كنت تعلم ما أقول عذرتني ... أو كنت أجهل ما تقول عدلتكا
# لكن جهلت مقالتي فعذلتني ... وعلمت أنك جاهل فعذرتكا
# قيل لبزرجمهر: ما بالكم لا تعاتبون الجهلة، قال: لأنا لا نريد من العميان
~~أن يبصروا.
# وقال ابن الدمينة «2» : [طويل]
# بنفسي وأهلي من إذا عرضوا له ... ببعض الأذى لم يدر كيف يجيب
# ولم يعتذر عذر البريء ولم تزل ... به ضعفة حتى يقال مريب «3»
# وكتب رجل إلى صديق له يعتذر: أنا من لا يحاجك عن نفسه، ولا يغالطك عن
~~جرمه، ولا يلتمس رضاك إلا من جهته، ولا يستعطفك إلا بالإقرار بالذنب، ولا
~~يستمليك إلا بالاعتراف بالزلة.
# وقرأت في كتاب: لست أدري بأي استجزت تصديق ظنك حتى أنفذت علي به حكم
~~قطيعتك، فو الله ما صدق علي ولا كاد، ولا استجزت ما توهمته
# PageV03P118
# فيمن لا يلزمني حقه. وأعيذك بالله من بدار «1» إلى حكم يوجب الاعتذار،
~~فإن الأناة «2» سبيل أهل التقى والنهى؛ والظن والإسراع إلى ذوي الإخاء
~~ينتجان الجفاء، ويميلان عن الوفاء إلى اللفاء «3» .
# قال إسماعيل بن عبد الله وهو يعتذر إلى رجل في آخر يوم من شعبان:
# والله فإني في غبر «4» يوم عظيم، وتلقاء ليلة تفتر «5» عن أيام عظام، ما
~~كان ما بلغك.
# وقرأت في كتاب معتذر: إنك تحسن مجاورتك للنعمة، واستدامتك لها، واجتلابك
~~ما بعد منها بشكر ما قرب، واستعمالك الصفح لما في عاقبته من جميل عادة الله
~~عندك؛ ستقبل العذر على معرفة منك بشناعة الذنب، وتقيل العثرة «6» وإن لم
~~تكن على يقين من صدق النية، وتدفع السيئة بالتي هي أحسن.
# اعتذر رجل إلى جعفر بن يحيى البرمكي، فقال له جعفر: قد أغناك الله بالعذر
~~منا عن الاعتذار، وأغنانا بالمودة لك عن سوء الظن بك.
# وقال بعض الشعراء: [طويل]
# إذا ما امرؤ من ذنبه جاء تائبا ... إليك فلم تغفر له فلك الذنب
# كان الحسن بن زيد بن الحسن واليا للمنصور على المدينة، فهجاه ورد
# PageV03P119
# ابن عاصم المبرسم فقال: [وافر]
# له حق وليس عليه حق ... ومهما قال فالحسن الجميل
# وقد كان الرسول يرى حقوقا ... عليه لأهلها وهو الرسول
# فطلبه الحسن فهرب منه، ثم لم يشعر إلا وهو ماثل بين يديه يقول:
# [وافر]
# سيأتي عذري الحسن بن زيد ... وتشهد لي بصفين القبور
# قبور لو بأحمد أو علي ... يلوذ مجيرها حفظ المجير
# هما أبواك من وضعا تضعه ... وأنت برفع ما رفعا جدير
# فاسخف الحسن كرمه، فقام إليه فبسط له رداءه وأجلسه عليه.
# وفي كتاب لمعتذر: علو الرتبة واتساع القدرة وانبساط اليد بالسطوة، ربما
~~أنست ذا الحنق المحفظ «1» من الأحرار فضيلة العفو وعائدة الصفح وما في
~~إقالة المذنب واستبقائه من حسن السماع وجميل الأحدوثة، فبعثته على شفاء
~~غيظه، وحركته، على تبريد غلته، وأسرعت به إلى مجانبة طباعه وركوب ما ليس من
~~عادته. وهمتك تجل عن دناءة الحقد، وترتفع عن لؤم الظفر.
# وفي فصل: نبت «2» بي عنك غرة الحداثة «3» فردتني إليك الحنكة، وباعدتني
~~عنك الثقة بالأيام فأدنتني إليك الضرورة، ثقة بإسراعك إلي وإن كنت أبطأت
~~منك، وقبولك العذر وإن كانت ذنوبي قد سدت عليك مسالك الصفح؛ فأي موقف هو
~~أدنى من هذا الموقف لولا أن المخاطبة فيه لك! وأي خطة هي أودى بصاحبها من
~~خطة أنا راكبها لولا أنها في رضا لك!.
# أوقع «4» الحجاج يوما بخالد بن يزيد يعيبه وينتقصه وعنده عمرو بن عتبة:
# PageV03P120
# فقال عمرو: إن خالدا أدرك من قبله وأتعب من بعده بقديم غلب عليه وحديث لم
~~يسبق إليه؛ فقال الحجاج معتذرا: يا بن عتبة، إنا لنسترضيكم بأن نغضب عليكم،
~~ونستعطفكم بأن ننال منكم، وقد غلبتم على الحلم، فوثقنا لكم به، وعلمنا أنكم
~~تحبون أن تحلموا، فتعرضنا للذي تحبون.
# قال المنصور لرجل أتاه نائبا معتذرا من ذنب: عهدي بك خطيبا فما هذا
~~السكوت! فقال: يا أمير المؤمنين؛ لسنا وفد مباهاة «1» وإنما نحن وفد توبة،
~~والتوبة تتلقى بالاستكانة «2» .
# وقع بين أبي مسلم وبين قائد له كلام، فأربى «3» عليه القائد إلى أن قال
~~له: يا لقيط! فأطرق أبو مسلم، فلما سكتت عنه فورة الغضب ندم وعلم أنه قد
~~أخطأ واعتذر وقال: أيها الأمير، والله ما انبسطت حتى بسطتني ولا نطقت حتى
~~أنطقتني فاغفر لي؛ قال: قد فعلت؛ فقال: إني أحب أن أستوثق لنفسي؛ فقال أبو
~~مسلم: سبحان الله! كنت تسيء وأحسن، فلما أحسنت أسي!.
# قال الطائي: [طويل]
# وكم ناكث للعهد قد نكثت به ... أمانيه واستخذى بحقك باطله «4»
# فحاط له الإقرار بالذنب روحه ... وجثمانه إذ لم تحطه قبائله «5»
# PageV03P121
# وقال آخر: [منسرح] وقال آخر: [منسرح]
# حتى متى لا تزال معتذرا ... من زلة منك ما تجانبها
# لا تتقي عيبها عليك ولا ... ينهاك عن مثلها عواقبها
# لتركك الذنب لا تقارفه ... أيسر من توبة تقاربها «1»
# قال أعرابي لابن عم له: سأتخطى ذنبك إلى عذرك، وإن كنت من أحدهما على
~~يقين ومن الآخر على شك؛ ليتم المعروف مني إليك، ولتقوم الحجة مني عليك.
### | عتب الإخوان والتباغض والعداوة
# حدثني الزيادي قال حدثنا عبد الوارث عن يزيد بن القاسم عن معاذة أنها
~~سمعت هشام بن عامر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يحل
~~لمسلم أن يصارم «2» مسلما فوق ثلاث، وأيهما فعل فإنهما ناكثان «3» عن الحق
~~ما داما على صرمهما وإن ماتا لم يدخلا الجنة» .
# قال بعض الشعراء: [بسيط]
# سن الضغائن آباء لنا سلفوا ... فلن تبيد وللآباء أبناء
# هذا مثل قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: العداوة تتوارث.
# وقرأت في كتاب للهند: إذا كانت الموجدة عن علة كان الرضا مرجوا، وإذا
~~كانت عن غير علة كان الرضا معدوما. ومن العجب أن يطلب الرجل رضا أخيه فلا
~~يرضى، وأعجب من ذلك أن يسخطه عليه طلبه رضاه.
# PageV03P122
# قال بعض المحدثين: [متقارب]
# فلا تله عن كسب ود العدو ... ولا تجعلن صديقا عدوا
# ولا تغترر بهدو امرىء ... إذا هيج فارق ذاك الهدوا
# وقال آخر: [من مجزوء الكامل المرفل]
# احذر مودة ما ذق ... شاب المرارة بالحلاوه «1»
# يحصي العيوب عليك أي ... ام الصداقة والعداوه
# وقال أبو الأسود الدؤلي: [طويل]
# إذا المرء ذو القربى وذو الضغن أجحفت ... به سنة حلت مصيبته حقدي «2»
# وقال محمد بن أبان اللاحقي «3» لأخيه إسماعيل: [وافر]
# تلوم على القطيعة من أتاها ... وأنت سننتها في الناس قبلي
# وقال آخر: [طويل]
# وروعت حتى ما أراع من النوى ... وإن بان جيران علي كرام
# فقد جعلت نفسي على اليأس تنطوي ... وعيني على هجر الصديق تنام
# قال أحمد بن يوسف «4» الكاتب: [خفيف]
# ما على ذا كنا افترقنا بسندا ... دولا بيننا عقدنا الإخاء «5»
# PageV03P123
# نطعن الناس بالمثقفة السم ... ر على غدرهم وننسى الوفاء «1»
# قيل لأفلاطون: بماذا ينتقم الإنسان من عدوه؟ قال: بأن يزداد فضلا في
~~نفسه.
# وكان يقال: احذر معاداة الذليل، فربما شرق «2» بالذباب العزيز.
# كتب رجل من الكتاب إلى صديق له تجنى عليه: [متقارب]
# عتبت علي ولا ذنب لي ... بما الذنب فيه ولا شك لك
# وحاذرت لومي فبادرتني ... إلى اللوم من قبل أن أبدرك
# فكنا كما قيل فيما مضى ... خذ اللص من قبل أن يأخذك
# وقال آخر: [طويل]
# رأيتك لما نلت مالا، ومسنا ... زمان ترى في حد أنيابه شغبا «3»
# جعلت لنا ذنبا لتمنع نائلا ... فأمسك ولا تجعل غناك لنا ذنبا
# وقال آخر: [طويل]
# تريدين أن أرضى وأنت بخيلة ... ومن ذا الذي يرضي الأخلاء بالبخل
# وجدك لا يرضى إذا كان عاتبا ... خليلك إلا بالمودة والبذل
# متى تجمعي منا كثيرا ونائلا ... قليلا يقطع ذاك باقية الوصل
# كتب رجل إلى صديق له: [طويل]
# PageV03P124
# لئن ساءني أن نلتني بمساءة ... لقد سرني أني خطرت ببالك «1»
# وقال آخر: [بسيط]
# إذا رأيت ازورارا من أخي ثقة ... ضاقت علي برحب الأرض أوطاني
# فإن صددت بوجهي كي أكافئه ... فالعين غضبى وقلبي غير غضبان
# وقال إبراهيم بن العباس «2» : [بسيط]
# وقد غضبت فما باليتم غضبي ... حتى انصرفت بقلب ساخط راضي
# وقال زهير «3» : [وافر]
# وما يك في عدو أو صديق ... تخبرك العيون عن القلوب
# وقال دريد «4» : [وافر]
# وما تخفى الضغينة حيث كانت ... ولا النظر الصحيح من السقيم
# وقال ابن أبي خازم: [من مجزوء الخفيف]
# خذ من الدهر ما كفى ... ومن العيش ما صفا
# لا تلحن بالبكاء ... على منزل عفا «5»
# خل عنك العتاب إن ... خان ذو الود أو هفا
# عين من لا يحب وص ... لك تبدي لك الحفا
# وقال أعرابي يذكر أعداء: [بسيط]
# PageV03P125
# يزملون جنين الضغن بينهم ... والضغن أشوه أو في وجهه كلف «1»
# إن كاتمونا القلى نمت عيونهم ... والعين تظهر ما في القلب أو تصف «2»
# وقال ابن أبي أمية «3» : [سريع]
# كم فرحة كانت وكم ترحة ... تخرصتها لي فيك الظنون «4»
# إذا قلوب أظهرت غير ما ... تضمره أنبتك عنها العيون
# وقال آخر: [هزج]
# أما تبصر في عين ... ي عنوان الذي أبدي
# وقال آخر: [طويل]
# ومولى كأن الشمس بيني وبينه ... إذا ما التقينا ليس ممن أعاتبه
# يقول: لا أقدر أن أنظر إليه، فكأن الشمس بيني وبينه. ومثله: [وافر]
# إذا أبصرتني أعرضت عني ... كأن الشمس من قبلي تدور
# وقال النمر بن تولب في الإعراض «5» : [طويل]
# فصدت كأن الشمس تحت قناعها ... بدا حاجب منها وضنت بحاجب
# أخذه أبو نواس فقال: [سريع]
# يا قمرا للنصف من شهره ... أبدى ضياء لثمان بقين
# PageV03P126
# يريد أنه أعرض بوجهه فبدا له نصفه.
# وقال آخر في الضغينة: [طويل]
# وفينا وإن قيل اصطلحنا تضاغن ... كما طر أوبار الجراب على النشر «1»
# وقال آخر في نحوه «2» : [طويل]
# وقد ينبت المرعى على دمن الثرى ... وتبقى حزازات النفوس كما هيا «3»
# وقال الأخطل: [بسيط]
# إن الضغينة تلقاها وإن قدمت ... كالعر يكمن حينا ثم ينتشر «4»
# شمس العداوة حتى يستفاد لهم ... وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا «5»
# وقرأت في كتاب للهند: ليس بين عداوة الجوهرية صلح إلا ريثما ينتكث،
~~كالماء إن أطيل إسخانه فإنه لا يمتنع من إطفاء النار إذا صب عليها.
# قال سعد بن أبي وقاص لعمار بن ياسر: إن كنا لنعدك من أكابر أصحاب محمد
~~صلى الله عليه وسلم، حتى إذا لم يبق من عمر إلا ظمء «6» الحمار فعلت
# PageV03P127
# وفعلت؛ قال: أيما أحب إليك: مودة على دخل «1» أو مصارمة جميلة؟ قال:
# مصارمة جميلة؛ قال: لله علي ألا أكلمك أبدا.
# وقال بعض الشعراء في صديق له تغير: [منسرح]
# إحول عني وكان ينظر من ... عيني ويرمي بساعدي ويدي «2» .
# وقال المثتقب العبدي «3» : [وافر]
# ولا تعدي مواعد كاذبات ... تمر بها رياح الصيف دوني
# فإني لو تعاندني شمالي ... عنادك ما وصلت بها يميني
# إذا لقطعتها ولقلت بيني ... كذلك أجتوي من يجتويني «4»
# وقال الكميت: [طويل]
# ولكن صبرا عن أخ عنك صابر ... عزاء إذا ما النفس حن طروبها «5»
# رأيت عذاب الماء إن حيل دونها ... كفاك لما لا بد منه شروبها «6»
# وإن لم يكن إلا الأسنة مركب ... فلا رأي للمجهود إلا ركوبها «7»
# وقرأت في كتاب للهند: العدو إذا أحدث صداقة لعلة ألجأته إليها فمع ذهاب
~~العلة رجوع العداوة، كالماء يسخن فإذا رفع عاد باردا.
# وقال محمد بن يزداد الكاتب: إذا لم تستطع أن تقطع يد عدوك فقبلها.
# قال الشاعر: [طويل]
# PageV03P128
# لقد زادني حبا لنفسي أنني ... بغيض إلى كل امرىء غير طائل
# إذا ما رآني قطع الطرف دونه ... ودوني فعل العارف المتجاهل
# ملأت عليه الأرض حتى كأنها ... من الضيق في عينيه كفة حابل «1»
# قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اعتزل عدوك واحذر صديقك إلا الأمين، ولا
~~أمين إلا من خشي الله.
# الهيثم عن ابن عياش قال: أخبرني رجل من الأزد قال: كنا مع أسد بن عبد
~~الله بخراسان، فبينا نحن نسير معه وقد مد نهرفجاء «2» بأمر عظيم لا يوصف،
~~وإذا رجل بضربه الموج وهو ينادي: الغريق الغريق! فوقف أسد وقال: هل من
~~سابح؟ فقلت: نعم، فقال: ويحك! الحق الرجل! فوثبت عن فرسي وألقيت عني ثيابي
~~ثم رميت بنفسي في الماء، فما زلت أسبح حتى إذا كنت قريبا منه قلت: ممن
~~الرجل؟ قال: من بني تميم؟ قلت: إمض راشدا، فو الله ما تأخرت عنه ذراعا حتى
~~غرق: فقال ابن عياش: فقلت له: ويحك! أما اتقيت الله! غرقت رجلا مسلما!
~~فقال: والله لو كانت معي لبنة لضربت بها رأسه.
# طاف رجل من الأزد بالبيت «3» وجعل يدعو لأبيه؛ فقيل له: ألا تدعو لأمك؟
# فقال: إنها تميمية.
# وقرأت في كتاب للهند: جانب الموتور وكن أحذر ما تكون له ألطف ما يكون بك،
~~فإن السلامة بين الأعداء توحش بعضهم من بعض، ومن الأنس والثقة حضور آجالهم.
# PageV03P129
# أراد الملك قتل بزرجمهر وأن يتزوج ابنته بعد قتله؛ فقال: لو كان ملككم
~~حازما ما جعل بينه وبين شعاره موتورة «1» .
# قال أبو حازم: لا تناصبن رجلا حتى تنظر إلى سريرته؛ فإن تكن له سريرة
~~حسنة فإن الله لم يكن يخذله بعداوتك إياه، وإن كانت سريرته رديئة فقد كفاك
~~مساويه، لو أردت أن تعمل بأكثر من معاصي الله لم تقدر.
# قال رجل: إني لأغتنم في عدوي أن ألقي عليه النملة وهو لا يشعر لتؤذيه.
# وقال الأفوه الأودي «2» : [وافر]
# بلوت الناس قرنا بعد قرن ... فلم أر غير خلاب وقالي «3»
# وذقت مرارة الأشياء جمعا ... فما طعم أمر من السؤال
# ولم أر في الخطوب أشد هولا ... وأصعب من معاداة الرجال
# وقال آخر: [وافر]
# بلاء ليس يشبهه بلاء ... عداوة غير ذي حسب ودين
# يبيحك منه عرضا لم يصنه ... ويرتع منك في عرض مصون
### | شماتة الأعداء
# بلع عمرو بن عتبة شماتة قوم به في مصائب؛ فقال: والله، لئن عظم
# PageV03P130
# مصابنا بموت رجالنا لقد عظمت النعمة علينا بما أبقى الله لنا: شبانا
~~يشبون «1» الحروب، وسادة يسدون المعروف، وما خلقنا ومن شمت بنا إلا للموت.
# قيل لأيوب النبي عليه السلام: أي شيء كان أشد عليك في بلائك؟
# قال: شماتة الأعداء.
# إشتكى يزيد بن عبد الملك شكاة شديدة وبلغه أن هشاما سر بذلك، فكتب إلى
~~هشام يعاتبه، وكتب في آخر الكتاب: [طويل]
# تمنى رجال أن أموت، وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد
# وقد علموا، لو ينفع العلم عندهم، ... متى مت ما الداعي علي بمخلد
# منيته تجري لوقت وحتفه ... يصادفه يوما على غير موعد
# فقال للذي يبغي خلاف الذي مضى ... تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد «2»
# وقال الفرزدق: [وافر]
# إذا ما الدهر جر على أناس ... حوادثه أناخ بآخرينا
# فقل للشامتين بنا أفيقوا ... سيلقى الشامتون كما لقينا
# أغير على رجل من الأعراب فذهب بإبله فقال: [وافر]
# لا والذي أنا عبد في عبادته ... لولا شماتة أعداء ذوي إحن «3»
# ما سرني أن إبلي في مباركها ... وأن شيئا قضاه الله لم يكن
# وقال عدي بن زيد العبادي: [خفيف]
# أرواح مودع أم بكور ... لك فانظر لأي حال تصير
# PageV03P131
# وابيضاض السواد من نذر المو ... ت فهل بعده لإنس نذير
# أيها الشامت المعير بالده ... ر أأنت المبرأ الموفور
# أم لديك العهد الوثيق من الأي ... ام أم أنت جاهل مغرور
# من رأيت المنون خلدن أم من ... ذا عليه من أن يضام مجير
# أين كسرى كسرى الملوك أنو شر ... وان أم أين قبله سابور «1»
# وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج ... لة تجبى إليه والخابور «2»
# شاده مرمرفا وجلله كل ... سا فللطير في ذراه وكور
# لم يهبه ريب المنون فباد ال ... ملك عنه فبابه مهجور
# وتبين رب الخورنق إذ أش ... رف يوما وللهدى تفكير «3»
# سره حاله وكثرة ما يم ... لك والبحر معرضا والسدير «4»
# فارعوى قلبه فقال وما غب ... طة حي إلى الممات يصير «5»
# ثم بعد الفلاح والملك والنع ... مة وارتهم هناك القبور
# ثم أضحوا كأنهم ورق جف ... فألوت به الصبا والدبور «6»
# قال ابن الكلبي «7» : لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم سمع بموته نساء
~~من كندة وحضر موت فخضبن أيديهن وضربن بالدفوف، فقال رجل منهم: [كامل]
# PageV03P132
# أبلغ أبا بكر إذا ما جئته ... أن البغايا رمن أي مرام
# أظهرن من موت النبي شماتة ... وخضبن أيديهن بالعلام «1»
# فاقطع، هديت، كفهن بصارم ... كالبرق أومض من متون غمام «2»
# فكتب أبو بكر إلى المهاجر عامله، فأخذهن وقطع أيديهن.
# وقرأت في كتاب ذكر فيه عدو: فإنه يتربص بك الدوائر، ويتمنى لك الغوائل،
~~ولا يؤمل صلاحا إلا في فسادك، ولا رفعة إلا في سقوط حالك والسلام.
# وجد بالأصل في آخر هذا الكتاب ما نصه:
# آخر كتاب الإخوان، وهو الكتاب السابع من عيون الأخبار، تأليف أبي محمد
~~عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري رحمة الله عليه. وكتبه الفقير إلى الله
~~تعالى إبراهيم بن عمر بن محمد بن علي الواعظ الجزري، وذلك في شهور سنة أربع
~~وتسعين وخمسمائة. وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين.
# وفي هذه الصفحة عينها وجد ما يأتي- وهو من زيادة الناسخ-:
# قيل قدم المهدي أمير المؤمنين، وقيل الرشيد «3» ، فتلقاه الناس، وتلقاه
~~أبو دلامة «4» في جملة الناس، فأنشده: [كامل]
# PageV03P133
# إني نذرت لئن رأيتك سالما ... بقرى العراق وأنت ذو وفر
# لتصلين على النبي محمد ... ولتملأن دراهما حجرى
# فقال له أمير المؤمنين: أما الأولى فنعم. اللهم صل على محمد وعلى آل
~~محمد، وأما الأخرى فلست أفعل، فقال أبو دلامة: يا أمير المؤمنين ما نذرت
~~إلا الاثنين، فضحك وأمر حتى ملؤا حجره دراهم.
# وقال شاعر «1» : [كامل]
# ولقد تنسمت الرياح لحاجتي ... فإذا لها من راحتيك نسيم
# ولربما استيأست ثم أقول لا ... إن الذي ضمن النجاح كريم
# PageV03P134
### | كتاب الحوائج
### | استنجاح الحوائج
# حدثني أحمد بن الخليل قال حدثنا محمد بن الخصيب قال حدثني أوس ابن عبد
~~الله بن بريدة عن أخيه سهل بن عبد الله بن بريدة عن بريدة قال: قال رسول
~~الله صلى الله عليه وسلم: «استعينوا على الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة
~~محسود» .
# قال خالد بن صفوان: لا تطلبوا الحوائج في غير حينها، ولا تطلبوها إلى غير
~~أهلها، ولا تطلبوا ما لستم له بأهل فتكونوا للمنع خلقاء.
# قال شبيب بن شيبة: إني لأعرف أمرا لا يتلاقى به اثنان إلا وجب النجح
~~بينهما؛ فقال له خالد بن صفوان: ما هو؟ قال: العقل، فإن العاقل لا يسأل ما
~~لا يجوز ولا يرد عما يمكن، فقال له خالد: نعيت إلي نفسي! إنا أهل بيت لا
~~يموت منا أحد حتى يرى خلفه.
# أبو اليقظان قال: كان بنو ربيعة- وهم من بين عسل بن عمرو بن يربوع- يوصون
~~أولادهم فيقولون: استعينوا على الناس في حوائجكم بالتثقيل عليهم، فذاك أنجح
~~لكم.
# قال الشاعر: [مديد]
# هيبة الإخوان مقطعة ... لأخي الحاجات عن طلبه
# PageV03P135
# فإذا ما هبن ذا أمل ... مات ما أملت من سببه
# وقال أبو نواس: [طويل]
# وما طالب الحاجات ممن يرومها ... من الناس إلا المصبحون على رجل
# تأن مواعيد الكرام فربما ... أصبت من الإلحاح سمحا على بخل
# والبيت المشهور في هذا: [بسيط]
# إن الأمور إذا انسدت مسالكها ... فالصبر يفتح منها كل ما ارتتجا «1»
# أخلق بذي الصبر أن يحظي بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أن يلجا «2»
# لا تيأسن وإن طالت مطالبة ... إذا استعنن بصبر أن ترى فرجا
# وقال آخر: [بسيط]
# إني رأيت، وللأيام تجربة ... للصبر عاقبة محمودة الأثر
# وقل من جد في أمر يطالبه ... واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
# والعرب تقول: «رب عجلة تهب ريثا» . يريدون أن الرجل قد يخرق ويعجل في
~~حاجته فتتأخر أو تبطل بذلك. وتقول: «الرشف أنقع» . يريدون أن الشراب الذي
~~يترشف رويدا رويدا أقطع للعطش وإن طال على صاحبه.
# وقال عامر بن خالد بن جعفر ليزيد بن الصعق: [رجز]
# إنك إن كلفتني ما لم أطق ... ساءك ما سرك مني من خلق
# وكانوا يستنجحون حوائجهم بركعتين يقولون بعدهما: اللهم إني بك أستفتح،
~~وبك أستنجح، وبمحمد نبيك إليك أتوجه، اللهم ذل لي صعوبته،
# PageV03P136
# وسهل لي حزونته «1» ، وارزقني من الخير أكثر مما أرجو، واصرف عني من الشر
~~أكثر مما أخاف.
# وقال القطامي: [بسيط]
# قد يدرك المتأني بعض جاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل «2»
# عمرو بن بحر «3» عن إبراهيم بن السندي قال: قلت في أيام ولايتي الكوفة
~~لرجل من وجوهها، كان لا يجف لبده ولا يستريح قلمه ولا تسكن حركته في طلب
~~حوائج الرجال وإدخال المرافق على الضعفاء وكان رجلا مفوها، خبرني عن الشيء
~~الذي هون عليك النصب وقواك على التعب ما هو؟
# قال: قد والله سمعت تغريد الطير بالأسحار، في أفنان الأشجار؛ وسمعت خفق
~~أوطار العيدان، وترجيع أصوات القيان الحسان؛ ما طربت من صوت قط طربى من
~~ثناء حسن بلسان حسن على رجل قد أحسن، ومن شكر حر لمنعم حر، ومن شفاعة محتسب
~~لطالب شاكر. قال إبراهيم: فقلت: لله أبوك لقد حشيت كرما فزادك الله كرما،
~~فبأي شيء سهلت عليك المعاودة والطلب؟
# قال: لأني لا أبلغ المجهود ولا أسأل ما لا يجوز، وليس صدق العذر أكره إلي
~~من إنجاز الوعد، ولست لإكداء «4» السائل أكره مني للإجحاف «5» بالمسؤول،
~~ولا أرى الراغب أوجب علي حقا للذي قدم من حسن ظنه من المرغوب إليه الذي
~~احتمل من كله «6» . قال إبراهيم: ما سمعت كلاما قط أشد موافقة
# PageV03P137
# لموضعه ولا أليق بمكانه من هذا الكلام.
# وقال مصعب: [كامل]
# في القوم معتصم بقوة أمره ... ومقصر أودى به التقصير
# لا ترض منزلة الذليل ولا تقم ... في دار معجزة وأنت خبير
# وإذا هممت فأمض همك إنما ... طلب الحوائج كله تغرير «1»
# وكان يقال: إذا أحببت أن تطاع، فلا تسأل ما لا يستطاع.
# ويقال: الحوائج تطلب بالرجاء، وتدرك بالقضاء.
### | الاستنجاح بالرشوة والهدية
# حدثني زيد بن أخزم عن عبد الله بن داود قال: سمعت سفيان الثوري يقول: إذا
~~أردت أن تتزوج فأهد للأم. والعرب تقول: «من صانع «2» لم يحتشم من طلب
~~الحاجة» .
# قال ميمون بن ميمون: إذا كانت حاجتك إلى كاتب فليكن رسولك الطمع.
# وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: نعم الشيء الهدية أمام الحاجة.
# وقال رؤبة «3» : [رجز]
# لما رأيت الشفعاء بلدوا ... وسألوا أميرهم فأنكدوا «4»
# PageV03P138
# نامستهم برشوة فأقردوا ... وسهل الله بها ما شددوا «1»
# وقال آخر «2» : [طويل]
# وكنت إذا خاصمت خصما كببته ... على الوجه حتى خاصمتني الدراهم
# فلما تنازعنا الخصومة غلبت ... علي وقالوا قم فإنك ظالم
# والعرب تقول في مثل هذا المعنى: «من يخطب الحسناء يعط مهرا» يريدون من
~~طلب حاجة مهمة بذل فيها.
# وقال بعض المحدثين: [بسيط]
# ما من صديق وإن تمت صداقته ... يوما بأنجح في الحاجات من طبق «3»
# إذا تلثم بالمنديل منطلقا ... لم يخش نبوة بواب ولا غلق
# لا تكذبن فإن الناس مذ خلقوا ... لرغبة يكرمون الناس أو فرق «4»
# وقال آخر: [سريع]
# ما أرسل الأقوام في حاجة ... أمضى ولا أنجح من درهم
# يأتيك عفوا بالذي تشتهي ... نعم رسول الرجل المسلم
### | الاستنجاح بلطيف الكلام
# حدثني سهل بن محمد عن الأصمعي «5» : دخل أبو بكر الهجري على
# PageV03P139
# المنصور فقال: يا أمير المؤمنين نغض فمي «1» وأنتم أهل بيت بركة، فلو
~~أذنت لي فقبلت رأسك لعل الله يشدد لي منه! فقال أبو جعفر: اختر منها ومن
~~الجائزة؛ فقال: يا أمير المؤمنين، أهون علي من ذهاب درهم من الجائزة ألا
~~تبقى في فمي حاكة «2» .
# قال أبو حاتم: وحدثنا الأصمعي عن خلف قال: كنت أرى أنه ليس في الدنيا
~~رقية إلا رقية الحيات، فإذا رقية الخبز أسهل. يعني ما يتكلفه الناس من
~~الكلام لطلب الحيلة.
# قال رجل للفضل بن سهل يسأله: الأجل آفة الأمل، والمعروف ذخيرة الأبد،
~~والبر غنيمة الحازم، والتفريط مصيبة أخي القدرة؛ فأمر وهبا كاتبه أن يكتب
~~الكلمات. ورفع إليه رقعة فيها: يا حافظ من يضيع نفسه عنده، ويا ذاكر من
~~ينسى نصيبه منه، ليس كتابي إذا كتبت استبطاء، ولا إمساكي إذا أمسكت
~~استغناء؛ لكن كتابي إذا كتبت تذكرة لك، وإمساكي إذا أمسكت ثقة بك.
# وقال رجل لآخر: ما قصرت بي همة صيرتني إليك، ولا أخرني ارتياد دلني عليك،
~~ولا قعد بي رجاء حداني إلى بابك. وبحسب معتصم بك ظفر بفائدة وغنيمة، ولجء
~~إلى موئل وسند.
# دخل الهذيل بن زفر «3» على يزيد بن المهلب «4» في حمالات «5» لزمته،
# PageV03P140
# فقال له: قد عظم شأنك عن أن يستعان بك أو يستعان عليك، ولست تصنع شيئا من
~~المعروف إلا وأنت أكثر منه، وليس العجب أن تفعل، وإنما العجب من ألا تفعل.
# قال الحمدوني «1» في الحسين بن أيوب والي البصرة: [بسيط]
# قل لابن أيوب قد أصبحت مأمولا ... لا زال بابك مغشيا ومأهولا
# إن كنت في عطلة فالعذر متصل ... وصل إذا كنت بالسلطان موصولا
# شر الأخلاء من ولى قفاه إذا ... كان المولى وأعطى البشر معزولا
# من لم يسمن جوادا كان يركبه ... في الخصب قام به في الجدب مهزولا
# افرغ لحاجاتنا ما دمت مشغولا ... لو قد فرغت لقد ألفيت مبذولا
# وقال آخر: [طويل]
# ولا تعتذر بالشغل عنا فإنما ... تناط بك الآمال ما اتصل الشغل
# وأتى رجل بعض الولاة، وكان صديقه، فتشاغل عنه، فتراءى له يوما؛ فقال:
~~اعذرني فإني مشغول؛ فقال: لولا الشغل ما أتيتك.
# وكتب رجل إلى صديق له: قد عرضت قبلك حاجة، فإن نجحت بك فالفاني منها حظي
~~والباقي حظك، وإن تعتذر فالخير مظنون بك والعذر مقدم لك.
# وفي فصل آخر: قد عذرك الشغل في إغفال الحاجة وعذرني في إنكارك.
# PageV03P141
# وفي فصل آخر: قد كان يجب ألا أشكو حالي مع علمك بها، ولا أقتضيك عمارتها
~~بأكثر من قدرتك عليها؛ فلربما نيل الغنى على يدي من هو دونك بأدنى من
~~حرمتي. وما أستصغر ما كان منك إلا عنك، ولا أستقله إلا لك.
# وقال آخر: إن رأيت أن تصفد يدا «1» بصنيعة باق ذكرها جميل في الدهر
~~أثرها، تغتنم غرة الزمان «2» فيها وتبادر فوت الإمكان بها، فافعل.
# قدم على زياد «3» نفر من الأعراب فقام خطيبهم فقال: أصلح الله الأمير!
~~نحن، وإن كانت نزعت بنا أنفسنا إليك وأنضينا «4» ركائبنا نحوك التماسا لفضل
~~عطائك، عالمون بأنه لا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع؛ وإنما أنت
~~ايها الأمير خازن ونحن رائدون، فإن أذن لك فأعطيت حمدنا الله وشكرناك، وإن
~~لم يؤذن لك فمنعت حمدنا الله وعذرناك، ثم جلس؛ فقال زياد لجلسائه:
# تالله ما رأيت كلاما أبلغ ولا أوجز ولا أنفع عاجلة منه، ثم أمر لهم بما
~~يصلحهم.
# دخل العتابي على المأمون، فقال له المأمون: خبرت بوفاتك فغمتني، ثم
~~جاءتني وفادتك فسرتني؛ فقال العتابي: لو قسمت هذه الكلمات على أهل الأرض
~~لوسعتهم؛ وذلك أنه لا دين إلا بك ولا دنيا إلا معك؛ قال: سلني، قال: يداك
~~بالعطية أطلق من لساني.
# PageV03P142
# قال نصيب «1» لعمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين، كبرت سني ورق عظمي،
~~وبليت ببنيات نفضت عليهن من لوني فكسدن علي؛ فرق له عمر ووصله.
# سأل رجل أسد بن عبد الله فاعتل عليه؛ فقال: إني سألت الأمر من غير حاجة؛
~~قال: وما حملك على ذلك؟ قال: رأيتك تحب من لك عنده حسن بلاء، فأحببت أن
~~أتعلق منك بحبل مودة.
# لزم بعض الحكماء باب بعض ملوك العجم دهرا فلم يصل إليه، فتلطف للحاجب في
~~إيصال رقعة ففعل، وكان فيها أربعة أسطر:
# السطر الأول الأمل والضرورة أقدماني عليك.
# والسطر الثاني والعدم لا يكون معه صبر على المطالبة.
# والسطر الثالث الانصراف بلا فائدة شماتة للأعداء.
# والسطر الرابع فإما نعم مثمرة، وإما لا مريحة. فلما قرأها وقع في كل سطر:
~~زه «2» ؛ فأعطي ستة عشر ألف مثقال فضة.
# دخل محمد بن واسع «3» على قتيبة بن مسلم «4» ، فقال له: أتيتك في حاجة
~~رفعتها إلى الله قبلك، فإن تقضها حمدنا الله وشكرناك، وإن لم تقضها حمدنا
~~الله وعذرناك؛ فأمر له بحاجته. وقال له أيضا في حاجة أخرى: إني
# PageV03P143
# أتيتك في حاجة، فإن شئت قضيتها وكنا جميعا كريمين، وإن شئت منعتها وكنا
~~جميعا لئيمين.
# أتى رجل خالد بن عبد الله في حاجة، فقال له: أتكلم بجرأة اليأس أم بهيبة
~~الأمل؟ قال: بل بهيبة الأمل؛ فسأله حاجته فقضاها.
# وقال أبو سماك لرجل: لم أصن وجهي عن الطلب إليك، فصن وجهك عن ردي، وضعني
~~من كرمك بحيث وضعت نفسي من رجائك.
# قال المنصور لرجل: ما بالك؟ قال: ما يكف وجهي ويعجز عن بر الصديق فقال:
~~لقد تلطفت للسؤال، ووصله.
# وقال المنصور لرجل أحمد منه أمرا: سل حاجتك فقال: يبقيك الله يا أمير
~~المؤمنين؛ قال: سل، فليس يمكنك ذلك في كل وقت؛ فقال: ولم يا أمير المؤمنين!
~~فوالله لا أستقصر عمرك ولا أرهب بخلك ولا أغتنم ما لك وإن سؤالك لزين، وإن
~~عطاءك لشرف، وما على أحد بذل وجهه إليك نقص ولا شين، فأمر حتى مليء فوه
~~درا.
# قال أبو العباس لأبي دلامة: سل حاجتك. قال: كلب؛ قال: لك كلب. قال: ودابة
~~أتصيد عليها؛ قال: ودابة. قال: وغلام يركب الدابة ويصيد؛ قا: وغلام. قال:
~~وجارية تصلح لنا الصيد وتطعمنا منه؛ قال:
# وجارية. قال: يا أمير المؤمنين، هؤلاء عيال ولا بد من دار؛ قال: ودار.
~~قال:
# ولا بد من ضيعة لهؤلاء؛ قال: قد أقطعتك مائة جريب عامرة ومائة جريب
~~غامرة. قال: وأي شيء الغامرة؟ قال: ليس فيها نبات. قال: فأنا أقطعك ألفا
~~وخمسمائة جريب من فيافى بني أسد؛ قال: قد جعلتها كلها لك عامرة. قال:
# أقبل يدك؛ قال: أما هذه فدعها. قال: ما منعت عيالي شيئا أهون عليهم فقدا
~~منها.
# PageV03P144
# قال عبد الملك لرجل: ما لي أراك واجما «1» لا تنطق؟ قال: أشكو إليك ثقل
~~الشرف؛ قال: أعينوه على حمله.
# رأى زياد على مائدته رجلا قبيح الوجه كثير الأكل، فقال له: كم عيالك؟
~~قال: تسع بنات؛ قال: أين هن منك؟ قال: أنا أجمل منهن وهن آكل مني؛ قال: ما
~~أحسن ما تلطفت في السؤال وفرض له وأعطاه.
# وقفت عجوز على قيس بن سعد فقال: أشكو إليك قلة الجرذان؛ قال:
# ما أحسن هذه الكناية! املؤا بيتها خبزا ولحما وسمنا وتمرا.
# وقال بعض القصاص في قصصه: اللهم أقل صبياننا وأكثر جرذاننا.
# كان سليمان بن عبد الملك يأخذ الولي بالولي والجار بالجار؛ فدخل عليه رجل
~~وعلى رأسه وصيفة روقة «2» ، فنظر إليها: فقال سليمان: أأعجبتك؟
# قال: بارك الله لأمير المؤمنين فيها! قال: هات سبعة أمثال في الاست
~~وخذها؛ فقال: «صر عليه الغزو استه» «3» . قال: واحد. قال: «است البائن
~~أعلم» «4» ؛ قال اثنان. قال: «است لم تعود المجمر تحترق» «5» ؛ قال: ثلاثة.
# PageV03P145
# قال: الحر يعطي والعبد يبجع باسته» «1» ؛ قال: أربعة. قال: «استي أخبثى»
~~«2» » ! قال: خمسة. قال: «عاد سلاها في استها» «3» ؛ قال: ستة. قال:
# «لا ماءك أبقيت ولا حرك أنقيت» «4» ؛ قال: ليس هذا من ذاك؛ قال: أخذت
~~الجار بالجار كما يفعل أمير المؤمنين! قال: خذها.
# قال يزيد بن المهلب لسليمان في حمالة «5» كلمه فيها: يا أمير المؤمنين،
~~والله لحمدها خير منها، ولذكرها أحسن من جمعها، ويدي مبسوطة بيدك فابسطها
~~لسؤالها.
# قطع عبد الملك بن مروان عن آل أبي سفيان أشياء كان يجريها عليهم، لتباعد
~~كان بينه وبين خالد بن يزيد بن معاوية؛ فدخل عليه عمرو بن عتبة فقال: يا
~~أمير المؤمنين، أدنى حقك متعب وتقصيه فادح، ولنا مع حقك علينا حق عليك،
~~لقرابتنا منك وإكرام سلفنا لك؛ فانظر إلينا بالعين التي نظروا بها إليك،
~~وضعنا بحيث وضعتنا الرحم منك، وزدنا بقدر ما زادك الله؛ فقال:
# أفعل، وإنما يستحق عطيتي من استعطاها، فأما من ظن أنه يستغني بنفسه
~~فسنكله إليها «6» ، يعرض بخالد؛ فبلغ ذلك خالدا، فقال: أما عمرو فقد أعطى
# PageV03P146
# من نفسه أكثر مما أخذ، أو بالحرمان يتهددني! يد الله فوق يده مانعة،
~~وعطاؤه دونه مبذول.
# أتى رجل يزيد بن أبي مسلم برقعة يسأله أن يرفعها إلى الحجاج؛ فنظر فيها
~~يزيد فقال: ليست هذه من الحوائج التي ترفع إلى الأمير؛ فقال له الرجل: فإني
~~أسألك أن ترفعها، فلعلها توافق قدرا فيقضيها وهو كاره؛ فأدخلها وأخبره
~~بمقالة الرجل؛ فنظر الحجاج في الرقعة، وقال ليزيد: قل للرجل: إنها وافقت
~~قدرا وقد قضيناها ونحن كارهون.
# دخل بعض الشعراء «1» على بشر بن مروان فأنشده: [كامل]
# أغفيت عند الصبح نوم مسهد ... في ساعة ما كنت قبل أنامها
# فرأيت أنك رعتني بوليدة ... مغنوجة حسن علي قيامها
# وببدرة حملت إلي وبغلة ... دهماء مشرفة يصل لجامها «2»
# فدعوت ربي أن يثيبك جنة ... عوضا يصيبك بردها وسلامها
# فقال له بشر: في كل شيء أصبت إلا في البغلة فإني لا أملك إلا شهباء «3» :
~~فقال: إني والله ما رأيت إلا شهباء.
# قال رجل لمعاوية: أقطعني البحرين، قال: إني لا أصل إلى ذلك.
# قال: فاستعملني على البصرة؛ قال: ما أريد عزل عاملها. قال: تأمر لي
~~بألفين؛ قال: ذاك لك. فقيل له: ويحك! أرضيت بعد الأوليين بهذا! قال:
# اسكتوا لولا الأوليان ما أعطيت هذه.
# جاء أعرابي إلى بعض الكتاب فسأله. فأمر الكاتب غلامه بيمينه أن
# PageV03P147
# يعطيه عشرة دراهم وقميصا من قمصه؛ فقال لأعرابي: [خفيف]
# حول العقد بالشمال أبا الأص ... بغ واضمم إلى القميص قميصا
# إن عقد اليمين يقصر عني ... وأرى في قميصكم تقليصا
# يقول: حول عقد اليمين وهو عشرة إلى عقد الشمال وهو مائة «1» .
# سأل أعرابي فقال في مسألته: لقد جعت حتى أكلت النوى المحرق ولقد مشيت حتى
~~انتعلت الدم وحتى سقط من رجلي بتخص «2» لحم وحتى تمنيت أن وجهي حذاء لقدمي،
~~فهل من أخ يرحمنا؟.
# وسأل آخر قوما فقال: رحم الله امرأ لم تمجج أذناه كلامي، وقدم لنفسه
~~معاذا من سوء مقامي، فإن البلاد مجدبة، والحال مصعبة، والحياء زاجر يمنع من
~~كلامكم، والعدم عاذر يدعو إلى إخباركم، والدعاء أحد الصدقتين فرحم الله
~~امرأ أمر بمير «3» ، ودعا بخير، فقال له رجل من القوم: ممن الرجل؟
# فقال: اللهم غفرا ممن لا تضرك جهالته، ولا تنفعك معرفته؛ ذل الإكتساب،
~~يمنع من عز الانتساب.
# سأل أعرابي رجلا فحرمه؛ فقال: علام تحرمني! فو الله ما زلت قبلة لأملي لا
~~تلقتني عنك المطامع، فإن قلت: قد أحسنت بدءا، فما ينكر لمثلك أن يحسن
~~عودا!.
# PageV03P148
# قال ابن أبي عتيق «1» : دخلت على أشعب وعنده متاع حسن وأثاث، فقلت له:
~~ويحك! أما تستحي أن تسأل وعندك ما أرى! فقال: يا فديتك! معي والله من لطيف
~~السؤال ما لا تطيب نفسي بتركه.
# قال الصلتان العبدي «2» : [متقارب]
# نروح ونغدو لحاجاتنا ... وحاجة من عاش لا ننقضي
# تموت مع المرء حاجاته ... وتبقى له حاجة ما بقي
# إذا ليلة هرمت يومها ... أتى بعد ذلك يوم فتي
# وقال آخر: [بسيط]
# وحاجة دون أخرى قد سنحت بها ... جعلتها للتي أخفيت عنوانا «3»
# كتب دعبل إلى بعض الأمراء: [منسرح]
# جئتك مستشفعا بلا سبب ... إليك إلا بحرمة الأدب
# فاقض ذمامي فإنني رجل ... غير ملح عليك في الطلب
### | من يعتمد في الحاجة ويستسعى فيها
# روى هشيم عن عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عبد الرحمن عن أبي مصعب قال:
~~قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اطلبوا الحوائح إلى حسان الوجوه» .
# PageV03P149
# وفي حديث آخر: «اعتمد لحوائجك الصباح الوجوه، فإن حسن الصورة أول نعمة
~~تتلقاك من الرجل» .
# قالت امرأة من ولد حسان بن ثابت: [طويل]
# سل الخير أهل الخير قدما ولا تسل ... فتى ذاق طعم العيش منذ قريب «1»
# ومن المشهور قول بعض المحدثني: [خفيف]
# حسن ظن إليك أكرمك الل ... ه دعاني فلا عدمت الصلاحا
# ودعاني إليك قول رسول الل ... ه إذا قال مفصحا إفصاحا
# إن أردتم حوائجا عند قوم ... فتنقوا لها الوجوه الصباحا «2»
# وقال آخر: [كامل]
# إنا سألنا قومنا فخيارهم ... من كان أفضلهم أبوه الأول
# أعطى الذي أعطى أبوه قبله ... وتبخلت أبناء من يتبخل
# وقال خالد بن صفوان: فوت الحاجة خير من طلبها إلى غير أهلها، وأشد من
~~المصيبة سوء الخلف «3» منها.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: مسلم بن قتيبة: لا تطلبن حاجتك إلى كذاب
~~فإنه يقربها وهي بعيد ويبعدها وهي قريب»
# ، ولا إلى أحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، ولا إلى رجل له عند من تسأله
~~الحاجة مأكلة «5» ، فإنه لا يؤثرك على نفسه.
# PageV03P150
# أنشدنا الرياشي لأبي عون: [وافر]
# ولست بسائل الأعراب شيئا ... حمدت الله إذ لم يأكلوني
# وقال ميمون بن ميمون: لا تطلبن إلى لئيم حاجة، فإن طلبت فأجله حتى يروض
~~نفسه.
# هارون بن معروف عن ضمرة عن عثمان بن عطاء، قال: عطاء الحوائج عند الشباب
~~أسهل منها عند الشيوخ؛ ثم قرأ قول يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله
~~لكم
# «1» وقول يعقوب: سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم
# «2» .
# وقال بشار: [متقارب]
# إذا أيقظتك حروب العدا ... فنبه لها عمرا ثم نم
# فتى لا يبيت على دمنة ... ولا يشرب الماء إلا بدم «3»
# يلذ العطاء وسفك الدماء ... فيغدو على نعم أو نقم
# وقال أبو عباد الكاتب: لا تنزل مهم حوائجك بالجيد اللسان، ولا المتسرع
~~إلى الضمان، فإن العجز مقصور على المتسرع؛ ومن وعد ما يعجز عنه فقد ظلم
~~نفسه وأساء إلى غيره؛ ومن وثق بجودة لسانه ظن أن في فصل بيانه ما ينوب عن
~~عذره وأن وعده يقوم مقام إنجازه. وقال أيضا: عليك بذي الحصر البكي «4» ،
~~وبذي الخيم «5» الرضي، فإن مثقالا من شدة الحياء والعي،
# PageV03P151
# أنفع في الحاجة من قنطار من لسان سليط ذكي، وعليك بالشهم الندب «1» الذي
~~إن عجز أيأسك، وإن قدر أطعمك.
# قال بعض الشعراء: [كامل]
# لا تطلبن إلى لئيم حاجة ... واقعد فإنك قائما كالقاعد
# يا خادع البخلاء عن أموالهم ... هيهات! تضرب في حديد بارد
# وقال آخر: [طويل]
# إذا الشافع استقصى لك الجهد كله ... وإن لم تنل نجحا فقد وجب الشكر
# وقال آخر «2» : [كامل]
# وإذا امرؤ أسدى إليك صنيعة ... من جاهه فكأنها من ماله «3»
# ذكر أعرابي رجلا، فقال: كان والله إذا نزلت به الحوائج قام إليها ثم قام
~~بها، ولم تقعد به علات النفوس «4» .
# قال الشاعر: [بسيط]
# ما إن مدحتك إلا قلت تخدعني ... ولا استنتك إلا قلت مشغول
# ابن عائشة «5» قال: كان شبيب بن شيبة رجلا شريفا يفزع إليه أهل البصرة في
~~حوائجهم، فكان إذا أراد الركوب تناول من الطعام شيئا ثم ركب؛ فقيل له. إنك
~~تباكر الغداء! فقال: أجل! أطفىء به فورة جوعي، وأقطع به
# PageV03P152
# خلوف «1» فمي، وأبلع به قضاء حوائجي، فخذ من الطعام ما يذهب عنك النهم؛
~~ويداوي من الخوى «2» .
# قال بعض المحدثين: [طويل]
# لعمرك ما أخلقت وجها بذلته ... إليك ولا عرضته للمعاير «3»
# فتى وفرت أيدي المحامد عرضه ... وخلت لديه ماله غير وافر
# وقال آخر: [طويل]
# أتيتك لا أدلي بقربى ولا يد ... إليك سوى أني بجودك واثق
# فإن تولني عرفا أكن لك شاكرا ... وإن قلت لي عذرا أقل أنت صادق «4»
# وقال رجل لآخر في كلامه: أيدينا ممدودة إليك بالرغبة، وأعناقنا خاضعة لك
~~بالذلة، وأبصارنا شاخصة إليك بالشكر؛ فافعل في أمورنا حسب أملنا فيك،
~~والسلامه.
### | الإجابة إلى الحاجة والرد عنها
# قال رجل للعباس بن محمد: إني أتيتك في حاجة صغيرة؛ قال: اطلب لها رجلا
~~صغيرا. وهذا خلاف قول علي بن عبد الله بن العباس لرجل قال له: إني أتيتك في
~~حاجة صغيرة، فقال له علي بن عبد الله: هاتها، إن الرجل لا يصغر عن كبير
~~أخيه ولا يكبر عن صغيره.
# PageV03P153
# قال رجل للأحنف «1» : أتيتك في حاجة لا تنكيك ولا ترزؤك «2» ، قال:
# إذا لا تقضى! أمثلي يؤتى في حاجة لا تنكي ولا ترزأ!.
# جاء قوم إلى رجل يكلمونه في حاجة لهم ومعهم رقبة، فقال لرقبة:
# تضمنونها؟ فقال له رقبة: جئناك نطلب منك فضل التوسع «3» فأدخلت علينا هم
~~الضمان.
# أتى عمرو بن عبيد حفص بن سالم، فلم يسأله أحد من حشمه شيئا إلا قال: لا؛
~~فقال عمرو: أقل من قول: «لا» فإن لا ليست في الجنة.
# كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سئل ما يجد أعطى، وإذا سئل ما لا
~~يجد قال:
# «يصنع الله» .
# قال عمر بن أبي ربيعة: [خفيف]
# إن لي حاجة إليك فقالت ... بين أذني وعاتقي ما تريد
# أي قد تضمنته لك فهو في عنقي.
# سأل رجل قوما؛ فقال له رجل منهم: اللهم هذا سائلنا ونحن سؤالك، وأنت
~~بالمغفرة أجود منا بالعطاء: ثم أعطاه.
# سأل رجل رجلا حاجة؛ فقال: اذهب بسلام؛ قال السائل: أنصفنا من ردنا في
~~حوائجنا إلى الله عز وجل.
# قال رجل لثمامة: إن لي إليك حاجة؛ قال ثمامة: ولي إليك حاجة؛
# PageV03P154
# قال: وما هي؟ قال: لا أذكرها حتى تتضمن قضائها؛ قال: قد فعلت؛ قال:
# حاجتي ألا تسألني هذه الحاجة؛ قال: رجعت عما أعطيتك؛ قال ثمامة «1» :
~~لكني لا أرد ما أخذت.
# قال الجاحظ: تمشى قوم إلى الأصمعي مع رجل اشترى منه ثمرة نخله، فناله
~~فيها خسران وسألوه حسن النظر له؛ فقال الأصمعي: أسمعتم بالقسمة الضيزى «2»
~~! هي ما تريدون شيخكم عليه، اشترى مني على أن يكون الخسران علي والربح له!
~~اذهبوا فاشتروا لي طعام السواد «3» على هذا الوجه والشرط. ثم قال: هاهنا
~~واحدة هي لكن دوني، ولا بد من الاحتمال لكن إذا لم تحتملوا لي، هذا ما
~~مشيتم معه إلا وأنتم توجبون حقه وتحبون رفده، ولو كنت أوجب له مثل الذي
~~توجبون لقد كنت أغنيته عنكم، ولكن لا أعرفه ولا يضرنني بحق؛ فهلم فلنتوزع
~~هذا الخسران بيننا بالسوء؛ فقاموا ولم يعدوا، وأيس التاجر فخرج له من حقه.
# قال يزيد بن عمير الأسيدي لبنيه: يا بني، تعلموا الرد فإنه أشد من
~~الإعطاء، ولأن يعلم بنو تميم أن عند أحدكم مائة ألف درهم أعظم له في أعينهم
~~من أن يقسمها فيهم، ولأن يقال لأحدكم: بخيل وهو غني خير له من أن يقال: سخي
~~وهو فقير.
# PageV03P155
# وقال إسحاق بن إبراهيم «1» : [كامل]
# النصر يقرئك السلام وإنما ... أهدى السلام تعرضا للمطمع
# فاقطع لبانته بيأس عاجل ... وأرح فؤادك من تقاضي الأضلع «2»
# ذكر ثمامة محمد بن الجهم فقال: لم يطمع أحدا قط في ماله إلا ليشغله
~~بالطمع فيه عن غيره، ولا شفع لصديق ولا تكلم في حاجة متحرم به، إلا ليلقن
~~المسؤول حجة منع، وليفتح على السائل باب حرمان.
# كتب سهل بن هارون «3» إلى موسى بن عمران: [كامل]
# إن الضمير إذا سألتك حاجة ... لأبي الهذيل خلاف ما أبدي «4»
# فامنعه روح اليأس ثم امدد له ... حبل الرجاء لمخلف الوعد
# وألن له كنفا ليحسن ظنه ... في غير منفعة ولا رفد
# حتى إذا طالت شقاوة جده ... وعناؤه فاجبهه بالرد «5»
# قيل لحبي المدينية: ما الجرج الذي لا يندمل؟ قالت: حاجة الكريم إلى
~~اللئيم ثم يرده. قيل لها: فما الذل؟ قالت: وقوف الشريف بباب الدنيء ثم لا
~~يؤذن له. قيل: فما الشرف؟ قالت: اعتقاذ المنن في رقاب الرجال.
# قال معن بن زائدة «6» : ما سألني قط أحد حاجة فرددته إلا رأيت الغنى
# PageV03P156
# في قفاه.
# روى علي بن مسهر عن هشام عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
~~أعلمتم أن الطمع فقر، وأن اليأس غنى، وأن المرء إذا يئس من شيء استغنى عنه.
# وقال آخر في كلام له: كل ممنوع مستغنى عنه بغيره، وكل مانع ما عنده ففي
~~الأرض غنى عنه.
# وقد قيل: أرخص ما يكون الشيء عند غلائه.
# وقال بشار: والدر يترك من غلائه.
# قال شريح «1» : من سأل حاجة فقد عرض نفسه على الرق، فإن قضاها المسؤول
~~استعبده بها، وإن رده عنها رجع حرا وهما ذليلان: هذا بذل البخل، وهذا بذل
~~الرد.
# وقال بعضهم: من سألك لم يكرم وجهه عن مسألتك، فأكرم وجهك عن رده.
# وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يرد ذا حاجة إلا بها أو بميسور من
~~القول» .
# وقال أسماء بن خارجة: ما أحب أن أرد أحدا عن حاجة؛ فإنه لا يخلوا من أن
~~يكون كريما فأصونه، أو لئيما فأصون منه نفسي.
# وقال أعرابي سأل حاجة فرد عنها: [بسيط]
# ما يمنع الناس شيئا كنت أطلبه ... إلا أرى الله يكفي فقد ما منعوا
# PageV03P157
# أتى رجل الحسن بن علي رضي الله عنهما يسأله؛ فقال الحسن: إن المسألة لا
~~تصلح إلا في غرم فادح أو فقر مدقع أو حمالة مفظعة؛ فقال الرجل: ما جئت إلا
~~في إحداهن، فأمر له بمائة دينار، ثم أتى الرجل الحسين ابن علي رضي الله
~~عنهما فسأله، فقال له مثل مقالة أخيه، فرد عليه كما رد على الحسن؛ فقال: كم
~~أعطاك؟ قال مائة دينار، فنقصه دينارا. كره أن يساوي أخاه. ثم أتى الرجل عبد
~~الله بن عمر رضي الله عنهما فسأله فأعطاه سبعة دنانير ولم يسأله عن شيء؛
~~فقال الرجل له: إني أتيت الحسن والحسين، واقتص كلامهما عليه وفعلهما به؛
~~فقال عبد الله: ويحك! وأني تجعلني مثلهما! إنهما غرا العلم غرا المال «1» .
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: جاء شيخ من بني عقيل إلى عمر ابن هبيرة،
~~فمت بقرابة وسأله فلم يعطه شيئا؛ فعاد إليه بعد أيام فقال: أنا العقيلي
~~الذي سألك منذ أيام؛ فقال عمر: وأنا الفزاري الذي منعك منذ أيام؛ فقال:
~~معذرة إلى الله! إني سألتك وأنا أظنك يزيد بن هبيرة المحاربي؛ فقال:
# ذاك الأم لك، وأهون بك علي، نشأ في قومك مثلي ولم تعلم به، ومات مثل يزيد
~~ولا تعلم به! يا حرسي اسفع «2» بيده.
# أتى عبد الله بن الزبير أعرابي «3» يسأله، فشكا إليه نقب»
# ناقته واستحمله «5» ؛ فقال له ابن الزبير: ارقعها بسبت «6» واخصفها بهلب
~~«7» وافعل
# PageV03P158
# وافعل ... ؛ فقال الأعرابي: إني أتيتك مستوصلا «1» ولم آتك مستوصفا، فلا
~~حملت ناقة حملتني إليك! فقال: إن «2» وصاحبها.
# والعرب تقول لمن جاء خائبا ولم يظفر بحاجته: «جاء على غيراء الظهر» «3» .
# وتقول هي والعوام: «جاء بخفى حنين» و «جاء على حاجبه صوفه» .
# وقال أبو عطاء السندي «4» في عمر بن هبيرة: [وافر]
# ثلاث حكتهن لقرم قيس ... طلبت بها الأخوة والثناء «5»
# رجعن على حواجبهن صوف ... فعند الله أحتسب الجزاء
# والأصل في قولهم: «جاء بخقى حنين» أن إسكافا من أهل الحيرة ساومه أعرابي
~~بخفين، فاختلفا حتى أغضبه، فازداد غيظ الأعرابي؛ فلما ارتحل أخذ حنين أحد
~~خفيه فألقاه على طريقه ثم ألقى الآخر في موضع آخر؛ فلما مر الأعرابي
~~بأحدهما قال: ما أشبه هذا بخف حنين! ولو كان معه الآخر لأخذته، ومضى؛ فلما
~~انتهى إلى الآخر ندم على تركه الأول، وأناح راحلته فأخذه ورجع إلى الأول،
~~وقد كمن له حنين فعمد إلى راحلته وما عليها فذهب به؛ وأقبل الأعرابي ليس
~~معه غير الخفين؛ فقال له قومه: ما الذي أتيت به؟
# قال: بخفي حنين.
# قالوا: فإن جاء وقد قضيت حاجته قيل: «جاء ثانيا من عنانه» . فإن جاء
# PageV03P159
# ولما تقض حاجته وقد أصيب ببعض ما معه، قالوا: «ذهب يبتغى قرنا فلم يرجع
~~بأذنين» . يقول بشار: [سريع]
# فكنت كالعير غدا يبتغي ... قرنا فلم يرجع بأذنين «1»
# سأل أعرابي قوما، فقيل له: بورك فيك! فقال: وكلكم الله إلى دعوة لا
~~تحضرها نية.
# أرسل الوليد خيلا في حلبة، فأرسل أعرابي فرسا له فسبقت الخيل؛ فقال له
~~الوليد: احملني عليها؛ فقال: إن لها حرمة، ولكني أحمل على مهر لها سبق
~~الخيل عام أول وهو ريض «2» .
# وتقول العرب فيمن يشغله شأنه عن الحاجة يسألها: «شغل الحلى أهله أن
~~يعارا» بنحصب الحلى، ويعار: من العارية. فأما قولهم: «أحق الخيل بالركض
~~المعار» . فإن المعار «3» : المنتوف الذنب وهو المهلوب؛ يريدون أنه أخف من
~~الذيال الذنب «4» ، يقال: أعرت الفرس إذا نتفته.
# وتقول العرب لمن سئل وهو لا يقدر فرد: «بيتي يبخل لا أنا» ؛ يريدون أنه
~~ليس عنده ما يعطي.
# ووعد رجل رجلا فلم يقدر على الوفاء بما وعده؛ فقال له: كذبتني؛ قال: لا،
~~ولكن كذبك مالي.
# وتقول العرب فيمن اعتذر بالمنع بالعدم وعنده ما سئل: «أبى الحقين
# PageV03P160
# العذرة» «1» . قال أبو زيد: وأصله أن رجلا ضاف قوما فاستسقاهم لبنا،
~~وعندهم لبن قد حقنوه في وطب «2» ، فاعتذروا أنه لا لبن عندهم؛ فقال: أبى
~~الحقين العذرة. ويقال: العذرة طرف البخل» .
# وقال الطائي يذكر المطل «3» : [وافر]
# وكان المطل في بدء وعود ... دخانا للصنيعة وهي نار
# نسيب البخل مذ كانا وإن لم ... يكن نسب فبينهما جوار
# لذلك قيل بعض المنع أدنى ... إلى جود وبعض الجود عار
# قال إسماعيل القراطيسي «4» في الفضل بن الربيع: [هزج]
# لئن أخطأت في مدح ... ك ما أخطأت في منعي
# لقد أحللت حاجاتي ... بواد غير ذي زرع
# غزا المنذر بن الزبير في البحر ومعه ثلاثون رجلا من بني أسد بن عبد
~~العزى؛ فقال له حكيم بن حزام «5» : يا بن أخي، إني قد جعلت طائفة من مالي
~~لله عز وجل، وإني قد صنعت أمرا ودعوتكم له، فأقسمت عليك لا يرده علي أحد
~~منكم؛ فقال المنذر: لاها الله إذا «6» ، بل نأخذ ما تعطي، فإن نحتج إليه
# PageV03P161
# نستعن به ولا نكره أن يأجرك الله، وإن نستغن عنه نعطه من يأجرنا الله فيه
~~كما أجرك.
# سأل أعرابي رجلا يقال له: الغمر فأعطاه درهمين، فردهما وقال:
# [طويل]
# جعلت لغمر درهميه ولم يكن ... ليغني عني فاقتي درهما غمر «1»
# وقلت لغمر خذهما فاصطرفهما ... سريعين في نقض المروءة والأجر
# أتمنع سؤال العشيرة بعد ما ... تسميت غمرا واكتنيت أبا بحر «2»
# اختلف أبو العتاهية إلى الفضل بن الربيع في حاجة له زمانا فلم يقضها له،
~~فكتب: [منسرح]
# أكل طول الزمان أنت إذا ... جئتك في حاجة تقول غدا!
# لا جعل الله لي إليك ولا ... عندك ما عشت حاجة أبدا!
# وقال آخر: [بسيط]
# إن كنت لم تنو فيما قلت لي صلة ... فما انتفاعك من حبسي وترديدي
# فالمنع أجمله ما كان أعجله ... والمطل من غير عسر آفة الجود
# وقال آخر: [طويل]
# بسطت لساني ثم أوثقت نصفه ... فنصف لساني في امتداحك مطلق
# PageV03P162
# فإن أنت لم تنجز عداتي تركتني ... وباقي لسان الشكر باليأس موثق «1»
# وقال آخر: [خفيف]
# يا جواد اللسان من غير فعل ... ليت جود اللسان في راحتيكا
### | المواعيد وتنجزها
# ذكر جبار بن سلمى عامر بن الطفيل «2» فقال: كان والله إذا وعد الخير وفى،
~~وإذا أوعد بالشر أخلف وعفا.
# وأنشد أبو عمرو بن العلاء في مثل هذا المعنى: [طويل]
# ولا يرهب ابن العم ما عشت صولتي ... ويأمن مني صولة المتهدد
# وإني إن أوعدته أو وعدته ... ليكذب إيعادي ويصدق موعدي «3»
# وكان يقال: وعد الكريم نقد، ووعد اللئيم تسويف «4» .
# وقال عبد الصمد بن الفضل الرقاشي (أبو الفضل والعباس الرقاشيين
~~البغداديين) لخالد بن ديسم عامل الري: [طويل]
# أخالد إن الري قد أجحفت بنا ... وضاق علينا رحبها ومعاشها
# وقد أطعمتنا منك يوما سحابة ... أضاء لنا برق وكف رشاشخا «5»
# فلا غيمها يصحو فيؤيس طامع ... ولا ماؤها يأتي فتروى عطاشها
# PageV03P163
# وقال رجل في الحجاج: [طويل]
# كأن فؤادي بين أظفار طائر ... من الخوف في جو السماء محلق
# حذار امرىء قد كنت أعلم أنه ... متى ما يعد من نفسه الشر يصدق
# قال عمر بن الحارث: كنت متى شئت أجد من يعد وينجز، فقد أعياني من يعد ولا
~~ينجز. قال: وكانوا يفعلون ولا يقولون، فقد صاروا يقولون ويفعلون، ثم صاروا
~~يقولون ولا يفعلون، ثم صاروا لا يقولون ولا يفعلون.
# قال بشار: [بسيط]
# وعدتني ثم لم توفي بموعدتي ... فكنت كالمزن لم يمطر وقد رعدا
# هذا مثل قول العرب لمن يعد ولا يفي: «برق خلب» «1» .
# وقال آخر: [مجزوء الرمل]
# قد بلوناك بحمد الل ... ه إن أغنى البلاء
# فإذا جل مواعي ... دك والجحد سواء
# وقال آخر: [طويل]
# لها كل عام موعد غير ناجز ... ووقت إذا ما رأس حول تجرما «2»
# فإن أوعدت شرا أتى دون وقته ... وإن وعدت خيرا أراث وأعتما «3»
# وعد عبد الله بن عمر رجلا من قريش أن يزوجه ابنته؛ فلما كان عند موته
~~أرسل إليه فزوجه إياها، وقال كرهت أن ألقى الله عز وجل بثلث اتفاق.
# وقال الطائي: [بسيط]
# PageV03P164
# تقول قول الذي ليس الوفاء له ... خلقا وتنجز إنجاز الذي حلفا
# وأثنى الله تبارك وتعالى على نبيه إسماعيل صلى الله عليه وسلم فقال: إنه
~~كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا
# «1» .
# وقال بشار يمدح: [متقارب]
# إذا قال تم على قوله ... ومات العناء بلا أو نعم
# وبعض الرجال بموعوده ... قريب وبالفعل تحت الرجم «2»
# كجاري السراب ترى لمعه ... ولست بواجده عندكم «3»
# وقال العباس بن الأحنف: [كامل]
# ما ضر من قطع الرجاء ببخله ... لو كان عللني بوعد كاذب
# وقال آخر: [طويل]
# عسى منك خير من نعم ألف مرة ... من آخر غال الصدق منه غوائله
# وقال نصيب: [وافر]
# يقول فيحسن القول ابن ليلى ... ويفعل فوق أحسن ما يقول
# وقال زياد الأعجم»
# : [مجزوء الكامل]
# لله درك من فتى ... لو كنت تفعل ما تقول
# لا خير في كذب الجوا ... د وحبذا صدق البخيل
# PageV03P165
# والعرب تضرب المثل في الخلف بعرقوب. قال ابن الكلبي «1» عن أبيه:
# كان عرقوب رجلا من العماليق؛ فأتاه أخ له فسأله شيئا؛ فقال له عرقوب: إذا
~~أطلع نخلي «2» . فلما أطلع أتاه. قال: إذا أبلح. فلما أبلح أتاه، فقال: إذا
~~أزهى «3» . فلما أزهى أتاه، قال: إذا أرطب «4» . فلما أرطب أتاه، قال: إذا
~~صار تمرا. فلما صار تمرا جده «5» من الليل ولم يعط أخاه شيئا.
# قال كعب بن زهير: [بسيط]
# كانت مواعيد عرقوب لها مثلا ... وما مواعيدها إلا الأباطيل
# وقال الأشجعي «6» : [طويل]
# وعدت وكان الخلف منك سجية ... مواعيد عرقوب أخاه بيترب «7»
# هكذا قرأته على البصريين في كتاب سيبويه بالتاء وفتح الراء.
# وقال الشاعر: [طويل]
# متى ما أقل يوما لطالب حاجة ... نعم، أقضها قدما وذلك من شكلي
# وإن قلت لا، بينتها من مكانها ... ولم أوذه منها بجر ولا مطل
# وللبخلة الأولى أقل ملامة ... من الجود بدءا ثم يتبع بالبخل
# PageV03P166
# وقال أبو نواس لامرأة: [بسيط]
# أنضيت أحرف لا مما لهجت بها ... فحولي رحلها عنها إلى نعم «1»
# أو حوليها إلى «لا» فهي تعدلها ... إن كنت حاولت في ذا قلة الكلم
# فستم علينا فعارضنا قياسكم ... يا من تناهى إليه غاية الكرم
# وفي هذا معنا لطيف.
# كتب رجل إلى صديق له: قد أفردتك برجائي بعد الله، وتعجلت راحة اليأس ممن
~~يجود بالوعد ويضن بالإنجاز، ويحسد أن يفضل، ويزهد أن يفضل، ويعيب الكذب ولا
~~يصدق.
# وقال آخر: [وافر]
# وذي ثقة تبدل حين أثرى ... ومن شيمي مراقبة الثقات
# فقلت له عتبت علي إثما ... فرارا من مؤونات العدات
# فعد لمودتي وعلي نذر ... سألتك حاجة حتى الممات «2»
# وقال آخر في أصحاب النبيذ: [طويل]
# مواعيدهم ربح لمن يعدونه ... بها قطعوا برد الشتاء وقاطوا «3»
# وقال مسلم «4» : [طويل]
# لسانك أحلى من جنى النحل موعدا ... وكفك بالمعروف أضيق من قفل
# تمني الذي يأتيك حتى إذا انتهى ... إلى أجل ناولته طرف الحبل
# وسأل خلف بن خليفة أبان بن الوليد أن يهب له جارية، فوعده وأبطأ
# PageV03P167
# عليه؛ فكتب إليه: [طويل]
# أرى حاجتي عند الأمير كأنما ... تهم زمانا عنده بمقام
# وأحصر من إذكاره إن لقيته ... وصدق الحياء ملجم بلجام «1»
# أراها إذا كان النهار نسيئة ... وبالليل تقضى عند كل منام «2»
# فيا رب أخرجها فإنك مخرج ... من الميت حيا مفصحا بكلام
# فتعلم ما شكري إذا ما قضيتها ... وكيف صلاتي عندها وصيامي
# وإن حاجتي من بعد هذا تأخرت ... خشيت لما بي أن أزور غلامي
# والعرب تقول: «أنجز حر ما وعد» .
# وقال أمية بن أبي الصلت لعبد الله بن جدعان: [وافر]
# أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء
# إذا أثنى عليك المرء يوما ... كفاه من تعرضه الثناء «3»
# وقال الطائي: [خفيف]
# وإذا المجد كان عوني على المر ... ء تقاضيته بترك التقاضي
# وقال الزهري: حقيق على من أورق بوعد، أن يثمر بفعل.
# وقال المغيرة: من أخر حاجة رجل فقد تضمن قضاءها.
# وقال الشاعر: [وافر]
# كفاك مذكرا وجهي بأمري ... وحسبي أن أراك وأن تراني
# وكيف أحث من يعنى بشأني ... ويعرف حاجتي ويرى مكاني
# PageV03P168
# وقال الشاعر: [مجزوء الكامل المرفل]
# يا صاح قل في حاجتي ... أذكرتها فيما ذكرتا
# إن السراح من النجا ... ح إذا شقيت بما طلبتا «1»
# وقال آخر: [خفيف]
# في تصديك للمطالب إذكا ... ر بوعد جرى به المقدار
# وكتب بعض الكتاب إلى صديق له: إن من العجب إذكار معني، وحث متيقظ،
~~واستبطاء ذاكر، إلا أن ذا الحاجة لا يدع أن يقول في حاجته، حل بذلك منها أو
~~عقل. وكتابي تذكرة والسلام.
# وقال الطرماح: [كامل]
# ألحسن منزلتي تؤخر حاجتي ... أم ليس عندك لي بخير مطمع
# وقال حمزة بن بيض «2» لمخلد بن يزيد بن المهلب: [متقارب]
# أتيناك في حاجة فاقضها ... وقل مرحبا يجب المرح
# ولا تكلنا إلى معشر ... متى يعدوا عدة يكذبوا
# وقال بعض المحدثين: [منسرح]
# حوائج الناس كلها قضيت ... وحاجتي لا أراك تقضيها
# أناقة الله حاجتي عقرت ... أم نبت الحرف في نواحيها «3»
# PageV03P169
# وقال جرير لعمر بن عبد العزيز: [بسيط]
# أأذكر الضر والبلوى التي نزلت ... أم تكتفي بالذي بلغت من خبري
# وقال آخر: [طويل]
# أروع لتسليم عليك وأغتدي ... وحسبك بالتسليم مني تقاضيا
# كفى بطلاب المرء ما لا يناله ... عناء وباليأس المصرح ناهيا «1»
# وقال آخر: [كامل]
# ما أنت بالسبب الضعيف وإنما ... نجح الأمور بقوة الأسباب
# فاليوم حاجتنا إليك وإنما ... يدعى الطبيب لكثرة الأوصاب «2»
# كتب بعض الكتاب إلى بعض السلطان: أنا أنزهك عن التجمل لي بوعد يطول به
~~المدى ويعتزله الوفاء، وأحب أن يتقرر عندك أن أملي فيك أبعد من أن أختلس
~~الأمور منك اختلاس من يرى في عاجلك عوضا من آجلك، وفي الراهن من يومك بدلا
~~من المأمول في غدك، وألا تكون منزلتي في نفسك منزلة من يصرف الطرف «3» عنه
~~وتستكره النفس عليه ويتكلف ما فوق العفو له، وأن تختار بين العذر والشكر؛
~~فالله يعلم أن آثر الحظين عندي أحقهما عليك، وأصوبهما لحالي عندك.
# وفي كتاب: ذو الحرمة ملوم على فرط الدالة، كما أن المتحرم به مذموم على
~~التناسي والإزالة. ومن مذهبي الوقوف بنفسي دون الغاية التي يقدمني إليها
~~حقي، لأمرين: أحدهما ألا أرضى بدون الحق أزيد في الحق.
# PageV03P170
# والثاني أن أرى النفيس من الحظ زهيدا إذا أتى من جهة الإرهاق. ولي ذمام
~~المودة الصادقة التي كل حرمة تبع لها، وحق الشكر الذي جعله الله وفاء
~~بالنعم وإن جل قدرها؛ وأنت مراعي المعالي وحافظ بقية الكرم؛ فأي سبيل
~~للعذر، بل أي موضع للإكداء بين حرمتي ورعايتك، وذمامي وكرمك!.
# قال أحمد بن يوسف: أول المعروف مستخف، وآخره مستثقل؛ يكاد أوله يكون
~~اللهوى دون الرأي، وآخره للرأي دون الهوى. ولذلك قيل: رب «1» الصنيعة أشد
~~من ابتدائها.
# قال أبو عطاء السندي في يزيد بن عمر بن هبيرة: [وافر]
# ثلاث حكتهن لقرم قيس ... رجعن إلي صفرا خائبات «2»
# أقام على الفرات يزيد شهرا ... فقال الناس أيهما الفرات «3»
# فيا عجبا لبحر فاض يسقي ... جميع الناس لم يبلل لهاتي «4»
### | حال المسؤول عند السؤال
# قال الشاعر «5» : [وافر]
# سألناه الجزيل فما تلكا ... وأعطى فوق منيتنا وزادا «6»
# مرارا ما أعود إليه إلا ... تبسم ضاحكا وثنى الوسادا
# وقال آخر: [كامل]
# PageV03P171
# قوم إذا نزل الغريب بدارهم ... تركوه رب صواهل وقيان «1»
# وإذا دعوتهم ليوم كريهة ... سدوا شعاع الشمس بالفرسان
# لا ينقرون الأرض عند سؤالهم ... لتلمس العلات بالعيدان «2»
# بل يبسطون وجوههم فترى لها ... عند السؤال كأحسن الألوان «3»
# وقال آخر: [مديد]
# يجعل المعروف والبر ذخرا ... ويعد الحمد خير التجاره
# وإذا ما جئته تجتديه ... خلته بشرته ببشاره «4»
# فترى في الطرف منه حياء ... وترى في الوجه منه استناره
# وقال آخر: [سريع]
# إذا غدا المهدي في جنده ... أو راح في آل الرسول الغضاب
# بدا لك المعروف في وجهه ... كالضوء يجري في ثنايا الكعاب «5»
# وأنشدني العتبي: [طويل]
# له في ذرى المعروف نعمى كأنها ... مواقع ماء المزن في البلد القفر
# إذا ما أتاه السائلون توقدت ... عليه مصابيح الطلاقة والبشر
# والمشهور في هذا قول زهير: [كامل]
# تراه إذا ما جئته متهللا ... كأنك تعطيه الذي أنت سائله
# PageV03P172
# وسأل رجل من الأعراب»
# رجلا فلم يعطه شيئا؛ فقال: [طويل]
# كدحت بأظفاري وأعملت معولي ... فصادفت جلمودا من الصخر أملسا
# تشاغل لما جئت في وجه حاجتي ... وأطرق حتى قلت قد مات أو عسى
# وأجمعت أن أنعاه حين رأيته ... يفوق فواق الموت ثم تنفسا
# فقلت له لا بأس، لست بعائذ ... فأفرخ تعلوه الكآبة مبلسا «2»
# وقال مسلم: [منسرح]
# أطرق لما أتيت ممتدحا ... فلم يقل لا فضلا على نعم
# فخفت إن مات أن أقاد به ... فقمت أبغى النجاء من أمم «3»
# لو أن كنز البلاد في يده ... لم يدع الإعتدلال بالعدم «4»
# وقال الحارث الكندي: [وافر]
# فلما أن أتيناه وقلنا ... بحاجتنا تلون لون ورس «5»
# وآض بكفه يحتك ضرسا ... يرينا أنه وجع بضرس «6»
# فقلت لصاحبي أبه كزاز ... وقلت أسره أتراه يمسي «7»
# وقمنا هاربين معا جميعا ... نحاذر أن مزن بقتل نفس «8»
# قال الأصمعي:
# دخل أعرابي على المساور الضبي وهو بندار الري «9» ، فسأله فلم يعطه
# PageV03P173
# شيئا، فأنشأ يقول:
# أتيت المساور في حاجة ... فما زال يسعل حتى ضرط
# وحك قفاه بكر سوعه ... ومسح عثنونه وامتخط «1»
# فأمسكت عن حاجتي خيفة ... لأخرى تقطع شرج السفط «2»
# فأقسم لو عدت في حاجتي ... للطخ بالسلح وشي النمط «3»
# وقال غلطنا حساب الخراج ... فقلت من الضرط جاء الغلط
# قال: فكان العامل كلما ركب صاح به الصبيان: «من الضرط جاء الغلط فهرب من
~~غير عزل إلى بلاد أصبهان.
# وقال نهار بن توسعة «4» في قتيبة بن مسلم: [بسيط]
# كانت خراسان أرضا إذ يزيد بها ... وكل باب من الخيرات مفتوح
# فبدلت بعده قردا نطيف به ... كأنما وجهه بالخل منضوح «5»
# وقال جرير: [طويل]
# يزيد يغض الطرف دوني كأنما ... زوى بين عينيه علي المحاجم «6»
# فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ... ولا تلقني إلا وأنفك راغم
# وقال آخر: [منسرح]
# لا تسأل المرء عن خلائقه ... في وجهه شاهد من الخبر
# PageV03P174
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن الأبج عن التتي قال قال محمد بن واسع: إنك
~~لتعرف فجور الفاجر في وجهه.
# قال أبو العتاهية: [متقارب]
# مالي أرى الناس قد أبرقوا ... بلؤم الفعال وقد أرعدوا «1»
# إذا جئت أفضلهم للسلا ... م رد وأحشاؤه ترعد
# كأنك، من خشية للسؤا ... ل، في عينه الحية الأسود
# وقال آخر: [وافر]
# إذا ما الرزق أحجم عن كريم ... فألجأه الزمان إلى زياد «2»
# تلقاه بوجه مكفهر ... كأن عليه أرزاق العباد
# وقال آخر: [منسرح]
# ولي خليل ما مسني عدم ... مذ نظرت عينه إلى عدمي
# بشرني بالغنى تهلله ... وقبل هذا تهلل الخدم
# ومحنة الزائرين بينة ... تعرف قبل اللقاء في الحشم
### | العادة من المعروف تقطع
# كان يقال: انتزاع العادة ذنب محسوب.
# وقال أبو الأسود الدؤلي: [مديد]
# ليت شعري عن أميري ما الذي ... غاله في الود حتى ودعه «3»
# لا تهني بعد إذ أكرمتني ... وشديد عادة منتزعه
# PageV03P175
# اذكر البلوى التي أبليتني ... وكلاما قلته في المجمعه «1»
# لا يكن برقك برقا خلبا ... إن خير البرق ما الغيث معه
# والمشهور في هذا قول الأعشى: [كامل]
# عودت كندة عادة فاصبر لها ... واغفر لجاهلها ورو سجالها «2»
# سأل أعرابي قوما، فرق له رجل منهم فضمه إليه وأجرى له رزقا أياما ثم قطع
~~عنه؛ فقال الأعرابي: [طويل]
# تسرى فلما حاسب المرء نفسه ... رأى أنه لا يستقيم له السرو «3»
# وقدم أبو زياد الكلابي مع أعراب سنة القحمة «4» ، فأجرى عليهم رجل رغيفا
~~لكل رجل ثم قطعه؛ فقال أبو زياد: [طويل]
# إن يقطع العباس عنا رغيفه ... فما يأتيني من نعمة أكثر «5»
# والحكماء تقول: «العادة طبيعة ثانية» .
# وفي الحديث: «الخير عادة والشر لجاجة» «6» .
# وقال بعض الشعراء لرجل من الأشراف: [كامل]
# ولقد ضربنا في البلاد فلم نجد ... أحدا سواك إلى المكارم ينسب
# فاصبر لعادتك التي عودتنا ... أو لا فأرشدنا إلى من نذهب
# وتقول العرب فيمن اصطنع معروفا ثم أفسده بالمن أو قطعه حين كاد
# PageV03P176
# يتم: «شوى أخوك حتى إذا أنضج رمد» «1» .
# قال أبو كعب القاص: كان رجل يجري علي رغيفا في كل يوم، وكان يقول إذا
~~أتاه الرغيف: لعنك الله ولعن من بعث بك، ولعنني إن تركتك حتى أصيب خيرا
~~منك.
# والعرب تقول في مثل هذا: «خذ من الرضفة ما عليها» «2» .
# وقال الشاعر: [كامل]
# وخذ القليل من اللئيم وذمه ... إن اللئيم بما أتى معذور
# ومعذور: موسوم في موضع العذار، وليس هو من العذر.
### | الشكر والثناء
# حدثني شيخ لنا عن وكيع عن سفيان عن منصور عن هلال بن أساف «3» قال قال
~~صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم فليدن عليه من ستر بيته فإن الله عز
~~وجل يقسم الثناء كما يقسم الرزق» .
# وحدثني أيضا عن وكيع عن سعيد عن أبي عمران الجوني عن عبد الله ابن الصامت
~~قال قال أبو ذر: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: الرجل يعمل العمل ويحبه
~~الناس؟ قال: «تلك عاجل بشرى المؤمن. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا
~~أردتم أن تعلموا ما للعبد عند الله فانظروا ماذا يتبعه من الثناء» .
# PageV03P177
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: كان يقال: الثناء يضاعف كما تضاعف
~~الحسنات؛ يكون الرجل سخيا فيزيد الله في سخائه، ويكون شجاعا فيزيد الله في
~~شجاعته.
# وحدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن العمري قال: قال رجل لعمر بن الخطاب رضي
~~الله عنه: إن فلانا رجل صدق؛ قال: سافرت معه؟ قال لا.
# قال: فكانت بينك وبينه خصومة؟ قال لا. قال: فهل ائتمنته على شيء؟ قال لا.
~~قال: فأنت الذي لا علم لك به، أراك رأيته يرفع رأسه ويخفضه في المسجد!.
# قال بعض الحكماء: إذا قصرت يدك عن المكافأة فليطل لسانك بالشكر.
# وقال آخر: حق النعمة أن تحسن لباسها، وتنسبها إلى وليها، وتذكر ما تناسى
~~عندك منها.
# وقال بعض الحارثيين: [بسيط]
# عثمان يعلم أن الحمد ذو ثمن ... لكنه يشتهي حمدا بمجان «1»
# والناس أكيس من أن يحمدوا أحدا ... حتى يروا قبله آثار إحسان
# وقال حماد عجرد: [بسيط]
# قد ينقضي كل ما أوليت من حسن ... إذا أتى دون ما أوليت يومان
# تنأى بودك ما استغنيت عن أحد ... وإن طمعت فأنت الواصل الداني
# الشهد أنت إذا ما حاجة عرضت ... وحنظل كلما استغنيت خطبان «2»
# PageV03P178
# وقال عمران بن حطان «1» : [طويل]
# وقد عرضت لي حاجة وأظنني ... بأني إذا أنزلتها بك منجح
# فإن أك في أخذ العطية مربحا ... فإنك في بذل العطية أربح
# لأن لك العقبى من الأجر خالصا ... وشكري في الدنيا، فحظك أرجح
# وقال معاوية بن أبي سفيان يعاتب قريشا: [طويل]
# إذا أنا أعطيت القليل شكوتم ... وإن أنا أعطيت الكثير فلا شكر
# وما لمت نفسي في قضاء حقوقكم ... وقد كان لي فيما اعتذرت به عذر
# وأمنحكم ما لي وتكفر نعمتي ... وتشتم عرضي في مجالسها فهر «2»
# إذا العذر لم يقبل ولم ينفع الأسى ... وضاقت قلوب منهم حشوها الغمر «3»
# فيكف أداوي داءكم ... يزيدكم غيا! فقد عظم الأمر
# سأحرمكم حتى يذل صعابكم، ... وأبلغ شيء في صلاحكم الفقر
# وقال طريح الثقفي»
# : [طويل]
# سعيت ابتغاء الشكر فيما صنعت بي ... فقصرت مغلوبا وإني لشاكر
# ومثله قول الخريمي «5» : [طويل]
# لأنك تعطيني الجزيل بداهة ... وأنت لما استكثرت من ذاك حاقر
# PageV03P179
# ومثله قوله أيضا: [رمل]
# زاد معروفك عظما ... أنه عندك محقور صغير
# تتناسه كأن لم تأته ... وهو عند الناس مشهور كبير
# قال رجل لبعض السلطان: المواجهة بالشكر ضرب من الملق «1» ، منسوب من عرف
~~بها إلى التخلق «2» ؛ وأنت تمنعني من ذلك وترفع الحال بيننا عنه، ولذلك
~~تركت لقاءك به. غير أني من الاعتراف بمعروفك ونشر ما تطوي منه والإشادة
~~بذكره عند إخوانك والانتساب إلى التقصير مع الإطناب في وصفه، على ما أرجو
~~أن أكون قد بلغت به حال المحتمل للصنيعة، الناهض بحق النعمة.
# قال ابن عنقاء الفزاري «3» : [طويل]
# رآني على ما بي عميلة فاشتكى ... إلى ما له حالي أسر كما جهر
# دعاني فآساني ولو صد لم ألم ... على حين لا بدو يرجى ولا حضر
# فقلت له خيرا وأثنيت فعله ... وأوفاك ما أسديت من ذم أو شكر «4»
# وقال آخر «5» : [طويل]
# سأشكر عمرا إن تراخت منيتي ... أيادي لم تمنن وإن هي جلت
# فتى غير محجوب الغنى عن صديقه ... ولا مظهر الشكوى إذ النعل زلت
# رأى خلتي من حيث يخفى مكانها ... فكانت قذى عينيه حتى تجلت «6»
# PageV03P180
# وقرأت في كتاب للهند: أربعة ليست لأعمالهم ثمرة: مسار الأصم، والباذر في
~~السبخة «1» ، والمسرج في الشمس، وواضع المعروف عند من لا شكر له.
# وقال بعض الشعراء المحدثين، وقيل: إنه للبحتري. فبعثت إليه أسأله عنه
~~فأعلمني أنه ليس له: [متقارب]
# فلو كان للشكر شخص يبين ... إذا ما تأمله الناظر
# لبينته لك حتى تراه ... فتعلم أني امرؤ شاكر
# ولكنه ساكن في الضمير ... يحركه الكلم السائر
# وقال آخر: [طويل]
# فلو كان يستغني عن الشكر سيد ... لعزة ملك أو علو مكان
# لما أمر الله الجليل بشكره ... فقال اشكروني أيها الثقلان «2»
# وقال آخر: [طويل]
# فأثنوا علينا لا أبا لأبيكم ... بإحساننا إن الثناء هو الخلد
# وقال رجل من غني «3» : [كامل]
# فإذا بلغتم أهلكم فتحدثوا ... ومن الثناء مهالك وخلود
# وكانت عائشة رضي الله عنها تتمثل بقول الشاعر:
# يجزيك أو يثني عليك وإن من ... أثنى عليك بما فعلت كمن جرى
# وقال الحارث بن شداد في علي بن الربيع الحارثي: [بسيط]
# PageV03P181
# الناس تحتك أقدام وأنت لهم ... رأس وكيف يسوى الرأس والقدم
# فحسبنا من ثناء المادحين إذا ... أثنوا عليك بأن يثنوا بما علموا «1»
# وقال آخر: [وافر]
# بأي الخصلتين عليك أثني ... فإني عند منصرفي مسول «2»
# أبى الحسنى وليس لها ضياء ... علي فمن يصدق ما أقول
# أم الأخرى ولست لها بأهل ... وأنت البحر من ذهب يسيل
# وقال بشار: [بسيط]
# أثني عليك ولي حال تكذبني ... فيما أقول فأستحيي من الناس
# قد قلت إن أبا حفص لأكرم من ... يمشي فخاصمني في ذاك إفلاسي
# وكتب بعض الكتاب إلى وزير: لست تشبه حالنا في الحرمة، ولا نشبه حالك في
~~الجاه والقدرة، ولا ظاهر ما نحن عليه الباطن. وليس بعد حرمتي حرمة، ولا فوق
~~سببي سبب، ولا بعد حالك حال يرتجى، ولا بعد منزلتك منزلة تتمنى، ولا تنتظر
~~شيئا ولا أنتظره؛ ولا أتوقع حقا أزيده في حقوقي، ولا تتوقع فائدة تزيدها في
~~ذات يدك. وكم تحتال بالألفاظ، وتموه «3» بالمعاني، والناس يحتجون بالعمل
~~ويقضون بالعيان.
# وقال بعض الشعراء: [طويل]
# وزهدني في كل خير صنعته ... إلى الناس ما جربت من قلة الشكر
# وقال أبو الهول في أبي المراء عتبة بن عاصم: [طويل]
# PageV03P182
# إذا فاخرتنا من معد عصابة ... فخرنا عليها بابن عتبة عاصم «1»
# يجر رياط الحمد في دار قومه ... ويختال في عرض من الذم سالم «2»
# وقال رجل لبعض السلطان: مثلك اوجب حقا لا يجب عليه، وسمح بحق يجب له،
~~وقبل واضح العذر، واستكثر قليل الشكر. لا زالت أياديك فوق شكر أوليائك،
~~ونعمة الله عليك فوق آمالهم فيك.
# وكتب آخر:
# ما أنتهي إلى غاية من شكرك، إلا وجدت وراءها غاية من معروفك يحسروني «3»
~~بلوغها. وما عجز الناس عنه فالله من ورائه. فلا زالت أيامك ممدودة بين أمل
~~لك تبلغه، وأمل فيك تحققه، حتى تتملى من الأعمار أطولها، وتنال من الهبات
~~أفضلها.
# ونحو هذا قول آخر:
# كان لي فيك أملان: أحدهما لك، والآخر بك. فأما الأمل لك فقد بلغته، وأما
~~الأمل بك فأرجو أن يحققه الله ويوشكه.
# وفي كتاب آخر:
# أيام القدرة وإن طالت قصيرة، والمتعة بها وإن كثرت قليل، والمعروف وإن
~~أسدي إلى من يكفره مشكور بلسان غيره.
# وفي كتاب بعض الكتاب:
# وما ذكرت- أعزك الله- من ذلك قديما ولا جددت منه حديثا، إلا
# PageV03P183
# وأصغر أملي فيك فوقه وإن كان استحقاقي دونه. فإن أقض واجب حق الله على في
~~شكر نعمك فبتوفقه وعونه، وإن أقصر عن كنهه فعن غير تقصير في بلوغ الجهد
~~فيه.
# وفي هذا الكتاب:
# أما ما بذل الأمير من ماله، فذلك ما قد سبق الرجاء بل اليقين إليه، معرفة
~~مني بطوله وكرمه، وليس ينكر أياديه ولا بدع صنائعه. وما يرشدني أملي بعد
~~الله إلا إليه، ولا أفزع «1» لحادثة إلى غيره، ولا أتضاءل لنائبة معه. ولو
~~عجزت عن النهضة لما حاولت الإستقلال والانتعاش إلا به. ومال الأمير الكثير
~~المذخور عند انقطاع الحيل، لا معنف طالبه، ولا مخوف على الرد عنه واهبه،
~~ولا عائق منع دونه، ولا تنغيص من ورائه؛ ولا كنز أولى بالصون وأن يجعل وقفا
~~على النوائب والعواقب من كنز من هذه حاله.
# قالت بنو تميم لسلامة بن جندل «2» : مجدنا بشعرك؛ فقال: افعلوا حتى أثني.
~~ونحوه قول عمرو بن معد يكرب «3» : [طويل]
# فلو أن قومي أنطقتني رماحهم ... نطقت ولكن الرماح أجرت «4»
# قال رجل من قريش لأشعب: والله ما شكرت معروفي عندك؛ فقال: إن معروفك كان
~~من غير محتسب، فوقع عند غير شاكر.
# PageV03P184
# وقال أبو نواس: [كامل]
# أنت امرؤ أوليتني نعما ... أوهت قوى شكري فقد ضعفا «1»
# فإليك بعد اليوم تقدمة ... والتك بالتصريح منكشفا «2»
# لا تحدثن إلي عارفة ... حتى أقوم بشكر ما سلفا «3»
# وقال أبو نخيلة «4» : [طويل]
# شكرتك إن الشكر حبل من التقى ... وما كل من أقرضته نعمة يقضى
# فأحييت من ذكري وما كان ميتا ... ولكن بعض الذكر أنبه من بعض
# آخر: [طويل]
# لأشكرنك معروفا هممت به ... إن اهتمامك بالمعروف معروف
# ولا ألومك إن لم يمضه قدر ... فالشيء بالقدر المحتوم مصروف
# وقال رجل لسعيد بن جبير: المجوسي يوليني خيرا فأشكره، ويسلم علي فأرد
~~عليه؛ فقال سعيد: سألت ابن عباس عن نحو هذا، فقال لي: لو قال لي فرعون خيرا
~~لرددت عليه مثله.
# أنشد ابن الأعرابي: [رمل]
# أهلكتني بفلان ثقتي ... وظنون بفلان حسنه
# ليس يستوجب شكرا رجل ... نلت خيرا منه من بعد سنه
# PageV03P185
# وقال بعضهم: لا تثق بشكر من تعطيه حتى تمنعه؛ فإن الصابر هو الشاكر،
~~والجازع هو الكافر «1» .
# وقال أوس بن حجر «2» : [طويل]
# سأجزيك أو يجزيك عني مثوب ... وقصدك أن يثنى عليك وتحمدي
# والعرب تقول: فلان أشكر من البروق وهو نبت ضعيف ينبت بالسحاب إذا نشأ
~~وبأدنى مطر.
# وقال الشاعر: [طويل]
# لئن طبت نفسا عن ثنائي فإنني ... لأطيب نفسا عن نذاك على عسري
# فلست إلى جدواك أعظم حاجة ... على شدة الإعسار منك إلى شكري «3»
# وقال آخر: [كامل]
# حسب امرىء إن فاتني غرض ... من بره أن فاته شكري
# إني إذا ضاق امرؤ بجدا ... عني اتسعت عليه بالعذر «4»
# وقال الطائي لإسحاق بن إبراهيم: [كامل]
# ومحجب حاولته فوجدته ... نجما عن الركب العفاة شسوعا «5»
# أعدمته لما عدمت نواله ... شكري فرحنا معدمين جميعا
# PageV03P186
# وقال: [طويل]
# فإن يك أربى عفو شكري على ندى ... أناس فقد أربى نداه على جهدي «1»
# وقال:
# وكيف يجور عن قصد لساني ... وقلبي رائح برضاك غادي
# ومما كانت العلماء قالت ... لسان المرء من خدم الفؤاد
# وقال:
# أبا سعيد وما وصفي بمتهم ... على الثناء وما شكري بمخترم «2»
# لئن جحدتك ما أوليت من نعم ... إني لفي الشكر أحظى منك في النعم»
# أنسى ابتسامك والألوان كاسفة ... تبسم الصبح في داج من الظلم «4»
# رددت رونق وجهي في صفيحته ... رد الصقال بهاء الصارم الخذم «5»
# وما أبالي، وخير القول أصدقه، ... حقنت لي ماء وجهي أم حقنت دمي
# وقال: [وافر]
# فلا تكدر حياضك لي فأني ... أمت إليك آمالا طوالا «6»
# وفرجاهي علي فإن جاهي ... إذا ما غب يوم كان مالا «7»
# وقال: [بسيط]
# يا منة لك لولا أخففها ... به من الشكر لم تحمل ولم تطق
# PageV03P187
# بالله أدفع عني ثقل فادحها ... فإنني خائف منه على عنقي «1»
# وقال بشار في عمر بن العلاء: [متقارب]
# دعاني إلى عمر جوده ... وقول العشيرة بحر خضم
# ولولا الذي زعموا لم أكن ... لأمدح ريحانة قبل شم
# ويقال: الشكر ثلاث منازل: لمن فوقك بالطاعة، ولنظيرك بالمكافأة، ولمن
~~دونك بالإفضال عليه.
# قال إبراهيم بن المهدي «2» يشكر المأمون: [بسيط]
# رددت ما لي ولم تمنن علي به ... وقبل ردك ما لي قد حقنت دمي
# فأبت منك وقد جللتني نعما ... هي الحياتان من موت ومن عدم
# فلو بذلت دمي أبغي رضاك به ... والمال حتى أسل النعل من قدمي
# ما كان ذاك سوى عارية رجعت ... إليك لو لم تعرها كنت لم تلم «3»
# وقام علمك بي فاحتج عندك لي ... مقام شاهد عدل غير متهم
# وقال آخر، وبلغني أنه الخثعمي «4» : [خفيف]
# فاذهبا بي إن لم يكن لكما عق ... ر إلى جنب قبره فاعقراني «5»
# وانضحا من دمي عليه فقد كا ... ن دمي من نداه لو تعلمان «6»
# PageV03P188
# وفد رجل على سليمان بن عبد الملك في خلافته؛ فقال له: ما أقدمك؟ قال: ما
~~أقدمني عليك رغبة؛ قال: وكيف ذاك؟ قال: أما الرغبة فقد وصلت إلينا وفاضت في
~~رحالنا وتناولها الأقصى والأدنى منا، وأما الرهبة فقد أمنا بعدل أمير
~~المؤمنين علينا وحسن سيرته فينا من الظلم، فنحن وفد الشكر.
# وقال الفرزدق في عمرو بن عتبة: [بسيط]
# لولا ابن عتبة عمرو والرجاء له ... ما كانت البصرة الحمقاء لي وطنا
# أعطاني المال حتى قلت يودعني ... أو قلت أودع لي مالا رآه لنا
# فجوده متعب شكري ومنته ... وكلما زدت شكرا زادني مننا
# يرمي بهمته أقصى مسافتها ... ولا يريد على معروفه ثمنا
# هذا مثل قول الأعرابي: ما زال فلان يعطيني حتى ظننت أنه يودعني ماله. وما
~~ضاع مال أورث المحامد.
# ويقال: خمسة أشياء ضائعة: سراج يوقد في شمس، ومطر جود في سبخة «1» ،
~~وحسناء تزف إلى عنين «2» ، وطعام استجيد وقدم إلى سكران، ومعروف صنع إلى من
~~لا شكر له.
# وكان يقال: الشكر زيادة في النعم وأمان من الغير.
# وقال أسماء بن خارجة «3» : إذا قدمت المصيبة تركت التعزية، وإذا قدم
~~الإخاء قبح الثناء.
# بعث روح بن حاتم «4» إلى كاتب له بثلاثين ألف درهم، وكتب إليه: قد
# PageV03P189
# بعثت بها إليك، ولا أقللها تكبرا، ولا أكثرها تمننا، ولا أستثيبك عليها
~~ثناء، ولا أقطع عنك بها رجاء.
# وفي كتاب للهند: لا ثناء مع كبر. وفيه: ستة أشياء لا ثبات لها: ظل
~~الغمام، وخلة الأشرار، وعشق النساء، والمال الكثير، والسلطان الجائر،
~~والثناء الكاذب.
# والعرب تقول: «لا تهرف قبل أن تعرف» أي لا تطنبن في الثناء قبل الاختبار.
# وكتب أبو نواس من الحبس إلى الفضل بن الربيع: [كامل]
# ما من يد في الناس واحدة ... كيد أبو العباس مولاها
# نام الثقات على مضاجعهم ... وسرى إلى نفسي فأحياها
# قد كنت خفتك ثم آمنني ... من أن أخافك خوفك الله
# فعفوت عني عفو مقتدر ... وجبت له نقم فألغاها
# والبيت المشهور في هذا قول النجاشي «1» : [بسيط]
# لا تحمدن امرأ حتى تجربه ... ولا تذمن من لم يبله الخبر «2»
# وقال آخر في الاختبار: [كامل]
# إن الرجال إذا اختبرت طباعهم ... ألفيتهم شتى على الأخبار
# لا تعجلن إلى شريعة مورد ... حتى تبين خطة الإصدار «3»
# وقال الرياشي: أنشدني أبو العالية «4» : [طويل]
# PageV03P190
# إذا أنا لم أشكر على الخير أهله ... ولم أذمم الجبس اللئيم المذمما «1»
# ففيم عرفت الخير والشر باسمه ... وشق لي الله المسامع والفما
# قال ابن التوءم: كل من كان، جوده يرجع إليه؛ ولولا رجوعه إليه لما جاد
~~عليك، ولو تهيأ له ذلك المعنى في سواك لما قصد إليك، فليس يجب له عليك شكر.
~~وإنما يوصف بالجود في الحقيقة ويشكر على النفع في حجة العقل، الذي إن جاد
~~عليك فلك جاد، ونفعك أراد، من غير أن يرجع إليه جوده بشيء من المنافع على
~~جهة من الجهات، وهو الله وحده لا شريك له.
# فإن شكرنا الناس على بعض ما جرى لنا على أيديهم، فلأمرين: أحدهما التعبد؛
~~وقد أمر الله تعالى بتعظيم الوالدين وإن كانا شيطانين وتعظيم من هو أسن منا
~~وإن كنا أفضل منه. والآخر: لأن النفس ما لا تحصل الأمور وتميز المعاني،
~~فالسابق إليها حب من جرى لها على يديه الخير وإن كان لم يردها ولم يقصد
~~إليها. ألا ترى أن عطية الرجل صاحبه لا تخلو أن تكون لله أو لغير الله؛ فإن
~~كانت لله فثوابه على الله؛ وكيف يجب في حجة العقل شكره وهو لو صادف ابن
~~سبيل غيري لما أعطاني؛ وإما أن يكون إعطاؤه إياي للذكر؛ فإن كان كذلك فإنما
~~جعلني سلما إلى حاجته وسببا إلى بغيته؛ أو يكون إعطاؤه إياي طلبا للمكافأة؛
~~فإنما ذلك تجارة؛ أو يكون إعطاؤه لخوف يدي أو لساني أو اجترار معونتي
~~ونصرتي، وسبيل هذا معروف؛ أو يكون إعطاؤه للرحمة والرقة ولما يجد في فؤاده
~~من العصر «2» والألم، فإنما داوى بتلك العطية من دائه ورفه من خناقه «3» .
# PageV03P191
# وكان محمد بن الجهم يقول: نحو هذا قول الشاعر: [متقارب]
# لعمرك ما الناس أثنوا عليك ... ولا عظموك ولا عظموا
# ولا شايعوك على ما بلغ ... ت من الصالحات ولا قدموا
# ولو وجدوا لهم مطعنا ... إلى أن يعيبوك ما جمجموا «1»
# ولكن صبرت لما ألزموك ... وجدت بما لم يكن يلزم
# وكان قراك إذا ما لقوك ... لسانا بما سرهم ينعم «2»
# وخفض الجناح ووشك النجاح ... وتصغير ما عظم المنعم «3»
# فأنت بفضلك ألجاتهم ... إلى أن يجلوا وأن ينعموا
# وقال خلف بن خليفة الأقطع «4» : [طويل]
# وفي اليأس من أن تسأل الناس راحة ... تميت بها عسرا وتحيي بها يسرا
# وليس يد أوليتها بغنيمة ... إذا كنت تبغي أن يعد شكرا
# غنى النفس يكفي النفس ما سد فاقة ... فإن زاد شيئا عاد ذاك الغنى فقرا
# قال ابن عائشة: بلغني أن عبد الرحمن بن حسان سأل بعض الولاة حاجة فلم
~~يقضيها له، فسألها آخر فقضاها له؛ فقال: [طويل]
# ذممت ولم تحمد وأدركت حاجتي ... تولى سواكم أجرها واصطناعها
# PageV03P192
# أبى لك كسب الحمد رأي مقصر ... ونفس أضاق الله بالخير باعها «1»
# إذا هي حثته على الخير مرة ... عصاها وإن همت بشر أطاعها
# وقال ابن عائشة: قال رجل يوما لابن عيينة: ما شيء تحدثونه يا أبا محمد؟
~~قال: ما هو؟ قال: يقولون إن الله تعالى يقول: أيما عبد كانت له إلي حاجة
~~فشغله الثناء علي عن سؤال حاجته، أعطيته فوق أمنيته؛ فقال له: يابن أخي،
~~وما تنكر من هذا! أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت في عبد الله بن جدعان:
~~[وافر]
# إذا أثنى عليه المرء يوما ... كافه من تعرضه الثناء
# فكيف بأكرم الأكرمين!.
# وكان يقال: في طلب الرجل الحاجة إلى أخيه فتنة: إن هو أعطاه حمد غير الذي
~~أعطاه، وإن منعه ذم غير الذي منعه.
# حدثنا الرياشي قال: أنشدنا كيسان لدكين الراجز «2» : [طويل]
# إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل «3»
# إذا المرء لم يصرع عن اللؤم نفسه ... فليس إلى حسن الثناء سبيل «4»
# وكان يقال: أول منازل الحمد السلامة من الذم.
# PageV03P193
# قال عروة بن أذينة الليثي «1» : [منسرح]
# لا تتركن، إن صنيعة سلفت ... منك وإن كنت لا تصغرها
# إلى امرىء، إن تقول إن ذكرت ... عندك في الجد لست أذكرها
# فإن إحياءها إماتتها ... وإن منا بها يكدرها
# وإن تولى امرؤ بشكر يد ... فالله يجزي بها ويشكرها
# ويقال: أحيوا المعروف بإماتته.
# أبو سفيان الحميري قال: كان مسعدة الكاتب أبو عمرو بن مسعدة مولى لخالد
~~القسري، وكان في ديوان الرسائل بواسط، وكان موجزا في كتبه، فكتب إلى صديق
~~له: أما بعد، فإنه لن يعدمك من معروفك عندنا أمران: أجر من الله وشكر منا.
~~وخير مواضع المعروف ما جمع الأجر والشكر. والسلام.
# وكتب بعض الكتاب إلى بعض العمال: وما أتأمل في وقت من الأوقات ولا يوم من
~~الأيام آثار أياديك لدي، ومواقع معروفك عندي، إلا نبهني التأمل على ما يحسر
~~«2» الشكر ويثقل الظهر، لأنك أنعشت من عثرة، وأنهضت من سقطة، وتلافيت نعمة
~~كانت على شفا زوال ودروس»
# ، وتلقيت ما ألقيت عليك من الكل بوجه طليق وباع رحيب. والسلام.
### | الترغيب في قضاء الحاجة واصطناع المعروف
# حدثني محمد بن عبيد قال حدثنا داود بن المحبر عن محمد بن الحسن الهمداني
~~عن أبي حمزة عن علي بن الحسين عن أبيه عن جده علي بن أبي
# PageV03P194
# طالب رضوان الله عليه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ترك
~~معونة أخيه المسلم والسعي معه في حاجته قضيت أو لم تقض كلف أن يسعى في حاجة
~~من لا يؤجر في حاجته. ومن ترك الحج لحاجة عرضت له لم تقض حاجته حتى يرى
~~رءوس المحلقين» .
# حدثني محمد بن عبيد قال حدثنا ابن عيينة عن يزيد بن عبد الله بن أبي بردة
~~عن أبيه عن جده عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
~~«اشفعوا «1» إلي ويقضي الله على لسان نبيكم ما شاء» .
# بلغني عن جعفر بن أبي جعفر المازني عن ابن أبي السري عن إبراهيم بن أدهم
~~عن منصور بن المعتمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحببت أن
~~يحبك الله فازهد في الدنيا وإن أحببت أن يحبك الناس فلا يقع في يدك من
~~حطامها شيء إلا نبذته إليهم» «2» .
# حدثني محمد بن داود عن محمد بن جابر قال: قال ابن عيينة: ليس أقول لكم
~~إلا ما سمعت: قيل لابن المنكدر: أي الأعمال أفضل؟ قال:
# إدخال السرور على المؤمن. وقيل: أي الدنيا أحب إليك؟ قال: الإفضال على
~~الإخوان.
# حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثنا زرير العطاردي قال: صلى بنا أبو
~~رجاء العطاردي العتمة ثم أوى إلى فراشه، فأتته امرأة فقالت: أبا
# PageV03P195
# رجاء، إن لطارق الليل حقا، وإن بني فلان خرجوا إلى سفوان «1» وتركوا
~~كتبهم وشيئا من متاعهم؛ فانتعل أبو رجاء وأخذ الكتب وأداها وصلى بنا الفجر،
~~وهو مسيرة ليلة للإبل، والناس يقولون: إنها أربعة فراسخ.
# حدثني أحمد بن الخليل عن محمد بن سعيد قال حدثنا ابن المبارك عن حميد عن
~~الحسن قال: لأن أقضي حاجة لأخ أحب إلي من أن أعتكف سنة.
# قال ابن عائشة: كان عمرو بن معاوية العقيلي يقول: اللهم بلغني عثرات
~~الكرام.
# قال المأمون لمحمد بن عباد المهلبي: أنت متلاف؛ فقال: يا أمير المؤمنين،
~~منع الموجود سوء ظن بالله، يقول الله تعالى: وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه
~~وهو خير الرازقين
# «2» .
# وكان ابن عباس يقول: صاحب المعروف لا يقع، فإن وقع وجد متكأ.
# هذا نحو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «المعروف يقي مصارع السوء» .
# وكان ابن عباس يقول أيضا: ما رأيت رجلا أوليته معروفا إلا أضاء ما بيني
~~وبينه، ولا رأيت رجلا أوليته سوءا إلا أظلم ما بيني وبينه.
# قال جعفر بن محمد: إن الحاجة تعرض للرجل قبلي فأبادر بقضائها مخافة أن
~~يستغني عنها أو تأتيه وقد استبطأها فلا يكون لها عنده موقع.
# وقال الشاعر: [طويل]
# وبادر بسلطان إذا كنت قادرا ... زوال اقتدار أو غنى عنك يعقب «3»
# PageV03P196
# وقال آخر في مثله: [متقارب]
# بدا حين أثرى بإخوانه ... ففكك عنهم شباة العدم «1»
# وذكره الحزم غب الأمور ... فبادر قبل انتقال النعم «2»
# وقرأت في كتاب للهند: من صنع المعروف لعاجل الجزاء، فهو كملقي الحب ليصيد
~~به الطير لا لينفعه.
# قال ابن عباس: ثلاثة لا أكافئهم: رجل بدأني بالسلام، ورجل وسع لي في
~~المجلس، ورجل اغبرت قدماه في المشي إلي إرادة التسليم علي؛ فأما الرابع فلا
~~يكافئه عني إلا الله جل وعز؛ قيل: ومن هو؟ قال: رجل نزل به أمر فبات ليلته
~~يفكر بمن ينزله، ثم رآني أهلا لحاجته فأنزلها بي.
# وقال سلم بن قتيبة: رب المعروف أشد من ابتدائه «3» .
# ويقال: الابتداء بالمعروف نافلة، وربه فريضة.
# قيل لبزرجمهر: هل يستطيع أحد أن يفعل المعروف من غير أن يرزأ «4» شيئا؟
~~قال: نعم، من أحببت له الخير وبذلت له الود، فقد أصاب نصيبا من معروفك.
# قال جعفر بن محمد: ما توسل إلي أحد بوسيلة هي أقرب به إلى ما يحب من يد
~~سلفت مني إليه، أتبعتها أختها لأحسن ربها وحفظها؛ لأن منع الأواخر يقطع شكر
~~الأوائل.
# PageV03P197
# قال رجل من مجلس خالد بن عبد الله القسري؛ فقال خالد: إني لأبغض هذا
~~الرجل وما له إلي ذنب، فقال رجل من القوم: أوله أيها الأمير معروفا ففعل،
~~فما لبث أن خف على قلبه وصار أحد جلسائه.
# قال ابن عباس: لا يتم المعروف إلا بثلاث: تعجيله وتصغيره وستره، فإنه إذا
~~عجله هنأه، وإذا صغره عظمه وإذا ستره تممه.
# وقال الخريمي في نحو هذا: [رمل]
# زاد معروفك عندي عظما ... أنه عندك محقور صغير
# تتناساه كأن لم تأته ... وهو عند الناس مشهور كبير
# وقال الطائي: [كامل]
# جود مشيت به الضراء تواضعا ... وعظمت عن ذكراه وهو عظيم «1»
# أخفيته فخفيته وطويته ... فنشرته والشخص منه عميم «2»
# وكان يقال: ستر رجل ما أولى، ونشر رجل ما أولي.
# وقال رجل لبنيه: إذا اتخذتم عند رجل يدا فانسوها. وقالوا: المنة تهدم
~~الصنيعة. قال الشاعر: [بسيط]
# أفسدت بالمن ما أسديت من حسن ... ليس الكريم إذا أسدى بمنان
# قال رجل لابن شبرمة (3) : فعلت بفلان كذا وفعلت به كذا؛ فقال: لا خير في
~~المعروف إذا أحصي.
# وفي بعض الحديث: كل معروف صدقة وما أنفق الرجل على أهله ونفسه وولده صدقة
~~وما وقى «3» المرء به عرضه فهو صدقة وكل نفقة «4» أنفقها فعلى
# PageV03P198
# الله خلفها مثلها إلا في معصية أو بنيان. وفي الحديث المرفوع «فضل جاهك
~~تعود به على أخيك صدقة منك عليه ولسانك تعبر به عن أخيك صدقة منك عليه
~~وإماطتك «1» الأذى عن الطريق صدقة منك على أهله.
# وكان يقال: بذل الجاه زكاة الشرف.
# وقال بعض الشعراء: [طويل]
# وليس فتى الفتيان من راح واغتدى ... لشرب صبوح أو لشرب غبوق «2»
# ولكن فتى الفتيان من راح واغتدى ... لضر عدو أو لنفع صديق
# قال ابن عباس: لا يزهدنك في المعروف كفر من كفره، فإنه يشكرك عليه من لم
~~تصطنعه إليه.
# وقال حماد عجرد: [بسيط]
# إن الكريم ليخفي عنك عسرته ... حتى تراه غنيا وهو مجهود «3»
# إذا تكرمت أن تعطي القليل ولم ... تقدر على سعة لم يظهر الجود
# وللبخيل على أمواله علل ... زرق العيون عليها أوجه سود
# أورق بخير ترجي للنوال فما ... ترجى الثمار إذا لم يورق العود «4»
# بث النوال ولا تمنعك قلته ... فكل ما سد فقرا فهو محمود «5»
# والعرب تقول: من حقر حرم.
# حدثني عبد الرحمن عن عمه قال: قال سلم بن قتيبة «6» : أحدهم يحقر
# PageV03P199
# الشيء فيأتي ما هو شر منه، يعني المنع.
# وقال الشاعر: [بسيط]
# وما أبالي إذا ضيف تضيفني ... ما كان عندي إذا أعطيت مجهودي
# جهد المقل إذا أعطاك مصطبرا ... ومكثر من غنى سيان في الجود
# وفي الحديث المرفوع «أفضل الصدقة جهد المقل» .
# وقال البريق الهذلي «1» : [متقارب]
# أبو مالك قاصر فقره ... على نفسه ومشيع غناه
# وكان خالد بن عبد الله يقول على المنبر: أيها الناس عليكم بالمعروف، فإن
~~فاعل المعروف لا يعدم جوازيه «2» ، وما ضعف الناس عن أدائه قوي الله على
~~جوازيه، والبيت المشهور في هذا قول الحطيئة: [بسيط]
# من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس «3»
# ويقال: إنه في بعض كتب الله عز وجل.
# قال وهب بن منبه: إن أحسن الناس عيشا من حسن عيش الناس في عيشه، وإن من
~~ألذ اللذة الإفضال على الإخوان وفي الحديث المرفوع «إنما لك من مالك ما
~~أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو أعطيت فأمضيت «4» وما سوى ذلك فهو ملك
~~الوارث» .
# وقال بشار: [رمل]
# أنفق المال ولا تشق به ... خير ديناريك دينار نفق «5»
# PageV03P200
# قال بزرجمهر: إذا أقبلت عليك الدنيا فأنفق فإنها لا تفنى وإذا أدبرت عنك
~~فأنفق فإنها لا تبقى. أخذه بعض المحدثين فقال:
# فأنفق إذا أنفقت إن كنت موسرا ... وأنفق على ما خيلت حين تعسر «1»
# فلا الجود يفني المال والجد مقبل ... ولا البخل يبقي المال والجد مدبر
# وفي كتاب كليلة: لا يعد عائشا من لا يشارك في غناه.
# مر الحسن برجل يقلب درهما؛ فقال له: أتحب درهمك هذا؟ قال:
# نعم، قال: أما إنه ليس لك حتى يخرج من يدك.
# قال الربيع بن خيثم لأخ له: كن وصي نفسك ولا تجعل أوصياءك الرجال.
# وقال بعض الشعراء: [متقارب]
# سأحبس مالي على حاجتي ... وأوثر نفسي على الوارث
# أعاذل عاجل ما أشتهي ... أحب من المبطيء الرائث «2»
# قال عبيد الله بن عكراش: زمن خؤون «3» ، ووارث شفون «4» ؛ فلا تأمن
~~الخؤون وكن وارث الشفون.
# وقال أبو ذر: لك في مالك شريكان إذا جاءا أخذا ولم يؤامراك:
# الحدثان «5» والقدر، كلاهما يمر على الغث والسمين، والورثة ينتظرون متى
# PageV03P201
# تموت فيأخذون ما تحت يديك وأنت لم تقدم لنفسك؛ فإن استطعت ألا تكون أخس
~~الثلاثة نصيبا فافعل.
# وقال سعيد بن العاص في خطبة له: من رزقه الله رزقا حسنا فليكن أسعد الناس
~~به فإنه إنما يترك لأحد رجلين: إما مصلح فلا يقل عليه شيء، وإما مفسد فلا
~~يبقي له شيء. فقال معاوية: جمع أبو عثمان طرفي الكلام.
# وقال حطائط بن يعفر: [طويل]
# ذريني أكن للمال ربا ولا يكن ... لي المال ربا تحمدي غبه غدا «1»
# أريني جوادا مات هزلا لعلتي ... أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا
# وقلت ولم أعي الجواب تبيني ... أكان الهزال حتف زيد وأربدا «2»
# قال أعرابي: الدراهم ميسم تسم حمدا أو ذما؛ فمن حبسها كان لها، ومن
~~أنفقها كانت له، وما كل من أعطي مالا أعطي حمدا، ولا كل عديم ذميم.
# وقال بعض المحدثين: [رمل]
# أنت للمال إذا أمسكته ... فإذا أنفقته فالمال لك
# حدثني يزيد بن عمرو عن يزيد بن مروان قال: حدثنا النعمان بن هلال عن عبد
~~الله بن دينار عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
~~«تنزل المعونة على قدر الموونة» .
# قال معاوية لوردان مولى عمرو بن العاص: ما بقي من الدنيا تلذه؟
# قال: العريض الطويل؛ قال: وما هو؟ قال: الحديث الحسن أو ألقى أخا قد
# PageV03P202
# نكبه الدهر فأجبره»
# ؛ قال: نحن أحق بهما منك؛ قال: إن أحق بهما منك من سبقك إليهما.
# وقال اعرابي: [طويل]
# وما هذه الأيام إلا معارة ... فما استطعت من معروفها فتزود «2»
# فإنك لا تدري بأية بلدة ... تموت ولا ما يحدث الله في غد
# يقولون لا تبعد، ومن يك بعده ... ذراعين من قرب الأحبة يبعد
# وقال آخر: [سريع]
# إن كنت لا تبذل أو تسأل ... أفسدت ما تعطي بما تفعل
# قال بعضهم: مضى لنا سلف أهل تواصل، اعتقدوا مننا، واتخذوا أيادي ذخيرة
~~لمن بعدهم: كانوا يرون اصطناع المعروف عليهم فرضا، وإظهار البر حقا واجبا،
~~ثم حال الزمان بنشء اتخذوا مننهم صناعة، وبرهم مرابحة، وأياديهم تجارة
~~واصطناع المعروف مقارضة كنقد السوق خذ مني وهات.
# قال العتبي: وقع ميراث بين ناس من آل أبي سفيان وبني مروان، فتشاحوا «3»
~~فيه، فلما انصرفوا أقبل عمرو بن عتبة على ولده، فقال لهم: إن لقريش درجا
~~تزلق «4» عنها أقدام الرجال، وأفعالا تخشع لها رقاب الأموال، وألسنا تكل
~~معها الشفار «5» المشحوذة، وغايات تقصر عنها الجياد المنسوبة؛
# PageV03P203
# ولو كانت الدنيا لهم ضاقت عن سعة أحلامهم، ولو احتفلت ما تزينت إلا بهم.
~~ثم إن ناسا منهم تخلقوا بأخلاق العوام، فصار لهم رفق باللؤم وخرق «1» في
~~الحرص، لو أمكنهم قاسموا الطير أرزاقها، إن خافوا مكروها تعجلوا له الفقر،
~~وإن عجلت لهم نعمة أخروا عليها الشكر، أولئك أنضاء «2» فكر الفقر وعجزة
~~حملة الشكر.
# قال بعض الحجازيين: [متقارب]
# فلو كنت تطلب شأو الكرام ... فعلت كفعل أبي البختري «3»
# تتبع إخوانه في البلاد ... فأغنى المقل عن المكبثر
### | القناعة والاستعفاف
# حدثني شيخ لنا عن وكيع عن ابن أبي ذئب عن محمد بن قيس عن عبد الرحمن ابن
~~يزيد عن ثوبان «4» قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يتقبل لي
~~بواحدة وأتقبل له بالجنة فقال ثوبان: أنا يا رسول الله، قال: لا تسأل الناس
~~شيئا فكان ثوبان إذا سقط سوطه من يده نزل فأخذه ولم يسأل أحدا أن يناوله
~~إياه.
# وحدثني أيضا عن عبد الرحمن المحاربي عن الأعمش عن مجاهد قال:
# قال عمر رضي الله عنه: ليس من عبد إلا وبينه وبين رزقه حجاب، فإن اقتصد
~~أتاه رزقه وإن اقتحم هتك الحجاب ولم يزد في رزقه.
# PageV03P204
# وحدثني أيضا عن وكيع عن سفيان عن أسامة بن زيد عن أبي معن الإسكندراني
~~قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الصفا الزلال «1» الذي لا تثبت
~~عليه أقدام العلماء الطمع» . وقال عليه السلام: «إن روح القدس نفث في روعي
~~«2» أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا «3» في الطلب» .
# قال ابن حازم: [بسيط]
# للناس مال ولي مالان ما لهما ... إذا تحارس أهل المال أحراس
# ما لي الرضا بالذي أصبحت أملكه ... وما لي اليأس مما يملك الناس
# أخذ هذا من قول أبي حازم المدني، وقال له بعض الملوك: ما مالك؟
# قال: الرضا عن الله، والغنى عن الناس.
# وقال بشار بن بشر «4» : [طويل]
# وإني لعف عن فكاهة جارتي ... وإني لمشنوء إلي اغتيابها «5»
# إذا غاب عنها بعلها لم أكن لها ... زءورا ولم تأنس إلي كلابها «6»
# ولم أك طلابا أحاديث سرها ... ولا عالما من أي حوك ثيابها
# وإن قراب البطن يكفيك ملؤه ... ويكفيك سوءآت الأمور اجتنابها
# إذا سد باب عنك من دون حاجة ... فذرها لأخرى لين لك بابها
# وقال ابن أبي حازم: [مخلع البسيط]
# PageV03P205
# أوجع من وخزة السنان ... لذي الحجا وخزة اللسان «1»
# فاسترزق الله واستعنه ... فإنه خير مستعان
# وإن نبا منزل بحر ... فمن مكان إلى مكان «2»
# لا يثبت الحر في مكان ... ينسب فيه إلى الهوان
# الحر حر وإن تعدت ... عليه يوما يد الزمان
# حدثني محمد بن داود عن جابر بن عثمان الحنفي عن يوسف بن عطية قال حدثني
~~المعلى بن زياد القردوسي: أن عامر بن عبد قيس العنبري كان يقول: أربع آيات
~~من كتاب الله إذا قرأتهن مساء لم أبال على ما أمسي، وإذا تلوتهن صباحا لم
~~أبال على ما أصبح: ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا
~~مرسل له من بعده
# «3» . وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده
# «4» . وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها
# «5» . سيجعل الله بعد عسر يسرا
# «6» .
# حدثني عبد الرحمن عن بشر بن مصلح قال قال إبراهيم بن أدهم «7» : لا تجعل
~~بينك وبين الله منعما عليك، وعد النعم منه عليك مغرما «8» .
# حدثني الرياشي عن الأصمعي قال: أبرع بيت قالته العرب بيت أبى
# PageV03P206
# ذؤيب الهذلي «1» : [كامل]
# والنفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد إلى قليل تقنع
# قال أبو حاتم عن الأصمعي قال حدثنا أبو عمرو الصفار عن الحجاج بن الأسود
~~قال: احتاجت عجوز من العجز القدم، قال: فجزعت إلى المسألة، ولو صبرت لكان
~~خيرا لها. ولقد بلغني أن الإنسان يسأل فيمنع، ويسأل فيمنع، والصبر منتبذ
~~ناحية يقول: لو صرت إلي لكفيتك.
# وكان يقال: أنت أخو العز ما التحفت القناعة، ويقال: اليأس حر والرجاء
~~عبد.
# وقال بعض المفسرين في قول الله عز وجل: فلنحيينه حياة طيبة
# «2» قال: بالقناعة.
# وقال سعد بن أبي وقاص لابنه عمر: يا بني إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة،
~~فإن لم تكن لك قناعة فليس يغنيك مال.
# وقال عروة بن أذينة «3» : [بسيط] لقد علمت- وما الإسراف في طمع-* أن الذي
~~هو رزقي سوف يأتيني
# أسعى له فيعنيني تطلبه ... ولو قعدت أتاني لا يعنيني «4»
# وقال أبو العتاهية: [رجز]
# إن كان لا يغنيك ما يكفيكا ... فكل ما في الأرض لا يغنيكا
# PageV03P207
# وقال بعضهم: الغنى والفقر يجولان في طلب القناعة فإذا وجداها قطناها «1»
~~.
# حجت أعرابية على ناقة لها، فقيل لها: أين زادك؛ قلت: ما معي إلا ما في
~~ضرعها. وقال الشاعر: [كامل]
# يا روح من حسمت قناعته ... سبب المطامع من غد وغد
# من لم يكن لله متهما ... لم يمس محتاجا إلى أحد
# وقال أردشير: خير الشيم القناعة، ونماء العقل بالتعلم.
# وقال النمر بن تولب: [كامل]
# ومتى تصبك خصاصة فارج الغنى ... وإلى الذي يهب الرغائب فارغب
# لا تغضبن على امرىء في ماله ... وعلى كرائم صلب مالك فاغضب «2»
# وقال أبو الأسود: [طويل]
# ولا تطمعن في مال جار لقربه ... فكل قريب لا ينال بعيد
# وقال كعب بن زهير «3» . [بسيط]
# قد يعوز الحازم المحمود نيته ... بعد الثراء ويثري العاجز الحمق
# فلا تخافي علينا الفقر وانتظري ... فضل الذي بالغنى من فضله نثق
# وشكا رجل إلى قوم ضيقا فقال له بعضهم: شكوت من يرحمك إلى من لا يرحمك.
# PageV03P208
# وقال هشام بن عبد الملك لسالم بن عبد الله ودخلا الكعبة: سلني حاجتك،
~~قال: أكره أن أسأل في بيت الله غير الله. ورأى رجلا يسأل في الموقف فقال:
~~أفي مثل هذا الموضع تسأل غير الله عز وجل!.
# وقال ابن المعذل «1» : [طويل]
# تكلفني إذلال نفسي لعزها ... وهان عليها أن أهان لتكرما
# تقول سل المعروف يحيى بن أكثم ... فقلت سليه رب يحيى بن أكثما «2»
# وقال ابن عباس: المساكين لا يعودون مريضا ولا يشهدون جنازة، وإذا سأل
~~الناس الله سألوا الناس.
# وكان الحسن يطرد السؤال يوم الجمعة، ولا يرى لهم جمعة.
# وقال بعض الشعراء: [بسيط]
# حب الرياسة داء لا دواء له ... وقل ما تجد الراضين بالقسم»
# وقال محمود الوراق: [كامل]
# شاد الملوك قصورهم وتحصنوا ... عن كل طالب حاجة أو راغب
# غالوا بأبواب الحديد لعزها ... وتنوقوا في قبح وجه الحاجب «4»
# وإذا تلطف للدخول إليهم ... راج تلقوه بوعد كاذب
# فارغب إلى ملك الملوك ولا تكن ... يا ذا الضراعة طالبا من طالب
# PageV03P209
# وجد على ميل «1» في طريق مكة: [هزج]
# ألا يا طالب الدنيا ... دع الدنيا لشانيكا
# إلى كم تطلب الدنيا ... وظل الميل يكفيكا «2»
# قال مطرف بن عبد الله لابن أخيه: إذا كانت لك إلي حاجة فاكتب بها رقعة
~~فإني أضن بوجهك عن ذل السؤال.
# وقال أبو الأسود:
# وإن أحق الناس إن كنت مادحا ... بمدحك من أعطاك والوجه وافر «3»
# وكان معاوية يتمثل بهذين البيتين: [مجزوء الكامل المرفل]
# وفتى خلا من ماله ... ومن المروءة غير خالي
# أعطاك قبل سؤاله ... فكفاك مكروه السؤال
# وقال آخر: [طويل]
# أبا مالك لا تسأل الناس والتمس ... بكفيك سيب الله فالله أوسع «4»
# فلو تسأل الناس التراب لأوشكوا ... إذا قلت هاتوا أن يميلوا فيمنعوا
# والمشهور في هذا قول عبيد «5» : [مخلع البسيط]
# من يسأل الناس يحرموه ... وسائل الله لا يخيب
# قال سليمان لأبي حازم: سل حوائجك؛ فقال: قد رفعتها إلى من لا
# PageV03P210
# تخذل الحوائج دونه.
# قال بعض المفسرين في قول الله عز وجل: وهو خير الرازقين
# «1» أي المخلوق يرزق فإذا سخط قطع رزقه، والله عز وجل يسخط ولا يقطع.
# وقال الشاعر: [بسيط]
# لا تضرعن لمخلوق على طمع ... فإن ذلك وهن منك بالدين «2»
# واسترزق الله رزقا من خزائنه ... فإنما هو بين الكاف والنون «3»
# وقال الخليل بن أحمد «4» : [بسيط]
# أبلغ سليمان أني عنه في سعة ... وفي غنى غير أنى لست ذا مال «5»
# شحا بنفسي، إني لا أرى أحدا ... يموت هزلا ولا يبقى على حال «6»
# فالرزق عن قدر لا الضعف يمنعه ... ولا يزيدك فيه حول محتال «7»
# وقال المعلوط: [طويل]
# متى ما ير الناس الغني وجاره ... فقير يقولوا عاجز وجليد «8»
# وليس الغنى والفقر من حيلة الفتى ... ولكن حظوظ قسمت وجدود «9»
# وقال آخر: [طويل]
# PageV03P211
# يخيب الفتى من حيث يرزق غيره ... ويعطى الفتى من حيث يحرم صاحبه
# وقال أبو الأسود «1» : [منسرح]
# ليتك آذنتني بواحدة ... تجعلها منك سائر الأبد
# تحلف ألا تبرني أبدا ... فإن فيها بردا على كبدي
# إن كان رزقي إليك فارم به ... في ناظري حية على رصد «2»
# وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حرفة يقال فيها خير من مسألة الناس.
# وقال سعيد بن العاص: موطنان لا أستحيي من العي «3» فيهما: عند مخاطبتي
~~جاهلا، وعند مسألتي حاجة لنفسي.
# حدثني محمد بن عبيد عن أبي عبد الله عن محمد بن عبد الله بن واصل قال:
~~جاء رجل إلى شريح يستقرض دراهم؛ فقال له شريح: حاجتك عندنا فأت منزلك فإنها
~~ستأتيك، إني لأكره أن يلحقك ذلها.
# حدثني الرياشي عن الأصمعي عن حكيم بن قيس بن عاصم عن أبيه أنه أوصى بنيه
~~عند موته فقال: إياكم والمسألة، فإنها آخر كسب الرجل.
# وقال بعض المحدثين: [طويل]
# عودت نفسي الضيق حتى ألفته ... وأحرجني حسن العزاء إلى الصبر
# ووسع قلبي للأذى الأنس بالأذى ... وقد كنت أحيانا يضيق به صدري
# وصيرني يأسي من الناس راجيا ... لسرعة لطف الله من حيث لا أدري
# PageV03P212
# وقال آخر: [مجزوء الرجز]
# حسبي بعلمي لو نفع ... ما الذل إلا في الطمع
# من راقب الله نزع ... عن قبح ما كان صنع «1»
# ما طار شيء فارتفع ... إلا كما طار وقع
### | الحرص والإلحاح
# لما قتل كسرى بزرجمهر وجد في منطقته كتابا: إذا كان القدر حقا فالحرص
~~باطل، وإذا كان الغدر في الناس طباعا فالثقة بكل أحد عجز، وإذا كان الموت
~~لكل أحد راصدا فالطمأنينة إلى الدنيا حمق.
# وقال بعض الشعراء: [كامل]
# من عف خف على الصديق لقاؤه ... وأخو الحوائج وجهه مملول
# وفي كتاب للهند: لا يكثر الرجل على أخيه الحوائج؛ فإن العجل إذا أفرط في
~~مص أمه نطحته ونحته.
# وقال عدي بن زيد: [سريع]
# قد يدرك المبطىء من حظه ... والرزق قد يسبق جهد الحريص
# وقال ابن المقفع: الحرص محرمة، والجبن مقتلة، فانظر فيما رأيت وسمعت أمن
~~قتل في الحرب مقبلا أكثر أم من قتل مدبرا، وانظر من يطلب إليك بالإجمال
~~والتكرم أحق أن تسخو نفسك له بالعطية أم من يطلب ذلك
# PageV03P213
# بالشره «1» والحرص.
# وقال الشاعر: [بسيط]
# كم من حريص على شيء ليدركه ... وعل إدراكه يدني إلى عطبه «2»
# وقال آخر: [متقارب]
# ورب ملح على بغية ... وفيها منيته لو شعر «3»
# والعرب تقول في الرجل الملح في الحوائج الذي لا تنقضي له حاجة إلا سأل
~~أخرى: [بسيط]
# لا يرسل الساق إلا ممسكا ساقا
# وأصل المثل في الحرباء، إذا اشتد عليه حر الشمس لجأ إلى شجرة ثم توقى في
~~أغصانها، فلا يرسل غصنا حتى يقبض على آخر.
# وقال الشاعر: [بسيط]
# أنى أتيح له حرباء تنضبة ... لا يرسل الساق إلا ممسكا ساقا «4»
# وفي كتاب كليلة: لا فقر ولا بلاء كالحرص والشره، ولا غنى كالرضا
~~والقناعة، ولا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن الخلق.
# قال ابن المقفع: الحرص والحسد بكرا الذنوب «5» وأصل المهالك؛ أما الحسد
~~فأهلك إبليس، وأما الحرص فأخرج آدم من الجنة.
# PageV03P214
# وفي كتاب كليلة: خمسة حرصاء، المال أحب إليهم من أنفسهم:
# المقاتل بالأجرة، وحفار القني «1» والأسراب، والتاجر يركب البحر، والحاوي
~~يلسع يده الحية، والمخاطر على شرب السم.
# دخل مالك بن دينار على رجل محبوس قد أخذ بمال عليه وقيد، فقال له: يا أبا
~~يحيى، أما ترى ما نحن فيه من هذه القيود! فرفع مالك رأسه فرأى سلة، فقال:
~~لمن هذه؟ قال: لي، قال: فأمر بها أن تنزل، فأنزلت فوضعت بين يديه، فإذا
~~دجاج وأخبصة «2» ، فقال مالك: هذه وضعت القيود في رجلك.
# كان أشعب يقول: أنا أطمع وأمي تيقن «3» فقل ما يفوتنا.
# وقال النابغة «4» : [كامل]
# واليأس عما فات يعقب راحة ... ولرب مطعمة تعود ذباحا «5»
# وقال أبو علي الضرير: [وافر]
# فإني قد بلوتكم جميعا ... فما منكم على شكري حريص
# وأرخصت الثناء فعفتموه ... وربتما غلا الشيء الرخيص
# فعفت نوالكم ورغبت عنه ... وشر الزاد ما عاف الخصيص «6»
# وقال أعرابي: [خفيف]
# أيها الدائب الحريص المعنى ... لك رزق وسوف تستوفيه
# PageV03P215
# قبح الله نائلا ترتجيه ... من يدي من تريد أن تقتضيه
# إنما الجود والسماح لمن يع ... طيك عفوا وماء وجهك فيه «1»
# لا ينال الحريص شيئا فيكفي ... ه وإن كان فوق ما يكفيه
# فسل الله وحده ودع النا ... س وأسخطهم بما يرضيه
# لا ترى معطيا لما منع الل ... ه ولا مانعا لما يعطيه
# وجد بالأصل بآخر هذا الجزء ما يأتي:
# آخر كتاب الحوائج، وهو الكتاب الثامن من عيون الأخبار لابن قتيبة رحمة
~~الله عليه. وكتبه الفقير إلى رحمة الله تعالى إبراهيم بن عمر بن محمد ابن
~~علي الواعظ الجزري وذلك في شهور سنة أربع وتسعين وخمسمائة.
# والحمد لله رب العالمين، وصلاته وسلامه على سيدنا محمد النبي وآله
~~أجمعين. ويتلوه الكتاب التاسع وهو كتاب الطعام، والله الموفق للصواب.
# وفيه كذلك- وهو من زيادات النساخ-:
# في الاستعفاف: [سريع]
# عليك باليأس من الناس ... إن غنى نفسك في اليأس
# كم صاحب قد كان لي وامقا ... إذ كان في حالة إفلاس»
# أقول لو قد نال هذا الغنى ... صيرني منه على الراس
# حتى إذا ما صار فيما اشتهي ... وعده الناس من الناس
# قطع بالصد حبال الصفا ... مني ولما يرض بالقاسي «3»
# وقال آخر وقد أحسن «4» : [مجزوء الرمل]
# PageV03P216
# إن للمعروف أهلا ... وقليل فاعلوه
# أهنأ المعروف ما لم ... تبتذل فيه الوجوه
# أنت ما استغنيت عن صا ... حبك الدهر أخوه
# فإذا احتجت إليه ... ساعة مجك فوه
# إنما يعرف الفض ... ل من الناس ذووه
# لو رأى الناس نبيا ... سائلا ما وصلوه
# وكتب أبو العيناء «1» إلى أبي القاسم بن عبيد الله بن سليمان رقعة يقول
~~فيها: أنا- أعزك الله- وولدي وعيالي زرع من زرعك، إن سقيته راع «2» وزكا،
~~وإن جفوته ذبل وذوى. وقد مسني منك جفاء بعد بر وإغفال بعد تعهد، فشمت عدو،
~~وتكلم حاسد، ولعبت بي ظنون؛ وانتزاع العادة شديد. ثم كتب في آخرها: [رمل]
# لا تهني بعد إكرامك لي ... فشديد عادة منتزعه
# وقال آخر: [بسيط]
# ما لي معاش سوى ضد المعاش فلا ... أغدو إلى عمل إلا بلا أمل
# وليس لي شغل يجدي علي إذا ... فكرت فيه وما أنفك من شغل
# كل امرىء رائح غاد إلى عمل ... وما أروح ولا أغدو إلى عمل
# ولست في الناس موجودا كبعضهم ... وإنما أنا بعض الناس في المثل
# وقال آخر: [سريع]
# المرء بعد الموت أحدوثة ... يفنى وتبقى منه آثاره
# PageV03P217
# يطويه من أيامه ما طوى ... لكنه تنشر أسراره
# وأحسن الحالات حال امرىء ... تطيب بعد الموت أخباره
# يفنى ويبقى ذكره بعده ... إذا خلت من شخصه داره
# وقال حبيب الطائي: [بسيط]
# وما ابن آدم إلا ذكر صالحة ... أو ذكر سيئة يسري بها الكلم
# أما سمعت بدهر باد أمته ... جاءت بأخبارها من بعدها أمم
# في البخل: [متقارب]
# طرقت أناسا على غرة ... فذقت من العيش جهد البلاء «1»
# فأما القديد وأشباهه ... فذاك مفاتيحه في السماء «2»
# وأما السويق ففي عيبة ... يشم ويدعى له بالبقاء «3»
# ومن حاول الخبز قالوا له ... أتذكر شيئا خبي للدواء «4»
# PageV03P218
### | كتاب الطعام
### | صنوف الأطعمة
# قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري رحمة الله عليه: قال
~~عمر بن الخطاب رضي الله عنه للأحنف: أي الطعام أحب إليك؟ قال: الزبد
~~والكماة «1» ؛ فقال عمر: ما هما بأحب الأطعمة إليه، ولكنه يحب الخصب
~~للمسلمين.
# قال الأصمعي: قال رجل في مجلس الأحنف: ليس شيء أبغض إلي من التمر والزبد:
~~فقال الأحنف: رب ملوم لا ذنب له.
# عن أبي عمرو بن العلاء قال: قال الحجاج لجلسائه: ليكتب كل رجل في رقعة
~~أحب الطعام إليه ويجعلها تحت مصلاى؛ فإذا في الرقاع كلها الزبد والتمر.
# عن الأصمعي قال قال مدني: الكبادات «2» أربع: العصيدة «3» والهريسة
~~والحيسة «4» والسميذة «5» .
# PageV03P219
# عن الأصمعي عن حزم قال: قال مالك بن حقبة لحسان بن الفريعة: ما تزودت
~~إلينا؟ قال: الحيس؛ قال: ثلاثة أسقية في وعاء.
# قال الأصمعي: قال بعض الأعراب: أشتهي ثريدة «1» دكناء من الفلفل، رقطاء
~~«2» ، من الحمص، ذات حفافين «3» من اللحم، لها جناحان من العراق «4» ، أضرب
~~فيها ضرب ولي السوء في مال اليتيم.
# وقال ابن الأعرابي: يقال: أطيب اللحم عوذه، أي أطيبه ما ولي العظم، كأنه
~~عاذ به.
# عن أبي عبيدة قال: مر الفرزدق بيحيى بن الحصين بن المنذر الرقاشي، فقال
~~له: هل لك يا أبا فراس في جدي سمين ونبيذ زبيب جيد؟
# فقال الفرزدق: وهل يأبى هذا إلا ابن المراغة «5» ! يعني جريرا.
# وقال الأحوص «6» لجرير: ما تحب أن يعدلك؟ قال: شواء وطلاء «7» وغناء؛
~~قال: قد أعدت لك.
# وقال مدني لصديق له: والله أشتهي كشكية «8» ، ومد بها صوته فخرجت
# PageV03P220
# منه ريح؛ فقال له: ما أسرع ما لفحتك يابن عم.
# وعن الأصمعي قال: قال شيخ من أهل المدينة: أتيت فلانا فأتاني بمرقة كان
~~فيها مسقى «1» ، فلم أر فيها إلا كبدا طافية، فغمست يدي فوجدت مضغة «2» ،
~~فمددتها فلامتدت حتى كأني أزمر في ناي.
# أدخل أعرابي على كسرى ليتعجب من جفائه وجهله؛ فقال له: أي شيء أطيب لحما؟
~~قال: الجمل. قال: فأي شيء أبعد صوتا؟ قال: الجمل.
# قال: فأي شيء أنهض بالحمل الثقيل؟ قال: الجمل. قال كسرى: كيف يكون لحم
~~الجمل أطيب من البط والدجاج والفراخ والدراج «3» والجداء؟ قال:
# يطبخ لحم الجمل بماء وملح، ويطبخ ما ذكرت بماء وملح حتى يعرف فضل ما بين
~~الطعمين. قال: كيف يكون الجمل أبعد صوتا ونحن نسمع الصوت من الكركي «4» من
~~كذا وكذا ميلا؟ قال الأعرابي: ضع الكركي في مكان الجمل وضع الجمل في مكان
~~الكركي حتى تعرف أيهما أبعد صوتا. قال كسرى: كيف تزعم أن الجمل أحمل للحمل
~~الثقيل والفيل يحمل كذا وكذا رطلا؟ قال: ليبرك الفيل ويبرك الجمل وليحمل
~~على الفيل حمل الجمل، فإن نهض به فهو أحمل للأثقال.
# عن جعفر بن سليمان قال: شيئان لا يزيدهما كثرة النفقة طيبا: الطيب
~~والقدر، ولكن تطيبهما إصابة القدر.
# وفيما أجاز لنا عمرو بن بحر الجاحظ من كتبه «5» قال: كان أبو عبد
# PageV03P221
# الرحمن الثوري يعجب بالرءوس ويصفها ويسمي الرأس عرسا لما تجمع فيه من
~~الألوان الطيبة وكان يسميه مرة الجامع ومرة الكامل، ويقول: الرأس شيء واحد
~~وهو ذو ألوان عجيبة وطعوم مختلفة، وكل قدر وكل شواء فإنما هو شيء واحد،
~~والرأس فيه الدماغ وطعمه مفرد، والعينان وطعمهما مفرد وفيه الشحمة التي بين
~~أصل الأذن ومؤخر العين وطعمها على حدة، على أنه هذه الشحمة خاصة أطيب من
~~المخ وأنعم من الزبد وأدسم من السلاء «1» ، ثم يعد أسقاطه «2» كلها. ويقول:
~~الرأس سيد البدن، وفيه الدماغ وهو معدن العقل، ومنه يتفرق العصب الذي فيه
~~الحس، وبه قوام البدن، وإنما القلب باب العقل؛ كما أن النفس هي المدركة
~~والعين هي باب الألوان، والنفس هي السامعة الذائقة وإنما الأنف والأذن
~~بابان. ولولا أن العقل في الرأس لما ذهب العقل من الضربة تصيبه؛ وفي الرأس
~~الحواس الخمس. وكان ينشد:
# همو ضربوا رأسي وفي الرأس أكثري ... وغودر عند الملتقى ثم سائري «3»
# وكان لا يشتري الرأس إلا في زيادة الشهر لمكان زيادة الدماغ، ولا يشتريه
~~إلا يوم السبت لأن الرءوس يوم السبت أكسد، للفضلات التي تبقى في منازل
~~التجار عن يوم الجمعة. وكان إذا فرغ من غدائه يوم الرأس، عمد إلى القحف «4»
~~والى اللحيين «5» فوضعه قرب بيوت النمل والذر، فإذا اجتمعن عليه أخذه ونفضه
~~في طست فيه ماء، ولا يزال يعيد ذلك على تلك المواضع حتى
# PageV03P222
# يقلع النمل والذر من داره، فإذا فرغ من ذلك ألقاه من الحطب فاستوقده في
~~التنور.
# الأصمعي قال: قال أبو صوارة أو ابن دقة: الأرز الأبيض بالسمن المسلي
~~بالسكر الطبرزد»
# ، ليس من طعام أهل الدنيا.
# قال: وقال أبو صوارة أو ابن دقة: أطول الليالي ثلاث: ليلة العقرب، وليلة
~~الهريسة، وليلة جدة إلى مكة.
# الأصمعي عن جعفر بن سليمان قال: قال أبو كامل مولي علي رضي الله عنه:
~~أطعموني حفنة زبد ثم اختموا سراويلي ثلاثا.
# وقال رجل للثوري في الحديث: إن الله يبغض البيت اللحم؛ فقال:
# ليس هو الذي يؤكل فيه اللحم، وإنما هو الذي يؤكل فيه لحوم الناس.
# عن أبي الصديق «2» الناجي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خير
~~تمراتكم البرني «3» يذهب بالداء ولا داء فيه» .
# وعن ابن عمر عن عمر أنه قال: يا غلام أنضج العصيدة تذهب حرارة الزيت.
# وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بيت ليس فيه تمر
~~جياع أهله» .
# شيخ من أهل البادية قال: أضافنا فلان فأتانا بحنطة كأنها مناقير الغربان،
~~وتمر كأنه أعناق الوز يوحل «4» فيه الضرس.
# PageV03P223
# الأصمعي قال: قال أعرابي: تمرنا جرد «1» فطس «2» يغيب فيه الضرس، كأن
~~نواه ألسن الطير، تضع التمرة في فيك فتجد حلاوتها في كعبيك.
# الأصمعي عن أبيه قال: أسر رجل رجلين في الجاهلية فخيرهما بم بعشيهما،
~~فاختار أحدهما اللحم واختار الآخر التمر، فعشيا وألقيا في الفناء وذلك في
~~شتاء شديد، فأصبح صاحب اللحم خامدا وأصبح صاحب التمر تزر «3» عيناه.
# وقال غير الأصمعي: قيل لأعرابي: ما رأيك في أكل الجري «4» ؟ قال:
# تمرة نرسيانة «5» غراء الطرف صفراء السائر عليها مثلها زبدا أحب إلي
~~منها، ثم أدركه الورع فقال: وما أحرمهما.
# وقال بعض الأعراب: [طويل]
# ألا ليت لي خبزا تسربل رائبا ... وخيلا من البرني فرسانها الزبد «6»
# قال: ورأى أعرابي دقيقا وتمرا فاشترى التمر؛ قيل له: كيف وسعر الدقيق
~~والتمر واحد! قال: إن في التمر أدمه «7» وزيادة حلاوة.
# عن زياد النميري قال: قالت عائشة: من أكل التمر وترا «8» لم يضره.
# PageV03P224
# الأصمعي قال: حدثني شيخ عالم قال: أطيب التمر صيحانية «1» مصلبة.
# الأصمعي قال: حدثني رجل من آل حزم قال: كان يقال: من خلا «2» على التمر
~~فالعجوة، ومن أكله على ثقل فالصيحاني.
# الأصمعي قال: قال أعرابي يفضل الرطب على العسل: أتجعل عسلة في أخثاء «3»
~~البقر كعسلة في جو السماء لها محارس من جريد «4» وذوائب «5» من زمرد!.
# وقال الأصمعي: قيل لابن القداح: التمر أطيب؟ فدعا بأنواع التمر، فلما
~~أكلوا قال: انظروا أي النوى أكثر؟ قالوا: نوى الصيحاني، قال: هو أطيب.
# وقال الأصمعي: العرب تقول للبخيل الأكول: أبرما قرونا «6» أي لا يخرج مع
~~أصحابه شيئا ويأكل تمرتين تمرتين.
# وقال النابغة يصف تمرا: [طويل]
# صغار النوى مكنوزة ليس قشرها ... إذا طار قشر التمر عنها بطائر
# سمع الحسن رجلا يعيب الفالوذج «7» فقال: فتاب البر بلعاب النحل
# PageV03P225
# بخالص السمن! ما عاب هذا مسلم. وقال لفرقد السبخي: يا أبا يعقوب، بلغني
~~أنك لا تأكل الفالوذج؛ فقال: يا أبا سعيد، أخاف ألا أؤدي شكره؛ فقال: يا
~~لكع «1» ! وهل تؤدي شكر الماء البارد «2» في الصيف والحار في الشتاء! أما
~~سمعت قول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم
# «3» .
# الأصمعي قال: اختصم رومي وفارسي في الطعام، فحكما بينهما شيخا قد أكل
~~طعام الخلفاء، فقال: أما الرومي فذهب بالحشو والأحشاء، وأما الفارسي فذهب
~~بالبارد والحلواء.
# وعن الأصمعي قال: كنا عند الرشيد فقدمت إليه فالوذجة، فقال: يا أصمعي
~~حدثنا بحديث مزرد، فقلت: إن مزردا أخا الشماخ «4» كان غلاما جشعا وكانت أمه
~~تؤثر عيالها بالطعام عليه وكان ذلك يحفظه «5» ، فخرجت أمه ذات يوم تزور بعض
~~أهلها، فدخل مزرد الخيمة وعمد إلى صاعي دقيق وصاع من تمر وصاع من سمن فجمعه
~~ثم جعل يأكله وهو يقول: [طويل]
# ولما غدت أمي تمير بناتها ... أغرت على العكم الذي كان يمنع «6»
# PageV03P226
# لبكت بصاعي حنطة صاع عجوة ... إلى صاع سمن فوقه يتربع «1»
# ودبلت أمثال الأثافي كأنها ... رءوس نقاد قطعت يوم تجمع «2»
# وقلت لبطني أبشر اليوم إنه ... حمى أمنا مما تحوز وترفع
# فإن كنت مصفورا فهذا دواؤه ... وإن كنت غرثانا فذا يوم تشبع «3»
# فضحك الرشيد حتى استلقى على ظهره، ثم قال: كلوا باسم الله، هذا يوم تشبع
~~(يا أصمعى) «4» .
# قال: وكتب الحجاج إلى عامله بفارس: ابعث إلي عسلا من عسل خلار «5» ، من
~~النحل الأبكار، من الدستفشار «6» ، الذي لم تمسه النار.
# وقال الأصمعي: كتب بعض الخلفاء إلى عامله بالطائف: أن أرسل إلي بعسل أخضر
~~في سقاء، أبيض في الإناء، من عسل الندغ «7» والسحاء «8» ، من حداب بني
~~شبابة «9» .
# والعرب تصف العسل بالبرودة.
# وفي حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الشراب قال:
# «الحلواء البارد يعني العسل» . وقال الأعشى: [هزج]
# كما شيب بماء با ... رد من عسل النحل «10»
# PageV03P227
# ويقال: أجود العسل الذهبي الذي قطرت منه قطرة على وجه الأرض أستدار كما
~~يستدير الزئبق ولم ينفش ولم يختلط بالأرض والتراب.
# والروم تقول: أجوده ما يلطخ على فتيلة ثم تشعل فيه النار فيعلق.
# وسئل ديمقراطيس العالم عما يزيد في العمر فقال: من أدام أكل العسل ودهن
~~جسمه به زاد الله بذلك في عمره.
# والعسل إن جعل فيه اللحم الطري بقي كهيئته حتى لا ينتن. ويقال:
# من كان به داء قديم فليأخذ درهما حلالا وليشتر به عسلا ثم يشربه بماء
~~سواء فإنه يبرأ بإذن الله تعالى. وكان الحسن يعجبه إذا استمشى «1» الرجل أن
~~يشرب اللبن والعسل.
# ويزعم أصحاب الطبائع أن العسل إذا ديف «2» بالماء وخلط معه زيت أو دهن
~~سمسم نافع لمن شرب السموم والأدوية القاتلة يتقيأ به.
# ميمون بن مهران عن ابن عباس قال- ولا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه
~~وسلم- أنه قال: «أكرموا الخبز فإن الله سخر له السموات والأرض» .
# الأصمعي قال: كانت امرأة من بكر بن وائل تنزل الطفاوة «3» وكانت قد أدركت
~~بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان العباد يغشونها في منزلها؛ فعاب
~~عائب عندها السويق، فقالت: لا تفعل! إنه طعام المسافر، وطعام العجلان «4» ،
~~وغذاء المبكر، وبلغة المريض «5» ، ويشد فؤاد الحزين، ويرد من
# PageV03P228
# نفس الضعيف؛ وهو جيد في التسمين ونقاوة البلغم، ومسمونه «1» يصفي الدم،
~~إن شئت كان ثريدا، وإن شئت كان خبيصا، وإن شئت كان خبزا.
# وكان غسان بن عبد الحميد كاتب سليمان بن علي يقول لجاريته:
# خوضي «2» لنا سيوقا فأخثريه «3» ، فإن الرجل لا يستحي أن يزداد ماء
~~فيرققه، ويستحي أن يزداد سويقا فيخثره به.
# مر عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بعبد الحميد بن علي وهو في
~~مزرعته وقد عطش، فاستسقاه فخاض له سويق لوز فسقاه إياه؛ فقال عبد الله:
~~[وافر]
# شربت طبرزذا «4» بغريض مزن ... ولكن الملاح بكم عذاب
# وما هو بالطبرزذ طاب لكن ... بمسك إنه طاب الشراب
# وأنت إذا وطئت تراب أرض ... يطيب إذا مشيت به التراب
# لأن نداك ينفي المحل عنها ... وتحييها أياديك الرطاب
# وقال الحسن: لا تسقوا نساءكم السويق، فإن كنتم لا بد فاعلين فاحفظوهن.
# وقال الرقاشي: السمنة للنساء غلمة «5» وهي للرجال غفلة.
# عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ترد: اللبن
~~والسواك «6» .
# PageV03P229
# والدهن» .
# الرياشي قال: سمعت أبا يزيد يقول: رأيت رجلا كأن أسنانه الذهب لشربه
~~اللبن حارا.
# الأصمعي عن ذي الرمة أنه قال: إذا قلت للرجل: أي اللبن أطيب؟
# فإن قال: قارص «1» ، فقل: عبد من أنت «2» ؟ وإن قال: الحليب، فقل: ابن من
~~أنت؟.
# مر رجل من قريش بامرأة من العرب في بادية، فقال: هل من لبن يباع؟ فقالت:
~~إنك لئيم أو قريب عهد بقوم لئام وكان يقال: اللبن أحد اللحمين.
# وقال بعض المدنيين: من تصبح «3» بسبع موزات وبقدح من لبن إبل أوارك «4»
~~تجشأ «5» بخور الكعبة.
# وقف معاوية على امرأة فقال: هل من قرى؟ فقالت: نعم، قال: وما هو؟ قالت:
~~خبز خمير ولبن فطير «6» وماء نمير «7» ، والعرب تقول: إن الرثيئة تفثأ
~~الغضب. والرثيئة: اللبن الحامض يحلب عليه الحليب، وهو أطيب اللبن.
# قال بعض الأعراب:
# وإذا خشيت على الفؤاد لجاجة ... فاضرب عليه بجرعة من رائب
# PageV03P230
# وعن مطر الوراق: أن نبيا من الأنبياء شكا إلى الله تعالى الضعف، فأوحى
~~الله إليه: أن اطبخ اللبن باللحم، فإن القوة فيهما.
# وصف أعرابي خصب البادية فقال: كنت أشرب رثيئة «1» تجرها الشفتان جرا،
~~وقارصا إذا تجشأت جدع أنفي، ورأيت الكمأة «2» تدوسها الإبل بمناسمها،
~~وخلاصة «3» يشمها الكلب فيعطس.
# وتقول الأطباء: إن اللبن إذا سخن بالنار وسيط «4» بعدود من عيدان شجر
~~التين راب من ساعته. وقالوا: وإن أراد صاحبه ألا يروب وإن كان فيه روبة جعل
~~فيه شيئا من الحبق، وهو الفوذنج «5» النهري، فإنه يبقى كهيئته.
### | أخبار من أخبار العرب في مآكلهم ومشاربهم
# المعلى الربعي قال: مكثت ثلاثا لا أذوق طعاما ولا أشرب فيهن شرابا فدعوت
~~الله تعالى، وإذا دعا العبد الله بقلب صادق كانت معه من الله عين بصيرة،
~~فدفعت إلى ذئبين في جفر «6» ، فرميتهما فقتلتهما، ثم أتيت جفرا فيه ماء
~~فاستقيت، ثم أتيتهما وإذا هما على مهيد يتيهما «7» ، وإذا لهما نخفة- يعني
~~شبه الزفير- فاشتويت واحتذيت «8» وادهنت.
# PageV03P231
# قال ابن قرفة (شيخ من سليم) : أضافني رجل من الأعراب فجاءني بقدر جماع
~~«1» ضخمة ليس فيها شيء من طعام إلا قطع لحم، فإذا بضعة «2» تنمات «3» في
~~فمي، وبضعة كأنها بضع ساق، وبضعة كأنها شحم زخم «4» ؛ فقلت: ما هذا؟ فقال:
~~إني رجل صياد، جمعت بين ذئب وظبي وضبع.
# قال مدني لأعرابي: ما تأكلون وما تدعون؟ قال: نأكل ما دب ودرج إلا أم
~~حبين؛ فقال المدني: ليهنىء أم حبين «5» العافية.
# قعد على مائدة الفضل بن يحيى «6» رجل من بني هلال بن عامر، فذكروا الضب
~~ومن يأكله، فأفرط الفضل في ذمه وتابعه القوم، فغاظ الهلالي ما سمع منهم،
~~ولم يكن على المائدة عربي غيره، ثم لم يلبث أن أتي الفضل بصحفة فيها فراخ
~~الزنابير، فلم يشك الأعرابي أنها ذبان البيوت، فقال حين خرج: [طويل]
# وعلج يعاف الضب لؤما وبطنة ... وبعض إدام العلج هام ذباب «7»
# ولو أن ملكا في الملا ناك أمه ... لقالوا لقد أوتيت فصل خطاب
# وقال أبو الهندي «8» (رجل من العرب] : [متقارب]
# PageV03P232
# أكلت الضباب فما عفتها ... وإني لاشهى قديد الغنم «1»
# ولحم الخروف حنيذا وقد ... أتيت به فاترا في الشبم «2»
# فأما البهط وحيتانكم ... فما زلت منها كثير السقم «3»
# وقد نلت منها كما نلتم ... فلم أر فيها كضب هرم
# ولا في البيوض كبيض الدجاج ... وبيض الدجاج شفاء القرم «4»
# ومكن الضباب طعام العريب ... ولا تشتهيه نفوس العجم «5»
# وقال بعض الأعراب: [سريع]
# وأنت لو ذقت الكشى بالأكباد ... لما تركت الضب يعدو بالواد «6»
# ونزل رجل من العرب برجل من الأعراب فقدم إليه جرادا؛ فقال:
# لحى الله بيتا ضمني بعد هجعة ... إليه دجوجي من الليل مظلم «7»
# فأبصرت شيخا قاعدا بفنائه ... هو العنز إلا أنه يتكلم
# أتانا ببرقان الدبى في إنائه ... ولم يك برقان الدبى لي مطعم «8»
# فقلت له غيب إناءك واعتزل ... فهل ذاق هذا، لا أبالك، مسلم
# وقال بعض العباسيين: [خفيف]
# PageV03P233
# ليت شعري متى تخب بي النا ... قة نحو العذيب فالصنين «1»
# محقبا زكرة وخبز رقاق ... وجبينا وقطعة من نون «2»
# وقال بعض الأعراب: [طويل]
# أقول له يوما وقد راح صحبتي ... ترى أبتغي من صيده وأخاتله «3»
# فلما التقت كفي على فضل ذيله ... وشالت شمالي زايل الضب باطله «4»
# فأصبح محنوذا نضيجا وأصبحت ... تمشى على القيزان حولا حلائله «5»
# شديد اصفرار الكشيتين كأنما ... تطلى بورس بطنه وشواكله «6»
# فذلك أشهى عندنا من نتاجكم ... لحى الله شاريه وقبح آكله «7»
# وبنو أسد تعير بأكل الكلاب؛ قال الفرزدق: [طويل]
# إذا أسدي جاع يوما ببلدة ... وكان سمينا كلبه فهو آكله
# وتعير أيضا بأكل لحوم الناس، كما قال الشاعر «8» : [وافر]
# إذا ما ضفت ليلا فقعسيا ... فلا تأكل له أبدا طعاما
# فإن اللحم إنسان فدعه ... وخير الزاد ما منع الحراما
# PageV03P234
# قال رجل: كنت بالبادية، فرأيت ناسا حول نار، فسألت عنهم فقالوا:
# صادوا حيات فهم يشتوونها ويأكلونها، فأتيتهم فرأيت رجلا منهم قد أخرج حية
~~من الجمر ليأكلها فامتنعت عليه، فجعل يمدها كما يمد عصيب «1» لم ينضج، فما
~~صرفت بصري عنه حتى لبج «2» به فمات، فسألت عن شأنه فقيل لي:
# عجل عليها قبل أن تنضج وتعمل في سمها النار.
# قال رجل من الأعراب لولده: اشتروا لي لحما، فاشتروه فطبخه حتى تهرى «3» ،
~~وأكل منه حتى انتهت نفسه، وشرعت إليه عيون ولده فقال: ما أنا بمطعمه أحدا
~~منكم إلا من أحسن وصف أكله: فقال الأكبر منهم: آكله يا أبت حتى لا أدع لذرة
~~فيه مقيلا؛ قال: لست بصاحبه. فقال الآخر: آكله حتى لا يدرى ألعامه هو أم
~~لعام أول؛ قال: لست بصاحبه. فقال الأصغر: أدقه يا أبت دقا وأجعل إدامه
~~المخ؛ قال: أنت صاحبه، هو لك.
# بينا أعرابي يسير وهو يوضع «4» بعيره إذ سقط بعيره فنحره وأكله، فأنشأ
~~يقول: [رجز]
# إن السعيد من يموت جمله ... يشبع لحما ويقل عمله
# ومر رجل من سلول بفتيان يشربون فشرب معهم؛ فلما أخذ منه الشراب قام إلى
~~بعيره فنحره، وقال: [رمل]
# عللاني إنما الدنيا علل ... ودعاني من ملام وعذل
# وانشلا ما اغبر من قدريكما ... واسقياني أبعد الله الجمل «5»
# PageV03P235
### | آداب الأكل والطعام
# عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الأكل في
~~السوق دناءة» . وعن عبد الرحمن بن عراك قال: بلغني أنه من غسل يده قبل
~~الطعام كان في سبعة من الرزق حتى يموت.
# عن الحسن أنه قال: الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم «1» .
# وعنه قال: قيل لسمرة بن جندب: إن أباك أكل طعاما كاد يقتله؛ قال:
# لو مات ما صليت عليه.
# وعن شرحبيل بن مسلم قال: قال أبو الدرداء: بئس العون على الدين قلب نخيب
~~«2» ، وبطن رغيب «3» ، ونعظ شديد «4» .
# أكل الجارود «5» مع عمر طعاما، ثم قال: يا جارية هات الدستورد «6» ؛ فقال
~~عمر: امسح باستك أو ذر «7» .
# قال جعفر: كنا نأتي فرقدا السبخي ونحن شببة «8» فيعلمنا: إن من
# PageV03P236
# ورائكم زمانا شديا، فشدوا الأزر «1» على أنصاف البطون، وصغروا اللقم،
~~وشددوا المضغ، ومصوا الماء مصا. وإذا أكل أحدكم فلا يحلن إزاره فتتسع
~~أمعاؤه. وإذا جلس أحدكم ليأكل فليقعد على أليتيه، وليلزق بطنه بفخذيه، وإذا
~~فرغ فلا يقعد وليجىء وليذهب؛ واحتموا «2» فإن من ورائكم زمانا شديدا.
# وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ساقي
~~القوم آخرهم شربا» .
# وعن الجارود بن أبي سبرة قال: قال لي بلال بن أبي بردة: أتحضر طعام هذا
~~الشيخ- يعني عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر-؛ فقلت: إيها «3» والله؛ فقال:
~~حدثني عنه. فقلت: نأتيه وكان سكيتا «4» ، إن حدثنا أحسن الحديث، وإن حدثناه
~~أحسن الاستماع، فإذا حضر الغداء جاء خبازه فمثل بين يديه؛ فيقول: ما عندك؟
~~فيقول: بطة بكذا، ودجاجة بكذا وكذا. قال: وما يريد بذاك؟ قلت: كي يحبس «5»
~~كل إنسان نفسه إلى ما يشتهي، فإذا وضع الخوان «6» خوى «7» تخوية الظليم «8»
~~فما له إلا موضع متكئه فيجد ويهزل، حتى إذا رآهم قد فتروا وكلوا «9» أكل
~~معهم أكل الجائع المقرور «10» حتى ينشطهم بأكله.
# PageV03P237
# وكان يقال: إذا اجتمع للطعام أربع كمل: أن يكون حلالا، وأن تكثر عليه
~~الأيدي، وأن يفتتح باسم الله، ويختتم بحمد الله.
# وكان يقال: سموا إذا أكلتم ودنوا وسمتوا «1» .
# قال أپرويز لصاحبي طعامه وشرابه: إني سلطتكما على المعشية، وأشركتكما في
~~الحياة، وجعلتكما أمينين على نفسي، ووليتكما من طعامي وشرابي ما التوسعة
~~فيه مروءة والتضييق فيه دناءة؛ فاجعلاه في فضله على ما سواه كفضلي على من
~~سواي، وفي كثرته ككثرة من معي على من مع غيري. ولا يشهدن طعامي الذي آكل
~~عين تراه ولا نفس تحسه ولا يد تداوله خلا نفسا واحدة؛ وإنما أفردته بذلك
~~لتستحكم الحجة فيه على من أضاع، وتنقطع الشبهة فيه عمن غفل، ولأجعل صاحب
~~ذاك رهنا بدم نفسه إن هو قصر في صنعه أو أوقع بغائلة «2» .
# الأصمعي قال حدثني ابراهيم بن صالح: أنه كان له جام «3» من حب رمان مدقوق
~~يسف منه بين كل لونين ملعقة حتى يعرف اختلاف الألوان.
# وفيما أجاز لنا عمرو بن بحر من كتبه قال: كان أبو عبد الرحمن الثوري يقعد
~~ابنه معه على خوانه يوم الرأس، ثم يقول: إياك ونهم الصبيان وأخلاق النوائح،
~~ودع «4» عنك خبط الملاحين والفعلة، ونهش الأعراب والمهنة، وكل من بين يديك؛
~~فإن حظك الذي وقع وصار إليك. واعلم أنه إذا كان في الطعام شيء طريف أو لقمة
~~كريمة أو بضعة شهية «5» ، فإنما ذلك للشيخ
# PageV03P238
# المعظم والصبي المدلل، ولست واحدا منهما. وأنت قد تأتي الدعوات، وتجيب
~~الولائم، وتدخل منازل الإخوان، وعهدك باللحم قريب، وإخوانك أشد قرما «1»
~~إليه منك، وإنما هو رأس واحد فلا عليك أن تتجافى عن بعض وتصيب بعضا. وأنا
~~بعد أكره لك الموالاة بين اللحم؛ فإن الله يبغض أهل البيت اللحمين «2» .
# وكان يقال: مدمن اللحم كمدمن الخمر.
# ورأى رجل رجلا يأكل لحما، فقال: لحم يأكل لحما، أف لهذا عملا!.
# وكان عمر يقول: إياكم وهذه المجازر، فإن لها ضرواة كضراوة الخمر «3» .
# يا بني عود نفسك الأثرة «4» ومجاهدة الهوى والشهوة، ولا تنهش نهش السباع،
~~ولا تخضم خضم البراذين «5» ، ولا تدمن الأكل إدمان النعاج، ولا تلقم لقم
~~الجمال؛ فإن الله تعالى جعلك إنسانا وفضلك، فلا تجعل نفسك بهيمة ولا سبعا.
~~واحذر سرعة الكظة وسرف البطنة «6» .
# قال بعض الحكماء: إذا كنت بطينا فعد نفسك من الزمني «7» . وقال الأعشى:
~~[خفيف]
# PageV03P239
# والبطنة مما تسفه الأحلاما «1»
# واعلم أن الشبع داعية البشم «2» ، وأن البشم داعية السقم، وأن السقم
~~داعية الموت، فمن مات بهذه الميتة فقد مات ميتة لئيمة، وهو مع هذا قاتل
~~نفسه، وقاتل نفسه الأم من قاتل غيره.
# يا بني، والله ما أدى حق الركوع والسجود ذو كظة، ولا خشع لله ذو بطنة،
~~والصوم مصحة، والوجبات «3» عيش الصالحين.
# أي بني، لأمر ما طالت أعمار الهند، وصحت أبدان الأعراب. فلله در الحارث
~~ابن كلدة «4» حيث يزعم أن الدواء هو الأزم «5» ، وأن الداء إدخال الطعام
~~إثر الطعام.
# أي بني، لم صفت أذهان الأعراب، وصحت أبدان الرهبان، مع طول الإقامة في
~~الصوامع حتى لم تعرف النقرس «6» ولا وجع المفاصل ولا الأورام، إلا لقلة
~~الرزء «7» وخفة الزاد. وكيف لا ترغب في تدبير يجمع لك صحة البدن، وذكاء
~~الذهن، وصلاح المعي»
# وكثرة المال، والقرب من عيش الملائكة!.
# PageV03P240
# أي بني، لم صار الضب أطول شيء ذماء «1» إلا لأنه يتبلغ بالنسيم؛ ولما قال
~~الرسول صلى الله عليه وسلم «إن الصوم وجاء» «2» إلا ليجعله حجازا «3» دون
~~الشهوات. افهم تأديب الله، فإنه لم يقصد به إلا إلى مثلك.
# أي بني، قد بلغت تسعين عاما نغض «4» لي سن، ولا انتشر «5» لي عصب ولا
~~عرفت ذنين أنف «6» ، ولا سيلان عين، ولا سلس «7» بول؛ ما لذلك علة إلا
~~التخفيف من الزاد. فإن كنت تحب الحياة فهذه سبيل الحياة، وإن كنت تريد
~~الموت فار يبعد الله إلا من ظلم نفسه.
# وقال أبو نهشل «8» : كانت لي ابنة تجلس معي على المائدة فتبرز كفا كأنها
~~طلعة «9» ، في ذراع كأنه جمارة «10» ، فلا تقع عينها على أكلة نفيسة. إلا
~~خصصتني بها، فزوجتها وصرت أجلس معي على المائدة ابنا لي فيبرز كفا كأنها
~~كرنافة «11» ، في ذراع كأنه كربة «12» ، فو الله ما إن تسبق عيني إلى لقمة
~~طيبة إلا سبقت يده إليها.
# وقال بعضهم: غلبت بطنتي فطنتي.
# PageV03P241
# قال عمرو بن العاص لمعاوية يوم تحكم الحكمان: أكثروا الطعام، فو الله ما
~~بطن «1» قوم قط إلا فقدوا بعض عقولهم، وما مضت عزمة رجل بات بطينا.
# وكان يقال: أقلل طعاما تحمد مناما.
# الأصمعي قال: كان يقال: ليس لشبعة خير من جوعة تحفزها «2» .
# دعا عبد الملك بن مروان إلى الغداء رجلا فقال: ما في فضل؛ فقال عبد
~~الملك: ما أقبح بالرجل أن يأكل حتى لا يبقى فيه فضل! فقال: يا أمير
~~المؤمنين، عندي مستزاد، ولكن أكره أن أصير إلى الحال التي استقبحها أمير
~~المؤمنين.
# وقال لشيخ: ما أحسن أكلك؟ قال: عملي منذ ستين سنة.
# وقال الحسن: إن ابن آدم أسير الجوع، صريع الشبع.
# وسأل عبد الملك أبا الزعيرة فقال: هل اتخمت قط؟ قال لا؛ قال:
# وكيف ذاك؟ قال: لأنا إذا طبخنا أنضجنا، وإذا مضغنا دققنا، ولا نكظ «3»
~~المعدة ولا نخليها.
# وقال الأحنف: جنبوا مجلسنا ذكر النساء والطعام، فإني أبغض الرجل أن يكون
~~وصافا لبطنه وفرجه، وإن من المروءة أن يترك الرجل الطعام وهو يشتهيه.
# PageV03P242
# الأصمعي قال: بلغني أن أقواما لبسوا المطارف «1» العتاق، والعمائم
~~الرقاق؛ وأوسعوا دورهم، وضيقوا قبورهم؛ وأسمنوا دوابهم، وهزلوا دينهم؛ طعام
~~أحدهم غصب، وخادمه سخرة، يتكىء على شماله، ويأكل من غير ماله؛ حتى إذا
~~أدركته الكظة قال: يا جارية هاتي حاطوما «2» ؛ ويلك! وهل تحطم إلا دينك!
~~أين مساكينك! أين يتاماك! أين ما أمرك الله به! أين أين!.
# قال بعض الحكماء: مدار صلاح الأمور في أربع: الطعام لا يؤكل إلا على
~~شهوة، والمرأة لا تنظر إلا إلى زوجها، والملك لا يصلحه إلا الطاعة، والرعية
~~لا يصلحها إلا العدل.
# وعن أبي هريرة قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «من أكل من سقط المائدة
~~عاش في سعة وعوفي في ولده وولد ولده من الحمق» .
# وقيل لأعرابي: أتحسن أن تأكل الرأى؟ قال: نعم، أبخص عينيه «3» ، وأسحي
~~«4» ، خديه، وأفك لحييه، وأرمي بالدماغ إلى من هو أحوج مني إليه.
# وكانوا يكرهون أكل الدماغ؛ ولذلك يقول قائلهم: أنا من قبيلة تبقى المخ في
~~الجماجم.
# دعبل قال: يا بني، لا تأكل ألية الشاة لأنها طبق الاست وقريب من الجواعر
~~«5» .
# قال بعض الشعراء: [طويل]
# إذا لم أرى إلا لآكل أكلة ... فلا رفعت يمنى يدي طعامي
# فما أكلة إن نلتها بغنيمة ... ولا جوعة إن جعتها بغرام «6»
# PageV03P243
# عبد الملك بن عمير عن عمه عن الأصمعي قال: لا تخرج يا بني من منزلك حتى
~~تأخذ حلمك «1» . يعني حتى تتغذى. وقال هلال بن جشم «2» : [طويل]
# وإن قراب البطن يكفيك ملؤه ... ويكفيك سوءات الأمور اجتنابها
# وقرأت في الآيين «3» : أن رجلا من خدم دار المملكة أوصى ابنه فقال:
# إذا أكلت فضم شفتيك، ولا تتلفتن يمينا وشمالا. ولا تتخذن خلالك قصبا «4»
~~.
# ولا تلقمن بسكين أبدا، وإذا كان في يدك سكين وأردت التقاما فضعها على
~~مائدتك ثم التقم. ولا تجلس فوق من هو أسن منك وأرفع منزلة. ولا تتخلل بعود
~~آس «5» . ولا تمسح بثياب بدنك. ولا ترق ماء وأنت قائم. ولا تحفر أرضا
~~بأظفارك. ولا تجلس على حائط أو باب أو تكتب عليهما فتلعن، ولا تسترح على
~~أسكفة «6» فتجهل، ولا تستنج بمدر «7» فيورثك البواسير، ولا تمتخط حيث يسمع
~~امتخاطك، ولا تبصق في الأماكن المنظفة.
# وأجلس معاوية على مائدته رجلا يؤاكله، فأبصر في لقمته شعرة، فقال:
# خذ الشعرة من لقمتك؛ فقال له الرجل: وإنك لتراعيني مراعاة من يبصر الشعرة
~~في لقمتي! والله لا أكلت معك أبدا ثم خرج الأعرابي وهو يقول:
# [طويل]
# PageV03P244
# وللموت خير من زيارة باخل ... يلاحظ أطراف الأكيل على عمد
# وكان سعيد بن جبير إذا فرغ من طعامه قال: اللهم أشبعت وأرويت فهنئنا،
~~وأكثرت وأطبت فزدنا.
### | الجوع والصوم
# قيل لبعض الحكماء: أي الطعام أطيب؟ قال: الجوع أعلم.
# وكان يقال: نعم الإدام الجوع، ما ألقيت إليه قبله.
# قال لقمان لابنه: يا بني، كل أطيب الطعام، ونم على أوطأ «1» الفراش.
# يقول: أكثر الصيام، وأطل بالليل القيام.
# اشتاق أعرابي بالبصرة إلى البادية فقال: [بسيط]
# أقول بالمصر لما ساءني شبعي ... ألا سبيل إلى أرض بها جوع
# ألا سبيل إلى أرض بها عرس ... جوع يصدع منه الرأس برقوع «2»
# وقال آخر: [بسيط]
# وعادة الجوع فاعلم عصمة وغنى ... وقد يزيدك جوعا عادة الشبع
# العتبي قال: قلت لرجل من أهل البادية: يا أخي، إني لأعجب من أن فقهاءكم
~~أظرف من فقهائنا، وعوامكم أظرف من عوامنا، ومجانينكم أظرف من مجانيننا،
~~قال: وما تدري لم ذاك؟ قلت لا؛ قال: من الجوع؛ ألا ترى أن العود إنما صفا
~~صوته لخلو جوفه!.
# PageV03P245
# وقيل لبعض حكماء الروم: أي وقت الطعام فيه أطيب وأفضل؟ قال:
# أما لمن قدر فإذا جاع، وأما لمن لم يقدر فإذا وجد.
# ونظر أعرابي إلى قوم يلتمسون هلال شهر رمضان، فقال: أما والله لئن
~~أثرتموه لتمسكن منه بذنابي عيش أغبر «1» .
# وقيل لآخر: ألا تصوم البيض من شعبان! فقال: بين يديها ثلاثون كأنها
~~القباطي» .
# وقيل لمدني: بم تتسحر الليلة؟ فقال: باليأس من فطور القابلة.
# الرياشي قال: قيل لأعرابي: اشرب، فقال: إنى لا أشرب على ثميلة «3» .
~~وقال: [طويل]
# إذا لم يكن قبل النبيذ ثريدة ... مبقلة صفراء شحم جميعها «4»
# فإن نبيذ الصرف إن كان وحده ... على غير شيء أوجع الكبد جوعها «5»
# قدم أعرابي على ابن عم له بالحضر، فأدركه شهر رمضان؛ فقيل له:
# أبا عمرو لقد أتاك شهر رمضان؛ قال: وما شهر رمضان؟ قالوا: الإمساك عن
~~الطعام؛ قال: أبالليل أم بالنهار؟ قالوا: لا، بل بالنهار؛ قال: أفيرضون
~~بدلا من الشهر؟ قالوا: لا؛ قال: فإن لم أصم فعلوا ماذا؟ قالوا: تضرب وتحبس؛
~~فصام أياما فلم يصبر، فارتحل عنهم وجعل يقول: [طويل]
# يقول بنو عمي وقد زرت مصرهم ... تهيأ أبا عمرو لشهر صيام
# فقلت لهم هاتوا جرابي ومزودي ... سلام عليكم فاذهبوا بسلام «6»
# PageV03P246
# فبادرت أرضا ليس فيها مسيطر ... علي ولا مناع أكل طعام
# وأدرك أعرابيا شهر رمضان فلم يصم؛ فعذلته «1» امرأته في الصوم، فزجرها
~~وأنشأ يقول: [طويل]
# أتأمرني بالصوم لا در درها ... وفي القبر صوم يا أميم طويل
# دعا عبد الله بن الزبير الحسين فحضر وأصحابه، فأكلوا ولم يأكل؛ فقيل له:
~~ألا تأكل! فقال: إني صائم، ولكن تحفة الصائم «2» ؛ قيل: وما هي؟ قال:
# الدهن والمجمر «3» .
### | أخبار من أخبار الأكلة
# الأصمعي قال: قال رجل: أحب أن أرزق ضرسا طحونا، ومعدة هضوما، وسرما نثورا
~~«4» .
# عن إسحاق بن عبد الله قال: سمعت أنس بن مالك يقول: رأيت عمر يلقى إليه
~~الصاع من التمر فيأكله حتى حشفه «5» .
# وقال بعض الشعراء: [بسيط]
# هم الكريم كريم الفعل يفعله ... وهم سعد بما يلقي إلى المعده
# وقيل لرجل رئي سمينا: ما أسمنك؟ قال: أكلي الحار، وشربي القار «6» ،
~~واتكائي على شمالي، وأكلي من غير مالي.
# PageV03P247
# وقيل لآخر: ما أسمنك؟ قال: قلة الفكرة، وطول الدعة «1» ، والنوم على
~~الكظة «2» .
# قال الحجاج للغضبان بن القبعثري في حبسه: ما أسمنك؟ قال: القيد والدعة
~~«3» ، ومن كان في ضيافة الأمير سمن.
# وقال آخر لرجل رآه سمينا: أرى عليك قطيفة «4» من نسج أضراسك.
# وقيل لآخر: إنك لحسن الشحمة لين البشرة؛ فقال: آكل لباب البر بصغار
~~المعز، وأدهن بدهن البنفسج، وألبس الكتان.
# قيل لميسرة الأكول وأنا أسمع: كم تأكل في كل يوم؟ قال: من مالي أو من مال
~~غيري؟ قالوا: من مالك؛ قال: دونان «5» ؛ قالوا: فمن مال غيرك؟
# قال: اخبز واطرح.
# والعرب تقول: «العاشية تهيج الآبية» «6» . يريدون أن الذي لا يشتهي أن
~~يأكل، إذا نظر إلى من يأكل هاجه ذلك على الأكل.
# قال جرير: [كامل]
# وبنو الهجيم سخيفة أحلامهم ... ثط اللحى متشابهوا الألوان «7»
# لو يسمعون بأكلة أو شربة ... بعمان أصبح جمعهم بعمان
# PageV03P248
# متأبطين بنيهم وبناتهم ... صعر الأنوف لريح كل دخان «1»
# قعد رجل على مائدة المغيرة، وكان منهوما، وجعل ينهش ويتعرق؛ فقال
~~المغيرة: ناولوه سكينا؛ فقال الرجل: كل امرىء سكينه في رأسه وقيل لأعرابي:
~~ما لكم تأكلون اللحم وتدعون الثريد؟ فقال: لأن اللحم ظاعن «2» والثريد باق.
# وقيل لآخر: ما تسمون المرق؟ قال: السخين؛ قال: فإذا برد؟ قال: لا ندعه
~~يبرد.
# قال أبو اليقظان «3» : كان هلال بن أسعر التميمي، من بني دارم بن مازن،
~~شديدا أكولا؛ يزعمون أنه أكل جملا إلا ما حمل على ظهره منه. وأكل مرة فصيلا
~~«4» ، وأكلت امرأته فصيلا، فلما ضاجعها لم يصل إليها؛ فقالت:
# كيف تصل إلي وبيننا بعيران!.
# الأصمعي قال: دعا عباد بن أخضر هلال بن أسعر إلى وليمة، فأكل مع الناس
~~حتى فرغوا، ثم أكل ثلاث جفان تصنع كل جفنة لعشرة أنفس؛ فقال له: شبعت؟ قال
~~لا؛ فأتوه بكل خبز في البيت فلم يشبع، فبعثوا إلى الجيران؛ فلما اختلفت
~~ألوان الخبز علم أنه قد أضر بهم فأمسك؛ فقالوا: هل لك في تمر شهريز «5»
~~بلبن؟ فأتوه به فأكل منه قواصر «6» ؛ فقالوا له: أشبعت؟ قال: لا؛
# PageV03P249
# قالوا: فهل لك في السويق؟ قال: نعم؛ فأتوه بجراب ضخم مملوء؛ فقال:
# هل عندكم نبيذ؟ قالوا: نعم؛ قال: أعندكم تور «1» تغتسلون فيه من الجنابة؟
# فأتي به فغسله وصب السويق وصب عليه النبيذ، فما زال يفعل ذلك حتى فني.
# الشمردل وكيل آل عمرو بن العاص قال: قدم سليمان بن عبد الملك الطائف وقد
~~عرفت شجاعته، فدخل هو وعمر بن عبد العزيز وأيوب ابنه بستانا لعمرو؛ قال:
~~فجال في البستان ساعة ثم قال: ناهيك بمالكم هذا مالا لولا جرار فيه! فقلت:
~~يا أمير المؤمنين، إنها ليست بجرار ولكنها جرب الزبيب؛ فجاء حتى ألقى صدره
~~على غصن، ثم قال: ويلك يا شمردل! أما عندك شيء تطعمني؟ قلت: بلى والله! إن
~~عندي لجديا تغدو عليه بقرة وتروح أخرى؛ قال: اعجل به؛ فأتيته به كأنه عكة
~~«2» ، وتشمر فأكل ولم يدع ابنه ولا عمر حتى أبقى فخذا. فقال: يا أبا حفص
~~هلم؛ قال: إني صائم؛ ثم قال: ويلك يا شمردل! أما عندك شيء؟ فقلت: بلى
~~والله! دجاجات ست كأنهن رئلان «3» النعام، فأتيته بهن، فكان يأخذ رجل
~~الدجاجة حتى يعري عظمها ثم يلقيها بفيه «4» حتى أتى عليهن. ثم قال: ويلك!
~~أما عندك شيء؟ فقلت: بلى والله! إن عندي لحريرة كقراضة الذهب «5» ، فقال:
~~اعجل بها؛ فأتيته بعس «6» يغيب فيه الرأس، فجعل يتلقمها «7» بيده ويشرب،
~~فلما فرغ تجشأ كأنه صاح في
# PageV03P250
# جب «1» ؛ ثم قال: يا غلام، أفرغت من غدائنا؟ قال: نعم، قال: وما هو؟ قال:
# نيف وثمانون قدرا؛ قال: فأتني بها قدرا قدرا؛ فأتاه بها وبقناع»
# عليه رقاق؛ فأكثر ما أكل من قدر ثلاث لقم وأقل ما أكل لقمة، ثم مسح يده
~~واستلقى على فراشه، وأذن للناس ووضعت الخوانات فجعل يأكل مع الناس.
# الخطابي عن الديراني أنه قال: إني لأعرف الطعام الذي يأكله سليمان؛ قال:
~~لما استخلف سليمان «3» قال لي: تقطع عني ألطافك التي كنت تلطفني بها قبل أن
~~أستخلف؛ فأتيته بزنبيلين أحدهما بيض والآخرتين؛ فقال:
# لقمنيه، فجعلت أقشر البيضة وأقرنها بالتينة حتى أكل الزنبيلين.
# العنني عن أبيه قال: كان عبيد الله بن زياد يأكل كل يوم أربع جرادق
~~أصبهانية «4» وجبنا قبل غدائه.
# وعن سلم بن قتيبة قال: عددت للحجاج أربعا وثمانين لقمة في كل لقمة رغيف
~~من خبز «5» الماء فيه ملء كفه سمك طري.
# وكان لعبد الرحمن بن أبي بكرة ابن أكول؛ فقال له معاوية «6» : ما فعل
~~ابنك التلقامة؟ قال «7» : اعتل؛ قال: مثله لا يعدم علة.
# PageV03P251
# أكل أبو الأسود الدؤلي وأقعد معه أعرابيا فرأى له لقما منكرا؛ فقال له.
# ما اسمك؟ قال: لقمان؛ قال: صدق أهلك، إنك لقمان.
# ولد لابن أبي ليلى غلام فعمل الأخبصة للجيران، فلما أكلوا قام مساور
~~الوراق «1» فقال: [كامل]
# من لا يدسم بالثريد سبالنا ... بعد الثريد فلا هناه الفارس «2»
# وقال العجيف «3» في أمه: [بسيط]
# يا ليتما أمنا شالت نعامتها ... إما إلى جنة إما إلى نار «4»
# ليست بشبعى وإن أسكنتها هجرا ... ولا بريا ولو حلت بذي قار «5»
# تلهم الوسق مشدودا أشظته ... كأنما وجهها قد طلي بالقار «6»
# خرقاء في الخير لا تهدى لوجهته ... وهي صناع الأذى في الأهل والجار «7»
# رأى أبو الحارث جميز سلة بين يدي رجل من الملوك، فقال له:
# جعلت فداك، أي شيء في تلك السلة؟ فقال: بظر أمك، قال: فأعضني «8» به.
# PageV03P252
# قيل للحارثي: لم لا تؤاكل الناس؟ فقال: لو لم أترك مؤاكلتهم إلا لنزوعي
~~عن الأسواري لتركتها، ما ظنكم برجل نهش بضعة لحم بقر فانقلع ضرسه وهو لا
~~يدري. وكان إذا أكل ذهب عقله وجحظت «1» عيناه وسكر وسدر «2» وتربد «3» وجهه
~~وغضب ولم يسمع ولم يبصر، فلما رأيته وما يعتريه ويعتري الطعام منه صرت لا
~~آذن له إلا ونحن نأكل الجوز والتمر والباقلى «4» ؛ ولم يفجأني قط وأنا آكل
~~تمرا إلا استفه «5» سفا وزدا «6» به زودا، ولا وجده كنيزا «7» إلا وتناول
~~القطعة منه كجمجمة الثور كدمها «8» كدما، ونهشها طولا وعرضا، ورفعا وخفضا،
~~حتى يأتي عليها؛ ثم لا يقع عضه إلا على الأنصاف والأثلاث؛ ولا رمى بنوان
~~قط، ولا نزع قمعا «9» ، ولا نفى عنه قشرا، ولا فتشه مخافة السوس والدود.
# وقال بعض الشعراء: [وافر]
# تبيت تدهده القران حولي ... كأنك عند رأسي عقربان «10»
# فلو أطعمتني حملا سمينا ... شكرتك والطعام له مكان
# وقال بعض الأعراب: [طويل]
# وإن طعاما ضم كفي وكفها ... لعمرك عندي في الحياة مبارك
# PageV03P253
# فمن أجلها أستوعب الزاد كله ... ومن أجلها أهوي يدي فأدارك
# وقال آخر: [متقارب]
# عريض البطان جديد الخوان ... قريب المراث من المرتع «1»
# فنصف النهار لكرياسه ... ونصف لمأكله أجمع «2»
# الأصمعي قال: قيل لأعرابي: ما يعجبك من هذا القند «3» ؟ قال: يعجبني خضده
~~وبرده. قال الأصمعي: الخضد: المضغ والأكل الشديد.
# قال خالد بن صفوان يوما لجاريته: يا جارية، أطعمينا جبنا، فإنه يشهي
~~الطعام ويهيج المعدة، وهو يعد من حمض العرب. قالت: ما عندنا منه شيء. قال:
~~لأعلمك إنه والله، ما علمت، ليقدح في الأسنان ويستولي على البطن، وأنه من
~~طعام أهل الذمة.
# كان يقال: إذا كثرت المقدرة، ذهبت الشهوة.
# وقال بعض الظرفاء: [طويل]
# زرعنا فلما سلم الله زرعنا ... وأوفى عليه منجل بحصاد
# بلينا بكوفي حليف مجاعة ... أضر علينا من دبى وجراد «4»
# عن نافع عن ابن عمر قال: «قال النبي صلى الله عليه وسلم: من دخل على غير
~~دعوة دخل سارقا وخرج مغيرا، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله» .
# عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دعي أحدكم فجاء
~~مع
# PageV03P254
# الرسول فإن ذلك له إذن» . وعن مجاهد: أن ابن عمر كان إذا دعي إلى طعام
~~وهو صائم يجيب، وكان يهيء اللقمة بيده ثم يقول: كلوا باسم الله فإني صائم.
~~وعن أسماء بنت رفيد قالت: دخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم، فأتي بطعام
~~فعرض علينا فقلنا: لا نشتهيه، فقال: «لا تجمعن كذبا وجوعا» .
# دعا رجل علي بن أبي طالب رضوان الله عليه إلى الطعام، فقال: نأتيك على
~~ألا تتكلف ما ليس عندك، ولا تدخر عنا ما عندك.
# وكان يقول: شر الإخوان من تكلف له «1» .
# دعا رجل رجلا إلى الغداء ثم قال له: هذه بكر زيارة ولم نستعدد، فلعل
~~تقصيرا فيما أحب بلوغه؛ فقال الآخر: حرصك على كرامتي يكفيك مؤونة التكلف.
# قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي «2» : أتاني الزبير بن دحمان يوما فسألته
~~أن يقيم عندي، فقال: قد أرسل إلي الفضل بن الربيع وليس يمكنني التخلف عنه؛
~~فقلت له: [طويل]
# أقم يا أبا العوام ويحك نشرب ... ونله مع اللاهين يوما ونطرب
# إذا ما رأيت اليوم قد جاء خيره ... فخذه بشكر واترك الفضل يغضب
# وقال بعض المحدثين: [خفيف]
# نحن قوم متى دعينا أجبنا ... ومتى ننس يدعنا التطفيل «3»
# ونقل علنا دعينا فغبنا ... وأتانا فلم يجدنا الرسول
# PageV03P255
# كان طفيل العرائس الذي ينسب اليه الطفيليون يوصي أصحابه فيقول لأحدهم:
~~إذا دخلت عرسا فلا تتلفت تلفت المريب، وتخير المجالس، وأجد ثيابك، واعمل
~~على أنها العقدة التي تستغل «1» . وإن كان العرس كثير الزحام فمر وانه «2»
~~. ولا تنظر في عيون أهل المرأة ولا عيون أهل الرجل، فيظن هؤلاء أنك من
~~هؤلاء وهؤلاء أنك من هؤلاء. وإن كان البواب غليظا وقاحا «3» فابدأ به ومره
~~وانهه من غير أن تعنف عليه، وعليك بكلام بين النصيحة والإدلال.
# عرض رجل على رقبة الغداء؛ فقال: إن أقسمت علي وإلا فدعني.
# ومن أشعار الطفيليين: [سريع]
# دعوت نفسي حين لم تدعني ... فالحمد لي لا لك في الدعوه
# وقلت دا أحسن من موعد ... إخلافه يدعو إلى جفوه «4»
# وقال آخر: [طويل]
# إذا جاء ضيف جاء للضيف ضيفن ... فأودى بما تقرى الضيوف الضيافن «5»
# وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: [بسيط]
# نعم الصديق صديق لا يكلفني ... ذبح الدجاج ولا شي الفراريج
# يرضى بلونين من كشك ومن عدس ... وإن تشهى فزيتون بطسوج «6»
# كان سعيد بن أسعد الأنصاري إمام الجامع بالبصرة طفيليا، فإذا كانت وليمة
~~سبق الناس إليها، فربما بسط معهم البسط وخدم. فقيل له في ذلك
# PageV03P256
# فقال: إني أبادر برد الماء، وصفو القدور، ونشاط الخباز، وخلاء المكان،
~~وغفلة الذبان، وجفاف المنديل.
# وقيل لبعض الطفيليين: كم اثنان في اثنين قال: أربعة أرغفة.
### | باب الضيافة وأخبار البخلاء على الطعام
# عن المقدام «1» أبي كريمة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
~~«أيما مسلم ضافه قوم فأصبح الضيف محروما كان له على كل مسلم نصره حتى يأخذ
~~بقرى ليلته من زرعه وماله» .
# روى ابن العجلان عن أبيه قال: قال أبو هريرة: إذا نزلت برجل ولم يقرك
~~فقاتله. عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الخير أسرع إلى
~~مطعم الطعام من الشفرة في سنام «2» البعير» .
# داود قال: قلت للحسن: إنك تنفق من هذه الأطعمة وتكثر، قال: ليس في الطعام
~~سرف. وقال الثوري: ليس في الطعام ولا في النساء سرف.
# عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن من السنة أن يمشي
~~الرجل مع ضيفه إلى باب الدار» .
# عن عبد الرحمن بن عباس قال: رأيت ابن عباس في وليمة فأكل وألقى للخباز
~~درهما.
# الأصمعي قال: سئل أقرى أهل اليمامة للضيف: كيف ضبطتم القرى؟
# قال: بأنا لا نتكلف ما ليس عندنا.
# PageV03P257
# عن بعض النساك قال: قد أعياني أن أنزل على رجل يعلم أني لست آكل من رزقه
~~شيئا.
# عن عون بن عبد الله قال: ضل رجل صائم في عام سنة «1» ، فابتلي برجل عند
~~فطره وقد أتي بقرصين فألقى إليه أحدهما، ثم قال: ما هذا بمشبعه ولا بمشبعي،
~~ولأن يشبع واحد خير من أن يجوع اثنان، وألقى إليه الآخر. فلما أوى إلى
~~فراشه أتاه آت فقال: سل؛ فقال: أسأل المغفرة؛ قال:
# قد فعل ذلك بك؛ قال: فإني أسأل أن يغاث الناس.
# عن الحسن: أن رجلا جهده الجوع، ففطن له رجل من الأعيان، فلما أمسى أتى به
~~رحله «2» ، فقال لامرأته: هل لك أن نطوي ليلتنا هذه لضيفنا؟
# قالت: نعم قال: فإذا قدمت الطعام فأدني إلى السراج كأنك تصلحينه فأطفئيه،
~~ففعلت وجاءت بثريدة كأنها قطاة «3» فوضعتها بين أيديهما، ثم دنت إلى السراج
~~كأنها تصلحه فأطفأته، فجعل الأنصاري يضع يده في القصعة ثم يرفعها خالية؛
~~فأطلع على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما أصبح الأنصاري صلى مع
~~الرسول صلى الله عليه وسلم الفجر، فلما سلم أقبل على الأنصاري وقال: «أنت
~~صاحب الكلام الليلة؛ ففزع الأنصاري وقال: أي كلام يا رسول الله؟ قال: كذا
~~وكذا:
# قوله لامرأته؛ قال كان ذاك يا رسول الله؛ قال: فو الله لقد عجب الله من
~~صنعكما الليلة» .
# الأصمعي قال: كان عمر بن عبد العزيز إذا قدم عليه بريد قال: هل رأيت في
~~الناس العرسات؟ يعني الخصب للمسلمين.
# PageV03P258
# وقيل لأعرابي كان في مجلس: فيم كنتم؟ قال: كنا في قدر تفور، وكأس تدور،
~~وغناء يصور «1» ، وحديث لا يخور «2» .
# بلغني أن محمد بن خالد بن يزيد بن معاوية كان نازلا بحلب على الهيثم بن
~~يزيد التنوخي، فبعث إلى ضيف له من عذرة فقال: حدث أبا عبد الله ما رأيت في
~~حاضرة المسلمين من أعاجيب الأعراس؛ قال: نعم، رأيت أمورا معجبة: منها أني
~~رأيت قرية عاصم بن بكر الهلالي، فإذا أنا بدور متباينة، وإذا أخصاص «3»
~~منظم بعضها إلى بعض، وإذا بها ناس كثير مقبلون ومدبرون وعليهم ثياب حكوا
~~بها ألوان الزهر، فقلت لنفسي: هذا أحد العيدين الأضحى أو الفطر؛ ثم رجع إلي
~~ما عزب «4» عني من عقلي، فقلت: خرجت من أهلي في عقب صفر وقد مضى العيدان
~~قبل ذلك؛ فبينما أنا واقف ومتعجب أتاني رجل فأخذ بيدي فأدخلني دارا قوراء
~~«5» وأدخلني بيتا قد نجد «6» في وجهه فرش قد مهدت وعليها شاب ينال فروع
~~شعره كتفيه، والناس حوله سماطان «7» ؛ فقلت في نفسي: هذا الأمير الذي يحكى
~~لنا جلوسه وجلوس الناس حوله، فقلت وأنا ماثل بين يديه: السلام عليك أيها
~~الأمير ورحمة الله وبركاته؛ فجذب رجل بيدي وقال: اجلس فإن هذا ليس بالأمير؛
~~فقلت: ومن هو؟ قال: عروس؛ قلت؛ واثكل أماه! رب عروس رأيت بالبادية أهون على
~~أصحابه من هن أمه؛ فلم ألبث إذ دخلت الرجال عليها هنات «8» مدورات من
# PageV03P259
# خشب وقضبان، أما ما خف فيحمل حملا، وأما ما ثقل فيدحرج، فوضعت أمامنا
~~وتحلق القوم حلقا حلقا، ثم أتينا بخرق بيض فألقيت بين أيدينا، فظننتها
~~ثيابا وهممت عندها أن أسأل القوم خرقا أقطع منها قميصا، وذلك أني رأيت نسجا
~~متلاحكا «1» لا تبين له سدى «2» ولا لحمة؛ فلما بسط القوم أيديهم إذا هو
~~يتمزق سريعا وإذا هو فيما زعموا صنف من الخبز لا أعرفه. ثم أتينا بطعام
~~كثير من حلو وحامض وحار وبارد، فأكثرت منه وأنا لا أعرف ما في عقبه من
~~التخم والبشم «3» . ثم أتينا بشراب أحمر في عساس «4» ، فلما نظرت إليه قلت:
~~لا حاجة لي فيه، أخاف أن يقتلني. وكان في جانبي رجل ناصح لي- أحسن الله
~~جزاءه- كان ينصح لي من بين أهل المجلس، فقال: يا أعرابي، إنك قد أكثرت من
~~الطعام، وإن شربت الماء انتفخ بطنك- فلما ذكر البطن تذكرت شيئا كان أوصاني
~~به أبي والأشياخ من أهلي: قالوا: لا تزال حيا ما دام شديدا (يعني البطن)
~~فإذا اختلف فأوص- فلم أزل أتداوى به ولا أمل من شربه، فتداخلني- نالك
~~الخير- صلف «5» لا أعرفه من نفسي، وبكاء لا أعرف سببه ولا عهد لي بمثله،
~~واقتدار على أمر أظن معه أني لو أردت نيل السقف لبلغته ولو ساورت «6» الأسد
~~لقتلته، وجعلت ألتفت إلى الرجل الناصح لي فتحدثني نفسي بهتم أسنانه «7»
~~وهشم أنفه، وأهم أحيانا بأن أقول له: يابن
# PageV03P260
# الزانية؛ فبينما نحن كذلك إذ هجم علينا شياطين أربعة: أحدهم قد علق في
~~عنقه جعبة فارسية مشنجة «1» الطرفين دقيقة الوسط قد شبحت «2» بالخيوط شبحا
~~منكرا، وقد ألبست قطعة فرو كأنهم يخافون عليها القر. ثم بدر الثاني فاستخرج
~~من كمه هنة سوداء كفيشلة الحمار فوضع طرفها في فيه فضرط فيها فاستتم بها
~~أمرهم، ثم حسب «3» على حجرة فيها فاستخرج منها صوتا ملائما مشاكلا بعضه
~~بعضا كأنه- علم الله- ينطق. ثم بدر الثالث عليه قميص وسخ وقد غرق شعره
~~بالدهن ومعه مرآتان فجعل يمري «4» إحداهما على الأخرى مريا. ثم بدر الرابع
~~عليه قميص قصير وسراويل قصير وخفان أجذمان «5» لا ساقين لهما، فجعل يقفز
~~كأنه يثب على ظهور العقارب، ثم التبط بالأرض، فقلت: معتوه ورب الكعبة! ثم
~~ما برح مكانه حتى كان أغبط «6» القوم عندي، ورأيت الناس يحذوفونه بالدارهم
~~حذفا منكرا. ثم أرسلت إلينا النساء أن أمتعونا من لهوكم، فبعثوا بهم إليهن.
~~وبقيت الأصوات تدور في آذاننا. وكان معنا في البيت شاب لا آبه له، فعلت
~~الأصوات له بالدعاء، فخرج فجاء بخشبة عينها في صدرها فيها خويطات أربعة،
~~فاستخرج من جنبها عودا فوضعه على أذنه، ثم زم الخيوط الظاهرة، فلما أحكمها
~~وعرك آذانها حركها بمجسة «7» في يده، فنطقت ورب الكعبة! وإذا هي أحسن قينة
~~«8» رأيتها قط وغنى عليها
# PageV03P261
# فاستخفني «1» في مجلسي حتى قمت فجلست بين يديه، فقلت: بأبي أنت وأمي! ما
~~هذه الدابة؟ «2» فلست أعرفها للأعراب وما خلقت إلا حديثا! فقال: يا أعرابي.
# هذا البربط «3» الذي سمعت به؛ فقلت: بأبي أنت وأمي! فما هذا الخيط
~~الأسفل؟
# قال: زير؛ قلت: فما الذي يليه؟ قال: مثنى؛ قلت: فالثالث؟ قال: المثلث؛
~~قلت: فالرابع؟ قال البم؛ قلت: آمنت بالله أولا وبالبم ثانيا.
# وقال الخريمي: [طويل]
# أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله ... ويخصب عندي والمحل جديب
# وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ... ولكنما وجه الكريم خصيب
# وقال أرطاة بن سهية «4» : [طويل]
# وإني لقوام إلى الضيف موهنا ... إذا أغدف الستر البخيل المواكل «5»
# دعا فأجابته كلاب كثيرة ... على ثقة مني بما أنا فاعل
# وما دون ضيفي من تلاد تحوزه ... لي النفس إلا أن تصان الحلائل «6»
# وقال آخر «7» : [طويل]
# إذا نزل الأضياف كان عذورا ... على الأهل حتى تستقل مراجله «8»
# PageV03P262
# يقول: يسوىء خلقه حتى يطعم أضيافه، لإعجاله إياهم ولخوف تقصير يكون منهم.
# وقال دعبل: [طويل]
# وإني لعبد الضيف من غير ذلة ... وما في إلا تلك من شيمة العبد
# وقال آخر «1» : [طويل]
# لحافي لحاف الضيف والبيت بيته ... ولم يلهني عنه الغزال المقنع «2»
# أحدثه، إن الحديث من القرى ... وتعلم نفسي أنه سوف يهجع «3»
# وقال الفرزدق في العذافر: [طويل]
# لعمرك ما الأرزاق يوم اكتيالها ... بأكثر خيرا من خوان عذافر «4»
# ولو ضافه الدجال يلتمس القرى ... وحل على خبازه بالعساكر «5»
# بعدة يأجوج ومأجوج كلهم ... لأشبعهم يوما غداء العذافر «6»
# وقال مسكين الدارمي «7» : [كامل]
# ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي تنزل القدر
# ما ضر جارا لي أجاوره ... ألا يكون لبابه ستر
# PageV03P263
# ضاف رجل من كلب أبا الرمكاء الكلبي، ومع الرجل فضلة من حنطة، فراحت معزى
~~أبي الرمكاء، فحلب وشرب، ثم حلب وسقى ابنه، ثم حلب وسقى امرأته؛ فقال
~~الرجل: ألا تسقون ضيفكم؟ فقال أبو الرمكاء: ما فيها فضل؛ فاستخرج الرجل ما
~~في عكمه «1» من طعام وقال: هل من رحى؟
# فأسرعوا بها نحوه، فطحن وعجن وأوقد خبزته وأخرجها فنفضها، فإذا رسول أبي
~~الرمكاء يقول: يقول لك أبو الرمكاء: لا عهد لنا بالخبز؛ فقال الرجل: ما
~~فيها فضل، ثم أكل وارتحل، وقال: [طويل]
# وبات أبو الرمكاء لم يسق ضيفه ... من المحض ما يطوي عليه فيرقد «2»
# فقمت إلى حنانة فوق أختها ... ونار وباتت وهي تورى وتوقد
# فلما نفضت الخبز بالعود أقبلت ... رسائل تشكي الجوع والحي سهد
# وقال أبو الرمكاء بالخبز عهده ... قديم له حول كريب مطرد «3»
# فقلت ألا لا فضل فيها لباخل ... ولا مطمع حتى يلوح لنا الغد
# فبات أبو الرمكاء من فرط ريحها ... يئن كما أن السليم المسهد «4»
# ذكر أعرابي قوما فقال: ألغوا من الصلاة الأذان، مخافة أن تسمعه الآذان،
~~فيهل عليهم الضيفان.
# وقال بعضهم في ذلك: [وافر]
# أقاموا الديدبان على يفاع ... وقالوا لا تنم للديدبان «5»
# فإن أبصرت شخصا من بعيد ... فصفق بالبنان على البنان
# PageV03P264
# تراهم خشية الأضياف خرسا ... يصلون الصلاة بلا أذان
# وقال زياد الأعجم: [طويل]
# وتكعم كلب الحي من حشية القرى ... وقدرك كالعذراء من دونها ستر «1»
# وقال آخر: [طويل]
# وإني لأجفو الضيف من غير عسرة ... مخافة أن يضرى بنا فيعود «2»
# وقال آخر: [كامل]
# أعددت للضيفان كلبا ضاريا ... عندي وفضل هراوة من أرزن «3»
# ومعاذرا كذبا ووجها باسرا ... متشكيا عض الزمان الألزن «4»
# رأى رجل الحطيئة وبيده عصا؛ فقال: ما هذه؟ قال: عجراء «5» من سلم، قال:
~~إني ضيف، قال: للضيفان أعددتها.
# وقال آخر: [بسيط]
# وأبغض الضيف ما بي جل مأكله ... ألا تنفخه حولي إذا قعدا
# ما زال ينفخ جنبيه وحبوته ... حتى أقول لعل الضيف قد ولدا «6»
# وقال حميد الأرقط «7» يذكر ضيفا: [طويل]
# إذا ما أتانا وراد المصر مرملا ... تأوب ناري أصفر العقل قافل «8»
# PageV03P265
# فقلت لعبدي اعجلا بعشائه ... وخير عشاء الضيف ما هو عاجل
# فقال وقد ألقى المراسي للقرى ... أبن لي ما الحجاج بالناس فاعل «1»
# فقلت لعمري ما لهذا طرقتنا ... فكل ودع الأخبار ما أنت آكل
# تجهز كفاه فيحدر حلقه ... إلى الزور ما ضمت عليه الأنامل «2»
# أتانا ولم يعدله سحبان وائل ... بيانا وعلما بالذي هو قائل «3»
# فما زال منه اللقم حتى كأنه ... من العي لما أن تكلم باقل «4»
# وقال أيضا في نحو ذلك: [بسيط]
# ومرملين على الأقتاب برهم ... حقائب وعباء فيه بعرين «5»
# مقدمين أنوفا في عصائبهم ... هجنا، ألا جدعت تلك العرانين «6»
# يسطرون لنا الأخبار إذ نزلوا ... وكل ما سطروا للقم تمكين
# باتوا وجلتنا الصهباء بينهم ... كأن أظفارهم فيها سكاكين «7»
# فأصبحوا والنوى عالي معرسهم ... وليس كل النوى تلقي المساكين «8»
# وقال أيضا في نحو ذلك: [طويل]
# PageV03P266
# وعاو عوى والليل مستحلس الندى ... وقد ضجعت للغور تالية النجم «1»
# فسلم تسليم الصديق ولم يكن ... صديقا لنا إلا ليأنس باللقم
# فقلت له والنار تأخذ صدره ... لقمت لسمت أو سريت على علم «2»
# وقال بعض الرجاز:
# برح بالعينين خطاب الكثب «3» ... يقول إني خاطب وقد كذب
# وإنما يطلب عسا من حلب «4»
# وقال آخر: [بسيط]
# إني لمثلكم من سوء فعلكم ... إن زرتكم أبدا إلا معي زادي
# وقال حماد عجرد: [متقارب]
# حريث أبو الصلت ذو خبرة ... بما يصلح المعدة الفاسده
# تخوف تخمة أضيافه ... فعودهم أكلة واحده
# عن قتادة قال: قال زياد لغيلان بن خرشة «5» : أحب أن تحدثني عن العرب
~~وجهدها وضنك عيشها «6» ، لنحمد الله على النعمة التي أصبحنا بها؛ فقال
~~غيلان: حدثني عمي قال: توالت على العبر سنون تسع في الجاهلية
# PageV03P267
# حطمت كل شيء «1» ، فخرجت على بكر «2» لي في العرب. فمكثت سبعا لا أطعم
~~شيئا إلا ما ينال منه بعيري أو من حشرات الأرض، حتى دفعت في اليوم السابع
~~إلى حواء عظيم «3» ، فإذا بيت جحش «4» عن الحي، فملت إليه فخرجت إلي امرأة
~~طوالة حسانة (5) ؛ فقالت: من؟ قلت: طارق ليل يلتمس القرى؛ فقالت: لو كان
~~عندنا شيء لآثرناك به، والدال على الخير كفاعله، حس «5» هذه البيوت ثم انظر
~~إلى أعظمها، فإن يك في شيء منها خير ففيه؛ ففعلت حتى دفعت اليه، فرحب بي
~~صاحبه وقال: من؟ قلت: طارق ليل يلتمس القرى؛ فقال: يا فلان، فأجابه، فقال:
~~هل عندك طعام؟ فقال لا؛ فو الله ما وقر «6» في أذني شيء كان أشد منه. قال:
~~فهل عندك شراب؟ قال لا، ثم تأوه فقال: بلي! قد بقينا في ضرع الفلانة «7»
~~شيئا لطارق إن طرقك، قال: فأت به، فأتى العطن فابتعثها «8» . فحدثني عمي
~~أنه شهد فتح أصبهان وتستر ومهرجان وكور الأهواز وفارس وجاهه عند السلطان
~~وكثرة ماله وولده، قال: فما سمعت شيئا قط كان أشد من شخب «9» تيك الناقة في
~~تلك العلبة؛ حتى إذا ملأها وفاضت من جوانبها وارتفعت عليها شمكرة «10» كجمة
~~الشيخ «11» ، أقبل بها
# PageV03P268
# يهوي نحوي، فعثر بعود أو حجر، فسقطت العلبة من يده، فحدثني أنه أصيب
~~بأبيه وأمه وولده وأهل بيته فما أصيب بمصيبة أعظم من ذهاب العلبة. فلما رأى
~~ذلك رب البيت خرج شاهرا سيفه فبعث الإبل ثم نظر إلى أعظمها سناما ودفع إليه
~~مدية وقال: يا عبد الله اصطل واحتمل «1» . قال: فجعلت أهوي بالبضعة إلى
~~النار فإذا بلغت إناها «2» أكلتها، ثم مسحت ما في يدي من إهالتها «3» على
~~جلدي وقد كان قحل «4» على عظمي حتى كأنه شن «5» . ثم شربت شربة ماء وخررت
~~مغشيا علي فما أفقت إلى السحر. وقطع زياد الحديث وقال: لا عليك ألا تخبرنا
~~بأكثر من هذا، فمن المنزول به؟ قلت: أبو علي عامر بن الطفيل.
# قال بعض الشعراء يهجو قوما: [كامل]
# وتراهم قبل الغداء لضيفهم ... يتخللون صبابة للزاد «6»
# وقال آخر «7» : [مجزوء الكامل المرفل]
# استبق ود أبي المقا ... تل حين تأكل من طعامه
# سيان كسر رغيفه ... أو كسر عظم من عظامه
# فتراه من خوف النزي ... ل به يروع في منامه
# PageV03P269
# فإذا مررت ببابه ... فاحفظ رغيفك من غلامه
# وقال آخر «1» : [بسيط]
# صدق أليته إن قال مجتهدا ... لا والرغيف، فذاك البر من قسمه «2»
# قد كان يعجبني لو أن غيرته ... على جراذقه كانت على حرمه «3»
# إن رمت قتلته فافتك بخبزته ... فإن موقعها من لحمه ودمه
# قلت لرجل كان يأكل مع أبي دلف: كيف كان طعامه؟ قال: كان على مائدته
~~رغيفان بينهما نقرة جوزة؛ وقال: [وافر]
# أبو دلف يضيع ألف ألف ... ويضرب بالحسام على الرغيف
# أبو دلف لمطبخه قتار ... ولكن دونه ضرب السيوف «4»
# وقال أبو الشمقمق «5» : [وافر]
# رأيت الخبز عز لديك حتى ... حسبت الخبز في جو السحاب
# وما روحتنا لتذب عنا ... ولكن خفت مرزئة الذباب
# وقال دعبل: [خفيف]
# إن من ضن بالكنيف على الضي ... ف بغير الكنيف كيف يجود! «6»
# ما رأينا ولا سمعنا بحش ... قبل هذا لبابه إقليد «7»
# PageV03P270
# إن يكن في الكنيف شيء تخبا ... ه فعندي إن شئت فيه مزيد
# ولهذا الشعر قصة قد ذكرتها في باب الشعراء «1» .
# قال أبو محمد: شوى لجعفر بن سليمان الهاشمي دجاج ففقد فخذ من دجاجة، فأمر
~~فنودي في داره: من هذا الذي تعاطى فعقر «2» والله لا أخبز في هذا التنور
~~شهرا أو يرد! فقال ابنه الأكبر: أتؤاخذنا بما فعل السفهاء منا!.
# قال بعض الشعراء «3» : [سريع]
# يا تارك البيت على الضيف ... وهاربا منه من الخوف
# ضيفك قد جاء بخبز له ... فارجع فكن ضيفا على الضيف
# وقال أبو نواس «4» : [مجزوء الرمل]
# خبز إسماعيل كلوش ... ي إذا ما شق يرفا «5»
# عجبا من أثر الصن ... عة فيه كيف يخفى
# إن رفاءك هذا ... أحذق الأمة كفا
# فإذا قابل بالنص ... ف من الجردق نصفا «6»
# PageV03P271
# مثل ما جاء من التن ... ور ما غادر حرفا
# أحكم الصنعة حتى ... لا يرى موضع إشفى «1»
# وله في الماء أيضا ... عمل أبدع ظرفا
# مزجه العذب بماء ال ... بئر كي يزداد ضعفا
# فهو لا يشرب منه ... مثل ما يشرب صرفا «2»
# عن عبد العزيز بن عمران قال: نزلت ببيت ابن هرمة فقلت: انحروا لنا جزورا؛
~~فقالت: والله ما هي عندنا؛ فبقرة، قالت لا؛ قلت: فشاة، قالت لا؛ قلت:
~~فدجاجة، قالت لا، فأين قول أبيك: [منسرح]
# لأمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلا قريبة الأجل «3»
# قالت: ذاك أفناها. فبلغ ابن هرمة ما قالت، قال: أشهد أنها ابنتي، وأشهد
~~أن داري لها دون الذكور من أولادي.
# قال ابن أبي فنن «4» : [منسرح]
# لا أشتم الضيف ولكنني ... أدعو له بالقرب من طوق «5»
# بقرب من إن زاره زائر ... مات إلى الخبز من الشوق
# دخل على ابن لرجل من الأشراف داخل وبين يديه فراريج، فغطى الطبق بمنديله
~~وأدخل رأسه في جيبه وقال للداخل عليه: كن في الحجرة الأخرى حتى أفرغ من
~~بخوري.
# PageV03P272
# وفيما أجاز لنا عمرو بن بحر من كتبه قال: دخل رجل على رجل قد تغذى مع قوم
~~ولم ترفع المائدة قال لهم: كلوا وأجهزوا على الجرحى.
# يريد: كلوا ما كسر ونيل منه ولا تعرضوا إلى الصحيح.
# قال: وقال لقوم يؤاكلونه: يزعمون أن خبزي صغار! أي ابن زانية يأكل من هذا
~~رغيفين!. قال: ويقول لزائره إذا أطال عنده المكث: تغديت اليوم؟
# فإن قال نعم، قال: لولا أنك تغديت لغديتك بطعام طيب. وإن قال لا، قال:
# لو كنت تغديت لسقيتك خمسة أقداح. فلا يكون له على الوجهين لا قليل ولا
~~كثير.
# وحكي عن أبي نواس أنه قال: قلت لرجل من أهل خراسان: لم تأكل وحدك؟ قال:
~~ليس علي في هذا الموضع سؤال؛ إنما السؤال على من أكل مع الجماعة، لأن ذاك
~~تكلف وأكلي وحدي هو الأكل الأصلي.
# وكنا عند داود بن أبي داود بواسط أيام ولايته كسكر «1» ، فأتته من البصرة
~~هدايا، وكان فيها زقاق دو شاب «2» ، فقسمها بيننا، فكلنا أخذ ما أعطي، غير
~~الحزامي، فأنكرنا ذلك وقلنا: إنما يجزع الحزامي من الإعطاء وهو عدوه، فأما
~~الأخذ فهو ضالته وأمنيته؛ فإنه لو أعطي أفاعي سجستان، وثعابين مصر، وجرارات
~~«3» الأهواز لأخذها، إذ كان اسم الأخذ واقعا عليها؛ فسألناه عن سبب ذلك،
~~فتعسر قليلا ثم باح بسره وقال: وضعته «4» أضعاف ربحه، وأخذه من أسباب
~~الإدبار؛ قلت: أول وضائعه احتمال ثقل السكر؛ قال: هذا لم يخطر
# PageV03P273
# ببالي قط، ولكن أول ذاك كراء الحمال «1» ، فإذا صار إلى المنزل صار سببا
~~لطلب العصيدة والارزة والستندفود «2» ، فإن بعته فرارا من هذا البلاء
~~صيرتموني شهرة «3» ، وإن أنا حبسته ذهب في العصائد وأشباهها، وجذب ذلك شراء
~~السمن، ثم جذب السمن غيره، وصار هذا الدوشاب علينا أضر من العيال؛ وإن أنا
~~جعلته نبيذا احتجت إلى كراء القدور وإلى شراء الحب «4» وإلى شراء الماء
~~وإلى كراء من يوقد تحته؛ فإن وليت ذلك الخادم اسود ثوبها وغرمتنا ثمن
~~الأشنان «5» والصابون، وازدادت في الطعم على قدر الزيادة في العمل؛ فإن فسد
~~ذهبت النفقة باطلا ولم نستخلف «6» منها عوضا بوجه من الوجوه، لأن خل الدادي
~~«7» يخضب اللحم ويغير الطعم ويسود المرقة ولا يصلح إلا للاصطباغ. وإن سلم-
~~وأعوذ بالله- وجاد وصفا لم نجد بدا من شربه ولم تطب أنفسنا بتركه؛ فإن قعدت
~~في البيت أشربه لم يمكن ذلك إلا بترك سلاف «8» الفارسي المعسل، والدجاج
~~المسمن، وجداء كسكر «9» وفاكهة الجبل والنقل الهش والريحان الغض، عند من لا
~~يغيض «10» ماله، ولا تنقطع مادته، وعند من لا يبالي على أي قطريه «11» سقط
~~مع فوت الحديث المؤنس والسماع الحسن؛ وعلى أنى إن جلست في البيت أشربه لم
~~يكن بد من واحد، وذلك
# PageV03P274
# الواحد لا بد له من لحم بدرهم، ونقل بطسوج «1» ، وريحان بقيراط «2» ، ومن
~~أبزار للقدر وحطب للوقود؛ وهذا كله غرم وشؤم وحرمان وحرفة «3» وخروج من
~~العادة الحسنة. فإن كان النديم غير موافق فأهل السجن أحسن حالا مني، وإن
~~كان موافقا فقد فتح الله على ما لي به بابا من التلف، لأنه حينئذ يسير في
~~مالي كسيري في مال غيري ممن هو فوقي. فإذا علم الصديق أن عندي داذيا «4» أو
~~نبيذا دق على الباب دق المدل، فإن حجبناه فبلاء، وإن أدخلناه فشقاء. وإن
~~بدا لي في استحسان حديث الناس كما يستحسنه مني من أكون عنده، فقد شاركت
~~المسرفين، وفارقت إخواني الصالحين، وصرت من إخوان الشياطين؛ والله تقدست
~~أسماؤه يقول: إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين
# «5» ؛ فإذا صرت كذلك فقد ذهب كسبي من مال غيري، وصار غيري يكتسب مني؛
~~وأنا لو ابتليت بأحدهما لم أقم به فكيف إذا ابتليت بأن أعطي ولا آخذ، وبأن
~~أوكل ولا آكل! أعوذ بالله من الخذلان بعد العصمة، ومن الحور بعد الكور «6»
~~؛ ولو كان هذا في الحداثة كان أهون. هذا الدوشاب دسيس من الحرفة، وكيد من
~~الشيطان، وخدعة من الحسود، وهو الحلاوة التي تعقب المرارة. ما أخوفني أن
~~يكون أبو سليمان قد ملني فهو يحتال لي الحيل!.
# وحكي عن الحارثي أنه قال: الوحدة خير من جليس السوء، وجليس السوء خير من
~~أكيل السوء؛ لأن كل أكيل جليس وليس كل جليس أكيلا؛ فإن
# PageV03P275
# كان لا بد من المؤاكلة ولا بد من المشاركة فمع من لا يستأثر علي بالمخ،
~~ولا ينتهز بيضة «1» البقيلة؛ ولا يلتقم كبد الدجاج، ولا يبادر إلى دماغ
~~السلاءة «2» ، ولا يختطف كلية الجدي، ولا يزدرد قانصة الكركي «3» ، ولا
~~ينتزع شاكلة «4» الحمل، ولا يبتلع سرة السمك، ولا يعرض لعيون الرءوس، ولا
~~يستولى على صدور الدراج «5» ، ولا يسابق إلى أسقاط الفراخ، ولا يتناول إلا
~~ما بين يديه، ولا يلاحظ ما بين يدي غيره، ولا يمتحن الإخوان بالأمور
~~الثمينة، ولا ينتهك أستار الناس بأن يشتهي ما عسى ألا يكون موجودا؛ فكيف
~~تصلح الدنيا ويطيب العيش بمن إذا رأى جزورية «6» التقط الأكباد والأسنمة
~~«7» ، وإذا عاين بقرية استولى على العراق «8» والقطنة «9» ، وإن عاين بطن
~~سمكة اخترق كل شيء فيه، وإن أتوا بجنب شواء اكتسح ما عليه، ولا يرحم ذا سن
~~لضعفه، ولا يرق على حدث لحدة شهوته، ولا ينظر للعيال، ولا يبالي كيف دارت
~~الحال.
# وأشد من كل ما وصفنا أن الطباخ ربما أتى باللون الظريف الطريف، والعادة
~~في مثل ذلك اللون أن يكون لطيف الشخص صغير الحجم، فيقدمه حارا
# PageV03P276
# ممتنعا، وربما كان من جوهر بطيء الفتور، وأصحابنا في سهول ازدراد الحار
~~عليهم في طبائع النعام، وأنا في شدة الحار علي في طباع السباع، فإن نظرت
~~«1» إلى أن يمكن أتوا على آخره، وإن أنا بادرت مخافة الفوت وأردت أن
~~أشاركهم في بعضه لم آمن ضرره؛ والحار بما قتل وربما أعقم وربما أبال الدم.
~~قال: وعوتب على تركه إطعام الناس معه وهو يتخذ فيكثر، فقال: أنتم لهذا أترك
~~مني، فإن زعمتم أنني أكثر مالا وأعد، عدة، فليس بين حالي وحالكم من التفاوت
~~أن أطعم أبدا وتأكلوا أبدا، فإذا أتيتم من أموالكم من البذل على قدر
~~احتمالكم، علمت أنكم الخير أردتم، وإلى تزييني ذهبتم، وإلا فإنكم إنما
~~تحلبون حلبا لكم شطره «2» .
# قال: كان أبو ثمامة أفطر ناسا وفتح بابه فكثر عليه الناس، فقال: إن الله
~~لا يستحي من الحق، وكلكم واجب الحق، ولو استطعنا أن نعمكم بالبر كنتم فيه
~~سواء ولم يكن بعضكم أولى به من بعض؛ كذلك أنتم إذا عجزنا أو بدا لنا، فليس
~~بعضكم أحق بالحرمان والاعتذار إليه من بعض، ومتى قربت بعضكم وفتحت بابي لهم
~~وباعدت الآخرين، لم يكن في إدخال البعض عذر، ولا في منع الآخرين حجة؛
~~فانصرفوا ولم يعودوا.
# قال: وكان محمد بن أبي المؤمل يقول: قاتل الله رجلا كنا نؤاكلهم، ما رأيت
~~قصعة رفعت من بين أيديهم إلا وفيها فضل، وكانوا يعلمون أن إحضار
# PageV03P277
# الجدى إنما هو شيء من آيين «1» الموائد الرفيعة، وإنما جعل كالقافية
~~وكالخاتمة وكالعلامة لليسر والفراغ، ولم يحضر للتفريق والتخريب، وأن أهله
~~لو أرادوا به سوءا لقدموه لتقع الحدة به؛ ولذلك قال أبو الحارث جميز «2»
~~حين رآه لا يمس: هذا المدفوع عنه.
# ولقد كانوا يتحامون بيضة البقيلة «3» ، ويدعها كل واحد لصاحبه، وأنت
~~اليوم إذا أردت أن تمتع عينيك بنظرة واحدة منها ومن بيضة السلاءة «4» لم
~~تقدر على ذلك.
# وكان يقول: الآدام أعداء الخبز، وأعداها له المالح؛ فلولا أن الله أعان
~~عليها بالماء وطلب آكله له لأتى على الحرث والنسل.
# وكان يقول: ما بال الرجل إذا قال: اسقني ماء أتاه بقلة على قدر الري «5»
~~أو أصغر، وإذا قال؛ أطعمني شيئا أو هات لفلان طعاما، أتاه من الخبز بما
~~يفضل عن الجماعة، والطعام والشراب أخوان. أما إنه لولا رخص الماء وغلاء
~~الخبز لما كلبوا «6» على الخبز وزهدوا في الماء؛ والناس أشد شيء تعظيما
~~للمأكول إذا كثر ثمنه وكان قليلا في منبته وعنصره. هذا الجزر الصافي
~~والباقلاء الأخضر أطيب من كمثرى خراسان والموز البستاني، وهذا
# PageV03P278
# الباذنجان أطيب من الكمأة، ولكنهم لقصر هممهم وأذهانهم في التقليد
~~والعادة لا يشتهون إلا على قدر الثمن.
# وكان يقول: لو شرب الناس الماء على طعامهم لما اتخموا. وذلك أن الرجل لا
~~يعرف مقدار ما أكل حتى ينال من الماء شيئا، لأنه ربما كان شبعان وهو لا
~~يدري. وفي قول الناس: ماء دجلة أمرأ «1» من ماء الفرات، وماء مهران «2»
~~أمرأ من ماء نهر بلخ «3» ؛ وفي قول العرب: هذا ماء نمير يصلح عليه المال
~~دليل على أن الماء يمرىء؛ حتى قالوا: إن الماء الذي يكون عليه النفاطات «4»
~~أمرأ من الماء الذي تكون عليه القيارات «5» . فعليكم بشرب الماء على الغداء
~~فإن ذلك أمرأ «6» .
# قال وكان الثوري يقول لعياله: لا تلقوا نوى التمر والرطب وتعودوا
~~ابتلاعه، فإن النوى يعقد الشحم في البطن، ويدفىء الكليتين بذلك الشحم؛
~~واعتبروا ذلك ببطون الصفايا «7» وجميع ما يعتلف النوى. والله ما حملتم
~~أنفسكم على قضم الشعير واعتلاف القت «8» لوجدتموها سريعة القبول، وقد يأكل
~~الناس القت قداحا «9» ، والشعير فريكا «10» ، ونوى البسر الأخضر1»
# ، ونوى
# PageV03P279
# العجوة «1» ؛ وإنما بقيت عليكم الآن عقبة؛ أنا أقدر أن أبتلع النوى
~~وأعلفه الشاء، ولكن أقول هذا بالنظر لكم.
# وكان يقول لهم: كلوا الباقلاء بقشوره، فإن الباقلاء يقول: من أكلني
~~بقشوري فقد أكلني، ومن لم يأكلني بقشوري فأنا آكله؛ فما حاجتكم إلى أن
~~تصيروا طعاما لطعامكم، وأكلا لما جعل أكلا لكم.
# قال: وحم هو وعياله فلم يقدروا على أكل الخبز، فربح أقواتهم في تلك
~~الأيام؛ ففرح وقال: لو كان في منزل سوق الأهواز ونطاة «2» خيبر رجوت أن
~~أستفضل في كل سنة مائة دينار.
# قال: ودعا موسى بن جناح جماعة من جيرانه ليفطروا عنده في [شهر رمضان] «3»
~~، فلما وضعت المائدة أقبل عليهم ثم قال لهم: لا تعجلوا، فإن العجلة من عمل
~~الشيطان. ثم وقف وقفة ثم قال: وكيف لا تعجلون والله تعالى يقول: وكان
~~الإنسان عجولا
# «4» . اسمعوا ما أقول لكم، فإن فيه حسن المؤاكلة والتبعد من الأثرة،
~~والعاقبة الرشيدة، والسيرة المحمودة: إذا مد أحدكم يده ليستقي ماء فأمسكوا
~~أيديكم حتى يفرغ، فإنكم تجمعون عليه خصالا: منها أنكم تنغصون عليه في شربه،
~~ومنها أنه إذا أراد اللحاق بكم فلعله يتسرع إلى لقمة حارة فيموت، وأدنى ذلك
~~أن تبعثوه على الحرص وعلى عظم اللقم. ولهذا قال بعضهم وقد قيل له: لم تبدأ
~~بأكل اللحم؟ قال: لأن اللحم ظاعن والثريد مقيم. وأنا وإن كان الطعام طعامي
~~فإني كذلك أفعل؛
# PageV03P280
# فإذا رأيتم فعلى يخالف قولي فلا طاعة لي عليكم. وقال بعضهم: فربما نسي
~~بعضنا فمد يده وصاحبه يشرب، فيقول له: يدك يا ناسي، ولولا شيء لقلت لك: يا
~~متغافل.
# قال: فأتانا بأرزة «1» أحدنا أن يعد حباتها لعدها، لتفرقها، وقلتها، وهي
~~مقدار نصف سكرجة «2» ؛ فوقعت في فمي قطعة، وكنت إلى جنبه، فسمع صوتا حين
~~مضغتها، فقال: اجرش يا أبا كعب.
# قال: وكنا نسمع باللئيم الراضع، وهو الذي يرضع الحلب فلا يحلبه في الإناء
~~لئلا يسمع صوت الحلب- وقال بعضهم: لئلا يضيع من اللبن شيء- ثم رأيت أبا
~~سعيد المدائني قد صنع أعظم من ذلك: ارتضع من دن خلا حتى فني ولم يخرج منه
~~شيء.
# قال: وكان الكندي لا يزال يقول للساكن من سكاننا-[وربما قال] «3» للجار-
~~إن في داري امرأة بها حبل، والوحمى «4» ربما أسقطت من ريح القدر الطيبة،
~~فإذا طبختم فردوا شهوتها بغرفة أو بلعقة فإن النفس يردها اليسير، وإن لم
~~تفعل ذلك وأسقطت فعليك غرة «5» : عبد أو أمة.
# وقال بعضهم: نزلنا دارا بالكراء للكندي على شروط، فكان في شرطه
# PageV03P281
# على السكان أن يكون له روث الدابة، وبعر الشاة، ونشوار «1» العلوقة؛ وألا
~~يخرجوا عظما ولا يخرجوا كناسة، وأن يكون له نوى التمر، وقشور الرمان،
~~والغرفة من كل قدر تطبخ للحبلى في بيته؛ وكان في ذلك يتنزل «2» عليهم،
~~فكانوا لطيبه وإفراط بخله يحتملون ذلك.
# وقال دعبل: أقمنا يوما عند سهل بن هارون، فأطلنا الحديث حتى اضطره الجوع
~~إلى أن دعا بغدائه، فأتي بصحفة عدملية «3» فيها مرق لحم ديل عاس «4» هرم
~~ليس قبلها ولا بعدها غيرها، لا تحز «5» فيه السكين، ولا تؤثر فيه الأضراس،
~~فاطلع في القصعة وقلب بصره فيها، فأخذ قطعة خبز يابس فقلب بها جميع ما في
~~الصفحة ففقد الرأس، فبقي مطرقا ساعة، ثم رفع رأسه إلى الغلام وقال: أين
~~الرأس؟ قال: رميت به؛ قال: ولم؟ قال: ما ظننت أنك تأكله ولا تسأل عنه «6» !
~~قال: ولأي شيء ظننت ذلك؟ فو الله إني لأمقت «7» من يرمي برجله فيكف من يرمي
~~برأسه! والرأس رئيس، وفيه الحواس الخمس، ومنه يصيح الديك، ولولا صوته ما
~~أريد، وفيه عرفه الذي يتبرك به، وفيه عينه التي يضرب بها المثل فيقال: شراب
~~كعين الديك «8» ودماغه عجب لوجع الكلية، ولن ترى عظما قط أهش من عظم رأسه؛
~~فإن كان من نبل أنك لا تأكله فإن عندنا من يأكله. أو ما علمت أنه خير من
~~طرف الجناح ومن الساق
# PageV03P282
# ومن العنق!. انظر أين هو. قال: لا والله لا أدري أين هو، رميت به؛ قال:
# لكني أدري أنك رميت به في بطنك، والله حسبك.
# وحكي عن رجل أنه قال: مررت ببعض طرقات الكوفة، فإذا رجل يخاصم جارا له
~~فقلت: ما بالكما تختصمان؟ فقال أحدهما «1» : لا والله إلا أن صديقا لي
~~زارني فاشتهى علي رأسا، فاشتريته وتغدينا به وأخذت عظامه فوضعتها على باب
~~داري أتجمل بها «2» عند جيراني، فجاء هذا فأخذها وتركها على باب داره يوهم
~~أنه اشتراه.
# قال: وتناول رجل من بين يدي أمير من الأمراء بيضة وهو معه، فقال:
# خذها فإنها بيضة العقر «3» ولم يأذن له بعد ذلك.
# قال: وقدمت مائدة لرجل عليها أرغفة على عدد الرءوس ورغيف زائد يوضع على
~~الصحاف، فلما أنفد القوم خبزهم التفت إلى رجل إلى جانبه فقال: اكسر هذا
~~الرغيف وفرقه بينهم، فتغافل، فأعاد عليه، فقال: يبتلى على يد غيري.
# قال المدائني: كان للمغيرة بن عبد الله الثقفي وهو على الكوفة جدي يوضع
~~على مائدته بعد الطعام لا يمسه وهو ولا غيره، فقدم أعرابي يوما فأكل لحمه
~~وتعرق «4» عظامه؛ فقال، يا هذا، أتطالب هذا البائس بذحل «5» ؟! هل نطحتك
~~أمه! قال: وأبيك إنك لشفيق عليه! هل أرضعتك أمه!.
# PageV03P283
# قال المدائني: كان لزياد بن عبد الله الحارثي جدي لا يمسه أحد، فعشى في
~~شهر رمضان قوما فيهم أشعب، فعرض أشعب يوما للجدي من بين القوم، فقال زياد
~~حين رفعت المائدة: أما لأهل السجن إمام يصلي بهم؟
# قالوا: لا؛ قال: فليصل بهم أشعب؛ قال أشعب: أو غير ذلك أيها الأمير؟
# قال: وما هو؟ قال: لا آكل لحم جدي أبدا.
# قال: وكان المغيرة بن عبد الله الثقفي يأكل وأصحابه تمرا فانطفأ السراج،
~~وكانوا يلقون النوى في طست، فسمع صوت نواتين؛ فقال: من ذا يلعب بالكعبتين؟
~~«1» .
# قال الأعشى «2» : [طويل]
# تبيتون في المشتى ملاء بطونكم ... وجاراتكم سغب يبتن خمائصا «3»
# وقال آخر «4» [بسيط]
# وضيف عمرو وعمرو ساهران معا ... فذاك من كظة والضيف من جوع «5»
# وقال آخر [بسيط]
# وجيرة لا ترى في الناس مثلهم ... إذا يكون لهم عيد وإفطار
# إن يوقدوا يوسعونا من دخانهم ... وليس يبلغنا ما تنضج النار
# وقال سماعة بن أشول: [طويل]
# نزلنا بسهم والسماء تلفنا ... لحى الله سهما ما أدق وألأما «6»
# PageV03P284
# فلما رأينا أنه عاتم القرى ... بخيل ذكرنا ليلة الهضب كردما «1»
# فقمنا وحملنا على الأين والوجى ... جلالا بأوصال الرديفين مرجما «2»
# يدق خراطيم القنان كأنما ... يدق بصوان الجلاميد ختما «3»
# فجئنا وقد باض الكرى في عيوننا ... فتى من عيون المعرقين مسلما «4»
# تناخ إليه هجمة واتكية ... رعت بالجواء البقل حولا مجرما «5»
# كأن بأحقيها إذا ما تنغمت ... مزادا سقا فيه المزوة معصما «6»
# فبات رفيقي بعد ما ساء ظنه ... بمنزلة من آخر الليل مكرما
# ولو أنها لم يدفع العيس زمها ... رأى بعضها من بعض أنسائها دما «7»
# وقال حميد الأرقط: [طويل]
# ومستنبح بعد الهدوء وقد جرت ... له حرجف نكباء والليل عاتم «8»
# رفعت له مخلوطة فاهتدى بها ... يشب لها ضوء من النار جاحم «9»
# فأطعمته حتى غدا وكأنما ... تنازعه في أخدعيه المحاجم «10»
# PageV03P285
# كزمهان يفطو المشي لو جعلت له ... رعايا الحمى لم يلتفت وهو قائم «1»
# حريص على التسليم لو يستطيعه ... فلم يستطع لما غدا وهو عائم «2»
# وقال الأعشى «3» : [وافر]
# إذا حلت معاوية بن عمرو ... على الأطواء خنقت الكلابا «4»
# وقال آخر «5» : [طويل]
# أيا بنة عبد الله وابنة مالك ... ويابنة ذي البردين والفرس الورد «6»
# إذا ما عملت الزاد فالتمسي له ... أكيلا فإني غير آكله وحدي
# بعيدا قصيا أو قريبا فإنني ... أخاف مذما الأحاديث من بعدي
# وكيف يسيغ المرء زادا وجاره ... خفيف المعى بادي الخصاصة والجهد «7»
# وللموت خير من زيارة باخل ... يلاحظ أطراف الأكيل على عمد
# وقال مرة بن محكان السعدي «8» [بسيط]
# فقلت لما غدوا أوصي قعيدتنا ... غدي بنيك فلن تلفيهم حقبا «9»
# أدعى أباهم ولم أقرف بأمهم ... وقد هجعت ولم أعرف لهم نسبا «10»
# وقال حماد عجرد: [سريع]
# PageV03P286
# زرت امرأ في بيته مرة ... له حياء وله خير «1»
# يكره أن يتخم إخوانه ... إن أذى التخمة محذور
# ويشتهي أن يؤجروا عنده ... بالصوم والصائم مأجور
# وقال بعض المحدثين: [وافر]
# أبو نوح نزلت عليه يوما ... فغداني برائحة الطعام
# وجاء بلحم لا شيء سمين ... فقدمه على طبق الكلام
# فلما أن رفعت يدي سفاني ... مداما بعد ذاك بلا مدام
# فكان كمن سقى الظمآن آلا ... وكنت كمن تغدى في المنام «2»
# وقال عروة بن الورد «3» : [كامل]
# إني امروؤ عافي إنائي شركة ... وأنت امرؤ عافي إنائك واحد «4»
# أتهزأ مني أن سمنت وأن ترى ... بجسمي مس الحق والحق جاهد «5»
# أقسم جسمي في جسوم كثيرة ... وأحسو قراح الماء والماء بارد «6»
### | باب القدور والجفان
# ذكر الفرزدق عقبة بن جبار المنقري وقدره فقال [بسيط]
# PageV03P287
# لو أن قدرا بكت من طول محبسها ... على الحفوف بكت قدر ابن جبا «1»
# ما مسها دسم مذ فض معدنها ... ولا رأت بعد نار القين من نار «2»
# وقال: [وافر]
# كأن تطلع الترغيب فيها ... عذار يطلعن إلى عذار «3»
# وقال الكميت: [متقارب]
# كأن الغطامط من غليها ... أراجيز أسلم تهجو غفارا «4»
# وقال آخر «5» : [طويل]
# وقدر كجوف الليل أحمشت غليها ... ترى الفيل فيها طافيا لم يفصل «6»
# وقال ابن الزبير «7» يمدح أسماء بن خارجة: [طويل]
# ترى البازل البختي فوق خوانه ... مقطعة أعضاؤه ومفاصله «8»
# وقال الرقاشي: [طويل]
# PageV03P288
# لنا من عطاء دهماء جونة ... تناول بعد الأقربين الأقاصيا «1»
# جعلت ألالا والرجام وطخفة ... لها فاستقلت فوقهن الأثافيا «2»
# مؤدية عنا حقوق محمد ... إذا ما أتانا يابس الجنب طاويا
# أتى ابن يسير كي ينفس كربه ... إذا لم يرح وافى مع الصبح غاديا
# فأجابه ابن يسير: [طويل]
# وثرماء ثلماء النواحي ولا يرى ... بها أحد عيبا سوى ذاك باديا «3»
# إذا انقاض منها بعضها لم تجد لها ... رءوبا لما قد كان منها مدانيا «4»
# وإن حاولوا أن يشعبوها فإنها ... على الشعب لا تزداد إلا تداعيا «5»
# معوذة الإرجال لم توف مرقبا ... ولم تمتط الجون الثلاث الأثافيا «6»
# ولا اجترعت من نحو مكة شقة ... إلينا ولا جازت بها العيس واديا «7»
# ولكنها في أصلها موصلية ... مجاورة فيضا من البحر جاريا
# أتتنا تزجيها المجاذيف نحونا ... وتعقب فيما بين ذاك المزاديا «8»
# PageV03P289
# يقول لمن هذي القدور التي أرى ... تهيل عليها الريح تربا وسافيا «1»
# فقالوا ولن يخفى على كل ناظر ... قدور رقاش إن تأمل دانيا
# فقلت متى باللحم عهد قدوركم ... فقالوا إذا ما لم يكن عواريا «2»
# من اضحى إلى أضحى وإلا فإنها ... تكون بنسج العنكبوت كما هيا
# فلما استبان الجهد لي في وجوههم ... وشكواهم أدخلتهم في عياليا
# ينادي ببعض بعضهم عند طلعتي ... ألا أبشروا هذا اليسيري جائيا
# وقال أبو نواس: [طويل]
# ودهماء تثفيها رقاش إذا شتت ... مركبة الآذان أم عيال «3»
# يغص بحيزوم البعوضة صدرها ... وتنزلها عفوا بغير جعال «4»
# لو جئتها ملأى عبيطا مجزلا ... لأخرجت ما فيها بعود خلال «5»
# هي القدر قدر الشيخ بكر بن وائل ... ربيع اليتامى عام كل هزال «6»
# وقال أيضا: [طويل]
# رأيت قدور الناس سودا من الصلى ... وقدر الرقاشيين زهراء كالبدر «7»
# ولو جئتها ملأى عبيطا مجزلا ... لأحرجت ما فيها على طرف الظفر
# يثبتها للمعتفى بفنائهم ... ثلاث كحظ الثاء من نقط الحبر «8»
# PageV03P290
# تروح على حي الرباب ودارم ... وسعد وتعروها قراضبة الفزر «1»
# وللحي عمرو نفحة من سجالها ... وتغلب والبيض اللهاميم من بكر «2»
# إذا ما بنادى بالرحيل سعى بها ... أمامهم الحولي من ولد الذر «3»
# وقال أبو عبيدة: كان لعبد الله بن جدعان جفنة يأكل منها القائم والراكب.
~~وذكر غيره أنه وقع فيها صبي فغرق.
# وقال الأشعر «4» : [متقارب]
# وأنت مليخ كلحم الحوار ... فلا أنت حلو ولا أنت مر «5»
# وقد علم الضيف والطارقون ... بأنك للضيف جوع وقر «6»
# سأل يحيى بن خالد أبا الحارث جميزا عن طعام رجل، فقال: أما مائدته فمقنة
~~«7» وأما صحافه فمنقورة من حب الخشخاش، وبين الرغيف والرغيف نقرة جوزة «8»
~~، وبين اللون واللون فترة نبي «9» . قال: فمن يحضرها؟
# قال: الكرام الكاتبون. قال: فيأكل معه أحد؟ قال: نعم، الذباب. قال:
# فلهذا ثوبك مخرق ولا يكسوك وأنت معه وبفنائه؟! قال أبو الحارث: جعلت
~~فداءك، والله لو ملك بيتا من بغداد إلى الكوفة مملوءا إبرا، في كل إبرة
# PageV03P291
# خيط، ثم جاءه جبريل وميكائيل معهما يعقوب يضمنان «1» عنه إبر يخيط بها
~~قميص يوسف الذي قد من دبر «2» ، ما أعطاهم.
# وقال بعضهم [بسيط]
# ولو عليك اتكالي في الغذاء إذا ... لكنت أول مدفون من الجوع
### | سياسة الأبدان بما يصلحها من الطعام وغيره
# قال الحجاج لتياذوق «3» متطببه: صف لي صفة آخذ بها في نفسي ولا أعدوها،
~~قال تياذوق: لا تتزوج من النساء إلا شابة، ولا تأكل من اللحم إلا فتيا، ولا
~~تأكله حتى ينعم طبخه، ولا تشربن دواء إلا من علة، ولا تأكل من الفاكهة إلا
~~نضيجها، ولا تأكل طعاما إلا أجدت مضغه، وكل ما أحببت من الطعام واشرب عليه،
~~وإذا شربت فلا تأكل عليه شيئا، ولا تحبس الغائط والبول، وإذا أكلت بالنهار
~~فنم، وإذا أكلت بالليل فتمش ولو مائة خطوة.
# روى عبد العزيز بن عمران عن الحليس بن حيان الأشجعي قال حدثني أبي عن
~~شيوخ من أشجع قال: سألمنا يهود خيبر: بم صححتم بخيبر؟ قالوا:
# بشرب الخمر، وأكل الفوم، وسكون اليفاع «4» ، وتجنب بطون الأودية، والخروج
~~من خيبر عند طلوع الفجر وسقوطه.
# قال الحجاج للحكم بن المنذر بن الجارود: أخبرني عن صفاء لونك وغلظ قصرتك
~~«5» ، أشرب اللبن فهو منه؟ قال: لا؛ قال: ولم؟ قال: لأنه منتنة
# PageV03P292
# منفخة. قال: فما شرابك؟ قال: نبيذ الدقل «1» في الصيف ونبيذ العسل في
~~الشتاء.
# قال عبد الملك لأعرابي: إنك حسن الكدنة «2» : قال: إني أدفىء رجلي في
~~الشتاء، وأغفل غاشية الغم»
# ، وآكل عند الشهوة.
# عن علي رضي الله عنه أنه قال: من ابتدأ غذاءه بالملح أذهب الله عنه سبعين
~~نوعا من البلاء. ومن أكل كل يوم سبع تمرات عجوة قتلت كل داء في بطنه. ومن
~~أكل كل يوم إحدى وعشرين زبيبة حمراء لم ير في بدنه شيئا يكرهه. واللحم ينبت
~~اللحم. والثريد طعام العرب. ولحم البقر داء «4» ، ولبنها شفاء، وسمنها
~~دواء. والشحم يخرج مثليه من داء. ولم يستشف الناس بشيء أفضل من الرطب.
~~والسمك يذيب الجسد، وقراءة القرآن «5» والسواك يذهب البلغم. ومن أراد
~~البقاء- ولا بقاء- فليباكر الغداء، وليقلل غشيان النساء، ويخفف الرداء،
~~وليلبس الحذاء. قيل: وما خفة الرداء في البقاء؟ قال: قلة الدين.
# قيل لرجل: إنك لحسن السخنة «6» ؛ فقال: آكل لباب البر بصغار المعز، وأدهن
~~بحام «7» البنفسج، وألبس الكتان.
# PageV03P293
# ويقال: ثلاثة أشياء تورث الهزال: شرب الماء على الريق، والنوم على غير
~~وطاء «1» ، وكثرة الكلام برفع الصوت.
# ويقال: أربع خصال يهدمن العمر وربما قتلن: دخول الحمام على بطنة،
~~والمجامعة على الامتلاء، وأكل القديد «2» الجاف، وشرب الماء البارد على
~~الريق؛ وقيل: ومجامعة العجوز.
# وفي الحديث: «ثلاثة أشياء تورث النسيان أكل التفاح الحامض وسؤر الفأرة
~~«3» ونبذ القملة «4» . وفي حديث آخر والحجامة في النقرة «5» والبول في
~~الماء الراكد» .
# ويقال: أربعة أشياء تقصد إلى العقل بالإفساد: الإكثار من البصل،
~~والباقلاء، والجماع، والخمار.
# وقال النظام: ثلاثة أشياء تخلق «6» العقل وتفسد الذهن: طول النظر في
~~المرآة، والاستغراب في الضحك، ودوام النظر إلى البحر.
# وكان يقال: عشاء الليل يورث العشا «7» .
# ويروى في الحديث: «ترك العشاء مهرمة» . والعرب تقول: ترك العشاء يذهب
~~بلحم الأليتين.
# PageV03P294
### | باب الحمية
# قال الحارث بن كلدة طبيب العرب: الدواء هو الأزم. يعني الحمية قال آخر:
~~الحمية إحدى العلتين.
# وقيل لجالينوس: إنك تقل من الطعام؛ قال: غرضي من الطعام أن آكل لأحيا،
~~وغرض غيري من الطعام أن يحيا ليأكل.
# وقال العمي «1» : من احتمى فهو على يقين من المكروه، وفي شك مما يأمل من
~~العافية.
# وكان يقال: ليس الطبيب من حمى الملك ومنعه الشهوات، إنما الطبيب من خلاه
~~وما يريد وساس بدنه «2» .
# وقال بعض الشعراء: [طويل]
# وربت حزم كان للسقم علة ... وعلة برء الداء خبط المغفل «3»
# ويقال: الحمية للصحيح ضارة كما أنها للعليل نافعة.
# وفي الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى صهيبا يأكل تمرا وبه
~~رمد، فقال له: «أتأكل التمر وبك رمد؛ فقال: يا رسول الله، إنما أمضغ بهذه»
~~«4» .
# إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى
~~الله عليه وسلم «لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب فإن الله يطعمهم
~~ويسقيهم» .
# PageV03P295
### | باب شرب الدواء
# قال عبد الله بن بكر السهمي: حدثنا بعض أصحابنا يرفعه إلى النبي صلى الله
~~عليه وسلم قال: «من استقل «1» بدائه فلا يتداوين، فإنه رب يورث الداء» .
# وكانت الحكماء تقول: إياك وشرب الدواء ما حملت صحتك داءك.
# وقالوا: مثل شرب الدواء مثل الصابون للثوب ينقيه، ولكنه يخلقه ويبليه.
# عن يزيد بن الأصم قال: لقيت طبيب كسرى شيخا كبيرا قد أوثق حاجبيه بخرقة،
~~وسألته عن دواء المشي «2» ؛ قال: سهم يرمى به في جوفك أخطأ أو أصاب.
# قال أبقراط: الدواء من فوق، والدواء من تحت، والدواء لا فوق ولا تحت.
~~وفسره المفسر فقال: من كان داؤه في بطنه فوق سرته سقي الدواء، ومن كان داؤه
~~تحت سرته حقن، ومن لم يكن به داء لا من فوق ولا من تحت لم يسق الدواء، فإن
~~الدواء إذا لم يجد داء يعمل فيه وجد الصحة فعمل فيها.
# قال أبو اليقظان: كان عبد العزى بن عبد المطلب «3» يشتكي عينه وهو مطرق
~~أبدا؛ وكان يقول: ما بعيني بأس، ولكن كان أخي الحارث إذا اشتكت عينه يقول:
~~اكحلوا عين عبد العزى معي فيأمر من يكحلني معه ليرضيه بذلك فأمرض عيني.
# قال ابن أحمر «4» حين شفي بطنه: [طويل]
# PageV03P296
# شربت الشكاعى والتددت ألدة ... وأقبلت أفواه العروق المكاويا «1»
# شربنا وداوينا وما كان ضارنا ... إذا الله حم المرء أن لا تداويا
# وفي الحديث: «داووا مرضاكم بالصدقة وحصنوا أموالكم بالزكاة واستقبلوا
~~أنواع البلايا بالدعاء» .
### | الحدث والحقنة والتخمة
# عن وهب قال قال لقمان لابنه: إن طول الجلوس على الخلاء يرفع الحرارة إلى
~~الرأس، ويورث الباسور وتيجع «2» له الكبد؛ فاجلس هوينى وقم هوينى. فكتبت
~~حكمته على باب الحش «3» .
# وكان يقال: إذا خرج الطعام قبل ست ساعات فهو مكروه، وإذا بقي أكثر من
~~أربع وعشرين ساعة فهو مرض.
# وكان أبو ذفافة الباهلي اشتكى، فأشار عليه الأطباء بالحقنة فامتنع؛ فأنشأ
~~أعرابي يقول: [طويل] لقد سرني- والله وقاك شرها-* نفارك منها إذ أتاك
~~يقودها
# كفى سوءة ألا تزال مجبيا ... على شكوة وفراء في استك عودها «4»
# وأشاروا على عبيد الله بن زياد بالحقنة فتفحشها؛ فقالوا: إنما يتولاها
~~منك الطبيب؛ فقال: أنا بالصاحب آنس.
# PageV03P297
# قال المدائني: سأل الحجاج جلساءه: ما أذهب الأشياء للإعياء؟ فقال بعضهم:
~~أكل التمر، وقال بعضهم: الحمام، وقال بعضهم: التمريخ «1» .
# وقال فيروز: أذهب الأشياء للإعياء قضاء الحاجة.
# وحدثني بعض الأطباء أن رجلا شرب خبث الحديد المعجون فبقي في جوفه، فاشتد
~~عليه وجعه؛ فسحقت له قطعة من المغناطيس وسقي إياه، فتعلق بالخبث وخرج مع
~~الغائط.
# قال: وقال تياذوق طبيب الحجاج للحجاج: إن اللحم على اللحم يقتل السباع في
~~البرية. ثم قال لي جعفر: قالت جارية لنا: كان لي ظبي فمر بعجين قد هيء
~~للخشكنان «2» ، فأكل منه فحفس- والحفس: الحبط وانتفاخ البطن- فسلخ فوجد قد
~~شرق بالدم. وقال يونس (طبيب لنا) : هكذا يصاب الإنسان إذا بشم «3» .
# الأصمعي: قال بعض الأعراب: اللهم إني أسألك ميتة كميتة أبي خارجة، وأكل
~~بذجا «4» ، وشرب معسلا «5» ، ونام في الشمس، فلقي الله شبعان ريان دفآن.
# وقال آخر من الأعراب: اللهم اجعل التخمة دائي وداء عيالي.
# قال ابن شبابة مولى بني أسد: من بال ولم يضرط كتبت استه من الكاظمين
~~الغيظ.
# PageV03P298
### | باب القيء
# عن جعفر بن سليمان أنه قال لإنسان أكول يقيء إذا أكل: لا تفعل، فإن
~~المعدة تضفر «1» إلى القيء كما تضفر الدابة إلى العلف، فلا ينضج الطعام.
# وأخذ مزبد شاربا فاستنكه «2» ، فأتي به الوالي فاستنكهوه، فقالوا نكهته
~~لا تنبىء عنه، قال مزبد: إن لم أقيء نبيذا فمن يضمن لي عشاء.
# رئي الجمال يأكل فقيل له: ما تأكل؟ قال: قيء كلب في قحف «3» خنزير.
### | النكهة
# سئل تياذوق عن البخر»
# فقال: دواؤه الزبيب يعجن بسعتر «5» ثم يؤكل أسبوعين أو ثلاثة. فجرب فذهب.
# وتقول الروم في الكرفس «6» : إنه يطيب الفم ويذهب البخر؛ ويحتاج إلى أكله
~~من يشاهد السلطان ومحافل الناس وكان أكثر كلامه السرار «7» .
# قالت الأطباء: الجزر المشوي والخبز المقلو بالزيت أو بالسمن إذا مضغ ورمي
~~بثفله «8» قاطع لرائحة البصل من الفم. والفوم إن أكله آكل فأحب أن يقطع
~~رائحته مضغ ورق الزيتون الطري وتمضمض «9» بعده بالخل.
# PageV03P299
# والسعد «1» قاطع لرائحة النبيذ من الفم. وحب الأترج «2» مطيب للنكهة.
# والبخر لا يكاد يكون في الملاحين لأكلهم الملاح «3» .
# وقرأت في الآيين «4» : أن رئيس الحرم أمر جواري الملك ألا يأكلن الثوم
~~والبصل والكراث واللفاح «5» والحمص الرطب والمشمش؛ فإنه يورث البخر.
### | باب المياه والأشربة
# قالت الأطباء: معرفة خفة الماء بأن يكون سريع الغليان ويكون سريع البرد.
~~وأحمد المياه ما كان قبالة المشرق ومجراه مجرى الشمال ومروره على الطين
~~الأحمر وعلى الرمل. قالوا: ومما يصفي من الماء الكدر فيصفو سريعا أن يلقى
~~فيه قطع من خشب الساج «6» أو قطع من آجر جديد.
# قال بعض المحدثين: [مخلع البسيط]
# يمنع امه بالشمال ... وماؤها البارد الزلال
# يصيح فيها وقايتونا ... يجري به الثلج في مثال «7»
# PageV03P300
# وقال صاحب الفلاحة: من أراد أن يعذب له الماء الزعاق «1» جعله في قدر
~~جديدة من خزف وغطى فاها بأسحال «2» ثم أوقد تحتها حتى تغلي ويحصل فيها نصف
~~ذلك الماء ثم صفاه وتركه، فإنه يجده شروبا «3» .
# وقالوا: ماء دجلة يقطع شهوة الرجال ويذهب بصهيل الخيل ونشاطها، ومن لم
~~يأكل الدسم عليه انحل عظمه ويبس جلده، وهو مع هذا أهضم للطعام من غيره من
~~المياه وأسرعها بردا.
# قال: والنيل يستقبل الشمال وينضب في وقت زيادة الأودية ويزيد في وقت
~~نقصانها. وزيادة أوله وآخره معها؛ ولا تكون التماسيح إلا فيه؛ قال الشاعر
~~[بسيط]
# أضمرت للنيل هجرانا ومقلية ... إذ قيل لي إنما التمساح في النيل «4»
# فمن رأى النيل رأيا العين من كثب ... فما أرى النيل إلا في البواقيل «5»
# والسقنقور «6» أيضا لا يخرج إلا منه.
# وروى في الحديث عن الضحاك بن مزاحم أنه قال قذف الفرات في
# PageV03P301
# المد رمانة كأنها البعير البارك، وتحدث أهل الكتاب أنها من الجنة. «1»
# وقال ابن ماسويه: ينبغي للماء الغليظ الذي ليس يعذب أن يطبخ حتى يذهب منه
~~نصفه، ثم يطرح فيه السويق أو الطين الأحمر فإنه يلطفه ويذهب غائلته «2»
~~ويعذبه ويمنع كدره.
# قالت الأطباء: الفقاع «3» المتخذ من دقيق الشعير نافع من الجذام «4» .
# والجلاب «5» قاطع لكثرة دم الحيض، والسكنجبين «6» نافع من الذبحة إذا
~~كانت من حرارة، يشرب ويتغرغر به.
### | باب اللحمان وما شاكلها
# قالت الأطباء: لحم الماعز يورث الهم، ويحرك السوداء «7» ، ويورث النسيان،
~~ويخبل الأولاد «8» ، ويفسد الدم؛ وهو ضار لمن سكن البلاد الباردة.
# وأحمد اللحمان ما خصي من المعز. والضأن نافع من المرة السوداء، إلا أن
~~الممرورين الذين يصرعون، إذا أكلوا لحم الضأن اشتد بهم ذلك حتى يصرعوا في
~~غير أوان الصرع. وأوان الصرع الأهلة وأنصاف الشهور.
# PageV03P302
# قال الشاعر «1» : [وافر]
# كأن القوم عشوا لحم ضأن ... فهم نعجون قد مالت طلاهم «2»
# قالوا: واللحم أقل الطعام نجوا «3» . ولحم الدجاج الهرم شر اللحمان
~~وأغلظها.
# والبيض إن سلق بالخل ثم أكل بالسماق «4» وحب الرمان المفلق والملح والمري
~~«5» عقل الطبيعة.
# والزبد إن طلي على منابت أسنان الطفل كان معينا على نباتها وطلوعها،
~~والمخ والدماغ يفعلان ذلك.
### | مضار الأطعمة ومنافعها
# الكمأة»
# والفطر «7» - عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهم
~~يذكرون الكمأة وبعضهم يقول جدري «8» الأرض، فقال: «الكمأة من المن «9»
~~وماؤها شفاء للعين والعجوة من الجنة وهي شفاء من السقم» .
# PageV03P303
# الأصمعي عن بعض مشايخه قال: ثلاثة أشياء ربما صرعت أهل البيت عن آخرهم:
~~الجراد، ولحوم الإبل، والفطر.
# وتقول الأطباء: إن أردأ الفطر ما نبت تحت ظلال الشجر، وأردأ كله ما كان
~~في ظل شجر الزيتون فإنه قتال.
# قالوا: والكمثري إذا طبخ مع الفطر أذهب ضرره.
# قالوا: والفطر يورث الذبحة «1» .
# قدم أعرابي المصر فأكل فطرا، فأصابته ذبحة، فقيل له: إن الطبيب بعث أن
~~يحلب في فيك، فقال: ما زلت أسمع باللئيم الراضع «2» ولا والله لا أكونه؛
~~قالوا: فتموت إذا؛ قال: وإن مت.
# وتقول الأطباء: إن أكل آكل الفطر فأضر به، سقي الكرنب «3» المعصور وسقي
~~من خرء الدجاج وزن درهمين مع خل وعسل مطبوخ وقيء به.
# قالوا: والكمأة تورث وجع القولنج «4» والسكتة والفالج ووجع المعدة.
# قالوا: والذباب لا يقرب قدرا فيه كمأة.
# ومن أراد اتخاذ الكمأة اليابسة جعلها في الطين الحر يوما وليلة ثم غسلها
~~واستعملها.
# بلغني عن فتى من أهل الكتاب أنه قال: كنا في طريق مكة بالخزيمية «5» ،
~~فأتانا أعرابي بكمأة في كساء قدر ما أطاق، فقلنا: بكم الكمأة؟
# PageV03P304
# قال: بدرهمين، فاشتريناها منه ودفعنا الثمن إليه، فلما نهض قال له بعضنا:
# «في است المغبون عود» «1» ؛ قال: بل عودان، وضرب الأرض برجله، فإذا نحن
~~على الكمأة.
# قال بعض الشعراء: [رجز]
# جنيتها تملأ كف الجاني ... سوداء مما قد سقى السواني «2»
# كأنها مدهونة بالبان «3»
# وهذه صفة أجود الكمأة وأقلها أذى.
### | البصل والثوم
# دخل داخل على نصر بن سيار وحوله بنون له صغار، فقال: هل تدرون ما ولدي
~~هؤلاء؟ هؤلاء بنو البصل؛ وكان يأكله نيئا ومشويا ومطبوخا.
# والأطباء تقول في البصل: إنه يشهي إلى الطعام إن أكل مشويا أو نيئا،
~~ويشهي إلى الجماع. وإن دق وشم عطس وشهى الطعام. وإن اكتحل بمائه مع العسل
~~جلا البصر. وإن وضع مع الملح والسذاب «4» على عضة الكلب الذي ليس بكلب نفع.
~~والإكثار منه يفسد العقل. والمسلوق منه يدر البول والدمعة.
# العصافير إن أكلت بالزنجبيل والبصل هيجت شهوة الجماع وأكثرت المني.
# PageV03P305
# عن طارق بن شهاب قال: بعث سليمان النبي عليه السلام بعض عفاريته وبعث معه
~~رجلا وقال: رده إلي وانظر إلى صنيعه. فمر على أهل بيت يبكون فضحك، ودخل إلى
~~السوق ونظر إلى الناس فرفع رأسه إلى السماء وهزه، ونظر إلى الثوم وهو يكال
~~كيلا والفلفل وهو يوزن وزنا، فضحك. فلما رده إلى سليمان عليه السلام وأخبره
~~بما جرى منه، قال: لم ضحكت من أهل البيت؟ ولم هززت رأسك حين نظرت إلى
~~السوق؟ ولم ضحكت من الثوم والفلفل؟ قال: أما أهل البيت فإن الله أدخل ميتهم
~~الجنة وهم يبكون عليه؛ ونظرت إلى الناس في السوق والملائكة من فوق رؤوسهم،
~~والناس يملون والملائكة سراعا يكتبون، فهززت رأسي؛ ونظرت إلى الثوم وهو
~~شفاء يكال كيلا، وإلى الفلفل وهو داء يوزن وزنا. وعن وهب «1» : أن سليمان
~~عليه السلام قال: مم كنت تضحك؟ قال إني مررت برجل يشتري خفين ويقول
~~لصاحبهما: شرطي عليك أن ألبسهما عشر سنين لا يتخرقان «2» ؛ فعجبت كيف شرط
~~أمله ونسي أجله. ومررت بعجوز دهرية «3» تتكهن وتخبر الناس بما لا يعلمون،
~~والذي سخر لك الريح وأذل لك الجن وعبد الشياطين إني لأعلم في بيتها تحت
~~فراشها مطمورة «4» فيها قناطير من ذهب وفضة وهي لا تدري ما تحتها، وقد ماتت
~~هزلا «5» وجوعا وحاجة. ومررت بأخرى دهرية تتطبب وكان بها مرة داء، فأكلت
~~البصل فصادفت منه برءا، فظنت أنه حسم داءها وشفاها، فهي تصفه للناس من كل
~~داء، وقد كانت في ظهرها ريح حبست منذ زمان
# PageV03P306
# فأكلت الثوم أحدا وعشرين يوما فشفيت منه؛ فعجبت لها كيف تدع أن تصفه.
# ومررت برجل على شاطىء نهر يستقي منه في قلة له ومعه بغلة، فلما سقى
~~البغلة ملأ القلة وربط البغلة بأذن القلة وذهب لبعض حاجته، فنفرت البغلة
~~وكسرت القلة؛ فجعل يلعن الشيطان، وبرأ عقله ونسي فعله. ومررت بقوم يذكرون
~~الله فاجتهدوا ونصبوا «1» وابتهلوا، فلما أظلت الرحمة ملة رجل منهم فقام،
~~وجاء آخر لم ينصب معهم فجلس مجلسه، فنزلت الرحمة فدخل فيها معهم وحرمها
~~الأول؛ فعجبت من سعادة هذا وشقاوة هذا.
# وتقول الأطباء: إن الثوم إذا شوي بالنار ووضع على الضرس المأكول ودلكت به
~~الأسنان التي يعرض فيها الوجع من الرطوبة والريح، أذهب ما فيها بإذن الله
~~من الوجع.
# قال: وهو ينفع من العطش الحادث من البلغم، ويقوم مقام الترياق في لسع
~~الهوام، والأمراض الباردة.
# وتقول الروم في الثوم: إنه دواء لمن أصابه وجع السقي «2» في بطنه.
# وإن أكله من ظهر فيه حرة «3» من شرى «4» أو غيره أبرأه. وإن دق الثوم
~~يابسا فأغلي بسمن ولبن ثم جعله من يشتكي ضرسه في فيه سخنا فأمسكه ساعة، ذهب
~~وجع ضرسه؛ وهو نافع لمن اجتوى «5» .
# PageV03P307
### | الكراث
# قالت الأطباء: الكراث النبطي إذا أدمن كانت فيه أحلام رديئة، وولد بخارا
~~في الرأس رديئا. وإن صب في مائه خل ودقاق كندر «1» واستعط «2» به سكن
~~الصداع. وإن سلق أو طحن وأكل أو ضمد به البواسير العارضة من الرطوبة نفع
~~منها.
# وماء الكراث إذا خلط بمثله من ألبان النساء ودهن الورد والكندر وكحل به
~~عين من أصابته غشاوة في عينه فلم يبصر ليلا نفعه. وأكل البصل نافع لذلك
~~أيضا.
### | الكرنب والقنبيط
# قالوا: الكرنب معين على الإكثار من النبيذ إذا أكل، وهو مدر للبول.
# وقالت الروم: بين الكرنب والكرم عداوة؛ ولا يكاد يصلح الكرم والكرنب إذا
~~تجاورا. قالت الأطباء: إن احتملت المرأة بزر الكرنب بعد الحيض أسهل المني
~~وأفسده ولم يكن معه حمل، وشرب مائه مع الشيح الأرمني غير المطبوخ أو ماء
~~الترمس المنقع «3» مخرج لحب القرع «4» من البطن. والقسط «5» أيضا خاصة بزره
~~يفسد المني إذا احتملته المرأة بعد طهرها؛ ومقدار ما يحتمل وزن درهمين.
# وتقول الروم: الكرنب إن طبخ وخلط ماؤه بالحندقوق «6» وسقي المرأة
# PageV03P308
# التي تأخر حيضها حاضت لحينها.
# قالوا: وإذا خلط ماء الكرنب بالبنج «1» كان نافعا للسعال.
# قال أبو محمد: سكوت إلى حنين الطبيب علة كنت أجدها في حلقي لا أكاد أبتلع
~~معها ريقي؛ فقال: هي بينة في عينك. فتغرغر بعقيد العنب مع خمير ثلاثة أيام
~~في كل يوم ثلاث مرات؛ ففعلت ذلك يوما واحدا فذهب.
# قالوا: وإذا دق الكرنب وخلط به شيء من زاج «2» الأساكفة وشيء من خل،
~~فأوجف «3» ذلك بالخطمي»
# ، ثم طلي به برص أو جرب نفع بإذن الله تعالى.
### | السلجم «5» والفجل
# تقول الأطباء في الفجل: إنه مهيج للجماع زائد في المني، وبزره نافع من
~~السموم قالوا: والفجل هاضم للطعام، فإن أكل بزره بعسل كان دواء من السعال
~~والفواق «6» ؛ وإذا شدخت «7» قطعة فجل فطرحت على عقرب ماتت؛ وماؤه وبزره
~~للسموم بمنزلة الترياق «8» . وإذا طلى أحد يده بمائه ثم قبض على
# PageV03P309
# حية أو غيرها من الهوام لم يضار ذلك الموضع. قالوا: وإن دق بزره مع
~~الكندر «1» وطلي به البهق الأسود «2» في الحمام أذهبه. وإن شرب ماء ورقه
~~نفع من الأرقان «3» الحادث من الطحال.
### | الباذنجان
# قالوا: والباذنجان مكلف «4» للوجه يورث داء السرطان والأورام الصلبة.
# وحدثني أبي عن أبي الحارث جميز أنه سمعه يقول في الباذنجان: لا آكله، لون
~~العقرب وشبه المحجمة. قيل له: فقد رأيناك تأكله على خوان فلان! قال: كان
~~ميتة وأنا مضطر.
### | الخيار والقثاء
# قالوا؛ شم الخيار نافع لمن أصابه الغشي «5» من الحرارة. وبزر القثاء إذا
~~شربه من به حمى الأسى «6» نفعه. وإن أصابت رضيعا حمى فألزقت به خيارتين
~~تمسان جلده إحداهما عن يمينه والأخرى عن شماله، أقلعت الحمى عنه.
### | السلق
# قالوا: والسلق إن دق مع أصله وعصر ماؤه وغسل به الرأس ذهب بالأتربة وأطال
~~الشعر.
# PageV03P310
### | الهليون
# «1»
# قالوا: والهليون مدر للبول، نافع من القولنج.
### | القرع
# قالوا: إذا شوي القرع بالنار ثم عصر فجعل من مائه في أذن من اشتكى أذنه
~~نفعه. وإن دهنت منابت شعر اللحية بدهن القرع المر، وقثاء الحمار «2» مذابا
~~فيه شيح أرمني أسرع فيها نبات الشعر.
### | البقول
# قالوا: والجرجير زائد في الباه «3» والإنعاظ «4» مدر للبول. وتذكر الروم
~~أن من أكل الجرجير ثم ضرب بالسياط هون عليه بعض ذلك الجلد. قالوا: وهو ينفع
~~من ذفر الإبطين «5» إذا أكل على الريق وطلي الإبطان بمائه. وتزعم الروم أن
~~ماءه ينفع من عضة ابن عرس.
# وقال بعض الأطباء: إن ذر بزر الجرجير مدقوقا في البيض وحشي كان ذلك زائدا
~~في الباه والإنعاظ زيادة بينة. قال أبو حاتم عن القحذمي قال: أكله أعرابي
~~فأنعظ شهرا، فقال الفرزدق يفخر به: [طويل]
# ومنا التميمي الذي قام أيره ... ثلاثين يوما ثم زادهم عشرا
# PageV03P311
# قالوا: والسذاب «1» قاطع لشهوة الجماع. وقالت الروم: إن أكلت امرأة حامل
~~أربعة مثاقيل كل يوم بماء سخن أو نبيذ خمسة عشر يوما أسقطت ولدها.
# وقال بعض الشعراء: [مجتث]
# كم نعمة للسذاب ... جليلة في الرقاب
# الناس عنها غفول ... إلا ذوي الألباب
# فالحمد لله شكرا ... لولا مكان السذاب
# لغيب الأرض نسل ال ... مغنيات القحاب
# قالوا: والبقلة الحمقاء «2» إذا مضغت أذهبت الطرش، وإذا أكلت أذهبت شهوة
~~الجماع. والروم تقول: إن نظر ناظر عند رؤية الهلال إلى الهندباء فحلف بإله
~~القمر ألا يأكل هندباء ولا لحم فرس، سلم في كل شهر يحلف فيه من وجع الضرس.
# قالت الأطباء: الخس إذا أكل على الريق نافع لتغيير الماء ومن يتأذى
~~باحتلام. وإذا شرب بزره بماء قطع شهوة الجماع.
# قالوا: والخردل إن أكثر من أكله أورث ضعفا في البصر، وهو مكثر للبن مدر
~~للبول، وهو نافع من الصرع. وإن اكتحل بمائه بعد أن يغلى عليه
# PageV03P312
# ويصفى جلا البصر الضعيف من الرطوبة. وتزعم الروم أن ماءه يصلح للأطفال من
~~الحمى إذا أصابتهم. وهو يفسد الذهن ويورث النسيان ويضعف البصر.
# قالت الأطباء: النعناع يسكن القيء، وينفع من الفواق الحادث من البلغم إذا
~~شرب مع النمام «1» .
# وتقول الروم: الحبق «2» الذي على شطوط الأنهار نافع للرمد إذا دق ونخل
~~واكتحل به، وإن مضغه ماضغ ووضعه على عينه نفعه.
# وأما الفوذنج «3» النهري- فإنه يدر الطمث «4» . وإن أخذ من الفوذنج
~~الجبلي أوقية وطبخ بنصف رطل من ماء حتى يبقى الثلث ويشرب، سهل السوداء.
# وقالت الأطباء: الحندقوق «5» يورث وجع الحلق، ويذهب بضرره من يأكل بعده
~~الكزبرة الرطبة والبقلة الحمقاء والهندباء.
# والطرخون «6» يؤكل مع الكرفس.
# قالوا: والراسن «7» ينفع من قطار البول إذا كان من برد، ويقوي المثانة.
# PageV03P313
# قالوا: والكشوث «1» يذهب بالأرقان.
# قالوا: وعنب الثعلب قاطع لدم الحيض إن شرب أو احتمل.
# وقالوا؛ الكرفس «2» إذا طبخ وشرب كان دواء من وجع الكليتين ومن الأسر «3»
~~.
### | باب الحبوب والبزور
# تقول الأطباء في حب الفلفل: إذا خلط بالسمسم وعجن بعسل الطبرزذ «4» يزيد
~~في الجماع.
# والعرب تزعم أن الحبة الخضراء وشرب ألبان الإيل عليها تبعث الشهوة.
# قال جرير: [طويل]
# أجعثن «5» قد لاقيت عمران شاربا ... على الحبة الخضراء ألبان إيل «6»
# والحمص زائد في الجماع، مكثر للمني، محسن للون، زائد في لبن المرضع، يدر
~~دم الحيض، وإن خلط بالباقلاء أسمن.
# الأصمعي قال: قلت لابن أبي عطارد: بلغني أن أباك كان ذا منزلة من ابن
~~سيرين، فما حفظت عنه؟ قال قال أبي: قال لي ابن سيرين: يا أبا عطارد، إن
~~سويق العدس بارد وهو يدفع الدم.
# PageV03P314
# قالت الأطباء: إن الخردل نافع من حمى الربع «1» والحميات المتقادمة ووجع
~~الأرحام ويجفف من البلغم، وينزل الرطوبة من الرأس، وإن أكل مع السلق
~~المسلوق نفع من الصرع، وإن طلي البرص به زال.
# وقالت الأطباء: الحرف «2» يخرج حب القرع من البطن، وينفع من عرق النسا
~~«3» ووجع الورك. وإن سخن بالماء الحار وشرب منه وزن أربعة دراهم أو خمسة
~~أسهل الطبيعة «4» ونفع من القولنج.
# وقال رجل من قدماء الأطباء في الباقلاء: إنه إذا أدمن أكل «5» البصر،
~~وأحال الأحلام أضغاثا «6» لا ينتفع بها ولا يجد عابر الرؤيا إلى تأويلها
~~سبيلا.
# ودهن الشاهدانج «7» نافع لوجع الأذن العارض من البرد والعلل المتقادمة
~~منها.
### | باب الفاكهة
# عن معمر بن خثم عن جدته قالت: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول:
~~إذا أكلتم الرمان فكلوه بشحمه فإنه دباغ للمعدة، وذلك يوم الجمعة على
~~المنبر.
# PageV03P315
# الأصمعي: قيل لأعرابي: لم تبغض الرمان؟ قال: لأنه مبخرة مجفرة مجعرة «1»
~~.
# قال: وقال يحيى بن خالد: شيئان يورثان القمل: التين اليابس إذا أكل،
~~وبخار اللبان «2» إذا تبخر به.
# وقالت الأطباء: ورق الخوخ وأقماعه إن دق وعصر وشرب أسهل حب القرع
~~والديدان والحيات المتولدة في البطن، وإن صب ماء ورقه في الأذن أمات
~~الديدان فيها، وإن تدلك بورقه بعد النورة «3» قطع ريحها.
# وحماض الأترج «4» إن لطخ به الكلف والقوب «5» أذهبه. وحب الأترج نافع من
~~السموم.
# وورق التفاح الغض إن دق بالرفق أياما خمسة أو ستة ثم ضمد به الوشم «6»
~~قلعه من غير أن يقرح موضعه.
# عن الزهري قال: حدثني رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
~~«من بات وفي بطنه جزرة أو جزرتان أو ثلاث أمن القولنج والدبيلة «7» » .
# والفستق: إن دق وشرب بالمطبوخ الشديد نفع من لسع الهوام.
# PageV03P316
# واللفاح «1» : سم، وربما قتل آكله. وتدفع مضرته بالقيء بالشراب والعسل
~~والإسهال وشم الفلفل والخردل والجندبادستر «2» والسذاب والتعطس.
# قال وحدثني شيخ من الدهاقين «3» عالم بأيام العجم: أن بزرجمهر قال لأهل
~~الحبس: سلوا الملك أن يرزقكم مكان الأدم الأترج، ليكون القشر لطيبكم،
~~ولحمته لفاكهتكم، والحماض لصباغكم، والحب لدهنكم. فكان ذلك أول ما عرفت به
~~حكمته.
### | باب مصالح الطعام
# قال رئيس من رؤساء الطباخين: العجين يملك. وفي الحديث المرفوع: «أملكوا
~~«4» العجين فإنه أحد الريعين» .
# السويق: يغسل بالماء الحار مرات ثم بالبارد ويشرب.
# والملح: يتقبل به الطبيخ.
# والخل: ينضج العدس ويصلحه للأكل.
# الباقلي: ينقع ثم يطبخ. ولا يؤكل من الفاكهة إلا ما نضج على شجره، ويلقى
~~ثفله وعجمه «5» ، ويؤكل على ريق النفس.
# والعنب: يقطف ويمهل أياما ثم يؤكل. ولا يؤكل من القنب «6» إلا لبه.
# PageV03P317
# ولا يؤكل من الرأس إلا أسنانه «1» وعيونه.
# الباذنجان: يشق ويحشى بالملح، ويترك ساعة في الماء البارد، ثم يصب عنه
~~ويعاد إلى الماء مرارا، ثم يسلق بعد ذلك.
# الكبر «2» : يؤكل بالخل بعد غسله بالماء من الخل.
# الزيتون: يؤكل وسط الطعام ويصب في الخل.
# ويؤكل من الأشترغاز «3» خله ولا يعرض لجسمه.
# والكمأة: تنصف ويقشر عنها قشرها، وتسلق بالماء والملح ثم تستعمل بالسعتر
~~«4» والفلفل، وتقلى بالزيت الركابي «5» ، وكذلك الفطر.
# السلق والكرنب: يسلقان بالماء والملح، ويصب ماؤها ثم يستعملان.
# والبقول: تمسح ثم تؤكل ولا تغسل بالماء.
# وأحمد التمور الهيرون «6» . وأحمد البسور الجيسران «7» . وما اصفر أحمد
~~مما اسود.
# وخير السمك الشبوط والبناني والمياح «8» . ولا يؤكل السمك الطري إلا
# PageV03P318
# حارا بالخردل في الشتاء، وفي الصيف بالخل وبالأبازير «1» . وأقل السمك
~~أذى الممقور «2» . وشر السمك كباره السماريس «3» . وخير السماريس البيض،
~~وأكلها خير من أكل الحمر، وشرها السود.
# وخير البيض بيض الشواب «4» من الدجاج، ولا خير في بيض الهرمة.
# وأخف البيض الرقيق، وأثقله البيض الصلب.
# ولا يعرض من الرأس للدماغ ولا للسان، ولا الغلصمة «5» ولا الخراطيم.
# ولحم العنق خفيف سريع الإنهضام. وفي الحديث المرفوع: «العنق هادية «6»
~~الشاة وهي أبعدها من الأذى» .
# والفقاع «7» : يشرب قبل الطعام ولا يشرب بعده.
# واللبن: لا يؤكل ولا يشرب إلا بعد وضع الشاة بشهر ونحوه.
# والباقلي «8» ؛ يؤكل بعد الفوذنج «9» فإنه يذهب بنفخته.
# اللوبياء: يؤكل بعده الخردل الرطب، ويشرب بعده ماء الرمان
# PageV03P319
# والسكنجبين «1» المعمول بالسكر.
# الهريسة «2» : تؤكل بالفلفل الكثير والمري «3» ولا يجعل فيها السمن.
# والمضيرة «4» : تطبخ بالفوذنج والسذاب والكرفس.
# الزيت الركابي: إذا خلط بالخل أو أغلي على النار ثم رفعت رغوته عاد
~~كالمغسول. وفي الحديث: أن عمر رضي الله عنه قال: عليكم بالزيت، فإن خفتم
~~ضرره فأثخنوه بالماء فإنه يصير كالسمن.
# عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالشجرة
~~التي نادى الله منها موسى عليه السلام زيت الزيتون ادهنوا به فإنه شفاء من
~~الباسور» .
# الخردل: يعجن بالخل ويغسل بالماء ورماد البلوط أو رماد الكرم مرارا بعد
~~أن ينعم دقه ونخله، ثم يغسل بالماء القراح ويرش بالماء حتى تخرج رغوته
~~ويكثر خله، ويخلط معه اللوز الحلو أو ماء الرمان الحامض وماء الزبيب.
# صورة ما جاء بخاتمة الجزء التاسع من النسخة الخطية التي نقل عنها الأصل
~~الفتوغرافي.
# تم كتاب الطعام وهو الكتاب التاسع من عيون الأخبار لابن قتيبة، ويتلوه في
~~الكتاب العاشر كتاب النساء. والحمد لله رب العالمين، وصلاته على خير خلقه
~~محمد وآله أجمعين.
# وكتبه الفقير إلى رحمة الله تعالى إبراهيم بن عمر بن محمد بن علي
# PageV03P320
# الجزري الواعظ، في شهور سنة أربع وتسعين وخمسمائة هجرية.
# نجز كتاب الطعام ويتلوه في الجزء العاشر كتاب النساء.
# جاء بعد خاتمة الجزء التاسع من النسخة الخطية التي نقل عنه الأصل
~~الفتوغرافي ما يأتي:
# قال الأصمعي: دخلت على هارون الرشيد وبين يديه بدرة «1» ، فقال: يا
~~أصمعي، إن حدثتني بحديث في العجز «2» فأضحكتني وهبتك هذه البدرة؛ فقال: نعم
~~يا أمير المؤمنين؛ بينا أنا في صحارى الأعراب في يوم شديد البرد والريح
~~وإذا بأعرابي قاعد على أجمة «3» وهو عريان، قد احتملت الريح كساءه، فألقته
~~على الأجمة؛ فقلت له: يا أعرابي؛ ما أجلسك هاهنا على هذه الحالة؟
# فقال: جارية وعدتها يقال لها سلمى، أنا منتظر لها؛ فقلت: وما يمنعك من
~~أخذ كسائك؟ فقال: العجز يوقفني عن أخذه، فقلت له: فهل قلت في سلمى شيئا؟
~~فقال: نعم؛ فقلت: أسمعني لله أبوك! فقال: لا أسمعك حتى تأخذ كسائي وتلقيه
~~علي؛ قال: فأخذته فألقيته عليه، فأنشأ يقول: [وافر]
# لعل الله أن يأتي بسلمى ... فيبطحها ويلقيني عليها
# ويأتي بعد ذاك سحاب مزن ... تطهرنا ولا نسعى إليها «4»
# فضحك الرشيد حتى استلقى على ظهره، وقال: أعطوه البدرة، فأخذها الأصمعي
~~وانصرف.
# ويروى أن الحسن بن زيد لما ولي المدينة قال لابن هرمة: إني لست
# PageV03P321
# كمن باعك دينه رجاء مدحك أو خوف ذمك، فقد رزقني الله بولادة نبيه عليه
~~السلام الممادح وجنبني المقابح، وإن من حقه علي ألا أغضي «1» على تقصير في
~~حق ربه. وأنا أقسم لئن أتيت بك سكران لأضربنك حدا للخمر وحدا للسكر «2» ،
~~ولأزيدن لموضع حرمتك بي. فليكن تركك لها لله تعن عليه، ولا تدعها للناس
~~فتوكل إليهم؛ فنهض ابن هرمة «3» وهو يقول: [وافر]
# نهاني ابن الرسول عن المدام ... وأدبني بآداب الكرام «4»
# وقال لي اصطبر عنها ودعها ... لخوف الله لا خوف الأنام
# وكيف تصبري عنها وحبي ... لها حب تمكن في عظامي
# أرى طيب الحلال علي خبثا ... وطيب النفس في خبث الحرام
# ذكر هذا الخبر أبو العباس المبرد في كتاب الكامل.
# PageV03P322
### | الجزء الرابع
# بسم الله الرحمن الرحيم
### | كتاب النساء
### | في أخلاقهن وخلقهن وما يختار منهن وما يكره
# عن مجاهد عن يحيى بن جعدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تنكح
~~المرأة لدينها وحسبها وحسنها فعليك بذات الدين تربت يداك» «1» ثم قال: «ما
~~أفاد رجل بعد الإسلام خيرا من امرأة ذات دين تسره إذا نظر إليها وتطيعه إذا
~~أمرها وتحفظه في نفسها وماله إذا غاب عنها» .
# وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لا تدخل المرأة على زوجها في أقل من عشر
~~سنين.
# قالت عائشة: وأدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت تسع سنين.
# الأصمعي قال: أخبرنا شيخ من بني العنبر قال: كان يقال: النساء ثلاث:
~~فهينة لينة عفيفة مسلمة تعين أهلها على العيش ولا تعين العيش على أهلها،
~~وأخرى وعاء للولد، وأخرى «غل قمل» «2» يضعه الله في عنق من يشاء
# PageV04P003
# ويفكه عمن يشاء. والرجال ثلاثة: فهين لين عفيف مسلم، يصدر الأمور
~~مصادرها، ويوردها مواردها، وآخر ينتهي إلى رأي ذي اللب والمقدرة فيأخذ
~~بأمره، وينتهي إلى قوله، وآخر حائر بائر «1» ، لا يأتمر لرشد، ولا يطيع
~~مرشدا.
# عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال:
# خير نسائكم العفيفة في فرجها، الغلمة لزوجها «2» .
# وعن عروة بن الزبير قال: ما رفع أحد نفسه بعد الإيمان بالله بمثل منكح
~~صدق، ولا وضع نفسه بعد الكفر بمثل منكح. سوء. ثم قال: لعن الله فلانة، ألفت
~~«3» بني فلان بيضا طوالا فقلبتهم سودا قصارا.
# قال بعض شعراء بني أسد: [طويل]
# وأول خبث الماء خبث ترابه ... وأول خبث القوم خبث المناكح
# قال الأصمعي قال ابن زبير؛ لا يمنعكم من تزوج امرأة قصيرة قصرها، فإن
~~الطويلة تلد القصير، والقصيرة تلد الطويل؛ وإياكم والمذكرة «4» فإنها لا
~~تنجب.
# أبو عمرو بن العلاء قال قال رجل: لا أتزوج امرأة حتى أنظر إلى ولدي منها،
~~قيل له: كيف ذاك؟ قال: أنظر إلى أبيها وأمها فإنها تجر بأحدهما «5» .
# عن ابن أبي مليكة أن عمر قال: يا بني السائب، إنكم قد أضويتم «6»
# PageV04P004
# فانكحوا في النزائع «1» .
# الأصمعي قال: قال رجل: بنات العم أصبر، والغرائب أنجب «2» ، وما ضرب رؤوس
~~الأبطال كابن أعجمية «3» .
# عن أوفى بن دلهم أنه كان يقول: النساء أربع، فمنهن معمع «4» لها شيئها
~~أجمع، ومنهن تبع تضر ولا تنفع، ومنهن صدع «5» تفرق ولا تجمع، ومنهن غيث همع
~~«6» إذا وقع ببلد أمرع «7» . قال الأصمعي: فذكرت بعض هذا الحديث لأبي عوانة
~~«8» . فقال: كان عبد الله بن عمير يزيد فيه: ومنهن القرثع «9» : وهي التي
~~تلبس درعها مقلوبا، وتكحل إحدى عينيها وتدع الأخرى.
# عن علي بن زيد قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثلاث من الفواقر «10»
~~: جار مقامة، إن رأى حسنة سترها، وإن رأى سيئة أذاعها؛ وامرأة إن دخلت
~~لسنتك «11» ، وإن غبت عنها لم تأمنها؛ وسلطان إن أحسنت لم يحمدك، وإن أسأت
~~قتلك.
# PageV04P005
# الأصمعي قال: حدثنا جميع بن أبي غاضرة- وكان شيخا مسنا من أهل البادية من
~~ولد الزبرقان بن بدر من قبل النساء- قال: كان الزبرقان يقول:
# احب كنائني «1» إلي الذليلة في نفسها، العزيزة في رهطها، البرزة «2»
~~الحيية التي في بطنها غلام ويتبعها غلام. وأبغض كنائني إلي الطلعة الخبأة
~~«3» ، التي تمشي الدفقى «4» وتجلس الهبنقعة «5» ، الذليلة في رهطها،
~~العزيزة في نفسها، التي في بطنها جارية وتتبعها جارية.
# بلغني عن خالد بن صفوان أنه قال: من تزوج امرأة فليتزوجها عزيزة في
~~قومها، ذليلة في نفسها، أدبها الغنى وأذلها الفقر. حصانا من جارها «6» ما
~~جنة على زوجها «7» .
# وقال الفرزدق يصف نساء: [كامل]
# يأنسن عند بعولهن إذا خلوا ... وإذا هم خرجوا فهن خفار «8»
# وقال خالد بن صفوان لدلال «9» : اطلب لي بكرا كثيب «10» أو ثيبا كبكر، لا
# PageV04P006
# ضرعا «1» صغيرة ولا عجوزا كبيرة لم تقر فتحنن ولم تفت فتمحن «2» ، قد
~~عاشت في نعمة وأدركتها حاجة. فخلق النعمة معها وذل الحاجة فيها، حسبي من
~~جمالها أن تكون ضخمة من بعيد، مليحة من قريب وحسبي من حسبها أن تكون واسطة
~~في قومها، ترضى مني بالسنة، إن عشت أكرمتها وإن مت ورثتها.
# وقال رجل لصاحب له: ابغني امرأة بيضاء البياض، سوداء السواد، طويلة
~~الطول، قصيرة القصر. يريد: كل شيء منها أبيض فهو شديد البياض، وكل شيء منها
~~أسود فهو شديد السواد، وكذلك الطول والقصر.
# وقال آخر: ابغني امرأة لا تؤهل دارا (أي لا تجعل دارها آهلة بدخول الناس
~~عليها) ، ولا تؤنس جارا (أي لا تؤنس الجيران بدخولها عليهم) ، ولا تنفث
~~نارا أي لا تنم وتغري بين الناس.
# قال الأصمعي قال أعرابي لابن عمه: اطلب لي امرأة بيضاء، مديدة «3» فرعاء
~~«4» . جعدة «5» ، تقوم فلا يصيب قميصها منها إلا مشاشة «6» منكبيها، وحلمتى
~~ثدييها ورانفتي «7» أليتيها ورضاف «8» ركبتيها، إذا استلقت فرميت تحتها
# PageV04P007
# بالأترجة «1» العظيمة نفذت من الجانب الآخر، فقال له ابن عمه: وأنى بمثل
~~هذه إلا في الجنان!.
# ونحو قوله في الأترجة قول أم زرع: خرج أبو زرع والأوطاب «2» تمخض، فلقي
~~امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان تحت خصرها برمانتين فطلقني ونكحها.
# وقال آخر: ابغني امرأة شقاء مقاء «3» ، طويلة الإلقاء «4» ، منهوسة
~~الفخذين «5» ، نافحة الصقلين «6» .
# أنشد ابن الأعرابي: [طويل]
# إذا كنت تبغي أيما بجهالة ... من الناس فانظر من أبوها وخالها «7»
# فإنهما منها كما هي منهما ... كقدك نعلا إن أريد مثالها
# فإن الذي ترجو من المال عندها ... سيأتي عليه شؤمها وخبالها «8»
# كان يقال: البكر كالذرة تطحنها وتعجنها وتخبزها، والثيب عجالة «9» راكب
~~تمر وسويق.
# وقال ابن الأعرابي: طلق زياد امرأته حين وجدها لثغاء «10» ، وقال: أخاف
# PageV04P008
# أن يجيء ولدي ألثغ، وقال: [رجز]
# لثغاء تأتي بحيفس ألثغ ... تميس في الموشي والمصبغ»
# ويقال: المرأة غل فانظر ماذا تضع في عنقك؛ وهو من قول ابن المقفع: الدين
~~رق، فانظر عند من تضع نفسك. أنشد ابن الأعرابي:
# [طويل]
# أحب الخلاوي النزيه من الهوى ... وأكره أن أسقى على عطش فضلا «2»
# يقول: أكره المرأة التي أكثرت الأزواج وإن كنت مضطرا إليها.
# وعن خالد الحذاء قال: خطبت امرأة من بني أسد فجئت لأنظر إليها وبيني
~~وبينها رواق يشف «3» ، فدعت بجفنة «4» مملوءة ثريدا مكللة باللحم فأتت على
~~آخرها، وأتت بإناء مملوء لبنا أو نبيذا فشربته حتى كفأته «5» على وجهها، ثم
~~قالت: يا جارية ارفعي السجف «6» فإذا هي جالسة على جلد أسد وإذا شابة
~~جميلة، فقالت: يا عبد الله: أنا أسدة من بني أسد على جلد أسد وهذا مطعمي
~~ومشربي، فإن أحببت أن تتقدم فافعل، فقلت: استخير الله وأنظر، فخرجت ولم
~~أعد.
# وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم سليم تنظر إلى امرأة
~~فقال: «شمي
# PageV04P009
# عوارضها «1» وانظري إلى عقبها» .
# وقال النابغة: [بسيط]
# ليست من السود أعقابا إذا انصرفت ... ولا تبيع بجنبي نخلة البرما «2»
# وقال الأصمعي: إذا اسود عقب المرأة اسود سائرها.
# تزوج علي بن الحسين أم ولد لبعض الأنصار، فلامه عبد الملك في ذلك، فكتب
~~إليه: إن الله قد رفع بالإسلام الخسيسة وأتم النقيصة، وأكرم به من اللؤم
~~فلا عار على مسلم، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج أمته وامرأة
~~عبده، فقال عبد الملك: إن علي بن الحسين يتشرف من حيث يتضع الناس.
# الأصمعي قال: كان أهل المدينة يكرهون اتخاذ أمهات الأولاد حتى نشأ فيهم
~~علي بن الحسين والقاسم بن محمد بن أبي بكر وسالم بن عبد الله بن عمر،
~~ففاقوا أهل المدينة فقها وورعا فرغب الناس في السراري «3» .
# وقال مسلمة بن عبد الملك: عجبنا من رجل أحفى «4» شعره ثم أعفاه، أو قصر
~~شاربه ثم أطاله، أو كان صاحب سراري فاتخذ المهيرات «5» .
# قال رجل من أهل المدينة:
# لا تشتمن امرأ في أن تكون له ... أم من الروم أو سوداء عجماء
# PageV04P010
# فإنما أمهات الناس أوعية ... مستودعات وللأحساب آباء
# ورب واضحة ليست بمنجبة ... وربما أنجبت للفحل سوداء «1»
# بلغني أن رجلا شاور حكيما في التزوج فقال له: افعل، وإياك والجمال
~~الفائق، فإنه مرعى أنيق، فقال: ما نهيتني إلا عما أطلب، فقال: أما سمعت قول
~~القائل: [بسيط]
# ولن تصادف مرعى ممرعا أبدا ... إلا وجدت به آثار منتجع «2»
# وقال عمر بن الوليد للوليد بن يزيد: إنك لمعجب بالإماء، قال: وكيف لا
~~أعجب بهن وهن يأتين بمثلك.
# ويروى عن أبي الدرداء أنه قال: خير نسائكم التي تدخل قيسا وتخرج ميسا «3»
~~وتملأ بيتها أقطا «4» وحيسا، وشر نسائكم السلفعة «5» ، التي تسمع لأضراسها
~~قعقعة «6» ، ولا تزال جارتها مفزعة. وقد فسرت هذا في كتاب غريب الحديث.
# وقال معاوية لعقيل بن أبي طالب: أي النساء أشهى؟ قال: المؤاتية لما تهوى،
~~قال: فأي النساء أسوأ؟ قال: المجانبة لما ترضى؛ قال معاوية: هذا والله
~~النقد، قال عقيل؛ بالميزان العادل.
# PageV04P011
### | الأكفاء من الرجال
# عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون
~~خلقه وخلقه فزوجوه إنكم إلا تفعلوه تكن قتنة في الأرض وفساد عريض» .
# وعن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحسب المال والكرم
~~التقوى.
# وعن أنس قال: قالت أم حبيبة: يا رسول الله، المرأة منا يكون لها الزوجان
~~في الدنيا فتموت فلأيهما تكون في الآخرة؟ قال: «لأحسنهما خلقا يا أم حبيبة،
~~ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة» .
# عن عطية بن قيس قال: خطب معاوية أم الدرداء فقالت: قال أبو الدرداء: قال
~~رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المرأة لآخر زوجيها» فلست بمتزوجة بعد أبي
~~الدرداء حت أتزوجه في الجنة إن شاء الله تعالى. ويقال: إنما حرم أزواج
~~النبي صلى الله عليه وسلم على من بعده لأنهن أزواجه في الجنة.
# عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
# لا تكرهوا فتياتكم على الرجل القبيح فإنهن يحببن ما تحبون.
# ابن الأعرابي قال: قيل لابنة الخس «1» : ألا تتزوجين؟ فقالت: بلى، لا
~~أريده أخا فلان ولا ابن فلان ولا الظريف المتظرف ولا السمين الألحم «2» ،
~~ولكن أريده كسوبا إذا غدا، ضحوكا إذا أتى. وكان أبوها قد كف بصره فقال:
# ما بال ناقتك؟ قالت: عينها «3» هاج وملؤها راج «4» وتمشي وتفاج «5» ؛
~~فقال: يا بنية اعقليها، فعقلتها. فقال: ما صنعت حتى اضطرمت «6» .
# PageV04P012
# قيل لأعرابي: فلان يخطب فلانة، قال: أموسر من عقل ودين؟ قالوا:
# نعم، قال: فزوجوه.
# عن عيسى بن عمر قال: قال رجل لأعرابي: أمنكحي أنت؟ قال: لا، قال: ولم؟
~~لأنك أصبح اللحية «1» .
# وكان عقيل بن علفة غيورا، فخطب إليه عبد الملك بن مروان ابنته على أحد
~~بنيه «2» ، وكانت لعقيل إليه حوائج، فقال له: إن كنت لا بد فاعلا فجنبني
~~هجناءك «3» .
# وخطب إليه إبراهيم بن هشام بن إسماعيل- وكان إبراهيم بن هشام والي
~~المدينة وخال هشام بن عبد الملك- فرده لأنه كان أبيض شديد البياض، فقال:
~~[وافر]
# رددت صحيفة القرشي لما ... أبت أعراقه إلا احمرارا
# وقال رجل من الأعراب: [طويل]
# يسموننا الأعراب والعرب اسمنا ... واسماؤهم فينا رقاب المزاود «4»
# يعني العجم يسمون الحمراء.
# ابن الأعرابي قال: قال عبد الملك بن مروان لامرأة من قريش تزوجت
# PageV04P013
# رجلا مغموصا عليه «1» : أتنكح الحرة عبدها؟ فقالت: يا أمير المؤمنين:
# [رجز]
# إن المهور تنكح الأيامى ... النسوة الأرامل اليتامى
# المرء لا تبغي له سلاما
# وقال ابن الأعرابي: خطب رجل إلى رجل فلم يرضه فأنشأ يقول:
# [بسيط]
# قل للذين سعوا يبغون رخصتها ... ما رخص الجوع عندي أم كلثوم
# الموت خير لها من بعل منقصة ... ساقت إليه أباها جلة كوم «2»
# وكان عمر الخير نكاحا فكان في عام سنة يقول: لعل الضيقة تحملهم على أن
~~ينكحوا غير الأكفاء.
# وقال المساور «3» للمرار: [بسيط]
# ما سرني أن أمي من بني أسد ... وأن ربي ينجيني من النار
# وأنهم زوجوني من بناتهم ... وأن لي كل يوم ألف دينار
# فأجابه المرار: [بسيط]
# فلست للأم من عبس ومن أسد ... وإنما أنت دينار ابن دينار
# وإن تكن أنت من عبس وأمهم ... فإن أمكم من جارة الجار
# دينار ابن دينار: عبد ابن عبد. وجارة الجار: الاست، والجار: الفرج.
# PageV04P014
# وقال بعض الأعراب: [طويل]
# أقول لها لما أتتني تدلني ... على امرأة موصوفة بجمال
# أصبت لها والله بعلا كما اشتهت ... إن اغتفرت مني ثلاث خصال
# فمنهن فسق لا يبارى وليده ... ورقة إسلام وقلة مال
# وقال رجل لابن هبيرة: أنا ابن الذي خطب إلى معاوية؛ فقال ابن هبيرة:
~~أفزوجه؟ قال: لا؛ فقال: ما صنعت شيئا.
# أبو الحسن المدائني قال: خطب رجل من بني كلاب امرأة، فقالت له أمها: حتى
~~أسأل عنك، فانصرف فسأل عن أكرم الحي عليها، فدل على شيخ فيهم كان يحسن
~~المحضر في الأمر يسأل عنه، فسأله أن يحسن عليه الثناء وانتسب له فعرفه؛ ثم
~~إن العجوز شمرت «1» فسألته عنه فقال: أنا ربيته، قالت:
# كيف لسانه؟ قال: مدره قومه وخطيبهم «2» . قالت: كيف شجاعته؟ قال: حامي
~~قومه وكهفهم. قالت: فكيف سماحته؟ قال: ثمال «3» قومه وربيعهم «4» . فأقبل
~~الفتى فقال الشيخ: ما أحسن والله ما أقبل! ما انثنى ولا انحنى. فدنا الفتى
~~فقال الشيخ: ما أحسن والله ما سلم! ما جار ولا خار «5» . ثم جلس، فقال: ما
~~أحسن والله ما جلس! ما دنا ولا ثنى. فذهب الفتى ليتحرك فضرط، فقال الشيخ:
~~ما أحسن والله ما ضرط! ما أغنها ولا أطنها، ولا بربرها ولا فرفرها.
# فنهض الفتى خجلا فقال: ما أحسن والله ما نهض! ما انفتل ولا انحزل «6» .
# PageV04P015
# فأسرع الفتى، فقال: ما أحسن والله ما خطا! ما ازور ولا اقطوطى «1» . قالت
~~العجوز: وجه إليه من يرده، لو سلح لزوجناه.
# خطب خالد بن صفوان امرأة فقال: أنا خالد بن صفوان؛ والحسب على ما قد
~~علمته، وكثرة المال على ما قد بلغك، وفي خصال سأبينها لك فتقدمين علي أو
~~تدعين؛ قالت: وما هي؟ قال: إن الحرة إذا دنت مني أملتني، وإذا تباعدت عني
~~أعلتني، ولا سبيل إلى درهمي وديناري، ويأتي علي ساعة من الملال لو أن رأسي
~~في يدي نبذته؛ فقالت: قد فهمنا مقالتك ووعينا ما ذكرت، وفيك بحمد الله خصال
~~لا نرضاها لبنات إبليس، فانصرف رحمك الله.
# قال بعض الشعراء: [وافر]
# ألا يا ليل إن خيرت فينا ... بعيشك فانظري أين الخيار
# فلا تستنكحي فدما غبيا ... له ثأر وليس عليه ثار «2»
# وقال آخر لامرأته «3» : [متقارب]
# فإما هلكت فلا تنكحي ... ظلوم العشيرة حسادها
# يرى مجده ثلب أعراضها ... لديه ويبغض من سادها «4»
# وقال آخر «5» : [طويل]
# فلا تنكحي إن فرق الدهر بيننا ... أغم القفا والوجه ليس بأنزعا «6»
# PageV04P016
# من القوم ذا لونين وسع بطنه ... ولكن أذيا حلمه ما توسعا «1»
# ضروبا بلحييه على عظم زوره ... إذا القوم هشوا للفعال تقنعا «2»
# زوج إبراهيم بن النعمان بن بشير يحيى بن أبي حفصة مولى عثمان بن عفان
~~ابنته على عشرين ألف درهم، فعير فقال: [طويل]
# فما تركت عشرون ألفا لقائل ... مقالا فلا تحفل مقالة لائم
# فإن أك قد زوجت مولى «3» فقد مضت ... به سنة قبلي وحب الدراهم
# ويحيى هذا جد مروان الشاعر، وكان يهوديا فأسلم على يد عثمان.
# وتزوج أيضا خولة بنت مقاتل بن طلبة بن قيس بن عاصم سيد أهل الوبر.
# فقال القلاخ «4» : [بسيط]
# نبئت خولة قالت حين أنكحها ... لطالما كنت منك العار أنتظر
# أنكحت عبدين ترجو فضل مالهما ... في فيك مما رجوت الترب والحجر
# لله در جياد أنت سائسها ... برذنتها وبها التحجيل والغرر «5»
# خطب رجل إلى ابن عباس يتيمة له؛ فقال ابن عباس: لا أرضاها لك؛ قال: ولم،
~~وفي حجرك نشأت؟ قال: لأنها تتشوف «6» وتنظر. قال: وما هذا!
# PageV04P017
# فقال ابن عباس: الآن لا أرضاك لها.
# كتب زياد إلى سعيد بن العاص يخطب إليه أم عثمان بنت سعيد وبعث إليه بمال
~~كثير؛ فلما قرأ الكتاب أمر حاجبه بقبض المال والهدايا، فلما قبضها أمره
~~يقسمها بين جلسائه؛ فقال الحاجب: إنها أكثر من ذلك؛ فقال: أنا أكثر منها،
~~ففعل؛ ثم كتب إلى زياد: بسم الله الرحمن الرحيم. ف إن الإنسان ليطغى أن رآه
~~استغنى
# «1» .
# خطب لقيط بن زرارة «2» إلى قيس بن خالد ذي الحدين الشيباني؛ فقال له قيس:
~~ومن أنت؟ قال: لقيط بن زرارة. قال: وما حملك أن تخطب إلي علانية؟ فقال)
~~لأني عرفت أني إن عالنتك لم أفصحك وإن ساررتك لم أخدعك؛ فقال: كفء كريم، لا
~~تبيت والله عندي عزبا ولا غريبا. فزوجه ابنته وساق عنه «3» .
# قال رجل للحسن: إن لي بنية وإنها تخطب، فممن أزوجها؟ فقال:
# زوجها ممن يتقي الله، فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها.
# قال أبو اليقظان: خطب عمر بن الخطاب أم أبان بنت عتبة بن ربيعة بعد أن
~~مات عنها يزيد بن أبي سفيان، فقالت: لا يدخل إلا عابسا ولا يخرج إلا عابسا،
~~يغلق أبوابه ويقل خيره. ثم خطبها الزبير، فقالت: يد له على قرونى «4» ويد
~~له في السوط. وخطبها علي، فقالت: ليس للنساء منه حظ إلا
# PageV04P018
# أن يقعد بين شعبهن الأربع لا يصبن منه غيره. وخطبها طلحة فأجابت فتزوجها؛
~~فدخل عليها علي بن أبي طالب فقال لها: رددت من رددت منا وتزوجت ابن بنت
~~الحضرمي! فقالت: القضاء والقدر؛ فقال: أما إنك تزوجت أجملنا مرآة وأجودنا
~~كفا وأكثرنا خيرا من أهله.
### | الحض على النكاح وذم التبتل 
# «1»
# عن عكاف بن وداعة الهلالي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «يا عكاف
~~ألك امرأة قال: لا، قال: فأنت إذا من أخوان الشياطين إن كنت من رهبان
~~النصارى فالحق بهم وإن كنت منا فمن سنتنا النكاح» .
# عن طاوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا زمام «2» ولا خزام ولا
~~رهبانية في الإسلام ولا تبتل ولا سياحة في الإسلام.
# عن إبراهيم بن ميسرة قال: قال لي طاوس: لتنكحن أو لأقولن لك ما قال عمر
~~لأبي الزوائد «3» : ما يمنعك عن النكاح إلا عجز أو فجور.
# عن إبراهيم قال: قال علقمة لامرأته: خذي أحسن زينتك ثم اجلسي عند رأسي،
~~لعل الله أن يرزقك من بعض عوادي خيرا.
# وفي بعض الأخبار: أربع من سنن المرسلين: التعطر. والنكاح، والسواك،
~~والختان.
# PageV04P019
### | باب الحسن والجمال
# عن عائشة رضي الله عنها قالت: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من
~~كلب، فبعثني أنظر إليها؛ فقال لي: كيف رأيت؟ فقلت: ما رأيت طائلا؛ فقال:
~~لقد رأيت خالا بخدها اقشعر كل شعرة منك على حدة؛ فقالت: ما دونك سر.
# القحذمي قال: دخل أبو الأسود على عبيد الله بن زياد فقال: أصبحت جميلا،
~~فلو تعلقت معاذة! «1» فظن أنه يهزأ به فقال: [بسيط]
# أفنى الشباب الذي أبليت جدته ... مر الجديدين من آت ومنطلق «2»
# لم يبقيا لي في طول اختلافهما ... شيئا يخاف عليه لذعة الحدق «3»
# عن حيان بن عمير قال: دخلت على قتادة بن ملحان، فمر رجل في أقصى الدار
~~فرأيته في وجه قتادة، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم مسح وجهه.
# عن عون بن عبد الله قال: كان يقال: من كان في صورة حسنة ومنصب لا يشينه
~~ووسع عليه في الرزق، كان من خالصة الله.
# وقال الحكم بن قنبر «4» : [مديد]
# ليس فيها ما يقال له ... كملت لو أن ذا كملا
# كل جزء من ملاحتها ... كائن من حسنها مثلا
# لو تمنت في متاعتها ... لم ترد من نفسها بدلا «5»
# PageV04P020
# وقال بعض المحدثين: [طويل]
# فلما رأوك العاذلون حججتهم ... بحسنك حتى كلهم لي عاذر «1»
# وقال أيضا: [متقارب]
# تحير من حسنه فهمه ... وتاه وحق له أن يتيها «2»
# رأى غيره ورأى نفسه ... فلم ير فيه لشيء شبيها
# وقال الأعشى في وصف امرأة: [متقارب]
# فأفضيت منها إلى جنة ... تدلت علي بأثمارها
# عن عائشة رضي الله عنها قالت: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في
~~القراءة سواء فأصبحهم وجها.
# وقال جميل بن معمر: ما رأيت مصعبا يختال بالبلاط «3» إلا غرت على بثينة،
~~وبينهما ثلاثة أيام.
# عن الشعبي قال: دخلت المسجد باكرا، وإذا بمصعب بن الزبير والناس حوله،
~~فلما أردت الانصراف قال لي: ادن، فدنوت منه حتى وضعت يدي على مرفقته «4» ؛
~~فقال: إذا أنا قمت فاتبعني؛ وجلس قليلا، ثم نهض فتوجه نحو دار موسى بن طلحة
~~فتتبعته؛ فلما أمعن في الدار التفت إلي وقال:
# ادخل، فدخلت معه ومضى نحو حجرته وتبعته؛ فالتفت إلي فقال: ادخل، فدخلت
~~معه فإذا حجلة «5» ، فطرحت لي وسادة فجلست عليها، ورفع سجف
# PageV04P021
# القبة «1» ، فإذا أجمل وجه رأيته قط؛ فقال: يا شعبي، هل تعرف هذه؟ قلت:
# نعم، هذه سيدة نساء العالمين عائشة بنت طلحة؛ فقال: هذه ليلى، ثم تمثل:
~~[طويل]
# وما زلت من ليلى لدن طر شاربي ... إلى اليوم أخفي إحنة وأداجن «2»
# وأحمل في ليلى لقوم ضغينة ... وتحمل في ليلى علي الضغائن
# ثم قال: إذا شئت يا شعبي فقم فخرجت؛ فلما كان العشي رحت إلى المسجد فإذا
~~مصعب بمكانه؛ فقال لي: ادن، فدنوت؛ فقال لي: هل رأيت مثل ذلك لإنسان قط؟
~~قلت: لا؛ قال: أتدري لم أدخلناك؟ قلت: لا؛ قال:
# لتحدث بما رأيت. ثم التفت إلى عبد الله بن أبي فروة فقال: أعطه عشرة آلاف
~~درهم وثلاثين ثوبا. فما انصرف أحد بمثل ما انصرفت به؛ بعشرة آلاف درهم،
~~وبمثل كارة القصار «3» ، ونظري إلى عائشة.
# أبو الغصن الأعرابي قال: خرجت حاجا، فلما مررت بقباء تداعى «4» أهله
~~وقالوا: الصقيل الصقيل «5» ! فنظرت وإذا جارية كأن وجهها سيف صقيل، فلما
~~رميناها بالحدق ألقت البرقع على وجهها، فقلنا: إنا سفر وفينا أجر،
# PageV04P022
# فأمتعينا بوجهك؛ فانصاعت وأنا أعرف الضحك في وجهها وهي تقول:
# [طويل]
# وكنت متى أرسلت طرفك رائدا ... لقلبك يوما أتعبتك المناظر «1»
# رأيت الذي لا كله أنت قادر ... عليه ولا عن بعضه أنت صابر
# ومر رجل بناحية البادية فإذا فتاة كأحسن ما تكون؛ فوقف ينظر إليها، فقالت
~~له عجوز من ناحية: ما يقيمك على الغزال النجدي ولا حظ لك فيه، فقالت
~~الجارية: يا عمتاه، يظن كما قال ذو الرمة: [طويل]
# وإن لم يكن إلا تعلل ساعة ... قليلا فإني نافع لي قليلها «2»
# وقال بعض المحدثين: [كامل]
# الخال يقبح بالفتى في خده ... والخال في خد الفتاة مليح
# والشيب يحسن بالفتى في رأسه ... والشيب في رأس الفتاة قبيح
# وقال جعفر بن محمد: الجمال مرحوم.
# رأى رجل شريحا يجول في بعض الطرق فقال: ما غدا بك؟ فقال:
# عسيت أن أنظر إلى صورة حسنة.
# قالت امرأة خالد بن صفوان له يوما: ما أجملك! قال: ما تقولين ذاك وما لي
~~عمود الجمال، ولا علي رداؤه ولا برنسه «3» ؛ قالت: ما عمود الجمال وما
~~رداؤه وما برنسه؟ قال: أما عمود الجمال فطول القوام وفي قصر؛ وأما رداؤه
# PageV04P023
# فالبياض ولست بأبيض؛ وأما برنسه فسواد الشعر وأنا أصلع، ولكن لو قلت:
# ما أحلاك وما أملحك. كان أولى.
# أبو اليقظان قال: كان يسمى جيش ابن الأشعث جيش الطواويس، لكثرة من كان
~~فيه من الفتيان المنعوتين بالجمال.
# قال: وقال أبو اليقظان: سمع عمر بن الخطاب قائلا بالمدينة يقول: [طويل]
# أعوذ برب الناس من شر معقل ... إذا معقل راح البقيع مرجلا «1»
# يعني معقل بن سنان الأشجعي، وكان قدم المدينة؛ فقال له عمر:
# الحق بباديتك.
# وسمع امرأة ذات ليلة تقول: [بسيط]
# ألا سبيل الى خمر فأشربها ... أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج
# وهذا نصر بن حجاج بن علاط البهزي، وكان من أجمل الناس، فدعا به عمر فسيره
~~إلى البصرة- فأتى مجاشع بن مسعود السلمي فدخل عليه يوما وعنده امرأته شميلة
~~«2» وكان مجاشع أميا، فكتب نصر على الأرض: أحبك حبا لو كان فوقك لأظلك، أو
~~تحتك لأقلك «3» ؛ فكتبت هي: وأنا والله كذلك؛ فكب مجاشع على الكتابة إناء
~~ثم أدخل كاتبا فقرأه، فأخرج نصرا وطلقها- فقال نصر بن حجاج: [طويل]
# PageV04P024
# وما لي ذنب غير ظن ظننته ... وفي بعض تصديق الظنون أثام
# لعمري إن سيرتني أو حرمتني ... وما نلت ذنبا إن ذا لحرام
# أإن غنت الذلفاء ليلا بمنية ... وبعض أماني النساء غرام «1»
# ظننت بي الظن الذي ليس بعده ... بقاء ومالي في الندي كلام «2»
# فأصبحت منفيا على غير يبة ... وقد كان لي بالمكتين مقام
# ويمنعني مما تمنت تكرمي ... وآباء صدق سالفون كرام
# ويمنعها مما تمنت حياؤها ... وحال لها مع عفة وصيام
# وهاتان حالانا فهل أنت راجعي ... وقد خف مني كاهل وسنام «3»
# وأنا أحسب هذا الشعر مصنوعا.
# قال لقيط بن زرارة: [طويل]
# أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه «4»
# قال أبو الطمحان القيني «5» : [طويل]
# يكاد الغمام الغر يرعد إن رأى ... وجوه بني لأم وينهل بارقه «6»
# وقال آخر «7» : [طويل]
# PageV04P025
# وجوه لو ان المعتفين اعتشوا بها ... صدعن الدجى حتى ترى الليل ينجلي «1»
# قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنا إذا سمعنا بكم شعرنا أحسنكم وجوها،
~~وإذا اختبرناكم كانت الخبرة أولى بكم.
# قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: خصصنا بخمس: بصباحة، وفصاحة، وسماحة،
~~ورجاحة، وحظوة (يعني عند النساء) . وسئل عن بني أمية فقال: هم أغدر وأفجر
~~وأمكر؛ ونحن أفصح وأصبح وأسمح.
# رأت امرأة الزبير فقالت: من هذا الذي هو أرقم يتلمظ؟ «2» ورأت عليا
~~فقالت: من هذا الذي كأنه كسر ثم جبر؟ ورأت طلحة فقالت: من هذا الذي كأنه
~~دينار هرقلي؟ «3» .
# ألبست سكينة بنت الحسين ابنة لها درا كثيرا وقالت: والله ما ألبستها إياه
~~إلا لتفضحه.
# وقال بعض الشعراء يذكر نساء جئن مع جارية: [كامل]
# أقبلن في رأد الضحاء بها ... وسترت وجه الشمس بالشمس «4»
# ذكر بعض الأعراب امرأة قال: خلوت بها والقمر يرينيها، فلما غاب أرتنيه.
# PageV04P026
# وقال بعض الشعراء «1» : [طويل]
# غلام رماه الله بالحسن يافعا ... له سيمياء لا تشق على البصر «2»
# كأن الثريا «3» علقت في جبينه ... وفي أنفه الشعرى وفي وجهه القمر
# ولما رأى المجد استعيرت ثيابه ... تردى بثوب واسع الذيل وأتزر
# إذا قيلت العوراء أغضى كأنه ... ذليل بلا ذل ولو شاء لانتصر «4»
# قال غلام من الأعراب لأمه: [متقارب]
# نشدتك بالله هل تعلمين ... بأني طويل وأني حسن
# قالت: قبحك الله! فكان ماذا؟ قال: [متقارب]
# وأني أقمص بالدارعين ... غداة الصباح وأحمي الظعن «5»
# قال عمه: فهلا كان ذا قبل!.
# قال الشاعر «6» : [كامل]
# بيضاء تسحب من قيام شعرها ... وتغيب فيه وهو جثل أسحم «7»
# فكأنها فيه نهار ساطع ... وكأنه ليل عليها مظلم
# PageV04P027
# وقال الطائي: [كامل]
# بيضاء تبدو في الظلام فيكتسي ... نورا وتبدو في النهار فيظلم
# وصف أعرابي امرأة فقال: كاد الغزال يكونها، لولا ما تم منها ونقص منه.
# قال ابن الأعرابي: الحلاوة في العينين، والجمال في الأنف، والملاحة في
~~الفم.
# قال أعرابي يصف امرأة: [طويل]
# خزاعية الأطراف مرية الحشا ... فزارية العينين طائية الفم
# كان المقنع الكندي «1» من أجمل الناس وكان يتقنع لأنه كان متى سفر لقع
~~(أي أصيب بعين) ، وهو القائل: [بسيط]
# وفي الظعائن والأحداج أملح من ... حل العراق وحل الشام واليمنا «2»
# جنية من نساء الإنس أحسن من ... شمس النهار وبدر الليل لو قرنا
# الحكم بن صخر الثقفي قال: خرجت حاجا مختفيا، فلما كنت ببعض الطريق أتتني
~~جاريتان من بني عقيل لم أر أحسن منهما وجوها، ولا أظرف ألسنة ولا أكثر علما
~~وأدبا، فقصرت بهما يومي فكسوتهما. ثم حججت من قابل ومعي أهلي، وقد أصابتني
~~علة فنصل لها خضابي «3» ، فلما صرت إلى ذلك الموضع فإذا أنا بإحداهما،
~~فدخلت علي، فسألت مسألة منكر فقلت:
# فلانة! قالت: فدى لك أبي وأمي! تعرفني وأنكرك؟! قلت: أنا الحكم بن
# PageV04P028
# صخر؛ قالت: إني رأيتك عام أول شابا سوقة وأراك العام ملكا شيخا، وفي دون
~~هذا ينكر المرء صاحبه؛ قلت: ما فعلت أختك؟ قالت: تزوجها ابن عم لها وخرج
~~بها إلى نجد فذلك حيث يقول: [طويل]
# إذا ما قفلنا نحو نجد وأهله ... فحسبي من الدنيا قفول إلى نجد
# فقلت: لو أدركتها لتزوجتها؛ فقالت: ما يمنعك من شقيقتها في حسبها،
~~ونظيرتها في جمالها؟ - تعني نفسها- قلت: يمنعني من ذلك ما قال كثير: [طويل]
# إذا وصلتنا خلة كي تزيلنا ... أبينا وقلنا الحاجبية أول «1»
# فقالت: فكثير بيني وبينك، أليس هو القائل: [بسيط]
# هل وصل عزة إلا وصل غانية ... في وصل غانية من وصلها خلف
# فسكت عيا عن جوابها.
# قال أبو حازم المدني «2» : بينا أنا أرمي الجمار رأيت امرأة سافرة من
~~أحسن الناس وجها ترمى الجمار، فقلت: يا أمة الله، أما تتقين الله! تسفرين
~~في هذا الموضع فتفتنين الناس! قالت: أنا والله يا شيخ من اللواتي قال فيهن
~~الشاعر: [طويل]
# من اللاء لم يحججن يبغين حسبة ... ولكن ليقتلن البريء المغفلا «3»
# قلت: فإني أسأل الله ألا يعذب هذا الوجه بالنار.
# PageV04P029
# قال أعرابي: [بسيط]
# يا زين من ولدت حواء من ولد ... لولاك لم تحسن الدنيا ولم تطب
# أنت التي من أراه الله صورتها ... نال الخلود فلم يهرم ولم يشب
# وقال أعرابي: [طويل]
# إذا هن أبدين الخدود وحسرت ... ثغور عن الأفواه كي تتبسما «1»
# أجاد القضاة العادلون قضاءهم ... لهن بلا وهم وإن كن أظلما
# وقال عروة بن أذينة (2) : [كامل]
# إن التي زعمت فؤادك ملها ... خلقت هواك كما خلقت هوى لها
# فإذا وجدت لها وساوس سلوة ... شفع الفؤاد إلى الضمير فسلها «2»
# بيضاء باكرها النعيم فصاغها ... بلباقة فأدقها وأجلها «3»
# وقال أعرابي يرقص ابنا له: [سريع]
# يا رب رب مالك بارك فيه ... بارك لمن يحبه ويدنيه
# ذكرني لما نظرت في فيه ... أجزع نور غربت أواخيه «4»
# والوجه لما أشرقت نواحيه ... دينار عين بيد تبريه
# وقال ابن شبرمة: ما رأيت لباسا على رجل أزين من فصاحة، ولا رأيت لباسا
~~على امرأة أزين من شحم.
# قيل لأعرابي: إنك لحسن الكدنة «5» فقال: ذلك عنوان نعمة الله عندي.
# PageV04P030
# قال الحجاج: لا يحسن نحر المرأة حتى يعظم ثدياها.
# وقال المرار العدوي «1» : [رمل]
# صلتة الخد طويل جيدها ... ضخمة الثدي ولما ينكسر «2»
# وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: لا تحسن المرأة حتى تروي الرضيع،
~~وتدفىء الضجيع.
# عن رجل من بني أسد قال: أضللت إبلا لي، فخرجت في طلبهن، فهبطت واديا وإذا
~~أنا بفتاة أعشى «3» نور وجها نور بصري؛ فقالت لي: يا فتى، مالي أراك مدلها؟
~~«4» فقلت: أضللت إبلا لي فأنا في طلبها؛ قالت: أفأدلك على من هي عنده وإن
~~شاء أعطاكها؟ قلت: نعم ولك أفضلهن؛ قالت: الذي أعطاكهن أخذهن وإن شاء ردهن،
~~فسله عن طريق اليقين لا من طريق الاختبار؛ فأعجبني ما رأيت من جمالها وحسن
~~كلامها، فقلت: ألك بعل؟
# قالت: قد كان، ودعي فأجاب فأعيد إلى ما خلق منه. قلت: فما قولك في بعل
~~تؤمن بوائقه «5» ، ولا تذم خلائقه؟ فرفعت رأسها وتنفست وقالت: [بسيط]
# كنا كغصنين في أصل غذاؤهما ... ماء الجداول في ورضات جنات
# فاجتث خيرهما من جنب صاحبه ... دهر يكر بترحات وفرحات «6»
# PageV04P031
# وكان عاهدني إن خانني زمن ... ألا يضاجع أنثى بعد مثواتي
# وكنت عاهدته إن خانه زمن ... ألا أبوء ببعل طول محياتي «1»
# فلم نزل هكذا والوصل شيمتنا ... حتى توفي قريبا مذ سنيات
# فاقبض عنانك عمن ليس يردعه ... عن الوفاء خلاف بالتحيات
# قال أبو اليقظان: دخل متمم بن نويرة على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال
~~له عمر: أرى في أصحابك مثلك! قال: يا أمير المؤمنين، أما والله إني مع ذلك
~~لأركب الجمل الثفال «2» ، وأعتقل الرمح الشطون «3» ، وألبس الشملة الفلوت
~~«4» . (ولقد أسرني بنو تغلب في الجاهلية، فبلغ ذلك مالكا فجاء ليفتديني،
~~فلما رآه القوم أعجبهم جماله، وحدثهم فأعجبهم حديثه، فأطلقوني له بغير
~~فداء.
# كان يقال: المنظر محتاج إلى القبول، والحسب محتاج إلى الأدب، والسرور
~~محتاج إلى الأمن، والقرابة محتاجة إلى المودة، والمعرفة محتاجة إلى
~~التجارب، والشرف محتاج إلى التواضع، والنجدة محتاجة إلى الجد.
# قال الحسن بن وهب: [مديد]
# ما لمن تمت محاسنه ... أن يعادي طرف من نظرا
# لك أن تبدي لنا حسنا ... ولنا أن نعمل البصر
# PageV04P032
### | باب القبح والدمامة
# أخبرنا بعض أشياخ البصرة أن رجلا وامرأته اختصما إلى أمير من أمراء
~~العراق، وكانت المرأة حسنة المنتقب «1» قبيحة المسفر «2» ، وكان لها لسان،
~~فكأن العامل مال معها، فقال: يعمد أحدكم إلى المرأة الكريمة فيتزوجها ثم
~~يسيء إليها؛ فأهوى الزوج فألقى النقاب عن وجهها، فقال العامل: عليك اللعنة،
~~كلام مظلوم ووجه ظالم.
# قال أبو زياد الكلابي «3» : قدم رجل منا البصرة فتزوج امرأة، فلما دخل
~~بها وأرخيت الستور وأغلقت الأبواب عليه، ضجر الأعرابي وطالت ليلته، حتى إذا
~~أصبح وأراد الخروج منع من ذلك وقيل له: لا ينبغي لك أن تخرج إلا بعد سبعة
~~أيام؛ فقال: [طويل]
# أقول وقد شدوا عليها حجابها ... ألا حبذا الأرواح والبلد القفر
# ألا حبذا سيفي ورحلي ونمرقى ... ولا حبذا منها الوشاحان والشذر «4»
# أتوني بها قبل المحاق بليلة ... فكان محاقا كله ذلك الشهر «5»
# PageV04P033
# وما غرني إلا خضاب بكفها ... وكحل بعينيها وأثوابها الصفر
# تسائلني عن نفسها هل أحبها ... فقلت ألا لا والذي أمره الأمر
# تفوح رياح المسك والعطر عندها ... وأشهد عند الله ما ينفع العطر
# وقال آخر: [بسيط]
# أعوذ بالله من زلاء فاحشة ... كأنما نيط ثوباها على عود «1»
# لا يمسك الحبل حقواها إذا انتطقت ... وفي الذنابى وفي العرقوب تحديد «2»
# أعوذ بالله من ساق لها حنب ... كأنها من حديد القين سفود «3»
# وقال آخر: [طويل]
# موترة العلباء محفوفة القفا ... لها ندب من حكها غير دارس «4»
# إذا ضحكت غصون كأنها ... غباغب حرباء تحوز شامس «5»
# كأن وريديها رشاء محالة ... مغاران من جلد من القد يابس «6»
# وقال آخر: [رجز]
# يا عجبا والدهر ذو تعاجيب ... هل يصلح الخلخال في رجل الذيب
# اليابس الكعب الحديد العرقوب
# PageV04P034
# وقال آخر: [طويل]
# لها جسم برغوث وساقا بعوضة ... ووجه كوجه القرد بل هو أقبح
# وتبرق عيناها إذا ما رأيتها ... وتعبس في وجه الضجيع وتكلح «1»
# وتفتح- لا كانت- فما لو رأيته ... توهمته بابا من النار يفتح
# فما ضحكت في الناس إلا ظننتها ... أمامهم كلبا يهر وينبح «2»
# إذا عاين الشيطان صورة وجهها ... تعوذ منها حين يمسي ويصبح
# وقد أعجبتها نفسها فتملحت ... بأي جمال ليت شعري تملح
# رأى أعرابي امرأة في شارة وهيئة، فظن بها جمالا، فلما سفرت فإذا هي غول؛
~~فقال: [طويل]
# فأظهرها ربي بمن وقدرة ... علي ولولا ذاك مت من الكرب
# فلما بدت سبحت من قبح وجهها ... وقلت لها الساجور خير من الكلب «3»
# كان سعيد بن بيان التغلبي سيد بني تغلب، وكانت تحته برة «4» وكانت من
~~أجمل النساء، فقدم الأخطل الكوفة على بشر بن مروان، فدعاه سعيد بن بيان
~~واحتفل ونجد بيوته واستجاد طعامه وشرابه، فلما شرب الأخطل جعل ينظر إلى وجه
~~برة وجمالها، وإلى وجه سعيد وقبحه؛ فقال له سعيد: يا أبا مالك، أنت رجل
~~تدخل على الخلفاء والملوك فأين ترى هيئتنا من هيئتهم! فقال الأخطل: ما
~~لبيتك عيب غيرك؛ فقال سعيد: أنا والله أحمق منك يا نصراني حين أدخلك منزلي،
~~وطرده. فخرج الأخطل وهو يقول: [طويل]
# PageV04P035
# وكيف يداويني الطبيب من الجوى ... وبرة عند الأعور ابن بيان «1»
# فهلا زجرت الطير إذ جاء خاطبا ... بضيقة بين النجم والدبران «2»
# قال عبد بني الحسحاس يذكر قبحه «3» : [طويل]
# أتيت نساء الحارثيين غدوة ... بوجه براه الله غير جميل
# فشبهنني كلبا ولست بفوقه ... ولا دونه إن كان غير قليل
# قال رجل للأحنف: «تسمع بالمعيدي لا أن تراه» «4» ؛ فقال: ما ذممت مني يا
~~بن أخي؟ قال: الدمامة وقصر القامة؛ قال: لقد عبت علي ما لم أؤامر فيه «5» .
# قال عبد الملك بن عمير: قدم علينا الأحنف الكوفة مع المصعب بن الزبير،
~~فما رأيت خصلة تذم إلا وقد رأيتها في الأحنف: كان صعل الرأس «6» ، متراكب
~~الأسنان، أشدق «7» ، مائل الذقن، ناتىء الوجه، غائر العين، خفيف العارض،
~~أحنف الرجل «8» ، ولكنه إذا تكلم جلا عن نفسه.
# أبو اليقظان قال: كان المحارش قبيحا فقال فيه هبنقة «9» : [طويل]
# PageV04P036
# لو كان وجهي مثل وجه محارش ... إذا ما قربت الدهر باب أمير
# قال: وأخذ محارش قذاة عن عبيد الله بن زياد؛ فقال: صرف عنك السوء؛ فقال
~~جلساؤه: إذا يصرف عنه وجهه.
# سئل مدني عن حلية رجل، فقال: حليته محجمه.
# قال المأمون لمحمد بن الجهم: أنشدني بيتا حسنا أولك به كورة «1» ؛ فقال:
~~[كامل]
# قبحت مناظرهم فحين خبرتهم ... حسنت مناظرهم لقبح المخبر
# فاستزاده، فأنشده: [طويل]
# أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه ... فطيب تراب القبر دل على القبر «2»
# فولاه الدينور «3» وهمذان.
# قال أعرابي في امرأته: [طويل]
# ولا تستطيع الكحل من ضيق عينها ... فإن عالجته صار فوق المحاجر
# وفي حاجبيها حزة لغزارة ... فإن حلقا كانا ثلاث غرائر «4»
# وثديان أما واحد فكموزة ... وآخر فيه قربة لمسافر
# وقال إسحاق الموصلي: رأت قريبة بن سيابة مولى ابن أسد عندي، فقلت لها: يا
~~أم البهلول كيف ترين هذا؟ قالت: ماله قبحه الله عامة! لو كان داء ما برىء
~~منه.
# PageV04P037
# وقال فاتك في سعيد بن سلم: [سريع]
# وإن من غاية حرص الفتى ... طلابه المعروف في باهله «1»
# كبيرهم وغد ومولودهم ... تلعنه من قبحه القابله
# قال الأسعر الجعفي «2» يهجو قوما: [متقارب]
# زعانف سود كخبث الحدي ... د يكفي الثلاثة شق الإزار «3»
# وقال أبو نواس يذكر امرأة: [وافر]
# وقائلة لها في وجه نصح ... علام قتلت هذا المستهاما
# فكان جوابها في حسن سر ... أأجمع وجه هذا والحراما
# كان المغيرة بن شعبة قبيحا أعور، فخطب امرأة، فأبت أن تتزوجه، فبعث
~~إليها: إن تزوجتني ملأت بيتك خيرا، ورحمك أيرا؛ فتزوجت به.
# وسئلت عنه امرأة طلقها فقالت: عسل يمانية في ظرف سوء «4» .
# أنشدنا دعبل: [متقارب]
# PageV04P038
# بليت بزمردة كالعصا ... ألص وأسرق من كندش «1»
# لها شعر قرد إذا ازينت ... ووجه كبيض القطا الأبرش «2»
# كأن الثأليل في وجهها ... إذا سفرت بدد الكشمش «3»
# وقال أعرابي: [وافر]
# جزى الله البراقع من ثياب ... عن الفتيان شرا ما بقينا
# يوارين الملاح فلا نراها ... ويزهين القباح فيزهينا «4»
# وقال آخر: [وافر]
# رأوه فازدروه وهو حر ... وينفع أهله الرجل القبيح
# كان ذو الرمة يشبب بمية، وكانت من أجمل النساء ولم تره قط، فجعلت لله
~~عليها بدنة «5» حين تراه، فلما رأته رأته رجلا دميما أسود، فقالت:
# وا سوءتاه! وا بؤساه! فقال ذو الرمة: [طويل]
# على وجه مي مسحة من ملاحة ... وتحت الثياب الشين لو كان باديا «6»
# ألم تر أن الماء يخبث طعمه ... وإن كان لون الماء أبيض صافيا
# إسحاق الموصلي قال: دخلت أعرابية على حمدونة بنت الرشيد، فلما خرجت سئلت
~~عنها، فقالت: وما حمدونة! والله لقد رأيتها وما رأيت طائلا،
# PageV04P039
# كأن بطنها قربة، وكأن ثديها دبة «1» ، وكأن استها رقعة، وكأن وجهها وجه
~~ديك قد نفش غفريته «2» يقاتل ديكا.
# ذكر أعرابي امرأة حسنة اللفظ قبيحة الوجه، فقال: ترخي ذيلها على عرقوبي
~~نعامة، وتسدل خمارها على وجه كالجعالة (وهي الخرقة التي تنزل بها القدر عن
~~النار) .
# وقال دعبل في كاتب: [كامل]
# تمت مقابح وجهه فكأنه ... طلل «3» تحمل ساكنوه فأوحشا
# لو كان لاستك ضيق صدرك أو لصد ... رك رحب دبرك كنت أكمل من مشى
# كان بعض المعلمين يقعد أبناء المياسير والحسان الوجوه في الظل، ويقعد
~~الآخرين في الشمس، ويقول: يا أهل الجنة، ابزقوا في وجوه أهل النار.
# وقال رجل من أبناء المهاجرين: أبناء هذه الأعاجم كأنهم نقبوا الجنة
~~وخرجوا منها، وأولادنا كأنهم مساجر التنانير «4» .
# أبو المهلهل الحدائي «5» قال: ارتحلت إلى الرمل في طلب مي صاحبة ذي
~~الرمة، فما زلت أطلب موضعها حتى أرشدت إليه، فإذا خيمة كبيرة على بابها
~~عجوز هتماء «6» ، فسلمت عليها ثم قلت: أين منزل مي؟ قالت: أنا مي؛
# PageV04P040
# فتعجبت وقلت: عجبا من ذي الرمة وكثرة قوله فيك! قالت: لا تعجبن فإني
~~سأقوم بعذره عنك، ثم قالت: يا فلانة، فخرجت من الخيمة جارية ناهدة عليها
~~برقع فقالت: اسفري، فلما سفرت تحيرت لما رأيت من جمالها وبراعتها؛ فقالت:
~~علقني ذو الرمة وأنا في سنها؛ فقلت: عذره الله ورحمه، فاستنشدتها فجعلت
~~تنشد وأنا أكتب.
# وقال أبو نواس في الرقاشي: [سريع]
# قل للرقاشي إذا جئته ... لو مت يا أخرق لم أهجكا»
# دونك عرضي فاهجه راشدا ... لا تدنس الأعراض من شعركا
# والله لو كنت جريرا لما ... كنت بأهجى لك من وجهكا
### | باب السواد
# الأصمعي قال: قيل لمدني: ما رغبتكم في السواد؟ قال: لو وجدنا بيضاء
~~لسفدناها «2» .
# وكان أبو حازم المدني ينشد: [وافر]
# ومن يك معجبا ببنات كسرى ... فإني معجب ببنات حام «3»
# وقال أبو حنش «4» : [طويل]
# PageV04P041
# رأيت أبا الحجناء في الناس حائرا ... ولون أبي الحجناء لون البهائم «1»
# تراه على ما لاحه من سواده ... وإن كان مظلوما له وجه ظالم «2»
# وقال آخر في وصف أسود: [رجز]
# كأنما وجهك ظل من حجر «3»
# وقال آخر: [رجز]
# كأنما قمص من ليط جعل «4»
# وقال آخر في وصف سوداء: [رجز]
# كأنها والكحل في مرودها ... تكحل عينيها ببعض جلدها
# نظر رجل إلى سوداء عليها معصفر «5» ، فقال: بعرة عليها رعاف «6» .
# الأصمعي قال: قيل لرجل: أي الرجال أخف أرواحا؟ قال: الذين أعرقت «7» فيهم
~~السودان.
# وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: من تزوج سمراء فطلقها فعلي مهرها.
# يقال: قالت الخنفساء لأمها: يا أماه، ما أمر بأحد إلا بزق علي؛ فقالت: يا
~~بنية تعوذين «8» .
# PageV04P042
# وفد على عبد الملك وفد أهل الكوفة، فلما دخلوا عليه وكلمهم، رأى فيهم
~~أدلم «1» عالي الجسم، فلما كلمه راقه بيانه، فلما تولى تمثل عبد الملك بقول
~~عمرو بن شأش «2» : [طويل]
# فإن عرارا إن يكن غير واضح ... فإني أحب الجون ذا المنكب العمم «3»
# فالتفت الأدلم إلى عبد الملك وضحك؛ فقال: علي به فلما جيء به قال: ما
~~الذي أضحكك؟ فقال: أنا والله عرار من بني أثرى، فقدمه وسامره حتى خرج.
# قال رجل من الشعراء في جارية سوداء: [سريع]
# أشبهك المسك وأشبهته ... قائمة في لونه قاعده
# لا شك إذ لونكما واحد ... أنكما من طينة واحده
# وقال جرير: [وافر]
# ترى التيمي يزحف كالقرنبى ... إلى تيمية كعصا المليل «4»
# تشين الزعفران عروس تيم ... وتمشي مشية الجعل الدحول «5»
# يقول المجتلون عروس تيم ... شوى أم الحبين ورأس فيل «6»
# PageV04P043
# وقال آخر: [وافر]
# أحب لحبها السودان حتى ... أحب لحبها سود الكلاب
### | باب العجز والمشايخ
# الأصمعي قال: خاصم رجل امرأته إلى زياد، فكأن زيادا شدد عليه، فقال
~~الرجل: أصلح الله الأمير، إن خير نصفي الرجل آخرهما، يذهب جهله ويثوب حلمه
~~ويجتمع رأيه، وإن شر نصفي المرأة آخرهما، يسوء خلقها ويحد لسانها وتعقم
~~رحمها؛ فقال: اسفع بيدها «1» .
# وقال بعض الأعراب: [بسيط]
# لا تنكحن عجوزا إن دعوك لها ... وإن حبوك على تزويجها الذهبا
# وإن أتوك وقالوا إنها نصف ... فإن أطيب نصفيها الذي ذهبا «2»
# الأصمعي قال: ضجر أعرابي بطول حياة امرأته، فقال: [طويل]
# ثلاثين حولا لا أرى منك راحة ... لهنك في الدنيا لباقية العمر «3»
# فإن أنفلت من حبل صعبة مرة ... أكن من نساء الناس في بيضة العقر «4»
# وقال أبو الأسود في امرأته أم عوف: [طويل]
# أبى القلب إلا أم عوف وحبها ... عجوزا ومن يحبب عجوزا يفند «5»
# كسحق اليماني قد تقادم عهده ... ورقعته ما شئت في العين واليد «6»
# PageV04P044
# وقال آخر يشبب بعجوز: [طويل]
# عجوز عليها كرة وملاحة ... وقاتلتي يا للرجال عجوز «1»
# عجوز لو ان الماء ملك يمينها ... لما تركتنا بالمياه نجوز
# كانت لرجل من الأعراب امرأة عجوز، وكانت تشتري العطر بالخبز؛ فقال:
~~[طويل]
# عجوز ترجي أن تكون فتية ... وقد غارت العينان واحدودب الظهر
# تدس إلى العطار سلعة أهلها ... ولن يصلح العطار ما أفسد الدهر
# طلق أبو الجندي امرأته؛ فقالت له: بعد صحبة خمسين سنة! فقال:
# مالك عندي ذنب غيره.
# وقال بعض الأعراب: [بسيط]
# لا بارك الله في ليل يقربني ... إلى مضاجعة كالدلك بالمسد «2»
# لقد لمست معراها فما وقعت ... فيما لمست يدي إلا على وتد
# وكل عضو لها قرن تصل به ... جسم الضجيع فيضحي واهي الجسد «3»
# وقال الطائي: [كامل]
# أحلى الرجال من النساء مواقعا ... من كان أشبههم بهن خدودا
# وقال امرؤ القيس: [طويل]
# أراهن لا يحببن من قل ماله ... ولا من رأين الشيب فيه وقوسا «4»
# PageV04P045
# وقال علقمة بن عبدة «1» : [طويل]
# فإن تسألوني بالنساء فإنني ... خبير بأدواء النساء طبيب
# إذا شاب راس المرء أو قل ماله ... فليس له في ودهن نصيب
# يردن ثراء الماء حيث علمنه ... وشرخ الشباب عندهن عجيب «2»
# وقال آخر: [وافر]
# أرى شيب الرجال من الغواني ... كموضع شيبهن من الرجال
# وقال آخر: [طويل]
# أيا عجبا للخود يجري وشاحها ... تزف إلى شيخ من القوم تنبال «3»
# دعاها إليه أنه ذو قرابة ... فويل الغواني من بني العم والخال
# وقال ذو الرمة بخلاف قول الأول: [طويل]
# وما الفقر أزرى عندهن بوصلنا ... ولكن جرت أخلاقهن على البخل
# وقال المرار في مثله «4» : [طويل]
# وليس الغواني للجفاء ولا الذي ... له عن تقاضي دينهن هموم
# ولكنما يستنجز الوعد تابع ... مناهن حلاف لهن أثيم
# وما جعلت ألبابهن لذي الغنى ... فييأس من ألبابهن عديم»
# كان عثمان بن عفان رضي الله عنه تزوج نائلة بنت الفرافصة الكلبي-
# PageV04P046
# والفرافصة يومئذ نصراني- وكان وليها مسلما وهو أخوها، فحملها الفرافصة.
# فلما قدمت على عثمان وضع لها سريرا وله آخر، فقال لها عثمان: إما أن
~~تقومي إلي وإما أن أقوم إليك؛ فقالت: ما تجشمت إليك من عرض السماوة «1»
~~أبعد مما بيننا، بل أقوم أنا، فقامت حتى جلست معه على السرير، فوضع قلنسوته
~~فإذا هو أصلع، فقال: يابنة الفرافصة، لا يهولنك ما ترين من صلعتي، فإن وراء
~~ذلك ما تحبين؛ قالت: إني لمن نسوة أحب بعولتهن إليهن الكهول الصلع؛ فقال:
~~اطرحي درعك، ثم قال: اطرحي إزارك؛ قالت: ذاك اليك، ومسح رأسها ودعا لها
~~بالبركة؛ فكانت أحب نسائه اليه، وولدت منه جارية يقال لها مريم.
# ابن الكلبي «2» قال: خطب دريد بن الصمة خنساء بنت عمرو، فبعثت جاريتها
~~فقال: انظري إذا بال أيقعي أم يبعثر؟ «3» فقالت لها الجارية: هو يبعثر،
~~فقالت: لا حاجة لي فيه.
# الأصمعي قال: تزوج رجل امرأة بالمدينة فقالوا له: إنها شابة طرية، من
~~أمرها ومن أمرها، ويدلسون «4» له عجوزا، فلما دخل بها نزع نعليه، وهم يظنون
~~أنه يضربها، فقلدها إياهما وقال: لبيك اللهم لبيك، هذه بدنة «5» ؛ فأسكتوه
~~وافتدوا منه.
# PageV04P047
# عن عبد الله بن محمد بن عمران القاضي عن أبيه قال: شباب المرأة من خمس
~~عشرة سنة إلى ثلاثين سنة، وفيها من الثلاثين إلى الأربعين مستمتع، وإذا
~~اقتحمت العقبة الأخرى حسلت «1» .
# تزوج جهم امرأة من بني فقعس وباع إبلا له ومهرها، فلما دخل بها إذا هي
~~عجوز، فقال: [طويل]
# وما لمت نفسي مذ فطمت بليحة ... كما لمت نفسي في عجوز بني شمس «2»
# وبنت ولم أغبن غداة اشتريتها ... وبعت تلاد المال بالثمن البخس «3»
# فإن مات جهم غيلة فاقتلوا به ... قمامة إن النفس تقتل بالنفس
# وقال بعض الشعراء: [بسيط]
# كفاك بالشيب ذنبا عند غانية ... وبالشباب شفيعا أيها الرجل
# خطب الحارث بن سليل الأسدي إلى علقمة بن خصفة الطائي، وكان شيخا، فقال
~~لأم الجارية: أريدي ابنتك على نفسها فقالت: أي بنية. أي الرجال أحب إليك:
~~الكهل الجحجاح «4» ، الواصل المناح «5» ، أم الفتى الوضاح، الذهول الطماح؟
~~قالت: يا أمتاه [متقارب]
# إن الفتاة تحب الفتى ... كحب الرعاء أنيق الكلا «6»
# فقالت: يا بنية، إن الشباب شديد الحجاب، كثير العتاب؛ قالت: يا
# PageV04P048
# أمتاه، أخشى من الشيخ أن يدنس ثيابي، ويبلي شبابي، ويشمت بي أترابي؛ فلم
~~تزل بها حتى غلبتها على رأيها؛ فتزوج بها الحارث ثم رحل بها إلى قومه؛ فإنه
~~لجالس ذات يوم بفناء مظلته وهي إلى جانبه، إذ أقبل شباب من بني أسد يعتلجون
~~«1» ، فتنفست ثم بكت؛ فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: مالي وللشيوخ الناهضين
~~كالفروخ!؛ فقال: ثكلتك أمك «تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها» «2» - فذهبت
~~مثلا-. أما وأبيك لرب غارة شهدتها، وسبية أردفتها، وخمرة شربتها؛ فالحقي
~~بأهلك، لا حاجة لي فيك.
# الرياشي قال: خرج رجل إلى الغزو فأصاب جارية وضيئة، وكان يغزو على فرسه
~~ويرجع إليها، فوجد يوما فضلا من القول فقال: [طويل]
# ألا لا أبالي اليوم ما فعلت هند ... إذا بقيت عندي الحمامة والورد «3»
# شديد مناط المنكبين إذا جرى ... وبيضاء صنهاجية زانها العقد «4»
# فهذا لأيام الحروب وهذه ... لحاجة نفسي حين ينصرف الجند
# فنمي الشعر اليها فقالت: [طويل]
# ألا أقره مني السلام وقل له ... غنينا وأغنتنا غطارفة المرد «5»
# بحمد أمير المؤمنين أقرهم ... شبابا وأغزاكم حواقلة الجند «6»
# إذا شئت غناني رفل مرجل ... ونازعني في ماء معتصر ورد «7»
# PageV04P049
# وإن شاء منهم ناشىء مد كفه ... على كتد ملساء أو كفل نهد «1»
# فما كنتم تقضون حاجة أهلكم ... شهودا فتقضوها على النأي والبعد «2»
# فلما بلغه الشعر أتاها، وقال: أكنت فاعلة؟ فقالت: الله أجل في عيني، وأنت
~~أهون علي.
# قال أبو عمرو بن العلاء: ما بكت العرب شيئا ما بكت الشباب، وما بلغت ما
~~هو أهله.
# كانت لبعض الأعراب امرأة لا تزال تشاره «3» وقد كان أسن وامتنع من
~~النكاح، فقال له رجل: ما يصلح بينكما أبدا؟ فقال: لا، إنه قد مات الذي كان
~~يصلح بيننا (يعني ذكره) .
# قال رجل لصديق له: [متقارب]
# أعنست نفسك حتى إذا ... أتيت على الخمس والأربعينا «4»
# تزوجتها شارفا فخمة ... فلا بالرفاء ولا بالبنينا «5»
# فلا ذات مال تزوجتها ... ولا ولد ترتجي أن يكونا
# بها أبدا فالتمس غيرها ... لعلك تعطى بغث سمينا «6»
# قال أنو شروان: كنت أخاف إذا أنا شخت لا تريدني النساء، فإذا أنا لا
~~أريدهن.
# PageV04P050
# قال أعرابي: [رجز]
# إن العجوز فارك ضجيعها ... تسيل من غير بكى دموعها «1»
# تمدد الوجه فلا يطيعها ... كأن من يضيفها يضيعها
# وقال أبو النجم «2» : [رجز]
# قد زعمت أم الخيار أني ... شبت وحنى ظهري المحني
# وأعرضت فعل الشموس عني ... فقلت ما داؤك إلا سني «3»
# لن تجمعي ودي وأن تضني
# قال يزيد بن الحكم بن أبي العاص: [وافر]
# فما منك الشباب ولست منه ... إذا سألتك لحيتك الخضابا
# وما يرجو الكبير من الغواني ... إذا ذهبت شبيبته وشابا
# وقال آخر: [وافر]
# فالغواني ... نوافر عن ملاحظة القتير «4»
# فقلت لها المشيب نذير عمري ... ولست مسودا وجه النذير
# كان سعد بن أبى وقاص يخضب بالسواد، ويقول: [طويل]
# أسود أعلاها وتأبى أصولها ... فيا ليت ما يسود منها هو الأصل
# PageV04P051
# وقال أسود بن دهيم: [كامل]
# لما رأيت الشيب عيب بياضه ... تشببت وابتعت الشباب بدرهم «1»
# وقال محمود الوراق: [مجزوء الكامل]
# يا خاضب الشيب الذي ... في كل ثالثة يعود
# إن النصول إذا بدا ... فكأنه شيب جديد «2»
# وله بديهة روعة ... مكروهها أبدا عتيد «3»
# فدع المشيب كما أرا ... د فلن يعود كما تريد
# أنشد ابن الأعرابي: [كامل]
# ولقد أقول لشيبة أبصرتها ... في مفرقي فمنحتها إعراضي»
# عني إليك فلست من خير ولو ... عممت منك مفارقي ببياض
# ولقلما أرتاع منك وإنني ... فيما ألذ وإن فزعت لماضي
# فعليك ما اسطعت الظهور بلمتي ... وعلي أن ألقاك بالمقراض «5»
# وقال الفرزدق: [طويل]
# تفاريق شيب في السواد لوامع ... وما خير ليل ليس فيه نجوم
# وقال غيلان بن سلمة «6» : [كامل]
# الشيب إن يظهر فإن وراءه ... عمرا يكون خلاله متنفس
# PageV04P052
# لم ينتقص مني المشيب قلامة ... ولنحن حين بدا ألب وأكيس «1»
# وقال الطائي: [بسيط]
# أبدت أسى أن رأتني فخلس القصب ... وآل ما كان من عجب إلى عجب «2»
# لا تنكري منه تحديدا تخلله ... فالسيف لا يزدرى إن كان ذا شطب «3»
# ولا يؤرقك إيماض القتير به ... فإن ذاك ابتسام الرأي والأدب «4»
# وقال آخر: [طويل]
# يقولون هل بعد الثلاثين ملعب ... فلت وهل قبل الثلاثين ملعب
# لقد جل قدر الشيب إن كان كلما ... بدت شيبة يعرى من الهو مركب
### | باب الخلق
### | الطول والقصر
# عن عمرو بن شعيب: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قصيرا- أو قال
~~شديد القصر- فسجد.
# عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه
~~وسلم: من رأى منكم مبتلى فقال الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني
~~على كثير ممن خلقه تفضيلا عافاه الله من ذلك البلاء كائنا ما كان.
# وقال بعض الشعراء: [مجزوء الرمل]
# من تعاذر من يسامح ... من تطاول بزياد
# من تباراني نسيني ... ببعيد من إياد «5»
# PageV04P053
# وقال إسحاق الموصلي في غلامه: [وافر]
# ذهبت سماجة وذهبت طولا ... كأنك من فراسخ دير سعد «1»
# وقال أبو اليقظان: كان يعلى بن الحكم بن أبي العاص يعير أخاه يزيد
~~بالقصر؛ فقال يزيد: [بسيط]
# هم الرجال العلا أخذا بذروتها ... وإنما هم يعلى الطول والقصر
# وقال أبو حاتم: [طويل]
# يكاد خليلي من تقارب شخصه ... يعض القراد باسته وهو قائم «2»
# وقال آخر وكان قصيرا: [طويل]
# فإلا يكن عظمي طويلا فإنني ... له بالخصال الصالحات وصول
# وقال أوفى بن مولة في مثل ذلك: [طويل]
# فإن أك قصدا في الرجال فإنني ... إذا حل أمر ساحتي لجسيم
# وقال آخر: [طويل]
# ولما التقى الصفان واختلف القنا ... نهالا وأسباب المنايا نهالها «3»
# تبين لي أن القماءة ذلة ... وأن أشداء الرجال طوالها «4»
# PageV04P054
# وقال الغطمش الضبي «1» : [طويل]
# ولو وجدوا نعل الغطمش لاحتذوا ... لأرجلهم منها ثماني أنعل
# كان جرير بن عبد الله يثفل «2» إلى ذروة البعير من طوله، وكانت نعله
~~ذراعا.
# الأصمعي قال: دخل المغيرة بن شعبة على معاوية، فقال معاوية:
# [طويل]
# إذا راح في قوهية متلبسا ... تقل جعل يستن في لبن مخض «3»
# وأقسم لو خرت من استك بيضة ... لما انكسرت من قرب بعضك من بعض «4»
### | اللحى
# قال بعض الحكماء: لا تصافين من لا شعر على عارضيه وإن كانت الدنيا خرابا
~~إلا منه.
# كانت عائشة ربما قالت: والذي زين الرجال باللحى.
# وقال بعض المحدثين: [سريع]
# يا لحية طالت على نوكها ... كأنها لحية جبريل «5»
# لو كان ما يقطر من دهنها ... ليلا لوفى ألف قنديل
# PageV04P055
# ولو تراها وهي قد سرحت ... حسبتها بندا على الفيل «1»
# قال رجل لبعض مجانين الكوفة: ما هذه اللحية؟ - وكانت كبيرة- فقال: والبلد
~~الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا
# «2» .
# وقال مروان بن أبي حفصة «3» : [وافر]
# لقد كانت مجالسنا فساحا ... فضيقها بلحيته رباح «4»
# مبعثرة الأسافل والأعالي ... لها في كل زاوية جناح
# وقال آخر: [وافر]
# أنفش لحية عرضت وطالت ... من الهدبات تملأ عرض صدري
# أكاد إذا قعدت أبول فيها ... إذا أنا لم أعقصها بظفري «5»
# وقال أعرابي: [مجزوء الكامل]
# لا تفخرن بلحية ... عظمت جوانبها طويله
# تجري بمفرقها الريا ... ح كأنها ذنب الحسيله «6»
# PageV04P056
### | العيون
# قال إبراهيم النخعي لسليمان الأعمش وأراد أن يماشيه: إن الناس إذا رأونا
~~معا قالوا: أعور وأعمش، قال: ما عليك أن يأثموا ونؤجر، قال: ما عليك أن
~~يسلموا ونسلم.
# وقال ابن عباس بعد ما كف بصره: [بسيط]
# أن يأخذ الله من عيني نورهما ... ففي فؤادي وسمعي منهما نور
# قلبي ذكي وعرضي غير ذي دخل ... وفي فمي صارم كالسيف مأثور «1»
# فأخذ الخريمي هذا المعنى فقال: [متقارب]
# فإن تك عيني خبا نورها ... فكم قبلها نور عين خبا
# فلم يعم قلبي ولكنما ... أرى نور عيني اليه سرى
# فأسرج فيه إلى ضوئه ... سراجا من العلم يشفي العمى
# وقال الخريمي أيضا: [منسرج]
# أصغي إلى قائدي ليخبرني ... إذا التقينا عمن يحييني
# أريد أن أعدل السلام وأن ... أفصل بين الشريف والدون «2»
# أسمع ما لا أرى فأكره أن ... أخطىء والسمع غير مأمون
# لله عيني التي فجعت بها ... لو أن دهرا بها يواتيني
# لو كنت خيرت، ما أخذت بها ... تعمير نوح في ملك قارون
# وتماشى أعوران، فقال أحدهما: [وافر]
# ألم ترني وعمرا حين نمشي ... نريد السوق ليس لنا نظير
# PageV04P057
# أماشيه على يمنى يديه ... وفيما بيننا رجل ضرير «1»
# وقال قائل في طاهر بن الحسين «2» : [رجز]
# يا ذا اليمينين وعين واحده ... نقصان عين ويمين زائدة «3»
# وقال الأصمعي: جاءت رجلا أعور نشابة فأصابت عينه الصحيحة، فقال: يا رب
~~وأنا أيضا على محمل.
# اشترى أبو الأسود جارية حولاء فأغار امرأته أم عوف، وكانت ابنة عمه وكانت
~~تشاره «4» في كل يوم وتقول: من يشتري حولاء؛ فلما أكثرت عليه قال:
# [طويل]
# يعيبونها عندي ولا عيب عندها ... سوى أن في العينين بعض التأخر
# فإن يك في العينين سوء فإنها ... مهفهفة الأعلى رداح المؤخر «5»
# أنشد أبو النجم هشام بن عبد الملك أرجوزته التي أولها:
# الحمد لله الوهوب المجزل
# فلم يزل هشام يصفق بيديه استحسانا لها، حتى إذا بلغ قوله في صفة الشمس:
# فهي في الأفق كعين الأحول ... صغواء قد كادت ولما تفعل «6»
# PageV04P058
# أمر بوجء «1» رقبته وإخراجه. وكان هشام أحول.
# وقال آخر: [طويل]
# يقولون نصرانية أم خالد ... فقلت دعوها كل نفس ودينها
# فإن تك نصرانية أم خالد ... فقد صورت في صورة لا تشينها
# أحبك أن قالوا بعينك زرقة ... كذاك عتاق الطير زرقا عيونها
# وقرأت في الآيين «2» أن الرجل إذا اجتمع فيه قصر وسبوطة «3» وحول وعسم
~~«4» وشدق «5» ... «6» كان لا يستعمل في دار الملك، ويحال بينه وبين التصدير
~~للملك، وكذلك المرأة البرشاء والبرصاء «7» .
# وقال بعض الشعراء في صحة البصر مع الهرم: [منسرح]
# إن معاذ بن مسلم رجل ... ليس يقينا لعمره أمد «8»
# قل لمعاذ إذا مررت به ... قد ضج من طول عمرك الأبد
# قد شاب رأس الزمان واكتهل الدهر وأثواب عمره جدد
# يا نسر لقمان كم تعيش وكم ... تسحب ذيل الحياة يا لبد «9»
# PageV04P059
# قد أصبحت دار آدم طللا ... وأنت فيها كأنك الوتد
# تسأل غربانها إذا حجلت ... كيف يكون الصداع والرمد «1»
### | الأنوف
# عن أبي زيد قال: رأيت أعرابيا أنفه كأنه كور «2» من عظمه، فرآنا نضحك
~~فقال: ما يضحككم! والله لقد كنا في قوم ما يسموننا إلا الأفيطس «3» .
# عن الوليد بن بشار أن امرأة عقيل بن أبي طالب، وهي بنت عتبة بن ربيعة،
~~قالت: يا بني هاشم لا يحبكم قلبي أبدا، إن أبي وابن عمي أبو فلان ابن فلان
~~كأن أعناقهم أباريق فضة، ترد أنوفهم قبل شفاههم؛ فقال لها عقيل:
# إذا دخلت النار فخذي على يسارك.
# قال بعض الشعراء يذكر الكبر «4» : [متقارب] أرى شعرات على حاجبي بيضا
~~نبتن جميعا تؤاما
# ظللت أهاهي بهن الكلا ... ب أحسبهن صيارا قياما «5»
# PageV04P060
# وأحسب أنفي إذا ما مشي ... ت شخصا أمامي رآني فقاما
# وقال بعض المحدثين: [متقارب]
# إذا أنت أقبلت في حاجة ... اليه فكلمه من خلفه
# فإن أنت واجهته في الكلا ... م لم يسمع الصوت من أنفه
# وقال آخر: [مجزوء الرمل]
# إن عيسى أنف أنفه ... أنفه ضعف لضعفه
# وهو لو يستنشق الثو ... ر بقرنيه وظلفه
# لثوى في منخر يس ... تغرق الخلق بنصفه
# لو تراه راكبا والت ... يه قد مال بعطفه
# لرأيت الأنف في السر ... ج وعيسى ردف أنفه «1»
# وقال قعنب «2» في الوليد بن عبد الملك: [متقارب]
# فقدت الوليد وأنفا له ... كمثل المعين أبي أن يبولا «3»
# أتيت الوليد فألفيته ... كما يعلم الناس وخما ثقيلا «4»
### | البخر والنتن
# قال أبو اليقظان: كان يقال لعبد الملك بن مروان: أبو الذبان لشدة بخره.
~~يريدون أن الذباب يسقط إذا قارب فاه من شدة رائحته. قال: ونبذ إلى امرأة له
~~تفاحة قد عضها، فأخذت سكينا؛ فقال لها: ما تصنعين؟ قالت: أميط عنها «5»
~~الأذى، فطلقها.
# PageV04P061
# وقال مسلم: [خفيف] أنت تفسو إذا نطقت ومن سبح من فسو فاك إثما وزورا وقال
~~آخر «1» : [كامل]
# لا تدن فاك من الأمير ونحه ... حتى يداوي ما بأنفك أهرن «2»
# إن كان للظربان جحر منتن ... فلجحر أنفك يا محمد أنتن «3»
# وقال شقيق بن السليك العامري لامرأته: [متقارب]
# إذا ما نكحت فلا بالرفاء ... وإما أتيت فلا بالبنينا
# تزوجت أصلع في غربة ... تجن الحليلة منه جنونا
# إذا ما نقلت إلى بيته ... أعد لجنبيك سوطا متينا
# كأن المساوك في شدقه ... إذا هن أكرهن يقلعن طينا «4»
# كأن توالي أضراسه ... وبين ثناياه غسلا لجينا «5»
# وقال الحكم بن عبدل لمحمد بن حسان بن سعد: [وافر]
# فما يدنو إلى فمه ذباب ... ولو طليت مشافره بقند «6»
# يرين حلاوة ويخفن موتا ... وشيكا إذ هممن له بورد «7»
# PageV04P062
# وقال أعرابي: [رجز]
# كأن إبطي وقد طال المدى ... نفحة خرء من كواميخ القرى «1»
# وقال عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن بن عائشة: [خفيف]
# من يكن إبطه كآباط ذي الخل ... ق فإبطاي في عداد الفقاح «2»
# لي إبطان يرميان جليسي ... بشبيه السلاح أو بالسلاح «3»
# فكأني من نتن هذا وهذا ... جالس بين مصعب وصباح
# يعني مصعب بن عبد الله بن مصعب، وصباح بن خاقان الأهتمي.
### | البرص
# كان بلعاء بن قيس أبرص؛ فقال له قائل: ما هذا بك يا بلعاء؟ فقال؛ سيف
~~الله جلاه.
# وقال ابن حبناء «4» : [بسيط]
# «إني امرؤ حنظلي حين تنسبني ... لا ملعتيك ولا أخوالي العوق «5»
# لا تحسبن بياضا في منقصة ... إن اللهاميم في أقرابها بلق «6»
# PageV04P063
# وقال أبو مسهر: [طويل)
# أيشتمني زيد بأن كنت أبرصا ... فكل كريم لا أبالك أبرص
# وقال بعض النهشليين: [رمل]
# نفرت سودة مني إذ رأت ... صلع الرأس وفي الجلد وضح»
# قلت يا سودة هذا والذي ... يفرج الكربة عنا والكلح «2»
# هو زين لي في الوجه كما ... زين الطرف تحاسين القزح «3»
# وقال آخر: [رجز]
# يا كأس لا تستنكري نحولي ... ووضحا أوفى على خصيلي «4»
# فإن نعت الفرس الرحيل ... يكمل بالغرة والتحجيل «5»
# وقال آخر: [رجز]
# يا أخت سعد لا تعيبي بالزرق ... لا يضرر الطرف تواليع البهق «6»
# إذا جرى في حلبة الخيل سبق
# لما أنشد لبيد «7» النعمان بن المنذر قوله في الربيع بن زياد العبسي:
~~[رجز]
# PageV04P064
# مهلا أبيت اللعن لا تأكل معه ... إن استه من برص ملمعه
# قال الربيع: أبيت اللعن! والله لقد نكت أمه! فقال لبيد: إن كنت فعلت لقد
~~كانت بتيمة في حجرك ربيتها، وإلا تكن فعلت ما قلت فما أولادك بالكذب! وإن
~~كانت هي الفاعلة فإنها من نسوة فعل لذلك. يعني أن نساء بني عس فواجر.
# وقال زياد الأعجم: [بسيط]
# ما إن يدبح منهم خارىء أبدا ... إلا رأيت على باب استه القمرا «1»
# يعني أنهم برص الأستاه.
# وقال كثير في نحو ذلك: [طويل]
# ويحشر نور المسلمين أمامهم ... ويحشر في أستاه ضمرة نورها
# المدائني «2» قال: كان أيمن بن خريم أبرص وكان أثيرا «3» عند عبد العزيز
~~ابن مروان، فعتب عليه أيمن يوما فقال له: أنت طرف ملولة «4» ؛ فقال له: أنا
~~ملولة وأنا أؤاكلك مذ كذا!. فلحق ببشر بن مروان فأكرمه واختصه ولم يكن
~~يؤاكله. فدخل عليه يوما وبين يديه لبن قد وضع؛ فقال له: قد حدثت نفسي
~~البارحة بالصوم، فلما أصبحت أتوني بهذا وهم لا يعلمون، ولا أرى أحدا أحق به
~~منك، فدونكه.
# عن أبي جعدة قال: أصاب أبا عزة الجمحي وضح، فكان لا يجالس، فأخذ شفرة
~~وطعن في بطنه فمارت الشفرة «5» وخرج ماء أصفر وبرىء، فقال:
# PageV04P065
# [رجز]
# لا هم رب وائل ونهد ... ورب من يرعى بياض لحدي «1»
# أصبحت عبدا لك وابن عبد ... أبرأتني من وضح بجلدي
# مع ما طعنت اليوم في معدي «2»
### | العرج
# كان عبد الحميد «3» بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أعرج وولي شرطة
~~الكوفة، والقعقاع بن سويد كان أعرج، فقال بعض الشعراء وكان أعرج: [كامل]
# ألق العصا ودع التناوش والتمس ... عملا فهذي دولة العرجان «4»
# لأميرنا وأمير شرطتنا معا ... يا قومنا لكليهما رجلان
# وقال رجل من العرج: [طويل]
# وما بي من عيب الفتى غير أنني ... ألفت قناتي حين أوجعني ظهري «5»
# وقال آخر: [طويل]
# وما بي من عيب الفتى غير أنني ... جعلت العصا رجلا أقيم بها رجلي
# PageV04P066
# وقال أبو زياد الكلابي «1» : [طويل]
# ألفت عصا الطرفاء حتى كأنما ... أرى بعصا الطرفاء إحدى النجائب «2»
# وقال أبو الخطاب النهدلي «3» : [رجز]
# قد صرت أمشي بثلاث أرجل
# وقال آخر: [بسيط]
# قد كنت أمشي على رجلين معتمدا ... فاليوم أمشي على أخرى من الشجر
# وقال الأعشى: [متقارب]
# إذا كان هادي الفتى في البلا ... د صدر القناة أطاع الأميرا «4»
### | الأدر
# «5»
# قال أبو الخطاب: كان عندنا رجل أحدب، فسقط في بئر فذهبت حدبته فصار آدر،
~~فدخلوا يهنئونه، فقال: الذي جاء شر من الذي ذهب.
# وقال طرفة: [طويل]
# فما ذنبنا في أن أداءت خصاكم ... وأن كنتم في قومكم معشرا أدرا «6»
# إذا جلسوا خيلت تحت ثيابهم ... خرانق توفي بالضغيب لها نذرا «7»
# PageV04P067
# وقال الجعدي «1» : [وافر]
# كذي داء بإحدى خصيتيه ... وأخرى لم توجع من سقام
# فضم ثبابه من غير برء ... على شعراء تنقض بالبهام «2»
### | الجذام
# «3» عن أبي محيريز قال «4» : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فروا من
~~المجذوم كالفرار من الأسد» وفي حديث آخر: «لا تديموا النظر إلى المجذومين
~~فإذا كلمتموهم فليكن بينكم وبينهم حجاب قيد رمح» .
# عن قتادة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ادهن بدأ بحاجبه
~~الأيمن ثم قال:
# باسم الله.
# وقال: «نبات الشعر في الأنف أمان من الجذام» .
# وعن قتادة: أن مجذوما دخل على عبد الله بن الحارث فقال: أخرجوه، قالوا:
~~ولم؟ قال: بلغني أنه ملعون.
# أبو الحسن قال: مر سليمان بن عبد الملك بالمجذومين في طريق مكة، فأمر
~~بإحراقهم، وقال: لو كان الله يريد بهؤلاء خيرا ما ابتلاهم بهذا البلاء.
# عن إبراهيم قال: اشمأز رجل من رجل به بلاء، فما مات حتى ابتلي بمثل ذلك
~~البلاء.
# PageV04P068
### | باب المهور
# إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال: خطب جدي أبو طلحة «1» أم سليم «2» ،
~~فأبت أن تتزوجه حتى يسلم، وكان مشركا، وقالت: إذا أسلم فهو صداقي؛ فأسلم
~~فكان صداقها إسلامه.
# عن المطلب «3» بن أبي وداعة السهمي قال: زوج سعيد ابنته على درهمين.
# أخبرنا محمد بن علي بن أبي طالب أن عليا أصدق فاطمة بنت النبي صلى الله
~~عليه وسلم «4» بدنا من حديد. قال محمد: وأخبرني ابن أبي نجيح قال: بلغني أن
~~البدن الذي تزوج عليه فاطمة كان ثمنه ثلاثمائة درهم.
# عن ابن أبي عيينة عن ابن أبي نجيح عن أبيه أن عليا عليه السلام قال:
# أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدرع فباعها بأربعمائة وثمانين
~~درهما وزوجني عليها.
# عن مجاهد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعظم النكاح
~~بركة أيسره
# PageV04P069
# مؤونة. وقال في الحديث الآخر: «اللهم أذهب ملك غسان وضع «1» مهور كندة» .
# أخبرنا بعض أصحاب الأخبار قال: قالت جارية من العرب لبنات عم لها:
~~السعيدة التي يتزوجها ابن عمها فيمهرها بتيسين وكلبين وعيرين «2» ، فينب
~~«3» التيسان وينبح الكلبان وينهق العيران، والشقية التي يتزوجها الحضري
~~فيطعمها الحمير، ويلبسها الحرير، ويحملها ليلة الزفاف على عود (تعني إكافا
~~«4» أو سرجا) .
# ويقال: جاء خاطب إلى قوم فقال: أنا فلان بن فلان، وأنتم لا تسألون عني
~~أعلم بي منكم؛ قالوا: صدقت، فما تبذل؟ فأنشأ يقول: [وافر]
# ألا أبلغ لديك بني يزيد ... بأني لا أريد إلى النساء
# سوى ودي لهن وأن عندي ... ثريدا بالغداة وبالعشاء
# فقال شيخ منهم: أقم كفيلا بالقصعتين وصل به «5» . فبقي عارا عليهم الى
~~اليوم.
# قال بعض نقلة الأخبار: أصدق عمر بن الخطاب أم كلثوم بنت علي أربعين ألفا،
~~وأصدق عبد الله بن عمر ابنة أبي عبيد «6» أخت المختار عشرة آلاف درهم وأصدق
~~محمد بن سيرين امرأته السدوسية عشرة آلاف درهم.
# PageV04P070
# قال أعرابي: [طويل]
# يقولون تزويج وأشهد أنه ... هو البيع إلا أن من شاء يكذب
### | أوقات عقد النكاح
# عن ضمرة بن حبيب أنه قال: كان أشياخنا يستحبون النكاح يوم الجمعة.
# وقال بعض العلماء: سمعت من يخبر عن اختيار الناس آخر النهار على أوله في
~~النكاح، قال: ذهبوا الى تأويل القرآن واتباع السنة في الفأل، لأن الله سمى
~~الليل في كتابه سكنا وجعل النهار نشورا؛ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
~~في الطيرة «1» : «أصدقها الفأل؛ فآثر الناس استقبال الليل لعقدة النكاح
~~تيمنا بما فيه من الهدوء والاجتماع، على صدر النهار لما فيه من التفرق
~~والانتشار.
# قال: وأما كراهية الناس للنكاح في شوال، فإن أهل الجاهلية كانوا يطيرون
~~منه ويقولون: إنه يشول بالمرأة «2» ، فعلقه الجهال منهم، وأبطله الله
~~بالنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه نكح عائشة رضي الله عنها في شوال.
### | خطب النكاح
# قال حدثني محمد بن داود قال حدثنا أبو غسان مالك بن عبد الواحد عن معتمر
~~عن خالد القسري «3» قال- وكان قد جمع الخطب فكان يستحسن هذه ويذكرها-:
# PageV04P071
# ذكرتم أمرا حسنا جميلا، وعد الله فيه الغنى والسعة، فلا خلف لموعود الله
~~ولا راد لقضاء الله؛ اذا أراد جماع أمر فلا فرقة له؛ واذا أراد فرقة أمر
~~فلا جماع له. عرضت كذا، فإذا قال: نعم، قال: قد نكحت.
# وخطب محمد بن الوليد بن عتبة الى عمر بن عبد العزيز أخته؛ فقال:
# الحمد لله ذي العزة والكبرياء، وصلى الله على محمد خاتم الأنبياء. أما
~~بعد، فقد حسن ظن من أودعك حرمته واختارك ولم يختره عليك؛ وقد زوجناك على ما
~~في كتاب الله: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان
# «1» .
# خطب بلال على أخيه امرأة من بني حسل من قريش؛ فقال: نحن من قد عرفتم، كنا
~~عبدين فأعتقنا الله، وأنا أخطب على أخي خالد فلانة، فإن تنكحوه فالحمد لله،
~~وإن تردوه فالله أكبر، فأقبل بعضهم على بعض فقالوا:
# هو بلال؛ وليس مثله يدفع، فزوجوا أخاه. فلما آنصرفا قال خالد لبلال: يغفر
~~الله لك! ألا ذكرت سوابقنا ومشاهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال
~~بلال: مه «2» ! صدقت فأنكحك الصدق.
# كان الحسن البصري يقول في خطبة النكاح بعد حمد الله والثناء عليه:
# أما بعد، فإن الله جمع بهذا النكاح الأرحام المنقطعة، والأسباب المتفرقة،
~~وجعل ذلك في سنة من دينه، ومنهاج واضح من أمره؛ وقد خطب إليكم فلان وعليه
~~من الله نعمة، وهو يبذل من الصداق كذا، فاستخيروا الله وردوا خيرا يرحمكم
~~الله.
# قال الأصمعي: كان رجالات قريش من العرب تستحب من الخاطب
# PageV04P072
# الإطالة ومن المخطوب إليه الإيجاز.
# وأتى رجل عمر بن عبد العزيز يخطب أخته، فتكلم بكلام جاز الحفظ؛ فقال عمر:
~~الحمد لله ذي الكبرياء وصلى الله على خاتم الأنبياء؛ أما بعد، فإن الرغبة
~~منك دعت إلينا، والرغبة فيك أجابت منا؛ وقد زوجناك على ما في كتاب الله:
~~إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
# العتبي قال: لما زوج شبيب «1» ابنه ابنة سوار القاضي «2» قلنا: اليوم يعب
~~عبابه، فلما اجتمعوا تكلم فقال: الحمد لله، وصلى الله على رسول الله. أما
~~بعد، فإن المعرفة منا ومنكم وبنا وبكم تمنعنا من الإكثار، وإن فلانا ذكر
~~فلانة.
# العتبي قال حدثني رجل قال: حضرت ابن الفقير يخطب على نفسه امرأة من باهلة
~~«3» فقال: [طويل]
# فما حسن أن يمدح المرء نفسه ... ولكن أخلاقا تذم وتمدح
# وإن فلانة ذكرت لي.
# قال: وحدثني أبو عثمان قال: مررت بحاضر «4» وقد اجتمع فيه، فسألت بعضهم:
~~ما جمعهم؟ فقالوا: هذا سيد الحي يريد أن يتزوج منا فتاة؛ فوقفت أنظر، فتكلم
~~الشيخ فقال: الحمد لله، وصلى الله على رسول الله، أما بعد ذلك، ففي غير
~~ملالة من ذكره والصلاة على رسوله؛ فإن الله جعل المناكحة
# PageV04P073
# التي رضيها فعلا وأنزلها وحيا سببا للمناسبة. وإن فلانا ذكر فلانة وبذل
~~لها الصداق كذا، وقد زوجته إياها، وأوصيته بوصية الله لها. ثم قال للفتيان
~~على رأسه: هاتوا نثاركم «1» ، فقلبت على رؤوسنا غرائر التمر.
# قال وقال شبة بن عقال: ما تمنيت أن لي بقليل من كلامي كثيرا من كلام غيري
~~إلا يوما واحدا، فإنا خرجنا مع صاحب لنا نريد أن نزوجه، فمررنا بأعرابي
~~فأتبعنا، فتكلم متكلم القوم فجاء بخطبة فيها ذكر السموات والأرض والجبال؛
~~فلما فرغ قلنا: من يجيبه؟ قال الأعرابي: أنا، فجثا لركبته ثم أقبل على
~~القوم فقال: والله ما أدري ما تحتاطك وتلصاقك «2» منذ اليوم! ثم قال:
# الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد خير المرسلين. أما بعد، فقد
~~توسلت بحرمة، وذكرت حقا، وعظمت عظيما، فحبلك موصول، وفرضك مقبول؛ وقد
~~زوجناها إياك، وسلمناها لك؛ هاتو خبيصكم «3» .
# قال ابن عائشة: زوج سلم بن قتيبة ابنته من يعقوب بن الفضل، فقال:
# الحمد لله، قد ملكت «4» باسم الله.
# حضر المأمون إملاكا وهو أمير، فسأله من حضر أن يخطب، فقال:
# المحمود الله، والمصطفى رسول الله، وخير ما عمل به كتاب الله؛ قال الله
~~تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم
# «5» . ولم يكن في المناحكة آية منزلة ولا سنة متبعة إلا ما جعل الله في
~~ذلك من تآلف
# PageV04P074
# البعيد وبر القريب، وليسارع اليها الموفق ويبادر اليها العاقل اللبيب.
~~وفلان من قد عرفتموه، في نسب لم تجهلوه؛ خطب إليكم فلانة فتاتكم، وقد بذل
~~لها من الصداق كذا، فشفعوا شافعنا، وأنكحوا خاطبنا، وقولوا خيرا تحمدوا
~~عليه وتؤجروا؛ أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
### | وصايا الأولياء للنساء عند الهداء
# «1»
# العتبي قال: حدثنا إبراهيم العامري: زوج عامر بن الظرب «2» ابنته من ابن
~~أخيه، فلما أراد تحويلها قال لأمها: مري ابنتك ألا تنزل مفازة «3» إلا
~~ومعها ماء فإنه للأعلى جلاء وللأسفل نقاء؛ ولا تكثر مضاجعته، فإنه إذا مل
~~البدن مل القلب؛ ولا تمنعه شهوته، فإن الحظوة في الموافقة. فلم تلبث إلا
~~شهرا حتى جاءته مشجوجة «4» ؛ فقال لابن أخيه: يا بني ارفع عصاك عن بكرتك،
~~فإن كانت نفرت من غير أن تنفر فذلك الداء الذي ليس له دواء، وإن لم يكن
~~بينكما وفاق، ففراق الخلع «5» أحسن من الطلاق؛ ولن تترك مالك وأهلك. فرد
~~عليه صداقه وخلعها؛ فهو أول من خلع من العرب.
# قال الفرافصة الكلبي لابنته «6» حين جهزها إلى عثمان رضي الله عنه: يا
# PageV04P075
# بنية إنك تقدمين على نساء قريش وهن أقدر على الطيب منك، فلا تغلبي على
~~خصلتين: الكحل والماء، تطهري حتى يكون ريحك ريح شن «1» أصابه المطر.
# كان الزبرقان بن بدر «2» إذا زوج ابنة له دنا من خدرها وقال: أتسمعين؟
# لا أعرفن ما طلبت، كوني له أمة يكن لك عبدا.
# أبو الحسن: قالت امرأة لابنتها عند هدائها: اقلعي زج رمحه، فإن أقر «3»
~~فاقلعي سنانه، فإن أقر فاكسري العظام بسيفه، فإن أقر فاقطعي اللحم على
~~ترسه، فإن أقر فضعي الإكاف «4» على ظهره فإنما هو حمار.
# قال أبو الأسود لابنته: إياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق، وعليك بالزينة،
~~وأزين الزينة الكحل؛ وعليك بالطيب، وأطيب الطيب إسباغ الوضوء «5» ؛ وكوني
~~كما قلت لأمك في بعض الأحايين: [طويل]
# خذي العفو مني تستديمي مودتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب «6»
# فإني وجدت الحب في الصدر والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب
### | باب سياسة النساء ومعاشرتهن
# عيسى بن يونس قال: حدثنا شيخ لنا قال: سمعت سمرة بن جندب «7»
# PageV04P076
# يقول على منبر البصرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما المرأة
~~خلقت من ضلع عوجاء فإن تحرص على إقامتها تكسرها فدارها تعش بها» .
# وقال بعض الشعراء: [طويل]
# هي الضلع العوجاء لست تقيمها ... ألا إن تقويم الضلوع «1» انكسارها
# أتجمع ضعفا واقتدارا على الفتى ... أليس عجيبا ضعفها واقتدارها
# عن الحسن قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: النساء عورة فاستروها
~~بالبيوت، وداووا ضعفهن بالسكوت.
# وفي حديث آخر لعمر: لا تسكنوا نساءكم الغرف، «2» ولا تعلموهن الكتاب،
~~واستعينوا عليهن بالعري «3» ، وأكثروا لهن من قول لا، فإن نعم تغريهن على
~~المسألة.
# قال الأصمعي: قيل لعقيل بن علفة وكان غيورا: من خلفت في أهلك؟
# فقال: الحافظين، العري والجوع. يعني أنه يجيعهن فلا يمزحن، ويعريهن فلا
~~يمرحن.
# وقال كثير: [طويل]
# وكنت اذا ما جئت أجللن مجلسي ... وأبدين مني هيبة لا تجهما
# يحاذرن مني غيرة قد علمنها ... قديما فما يضحكن إلا تبسما
# تراهن إلا أن يؤدين نظرة ... بمؤخر عين أو يقلبن معصما
# كواظم لا ينطقن إلا محورة ... رجعية قول بعد أن تتفهما «4»
# PageV04P077
# وكن اذا ما قلن شيئا يسره ... أسر الرضا في نفسه وتحرما «1»
# وقال ابن المقفع: إياك ومشاورة النساء، فإن رأيهن إلى أفن «2» ، وعزمهن
~~الى وهن «3» . واكفف عليهن من أبصارهن بحجابك إياهن، فإن شدة الحجاب، خير
~~لك من الارتياب. وليس خروجهن بأشد من دخول من لا تثق به عليهن، فإن استطعت
~~ألا يعرفن عليك فافعل. ولا تملكن امرأة من الأمر ما جاوز نفسها، فإن ذلك
~~أنعم لحالها وأرخى لبالها؛ وأدوم لجمالها، وإنما المرأة ريحانة وليست
~~بقهرمانة «4» ، فلا تعد بكرامتها نفسها، ولا تعطها أن تشفع عندك لغيرها.
~~ولا تطل الخلوة مع النساء فيمللنك وتملهن؛ واستبق من نفسك بقية، فإن إمساكك
~~عنهن وهن يردنك باقتدار، خير من أن يهجمن عليك على انكسار. وإياك والتغاير
~~في غير موضع غيرة، فإن ذلك يدعو الصحيحة منهن الى السقم.
# كان المأمون يقول: الغيرة بهيمية. وقال أيضا: هي ضرب من البخل.
# أنشدني محمد بن عمر للخزيمي: [السريع]
# ما أحسن الغيرة في حينها ... وأقبح الغيرة في غير حين
# من لم يزل متهما عرسه ... متبعا فيها لقول الظنون «5»
# يوشك أن يغريها بالذي ... يخاف أن يبرزها للعيون
# حسبك من تحصينها وضعها ... منك الى عرض صحيح ودين
# لا يطلعن منك على ريبة ... فيتبع المقرون حبل القرين
# PageV04P078
# وقال الشنفرى: «1» [وافر]
# إذا أصبحت بين جبال قو ... وبيضان القرى لم تحذريني «2»
# وإما أن تؤديني وترعى ... أمانتكم وإما أن تخوني
# إذا ما جئت ما أنهاك عنه ... ولم أنكر عليك فطلقيني
# فأنت البعل يومئذ فقومي ... بسوطك لا أبا لك فاضربني «3»
# أنشدني عبد الرحمن عن عمه للرخيم العبدي: [كامل]
# كنا ولا تعصي الحلية بعلها ... فاليوم تضربه إذا هو ما عصى
# ويقلن بعدا للشيوخ سفاهة ... والشيخ أجدر أن يهاب ويتقى
# وقال آخر [طويل]
# وإني لأخلي للفتاة خباءها ... كثيرا فترعى نفسها أو تضيعها «4»
# وإني لعف عن مطاعم جمة ... إذا زين الفحشاء للنفس جوعها
# قال جران العود: «5» [طويل]
# ولكن سمعن الشيخ قد قال قولة ... عليكم اذا ما ربنكم بالضرائر «6»
# PageV04P079
# ولا تأمنوا مكر النساء وأمسكوا ... عرى المال عن أبنائهن الأصاغر «1»
# فإنك لم ينذرك أمر تخافه ... إذا كنت منه جاهلا مثل خابر «2»
# الأصمعي عن جعفر بن سليمان قال:
# منعني علمي بالنساء كثيرا منهن، فقد غشيت ألف امرأة. وإن الله لو أحل
~~لرجل ابنته لم تنفعه أو تعزبه «3» .
# أبو الحسن قال: قيل للحجاج: أيمازح الأمير أهله؟ قال: ما تروني إلا
~~شيطانا! والله لربما قبلت أخمص «4» إحداهن.
# قيل لرجل من العرب كان يجمع الضرائر: كيف تقدر على مجمعهن؟
# قال: كان لنا شباب يصابرهن علينا، ثم كان لنا مال يصبرهن لنا، ثم بقي لنا
~~خلق حسن، فنحن نتعاشر به ونتعايش.
# عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «كل شيء يلهو به
~~الرجل باطل إلا تأديبه فرسه، ورميه عن قوسه، وملاعبته أهله» .
# ويقال: العيال سوس المال «5» .
# عوتب الكسائي «6» في ترك التزوج، فقال: وجدت مكابدة العزبة أيسر من
~~مكابدة العيال.
# عن عمارة بن حمزة قال: يخبز في بيتي كل يوم ألف رغيف، كلهم
# PageV04P080
# يأكله حلالا غيري. وكان يأكل رغيفا واحدا. ويقولون: فلان رب البيت، وإنما
~~هو كلب البيت.
# عن عيسى بن علي في مرض مرضه بمدينة السلام «1» للناس: إن في قصري الساعة
~~لألف محمومة «2» .
# عن مجاهد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دينار أعطيته
~~مسكينا ودينار أعطيته في رقبة ودينار أعطيته في سبيل الله ودينار أنفقته
~~على أهلك هو أعظم أجرا» .
### | محادثة النساء
# قال بشار: [خفيف]
# وحديث كأنه قطع الرو ... ض وفيه الصفراء والبيضاء
# وأنشد ابن الأعرابي: [كامل]
# وحديثها كالغيث يسمعه ... راعي سنين تتابعت جدبا «3»
# فأصاخ مستمعا لدرته ... ويقول من فرح هيا ربا «4»
# وقال القطامي: «5» [بسيط]
# وهن ينبذن من قول يصبن به ... مواقع الماء من ذي الغلة، الصادي «6»
# PageV04P081
# وقال الأخطل: [بسيط]
# وقد تكون بها سلمى تحدثني ... تساقط الحلي حاجاتي وأسراري
# شبه كلامها بعقد انقطع فتساقط لؤلؤة.
# وقال جران العود: [طويل]
# حديث لو ان اللحم يصلى بحره ... غريضا أتى أصحابه وهو منضج «1»
# وقال بشار وذكر امرأة: [وافر]
# كأن حديثها سكر الشراب «2» .
# وقال أعرابي: [طويل]
# ونازعتنا خفيا كأنه ... على المجتنى الريحان أمرع خاضله «3»
# بوحي لو ان العصم تسمع رجعه ... تقضض من أعلى أبان عواقله»
# وقال بشار: [مجزوء الكامل المرفل]
# PageV04P082
# وكأن تحت لسانها ... هاروت ينفث فيه سحرا «1»
# وكأن رجع حديثها ... قطع الرياض كسين زهرا
# وقال بعض الأعراب الحمقى: [طويل]
# حديثك أشهى حين آتيك طارقا ... من الماء والدواب يمتزجان «2»
# كأن على عينيك تسعين جلة ... كثيرا من البرني والصرفان «3»
# آخر: [طويل]
# كأن على فيها وما ذقت طعمه ... لبا نعجة سوطته بدقيق «4»
# رمتني بسهم نصله قروية ... وفوقاه سمن والنضي سويق «5»
# والحسن في هذا قول ذي الرمة: [طويل]
# ولما تلاقينا جرت من عيوننا ... دموع كففنا ماءها بالأصابع
# ونلنا سقاطا من حديث كأنه ... جنى النحل ممزوجا بماء الوقائع «6»
# وقال آخر [طويل]
# أنح فاختبز قرصا اذا اعترك الهوى ... بزيت لكي يكفيك فقد الحبائب
# PageV04P083
# اذا اجتمع الجوع المبرح والهوى ... نسيت وصال الغانيات الكواعب «1»
# فدع عنك تطلاب الغواني وحبها ... وراجع تمر مع لباء ورائب «2»
### | باب النظر
# قال المسيح عليه السلام: لا يزني فرجك ما غضضت بصرك.
# وقال رجل لأخيه: احتفظ من العين، فإنها أنم عليك من اللسان.
# وقال بشار: [متقارب]
# على النفس من عينها شاهد ... فكاتم حديثك أو نمه
# وقال الفرزدق: [وافر]
# فلا تدخل بيوت بني كليب ... ولا تقرب لهم أبدا رحالا «3»
# فإن بها لوامع مبرقات ... يكدن ينكن بالحدق الرجالا «4»
# نظر أشعب يوما إلى ابنه هو يديم النظر إلى امرأة، فقال: يا بني نظرك هذا
~~يحبل.
# وقال بعض الشعراء في هذا المعنى: [طويل]
# ولي نظرة لو كان يحبل ناظر ... بنظرته أنثى لقد حبلت مني
# PageV04P084
# وقال ذو الرمة- وذكر الظبية وخشفها «1» [طويل]
# وتهجره إلا اختلاسا بطرفها ... وكم من محب رهبة العين هاجر
# مرت أعرابية بقوم من بني نمير، فأداموا النظر إليها، فقالت: يا بني نمير،
~~والله ما أخذتم بواحدة من اثنتين: لا بقول الله قل للمؤمنين يغضوا من
~~أبصارهم
# «2» .
# ولا بقول جرير: [وافر]
# فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
# فاستحيا القوم من كلامها وأطرقوا.
# وقال الطائي: [من مخلع البسيط]
# مربب الحزن في القلوب ... وناصر العزم في الذنوب
# ما شئت من منطق أريب ... فيه ومن منظر عجيب «3»
# لما رأى رقبة الأعادي ... على معنى به كئيب «4»
# جرد من هواه طرفا ... صار رقيبا على الرقيب
# ويقال: رب طرف أفصح من لسان.
# وقال الشاعر: [كامل]
# ومراقبين يكتمان هواهما ... جعلا الصدور لما تجن قبورا «5»
# يتلاحظان تلاحظا فكأنما ... يتناسخان من الجفون سطورا
# وقال أعرابي: [بسيط]
# PageV04P085
# إن كاتمونا القلى نمت عيونهم ... والعين تظهر ما في القلب أو تصف «1»
# وقال آخر في مثله: [سريع]
# إذا قلوب أظهرت غير ما ... تضمره أنبتك عنه العيون
# وقال آخر: [هزج]
# أما تبصر في عين ... ي عنوان الذي أبدي
# وقالت أعرابية: [كامل]
# ومودع يوم الفراق بلحظه ... شرق من العبرات ما يتكلم «2»
# وقال أعرابي: [طويل]
# وما خاطبتها مقلتاي بنظرة ... فتفهم نجوانا العيون النواظر «3»
# ولكن جعلت الوهم بيني وبينها ... رسولا فأدى ما تجن الضمائر
# ونحوه قول أبي العتاهية: [طويل]
# أما والذي لو شاء لم يخلق النوى ... لئن غبت عن عيني لما غبت عن قلبي
# يوهمنيك الشوق حتى كأنني ... أناجيك عن قرب وما أنت في قربي
# وقال أحمد بن صالح بن أبي فنن: [طويل]
# دعا طرفه «4» طرفي فأقبل مسرعا ... فأثر في خديه فاقتص من قلبي
# شكوت اليه ما ألاقي من الهوى ... فقال على رغم فتنت فما ذنبي
# PageV04P086
# كان يقال: أربع لا يشبعن من أربع: عين من نظر، وأنثى من ذكر، وأرض من
~~مطر، وأذن من خبر.
# حدثني إسحاق بن أحمد بن أبي نهيك قال: رأيت رجلا في طريق مكة وعديله «1»
~~جارية في المحمل وقد شد عينيها وكشف الغطاء؛ فقلت له في ذلك؛ فقال: إنما
~~أخاف عليها عينيها لا عيون الناس.
# وكان عند بعض القرشيين امرأة عربية، ودخل عليها خصي لزوجها وهي واضعة
~~خمارها، فحلقت رأسها وقالت: ما كان ليصحبني شعر نظر اليه غير ذي محرم.
### | باب القيان والعيدان والغناء
# قال إسحاق بن إبراهيم: كان رجل «2» من آل جعفر بن أبي طالب، يهوى جارية
~~«3» ، فطال ذلك به، فقال للزبيري: قد شغلتني هذه عن ضيعتي وعن كل أمري،
~~فاذهب بنا حتى نكاشفها، فقد وجدت بعض السلو، فأتيناها؛ فلما أتيناها قال
~~لها الجعفري أتغنين: [وافر]
# وكنت أحبكم فسلوت عنكم ... عليكم في دياركم السلام
# فقالت: لا: ولكني أغني: [وافر]
# PageV04P087
# تحمل أهلها منها فبانوا ... على آثار من ذهب العفاء «1»
# فاستحيا وأطرق ساعة وازداد كلفا، ثم قال: أتغنين: [طويل]
# وأخنع للعتبى إذا كنت ظالما ... وإن ظلمت كنت الذي أتنصل «2»
# قالت: نعم، وأغني: [طويل]
# فإن تقبلوا بالود نقبل بمثله ... وإن تدبروا أدبر على حال باليا «3»
# فتقاطعا في بيتين، وتواصلا في بيتين، ولم يشعر بهما أحد.
# وقال أحمد بن صالح بن أبي فنن: [مخلع البسيط]
# أعددت للحرب شرب كأس ... وميل سمع إلى قيان
# تظل أوتارهن تحكي ... فصاحة منطق اللسان
# ما بين يمنى وبين يسرى ... وحي بنان إلى بنان
# ضمير قلب بقرع كف ... أبداه بمان ناطقان «4»
# وقال بعض الكتاب «5» وذكر العود: [بسيط]
# وناطق بلسان لا ضمير له ... كأنه فخذ نيطت إلى قدم
# يبدي ضمير سواه في الكلام كما ... يبدي ضمير سواه منطق لفم
# PageV04P088
# وقال آخر يذكر مغنية «1» : [طويل]
# ألم ترها لا يبعد الله دارها ... إذا رجعت في صوتها كيف تصنع «2»
# تمد نظام القول ثم ترده ... إلى صلصل في حلقها يترجع «3»
# وقال بعض المحدثين في القيان: [منسرح]
# اذا رأين القيان أحمق ذا ... مال يقلبن نحوه الحدقا
# وبالتغني وبالتدلل يس ... لبن فؤادا بحبه علقا
# حتى اذا ما سلخن جلدته ... سلخا رفيقا وبدد الورقا «4»
# قلن ادخلوا، ذا الطوير قد طرح الري ... ش، وشدوا من دونه الغلقا»
# فبتن يرعين في دراهمه ... وبات يرعى الهموم والأرقا
# ذكر عند القاسم بن محمد الغناء والسلو عنه، فقال لهم: أخبروني، إذا ميز
~~أهل الحق وأهل الباطل ففي أي الفريقين يكون الغناء؟ قالوا: في فريق الباطل؛
~~قال: فلا حاجة لي فيه.
# قدمت سكينة بنة الحسين مكة، فأتاها الغريض «6» ومعبد «7» فغنياها:
# [سريع]
# عوجي علينا ربة الهودج ... إنك إن لم تفعلي تحرجي «8»
# PageV04P089
# فقالت: والله ما لكما مثل: إلا الجديين الحار والبارد لا يدري أيهما
~~أطيب.
# قال بعضهم: ليس يخلو أحد في بيته ولا في سفره إلا وهو يشدو، فإن هو أساء
~~في ذلك ستر الله عليه، وإن هو أحسن فضحه الله.
# قال الهيثم: خرج شريح الى مكة فشيعه قوم، فانصرف بعضهم من النجف «1» بعد
~~السفرة، ومضى معه قوم، فلما أرادوا أن يودعوه، قال: أما أصحاب النجف فقد
~~قضينا حقهم بالطعام، وأما أنتم فأغنيكم، ورفع عقيرته «2» وغنى: [متقارب]
# إذا زينب زارها أهلها ... حشدت وأكرمت زوارها «3»
# وإن هي زارتهم زرتها ... وإن لم يكن لي هوى دارها
# عن علي بن هشام قال: كان عندنا بمرو قاص يقص فيبكينا، ثم يخرج بعذ ذلك
~~طنبرا صغيرا من كمه فيضرب به ويغني ويقول:
# «با إين تيمار بايد أندكي شادي» معناه: ينبغي مع هذا الغم قليل فرح.
# PageV04P090
# قدم ابن جامع «1» مكة بخير كثير؛ فقال ابن عيينة «2» : علام تعطيه الملوك
~~هذه الأموال ويحبونه هذا الحباء «3» ؟ قالوا: يغنيهم؛ قال: ما يقول؟ فاندفع
~~رجل يحكيه وقال: [متقارب]
# أطوف بالبيت فيمن يطوف ... وأرفع من مئزري المسبل «4»
# قال: أحسنت، هيه! فقال: [متقارب]
# وأسجد بالليل حتى الصبا ... ح أتلو من المحكم المنزل
# فقال: جزاه الله عن نفسه خيرا! هيه! فقال: [متقارب]
# عسى كاشف الكرب عن يوسف ... يسخر لي ربة المحمل
# فقال: آه! أمسك أمسك، قد علمت ما نحا الخبيث «5» ، اللهم لا تسخرها له!.
### | التقبيل
# عن ابن أسد قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا اختلى مع نسائه أقعى
~~«6» وقبل.
# قالت أم «7» البنين لعزة صاحبة كثير: أخبريني عن قول كثير: [طويل]
# قضى كل ذي دين فوفى غريمه ... وعزة ممطول معنى غريمها «8»
# PageV04P091
# أخبريني ما ذلك الدين؟ قالت: وعدته قبلة فخرجت «1» منها؛ قالت أم البنين:
~~أنجزيها وعلي إثمها.
# قال رجل لأعرابي: ما الزنا عندكم؟ قال: القبلة والضمة؛ قال: ليس هذا زنا
~~عندنا؛ قال: فما هو؟ قال: أن يجلس بين شعبها الأربع «2» ثم يجهد نفسه؛ فقال
~~الأعرابي: ليس هذا زنا، هذا طالب ولد.
# وقال آخر «3» : [كامل]
# فدخلت مختفيا أصر ببيتها ... حتى ولجت على خفي المولج «4»
# قالها وعيش أخي ونعمة والدي ... لأنبهن الحي إن لم تخرج
# فخرجت خيفة قولها فتبسمت ... فعلمت أن يمينها لم تحرج «5»
# فلثمت فاها قابضا بقرونها ... شرب النزيف ببرد ماء الحشرج «6»
# فتناولت رأسي لتعرف مسه ... بمخضب الأطراف غير مشنج «7»
# وقال بعض الشعراء: [طويل]
# وما نلت منها محرما غير أنني ... أقبل بساما من الثغر أبلجا «8»
# وألثم فاها تارة بعد تارة ... وأترك حاجات النفوس تحرجا
# PageV04P092
# وقال آخر: [طويل]
# لعمري إني ما صبوت وما صبت ... وإني اليها من صبا لحليم «1»
# سوى قبلة أستغفر الله ذنبها ... وأطعم مسكينا بها وأصوم
# وقال أبو نواس: [سريع]
# وعاشقين التف خداهما ... عند التثام الحجر الأسود
# فاشتفيا من غير أن يأثما ... كأنما كانا على موعد
# لولا دفاع الناس إياهما ... لما استفاقا آخر المسند «2»
# قال المتوكل، أو غيره من الخلفاء، لبختيشوع «3» : ما أخف النقل «4» على
~~النبيذ؟ فقالت له: نقل أبي نواس؛ فقال: ما هو؟ فأنشده: [منسرح]
# مالي في الناس كلهم مثل ... مائي خمر ونقلي القبل
# وقال بعض المحدثين: [بسيط]
# غضبت من قبلة بالكره جدت بها ... فهاك قد جئت فاقتصيه أضعافا
# لم يأمر الله إلا بالقصاص فلا ... تستجوري ما رآه الله إنصافا
### | الدخول بالنساء والجماع
# عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: ما تقول في متعة النساء؟ - قال: قد
~~أكثر الناس فيها حتى قال الشاعر: [بسيط]
# قد قلت للشيخ لما طال مجلسه ... يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس
# PageV04P093
# هل لك في رخصة الأطراف آنسة ... تكون مثواي حتى رجعة الناس «1»
# - قال: فنهاني عنها وكرها.
# الأصمعي: أن رجلا قعد من امرأة مقعد النكاح ثم قال: أبكر أنت أم ثيب؟
~~قالت: «أنت على المجرب» «2» .
# قال الحجاج لأكتل بن شماخ العكلي «3» : ما عندك للنساء؟ قال إني لأطيل
~~الظمأ وأورد فلا أشرب.
# وقيل لمدني: ما عندك في النكاح؟ قال: إن منعت غضبت، وإن تركت عجزت.
# قال الأحنف: إذا أردتم الحظوة عند النساء فأفحشوا في النكاح وحسنوا
~~الأخلاق.
# قال معاوية: ما رأيت منهوما بالنساء إلا رأيت ذلك في منته «4» قال آخر:
~~لذة المرأة على قدر شهوتها، وغيرتها على قدر محبتها.
# دعا عيسى بن موسى بجارية له، فلم يقدر على غشيانها، فقال:
# القلب يطمع والأسباب عاجزة ... والنفس تهلك بين العجز والطمع
# وقال مقاتل بن طلبة بن قيس بن عاصم: [طويل]
# رأيت سحيما فاقد الله بينها ... تنيك بأيديها وتعيا أيورها «5»
# PageV04P094
# وقال آخر: [طويل]
# ويبعث يوم الحشر أما لسانه ... فعي وأما أيره فخطيب
# وقال آخر: [متقارب]
# ويعجبني منك عند الجماع ... حياة اللسان وموت النظر
# المدائني قال أسرت عنزة «1» الحارث بن ظالم، فمرت به امرأة منهم فرأت
~~كمرة «2» سوداء، فقالت: احتفظوا بأسيركم فإنه ملك وخدن «3» ملك.
# قالوا: وكيف عرفت ذلك؟ قالت: رأيت حشفة سوداء من فروم النساء «4» .
# والفرم: ما تضيق المرأة به رحمها من رامك «5» أو عجم زبيب أو غيره.
# وكتب عبد الملك بن مروان الى الحجاج: يابن المستفرمة بعجم «6» الزبيب.
# قال الهيثم: كان امرؤ القيس مفركا «7» ، فبينما هو يوما مع امرأة قالت
~~له:
# قم يا خير الفتيان قد أصبحت؛ فلم يقم، فكررت عليه، فقام فوجد الليل
~~بحاله، فرجع اليها فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ قالت: حملني عليه أنك
~~ثقيل الصدر، خفيف العجز، سريع الإراقة «8» .
# قال أبو عبيدة «9» لجارية له: اصدقيني عما تكرهه النساء مني؛ قالت:
# PageV04P095
# يكرهن منك أنك اذا عرقت فحت بريح كلب؛ قال: صدقتيني. إن أهلي كانوا
~~أرضعوني بلبن كلبة.
# قال الأصمعي: غاضبت امرأة زوجها، فجال عليها يجامعها؛ فقالت:
# لعنك الله! كلما وقع بيني وبينك شر جئتني بشفيع لا أقدر على رده!.
# الهيثم عن ابن عياش قال: كتب عبيد الله بن زياد إلى أسماء بن خارجة والي
~~البصرة يخطب اليه هند بنت أسماء فزوجه؛ فلقيه عمرو بن حارثة ومحمد ابن
~~الأشعث بن قيس ومحمد بن عمير، فقالوا: خطب اليك وليس له عليك سلطان فزوجته
~~وقد عرفته! فقال: قد كان ما كان. فقال عقيبة الأسدي «1» :
# [وافر]
# جزاك الله يا أسماء خيرا ... كما أرضيت فيشلة الأمير
# بصدع قد يفوح المسك منه ... عظيم مثل كركرة البعير «2»
# لقد زوجتها حسناء بكرا ... تجيد الرهز من فوق السرير «3»
# فبلغ الخبر عبيد الله بن زياد، فلما استعمل على الكوفة تزوج عائشة بنت
~~محمد بن الأشعث، وزوج أخاه سلم بن زياد بنت عمرو بن الحارث بن حريث، وزوج
~~أخاه عبد الله بن زياد ابنة محمد بن عمير. قال ابن عياش:
# فاشتركوا والله في اللوم جميعا.
# PageV04P096
# قال ابن المبارك «1» : ألستم تعلمون أني قد أرميت «2» على المائة! وينبغي
~~لمن كان كذلك أن يكون في وهن الكرة وموت الشهوة وانقطاع ينبوع النطفة، وأن
~~قد يكون قد مال جبينه الى النساء وبفكره الى الغزل؛ قالوا: صدقت.
# قال: وينبغي أن يكون قد عود نفسه تركهن، وهذا والتخلي بهن دهرا أن تكون
~~العادة وتمرين الطبيعة وتوطين النفس قد حط من ثقل منازعة الشهوة ودواعي
~~الباه «3» ، وقد علمت أن العادة قد تستحكم ببعض عمن ترك ملابسة النساء؛
~~قالو: صدقت: وينبغي أن يكون لمن لم يذق طعم الخلوة بهن ولم يجالسهن متبذلات
~~ولم يسمع خلابتهن للقلوب واستمالتهن للأهواء، ولم يرهن متكشفات ولا عاريات
~~أن يكون اذا تقدم له ذلك مع طول الترك ألا يكون بقي معه من دواعيهن شيء؛
~~قالوا صدقت. قال: وينبغي لمن علم أنه مجبوب «4» وأن سببه إلى خلاطهن محسوم
~~أن يكون اليأس من أمتن أسبابه إلى الزهد والسلوة وإلى موت الخاطر؛ قالوا:
~~صدقت. قال: وينبغي لمن دعاه الزهد في الدنيا الى أن خصى نفسه ولم يكرهه على
~~ذلك أب ولا عدو ولا سباه ساب أن يكون مقدار ذلك الزهد يميت الذكر وينسي
~~العزم؛ قالوا: صدقت. قال: وينبغي لمن سخت «5» نفسه عن الشكر وعن الولد وعن
~~أن يكون مذكورا بالعاقب الصالح أن يكون قد نسي هذا الباب إن كان مرة منه
~~على ذكره، وأنتم تعلمون أني سملت «6» عيني يوم خصيت نفسي وقد نسيت كيفية
~~الصور؛ قالوا: صدقت.
# PageV04P097
# قال: أو ليس لو لم أكن هرما ولم يكن ها هنا اجتناب وكانت الآلة قائمة-
~~إلا أني لم أذق لحما منذ ثلاثين سنة ولم تمتلى عروقي من الشراب مخافة
~~الزيادة في الشهوة- لكان في ذلك ما يقطع الدواعي ويسكن حركة إن هاجت،
~~قالوا:
# صدقت. قال: فإن بعد ما وصفت لكم لا أسمع نغمة لامرأد إلا أظن أن عقلي قد
~~اختلس، ولربما تراءى فؤادي عن ضحك إحداهن حتى أظن أنه قد خرج من فمي، فكيف
~~ألوم عليهن غيري!.
# قال رجل لابن سيرين: اذا خلوت بأهلي أتكلم بكلام أستحي منه؛ قال: أفحشته
~~اللذة.
# إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال: كان شراعة بن الزندبوذ لا يأتي النساء
~~وكان يقال: إنه عنين «1» ؛ فقال: [بسيط]
# قالوا شراعة عنين فقلت لهم ... الله يعلم أني غير عنين
# فإن ظننتم بي الظن الذي زعموا ... فقربوني الى بيت ابن رامين
# وكان ابن رامين صاحب قيان «2» ، وكانت الزرقاء جاريته.
# قال إسحاق: أنشدني ابن كناسة: [طويل]
# لقد كان فيها للأمانة موضع ... وللسر كتمان وللعين منظر
# قلت: ما بقي شيء؛ قال: فأين الموافقة!.
# الهيثم قال: قال لي صالح بن حسان: من أفقه الناس؟ قلت: اختلف في ذلك؛
~~قال: أفقه الناس وضاح اليمن «3» حيث يقول: [طويل]
# PageV04P098
# اذا قلت هاتي نوليني تبسمت ... وقالت معاذ الله من فعل ما حرم
# فما ناولت حتى تضرعت عندها ... وأنبأتها ما رخص الله في اللمم «1»
# قال هشام بن عبد الملك للأبرش الكلبي «2» : زوجني امرأة من كلب، فزوجه؛
~~فقال له ذات يوم يهزل معه: وتزوجنا الى كلب فوجدنا في نسائهم سعة؛ فقال
~~الأبرش: يا أمير المؤمنين، إن نساء كلب خلقن لرجال كلب.
# قال: وسمع رجل من كندة رجلا يقول: وجدنا في نساء كندة سعة، قال الكندي:
~~إن نساء كندة مكاحل فقدت مراودها. «3» .
# تزوج أعرابي امرأة، فلما دخل بها عابثها فضرطت فخرجت غضبى إلى أهلها،
~~وقالت: لا أرجع حتى يفعل مثل ما فعلت، فقال لها: عودي لأفعل، فعادت ففعل؛
~~فبينما هو يداعبها اذ حبقت أخرى «4» ؛ فقال الأعرابي:
# [سريع]
# طالبتني دينا فلم أقضك ... والله حتى زدت في قرضك
# فلا تلوميني على مطلة ... إن كان ذا دأبك لم أقضك
# تزوج رجل أعرابية فعجز عنها؛ فقيل لها في ذلك، فقالت: نحن لنا صدوع في
~~صفا «5» ، ليس لعاجز فينا حظ.
# PageV04P099
# الهيثم عن ابن عياش قال: كانت صعبة «1» أم طلحة بن عبيد الله من بنات
~~فارس، تزوجها أبو سفيان بن حرب فلم تزل به هند حتى طلقها، فتزوج بها عبيد
~~الله؛ وتتبعتها نفس أبي سفيان فقال: [متقارب]
# وإنا وصعبة فيما ترى ... بعيدان والود ود قريب
# فإلا يكن نسب ثاقب ... فعند الفتاة جمال وطيب «2»
# لها عند سري بها نخرة ... يزول بها يذبل أو عسيب «3»
# فيا لقصي ألا فاعجبوا ... فللو برصار الغزال الربيب «4»
# جلس أعرابي الى أعرابية، وعلمت أنه إنما جلس لينظر ابنتها، فضربت بيدها
~~على جنبها وقالت: [طويل]
# ومالك منها غير أنك ناكح ... بعينيك عينيها فهل ذاك نافع
# وقال أيمن بن خريم [متقارب]
# لقيت من الغانيات العجابا ... لو ادرك مني العذارى الشبابا «5»
# ولكن جمع العذارى الحسان ... عناء شديد إذا المرء شابا
# يرضن بكل عصا رائض ... ويصبحن كل غداة صعابا «6»
# علام يكحلن حور العيون ... ويحدثن بعد الخضاب الخضابا «7»
# PageV04P100
# ويبرزن إلا لما تعلمون ... فلا تحرموا الغانيات الضرابا «1»
# اذا لم يخالطن كل الخلا ... ط أصبحن مخرنطمات غضابا «2»
# يميت العباب خلاط النساء ... ويحيي اجتناب الخلاط العتابا
# واعد العرجي امرأة من الطائف، فجاء على حمار ومعه غلام، وجاءت المرأة على
~~أتان ومعها جارية؛ فوثب العرجي على المرأة، والغلام على الجارية، والحمار
~~على الأتان؛ فقال العرجي: هذا يوم غاب عذاله.
### | باب القيادة
# عن ابن الأشوع: أنه سئل عن الواصلة «3» فقال: إنك لمنقر «4» ، قالت عائشة
~~رضي الله عنها: ليست الواصلة بالتي تعنون، وما بأس اذا كانت المرأة زعراء
~~«5» أن تصل شعرها، ولكن الواصلة أن تكون بغيا في شبيبتها، فإذا أسنت وصلته
~~بالقيادة «6» .
# قالوا: كانت ظلمة «7» التي يضرب بها المثل في القيادة صبية في الكتاب «8»
~~، فكانت تضرب دوي الصبيان وأقلامهم، فلما شبت زنت، فلما أسنت قادت، فلما
~~قعدت اشترت تيسا تنزيه «9» على العنز.
# PageV04P101
# وذكر المدائني: أن رجلا من السلطان كان لا يزال يأخذ قوادة فيحبسها ثم
~~يأتيه من يشفع فيها فيخرجها؛ فأمر صاحب شرطته فكتب في قصتها: فلانة القوادة
~~تجمع بين الرجال والنساء لا يتكلم فيها إلا زان؛ فكان إذا كلم فيها قال:
~~أخرجوا قصتها، فاذا قرئت قام الشفيع مستحييا.
# قال جران العود: [طويل]
# يبلغهن الحاج كل مكاتب ... طويل العصا أو مقعد يتزحف «1»
# ومكمونة رمداء لا يحذرونها ... مكاتبة ترمي الكلاب وتحذف «2»
# رأت ورقا بيضا فشدت حزيمها ... لها فهي أمضى من سليك وألطف «3»
# وقال الفرزدق: [وافر]
# يبلغهن وحي القول مني ... ويدخل رأسه تحت القرام «4»
# وقال حميد بن ثور: «5» [طويل]
# خليلي إني أشتكي ما أصابني ... لتستيقنا ما قد لقيت وتعلما
# فلا تفشيا سري ولا تخذلا أخا ... أبثكما منه الحديث المكتما
# وقولا اذا جاوزتما أرض عامر ... وجاوزتما الحيين نهدا وخثعما
# PageV04P102
# نزيعان من جرم بن ربان إنهم ... أبوا أن يريقوا في الهزاهز محجما «1»
# وخبا على نضوين مكتفليهما ... ولا تحملا إلا زنادا وأسهما «2»
# وزادا عريضا خففاه عليمكا ... ولا تبديا سرا ولا تحملا دما «3»
# وإن كان ليل فالويا نسبيكما ... وإن خفتما أن تعرفا فتلثما «4»
# وقولا خرجنا تاجرين فأبطأت ... ركاب تركناها بتثليت قوما «5»
# ولو قد أتانا بزنا ودقيقنا ... تمول منكم من رأيناه معدما «6»
# ومدا لهم في السوم حتى تمكنا ... ولا تستلجا صفق بيع فيلزما «7»
# فإن أنتما اطمأننتما ... وخليتما ما شئتما فتكلما
# وقولا لها ما تأمرين بصاحب ... لنا قد تركت القلب منه متيما
# أبيني لنا إنا رحلنا مطينا ... إليك وما نرجوك إلا توهما
# وقال المأمون لرسول بعث به: [طويل]
# بعثتك مرتادا ففزت بنظرة ... وأخلفتني حتى أسأت بك الظنا «8»
# وناجيت من أهوى وكنت مقربا ... فيا ليت شعري عن دنوك ما أغنى
# ورددت طرفا في محاسن وجهها ... ومتعت باستمتاع نغمتها أذنا
# PageV04P103
# أرى أثرا منها بعينيك لم يكن ... لقد سرقت عيناك من وجهها حسنا
# وقال بعض المحدثين [مجزوء الكامل المرفل]
# يا سوء منقلب الرسو ... ل مخبرا بخلاف ظني
# إني أعيذك أن تكو ... ن شغلتني وشغلت عني
# وقال زيد بن عمرو في أمته: [طويل]
# اذا طمثت قادت وإن طهرت زنت ... فهي أبدا يزنى بها وتقود «1»
### | باب الزنا والفسوق
# العتبي، قال: قيل لرجل في امرأته وكانت لا ترد يد لامس: علام تحبسها مع
~~ما تعرف منها؟ فقال: إنها جميلة فلا تفرك «2» ، وأم عيال فلا تترك.
# وقال بعض الأعراب: [طويل]
# ألما على دار لواسعة الحبل ... ألوف تسوي صالح القوم بالرذل «3»
# يبيت بها الحداث حتى كأنما ... يبيتون فيها من مدافع من نخل «4»
# ولو شهدت حجاج مكة كلهم ... لراحوا وكل القوم منها على وصل
# أنشد الفرزدق لسليمان بن عبد الملك القصيدة التي يقول فيها:
# [وافر]
# PageV04P104
# ثلاث واثنتان فهن خمس ... وسادسة تميل إلى شمام «1»
# فبتن بجانبي مصرعات ... وبت أفض أغلاق الختام
# كأن مفلق الرمان فيها ... وجمر غضى قعدن عليه حامي
# فقال سليمان: أحللت نفسك يا فرزدق: أقررت عندي بالزنا وأنا إمام، ولا بد
~~لي من إقامة الحد عليك؛ فقال: بم أوجبت ذلك علي يا أمير المؤمنين؟ فقال:
~~بكتاب الله: قال: فإن كتاب الله يدرأ عني «2» ، قال الله جل ثناؤه:
~~والشعراء يتبعهم الغاوون. ألم تر أنهم في كل واد يهيمون. وأنهم يقولون ما
~~لا يفعلون
# «3» ، فأنا قلت ما لم أفعل.
# قيل لأبي الطمحان القيني: خبرنا عن أدنى ذنوبك «4» ؛ قال: ليلة الدير؛
~~قالوا: وما ليلة الدير؟ قال: نزلت على ديرانية «5» ، فأكلت طفيشلا «6» لها
~~بلحم خنزير، وشربت من خمرها، وزنيت بها، وسرقت كساءها ومضيت.
# وقال عمر بن أبي ربيعة: [خفيف]
# يقصد الناس احتسابا ... وذنوبي مجموعة في الطواف
# وقال جرير في الفرزدق: [طويل]
# لقد ولدت أم الفرزدق فاجرا ... فجاءت بوزواز قصير القوائم «7»
# يوصل حبليه إذا جن ليله ... ليرقى إلى جاراته بالسلالم «8»
# PageV04P105
# وما كان جار للفرزدق مسلم ... ليأمن قردا ليله غير نائم «1»
# أتيت حدود الله إذ كنت يافعا ... وشبت فما ينهاك شيب اللهازم «2»
# تتبع في الماخور كل مريبة ... ولست بأهل المحصنات الكرائم «3»
# هو الرجس يا أهل المدينة فاحذروا ... مداخل رجس بالخبيثات عالم «4»
# لقد كان إخراج الفرزدق عنكم ... طهورا لما بين المصلى وواقم «5»
# تدليت تزني من ثمانين قامة ... وقصرت عن باع العلا والمكارم «6»
# وقال عمرو بن بحر: قرأ قارىء: قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق
# «7» إلى قوله تعالى: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب
# «8» ، قال إسماعيل بن غزوان: لا والله ما سمعت بأغزل من هذه الفاسقة.
~~وسمع مراودتها يوسف عنها فقال إسماعيل: أما والله بي تمرست «9» .
# بات أعرابي ضيفا لبعض الحضر، فرأى امرأة فهم أن يخالف «10» إليها في أول
~~الليل فمنعه الكلب، ثم أراد ذلك نصف الليل فمنعه ضوء القمر، ثم أراد ذلك في
~~السحر فإذا عجوز قائمة تصلي، فقال: [بسيط]
# PageV04P106
# لم يخلق الله شيئا كنت أكرهه ... غير العجوز وغير الكلب والقمر
# هذا نبوح وهذا يستضاء به ... وهذه شيخة قوامة السحر
# المنصور عن أبيه محمد بن علي، قال: حججت فرأيت امرأة من كلب شريفة قد حجت
~~فرآها عمر بن أبي ربيعة فجعل يكلمها ويتبعها كل يوم، فقالت لزوجها ذات يوم:
~~إني أحب أن أتوكأ عليك إذا رحت إلى المسجد، فراحت متوكئة على زوجها: فلما
~~أبصرها عمر ولى، فقالت: على رسلك «1» يا فتى!: [بسيط]
# تعدو الذئاب على من لا كلاب له ... وتتقي مربض المستأسد الحامي
# الرياشي قال: كان أبو ذؤيب يهوى امرأة من قومه، وكان رسوله إليها رجلا
~~يقال له: خالد بن زهير، فخانه فيها، فقال أبو ذؤيب «2» : [طويل]
# تريدين كيما تجمعيني وخالدا ... وهل يجمع السيفان ويحك في غمد
# أخالد ما راعيت مني قرابة ... فتحفظني بالغيب أو بعض ما تبدي
# وكان أبو ذؤيب خان فيها ابن عم له يقال له: مالك بن عويمر، فأجابه خالد:
~~[طويل]
# ولا تعجبن من سيرة أنت سرنها ... وأول راض سنة من يسيرها
# ألم تتنقذها من ابن عويمر ... وانت صفي نفسه ووزيرها «3»
# سألت امرأة زوجها الحج فإذن لها وبعث معها أخاه، فلما انصرفا عنه
# PageV04P107
# سأله عنها، فقال: [بسيط]
# وما عملت لها عيبا أخبره ... إلا اتهامي فيها صاحب الإبل
# كنا نهارا إذا ما السير جد بنا ... يغيران وما بالرحل من مثل «1»
# ويخلفون كثيرا في منازلنا ... فلا نزال نرى آثار مغتسل
# فالله أعلم ما كانت سرائرهم ... والله أعلم بالنيات والعمل
# قال رجل للفرزدق: متى عهدك يا أبا فراس بالزنا؟ فقال: مذ ماتت العجوز.
# رمي ببغداد في سوق يحيى قمطرة «2» فيها صبي وتحته مضربات «3» حرير، وعند
~~رأسه كيس فيه مائة دينار ورقعة فيها: هذا الشقي ابن الشقية، ابن السكباج
~~والقلية «4» ، ابن القدح والرطلية «5» ؛ رحم الله من اشترى له بهذا الذهب
~~جارية تربيه؛ وفي آخر الرقعة: هذا جزاء من عضل ابنته «6» .
# ذكر أعرابي رجلا ماجنا فقال: لو أبصرت فلانا العيدان لتحركت أوتارها، ولو
~~رأته مومسة لسقط خمارها.
# قال بعض الأعراب: [كامل]
# PageV04P108
# ماذا يظن بليلى إذا ألم بها ... مرجل الرأس ذو بردين مزاح «1»
# حلو فكاهته خز عمامته ... في كفه من رقى إبليس مفتاح «2»
# ذكر أعرابي رجلا ماجنا فقال: هو أكثر ذنوبا من الدهر، تفد إليه مواكب
~~الضلالة، ويرجع من عنده مدون الأيام.
# وذكر آخر قوما فقال: هم أقل الناس إلى أعدائهم، وأكثرهم تجرما «3» على
~~أصدقائهم، يصومون عن المعروف، ويفطرون على الفحشاء.
# قال الأصمعي: قلت لأمة ظريفة: هل في يديك عمل؟ قالت: لا! ولكن في رجلي
~~«4» .
# قالت جوار من القيان لأبي نواس: ليتنا يا أبا نواس بناتك! فقال أبو نواس
~~«5» :
# قال أبو المهند: [متقارب]
# وأفجر من راهب يدعي ... بأن النساء عليه حرام «6»
# يحرم بيضاء ممكورة ... ويغنيه في البضع عنها الغلام «7»
# إذا ما مشى غض من طرفه ... وفي الليل بالدير منه عرام «8»
# PageV04P109
# ودير العذارى فضوح له ... وعند اللصوص حديث الأنام
# هؤلاء لصوص نزلوا دير العذارى ليلا، فأخذوا القس فشدوه وثاقا، ثم أخذ كل
~~رجل منهم جارية، فوجدوهن مفتضات قد افتضهن القس كلهن.
# قال سهل بن هارون: [وافر]
# إذا نزل المخنث في رباع ... تحرك كل ذي خنث إليه «1»
# وصارت دونهم مأوى الخبايا ... وصار الربع مدلولا عليه
# وقال آخر: [طويل]
# أقول لها لما أتتني تدلني ... على امرأة موصوفة بجمال
# أصبت لها والله زوجا كما اشتهت ... إن اغتفرت فيه ثلاث خصال
# فمنهن فسق لا ينادى وليده ... ورقة إسلام وقلة مال «2»
# قال الأصمعي: دخلت على ابن روح بن حاتم المهلبي وحضر الإذن وهو عاكف على
~~غلام، فقلت: له عمدت إلى الموضع الذي كان أبوك يضرب فيه الأعناق ويعطي فيه
~~اللهى «3» ، تركب فيه ما تركب! فقال: [وافر]
# ورثنا المجد عن آباء صدق ... أسأنا في ديارهم الصنيعا
# إذا الحسب الرفيع تواكلته ... بنات السوء يوشك أن يضيعا
### | باب مساوىء النساء
# عن وهب بن منبه قال: عاقب الله المرأة بعشر خصال: شدة النفاس،
# PageV04P110
# وبالحيض، وبالنجاسة في بطنها وفرجها، وجعل ميراث امرأتين ميراث رجل واحد،
~~وشهادة امرأتين كشهادة رجل، وجعلها ناقصة العقل والدين لا تصلي أيام حيضها،
~~ولا يسلم على النساء، وليس عليهن جمعة ولا جماعة، ولا يكون منهن نبي، ولا
~~تسافر إلا بولي.
# وكان يقال: ما نهيت امرأة قط عن شيء إلا أتته. وقال طفيل «1» في هذا
~~المعنى: [بسيط]
# إن النساء كأشجار نبتن معا ... منها المرار وبعض المر مأكول «2»
# إن النساء متى ينهين عن خلق ... فإنه واقع لا بد مفعول
# عن رجاء بن حيوة قال: قال معاذ: إنكم ابتليتم بفتنة الضراء فصبرتم، وإني
~~أخاف عليكم فتنة السراء، وإن من أشد من ذلكم عندي النشاء، إذا تحلين الذهب
~~ولبسن ريط «3» الشام وعصب «4» اليمن، فاتعبن الغني، وكلفن الفقير ما لا
~~يجد.
# قال بعض الشعراء: [طويل]
# تمتع بها ما ساعفتك ولا تكن ... عليك شجا يؤذيك حين تبين «5»
# وإن هي أعطتك الليان فإنها ... لغيرك من خلانها ستلين
# وإن حلفت لا ينقض النأي عهدها ... فليس لمخضوب البنان يمين «6»
# PageV04P111
# أبو علي الأموي قال: كانت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، عند عبد الله
~~بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكانت قد غلبته في كثير من أمره؛ فقال له
~~أبوه: طلقها، فطلقها وأنشأ يقول [طويل]
# لها خلق سهل وحسن ومنصب ... وخلق سوي ما يعاب ومنطق
# فرمي يوم الطائف بسهم؛ فلما مات قالت ترثيه: [طويل]
# وآليت لا تنفك عيني سخينة ... عليك ولا ينفك جلدي أغبرا
# فلله عين ما رأت مثله فتى ... أعز وأحمى في الهياج وأصبرا
# إذا شرعت فيه الأسنة خاضها ... إلى الموت حتى يترك الرمح أحمرا
# ثم خطبها عمر بن الخطاب، فلما أولم قال عبد الرحمن بن أبي بكر:
# يا أمير المؤمنين، أتأذن لي أن أدخل رأسي على عاتكة؟ قال: نعم، يا عاتكة
~~استتري؛ فأدخل رأسه فقال: [طويل]
# وآليت لا تنفك عيني قريرة ... عليك ولا ينفك جلدي أصفرا «1»
# فنشجت نشجا عاليا «2» ؛ فقال عمر: ما أردت إلى هذا! كل النساء يفعلن هذا!
~~غفر الله لك. ثم تزوجها الزبير بعد عمر وقد خلا من سنها «3» ، فكانت تخرج
~~بالليل إلى المسجد ولها عجيزة ضخمة «4» ؛ فقال لها الزبير: لا تخرجي؛
~~فقالت: لا أزال أخرج أو تمنعني، وكان يكره أن يمنعها، لقول النبي صلى الله
~~عليه وسلم: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله؛ فقعد لها الزبير متنكرا في
~~ظلمة الليل، فلما
# PageV04P112
# مرت به قرص عجيزتها؛ فكانت لا تخرج بعد ذلك؛ فقال لها: مالك لا تخرجين؟
~~فقالت: كنت أخرج والناس ناس، وقد فسد الناس فبيتي أوسع لي.
# قال المدائيي: احتضر رجل من العرب وله ابن يدب بين يديه؛ وأم الصبي جالسة
~~عند رأسه؛ واسم الصبي معمر فقال: [طويل]
# وإني لأخشى أن أموت فتنكحي ... ويقذف في أيدي المراضع معمر
# وترخى ستور دونه وقلائد ... ويشغلكم عنه خلوق ومجمر «1»
# فما لبث أن مات، ثم تزوجت ثم صار معمر إلى ما ذكر.
# عن الحسن: أن شابين كانا متآخيين على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه،
~~فأغزى «2» أحدهما، فأوصى أخاه بأهله؛ فانطلق في ليلة ذات ريح وظلمة إلى أهل
~~أخيه يتعهدهم، فإذا سراج في البيت يزهر «3» ، وإذا يهودي في البيت مع أهله
~~وهو يقول: [وافر]
# وأشعث غره الإسلام مني ... خلوت بعرسه ليل التمام «4»
# أبيت على ترائبها ويضحي ... على جرداء لاحقة الحزام «5»
# كأن مجامع الربلات منها ... فئام ينهضون إلى فئام «6»
# PageV04P113
# فرجع الشاب إلى أهله، فاشتمل «1» السيف حتى دخل على أهل أخيه فقتله، ثم
~~جره وألقاه في الطريق؛ فأصبح اليهود وصاحبهم قتيل لا يدرون من قتله، فأتوا
~~عمر بن الخطاب فدخلوا عليه وذكروا ذلك له، فنادى عمر في الناس: الصلاة
~~جامعة، فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أنشد الله
~~رجلا علم من هذا القتيل علما إلا أخبرني به؛ فقام الشاب فأنشده الشعر
~~وأخبره خبره؛ فقال عمر: لا يقطع الله يدك، وهدر دمه.
# كان ابن عباس يقول: مثل المرأة السوء: كان قبلكم رجل صالح له امرأة سوء،
~~فعرض له رجل فقال: إني رسول الله إليك بأنه جعل لك ثلاث دعوات، فسل ما شئت
~~من دنيا أو آخرة ثم نهض، فرجع الرجل إلى منزله؛ فقالت له امرأته: ما لي
~~أراك مفكرا محزونا؟ فأخبرها؛ فقالت: ألست امرأتك وفي صحبتك وبناتك مني!
~~فاجعل لي دعوة، فأبى. فأقبل عليه ولده وقلن:
# أمنا، فلم يزلن به حتى قال: لك دعوة؛ فقالت: اللهم اجعلني أحسن الناس
~~وجها فصارت كذلك، وجعلت توطىء فراشها وهو يعظها فلا تتعظ، فغضب يوما فقال:
~~اللهم اجعلها خنزيرة، فتحولت كذلك؛ فلما رأين بناته ما نزل بأمهن بكين
~~وضربن وجوههن ونتفن شعورهن، فرق لهن قلبه فقال: اللهم أعدها كما كانت أولا؛
~~فذهبت دعواته الثلاث فيها.
# قال عبد الله بن عكرمة: دخلت على عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي
~~أعوده، فقلت: كيف تجدك؟ فقال: أجدني والله بالموت، وما موتي بأشد علي من
~~تمتع أم هشام، أخاف أن تتزوج- يعني امرأته- فحلفت له وآلت ألا تتزوج بعده،
~~فغشي وجهه نور، ثم قال: شأن الموت أن ينزل
# PageV04P114
# متى شاء، ثم مات، فتزوجت بعمر بن عبد العزيز؛ فقلت:
# فإن لقيت خيرا فلا يهنئنها ... وإن تعست فلليدين وللفم «1»
# فبلغها، فكتبت إلي: قد بلغني بيتك الذي تمثلت به، وما مثلي ومثل أخيك إلا
~~كما قال الشاعر: [طويل]
# وهل كنت إلا والها ذات ترحة ... قضت نحبها بعد الحنين المرجع «2»
# متى تسل عنه تدكر بعد طية ... من الأرض أو تقنع بإلف فتربع «3»
# فدع عنك من قد وارت الأرض شخصه ... وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع
# فبلغ ذلك مني كل غيظ، واحتسبت حسابها، وإذا هي قد أعجلت عدتها، وقد بقي
~~عليها أربعة أيام، فدخلت على عمر فأخبرته بذلك، فنقض النكاح وعزل عن
~~المدينة.
# كان صخر بن الشريد أخو الخنساء خرج في غزوة فقاتل فيها قتالا شديدا،
~~فأصابه جرح رغيب «4» ، فمرض فطال به مرضه وعاده قومه، فقال عائد من عواده
~~يوما لامرأته سلمى «5» : كيف أصبح صخر اليوم؟ قالت: لا حيا فيرجى ولا ميتا
~~فينسى، فسمع صخر كلامها فشق عليه، وقال لها: أنت القائلة كذا وكذا؟ قالت:
~~نعم غير معتذرة إليك. ثم قال عائد آخر. لأمه: كيف أصبح صخر اليوم؟ فقالت:
~~أصبح بحمد الله صالحا ولا يزال بحمد الله بخير
# PageV04P115
# ما رأيناه سواده «1» بيننا. فقال صخر: [طويل]
# أرى أم صخر ما تمل عيادتي ... وملت سليمى مضجعي ومكاني
# وما كنت أخشى أن أكون جنازة ... عليك ومن يغتر بالحدثان «2»
# فأي امرىء ساوى بأم حليلة ... فلا عاش إلا في أذى وهوان
# أهم بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العير والنزوان «3»
# لعمري لقد أنبهت من كان نائما ... وأسمعت من كانت له أذنان
# فلما أفاق عمد إلى سلمى فعلقها بعمود الفسطاط حتى فاضت نفسها «4» ، ثم
~~نكس «5» من طعنته فمات.
# وقرأت في سير العجم أن أردشير سار إلى الحضر «6» ، وكان ملك السواد
~~متحصنا فيها، وكان من أعظم ملوك الطوائف «7» ، فحاصره فيها زمانا لا يجد
~~إليه سبيلا، حتى رقيت ابنة ملك السواد يوما، فرأت أردشير فعشقته فنزلت
~~وأخذت نشابة وكتبت عليها: إن أنت شرطت لي أن تتزوجني دللتك على موضع تفتتح
~~منه هذه المدينة بأيسر حيلة وأخف مؤونة، ثم رمت بالنشابة نحو أردشير؛ فكتب
~~الجواب في نشابة: لك الوفاء بما سألت، ثم ألقاها إليها؛ فكتبت إليه تدله
~~على الموضع؛ فأرسل إليه أردشير فافتتحه ودخل هو وجنوده،
# PageV04P116
# وأهل المدينة غارون «1» فقتلوا ملكها وأكثر مقاتلتها وتزوجها؛ فبينما هي
~~ذات ليلة على فراشه أنكرت مكانها حتى سهرت لذلك عامة ليلتها، فنظروا في
~~الفراش فوجدوا تحت المحبس»
# ورقة من ورق الآس قد أثرت في جلدها، فسألها أردشير عند ذلك عما كان أبوها
~~يغذوها به؛ فقالت: كان أكثر غذائي الشهد والزبد والمخ؛ فقال أردشير: ما أحد
~~ببالغ لك في الحباء والإكرام مبلغ أبيك، ولئن كان جزاؤه عندك على جهد
~~إحسانه مع لطف قرابته وعظم حقه جهد إساءتك، ما أنا بآمن لمثله منك؛ ثم أمر
~~بأن تعقد قرونها بذنب فرس شديد المراح «3» جموح ثم يجرى؛ ففعل ذلك حتى
~~تساقطت عضوا عضوا.
# العتبي: سمعت أبي يحدث عن ناس من أهل الشام: أن أخوين كان لأحدهما زوجة،
~~وكان يغيب ويخلفه الآخر في أهله، فهويته امرأة الغائب، فأرادته على نفسها
~~فامتنع؛ فلما قدم أخوه سألها عن حالها، فقالت: ما حال امرأة تراود في كل
~~حين! فقال: أخي وابن أمي! وإني لا أفضحه! ولكن لله علي ألا أكلمه أبدا؛ ثم
~~حج وحج أخوه والمرأة؛ فلما كانوا بوادي الدوم «4» هلك الأخ ودفنوه وقضوا
~~حجهم ورجعوا؛ فمروا بذلك الوادي ليلا، فسمعوا هاتفا يقول: [طويل]
# أجدك تمضي الدوم ليلا ولا ترى ... عليك لأهل الدوم أن تتكلما «5»
# وبالدوم ثاو لو ثويت مكانه ... ومر بوادي الدوم حيا لسلما
# PageV04P117
# فظنت المرأة أن النداء من السماء، فقالت لزوجها: هذا مقام العائذ، كان من
~~أخيك ومني كيت وكيت؛ فقال: والله لو حل قتلك لوجدتني سريعا، ففارقها وضرب
~~خيمة على قبر أخيه، وقال: [طويل]
# هجرتك في طول الحياة وأبتغي ... كلامك لما صرت رمسا وأعظما «1»
# ذكرت ذنوبا فيك كنت اجترمتها ... أنا منك فيها كنت أسوا وأظلما «2»
# ولم يزل مقيما حتى مات ودفن بجنب أخيه، فالقبران معروفان.
# وقال الأخطل: [كامل]
# المهديات لمن هوين مسبة ... والمحسنات لمن قلين مقالا «3»
# يرعين عهدك ما رأينك شاهدا ... وإذا مذلت يكن عنك مذالا «4»
# وإذا وعدنك نائلا أخلفنه ... ووجدت دون عداتهن مطالا «5»
# وإذا دعونك عمهن فإنه ... نسب يزيدك عندهن خبالا «6»
# عن يحيى بن طفيل الجشمي قال: كان عند رجل من قريش امرأة يحبها، فسافر
~~عنها، فقالت له: أشيعك، فشيعته ثلاث مراحل؛ فلما مضى قالت لخادمها: ناولني
~~بعرة وروثة وحصاة، فناولها. فألقت الروثة وقالت:
# راث خبرك «7» ، وألقت البعرة وقالت: وعر سفرك، وألقت الحصاة وقالت:
# حص أثرك «8» ؛ فسمعها رجل على الماء فلحقه، فقال له: ما هذه منك؟ قال:
# PageV04P118
# امرأتي وأعز الناس إلي؛ فأخبره بالخبر، فقام على الماء، فلما أمسى أقبل
~~نحو منزله فوجد معها رجلا، فقتلهما جميعا.
### | باب الولادة والولد
# خاصمت أم عوف- امرأة أبي الأسود الدؤلي- أبا الأسود إلى زياد في ولدها
~~منه: قال أبو الأسود: أنا أحق بالولد منها، حملته قبل أن تحمله، ووضعته قبل
~~أن تضعه. فقالت أم عوف: وضعته شهوة ووضعته كرها، وحملته خفا وحملته ثقلا؛
~~فقال زياد: صدقت، أنت أحق به، فدفعه إليها.
# أنشدنا الرياشي: [خفيف]
# غلبت أمه أباه عليه ... فهو كالكابلي أشبه خاله «1»
# وقال آخر: [رجز]
# والله ما أشبهني عصام ... لا خلق منه ولا قوام
# نمت وعرق الخال لا ينام
# وقال بعض بني أسد- والقيافة «2» فيهم-: لا يخطىء الرجل من أبيه خلة من
~~ثلاث: رأسه، أو صوته، أو مشيته.
# قيل لرجل: ما أشبه ولدك بك!. قال: من ترك وأهله أشبهه ولده.
# قال رجل للجمان: ولدت امرأتي لستة أشهر؛ فقال الجمان: كان أبوها ضاربا.
# PageV04P119
# عيرت نوار- امرأة الفرزدق- الفرزدق بأنه لا ولد له؛ فقال الفرزدق: [طويل]
# وقالت أراه واحدا لا أخا له ... يورثه في الوارثين الأباعد
# لعلك يوما أن تريني كأنما ... بني حوالي الأسود الحوارد «1»
# فإن تميما قبل أن يلد الحصى ... أقام زمانا وهو في الناس واحد «2»
# فولد بعد ذلك ولده: سبطة ولبطة وحبطة وغيرهم.
# بلغني عن الزيادي قال: كنت مئناثا «3» ، فقيل لي: استغفر إذا جامعت، فولد
~~لي بضعة عشر ذكرا.
# عن ابن عباس قال: مر عيسى عليه السلام على بقرة قد اعترض ولدها في بطنها؛
~~فقالت: يا كلمة الله، ادع الله أن يخلصني؛ فقال: يا خالق النفس من النفس
~~ويا مخرج النفس من النفس خلصها؛ فألقت ما في بطنها. فإذا عسر على المرأة
~~ولادتها فليكتب لها: باسم الله، لا إله إلا هو الكريم، سبحان الله رب العرش
~~العظيم، والحمد لله رب العالمين، كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو
~~ضحاها
# «4» ، كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار
# «5» الآية.
### | باب الطلاق
# قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أبغض الحلال إلى لله الطلاق» .
# PageV04P120
# الأصمعي قال: كان بالمدينة قاض، يقال له: فلان «1» بن المطلب بن حنطب
~~المخزومي قد أدركته (وأم المطلب: أخت مروان بن الحكم) ، خاصمت إليه امرأة
~~زوجها، وكانت قالت: أجعتني وأسأت إلي، والله ما تستطيع فئران بيتك أن يمشين
~~من الجهد وما يقمن إلا على الوطن! «2» فقال:
# أنت طالق إن كن ما يقمن إلا على الوطن، فخبرته بما قالت وقال؛ فقال ابن
~~المطلب يطلب له المعاذير: وربك إن الإبل لتكون بالمكان الجديب الخسيس
~~المرعى فتقيم به لحب الوطن؛ فقال الزوج حين رآه يحتال لئلا يفرق بينهما:
# كأنما أشكلت عليك، هي طالق عشرين.
# طلق رجل امرأة عدد نجوم السماء؛ فقال ابن عباس: يكفيه من ذلك هقعة «3»
~~الجوزاء.
# وطلق رجل من الأعراب امرأة، وكان له منها ابن يقال له حماد، وندم فقال:
~~[بسيط]
# فديت بالأم حمادا وقلت له ... أنت ابن ذلفاء مني فادن يا ولدي «4»
# لا يقربن ثلاثا منكم أحد ... إني وجدت ثلاثا أشأم العدد «5»
# PageV04P121
# وقال علي بن منظور (1) : [مجزوء الكامل المرفل]
# ما للطلاق فقدته ... وفقدت عاقبة الطلاق «1»
# طلقت خير خليلة ... تحت السموات الطباق «2»
# كان الأصمعي طلق امرأة ثم تبعتها نفسه؛ فكتب إليها: [سريع]
# وهل رأيتم بعدنا مثلنا ... فما رأينا بعدكم مثلكم
# نصيب من يعجبنا خلوة ... منه ولا نجمع ما عندكم
# قد اتخذنا بعدكم مبدعا ... لصونكم وليس من شكلكم
# إن شئتم لم نتخذه وكا ... ن الصون والبذل جميعا لكم
# وقال أعرابي لامرأته: [وافر]
# تمنين الطلاق وأنت مني ... بعيش مثل مشرقة الشمال «3»
# وطلق أعرابي امرأته وقال: [مجزوء الكامل المرفل]
# رحلت أميمة بالطلاق ... وعتقت من رق الوثاق «4»
# بانت فلم يألم لها ... قلبي ولم تبك المآقي
# لو لم أرح بطلاقها ... لأرحت نفسي بالإباق «5»
# ودواء ما لا تشتهي ... ه النفس تعجيل الفراق
# والعيش ليس بطيب بي ... ن اثنين في غير اتفاق
# كانت لمحمد بن كناس امرأة يبغضها، فمر بمصلوب فقال: [طويل]
# PageV04P122
# أيا جذع مصلوب أتى دون صلبه ... ثلاثون حولا كاملا هل تبادل
# وما أنت بالحمل الذي قد حملته ... بأضجر مني بالذي أنا حامل
# وقال آخر «1» : [منسرح]
# بت بخسف في شر منزلة ... لا أنا في لذة ولا فرسي «2»
# هذا على الخسف لا قضيم له ... وأنا ذا لا يسوغ لي نفسي «3»
# تجهزي للطلاق وارتحلي ... ذاك دواء الجوامح الشمس»
# لليلتي حين بنت طالقة ... ألذ عندي من ليلة العرس «5»
# عن عيسى بن عمر قال: شكا الفرزدق امرأته، فقال له شيخ من بني مضر كان أسن
~~منه: أفلا تكسعها «6» بالمحرجات! (يعني الطلاق) ؛ فقال:
# قاتلك الله! ما أعلمك من شيخ!.
# قال خالد بن صفوان: ما بت ليلة أحب إلي من ليلة طلقت فيها نسائي، فأرجع
~~والستور قد هتكت، ومتاع البيت قد نقل، فتبعث إلي إحداهن بسليلة «7» مع بنتي
~~فيها طعامي، وتبعث لي الأخرى بفراش أنام عليه.
# قيل لامرأة كانت تطلق كثيرا: ما بالك تطلقين؟ قالت: يريدون التضييق
~~علينا، ضيق الله عليهم!.
# PageV04P123
# طلق رجل امرأته؛ فقيل له: ما صنعت؟ قال: طلقتها والأرض من ورائها. أي لا
~~أقرب ناحية هي بها.
# وقال أعرابي لامرأته: [متقارب]
# أنوهت باسمي في العالمين ... وأفنيت عمري عاما فعاما «1»
# فأنت الطلاق وأنت الطلاق ... وأنت الطلاق ثلاثا تماما
# الأصمعي قال: أتى رجل أبا حازم فقال: إن الشيطان قد أولع بي يوسوس لي
~~ويحدثني أني قد طلقت امرأتي؛ فقال له: وأنا أحدثك أنك قد طلقتها، أو ما
~~فعلت؟ فقال: سبحان الله يا أبا حازم! أفتكذبني وتصدق الشيطان!.
# وقال أعرابي وقد طلق امرأته: [طويل]
# وما أنا إذا فارقت أسماء طائعا ... بخير من السكران رأيا ولا عقلا
# وما زال صرف الدهر حتى رأيتني ... أبيت بها ضيفا كأن لم أكن بعلا
# وقال آخر «2» : [طويل]
# لئن كان يهدي برد أنيابها العلا ... لأفقر مني إنني لفقير
# لقد كثر الأخبار أن قد تزوجت ... فهل يأتيني بالطلاق بشير
### | باب العشاق سوى عشاق الشعراء
# محمد بن قيس الأسدي قال: وجهني عامل المدينة إلى يزيد بن عبد
# PageV04P124
# الملك وهو خليفة فخرجت، فلما قربت المدينة بليلتين أو ثلاث وإذا أنا
~~بامرأة قاعدة على قارعة الطريق، وإذا رجل رأسه في حجرها كلما سقط رأسه
~~أسندته، فسلمت فردت ولم يرد الشاب؛ ثم تأملتني فقالت: يا فتى، هل لك في أجر
~~لا مرزئة فيه؟ قلت: سبحان الله! وما أحب الأجر إلي وإن رزئت فيه!. فقالت:
~~هذا ابني، وكان إلفا لابنة عم له تربيا جميعا، ثم حجبت عنه، فكان يأتي
~~الموضع والخباء، ثم خطبها إلى أبيها فأبى عليه أو يزوجها؛ ونحن نرى عيبا أن
~~تزوج المرأة من رجل كان بها مغرما، وقد خطبها ابن عم لها وقد زوجت منذ
~~ثلاث، فهو على ما ترى لا يأكل ولا يشرب ولا يعقل، فلو نزلت إليه فوعظته!
~~فنزلت إليه فوعظته؛ فأقبل علي وقال: [وافر]
# ألا ما للحبيبة لا تعود ... أبخل بالحبية أم صدود «1»
# مرضت فعادني قومي جميعا ... فما لك لم تري فيمن يعود
# فقدت حبيبتي فبليت وجدا ... وفقد الإلف يا سكني شديد
# وما استبطأت غيرك فاعلميه ... وحولي من بني عمي عديد
# فلو كنت السقيمة جئت أسعى ... إليك ولم ينهنهني الوعيد «2»
# قال: ثم سكن عند آخر كلمته؛ فقالت العجوز: فاضت والله نفسه ثلاثا! فدخلني
~~أمر لا يعلمه إلا الله، فاغتممت وخفت موته لكلامي. فلما رأت العجوز ما بي
~~قالت: هون عليك! مات بأجله واستراح مما كان فيه، وقدم على رب كريم؛ فهل لك
~~في استكمال الأجر؟ هذه أبياتي منك غير بعيدة، تأتيهم فتنهاه إليهم وتسألهم
~~حضورهم؛ فركبت فأتيت أبياتا منها على
# PageV04P125
# قدر ميل، فنعيته إليهم وقد حفظت الشعر، فجعل الرجل يسترجع «1» . فبينما
~~أنا أدور إذا امرأة قد خرجت من خبائها تجر رداءها ناشرة شعرها، فقالت: أيها
~~الناعي، بفيك الكثكث «2» ، بفيك الحجر! من تنعى؟ قلت: فلان بن فلان.
# فقالت: بالذي أرسل محمدا واصطفاه، هل مات؟ قلت: نعم؛ قالت: فماذا الذي
~~قال قبل موته؟ فأنشدتها الشعر، فو الله ما تنهنهت «3» أن قالت: [وافر]
# عداني أن أزورك يا حبيبي ... معاشر كلهم واش حسود «4»
# أشاعوا ما سمعت من الدواهي ... وعابونا وما فيهم رشيد «5»
# وأما (5) إذ ثويت اليوم لحدا ... فدور الناس كلهم لحود
# فلا طابت لي الدنيا فواقا ... ولا لهم ولا أثرى العبيد «6»
# ثم مضت معي ومع القوم تولول حتى انتهينا إليه، فغسلناه وكفناه وصلينا
~~عليه، فأكبت على قبره؛ وخرجت لطيتي «7» حتى أتيت يزيد بن عبد الملك، وأوصلت
~~إليه الكتاب؛ فسألني عن أمور الناس، قال: هل رأيت في طريقك شيئا؟ قلت: نعم،
~~رأيت والله عجبا، وحدثته الحديث؛ فاستوى جالسا، ثم قال: لله أنت يا محمد بن
~~قيس! امض الساعة قبل أن تعرف جواب ما قدمت له، حتى تمر بأهل الفتى وبني
~~عمه، وتمر بهم إلى عامل المدينة، وتأمره أن يثبتهم في شرف العطاء، وإن كان
~~أصابها ما أصابه، فافعل ببني عمها ما
# PageV04P126
# فعلت ببني عمه، ثم ارجع إلي حتى تخبرني بالخبر، وتأخذ جواب ما قدمت له.
~~فمررت بموضع القبر، فرأيت إلى جانبه قبرا آخر، فسألت عنه فقيل: قبر المرأة،
~~أكبت على قبره، ولم تذق طعاما ولا شرابا، ولم ترفع عنه إلى ثلاثة أيام إلا
~~ميتة؛ فجمعت بني عمها وبني عمه، وأثبتهم في شرف العطاء جميعا.
# عن هاشم بن حسان عن رجل من بني تميم قال:
# خرجت في طلب ناقة لي، حتى وردت على ماء من مياه طيء، فإذا أنا بعسكرين
~~«1» بينهما دعوة «2» ، فإذا أنا بفتى شاب وجارية في العسكر، وإذا هو قد سمع
~~نبرة من كلامها وهو مريض، فرفع عقيرته «3» وقال: [وافر]
# ألا ما للمليحة لا تعود ... أبخل بالمليحة أم صدود
# فلو كنت المريضة كنت أسعى ... إليك ولم ينهنهني الوعيد
# فسمعت صوته فخرجت تعدو، فأمسكها النساء، وأبصرها فأقبل ينشد، فأمسكه
~~الرجال، فأفلت وأفلتت، فاعتنقا وخرا ميتين؛ فخرج شيخ من تلك الأخبية حتى
~~وقف عليهما. فاسترجع لهما، ثم قال: أما والله لئن كنتما لم تجتمعا حيين
~~لأجمعن بينكما ميتين. قال: فقلت: من هذا؟ قال: هذا ابن أخي، وهذه ابنتي؛
~~فدفنهما في قبر واحد.
# PageV04P127
# عن ابن سيرين قال: قال عبد الله بن عجلان «1» صاحب هند «2» التي عشقها
~~وكانت تحبه فطلقها: [طويل]
# ألا إن هندا أصبحت لك محرما ... وأصبحت من أدنى حموتها حما
# وأصبحت كالمقمور جفن سلاحه ... يقلب بالكفين قوسا وأسهما «3»
# ومد بها صوته ثم مات. قال الأصمعي: فيه قال الشاعر: [هزج]
# إن مت من الحب ... فقد مات ابن عجلان
# قيل لأعرابي من العذريين: ما بال قلوبكم كأنها قلوب طير تنماث «4» كما
~~ينماث الملح في الماء! أما تجلدون؟ «5» فقال: إننا ننظر إلى محاجر أعين لا
~~تنظرون إليها.
# وقيل لأعرابي: ممن أنت؟ فقال: من قوم إذا أحبوا ماتوا. فقالت جارية
~~سمعته: عذري ورب الكعبة!.
# عن عبد الملك بن عمير قال: كان أخوان من بني كنة «6» من ثقيف، أحدهما ذو
~~أهل، والآخر عزب، وكان ذو الأهل إذا غاب خلفه العزب في أهله؛ فغاب غيبة له،
~~فجاء العزب يوما فطلعت عليه امرأة الأخ، وهي لا تعلم
# PageV04P128
# بمكانه، وعليها درع يشف «1» ، فسترت وجهها بذراعيها، فوقعت في قلبه، وجعل
~~يذوب حتى صار كأنه خيط؛ فقدم أخوه فقال: يا أخي، مالك؟ قال: لا أدري،
~~واستحيا أن يذكر ما به؛ فانطلق أخوه إلى الحارث بن كلدة طبيب العرب، فوصفه
~~له؛ فقال: احمله إلي؛ فلما نظر إليه قال: أما العينان فصحيحتان، وأما الجسم
~~فذائب، ولا أظن أخاك إلا عاشقا؛ قال: ترى أخي بالموت، وتزعم أنه عاشق! قال:
~~هو ما أقول لك، فاسقه الشراب؛ فسقاه الخمر، فقال الشعر ولم يكن الشعر من
~~شأنه، فقال: [هزج]
# ألما بي إلى الأبيا ... ت بالخيف أزرهنه «2»
# غزال ما رأيت اليو ... م في دور بني كنه
# غزال أكحل العين ... وفي منطقه غنه «3»
# فقال أخوه: والله ما أراه إلا كما قال، ولكن لا أدري من عنى؛ فسقاه شربة
~~أخرى، فقال: [مجزوء الخفيف]
# أيها الحي اسلموا ... اسلموا ثمت اسلموا
# لا تولوا وتعرضوا ... وأربعوا «4» كي تكلموا
# خرجت مزنة من ال ... بحر ريا تحمحم «5»
# PageV04P129
# هي ما كنتي وتز ... عم أني لها حم «1»
# قال: يا أخي هي طالق ثلاثا، فإن شئت فتزوجها؛ قال: وهي طالق إن تزوجتها.
~~قال غيره: فلما أفاق ذهب على وجهه حياء ولم يرجع، فهو فقيد ثقيف.
# عن أبي مسكين قال: خرج أناس من بني حنيفة يتنزهون إلى جبل لهم، فبصر فتى
~~منهم يقال له عباس بجارية فهويها، وقال لأصحابه: والله لا أنصرف حتى أرسل
~~إليها؛ فطلبوا إليه أن يكف وأن ينصرف معهم فأبى، وأقبل يراسل الجارية حتى
~~وقع في نفسها، فأقبل في ليلة إضحيانة «2» متنكبا «3» قوسه وهي بين إخوتها
~~نائمة، فأيقظها؛ فقالت: انصرف وإلا أيقظت إخوتي فقتلوك! فقال: والله للموت
~~أيسر مما أنا فيه، ولكن لله علي إن أعطيتيني يدك حتى أضعها على فؤادي أن
~~أنصرف؛ فأمكنته من يدها، فوضعها على فؤاده ثم انصرف؛ فلما كان من القابلة
~~أتاها وهي في مثل حالها، فقالت له مثل مقالتها، ورد عليها وقال: إن أمكنتني
~~من شفتيك أرشفهما انصرفت ثم لا أعود إليك، فأمكنته من شفيتها فرشفهما ثم
~~انصرف؛ فوقع في قلبها منه مثل النار؛ ونذر»
# به الحي، فقالوا: ما لهذا الفاسق في هذا الجبل! انهضوا بنا إليه حتى
~~نخرجه منه؛ فأرسلت إليه: إن القوم يأتونك الليلة فاحذر، فلما أمسى قعد على
~~مرقب «5» ومعه قوسه وأسهمه، وأصاب الحي من آخر النهار
# PageV04P130
# مطر وندى فلهوا عنه؛ فلما كان في آخر الليل وذهب السحاب وطلع القمر، خرجت
~~وهي تريده وقد أصابها الطل، فنشرت شعرها وأعجبتها نفسها ومعها جارية من
~~الحي، فقالت: هل لك في عباس؟ فخرجنا تمشيان، ونظر إليهما وهو على المرقب،
~~فظن أنهما ممن يطلبه، فرمى بسهم فما أخطأ قلب الجارية ففلقه! وصاحت الأخرى،
~~فانحدر من الجبل وإذا هو بالجارية في دمها؛ فقال: [مجزوء الكامل]
# نعب الغراب بما كره ... ت ولا إزالة للقدر
# تبكي وأنت قتلتها ... فاصبر وإلا فانتحر
# ثم وجأ «1» في أوداجه بمشاقصه «2» ، وجاء الحي فوجدوهما مقتولين
~~فدفنوهما!.
# قال خلاد الأرقط: سمعت مشايخنا من أهل مكة يذكرون أن القس «3» ، وهو مولى
~~لبني مخزوم، كان عند أهل مكة بمنزلة عطاء بن أبي رباح، وأنه مر يوما بسلامة
~~«4» وهي تغني، فوقف يسمع؛ فرآه مولاها فدنا منه فقال: هل لك في أن تدخل
~~وتستمع؟ فأبى، ولم يزل به فقال: أقعدك في موضع لا تراها ولا تراك، ففعل، ثم
~~غنت فأعجبته؛ فقال: هل لك في أن أحولها إليك؟ فتأبى. ثم أجاب، فلم يزل به
~~حتى شغف بها وشغفت به، وعلم ذلك أهل مكة. فقالت له يوما وقد خلوا: أنا
~~والله أحبك؛ فقال: وأنا
# PageV04P131
# والله أحبك. قالت: فأنا أحب أن أضع فمي على فمك؛ قال: وأنا والله.
# قالت: وأنا والله أحب أن أضع صدري على صدرك؛ قال: وأنا والله. قالت:
# فما يمنعك؟ والله إن الموضع لخال! فأطرق ساعة، ثم قال: إني سمعت الله
~~يقول: الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين
# «1» ، وأنا والله أكره أن تكون خلة ما بيني وبينك عداوة يوم القيامة؛
~~ونهض وعاد إلى طريقته التي كان عليها. وفيه قيل: [طويل]
# لقد فتنت ريا وسلامة القسا ... ولم تتركا للقس عقلا ولا نفسا
# ومن شعره فيها: [وافر]
# أهابك أن أقول بذلت نفسي ... ولو أني أطيع القلب قالا
# حياء منك حتى شف جسمي ... وشق علي كتماني وطالا «2»
# وهو القائل: [كامل]
# قد كنت أعذل في السفاهة أهلها ... فاعجب لما تأتي به الأيام
# فاليوم أرحمهم وأعلم أنما ... سبل الغواية والهدى أقسام
# وهو القائل: [طويل]
# ألم ترها لا يبعد الله دارها ... إذا مرحت في صوتها كيف تصنع «3»
# تمد نظام القول ثم ترده ... إلى صلصل في حلقها فترجع «4»
# كتبت منية إلى قابوس: من سن سنة فليرض بأن يحكم عليه بها. ومن سأل مسألة
~~فليرض من العطية بقدر بذله. لكل عمل ثواب، ولكل فعل
# PageV04P132
# جزاء. ومن بدأ بالظلم كان أظلم. ومن انتصر فقد أنصف. والعفو أقرب إلى
~~العقل. وغير مسيء من أعتب. وغير مذنب من طول «1» مع المخض تبدو الزبدة. عند
~~تناهي البلاء يكون الفرج. كل ذي قرح يشتهي دواء قرحه. كل مطمع منتظر. كل آت
~~قريب. مع كل فرحة ترحة. من خبث سنخه «2» غلظ كبده ونام حقده. الموت أروح من
~~الهوى. اليأس أول سبب الراحة. السحر أنفذ من الشعر. دواء كل محب حبيبه. مع
~~اليوم غد. كما تدين تدان.
# استشف الله لما بك، واسأله المدافعة عنك.
# فأجابها:
# من الكرام تكون الرحمة، ومن اللئام تكون القسوة. من كرم أصله لان قلبه
~~ورق وجهه. ومن عاقب بالذنوب ترك الفضل. ومن ترك الفضل أخطأ الحظ. ومن لم
~~يغفر لم يغفر له. ومن حقد واضطغن اكتسب الأعداء. أولى الناس بالرحمة من
~~احتاج إليها فحرمها. لكل كرب فرج، ولكل عمر ثواب.
# من أحب رق لكل محب. لا داء أدوى «3» من الهوى، ولا أوهن منه لذي القوى.
~~لا ملكة «4» أكرم من ملكة كريم، ولا قدرة ألأم من قدرة لئيم. ملكت فأسجحي
~~«5» : قدرت فاعفي. ويل للشجي من الخلي «6» . من كان في نعمة لم يدر قدر
~~البلية. من سها عقله فسد عيشه، ومن فسد عيشه كان الموت راحته.
# الآمال مبسوطة، والآجال معدودة. والمتوقع الموت. وحسرة الموت من مات
# PageV04P133
# بغصة. خير الخير أعجله. من أراد معروفا فلا يتطول «1» . الحب أثقل محمول.
# وكتب إليها أيضا:
# قل من حبيب كتاب، وعظم من محب مصاب. لكل آخر أول، مرقاة «2» إلى مرقاة.
~~قد ينمو القليل فيكثر، ويضمحل الكثير فيذهب. من طلب وجد.
# ومن أدمن الاستفتاح فتحت له الأغلاق. أولى الأمور بالنجاح المواظبة. قد
~~يتبع الظفر البصر، ويتبع البصر التغير والاستثقال، ويتبع الاستثقال
~~الاستبدال؛ ولن يدوم شيء على حال. ولكل هم فرج. والعناء مقرون بالرجاء. قد
~~يستخرج بالكلمة الحية، وتنشأ من الحبة الشجرة. وفي اللقاء شفاء الغليل،
~~وتنفس الهموم. ارتاد امرؤ قبل حلوله، وتثبت قبل إقدامه. مع العجلة تكون
~~الندامة، وفي التثبت تكون السلامة. العاقل من ابتدأ عملا في غير حينه فبلغ
~~في حين وقته. لا ينال بغير دواء شفاء. الصعب يمكن بعد منع. الرفق سبب
~~القدرة. الخرق «3» مفتاح الحرمان. من أسر «4» أسراره دامت له لذاته. رب
~~أكلة تمنع أكلات، ولقية تصد عن لقيات.
# PageV04P134
### | أبيات في الغزل حسان
# [طويل]
# يقر بعيني أن أرى من مكانه ... ذرى عقدات الأبرق المتقاود «1»
# وأن أرد الماء الذي شربت به ... سليمى فقد مل السرى كل واحد «2»
# وألصق أحشائي ببرد ترابه ... وإن كان مخلوطا بسم الأساود «3»
# قال أبو صخر الهذلي «4» : [طويل]
# أما والذي أبكى وأضحك والذي ... أمات وأحيا والذي أمره الأمر
# لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى ... أليفين منها لا يروعهما الذعر
# فيا هجر ليلى قد بلغت بي المدى ... وزدت على ما لم يكن بلغ الهجر
# ويا حبها زدني جوى كل ليلة ... ويا سلوة الأيام موعدك الحشر «5»
# وصلتك حتى قيل لا يعرف القلى ... وزرتك حتى قلت ليس له صبر «6»
# عجبت لسعى الدهر بيني وبينها ... فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر «7»
# إذا ذكرت يرتاح قلبي لذكرها ... كما انتفض الصعفور بلله القطر «8»
# PageV04P135
# هل الوجد إلا أن قلبي لو دنا ... من الجمر قيد الرمح لاحترق الجمر
# وقال آخر «1» : [طويل]
# أيا خلة النفس التي ليس دونها ... لنا من أخلاء الصفاء خليل
# ويا من كتمنا حبه لم يطع به ... عدو ولم يؤمن عليه دخيل
# أما من مقام أشتكي غربة النوى ... وجور العدا فيه إليك سبيل
# وكنت إذا ما جئت جئت بعلة ... فأفنيت علاتي فأيش أقول «2»
# وما كل يوم لي بأرضك حاجة ... وما كل يوم لي إليك رسول
# وقال المجنون «3» : [طويل]
# وإني لأستغشي وما بي نعسة ... لعل خيالا منك يلقى خياليا «4»
# وأخرج من بين الجلوس لعلني ... أحدث عنك النفس في السر خاليا
# وقال أيضا:
# فأدنيتني حتى إذا ما ملكتني ... بقول يحل العصم سهل الأباطح «5»
# تجافيت عني حين لا لي حيلة ... وخلفت ما خلفت بين الجوانح
# ونحوه قول العباس بن الأحنف: [بسيط]
# أشكو الذي أذاقوني مودتهم ... حتى إذا أيقظوني في الهوى رقدوا
# واستنهضوني فلما قمت منتهضا ... من ثقل ما حملوني في الهوى قعدوا
# PageV04P136
# وقال بعض المحدثين: [مجتث]
# من كان يبكي لما بي ... من طول وجد رسيس «1»
# فالآن قبل وفاتي ... «لا عطر بعد عروس» «2»
# وقال العباس بن جرير من ولد خالد بن عبد الله: [مديد]
# ظلت الأحزان تكحلني ... مضضا طالت له سنتي «3»
# من هوى ظبي كأن له ... أربا بالصد في ترتي «4»
# قد حمى عني محاسنه ... وحمى تقبيله شفتي
# شركت عيناه ظالمة ... في دمي من عظم ما جنت «5»
# وقال ابن الطثرية: [طويل]
# وإن كنتم ترجون أن يذهب الهوى ... يقينا وتروى بالشراب فننقعا «6»
# فردوا هبوب الريح أو غيروا الجوى ... إذا حل ألواذ الحشا فتمنعا «7»
# تلفت نحو الحي حتى وجدتني ... وجعت من الإصغاء ليتا وأخدعا «8»
# PageV04P137
# وقال ابن ميادة «1» : [طويل]
# بنفسي وأهلي من إذا عرضوا له ... ببعض الأذى لم يدر كيف يجيب
# ولم يعتذر عذر البريء ولم يزل ... له سكتة حتى يقال مريب
# وقال علي بن الجهم في رقعة أتته بخط جارية: [سريع]
# ما رقعة جاءتك مثنية ... كأنها خد على خد «2»
# نبذ سواد في بياض كما ... ذر فتيت المسك في الورد «3»
# ساهمة الأسطر مصروفة ... عن ملح الهزل إلى الجد «4»
# يا كاتبا أسلمني عتبه ... إليه حسبي منك ما عندي
# وقال جرير: [طويل]
# أتجمع قلبا بالعراق فريقه ... ومنه بأظلال الأراك فريق «5»
# أوانس أما من أردن عناءه ... فعان ومن أطلقن فهو طليق
# دعون الهوى ثم ارتمين قلوبنا ... بأسهم أعداء وهن صديق
# وقال آخر: [بسيط]
# لذان تضنيهما للبين فرقته ... ولا يملان طول الدهر ما اجتمعا «6»
# مستقبلان بساه من شبابهما ... إذا دعا دعوة الداعي الهوى شمعا «7»
# PageV04P138
# لا يعجبان لقول الناس عن عرض ... بل يعجبان لما قالا وما سمعا «1»
# وقال أعرابي: [طويل]
# وقلن لها سرا وقيناك لا يقم ... صحيحا فإن لم تقتليه فألممي
# فأذرت قناعا دونه الشمس واتقت ... بأحسن موصولين كف ومعصم «2»
# فراح وما أدري أفي طلعة الضحى ... يروح أم داج من الليل مظلم
# وقال آخر: [بسيط]
# يا أحسن الناس من قرن إلى قدم ... لم ألق مثلك في حل ولا حرم «3»
# يا من تلبس حسن الغانيات به ... قد خط قبلك فيما خط بالقلم
# وقال ذو الرمة «4» : [طويل]
# وقد كنت أبكي والنوى مطمئنة ... بنا وبكم من علم ما البين صانع
# وأشفق من هجرانك ويشفني ... مخافة وشك البين والشمل جامع «5»
# وأهجركم هجر البغيض وحبكم ... على كبدي منه شؤون صوادع «6»
# وقال أيضا: [طويل]
# وقد كنت أخفي حب مي وذكرها ... رسيس الهوى حتى كأن لا أريدها
# فما زال يغلوا حب مية عندنا ... ويزداد حتى لم نجد ما يزيدها
# PageV04P139
# وقال: [طويل]
# وما زلت أطوي النفس حتى كأنها ... بذي الرمث لم تخطر على بال ذاكر «1»
# حياء وإشفاقا من الركب أن يروا ... دليلا على مستودعات الضمائر
# وقال آخر: [خفيف]
# قل لحادي المطي روح قليلا ... نجعل العيس سيرهن ذميلا «2»
# لا تقفها على السبيل ودعها ... يهدها شوق من عليها السبيلا
# وقال آخر: [طويل]
# فإن يرتحل صحبى بجثمان أعظمي ... يقم قلبي المحزون في منزل الركب
# ونحوه: [مجزوء الكامل المرفل]
# جسد مقيم في الديا ... ر وروحه في الظاعنين
# وقال آخر: [طويل]
# لعمر أبي المحضير أيام نلتقي ... بما لا نلاقيها من الدهر أكثر
# يعدون يوما واحدا إن أتيتها ... وينسون ما كانت من الدهر تهجر
# وقال حميد بن ثور: [طويل]
# وقلن لها قومي فديناك فاركبي ... فأومت بلالا غير ما أن تكلما «3»
# يهادينها حتى لوت بزمامه ... بنانا كهداب الدمقس ومعصما «4»
# من البيض عاشت بين أم عزيزة ... وبين أب بر أطاع وأكرما
# PageV04P140
# منعمة لو يصبح الذر ساريا ... على جلدها نضت مدارجه دما «1»
# فما ركبت حتى تطاول يومها ... وكانت لها الأيدي إلى الحدب سلما «2»
# فجرجر لما كان في الخدر نصفها ... ونصف على دأياته ما تحرما «3»
# وما كاد لما أن علته يقلها ... بنهضته حتى اطمأن وأعصما «4»
# وحتى تداعت بالنقيض جباله ... وهمت بواني زوره أن تحطما «5»
# وأثر في صم الصفا نفثاته ... ورمت سليمى أمره ثم صمما «6»
# فسبحن واستهللن لما رأينه ... بها ربذا سهل الأراجيح مرجما «7»
# من البيض مكسال إذا ما تلبست ... بحبل امرىء لم ينج منها مسلما «8»
# رقود الضحى لا تقرب الجيرة القصى ... ولا الجيرة الأدنين إلا تجشما
# وليست من اللاتي يكون حديثها ... أمام بيوت الحي إن وإنما
# وقال قيس بن ذريح «9» : [طويل]
# تعلق روحي روحها قبل خلقنا ... ومن بعد ما كنا نطافا وفي المهد «10»
# PageV04P141
# فزاد كما زدنا فأصبح ناميا ... فليس وإن متنا بمنفصم العهد «1»
# ولكنه باق على كل حادث ... وزائرنا في ظلمة القبر واللحد
# يكاد حباب الماء يخدش جلدها ... إذا اغتسلت بالماء من رقة الجلد «2»
# ولو لبست ثوبا من الورد خالصا ... لخدش منها جلدها ورق الورد
# يثقلها لبس الحرير للينها ... وتشكو إلى جاراتها ثقل العقد
# وأرحم خديها إذا ما لحظتها ... حذارا للحظي أن يؤثر في الخد
# تم كتاب النساء، وهو الكتاب العاشر من عيون الأخبار، لابن قتيبة رحمة
~~الله عليه، وتم بتمامه كتاب عيون الأخبار. وكتبه الفقير إلى رحمة الله
~~تعالى إبراهيم بن عمر ابن محمد بن علي الواعظ الجزري، في شهور سنة أربع
~~وتسعين وخمسمائة.
# والحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على خير خلقه ومظهر حقه محمد وآله
~~أجمعين جاء في أول الجزء العاشر على ظهر الصفحة الأولى من النسخة الخطية
~~التي نقل عنها الأصل الفتوغرافي ما يأتي: [خفيف]
# قال لي قائل وقد لاح في فو ... دي مستشرقا بياض القتير «3»
# لم يعاف البياض بيض الغواني ... قلت علمي وأنت عين الخبير
# ليس كره النساء للشيب إلا ... أنه منذر بنوم الأيور
# روي عن علي عليه السلام أنه سئل عن صفة الجماع فقال: عورات تجتمع وحياء
~~يرتفع، إذا ظهر للعيون كان أشبه شيء بالجنون. الإقامة عليه
# PageV04P142
# هرم، والإفاقة منه ندم؛ ثمرة حلاله الولد، إن عاش أفتن «1» ، وإن مات
~~أحزن: [طويل]
# إذا لم يكن في منزل المرء حرة ... مدبرة ضاعت مروءة داره
# وقيل: اجتمع جماعة من الشعراء عند عبد الملك بن مروان فتذاكروا بيت نصيب
~~وهو قوله: [طويل]
# أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ... أوكل بدعد من يهيم بها بعدي
# فما في القوم إلا من عابه وأزرى على نصيب فيه، فقال عبد الملك:
# فما كنتم تقولون أنتم؟ فقال واحد منهم: كنت أقول يا أمير المؤمنين:
# أهيم بدعد ما حييت وإن أمت ... فيا ليت شعري من يهيم بها بعدي
# فقال له عبد الملك: أنت أسوأ رأيا من نصيب. فقالوا: فماذا كنت تقول أنت
~~يا أمير المؤمنين؟ قال: كنت أقول:
# أهيم بدعد ما حييت وإن أمت ... فلا صلحت دعد لذي خلة بعدي
# فقالوا: أنت والله أشعر الثلاثة يا أمير المؤمنين. PageV04P143